المقتضب (هَذَا بَاب مالحقته زائدتان إِحْدَاهمَا
مُلْحقَة وَالْأُخْرَى غير مُلْحقَة وَذَلِكَ قَوْلك ثَمَان ويمان)
اعْلَم انك إِذا حقرت ثَمَانِيَة وَعَلَانِيَة فَإِن أَقيس ذَلِك أجوده
أَن تَقول ثمينية وعلينية وَذَلِكَ لِأَن الْيَاء فيهمَا مُلْحقَة
وَاقعَة فِي موقع المتحرك وَالْألف غير مُلْحقَة وَلَا يَقع فِي
موضعهَا إِلَّا حرف مد فَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَة ألف عذافرة
وَالْيَاء بِمَنْزِلَة المراء فَلَمَّا لم يجز فِي عذافرة إِلَّا
عذيفرة فَكَذَلِك يجب فِيمَا ذكرت لَك وَقد أَجَازُوا ثمينة وعلينة
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُمَا زائدتان وَقَالُوا الأولى وَإِن لم تكن
مُلْحقَة فَهِيَ بعيدَة من الطّرف وَهُوَ وَجه رَدِيء كَمَا أَن قلنسوة
لما كَانَت فِي وزن قمحدوة كَانَت
(2/255)
النُّون بحذاء الْأَصْلِيّ وَالْوَاو بحذاء
الْوَاو الزَّائِدَة فَكَانَ قلينسة أَقيس من قليسية فَهَذَا مجْرى
هَذَا وَاعْلَم أَنه كل مَا كَانَت فِيهِ زائدتان إِذا حذفت
إِحْدَاهمَا ثبتَتْ الْأُخْرَى لم تحذف غَيرهَا وَذَلِكَ نَحْو عيضمور
وعيطموس تَقول إِذا حقرت عضيمير وعطيميس لِأَنَّك لَو حذفت الْوَاو
لاحتجت أَن تحذف الْيَاء ليَكُون على مِثَال التصغير وَأَنت إِذا حذفت
الْيَاء وَحدهَا لم تحتج إِلَى حذف الْوَاو لِأَنَّهَا تقع رَابِعَة
فَيصير تحقيره مثل تحقير سرحوب وقنديل فَكلما قل من الْحَذف لم يصلح
غَيره أَلا ترى انك لَو جمعت لم تقل إِلَّا عطاميس وعضاميز وسراحيب
فعلى هَذَا فأجر هَذَا الْبَاب
(2/256)
(هَذَا بَاب مَا يحقر على مِثَال جمعه على
الْقيَاس لَا على الْمُسْتَعْمل)
وَذَلِكَ قَوْلك فِي تحقير دانق دوينق وطابق طويبق وَخَاتم خويتم وَلَا
تلْتَفت إِلَى قَوْلهم خَوَاتِيم ودوانيق وطوابيق لِأَن الْجمع على
الْحَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ دوانق وخواتم وطوابق كَمَا تَقول فِي تابل
توابل وَفِي فَارس فوارس وعَلى هَذَا قَالَ الشَّاعِر
(وَتَتْرُكُ أموالٌ عَلَيْهَا الخَواتِمُ ... )
فَأَما دوانيق فَإِن الْيَاء زيدت للمد فِي تكسيره كَمَا تزاد حُرُوف
الْمَدّ فِي الْوَاحِد وَكَذَلِكَ طوابيق
(2/257)
فَأَما خَوَاتِيم فَإِنَّهُ على قِيَاس من
قَالَ خاتام كَمَا قَالَ الشَّاعِر
(أعَزَّ ذاتَ المِئزَرِ المُشَنَقِ ... أخّذْتِ خَاتَامِي بِغَيرِ
حَقِّ)
فَإِذا احْتَاجَ شَاعِر إِلَى زِيَادَة حرف الْمَدّ فِي هَذَا الضَّرْب
من الْجمع جَازَ لَهُ للُزُوم الكسرة ذَلِك الْموضع وَإِنَّمَا الكسرة
من الْيَاء قَالَ الشَّاعِر
(تَنْفي يَداها الحَصَى فِي كلِّ هاجِرة ... نَفْيَ الدارهِيمِ تنقادُ
الصياريفِ)
(2/258)
(هَذَا بَاب مَا كَانَ على أَرْبَعَة أحرف
