المقتضب

 (هَذَا بَاب الْحُرُوف الَّتِي تجزم الْأَفْعَال)
وَهِي لم ولمّا وَلَا فِي النَّهْي وَاللَّام فِي الْأَمر وحروف المجازاة وَمَا اتَّصل بهَا على مَعْنَاهَا وَذَلِكَ قَوْلك لم يقمْ عبد الله وَلم يذهبْ أَخُوك وَلَا تذْهب يَا زيد ولمّا يقمْ عبد الله وليقمْ زيد وَالدُّعَاء يجْرِي مجْرى الْأَمر وَالنَّهْي وَإِنَّمَا سمي هَذَا أمرا ونهيا وَقيل للْآخر طلب للمعنى فَأَما اللَّفْظ فواحد وَذَلِكَ قَوْلك فِي الطّلب اللَّهُمَّ اغْفِر لي وَلَا يقطعِ الله يَد زيد وليَغفرْ لخَالِد فَإِنَّمَا تَقول سَأَلت الله وَلَا تقل أمرت الله وَكَذَلِكَ لَو قلت للخليفة انظرْ فِي أَمْرِي أنصفني لَقلت سَأَلته وَلم تقل أَمرته فإمَّا قَوْلك اضْرِب واقتل فمبني غير مجزوم لما قد تقدم من شرحنا لَهُ وَمن أَنه لَيْسَ فِيهِ حرف من حُرُوف المضارعة الَّتِي يجب بهَا الْأَعْرَاب فَاللَّام فِي الْأَمر للْغَائِب وَلكُل من كَانَ غير مُخَاطب نَحْو قَول الْقَائِل قُم ولأقمْ مَعَك فَاللَّام جازمة لفعل الْمُتَكَلّم

(2/44)


وَلَو كَانَت للمخاطب لَكَانَ جيدا على الأَصْل وَإِن كَانَ فِي ذَلِك أَكثر لاستغنائهم بقَوْلهمْ افعلْ عَن لتفعلْ وَرُوِيَ أَن رَسُول الله قَرَأَ {فَبِذلكَ فَلِتَفْرَحوا} بِالتَّاءِ

(2/45)


(هَذَا بَاب المجازاة وحروفها)
وَهِي تدخل للشّرط وَمعنى الشَّرْط وُقُوع الشَّيْء لوُقُوع غَيره فَمن عواملها من الظروف أَيْن وَمَتى وأنَّى وحيثما وَمن الْأَسْمَاء منْ وَمَا وَأي وَمهما وَمن الْحُرُوف الَّتِي جَاءَت لِمَعْنى إنْ وإذما وَإِنَّمَا اشتركت فِيهَا الْحُرُوف والظروف والأسماء لاشتمال هَذَا الْمَعْنى على جَمِيعهَا فحرفها فِي الأَصْل إِن وَهَذِه كلهَا دواخل عَلَيْهَا لاجتماعها وكل بَاب فاصله شَيْء وَاحِد ثمَّ تدخل عَلَيْهِ دواخل لاجتماعها فِي الْمَعْنى وَسَنذكر إِن كَيفَ صَارَت أَحَق بالجزاء كَمَا أَن الْألف أحقُ بالاستفهام وَإِلَّا أَحَق بِالِاسْتِثْنَاءِ وَالْوَاو أَحَق بالْعَطْف مُفَسرًا إِن شَاءَ الله فِي هَذَا الْبَاب الَّذِي نَحن فِيهِ فَأَما إِن فقولك إِن تَأتِينِي آتِك وَجب الْإِتْيَان الثَّانِي بِالْأولِ وَإِن تكرمني أكرمك وَإِن تُطِع الله يغْفر لَك كَقَوْلِه عز وَجل {إِن ينْتَهوا يغْفر لَهُم مَا قد سلف}

(2/46)


{وَإِن تَتَوَلَّوْا يسْتَبْدل قوما غَيْركُمْ} (وإنْ تَطيعوا اللهَ ورَسَولَهُ لَا يَلِتْكُمْ} والمجازاة ب إذما قَوْلك إذما تأتني آتِك كَمَا قَالَ الشَّاعِر
(إِذْ مَا أتيتَ على الرَسولِ فقلْ لهَ ... حَقًا عليكَ إِذا اطمأنَّ المجلِسُ)
وَلَا يكون الْجَزَاء فِي إِذْ وَلَا فِي حَيْثُ بِغَيْر مَا لِأَنَّهُمَا ظرفان يضافان إِلَى الْأَفْعَال وَإِذا زِدْت على كل وَاحِد مِنْهُمَا مَا منعتا الْإِضَافَة فعملتا وَهَذَا فِي آخر الْبَاب يشْرَح بِأَكْثَرَ من هَذَا الشَّرْح إِن شَاءَ الله وَأما المجازاة بمنْ فَقَوله عز وَجل {ومَنْ يَتقِ اللهَ يَجعَلْ لهُ مَخرجا} {وَقَوله} (فَمَنْ يَؤمِنْ بَرَبهِ فَلَا يَخافُ بَخسا وَلَا رهقاً} وَبِمَا قَوْله {مَا يَفْتَحِ اللهُ للِناسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَها} وبأين قَوْله عز وَجل {أيْنَما تَكونوا يُدرِكُكُمْ الموتُ} وَقَالَ الشَّاعِر

(2/47)


(أينَ تضربْ بِنَا العُداةَ تَجدنا ... نَصرِفُ العِيسَ نَحوها للتلاقي)
وي أَنى قَوْله
(فأصبحتَ أنّى تأتِها تلْتَبِس بهَا ... كلا مَرْكبيها تحتَ رِجليكَ شاجِرٌ)
وَمن حُرُوف المجازة مهما وَإِنَّمَا أخرنا ذكرهَا لِأَن الْخَلِيل زعم أَنَّهَا مَا مكررة وأبدلت من الْألف الْهَاء وَمَا الثَّانِيَة زَائِدَة على مَا الأولى كَمَا تَقول أَيْن وأينما وَمَتى وَمَتى مَا وَإِن وَإِمَّا وَكَذَلِكَ حُرُوف المجازاة إِلَّا مَا كَانَ من حَيْثُمَا وإذما فَإِن مَا فيهمَا لَازِمَة لَا يكونَانِ للمجازاة إِلَّا بهَا كَمَا لَا تقع رُبَ على الْأَفْعَال إِلَّا بِمَا فِي قَوْله {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا} وَلَو حذفت مِنْهَا مَا لم تقع إِلَّا على الْأَسْمَاء النكرات نَحْو رُبَ رجل يَا فَتى

(2/48)


