المقتضب

 (هَذَا بَاب من إِذا كنت مستفهما بهَا عَن نكرَة)
إِذا قَالَ لَك رجل رَأَيْت رجلا فَإِن الْجَواب أَن تَقول منا أَو قَالَ جَاءَنِي رجل فَإنَّك تَقول منو أَو قَالَ مَرَرْت بِرَجُل قلت منى وَلَيْسَت هَذِه الْوَاو وَالْيَاء وَالْألف اللواحق فِي من إعرابا ولكنهن لحقن فِي الْوَقْف للحكاية فهن دَلِيل ولسن بإعراب فَإِن قَالَ جَاءَنِي رجلَانِ قلت منان وَإِن قَالَ مَرَرْت برجلَيْن أَو رَأَيْت رجلَيْنِ قلت منين وَإِن قَالَ رَأَيْت امْرَأَة أَو رَأَيْت امْرَأَة أَو مَرَرْت بِامْرَأَة قلت مِنْهُ؟ فَإِن قَالَ جَاءَتْنِي امْرَأَتَانِ قلت منتان؟ تسكن النُّون كَمَا كَانَت فِي من سَاكِنة وَإِنَّمَا حركتها فِيمَا قبل من أجل مَا بعْدهَا لِأَن هَاء التَّأْنِيث لَا تقع إِلَّا بعد حرف متحرك وَكَذَلِكَ حرف التَّثْنِيَة أَعنِي الْيَاء وَالْألف لسكونها فَأَما قَوْلك منو وَمنى فَإِنَّمَا حركت مَعهَا النُّون لعلتين إِحْدَاهمَا قَوْلك فِي النصب منا لِأَن الْألف لَا تقع إِلَّا بعد مَفْتُوح فَلَمَّا حركت فِي النصب حركت فِي الْخَفْض وَالرَّفْع ليَكُون المجرى وَاحِدًا وَالْعلَّة الْأُخْرَى أَن الْيَاء الْوَاو خفيفتان فَإِن جعلت قبل كل وَاحِدَة مِنْهُمَا الْحَرَكَة الَّتِي هِيَ مِنْهَا ظهرتا وتبينتا

(2/306)


فَإِن قَالَ لَك جَاءَنِي رجال قلت منون وَإِن قَالَ مَرَرْت بِرِجَال وَرَأَيْت رجَالًا قلت منين إِن قَالَ رَأَيْت نسَاء أَو ومررت أَو جَاءَنِي نسَاء بنساءٍ قلت منات فَإِن وصلت قلت فِي جَمِيع هَذَا من يَا فَتى لِأَنَّهَا الأَصْل وَإِنَّمَا ألحقت تِلْكَ الدَّلَائِل فِي الْوَقْف فصرن بِمَنْزِلَة مَا يلْحق فِي الْوَقْف مِمَّا لَا يثبت فِي الْوَصْل فَأَما الْوَصْل فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا مَا ذكرت لَك لِأَن من فِي النصب وَالرَّفْع والخفض والمؤنث والمذكر والتثنية وَالْجمع على لفظ وَاحِد تَقول رَأَيْت من فِي الدَّار وَجَاءَنِي من فِي الدَّار وَقد شرحنا الْعلَّة فِي ذَلِك فَإِن اضْطر شَاعِر جَازَ أَن يصل بالعلامة وَلَيْسَ ذَلِك حسن قَالَ الشَّاعِر
(أتَوا نَارِي فَقُلْتُ مَنُونَ أنتمْ ... فَقَالُوا الجِنُّ قلتُ عِموا ظلاما)

(2/307)


وَلَو قَالَ قَائِل إِذا قيل لَهُ جَاءَنِي رجال منو وَإِن قيل لَهُ رَأَيْت رجَالًا قَالَ منا أَو مَرَرْت بِرِجَال فَقَالَ منى يلْحق الْعَلامَة وَلَا يثنى من وَلَا يجمعها كَانَ جَائِزا وَالْأَكْثَر مَا بدأنا بِهِ وَقِيَاس من فِيهَا مَا ذكرت لَك مَا تقدم شَرحه من أَنَّهَا مُفْردَة تقع للْجَمِيع ولاثنين وَغير ذَلِك وَلَا تظهر فِيهَا عَلامَة

(2/308)


(هَذَا بَاب من إِذا كنت مسترشدا بهَا عَن إِثْبَات معرفَة)
إِذا قَالَ لَك رجل جَاءَنِي عبد الله فَإِن السُّؤَال إِذا كنت تعرف جمَاعَة كلهم عبد الله من عبد الله وَإِذا قَالَ رَأَيْت عبد الله قلت من عبد الله وَإِن قَالَ مَرَرْت بِعَبْد الله قلت من عبد الله فَهَذَا سَبِيل كل اسْم علم مستفهم عَنهُ أَن تحكيه كَمَا قَالَ الْمخبر وَلَو قلت فِي جَمِيع هَذَا من عبد الله كَانَ حسنا جيدا وَإِنَّمَا حكيت ليعلم السَّامع أَنَّك تسأله عَن هَذَا الَّذِي ذكر بِعَيْنِه وَلم تبتدئ بالسؤال عَن آخر لَهُ مثل اسْمه وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنَّك لَو قلت وَمن أَو فَمن لم يكن مَا بعدهمَا إِلَّا رفعا لِأَنَّك عطفت على كَلَامه فاستغنيت عَن الْحِكَايَة لِأَن الْعَطف لَا يكون مُبْتَدأ فَإِن قَالَ رَأَيْت أَخَاك أَو مَرَرْت بأخيك كَانَ الِاسْتِفْهَام من أَخُوك أَو من أخي وَلَا تحكي لِأَن الْحِكَايَة إِنَّمَا تصلح فِي الْأَسْمَاء الْأَعْلَام خَاصَّة لما أذكرهُ لَك من أَنَّهَا على غير منهاج سَائِر الْأَسْمَاء وَكَذَلِكَ إِن قَالَ رَأَيْت الرجل يَا فَتى قلت من الرجل وَكَانَ يُونُس يجْرِي الْحِكَايَة فِي جَمِيع المعارف وَيرى بَابهَا وَبَاب الْأَعْلَام وَاحِدًا وَقد يجوز مَا قَالَ وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ وَإِنَّمَا هُوَ على قَول من قيل لَهُ عِنْدِي تمرتان فَقَالَ دعنى من تمرتان وَقيل لَهُ رَأَيْت قرشيا فَقَالَ لَيْسَ بقرشيا

(2/309)


فَهَذَا جَائِز وَلَيْسَ هُوَ على الْبَاب إِنَّمَا تحكى الْجمل نَحْو قلت زيد منطلق لِأَنَّهُ كَلَام قد عمل بعضه فِي بعض وَكَذَلِكَ قَرَأت الْحَمد لله رب الْعَالمين وَرَأَيْت على خَاتمه الله أكبر وَلَا يصلح أَن تَقول إِذا قلت رَأَيْت زيدا وَلَقِيت أَخَاك منا لِأَن ذَلِك إِنَّمَا هُوَ سُؤال شَائِع فِي النكرَة والكنى الَّتِي هِيَ أَعْلَام بِمَنْزِلَة الْأَسْمَاء فَهَذَا جملَة هَذَا الْبَاب وتثنية الْأَعْلَام وَجَمعهَا يردهَا إِلَى النكرَة فتعرف بِالْألف وَاللَّام فَتَصِير بِمَنْزِلَة رجل وَالرجل نَحْو رَأَيْت زيدين وَرَأَيْت الزيدين إِلَّا مَا كَانَ مُضَافا إِلَى معرفَة فَإِن تَعْرِيفه بِالْإِضَافَة فتعريفه بَاقٍ لِأَن الَّذِي أضيف إِلَيْهِ بَاقٍ وَقد ذكرنَا هَذَا فِي بَاب الْمعرفَة والنكرة وَلَو قَالَ رجل فِي جَمِيع الْجَواب عَن من رفعا تكلم بِهِ الْمُتَكَلّم أَو نصبا أَو خفضا فَقَالَ الْمُجيب من عبد الله على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر كَانَ جيدا بَالغا وَهُوَ الَّذِي يختاره سِيبَوَيْهٍ كَمَا كَانَ ذَلِك فِي أَي وَهُوَ قَول بني تَمِيم وَهُوَ أَقيس

(2/310)


(هَذَا بَاب من إِذا أردْت أَن يُضَاف لَك الَّذِي تسْأَل عَنهُ)
اعْلَم أَن رجلا لَو قَالَ رَأَيْت زيدا فَلم تدر أَي الزيود هُوَ لَكَانَ الْجَواب على كَلَامه أَن تبتدئ فَتَقول آلقوشي أم الثَّقَفِيّ أم الطَّوِيل أم الْقصير وَكَذَلِكَ يرد عَلَيْك الْجَواب فَيَقُول الْقصير يَا فَتى وَنَحْو ذَلِك لِأَن الْكَلَام يرجع إِلَى أَوله أَلا ترى لَو أَن قَائِلا قَالَ كَيفَ أَصبَحت أَو كَيفَ كنت لَكَانَ الْجَواب أَن تَقول صَالحا لِأَن كَيفَ فِي مَوضِع الْخَبَر كَأَنَّهُ قَالَ أصالحا أَصبَحت أم طالحا فأجبته على مِقْدَار ذَلِك وَلَو قلت صَالح وَنَحْوه لجَاز تدع كَلَامه وتبتدئ كَأَنَّك قلت أَنا صَالح وَكَذَلِكَ يجوز آلقوشي أم الثَّقَفِيّ؟ تركت كَلَامه وابتدأت فَقلت أَهَذا الَّذِي ذكرت زيد الْقرشِي أم زيد الثَّقَفِيّ وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لَك الْقرشِي على هُوَ لَكَانَ جَائِزا حسنا لِأَنَّهُ غير خَارج عَن الْمَعْنى

(2/311)


