المقتضب (هَذَا بَاب مَا كَانَ من المعتل فِيمَا
جَاوز فعله الثَّلَاثَة فَلَزِمَهُ الْحَذف لاعتلاله والإتمام لسلامته)
اعْلَم أَن المعتل يَقع على ضَرْبَيْنِ محذوفا ومتمما فَمَا لزمَه
الْحَذف لعِلَّة تكون تِلْكَ الْعلَّة رَاجِعَة فِي مصدره فمصدره معتل
كاعتلاله وَمَا سلم من الْحَذف فعله كَانَ مصدره تَاما فَمن ذَلِك مَا
يكون من الثَّلَاثَة مِمَّا فاؤه وَاو وَذَلِكَ نَحْو وعد وَوجد فَإِذا
قلت يعد ويجد وَقعت الْوَاو بَين يَاء وكسرة فحذفت لذَلِك فَكَانَ يعد
ويجد وَكَانَ الأَصْل يوعد وَيُوجد وَلَو لم تكن الكسرة بعد الْيَاء
لصحت كَمَا تصح فِي يوجل أَو أبدلت وَلم تحذف كَمَا تَقول ييجل ييحل
وياجل وياحل فَإِذا قلت وَعدا ووزنا صَحَّ الْمصدر لِأَنَّهُ لم تلحقة
عِلّة فَإِن قلت عدَّة وزنة أعللت فحذفت لِأَن الكسرة فِي الْوَاو
فالعلة فِي الْمصدر من وَجْهَيْن إِحْدَاهمَا عِلّة فعلة وَالثَّانيَِة
وُقُوعهَا فِيهِ أَلا ترى أَنَّهَا لَو كَانَت عِلّة الْفِعْل وَحدهَا
لصَحَّ الْمصدر كَمَا ذكرت لَك فِي الْوَعْد وَالْوَزْن
(2/129)
وَلَو بنيت اسْما على فعلة لَا تُرِيدُ
بِهِ مصدرا لصحت الْوَاو وَذَلِكَ مثل الْوَجْه فَكَذَلِك كل مصدر من
المعتل وَهَذَا الَّذِي قدمت مَا أعلت فاؤه وَالَّذِي تعتل عينه من
بَاب قَالَ وَبَاعَ هَذَا مجْرَاه تَقول قُمْت قيَاما فَإِنَّمَا حذفت
مَوضِع الْعين من قُمْت لِاجْتِمَاع الساكنين وَلم يلتق فِي الْمصدر
ساكنان وَلَكِن يلزمك لاعتلال الْفِعْل أَن تقلب الْوَاو يَاء لِأَن
قبلهَا كسرة فقد اجْتمع فِيهَا شَيْئَانِ الكسرة قبلهَا واعتلال
الْفِعْل فَلذَلِك قُلْنَ لذت لياذا ونمت نياما وَقمت قيَاما وَلَو كلن
الْمصدر لقاومت لصَحَّ فَقلت قاومته قواما ولاوذته لِوَاذًا وَكَانَ
اسْما غير مصدر نَحْو خوان فَإِن كَانَ الْمصدر لَا عِلّة فِيهِ صَحَّ
على مَا ذكرت لَك وَذَلِكَ قَوْلك قلت قولا وجلت جولا وَكَذَلِكَ بِعْت
بيعا وكلت كَيْلا لَا نقص فِي شَيْء من ذَلِك وَكَذَلِكَ إِن اعتلت
اللَّام فلحقت الْمصدر تِلْكَ الْعلَّة وَالْفِعْل بِزِيَادَة أَو غير
زِيَادَة
(2/130)
(هَذَا بَاب الْأَمر وَالنَّهْي)
فَمَا كَانَ مِنْهُمَا مَجْزُومًا فَإِنَّمَا جزمه بعامل مدْخل
عَلَيْهِ فاللازم لَهُ اللَّام وَذَلِكَ قَوْلك ليقمْ زيد ليذْهب عبد
الله تَقول زرني ولأزرك فَتدخل اللَّام لِأَن الْأَمر لَك فَأَما إِذا
كَانَ الْمَأْمُور مُخَاطبا فَفعله مَبْنِيّ غير مجزوم وَذَلِكَ قَوْلك
اذْهَبْ انْطلق وَقد كَانَ قوم من النَّحْوِيين يَزْعمُونَ أَن هَذَا
مجزوم وَذَلِكَ خطا فَاحش وَذَلِكَ لِأَن الْإِعْرَاب لَا يدْخل من
الْأَفْعَال إِلَّا فِيمَا كَانَ مضارعا للأسماء وَالْأَفْعَال
المضارعة هِيَ الَّتِي فِي أوائلها الزَّوَائِد الْأَرْبَع الْيَاء
وَالتَّاء والهمزة وَالنُّون وَذَلِكَ قَوْلك أفعل أَنا وَتفعل أَنْت
وَيفْعل هُوَ ونفعل نَحن فَإِنَّمَا تدخل عَلَيْهَا العوامل وَهِي على
هَذَا اللَّفْظ وقولك اضْرِب وقم لَيْسَ فِيهِ شَيْء من حُرُوف
المضارعة وَلَو كَانَت فِيهِ لم يجز جزمه إِلَّا بِحرف يدْخل عَلَيْهِ
فيجزمه فَهَذَا بَين جدا ويروي عَن رَسُول الله
أَنه قَرَأَ {فَبِذَلِكّ فَلْتَفْرَحوا} فَهَذَا مجزوم جزمته اللَّام
وَجَاءَت هَذِه الْقِرَاءَة على أصل الْأَمر فَإِذا لم يكن الْأَمر
للحاضر الْمُخَاطب فَلَا بُد من إِدْخَال اللَّام تَقول ليقمْ زيد
وَتقول زرْ زيد وليزرْك إِذا كَانَ الْأَمر لَهما لِأَن زيدا غَائِب
وَلَا يكون الْأَمر لَهُ إِلَّا بِإِدْخَال اللَّام وَكَذَلِكَ إِن قلت
ضُرب زيد فَأَرَدْت الْأَمر من هَذَا ليُضرب زيد لِأَن الْمَأْمُور
لَيْسَ بمواجه
(2/131)
وَاعْلَم أَن الدُّعَاء بِمَنْزِلَة
الْأَمر وَالنَّهْي فِي الْجَزْم والحذف عِنْد المخاطبة وَإِنَّمَا
وَإِنَّمَا قيل دُعَاء وَطلب للمعنى لِأَنَّك تَأمر من هُوَ دُونك
وتطلب إِلَى من أَنْت دونه وَذَلِكَ قَوْلك ليغفر اللهُ لزيد وَتقول
اللَّهُمَّ اغْفِر لي كَمَا تَقول اضْرِب عمرا فَأَما قَوْلك غفر الله
لزيد ورحم الله زيدا وَنَحْو ذَلِك فَإِن لَفظه لفظ الْخَبَر
وَمَعْنَاهُ الطّلب وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِك لعلم السَّامع أَنَّك لَا
تخبر عَن الله عز وَجل وَإِنَّمَا تسأله كَمَا أَن قَوْلك علم الله
لأقومنّ إِنَّمَا لَفظه لفظ رزق الله وَمَعْنَاهُ الْقسم لِأَنَّك فِي
قَوْلك علم مستشهد وَتقول يَا زيد ليقمْ إِلَيْك عَمْرو وَيَا زيد
لتدعْ بني عَمْرو النحويون يجيزون إِضْمَار هَذِه اللَّام للشاعر إِذا
اضْطر ويستشهدون على ذَلِك بقول متمم بن نُوَيْرَة
(على مِثلِ أصحابِ البعُوضةِ فاخمُشي ... لكِ الوَيلُ حُرَّ الوجهِ أَو
يَبْكِ مَنْ بَكى)
يُرِيد أَو ليبك من بَكَى وَقَول آخر
(مُحَمْدُ تَفْدِ نفسَك كلُّ نَفْسٍ ... إِذا مَا خِفْتَ مِنْ شيءٍ
تَبالا)
(2/132)
فَلَا أرى ذَلِك على مَا قَالُوا لِأَن
عوامل الْأَفْعَال لَا تضمر وأضعفها الجازمة لِأَن الْجَزْم فِي
الْأَفْعَال نَظِير الْخَفْض فِي الْأَسْمَاء وَلَكِن بَيت متمم حمل
على الْمَعْنى لِأَنَّهُ إِذا قَالَ فاخمشي فَهُوَ فِي مَوضِع فلتخمشي
فعطف الثَّانِي على الْمَعْنى وَأما هَذَا الْبَيْت الْأَخير فَلَيْسَ
بِمَعْرُوف على إِنَّه فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ على مَا ذكرت لَك وَتقول
ليقمْ زيد وَيقْعد خَالِد وينطلق عبد الله لِأَنَّك عطفت على اللَّام
وَلَو قلت قُم ويقد زيد لم يجز الْجَزْم فِي الْكَلَام وَلَكِن لَو
اضْطر شَاعِر فَحَمله على مَوضِع الأول لِأَنَّهُ مِمَّا كَانَ حَقه
اللَّام كَانَ على مَا وصفت لَك وَاعْلَم أَن هَذِه اللَّام مَكْسُورَة
إِذا ابتدئت فَإِذا كَانَ قبلهَا فَاء أَو وَاو فَهِيَ على حَالهَا فِي
الْكسر وَقد يجوز إسكانها وَهُوَ أَكثر على الألسن تَقول قمْ ولْيقمْ
زيد {فلتقم طَائِفَة مِنْهُم مَعَك} (ولْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَةٌ}
وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك لِأَن الْوَاو وَالْفَاء لَا ينفصلان لِأَنَّهُ
لَا بِحرف وَاحِد فصارتا بِمَنْزِلَة مَا هُوَ فِي الْكَلِمَة فأسكنت
اللَّام هربا من الكسرة كَقَوْلِك فِي علم علْم وَفِي فَخذ فخْذ
(2/133)
وَأما قِرَاءَة من قَرَأَ {ثمَّ ليقطع
فَلْينْظر} فَإِن الإسكان فِي لَام {فَلْيَنْظُرْ} جيد وَفِي لَام
{لْيَقْطَعْ} لحن لِأَن ثمَّ مُنْفَصِلَة من الْكَلِمَة وَقد قَرَأَ
بذلك يَعْقُوب بن إِسْحَاق الْحَضْرَمِيّ فَأَما حرف النَّهْي فَهُوَ
لَا وَهُوَ يَقع على فعل الشَّاهِد وَالْغَائِب وَذَلِكَ قَوْلك لَا
يقم زيد وَلَا تقم يَا رجل وَلَا تقومي يَا امْرَأَة فالفعل بعده مجزوم
بِهِ وَتقول لَا يقمْ زيد وَلَا يقعدْ عبد الله إِن عطفت نهيا على نهي
وَإِن شِئْت قلت لَا يقمْ زيد ويقعدْ عبد الله وَهُوَ بإعادتك لَا أوضح
وَذَلِكَ لِأَنَّك إِذا قلت لَا يقم زيد وَلَا يقعدْ عبد الله تبين لَك
أَنَّك قد نهيت كل وَاحِد مِنْهُمَا على حياله وَإِذا قلت وَيقْعد عبد
الله بِغَيْر لَا فَهَذَا وَجه وَقد يجوز أَن يَقع عِنْد السَّامع
أَنَّك أردْت لَا يجْتَمع هَذَانِ فَإِن قعد عبد الله وَلم يقم زيد لم
يكن الْمَأْمُور مُخَالفا وَكَذَلِكَ إِن لم يقم زيد وَقعد عبد الله
وَوجه الِاجْتِمَاع إِذا قصدته أَن تَقول لَا يقم زيد وَيقْعد عبد الله
أَي لَا يجْتَمع قيام زيد وَأَن يقْعد عبد الله وَلَا الْمُؤَكّدَة
تدخل فِي النَّفْي لِمَعْنى تَقول مَا جَاءَنِي زيد وَلَا عَمْرو إِذا
أردْت أَنه لم يأتك
(2/134)
وَاحِد مِنْهُمَا على انْفِرَاد وَلَا مَعَ
صَاحبه لِأَنَّك لَو قلت لم يأتني زيد وَعَمْرو وَقد أَتَاك أَحدهمَا
لم تكن كَاذِبًا ف لَا فِي قَوْلك لَا يقمْ زيد وَلَا يقمْ عَمْرو يجوز
أَن تكون الَّتِي للنَّهْي وَتَكون الْمُؤَكّدَة الَّتِي تقع لما ذكرت
لَك فِي كل نفي وَاعْلَم أَن الطّلب من النَّهْي بِمَنْزِلَة من
الْأَمر يجْرِي على لَفظه كَمَا جري على لفظ الْأَمر أَلا ترى أَنَّك
لَا تَقول نهيت من فَوقِي وَلَكِن طلبت إِلَيْهِ وَذَلِكَ قَوْلك لَا
يقطع الله يَد فلَان وَلَا يصنع الله لعَمْرو فالمخرج وَاحِد
وَالْمعْنَى مُخْتَلف وَاعْلَم أَن جَوَاب الْأَمر وَالنَّهْي ينجزم
بِالْأَمر وَالنَّهْي كَمَا ينجزم جَوَاب الْجَزَاء بالجزاء وَذَلِكَ
لِأَن جَوَاب الْأَمر وَالنَّهْي يرجع إِلَى أَن يكون جَزَاء صَحِيحا
وَذَلِكَ قَوْلك ائْتِنِي أكرمك لِأَن الْمَعْنى فَإنَّك إِن تأتني
أكرمك أَلا ترى إِن الْإِكْرَام إِنَّمَا يسْتَحق الْإِتْيَان
وَكَذَلِكَ لاتأت زيدا يكن خيرا لَك لِأَن الْمَعْنى فَإنَّك إِلَّا
تأته يكن خيرا لَك وَلَو قَالَ على هَذَا لَا تدنُ من الْأسد يَأْكُلك
كَانَ محَال لِأَنَّهُ إِذا قَالَ لَا تدنْ فَإِنَّمَا هُوَ تبَاعد
فتباعده مِنْهُ لَا يكون سَببا لأكله إِيَّاه وَلَكِن إِن رفع جَازَ
فَيكون الْمَعْنى لَا تدنُ من الْأسد ثمَّ قَالَ إِنَّه مِمَّا
يَأْكُلك وَإِنَّمَا انجزم جَوَاب الِاسْتِفْهَام لِأَنَّهُ يرجع من
الْجَزَاء إِلَى مَا يرجع إِلَيْهِ جَوَاب الْأَمر وَالنَّهْي وَذَلِكَ
قَوْلك أَيْن بَيْتك أزرك لِأَن الْمَعْنى بإن أعرفهُ أزرْكَ
وَكَذَلِكَ هَل تَأتِينِي أعطك وَأحسن إِلَيْك لِأَن الْمَعْنى فَإنَّك
إِن تفعل أفعل فَأَما قَول الله عز وَجل {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا
هَل أدلكم على تِجَارَة تنجيكم من عَذَاب أَلِيم} ثمَّ قَالَ {تؤمنون
بِاللَّه وَرَسُوله} فَإِن هَذَا لَيْسَ بِجَوَاب وَلكنه شرح مَا دعوا
إِلَيْهِ وَالْجَوَاب {يغْفر لكم ذنوبكم ويدخلكم}
(2/135)
فَإِن قَالَ قَائِل فَهَلا كَانَ الشَّرْح
أَن تؤمنوا لِأَنَّهُ بدل من تِجَارَة فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَن
الْفِعْل يكون دَلِيلا على مصدره فَإِذا ذكرت مَا يدل على الشَّيْء
فَهُوَ كذكرك إِيَّاه أَلا ترى أَنهم يَقُولُونَ من كذب كَانَ شرا
يُرِيدُونَ كَانَ الْكَذِب وَقَالَ الله عز وَجل {ولاَ يَحْسَبٍ نَّ
الذِين يَبْخَلونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضلهِ هَوَ خَيراً لَهُمْ}
لِأَن الْمَعْنى الْبُخْل هُوَ خير لَهُم فَدلَّ عَلَيْهِ بقوله
يَبْخلُونَ وَقَالَ الشَّاعِر
(أَلا أيُهذا الزاجِري أخْضُرَ الوَغى ... وأنْ أشهدَ اللذاتِ هلْ انتَ
مُخَلَدِي)
فَالْمَعْنى عَن أَن أحضر الوغى كَقَوْلِك عَن حُضُور الوغى فَلَمَّا
ذكر أحضر الوغى دلّ على الْحُضُور وَقد نَصبه قوم على إِضْمَار أَن
وَقدمُوا الرّفْع وَسَنذكر ذَلِك باستقصاء الْعلَّة فِيهِ إِن شَاءَ
الله فَأَما الرّفْع فَلِأَن الْأَفْعَال لَا تضمر عواملها فَإِذا حذفت
رفع الْفِعْل وَكَانَ دَالا على مصدره بِمَنْزِلَة الْآيَة وَهِي {هَل
أدلكم على تِجَارَة تنجيكم من عَذَاب أَلِيم} ثمَّ قَالَ {تُؤمِنونِ}
وَكَذَلِكَ لَو قَالَ قَائِل مَاذَا يصنع زيد فَقلت يَأْكُل أَو
يُصَلِّي لأغناك عَن أَن تَقول الْأكل أَو الصَّلَاة الا ترى أَن
الْفِعْل إِنَّمَا مَفْعُوله اللَّازِم لَهُ إِنَّمَا هُوَ الْمصدر
لِأَن قَوْلك قد قَامَ زيد بِمَنْزِلَة قَوْلك قد كَانَ مِنْهُ قيام
وَالْقِيَام هُوَ النَّوْع الَّذِي تعرفه وتفهمه وَلَو قلت ضرب زيد
لعَلِمت أَنه قد فعل ضربا واصلا إِلَى مَضْرُوب إِلَّا أَنَّك لَا
نَعْرِف الْمَضْرُوب بقوله ضرب وتعرف الْمصدر فَأَما الَّذين نصبوا
فَلم يأبوا الرّفْع وَلَكنهُمْ أَجَازُوا مَعَه النصب لِأَن الْمَعْنى
إِنَّمَا حَقه بِأَن وَقد ابان ذَلِك فِيمَا بعده بقوله وَأَن أشهد
اللَّذَّات هِيَ أَنْت مخلدي فَجعله بِمَنْزِلَة الْأَسْمَاء الَّتِي
يَجِيء بَعْضهَا محذوفا للدلالة عَلَيْهِ
(2/136)
وَفِي كتاب الله عز وَجل {يسْأَله من فِي
السَّمَاوَات وَالْأَرْض} فَالْقَوْل عندنَا أَن من مُشْتَمِلَة على
الْجَمِيع لِأَنَّهَا تقع للْجَمِيع على لفظ الْوَاحِد وَقد ذهب
هَؤُلَاءِ الْقَوْم إِلَى أَن الْمَعْنى وَمن فِي الأَرْض وَلَيْسَ
الْمَعْنى عِنْدِي كَمَا قَالُوا وَقَالُوا فِي بَيت حسان
(فَمَنْ يَهْجوا رسولَ اللهِ مِنْكُمْ ... ويَمْدحُه وَيَنْصُرُه
سَواءُ)
إِنَّمَا الْمَعْنى وَمن يمدحه وينصره وَلَيْسَ الْأَمر عِنْد أهل
النّظر كَذَلِك وَلكنه جعل من نكرَة وَجعل الْفِعْل وَصفا لَهَا ثمَّ
أَقَامَ فِي الثَّانِيَة الْوَصْف مقَام الْمَوْصُوف فَكَأَنَّهُ قَالَ
وَوَاحِد يمدحه وينصره لِأَن الْوَصْف يَقع فِي مَوضِع الْمَوْصُوف