والمجازاة ب أَي قَوْله {أيا مَا تدعوا فَلهُ الْأَسْمَاء الْحسنى} وب مَتى قَول طرفَة
(مَتى تأتني أصبَحكَ كأساً روِيةً ... وإنْ كنتَ عَنْهَا غانياً فأغنَ وازْدُدِ)
وَهَذِه الْحُرُوف كلهَا هَذَا مجازها فَأصل الْجَزَاء أَن تكون أَفعاله مضارعة لِأَنَّهُ يعربها وَلَا يعرب إِلَّا الْمُضَارع فَإِذا قلت إِن تأتني آتِك فتأتني مجزومة بِأَن وآتك مجزومة بإن وتأتني وَنَظِير ذَلِك من الْأَسْمَاء قَوْلك زيد منطلق فزيد مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر رفع بِالِابْتِدَاءِ والمبتدأ وَلَا تكون المجازاة إِلَّا بِفعل لِأَن الْجَزَاء إِنَّمَا يَقع بِالْفِعْلِ أَو بِالْفَاءِ لِأَن معنى الْفِعْل فِيهَا فَأَما الْفِعْل فقولك إِن تأتني أكرمْك وَإِن تزرني أزورك

(2/49)


وَأما الْفَاء فقولك إِن تأتني فَأَنا لَك شَاكر وَإِن تقمْ فَهُوَ خير لَك وَقد يجوز أَن تقع الْأَفْعَال الْمَاضِيَة فِي الْجَزَاء على معنى المستقبلية لِأَن الشَّرْط لَا يَقع إِلَّا على فعل لم يَقع فَتكون موَاضعهَا مجزومة وَإِن لم يتَبَيَّن فِيهَا الْأَعْرَاب كَمَا أَنَّك إِذا قلت جَاءَنِي خمسةَ عشرَ رجلا كَانَ مَوْضِعه مَوضِع رفع وَإِن لم يتَبَيَّن فِيهِ للْبِنَاء وَكَذَلِكَ جَاءَنِي مَنْ عنْدك ومررت بِالَّذِي فِي الدَّار كل ذَلِك غير مُعرب فِي اللَّفْظ ومواضعها وَإِنَّمَا هِيَ لما مضى فِي الأَصْل قيل لَهُ الْحُرُوف تفعل ذَلِك لما تدخل لَهُ من الْمعَانِي أَلا ترى إِنَّك تَقول زيد يذهب يَا فَتى فَيكون لغير الْمَاضِي فَإِن قلت لم يذهب زيد كَانَ ب لم نفيا لما مضى وَصَارَ مَعْنَاهُ لم يذهب زيد أمس واستحال لم يذهب زيد غَدا - _ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ إنْ أصل الْجَزَاء لِأَنَّك تجازي بهَا فِي كل ضرب مِنْهُ تَقول إِن تأتني آتِك وَإِن تركب حمارا أركبه ثمَّ تصرفها مِنْهُ فِي كل شَيْء وَلَيْسَ هَكَذَا سائرها وَسَنذكر ذَلِك اجْمَعْ تَقول فِي منْ من يأتني آتهِ فَلَا يكون ذَلِك إِلَّا لما يعقل فَإِن أردْت بهَا غير ذَلِك لم يكن فَإِن قَالَ قَائِل فقد قَالَ الله عز وَجل {وَالله خلق كل دَابَّة من مَاء فَمنهمْ من يمشي على بَطْنه} فَهَذَا لغير اللآدميين وَكَذَلِكَ {وَمِنْهُم من يمشي على أَربع} قيل إِنَّمَا جَازَ هَذَا لِأَنَّهُ قد خلط مَعَ الْآدَمِيّين غَيرهم بقوله (واللهُ خَلَقَ كلَّ دابةٍ مِنْ

(2/50)


ماءٍ} وَإِذا اخْتَلَط الْمَذْكُورَان جرى على أَحدهمَا مَا هُوَ على للْآخر إِذا كَانَ فِي مثل مَعْنَاهُ لِأَن الْمُتَكَلّم يبين بِهِ مَا فِي الآخر وَإِن كَانَ لَفظه مُخَالفا فَمن ذَلِك قَول الشَّاعِر
(شَرابُ ألبانِ وتَمرٍ وإقطْ)
فالتمر والإقط لَا يُقَال فيهمَا شربا وَلَكِن أدخلهما مَعَ مَا يشرب فَجرى اللَّفْظ وَاحِد وَالْمعْنَى أَن ذَلِك يصير إِلَى بطونهم وَمثله
(يَا لَيتَ زوجَكِ قّد غَدا ... مُتَقَلِداً سَيفاً ورُمحا)
لِأَن معنى المتقلد حَامِل فَلَمَّا خلط بَينهمَا جرى عَلَيْهِمَا لفظ وَاحِد وعَلى هَذَا انشدوا بَيت الحُطيئة
(سَقوا جاركَ العيمانَ لما جَفَوْته ... وقَلَصَ عنْ بردِ الشرابِ مشافرهْ)

(سناما ومحضا أنبتا اللحمَ فاكتست ... عظامُ امرئٍ مَا كَانَ يشبَعُ طائرُه)

(2/51)


وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْء إِنَّمَا الرِّوَايَة قروا وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنه بَدَأَ بالسنام فَلَا يَقع إِلَى جَانب سقوا وَقَالَ قوم بلَى كَانَ السنام يذاب فِي الْمَحْض فيشرب فَإِن كَانَ كَذَاك فَلَا حجَّة فِي الْبَيْت - _ وَمَا تكون لغير الْآدَمِيّين نَحْو مَا تركب أركبْ وَمَا تصنعْ اصنعْ فَإِن قلت مَا يأتني آته تُرِيدُ النَّاس لم يصلح فَإِن قيل فقد قَالَ الله عز وَجل {وَالسَّمَاء وَمَا بناها} وَمَعْنَاهُ وَمن بناها وَكَذَلِكَ {إِلَّا على أَزوَاجهم أَو مَا ملكت أَيْمَانهم} قيل قد قيل ذَلِك وَالْوَجْه الَّذِي عَلَيْهِ النحويون غَيره إِنَّمَا هُوَ وَالسَّمَاء وبنائها وَإِلَّا على أَزوَاجهم أَو ملك أَيْمَانهم فَهِيَ مصَادر وَإِن دلّت على غَيرهَا مِمَّن يملك كَقَوْلِك هَذَا ملك يَمِينك وَهَذَا الثَّوْب نسج الْيمن وَهَذَا الدِّرْهَم ضرب الْأَمِير وَلَو كَانَ على مَا قَالُوا لَكَانَ على وضع النَّعْت فِي مَوضِع المنعوت لِأَن مَا إِنَّمَا تكون لذوات غير الْآدَمِيّين ولصفات الْآدَمِيّين تَقول من عنْدك فَيَقُول زيدٌ فَتَقول مَا زيدٌ فَيَقُول جواد أَو بخيل أَو نَحْو ذَلِك فَإِنَّمَا هُوَ لسؤال عَن نعت الْآدَمِيّين وَالسُّؤَال عَن كل مَا يعقل بمنْ كَمَا قَالَ عز وَجل {أأمنتم من فِي السَّمَاء أَن يخسف بكم الأَرْض} فمَنْ لله عز وَجل كَمَا قَالَ {أمَّنْ يُجيبُ المُضْطَرَ إِذا دعاهُ} وَهَذَا فِي الْقُرْآن أَكثر وَقَالَ تبَارك اسْمه (ومِنْ عِندهِ

(2/52)