(هَذَا بَاب الصّفة الَّتِي تجْعَل وَمَا قبلهَا بِمَنْزِلَة شَيْء وَاحِد فيحذف التَّنْوِين من الْمَوْصُوف)
وَذَلِكَ قَوْلك هَذَا زيد بن عبد الله وَهَذَا عَمْرو بن زيد والكنية كالاسم تَقول هَذَا أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء يَا فَتى وَهَذَا زيد بن أبي زيد فَهَذَا الْبَاب وَالْوَجْه فَأَما أَكثر النَّحْوِيين فيذهبون إِلَى أَن التَّنْوِين إِنَّمَا حذف لالتقاء الساكنين وَكَانَ فِي هَذَا لَازِما لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَة شَيْء وَاحِد فَإِن كَانَ فِي غير هَذَا الْموضع فالمختار وَالْوَجْه فِي التَّنْوِين التحريك لالتقاء الساكنين لِأَن الْحَذف إِنَّمَا يكون فِي حرف الْمَدّ واللين خَاصَّة وَإِنَّمَا جَازَ فِي التَّنْوِين لمضارعته إِيَّاهَا وَأَنه يَقع كثيرا بَدَلا مِنْهَا وتزاد فِي الْموضع الَّذِي تزاد فِيهِ لَا تنفك من ذَلِك فَلَمَّا أشبههَا وَجرى مَعهَا أجْرى مجْراهَا مَعهَا فِي اضطرار الشَّاعِر وَفِيمَا ذكرت من هَذَا الِاسْم وَالصّفة فَأَما مَا جَاءَ من هَذَا فِي الشّعْر فَقَوله
(عَمْرو الَّذِي هَشَمَ الثَّريدَ لِقومهِ ... ورِجالُ مَكَةَ مَسِننُونَ عِجافُ)

(2/312)


وَقَالَ آخر
(حَميدُ الَّذِي أمجٌ دارُهُ ... أخُو الخَمرِ ذُو الشَّيبةِ الأصْلَعِ)
وينشد بَيت أبي الْأسود
(فَأَلْفَيْته غيرَ مُسْتَعتِبٍ ... وَلَا ذاكرَ اللهَ إِلَّا قَليلا)

(2/313)


على أَنه حذف التَّنْوِين لالتقاء الساكنين وَقَرَأَ بعض الْقُرَّاء {قُلْ هُوَ اللهُ أحدُ اللهُ الصَمَدُ}
وَأما الْوَجْه فإثبات التَّنْوِين وَإِنَّمَا هَذَا مجَاز فَمن ذهب إِلَى أَن حذف التَّنْوِين لالتقاء الساكنين قَالَ هَذِه هندٌ بنت عبد الله فِيمَن صرف هندا لِأَنَّهُ لم يلتق ساكنان فَكَانَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء يذهب إِلَى أَن الْحَذف جَائِز لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَة اسْم وَاحِد لالتقاء الساكنين ويحتج بِمَا ذكرته لَك فِي النداء من قَوْلهم يَا زيد بن عبد الله وَقَالَ هَذَا هُوَ بِمَنْزِلَة قَوْلك هَذَا امْرُؤ ومررت بامرئ وَرَأَيْت امْرأ تكون الرَّاء تَابِعَة للهمزة وفكذلك آخر الِاسْم الاول تَابع لنون ابْن وَهُوَ وَابْن شَيْء وَاحِد تَقول هَذَا زيد بن عبد الله ومررت بزيد بنِ عبد الله وَرَأَيْت زيدَ بنَ عبد الله فَيَقُول هَذِه هِنْد بنتُ عبد الله فِيمَن صرف هندا وَاعْلَم أَن الشَّاعِر إِذا اضْطر رده إِلَى حكم النَّعْت والمنعوت فَقَالَ هَذَا زيد بن عبد الله لِأَنَّهُ وقف على زيد ثمَّ نَعته وَهَذَا فِي الْكَلَام عندنَا جَائِز حسن فَمن ذَلِك قَوْله

(2/314)


(جاريةٌ منْ قَيسٍ ابنِ ثَعلَبة ... )
فَإِن كَانَ الثَّانِي غير نعت لم يكن فِي الأول إِلَّا التَّنْوِين تَقول رَأَيْت زيدا ابنَ عَمْرو لِأَنَّك وقفت على زيد ثمَّ أبدلت مِنْهُ مَا بعده وَلَو قلت هَذَا زيد ابْن أَخِيك لم يكن فِي زيد إِلَّا التَّنْوِين لِأَن قَوْلك ابْن أَخِيك لَيْسَ بِعلم ولأنك إِنَّمَا تحذف التَّنْوِين من الْعلم إِذا كَانَ مَنْسُوبا إِلَى علم مثله وَكَذَلِكَ هَذَا رجل ابْن رجل نعرفه وَهَذَا زيد ابنُ زيدك لِأَنَّك جعلت زيدا الثَّانِي نكرَة ثمَّ عَرفته بِالْإِضَافَة وَلَو قلت هَذَا زيد بني عَمْرو لم يكن إِلَّا التَّنْوِين لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا كثر فَحذف وَلَا التقى ساكنان وَلَو قلت هَذَا زيد ابْن أبي عَمْرو وَأَبُو عَمْرو غير كنية وَلَكِنَّك أردْت أَن أَبَاهُ أَبُو آخر يُقَال لَهُ عَمْرو لم يكن فِي زيد إِلَّا التَّنْوِين إِلَّا فِي قَول من قَرَأَ {قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد} وَقد مضى تَفْسِيره وَمن قَالَ بِالدَّلِيلِ قَالَ يَا زيد ابْن عبد الله لِأَنَّهُ دَعَا زيدا ثمَّ أبدل مِنْهُ فَهَذَا كَقَوْلِه يَا زيد أَخا عبد الله فعلى هَذَا يجْرِي هَذَا الْبَاب

(2/315)


فَأَما الْقِرَاءَة فعلى ضَرْبَيْنِ قَرَأَ قوم {وَقَالَت الْيَهُود عُزَيْر ابْن الله} لِأَنَّهُ ابْتِدَاء وَخبر فَلَا يكون فِي عُزَيْر إِلَّا التَّنْوِين وَمن قَرَأَ {عُزَيْر ابْن الله} فَإِنَّمَا أَرَادَ خبر ابْتِدَاء كَأَنَّهُمْ قَالُوا هُوَ عُزَيْر بن الله وَنَحْو هَذَا مِمَّا يضمر وَيكون حذف التَّنْوِين للالتقاء الساكنين وَهُوَ يُرِيد الِابْتِدَاء وَالْخَبَر فَيصير كَقَوْلِك زيد الَّذِي فِي الدَّار فَهَذَا وَجهه ضَعِيف جدا لِأَن حق التَّنْوِين أَن يُحَرك لإلتقاء الساكنين إِلَّا أَن يضْطَر شَاعِر على مَا ذكرت لَك فَيكون كَقَوْلِه
(عَمْرو العُلا هَشَمَ الثرِيدَ لِقَوْمِهِ ... ورِجالُ مَكَةَ مُسْنِتونَ عِجافُ)

(2/316)


(هَذَا يكون آخر الْكَلَام فِي الِاسْتِفْهَام)
إِذا أردْت عَلامَة الْإِنْكَار لِأَن يكون الْأَمر على مَا ذكر أَو على خلاف مَا ذكر وَهِي وَاو تلْحق الْمَرْفُوع والمضموم وياء تلْحق المخفوض والمكسور وَألف تلْحق المفتوح والمنصوب وتلحقها بعد كل حرف من هَذِه الْحُرُوف لِأَن حُرُوف اللين خُفْيَة فَإِنَّمَا تلْحق الْهَاء لتوضح الْحَرْف كَمَا تلْحق فِي الندبة وَنَحْوهَا وجد هَذَا الْبَاب هَكَذَا وَهُوَ تَرْجَمَة بَاب لم نذْكر شَرحه وَالْبَاب مَعْرُوف فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ وَكَذَا وَقع هَذَا

(2/317)


(هَذَا بَاب الْقسم)
اعْلَم أَن للقسم أدوات توصل الْحلف إِلَى الْمقسم بِهِ لِأَن الْحلف مُضْمر مطرح لعلم السَّامع بِهِ كَمَا كَانَ قَوْلك يَا عبد الله محذوفا مِنْهُ الْفِعْل لما ذكرت لَك وَكَذَلِكَ كل مُسْتَغْنى عَنهُ فَإِن شِئْت أظهرت الْفِعْل كَمَا أَنَّك تَقول يَا زيد عمرا أَي عَلَيْك عمرا وَتقول الطَّرِيق يَا فَتى أَي خل الطَّرِيق وَترى الرَّامِي قد رمى فَتسمع صَوتا فَتَقول القرطاس واللهِ أَي أصبت وَإِن شِئْت قلت خل الطَّرِيق وَيَا زيد عَلَيْك عمرا وأصبت القرطاس يَا فَتى وَكَذَلِكَ قَوْله عز وَجل {بل مِلَّة إِبْرَاهِيم} إِنَّمَا هُوَ اتبعُوا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ جَوَاب قَوْله {كونُوا هودا أَو نَصَارَى} فَهَكَذَا الْقسم فِي إِضْمَار الْفِعْل وإظهاره وَذَلِكَ قَوْله أَحْلف باللهِ لأفعلنّ وَإِن شِئْت قلت باللهِ لَأَفْعَلَنَّ وَالْبَاء موصلة كَمَا كَانَت موصلة فِي قَوْلك مَرَرْت بزيد فَهِيَ وَالْوَاو تدخلان على

(2/318)


