المقتضب (هَذَا بَاب الْأَفْعَال الَّتِي تنجزم
لدُخُول معنى الْجَزَاء فِيهَا)
وَتلك الْأَفْعَال جَوَاب مَا كَانَ أمرا أَو نهيا أَو استخبارا
وَذَلِكَ قَوْلك ائْتِ زيد يكرمك وَلَا تأت زيدا يكن خيرا لَك وَأَيْنَ
بَيْتك أزورك وَإِنَّمَا أنْجز مت بِمَعْنى الْجَزَاء لِأَنَّك إِذا
قلت ائْتِنِي أكرمك فَإِنَّمَا الْمَعْنى ائْتِنِي فَإِن تأتني أكرمك
لِأَن الْإِكْرَام إِنَّمَا يجب بالإتيان وَكَذَلِكَ لَا تقم يكن خيرا
لَك لِأَن الْمَعْنى فَإِن لم تقم يكن خيرا لَك وَأَيْنَ بَيْتك أزرك
إِنَّمَا مَعْنَاهُ إِن تعلمني أزرك وَقَالَ الله عز وَجل {يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا هَل أدلكم على تِجَارَة تنجيكم من عَذَاب أَلِيم} ثمَّ
ذكرهَا فَقَالَ {تؤمنون بِاللَّه} فَلَمَّا انْقَضى ذكرهَا قَالَ
{يغْفر لكم} لِأَنَّهُ جَوَاب لهل
(2/82)
وَكَذَلِكَ أَعْطِنِي أكرمك وَتقول اِئتني
أشكرك وَالتَّفْسِير وَاحِد وَلَو قلت لَا تَعْصِي الله يدْخلك
الْجنَّة كَانَ جيدا لِأَنَّك إِنَّمَا أضمرت مثل مَا أظهرت فكأنك قلت
فَإنَّك إِن لَا تعصه يدْخلك الْجنَّة واعتبره بِالْفِعْلِ الَّذِي
يظْهر فِي مَعْنَاهُ أَلا ترى إِنَّك لَو وضعت فعلا بِغَيْر نهي فِي
مَوضِع لَا تعصى الله لَكَانَ أطع الله وَلَو قلت لَا تَعْصِي الله
يدْخلك النَّار كَانَ محالا لِأَن مَعْنَاهُ أطع الله وقولك أطع الله
يدْخلك النَّار محَال وَكَذَلِكَ لَا تدنُ من الْأسد يَأْكُلك لَا يجوز
لِأَنَّك إِذا قلت لَا تدن فَإِنَّمَا تُرِيدُ تبَاعد وَلَو قلت تبَاعد
من الْأسد يَأْكُلك كَانَ محالا لِأَن تباعده مِنْهُ لَا يُوجب أكله
إِيَّاه وَلَكِن لَو رفعت كَانَ جيدا تُرِيدُ فَإِنَّهُ مِمَّا
يَأْكُلك
(2/83)
وَأما قَوْله {قل لعبادي يَقُولُوا الَّتِي
هِيَ أحسن} وَمَا أشبهه فَلَيْسَ يَقُولُوا جَوَابا لقل وَلَكِن
الْمَعْنى وَالله أعلم قل لعبادي قُولُوا يَقُولُوا وَكَذَلِكَ {قل
لعبادي الَّذين آمنُوا يقيموا الصَّلَاة} وَإِنَّمَا هُوَ قل لَهُم
يَفْعَلُوا يَفْعَلُوا وَتقول مُرهُ يحفرُها ومرهُ يحفُرْها فالرفع على
ثَلَاثَة أوجه والجزم على وَجه وَاحِد وَهُوَ أَجود من الرّفْع
لِأَنَّهُ على الْجَواب كَأَنَّهُ إِن أَمرته حفرهَا وَأما الرّفْع
فأحد وجوهه أَن يكون يحفرها على قَوْلك فَإِنَّهُ مِمَّن يحفرها كَمَا
كَانَ لَا تدنُ من الْأسد يَأْكُلك وَيكون على الْحَال كَأَنَّهُ قَالَ
مره فِي حَال حفره فَلَو كَانَ اسْما لَكَانَ مرهُ حافرا لَهَا وَيكون
على شَيْء هُوَ قَلِيل فِي الْكَلَام وَذَلِكَ أَن تُرِيدُ مره أَن
يحفرها فتحذف أَن وترفع الْفِعْل لِأَن عَامله لَا يضمر
(2/84)
وَبَعض النَّحْوِيين من غير الْبَصرِيين
يُجِيز النصب على إِضْمَار أَن والبصريون يأبون ذَلِك إِلَّا أَن يكون
مِنْهَا عوض نَحْو الْفَاء وَالْوَاو وَمَا ذَكرْنَاهُ مَعَهُمَا
وَنَظِير هَذَا الْوَجْه قَول طرفَة
(أَلا أيُّهذا الزَّاجِري أحضُرُ الوَغى ... وأنْ أشْهَدَ اللّذاتِ
هَلْ أنتَ مُخَلَدي)
وَمن رأى النصب هُنَاكَ رأى نصب أحضر فَأَما قَول الله عز وَجل {قل
أفغير الله تأمروني أعبد أَيهَا الجاهلون} فتقديره وَالله أعلم قل
افغير الله أعبد فِيمَا تأمروني فَغير مَنْصُوب بأعبد وَقد يجوز وَهُوَ
بعيد على قَوْلك أَلا أيهذا الزاجري أحضرَ الوغى فَكَأَن التَّقْدِير
قل
(2/85)
أفغير الله تأمروني أعبد فتنصب غير ب
تأمروني وَقد أجَازه سِيبَوَيْهٍ على هَذَا وَهَذَا قَول آخر وَهُوَ
حذف الْبَاء كَمَا قَالَ
(أمَرْتُكَ الخَيْرَ فَافْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ ... فَقَدْ
تَرَكْتُكَ ذَا مالٍ وذَا نَشَبِ)
وَأَنا أكره هَذَا الْوَجْه الثَّانِي لبعده وَلَا يجوز على هَذَا
القَوْل أَن ينصب غيرا بأعبد لِأَن أعبد على هَذَا فِي صلَة أَن وَأما
قَوْله عز وَجل {ذرهم يَأْكُلُوا ويتمتعوا} فعلى الْجَواب فَإِن قَالَ
قَائِل أفأمر الله بذلك ليخوضوا ويلعبوا قيل مخرجه من الله عز وَجل على
الْوَعيد كَمَا قَالَ عز وَجل {اعْمَلُوا مَا شِئْتُم} (وَمَنْ شَاءَ
فَلْيُؤمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} أما قَوْله {ذَرْهُمْ فِي
خَوْضِهِمْ يَلْعَبونَ} فَإِنَّهُ لَيْسَ بِجَوَاب وَلَكِن الْمَعْنى
ذرهم لاعبين أَي ذرهم فِي حَال لعبهم
(2/86)
(هَذَا بَاب ألفات الْوَصْل وَالْقطع)
وَهن همزات على الْحَقِيقَة فَأَما ألف الْقطع فَهِيَ الَّتِي تكون فِي
أول الِاسْم أصلا أَو زَائِدَة كالأصل يبْنى عَلَيْهَا الِاسْم بِنَاء
كَمَا يبْنى على الْمِيم الزَّائِدَة وَغَيرهَا من حُرُوف الزَّوَائِد
فاستئنافها وَوَصلهَا بِمَا قبلهَا سَوَاء وَذَلِكَ نَحْو هَذَا أَب
فَاعْلَم وَهَذَا أَخ يَا فَتى فَهَذِهِ الْأَصْلِيَّة وَكَذَلِكَ
الْهمزَة فِي إبل وَفِي وَأمر فَأَما الزَّائِدَة فنحو أَحْمَر وأصفر
وَهَذَا أفضل من ذَا لِأَنَّهُ من الْفضل والحمرة والصفرة وَأما ألف
الْوَصْل فَإِنَّمَا هِيَ همزَة كَانَ الْكَلَام بعْدهَا لَا يصلح
ابتداؤه لِأَن أَوله سَاكن وَلَا يقدر على ابْتِدَاء السَّاكِن فزيدت
هَذِه الْهمزَة ليوصل بهَا إِلَى الْكَلَام بِمَا بعْدهَا فَإِن كَانَ
قبلهَا كَلَام سَقَطت لِأَن الَّذِي قبلهَا مُعْتَمد للساكن مغن فَلَا
وَجه لدخولها وَكَذَلِكَ إِن تحرّك الْحَرْف الَّذِي بعْدهَا لعِلَّة
توجب ذَلِك سَقَطت الْألف للاستغناء عَنْهَا بتحرك مَا بعْدهَا لِأَن
ابتداءه مُمكن فَإِنَّمَا تدخل فِي الْكَلَام للضَّرُورَة إِلَيْهَا
وَسَنذكر موضعهَا من الْأَفْعَال وَمَا تدخله من الْأَسْمَاء إِن شَاءَ
الله