لَا يَسْتَكِبرونَ عنْ عِبادتهِ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة وَكَذَلِكَ فِي الْجِنّ فِي قَوْله {فمَنْ يُؤمِنْ بِرَبِهِ فَلاَ يَخافُ بَخساً وَلَا رَهقاُ} فَهَذَا قولي لَك إِنَّهَا لما يُخَاطب وَيعْقل - _ وَمن هَذِه الْحُرُوف مَتى وَلَا تقع إِلَّا للزمان نَحْو مَتى تأتني آتِك وَمَتى خرجْ زيد فِي الِاسْتِفْهَام فجواب هَذَا يَوْم الْجُمُعَة وَمَا أشبهه وَكَذَلِكَ أَيْن لَا تكون إِلَّا للمكان وَذَلِكَ لكه مخطور مَعْرُوف فِي الْجَزَاء والاستفهام وَحَيْثُ وَقع حرف من هَذِه الْحُرُوف فَأَما إِن فَإِنَّهَا لَيست باسم وَلَا فعل إِنَّمَا هِيَ حرف تقع على كل مَا وصلته بِهِ زَمَانا كَانَ أَو مَكَانا أَو آدَمِيًّا أَو غير ذَلِك تَقول إِن يأتني زيد آته وَإِن يقم فِي مَكَان كَذَا وَكَذَا أقمْ فِيهِ وَإِن تأتني يَوْم الْجُمُعَة آتِك فِيهِ وَكَذَلِكَ الْألف فِي الِاسْتِفْهَام تدخل على كل ضرب مِنْهُ وتتخطى ذَلِك إِلَى التَّقْرِير والتسوية فالتقرير قَوْلك أما جئتني فأكرمتك وَقَوله عز وَجل {أليسَ فِي جَهَنَّمَ مَثوى لِلمُتَكَبِّرينَ} والتسوية لَيْت شعري أَقَامَ زيد أم قعد وَقد علمت أَزِيد فِي الدَّار أم عَمْرو فَأَما قَوْلنَا فِي إِذْ وحيثُ أَن الْجَزَاء لَا يكون فيهمَا إِلَّا بِمَا وَمَا ذكرنَا من أَنا سنفسره فَهَذَا مَوضِع تَفْسِيره

(2/53)


أما إِذْ فتبنى عَن زمَان مَاض وَأَسْمَاء الْأَزْمَان تُضَاف إِلَى الْأَفْعَال فَإِذا أضيفت إِلَيْهَا كَانَت مَعهَا كالشيء الْوَاحِد وَمَتى جزمتها فصلت مِنْهَا أَلا ترى أَنَّك تَقول جئْتُك يَوْم خرج زيدٌ وَهَذَا يَوْم يخرج زيد و {هَذَا يَوْم ينفع الصَّادِقين صدقهم} فَلَمَّا وصلتها بِمَا جعلتهما شَيْئا وَاحِدًا فانفصلت من الْإِضَافَة فَعمِلت وَحَيْثُ اسْم من أَسمَاء الْمَكَان مُبْهَم يفسره مَا يُضَاف إِلَيْهِ فَحَيْثُ فِي الْمَكَان كحين فِي الزَّمَان فَلَمَّا ضارعتها أضيفت إِلَى الْجمل وَهِي الِابْتِدَاء وَالْخَبَر أَو الْفِعْل وَالْفَاعِل فَلَمَّا وصلتها ب مَا امْتنعت من الْإِضَافَة فَصَارَت ك إِذْ إِذا وصلتها بِمَا فَأَما سَائِر الْحُرُوف الَّتِي ذكرنَا سواهُمَا فَأَنت فِي زِيَادَة مَا وَتركهَا مُخَيّر تَقول إِن تأتني آتِك وَإِمَّا تأتني آتِك وَأَيْنَ تكنْ أكنْ وأينما تكنْ أكنْ وأيا تُكرمْ يكرمك و {وأيَّاً مَا تَدعُوا فَلهُ الأسماءُ الْحسنى} فَمَا تدخل على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا أَن تكون زَائِدَة للتوكيد فَلَا يتَغَيَّر الْكَلَام بهَا عَن عمل وَلَا معنى فالتوكيد مَا ذكرته فِي هَذِه الْحُرُوف سوى حَيْثُمَا وإذما وَاللَّازِم مَا وَقع فيهمَا ونظيرهما قَوْلك إِنَّمَا زيد أَخُوك منعت مَا أَن عَملهَا وَكَذَلِكَ جئْتُك بعد مَا عبد الله قَائِم فَهَذَا خلاف قَوْلك بعد عبد الله وَكَذَلِكَ
(أعلاقةً أمَّ الوليدِ بَعدَما ... أفْنان رأسِكِ كالثَّغامِ المُخْلِسِ)

(2/54)


وَكَذَلِكَ ربّ تَقول رب رجلٍ وَلَا تَقول رب يقوم زيد فَإِذا ألحقت مَا هيأتها للأفعال فَقلت رُبمَا يقوم زيد و {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا لَو كَانُوا مُسلمين} وَكَذَلِكَ قل تَقول قل رجل يَقُول ذَلِك فَإِن أدخلت مَا امْتنعت من الْأَسْمَاء وَصَارَت للأفعال فَقلت فلمّا يقوم زيد وَمثل هَذَا كثير - فَأَما إِذا فتحتاج إِلَى الِابْتِدَاء وَالْجَوَاب تَقول إِذا جَاءَنِي زيد أكرمته وَإِذا يَجِيء زيد أَعْطيته وَإِنَّمَا منع إِذا من أَن يجازي بهَا لِأَنَّهَا موقتة وحروف الْجَزَاء مُبْهمَة أَلا ترى

(2/55)


أَنَّك إِذا قلت أَن تأتني آتِك فَأَنت لَا تَدْرِي أيقع مِنْهُ إتْيَان أم لَا وَكَذَلِكَ من أَتَانِي أَتَيْته إِنَّمَا مَعْنَاهُ إِن يأتني وَاحِد من النَّاس آته فَإِذا قلت إِذا أتيتني وَجب أَن يكون الْإِتْيَان مَعْلُوما أَلا ترى إِلَى قَول الله عز وَجل {إِذا السَّمَاء انفطرت} و {إِذا الشَّمْس كورت} و {إِذا السَّمَاء انشقت} أَن هَذَا وَاقع لَا محَالة وَلَا يجوز أَن يكون فِي مَوضِع هَذَا إنْ لِأَن الله عز وَجل يعلم وإنْ إِنَّمَا مخرجها الظَّن والتوقع فِيمَا يخبر بِهِ الْمخبر وَلَيْسَ هَذَا مثل قَوْله {إِن ينْتَهوا يغْفر لَهُم مَا قد سلف} لِأَن هَذَا رَاجع إِلَيْهِم وَتقول آتِيك إِذا احمر الْبُسْر وَلَو قلت آتِيك إِن احمر الْبُسْر كَانَ محالا لِأَنَّهُ وَاقع لَا محَالة فَإِن اضْطر الشَّاعِر جَازَ أَن يجازي بهَا لمضارعتها حُرُوف الْجَزَاء لِأَنَّهَا دَاخِلَة على الْفِعْل وَجَوَابه وَلَا بُد للْفِعْل الَّذِي يدْخل عَلَيْهِ من جَوَاب فمما جَاءَ ضَرُورَة قَوْله
(تَرْفعُ لي خِندِفٌ واللهُ يرفعُ لي ... نَارا إِذا مَا خَبتْ نيرانُهُمْ تَقِدِ)