إِذْ كَانَ دَالا عَلَيْهِ وعَلى هَذَا قَول الله عز وَجل {وَإِن من
أهل الْكتاب إِلَّا ليُؤْمِنن بِهِ}
(2/137)
وَقَالَ الشَّاعِر
(هَلْ الدَهْرُ إِلَّا تَرتَان فَتارةٌ ... أَمُوتُ وأُخْرَى أَبْتَغِي
العيّشَ أَكْدحُ)
يُرِيد وَتارَة أُخْرَى وَقَالَ
(كَأَنَّكَ مِنْ جِمالِ بَني أُقَيشٍ ... يُقَعْقَعُ خَلْفَ رِجْلَيِهِ
بِشَنِّ)
(2/138)
يُرِيد كَأَنَّك جمل وَكَذَلِكَ قَالَ
يقعقع خلف رجلَيْهِ وَقَالَ آخر
(وَمَا مِنْهُمَا إلاّ يُسْرُّ بِنسَةٍ ... تُقَرِبُهُ مِنِّي وَإِن
كَانَ ذَا نّفّرْ)
يُرِيد وَمَا مِنْهُمَا أحد وَقَالُوا فِي أَشد من ذَا
(مَالك عِنْدِي غَيرُ سَهْمٍ وحَجَرْ ... وغَيرُ كَبْداءَ شَدِيدةِ
الوَتَرْ)
(جادتْ بِكَفّى كانَ مِنْ أرمى البشرْ ... )
فَهَذَا مَا ذكرت لَك من اخْتلَافهمْ وَاخْتِيَار أحد الْقَوْلَيْنِ
(2/139)
(هَذَا الْبَاب مَا وَقع من الْأَفْعَال
للْجِنْس على مَعْنَاهُ وَتلك الْأَفْعَال نعم وَبئسَ وَمَا وَقع فِي
مَعْنَاهُمَا)
اعْلَم أَن نعم وَبئسَ كَانَ أَصلهمَا نعمَ وَبئِسَ إِلَّا أَنه مَا
كَانَ ثَانِيه حرفا من حُرُوف الْحلق مِمَّا هُوَ على فعل جَازَت فِيهِ
أَرْبَعَة أوجه اسْما كَانَ أَو فعلا وَذَلِكَ قَوْلك نَعِمَ وبَئِسَ
على التَّمام وفخذ وَيجوز أَن تكسر الأول لكسرة الثَّانِي فَتَقول نعم
وبئِس وفخذ وَيجوز الإسكان كَمَا تسكن المضمومات المكسورات إِذا كن غير
أول وَقد تقدم قَوْلنَا فِي ذَلِك فَيَقُول من قَوْلك فَخذ فَخْذ وعلِم
وعلْم وَمن نعم نَعْم وَمن قَوْلك فَخذ فَخِذ وَنعم وَبئسَ وحروف
الْحلق سِتَّة الْهمزَة وَالْهَاء وهما أقصاه وَالْعين والحاء وهما من
اسوطه والغين وَالْخَاء وهما من أَوله مِمَّا يَلِي اللِّسَان فَكَانَ
أصل نعمَ وبئِس مَا ذكرت لَك إِلَّا أَنَّهُمَا الأَصْل فِي الْمَدْح
والذم فَلَمَّا كثر استعمالهما ألزما التَّخْفِيف وجريا فِيهِ وَفِي
الكسرة كالمثل الَّذِي يلْزم طَريقَة وَاحِدَة وَقد يَقُول بَعضهم نعْم
وكل ذَلِك جَائِز حسن إِذا أثرت اسْتِعْمَاله أَعنِي الْوُجُوه
الْأَرْبَعَة قَالَ الشَّاعِر
(فَفِداءٌ لبَنى قَيْسٍ على ... مَا أصابَ الناسَ مِنْ سوءٍ وضُرِ)
(مَا أقَلَّتْ قَدّمي أنَّهُمْ ... نَعِمَ الساعون فِي الْأَمر
المُبِرّ)
(2/140)
وَأما مَا ذكرت لَك أَنه يَقع فِي
مَعْنَاهُمَا مقاربا لَهما فنحو فعل نَحْو لكرم زيد ولظرف زيد
وَكَذَلِكَ حبذا وَنحن ذاكرو كل بَاب من هَذَا على حياله إِن شَاءَ
الله أما نعم وَبئسَ فَلَا يقعان إِلَّا على مُضْمر يفسره مَا بعده
وَالتَّفْسِير لَازم أَو على معرفَة بِالْألف وَاللَّام على معنى
الْجِنْس ثمَّ يذكر بعْدهَا الْمَحْمُود والمذموم فَأَما مَا كَانَ
معرفَة بِالْألف وَاللَّام فنحو قَوْلك نعم الرجل زيد وَبئسَ الرجل عبد
الله وَنعم الدَّار دَارك وَإِن شِئْت قلت نعمت الدَّار لما أذكرهُ لَك
إِن شَاءَ الله وبئست الدَّابَّة دابتك وَأما قَوْلك الرجل
وَالدَّابَّة وَالدَّار فمرتفعات بنعم وَبئسَ لِأَنَّهُمَا فعلان
يرْتَفع بهما فاعلاهما وَأما قَوْلك زيد وَمَا أشبهه فَإِن رَفعه على
ضَرْبَيْنِ
(2/141)
أَحدهمَا أَنَّك لما قلت نعم الرجل فَكَأَن
مَعْنَاهُ مَحْمُود فِي الرِّجَال قلت زيد على التَّفْسِير كَأَنَّهُ
قيل من هَذَا الْمَحْمُود فَقلت هُوَ زيد وَالْوَجْه الآخر أَن تكون
أردْت بزيد التَّقْدِيم فأخرته وَكَانَ مَوْضِعه أَن تَقول زيد نعم
الرجل فَإِن زعم زاعم أَن قَوْلك نعم الرجل زيدٌ إِنَّمَا زيد بدل من
الرجل مُرْتَفع بِمَا ارْتَفع بِهِ كَقَوْلِك مَرَرْت بأخيك زيد
وَجَاءَنِي الرجل عبد الله قيل لَهُ إِن قَوْلك جَاءَنِي الرجل عبد
الله إِنَّمَا تَقْدِيره إِذا طرحت الرجل جَاءَنِي عبد الله فَقل نعم
زيدٌ لِأَنَّك تزْعم أَنه بنعم مُرْتَفع وَهَذَا محَال لِأَن الرجل
لَيْسَ يقْصد بِهِ إِلَى وَاحِد بِعَيْنِه كَمَا تَقول جَاءَنِي الرجل
أَي جَاءَنِي الرجل الَّذِي تعرف وَإِنَّمَا هُوَ وَاحِد من الرِّجَال
على غير مَعْهُود تُرِيدُ بِهِ هَذَا الْجِنْس ويؤول نعم الرجل فِي
التَّقْدِير إِلَى أَنَّك تُرِيدُ معنى مَحْمُود فِي الرِّجَال ثمَّ
تعرف الْمُخَاطب من هَذَا الْمَحْمُود وَإِذا قلت بئس الرجل فَمَعْنَاه
مَذْمُوم فِي الرِّجَال ثمَّ تفسر من هَذَا المذموم بِقَوْلِك زيد
فالرجل وَمَا ذكرت لَك مِمَّا فِيهِ الْألف وَاللَّام دَال على
الْجِنْس وَالْمَذْكُور بعد هُوَ الْمُخْتَص بِالْحَمْد والذم وَهَذَا
هَا هُنَا بِمَنْزِلَة قَوْلك فلَان يفرق الْأسد إِنَّمَا تُرِيدُ
هَذَا الْجِنْس
(2/142)
وَلست تَعْنِي أسدا معهودا وَكَذَلِكَ
فلَان يحب الدِّينَار وَالدِّرْهَم وَأهْلك النَّاس الدِّينَار
وَالدِّرْهَم وَأهْلك النَّاس الشَّاة الْبَعِير وَقَالَ الله عز وَجل
{وَالْعصر إِن الْإِنْسَان لفي خسر} فَهُوَ وَاقع على الْجِنْس أَلا
ترَاهُ يَقُول {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} وَقَالَ
{إِن الْإِنْسَان خلق هلوعا} وَقَالَ {إِلَّا الْمُصَلِّين} وَاعْلَم
إِن مَا أضيف إِلَى الْألف اللَّام بِمَنْزِلَة الْألف وَاللَّام
وَذَلِكَ قَوْلك نعم أَخُو الْقَوْم أَنْت وَبئسَ صَاحب الرجل عبد الله
وَلَو قلت نعم الَّذِي فِي الدَّار أَنْت لم يجز لِأَن الَّذِي بصلته
مَقْصُود إِلَيْهِ بِعَيْنِه فقد خرج من مَوضِع الِاسْم الَّذِي لَا
يكون للْجِنْس وَتقول نعم الْقَائِم أَنْت وَنعم الدَّاخِل الدَّار
أَنْت وَالدَّار بِالنّصب والخفض وَالنّصب أَجود على مَا ذكرت لَك
لِأَن تعريفك يَقع كتعريف الْغُلَام وَإِن كَانَ مَعْنَاهُ الَّذِي
فَإِن قلت قد جَاءَ {وَالَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ وَصدق بِهِ} فَمَعْنَاه
الْجِنْس فَإِن الَّذِي إِذا كَانَت على هَذَا الْمَذْهَب صلحت بعد نعم
وَبئسَ وَإِنَّمَا يكره بعد هَذَا تِلْكَ الْمَخْصُوصَة
(2/143)
وَكَذَلِكَ لَو قلت نعم الْقَائِم فِي
الدَّار أَنْت وَأَنت تُرِيدُ بِهِ وَاحِدًا على معنى الَّذِي
الْمَخْصُوصَة لم يجز لما ذكرت لَك من تَعْرِيف الْجِنْس فَهَذَا
تَفْسِير مَا يَقع عَلَيْهِ من المعارف الَّتِي بِالْألف وَاللَّام
وَأما وُقُوعهَا على الْمُضمر الَّذِي يفسره مَا بعده فَهُوَ قَوْله
نعم رجل أَنْت وَبئسَ فِي الدَّار رجلا أَنْت وَنعم دَابَّة دابتك
فَالْمَعْنى فِي ذَلِك أَن فِي نعم مضمرا يفسره مَا بعده وَهُوَ هَذَا
الْمَذْكُور الْمَنْصُوب لِأَن المبهمة من الْأَعْدَاد وَغَيرهَا
إِنَّمَا يُفَسِّرهَا التَّبْيِين كَقَوْلِك عِنْدِي عشرُون رجلا
وَهُوَ خير مِنْك عبدا لِأَنَّك لما قلت عشرُون أبهمت فَلم يدر على أَي
شَيْء هَذَا الْعدَد وَاقع فَقلت رجلا وَنَحْوه لتبين نوع هَذَا
الْعدَد وَهُوَ خير مِنْك عبدا لِأَنَّك إِذا قلت هُوَ خير مِنْك لم
يدر فيمَ فضلته عَلَيْهِ فَإِذا قلت أَبَا أَو عبدا أَو نَحوه
فَإِنَّمَا تفضله فِي ذَلِك النَّوْع فَكَذَلِك نعم وَالْإِضَافَة
نَحْو قَوْلك هُوَ أفضلهم عبدا وعَلى التمرة مثلهَا زبدا فَإِن قَالَ
قَائِل فَهَل يكون الْمُضمر مقدما قيل يكون ذَاك إِذا كَانَ
التَّفْسِير لَهُ لَازِما فَمن ذَلِك قَوْلك إِنَّه عبد الله منطلق
وَكَانَ زيد خير مِنْك لِأَن الْمَعْنى إِن الحَدِيث أَو إِن الْأَمر
عبد الله منطلق وَكَانَ الحَدِيث زيد خير مِنْك وَلِهَذَا بَاب يفرد
بتفسيره قَالَ الله عز وَجل (إنَّهُ مَنْ يأتِ
(2/144)
رَبَّهُ مُجرِماً} أَي إنَّ الْخَبَر
وَمِنْهَا قَوْلك فِي إِعْمَال الأول وَالثَّانِي ضربوني وَضربت أَخُوك
لِأَن الَّذِي بعده من ذكره الْأُخوة يفسره فَكَذَلِك هَذَا قَالَ الله
جلّ وَعز {بِئسَ للظَّالِمينَ بَدَلاً} وَقَالَ {نِعْمَ العَبْدُ
إنَّهُ أوّابٌ} لِأَنَّهُ ذكر قبله فَكَذَلِك جَمِيع هَذَا وَأما حبّذا
فَإِنَّمَا كَانَت فِي الأَصْل حبذا الشَّيْء لِأَن ذَا اسْم مُبْهَم
يَقع على كل شَيْء فَإِنَّمَا هُوَ حب هَذَا مثل قَوْلك كرم هَذَا ثمَّ
جعلت حب وَذَا اسْما وَاحِدًا فَصَارَ مُبْتَدأ وَلزِمَ طَريقَة
وَاحِدَة على مَا وصفت لَك فِي نعم فَتَقول حبذا عبد الله وحبذا أمة
الله وَلَا يجوز حبذه لِأَنَّهَا جعلا اسْما وَاحِدًا فِي معنى
الْمَدْح فانتقلا عَمَّا كَانَا عَلَيْهِ قبل التَّسْمِيَة كَمَا يكون
ذَلِك فِي الْأَمْثَال نَحْو إطري فَإنَّك ناعلة وَنَحْو الصَّيف ضيعت
اللَّبن لِأَن أصل الْمثل إِنَّمَا كَانَ لامْرَأَة فَإِنَّمَا يضْرب
لكل وَاحِد على مَا جرى فِي الأَصْل فَإِذا قلته للرجل فَإِنَّمَا
مَعْنَاهُ أَنْت عِنْدِي بِمَنْزِلَة الَّتِي قيل لَهَا هَذَا
(2/145)
فَأَما قَوْلك نعمتْ وبئستْ إِذا عنيت
الْمُؤَنَّث فلأنهما فعلان لم يخرجَا من بَاب الْأَفْعَال إِلَى
التَّسْمِيَة كَمَا فعل بحبَّ وَذَا وكأنهما على منهاج الْأَفْعَال
وَمن قَالَ نعم الْمَرْأَة وَمَا أشبهه فلأنهما فعلان قد كثرا وصارا
فِي الْمَدْح الذَّم أصلا والحذف مَوْجُود فِي كل مَا كثر استعمالهم
إِيَّاه فَأَما ضرب جاريتك زيدا وَجَاء أمتك وَقَامَ هِنْد فَغير
جَائِز لِأَن تَأْنِيث هَذَا تَأْنِيث حَقِيقِيّ وَلَو كَانَ من غير
الْحَيَوَان لصلح وَكَانَ جيدا نَحْو هدم دَارك وَعمر بلدتك لِأَنَّهُ
تَأْنِيث لفظ لَا حَقِيقَة تَحْتَهُ كَمَا قَالَ عز وَجل (وَأَخَذَ
الّذينَ ظَلَموا الصَّيْحَةَ وَقَالَ (فَمَنْ جاءَ هُ مَوُعِظَةٌ مِنْ
رَبِهِ وَقَالَ الشَّاعِر
(2/146)
(لئيمٍ يَحُكَّ قَفا مُقْرِفٍ ... لئيمٍ
مآثِرُهُ قُعْدُدِ)
وَقَالَ الآخر
(بَعيدُ الغَزاةِ فَمَا إِن يزالُ ... مُضْمِراً طُرتاهُ طَليِحا)
(2/147)
وَأما
(لَقَدْ وُلِدَ الأخْطَلَ أُمُّ سَوءٍ ... )
فَإِنَّمَا جَازَ للضَّرُورَة فِي الشّعْر جَوَازًا حسنا وَلَو كَانَ
مثله فِي الْكَلَام لَكَانَ عِنْد النَّحْوِيين جَائِزا على بعدٍ
وجوازه للتفرقة بَين الِاسْم وَالْفِعْل بِكَلَام فتقديره أَن ذَلِك
الْكَلَام صَار عوضا من عَلامَة التَّأْنِيث نَحْو حضر القَاضِي
الْيَوْم امْرَأَة وَنزل دَارك وَدَار زيد جَارِيَة وَالْوَجْه مَا
ذكرت لَك وَمن أول الْفِعْل مؤنثا حَقِيقِيًّا لم يجز عِنْدِي حذف
عَلامَة التَّأْنِيث فَأَما قَوْله
(فَكَانَ مِجنّى دُونَ مَنْ كُنْتُ أتَّقي ... ثلاثَ شُخَوصٍ كاعِبانِ
ومُعْصَرُ)
فَإِنَّمَا أنث الشخوص على الْمَعْنى لِأَنَّهُ قصد إِلَى النِّسَاء
وَأَبَان ذَلِك بقوله كاعبان ومعصر وَمثل ذَلِك
(فإنَّ كِلاباً هَذِه عَشْرُ أبطُنٍ ... وأنتَ بَريءٌ مِنْ قبائلها
العَشرِ)
(2/148)
وَقَالَ الله عز وَجل {مَنْ جَاءَ
بالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالهَا}
وَالتَّقْدِير وَالله أعلم فَلهُ عشر حَسَنَات أَمْثَالهَا فَيَقُول
على هَذَا هَذِه الدَّار نعمت الْبَلَد لِأَنَّك إِنَّمَا عنيت
بِالْبَلَدِ دَارا وَكَذَلِكَ هَذَا الْبَلَد نعم الدَّار لِأَنَّك
إِنَّمَا قصدت إِلَى الْبَلَد وَأعلم أَنه لَا يجوز أَن تَقول قَوْمك
نعموا رجَالًا كَمَا تَقول قَوْمك قَامُوا وَلَا قَوْمك بئسوا رجَالًا
وَلَا أَخُوك بئسا رجلَيْنِ كَمَا تَقول أَخَوَاك قاما لِأَن نعم
وَبئسَ إِنَّمَا تقعان مضمرا فيهمَا فاعلاهما قبل الذّكر يفسرهما مَا
بعدهمَا من التَّمْيِيز وَلَو كَانَا مِمَّا يضمر فِيهِ لخرجا إِلَى
منهاج سَائِر الْأَفْعَال وَلم يكن فيهمَا من الْمعَانِي وَمَا شرحناه
فِي صدر الْبَاب فَإِنَّمَا موضعهما أَن يقعا على مُضْمر يفسره مَا
بعده أَو على مَرْفُوع بِالْألف وَاللَّام تَعْرِيف الْجِنْس لما ذكرت
لَك وَاعْلَم أَنه لَا يجوز أَن تَقول زيد نعم الرجل وَالرجل غير زيد
لِأَن نعم الرجل خبر عَن زيد وَلَيْسَ بِمَنْزِلَة قَوْلك زيد قَامَ
الرجل لِأَن نعم الرجل مَحْمُود فِي الرِّجَال كَمَا أَنَّك إِذا قلت
زيد فاره العَبْد لم يكن الفاره من العبيد إِلَّا مَا كَانَ لَهُ
لَوْلَا ذَلِك لَك لم يكن فاره خَبرا لَهُ وَاعْلَم أَنه مَا كَانَ مثل
كرم زيد وَشرف عَمْرو فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ فِي الْمَدْح مَعْنَاهُ مَا
تعجبت مِنْهُ
(2/149)
نَحْو مَا أشرفه وَنَحْو ذَلِك أشرف بِهِ
وَكَذَلِكَ معنى نعم إِذا أردْت الْمَدْح وَمعنى بئس إِذا أردْت الذَّم
وَمن ذَلِك قَوْله عز وَجل {سَاءَ مثلا الْقَوْم} كَمَا تَقول نعم رجلا
أَخُوك وكرم رجلا عبد الله وَاعْلَم أَنَّك إِذا قلت نعم الرجل رجلا
زيد فقولك رجلا توكيد لِأَنَّهُ مُسْتَغْنى عَنهُ بِذكر الرجل أَولا
وَإِنَّمَا هَذَا بِمَنْزِلَة قَوْلك عِنْدِي من الدَّرَاهِم عشرُون