(2/87)
(هَذَا بَاب الْأَفْعَال الَّتِي تدْخلهَا
ألف الْوَصْل وَالْأَفْعَال الممتنعة من ذَلِك)
أما مَا تدخله ألف الْوَصْل فَهُوَ كل فعل كَانَت الْيَاء وَسَائِر
حُرُوف المضارعة تنفتح فِيهِ إِذا قلت يفعل قلت حُرُوفه أَو كثرت
إِلَّا أَن يَتَحَرَّك مَا بعد الْفَاء فيستغني عَن الْألف كَمَا ذكرت
لَك فَمن تِلْكَ الْأَفْعَال ضرب وَعلم وكرم وَتقول إِذا أمرت اِضرب
زيدا اعْلَم ذَاك أكْرم يَا زيد لِأَنَّك تَقول يضْرب وَيعلم وَيكرم
فالياء من جَمِيع هَذَا مَفْتُوحَة وَتقول يَا زيد اضْرِب عمرا فَتسقط
الْألف كَمَا قَالَ عز وَجل {قل ادعوا الله} وكما قَالَ {واعلَموا
إنّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيءٍ} لِأَن الْوَاو لحقت فَسَقَطت الْألف
وَكَذَلِكَ تَقول انْطلق يَا زيد وَقد انْطَلَقت يازيد لِأَن الْألف
مَوْصُولَة لِأَنَّك تَقول فِي الْمُضَارع ينْطَلق فتنفتح الْيَاء
وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ استخرجت مَالا واستخرج إِذا أمرت لِأَنَّك تَقول
يسْتَخْرج وكل فعل لم نذكرهُ تلْحقهُ هَذِه الْعلَّة فَهَذَا مجْرَاه
فَأَما تفَاعل يتفاعل وَتفعل يتفعل نَحْو تقاعس الرجل وَتقدم الرجل
فَإِن ألف الْوَصْل لَا تلْحقهُ وَإِن كَانَت الْيَاء مَفْتُوحَة فِي
يتَقَدَّم وَفِي يتقاعس لِأَن الْحَرْف الَّذِي بعْدهَا متحرك
وَإِنَّمَا تلْحق الْألف لسكون مَا بعْدهَا فَإِن كَانَ يفعل مضموم
الْيَاء لم تكن الْألف إِلَّا مَقْطُوعَة لِأَنَّهَا تثبت كثبات
الأَصْل
(2/88)
إِذْ كَانَ ضم الْيَاء من يفعل إِنَّمَا
يكون لما وليه حرف من الأَصْل وَذَلِكَ مَا كَانَ على افْعَل نَحْو
أكْرم وَأحسن وَأعْطى لِأَنَّك تَقول يُكرم ويُحسن ويُعطي فتنضم
الْيَاء كَمَا تنضم فِي يُدحرج ويُهملج فَإِنَّمَا تثبت الْألف من
أكْرم كَمَا تثبت الدَّال فِي دحرج تَقول يَا زيد أكْرم عمرا كَمَا
تَقول دحرج قَالَ الله عز وَجل {فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا} وَقَالَ
{وَأحسن كَمَا أحسن الله إِلَيْك} بِالْقطعِ وَكَانَ حق هَذَا أَن
يُقَال فِي الْمُضَارع يؤكرم مثل يُدحرج ويؤحسن وَلَكِن أطرحت الْهمزَة
لما أذكرهُ لَك فِي مَوْضِعه عَن شَاءَ الله وكل فعل كَانَت أَلفه
مَوْصُولَة فلحقت الْألف مصدره فَهِيَ ألف وصل وَإِن كَانَ الْفِعْل
فِيهِ ألف مَقْطُوعَة فَهِيَ فِي مصدره كَذَلِك فَأَما الموصولات فنحو
الانطلاق والاستخراج والاقتداء وَأما المقطوعة فنحو الْإِكْرَام
وَالْإِحْسَان والإعطاء وَاعْلَم أَن ألف الْوَصْل تسْتَأْنف
مَكْسُورَة إِلَّا أَن يكون ثَالِث الْحُرُوف مضموما فِي جَمِيع
الْأَفْعَال والأسماء فَأَما الْفِعْل فقولك اذْهَبْ استخرج اقتدر
وَمَا لم نذكرهُ فَهَذِهِ حَاله وَأما الْأَسْمَاء فقولك ابْن اسْم
انطلاق اسْتِخْرَاج اقتدار امْرُؤ فَاعْلَم فَأَما مَا ثالثه مضموم
فَإِن ألف الْوَصْل تبتدأ فِيهِ مَضْمُومَة وَالْعلَّة فِي ذَلِك أَنه
لَا يُوجد ضم بعد كسر إِلَّا أَن يكون ضم إِعْرَاب نَحْو فَخذ فَاعْلَم
(2/89)
وَلَا يكون اسْم على فعل وَلَا غير اسْم
فَلَمَّا كَانَ الثَّالِث مضموما وَلم يكن بَينه وَبَين الْألف إِلَّا
حرف سَاكن لم يكن حاجزا واستؤنفت مَضْمُومَة تَقول استُضعف زيد وانطُلق
بِعَبْد الله وَكَذَلِكَ فِي الْأَمر تَقول ادخل اُقعد و {اركض برجلك}
وللمرأة مثل ذَلِك اُركضي ادخلي وَتقول اعزي يَا امْرَأَة لِأَن أصل
الزَّاي الضَّم وَأَن يكون بعْدهَا وَاو وَلَكِن الْوَاو ذهبت لالتقاء
الساكنين وأبدلت الضمة كسرة من أجل الْيَاء الَّتِي للتأنيث أَلا ترى
أَنَّك تَقول للرجل أَنْت تضرب زيدا وللمرأة أَنْت تضربين فَإِنَّمَا
تزيد الْيَاء وَالنُّون بعد انْفِصَال الْفِعْل لتمامه وَتقول للرجل
أَنْت تغزو وللمرأة أَنْت تغزين فتذهب الْوَاو لالتقاء الساكنين على
مَا ذكرت لَك فَأَما الْألف الَّتِي تلْحق مَعَ اللَّام للتعريف
فمفتوحة نَحْو الرجل والغلام لِأَنَّهَا لَيست باسم وَلَا فعل
وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَة قد وَإِنَّمَا ألحقت لَام التَّعْرِيف
لسكون اللَّام فخولف بحركتها لذَلِك وَكَذَلِكَ ألف ايمن الَّتِي تدخل
للقسم مَفْتُوحَة لِأَنَّهُ اسْم غير مُتَمَكن وَلَيْسَ بواقع إِلَّا
فِي الْقسم فخولف بِهِ فَتَقول ايمن اللهِ لَأَفْعَلَنَّ ايمن
الْكَعْبَة لَأَفْعَلَنَّ ويدلك على أَنَّهَا ألف وصل سُقُوطهَا فِي
الإدراج تَقول وايمن الله لَأَفْعَلَنَّ كَمَا قَالَ فِي أُخْرَى
(فَقَالَ فَريقُ القومِ لمّا نشَدتُهُمْ ... نَعَمْ وفريقٌ لَيْمُنِ
اللهِ مَا نَدري)
وَاعْلَم أَن ألف الْوَصْل إِذا لحقتها ألف الِاسْتِفْهَام سَقَطت
لِأَنَّهُ قد صَار فِي الْكَلَام مَا يَسْتَغْنِي بِهِ عَنْهَا كَمَا
ذكرت لَك أَنه إِذا كَانَ مَا بعْدهَا مَوْصُولا بِمَا قبلهَا سَقَطت
لِأَنَّهُ
(2/90)
قد اسْتغنى عَنْهَا إِذْ لم يكن لَهَا معنى
إِلَّا التَّوَصُّل إِلَى الْكَلَام بِمَا بعْدهَا وَذَلِكَ قَوْلك
أنطلقت يَا رجل بِالْفَتْح لِأَنَّهَا ألف الِاسْتِفْهَام وَكَذَلِكَ
استخرجت شَيْئا فَهِيَ الْألف الَّتِي فِي قَوْلك أضربت زيدا وَمثل
ذَلِك {أتخذناهم سخريا أم زاغت عَنْهُم الْأَبْصَار} إِلَّا ألف ايمن
وَألف الرجل فَإنَّك إِذا استفهمت مددت لِئَلَّا يلتبس الِاسْتِفْهَام
بالْخبر لِأَنَّهُمَا مفتوحتان وَألف الِاسْتِفْهَام مَفْتُوحَة تَقول
آلرجل قَالَ ذَلِك آلغلام جَاءَك آيمنُ الله لَأَفْعَلَنَّ
(2/91)
(هَذَا بَاب دُخُول ألف الْوَصْل فِي
الْأَسْمَاء غير المصادر)
اعْلَم أَنَّهَا تدخل فِي أَسمَاء مَعْلُومَة وَتلك الْأَسْمَاء اختلت