مِمَّا آخِره حرف تَأْنِيث)
اعْلَم أَنه مَا كَانَ من ذَلِك فَإِن ثالثه يتْرك مَفْتُوحًا لِئَلَّا
تنْقَلب ألف التَّأْنِيث وَذَلِكَ قَوْلك فِي حُبْلَى حبيلى لِأَنَّهُ
لَو قيل فِيهَا كَمَا قيل فِي جَعْفَر جعيفر لَصَارَتْ الْألف يَاء
فَذَهَبت عَلامَة التَّأْنِيث وَكَذَلِكَ تَقول فِي دفلى دفيلى وَفِي
دنيا دنَيّا فَإِن كَانَت الْألف زَائِدَة لغير التَّأْنِيث انْكَسَرَ
مَا قبلهَا وانقلبت يَاء وَذَلِكَ قَوْلك فِي أرطى أريط لِأَن أرطى
مُلْحق بِجَعْفَر وَلَيْسَت أَلفه للتأنيث أَلا ترى أَنَّك تَقول فِي
الْوَاحِدَة أَرْطَاة فَلَو كَانَت ألف للتأنيث لم تدخل عَلَيْهَا هَاء
التَّأْنِيث لِأَنَّهُ لَا يدْخل تَأْنِيث على تَأْنِيث وَتقول فِي
معزى معيز فَاعْلَم وَهَكَذَا كل مَا كَانَت أَلفه للتأنيث فَأَما
الْهَاء فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَة اسْم ضم إِلَى اسْم أَلا ترى أَنَّهَا
تدخل على الْمُذكر فَلَا تغير بناءه فَإِنَّمَا الْبَاب فِيهَا أَن
يصغر الِاسْم من أَي بَاب كَانَ على مَا يجب فِي مثله ثمَّ تَأتي بهَا
وَذَلِكَ
(2/259)
قَوْلك فِي حمدة حميدة وَفِي نَخْلَة نخيلة
وَفِي قسورة قسيرة وَمن قَالَ فِي أسود أسيود قَالَ قسيورة وَفِي
هلباجة هليبجة لِأَنَّك لَو صغرت هلباجا لقت هليبيج فَلم تحذف مِنْهُ
شَيْئا فَإِنَّمَا يجْرِي على الصَّدْر مَا يجْرِي عَلَيْهِ ثمَّ تَأتي
بِالْهَاءِ وَتقول فِي تَصْغِير سفرجلة سفيرجة لِأَنَّك كنت قَائِلا
فِي سفرجل سفيرج فَهَذَا حكم الْألف وَالْهَاء فَأَما مالحقته أَلفَانِ
للتأنيث فَإنَّك قَائِل فِيهِ مَا قلت فِي الْهَاء لَا مَا قلت فِي
الْألف الْمَقْصُورَة وسنبين ذَلِك إِن شَاءَ الله تَقول فِي حَمْرَاء
حميراء يَا فَتى لِأَن الآخر متحرك فَهُوَ كالهاء وَتقول فِي خنفساء
خنيفساء يَا فَتى لِأَنَّك كنت تَقول فِي خنفس خنيفس فَإِنَّمَا تسلم
الصَّدْر
(2/260)
ثمَّ تَأتي بالألفين وَتقول فِي معيوراء
معييراء تسلم الصَّدْر على مَا ذكرت لَك لِأَن الْأَلفَيْنِ يجريان
مجْرى الْهَاء فَأَما الْألف الْمَقْصُورَة فَإِنَّهَا فِي الِاسْم
كبعضه وَقد ذكرتها لَك رَابِعَة بِحَيْثُ لَا يحذف من التصغير شَيْء
وسأذكرها خَامِسَة وسادسة اعْلَم انك إِذا صغرت شَيْئا فِيهِ الْألف
الْمَقْصُورَة وَهُوَ على خَمْسَة أحرف بهَا أَو أَكثر من ذَلِك
فَإنَّك نحذفها كَمَا تحذف الْحَرْف الْخَامِس وَمَا بعده من الأَصْل
والزوائد تَقول فِي قرقري قريقر لِأَنَّك حقرت قرقرا فَانْتهى التحقير
وَهَذِه الْألف زَائِدَة وَلم تكن لتَكون بأقوى من لَام سفرجل وَمَا
أشبههَا من الْأُصُول وَلم تكن متحركة فَتَصِير كاسم ضم إِلَى اسْم
بِمَنْزِلَة الْهَاء وَالْألف الممدودة فألف قرقري للتأنيث وَهِي
