المقتضب

 (هَذَا بَاب مَا كَانَ على فعل من ذَوَات الْيَاء وَالْوَاو نَحْو بَاب وناب وَدَار وَمَا أشبه)
اعْلَم أَن هَذَا الْجمع يَنْقَلِب ياؤه وواوه ألفا لانفتاح مَا قبل كل وَاحِد مِنْهُمَا نَحْو دَار وغار وَبَاب إِلَّا أَن يَجِيء حرف على أَصله لعِلَّة مَذْكُورَة فِي بَاب التصريف نَحْو الْقود وَالصَّيْد والخونة والحوكة فَأَما مجْرى الْبَاب فعلى مَا ذكرت لَك فَإِن صغرت شَيْئا من ذَلِك أظهرت فِيهِ حرف الأَصْل وَذَلِكَ أَن يَاء التصغير نقع بعده سَاكِنة فَلَا يجوز أَن تسكنه فتجمع بَين ساكنين فَإِذا حركته عَاد إِلَى أَصله وَذَلِكَ قَوْلك فِي تحقير نَار نُوَيْرَة وَبَاب بويب يذلك على أَن الْوَاو الأَصْل قَوْلك أنوار لِأَنَّهَا من النُّور وقولك بوبت لَهُ بَابا وَكَذَلِكَ غَار تَقول غوير لِأَنَّهُ من غَار يغور فَأَما نَاب فتصغيره نييب فَإِن قلت نييب فَإِن ذَلِك يجوز فِي كل مَا كَانَ ثَانِيه يَاء فِي التصغير لِأَنَّهُ من نيبت وَكَذَلِكَ غَار تَقول فِيهِ غيير وغيير لِأَنَّهُ من غيرت ونيبت

(2/280)


وَتقول فِي تَصْغِير تَاج تويج لِأَنَّهُ من توجت وكل مَا لم أذكرهُ لَك فَهَذَا مجْرَاه وَكَذَلِكَ سَائِر مَا كَانَ على ثَلَاثَة أحرف تَقول فِي عين عُيَيْنَة وعِيينة وَفِي شَيْء شُييء شِييء وَكَذَلِكَ كل مَا علم أَصله من هَذَا الْبَاب فَإِن لم يعلم أَصله رد إِلَى واحده فِي التَّكْبِير أَو إِلَى فعله فَإِن دَلِيله يظْهر فَإِن لم يكن مشتقا نظر هَل تقع فِيهِ الأحالة فَإِن كَانَت أَلفه ممالة فَهُوَ من الْيَاء وَإِن كَانَت منتصبة لَا يجوز فِيهَا الإمالة فَهُوَ من الْوَاو وَاعْلَم أَن كل حرف كَانَ مكسورا أَو مضموما بعده يَاء أَو وَاو فَلَيْسَ بِدَلِيل لِأَن الْوَاو الساكنة تقلبها الكسرة يَاء وَالْيَاء الساكنة تقلبها الضمة واوا فَمن ذَلِك قَوْلك ميزَان وميعاد وميقات تَقول فِي تحقيره مويزين ومويقيت ومويعيد لِأَنَّهُ من الْوَقْت والوعد وَالْوَزْن فَإِنَّمَا قلبت الْوَاو الكسرة وَمَا كَانَ منقلبا لعِلَّة ففارقته الْعلَّة فَارقه مَا أحدثته أَلا ترى أَنَّك تَقول فِي الْجمع مَوَازِين ومواعيد ومواقيت كَمَا تَقول وزنت ووعدت وَوقت وَمثل ذَلِك فِي الْيَاء مُوسر وموقن لَا يكون فِي التحقير إِلَّا بِالْيَاءِ لِأَن الْوَاو إِنَّمَا جَاءَت بهَا الضمة لِأَنَّهَا من أيقنت وأيسرت وَكَذَلِكَ مياسير ومياقين فَإِن حقرت قلت مييسر ومييقن تردها الْحَرَكَة إِلَى أَصْلهَا

(2/281)


وَكَذَلِكَ ريح لَو حقرتها لَقلت رويحة لِأَنَّهَا من روحت وَإِنَّمَا انقلبت الْوَاو يَاء للكسرة قبلهَا وَإِنَّهَا سَاكِنة أَلا ترى أَنَّك تَقول فِي الْجمع أَرْوَاح وَكَذَلِكَ ثِيَاب وحياض تَقول فِي تصغيرها أثياب وأحياض لِأَنَّك تردها إِلَى أقل الْعدَد وَإِنَّمَا تنْقَلب الْوَاو يَاء لياء التصغير قبلهَا وَلَوْلَا يَاء التصغير لظهرت لمفارقة الكسرة إِيَّاهَا فَكنت قَائِلا أَثوَاب وأحواض وأسواط كَمَا تَقول ثوب وحوض وسوط وَكَذَلِكَ دِيمَة تحقيرها دويمة لِأَنَّهَا من دَامَ يَدُوم فَهَذَا وَجه هَذَا

(2/282)