وأزيلت عَن وَجههَا فسكنت أوائلها فدخلتها ألف الْوَصْل لذَلِك فَإِن
اتَّصل بهَا شَيْء قبلهَا سَقَطت الألفات لِأَن ألفات الْوَصْل لَا
حَظّ لَهَا فِي الْكَلَام أَكثر من التَّوَصُّل إِلَى التَّكَلُّم
بِمَا بعْدهَا فَإِذا وصل إِلَى ذَلِك بغَيْرهَا فَلَا وَجه لذكرها
وَلم يكن حق الْألف أَن تدخل على الْأَسْمَاء كَمَا لم يكن حق
الْأَفْعَال أَن تعرب وَلَكِن أعرب مِنْهَا مَا ضارع الْأَسْمَاء
وأدخلت هَذِه الْألف على الْأَسْمَاء الَّتِي اختلت فنقصت عَن تمكن
غَيرهَا من الْأَسْمَاء فَمن ذَلِك ابْن وَابْنَة لِأَنَّهُ اسْم
مَنْقُوص قد سقط مِنْهُ حرف وَذَلِكَ الْحَرْف يَاء أَو وَاو فَتَقول
هَذَا ابْن زيد وَهَذِه ابْنة زيد فَتسقط ألف الْوَصْل وَكَذَلِكَ إِن
صغرت سَقَطت لِأَن الْفَاء الْفِعْل تتحرك وتبتدأ وتستغنى عَن ألف
الْوَصْل تَقول بنيّ وبُنية وَكَذَلِكَ بنُون لما حركت الْبَاء سَقَطت
الْألف وَبَنَات بمنزلتها - وَمن هَذِه الْأَسْمَاء اسْم تَقول بدأت
باسم الله وَإِذا صغرت قلت سمى وَاثْنَانِ كَذَلِك وَلَو كَانَ يفرد
لَكَانَ يجب أَن يكون فِي الْوَاحِد اثن وَلكنه لَا يفرد فِي الْعدَد
فَيبْطل مَعْنَاهُ وَمن الْعَرَب من يَجعله اسْما لليوم على غير معنى
الْعدَد فَيَقُول الْيَوْم الاثن كَمَا يَقُول الابْن وَالْيَوْم الثني
وَلَيْسَ ذَلِك بالجيد لِأَن معنى التَّثْنِيَة أَن الْوَاحِد كَانَ
عِنْدهم الأول ثمَّ بنوا
(2/92)
الِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاء
وَالْأَرْبِعَاء وَالْخَمِيس على ذَلِك كَمَا تَقول الْيَوْم يَوْمَانِ
من الشَّهْر أَي تَمام يَوْمَيْنِ وَمن ذَلِك اِستٌ إِنَّمَا هِيَ على
ثَلَاثَة أحرف فالسين مَوضِع الْفَاء وَالتَّاء مَوضِع الْعين
وَالْهَاء فِي مَوضِع اللَّام وَهِي الساقطة يدلك على ذَلِك قَوْلك فِي
التصغير سُتيهة وَفِي الْجمع أستاه فَاعْلَم وَمِنْهَا امْرُؤ فَاعْلَم
واعتلاله إتباع عينه للامه وَهَذَا لَا يُوجد فِي غير مَا يعتل من
الْأَسْمَاء وَمن ذَلِك ابنم وَإِنَّمَا هُوَ ابْن وَالْمِيم زَائِدَة
فزادت فِي هَذَا الِاسْم المعتل كَمَا ذكرت لَك فاتبعت النُّون مَا
وَقع فِي مَوضِع اللَّام كَمَا أتبعت الْعين اللَّام فِيمَا ذكرت لَك
وَمَعْنَاهَا بِزِيَادَة الْمِيم وطرحها وَاحِد قَالَ المتلمس
(وَهَلْ لَي أمٌّ غيرُها إنْ تركتُها ... أَبى اللهُ إلّا أنْ أكونَ
لَهَا ابْنَمَا)
وَقَالَ الْكُمَيْت بن زيد الْأَسدي
(وَمِنَّا لَقِيطٌ وابْنَماهُ وحَاجِبٌ ... مُؤَرَّثُ نِيرانِ
المكارِمِ لَا المُخبي)
أَي وابناه فألف الْوَصْل فِي هَذِه الْأَسْمَاء على مَا ذكرت
(2/93)
وَمن ألفات الْوَصْل الْألف الَّتِي تلْحق
مَعَ اللَّام للتعريف وَإِنَّمَا زيدت على اللَّام لِأَن اللَّام
مُنْفَصِلَة مِمَّا بعْدهَا فَجعلت مَعهَا اسْما وَاحِدًا بِمَنْزِلَة
قد أَلا ترى أَن المتذكر يَقُول قدْ فيقف عَلَيْهَا إِلَى أَن يذكر مَا
بعْدهَا فَإِن توهم شَيْئا فِيهِ ألف الْوَصْل قَالَ قدى يقدر قد
انْطَلَقت قد استخرجت وَنَحْو ذَلِك وَكَذَلِكَ فِي الْألف وَاللَّام
تَقول جَاءَنِي ال وَرُبمَا قَالَ الى يُرِيد الابْن الْإِنْسَان على
تَخْفيف الْهمزَة فيفصلها كَمَا يفصل الْبَائِن من الْحُرُوف قَالَ
الراجز
(دَعْ ذَا وَقدم ذَا وألحِقْنَا بذلْ ... )
فَوقف عَلَيْهَا ثمَّ قَالَ متذكرا لَهَا ولحرف الْخَفْض الَّذِي
مَعهَا
(بالشَّحْمِ إِنَّا قد مَلَلناهُ بَجَلْ ... )
(2/94)
(هَذَا بَاب مصَادر الْأَفْعَال إِذا
جَاوَزت الثَّلَاثَة صحيحها ومعتلها والاحتجاج لذَلِك وَذكر أبنيتها)
أما مَا كَانَ من ذَوَات الْأَرْبَعَة فَإِن فعل مِنْهُ يكون على
فَعْلّل مَاضِيا وَيكون مستقبله على يُفعلِل ومصدره على فَعللة وفعلان
نَحْو دحرجته دحرجة وهملج الدَّابَّة هملجة وسرهفته سرهفة وسرعفته
سرعفة وزلزل الله بهم زَلْزَلَة والمضارع يُدحرج ويسرهف ويهملج
والفعلان نَحْو السرهاف والسرعاف والزلزال والمصدر اللَّازِم هُوَ
الفعللة وَالْهَاء لَازِمَة لَهُ لِأَنَّهَا بدل من الْألف الَّتِي
تلْحق هَذَا الضَّرْب من المصادر قبل أواخرها نَحْو مَا ذكرنَا من
السرهاف والزلزال قَالَ العجاج
(سَرهَفْتُه مَا شِئتَ مِنْ سِرْهافِ)
(2/95)
وَمَا كَانَ من ذَوَات الثَّلَاثَة المزيدة
الْوَاقِعَة على هَذَا الْوَزْن من الْأَرْبَعَة فَحكمه حكم هَذِه
الَّتِي وصفناها إِذا كَانَت زِيَادَته للإلحاق وَذَلِكَ نَحْو حوقلت
حوقلة وبيطرت بيطرة وجهور بِكَلَامِهِ جهورة وَكَذَلِكَ شمللت شمللة
وصعررت صعررة وسلقيته سلقاة يَا فَتى وجعبيته جعباة يَا فَتى والمضارع
على مِثَال يدحرج نَحْو يجعبي ويحوقل ويشملل وَكَذَلِكَ جَمِيعهَا
فَأَما مثل الزلزال والسرهاف فالحيقال والسلقاء كَمَا قَالَ
(يَا قومُ قدْ حَوْقَلْتُ أَو دَنَوتُ ... )
(وبَعْضُ سيِقال الرجالِ المَوتُ ... )
فَإِن كَانَ الشَّيْء من ذَوَات الثَّلَاثَة على وزن ذَوَات
الْأَرْبَعَة الَّتِي وَصفنَا من زَوَائِد غير حُرُوف الْإِلْحَاق
فَإِن الْمُضَارع كمضارع ذَوَات الْأَرْبَعَة لِأَن الْوَزْن وَاحِد
وَلَا يكون الْمصدر كمصادرها
(2/96)
لِأَنَّهُ غير مُلْحق بهَا وَذَلِكَ مَا
كَانَ على فعلت وفاعلت أفعلت فالوزن على وزن دحرجت تَقول قطّعَ يُقَطّع
وَكسر يُكَسّر على مِثَال يدحرج فَهَذَا فعلت وَأما فاعلت فنحو قَاتل
يُقَاتل وضارب يضارب وَأما أفعلت فنحو أكْرم يكرم وَأحسن يحسن وَكَانَ
الأَصْل يؤكرم ويؤحسن حَتَّى يكون على مِثَال دحرج لِأَن همزَة أكْرم
مزيدة بحذاء دَال دحرج وَحقّ الْمُضَارع أَن يَنْتَظِم مَا فِي