درهما إِنَّمَا ذكرت الدِّرْهَم توكيدا وَلَو لم تذكره لم تحتج
إِلَيْهِ وعَلى هَذَا قَول الشَّاعِر
(تَزَوّدْ مِثْلَ زادِ أبيكَ فِينَا ... فنِعمَ الزَّاد زادُ أبيكَ
زادا)
(2/150)
فَأَما قَوْلك حَسبك بِهِ رجلا وويحه رجلا
وَمَا أشبهه فَإِن هَذَا لَا يكون إِلَّا على مَذْكُور قد تقدم
وَكَذَلِكَ كفى بِهِ فَارِسًا وأبرحت فَارِسًا قَالَ الشَّاعِر
(وَمُرَّةَ بِرَمْيهِمْ إِذا مَا تَبَدَّدُوا ... وَيَطْعَنُهم شَزَراً
فأَبْرَحتْ فارِسا)
على معنى التَّعَجُّب فَأَما قَوْلهم مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ رجلا
فَالْمَعْنى مَا رَأَيْت مثل رجل أرَاهُ الْيَوْم رجلا أَي مَا رَأَيْت
مثله فِي الرِّجَال وَلكنه حذف لِكَثْرَة استعمالهم لَهُ وَأَن فِيهِ
دَلِيلا كَمَا قَالُوا لَا عَلَيْك أَي لَا باس عَلَيْك وكما قَالُوا
افْعَل هَذَا إِمَّا لَا أَي إِن كنت لَا تفعل غَيره
(2/151)
فَمَا زَائِدَة وَالتَّقْدِير أَن لَا تفعل
غير هَذَا فافعل هَذَا وَكَذَلِكَ قَوْلهم عِنْدِي دِرْهَم لَيْسَ غير
وَلَيْسَ إِلَّا وَأما قَوْله
(يَا صاحبيَّ دَنا المَسِيرُ فَسِيرا ... لَا كالعَشِيةِ زَائِرًا
ومَزوا)
فعلى إِضْمَار فعل كَأَنَّهُ قَالَ لَا أرى كالعشية أَي كواحد أرَاهُ
العشية لِأَن الزائر والمزور ليسَا بالعشية فَيكون بِمَنْزِلَة لَا
كزيد رجلا
(2/152)
(هَذَا بَاب الْعدَد وَتَفْسِيره وجوهه
وَالْعلَّة فِيمَا وَقع مِنْهُ مُخْتَلفا)
اعْلَم أَنَّك إِذا ثنيت الْوَاحِد لحقته زائدتان الأولى مِنْهُمَا حرف
اللين وَالْمدّ وَهِي الْألف فِي الرّفْع وَالْيَاء فِي الْجَرّ
وَالنّصب والزائدة الثَّانِيَة النُّون وحركتها الْكسر وَكَانَ حَقّهَا
أَن تكون سَاكِنة وَلكنهَا حركت لالتقاء الساكنين وَكسرت على حَقِيقَة
مَا يَقع فِي الساكنين إِذا التقيا وَذَلِكَ قَوْلك هما المسلمان
وَرَأَيْت الْمُسلمين فَأَما سِيبَوَيْهٍ فيزعم أَن الْألف حرف
الْإِعْرَاب وَكَذَلِكَ الْيَاء فِي الْخَفْض وَالنّصب وَكَانَ
الْجرْمِي يزْعم أَن الْألف حرف الْإِعْرَاب كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ
وَكَانَ يزْعم أَن انقلابها هُوَ الْإِعْرَاب
(2/153)
وَكَانَ غَيرهمَا يزْعم أَن الْألف
وَالْيَاء هما الْإِعْرَاب فَإِذا قيل لَهُ فَأَيْنَ حرف الْإِعْرَاب
قَالَ إِنَّمَا يكون الْإِعْرَاب فِي الْحَرْف إِذا كَانَ حَرَكَة
فَأَما إِذا كَانَ حرفا قَامَ بِنَفسِهِ وَالْقَوْل الَّذِي نختاره
ونزعم أَنه لَا يجوز غَيره قَول أبي الْحسن الْأَخْفَش وَذَلِكَ أَنه
يزْعم أَن الْألف إِن كَانَت حرف إِعْرَاب فَيَنْبَغِي أَن يكون فِيهَا
إِعْرَاب هُوَ غَيرهَا كَمَا كَانَ فِي الدَّال من زيد وَنَحْوهَا
وَلكنهَا دَلِيل على الْإِعْرَاب لِأَنَّهُ لَا يكون حرف إِعْرَاب
وَلَا إِعْرَاب فِيهِ وَلَا يكون إِعْرَاب إِلَّا فِي حرف وَيُقَال
لأبي عمر إِذا زعمت أَن الْألف حرف إِعْرَاب وَأَن انقلابها هُوَ
الْإِعْرَاب فقد لزمك فِي ذَلِك شَيْئَانِ أَحدهمَا أَنَّك تزْعم أَن
الْإِعْرَاب معنى وَلَيْسَ بِلَفْظ فَهَذَا خلاف مَا أَعْطيته فِي
الْوَاحِد
(2/154)
وَالشَّيْء الآخر أَنَّك تعلم أَن أول
أَحْوَال الِاسْم الرّفْع فَأول مَا وَقعت التَّثْنِيَة وَقعت وَالْألف
فِيهَا فقد وَجب أَلا يكون فِيهَا فِي مَوضِع الرّفْع إِعْرَاب
لِأَنَّهُ لَا انقلاب مَعهَا وَقَوْلنَا دَلِيل على الْإِعْرَاب
إِنَّمَا هُوَ أَنَّك تعلم أَن الْموضع مَوضِع رفع إِذا رَأَيْت الْألف
وَمَوْضِع خفض وَنصب إِذا رَأَيْت الْيَاء وَكَذَلِكَ الْجمع بِالْوَاو
وَالنُّون إِذا قلت مُسلمُونَ ومسلمين وَكَذَلِكَ مَا كَانَ الْفَهم
لموضعه حرفا نَحْو قَوْلك أَخُوك وأخال وأخيك وَأَبُوك وأباك وَأَبِيك
وَذُو مَال وَذَا مَال وَذي مَال وَجَمِيع هَذِه الَّتِي يسميها
الْكُوفِيُّونَ معربة من مكانين لَا يصلح فِي الْقيَاس إِلَّا مَا
ذكرنَا والزائدة الثَّانِيَة النُّون إِنَّمَا هِيَ بدل مِمَّا كَانَ
فِي الْوَاحِد من الْحَرَكَة والتنوين وَقد مضى القَوْل فِي هَذَا - _
وَاعْلَم أَنَّك إِذا ذكرت الْوَاحِد فَقلت رجل أَو فرس أَو نَحْو
ذَلِك فقد اجْتمع لَك فِيهِ معرفَة الْعدَد وَمَعْرِفَة النَّوْع إِذا
ثنيت فَقلت رجلَانِ أَو فرسَان فقد جمعت الْعدَد النَّوْع وَإِذا قلت
ثَلَاثَة أَفْرَاس لم يجْتَمع لَك فِي ثَلَاثَة الْعدَد وَالنَّوْع
وَلَكِنَّك ذكرت الْعدة ثمَّ أضفتها إِلَى مَا تُرِيدُ من الْأَنْوَاع
وَكَانَ قِيَاس هَذَا أَن تَقول وَاحِد رجل وَاثنا رجال وَلَكِنَّك
أمكنك أَن تذكر الرجل باسمه فيجتمع لَك فِيهِ الْأَمْرَانِ وَلما
كَانَت التَّثْنِيَة الَّتِي هِيَ لضرب وَاحِد من الْعدَد أمكنك ذَلِك
من لفظ الْوَاحِد فَقلت رجلَانِ وغلامان وَلم يحسن ذَلِك فِي الْجمع
لِأَنَّهُ غير مَحْظُور وَلَا مَوْقُوف على عدَّة وَلَا يفصل بعضه من
بعض
(2/155)
وَلَو أَرَادَ مُرِيد فِي التَّثْنِيَة مَا
يُريدهُ فِي الْجمع لجَاز ذَلِك فِي الشّعْر لِأَنَّهُ كَانَ الأَصْل
لِأَن التَّثْنِيَة جمع وَإِنَّمَا معنى قَوْلك جمع أَنه ضم شَيْء
إِلَى شَيْء فَمن ذَلِك قَول الشَّاعِر
(كأَنَّ خُصْيَبْهِ مِنَ التَّدّلْدُلِ ... ظَرْفُ جِرَابٍ فِيهِ
ثِنتْا حَنْظَلِ)
فَإِذا جمعت الْوَاحِد وَكَانَ مذكرا ذكرت الْعدة ثمَّ أضفتها إِلَى
الْجمع لِتُخْبِرَ أَن هَذَا الْعدة مقتطعة لما أردْت من الْجِنْس
الَّذِي ذكرت فَإِن كَانَ الْمُذكر من ذَوَات الثَّلَاثَة كَانَت لَهُ
أبنية تدل على أقل الْعدَد فَمن ذَلِك مَا كَانَ على أفعل نَحْو أكلب
وأفرخ وأكبش وَمَا كَانَ على أَفعَال نَحْو أجمال وأقتاب أَمْثَال
وَمَا كَانَ على أفعلة نَحْو أحمرة واقفزة وأجربة وَمَا كَانَ على فعلة
نَحْو صبية وغلمة وفتية وَمَا كَانَ من الْمُذكر مجموعا بِالْوَاو
وَالنُّون نَحْو مُسلمُونَ وصالحون فَهُوَ أدنى الْعدَد لِأَنَّهُ على
منهاج التَّثْنِيَة وَنَظِير ذَلِك من الْمُؤَنَّث مَا كَانَ بِالْألف
وَالتَّاء نَحْو مسلمات وصالحات وكريمات
(2/156)
وَمَا كَانَ بعد مَا وَصفنَا فَهُوَ لأكْثر
الْعدَد وسنفسر هَذَا أجمع حَتَّى يعلم على حَقِيقَته إِن شَاءَ الله
أعلم إِنَّك إِذا صغرت بِنَاء من الْعدَد يَقع فِي ذَلِك الْبناء أدنى
الْعدَد فَإنَّك ترده إِلَى أدنى الْعدَد فتصغره وَذَلِكَ انك إِذا
صغرت كلابا قلت أكليب لِأَنَّك إِنَّمَا تخبر أَن الْعدَد قَلِيل
فَإِنَّمَا ترده إِلَى مَا هُوَ للقليل فَلَو صغرت مَا هُوَ للعدد
الْأَكْثَر كنت قد أخْبرت أَنه قَلِيل كثير فِي حَال وَهَذَا هُوَ
الْمحَال وَنَذْكُر هَذَا فِي بَاب التصغير وَلَكنَّا ذكرنَا مِنْهُ
هَا هُنَا شَيْئا لما يجْرِي فِي الْبَاب فَإِذا أردْت أَن تجمع
الْمُذكر ألحقته اسْما من الْعدة فِيهِ عَلامَة التَّأْنِيث وَذَلِكَ
نَحْو ثَلَاثَة أَثوَاب وَأَرْبَعَة رجال فَدخلت هَذِه الْهَاء على غير
مَا دخلت عَلَيْهِ فِي ضاربة وقائمة وَلَكِن كدخولها فِي عَلامَة
ونسابة وَرجل ربعَة وَغُلَام يفعة فَإِذا أوقعت الْعدة على مؤنث أوقعته
بِغَيْر هَاء فَقلت ثَلَاث نسْوَة أَربع جوَار وَخمْس بغلات وَكَانَت
هَذِه الْأَسْمَاء مُؤَنّثَة بالبنية كتأنيث عقرب وعناق وشمس وَقدر
وَإِن سميت رجل بِثَلَاث الَّتِي تقع على عدَّة الْمُؤَنَّث لم تصرفه
لِأَنَّهُ اسْم مؤنث بِمَنْزِلَة عنَاق وَإِن سميته ب ثَلَاث من قَوْلك
ثَلَاثَة الَّتِي تقع على الْمُذكر صرفته فَكَذَلِك يجْرِي الْعدَد فِي
الْمُؤَنَّث والمذكر بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة فِي الْمُذكر
وَفِيمَا بَين الثَّلَاث إِلَى الْعشْرَة فِي الْمُؤَنَّث قَالَ الله
عز وَجل {سَخَرَها عَلْيهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمَانِيةَ أيامٍ}
وَقَالَ
(2/157)
{فِي أَرْبَعَة أَيَّام سَوَاء للسائلين}
وَقَالَ على أَن تَأْجُرنِي ثَمَانِي حجج فَإِن أتممت عشرا فَمن عنْدك
لِأَن الْوَاحِدَة حجَّة وَقَالَ {فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي
الْحَج وَسَبْعَة إِذا رجعتم تِلْكَ عشرَة كَامِلَة} فَإِذا كَانَ فِي
الشَّيْء مَا يَقع لأدنى الْعدَد اضفت هَذِه الْأَسْمَاء إِلَيْهِ
فَقلت ثَلَاثَة أغلمة وَأَرْبَعَة أحمرة وَثَلَاثَة أفلس وَخَمْسَة
أعداد فَإِن قلت ثَلَاثَة حمير وَخَمْسَة كلاب جَازَ ذَلِك على أَنَّك
أردْت ثَلَاثَة من الْكلاب
(2/158)
خَمْسَة من الْحمير كَمَا قَالَ الله عز
وَجل {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء} وَقَالَ
الشَّاعِر
(قدْ جعلتْ ميَّ على الظِّرارِ ... خَمْسَ ثنان قانيء الأظفَارِ}
(2/159)
يُرِيد خمْسا من الْبَنَات وَاعْلَم أَنه
مَا لم يكن فِيهِ ادنى الْعدَد فالعدد الَّذِي يكون للكثير جَار
عَلَيْهِ مَا يكون للقليل كَمَا أَنه إِذا كَانَ مجموعا على بعض أبنية
الْعدَد وَلم يكن لَهُ جمع غَيره دخل مَعَه الْكثير وَذَلِكَ نَحْو
قَوْلك يَد وأيد وَرجل وأرجل فَهَذَا من أبنية أدنى الْعدَد وَلم يكن
لَهُ جمع غَيره فالكثير من الْعدَد يلقب أَيْضا بِهَذَا وَكَذَلِكَ
ثَلَاثَة أرسان وَتقول ذَلِك للكثير لِأَنَّهُ لَا جمع لَهُ إِلَّا
ذَلِك وَأما مَا يَقع للكثير وَلَا يجمع على أدنى الْعدَد فنحو قَوْلك
شسوع فَتَقول ثَلَاثَة شسوع فيشترك فِيهِ الْأَقَل وَالْأَكْثَر فَإِذا
جَاوَزت ذَوَات الثَّلَاثَة اسْتَوَى البناءان وَذَلِكَ قَوْلك عِنْدِي
ثَلَاثَة دَرَاهِم وَرَأَيْت ثَلَاثَة مَسَاجِد فَإِن حقرت الدَّرَاهِم
قلت دريهمات ترده فِي التحقير إِلَى بِنَاء يكون لأدنى الْعدَد وجمعت
بِالْألف وَالتَّاء لِأَن كل جمَاعَة من غير الْآدَمِيّين ترجع إِلَى
التَّأْنِيث وَهَذَا يبين لَك فِي بَاب الْجمع إِن شَاءَ الله
(2/160)
وَتقول عِنْدِي ثَلَاثَة محمدين وَخَمْسَة
جعفرين لِأَن هَذَا مِمَّا يجمع بِالْوَاو وَالنُّون فَإِن قلت محامد
وجعافر على أَنَّك أردْت ثَلَاثَة من الجعافر وَثَلَاثَة من المحامد
كَانَ جيدا على مَا فسرت لَك فَإِذا خرجت عَن العقد الأول ضممت
إِلَيْهِ اسْما مِمَّا كَانَ فِي أصل الْعدَد إِلَى أَن تتسعه وَذَلِكَ
قَوْلك عِنْدِي أحد عشر رجلا وَخَمْسَة عشر رجلا بنيت أحد مَعَ عشر
وغيرت اللَّفْظ للْبِنَاء وَذَلِكَ أَنَّك جعلتهما اسْما وَاحِدًا
وَكَانَ الأَصْل أحدا وَعشرَة وَخَمْسَة وَعشرَة فَلَمَّا كَانَ أصل
الْعدَد أَن يكون اسْما وَاحِد يدل على جَمِيع نَحْو ثَلَاثَة
وَأَرْبَعَة وَخَمْسَة بنوا هذَيْن الاسمين فجعلوهما اسْما وَاحِد
ألزموهما الْفَتْح لِأَنَّهُ أخف الحركات كَمَا قَالُوا هُوَ جاري بَيت
بَيت ولقيته كفة كفة يَا فَتى الْقَوْم فِيهَا شغر بغر
(2/161)
فَإِن قَالَ قَائِل فَهَلا أعربوه كَمَا
قَالُوا حَضرمَوْت وبعلبك وَمَا أشبههَا قيل أَن حَضرمَوْت بَنو
الاسمين فَجعلَا اسْما وَاحِدًا كَمَا فعلوا بِمَا فِيهِ هَاء
التَّأْنِيث وَجعلُوا ذَلِك علما وَلم يكن لَهُ حد صرف عَنهُ وَالْعدَد
الَّذِي ذكرت كَانَ لَهُ حد صرف عَنهُ كَمَا ذكرت لَك فَلَمَّا عدل عَن
وَجهه عدل عَن الْإِعْرَاب وَأما اثْنَا عشر فَلَيْسَتْ هَذِه سَبيله
لِأَنَّهُ مِمَّا فِيهِ دَلِيل الْإِعْرَاب تَقول جَاءَنِي اثْنَا عشر
وَرَأَيْت اثْنَي عشر فَلَمَّا كَانَ إعرابه كإعراب رجلَيْنِ ومسلمين
لم يجز أَن يَجْعَل مَعَ غَيره اسْما وَاحِدًا وَلَا تَجِد ذَلِك فِي
بِنَاء حَضرمَوْت وَلَا فِي شَيْء مِمَّا ذكرت لَك من لَقيته كفة كفة
وَنَحْوه وَلَكنهُمْ جعلُوا عشرَة بِمَنْزِلَة النُّون من اثْنَيْنِ
إِلَّا أَن لَهَا الْمَعْنى الَّذِي أبانت عَنهُ من الْعدَد وَلَو سميت
رجلا اثْنَي عشر ثمَّ رخمته لَقلت يَا اثن أقبل تحذف الْألف مَعَ عشر
كَمَا كنت فَاعِلا بالنُّون لَو كَانَت مَكَان عشر فَأَما تغييرهم عشر
عَن قَوْلك عشرَة فَإِنَّمَا ذَلِك لصرفها عَن وَجههَا وَلَكِنَّك أثبت
الهاءات للمذكر كَمَا كنت مثبتها فِي ثَلَاثَة وَأَرْبَعَة فَتَقول
ثَلَاثَة عشر رجلا وَأَرْبَعَة عشر رجلا وَخَمْسَة عشر إنْسَانا وَلم
تثبت فِي عشر هَاء وَهِي للمذكر لِأَنَّك قد أثبت الْهَاء فِي
(2/162)
الِاسْم الأول وهما اسْم وَاحِد فَلَا تدخل
تأنيثا على تَأْنِيث كَمَا لَا تَقول حمراءة وَلَا صفراءة فَأَما
الِاسْم الْمَنْصُوب الَّذِي يبين بِهِ الْعدَد فَنحْن ذاكروه فِي
مَوْضِعه مشروحا إِن شَاءَ الله فَإِذا أردْت الْمُؤَنَّث أثبت الْهَاء
فِي آخر الِاسْم لِأَن عشرا مُذَكّر فِي هَذَا الْموضع فأثنته لما قصدت