كل مقسم بِهِ لِأَن الْوَاو فِي معنى الْبَاء وَإِنَّمَا جعلت مَكَان الْبَاء وَالْبَاء هِيَ الأَصْل كَمَا كَانَ فِي مَرَرْت بزيد وَضربت بِالسَّيْفِ يَا فَتى لِأَن الْوَاو من مخرج الْبَاء ومخرجهما جَمِيعًا من الشّفة فَلذَلِك أبدلت مِنْهَا كَمَا أبدلت من رب فِي قَوْله
(وَبَلَدٍ ليسَ بِهِ أنيسُ)
لِأَنَّهَا لما أبدلت من الْبَاء دخلت على رب لما أشرحه لَك فِي بَابهَا كَمَا تدخل الْإِضَافَة بَعْضهَا على بعض فَمن ذَلِك قَوْله عز وَجل {يَحْفَظُونَهُ من أَمر الله} أَي بِأَمْر الله وَقَالَ {ولأصلبنكم فِي جُذُوع النّخل} أَي على وَقَالَ {أم لَهُم سلم يَسْتَمِعُون فِيهِ} أَي يَسْتَمِعُون عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّاعِر
(هُمُ صَلَبوا العَبْديَّ فِي جِذْعِ نَخْلَةٍ ... فَلَا عَطَسَتْ شَيبانُ إلاّ بِأجدَعا)

(2/319)


وَقَالَ آخر
(إِذا رَضيتُ على بَنو قُشيرٍ ... لعمْرُ اللهِ أعجبني رِضاها)
أَي عَنى وَقَالَ الآخر
(غَدَتْ من عَلَيْهِ تَنْفُضُ الطَّلَّ بعْدَ مَا ... رأتْ حاجِبَ الشَّمسِ اسْتَوَى فَتَرَفَّعا)
وسنفرد بَابا لما يصلح فِيهِ الْإِبْدَال وَمَا يمْتَنع مِنْهُ إِن شَاءَ الله تَقول وَالله لَأَفْعَلَنَّ وتالله لافعلن وتبدل التَّاء من الْوَاو وَلَا تدخل من الْمقسم بِهِ إِلَّا فِي الله وَحده وَذَلِكَ قَوْله {وتَااللهِ لأَكِيدَنَّ أصْنامَكُمْ} وَإِنَّمَا امْتنعت من الدُّخُول فِي جَمِيع مَا دخلت فِيهِ الْبَاء وَالْوَاو لِأَنَّهَا لم تدخل على الْبَاء الَّتِي هِيَ الأَصْل وَإِنَّمَا دخلت على الْوَاو الدَّاخِلَة على الْبَاء فَلذَلِك لم تتصرف فَأَما إبدالها من الْوَاو فَنحْن نذكرهُ مُفَسرًا فِي التصريف أَلا ترى أَنَّك تَقول هَذَا أتقى من هَذَا وَالْأَصْل أوقى لِأَنَّهُ من وقيت وَكَذَلِكَ تراث إِنَّمَا هُوَ وراث لِأَنَّهُ من ورثت

(2/320)


وتجاه فعال من الْوَجْه وَكَذَلِكَ تخمة من الوخامة وَهَذَا أَكثر من أَن يُحْصى أَو يُؤْتى بِجَمِيعِهِ وَنحن نستقصي شَرحه فِي بَاب التصريف إِن شَاءَ الله وَاعْلَم أَنَّك إِذا حذفت حُرُوف الْإِضَافَة من الْمقسم بِهِ نصبته لِأَن الْفِعْل يصل فَيعْمل فَتَقول اللهَ لَأَفْعَلَنَّ لِأَنَّك أردْت أَحْلف اللهَ لَأَفْعَلَنَّ وَكَذَلِكَ كل خافض فِي مَوضِع نصب إِذا حذفته وصل الْفِعْل فَعمل فِيمَا بعده كَمَا قَالَ الله عز وَجل {وَاخْتَارَ مُوسَى قومه سبعين رجلا} أَي من قومه وَقَالَ الشَّاعِر
(أسْتَغْفِرُ اللهَ ذَنْباً لستُ مُحْصِيَهُ ... رَبَّ العِبادِ إليهِ الوّجْهُ والعَمَلُ)
أَي من ذَنْب وَقَالَ الشَّاعِر
(أمَرْتُكَ الخَيرَ فافْعَلْ مَا أمِرْتُ بهِ ... فقَدْ تَرَكْتُكَ ذَا مالٍ وَذَا نَشَبِ)
فَتَقول اللهَ لَأَفْعَلَنَّ وَكَذَلِكَ كل مقسم بِهِ وَاعْلَم أَن للقسم تعويضات من أدواته تحل محلهَا فَيكون فِيهَا مَا يكون فِي أدوات الْقسم

(2/321)


وَتعْتَبر ذَلِك بأنك لَا تجمع بَينهَا وَبَين مَا هِيَ عوض مِنْهُ فَإِن جَازَ الْجمع بَين شَيْئَيْنِ فَلَيْسَ أَحدهمَا عوضا من الآخر أَلا ترى أَنَّك تَقول عَلَيْك زيدا وَإِنَّمَا الْمَعْنى خُذ زيدا وَمَا أشبهه من الْفِعْل فَإِن قلت عَلَيْك لم تجمع بَينهَا وَبَين فعل آخر لِأَنَّهَا بدل من ذَلِك الْفِعْل فَمن هَذِه الْحُرُوف الْهَاء الَّتِي تكون للتّنْبِيه تَقول لَاها اللهِ ذَا وَإِن شِئْت قلت لاهلله ذَا فَتكون فِي مَوضِع الْوَاو إِذا قلت لَا واللهِ فَأَما قَوْلك ذَا فَهُوَ الشَّيْء الَّذِي تقسم بِهِ فالتقدير لَا وَالله هَذَا مَا أقسم بِهِ فحذفت الْخَبَر لعلم السَّامع بِهِ فَأَما مدَّتهَا وإجراء المدغم بعْدهَا فِي قَوْلك لَا هالله ذَا فَإنَّك أتيت ب هَا الَّتِي للتّنْبِيه وَثبتت الْألف لِأَن حُرُوف الْمَدّ يَقع بعْدهَا السَّاكِن المدغم وَتَكون الْمدَّة عوضا من الْحَرَكَة لِأَنَّك ترفع لسَانك عَن المدغم رفْعَة وَاحِدَة وَقد مضى تَفْسِير هَذَا فَيكون قَوْلك دَابَّة وشابة وراد وَمَا أشبهه وَأما قَوْلك لَا هلله ذَا فَإنَّك حذفت الْألف من هَاء التَّنْبِيه لما وصلتها وجعلتها عوضا من الْوَاو كَمَا فعلت بهَا فِي هَلُمَّ وَهَا هَذِه

(2/322)


هِيَ الَّتِي تلْحق فِي قَوْلك هَذَا قُلْنَا الْمَعْنى لَا وَالله هَذَا مَا أقسم بِهِ لِأَنَّهَا للتّنْبِيه فالتنبيه يَقع قبل كل مَا نبهت عَلَيْهِ كَمَا قَالَ الشَّاعِر
(تَعَلَّمْنْ هَا لعُمرُ اللهِ ذَا قَسَماً ... فاقَدِرْ بذَرْعِكَ وانظُرْ أينَ تَنْسَلِكُ)
أردا تعلمن لعمر الله هَذَا قسما فَقدم هَا وَقَالَ الآخر
(وَنَحنُ اقتَسَمْنا المَالَ نِصْفَينِ بينَنْا ... فقلتُ لهمْ هَذَا لَهَا هَا وَذَا ليا)
يُرِيد وَهَذَا ليا وَمن هَذِه الْحُرُوف ألف الِاسْتِفْهَام إِذا وَقعت على الله وَحدهَا لِأَنَّهُ الِاسْم الْوَاقِع على الذَّات وَسَائِر أَسمَاء الله عز وَجل إِنَّمَا تجْرِي فِي الْعَرَبيَّة مجْرى النعوت وَذَلِكَ قَوْلك آللهِ لتفعلن وَكَذَلِكَ ألف آيم إِذا لحقتها ألف الِاسْتِفْهَام لم تحذف وَثبتت كَمَا تثبت مَعَ الْألف وَاللَّام اللَّتَيْنِ للتعريف فِي قَوْلك آلرجل قَالَ ذَاك

(2/323)


وَكَذَلِكَ ألف الْوَصْل إِذا لحقتها الْفَاء جعلت عوضا فثبتت وَلم تحذف كَمَا ثبتَتْ مَعَ ألف الِاسْتِفْهَام وَذَلِكَ قَوْلك أفإللهِ لتفعَلَن وَمن حُرُوف الْقسم إِلَّا أَنَّهَا تقع على معنى لتعجب اللَّام وَذَلِكَ قَوْلك للهِ مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ قطّ كَمَا قَالَ
(للهِ يَبقى على الأيامِ ذُو حّيّدٍ ... بِمَشْخَرٍ بهِ الظّيَّانُ الآسُ)
وَقد تقع التَّاء فِي معنى التَّعَجُّب وَلم نذكرها هَا هُنَا لِأَن ذكرهَا قد تقدم فَهَذَا جملَة لهَذِهِ الْحُرُوف وسنبين لم دخل بَعْضهَا على بعض كَمَا شرحنا دُخُول الْوَاو على التَّاء إِن شَاءَ الله

(2/324)


(هَذَا بَاب الْأَسْمَاء الَّتِي يعْمل يعضها فِي بعض وفيهَا معنى الْقسم)
اعْلَم أَن هَذِه الْأَسْمَاء الَّتِي نذكرها لَك إِنَّمَا دَخلهَا معنى الْقسم لمعان تشْتَمل عَلَيْهَا كَمَا أَنَّك تَقول علم الله لَأَفْعَلَنَّ ف علم فعل ماضي وَالله عز وَجل فَاعله فإعرابه كإعراب رزق الله إِلَّا أَنَّك إِذا قلت علم الله فقد استشهدت فَذَلِك صَار فِيهِ معنى الْقسم أَلا ترى أَنَّك تَقول غفر الله لزيد فلفظه لفظ مَا قد وَقع وَمَعْنَاهُ أسأَل الله أَن يغْفر لَهُ فَلَمَّا علم السَّامع انك غير مخبر عَن الله بِأَنَّهُ فعل جَازَ أَن يَقع على مَا ذَكرْنَاهُ وَلم يفهم عَن قَائِله إِلَّا على ذَلِك فَإِن أخبر عَن خبر صَادِق كَانَ مجازه مجَاز سَائِر الْأَخْبَار فَقَالَ {لقد رَضِي الله عَن الْمُؤمنِينَ} وَغفر اللهُ لأَصْحَاب مُحَمَّد
فَهَذَا مجَاز وَكَذَلِكَ شهد الله لَأَفْعَلَنَّ لِأَن بِمَنْزِلَة علم الله فَمن تِلْكَ الْأَسْمَاء قَوْلك لعمرك لَأَفْعَلَنَّ وعَلى عهد الله لَأَفْعَلَنَّ وعَلى يَمِين الله لَأَفْعَلَنَّ