الْمَاضِي من الْحُرُوف وَلَكِن حذفت هَذِه الْهمزَة لِأَنَّهَا
زَائِدَة وتلحقها الْهمزَة الَّتِي يَعْنِي بهَا الْمُتَكَلّم نَفسه
فتجتمع همزتان فكرهوا ذَلِك وحذفوها إِذْ كَانَت زَائِدَة وَصَارَت
حُرُوف المضارعة تَابِعَة للهمزة الَّتِي يَعْنِي بهَا الْمُتَكَلّم
نَفسه كَمَا حذفت الْوَاو الَّتِي فِي يعد لوقوعها بَين يَاء وكسرة
وَصَارَت حُرُوف المضارعة تَابِعَة للياء وَمَعَ هَذَا فَإِنَّهُم قد
حذفوا الْهمزَة الاصلية للاتقاء الهمزتين فِي قَوْلك كل وَخذ فِرَارًا
من أؤكل وَمن أؤخذ وأمنوا الالتباس فَإِن اضْطر شَاعِر فَقَالَ يؤكرم
يؤحسن جَازَ ذَلِك كَمَا قَالَ
(وَصَالِياتٍ كَكَمَا يُؤَثَفَيْنَ ... )
(2/97)
وكما قَالَ
(كُراتُ غُلامٍ فِي كساءِ مؤرْنَبَ ... )
وكما قَالَ
(فإنَّهَ أهلٌ لأنْ يَؤكَرَمَا ... )
وَقد يَجِيء فِي الْبَاب الْحَرْف والحرفان على اصولهما وَإِن كَانَ
الِاسْتِعْمَال على غير ذَلِك ليدل على اصل الْبَاب فَمن ذَلِك
{اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمَ الشَّيْطانُ}
وأغيلت الْمَرْأَة الْمُسْتَعْمل فِي هَذَا الإغيال على مَا يجده فِي
كتاب التصريف نَحْو استجاز وَأقَام واستقام
(2/98)
وَكَذَلِكَ لححت عينه وَنَحْو ذَلِك
(قَدْ عَلمتْ ذاكَ بناتُ ألبُبِهِ ... )
فمما جَاءَ على أَصله فِيمَا الْهمزَة فِيهِ قَوْلهم اومرُ فَهَذَا
كنحو مَا وصفت لَك فِي الْكَلَام وَلم يجز فِي الزَّائِدَة مثل هَذَا
فِي غير الشّعْر لِأَن الْأَصْلِيَّة أمكن فَإِذا كَانَ اثباتها
مُمْتَنعا فَهُوَ من الزِّيَادَة أبعد فالمصدر فِي افعلت على مِثَال
الزلزال وَلم يكن فِيهِ مصدر جَاءَ لزلزلة لِأَنَّهُ نقص فِي
الْمُضَارع فَجعل هَذَا عوضا وَذَلِكَ نَحْو أكرمت إِكْرَاما وأعطيته
إِعْطَاء وَأسْلمت إسلاما فَهَذَا غير منكسر وَلَا مُمْتَنع فِي افعلت
من الصَّحِيح وَأما فاعلت فمصدره اللَّازِم مفاعلة مَا كَانَ فِيهِ
لأثنين أَو لوَاحِد وَذَلِكَ نَحْو قَاتَلت
(2/99)
مقاتلة وشاتمت مشاتمة وضاربت مُضَارَبَة
فَهَذَا على مِثَال دحرجت مدحرجة يَا فَتى وَلم يكن فِيهِ شَيْء على
مِثَال الدحرجة لِأَنَّهُ لَيْسَ بملحق بفعللت وَيَجِيء فِيهِ الفعال
نَحْو قَاتلته قتالا وراميته رماء وَكَانَ الأَصْل فيعالا لِأَن فاعلت
على وزن افعلت وفعللت فَكَانَ الْمصدر كالزلزال وَالْإِكْرَام وَلَكِن
الْيَاء محذوفة فِي فيعال اسْتِخْفَافًا وَإِن جَاءَ بهَا جاءٍ فمصيب
وَأما قَوْلنَا مَا يكون لاثْنَيْنِ نَحْو شاتمت وضاربت لَا يكون هَذَا
من وَاحِد وَلَكِن من اثْنَيْنِ فَصَاعِدا وَأما مَا يكون لوَاحِد من
هَذَا الْبَاب فنحو عَاقَبت اللص وطارقت النَّعْل وَعَافَاهُ الله
وَلِهَذَا مَوضِع مُمَيّز فِيهِ إِن شَاءَ الله وَمن هَذَا الْوَزْن
فعلت ومصدره التفعيل لِأَنَّهُ لَيْسَ بملحق فالتاء الزَّائِدَة عوض من
تثقيل الْعين وَالْيَاء بدل من الْألف الَّتِي تلْحق قبل أَوَاخِر
المصادر وَذَلِكَ قَوْلك قطعته تقطيعا وكسرته تكسيرا وشمرت تشميرا
(2/100)
وَكَانَ اصل هَذَا الْمصدر أَن يكون فعالا
كَمَا قلت أفعلت إفعالا وزلزلت زلزالا وَلكنه غير لبَيَان أَنه لَيْسَ
بملحق وَلَو جَاءَ بِهِ جاءٍ على الأَصْل لَكَانَ مصيبا كَمَا قَالَ
الله عز وَجل {وَكَذَّبوا بآياتِنَا كِذَّباً} فَهَذَا على وزن وَاحِد
اعني فعللت وفاعلت وافعلت وَفعلت والمحلقات بفعللت ويسكن أول الْفِعْل
من قبيل غير هَذَا فتلحقها ألف الْوَصْل وَتَكون على مِثَال انفعل
وَذَلِكَ نَحْو انْطلق والمصدر على الانفعال تَقول انْطلق انطلاقا
وانكسر انكسارا وَانْفَتح انفتاحا وَلَا تلْحق النُّون زَائِدَة ثَانِي
لِأَلف الْوَصْل إِلَّا هَذَا الْمِثَال وَفِي وَزنه ماكان على افتعل
وَالْفَاء تسكن فتحلقها ألف الْوَصْل فَيكون الْمصدر الافتعال وَذَلِكَ
نَحْو اقتدر اقتدارا واقتحم اقتحاما واكتسب اكتسابا وَلَا تلْحق
التَّاء شَيْئا من الْأَفْعَال زَائِدَة بعد حرف أُصَلِّي إِلَّا هَذَا
الْمِثَال ويضاعف آخر الْفِعْل ويسكن أَوله فتلحقه ألف الْوَصْل وَيكون
على هَذَا الْوَزْن إِلَّا إِن الْإِدْغَام يُدْرِكهُ لالتقاء الحرفين
من جنس وَاحِد وَذَلِكَ نَحْو احمررت واسوددت واخضررت فَإِذا قلت احمر
يَا فَتى وَمَا أشبهه لحقه الْإِدْغَام فَهَذَا قبيل آخر وَمن
الْأَفْعَال مَا يَقع على مِثَال استفعلت وَذَلِكَ أَن السِّين
وَالتَّاء زائدتان إِلَّا إِن السِّين سَاكِنة تلحقها ألف الْوَصْل
وَذَلِكَ نَحْو استخرجت واستكرمت واستطعمت فالمصدر من ذَا استفعالا
تَقول استخرجت استخراجا واستنطقت استنطاقا
(2/101)
وَيكون على هَذَا الْوَزْن إِلَّا أَن
آخِره مضاعف فيدركه الْإِدْغَام وَذَلِكَ الْمِثَال نَحْو احماررت
وابياضضت على معنى احمررت وابيضضت إِلَّا أَن الأَصْل افعاللت وافعللت
مَحْذُوف مِنْهُ والمصدر على وزن مصدر استفعلت وَتَقْدِيره افعيلال
وَذَلِكَ اشهاب الْفرس اشهيبابا وادهام ادهيماما وابياض ابيضاضا وَيكون
هَذَا على الْوَزْن ويسكن أَوله فتلحقه ألف الْوَصْل إِلَّا أَن
الْوَاو فِيهِ مضاعفة وَذَلِكَ افعولت ومصدره افعوالا وَذَلِكَ اجلوذ
اجلواذا واعلوط اعلواط وَمن هَذَا الْوَزْن مَا زيدت فِيهِ الْوَاو
بَين الْعَينَيْنِ فَكَانَ على مِثَال افعوعل وَذَلِكَ نَحْو اغدودن
واعشوشبت الارض واخلولق للخير والمصدر افعيعالا على وزن استخراجا فِي
السّكُون وَالْحَرَكَة وَكَذَلِكَ كل شَيْء وازن شَيْئا فَهُوَ يجْرِي
مجْرَاه فِي سكونه وحركته فِي الْمُضَارع والمصدر إِلَّا مَا ذكرت لَك
من مُخَالفَة فعّل وأفعل فِي الْمصدر للأربعة لتفصل بَين الملحق