محذوفة لما ذكرت لَك فَإِن قلت فِي مثل حبركي وألفه مُلْحقَة بسفرجل
قلت حبيرك لما ذكرت لَك وَإِن عوضت قلت جبيريك وقريقير وَإِن كَانَت
مَعَ الْألف زَائِدَة غَيرهَا حذفت أَيَّتهمَا شِئْت وَذَلِكَ قَوْلك
فِي حباري حبيري وَهُوَ أَقيس لِأَن الْألف الأولى من حباري زَائِدَة
لغير معنى إِلَّا للمد ألف حباري الْأَخِيرَة للتأنيث فَلِأَن تبقى
الَّتِي للمعنى أَقيس
(2/261)
وَقد قَالُوا جُبَير فحذفوا الْأَخِيرَة
لِأَنَّهُمَا زائدتان وَمَا دون الطّرف أقوى مِمَّا كَانَ طرفا وَكَانَ
أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء يَقُول فِي تصغيرها حبيرة فيحذفها ويبدل
مِنْهَا هَاء التَّأْنِيث لتَكون فِي الِاسْم عَلامَة تَأْنِيث وَيفْعل
ذَلِك بِكُل مَا فِيهِ ألف التَّأْنِيث خَامِسَة فَصَاعِدا وَيَقُول لم
يجز اثباتها لِأَنَّهَا سَاكِنة فَإِذا حذفتها لم أخل الِاسْم من
عَلامَة تَأْنِيث ثَابِتَة وَمن قَالَ فِي حباري حبيرة قَالَ فِي تحقير
لغيزى لغيغيزة على مَذْهَب أبي عَمْرو وَقَول جَمِيع النَّحْوِيين
يثبتون الْيَاء فِي لغيري لأَنهم لَو حذفوها لاحتاجوا مَعهَا إِلَى حذف
الْألف وَقد مضى تَفْسِير هَذَا وَاعْلَم أَن يَاء لغيزي لَيست بياء
التحقير لِأَن يَاء التحقير لَا تكون إِلَّا ثَالِثَة وَهَذِه رَابِعَة
كَمَا أَن الْألف فِي حباري لَا تكون للْجمع لِأَن الْجمع من هَذَا
الحيز لَا يكون إِلَّا مَفْتُوح الأول وَلَا تكون أَلفه إِلَّا
ثَالِثَة فِي مَوضِع يَاء التصغير وَاعْلَم أَن سِيبَوَيْهٍ يَقُول فِي
تحقير بروكاء وبركاء وخرسان بريكاء وخريسان فيحذف ألف خُرَاسَان الأولى
وواو بروكاء كَمَا يحذف ألف مبارك وَلَيْسَ هَذَا بصواب
(2/262)
وَلَا قِيَاس إِنَّمَا الْقيَاس أَلا يحذف
شَيْئا لِأَنَّك لست تجْعَل ألفى التَّأْنِيث وَلَا الْألف النُّون
بِمَنْزِلَة مَا هُوَ فِي الِاسْم وَنحن ذاكرون احتجاجه والاحتجاج
عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله حجَّته انه يَقُول إِذا وَقعت الْألف ثَالِثَة
فِي مَوضِع ألف مبارك حذفت لِكَثْرَة الْعدَد وَذَلِكَ أَن الْألف
وَالنُّون ليستا مِمَّا يجوز حذفه وهما كهاء التَّأْنِيث فِي اللُّزُوم
وليستا بمنزلتهما فِي أَنَّهُمَا كاسم ضم إِلَى اسْم فتحقر الصَّدْر
وتترك مَا بعده ولكنهما بِمَنْزِلَة مَا هُوَ من الِاسْم فَيُقَال لَهُ
إِن كَانَتَا بِمَنْزِلَة مَا هُوَ من الِاسْم وَجب عَلَيْك أَلا تحقر
ماهما فِيهِ إِذا كَانَ على سِتَّة أحرف بهما وَإِن كَانَتَا
بِمَنْزِلَة شَيْء ضم إِلَى الصَّدْر وَجب أَن يحقر مَا قبلهمَا كَمَا
تفعل ذَلِك بِمَا قبل الْهَاء ثمَّ تَأتي بهما كَمَا تَأتي بِالِاسْمِ
الْأَخير بعد الأول فِي مثل حَضرمَوْت ومعد يكرب وَكَذَلِكَ حكم ألف