(2/325)


فَهَذَا مثل قَوْلك على زيد دِرْهَمَانِ ولزيد أفضل من عَمْرو لِأَنَّهُ إِنَّمَا وَقع قسما لقَوْله لعمر الله مَا اقْسمْ بِهِ وَإِذا قلت على عهد الله فقد أَعْطيته عَهْدك بِمَا ضمنته لَهُ وَبَعض الْعَرَب ينشد هَذَا الْبَيْت فيرفع الْقسم فَيَقُول
(فقلتُ يمينَ اللهِ أبْرَحَ قَاعِدا ... وَلَو ضربوا رَأْسِي لديكِ وأوصالي)
يُرِيد يَمِين الله على وَاعْلَم أَن المصادر وَمَا يجْرِي مجْراهَا إِنَّمَا تقع فِي الْقسم مَنْصُوبَة بأفعالها لِأَن فِيهَا الْمعَانِي الَّتِي وَصفنَا وَذَلِكَ قَوْلك عمرك اللهَ لَا تقم وقعدك الله لَا تقم وَإِن شِئْت قلت قعيدك الله وَكَذَلِكَ يَمِين الله وَعَهده

(2/326)


وَإِن شِئْت كَانَ على قَوْلك بِيَمِين الله وَمَا أشبهه فَلَمَّا حذفت حرف الْإِضَافَة وصل الْفِعْل فَعمل على مَا وصفناه فِي أول الْبَاب وَكَذَلِكَ وَيَمِين الله

(2/327)


وَإِن شِئْت كَانَ على قَوْلك عمرتك الله تعميرا ونشدتك الله نشدا ثمَّ وضعت عمرك فِي مَوضِع التَّعْمِير وَكَذَلِكَ أخوانه قَالَ الشَّاعِر

(2/328)


(عَمَرتُكِ اللهَ إلاّ مَا ذكرتِ لنا ... هلْ كُنْتِ جارَتَنا أيّامَ ذِي سَلَمِ)
يُرِيد ذكرتك الله وَقَالَ الشَّاعِر
(عَمَرْتُكِ اللهَ العَلَّي فإنَّني ... ألوي عَلَيكِ لوانَّ لُبَّكِ يَهْتَدِي)
وَلذَلِك جعل الْمصدر فِي مَوْضِعه فَقَالَ
(أيُّها المنكِحُ الثُّريا سُهيْلاً ... عَمَرَكَ اللهَ كَيْفَ يَلْتَقيانِ)

(2/329)


وَقَالَ الآخر
(قَعِيدِكِ أنْ لَا تُسْمِعِني مَلامَةً ... وَلَا تُنْكِثي قَرْحَ الفؤادِ فَيَيْجعا)
فَكل مَا كَانَ من ابْتِدَاء أَو خبر أَو فعل وفاعل فِيهِ معنى الْقسم فَهَذَا مجازه وَاعْلَم أَن من هَذِه الْحُرُوف آيم وآيمن وألفها ألف وصل وَتَمام الِاسْم النُّون تَقول آيم اللهٍ لَأَفْعَلَنَّ آيمن اللهِ لَأَفْعَلَنَّ وَلَيْسَ بِجمع يَمِين وَلكنه اسْم مَوْضُوع للقسم وَلَو كَانَ جمع يَمِين لكَانَتْ أَلفه ألف قطع فوصلهم إِيَّاهَا يدلك على أَنَّهَا زَائِدَة وَإِنَّهَا لَيست من هَذَا الِاشْتِقَاق وَقَالَ الشَّاعِر
(فقالَ فريقُ القومِ لما نَشَدتُهم ... نَعَمْ وَفَريقٌ لَيَمْنَ اللهِ مَا نَدْرِي)
فَمن قَالَ آيم الله قَالَ ليم الله لَأَفْعَلَنَّ فَإِن وَقع عَلَيْهَا ألف الِاسْتِفْهَام مددت وَلم تحذف ألف الْوَصْل فيلتبس الِاسْتِفْهَام بالْخبر كَمَا كنت فَاعِلا بِالْألف الَّتِي مَعَ اللَّام فِي قَوْلك آلرجل قَالَ ذَاك فَيَقُول آيم اللهٍ لقد كَانَ ذَاك وَزعم يُونُس أَن من الْعَرَب من يَقُول اِيمُ اللهٍ فِي مَوضِع اَيم اللهِ فَهِيَ عِنْد هَؤُلَاءِ بِمَنْزِلَة ابْن وَاسم تَقول فِي الِاسْتِفْهَام أيم الله لقد كَانَ ذَاك لِأَنَّهَا تسْقط للوصل وتحدث ألف الِاسْتِفْهَام

(2/330)


وَمِنْهُم من يحذف ألف الِاسْم حَتَّى يصير على حرف علما بِأَنَّهُ لَا ينْفَصل بِنَفسِهِ فَيَقُول مِ اللهِ لَأَفْعَلَنَّ وَيُقَال من اللهِ لَأَفْعَلَنَّ وَمن رَبِّي لَأَفْعَلَنَّ أبدل مِنْ من الْبَاء الَّتِي فِي قَوْلك باللهِ لَأَفْعَلَنَّ وبربي لَأَفْعَلَنَّ كَمَا تَقول فلَان فِي الْموضع وبالموضع فَيدْخل الْبَاء على فِي وَكَذَلِكَ دخلت من على الْبَاء والاحتجاج يَأْتِيك فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله وَاعْلَم انك إِذا دللت على الْقسم بِمَا تضعه فِي مَوْضِعه فَمَا بعد ذَلِك الدَّلِيل بِمَنْزِلَة مَا بعد الْقسم تَقول أَقْسَمت لأقومن واستحلفته ليخرجن أَي قَالَ لَهُ وَالله لتخْرجن فَدلَّ هَذَا على الْقسم وَلَا يلْحق هَذِه اللَّام مَا النُّون فِي آخِره خَفِيفَة أَو ثَقيلَة إِلَّا وَالْمعْنَى معنى الْقسم لَا تَقول زيد يقومن وَلَا زيد ليقومن إِلَّا أَن تُرِيدُ الْقسم فِي هَذِه الْأَخِيرَة خَاصَّة فكأنك قلت زيد وَالله ليقومن وَتَفْسِير هَذَا فِي إِثْر هَذَا الْبَاب إِن شَاءَ الله وَتقول أَي واللهِ لَأَفْعَلَنَّ وَإِن شِئْت قلت أَي الله لَأَفْعَلَنَّ إِنَّمَا تُرِيدُ إِي الَّتِي فِي معنى نعم كَمَا قَالَ {قل إِي وربي إِنَّه لحق وَمَا أَنْتُم بمعجزين} فتصل الْمقسم بِهِ لِأَن إِي جَوَاب وَالْقسم بعْدهَا مُسْتَأْنف وَلَو كَانَت بَدَلا من حُرُوف الْقسم لم تَجْتَمِع هِيَ وَهُوَ أَلا ترى أَنَّك تَقول إِي واللهِ لَأَفْعَلَنَّ

(2/331)


إِنَّمَا الْفَصْل بَين بلَى وَنعم أَن نعم تكون جَوَابا لكل كَلَام لَا نفي فِيهِ وبلى لَا تكون جَوَابا إِلَّا لكَلَام فِيهِ نفي لَو قَالَ لَك قَائِل أَنْت زيد لَكَانَ الْجَواب نعم وَكَذَلِكَ هَل جَاءَك زيد وَكَذَلِكَ من يَأْتِيك تأته فَتَقول نعم وَلَا يَصح هَا هُنَا بلَى فَإِن نفي فَقَالَ أما لقِيت زيدا كَانَ الْجَواب بلَى وَكَذَلِكَ أَلَسْت قد ذهبت إِلَى زيد وَمَا أخذت مِنْهُ درهما وَأَنت لَا تُعْطِي شَيْئا فجواب هَذَا كُله بلَى

(2/332)


(هَذَا بَاب مَا يقسم عَلَيْهِ من الْأَفْعَال وَمَا بَال النُّون فِي كل مَا دخلت فِيهِ يجوز حذفهَا واستعمالها إِلَّا فِي هَذَا الْموضع الَّذِي أذكرهُ لَك فَإِنَّهُ لَا يجوز حذفهَا)
اعْلَم أَنَّك إِذا أَقْسَمت على فعل لم يَقع لَزِمته اللَّام وَلزِمَ اللَّام النُّون وَلم يجز إِلَّا ذَلِك وَذَلِكَ قَوْلك واللهِ لأقومنَّ وباللهِ لَأَضرِبَن وواللهِ لتنطلقن فَإِن قَالَ قَائِل فَمَا بَال هَذَا لَا يكون كَقَوْلِك فِي الْأَمر وَالنَّهْي إِذا قَالَ اضربن زيدا وَلَا تشتمن عمرا وَإِن شِئْت قلت اضْرِب زيدا وَلَا تَشْتُم عمرا وَكَذَلِكَ هَل تنطلقن وَإِن شِئْت قلت هَل تَنْطَلِق فَإِنَّمَا ذَلِك لِأَن الْقسم لَا يَقع إِلَّا على مَا لم يَقع من الْأَفْعَال فكرهوا أَن يلتبس بِمَا يَقع فِي الْحَال فَأَما الْأَمر وَالنَّهْي فيفصل بَينه وَبَينهمَا بِاللَّامِ لِأَن اللَّام لَا تكون فِي الْأَمر وَالنَّهْي وَكَذَلِكَ لَا تكون فِي الِاسْتِفْهَام وَإِنَّمَا تفصل بالنُّون بَين الْقسم وَبَين هَذِه الْأَخْبَار الَّتِي قد تقع فِي الْحَال نَحْو قَوْلك إِن زيدا لمنطلق لِأَن حد هَذَا أَن يكون فِي حَال انطلاق وَكَذَلِكَ أَن زيدا ليَأْكُل فَإِذا قلت واللهِ ليأكلن علم أَن الْفِعْل لم يَقع فَإِن قلت قد جَاءَ {إِنَّمَا جعل السبت على الَّذين اخْتلفُوا فِيهِ وَإِن رَبك ليحكم بَينهم} أَي لحَاكم