(هَذَا بَاب مَا كَانَت فِي الْوَاو فِيهِ ثَالِثَة فِي مَوضِع الْعين)
اعْلَم أَنَّهَا إِذا كَانَت ظَاهِرَة فِي مَوضِع الْعين فَأَنت فِيهَا بِالْخِيَارِ إِن شِئْت قلبتها لياء التصغير الَّتِي تقع قبلهَا وَهُوَ الْوَجْه الْجيد فَقلت فِي أسود أسيد وَفِي أَحول أُحِيل وَفِي مقود مُقَيّد فَهَذَا الأَصْل وَأما الملحق فنحو قسور وجدول تَقول فيهمَا قسير وجديل وَذَلِكَ أَن الْيَاء الساكنة إِذا وَقعت قبل الْوَاو المتحركة قلبت الْوَاو لَهَا يَاء ثمَّ أدغمت فِيهَا وَقد مضى تَفْسِير هَذَا وَذَلِكَ قَوْلك ميت وَسيد وهين إِنَّمَا كن فِي الأَصْل ميوتا وسيودا وهيونا وَكَذَلِكَ قيام وقيوم إِنَّمَا هُوَ قيوام وقيووم وَكَذَلِكَ أَيَّام وَفِيمَا ذكرنَا دَلِيل على مَا يرد مِنْهُ فَإِن شِئْت قلت فِي هَذَا أجمع بِإِظْهَار الْوَاو أَي فِي بَاب أسود وجدول وقسور فَقلت أسيود وجديول وقسيور وَإِنَّمَا جَازَ لذَلِك أَن الْوَاو ظَاهِرَة حَيَّة أَي متحركة وَهِي تظهر فِي التكسير فِي قَوْلك جداول وقساور فشبهوا هَذَا التصغير بِهِ وَالْوَجْه مَا ذكرت لَك أَولا فَإِن كَانَت الْوَاو سَاكِنة أَو كَانَت مبدلة لم تظهر فِي التصغير فَأَما الساكنة فنحو وَاو عَجُوز وعمود لَا تَقول إِلَّا عجيز وعميد لِأَن الْوَاو مُدَّة وَلَيْسَت بأصلية وَلَا مُلْحقَة الا ترى أَنَّك لَو جِئْت بِالْفِعْلِ من جدول وقسور لَقلت قسورت وجدولت فَكَانَت كالأصل وَلَو قلت ذَلِك فِي عَجُوز لم يجز لِأَنَّهَا لَيست بملحقة

(2/283)


وَأما الْأَصْلِيَّة المنقلبة فَهُوَ مقَام ومقال لاتقول فيهمَا إِلَّا مُقيم ومقيل لِأَنَّك كنت تخْتَار فِي الظَّاهِرَة المتحركة الْقلب للياء الَّتِي قبلهَا فَلم يكن فِي الساكنة والمبدلة إِلَّا مَا ذكرت لَك وَاعْلَم أَنه من قَالَ فِي أسود أسيود قَالَ فِي مُعَاوِيَة معيوية لِأَن الْوَاو فِي مَوضِع الْعين وَمن قَالَ أسيد على اخْتِيَار الْوَجْه قَالَ معية فيحذف الْيَاء الَّتِي حذفهَا فِي تَصْغِير عَطاء وَنَحْوه لِاجْتِمَاع الياءات وَمن كَانَت أروى عِنْده أفعل قَالَ فِي تصغيره أرية مثل قَوْلك أسيد وَمن قَالَ أسيود قَالَ أريوية وَمن كَانَت عِنْده فعلى لم يقل فِي أروية إِلَّا أرية لِأَن الْوَاو فِي مَوضِع اللَّام على هَذَا القَوْل وَإِلَيْهِ كَانَ يذهب الْأَخْفَش وَالْأول قَول سِيبَوَيْهٍ

(2/284)


(هَذَا بَاب مَا كَانَت الْوَاو مِنْهُ فِي مَوضِع اللَّام)
اعْلَم أَنَّهَا إِذا كَانَت فِي مَوضِع اللَّام فَلَا سَبِيل إِلَى إِقْرَارهَا على لَفظهَا لِأَنَّهُ كَانَ يخْتَار فِيهَا الْقلب وَهِي فِي مَوضِع الْعين فَلَمَّا صَارَت فِي الْموضع الَّذِي يعتل فِيهِ مَا يَصح فِي مَوضِع الْعين لم يكن فِيهَا إِلَّا الْقلب وَذَلِكَ قَوْلك فِي غَزْو غُزي وَفِي جرو جري وَفِي عُرْوَة عرية وَفِي تقوى تقيا وَفِي عرواء عرياء يَا فَتى لَا يكون إِلَّا ذَلِك وَمن قَالَ فِي أروية إِنَّهَا فعيلة قَالَ فِي أروى أريا لَيْسَ غير لِأَن أروى عِنْده على هَذَا القَوْل فعلى وَمن جعل أروى أفعل لم يقل إِلَّا أرى فَاعْلَم فيحذف يَاء لِاجْتِمَاع الياءات وَمن قَالَ فِي أسود أسيود على الْمجَاز قَالَ أريو فَاعْلَم فَهَذَا مجْرى هَذَا الْبَاب

(2/285)


(هَذَا بَاب مَا يُسمى بِهِ من الْجَمَاعَة)
اعْلَم أَنَّك إِذا سميت رجلا بمساجد ثمَّ أردْت تحقيره قلت مسيجد فحذفت الْألف الزَّائِدَة لِأَنَّك لَا تصغر شَيْئا على خَمْسَة أحرف فَإِن عوضت قلت مسيجيد فَإِن سميت بمفاتيح قلت مفيتيح فتحذف الزَّائِدَة الثَّالِثَة وتقر الْيَاء لِأَنَّهَا رَابِعَة فِي الِاسْم فَإِن سميت قبائل أَو رسائل قلت قبيئل ورسيئل فِي قَول جَمِيع النَّحْوِيين إِلَّا يُونُس ابْن حبيب فَإِنَّهُ كَانَ يَقُول قبيل ورسيل وَذَلِكَ رَدِيء فِي الْقيَاس أما النحويون فأقروا الْهمزَة وحذفوا الْألف لِأَن الْهمزَة متحركة وَالْألف سَاكِنة والمتحرك حرف حَيّ وَهُوَ فِي مَوَاضِع الملحقة بالأصول أَلا ترى أَن الْهمزَة من قبائل فِي مَوضِع الْفَاء من عذافير وَالْألف لَا تقع من هَذَا الْبناء فِي موضعهَا إِلَّا زَائِدَة فَكَانَت أَحَق بالحذف وَأما يُونُس فَكَانَ يَقُول لما كَانَتَا زائدتين كَانَت الَّتِي هِيَ اقْربْ إِلَى الطّرف أولى بالحذف وَلَيْسَ هَذَا القَوْل بِشَيْء لما ذكرت لَك فَأَما تحقير هَذَا الضَّرْب وَهُوَ الْجمع فَلَا يجوز فِيهِ إِلَّا قبيلات ورسيلات لِأَنَّك إِنَّمَا حقرت الْوَاحِد نَحْو قَبيلَة ورسالة ثمَّ جمعته جمع أدنى الْعدَد وَقد مضى القَوْل فِي هَذَا