التَّأْنِيث وياء النّسَب كهاء التَّأْنِيث أَلا ترى أَنَّك تَقول فِي
زعفران زُعيفران فَلَو كَانَت الْألف وَالنُّون كاللام فِي سفرجل
لَكَانَ هَذَا التحقير محالا وَلَكِنَّك تَقول فِي خنفساء خنيفساء
وَفِي مدائني مديئني فَإِنَّمَا حق هَذَا مَا ذكرت لَك أَلا ترى أَن
مَا قبل الْألف وَالنُّون فِي التحقير إِذا لم يكن مُلْحق الْجمع
مَفْتُوح وَمَا قبل ألفي التَّأْنِيث لَا يكون إِلَّا مَفْتُوحًا كَمَا
يكون مَا قبل الْهَاء فَهَذَا بَين جدا
(2/263)
وَكَانَ سِيبَوَيْهٍ يَقُول فِي تحقير
جدارين إِذا أردْت التَّثْنِيَة جديران فيحقر جدارا ثمَّ يلْحق الْألف
وَالنُّون
(2/264)
فَإِذا سمى بهَا رجل لم يقل إِلَّا جديران
على مَا ذكرت لَك وَهَذَا نقص لجَمِيع أُصُوله وَيَقُول فِي تَصْغِير
دجاجتين اسْم رجل دجيجتان فَلَا يحذف من اجل هَاء التَّأْنِيث وَيَقُول
دجَاجَة بِمَنْزِلَة دارابجرد فِي أَنه اسْم ضم إِلَى اسْم ودجاجتان
بِمَنْزِلَة دَار بجردين وَالْقِيَاس فِي هَذَا كُله وَاحِد
(2/265)
(هَذَا بَاب مالحقته الْألف وَالنُّون
زائدتين)
اعْلَم أَنَّك إِذا حقرت غَضْبَان وسكران وَنَحْوهمَا قلت غضيبان
وسكيران وَكَذَلِكَ إِن حقرت عُثْمَان أَو عُرْيَان قلت عثيمان وعريان
لِأَن حق الْألف وَالنُّون أَن يسلما على هيئتهما بعد تحقير الصَّدْر
إِلَّا أَن يكون الْجمع مُلْحقًا بالأصول فتفعل ذَلِك بتصغير الْوَاحِد
فَيجْرِي الْوَاحِد فِي التصغير مجْرى الْجمع فَأَما الملحق فَمثل
قَوْلك سرحان تَقول فِي تصغيره سريحين لِأَنَّك تَقول فِي الْجمع
سراحين وَتقول فِي سُلْطَان سليطين كَقَوْلِك فِي الْجمع سلاطين وَتقول
فِي ضبعان ضبيعين كَقَوْلِك ضباعين وَكَذَلِكَ قرْبَان وَلَو كنت تَقول
فِي عُثْمَان عثامين فِي الْجمع لَقلت فِي التصغير عثيمين أَلا ترى أَن
فعلان الَّذِي لَهُ فعلى نَحْو عطشان وسكرن وغضبان وظمآن لَا يكون فِي
جمع شَيْء مِنْهُ فعالين لِأَنَّهُ لَا يكون مُلْحقًا
(2/266)
فَكَذَلِك جَمِيع هَذَا الْبَاب ماكان
مُلْحق الْجمع وَجب فِي تَصْغِير واحده الْإِلْحَاق وَمَا كَانَ غير
مُلْحق الْجمع لم يكن تصغيره إِلَّا كتصغير فعلان الَّذِي لَهُ فعلى
(2/267)
(هَذَا بَاب مَا كَانَت فِي آخِره أَلفَانِ
زائدتان لغير التَّأْنِيث وَذَلِكَ نَحْو علْبَاء وحرباء وزيزاء
وَنَحْوه)
اعْلَم أَنَّك لَا تَقول فِي تحقيره إِلَّا عليبى وحريبى لِأَن
الْأَلفَيْنِ ليستا للتأنيث إِنَّمَا هما ملحقتان بِمثل سرداح لِأَنَّك
لَا تَقول فِيهِ إِلَّا سريديح كَمَا لَا تَقول فِي شملان إِلَّا
شميليل فَكَذَلِك قوباء فَاعْلَم لِأَن من قَالَ كَذَا إِنَّمَا ألحقهُ
بطومار فَلَا تَقول فِي تصغيره إِلَّا قويبي كَمَا تَقول فِي تَصْغِير