(2/333)


قيل قد يكون هَذَا وَلَكِن لَيْسَ فِيهِ دَلِيل على مَا يَقع فِي الْحَال أَو يَقع بعد على أَن أَكثر الِاسْتِعْمَال أَن يكون للْحَال فَإِذا دخلت النُّون علم أَن الْفِعْل لَا يكون فِي الْحَال الْبَتَّةَ فَلذَلِك لَزِمت اللَّام لِأَنَّك قد تذكر الْأَفْعَال وَلَا تذكر الْمقسم بِهِ فَتَقول لأنطلقن فَيعلم أَن هَذَا على تَقْدِير الْيَمين وَأَنه لَيْسَ للْحَال فَلهَذَا أجْرى مَا ذكرت لَك فَأَما اللَّام فَهِيَ وصلَة للقسم لِأَن للقسم أدوات تصله بالمقسم بِهِ وَلَا يتَّصل إِلَّا بِبَعْضِهَا فَمن ذَلِك اللَّام تَقول واللهٍ لأقومن واللهِ لزيد أفضل من عَمْرو وَلَوْلَا اللَّام لم تتصل وَكَذَلِكَ إِن تَقول واللهِ إِن زيدا لمنطلق وَإِن شِئْت قلت واللهِ إِن زيدا منطلق وَكَذَلِكَ لَا فِي النَّفْي وَمَا تَقول واللهِ لَا أضربك واللهِ مَا أكرمك وَلَا تحْتَاج إِلَى النُّون لِأَن مَا يدل على الْحَال كَمَا تدل إِن إِذا قلت واللهِ إِنِّي لأكرمك

(2/334)


وتدل لَا على مَا لم يَقع كَمَا تدل النُّون عَلَيْهِ إِذا قلت واللهِ لَأَفْعَلَنَّ ثمَّ نفيت فَقلت واللهِ لَا أفعل فَهَذَا مُبين بأنفس الْحُرُوف مستغن فِيهِ عَن غَيرهَا لِأَن النُّون إِنَّمَا دخلت لتفصل بَين مَعْنيين فَإِذا كَانَ الْفَصْل بغَيْرهَا لم تحتج إِلَيْهَا وَاعْلَم أَن قَوْلك أَقْسَمت لَأَفْعَلَنَّ وَأَقْسَمت لَا تفعل بِمَنْزِلَة قَوْلك قلت وَالله لاتفعل وَقلت وَالله لتفعلن وَاعْلَم أَنَّك إِذا أَقْسَمت على فعل ماضي فأدخلت عَلَيْهِ اللَّام لم تجمع بَين اللَّام وَالنُّون لِأَن الْفِعْل الْمَاضِي مَبْنِيّ على الْفَتْح غير متغيرة لامه وَإِنَّمَا تدخل النُّون على مَا لم يَقع كَمَا ذكرت فَلَمَّا كَانَت لَا تقع لما يكون فِي الْحَال كَانَت من الْمَاضِي أبعد وَذَلِكَ قَوْلك وَالله لرأيت زيدا يضْرب عمرا لأنكر ذَلِك وَإِن وصلت اللَّام ب قد فجيد فَبَالغ تَقول واللله لقد رَأَيْت زيدا واللهِ لقد انْطلق فِي حَاجَتك وسنفسر الْفَصْل بَين الْفِعْل بقد وَبَين الْفِعْل إِذا لم تدخله أما قد فأصلها أَن تكون مُخَاطبَة لقوم يتوقون الْخَبَر فَإِذا قلت قد جَاءَ زيد لم تضع هَذَا الْكَلَام ابْتِدَاء على غير أَمر كَانَ بَيْنك وَبَينه أَو أَمر تعلم أَنه لَا يتوقعه فَإِن أدخلت اللَّام على قد فَإِنَّمَا تدْخلهَا على هَذَا الْوَجْه فَأَما قَوْلك واللهِ لكذب زيد كذبا مَا أَحسب اللهَ يغفره لَهُ فَإِنَّمَا تَقْدِيره لقد لِأَنَّهُ

(2/335)


أَمر قد وَقع وَلَا يُقَال هَذَا إِلَّا على شَيْء مُتَقَدم فَالْأَمْر فيهمَا وَاحِد إِلَّا أَن هَذَا على الْحَذف والتعجب وَالَّذِي بقد على استقصاء الْكَلَام فعلى هَذَا فأجرهما وَاعْلَم أَن من الْعَرَب من يَقُول اللهِ لَأَفْعَلَنَّ يُرِيد الْوَاو فيحذفها وَلَيْسَ هَذَا بجيد فِي الْقيَاس وَلَا مَعْرُوف فِي اللُّغَة وَلَا جَائِز عِنْد كثير من النَّحْوِيين وَإِنَّمَا ذَكرْنَاهُ لِأَنَّهُ شَيْء قد قيل وَلَيْسَ بجائز عِنْدِي لِأَن حرف الْجَرّ لَا يحذف وَيعْمل إِلَّا بعوض لما تقدم من الشَّرْح وَاعْلَم أَن الْقسم لَا يَقع إِلَّا على مقسم بِهِ ومقسم عَلَيْهِ وَإِن قَوْله عز وَجل {وَاللَّيْل إِذا يغشى وَالنَّهَار إِذا تجلى وَمَا خلق الذّكر وَالْأُنْثَى} أَن الْوَاو الأولى وَاو قسم وَمَا بعْدهَا

(2/336)


من الواوات للْعَطْف لَا للقسم وَلَو كَانَت للقسم لَكَانَ بعض هَذَا الْكَلَام مُنْقَطِعًا من بعض وَكَانَ الأول إِلَى آخر الْقسم على غير محلوف عَلَيْهِ فَكَانَ التَّقْدِير {وَاللَّيْل إِذا يغشى} ثمَّ ترك هَذَا وابتدأ {وَالنَّهَار إِذا تجلى} وَلكنه بِمَنْزِلَة قَوْلك واللهِ ثمَّ اللهِ لَأَفْعَلَنَّ وَإِنَّمَا مثلت لَك بثم لِأَنَّهَا لَيست من حُرُوف الْقسم وَاعْلَم أَن الْقسم قد يُؤَكد بِمَا يصدق الْخَبَر قبل ذكر الْمقسم عَلَيْهِ ثمَّ يذكر مَا يَقع عَلَيْهِ الْقسم فَمن ذَلِك قَوْله عز وَجل {وَالسَّمَاء ذَات البروج وَالْيَوْم الْمَوْعُود وَشَاهد ومشهود} ثمَّ ذكر قصَّة أَصْحَاب الْأُخْدُود توكيدا وَإِنَّمَا وَقع الْقسم على قَوْله {إِن بَطش رَبك لشديد} وَقد قَالَ قوم إِنَّمَا وَقع على {قتل أَصْحَاب الْأُخْدُود} وحذفت اللَّام لطول الْكَلَام وَلَيْسَ القَوْل عندنَا إِلَّا الأول لِأَن هَذِه الاعتراضات توكيد فَأَما قَوْله {وَالشَّمْس وَضُحَاهَا} فَإِنَّمَا وَقع الْقسم على قَوْله {قد أَفْلح من زكاها} وحذفت اللَّام لطول الْقِصَّة لِأَن الْكَلَام إِذا طَال كَانَ الْحَذف أجمل

(2/337)


أَلا ترى أَن النَّحْوِيين لَا يَقُولُونَ قَامَ هِنْد وَذهب جاريتك ويجيزون حضر القَاضِي الْيَوْم امْرَأَة يَا فَتى فيجيزون الْحَذف مَعَ طول الْكَلَام لأَنهم يرَوْنَ مَا زَاد عوضا مِمَّا حذف وَتقول وَحقّ اللهِ ثمَّ وحقك لَأَفْعَلَنَّ وَلَو قلت ثمَّ حَقك تحمله على الْموضع كَانَ جَائِزا كَمَا قَالَ
(فَلَسْنا بالجِبالِ وَلَا الحَديدا)

(2/338)


وعَلى هَذَا قرئَ {فَأَصدق وأكن من الصَّالِحين} لِأَنَّهُ حمله على مَوضِع الْفَاء وَتقول واللهِ لأضربنك ثمَّ واللهِ لأحبسنك لِأَنَّك عطفت قسما على قسم وَلَو قلت واللهٍ لأضربنك ثمَّ لأحبسنك اللهَ لم يكن فِي الثَّانِي إِلَّا النصب لِأَنَّك عطفت فعلا على فعل ثمَّ جِئْت بالقسم بعد غير مَعْطُوف كَأَنَّك قلت اللهَ لَأَفْعَلَنَّ فأوصلت إِلَيْهِ الْفِعْل فَهَذِهِ جملَة هَذَا الْبَاب

(2/339)