(2/286)


(هَذَا بَاب تحقير الْأَسْمَاء المبهمة)
اعْلَم أَن هَذِه الْأَسْمَاء مُخَالفَة لغَيْرهَا فِي مَعْنَاهَا وَكثير من لَفظهَا وَقد تقدم قَوْلنَا فِيهَا وَإِنَّمَا نذْكر مِنْهُ بَعْضًا اسْتغْنَاء بِمَا مضى فَمن مخالفتها فِي الْمَعْنى وُقُوعهَا على كل مَا أَوْمَأت إِلَيْهِ وَأما مخالفتها فِي اللَّفْظ فَأن يكون الِاسْم مِنْهَا على حرفين أَحدهمَا حرف لين نَحْو ذَا وتا فَإِذا صغرت هَذِه الْأَسْمَاء خُولِفَ بهَا جِهَة التصغير فَتركت اوائلها على حَالهَا وألحقت يَاء التصغير لِأَنَّهَا عَلامَة فَلَا يعري المصغر مِنْهَا وَلَو عري مِنْهَا لم يكن على التصغير دَلِيل وألحقت ألف فِي آخرهَا تدل على مَا كَانَت تدل عَلَيْهِ الضمة فِي غير المبهمة أَلا ترى أَن كل اسْم تصغره من غير المبهمة تضم أَوله نَحْو فَلَيْسَ ودريهم ودنينير وَذَلِكَ قَوْلك فِي تَصْغِير ذَا ذيا فَإِن ألحقت التَّنْبِيه قلت هاذيا وَفِي تَصْغِير ذَاك ذياك فَإِن ألحقت التَّنْبِيه فَقلت هاذاك قلت هاذياك فَإِن قَالَ قَائِل مَا بَال يَاء التصغير لحقت ثَانِيَة وَإِنَّمَا حَقّهَا أَن تلْحق ثَالِثَة قيل إِنَّمَا لحقت ثَالِثَة وَلَكِنَّك حذفت يَاء لِاجْتِمَاع الياءات فَصَارَت يَاء التصغير ثَانِيَة

(2/287)


وَكَانَ الأَصْل ذييا إِذا قلت ذَا فالألف بدل من يَاء وَلَا يكون اسْم على حرفين فِي الأَصْل فقد ذهبت يَاء أُخْرَى فَإِن حقرت ذه أَو ذِي قلت تيا وَإِنَّمَا مَنعك أَن تَقول ذيا كَرَاهَة التباس الْمُذكر بالمؤنث فَقلت تيا لِأَنَّك تَقول تا فِي معنى ذه وتي كَمَا تَقول ذِي فصغرت تا لِئَلَّا يَقع لبس فاستغنيت بِهِ عَن تَصْغِير ذه أَو ذِي على لَفظهَا قَالَ الشَّاعِر
(وخَبّرتُماني أَنما المَوْتَ بالقُرى ... فكيفَ وهاتا هَضْبَةٌ وقَلِيبُ)
ويروي رَوْضَة وكثيب أَي وَهَذِه وَقَالَ عمرَان بن حطَّان
(ولَيسَ لعيشِنا هَذَا مَهاهٌ ... وليستْ دارُنا هاتا بدارِ)
فَإِن حقرت ذَاك قلت ذياك فَإِن حقرت ذَلِك قلت ذيالك

(2/288)


وَإِن حقرت أُولَئِكَ قلت أوليائك وَإِن حقرت أولى الْمَقْصُور قلت أوليا يَا فَتى وَإِن حقرت هَؤُلَاءِ الْمَمْدُود قلت هاؤليائك وَإِن حقرت هَؤُلَاءِ الْمَقْصُور قلت هاؤليا يَا فَتى وَإِنَّمَا زِدْت الْألف قبل آخرهَا لِئَلَّا يتَحَوَّل الْمَمْدُود عَن لَفظه فقلبوا لذَلِك وَكَانَ حَقِيقَتهَا هؤلييا لِأَن ألاء فِي وزن غراب وتحقير غراب غَرِيب وتحقير أولى لَو كَانَ غير مُبْهَم أولى فَاعْلَم فَإِن زِدْت الْألف أَوْلِيَاء وَتقول فِي تحقير الَّذِي اللذيا وَفِي تحقير الَّتِي اللتيا قَالَ الشَّاعِر
(بعدَ اللَّتَيا والَّتليا وَالَّتِي ... إِذا علَّتها أنْفُسٌ تَرَدَتِ)

(2/289)