إِلَى مؤنث فَقلت ثَلَاث عشرَة امْرَأَة وَخمْس عشرَة جَارِيَة
لِأَنَّك بنيته بِنَاء على حِدة كَمَا فَقلت ذَلِك بالمذكر فَسلمت
الْأَسْمَاء الأولى كَمَا سلمت أَسمَاء الْمُذكر واثبت الْهَاء فِي
آخِره وبنيت الْعشْرَة على غير بنائها فِي قَوْلك عشر نسْوَة فَقلت
إِحْدَى عشرَة واثنتا عشرَة وَإِن شِئْت قلت عشرَة على غير منهاج عشرَة
وَلَكِنَّك أسكنت الشين كَمَا تسكن فخذا فَتَقول فخْذ وَعلم فَتَقول
علْم وتنصب الِاسْم الَّذِي تبين بِهِ الْعدَد كَمَا فعلت ذَلِك مَعَ
الْمُذكر فَإِن قَالَ قَائِل فَمَا بالك قلت إِحْدَى عشرَة وَإِحْدَى
مُؤَنّثَة وَعشرَة فِيهَا هَاء التَّأْنِيث وَكَذَلِكَ اثْنَتَا عشرَة
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَن تَأْنِيث إِحْدَى بِالْألف وَلَيْسَ
بالتأنيث الَّذِي على وَجه التَّذْكِير نَحْو قَائِم وقائمة وَجَمِيل
وجميلة فهما اسمان كَانَا بائنين فوصلا وَلكُل وَاحِد مِنْهَا لفظ من
التَّأْنِيث سوى لفظ الآخر وَلَو كَانَ على لَفظه لم يجز فَأَما
اثْنَان وَاثْنَتَانِ فَإِنَّمَا أنث اثْنَان على اثْنَتَيْنِ وَلكنه
تَأْنِيث لَا يفرد لَهُ وَاحِد فالتاء فِيهِ ثَابِتَة وَإِن كَانَ
أَصْلهَا أَن تكون مِمَّا وَقفه بِالْهَاءِ أَلا ترى أَنهم قَالُوا
مذروان لِأَنَّهُ لَا يفرد لَهُ وَاحِد وَلَو كَانَ مِمَّا ينْفَرد
لَهُ وَاحِد لم يكن إِلَّا
(2/163)
مذريان وَكَقَوْلِه عقلته بثنايين وَلَو
كَانَ ينْفَرد مِنْهُ الْوَاحِد لم يكن إِلَّا بثنائين فَأَما نصب
الِاسْم الَّذِي بعد خَمْسَة عشرَ وَأحد عشر وَبعد إِحْدَى عشرَة إِلَى
تسع عشرَة فَلِأَنَّهُ عدد فِيهِ نِيَّة التَّنْوِين وَلكنه لَا
ينْصَرف كَمَا تَقول هَؤُلَاءِ ضوارب زيدا غَدا إِذا أردْت التَّنْوِين
وَلم يحز أَن يكون هَذَا مُضَافا لِأَن الْإِضَافَة إِنَّمَا تكون لما
وَقع فِيهِ اقل الْعدَد وَذَلِكَ مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة
فَإِذا خرجت عَن ذَلِك خرجت إِلَى مَا تحْتَاج إِلَى تبين نَوعه فَإِن
كَانَ منونا انتصب مَا بعده عَن ذكر النَّوْع وَإِن كَانَ غير منون
أضيف إِلَى الْوَاحِد الْمُفْرد الَّذِي يدل على النَّوْع فَإِن قَالَ
قَائِل فَهَلا كَانَ هَذَا مِمَّا تجْرِي عَلَيْهِ الْإِضَافَة كَمَا
تَقول مائَة دِرْهَم وَألف دِرْهَم قيل لَهُ لما كَانَ هَذَا اسْمَيْنِ
ضم أَحدهمَا إِلَى الآخر وَلم يكن فِي الْأَسْمَاء الَّتِي هِيَ من
اسْمَيْنِ ضم أَحدهمَا إِلَى الآخر إِضَافَة كَانَ هَذَا لاحتياجه
إِلَى النَّوْع بِمَنْزِلَة مَا قد لفظ بتنوينه فَإِن قَالَ قَائِل
فَأَنت قد تَقول هَذَا حَضرمَوْت زيد إِذا سميت رجلا حَضرمَوْت ثمَّ
أضفته كَمَا تَقول هَذَا زيد عَمْرو
(2/164)
قيل إِن إِضَافَته لَيست لَهُ لَازِمَة
وَإِنَّمَا يكون إِذا نكرته ثمَّ عَرفته بِمَا تضيف إِلَيْهِ وَخَمْسَة
عشر عدد مُبْهَم لَازم لَهُ التَّفْسِير فَكَانَت تكون الْإِضَافَة
لَازِمَة فَيكون كَأَن أَصله ثَلَاثَة أَسمَاء قد جعلت اسْما وَاحِدًا
وَمثل هَذَا لَا يُوجد فَإِن قَالَ فَهَلا جعل مَا تبين بِهِ النَّوْع
جمعا فَتَقول خَمْسَة عشر رجلا كَمَا تَقول زيدا أفره النَّاس عبدا
وأفره النَّاس عبيدا قيل الْفَصْل بَينهمَا أَنَّك إِذا قلت زيد أفره
النَّاس عبدا جَازَ أَن تكون تَعْنِي عبدا وَاحِدًا وَأَن تكون تَعْنِي
جمَاعَة فَإِذا قلت عبيدا بنيت الْجَمَاعَة وَأَنت إِذا قلت خَمْسَة
عشرَة وَنَحْوه فقد بيّنت الْعدَد فَلم تحتج إِلَى النَّوْع فَجئْت
بِوَاحِد منكور يدل على جنسه لِأَنَّك قد اسْتَغْنَيْت عَن ذكر
الْجَمَاعَة فَإِذا ثنيت أدنى الْعُقُود اشتققت لَهُ من اسْمه مَا
فِيهِ دَلِيل على أَنَّك قد خرجت عَنهُ إِلَى تَضْعِيفه وَالدَّلِيل
على ذَلِك مَا يلْحقهُ من الزِّيَادَة وَهِي الْوَاو وَالنُّون فِي
الرّفْع وَالْيَاء وَالنُّون فِي الْخَفْض وَالنّصب وَيجْرِي مجْرى
مُسلمين وَذَلِكَ قَوْلك عِنْدِي عشرُون رجلا وَعِشْرُونَ جَارِيَة
فيستوي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث لِأَنَّهُ مُشْتَقّ مُبْهَم وَلَيْسَ من
الْعدَد الَّذِي هُوَ أصل وَالْأَصْل مَا بَين الْوَاحِد إِلَى
الْعشْرَة فَكل عدد فَمن هَذَا مُشْتَقّ فِي لفظ أَو معنى فَأَما
قَوْلهم عشرُون وَلم يفتحوا لعشر الْعين فقد قيل فِيهِ أقاويل قَالَ
قوم إِنَّمَا كسرت ليدلوا على الكسرة الَّتِي فِي أول اثْنَيْنِ
لِأَنَّهَا تَثْنِيَة عشرَة وَلَيْسَت بِجمع وَلَيْسَ هَذَا القَوْل
بِشَيْء
(2/165)
وَلَكِن نقُول فِي هَذَا إِنَّه اسْم قد
صرف على وُجُوه فَمِنْهَا أَنَّك تَقول فِي الْمُذكر عشرَة وللمؤنث عشر
بالإسكان وَلَيْسَ على منهاج التَّذْكِير وَلَو كَانَ على منهاجه
لَكَانَ حذف الْهَاء لَازِما للمذكر وإثباتها لَازِما للمؤنث كَسَائِر
الْأَسْمَاء نَحْو ظريف وظريفة ومتكلم ومتكلمة وعَلى هَذَا قَالُوا
خَمْسَة عشر فغيروه وَقَالُوا خمس عشرَة فبنوه على خلاف بِنَاء
التَّذْكِير فَلَمَّا كَانَ هَذَا الِاسْم مغيرا فِي جَمِيع حالاته
وَلم يكن فِي الْعشْرين على منهاج سَائِر الْعُقُود وَغَيره كَانَ
دَلِيلا على مَجِيئه على غير وَجهه الا ترى أَنهم لما جمعُوا مَنْقُوص
الْمُؤَنَّث بِالْوَاو وَالنُّون غيروا أَوَائِله ليَكُون التَّغْيِير
دَلِيلا على خُرُوجه من بَابه وَذَلِكَ قَوْلك سنة ثمَّ تَقول سنُون
فتكسر السِّين وَكَذَلِكَ قلَّة وقلون وَأما قَوْلنَا أَنه على خلاف
الْعُقُود فَإِنَّمَا هُوَ لِأَنَّك اشتققت للثلاثين من الثَّلَاثَة
لِأَنَّهَا ثَلَاثَة عُقُود وَكَذَلِكَ فعلت بالأربعين وَالْخمسين
وَمَا بعده إِلَى التسعين فَكَانَ الْوَاجِب إِذْ اشتققت للثلاثين من
الثَّلَاثَة أَن تشتق للعشرين من الِاثْنَيْنِ فَإِن قَالَ قَائِل
فَهَلا فعلوا ذَلِك فَالْجَوَاب إِن الِاثْنَيْنِ مِمَّا إعرابه فِي
وَسطه فَلَو فعل بِهِ مَا فعل بِالثَّلَاثَةِ حَيْثُ صيرت إِلَى
الثَّلَاثِينَ لبطل مَعْنَاهُ وصير إِلَى الْإِفْرَاد وَلم يَقع مُفردا
قطّ فالامتناع مِنْهُ كالضرورة فَإِذا زِدْت على الْعشْرين وَاحِد
فَمَا فَوق إِلَى العقد الثَّانِي أَو وَاحِدَة فَمَا فَوْقهَا قلت فِي
الْمُذكر أحد وَعِشْرُونَ رجلا وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ رجلا وَوَاحِد
وَعِشْرُونَ كَمَا كنت قَائِلا قبل أَن تصله بالعشرين
(2/166)
فَإِن قَالَ قَائِل فَهَلا بني الْأَحَد
مَعَ الْعشْرين وَمَا بعد الْأَحَد من الْأَعْدَاد كَمَا فعل ذَلِك
بِخَمْسَة عشر وَنَحْوه فيجعلان اسْما وَاحِدًا كَمَا كَانَ ذَلِك فِي
كل عدد قبله قيل لَهُ لم يكن لهَذَا نَظِير فِيمَا فرط من الْأَسْمَاء
كحضرموت وبعلبك لَا تَجِد اسْمَيْنِ جعلا اسْما وَاحِدًا مِمَّا
أَحدهمَا إعرابه كإعراب مُسلمين وَقد تقدم قَوْلنَا فِي هَذَا حَيْثُ
ذكرنَا اثْنَي عشر فَإِذا صرت إِلَى العقد الَّذِي بعد الْعشْرين كَانَ
حَاله فِيمَا يجمع مَعَه من الْعدَد كَحال عشْرين وَكَذَلِكَ إعرابه
إِلَّا أَن اشتقاقه من الثَّلَاثَة لِأَن التَّثْلِيث أدنى الْعُقُود
وَكَذَلِكَ لما بعده إِلَى التسعين إِذا صرت إِلَى العقد الَّذِي
بعْدهَا كَانَ لَهُ اسْم خَارج من هَذِه الْأَسْمَاء لِأَن مَحَله مَحل
الثَّلَاثِينَ مِمَّا قبلهَا وَالْأَرْبَعِينَ مِمَّا قبلهَا وَنَحْو
ذَلِك وَلم يشتق لَهُ من الْعشْرَة اسْم لِئَلَّا يلتبس بالعشرين
وَلِأَن العقد حَقه أَن يكون فِيمَا فرط من الْأَعْدَاد خَارِجا من
اسْم قبله واضفته لما بعده معرفَة كَانَ أَو نكرَة كَمَا كنت فَاعِلا
ذَلِك بِالْعقدِ الأول وَذَلِكَ قَوْلك مائَة دِرْهَم وَمِائَة
الدِّرْهَم الَّتِي قد عرفت
(2/167)
وَلم يجز أَن تَقول عشرُون الدِّرْهَم
لِأَن درهما بعد عشْرين تَمْيِيز مُنْفَصِل من الْعشْرين وَالْمِائَة
مُضَافَة والمضاف يكون معرفَة بِمَا يُضَاف إِلَيْهِ فَإِذا أردْت
تَعْرِيف عشْرين وَمَا كَانَ مثلهَا قلت الْعشْرُونَ رجلا
وَالثَّلَاثُونَ جَارِيَة كَمَا تَقول الضاربون زيدا لِأَن مَا بعد
التَّنْوِين مُنْفَصِل مِمَّا قبله وَالْمِائَة اسْم لَيْسَ
التَّنْوِين لَهُ لَازِما لِأَن حَال التَّنْوِين لَيست حَال النُّون
لِأَنَّك تقف على النُّون وَلَا تقف على التَّنْوِين وَلِأَن النُّون
تثبت مَعَ الْألف وَاللَّام وَلَا يثبت التَّنْوِين مَعَهُمَا تَقول
الْمُسلمُونَ والصالحون وَلَا تَقول المسلمٌ والصالحٌ فتقف على
التَّنْوِين فَكَانَت مائَة فِي بَابهَا كثلاثة فِي بَابهَا إِلَّا أَن
الَّذِي تُضَاف إِلَيْهِ مائَة وَاحِدَة فِي معنى جمع وَالَّذِي يُضَاف
إِلَيْهِ ثَلَاثَة وَمَا أشبههَا جمع تَقول ثَلَاثَة دَرَاهِم وَمِائَة
دِرْهَم والفصل بَينهمَا مَا يَقع فِي الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة من
أدنى الْعدَد وَأَن الْمِائَة كالعشرين وَنَحْوهَا وَإِن كَانَت
مُضَافَة وَكَذَلِكَ صَار لَفظهَا للمذكر والمؤنث على هَيْئَة وَاحِدَة
تَقول مائَة دِرْهَم وَمِائَة جَارِيَة كَمَا كَانَ ذَلِك فِي
الْعشْرين وَنَحْوهَا وَلم يكن هَذَا فِي خَمْسَة عشر وَخمْس عشرَة
لِأَنَّهُمَا مجموعان مِمَّا كَانَ وَاقعا لأدنى الْعدَد فَإِن اضْطر
شَاعِر فنون وَنصب مَا بعده لم يجز أَن يَقع إِلَّا نكرَة لِأَنَّهُ
تَمْيِيز كَمَا أَنه إِذا اضْطر قَالَ ثَلَاثَة أثوابا فَمن ذَلِك قَول
الشَّاعِر
(2/168)
(إِذا عاشَ الْفَتى مائتينِ عَاما ... فقدْ
ذَهبَ اللذاذةُ والفَتاءُ)
فَإِنَّمَا حسن هَذَا فِي الْمِائَتَيْنِ وَإِن كَانَ تَثْنِيَة
الْمِائَة لِأَنَّهُ مِمَّا يلْزمهَا النُّون فقد رَجَعَ فِي اللَّفْظ
إِلَى حَال الْعشْرين وَمَا أشبههَا وَلَكِن الْمَعْنى يُوجب فِيهِ
الْإِضَافَة فَأَما قَوْلهم ثلثمِائة وَأَرْبَعمِائَة واختيارهم
إِيَّاه على مِائَتَيْنِ ومئات فَإِنَّمَا ذَلِك قِيَاس على مَا مضى
لِأَن الْمَاضِي من الْعدَد هُوَ الأَصْل وَمَا بعده فرع فَقِيَاس
هَذَا قِيَاس قَوْلك عشرُون درهما وَأحد وَعِشْرُونَ درهما إِلَى
قَوْلك تِسْعَة وَعِشْرُونَ درهما فالدرهم مُفْرد لِأَنَّك إِذا قلت
ثَلَاثُونَ وَمَا بعْدهَا إِلَى تسعين ثمَّ جاوزته صرت إِلَى عقد
لَيْسَ لَفظه من لفظ مَا قبله فَكَذَلِك تَقول ثلثمِائة
وَأَرْبَعمِائَة لِأَنَّك إِذا جَاوَزت تِسْعمائَة صرت إِلَى عقد
يُخَالف لَفظه لفظ مَا قبله وَهُوَ قَوْلك ألف ثمَّ تَقول ثَلَاثَة
آلَاف لِأَن الْعدَد الَّذِي بعده غير خَارج مِنْهُ تَقول عشرَة آلَاف
كَمَا تَقول عشرَة أَثوَاب وَأحد عشر ألفا كَمَا تَقول أحد
(2/169)
عشر ثوبا إِلَى العقد الآخر فَلَو كنت
تَقول عشر مئين وَإِحْدَى عشرَة مائَة لوَجَبَ جمعهَا فِي التَّثْلِيث
وَمَا بعده وَإِنَّمَا جَازَ أَن تَقول ثَلَاث مئين وَثَلَاث مئات من
أجل أَنه مُضَاف فشبهته من جِهَة الْإِضَافَة لَا غير بقَوْلهمْ
ثَلَاثَة أَثوَاب وَثَلَاث جوَار قَالَ الشَّاعِر
(ثلاثُ مِئينٍ للمُلوكِ وَفِي بِها ... رِدائي وجَلّتْ عنْ وُجوهِ
الأهاتِمِ)
وَقَالَ الآخر
(ثلاثُ مِئينٍ قدْ مَرَرْنَ كَواملاً ... وَهَا أنذا أرتجي مَرَّ
ارْبَعِ)
فَأَما قَوْلك مائَة دِرْهَم وَمِائَة جاريةٍ وألفُ غلامٍ وَألف جاريةٍ
فَلَا يكون فِيهِ إِلَّا
(2/170)
هَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْزِلَة
ثَلَاثَة وَمَا بعْدهَا إِلَى عشرَة وَلَا ثَلَاث إِلَى عشر لِأَن
الثَّلَاث وَالثَّلَاثَة على مئين وَقع أَو على أُلُوف أَو غير ذَلِك
ففيهن أقل الْعدَد مِمَّا وقعن عَلَيْهِ ومجاز مائَة وَألف فِي أَنه
لَا يكون لأدنى الْعدَد مجَاز أحد عشر درهما فَمَا فَوق فَأَما قَوْله
عز وَجل {وَلَبِثوا فِي كَهْفِهِمْ ثلثَمائَةٍ سِنِينَ} فَإِنَّهُ على
الْبَدَل لِأَنَّهُ لما قَالَ ثلثمِائة ثمَّ ذكر السنين ليعلم مَا
ذَلِك الْعدَد وَلَو قَالَ قَائِل أَقَامُوا سِنِين يَا فَتى ثمَّ
قَالَ مئين أَو ثلثمِائة لَكَانَ على الْبَدَل ليبين كم مِقْدَار
تِلْكَ السنين وَقد قَرَأَ بعض الْقُرَّاء بِالْإِضَافَة فَقَالَ
{ثَلثَمِائِةِ سِنِيْنِ} وَهَذَا خطأ فِي الْكَلَام غير جَائِز
وَإِنَّمَا يجوز مثله فِي الشّعْر للضَّرُورَة وجوازه فِي الشّعْر
أَبَا نحمله على الْمَعْنى لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنى جمَاعَة وَقد جَازَ
فِي الشّعْر أَن تفرد وَأَنت تُرِيدُ الْجَمَاعَة إِذا كَانَ فِي
الْكَلَام دَلِيل على الْجمع فَمن وَذَلِكَ قَوْله
(2/171)
(كُلوا فِي نِصْفِ بَطْنِكُمُ تَعيشوا ...