(هَذَا بَاب الْفرق بَين إنَّ وأنَّ)
اعْلَم أَن إنَّ مَكْسُورَة مشبهة بِالْفِعْلِ بلفظها فعملها عمل الْفِعْل الْمُتَعَدِّي إِلَى مفعول وَقد مضى تَفْسِيرهَا فِي بَابهَا فَإِذا قلت أنّ مَفْتُوحَة فَهِيَ وصلتها فِي مَوضِع الْمصدر وَلَا تكون إِلَّا فِي مَوضِع الْأَسْمَاء دون الْأَفْعَال لِأَنَّهَا مصدر والمصدر إِنَّمَا هُوَ اسْم وَذَلِكَ قَوْلك بَلغنِي انطلاقك وَتقول علمت انك منطلق أَي علمت انطلاقك وَكَذَلِكَ أشهد أَنَّك منطلق وَأشْهد بأنك قَائِم أَي أشهد على انطلاقك وبقيامك فَهَذَا جملَة هَذَا اعْلَم انك إِذا قلت ظَنَنْت زيدا أَخَاك أَو علمت زيدا ذَا مَال أَنه لَا يجوز الِاقْتِصَار على الْمَفْعُول الأول لِأَن الشَّك وَالْعلم إِنَّمَا وَقعا فِي الثَّانِي وَلم يكن بُد من ذكر الأول ليعلم من الَّذِي علم هَذَا مِنْهُ أَو شكّ فِيهِ من أمره فَإِذا قلت ظَنَنْت زيدا فَأَنت لم تشك فِي ذَاته فَإِذا قلت مُنْطَلقًا فَفِيهِ وَقع الشَّك فَذكرت زيدا لتعلم أَنَّك إِنَّمَا شَككت فِي انطلاقه لَا فِي انطلاق غَيره

(2/340)


فَإِذا قلت ظَنَنْت أنّ زيدا منطلق لم تحتج إِلَى مفعول ثَان لِأَنَّك قد أتيت بِذكر زيد فِي الصِّلَة لِأَن الْمَعْنى ظَنَنْت انطلاقا من زيد فَلذَلِك اسْتَغْنَيْت

(2/341)


(هَذَا بَاب من أَبْوَاب أنَّ الْمَفْتُوحَة)
تَقول قصَّة زيد أَنه منطلق وَخبر زيد أَنه يحب عبد الله لِأَن هَذَا مَوضِع ابْتِدَاء وَخبر فالتقدير خبر زيد محبته عبد الله وَبَلغنِي أَمرك أَنَّك تحب الْخَيْر فَالْمَعْنى معنى الْبَدَل كَأَنَّك قلت بَلغنِي أَمرك ثمَّ قلت محبتك الْخَيْر لِأَن الْمحبَّة هِيَ الْأَمر كَمَا تَقول جَاءَنِي أَخُوك زيد لِأَن الْأَخ هُوَ زيد وَتقول أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَكَأَن التَّقْدِير أشهد على أنَّ مُحَمَّدًا رَسُول الله أَي أشهد على ذَلِك أَو أشهد بَان مُحَمَّدًا رَسُول الله أَي أشهد بذلك فَإِذا حذفت حُرُوف الْجَرّ وصل الْفِعْل فَعمل وَكَانَ حذفهَا حسنا لطول الصِّلَة كَمَا قَالَ عز وَجل {وَاخْتَارَ مُوسَى قومه} أَي من قومه فَهُوَ مَعَ الصِّلَة والموصول حسن جدا وَإِن شِئْت جِئْت بِهِ كَمَا تَقول الَّذِي ضربت زيد فتحذف الْهَاء من الصِّلَة وَيحسن إِثْبَاتهَا لِأَنَّهَا الأَصْل

(2/342)


وَاعْلَم أَنه لَا يحسن أَن يَلِي إنَّ أنَّ لِأَن الْمَعْنى وَاحِد كَمَا لَا تَقول لَئِن زيدا منطلق لِأَن اللَّام فِي معنى إنَّ فَإِن فصلت بَينهمَا بِشَيْء حسن واستقام فَقلت إنَّ فِي الدَّار لزيدا وَلَا تَقول إنّ لزيدا فِي الدَّار بل تَقول كَمَا قَالَ عز وَجل {إِن فِي ذَلِك لآيَة} وعَلى هَذَا لَا تَقول إنّ أنَّ زيدا منطلق بَلغنِي وَلَكِن لَو قلت إنَّ فِي الدَّار أَنَّك منطلق وإنّ فِي الدَّار أنّ لَك ثوبا حسن كَمَا قَالَ الله عز وَجل {إنَّ لَكَ أنَّ لَا تَجُوعَ فِيها وَلَا تَعْرى وأنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيها وَلاَ تَضْحى} وَيجوز {وَأَنَّك لَا تظمأ فِيهَا} على الْقطع والابتداء فَالْأولى على قَوْلك ضربت زيدا وعمرا قَائِما وَالْقطع على قَوْلك ضربت زيدا وَعَمْرو قَائِم

(2/343)


(هَذَا بَاب إنَّ إِذا دخلت اللَّام فِي خَبَرهَا)
اعْلَم أَن هَذِه اللَّام تقطع مَا دخلت عَلَيْهِ مِمَّا قبلهَا وَكَانَ حَدهَا أَن تكون أول الْكَلَام كَمَا تكون فِي غير هَذَا الْموضع وَذَلِكَ قَوْلك قد علمت زيدا مُنْطَلقًا فَإِذا أدخلت اللَّام قلت علمت لزيد منطلق فتقطع بهَا مَا بعْدهَا مِمَّا قبلهَا فَيصير ابْتِدَاء مستأنفا فَكَانَ حَدهَا فِي قَوْلك إِن زيدا لمنطلق أَن تكون قبل إنَّ كَمَا تكون فِي قَوْلك لزيدٌ خير مِنْك فَلَمَّا كَانَ مَعْنَاهَا فِي التوكيد وَوصل الْقسم معنى إنَّ لم يجز الْجمع بَينهمَا فَجعلت اللَّام فِي الْخَبَر وَحدهَا أَن تكون مُقَدّمَة لِأَن الْخَبَر هُوَ الأول فِي الْحَقِيقَة أَو فِيهِ مَا يتَّصل بِالْأولِ فَيصير هُوَ وَمَا فِيهِ الأول فَلذَلِك قلت إنّ زيدا المنطلق لِأَن المنطلق هُوَ زيد وَكَذَلِكَ لَو قلت إِن زيدا لفي دَاره عَمْرو أَو لعَمْرو يضْربهُ لِأَن الَّذِي عَمْرو يضْربهُ هُوَ زيد فَهَذَا عِبْرَة هَذَا

(2/344)


أَلا ترى أَنَّك إِذا فصلت بَين إنّ وَبَين اسْمهَا بِشَيْء جَازَ إِدْخَال اللَّام فَقلت إِن فِي الدَّار لزيدا وَإِن من الْقَوْم لأخاك فَهَذَا يبين لَك مَا ذكرت وَذَلِكَ قَوْلك أشهد أَن زيدا منطلق وَاعْلَم أَن زيدا خير مِنْك فَإِذا أدخلت اللَّام قلت أشهد أَن زيدا لخير مِنْك وَاعْلَم أَن زيدا لمنطلق قَالَ الله عز وَجل {وَالله يعلم إِنَّك لرَسُوله وَالله يشْهد إِن الْمُنَافِقين لَكَاذِبُونَ} فلولا اللَّام لم يكن إِلَّا أَن كَمَا تَقول اعْلَم زيدا خيرا مِنْك فَإِذا أدخلت اللَّام قلت اعْلَم لزيد خير مِنْك \ وَقَالَ {أَفلا يعلم إِذا بعثر مَا فِي الْقُبُور وَحصل مَا فِي الصُّدُور إِن رَبهم بهم يَوْمئِذٍ لخبير} فَهَذَا مجَاز اللَّام وَلَو قَالَ قَائِل أشهد بأنك منطلق لم يكن إِلَّا الْفَتْح لِأَنَّهَا اسْم مخفوض وعبرتها أبدا بِذَاكَ فَيكون ذَاك فِي أَنَّهَا اسْم تَامّ فِي مَوضِع أَن وصلتها فَإِذا قلت علمت أَن زيدا منطلق فَهُوَ كَقَوْلِك علمت ذَاك وَإِذا قلت بَلغنِي أَن زيدا منطلق فَهُوَ فِي مَوضِع بَلغنِي ذَاك وَإِذا قلت أشهد بأنك منطلق فَمَعْنَاه أشهد بِذَاكَ فَإِن قَالَ قَائِل فَكيف أَقُول أشهد بأنك منطلق قيل لَهُ هَذَا محَال كسرت أَو فتحت لِأَن حد الْكَلَام التَّقْدِيم فَلَو أدخلت حرف الْخَفْض على اللَّام كَانَ محالا لِأَن عوامل الْأَسْمَاء لَا تدخل على غَيرهَا لَو قلت هَذَا لَقلت أشهد بلذاك

(2/345)


وَكَذَلِكَ بَلغنِي أَنَّك منطلق لَا يجوز أَن تدخل اللَّام فَتَقول بَلغنِي أَنَّك لمنطلق لِأَن إِن وصلتها الْفَاعِل وَاللَّام تقطع مَا بعْدهَا فَلَو جَازَ هَذَا لَقلت بَلغنِي لذاك فَهَذَا وَاضح بَين جدا فَأَما قَوْله عز وَجل {وَمَا أرسلنَا قبلك من الْمُرْسلين إِلَّا إِنَّهُم ليأكلون الطَّعَام} فَمَعْنَاه إِلَّا وَهَذَا شَأْنهمْ وَهُوَ وَالله اعْلَم جَوَاب لقَولهم {مَا لهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام وَيَمْشي فِي الْأَسْوَاق} وَأما قَوْله عز وَجل {وَمَا مَنعهم أَن تقبل مِنْهُم نفقاتهم إِلَّا أَنهم كفرُوا} ف {إِنَّهُم} وصلتها فِي مَوضِع الْفَاعِل وَالتَّقْدِير وَالله اعْلَم وَمَا مَنعهم إِلَّا كفرهم وَنَظِير تَفْسِير الأول قَول الشَّاعِر
(وَما أعطَياني وَلَا سألْتُهُما ... إلاّ وإنَّي لحاجِزي كَرمي)
يَقُول إِلَّا وَهَذِه حَالي فعلى هَذَا وَضعه سِيبَوَيْهٍ وَغَيره ينشد
(أَلا وَإِنِّي لَحاجزي كرمي ... )
فَهَذِهِ الرِّوَايَة خَارِجَة من ذَلِك التَّفْسِير وَمَعْنَاهُ أَن أَلا تَنْبِيه وَأَرَادَ أَنا حاجزي كرمي من أَن أسأَل أَو قبل

(2/346)