طومار طويمير وَلَا يجوز فِيهِ إِلَّا التَّذْكِير وَالصرْف لما ذكرت
لَك وَمن قَالَ هِيَ القوباء فأنث كَانَ بِمَنْزِلَة قَوْلك عشراء
ورخضاء فَلَا يكون تصغيرها على هَذَا إِلَّا قوبياء وَلَا ينْصَرف فِي
معرفَة وَلَا نكرَة وَقد مضى القَوْل فِي ذَلِك فِي بَاب مَا لَا
يجْرِي وَمَا لَا يجْرِي وَكَذَلِكَ غوغاء من ذكر صرف وَهُوَ عِنْده
بِمَنْزِلَة القضقاض والخضخاض وَكَانَ حَده أَن يَقُول غوغاو
وَلَكِنَّك همزت الْوَاو لوقوعها طرفا بعد ألف زَائِدَة فَمن قَالَ
هَذَا قَالَ فِي التصغير غويغي وَصرف وَمن أنث وَجعلهَا كعوراء لم يصرف
وَقَالَ فِي التصغير غويغاء فَاعْلَم
(2/268)
(هَذَا بَاب مَا كَانَ على ثَلَاثَة أحرف
مِمَّا حذف مِنْهُ حرف وَجعل مَكَانَهُ حرف)
اعْلَم أَن تَصْغِير مَا كَانَ من ذَاك بِحَذْف مَا زيد فِيهِ ورد مَا
ذهب مِنْهُ فَأَما مَا كَانَ فِي أَوله ألف الْوَصْل من هَذَا الْبَاب
فَإِنَّهَا تسْقط مِنْهُ لعلتين إِحْدَاهمَا لتحريك مَا بعْدهَا
لِأَنَّهَا إِنَّمَا دخلت لسكونه وَالْعلَّة الْأُخْرَى إِنَّهَا
زَائِدَة على مَا ذكرت لَك فِي اصل الْبَاب وَذَلِكَ ابْن وَاسم واست
وَاثْنَانِ وَاثْنَتَانِ وَابْنَة تَأْنِيث ابْن تَقول فِي تَصْغِير
ابْن بني لِأَن الذَّاهِب مِنْهُ يَاء أَو وَاو يدلك على ذَلِك قَوْلهم
أَبنَاء فَاعْلَم وَكَذَلِكَ اسْم وَأَسْمَاء تَقول فِي تصغيره سمي
وَاثْنَانِ بِهَذِهِ الْمنزلَة تَقول فِي تصغيره ثنيان لِأَن الْألف
وَالنُّون زائدتان للتثنية وَتقول فِي تَصْغِير ابْنة بنية وَفِي
تَصْغِير است ستيهة لِأَن الذَّاهِب مِنْهُ هَاء يدلك على ذَلِك
قَوْلهم أستاه فَاعْلَم فَهَذَا مجْرى هَذَا كَمَا قَالَ فِي سنة سنية
وسنيهة فسنية فِيمَن قَالَ سنوات وسنيهة فِيمَن قَالَ سانهت وَقد مضى
تَفْسِير هَذَا
(2/269)
وَأما مَا لم تكن فِيهِ ألف الْوَصْل فنحو
قَوْلك أُخْت تَقول فِي تصغيرها أخية فتحذف التَّاء وَترد الْوَاو
الَّتِي كَانَت فِي قَوْلك أَخَوَات وإخوة وَأَخَوَانِ وَكَذَلِكَ بنت
وهنت تَقول هنيَّة وبنية لِأَن الْمَحْذُوف من هَذِه الْوَاو لِأَنَّهُ
يُقَال هنوات قَالَ الشَّاعِر
(أرى ابنْ نِزارٍ قدْ جَفاني ومَلَني ... على هَنَواتٍ كلُّها
مُتَتابعُ)
وَكَذَلِكَ تَقول فِي تَصْغِير هن هنى وَقد قَالَ قوم الْمَحْذُوف
مِنْهُ هَاء فَقَالُوا فِي تصغيرهن هنيَّة وَفِي تَصْغِير هنة هنيهة
وهنية إِلَّا أَن جملَة هَذَا الْبَاب أَنه لَا يكون الْمَحْذُوف من
الثَّلَاثَة إِلَّا حرف لين يَاء أَو وَاو أَو حرفا خَفِيفا وَهُوَ
الْهَاء أَو يكون مضاعفا فتحذف مِنْهُ استثقالا كَمَا حذف هَذَا لخفائه
(2/270)
(هَذَا بَاب مَا يصغر من الْأَمَاكِن وَمَا
يمْتَنع من التصغير مِنْهَا)
اعْلَم أَن أَسمَاء الْأَمَاكِن كَسَائِر الْأَسْمَاء خاصها وعامها