(2/56)


وَقَالَ الآخر
(إِذا فَصُرتْ أسيافُنا كَانَ وصلُها ... خُطانا إِلَى أَعْدَائِنَا فنُضاربِ)
الْجيد مَا قَالَ كَعْب بن زُهَيْر
(وَإِذا مَا تشاءُ تَبعثُ مِنْهَا ... مَغرِبِ الشَمسِ ناشطا مَذعورا)
وَهَذِه إِذا الَّتِي تحْتَاج إِلَى الْجَواب - _ ول إِذا مَوضِع آخر وَهِي الَّتِي يُقَال لَهَا حرف المفاجأة وَذَلِكَ قَوْلك خرجت فَإِذا

(2/57)


زيدٌ وَبينا أَسِير فَإِذا الْأسد فَهَذِهِ لَا تكون ابْتِدَاء وَتَكون جَوَابا للجزاء كالفاء قَالَ الله عز وَجل {وَإِن تصبهم سَيِّئَة بِمَا قدمت أَيْديهم إِذا هم يقنطون} لِأَن مَعْنَاهَا قَنطُوا كَمَا أَن قَوْلك إِن تأتني فلك دِرْهَم إِنَّمَا مَعْنَاهُ أعطك درهما

(2/58)


(هَذَا بَاب مسَائِل المجازاة وَمَا يجوز فِيهَا وَمَا يمْتَنع مِنْهَا)
تَقول إِن تأتني آتِك وَإِن تأتني فلك دِرْهَم هَذَا وَجه الْجَزَاء وموضعه كَمَا قَالَ عز وَجل {إِن ينْتَهوا يغْفر لَهُم مَا قد سلف وَإِن يعودوا فقد مَضَت سنة الْأَوَّلين} فَالْأَصْل الْفِعْل وَالْفَاء دَاخِلَة عَلَيْهِ لِأَنَّهَا تُؤدِّي مَعْنَاهُ لِأَنَّهَا لَا تقع إِلَّا وَمعنى الْجَزَاء فِيهَا مَوْجُود يَقُول الرجل قد أَعطيتك درهما فَتَقول فقد أُعْطِيك دِينَارا أَي من اجل ذَلِك وَيَقُول لم أُغثَ أمس فَتَقول فقد أَتَاك الْغَوْث الْيَوْم وَتقول إِن أتيتني فلك درهمٌ لِأَن مَعْنَاهُ إِن تأتني وَلَو قلت إِن أتيتني آتِك لصلح كَمَا قَالَ الله عز وَجل {من كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا نوف إِلَيْهِم} لِأَن مَعْنَاهُ من يكن وَكَذَلِكَ لَو قَالَ من يأتني أَتَيْته لجَاز وَالْأول أحسن لتباعد هَذَا عَن حرف الْجَزَاء وَهُوَ جَائِز كَمَا قَالَ الشَّاعِر
(مَنْ يَكِدني بِسيئٍ كنتُ منهُ ... كالشجا بينَ حلقهِ والوريدِ)

(2/59)


واعدل الْكَلَام من أَتَانِي أَتَيْته كَمَا أَن وَجه الْكَلَام من يأتني آته وَتقول من أَتَانِي وتبسط إِلَى أكْرمه لِأَن من أَتَانِي فِي مَوضِع من يأتني لَا تقع بعد الْجَزَاء إِلَّا وَمَعْنَاهَا الِاسْتِقْبَال وَالْأَحْسَن من أَتَانِي وأكرمني أَتَيْته كَمَا أَن الْأَحْسَن من يأتيني ويكرمني آته فَهَذِهِ أصُول ثمَّ نذْكر بعْدهَا الْعَطف منسقا ونكثر فِي ذَلِك من الْمسَائِل لنوضح أمره إِن شَاءَ الله فَإِذا قلت من يأتني آته فَمن هِيَ لهَذَا الْفِعْل لِأَنَّهَا اسْم فَلم يدْخل مَعهَا اسْم آخر وَلَو قلت إِن يأتني آته على غير مَذْكُور قبل كَانَ محالا لِأَن الْفِعْل لَا فَاعل فِيهِ لِأَن إِن إِنَّمَا هِيَ حرف جَزَاء وَلَيْسَت باسم وَكَذَلِكَ جَمِيع الْحُرُوف وَتقول فِي الِاسْتِفْهَام من جَاءَك وأيهم ضربك وَمَا حَبسك لِأَنَّهَا أَسمَاء فَإِن قلت أحبسك أَو هَل حَبسك لم يكن بُد من ذكر الْفَاعِل لِأَن هَذِه حُرُوف فَلَيْسَ فِي الْأَفْعَال فاعلون وَكَذَلِكَ الظروف الَّتِي لَا تكون فاعلة إِذا ذكرتها لم يكن بُد من ذكر الْفَاعِل مَعهَا وَلَو قلت أَيْن يكن أكنْ لم يكن كلَاما حَتَّى تَقول أَيْن يكن زيدٌ أكنْ وَكَذَلِكَ فِي الِاسْتِفْهَام إِذا قلت أَيْن يكون زيد وَمَتى يخرج زيد تَعْنِي الْمَذْكُور فعلى هَذَا يجْرِي مَا ذكرت لَك وَلَو قلت من مَنْ يأتني آته إِذا جعلت مَنْ الأولى استفهاما وَجعلت الثَّانِيَة جَزَاء كَانَ جيدا فَتكون الْهَاء فِي آته ترجع إِلَى من الَّتِي هِيَ اسْتِفْهَام وتقديرها أيُّهم من أَتَانِي من النَّاس أَتَيْته أَي من أَتَانِي آتٍ هَذَا الَّذِي اسْأَل عَنهُ وَنَظِيره هِنْد من ضَرَبَنِي ضربتها أَي إِن ضَرَبَنِي أحد ضربت هندا

(2/60)


وَتقول مَا من يأتني آته لِأَن مَا حرف نفي والحروف لَا يرجع إِلَيْهَا شَيْء وَلَا إِلَى الْأَفْعَال إِنَّمَا نفيت بِهَذَا هَذِه الْجُمْلَة فَإِن جعلت مَا اسْما وجعلتها استفهاما أَو جَزَاء أَو فِي معنى الَّذِي لم يكن بُد من رَاجع إِلَيْهَا فإمَّا الْجَزَاء فقولك مَا تركبْ أركبْ وَالْأَحْسَن مَا تركبْ أركبهُ نصبت مَا بتركب وأضمرت هَاء فِي تركب وَلَو قلت مَا تركب أركبْ لجَاز وَلَا يكون ذَلِك إِلَّا على إِرَادَة الْهَاء لِأَنَّهُ مُعَلّق بِمَا قبله وَذَلِكَ فِي الْمَعْنى مَوْجُود وَفِي الِاسْتِفْهَام مَا حَبسك وَالْمعْنَى أَي شَيْء حَبسك وَكَذَلِكَ مَا أَكلته أَي أَي شَيْء أَكلته فَإِن حذفت الْهَاء نصبت مَا لِأَنَّهَا مفعول بهَا كَقَوْلِك أَيهمْ ضربت كَمَا تَقول زيدا ضربت