وَلَو حقرت اللَّاتِي لقت فِي قَول سِيبَوَيْهٍ اللُّتيات تَصْغِير الَّتِي وتجمعها كَمَا تفعل بِالْجمعِ من غير الْمُبْهم الَّذِي يحقر واحده وَكَانَ الْأَخْفَش يَقُول اللويا لِأَنَّهُ لَيْسَ جمع الَّتِي على لَفظهَا فَإِنَّمَا هُوَ اسْم للْجمع كَقَوْلِك قوم وَنَفر وَهَذَا هُوَ الْقيَاس وَاعْلَم أَنَّك إِذا ثنيت أَو جمعت شَيْئا من هَذِه الْأَسْمَاء لم تلْحقهُ ألفا فِي آخِره من أجل الزِّيَادَة الَّتِي لحقته وَذَلِكَ قَوْلك فِي تَصْغِير اللَّذَان اللذيان وَفِي الَّذين اللذيين وَمن قَالَ اللذون قَالَ اللذيون وَكَانَ الْأَخْفَش يَقُول اللذيين يذهب إِلَى أَن الزِّيَادَة كَانَت فِي الْوَاحِد ثمَّ ذهبت لما جَاءَت يَاء الْجمع لالتقاء الساكنين فَيَجْعَلهُ بِمَنْزِلَة مصطفين وَلَيْسَ هَذَا القَوْل بمرضي لِأَن زِيَادَة التَّثْنِيَة وَالْجمع مُلْحقَة وَاعْلَم أَن من وَمَا وأيا لَا يحقرون كَمَا لَا تحقر الْحُرُوف الَّتِي دخلن عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ كم وَكَيف وَأَيْنَ لَا يحقرن لما ذكرت لَك وَكَذَلِكَ مَتى وَهن كُلهنَّ أَسمَاء

(2/290)


وكلٌّ لَا يحقر لِأَنَّهُ عُمُوم فَلَيْسَ للتحقير فِيهِ معنى لِأَن كلاًّ إِنَّمَا أَكثر بِهِ وَكَذَلِكَ كِلا وكل مَا كَانَ من هَذَا النَّحْو مِمَّا لم نذكرهُ فَهَذِهِ سَبيله فَأَجره على هَذَا الْبَاب

(2/291)


(هَذَا بَاب أَسمَاء الْجمع الَّتِي لَيْسَ لَهَا وَاحِد من لَفظهَا)
اعْلَم أَن مجْراهَا فِي التحقير مجْرى الْوَاحِد لِأَنَّهَا وضعت أَسمَاء كل اسْم مِنْهَا لجَماعَة كَمَا أَنَّك إِذا قلت جمَاعَة فَإِنَّمَا هُوَ اسْم مُفْرد وَإِن كَانَ الْمُسَمّى بِهِ جمعا وَكَذَلِكَ لَو سميت رجلا بمسلمين لَكَانَ اسْما مجموعا وَإِن وَقع على وَاحِد كَمَا قَالُوا كلاب بن ربيعَة والضباب بن كلاب وَكَذَلِكَ أَنْمَار وَكَذَلِكَ يحابر إِنَّمَا هُوَ جمع اليحبور وَهُوَ طَائِر وَتلك الْأَسْمَاء نفر وَقوم ورهط وَبشر تَقول بشير وقويم ورهيط فَإِن كَانَ اسْما لجمع غير الْآدَمِيّين لم يكن إِلَّا مؤنثا وَقد مَضَت الْعلَّة فِي ذَلِك وَذَلِكَ قَوْلك غنم وإبل تَقول غنيمَة وأبيلة وَكَذَلِكَ نسْوَة تَقول نسية لِأَن نسْوَة من امْرَأَة بِمَنْزِلَة نفر من رجل فعلى هَذَا فأجر هَذَا الْبَاب

(2/292)


(هَذَا بَاب التصغير الَّذِي يُسَمِّيه النَّحْوِيين تَصْغِير التَّرْخِيم)
وَهُوَ أَن تصغر الِاسْم على حذف الزَّوَائِد الَّتِي فِيهِ فَإِن لم تكن فِيهِ زَائِدَة صغرته بِكَمَالِهِ وَذَلِكَ قَوْلك فِي حَارِث حُرَيْث وَفِي مُحَمَّد حميد وَكَذَلِكَ أَحْمد وَفِي تَصْغِير سرحوب سريحب لِأَن الْوَاو فِيهِ زَائِدَة وَكَذَلِكَ لَو حقرت عجوزا لَقلت عجيزة لِأَنَّك إِذا حذفت الْوَاو بقيت على ثَلَاثَة أحرف فسميت بهَا الْمُؤَنَّث والمؤنث إِذا كَانَ اسْما علما على ثَلَاثَة أحرف لحقته الْهَاء فِي التصغير كَمَا ذكرت لَك وَذَلِكَ قَوْلك فِي هِنْد هنيدة وَفِي شمس شميسة فَأن لم تسم بِعَجُوزٍ وتركتها نعتا قلت عجيز كَمَا تَقول فِي خلق إِذا نعت بِهِ الْمُؤَنَّث خُليق تمّ التصغير

(2/293)


(هَذَا بَاب الْحُرُوف الَّتِي تكون استفهاما وخبرا وسنذكرها مفسرة فِي أَبْوَابهَا إِن شَاءَ الله)