(هَذَا بَاب إنَّ الْمَكْسُورَة ومواقعها)
اعْلَم أَن مَكَانهَا فِي الْكَلَام فِي أحد ثَلَاثَة مَوَاضِع ترجع إِلَى مَوضِع وَاحِد وَهُوَ الِابْتِدَاء لِأَنَّهُ مَوضِع لَا يخلص للاسم دون الْفِعْل وَإِنَّمَا تكون الْمَفْتُوحَة فِي الْموضع الَّذِي لَا يجوز أَن يَقع فِيهِ إِلَّا الِاسْم وَذَلِكَ قَوْلك إِن زيدا منطلق وَإِن عمرا قَائِم لَا يكون فِي هَذَا الْموضع إِلَّا الْكسر فَأَما قَوْله {وَإِن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة} فَإِنَّمَا الْمَعْنى معنى اللَّام وَالتَّقْدِير ولأنَّ هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة وَأَنا ربكُم فاعبدون وَكَذَلِكَ قَوْله عِنْد الْخَلِيل {وَإنَّ المَسَاجِدَ للهِ فَلاَ تَدْعٌ وَا مَعَ اللهِ أحَداً} أَي وَلِأَن وَأما الْمُفَسِّرُونَ فَقَالُوا هُوَ على {أُوحِي} وَهَذَا وَجه حسن جميل وَزعم قوم من النَّحْوِيين أَن مَوضِع أَن خفض فِي هَاتين الْآيَتَيْنِ وَمَا أشبههما وَأَن اللَّام مضمرة وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْء وَاحْتَجُّوا بإضمار رب فِي قَوْله
(وبَلَدٍ لَيْسَ بهِ أنيسٌ ... )

(2/347)


وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا لِأَن الْوَاو بدل من رب كَمَا ذكرت لَك وَالْوَاو فِي قَوْله تبَارك وَتَعَالَى {وَأَن الْمَسَاجِد لله} وَاو عطف ومحال أَن يحذف حرف الْخَفْض وَلَا يَأْتِي مِنْهُ بدل وَاحْتج هَؤُلَاءِ بأنك لَا تَقول أَنَّك منطلق بَلغنِي أَو علمت فَقيل لَهُم هِيَ لَا تتقدم إِلَّا مَكْسُورَة وَإِنَّمَا كَانَت هَا هُنَا بعد الْوَاو مَنْصُوبَة لِأَن الْمَعْنى معنى اللَّام كَمَا تَقول جئْتُك ابْتِغَاء الْخَيْر فتنصب وَالْمعْنَى معنى اللَّام وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّاعِر
(وأغْفِرُ عَوراءَ الكَريمِ ادخارَهُ ... وأعرضُ عَن شَتْمِ اللئيمِ تَكَرُّما)
فَإِذا قلت جئْتُك أَنَّك تحب الْمَعْرُوف فَالْمَعْنى معنى اللَّام فعلى هَذَا قدمت وَهَذَا قد مر فَهَذَا قَول الْخَلِيل والموضع الآخر للمكسورة أَن تدخل اللَّام فِي الْخَبَر وَقد مضى قَوْلنَا فِي هَذَا لِأَن اللَّام تقطعها مِمَّا قبلهَا فَتكون مُبتَدأَة فَهَذَا مِمَّا ذكرت لَك أَنَّهَا ترجع إِلَى الِابْتِدَاء والموضع الثَّالِث أَن تقع بعد القَوْل حِكَايَة فَتكون مُبتَدأَة كَمَا تَقول قَالَ زيد عَمْرو منطلق وَقلت الله أكبر وَقد مضى هَذَا فِي بَاب الْحِكَايَة

(2/348)


فعلى هَذَا تَقول قَالَ زيد إِن عمرا منطلق وَقَالَ عز وَجل {قَالَ الله إِنِّي منزلهَا عَلَيْكُم} وَقَالَ {وَإِذ قَالَت الْمَلَائِكَة يَا مَرْيَم إِن الله اصطفاك} وَقَالَ {قَالَ يَا قوم إِنِّي لكم نَذِير مُبين} فَأَما أَتَقول الَّتِي فِي معنى الظَّن فَإِنَّهَا تعْمل فِي أَن عَملهَا فِي الِاسْم كَمَا قَالَ
(أجُهالاً تَقولُ بَني لُؤيِّ ... لَعَمْرُ أبيكَ أمْ مُتَجَاهِيلِنا)
وكما قَالَ
(أما الرَحيلَ فدونَ بعدِ غدٍ ... فَمَتى تَقولُ الدَارَ تَجْمَعُنا)
لِأَنَّهُ يُرِيد الظَّن فعلى هَذَا تَقول مَتى تَقول أَن زيدا منطلق وأتقول أَن عمرا خَارج فَإِن لم ترد بهَا تظن وَأَرَدْت بهَا الْحِكَايَة كسرت كَمَا أَنَّك تَقول زيد منطلق تُرِيدُ اللَّفْظ وَلَا تُرِيدُ الظَّن

(2/349)


(هَذَا بَاب من أَبْوَاب إنَّ الْمَكْسُورَة)
تَقول قد قَالَه الْقَوْم حَتَّى إنّ زيدا يَقُوله وَقد شربوا حَتَّى إِن أحدهم يجر بَطْنه لِأَنَّهُ مَوضِع ابْتِدَاء أَلا ترى أَنَّك تَقول قد قَالَه الْقَوْم حَتَّى زيد يَقُوله لَو قلت فِي هَذَا الْموضع أَن كَانَ محالا لِأَن أَن مصدر يَبْنِي عَن قصَّة فَلَو كَانَ قد قَالَه الْقَوْم حَتَّى قَول زيد كَانَ محالا وَلَكِن لَو قلت بَلغنِي حَدِيثك حَتَّى أَنَّك تظلم النَّاس كَانَ من مَوَاضِع أَن الْمَفْتُوحَة لِأَن الْمَعْنى بَلغنِي أَمرك حَتَّى ظلمك النَّاس وَإِنَّمَا يصلح هَذَا وَيفْسد بِالْمَعْنَى وَتقول ظَنَنْت زيدا إِنَّه منطلق لَا تكون إِلَّا الْمَكْسُورَة لِأَن الْمَعْنى ظَنَنْت زيدا هُوَ منطلق كَمَا تَقول ظَنَنْت زيدا أَبوهُ منطلق وَلَو قلت ظَنَنْت زيدا أَنه منطلق ففتحت لَكَانَ الْمَعْنى ظَنَنْت زيدا الانطلاق وَهَذَا محَال وَلَكِن لَو قلت ظَنَنْت أَمرك أَنَّك تظلم النَّاس كَانَ جيدا لِأَن الْمَعْنى ظَنَنْت أَمرك ظلمك النَّاس

(2/350)


وَكَذَلِكَ ظَنَنْت زيدا عَاقِلا فَإِذا أَنه أَحمَق إِنَّمَا تُرِيدُ فَإِذا هُوَ أَحمَق كَمَا قَالَ
(وكُنتُ أرى زيدا كَمَا قيلَ سيّدا ... إِذا أنَّهُ عَبْدُ القَفا واللَّهازمِ)
وَتقول عهدي بِهِ شَابًّا وَإنَّهُ يَوْمئِذٍ يفخر أَي وَهَذِه حَاله وَلَو قلت أَنه جَازَ على بعد كَأَنَّك قلت عهدي بِهِ شَابًّا وبفخره وَكَذَلِكَ لَو قلت رَأَيْت زيدا عَاقِلا فَإِذا إِنَّه أَحمَق وَكنت أرَاهُ حرا فَإِذا إِنَّه عبد وَلَو قلت أَنه جَازَ كَأَنَّك قلت ظننته حرا فَإِذا الْعُبُودِيَّة أمره فَأَما قَوْله {لَا جرم أَن لَهُم النَّار} فَأن مُرْتَفعَة بجزم وَمَعْنَاهَا وَالله اعْلَم

(2/351)


حق أَن لَهُم النَّار كَمَا قَالَ عز وَجل {وَلَا يجرمنكم شنآن قوم} أَي لَا يحقنكم قَالَ الشَّاعِر
(ولَقَدْ طَعَنْتَ أَبَا عُيَيْنَةَ طَعْنَةً ... جَرَمَتْ فَزَارَةَ بَعدها أنْ يَغضَبوا)

(2/352)


وَتقول أَلا انه منطلق فألا تَنْبِيه وَأَنه مُبْتَدأ وَتقول أما إِنَّه منطلق على ذَلِك الْمَذْهَب وَلَو قلت أما أَنه منطلق جَازَ على معنى حَقًا أَنه منطلق إِذا أردْت بهَا فِي التَّحْقِيق والتوكيد مَا أردْت بِقَوْلِك حَقًا لأَنهم يضعونها فِي موضعهَا فَهَذَا قِيَاس مطرد فِيمَا ذكرت لَك

(2/353)


(هَذَا بَاب الظروف وَأما إِذا اتَّصَلت بِشَيْء منهنَّ أنَّ)
تَقول يَوْم الْجُمُعَة أَنْت خَارج وَالْيَوْم أَنَّك راحل وَلَك على أَنَّك لَا تؤذي لِأَنَّهُ أَرَادَ يَوْم الْجُمُعَة خُرُوجك وَفِي يَوْم الْجُمُعَة رحلتك وَلَك على ترك الْأَذَى أَلا ترى أَنَّك لَو وضعت ذَاك فِي هَذَا الْموضع لصلح فَكنت تَقول فِي يَوْم الْجُمُعَة ذَاك وَلَك على ذَاك فَإِن قَالَ قَائِل هَل يجوز الْيَوْم انك منطلق وَلَك على إِنَّك لَا تؤذي فَإِن ذَلِك غير جَائِز لِأَنَّك تُرِيدُ التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير فَيكون على قَوْلك إِنَّك منطلق الْيَوْم وَإنَّك لَا تؤذي لَك على وَإِن رحلتك يَوْم الْجُمُعَة وَإِنَّمَا فسد لِأَن إِن لَا يصلح فِيهَا التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير كَمَا لم يصلح ذَلِك فِيمَا تعْمل فِيهِ من الْأَسْمَاء إِذا كَانَت مَكْسُورَة فَإِذا كَانَت مَفْتُوحَة جَازَ فِيهَا التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير أَعنِي تَقْدِيم الْخَبَر وتأخيره لِأَنَّهَا مَوْضُوعَة مَوضِع الْمصدر وَتقول أما يَوْم الْجُمُعَة فَإنَّك مرتحل لِأَن معنى أما مهما يكن من شَيْء فَإنَّك مرتحل يَوْم الْجُمُعَة فَمَا بعد الْفَاء يَقع مُبْتَدأ أَلا ترى أَنَّك تَقول أما زيدا فضريت فَإِنَّمَا