فإنَّ زّمّانكّمْ زمنٌ خَميصُ)
وَقَالَ آخر
(إنْ تُقتَلوا اليومَ فقدْ سُبينا ... فِي حَلْقِكُمْ عظمٌ وقّدْ
شُجينا)
(2/172)
وينشد شربنا وَقَالَ عَلْقَمَة بن عَبدة
(بهَا جِيِفُ الحَسْرى فأمّا عِظامُها ... فَبيضٌ وأمّا جِلدُها
فَصَلِيبُ)
وَأما قَوْله عز وَجل {خَتَمَ اللهُ على قلوبِهِمْ وَعَلى سَمعِهِمْ
وعَلى أبْصارِهِمْ} فَلَيْسَ من هَذَا لِأَن السّمع مصدر والمصدر يَقع
للْوَاحِد وَالْجمع وَكَذَلِكَ قَول الشَّاعِر وَهُوَ جرير
(إنَّ العُيونَ الَّتِي فِي طَرَفها مرضٌ ... قَتَلْنَنا ثُمَّ لَم
يُحْيِيْنَ قَتْلانا)
لِأَن الطّرف مصدر وَأما قَوْله الله عز وَجل {ثُم يُخْرِجُكُمْ طِفلا}
{وَقَوله} (فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شيءٍ منَّة نَفْسَاً} فَإِنَّهُ
أفرد هَذَا لِأَن مخرجهما مخرج التَّمْيِيز كَمَا تَقول
(2/173)
زيد أحسن النَّاس ثوبا وأفره النَّاس مركبا
وَأَنه ليحسن ثوبا وَيكثر أمة وعبدا وَقد قَالُوا فِي قَول الْعَبَّاس
بن مرداس قَوْلَيْنِ وَهُوَ
(فَقُلْنَا أسْلِمُوا إنّا أخوكُمْ ... فّقّدْ بَرِئّتْ مِنَ الإحَنِ
الصُدورُ)
فَقَالَ بَعضهم أَرَادَ إِنَّا إخوتكم فَوضع الْوَاحِد مَوضِع
الْجَمِيع كَمَا قَالَ فِي حلقكم أَي فِي حلوقكم وَقَالَ آخَرُونَ
لَفظه لفظ الْجمع من قَوْلك أَخ وأخون ثمَّ حذف النُّون وأضاف كَمَا
تَقول مسلموكم وصالحوكم وَتقول على ذَلِك أَب وأبون وَأَخ أخون كَمَا
قَالَ الشَّاعِر
(فَلَمَا تَبَيَنَّ أصواتَنا ... بَكَيْنَ وّفَدَّيْنَنا بالأبينا)
وَقَالَ آخر
(وَكَانَ لنا فَزارةُ عَمَّ سَوءٍ ... وكنتُ لَهُ كشرِّ بني الأخينا)
(2/174)
(هَذَا بَاب إِضَافَة الْعدَد وَاخْتِلَاف
النَّحْوِيين فِيهِ)
اعْلَم أَن قوما يَقُولُونَ أخذت الثَّلَاثَة الدَّرَاهِم يَا فَتى
وَأخذت الْخَمْسَة عشر الدِّرْهَم وَبَعْضهمْ يَقُول أخذت الْخَمْسَة
الْعشْر الدِّرْهَم وَأخذت الْعشْرين الدِّرْهَم الَّتِي تعرف وَهَذَا
كُله خطأ فَاحش وَعلة من يَقُول هَذَا الاعتلال بالرواية لَا أَنه
يُصيب لَهُ فِي قِيَاس الْعَرَبيَّة نظيرا وَمِمَّا يبطل هَذَا القَوْل
أَن الرِّوَايَة عَن الْعَرَب الفصحاء خِلَافه فرواية بِرِوَايَة
وَالْقِيَاس حَاكم بعد أَنه لَا يُضَاف مَا فِيهِ الْألف وَاللَّام من
غير الْأَسْمَاء المشتقة من الْأَفْعَال لَا يجوز أَن تَقول جَاءَنِي
الْغُلَام زيد لِأَن الْغُلَام معرف بِالْإِضَافَة وَكَذَلِكَ لَا
تَقول هَذَا الدَّار عبد الله وَلَا أخذت الثَّوْب زيد وَقد اجْتمع
النحويون على أَن هَذَا لَا يجوز واجماعهم حجَّة على من خَالفه مِنْهُم
فعلى هَذَا تَقول هَذِه ثَلَاثَة أَثوَاب كَمَا تَقول هَذَا صَاحب ثوبٍ
فَإِن أردْت التَّعْرِيف قلت هَذِه ثَلَاثَة الأثواب كَمَا تَقول هَذَا
صَاحب الأثواب لِأَن الْمُضَاف إِنَّمَا يعرفهُ مَا يُضَاف إِلَيْهِ
فيستحيل هَذِه الثَّلَاثَة الأثواب كَمَا يَسْتَحِيل هَذَا الصاحب
الأثواب وَهَذَا محَال فِي كل وَجه أَلا ترى أَن ذَا الرمة لما أَرَادَ
التَّعْرِيف قَالَ
(2/175)
(أمَنْزِلتي ميِّ سَلاَمٌ عَلَيكُما ...
هَلِ الأزْمُنُ اللائي مَضَيْنَ رواجعُ)
(وَهَلْ يُرْجعُ التسليمَ أَو يَدفعُ البُكا ... ثلاثُ الأثافي
والرسومُ البَلاقِعِ)
وَقَالَ الفرزدق
(مَا زالَ مُذْ عَقَدتْ يداهُ إزارهُ ... ودّنا فأدْرَكَ خَمسَةَ
الأشبارِ)
فَهَذَا لَا يجوز غَيره وَأما قَوْلهم الْخَمْسَة الْعشْر فيستحيل من
غير هَذَا الْوَجْه لِأَن خَمْسَة عشر بِمَنْزِلَة حَضرمَوْت وبعلبك
وقالى قلا وأيدي سبا وَمَا أشبه ذَلِك من الاسمين اللَّذين يجعلان
اسْما وَاحِدًا فَإِذا كَانَ شَيْء من ذَلِك نكرَة فَإِن تَعْرِيفه أَن
تجْعَل الْألف وَاللَّام فِي أَوله لِأَن الثَّانِي قد صَار فِي درج
الْكَلَام الأول فَهَذَا أقبح واشنع وَأما قَوْلهم الْعشْرُونَ
الدِّرْهَم فيستحيل من وَجه ثَالِث وَهُوَ أَن الْعدَد قد احكم وَبَين
بِقَوْلِك عشرُون فَإِنَّمَا يحْتَاج إِلَى أَن يعلم النَّوْع
فَإِنَّمَا دِرْهَم وَمَا أشبعه للنوع فَإِن كَانَت الْعشْرُونَ
مَعْلُومَة قلت أخذت الْعشْرين درهما أَي الَّتِي قد عرفت وَلَيْسَ
الدِّرْهَم بِوَاحِد مَعْلُوم مَقْصُود إِلَيْهِ وَلَو كَانَ كَذَلِك
كَانَ لَا معنى لَهُ بعد الْعشْرين وَكَذَلِكَ كل رجل جَاءَنِي فَلهُ
(2/176)
دِرْهَم وَإِنَّمَا الْمَعْنى كل من
جَاءَنِي من الرِّجَال إِذا كَانُوا وَاحِدًا وَاحِدًا فَلهُ دِرْهَم
أَلا تراك تَقول كل اثْنَيْنِ جاءاني أكرمهما لِأَنَّك تُرِيدُ الَّذين
يجيؤنك اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ فَلَو قلت كل الِاثْنَيْنِ أَو كل الرجل
على هَذَا لاستحال ففساد هَذَا بَين جدا وبنبغي لمن تبين فَسَاد مَا
قَالَه أَن يرجع من قبل إِلَى حَقِيقَة الْقيَاس وَلَا يمض على
التَّقْلِيد
(2/177)
(هَذَا بَاب مَا يُضَاف من الْأَعْدَاد
المنونة)
اعْلَم أَنَّك إِذا اضفت عددا حذفت مِنْهُ النُّون والتنوين أَي ذَلِك
كَانَ فِيهِ فَتَقول هَذِه عشروك وثلاثوك وأربعوك وَرَأَيْت ثلاثيك
وأربعيك وَهَذِه مائتك وألفك وَتقول هَذِه ثَلَاثَة وثلاثوك إِذا سميت
بهَا رجلا وَإِن كَانَ عددا فِي مَوْضِعه قلت هَذِه ثلاثتك وثلاثوك
كَمَا تَقول هَذَا غلامك وجاريتك وَكَذَا سَبِيل كل مَعْطُوف وَتقول
هَذِه ثَلَاثَة أثوابك وَهَذِه ثَلَاثَة أَثوَاب الْقَوْم لَا يكون
إِلَّا ذَلِك لِأَن الْمُضَاف يُنكر حَتَّى يعرفهُ مَا بعده أَو يُنكره
وَكَذَلِكَ تَقول هَذِه مائَة درهمك وَألف دينارك وَهَذِه خَمْسَة عشرك
تقدر حذف مَا فِيهِ من التَّنْوِين فِي النِّيَّة كَمَا تَقول هنّ حواج
بَيت الله إِذا نَوَيْت التَّنْوِين وهنّ حواج بَيت الله إِذا نَوَيْت
طَرحه لِأَن فواعل لَا ينْصَرف فَإِنَّمَا يَقع التَّنْوِين فِي
النِّيَّة وَيخرج مخرج هَذَا ضاربٌ زيد وضاربُ زيد كَمَا قَالَ
الشَّاعِر
(إِذا أمُّ سِرياحٍ غَدَتْ فِي ظعائن ... طَوالعَ نَجدا فاضتِ العَينُ
تَدمَعُ)
(2/178)
وَقَالَ آخر
(ونأخذ بَعْدَه بِذِنْابِ عّيشٍ ... أجَبَّ الظَهرِ ليسَ لم سَنامُ)
وَمن لم يرد التَّنْوِين خفض فِي هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وَمَا أشبههما
وَاعْلَم أَن الْقيَاس وَأكْثر كَلَام الْعَرَب أَن تَقول هَذِه
أَرْبَعَة عشرك وَخَمْسَة عشرك فتدعه مَفْتُوحًا على قَوْلك هَذِه
أَرْبَعَة عشر وَخَمْسَة عشرَة وَقوم من الْعَرَب يَقُولُونَ هَذِه
أَرْبَعَة عشرُك ومررت بأَرْبعَة عشرِك وهم قَلِيل وَله وجيه من
الْقيَاس وَهُوَ أَن ترده بِالْإِضَافَة إِلَى الْإِعْرَاب كَمَا
أَنَّك تَقول ذهب أمس بِمَا فِيهِ وَذهب أمسك بِمَا فِيهِ وَتقول جِئْت
من قبل يَا فَتى فَإِذا أضفت قلت من قبلِكَ فَهَذَا مَذْهَبهم
وَإِنَّمَا كَانَ الْقيَاس الْمَذْهَب الأول لِأَن خَمْسَة عشر نكرَة
وَمَا لم ترده النكرَة إِلَى أَصله لم ترده الْإِضَافَة
(2/179)
أما أمس وَقبل وَنَحْوهمَا فمعارف وَلَو
جعلتهن نكرات لرجعن إِلَى الْإِعْرَاب كَمَا رجعن إِلَيْهِ فِي
الْإِضَافَة وَالْألف وَاللَّام وعَلى هَذَا قرئَ {لله الْأَمر من قبل
وَمن بعد} على النكرَة على مثل قَوْلك أَولا وآخرا أَلا ترى أَنَّك
تَقول فِي النداء يَا زيد أقبل فَإِذا جعلته نكرَة قلت يَا رجلا اقبل
كَمَا تَقول يَا عبد الله فَتَردهُ النكرَة إِلَى الْإِعْرَاب كَمَا
ترده الْإِضَافَة أَلا تراك تَقول جَاءَنِي الْخَمْسَة عشر رجلا
وَالْخمس عشرةَ امْرَأَة فَلَو كَانَت الْإِضَافَة ترده إِلَى
الْإِعْرَاب لرددته الْألف وَاللَّام وَإِنَّمَا أجَاز سِيبَوَيْهٍ
الضَّم على بعد فَأَما قَوْلك مَرَرْت بالقوم خَمْسَة عشرهم كَمَا
تَقول مَرَرْت بالقوم خمستهم فَغير جَائِز عندنَا الْبَتَّةَ لِأَن مَا
بعد خَمْسَة عشر إِذا كَانَ عددا لم يكن إِلَّا مُفردا نَحْو خَمْسَة
عشر رجلا وَلم يكن إِلَّا نكرَة وَلَيْسَ بِمَنْزِلَة خَمْسَة وَسِتَّة
وبابهما إِلَى الْعشْر وَذَلِكَ أَن الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة
مُضَاف إِلَى الْمعرفَة والنكرة وعَلى هَذَا لَا نقُول أخذت عشْرين
درهما وثلاثيه لِأَن الَّذِي تبين بِهِ النَّوْع لَا يكون معرفَة مضمرة
وَلَا مظهرة
(2/180)
(هَذَا بَاب اشتقاقك للعدد اسْم الْفَاعِل
كَقَوْلِك هَذَا ثَانِي اثْنَيْنِ وثالث ثَلَاثَة ورابع أَرْبَعَة)
اعْلَم أَنَّك إِذا قلت هَذَا ثَانِي اثْنَيْنِ فَمَعْنَى هَذَا أحد
اثْنَيْنِ كَمَا قَالَ الله عز وَجل {إِذْ أخرجه الَّذين كفرُوا ثَانِي
اثْنَيْنِ} وَقَالَ عز وَجل {لَقَدْ كَفَر الذينَ قالُوا إنَّ اللهَ
ثَلِثُ ثَلاثةِ} على هَذَا فَإِن قلت هَذَا ثَالِث اثْنَيْنِ فعلى غير
هَذَا الْوَجْه إِنَّمَا مَعْنَاهُ هَذَا الَّذِي جَاءَ إِلَى
اثْنَيْنِ فثلثهما فَمَعْنَاه الْفِعْل وَكَذَلِكَ هَذَا رَابِع
ثَلَاثَة ورابع ثَلَاثَة يَا فَتى لِأَن مَعْنَاهُ أَنه ربعهم وثلثهم
وعَلى هَذَا قَوْله عز وَجل {مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ
رابعهم وَلَا خَمْسَة إِلَّا هُوَ سادسهم} وَمثله قَوْله عز وَجل
{سيقولون ثَلَاثَة رابعهم كلبهم}
(2/181)
وَتلك الأولى لَا يجوز أَن تنصب بهَا لآن
الْمَعْنى أحد ثَلَاثَة وَأحد أَرْبَعَة فَتَقول على هَذَا القَوْل
هَذَا رَابِع أَرْبَعَة إِذا كَانَ هُوَ وَثَلَاث نسْوَة لِأَنَّهُ قد
دخل مَعَهُنَّ فَقلت أَرْبَعَة بالتذكير لِأَنَّهُ إِذا اجْتمع مُذَكّر
ومؤنت جعل الْكَلَام على التَّذْكِير لِأَنَّهُ الأَصْل وَتقول على
القَوْل الآخر هَذَا رَابِع ثَلَاث يَا فَتى لِأَنَّهُ لم يدْخل
مَعَهُنَّ وَإِنَّمَا مِثَاله هَذَا ضَارب ثَلَاث فعلى هَذَا فأجر
هَذَا الْبَاب فَإِذا جَاوز العقد الأول فَإِن الْقيَاس على الْمَذْهَب
الأول وَهُوَ هَذَا ثَالِث ثَلَاثَة ورابع أَرْبَعَة أَي أحد ثَلَاثَة
وَأحد أَرْبَعَة أَن تَقول هَذَا حادي عشر أحد عشر وخامس عشر وَخَمْسَة
عشر لَكِن الْعَرَب تستثقل اضافته على التَّمام لطوله فَيَقُولُونَ
هَذَا حادي أحد عشر وخامس خَمْسَة عشر فيرفعون الأول بِمَا يرفعهُ
وينصبونه بِمَا ينصبه ويخفضونه بِمَا يخفضه لِأَنَّهُ مُعرب وَإِنَّمَا
مَنعهم من بنائِهِ أَن ثَلَاثَة أَسمَاء لاتجعل اسْما وَاحِدًا فِي غير
الْإِضَافَة وَإِنَّمَا شبه خَمْسَة عشر بحضرموت وَبني لما ذكرنَا من
إِزَالَته عَن مَوْضِعه فَإِن قلت هَذَا حادي عشر وخامس عشر كَمَا
تَقول هَذَا خَامِس وسادس بنيته على الْفَتْح لِأَنَّهُمَا اسمان
فحالهما كَحال خَمْسَة عشر وَنَحْوه فعلى هَذَا الْقيَاس يجْرِي هَذَا
الْعدَد فَإِن قلت على قِيَاس قَول من قَالَ هَذَا رابعٌ ثَلَاثَة
وخامسٌ أَرْبَعَة فَإِن النَّحْوِيين كَانُوا
(2/182)
يَقُولُونَ هَذَا خَامِس أَرْبَعَة عشر
وَهَذِه خَامِسَة أَربع عشرَة ويقيسون هَذَا أجمع وَيَقُولُونَ هَذَا
رَابِع ثَلَاث عشرَة إِذا كن نسَاء فصرن بِهِ أَرْبَعَة عشر كَمَا
تَقول هَذَا رَابِع ثَلَاث وخامس أَربع فَهَذَا قَول النَّحْوِيين
الْمُتَقَدِّمين وَكَانَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش لَا يرَاهُ صَوَابا
وَذَلِكَ لِأَنَّك إِذا قلت رابعُ ثَلَاثَة فَإِنَّمَا تجريه مجْرى
ضَارب وَنَحْوه لِأَنَّك كنت تَقول كَانُوا ثَلَاثَة فربعهم وَكَانُوا
خَمْسَة فسدسهم وَلَا يجوز أَن تبني فَاعِلا من خَمْسَة وَعشرَة