(هَذَا بَاب أيّ مُضَافَة ومفردة فِي الِاسْتِفْهَام)
اعْلَم أَن أيا تقع على شَيْء هِيَ بعضه لَا تكون إِلَّا على ذَلِك فِي الِاسْتِفْهَام وَذَلِكَ قَوْلك أَي إخْوَتك زيد فقد علمت أَن زيدا أَحدهَا وَلم تدر أَيهمَا هُوَ وَتقول أَي زيد أحسن فَيكون الْجَواب رَأسه أم رجله أم يَده وَمَا أشبه ذَلِك وَاعْلَم أَن مَا وَقعت عَلَيْهِ أَي فتفسيره بِأَلف الِاسْتِفْهَام وَأم لَا تكون إِلَّا على ذَلِك لِأَنَّك إِذا قلت أَزِيد فِي الدَّار أم عَمْرو فعبارته أَيهمَا فِي الدَّار وَلَو قلت هَل زيد منطلق أَو من زيد أَو مَا زيد لم يكن لأي هَا هُنَا مدْخل فَأَي وَاقعَة على كل جمَاعَة مِمَّا كَانَت إِذا كَانَت أَي بَعْضًا لَهَا وَاعْلَم أَن حُرُوف الِاسْتِفْهَام مُخْتَلفَة الْمعَانِي مستوية فِي الْمَسْأَلَة وَسَنذكر من مسَائِل أَي مَا يُوضح لَك جملَته إِن شَاءَ الله تَقول أَي أَصْحَابك زيد ضربه فالتقدير أَي أَصْحَابك وَاحِد ضربه زيد لِأَن قَوْلك زيد ضربه فِي مَوضِع النَّعْت وَإِن شِئْت كَانَ قَوْلك زيد ضربه خبر لأي وَهُوَ أوضح وَأحسن فِي الْعَرَبيَّة

(2/294)


وَلَو قلت أَي الرجلَيْن هِنْد ضاربها أَبوهَا لم يكن كلَاما لِأَن أيا ابْتِدَاء وَلم تأت لَهُ بِخَبَر فَإِن قلت هِنْد ضاربها أَبوهَا فِي مَوضِع خَبره لم يجز لِأَن الْخَبَر إِذا كَانَ غير الِابْتِدَاء فَلَا بُد من رَاجع إِلَيْهِ وَلَو قلت أَي من فِي الدَّار يأتنا نأته كَانَ جيدا كَأَنَّك قلت أَي الْقَوْم إِن يأتينا نأته لِأَن من تكون جمعا على لفظ الْوَاحِد وَكَذَلِكَ الِاثْنَان قَالَ الله عز وَجل {وَمِنْهُم من يستمع إِلَيْك} وَقَالَ {وَمِنْهُم من يَسْتَمِعُون إِلَيْك} وَقَالَ {وَمِنْهُم من يُؤمن بِهِ} فَحمل على اللَّفْظ وَقَالَ {بلَى من أسلم وَجهه لله وَهُوَ محسن فَلهُ أجره عِنْد ربه وَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ} فَحل مرّة على اللَّفْظ وَمرَّة على الْمَعْنى وَقَالَ الشَّاعِر فَحمل على الْمَعْنى
(تَعَشَّ فإنْ عَاهَدتَني لاتَخونُني ... نَكُنْ مِثْلَ من يَا ذِئبُ يَصَطحِبانَ)
فَهَذَا مجَاز هَذِه الْحُرُوف

(2/295)


فَأَما من فَأَنَّهُ لَا يَعْنِي بهَا فِي خبر وَلَا اسْتِفْهَام وَلَا جَزَاء إِلَّا مَا يعقل لَا تَقول فِي جَوَاب من عنْدك فرس وَلَا مَتَاع إِنَّمَا تَقول زيد أَو هِنْد قَالَ الله عز وَجل {فَمن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ربه} وَقَالَ عز وَجل يَعْنِي الْمَلَائِكَة {وَمن عِنْده لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبَادَته} وَقَالَ جلّ اسْمه {أأمنتم من فِي السَّمَاء أَن يخسف بكم الأَرْض} فَأَما مَا فَتكون لذوات غير الْآدَمِيّين ولنعوت الْآدَمِيّين إِذا قَالَ مَا عنْدك قلت فرس أَو بعير أَو مَتَاع أَو نَحْو ذَلِك وَلَا يكون جَوَابه زيد وَلَا عَمْرو وَلَكِن يجوز أَن يَقُول مَا زيد فَتَقول طَوِيل أَو قصير أَو عَاقل أَو جَاهِل فَإِن جعلت الصّفة فِي مَوضِع الْمَوْصُوف على الْعُمُوم جَازَ أَن تقع على مَا يعقل وَمن كَلَام الْعَرَب سُبْحَانَ مَا سبح الرَّعْد بِحَمْدِهِ وَسُبْحَان مَا سخركُنَّ لنا وَقَالَ عز وَجل {وَالسَّمَاء وَمَا بناها} فَقَالَ قوم مَعْنَاهُ وَمن بناها وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّمَا هُوَ وَالسَّمَاء وبنائها كَمَا تَقول بَلغنِي مَا صنعت أَي صنيعك لِأَن مَا إِذا وصلت بِالْفِعْلِ كَانَت مصدرا وَكَذَلِكَ قَوْله عز وَجل {إِلَّا على أَزوَاجهم أَو مَا ملكت أَيْمَانهم} قَالَ قوم مَعْنَاهُ أَو ملك أَيْمَانهم وَقَالَ آخَرُونَ بل هُوَ أَو من فَأَما أَي وَالَّذِي فعامتان تقعان على كل شَيْء على مَا شرحته لَك فِي أَي خَاصَّة

(2/296)