وَغَيره وَيَقَع فِي الْوَزْن افعنلل من الْأَرْبَعَة وَالثَّلَاثَة
مُلْحقَة بالأربعة فَذَلِك نذكرهُ بعد هَذَا الْبَاب وَقَوْلنَا أَن
الْأَفْعَال إِذا وَقعت على وزن وَاحِد بِغَيْر إِلْحَاق فِي
الثَّلَاثَة الَّتِي تلحقها الزَّوَائِد اسْتَوَت مصادرها فِيهِ بَيَان
كل مَا يرد فِي هَذَا الْبَاب
(2/102)
وَاعْلَم أَن التَّاء تلْحق فَاعل وَفعل
فَيكون الْفِعْل على تفَاعل وَتفعل كَمَا تلْحق فعلل الَّذِي أَصله
الْأَرْبَعَة وَذَلِكَ نَحْو دحرج إِذا ذكرت المطاوعة قلت تدحرج فَيكون
الْمصدر تدحرجا فَكَذَلِك تَقول تقطع تقطعا وتكسر تكسرا وَفِي فَاعل
تَقول تغافل تغافلا وَتَنَاول تناولا لِأَنَّك تَقول ناولته فَتَنَاول
كَمَا تَقول دحرجته فتدحرج وَكَذَلِكَ كَسرته فتكسر
(2/103)
(هَذَا بَاب أَفعَال المطاوعة)
من الْأَفْعَال الَّتِي فِيهَا الزَّوَائِد من الثَّلَاثَة
وَالْأَفْعَال الَّتِي لَا زَوَائِد فِيهَا مِنْهَا وأفعال المطاوعة
أَفعَال لَا تتعدى إِلَى مفعول لِأَنَّهَا إِخْبَار عَمَّا تريده من
فاعلها فَإِذا كَانَ الْفِعْل بِغَيْر زِيَادَة فمطاوعة يَقع على انفعل
وَقد يدْخل عَلَيْهِ افتعل إِلَّا أَن الْبَاب انفعل وَذَلِكَ قَوْلك
كَسرته فانكسر فَإِن الْمَعْنى أَنِّي أردْت كَسره فبلغت مِنْهُ إرادتي
وَكَذَلِكَ قطعته فَانْقَطع وشويت اللَّحْم فانشوى ودفعته فَانْدفع
وَقد يَقع اشتوى فِي معنى انشوى لِأَن افتعل وانفعل على وزن فَأَما
الأجود فِي قَوْلك اشتوى فَأن يكون مُتَعَدِّيا على غير معنى الانفعال
وَتقول اشتوى الْقَوْم أَي اتَّخذُوا شواءً فَتَقول على هَذَا اشتوى
الْقَوْم لَحْمًا وَلَا يكون انفعل من هَذَا وَلَا من غَيره إِلَّا غير
مُتَعَدٍّ إِلَى مفعول وَإِن كَانَ الْفِعْل على افْعَل فبابه افعلته
فَفعل وَيكون فعل مُتَعَدِّيا وَغير مُتَعَدٍّ وَذَلِكَ أخرجته فَخرج
لِأَنَّك كنت تَقول خرج زيد فَإِذا فعل بِهِ ذَلِك غَيره قلت أخرجه عبد
الله أَي جعله يخرج وَكَذَلِكَ ادخلته الدَّار فَدَخلَهَا أَي جعلته
يدخلهَا
(2/104)
فَإِنَّمَا افعلته دَاخِلَة على فعل تَقول
عطا يعطو إِذا تنَاول وأعطيته أَنا ناولته فَالْأَصْل ذَا وَمَا كَانَ
من سَوَاء فداخل عيه تَقول ألبسته فَلبس وَأَطْعَمته فَطَعِمَ فَأَما
طرحت الْبِئْر وطرحتها وغاض المَاء وغضته وَكسب زيد درهما وَكَسبه
فَهُوَ على هَذَا بِحَذْف الزَّوَائِد وَكَذَلِكَ إِن كَانَ من غير
هَذَا الْفظ نَحْو أَعْطيته فَأَخذه إِنَّمَا أَخذ فِي معنى عطا أَي
تنَاول فَإِن كَانَ الْفِعْل على فَاعل مِمَّا يَقع لوَاحِد فالمفعول
الَّذِي يَقع فِيهِ على إِنَّه كَانَ فَاعِلا يكون على متفاعل وَفعله
على تفَاعل تَقول ناولته فَتَنَاول وقاعسته فتقاعس هَذَا إِنَّمَا يصلح
إِذا كَانَ فَاعل للْفَاعِل وَحده نَحْو عافاه الله وناولت زيد فَأَما
إِذا كَانَ من اثْنَيْنِ فَهُوَ خَارج من هَذَا وَذَلِكَ نَحْو شاتمت
زيدا أَي كَانَ مِنْهُ إِلَيّ مثل مَا كَانَ مني إِلَيْهِ وقاتلت زيدا
وضاربت عمرا فالغالب من ذَا يَقع على فعل يفعل من الصَّحِيح تَقول
شاتمني فشتمته وَحقّ لي أَن اشتمه وضاربني فضربته فَأَنا أضربه لَا
يكون الْفِعْل من هَذَا إِلَّا على مِثَال قتل يقتل وَلَيْسَ من بَاب
ضرب يضْرب وَلَا علم يعلم فَإِذا كَانَ الْفِعْل على مِثَال فعلت أَو
فاعلت فقد قُلْنَا إِنَّه يكون على تفَاعل وَتفعل
(2/105)
واستفعل يكون المطاوع فِيهِ على مِثَاله
قبل أَن تلْحقهُ الزِّيَادَة إِذا كَانَ الْمَطْلُوب من فعله وَذَلِكَ
استنطقته فَنَطَقَ واستكتمته فكتم واستخرجته فَخرج فَإِن كَانَ من غير
فعله جَاءَ على لفظ آخر نَحْو استخبرته فَأخْبر لِأَنَّك تُرِيدُ
سَأَلته أَن يُخْبِرنِي وَكَانَ فعله أخبر بِالْألف الثَّانِيَة فجَاء
على مِقْدَار مَا كَانَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ استعلمته فَأَعْلمنِي فعلى
هَذَا يجْرِي مَا ذَكرْنَاهُ من هَذِه الْأَفْعَال
(2/106)
(هَذَا بَاب مَا كَانَ من بَنَات
الْأَرْبَعَة وَألْحق بِهِ من الثَّلَاثَة)
فمثال بَنَات الْأَرْبَعَة الَّتِي لَا زِيَادَة فِيهَا فعلل وَذَلِكَ
نَحْو دحرج وهملج وسرهف وَقد مضى قَوْلنَا فِي مصدره وتلحق بِهِ
الثَّلَاثَة بِالْوَاو ثَانِيَة فَيكون على فوعل وَذَلِكَ نَحْو حوقل
كَمَا تلْحق اسْما نَحْو كوثر وجورب والمصدر كالمصدر وتلحق الْوَاو
ثَالِثَة فَيكون على فعول نَحْو جهورة كَلَامه جهور كَمَا يلْحقهُ
اسْما وَذَلِكَ قَوْلك جدول والمصدر كالمصدر وتلحقه الْيَاء ثَانِيَة
فَيكون الْفِعْل على فيعل وَذَلِكَ نَحْو بيطر كَمَا يلْحقهُ اسْما
إِذا قلت رجل جيدر وصيرف والمصدر كالمصدر تَقول بيطر بيطرة وتلحقه
الْيَاء رَابِعَة نَحْو سلقى وجعبى والمصدر كالمصدر وَنَظِيره من
الْأَسْمَاء أرطى وعلقى ويدلك على أَن الْألف لَيست للتأنيث أَنَّك
تَقول فِي الْوَاحِدَة أَرْطَاة وعلقاة وَهَذَا مُبين فِي بَاب التصريف
وَإِنَّمَا نذْكر هَا هُنَا شَيْئا للباب الَّذِي ذَكرْنَاهُ وكل مَا
كَانَ مُلْحقًا بِشَيْء من الْفِعْل فمصدره كمصدره وَلَيْسَ فِي
الْأَفْعَال شَيْء على فعيل وَلَكِن فعيل مُلْحق بهجرع وَذَلِكَ هريع
وحيثل فالفعل من بَنَات الْأَرْبَعَة بِغَيْر زِيَادَة لَا يكون إِلَّا
على فعلل فالأسماء تكون على فعلل
(2/107)
نَحْو جَعْفَر وفعلل نَحْو الترتم والجلجل
وَيكون على فعلل نَحْو زهلق وخمخم وَيكون على فعلل نَحْو هجرع
وَدِرْهَم لتمكن الْأَسْمَاء وتقدمها الْأَفْعَال وَيكون الْأَسْمَاء
على فعل نَحْو قمطر سبطر فَأَما الْأَفْعَال فتلحقها الزِّيَادَة