جَمِيعًا لِأَن الأَصْل خَامِس عشر أَرْبَعَة عشر وَالْقِيَاس عِنْدِي
مَا قَالَ وَهُوَ قَول الْمَازِني
(2/183)
فَإِذا بلغت الْعشْرين فَمَا بعْدهَا لم
تبن مِنْهُ فَاعِلا لِأَنَّهُ يلتبس بِمَا قبله لِأَنَّهُ يَجِيء على
لفظ الْعشْرين وَالثَّلَاثُونَ على لفظ الثَّلَاثَة وَهَكَذَا إِلَى
التسعين فَإِذا بلغت الْمِائَة قلت كَانُوا تِسْعَة وَتِسْعين فأمأيتهم
إِذا جعلتهم مائَة وَكَانَ تِسْعمائَة فألفتهم إِذا أردْت فعلتهم
وآلفتهم إِذا أردْت أفعلتهم كل ذَلِك يُقَال وَجَاء فِي الحَدِيث
أول حَيّ آلف مَعَ رَسُول الله
جُهَيْنَة وَقد آلفت مَعَه بَنو سليم بعد قَالَ بجير بن زُهَيْر
(صَبَحناهُم بِأَلف منْ سُلَيمٍ ... وَسَبْعٍ مِنْ بني عُثْمانَ وافي)
وَبَنُو عُثْمَان بن عَمْرو بن أد بن طابخة بن إلْيَاس بن مُضر هم
مزينة
(2/184)
(هَذَا بَاب مَا يُضَاف إِلَيْهِ من الْعدة
من الْأَجْنَاس وَمَا يمْتَنع من الْإِضَافَة)
اعْلَم أَنه كل مَا كَانَ اسْما غير نعت فإضافة الْعدَد إِلَيْهِ
جَيِّدَة وَذَلِكَ قَوْلك عِنْدِي ثَلَاثَة أجمالٍ وَأَرْبَعَة أينق
وَخَمْسَة دراهمَ وَثَلَاثَة أنفس فَإِن كَانَ نعتا قبح ذَلِك فِيهِ
إِلَّا أَن يكون مضارعا للاسم وَاقعا موقعه وَذَلِكَ قَوْلك عِنْدِي
ثَلَاثَة قريشيين وَأَرْبَعَة كرام وَخَمْسَة ظرفاء هَذَا قَبِيح
حَتَّى تَقول ثَلَاثَة رجال قريشيين وَثَلَاثَة رجال كرام وَنَحْو
ذَلِك فَأَما الْمُضَارع للأسماء فنحو جَاءَنِي ثَلَاثَة أمثالك
وَأَرْبَعَة أشباه زيد كَمَا قَالَ الله عز وَجل {من جَاءَ
بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا} وَقد قرئَ {فَلهُ عشر
أَمْثَالهَا} فَهَذِهِ الْقِرَاءَة المختارة عِنْد أهل اللُّغَة
وَالَّتِي بدأنا بهَا حَسَنَة جميلَة فَإِن كَانَ الَّذِي يَقع
عَلَيْهِ الْعدَد اسْما لجنس من غير الْآدَمِيّين لم يلاقه الْعدَد
إِلَّا بِحرف الْإِضَافَة وَكَانَ مجازه التَّأْنِيث لِأَن فعلة وَجمعه
على ذَلِك إِذا كَانَ مَعْنَاهُ الْجَمَاعَة أَلا ترى أَنَّك تَقول
الْجمال تسير وَالْجمال يسرن كَمَا قَالَ الله عز وَجل عِنْد ذكر
الْأَصْنَام {رب إنَّهُنَّ أضللن كثيرا من النَّاس} وعَلى هَذَا يجمع
كَمَا تَقول حمام وحمامات وسرداق وسرادقات
(2/185)
فَأَما الآدميون فَإِن الْمُذكر مِنْهُم
يجْرِي على جمعه التَّذْكِير لِأَن فعله على ذَلِك تَقول هم يضْربُونَ
زيدا وينطلقون فَلذَلِك تَقول مُسلمُونَ ومنطلقون وَنَحْوه وعَلى هَذَا
تَقول هم الرِّجَال وَلَا يَقع مثل هَذَا إِلَّا لما يعقل فَإِن قلت
هِيَ الرِّجَال صلح على إرادتك هِيَ جمَاعَة الرِّجَال كَمَا تَقول
هِيَ الْجمال فَأَما هم فَلَا يكون إِلَّا لما يعقل فَإِذا أضفت إِلَى
اسْم جنس من غير الْآدَمِيّين قلت عِنْدِي ثَلَاث من الْإِبِل وَثَلَاث
من الْغنم وَتقول عِنْدِي ثَلَاث من الْغنم ذُكُور وَثَلَاث من الشَّاء
ذُكُور وَكَذَلِكَ مَا أشبه هَذَا لِأَنَّك إِنَّمَا قلت ذُكُور بعد
أَن أجريت فِي اسْمه التَّأْنِيث أَلا ترى أَنَّك إِذا حقرت الْإِبِل
وَالْغنم قلت أبلية وغُنيمة وَتقول عِنْدِي ثَلَاثَة ذُكُور من الشَّاء
وَثَلَاثَة ذُكُور من الْإِبِل لِأَنَّك إِنَّمَا قلت من الْإِبِل وَمن
الشَّاء بعد أَن جرى فِيهِ التَّذْكِير كَمَا تَقول عِنْدِي ثَلَاثَة
أشخص ثمَّ تَقول من النِّسَاء لِأَنَّك أَجْرَيْنِ عَلَيْهِ
التَّذْكِير أَولا على لَفظه ثمَّ بنيت بعد مَا تَعْنِي وَتقول عِنْدِي
ثَلَاثَة أنفس وَإِن شِئْت قلت ثَلَاث أنفس أما التَّذْكِير فَإِذا
عنيت
(2/186)
بِالنَّفسِ الْمُذكر وعَلى هَذَا تَقول
عِنْدِي نفس وَاحِد وَإِن أردْت لَفظهَا قلت عِنْدِي ثَلَاث أنفس
لِأَنَّهَا على اللَّفْظ تصغر نفيسة وعَلى هَذَا قَوْله عز وَجل {يَا
أيتها النَّفس المطمئنة} وَقَالَ عز وَجل {أنْ تَقولَ نَفْسٌ يَا
حَسْرَتَا على مَا فَرَطتُ} وقرا رَسُول الله
{بلَى قد جاءتك آياتي فَكَذبت بهَا واستكبرت وَكنت} على مُخَاطبَة
النَّفس وَقَالَ {كل نفس ذائقة الْمَوْت} وَتقول ثَلَاثَة أَفْرَاس
وَثَلَاث أَفْرَاس لِأَن الْفرس يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى فَأَما
قَوْلك هَذِه عين الْقَوْم وَأَنت تَعْنِي الرجل بِعَيْنِه فلأنك
وَضعته مَوضِع الْعين بِعَينهَا فأقمته ذَلِك الْمقَام وَلَو سميت رجلا
عينا لقت فِي تصغيره عُيين فَإِنَّمَا هَذَا بِمَنْزِلَة قَوْلك
للْمَرْأَة مَا أَنْت إِلَّا رُجيل وللرجل مَا أَنْت إِلَّا مريئة
لِأَنَّك تقصد قصد الشَّيْء بِعَيْنِه فقس مَا رَود عَلَيْك من هَذَا
تصب إِن شَاءَ الله فَأَما تسميتهم الرجل عُيينة وأذينة فَإِنَّمَا
سموا بهما بعد أَن صغرتا فِي موضعهما وَلَو سميت الرجل أذنا ثمَّ صغرته
لقت أذين فَاعْلَم
(2/187)
(هَذَا بَاب الْجمع لما يكون من
الْأَجْنَاس على فعلة)
اعْلَم أَنه مَا كَانَ من ذَلِك اسْما فَإنَّك إِذا جمعته بِالْألف
وَالتَّاء حركت أوسطه لتَكون الْحَرَكَة عوضا من الْهَاء المحذوفة
وَتَكون فرقا بَين الِاسْم والنعت وَذَلِكَ قَوْلك فِي طَلْحَة طلحات
وَفِي جَفْنَة جفنات وَفِي صفحة صفحات وَكَذَلِكَ جَمِيع هَذَا الْبَاب
قَالَ الشَّاعِر
(لنا الجَفَناتُ الغُرُّ يلمعن فِي الضُحى ... وأسيافُنا يَقْطُرْنَ
مِنْ نَجْدَةٍ دَمًا)
وَقَالَ الآخر
(نَضَّرَ اللهُ أعظُماً دَفَنُها ... بِسِجِسْتانَ طَلْحَةَ
الطَلَحاتِ)
(2/188)
فَهَذَا إِنَّمَا يكون فِي المفتوح على
هَذِه الْهَيْئَة الْوَاحِدَة لِأَن الْفَتْح أخف الحركات - فَإِن
كَانَ الِاسْم على فعلة فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه إِن شِئْت قلت فعلات
وأتبعت الضمة الضمةَ كَمَا أتبعت الفتحة الفتحةَ وَإِن شِئْت جمعته على
فعلات فأبدلت من الضمة إِلَى الفتحة لخفتها وَإِن شِئْت أسكنت فَقلت
فعْلات كَمَا تَقول فِي عضُد عضْد وَفِي رسل رُسْل قَالَ الله عز وَجل
{وَلَا تتبعوا خطوَات الشَّيْطَان} وواحدها خطْوَة وَقَالَ الشَّاعِر
(وَلَما رأوْنا بادياً رُكُباتُنا ... على مَوطنِ لَا تَخْلُطُ الجِدِّ
بالهَزَلِ)
ينشدون ركباتنا وركباتنا وَهَذِه الْآيَة تقْرَأ على الْأَوْجه
الثَّلَاثَة وَذَلِكَ قَوْله {فِي الظلُمات والظلَمات والظلْمات}
(2/189)
وَمَا كَانَ على فعلة فَفِيهِ ثَلَاثَة
أوجه أَحدهمَا فعلات تتبع الكسرة الكسرةَ وَإِن شِئْت قلت فعلات فتبدل
الفتحة من الكسرة كَمَا أبدلتها من الضمة وَإِن شِئْت قلت فعلان وأسكنت
كَمَا قلت فِي إبل إبْل وَفِي فخِذ فخْذ لاستثقال الكسرة وَذَلِكَ
قَوْلك سِدْرَة وسدرات وقربة وقربات فَإِن استثلقت قلت سدَرات وقِرَبات
وَفِي الإسكان سدْرات وقرْبات وَأما النعوت فَإِنَّهَا لَا تكون أَلا
سَاكِنة للفصل بَين الِاسْم والنعت وَذَلِكَ قَوْلك ضخمة وضخمات وعبلة
وعبلات وخدلة وخدلات وَأما قَوْلهم فِي بني أُميَّة الْأَصْغَر العبلات
فَإِنَّمَا قصدُوا إِلَى عبلة وَهُوَ اسْم وَأما قَوْلهم فِي جمع ربعَة
ربعات فِي قَوْلهم امْرَأَة ربعَة وَرجل ربعَة فَلِأَنَّهُ يجْرِي
عِنْدهم مجْرى الِاسْم إِذا صَار يَقع للمؤنث والمذكر على لفظ وَاحِد
بِمَنْزِلَة قَوْلك فرس
(2/190)
للذّكر وَالْأُنْثَى كَذَلِك إِنْسَان
ويعبر يَقع على الْمُذكر والمؤنث وَإِن كَانَ فِي اللَّفْظ مذكرا كَمَا
أَن ربعَة فِي اللَّفْظ مؤنث وَهُوَ يَقع على الْمُذكر الْمُؤَنَّث
فبعير يَقع عَلَيْهِمَا ومجازه فِي الْإِبِل مجَاز قَوْلك إِنْسَان
وجمل يجْرِي مجْرى رجل وناقة يجْرِي مجري امْرَأَة وأنشدني الزيَادي
عَن الْأَصْمَعِي لأعرابي
(لَا تَشْتَري لَبنِ البعيرِ وعِنْدَنا ... عَرَقُ الزجاجَةِ واكفُ
المِعْصارِ)
وَأما قَوْلهم شَاة لجبة وَشاء لجباب فَزعم سِيبَوَيْهٍ أَنهم
يَقُولُونَ لجبة ولجَبة وَإِنَّمَا قَالُوا لجَبات على قَوْلهم لجَبة
(2/191)
وَقَالَ قوم بل حرك لِأَنَّهُ لَا يلتبس
بالمذكر لِأَنَّهُ لَا يكون إِلَّا فِي الْإِنَاث وَلَو أسْكنهُ مسكن
على أَنه صفة كَانَ مصيبا وَقد جَاءَ فِي الْأَسْمَاء بالإسكان فِي
فعلة أنشدوا لذِي الرمة
(ورَفْضاتُ الْهوى فِي المفاصلِ ... )
وَهُوَ جمع رفضة
(2/192)
(هَذَا بَاب مَا جَاءَ من هَذَا فِي ذَوَات
الْيَاء وَالْوَاو الَّتِي يائتهن وواواتهن لامات)
وَذَلِكَ قَوْلك فِي رمية رميات وَفِي غَزْوَة غروات وَفِي قشوة قشوات
كَمَا تَقول فِي فعلة نَحْو حَصَاة وقناة حَصَيَات وقنوات لِأَنَّك لَو
حذفت لالتقاء الساكنين لالتبس بفعال من غير المعتل فَجرى هَا هُنَا
مجْرى غزوا ورميا لِأَنَّك لَو ألحقت ألف غزا وَألف رمى ألف
التَّثْنِيَة للزمك الْحَذف لالتقاء الساكنين فَالْتبسَ الِاثْنَان
بِالْوَاحِدِ فَكنت تَقول للاثنين غزا وَرمى فَلَمَّا كَانَ هَذَا على
مَا ذكرت لَك لم يحذف فَأَما مَا كَانَت الْيَاء وَالْوَاو مِنْهُ فِي
مَوضِع الْعين فَإِن فِيهِ اخْتِلَافا أما الأقيس وَالْأَكْثَر فِي
لُغَات جَمِيع الْعَرَب فَأن تَقول فِي بَيْضَة بيضات وَفِي جوزة جوزات
وَفِي لوزة لوزات وَأما هُذَيْل بن مدركة خَاصَّة فَيَقُولُونَ جوَزات
وبيَضات ولوَزات على منهاج غير المعتل وَلَا يقلبون وَاحِدَة مِنْهُمَا
ألفا فَيُقَال أَلَيْسَ حق الْوَاو وَالْيَاء إِذا كَانَت كل وَاحِدَة
مِنْهُمَا فِي مَوضِع حَرَكَة أَن تقلب ألفا إِذا كَانَ مَا قبلهَا
مَفْتُوحًا
(2/193)
فَيَقُول من يحْتَج عَنْهُم إِنَّمَا حركت
هَذِه الْيَاء وَهَذِه الْوَاو لِأَن الْبَاب وَقع اسْما متحركا
وَألْحق المعتل بِالصَّحِيحِ لِئَلَّا يلتبس النَّعْت بالمنعوت أجْرى
هَذَا الْبَاب فِي ترك الْقلب مجْرى خونة وحوكة لِئَلَّا يلتبس بِمَا
أَصله فعلة نَحْو دارة وقارة إِذا قلت دارات وقارات فصح هَذَا لِأَن
أَصله السّكُون كَمَا صَحَّ العور وَالصَّيْد وعور وصيد لِأَن أصل
الْفِعْل افْعَل وَاعْلَم أَنه مَا كَانَ من هَذَا مضموم الأول مِمَّا
واوه أَو ياؤه لَام أَو مكسور الأول فَلهُ أَحْكَام نذكرها مفسرة إِن
شَاءَ الله أما مَا كَانَ من الْوَاو مضموم الأول نَحْو غدْوَة ورشوة
فَإنَّك تَقول فِيهِ رشوات وغدوات وَمن قَالَ ظُلمات قَالَ رشوات
وغدوات وَمن قَالَ ظلمات قَالَ رشوات وغدوات وَمن كَانَ يَقُول رشوة
فيكسر أَوله وَيَقُول غدْوَة فَإِنَّهُ لَا يجوز لَهُ أَن يَقُول فِيهِ
مَا قَالَ فِي سدرات وكسرات لِأَنَّهُ يلْزمه قلب الْوَاو يَاء فتلتبس
بَنَات الْوَاو ببنات الْيَاء وَلكنه يسكن إِن شَاءَ وَيفتح إِن شَاءَ
فَيَقُول رشوات ورشَوات وَكَذَلِكَ عدوة وَمَا أشبههَا وَمن قَالَ مدية
فَإِنَّهُ لَا يجوز لَهُ جمعهَا على منهاج قَوْله ظُلمات لِأَنَّهُ
يلْزمه قلب الْيَاء واوا وَلَكِن يسكن إِن شَاءَ فَيَقُول مُديات وَإِن
شَاءَ فتح فَهَذَا الْعَارِض الَّذِي يدْخل فِي بَنَات الْوَاو
وَالْيَاء ومجرى الْبَاب وَأَصله مَا ذكرت لَك
(2/194)
(هَذَا بَاب الْجمع لما كَانَ على ثَلَاثَة
أحرف)
أما مَا كَانَ من غير المعتل على فعل فَإِن بَابه فِي أدنى الْعدَد أَن
يجمع على أفعل وَذَلِكَ قَوْلك كلب وأكلب وفلس وأفلس فَإِن جَاوَزت
إِلَى الْكثير خرج إِلَى فعال أَو فعول وَذَلِكَ قَوْلك كلاب وكعاب
وفراخ وفروخ وفلوس فَهَذَا هُوَ الْبَاب فَأَما مَا جَاءَ على أَفعَال
فنحو فَرد وأفراد وفرخ وأفراخ كَمَا قَالَ الشَّاعِر
(2/195)
(مَاذَا تقولُ لأفراخٍ بِذِي طَلَحٍ ...