تَقول فِي دَار دويرة كَمَا تَقول فِي هِنْد هنيدة وَكَذَلِكَ مَكَان
تَقول فِيهِ مكين وَفِي بَيت بييت وبييت فَأَما الْأَسْمَاء المبهمة
فنحو خلف وَدون وَفَوق تَقول خليف ذَاك ودوين ذَاك وفويق ذَاك لِأَنَّك
أردْت أَن تقرب مَا بَينهمَا وتقلله فَإِن قلت هُوَ عِنْد زيد لم يجز
أَن تصغر عِنْد وَذَلِكَ أَنه قد يكون خلفة بِكَثِير وبقليل وَكَذَلِكَ
دونه وفوقه فَإِذا صغرتهما قللت الْمسَافَة بَينهمَا وَإِذا قلت
عِنْدِي فقد بلغت إِلَى غَايَة التَّقْرِيب فَلَا معنى للتصغير
وَجُمْلَة بَاب الْأَمَاكِن التَّذْكِير إِلَّا مَا خصّه التَّأْنِيث
مِنْهَا نَحْو قَوْلك غرفَة وَعليَّة ومشرقة ومشربة
(2/271)
وَكَذَلِكَ تَأْنِيث الْبناء نَحْو دَار
إِنَّمَا هِيَ فِي بَابهَا بِمَنْزِلَة نَار وَقدر وشمس وَكَذَلِكَ
تَقول فِي تصغيرها دويرة وَقد بيّنت لَك فِي بَاب الظروف أَن هَذِه
الْمَخْصُوصَة لَا يتَعَدَّى الْفِعْل إِلَيْهَا لِأَنَّهُ لَا دَلِيل
فِيهِ عَلَيْهَا فَإِنَّمَا يتَّصل بهَا كَمَا تتصل بِسَائِر
الْأَسْمَاء وَذَلِكَ قَوْلك وَلَا يصلح أَن تَقول قُمْت دَار زيد
وَلَا قُمْت الْمَسْجِد الْجَامِع يَا فَتى لِأَن قُمْت لَا يدل على
مَكَان مَخْصُوص وَإِنَّمَا يتَعَدَّى إِلَى مَا يعتور الْأَسْمَاء
فَلَا يَخْلُو مِنْهُ شَيْء أَو من بعضه نَحْو قُمْت خلف زيد وسرت
أَمَام عبد الله وَقمت مَكَانا وَقد مضى تَفْسِير هَذَا فِي بَابه
فالظروف إِنَّمَا هِيَ هَذِه على الْحَقِيقَة فَمَا جَاءَ مِنْهَا
مؤنثا بِغَيْر عَلامَة قُدَّام ووراء وتصغيرهما قديديمة وورئية فَإِن
قلت فَمَا لهاتين لحقت كل وَاحِدَة مِنْهُمَا الْهَاء وليستا من
الثَّلَاثَة قيل لِأَن الْبَاب على التَّذْكِير فَلَو لم يلحقوهما
الْهَاء لم يكن على تَأْنِيث وَاحِد مِنْهُمَا دَلِيل قَالَ الْقطَامِي
(2/272)
(قُديديمةُ التَّجْرِيبِ والحٍ لمْ إنّني
... أرى غَفَلاتِ العَيشِ قَبْلَ التَجارِبِ)
وَقَالَ آخر
(يومٌ قُديديمةُ الجَوزاءِ مَسْمُومُ ... )
فَكل مَا ورد عَلَيْك من هَذِه الظروف لَيست فِيهِ عَلامَة التَّأْنِيث
فَهُوَ على التَّذْكِير تَقول فِي تَصْغِير خلف خليف وأمام أميم كَمَا
تَقول فِي قذال قذيل وكل شَيْء يجْرِي مجْرى عِنْد فَغير مصغر لما ذكرت
لَك من امْتِنَاعه فِي الْمَعْنى فَكَذَلِك سوى وَسَوَاء يَا فَتى إِذا
أردْت بهما معنى الْمَكَان لِأَن قَوْلك عِنْدِي رجل سواك إِنَّمَا
هُوَ عِنْدِي رجل مَكَانك يحل محلك ويغني غناءك لَا يصغران لقلَّة
تمكنهما فَإِن أردْت بِقَوْلِك سَوَاء الْوسط من قَوْله عز وَجل
{فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيم} وكما قَالَ الشَّاعِر
(2/273)
(يَا وَيْحَ انْصارِ النبيّ وَرَهْطهِ ...