فَيكون الْفِعْل على تفعلل وَهُوَ الْفِعْل الَّذِي يَقع على فعلل
وَذَلِكَ نَحْو تدحرج وتسرهف لِأَن التَّقْدِير دحرجته فتدحرج والمصدر
التفعلل ومصدر تفعل التفعل كَقَوْلِك تكسر تكسرا ومصدر تفَاعل إِنَّمَا
هُوَ التفاعل نَحْو تغافل تغافلا فاستوت مصارد هَذِه فِي السّكُون
وَالْحَرَكَة كَمَا اسْتَوَت أفعالها وتلحق النُّون الْأَفْعَال
ثَالِثَة وتسكن أَولهَا وتلحقها ألف الْوَصْل فَيكون على افنعلل
وَذَلِكَ نَحْو احرنجم واخرنطم والملحق بِهِ من بَنَات الثَّلَاثَة
يكون على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا أَن تضَاعف اللَّام فَيكون الْوَزْن
افعنلل وَإِحْدَى اللامين زَائِدَة وَذَلِكَ نَحْو اقعنسس وَالْوَجْه
الآخر أَن تزاد يَاء بعد اللَّام فَيكون افعنلى وَذَلِكَ نَحْو اسنلقى
وَلَا يكون الْإِلْحَاق بِهِ من بَنَات الثَّلَاثَة غير احرنجم لِأَن
النُّون إِنَّمَا تقع بَين حرفين من الأَصْل فَلَا يكون فِيمَا ألحق
بِهِ إِلَّا كَذَلِك
(2/108)
وتلحق بَنَات الْأَرْبَعَة الزِّيَادَة
آخرا ويسكن أَولهَا فتلحقها ألف الْوَصْل فَيكون بِنَاء الْفِعْل على
افعللت وافعلل إِلَّا أَن الْإِدْغَام يُدْرِكهُ وَذَلِكَ نَحْو
اقشعررت واقشعرّ وَكَانَ أَصله اقشعرر فنظيره من الثَّلَاثَة احماررت
واشهاببت واشهاب الْفرس ومصدره كمصدره لِأَن الْوَزْن وَاحِد
وَكَذَلِكَ استفعلت الَّذِي لَا يكون إِلَّا من الثَّلَاثَة وَذَلِكَ
قَوْلك اشهاب الْفرس اشهيبابا كَمَا تَقول استخرج استخراجا وأغدودن
اغديدانا واعلوط اعلواطا وَقد مضى قَوْلنَا فِي اسْتِوَاء المصادر فِي
السّكُون وَالْحَرَكَة إِذا اسْتَوَت أفعالها وَلَا يكون الْفِعْل من
بَنَات الْخَمْسَة الْبَتَّةَ إِنَّمَا يكون من الثَّلَاثَة
وَالْأَرْبَعَة وَمِثَال الْخَمْسَة للأسماء خَاصَّة لقُوَّة
الْأَسْمَاء وتمكنها وَأكْثر مَا يبلغ الْعدَد فِي الْأَسْمَاء
بِالزِّيَادَةِ سَبْعَة أحرف وَلَا يكون ذَلِك إِلَّا فِي المصادر من
الثَّلَاثَة وَالْأَرْبَعَة وهما اشهيباب واحرنجام وَمَا وَقع على
هَذَا الْوَزْن من الثَّلَاثَة فَأَما الْخَمْسَة فَلَا تبلغ
بِالزِّيَادَةِ إِلَّا سِتَّة أحرف لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا فعل
فَيكون لَهَا مصدر كهذه المصادر وَلَكِن تلحقها الزَّوَائِد كَمَا
تلْحق سَائِر الْأَسْمَاء وَذَلِكَ نَحْو عضرفوط وعندليب وقبعثري
وَهَذَا مُبين فِي بَاب التصريف
(2/109)
(هَذَا بَاب ذَوَات الثَّلَاثَة من
الْأَفْعَال بِغَيْر زِيَادَة)
فالأفعال مِنْهَا تكون على فعل يفعل لما كَانَ مُتَعَدِّيا وَغير
مُتَعَدٍّ فَأَما الْمُتَعَدِّي فنحو ضرب يضْرب وَحبس يحبس وَشتم يشْتم
وَأما غير الْمُتَعَدِّي فنحو جلس يجلس وحرص يحرص وشهق يشهق فَتكون على
فعل يفعل فَيكون للمتعدي وَغَيره فَأَما الْمُتَعَدِّي فنحو قتل يقتل
وسجن يسجن وعتل يعتل وَأما غير المعتدي فنحو قعد يقْعد وَنظر ينظر من
الْعين وعطس يعطس وَتَكون على فعل يفعل لما يتَعَدَّى وَلما لَا
يتَعَدَّى فالمتعدي شرب يشرب ولقم يلقم وحذر يحذر وَأما غير
الْمُتَعَدِّي فنحو بطر يبطر وَفقه يفقه ولحح يلحح وشتر يشتر وَيكون
على فعل يفعل وَلَا يكون إِلَّا لما لَا يتَعَدَّى وَذَلِكَ نَحْو كرم
يكرم وَشرف وظرف فَهَذِهِ أبنية الثَّلَاثَة
(2/110)
وَاعْلَم أَن حُرُوف الْحلق إِذا وَقعت من
فعل المفتوح فِي مَوضِع الْعين أَو اللَّام جَاءَ فِيهِ يفعل
بِالْفَتْح وَذَلِكَ لِأَن حُرُوف الْحلق من حيّز الْألف والفتحة
مِنْهَا وَإِن كَانَ حرف الْحلق فِي مَوضِع الْعين من الْفِعْل انفتحت
الْعين ليَكُون الْعَامِل من وَجه وَاحِد فَأَما مَا كَانَت مِنْهُ فِي
مَوضِع اللَّام فسنذكره بعد ذكرنَا حُرُوف الْحلق إِن شَاءَ الله
وَهَذِه الْحُرُوف السِّتَّة فأقصدها الْهمزَة وَالْهَاء والمخرج
الثَّانِي الْعين والحاء وادنى مخارج الْحلق إِلَى الْفَم الْغَيْن
وَالْخَاء فَمَا كَانَ من ذَلِك فِي مَوضِع اللَّام فنحو قَرَأَ يقْرَأ
وبسأ بِهِ يبسأ وجبه يجبهُ وصنع يصنع ونطح يَنْطَح وسنح يسنح ومنح يمنح
وسلخ يسلخ ونبغ يَنْبغ وَرقا يرقأ وَمَا كَانَ فِي مَوضِع الْعين فنحو
ذهب يذهب وَفعل يفعل وَنحل ينْحل ونهش ينهش وجأر يجأر
(2/111)
وَإِن كَانَ حرف الْحلق فِي مَوضِع الْفَاء
لم يفتح لَهُ شَيْء وَذَلِكَ أَن الْفَاء لَا تكون إِلَّا سَاكِنة فِي
يفعل وَإِنَّمَا تتحرك فِي المعتل بحركة غَيرهَا نَحْو يَقُول يَبِيع
وَاعْلَم إِن الأَصْل مُسْتَعْمل فِيمَا كَانَت حُرُوف الْحلق فِي
مَوضِع عينه أَو لامه نَحْو زأر الْأسد يزئر ونأم ينئم لِأَن هَذَا
هُوَ الأَصْل وَالْفَتْح عَارض لما ذكرت لَك هَا هُنَا من أجل مصادره
ليجري الْفِعْل عَلَيْهَا وَنحن ذاكروها بعد ذكر أَسمَاء الفاعلين فِي
هَذِه الْأَفْعَال إِن شَاءَ الله
(2/112)
(هَذَا بَاب معرفَة أَسمَاء الفاعلين فِي
هَذِه الْأَفْعَال وَمَا يلْحقهَا من الزِّيَادَة للْمُبَالَغَة)
اعْلَم أَن الِاسْم على فعل فَاعل نَحْو قَوْلك ضرب فَهُوَ ضَارب وَشتم
فَهُوَ شاتم وَكَذَلِكَ فعل نَحْو علم فَهُوَ عَالم وَشرب فَهُوَ
شَارِب فَإِن أردْت أَن تكْثر الْفِعْل كَانَ للتكثير أبنية فَمن ذَلِك
فعال تَقول رجل قتّال إِذا كَانَ يكثر الْقَتْل فَأَما قَاتل فَيكون
للقليل وَالْكثير لِأَنَّهُ الأَصْل وعَلى هَذَا تَقول رجل ضرّاب
وشتّام كَمَا قَالَ
(أَخا الحَربِ لَبّاساً إِلَيْهَا جِلالها ... ولَيسَ بِوَلاّجِ
الخَوالِفِ أعقلا)
فَهَذَا ينصب الْمَفْعُول كَمَا ينصبه فَاعل لِأَنَّك إِنَّمَا تُرِيدُ