حُمْرِ الحواصِلِ لَا ماءٌ وَلَا شجرٌ)
وزنذ وأزناد كَمَا قَالَ الشَّاعِر
(وُجدْتَ - إِذا اصطَلَحوا - خَيْرَهُمْ ... وَزِنْدُكَ اثْقَبُ
ازنادها)
فمشبه بِغَيْرِهِ خَارج عَن بَابه وَكَذَلِكَ مَا كَانَ على فعلة نَحْو
فقع وفقعة وجبءٍ وجباةٍ وَكَذَلِكَ مَا كَانَ على فعلان نَحْو حجل
وحجلان ورأل ورئلان وَمَا كَانَ على فعلان نَحْو ظهر وظهران وبطن
وبطنان وَسَنذكر لم جَازَ أَن يَجِيء على هَذِه الْأَبْنِيَة
الْخَارِجَة عَن الأَصْل عِنْد ذكرنَا النعوت إِن شَاءَ الله وَمَا
كَانَ على فعل فَإِن أدنى الْعدَد فِيهِ أَفعَال نَحْو جذع وأجذاع
وَعدل وأعدال وبئر وأبار
(2/196)
فَإِذا جَاوَزت أدنى الْعدَد فبابه فعول
نَحْو لص لصوص وجذع وجذوع وَحمل وحمول وَقد تَجِيء على فعال لِأَنَّهَا
أُخْت فعول نَحْو بئار وذئاب وَأما مَا يَجِيء على أفعل نَحْو ذِئْب
وأذوب فداخل على بَاب فعل وَهُوَ نَظِير مَا جَاءَ من فعل على أَفعَال
وَكَذَلِكَ ذؤبان إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَة ظهران وَقَول حسل وحسلة
إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَة فقعة كل ذَلِك خَارج عَن بَابه وَمَا كَانَ
من هَذَا على فعل فأدنى الْعدَد فِيهِ أَفعَال وَذَلِكَ نَحْو قفل
وأقفال وجند وأجناد وَحجر وأحجار كم قَالَ
(كِرامٌ حينَ تُنْكفِتُ الأفَاعِي ... إِلَى أحْجارهنَّ منَ الصَّقِعِ)
(2/197)
فَإِذا جَاوَزت أدنى الْعدَد فبابه فعول
نَحْو جنود وَخُرُوج والمضعف يَجِيء على فعال لأَنهم يكْرهُونَ
التَّضْعِيف وَالضَّم وَذَلِكَ قَوْلك خف وخفاف وقف وقفاف وَأما مَا
جَاءَ مِنْهُ مثل جُحر وجحرة وَحب وحببة فبمنزلة فقعة فِي بَابه وحسلة
فِي بَابه وَسَنذكر كل مَا خرج من شَيْء من هَذِه الْأَبْوَاب عَن
أَصله إِن شَاءَ الله أما مَا كَانَ من فعل من بَنَات الْيَاء
وَالْوَاو فَإِنَّهُ إِذا أُرِيد بِهِ ادنى الْعدَد جمع على أَفعَال
كَرَاهِيَة للضم فِي الْوَاو وَالْيَاء لَو قلت أفعل وَذَلِكَ قَوْلك
ثوب وأثواب وسوط وأسواط وَالْيَاء نَحْو بَيت وأبيات وَشَيخ وأشياخ
وَقيد وأقياد فَإِذا جَاوَزت أدنى الْعدَد كَانَت بَنَات الْوَاو على
فعال كَرَاهِيَة لفعول من أجل الضمة وَالْوَاو وَذَلِكَ قَوْلك سَوط
سياط وحوض وحياض وثوب وَثيَاب
(2/198)
وَكَانَت بَنَات الْيَاء على فعول لِئَلَّا
تَلْتَبِس إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى وَكَانَت الضمة مَعَ الْيَاء أخف
وَذَلِكَ قَوْلك بَيت وبيوت وَشَيخ وشيوخ وَقيد وقيود فَأَما قَوْلهم
فِي عين أعين فَإِنَّهُ جَاءَ على الأَصْل مثل كلب وأكلب وأعيان على
الْبَاب كَمَا قَالَ الشَّاعِر
(ولكنِّما أغدُو عليَّ مُفاضَةٌ ... دلاصٌ كأعيانِ الجَرادِ
المُنَظَمِ)
وَقَالَ آخر
(فَقَدْ أرُوعُ قُلوبَ الغَانياتِ بِهِ ... حتَّى يَملْنَ بأجيادٍ
وأعْيَانِ)
وَإِذا أضطر شَاعِر جَازَ أَن يَقُول فِي جَمِيع هَذَا افْعَل
لِأَنَّهُ الأَصْل كَمَا قَالَ الشَّاعِر
(لِكُلِّ عَيْشٍ قّدْ لَبِستُ أثْوباً)
وَمَا كَانَ من الصَّحِيح على فعل فَإِن بَاب جمعه أَفعَال نَحْو جمل
وأجمال وقتب وأقتاب وصنم وأصنام وَأسد وآساد قَالَ الشَّاعِر
(2/199)
(آسادُ غِيلٍ حينَ لَا مناصِ ... )
فَهَذَا بَاب جمعه وَقد يَجِيء على فعول نَحْو أسود وَكَذَلِكَ فعال
نَحْو جمال وَيَجِيء على فعلان نَحْو خرب وخربان وعَلى أفعل نَحْو أجبل
وأزمن قَالَ الشَّاعِر
(إنّي لأكْني بأجبالٍ عَنَ اجبُلِها ... وباسمِ أودِيَةٍ عَن ذِكْرِ
واديها)
وَقَالَ آخر
(أمَنْزِلَتيّ ميِّ سَلاّمٌ عَلَيْكُمَا ... هَلِ الأزْمُنِ اللائى
مَضَيْنَ رواجعُ)
فَيخرج إِلَى ضروب من الْجمع مِنْهَا فعلان كَقَوْلِك حمل وحملان
وَكَذَلِكَ فعلان كَقَوْلِك ورل وورلان فَأَما الْبَاب وَالْأَصْل
فَمَا صدرنا بِهِ وَكَذَلِكَ فعل بَابه أَفعَال لِأَنَّهُ كَفعل فِي
الْوَزْن وَإِن خَالفه فِي حَرَكَة الثَّانِي نَحْو كتف وأكتاف وفخذ
وأفخاذ وكبد وأكباد
(2/200)
وَتخرج إِلَى فعول نَحْو كبود وكروش وَهُوَ
أقل من فعل فَالْأَصْل ألزم وَيكون كَذَلِك فعل نَحْو عضد وأعضاد وَعجز
وأعجاز وَيخرج إِلَى فعال نَحْو رجل وَرِجَال وَسبع وسباع كَمَا
قَالُوا جمال وَنَحْوه وَلم يَقُولُوا أرجال لقَولهم فِي أدنى الْعدَد
رجلة وَمن كَلَامهم الِاسْتِغْنَاء عَن الشَّيْء بالشَّيْء حَتَّى يكون
المستغنى عَنهُ مسْقطًا وَلَو احْتَاجَ شَاعِر لجَاز أَن يَقُول فِي
رجل أرجال وَفِي سبع أَسْبَاع لِأَنَّهُ الأَصْل وَقد يكون الْبناء فِي
الأَصْل للأقل فيشركه فِيهِ الْأَكْثَر كَمَا تَقول أرسان وأقتاب فَلَا
يكون جمع غَيره وَقد يكون الْبناء للْأَكْثَر فيشركه الْأَقَل كَمَا
تَقول شسوع وسباع فَيكون لكل الْأَعْدَاد وَإِنَّمَا اخْتلف الْجمع
لِأَنَّهَا أَسمَاء فَيَقَع الِاخْتِلَاف فِي جمعهَا كالاختلاف فِي
أفرادها أَلا أَنا ذكرنَا الْبَاب لندل على مَا يلْزم طَريقَة وَاحِدَة
وَالسَّبَب فِي اخْتِلَاف مَا فَارقهَا
(2/201)
وَيكون على فعل فَيلْزمهُ أَفعَال
لِأَنَّهُ فِي الْوَزْن بِمَنْزِلَة مَا قبله وَإِن اخْتلفت الحركات
وَذَلِكَ قَوْله ضلع وأضلاع وعنب وأعناب وَهَذَا قَلِيل جدا وَقد خرج
إِلَى فعول كَمَا قَالُوا أسود ونمور وَذَلِكَ قَوْلك صلع وضلوع وَيكون
على أفعل كَمَا جَاءَ أزمن وأجبل وَذَلِكَ قَوْلك أضلع فَأَما مَا
كَانَ على فعل فَإِنَّهُ مِمَّا يلْزمه أَفعَال وَلَا يكَاد يجاوزها
وَذَلِكَ قَوْلك عنق وأعناق وطنب وأطناب وَأذن وآذان وَقد يَجِيء من
الْأَبْنِيَة المتحركة والساكنة من الثَّلَاثَة جمع على فعل وَذَلِكَ
قَوْلك فرس ورد وخيل ورد وَرجل ثط وَقوم ثط وَتقول سقف وسُقُف وَإِن
شِئْت حركت كَمَا قَالَ الله عز وَجل {لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم
سقفا} وَقَالُوا رَهن ورٌ هُن وَكَانَ أَبُو عَمْرو يقْرؤهَا {فَرُهُنٌ
مَقْبُوضَةٌ} وَيَقُول لَا أعرف الرِّهَان إِلَّا فِي الْخَيل وَقد قرا
غَيره {فَرِهَانٌ مَقبوضَةُ}
وَمن كَلَام الْعَرَب الْمَأْثُور غلقت الرِّهَان بِمَا فِيهَا
(2/202)
وَقَالُوا أَسد ونمر قَالَ الشَّاعِر
(فِيهَا عيا ئيلُ أسودٍ ونُمُرْ ... )
فَأَما فعل فَلم يَأْتِ مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل قَالُوا إبل وآبال
وإطل وآطال فَهَذَا حكم المتحركة من الثَّلَاثَة إِلَّا فعلا فَإِن
لَهُ نَحوا آخر لِخُرُوجِهِ عَن جَمِيع المتحركات وَأَنه مَا عدل عَن
فَاعل فإليه يعدل فَلهُ نَحْو آخر فَأَما غير هَذَا من الْأَبْنِيَة
نَحْو فِعُلٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْء من الْكَلَام وَكَذَلِكَ فعِل
لَا يكون فِي الْأَسْمَاء إِنَّمَا هُوَ بِنَاء مُخْتَصّ بِهِ الْفِعْل
الَّذِي لم يسم فَاعله نَحْو ضرب وَقتل إِلَّا أَن تكون سَاكن الْوسط
نَحْو ردَّ وَقيل فَهُوَ بِمَنْزِلَة كرٍّ وفيلٍ وَمَا أشبه ذَلِك
فَأَما فعل فَإِن جمعه اللَّازِم لَهُ فعلان وَذَلِكَ قَوْلك صرد
وصردان ونغر ونغران وَجعل وجعلان هَذَا بَابه
(2/203)
وَقد جَاءَ مِنْهُ شَيْء على أَفعَال شبه
بِسَائِر المتحركات من الثَّلَاثَة وَذَلِكَ ربع وأرباع وهبع وأهباع
فَهَذَا الَّذِي ذكرت لَك من اخْتِلَاف الْجمع بعد لُزُوم الشَّيْء
لبابه إِذْ كَانَ مجَاز الْأَسْمَاء وَكَانَت الْأَسْمَاء على ضروب من
الْأَبْنِيَة وَأما مَا كَانَ من المعتل متحركا نَحْو بَاب وَدَار وقاع
وتاج فَإِن أدنى الْعدَد فِي ذَلِك أَن تَقول فِيهِ أَفعَال نَحْو بَاب
وأبواب وتاج وأتواج وجار وأجوار وقاع وأقواع فَأَما دَار فَإِنَّهُم
استغنوا بقَوْلهمْ أدور عَن أَن يَقُولُوا افعال لِأَنَّهُمَا لأدنى
الْعدَد والمؤنث يَقع على هَذَا الْوَزْن فِي الْجمع أَلا تراهم
قَالُوا ذِرَاع وأذرع وكراع وأكرع وشمال وأشمل ولسان وألسن وَمن ذكر
اللِّسَان قَالَ أَلْسِنَة وَمن أنثها قَالَ السُن وَكَذَلِكَ نَار
وأنور قَالَ الشَّاعِر
(2/204)
(فَلَما فَقْدتُ الصوتَ منهُمْ وأُطفِئتُ
... مَصابيحُ شُبتْ بالعشاءِ وأنْورُ)
فَإِذا جَاوَزت أدنى الْعدَد فَإِن بَابه فعلان وَذَلِكَ قَوْلك نَار
ونيران وقاع وقيعان وتاج وتيجان فَهَذَا الأَصْل وَمَا دخل بعد فعلى
جِهَة التَّشْبِيه الَّذِي وصفت لَك وَأما قَوْلهم الْفلك للْوَاحِد
والفلك للْجَمِيع فَإِنَّهُ لَيْسَ من قَوْلهم شكاعي وَاحِدَة وشكاعي
كثير وبهمى وَاحِدَة وبهمى كثير وَلَكنهُمْ يجمعُونَ مَا كَانَ على فعل
كَمَا يجمعُونَ مَا كَانَ على فعل لِكَثْرَة اشتراكهما أَلا تراهم
يَقُولُونَ قلفة وقلْفة وصُلعة وصلعة ويلتقيان فِي أُمُور كَثِيرَة
فَمن قَالَ فِي أَسد آساد قَالَ فِي فلك أفلاك كَمَا تَقول فِي قفل
أقفال وَمن قَالَ فِي أَسد أسْد لزمَه أَن يَقُول فِي جمع فلك فُلك
وَنَظِير هَذَا مِمَّا عدده أَرْبَعَة أحرف قَوْلك دلاص للْوَاحِد
ودلاص للْجمع وهجان للْوَاحِد وهجان للْجمع وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذا
(2/205)
قَالَ فِي جمع فعيل أفعلة قَالَ فِي جمع
فعال أفعلة نَحْو رغيف أرغفة وجريب وأجربة فَيَقُول على هَذَا مداد
وأمدة وزمام وأزمة وعقال وأعقلة فَإِذا قَالَ فِي فعيل فعال نَحْو كريم
وكرام وظريف وظراف لزمَه أَن يَقُول فِي دلاص دِلاص وَفِي هجان هجان
إِذا أَرَادَ الْجمع ويدلك على أَنه لَيْسَ كَمثل شكاعي وَاحِد وشكاعي
جمع قَوْلهم دلاصان وهجانان قَالَ الشَّاعِر
(ألمْ تَعْلَما أنَّ المَلامَةَ نَفْعُها ... قليلٌ وَمَا لَومْي أخي
مِنْ شِماليا)
يُرِيد من شمائلي فَجمع فعالا على فعال وَقَالَ الآخر
(2/206)
(أَبى الشَّتمُ أنَّي قَدْ أَصَابُوا
كَرِيمَتي ... وأنْ ليسَ إهداءُ الْخَنَا من شماليا)
فَهَذَا مَا ذكرت لَك من لواحق الْجمع وَإِنَّمَا الْبَاب مَا صدرنا
بِهِ فِي جَمِيع ذَلِك وَاعْلَم أَن هَذِه الْمَخْلُوقَات أَجنَاس
وبابها أَلا يكون بَين وَاحِدهَا وَجَمعهَا إِلَّا الْهَاء وَذَلِكَ
قَوْلك برة وبر وشعيرة وشعير وحصاة وحصى وَكَذَلِكَ سَمَكَة وسمك وبقرة
وبقر وَطَلْحَة وطلح وشجرة وَشَجر ونخلة ونخل فَإِن كَانَ مِمَّا يعمله
النَّاس لم يجر هَذَا المجرى لَا يَقع مثل هَذَا فِي جَفْنَة وصحفة
وقصعة وَقد يَقُولُونَ فِي مثل سِدْرَة وَسدر ودرة ودر سدر ودرر فالباب
مَا ذكرت لَك وَلَكِن شبه للوزن بظلمة وظلم وكسرة وَكسر قَالَ
الشَّاعِر
(2/207)
(كأنَّها دُرَةٌ مُنَعَّمَةٌ ... فِي نسوةٍ
كُنًّ قَبْلَها دُررا)
وَكَذَلِكَ تومة وتوم وَإِن لم يكن مرئيا محدودا بالبصر قَالَ
الشَّاعِر
(وكُنّا كَالحَريقِ أصَاب غابا ... فَيخْبو سَاعَة ويَهبُ ساعا)
وَالْأَرْبَعَة فِي هَذَا بِمَنْزِلَة الثَّلَاثَة زَوَائِد كَانَت أَو
بِغَيْر زَوَائِد تَقول فِيمَا كَانَ بِغَيْر زَوَائِد جعثنة وجعثن
وخمخمة وخمخم وقلقلة وقلقل وَفِي الزَّوَائِد نَحْو شعيرَة وشعير
وقبيلة وقبيل وَمَا ذكرت لَك من قَلِيل هَذَا يدل على كثير
(2/208)
(هَذَا بَاب مَا يجمع مِمَّا عدَّة حُرُوفه
أَرْبَعَة)
أما مَا كَانَ من ذَلِك على فعيل فَإِن أدنى الْعدَد أَفعلهُ وَذَلِكَ
قَوْلك قفيز وأقفزة وجريب واجربة ورغيف وأرغفة فَإِذا جَاوَزت أدنى
الْعدَد فَإِنَّهُ يَجِيء على فعل وعَلى فعلان نَحْو قضيب وقضب ورغيف
ورغف وكثيب وكثب وَيُقَال أَيْضا رغفان وكثبان وقضبان فَهَذَا بَابه
وَقد تكون الْأَسْمَاء من هَذَا على فعلاء نَحْو نصيب وأنصباء وصديق
وأصدقاء لِأَنَّهُ يجْرِي مجْرى الْأَسْمَاء وخميس وأخمساء فَإِن كَانَ
مضاعفا أَو مُعْتَلًّا فَهُوَ يجْرِي على افعلاء أَيْضا كَرَاهِيَة أَن
تعتور
(2/209)
الحركات حُرُوف اللين أَو يذهب التَّشْدِيد
فِيهَا فيضاعف الْحَرْف وَإِنَّمَا وَقع الْإِدْغَام تَخْفِيفًا
فالمضاعف نَحْو شَدِيد وأشداء وعزيز وأعزاء وحديد وأحداء من قَوْلك
هَذَا رجل حَدِيد وَيكون الْوَصْف فِي ذَلِك كالاسم وَأما ذَوَات
الْوَاو وَالْيَاء فنحو نَبِي أَنْبيَاء شقي أشقياء غَنِي أَغْنِيَاء
وتقي أتقياء وَمن قَالَ نبيءٌ فَاعْلَم قَالَ نبئاء لِأَن فعيلا إِذا
كَانَ نعتا فَمن أَبْوَاب جمعه فعلاء نَحْو كريم وكرماء وظريف وظرفاء
وجليس وجلساء قَالَ لشاعر
(يَا خاتِمَ النُبئاءِ إنكَ مُرْسَلٌ ... بالحقِّ كلُّ هُدى السبيلِ
هُداكا)
وَيكون من جمعه فعال نَحْو كريم كرام وظريف ظراف وطويل وطوال فَأَما
مَا جمع فِي الْأَسْمَاء على فعلان فنحو ظليم وظالمان وقضيب وقضبان
فَلَيْسَ من أصل الْبَاب وَلكنه على مَا ذكرت لَك وأخرجهم إِلَى ذَلِك
أَنه فِي معنى فعال لِأَنَّهُمَا يقعان لشَيْء وَاحِد تَقول طَوِيل
وطوال وخفيف وخفاف وسريع وسراع قَالَ الشَّاعِر
(2/210)
(أينَ دُريدٌ وَهُوَ ذُو براعة ... تعدو
بهِ سَلْهَبَةٌ سُراعة)
ثوب رَقِيق ورقاق وَهَذَا اكثر من أَن يُحْصى وَجمع فعال فِي أدنى
الْعدَد كجمع فعيل وَكَذَلِكَ كل مَا كَانَ على أَرْبَعَة أحرف وثالثه
حرف لين تَقول غراب وأغربة وذباب وأذبة فَإِذا أردْت الْكثير قلت غربان
وعقبان فَأَما غُلَام فيستغني أَن يُقَال فِيهِ اغلمة بقَوْلهمْ غلمة
لِأَنَّهُمَا لأدنى الْعدَد ومجازهما وَاحِد إِلَّا أَنَّك حذفت
الزِّيَادَة فَإِذا حقرت غلمة فالأجود أَن ترده إِلَى بنائِهِ فَتَقول
أغليمة وَكَذَلِكَ صبية وَلَو قلت صُبيّة وغليْمة على اللَّفْظ كَانَ
جيدا حسنا كَمَا قَالَ الشَّاعِر
(2/211)
(صُبَيَّةٌ على الدُخانِ رُمكا ... مَا إنْ
عدا أكبَرُهُم أنْ زكَّا)
يُقَال زك زكيكا إِذا درج وَقد قيل زقاق زقّان وَلَكِن بَاب جمع فعال
فِي الْعدَد الْكثير فعلان كَمَا أَن بَاب جمع فعيل فعلان نَحْو ظليم