(2/61)


وَفِي مَوضِع الَّذِي قَوْله مَا يسرني يَسُرك وَتقول من يأتنا نأته مكرمين لَهُ نصب مكرمين على الْحَال وَالْعَامِل فِيهَا نأته وَلَو أردْت أَن يكون الْفِعْل الأول عَاملا فِي الْحَال لَقلت من يأتنا مكرمين لَهُ نأته تُرِيدُ من من يأتنا فِي حَال إكرامنا إِيَّاه نأته وَلَو أردْت أَن يكون مكرمين عَاملا فِيهَا نأته وَقد قدمتها جَازَ كَمَا تَقول مسرعا جَاءَ زيد
3 - (ونقول فِي مسَائِل طوال يمْتَحن بهَا المتعلمون)
من يَأْته من إِن يأتنا نأته عَامِدين تأت يكرمك أَن رفعت يكرمك فَالْمَسْأَلَة جَيِّدَة لِأَن تقديرها من يَأْته زيد يَأْتِ فِي حَال إكرامه لَك والأجود أَن تَقول تأته يكرمك لتشغل الْفِعْل بالمفعول إِذْ كَانَ خَبرا والحذف جَائِز وَلَيْسَ بجيد وقولك من إِن يأتنا نأته اسْم وَاحِد بِمَنْزِلَة زيد وَلَو جزمت يكرمك على الْبَدَل لم يصلح إِن أبدلته من تأت لِأَن يكرمك لغيرك فَإِن جعلته بَدَلا من شَيْء فِي الصِّلَة لم يصلح لِخُرُوجِهِ عَنْهَا وَلَكِن لَو قلت إِن تأتني أعطك أحسن إِلَيْك جَازَ وَكَانَ حسنا لِأَن الْعَطِيَّة إِحْسَان فَلذَلِك أبدلته مِنْهُ وَمثل ذَلِك قَوْله عز وَجل {وَمن يفعل ذَلِك يلق أثاما يُضَاعف لَهُ الْعَذَاب} لِأَن لَقِي الأثام هُوَ تَضْعِيف الْعَذَاب وَكَذَلِكَ قَول الشَّاعِر

(2/62)


(مَتى تأتنا تُلَمِمْ بِنا فِي دِيَارنَا ... تجدْ حَطَباً جزلا وَنَارًا تأجَّجا)
لِأَن الْإِتْيَان إِلْمَام كَمَا قَالَ
(إنَّ علىَّ اللهَ أنْ تُبايعا ... تُؤخّذْ كُرهاً أوْ تَجيء طَائِعا ... ) لِأَن قَوْله تُؤْخَذ أَو تَجِيء بِتَأْوِيل الْمُبَايعَة وَلَو قلت من يأتنا يسألنا نعطه على الْبَدَل لم يجز إِلَّا أَن يكون بدل الْغَلَط كَأَنَّك

(2/63)


أردْت من يسألنا نعطه فَقلت من يأتنا غالطا أَو نَاسِيا ثمَّ ذكرت فاستدركت فَوضعت هَذَا الْفِعْل فِي مَوضِع ذَلِك وَنَظِيره من الْأَسْمَاء مَرَرْت بِرَجُل حمَار وَتقول من يأتني من أنْ يأتهِ الَّذِي هندٌ أُخْته يَأْته أعْطه فَالْمَعْنى إِن يأتني زيد أعْطه لِأَن هَذَا الْكَلَام كُله فِي صلَة منْ وَتقول أَي الْقَوْم المنطلق آباؤهم إِن يأتك الكاسيه ثوبا تكرمه فتقدير الْمَسْأَلَة أَي الْقَوْم إِن يأتك أَبوهُ تكرمه وَأي هُنَا اسْتِفْهَام وَتقول أَيهمْ يَأْته الشاتم أَخَاهُ المعطيه درهما ينْطَلق إِلَيْهِ فَمَعْنَاه أَيهمْ يَأْته زيد ينْطَلق إِلَيْهِ فَمَا ورد عَلَيْك من الْمسَائِل فقسه على هَذَا إِن شَاءَ الله

(2/64)


(هَذَا بَاب مَا يرْتَفع بَين المجزوميْن وَمَا يمْتَنع من ذَلِك)
تَقول إِن تأتنا تسألنا نعطك تُرِيدُ إِن تَأْتِينَا سَائِلًا كَمَا قَالَ
(متَى تأتهِ تَعشُو إِلَى ضوءِ نارهِ ... تَجدْ خيرَ نارٍ عندَها خَيرُ موقدِ)
أَرَادَ مَتى تأنه عاشياً إِلَى ضوء ناره تجدْ وَقَالَ الآخر
(ومَنْ لَا يزلْ يستَحمِلُ الناسَ نفسهُ ... وَلَا يغنها يَوْمًا منْ الدَهرِ يُسأمُ)
فَقَوله يستحمل النَّاس نَفسه إِنَّمَا هُوَ خبر يزَال كَأَنَّهُ قَالَ من لَا يزَال مستحملا وَلَو قلت من يأتنا ويسألنا نعطه على هَذَا كَانَ محالا لِأَنَّك لَا تَقول مَتى تأته وعاشيا

(2/65)


وَلَا جَاءَنِي زيد وراكبا وَلَكِن إِن أضمرت جَازَ فَقلت إِن تَأْتِينَا وتسألنا نُعطك تُرِيدُ إِن تأتنا وَهَذِه حالك نعطك وَالْوَجْه الْجيد إِن تأتنا وتسألنا نعطيك وَتقول أَن تأتنا ثمَّ تسألنا نعطك لم يجز إِلَّا جزم تسألْنا لِأَن ثمَّ أَنْت تسألنا تُرِيدُ الْحَال لم يصلح لِأَن ثمَّ لما بعد أَلا ترى أَنَّك تَقول لقِيت زيدا وَعَمْرو يتَكَلَّم أَي لقِيت زيدا وَعَمْرو هَذِه حَاله كَمَا قَالَ الله عز وَجل {يَغشَى طَائفَةً مِنكُمْ قدْ أهمَّتْهُمْ أنفُسَهُمْ} أَي إِذا طَائِفَة فِي هَذِه الْحَالة وَلَو وضعت ثمَّ هَا هُنَا لم يستقم وَتقول من أَن يَأْته زيد يُكرمهُ يعطك الدَّار فَمن فِي مَوضِع الَّذِي وَإِن للجزاء ويكرمه حَال مَعْنَاهَا مكرما لَهُ ويعطه جَوَاب الْجَزَاء وَفِي الدَّار خبر منْ وَلَو قلت منْ يأتني آته أحسن إِلَيْهِ كَانَ جيدا يكون أحسن إِلَيْهِ حَالا وَيكون مُنْقَطِعًا من الأول كَأَنَّك لما تمّ الْكَلَام قلت أَنا أحسن إِلَيْهِ وَتقول من يأتني آته وأكرمه وَمن يأتني آته فَأكْرمه وَمن يأتني آته وأكرمه وَكَذَلِكَ جَمِيع حُرُوف الْعَطف الَّتِي تقع هَا هُنَا وَإِن شِئْت قلت من يأتني آته وأكرمه أَي وَأَنا