بِهِ مَا تُرِيدُ بفاعل إِلَّا أَن هَذَا أَكثر مُبَالغَة أَلا ترَاهُ
يَقُول
(لبّاسا إِلَيْهَا جلالها ... )
وَمن كَلَام الْعَرَب أما الْعَسَل فَأَنت شرّاب
(2/113)
وَمن هَذِه الْأَبْنِيَة فعول نَحْو ضروب
وقتول وركوب تَقول هُوَ ضروب زيدا إِذا كَانَ يضْربهُ مرّة بعد مرّة
كَمَا قَالَ
(ضَرُوبٌ بَنَصلِ السيفِ سُوقَ سِمانها ... إِذا عَدِموا زاداُ فأنكَ
عاقِرُ)
وَمن كَلَام الْعَرَب إِنَّه ضروب رُؤْس الدارعين وَمن هَذِه
الْأَبْنِيَة مفعال نَحْو رجل مِضراب وَرجل مقتال وَمن كَلَام الْعَرَب
إِنَّه لمِنحار بَوائكها فَأَما مَا كَانَ على فعيل نَحْو رَحِيم عليم
فقد أجَاز سِيبَوَيْهٍ النصب فِيهِ وَلَا أرَاهُ جَائِزا وَذَلِكَ أَن
فعيلا إِنَّمَا هُوَ اسْم الْفَاعِل من الْفِعْل الَّذِي لَا يتَعَدَّى
\ فَمَا خرج إِلَيْهِ من غير ذَلِك الْفِعْل فمضارع لَهُ مُلْحق بِهِ
(2/114)
وَالْفِعْل الَّذِي هُوَ لفعيل فِي الأَصْل
إِنَّمَا هُوَ مَا كَانَ على فَعُلَ نَحْو كرم فَهُوَ كريم وَشرف
فَهُوَ شرِيف وظرف فَهُوَ ظريف فَمَا خرج إِلَيْهِ من بَاب علم وَشهد
ورحم فَهُوَ مُلْحق بِهِ فَإِن قلت رَاحِم وعالم وَشَاهد فَهَذَا اسْم
الْفَاعِل الَّذِي يُرَاد بِهِ الْفِعْل وَاحْتج سِيبَوَيْهٍ بقول
الشَّاعِر
(حتَى شآها كليِلٌ مَوهِنَّا عَمِلٌ ... باتَتْ طِرَباً وباتَ الليلَ
لمْ يَنِمِ)
فَجعل الْبَيْت مَوْضُوعا من فعيل وفَعل بقوله عمِل وكَليل وَلَيْسَ
هَذَا بِحجَّة فِي وَاحِد مِنْهُمَا لِأَن مَوهِنا ظرف وَلَيْسَ بمفعول
والظرف إِنَّمَا يعْمل فِيهِ معنى الْفِعْل كعمل الْفِعْل كَانَ
الْفِعْل مُتَعَدِّيا أَو غير مُتَعَدٍّ وَكَذَلِكَ مَا ذكر فِي فعل
أَكثر النَّحْوِيين على رده وفعيل فِي قَول النَّحْوِيين
بِمَنْزِلَتِهِ فَمَا كَانَ على فعل فنحو فرق وبطر حذر الْحجَّة فِي
أَن هَذَا لَا يعْمل أَنه لما تنْتَقل إِلَيْهِ الْهَيْئَة تَقول فلَان
حذر أَي ذُو حذر
(2/115)
وَفُلَان بطر كَقَوْلِك مَا كَانَ ذَا بطر
وَلَقَد بطر وَمَا كَانَ ذَا حذر وَلَقَد حذر فَإِنَّمَا هُوَ
كَقَوْلِك مَا كَانَ ذَا شرف وَلَقَد شرف وَمَا كَانَ ذَا كرم وَلَقَد
كرُم ففعلٌ مضارعة لفَعيل وَكَذَلِكَ يَقع فعل وفعيل فِي معنى
كَقَوْلِك رجل طبَّ وطبيب ومذل ومذيل وَهَذَا كثير جدا وَاحْتج
سِيبَوَيْهٍ بِهَذَا الْبَيْت
(حَذِرٌ أُمُوراً لَا تَضِيرُ وآمِنٌ ... مَا ليسَ مُنْجِيهِ مِنَ
الأقدَرِ)
(2/116)
وَهَذَا بَيت مَوضِع مُحدث وَإِنَّمَا
الْقيَاس الْحَاكِم على مَا يَجِيء من هَذَا الضَّرْب وَغَيره فَإِن
ذكرت فعولًا من غير فعل لم يجر مجْرى الْفِعْل وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك
هَذَا رَسُول وَلَيْسَ بِمَنْزِلَة ضروب لِأَنَّك تَقول رجل ضَارب
وضروب لمن يكثر الضَّرْب مِنْهُ فَإِذا قلت رَسُول لم ترد بِهِ معنى
فِعل إِنَّمَا تُرِيدُ أَن غَيره أرْسلهُ وَالْفِعْل مِنْهُ أرسل
يُرْسل وَالْمَفْعُول مُرْسل وَلَيْسَ رَسُول مكثرا من مُرْسل لِأَن
رَسُولا قد يَسْتَقِيم أَن يكون أرسل مرّة وَاحِدَة فَلَيْسَ
للْمُبَالَغَة وَأما ضروب فَمَعْنَاه كَثْرَة الضَّرْب
(2/117)
فَإِن كَانَت الْأَسْمَاء جَارِيَة على
أفعالها فِي الفاعلين والمفعولين عملت عمل أفعالها لَا اخْتِلَاف فِي
ذَلِك بَين أحدٍ وَنحن ذاكروها مَعَ مَا ذَكرْنَاهُ عَن شَاءَ الله
وَذَلِكَ أَنَّك إِذا أردْت التكثير من ذَا قلت مُضّرِبٌ أَعْنَاق
الْقَوْم لِأَن الِاسْم على ضرب مُضَرب وَإِنَّمَا ذكرنَا النصب فِي
ضراب لِأَنَّهُ فِي معنى مُضرب أَلا ترى أَنَّك لَا تَقول لمن
(2/118)
ضرب ضَرْبَة وَاحِدَة ضرّاب وَلَا لمن خاط
خيطة وَاحِدَة خيّاط وَلَا ضروب وَلَا خيوط فَإِنَّمَا مضرب من ضربت
ومستخرج من استخرجت ومنطلق من انْطَلَقت فاسم الْفَاعِل قلت حُرُوفه
أَو كثرت بِمَنْزِلَة الْفِعْل الْمُضَارع الَّذِي مَعْنَاهُ يفعل
وَاسم الْمَفْعُول جَار على الْفِعْل الْمُضَارع الَّذِي مَعْنَاهُ
يُفعَلُ تَقول زيد ضَارب عمرا كَمَا تَقول زيد يضْرب عمرا وَزيد
مَضْرُوب سَوْطًا كَمَا تَقول زيد يُضرب سَوْطًا فَهَذِهِ جملَة هَذِه
الْبَاب وَاعْلَم أَن المصادر تنصب الْأَفْعَال الَّتِي هِيَ مِنْهَا
وَقد مضى قَوْلنَا فِي هَذَا وَفِي مصَادر مَا جَاوز عدده الثَّلَاثَة
وَنحن ذاكرو المصادر الَّتِي تجْرِي على الْأَفْعَال من ذَوَات
الثَّلَاثَة على كثرتها واختلافها بعد فراغنا من هَذَا الْبَاب إِن
شَاءَ الله اعْلَم إِن المصادر تلحقها الْمِيم فِي أَولهَا زَائِدَة
لِأَن الْمصدر مفعول فَإِذا كَانَ كَذَلِك جرى مجْرى الْمصدر الَّذِي
لَا مِيم فِيهِ فِي الإعمال وَغَيره وَذَلِكَ قَوْلك ضَربته مضربا أَي
ضربا وغزوته غزواً ومغزى وشتمته شتما ومشتماُ وَتقول يَا عَمْرو مشتما
زيد فَإِن كَانَ الْمصدر لفعل على أَكثر من ثَلَاثَة كَانَ على مِثَال
الْمَفْعُول لِأَن الْمصدر مفعول
(2/119)
وَكَذَلِكَ إِن بنيت من الْفِعْل اسْما
لمَكَان أَو زمَان كَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا على مِثَال الْمَفْعُول
لِأَن الزَّمَان وَالْمَكَان مفعول فيهمَا وَذَلِكَ قَوْلك فِي المصادر
أدخلته مدخلًا كَمَا قَالَ عز وَجل {أنزلني منزلا مُبَارَكًا} و {باسمِ
اللهِ مُجْريهَا ومُرْسَاها} وَكَذَلِكَ سرحته مسرحا وَهَذَا مسرحنا
أَي فِي مَوضِع تسريحنا وَهَذَا مقامنا لِأَنَّك تُرِيدُ بِهِ الْمصدر
وَالْمَكَان من أَقمت وعَلى ذَلِك قَالَ الله عز وَجل {إِنَّهَا ساءت
مُسْتَقرًّا ومقاما} لِأَنَّهَا من أَقمت وَقَالَ {يَا أهْلَ يَثْرِبَ
لَا مَقَام لنَا} لِأَنَّهَا من قُمْت مَوضِع قيام وَمن قَرَأَ {لَا