(هَذَا بَاب مسَائِل أَي فِي الِاسْتِفْهَام)
تَقول أَي من إِن يأتنا يَأْته عبد الله فالتقدير أَي الَّذين إِن يَأْتُونَا يَأْتهمْ عبد الله وَلَو قلت أَي من أَن يَأْتِ زيدا قَائِما يَوْم الْجُمُعَة أَخُوك لم يجز لِأَنَّك لم تأت للجزاء بِجَوَاب وَلَكِن لَو قلت أَي من أَن يَأْته من إِن يأتنا نعطه يَأْتِ صَاحبك كَانَ الْكَلَام جيدا وَكَانَت أَي مَرْفُوعَة بِالِابْتِدَاءِ وَتَأْويل هَذَا أَي الَّذين إِن يَأْتهمْ من يأتنا نعطه يَأْتِ صَاحبك فقولك يَأْتِ جَوَاب الْجَزَاء الأول وَصَاحِبك خبر الِابْتِدَاء وَتَقْدِير هَذَا بِلَا صلَة أَي الَّذين إِن يَأْتهمْ زيد يَأْتِ صَاحبك لِأَن من الثَّانِيَة وصلتها فِي مَوضِع زيد وَلَو قلت أَي من إِن يَأْته من إِن يأتك تأته تكرمه نأتي كَانَ إِعْرَاب أَي النصب وَكَانَ التَّقْدِير أَيهمْ نأتي وَاعْلَم أَن أيا مُضَافَة ومفردة فِي الِاسْتِغْنَاء والاحتياج إِلَى الصِّلَة سَوَاء لِأَن الْمَعْنى وَاحِد كَمَا أَن زيد وزيدَ مَنَاة سَوَاء فِي الاحتي 4 اج والاستغناء لِأَن الْمَعْنى التَّسْمِيَة والإبانة عَن الشخوص وَلَو قلت أَي الثَّلَاثَة صَاحبك كَانَ جيدا لِأَن الْمَعْنى أَزِيد وَعَمْرو أم عَمْرو وخَالِد أم زيد وخَالِد

(2/297)


وَلَو قلت أَي الثَّلَاثَة ضرباها كَانَ فَاسِدا لِأَنَّك إِذا قلت ضربا لم يصلح أَن يُوصل فعلهمَا إِلَّا إِلَى وَاحِد وَإِلَّا زِدْت فِي الْعدَد وَلَو قلت أَي الثَّلَاثَة ضربا عمرا وَعَمْرو غير الثَّلَاثَة لم يكن فِي إِجَازَته شكّ فَإِن كَانَ عَمْرو أحد الثَّلَاثَة لم يجز وَذَاكَ إِن كنت تعرف عمرا لِأَنَّهُ قد خرج من الْمَسْأَلَة فَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن تَقول أَي الرجلَيْن فَإِن كنت لَا تعرف عمرا إِلَّا أَنَّك تعلم أَنه من الثَّلَاثَة فالقصة فِيهِ كالقصة فِيمَا قبله لِأَنَّك إِنَّمَا تسال عَن أحد اثْنَيْنِ وتحتاج إِلَى أَن تعرف عمرا وَلَو قلت أَي الثَّلَاثَة أَحدهمَا عَمْرو كَانَ عِنْد بعض النَّحْوِيين جَائِزا وَلَيْسَ يجوز عِنْدِي لما أشرحه لَك وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قلت أَي الرِّجَال أَحدهمَا عَمْرو وَالرِّجَال زيد عَمْرو وخَالِد فكأنك قلت أَهَذا وَهَذَا تَعْنِي زيدا وخالدا أم هَذَا وَهَذَا تَعْنِي عمرا وخالدا فَلَيْسَ هَذَا بَيَان لتخليص خَالِد إِذا كَانَ مَعَ عَمْرو من زيد لِأَن قصتهما فِيهِ وَاحِدَة وَلَا فِيهِ دَلِيل على عَمْرو بِعَيْنِه وَلَيْسَ معنى أَي إِلَّا التَّبْيِين وَلَا تَبْيِين فِي هَذَا وَمن أجَازه قَالَ قد وَقع فِيهِ ضرب من التَّبْيِين لأَنا نعلم أَن الثَّالِث المخلف لَيْسَ عَمْرو فَيُقَال لَهُ أَي إِنَّمَا خَبَرهَا هُوَ الْمَطْلُوب تَفْسِيره وَالَّذِي بيّنت أَنه لَيْسَ بِعَمْرو لَيْسَ مِنْهُمَا وَتقول أَي إخوانك زيد عَمْرو خَالِد يكلمهُ فِيهِ عِنْده كَمَا تَقول أَخُوك زيد عَمْرو خَالِد يكلمهُ فِيهِ عِنْده لِأَنَّهُ ابْتِدَاء بعد ابْتِدَاء وَلَو قلت أَي الَّذين فِي الدَّار هِنْد ضاربتهم جَازَ أَن تكون اقتطعت بِأَيّ جمَاعَة من جمَاعَة وَالْوَجْه ضاربته وَلَيْسَ الْحمل على الْمَعْنى بِبَعِيد بل هُوَ وَجه جيد قَالَ الله عز وَجل {وكل أَتَوْهُ داخرين} وَقَالَ {وَكلهمْ آتيه يَوْم الْقِيَامَة فَردا} فَهَذَا على اللَّفْظ وَالْأول على الْمَعْنى

(2/298)