بَعْدَ المُغَيبِ فِي سَواءِ المُلْحَدِ)
صغرته فَقلت سوى فَاعْلَم تحذف الْيَاء لِاجْتِمَاع الياءات وَكَذَلِكَ
إِن أردْت بِسَوَاء معنى الستواء كَقَوْلِك هَذَا دِرْهَم سَوَاء أَي
تَمام صغرته كَمَا يلزمك فِي كل مُتَمَكن فَإِن قَالَ قَائِل مَا معنى
قَوْلك لقلَّة تمكنها فَإِنَّمَا قلَّة تمكنها أَنَّهُمَا داخلتان فِي
معنى غير تَقول عِنْدِي رجل سوى زيد أَي غير زيد وَغير لَيْسَ مِمَّا
يصغر لِأَنَّك إِذا قلت جَاءَنِي غَيْرك لم تخصص وَاحِدًا من النَّاس
إِنَّمَا زعمت أَنه لَيْسَ بِهِ وَلَيْسَ يجب فِيمَن كَانَ غير
الْمَذْكُور أَن يكون حَقِيرًا وَلَو قلت عِنْدِي مثلك فحقرت الْمثل
كَانَ جيدا لِأَنَّك إِذا حقرت الَّذِي هُوَ مثله زعمت أَنه هُوَ حقير
لِأَنَّك حقرت الآخر من حَيْثُ زعمت أَنه مثله وَكَذَلِكَ تحقير شبه
وَنَحْو وشبيه لِأَن الشَّيْء لَا يشيه الشَّيْء فِي جَمِيع حالاته
وَإِنَّمَا يُشبههُ من حَيْثُ تشبهه بِهِ وَلَا يكون إِلَّا على
مُقَدّمَة تَقول كَانَ خَالِد الْقَسرِي مثل حَاتِم الطَّائِي لم ترد
الزَّمَان والقدم وَلم ترد الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام وَلم ترد أَن
الْقَبِيلَة تَجْتَمِع عَلَيْهِمَا وَلَكِنَّك ذكرت جود خَالِد فقرنته
بحاتم لما سبق لَهُ وَكَذَلِكَ لَو قلت كَانَ جرير كامرئ الْقَيْس بعد
أَن تذكر الشّعْر والمرئية فِيهِ فَهَذَا دَلِيل التَّشْبِيه فَإِن قلت
هَذَا مثيل هَذَا وَقد قدمت نَحوا مِمَّا ذكرنَا علم أَنَّك حقرته من
حَيْثُ حقرت الْمُشبه بِهِ فبالمعنى يصلح اللَّفْظ وَيفْسد
(2/274)
(هَذَا بَاب تحقير الظروف من الْأَزْمِنَة)
وَالزَّمَان خَاصَّة وَعَامة يتَّصل بِهِ الْفِعْل وَذَلِكَ أَن العفل
إِنَّمَا بني لما مضى من الزَّمَان وَلما لم يمض فَإِذا قلت ذهب علم
أَن هَذَا فِيمَا مضى من الزَّمَان وَإِذا قلت سيذهب علم أَنه لما لم
يَأْتِي من الزَّمَان وَإِذا قلت هُوَ يَأْكُل جَازَ أَن تَعْنِي مَا
هُوَ فِيهِ وَجَاز أَن تُرِيدُ هُوَ يَأْكُل غَدا وَالْمَكَان لَا يكون
فِيهِ مثل ذَلِك فالفعل يَنْقَضِي كالزمان لِأَن الزَّمَان مُرُور
الْأَيَّام والليالي فالفعل على سنَنه يمْضِي بمضيه وَلَيْسَت
الْأَمْكِنَة كَذَلِك إِنَّمَا هِيَ جثث ثَابِتَة تفصل بَينهَا
بِالْعينِ وتعرف بَعْضهَا من بعض كَمَا تعرف زيد من عَمْرو فَكل
مُتَمَكن من الزَّمَان يصغر تَقول يويم فِي تَصْغِير يَوْم وعويم فِي
تَصْغِير عَام وَإِنَّمَا صغرته بِالْوَاو دون الْيَاء لِأَن أَلفه
منقلبة من وَاو يدلك على ذَلِك أَعْوَام قَوْلك عاومت النَّخْلَة
وَهَذَا يشْرَح فِي بَاب على حياله بِجَمِيعِ علله إِن شَاءَ الله
وَكَذَلِكَ كل مَا كَانَ مثله يرد فِي التصغير إِلَى أَصله تَقول فِي
ليل لييل فَأَما لييلية فلهَا عِلّة نذكرها فِي بَابهَا إِن شَاءَ الله
(2/275)
وَتقول فِيمَا كَانَ علما فِي الْأَيَّام
كَذَلِك فِي تَصْغِير سبت سبيت وَفِي تَصْغِير أحد
(2/276)
أحيد فِي الِاثْنَيْنِ ثنيان لِأَن الْألف
ألف وصل فَهِيَ بِمَنْزِلَة قَوْلك فِي ابْن بني وَفِي اسْم سمي وَفِي
الثُّلَاثَاء ثليثاء فِي قَول سِيبَوَيْهٍ وَفِي قَوْلنَا ثليثاء