(2/66)


أكْرمه وَإِن شِئْت على الْحَال وَإِن شِئْت فصلته مِمَّا قبله وجعلتها جملَة معطوفة معلقَة بجملة وَتقول فِي الْفَاء من يأتني آته فَأكْرمه على الْقطع من الأول وَعطف جملَة على جملَة وَكَذَلِكَ ثمَّ وَإِنَّمَا جَازَ الْإِضْمَار هَا هُنَا وَلم يجز حَيْثُ كَانَا متوسطين بَين الْجَزَاء وَجَوَابه لِأَن الْكَلَام قد تمّ فَاحْتمل الِاسْتِئْنَاف وَلَا تكون الْحَال فِي ثمَّ وَلَا الْفَاء لِأَنَّهُمَا لَا تَكُونَانِ إِلَّا بعد إِلَّا إِن الْفَاء وَالْوَاو يجوز بعدهمَا النصب على إِضْمَار أَن لِأَن الْجَزَاء غير وَاجِب آخِره إِلَّا بِوُجُوب أَوله وَقد تقدم ذكرنَا لهَذَا فِي بَاب الْفَاء وَالْوَاو وَقد قرئَ هَذَا الْحَرْف على ثَلَاثَة أوجه {يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله فَيغْفر لمن يَشَاء} بِالْجَزْمِ وَهُوَ أَجودهَا ويليه الرّفْع ثمَّ النصب وَالْأَمر فِيهِ على مَا ذكرت لَك وَلَو قلت من لَا يأتني فيكرمني آته كَانَ النصب جيدا من أجل النَّفْي وَصَارَ كَقَوْلِك مَا تَأتِينِي فتكرمني أَي كلما أتيتني لم تكرمني فموضعه لم تأتني مكرما وَهَا هُنَا أَعنِي فِي الْجَزَاء إِلَى ذَا يرجع إِذا قلت من لَا يأتني فيكرمني آته لِأَن مَعْنَاهُ من لَا يأتني مكرما وَقَالَ
(ومَنْ لَا يُقَدِمُ رِجلَهُ مُطمئِنَةً ... فَيُثْبِتَها فِي مستَوى الأرضِ يَزْلَقِ)
كَأَنَّهُ قَالَ من لَا يقدم رجله مثبتا

(2/67)


(هَذَا الْبَاب مَا يجوز من تَقْدِيم جَوَاب الْجَزَاء عَلَيْهِ وَمَا لَا يجوز إِلَّا فِي الشّعْر اضطرارا)
أما مَا يجوز فِي الْكَلَام فنحو آتِيك إِن أتيتني وأزورك إِن زرتني وَيَقُول الْقَائِل أتعطيني درهما فَأَقُول إِن جَاءَ زيد وَتقول أَنْت ظالمٌ إِن فعلت فَإِن قلت آتِي من أَتَانِي وأصنع مَا تصنع لم يكن هَا هُنَا جَزَاء وَذَلِكَ أَن حُرُوف الْجَزَاء لَا يعْمل فِيهَا مَا قبلهَا وَلَو قلت آتِي من أَتَانِي للزمك أَن يكون مَنْصُوبًا بِالْفِعْلِ الَّذِي قبلهَا وَهَذَا لَا يكون لِأَن الْجَزَاء مُنْفَصِل كالاستفهام وَلَو قلت آتِيك مَتى أتيتني أَو أقوم أَيْن قُمْت على أَن تجْعَل مَتى وَأَيْنَ طرفين لما بعدهمَا كَانَ جيدا وكأننا منقطعتين من الْفِعْل الأول إِلَّا أَنَّك لما ذكرته سد مسد جَوَاب الْجَزَاء فَإِن أردْت أَن يَكُونَا ظرفين لما قبلهمَا اسْتَحَالَ لِأَن الْجَزَاء لَا يعْمل فِي مَا قبله كَمَا لَا يعْمل هُوَ فِيمَا قبله أَلا ترى أَنَّك لَا تَقول زيدا إِن تأت يكرمك وَلَا زيدا مَتى تأتِ تُحببه فَإِذا كَانَ الْفِعْل مَاضِيا بعد حرف الْجَزَاء جَازَ أَن يتَقَدَّم الْجَواب لِأَن إنْ لَا تعْمل فِي لَفظه شَيْئا وَإِنَّمَا هُوَ فِي مَوضِع الْجَزَاء فَكَذَلِك جَوَابه يسد مسد جَوَاب الْجَزَاء وَيحسن فِي الْكَلَام إِن أتيتني لأقومنَّ وَإِن لم تأتني لأغضبنَّ

(2/68)


فسيبويه يذهب إِلَى إِنَّه على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير كَأَنَّهُ قَالَ لأغضبن إِن لم تأتني ولأقومن إِن أتيتني وَالَّذِي قَالَ لَا يصلح عِنْدِي لِأَن الْجَواب فِي مَوْضِعه فَلَا يجب أَن يقدر لغيره أَلا ترى أَنَّك تَقول يضْرب غُلَامه زيد لِأَن زيد فِي الْمَعْنى مقدم لِأَن حق الْفَاعِل أَن يكون قبل الْمَفْعُول وَلَو قلت ضرب غُلَامه زيدا لم يجز لِأَن الْفَاعِل فِي مَوْضِعه فَلَا يجوز أَن يقدر لغيره وَلَكِن القَوْل عِنْدِي أَن يكون الْكَلَام إِذا لم يجز فِي مَوضِع الْجَواب مُبْتَدأ على معنى مَا يَقع بعد الْفَاء فكأنك قدرته وَأَنت تُرِيدُ الْفَاء كَمَا أَنَّك تَقول أعجبني الَّذِي ضرب زيدا فَإِن جعلت الْألف وَاللَّام فِي مَوضِع الَّذِي كَانَ صلتها على معنى صلَة الَّذِي لَا على لَفظهَا

(2/69)


تَقول أعجبني الضَّارِب زيدا لِأَن الْألف وَاللَّام للأسماء فَلَا يليان ضرب لِامْتِنَاع مَا يكون للأسماء من الْأَفْعَال فَمن ذَلِك قَول زُهَيْر
(وإنْ أتاهُ خَليلٌ يومَ مسألةٍ ... يَقُول لَا غائبٌ مَا لي وَلَا حَرِمُ)
فَقَوله يَقُول على إِرَادَة الْفَاء على مَا ذكرت لَك وَمن ذَلِك قَوْله عز وَجل {وَأما إِن كَانَ من أَصْحَاب الْيَمين فسلام لَك من أَصْحَاب الْيَمين} الْفَاء لَا بُد مِنْهَا فِي جَوَاب أما فقد صَارَت هَا هُنَا جَوَابا لَهَا وَالْفَاء وَمَا بعْدهَا يسدان مسد جَوَاب إنْ