وظلمان وقضيب وقضبان فَأدْخل كل وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه فباب فعيل
فِي الْأَسْمَاء على مَا وصفت لَك وَقد يَجِيء على فعل كَمَا ذكرت لَك
قضيب ورُغُف وكُثُب فَأَما قَوْلهم جدد وسرر فِي جمع جَدِيد وسرير
فَإِن الأَصْل وَالْبَاب جدد وسرر وَإِنَّمَا فتح لكَرَاهَة
التَّضْعِيف مَعَ الضمة وَاعْلَم أَن فعالا وفِعالا وفُعالا وفَعيلا
وفَعولا ترجع فِي الْجمع فِي أدنى الْعدَد إِلَى شَيْء وَاحِد
لِأَنَّهَا مستوية فِي أَنَّهَا من الثَّلَاثَة وَأَن ثَالِثهَا حرف
لين أَلا ترى أَنَّك تَقول قذاك
(2/212)
واقذلة وغزال واغزلة وَتقول غزلان كَمَا
تَقول فِي غراب غربان وَتقول قذل كَمَا تَقول جرب وكثب وَتقول فِي
عَمُود أعمدة وَعمد وَفِي رَسُول رسل فمجرى هَذَا كُله وَاحِد فَإِن
ترك مِنْهُ شَيْء مَا فللاستغناء عَنهُ بِغَيْرِهِ فَإِن جَاءَ مِنْهُ
شَيْء على غير الْمِنْهَاج الَّذِي وصفت لَك فعلى تَسْمِيَة الْجمع
الَّذِي ذكرنَا فَمن ذَلِك قَوْلهم عَمُود وَعمد وأديم وأدم وأفيق وأفق
وَاعْلَم أَنه مَا كَانَ من الْجمع على مِثَال فعل أَو كَانَ وَاحِدًا
فَإِن الإسكان جَائِز كَمَا جَازَ إسكان الْحَرَكَة فِي عضد هربا من
الضمة وَذَلِكَ قَوْلك رسل رغف وَمَا أشبه ذَلِك وَاعْلَم أَن قَوْلهم
فصيل وفصال وقلوص وقلاص إِنَّمَا جَاءَ على وزن فعال وفعال إِنَّمَا
يكون جمع مَا كَانَ وَصفا نَحْو كريم وكرام وظريف وظراف ونبيل ونبال
لِأَن ذَلِك
(2/213)
فِي الأَصْل كَانَ نعتا وَإِن جرى مجْرى
الْأَسْمَاء لِأَن الفصيل هُوَ حدث المفصول من أمه والقلوص مَا حدث
وَلم يسنن وَاعْلَم أَن قَوْلهم ظريف وظروف إِنَّمَا جمع على حذف
الزَّائِدَة وَهِي الْيَاء فجَاء على
(2/214)
مِثَال فلوس واسود وَكَذَلِكَ فَلَو وأفلاء
وعدو أَعدَاء إِنَّمَا جَاءَ على حذف الزِّيَادَة كَقَوْلِهِم عضد
وأعضاد فَهَذَا مَا ذكرت لَك من دُخُول الْجمع بعضه على بعض
(2/215)
(هَذَا بَاب جمع مَا لحقته الْهمزَة فِي
أَوله من الثَّلَاثَة)
وَذَلِكَ نَحْو افكل وأيدع وإصبع وإئمد وابلم فَهَذِهِ الْأَسْمَاء
كلهَا تجمع على أفَاعِل نَحْو أفاكل وأصابع وابالم وَكَذَلِكَ افْعَل
الَّذِي لَا يتم نعتا إِلَّا بِقَوْلِك من كَذَا يجْرِي مجْرى
الْأَسْمَاء تَقول الأصاغر الأكابر وكل افْعَل مِمَّا يكون نعتا سميت
بِهِ فَإلَى هَذَا يخرج تَقول الأحامر والأحامس وَمَا كَانَ من هَذَا
للآدميين لم يمْتَنع من الْوَاو وَالنُّون كَمَا قَالَ الله عز وَجل
{قَالُوا أنؤمن لَك واتبعك الأرذلون} و {قَلْ هلْ أُنَبِئكُمْ
بالأخْسَرينَ أعمالاً} فَهَذَا كُله على هَذَا ومؤنث افْعَل الَّذِي
يلْزمه من يكون على فعلى نَحْو الْأَصْغَر وَالصُّغْرَى والأكبر
والكبرى والأمجد والمجدى
(2/216)
وَجمعه بِالْألف وَالتَّاء تَقول الصغؤيات
والكبريات وتكسره على فعل لِأَن الْألف فِي آخِره للتأنيث فتكسر على
فعل فَتَقول الصُّغْرَى والصغر والكبرى وَالْكبر كَمَا تَقول ظلمَة
وظلم وغرفة وغرف فَإِن كَانَ أفعل نعتا مكتفيا فَإِن جمعه على فعل
سَاكن الْأَوْسَط وَذَلِكَ قَوْلك أَحْمَر وحمر واخضر خضر وأبيض وبيض
فَانْكَسَرت الْبَاء لتصح الْيَاء وَلَو كَانَ من الْوَاو لثبت على
لَفظه نَحْو أسود وسود وأحوى وحوٍ وَكَذَلِكَ مؤنثه تَقول حَمْرَاء
وحمر وصفراء وصفر فَإِن جعلت احمر اسْما جمعته بِالْوَاو وَالنُّون
فَقلت الأحمرون والأصفرون وَقلت فِي الْمُؤَنَّث حمراوان وصفراوات
وَجَاء عَن النَّبِي
(لَيْسَ فِي الخضروات
(2/217)
صَدَقةٌ) لِأَنَّهُ ذهب مَذْهَب الِاسْم
والخضروات فِي هَذَا الْموضع مَا أكل رطبا وَلم يصلح أَن يدّخر فيؤكل
يَابسا وَلَو سميت رجلا أَحْمَر لم يجز فِي جمعه حمر لِأَن هَذَا
إِنَّمَا يكون جمعا لما كَانَ نعتا وَلَكِن أحامر فَهَذَا جملَة هَذَا
الْبَاب وَمَا كَانَ من الْأَسْمَاء على فَاعل فَكَانَ نعتا فَإِن جمعه
فاعلون لِأَن مؤنثه تلْحقهُ الْهَاء فَيكون جمعه فاعلات وَذَلِكَ
قَوْلك ضَارب وضاربون وقائم وقائمون والمؤنث قَائِمَة وقائمات وصائمة
وصائمات فَهَكَذَا أَمر هَذَا الْبَاب فَإِن أردْت أَن تكسر الْمُذكر
فَإِن تكسيره يكون على فعل وعَلى فعال فَأَما فعل فنحو شَاهد وَشهد
وصائم وَصَوْم وفعال نَحْو ضَارب وضراب وَكَاتب وَكتاب وَلَا يجوز أَن
يجمع على فواعل وَإِن كَانَ ذَلِك هُوَ الأَصْل لِأَن فاعلة تجمع على
فواعل فكرهوا التباس البناءين وَذَلِكَ نَحْو ضاربة وضوارب وجالسة
وجوالس وَكَذَلِكَ جَمِيع هَذَا الْبَاب
(2/218)
وَقد قَالُوا فَارس وفوارس لِأَن هَذَا لَا
يكون من نعوت النِّسَاء فَأمنُوا الالتباس فَجَاءُوا بِهِ على الأَصْل
وَقد قَالُوا هَالك فِي الهوالك لِأَنَّهُ مثل مُسْتَعْمل والأمثال
تجْرِي على لفظ وَاحِد فَلذَلِك وَقع هَذَا على أَصله وَإِذا اضْطر
شَاعِر جَازَ أَن يجمع فَاعِلا على فواعل لِأَنَّهُ الأَصْل قَالَ
الشَّاعِر
(وَإِذا الرجالُ رأوْا يَزيد رأيْتُهم ... خُضُعَ الرقابِ نَواكِسِ
الأبصارِ)
فَأَما قَوْلهم عَائِذ وعوذ وَحَائِل وحول وهالك وهلكى وشاعر وشعراء
فمجموع على غير بَابه فَأَما مَا كَانَ من هَذَا على فعل فَإِنَّهُ
جَاءَ على حذف الزِّيَادَة كَمَا تَقول ورد وَورد وَأسد وأسْد وَأما
هلكى فَإِنَّمَا جَاءَ على مِثَال فعيل الَّذِي مَعْنَاهُ معنى
الْمَفْعُول لِأَن جمع ذَلِك يكون على فعلى نَحْو جريح وجرحى وصريع
وصرعى وَكَذَلِكَ جَمِيع هَذَا الْبَاب فَلَمَّا كَانَ هَالك إِنَّمَا
هُوَ بلَاء أَصَابَهُ كَانَ فِي مثل هَذَا الْمَعْنى فَجمع على فعلى
لِأَن مَعْنَاهُ معنى فعيل الَّذِي هُوَ مفعول وعَلى هَذَا قَالُوا
مَرِيض ومرضى لِأَنَّهُ شَيْء أَصَابَهُ وَأَنت لَا تَقول مرض وَلَا
ممروض
(2/219)
فَأَما قَوْلهم شَاعِر وشعراء فَإِنَّمَا
جَاءَ على الْمَعْنى لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة فعيل الَّذِي هُوَ فِي معنى
الْفَاعِل نَحْو كريم وكرماء وظريف وظرفاء وَإِنَّمَا يُقَال ذَلِك لمن
قد اسْتكْمل الظّرْف وَعرف بِهِ فَكَذَلِك جَمِيع هَذَا الْبَاب
فَلَمَّا كَانَ شَاعِر لَا يَقع إِلَّا لمن هَذِه صناعته وَكَانَ من
ذَوَات الْأَرْبَعَة بِالزِّيَادَةِ وَأَصله الثَّلَاثَة كَانَ
بِمَنْزِلَة فعيل الَّذِي ذكرنَا ففاعل وفعيل من الثَّلَاثَة وَفِي صنف
من هَذَا زَائِدَة وَهِي حرف اللين كَمَا هِيَ فِي الْبَاب الَّذِي
هُوَ مثله فَلذَلِك حمل أَحدهمَا على الآخر وَقد قَالُوا فِي فعيل
شرِيف وأشراف ويتيم وأيتام على حذف الزِّيَادَة كَمَا قَالُوا أقمار
وأصنام وَأما قَوْلهم خَادِم وخدم وغائب وغيب فَإِن هَذَا لَيْسَ بِجمع
فَاعل على صِحَة إِنَّمَا هِيَ أَسمَاء للْجمع وَلكنه فِي بَابه
كَقَوْلِك عَمُود وَعمد أفِيق وأفق وإهاب وَأهب وَلَو قَالُوا فعل
لَكَانَ من أَبْوَاب جمع فَاعل كَمَا أَنَّك لَو قلت فِي فعيل وفعول
وَجَمِيع بابهما فعل لَكَانَ الْبَاب نَحْو كتاب وَكتب وإهاب وَأهب
وعمود وَعمد وَكَذَلِكَ كَاتب وكتبة وعالم وعلمة وفاسق وفسقة
(2/220)
فَإِن كَانَ فَاعل من ذَوَات الْوَاو
وَالْيَاء الَّتِي هما فِيهِ لامان كَانَ جمعه على فعلة لِأَن فِيهِ
معاقبة لفعلة فِي الصَّحِيح وَذَلِكَ قَوْلك قَاض وقضاة وغاز وغزاة
ورام رُمَاة والمعتل قد يخْتَص بِالْبِنَاءِ الَّذِي لَا يكون فِي
الصَّحِيح مثله من ذَلِك أَن المعتل يكون على مثل فيعل وَلَا يكون مثل
ذَلِك فِي الصَّحِيح نَحْو سيد وميت وهين ولين وَنَحْو ذَلِك وَلَا
يكون فِي الصَّحِيح إِلَّا فيعل نَحْو جيدر وصيرف وَيَجِيء الْمصدر فِي
المعتل على فيعلولة \ وَلَا يكون مثل هَذَا فِي الصَّحِيح وَذَلِكَ
نَحْو كينونة وقيدودة وصيرورة فَهَذَا مَا ذكرت لَك من أَن المعتل
يخْتَص بِالْبِنَاءِ الَّذِي لَا يكون مثله فِي الصَّحِيح
(2/221)
(هَذَا الْبَاب جمع الْأَسْمَاء الَّتِي
هِيَ أَعْلَام من ثَلَاثَة)
اعْلَم أَنَّك لَو سميت رجلا عمرا أَو سَعْدا فَإِن أدنى الْعدَد فِي
أعمر وأسعد وَتقول فِي الْكثير عمور وسعود كَمَا كنت قَائِلا فلس وافلس
وفلوس وَكَعب وأكعب وكعوب قَالَ الشَّاعِر
(وشَيْدَ لي زُرارةُ باذِخات ... وعمْرُو الخَيْرِ إِذْ ذُكِرَ
العُمورُ)
وَقَالَ آخر
(رأيتُ سُعُودا مِنْ شُعوبٍ كَثيرَةٍ ... فَلم أرَ سعْدا مِثْلَ سعد
بنِ مالكِ)
فَأَما الْجمع بِالْوَاو وَالنُّون فَهُوَ لكل اسْم مَعْرُوف لَيْسَ
فِيهِ هَاء التَّأْنِيث
(2/222)
قَالَ الشَّاعِر
(أنَا ابنُ سَعْدِ اكْرَمُ السُّعْدينا ... )
فَأَما مَا كَانَ مثل هِنْد فَإِن جمعه هندات وهِندات وهِنَدات كَمَا
قلت لَك فِي مثل كسرة فِي هَذِه اللُّغَات لِأَن هِنْد اسْم مؤنث
فجمعتها بِالتَّاءِ وَلم تكن فِيهَا هَاء وَكَذَلِكَ قدر وَلَو سميت
بهَا مؤنثا فَأَرَدْت تكسيره قلت أهناد وهنود كَمَا تَقول جذع وأجذاع
وجذوع وَفِي جمل أجمال وجمول قَالَ الشَّاعِر
(أخالدٌ قدْ عَلِقْتُكُ بَعْد هِنْدٍ ... فَشَيَبَني الخَوالدُ
والهنودُ)
فَإِن سميتها حملا وحُسنا قلت جُملات وحسنات كَمَا تَقول ظلمات وغرفات
وَتقول جملات وحسنات كَمَا تَقول ظلمات وغرفات وَتقول جملات وحسنات
كَمَا تَقول ظلمات وغرفات فَإِن قيل فِي هِنْد هِنْد مثل الْكسر
فَكَذَلِك جمل وَحسن مثل ظلم وغرف فجيد بَالغ وَلَو سميت امْرَأَة أَو
رجلا قدما لقت أَقْدَام كَمَا تَقول أصنام وأجمال لِأَن التكسير يجْرِي
فِي الْمُذكر والمؤنث مجْرى وَاحِدًا
(2/223)
فَإِن أردْت الْجمع الْمُسلم وعنيت مُذَكّر
قلت قدمون كَمَا تَقول فِي حسن اسْم رجل حسون وعَلى مَا بنيت لَك
يجْرِي فِي الْجمع الْمُسلم الْمُؤَنَّث فَكل مَا كَانَ يَقع على شَيْء
قبل التَّسْمِيَة فَإِن تكسيره بَاقٍ عَلَيْهِ إِذا سميت بِهِ فَأَما
الْجمع الْمُسلم فمنتقل بالتأنيث والتذكير وَلَو سميت امْرَأَة عبلة
أَو طَلْحَة لَقلت عبال وطلاح وَلم يجز أَن تَقول فِي طَلْحَة طلح
لِأَن الْجمع الَّذِي لَيْسَ بَينه وَبَين واحده إِلَّا الْهَاء
إِنَّمَا يكون للأنواع كَقَوْلِك تَمْرَة وتمر وسدرة وَسدر وشعيرة
وشعير وَلَو سميت رجلا بفخذ لَقلت فِي التكسير أفخاذ كَمَا كنت قَائِلا
قبل التَّسْمِيَة بِهِ فَأَما الْجمع الْمُسلم ففخذون فقس جَمِيع مَا
يرد عَلَيْك بِهَذَا تصب إِن شَاءَ الله
(2/224)
(هَذَا بَاب مَا كَانَ اسْما على فَاعل غير
نعت معرفَة أَو نكرَة)
اعْلَم ان مَا كَانَ من ذَلِك لآدميين فَغير مُمْتَنع من الْوَاو
وَالنُّون لَو سميت رجلا حاتما أَو عَاصِمًا لَقلت حاتمون وعاصمون
وَإِن شِئْت قلت حواتم وعواصم لِأَنَّهُ لَيْسَ بنعت فتريد أَن تفصل
بَينه وَبَين مؤنثه وَلكنه اسْم فَحكمه حكم الْأَسْمَاء الَّتِي على
أَرْبَعَة أحرف وَإِن كَانَ لغير الْآدَمِيّين لم تحلقه الْوَاو
وَالنُّون وَلَكِنَّك تَقول قوادم فِي قادم النَّاقة وَتقول سواعد فِي
جمع ساعد وَهَكَذَا جَمِيع هَذَا الْبَاب فَإِن قَالَ قَائِل فقد قَالَ
الله عز وَجل فِي غير الْآدَمِيّين {إِنِّي رَأَيْت أحد عشر كوكبا
وَالشَّمْس وَالْقَمَر رَأَيْتهمْ لي ساجدين} فَالْجَوَاب عَن ذَلِك
أَنه لما أخبر عَنْهَا بِالسُّجُود وَلَيْسَ من أفعالها وَإِنَّمَا
هُوَ من أَفعَال الْآدَمِيّين أجراها مجراهم لِأَن الْآدَمِيّين
إِنَّمَا جمعُوا بِالْوَاو وَالنُّون لِأَن أفعالهم على ذَلِك فَإِذا
ذكر غَيرهم بذلك الْفِعْل صَار فِي قياسهم الا ترى أَنَّك تَقول
الْقَوْم ينطلقون وَلَا تَقول الْجمال يَسِيرُونَ وَكَذَلِكَ قَوْله عز
وَجل {كٌ لٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحْونَ} لما أخبر عَنْهَا أَنَّهَا تفعل
وَإِنَّمَا حَقِيقَتهَا أَن يفعل بهَا فتجري كَانَت كَمَا ذكرت لَك
(2/225)
وَمن ذَلِك قَوْله {بل فعله كَبِيرهمْ
هَذَا فاسألوهم إِن كَانُوا ينطقون} وَمثله {قَالَت نملة يَا أَيهَا
النَّمْل ادخُلُوا مَسَاكِنكُمْ} لما جعلهَا مُخَاطبَة ومخاطِبة وكل
مَا جَاءَ من هَذَا قِيَاسه قَالَ الشَّاعِر
(تَمَزَزَّتُها والديكُ يَدعُو صَباحَهُ ... إِذا مَا بنُوا نَعْشٍ
دّنْوا فَتَصَوَّبُوا)
لما ذكرت من انه جعل الْفِعْل لهَذِهِ الْكَوَاكِب وعَلى هَذَا قَالَ
الشَّاعِر
(2/226)
(حتَّى يُقيدكَ مِنْ بنيهِ رَهيِنَةً ...
نَعْشٌ ويَرهِنَكَ السَّماكُ الفّرْقّدا)
فَقَالَ من بنيه لما خبر عَنهُ بِهَذَا الْفِعْل
(2/227)
(هَذَا بَاب مَا كَانَ على أَرْبَعَة أحرف
أَصْلِيَّة أَو فِيهَا حرف زَائِد)
اعْلَم أَن جَمِيعهَا كلهَا يكون على مِثَال مفاعل فِي الْوَزْن وَإِن
اخْتلفت موَاضعهَا وحركاتها تَقول فِي جَعْفَر جعافر وَفِي سهلب سلاهب
وَفِي جدول جداول وَفِي عَجُوز عَجَائِز وَفِي أسود إِذا جعلته اسْما
أساود كَمَا قَالَ الشَّاعِر
(أُسُودٌ شَرى لَا قَتْ أُسودَ خَفِيَةٍ ... تَساقَتْ على لَوحٍ دِماءَ
الأساوِدِ)
وَقَالُوا الأباطح والأبارق فِي جمع الأبطح والأبرق لِأَنَّهُمَا وَإِن
كَانَا نعتين قد أجريا مجْرى الْأَسْمَاء فِي مَعْنَاهَا
(2/228)
وَكَذَلِكَ الأدهم إِذا عنيت الْحَيَّة
فَهُوَ عِنْد مَصْرُوف وَلكنه يجْرِي مجْرى الْأَسْمَاء فِي مَعْنَاهُ
وَكَذَلِكَ الأدهم إِذا عنيت الْقَيْد قَالَ الشَّاعِر
(هوَ القَيْنُ وابنُ القَيْنِ لَا قيْنَ مِثْلَهُ ... لِفَطحِ المساحيِ
أوْ لجَدلِ الأداهِمِ)
وَكَذَلِكَ مَا ذكرت لَك فِي التصغير جَاءَ على مِثَال وَاحِد
أَصْلِيًّا كَانَ أَو زَائِدا اتّفقت حركاته أَو اخْتلفت إِلَّا فِي
تَصْغِير التَّرْخِيم فَإِنَّهُ يحذف مِنْهُ الزَّوَائِد وَلَا تحذف
الْأُصُول وسنذكره لَك فِي بَاب التصغير إِن شَاءَ الله
(2/229)
|