لِأَنَّك إِنَّمَا صغرت ثَلَاثًا فتسلم الصَّدْر ثمَّ تَأتي بعده بألفي
التَّأْنِيث وَفِي الْأَرْبَعَاء الأريبعاء وَفِي الْخَمِيس الخُميس
وَفِي الْجُمُعَة جميعة وَكَذَلِكَ الشُّهُور تَقول فِي الْمحرم محيرم
تحذف إِحْدَى الراءين حَتَّى تصير على مِثَال جَعْفَر فَإِن عوضت قلت
محيريم وَفِي صفر صفير وَفِي ربيع رُبيع وَفِي جمادي أَنْت مُخَيّر إِن
شِئْت قلت جميدي وَهِي أَجود وَإِن شِئْت قلت جميد وَتَفْسِيره كتفسير
حباري وَفِي رَجَب رُجيب وَفِي شعْبَان شُعيبان وَكَذَلِكَ رَمَضَان
رُميضان وَفِي شَوَّال شويويل لِأَنَّهُ فعال مثل حَمَّاد وَفِي ذِي
الْقعدَة ذُوي الْقعدَة لِأَن التصغير إِنَّمَا يَقع على الِاسْم الأول
أَلا ترى أَنَّك لَو صغرت غُلَام زيد لَقلت غليم زيد فَكَذَلِك هَذَا
وَمَا أشبههه وَتقول فِي أَسمَاء الْأَوْقَات من اللَّيْل وَالنَّهَار
كَذَلِك تَقول فِي تَصْغِير سَاعَة سويعة وَفِي غدْوَة غدية وَفِي
بكرَة بكيرة وَفِي ضحوة ضحية وَفِي ضحى ضُحي وَكَذَلِكَ تَصْغِير
(2/277)
الضحاء لِأَنَّك تحذف الْيَاء فَيصير مثل
تَصْغِير ضحى كَمَا تَقول فِي تحقير عَطاء عطي وَقد مضى القَوْل فِي
هَذَا وَتقول فِي عَشِيَّة عُشية فَأَما قَوْلهم عشيشية وعشيانات
ومغربان وأصيلال وأُصيلان وأُصيلات ومغيربانات فنذكره فِي مَوْضِعه
مَعَ ذكرنَا اللييلية والانيسيان وَمَا أشبه ذَلِك مِمَّا يُخَالف
تصغيره مكبره إِن شَاءَ الله وكل مُتَمَكن من أَسمَاء الدَّهْر فتصغيره
كتصغير نَظَائِره من سَائِر الْأَسْمَاء فعلى هَذَا فَأَجره أَلا ترى
أَنهم قَالُوا آتِيك بعيدات بينِ وأجروه مُصَغرًا على تَصْغِير مثله
(2/278)
(هَذَا بَاب تَصْغِير مَا كَانَ من الْجمع)
اعْلَم أَنَّك إِذا صغرت جمعا على بِنَاء من أبنية أدنى الْعدَد
أَقرَرت اللَّفْظ على حَاله فَإِن صغرته وَهُوَ بِنَاء للكثير رَددته
إِلَى أدنى الْعدَد إِن كَانَ ذَلِك فِيهِ فَإِن لم يكن فِيهِ ادنى
الْعدَد رَددته إِلَى الْوَاحِد وصغرته إِن كَانَ مذكرا آدَمِيًّا
وَجمعته بِالْوَاو وَالنُّون وَإِن كَانَ من غَيرهم أَو مؤنثا مِنْهُم
فبالألف وَالتَّاء وَقد مضى تَفْسِير هَذَا وَإِنَّمَا أعدناه لما بعده
اعْلَم أَنَّك إِذا سميت رجلا بِجَمَاعَة فَإنَّك تصغر ذَلِك الِاسْم
كَمَا تصغر الْوَاحِد تَقول فِي رجل اسْمه أكلب أكيليب وَكَذَلِكَ
أحمرة تَقول فِيهَا أحيمرة وَفِي غلمة أغيلمة لَا يكون إِلَّا كَذَلِك
فَإِن سميته بغلمان أَو غربان أَو قضبان أَو رغفان كَانَ تصغيره كتصغير
غلْمَان وَنَحْوه تَقول غليمان وغريبان وقُضيبان وَلَا تَقول غريبين
كَمَا تَقول فِي سرحان سريحين لِأَنَّك إِنَّمَا قلت سريحين لِقَوْلِك
سراحين لِأَن سرحانا وَاحِد فِي الأَصْل فَإِن قلت فَأَنا أَقُول مصير
ومُصران للْجمع ثمَّ أَقُول فِي جمع الْجمع مصارين فَكيف أَصْغَر
مصرانا فَإِن مصرانا تصغيره لَا يكون إِلَّا مُصيرانا لِأَنَّهُ
إِنَّمَا ألحقته الْألف وَالنُّون للْجمع فَلَا تغير عَلامَة الْجمع
أَلا ترى أَنه مَا كَانَ على أَفعَال نَحْو أَبْيَات وأجمال وأقتاب لم
تقل فِيهِ إِلَّا أجيمال وأقيتاب وأبيات فَإِن كَانَ جمعا لجمع قلت
أَبْيَات وأبابيت كَمَا تَقول أظفار وأظافير وَلَكِن الْعلَّة فِيمَا
ذكرت لَك
(2/279)
|