(2/70)


وَلَو كَانَ هَذَا فِي الْكَلَام أما إِن كَانَ زيد عنْدك فَلهُ دِرْهَم لَكَانَ تَقْدِيره مهما يكن من شَيْء فلزيد دِرْهَم إِن كَانَ عنْدك لِأَن أما فِيهَا معنى الْجَزَاء وَاقع وَلَا بُد من الْفَاء وتقديرها مَا ذكرت لَك أَلا ترى أَنَّك تَقول أما زيد فمنطلق {فَأَما الْيَتِيم فَلَا تقهر} فَالْمَعْنى مهما يكن من شَيْء فَلَا تقهر الْيَتِيم وَلَو اضْطر شَاعِر فَحذف الْفَاء وَهُوَ يريدها لجَاز كَمَا قَالَ
(أمّا القِتالُ لَا قِتالَ لَدَيْكُمو ... ولكنَّ سيْراً فِي عِراضِ المَواكِبِ)
وَأما مَا لَا يجوز إِلَّا فِي الشّعْر فَهُوَ إِن تأتني آتِيك وَأَنت ظَالِم إِن تأتني لِأَنَّهَا قد جزمت وَلِأَن الْجَزَاء فِي مَوْضِعه فَلَا يجوز فِي قَول الْبَصرِيين فِي الْكَلَام إِلَّا أَن توقع الْجَواب فعلا مضارعا مَجْزُومًا أَو فَاء إِلَّا فِي الشّعْر فَأَما إِن تأتني أَتَيْتُك فَإِن بَعضهم قد يُجِيزهُ فِي غير الشّعْر كَمَا أَجَازُوا إِن أتيتني آتِك وَقد مضى قَوْلنَا فِي الْفَصْل بَينهمَا قَالَ الشاعرعلى إِرَادَة القاء
(وإنّي مَتّى أُشرِفْ على الجانِبِ الَّذِي ... بهِ أنتِ مِنْ بَيْنِ الجَوانبِ ناظِرُ)

(2/71)


وَهُوَ عِنْدِي على إِرَادَة الْفَاء والبصريون يَقُولُونَ هُوَ على إِرَادَة الْفَاء وَيصْلح أَن يكون على التَّقْدِيم أَي وَإِنِّي نَاظر مَتى أشرفْ وَكَذَلِكَ قَول الشَّاعِر
(يَا أقْرَعُ بنَ حابِسٍ يَا أقرِعُ ... إنكَ إنْ يُصرَعُ أخوكَ تُصْرَعُ)
وَقَالَ آخر
(فقلتُ تَحَّملْ فَوْقَ طَوقِك إنّها ... مُطَبَعَةٌ مَنْ يأتها لَا يَضيرُها)
يُرِيد لَا يضيرها من يأتها وَأما قَول عبد الرَّحْمَن بن حسان
(مَنْ يَفْعَلِ الحَسناتِ اللهُ يَشْكُرُها ... والشَّرُ بالشَّرِ عندَ اللهِ مِثلانِ)

(2/72)


فَلَا اخْتِلَاف بَين النَّحْوِيين فِي أَنه على إِرَادَة الْفَاء لِأَن التَّقْدِيم فِيهِ لَا يصلح

(2/73)


3 - (هَذَا بَاب مَا تحْتَمل حُرُوف الْجَزَاء من الْفَصْل بَينهَا وَبَين مَا عملت فِيهِ)
أما إنْ إِذا لم تجزم فالفصل بَينهَا وَبَين مَا عملت فِيهِ فِي الظَّاهِر جَائِز بِالِاسْمِ وَذَلِكَ قَوْله إنِ اللهُ أمكنني من فلَان فعلت وإنْ زيدٌ أَتَانِي أكرمته كَمَا قَالَ الشَّاعِر
(عَاوِدْ هَرَاةَ وإنْ مَعْمورها خَرَبا ... )
وَإِنَّمَا تَفْسِير هَذَا أَنَّك أضمرت الْفِعْل بَينهَا وَبَين الِاسْم فتقديره إِن أمكنني الله من زيد وَإِن خرب معمورها وَلكنه أضمر هَذَا وَجَاء بِالْفِعْلِ الظَّاهِر تَفْسِير مَا أضمر وَلَو لم يضمر لم يجز لِأَن الْجَزَاء لَا يكون إِلَّا بِالْفِعْلِ وَإِنَّمَا احتملت إِن هَذَا فِي الْكَلَام لِأَنَّهَا أصل الْجَزَاء كَمَا تحْتَمل الْألف فِي الِاسْتِفْهَام تَقْدِيم الِاسْم فِي نَحْو قَوْلك أزيدٌ قامَ لِأَنَّهَا أصل الِاسْتِفْهَام

(2/74)


وَلَو قلت هَل زيد قَامَ لَا يصلح إِلَّا فِي الشّعْر لِأَن السُّؤَال إِنَّمَا هُوَ عَن الْفِعْل وَكَذَلِكَ مَتى زيد خرج وَأَيْنَ زيد قَامَ وَجَمِيع حُرُوف الِاسْتِفْهَام غير ألف الِاسْتِفْهَام لَا يصلح فِيهِنَّ إِذا اجْتمع اسْم وَفعل إِلَّا تَقْدِيم الْفِعْل إِلَّا أَن يضْطَر الشَّاعِر وَالْفِعْل فِي الْجَزَاء أوجب لِأَن الْجَزَاء لَا يكون إِلَّا بِالْفِعْلِ والاستفهام قد يكون عَن الْأَسْمَاء بِلَا فعل تَقول أَزِيد أَخُوك أَزِيد فِي الدَّار وَلَا يكون مثل هَذَا فِي الْجَزَاء وَسَائِر حُرُوف الْجَزَاء سوى إِن لَا يجوز فِيهَا هَذَا فِي الْكَلَام وَلَا فِي إِن إِذا جزمت لَا تَقول من زيدٌ يَأْته يُكرمه وَلَا إِن زيد يأتني آته وَلَا أَيْن زيد أَتَانِي أَتَيْته وَلَا من زيد أَتَاهُ أكْرمه فَإِن اضْطر شَاعِر جَازَ فِيهِنَّ الْفَصْل جزمن أَو لم يجزمن وَجَاز ذَلِك فِي حُرُوف الْجَزَاء دون سَائِر عوامل الْأَفْعَال لِأَنَّهُ يَقع بعدهن الْمُسْتَقْبل والماضي وَلَا يكون ذَلِك فِي غَيْرهنَّ من العوامل فَلَمَّا تمكن هَذَا التَّمَكُّن احتملن الْإِضْمَار والفصل فمما جَاءَ فِي الشّعْر قَوْله
(صَعْدةٌ نابِتَةٌ فِي حائِرٍ ... أَيْنَمَا الريحُ تُميِّلْها تَمِلْ)
وَقَالَ آخر
(فَمَنْ نَحْنُ نُؤمِنْهُ يَبِتْ وهوَ آمِنُ ... ومَنْ لَا نُجِرهُ يُمْسِ مِنا مُفزعا)