وَلَو قلت أَي من فِي الدَّار يكرمك كَانَ جيد لِأَن الْمَعْنى أَي الْقَوْم يكرمك وَلَو قلت أَي من فِي الدَّار يكرمك تكرمه فَإِن شِئْت جعلت يكرمك الأولى من الصِّلَة فَكَانَ الْمَعْنى أَي من يكرمك فِي الدَّار فَيكون الْإِكْرَام وَقع لَك فِي الدَّار وَإِن شِئْت كَانَ فِي الصِّلَة وَإِن شِئْت أخرجته من الصِّلَة وَجَعَلته خَبرا وَجعلت تكرمه حَالا هَذَا فِي الرّفْع وَإِن شِئْت حزمتهما وَإِن شِئْت جعلت أَي جَزَاء وَإِن شِئْت رفعت الأول وجزمت الثَّانِي وَجعلت أيا استفهاما فَأَما من فِي هَذَا الْموضع فَهِيَ بِمَنْزِلَة الَّذِي وَفِي الدَّار صلتها فكأنك قلت أَي الْقَوْم تكرمه يكرمك إِذا كَانَ جَزَاء وتكرمه يكرمك إِذا كَانَت استفهاما وَتقول أيا تضرب وَتقول أَي تضربه كَمَا تَقول زيد تضربه فَإِن قَالَ قَائِل فَمَا بَال النصب لَا يخْتَار هَا هُنَا كَقَوْلِك أزيدا تضربه لِأَنَّهُ اسْتِفْهَام فَإِن الْجَواب فِي ذَلِك أَن أيا هِيَ الِاسْم وَهِي حرف اسْتِفْهَام فَلَا يكون قبلهَا ضمير وَذَلِكَ قَوْلك أزيدا ضَربته إِنَّمَا أوقعت الضَّمِير بعد ألف الِاسْتِفْهَام فنصب زيدا وَلَكِن لَو اجْتمع بعْدهَا اسْم وَفعل كَانَ الْمُخْتَار فِيهَا تَقْدِيم الْفِعْل فَإِن قدمت الِاسْم كَانَ على فعل مُضْمر وَذَلِكَ قَوْلك أَيهمْ أَخَاهُ تضربه وَلَو قلت أَيهمْ يضْرب أَخَاهُ كَانَ على قَوْلك زيدا تضربه وَلَو قلت أَيهمْ زيدا ضاربه إِذا كَانَ زيد مَفْعُولا كَانَ النصب فِي زيد الْوَجْه إِذا لم يكن ضَارب فِي معنى الْمَاضِي فَإِن رفعت على قَول من قَالَ أَزِيد أَنْت ضاربه قلت أَيهمْ زيد ضاربه هُوَ وَإِن شِئْت جعلت ضاربه خَبرا لزيد فَكَانَ هُوَ إِظْهَار الْفَاعِل لِأَن الْفِعْل جرى على غير صَاحبه وَإِن شِئْت جعلت هُوَ مقدما ومؤخرا على قَوْلك هُوَ ضاربه أَو ضاربه هُوَ كَانَ حسنا جميلا

(2/299)


وَتقول أَيهمْ أمة الله الْمُتَكَلّم فِيهَا هُوَ لَا يكون فِي أمة الله إِلَّا الرّفْع لِأَن الْفِعْل فِي الصِّلَة فَلَا يجوز أَن تضمر إِلَّا على جِهَة مَا ظهر وَتقول أَي يَوْم سَار زيد إِلَى عَمْرو كَأَنَّك قلت أيوم الْجُمُعَة سَار زيد إِلَى عَمْرو فَإِن قلت أَي يَوْم سَار مِنْهُ زيد إِلَى عَمْرو رفعت إِلَّا فِي قَول من قَالَ يَوْم الْجُمُعَة سرت فِيهِ وَتقول أيُّ أَصْحَابك من أَن يأتنا من يضْربهُ أَخُوهُ يُكرمهُ لِأَنَّك جعلت الْجَزَاء خَبرا عَن أَي

(2/300)


وَلَو قلت أَي من يأتني آته كَانَ محالا لِأَنَّك إِذا أضفت أيا إِلَى من لم تكن من إِلَّا بِمَنْزِلَة الَّذِي فان قلت أجعَل أيا استفهاما وَأَجْعَل من جَزَاء فقد أحلّت لِأَنَّك إِذا أضفت إِلَى الْجَزَاء اسْما دخله الْجَزَاء أَلا ترى أَنَّك تَقول غُلَام من يأتك تأته فَيصير الْجَزَاء للغلام صلَة فَإِن قلت فأجعل أيا بِمَنْزِلَة غُلَام قيل لَا يكون كَذَلِك إِلَّا أَن توصل لِأَنَّهَا إِذا لم تكن جَزَاء أَو استفهاما لم تكن إِلَّا مَوْصُولَة فَإِن قلت اجْعَلْهَا استفهاما \ قيل قد أحلّت لِأَنَّك قد جَعلتهَا جَزَاء واستفهاما فِي حَال وَمَتى كَانَت فِي إِحْدَاهمَا بَطل الآخر فَإِن قلت أرفع فَأَقُول أَي من يأتني آتيه فَذَلِك جيد لِأَنَّك جعلت يأتيني صلَة وآتيه خَبرا وأيا استفهاما فكأنك قلت أَي الْقَوْم آتيه وَلَو فصلت أيا من مَنْ لجَاز فَقلت أَي من يأتني آته فَكَانَت أَي استفهاما وَمن للجزاء وَكَذَلِكَ لَو قلت مَن منْ يأتنا نكرمه لَكَانَ جيدا تجْعَل الْهَاء فِي نكرمه رَاجِعَة إِلَى من الأولى فَيكون التَّقْدِير من الرجل الَّذِي من أَتَانَا من النَّاس أتيناه

(2/301)