مقَام} إِنَّمَا يُرِيد لَا إِقَامَة
(2/120)
قَالَ الشَّاعِر
(ألَمْ تَعلَمْ مُسَرِّحي القَوَافي ... فّلا عيَّا بَهِنَّ وَلَا
اجتلابا)
أَي تسريحي وَقَالَ آخر
(وَمَا هيَ إِلَّا فِي إزارٍ وعِلْقَةٍ ... مُغارَ ابْن هُمامٍ على
حَيِّ خَثْعَما)
(2/121)
أَي وَقت إغارة ابْن همام وَهَذَا أوضح من
أَن يكثر فِيهِ الِاحْتِجَاج لِأَن الْمصدر هُوَ الْمَفْعُول الصَّحِيح
إِلَّا ترى أَنَّك إِذا قلت ضربت زيدا أَنَّك لم تقعل زيدا وَإِنَّمَا
فعلت الضَّرْب فأوصلته إِلَى زيد وأوقته بِهِ لِأَنَّك إِنَّمَا أوقعت
بِهِ فعلك فَأَما قَول الله عز وَجل {وَجَعَلْنا النَّهارَ مَعَاشَّا}
فَمَعْنَاه
(2/122)
عَيْشًا ثمَّ قَالَ {ويسألونك عَن
الْمَحِيض} أَي الْحيض فَكَانَ أحد المصدرين على مفعل وَالْآخر على
مَفْعِل وَقَوله عز وَجل {سَلام هِيَ حَتَّى مطلع الْفجْر} ومطلع
الْفجْر وَمَا أشبه هَذَا فَلهُ بَاب يذكر فِيهِ إِن شَاءَ الله
(2/123)
(هَذَا بَاب مصَادر ذَوَات الثَّلَاثَة على
اختلافها وتبيين الأَصْل فِيهَا)
اعْلَم أَن هَذَا الضَّرْب من المصادر يَجِيء على أَمْثِلَة كَثِيرَة
بزوائد وَغير زَوَائِد وَذَلِكَ أَن مجازها مجَاز الْأَسْمَاء والأسماء
لَا تقع بِقِيَاس وَإِنَّمَا اسْتَوَت المصادر الَّتِي تجاوزت افعالها
ثَلَاثَة أحرف فجرت على قِيَاس وَاحِد لِأَن الْفِعْل مِنْهَا لَا
يخْتَلف وَالثَّلَاثَة مُخْتَلفَة أفعالها الْمَاضِيَة والمضارعة
فَلذَلِك اخْتلفت مصادرها وَجَرت مجْرى سَائِر الْأَسْمَاء فَمِنْهَا
مَا يَجِيء على فعل مَفْتُوح الأول سَاكن الثَّانِي وَهُوَ الأَصْل
وسنبين الأَصْل إِن شَاءَ الله فَمَا جَاءَ مِنْهَا على فَعْل فقولك
ضربت ضربا وَقتلت قتلا وشربت شربا وَمَكَثت مكثا فَهَذَا قد جَاءَ
فِيمَا كَانَ على فعل يفعل نَحْو ضرب يضْرب وعَلى فعل
(2/124)
يفعل نَحْو قتل يقتل وعَلى فعل يفعل نَحْو
شرب يشرب ولقم يلقم وعَلى فعل يفعُل نَحْو مكث يمكُث وَيَقَع على فِعل
وفُعل بِإِسْكَان الثَّانِي وَكسر الأول أَو ضمه فَأَما الْكسر فنحو
علم علما وحلم حلماً وَفقه فقهاً وَكَذَلِكَ فَقُه وَأما مَا كَانَ
مضموم الأول فنحو الشّغل تَقول شغلته شُغلا وشربته شربا وسقم الرجل
سُقما وَيكون على فَعَل نَحْو جلبته جلبا وطربت طَربا وحلب الرجل
الشَّاة حَلبًا وَيكون على فعل نَحْو سمن سمنا وَعظم عظما وَكبر كبرا
وَصغر صغرا وَيكون على فعل نَحْو ضحك ضحكا وَحلف حلفا وخنقه خنِقا
هَذِه المصادر بِغَيْر زِيَادَة وَتَكون الزِّيَادَة فَيكون على فعول
وفعال نَحْو جلس جُلوسا وَقعد قعُودا ووقدت النَّار وقودا وشكرته
شكُورًا وكفرته كفورا
(2/125)
والفعال نَحْو قُمْت قيَاما وَصمت صياما
ولقيته لِقَاء وَيكون على فعال نَحْو ذهب ذَهَابًا وخفيت خَفَاء وشربت
شرابًا يَقُول بَعضهم هُوَ مصدر وَأما أَكثر النَّحْوِيين فالشراب
عِنْده المشروب وَهَذَا لَا اخْتِلَاف فِيهِ وَإِنَّمَا تزْعم طَائِفَة
أَنه يكون للمصدر وَتقول جمل جمالا وخُبل خَبالا وكمل كمالا وَيكون على
هَذَا الْوَزْن بِالْهَاءِ نَحْو سفه سفاهة وضل ضَلَالَة وَجَهل
جَهَالَة وسقم سقامة وَيكون فِي المعتل مِنْهُ بِنَاء لَا يُوجد مثله
فِي الصَّحِيح وَذَلِكَ أَنَّك لَا تَجِد مصدرا على فيعولة إِلَّا فِي
المعتل وَذَلِكَ شاخ شيخوخة وَصَارَ صيرورة وَكَانَ كينونة إِنَّمَا
كَانَ الأَصْل كَيَّنونة وصيّرورة وشيّخوخة وَكَانَ قبل الْإِدْغَام
كيونونة وَلَكِن لما كثر الْعدَد الزموه التَّخْفِيف كَرَاهِيَة
للتضعيف وَمثل ذَلِك قَوْلهم فِي هَين هيْن وَفِي سيد سَيد وَكَذَلِكَ
ميت مَيت وليّن لَيْن وَجَمِيع مَا كَانَ على هَذَا الْوَزْن فَلَمَّا
كَانَ التَّخْفِيف فِي الْعدَد الْأَقَل جَائِزا كَانَ فِي الْعدَد
الْأَكْثَر لَازِما وَلَا يُوجد مصدر على فيعلولة فِي غير المعتل لِأَن
من كَلَامهم اخْتِصَاص المعتل بأبنية
(2/126)
لَا تكون فِي غَيره وَالدَّلِيل على أَنه
فيعلول أَنه لَا يكون اسْم على فعلول بِفَتْح أَوله وَلم يُوجد ذَلِك
إِلَّا فِي قَوْلهم صعفوقٌ وَيُقَال إِنَّه اسْم أعجمي أُعرب وَمن
الدَّلِيل على ذَلِك أَن كينونه لَو كَانَ فعلولة لَكَانَ كونونة
لِأَنَّهُ من الْوَاو فَهَذَا وَاضح جدا وَالدَّلِيل على أَن أصل
المصادر فِي الثَّلَاثَة فعل مسكن الْأَوْسَط مَفْتُوح الأول أَنَّك
إِذا أردْت رد جَمِيع هَذِه المصادر إِلَى الْمرة الْوَاحِدَة
فَإِنَّمَا ترجع إِلَى فعلة على أَي بِنَاء كَانَ بِزِيَادَة أَو غير
زِيَادَة وَذَلِكَ قَوْلهم ذهبت ذَهَابًا ثمَّ تَقول ذهبت ذهبة
وَاحِدَة وَتقول فِي الْقعُود قعدت قعدة وَاحِدَة وَحلفت حلفة وَاحِدَة
وحلبته حلبة وَاحِدَة لَا يكون فِي جَمِيع ذَلِك إِلَّا هَكَذَا
وَالْفِعْل أقل الْأُصُول والفتحة أخق الحركات وَلَا يثبت فِي
الْكَلَام بعد هَذَا حرف زَائِد وَلَا حَرَكَة إِلَّا بثبت وَتَصْحِيح
وَزعم سِيبَوَيْهٍ أَن الْأَكْثَر فِي الْفِعْل الَّذِي لَا يتَعَدَّى
إِلَى الْمَفْعُول أَن يَأْتِي على فعول وَإِن كَانَ الْفِعْل هُوَ
الأَصْل فَكَأَن الْوَاو إِنَّمَا زيدت وَغير للفصل بَين الْمُتَعَدِّي
وَغَيره وَذَلِكَ نَحْو جَلَست جُلُوسًا ووقدت النَّار وقودا وَإِن
كَانَ الأَصْل مَا ذكرنَا وَقد يَجِيء هَذَا فِيمَا لَا يتَعَدَّى
أَكثر
(2/127)
وَجَاءَت مصَادر على فعول مَفْتُوحَة
الْأَوَائِل وَذَلِكَ قَوْلك تَوَضَّأت وضُوءًا حسنا وتطهرت طهُورا
واولعت بِهِ ولوعا ووقدت النَّار وقودا وَأَن عَلَيْهِ لقبولا على أَن
الضَّم فِي الْوقُود أَكثر إِذا كَانَ مصدرا وَأحسن
(2/128)
|