(2/75)


وَقَالَ آخر
(فَمَتَى واغِلٌ يَنُبهمْ يُحيُّوهُ ... وتَعَطَفْ عَلَيْهِ كأسُ الساقي)
وَأعلم أَن الْمَفْعُول إِذا وَقع فِي هَذَا الْموضع وَقد شغل الْفِعْل عَنهُ انتصب بِالْفِعْلِ الْمُضمر لِأَن الَّذِي بعده تَفْسِير لَهُ كَمَا كَانَ فِي الِاسْتِفْهَام فِي قَوْلك أزيدا ضَربته {أبَشَراً مَنّا وَحداً نَتَّبِعُهُ} وَذَلِكَ قَوْلك إِن زيدا ترهُ تكرمه وَمن زيدا يَأْته يُعطهِ وَإِن زيدا لَقيته أكرمته وَكَذَلِكَ إِذا لِأَنَّهَا لَا تقع إِلَّا على فعل تَقول إِذا زيدا لَقيته فَأكْرمه قَالَ
(لَا تَجزَعي إنْ مُنْفِساً أهْلَكْتُهُ ... وَإِذا هَلَكتُ فعندَ ذلكِ فاجزَعي)

(2/76)


وَقَالَ الآخر
(إِذا ابْن أبي مُوسَى بِلالاً بَلَغْتِهِ ... فَقَامَ بفأسٍ بَيْنَ وَصلَيكِ جازِرُ)
وَلَو رفع هَذَا رَافع على غير الْفِعْل لَكَانَ خطأ لِأَن هَذِه الْحُرُوف لَا تقع إِلَّا على الْأَفْعَال وَلَكِن رَفعه يجوز على مَا لَا ينْقض الْمَعْنى وَهُوَ أَن يضمر بلغ فَيكون إِذا بُلِغَ ابنُ أبي مُوسَى وَقَوله بَلَغْتِهِ إِظْهَار للْفِعْل وَتَفْسِير الْفَاعِل

(2/77)


وَكَذَلِكَ لَا تجزعي إِن منفِسٌ أهلكته على أَن يكون الْمُضمر هلك

(2/78)


وَكَذَلِكَ هَذِه الْآيَات كلهَا وَهِي {إِذا السَّمَاء انشقت} (وَإِذا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} وَإِنَّمَا وَالْمعْنَى وَالله أعلم إِذا كورتْ الشّمس وَإِذا انشقَتْ السماءُ وَالْجَوَاب فِي جَمِيع هَذَا مَوْجُود لِأَن هَذِه لَا تكون إِلَّا بأجوبة فَالْجَوَاب فِي قَوْله {إِذا الَشَّمْسُ كُوِرُتْ} {علمت نفس مَا أحضرت} وَالْجَوَاب فِي قَوْله {إِذا السَّمَاء انفطرت} (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَمَتْ وأخَرَتْ} فَأَما قَوْله {إِذا السَّماءُ انشَّقَتْ وأَذِنَتْ لِرَبِها وحُقَتْ} فقد قيل فِيهِ أقاويل فقوم يَقُولُونَ {فَأَما منْ أوتيَ كِتابَهُ بِيَميِنِهِ} هُوَ الْجَواب لِأَن الْفَاء وَمَا بعْدهَا جَوَاب كَمَا تكون جَوَابا فِي الْجَزَاء لِأَن إِذا فِي معنى الْجَزَاء وَهُوَ كَقَوْلِك إِذا جَاءَ زيد فَإِن كلمك فَكَلمهُ فَهَذَا قَول حسن جميل وَقَالَ قوم الْخَبَر مَحْذُوف لعلم الْمُخَاطب كَقَوْل الْقَائِل عِنْد تَشْدِيد الْأَمر إِذا جَاءَ زيد أَي إِذا جَاءَ زيد علمت وَكَقَوْلِه إِن عشتَ ويكل مَا بعد هَذَا إِلَى مَا يُعلمهُ الْمُخَاطب كَقَوْل الْقَائِل لَو رَأَيْت فلَانا وَفِي يَده سيف

(2/79)


وَقَالَ قوم آخَرُونَ الْوَاو فِي مثل هَذَا تكون زَائِدَة فَقَوله {إِذا السَّمَاء انشقت وأذنت لِرَبِّهَا وحقت} يجوز أَن يكون {إِذا الأَرْض مدت} وَالْوَاو زَائِدَة كَقَوْلِك حِين يقوم زيد حِين يَأْتِي عَمْرو وَقَالُوا أَيْضا إِذا السَّمَاء انشقتْ أذنتْ لِرَبِها وحٌ قتْ وَهُوَ أبعد الْأَقَاوِيل أَعنِي زِيَادَة الْوَاو وَمن قَول هَؤُلَاءِ إِن هَذِه الْآيَة على ذَلِك {فَلَمَّا أسلما وتله للجبين وناديناه} قَالُوا الْمَعْنى ناديناه أَن يَا إِبْرَاهِيم قَالُوا وَمثل ذَلِك فِي قَوْله {حَتّى إِذا جاءوها وفُتِحَتْ أبْوابُها وقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُها} الْمَعْنى عِنْدهم حَتَّى إِذا جاءوها فتحت أَبْوَابهَا كَمَا كَانَ فِي الْآيَة الَّتِي قبلهَا فِي مَوَاضِع من الْقُرْآن كَثِيرَة من هَذَا الضَّرْب قَوْلهم وَاحِد وينشدون فِي ذَلِك

(2/80)


(حتّى إِذا امتلأتْ بُطُونُكُمُ ... ورأيتُمُ أبناءَكُمْ شَبّوا)

(وقَلَبْتُمْ ظَهْرَ المِجَنْ لنا ... إنَّ الغَدورَ الفاحِشَ الخِبُّ)
قَالَ وَإِنَّمَا هُوَ قلبتم ظهر الْمِجَن وَزِيَادَة الْوَاو غير جَائِزَة عِنْد الْبَصرِيين وَالله أعلم بالتأويل فَأَما حذف الْخَبَر فمعروف جيد من ذَلِك قَوْله {وَلو أنَّ قُرآناً سُيِّرتْ بِهِ الجِبالُ أَو قُطِّعَتْ بِهِ الأرضُ أَو كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ للهِ الأمرُ جَميعاً} قَالَ الراجز
(لوْ قّدْ حَداهُنّ أَبُو الجُوديِّ ... )

(برجَزٍ مُسْحَنْفرِ الرَّويِّ ... )

(مُسْتَوياتٍ كَنَوى البَرنِيِّ ... )
لم يَأْتِ بِخَبَر لعلم الْمُخَاطب وَمثل هَذَا الْكَلَام كثير وَلَا يجوز الْحَذف حَتَّى يكون الْمَحْذُوف مَعْلُوما بِمَا يدل عَلَيْهِ من تقدم خبر أَو مُشَاهدَة حَال

(2/81)