(هَذَا بَاب أَي إِذا كنت مستفهما مستثبتا)
إِذا قَالَ لَك رجل رَأَيْت رجلا قلت أيا وَذَلِكَ أَنَّك أردْت أَن تحكي كَلَامه فَإِن قَالَ جَاءَنِي رجل قلت أَي مَوْقُوفَة فَإِن وصلت قلت أَي يَا فَتى لِأَنَّهَا مَرْفُوعَة كَالَّذي استفهمت عَنهُ فَإِن قَالَ مَرَرْت بِرَجُل قلت فِي الْوَقْف أَي مَوْقُوف كَمَا تَقول فِي المخفوض مَرَرْت بزيد فَإِن وصلت قلت أَي / يافتى فَإِن قَالَ جَاءَتْنِي امْرَأَة قلت أَيَّة فَإِن وصلت قلت أَيَّة يَا فَتى وَكَذَلِكَ النصب والخفض تنصب إِذا نصب وتخفض إِذا خفض حِكَايَة لقَوْله وتقف بِلَا حَرَكَة وَلَا تَنْوِين فَإِن ثنى فَقَالَ جَاءَنِي رجلَانِ قلت أَيَّانَ فَإِن قَالَ رَأَيْت رجلَيْنِ أَو مَرَرْت برجلَيْن قلت أيين على حِكَايَة كَلَامه وَإِن قَالَ جَاءَنِي امْرَأَتَانِ قلت أيتان وَفِي النصب والخفض أيتين وتكسر النُّون فِي الْوَصْل لِأَنَّهَا نون الِاثْنَيْنِ فَإِن قَالَ جَاءَنِي رجل قلت أيون فَإِن وصلت فتحت النُّون

(2/302)


وَإِن قَالَ مَرَرْت بِرِجَال أَو رَأَيْت رجَالًا قلت أيين وَإِن قَالَ جَاءَنِي نسَاء قلت أيات فَإِن وصلت قلت أياتٌ يَا فَتى وَإِن قَالَ مَرَرْت بنساء أَو رَأَيْت نسَاء قلت أياتٍ يَا فَتى إِذا وصلت فَإِن وقفت فبغير حَرَكَة وَلَا تَنْوِين على مَا وصفت لَك وَإِن شِئْت قلت فِي جَمِيع هَذَا ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى جمعا كَانَ أَو وَاحِدًا أَي يَا فَتى إِذا كَانَ مَرْفُوعا وأيا وأيَّ إِذا كَانَ مَنْصُوبًا أَو مخفوضا لِأَن أيا يجوز أَن تقع للْجَمَاعَة على لفظ وَاحِد وللمؤنث على لفظ الْمُذكر وَكَذَلِكَ التَّثْنِيَة لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة من وَمَا لِأَنَّهُمَا فِي جَمِيع مَا وقعتا عَلَيْهِ على لفظ وَاحِد وَإِنَّمَا جَازَ فِي أَي التَّثْنِيَة وَالْجمع دون أخواتها لِأَنَّهَا تُضَاف وتنفرد ويلحقها التَّنْوِين بَدَلا من الْإِضَافَة فَلذَلِك خَالَفت أخواتها وَإِن شِئْت تركت الْحِكَايَة فِي جَمِيع هَذَا واستأنفت فَرفعت على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر فَقلت أَي يَا فَتى لِأَنَّك لَو أظهرت الْخَبَر لم تكن أَي إِلَّا مَرْفُوعَة نَحْو قَوْلك أيُ من ذكرت وَأي هَؤُلَاءِ

(2/303)


(هَذَا بَاب أَي إِذا كنت مستثبتا بهَا عَن معرفَة)
إِذا قَالَ رجل رَأَيْت عبد الله فَإِن الِاسْتِفْهَام أَي عبد الله لَا يكون إِلَّا ذَلِك لِأَن أيا ابْتِدَاء وَعبد الله خَبره وَلَو قلت أَي يَا فَتى لم يكن إِلَّا للنكرة لِأَنَّك جَعلتهَا شائعة إِذْ لم تخصص بهَا اسْما وَلَو قَالَ قَائِل أَي يَا فَتى على أَنه أَرَادَ أَن عبد الله هَذَا مِمَّن يُنكره فَهُوَ عِنْده شَائِع بِمَنْزِلَة رجل لجَاز وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ فَأَما من عبد الله وَنَحْوه فبابه ظَاهر وَإِذا قلت رَأَيْت أخويك فَإِن الْوَجْه أَن يَقُول أَي أَخَوَاك على اللَّفْظ أَو الْمَعْنى وَالْحمل على الْمَعْنى حسن وَهُوَ الَّذِي يختاره من بعد سِيبَوَيْهٍ أَن يَقُول من أخواي لِأَنَّهُ قد فهم الْقِصَّة فعنها يُجيب وَكَذَلِكَ رَأَيْت الرجل ومررت بِالرجلِ فَإِن قَالَ رَأَيْت الرجلَيْن أَو أخويك فَقلت أَيَّانَ الرّجلَانِ وأيان أخواي فَهَذَا الَّذِي يختاره النحويون والإفراد فِي أَي الَّذِي بدأنا بِهِ حسن لما ذكرنَا فِي الْبَاب الَّذِي قبله وَلَو قلت رَأَيْت الرِّجَال أَو مَرَرْت بِالرِّجَالِ أَو جَاءَنِي الرِّجَال لَقلت أيون الرِّجَال وَأي الرِّجَال على مَا وصفت لَك

(2/304)


وَاعْلَم انه إِذا ذكر شَيْء من غير الْآدَمِيّين وَقعت عَلَيْهِ أَي كَمَا تقع على الْآدَمِيّين لِأَنَّهَا عَامَّة وَلَيْسَت كمن وَذَلِكَ أَنه لَو قَالَ ركبت حمارا لَكَانَ الْجَواب أيا أَو قَالَ مَرَرْت بِحِمَار لَقلت أَي يَا فَتى فَإِن وقفت قلت أَي على مَا شرحت لَك وَإِن قَالَ هَذَا الْحمار قلت أَي الْحمار كَمَا كنت قَائِلا فِي الْآدَمِيّين

(2/305)