(2/354)


هُوَ على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير لَا يكون إِلَّا ذَلِك لِأَن الْمَعْنى مهما يكن من شَيْء فزيدا ضربت أَو فَضربت زيدا وَلَو قَالَ قَائِل أما يَوْم الْجُمُعَة فَإنَّك مرتحل لجَاز فَيكون التَّقْدِير مهما يكن من شَيْء فَفِي يَوْم الْجُمُعَة رحلتك فَهَذَا تَقْدِير مَا يَقع فِي أما وَالدَّلِيل على أَنَّهَا فِي معنى الْجَزَاء لُزُوم الْفَاء لجوابها نَحْو أما زيد منطلق {فَأَما الْيَتِيم فَلَا تقهر} (وَأمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُم} و {أمّا مَنْ اسْتَغْنَى فَأنتَ لَهُ تَصَدَّى} فَالْمَعْنى مهما يكن من شَيْء فَهَذَا الْأَمر فِيهِ فَإِنَّمَا تقديرها فِي الْكَلَام كُله التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير لَا يكون إِلَّا على ذَلِك

(2/355)


(هَذَا بَاب من أَبْوَاب أَن مكررة)
وَذَلِكَ قَوْلك قد علمت أَن زيدا إِذا أَتَاك أَنه سيكرمك وَذَلِكَ أَنَّك قد أردْت قد علمت أَن زيدا إِذا أَتَاك سيكرمك فكررت الثَّانِيَة توكيدا وَلست تُرِيدُ بهَا إِلَّا مَا أردْت بِالْأولَى فَمن ذَلِك قَوْله عز وَجل {أيعدكم أَنكُمْ إِذا متم وكنتم تُرَابا وعظاما أَنكُمْ مخرجون} فَهَذَا احسن الْأَقَاوِيل عِنْدِي فِي هَذِه الْآيَة وَقد قيل فِيهَا غير هَذَا وَنحن ذاكروه فِي آخر الْبَاب إِن شَاءَ الله وَنَظِير تَكْرِير أَن هَا هُنَا قَوْله تبَارك وَتَعَالَى {وهم بِالآخِرَة هم كافرون} وَقَوله عز وَجل {فَكَانَ عاقبتهما أَنَّهُمَا فِي النَّار خَالِدين فِيهَا} وَكَذَلِكَ قَوْله عز وَجل {وأمّا الّذينَ سُعِدوُا فَفِي الجَنَّةِ خَالِدينَ فيِها} وَمن هَذَا الْبَاب عندنَا وَهُوَ قَول أبي عمر الْجرْمِي {ألم يعلمُوا أَنه من يحادد الله وَرَسُوله فَأن لَهُ نَار جَهَنَّم} فالتقدير وَالله أعلم فَلهُ نَار جَهَنَّم وَردت أنّ توكيدا وَإِن كسرهَا كاسر جعلهَا مُبتَدأَة بعد الْفَاء لِأَن مَا بعد فَاء المجازة ابْتِدَاء كَقَوْلِه عز وَجل (قُلْ

(2/356)


إنَّ المَوْتَ الَّذي تُفِرُّونَ مِنْهُ فإنَّهُ مُلاقيكُم} فإنَّ فِي هَذَا الْموضع يجوز أَن تكون الأولى الَّتِي وَقعت بعد الْحِكَايَة كررت وَيجوز أَن تكون وَقعت مُبتَدأَة بعد الْفَاء كَقَوْلِك من يأتني فَإِنِّي سأكرمه وَأما أَبُو الْحسن الْأَخْفَش فَقَالَ فِي قَوْله تبَارك وَتَعَالَى {ألَمْ يعْلَموا أّنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأنَّ لَهُ نارُ جَهَنَّمَ} قَالَ الْمَعْنى فَوَجَبَ النَّار لَهُ ثمَّ وضع أَن فِي مَوضِع الْمصدر فَهَذَا قَول لَيْسَ بِالْقَوِيّ لِأَنَّهُ يفتحها مُبتَدأَة ويضمر الْخَبَر وَكَذَلِكَ قَالَ فِي قَوْله {كَتَبَ رَبَّكُمْ على نَفْسِهِ الرَحْمَةَ أنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةِ ثُّمَ تَابَ مِنْ بعدِهِ وأصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ} أَي فَوَجَبَ الرَّحْمَة لَهُ وَالْقَوْل فِيهِ عندنَا التكرير على مَا ذكرت لَك فَأَما مَا قيل فِي الْآيَة الَّتِي ذكرنَا قبل سوى القَوْل الَّذِي اخترناه وَهِي {أيعدكم أَنكُمْ إِذا متم وكنتم تُرَابا وعظاما أَنكُمْ مخرجون} فَإِن يكون {أَنكُمْ مخرجون} مرتفعا بالظرف كَأَنَّهُ فِي التَّقْدِير أيعدكم أَنكُمْ إِذا متم إخراجكم فَهَذَا قَول حسن جميل

(2/357)


وَأما سِيبَوَيْهٍ فَكَانَ يَقُول الْمَعْنى أَن يعد وَقعت على أَن الثَّانِيَة وَذكر أَن الأولى ليعلم بعد أَي شَيْء يكون الْإِخْرَاج

(2/358)


صفحة فارغة

(2/359)


وَهَذَا قَول لَيْسَ بِالْقَوِيّ

(2/360)


(هَذَا بَاب أنَّ وإنَّ الخفيفتين)
اعْلَم أَن أنْ تكون فِي الْكَلَام على أَرْبَعَة أوجه فَوجه أَن تكون هِيَ وَالْفِعْل الَّذِي تنصبه مصدرا نَحْو قَوْلك أُرِيد أَن تقوم يَا فَتى أَي أُرِيد قيامك وَأَرْجُو أَن تذْهب يَا فَتى أَي أَرْجُو ذهابك فَمن ذَلِك قَول الله {وَأَن تَصُومُوا خير لكم} أَي وَالصِّيَام خير لكم وَمثله {وَأَن يستعففن خير لَهُنَّ} وَوجه آخر أَن تكون مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة وَذَلِكَ قَوْله عز وَجل {وَآخر دَعوَاهُم أَن الْحَمد لله رب الْعَالمين} لَو نصبت بهَا وَهِي مُخَفّفَة لجَاز فَإِذا رفعت مَا بعْدهَا فعلى حذف التثقيل والمضمر فِي النِّيَّة فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنه الْحَمد لله رب الْعَالمين وَقد مضى تَفْسِير هَذَا فِي وضع عَملهَا خَفِيفَة وَالْوَجْه الثَّالِث أَن تكون فِي معنى أَي الَّتِي تقع للعبارة وَالتَّفْسِير وَذَلِكَ قَوْله عز وَجل

(2/361)


{وَانْطَلق الْمَلأ مِنْهُم أَن امشوا واصبروا على آلِهَتكُم} وَمثله بنيت الحَدِيث أَن قد كَانَ كَذَا وَكَذَا وتريد أَي امشوا وَأي قد كَانَ كَذَا وَكَذَا وَوجه رَابِع أَن تكون زَائِدَة مُؤَكدَة وَذَلِكَ قَوْلك لما أَن جَاءَ زيد قُمْت وَوَاللَّه أَن لَو فعلت لأكرمك وَأما إِن الْمَكْسُورَة فَإِن لَهَا أَرْبَعَة أوجه مُخَالفَة لهَذِهِ الْوُجُوه فَمن ذَلِك إِن الْجَزَاء وَذَلِكَ قَوْلك إِن تأتني آتِك وَهِي أصل الْجَزَاء كَمَا أَن الْألف أصل الِاسْتِفْهَام وَتَكون فِي معنى مَا تَقول عَن أَن زيد منطلق أَي مَا زيد منطلق وَكَانَ سِيبَوَيْهٍ لَا يرى فِيهَا إِلَّا رفع الْخَبَر لِأَنَّهَا حرف نفي دخل على ابْتِدَاء وَخَبره كَمَا تدخل ألف الِاسْتِفْهَام فَلَا تغيره وَذَلِكَ لمَذْهَب بني تَمِيم فِي مَا وَغَيره يُجِيز نصب الْخَبَر على تَشْبِيه بِلبْس كَمَا فعل ذَلِك فِي مَا وَهَذَا هُوَ القَوْل لِأَنَّهُ لَا فصل بَينهَا وَبَين مَا فِي الْمَعْنى وَذَلِكَ قَوْله عز وَجل {إنِ الكَافِرِونَ إلاّ فِي غٌ رُورِ} وَقَالَ {إِن يَقُولُونَ إِلَّا كذبا} فهذان موضعان

(2/362)


والموضع الثَّالِث أَن تكون إِن الْمَكْسُورَة المخففة من الثَّقِيلَة فَإِذا رفعت مَا بعْدهَا لزمك أَن تدخل اللَّام على الْخَبَر وَلم يجز غير ذَلِك لِأَن لَفظهَا كَلَفْظِ الَّتِي فِي معنى مَا وَإِذا دخلت اللَّام علم أَنَّهَا الْمُوجبَة لَا النافية وَذَلِكَ قَوْلك إنْ زيد منطلق وعَلى هَذَا قَوْله عز وَجل {إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} (وإنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ} وَإِن نصبت بهَا لم تحتج إِلَى اللَّام إِلَّا أَن تدْخلهَا توكيدا كَمَا تَقول إِن زيدا لمنطلق والموضع الرَّابِع أَن تدخل زَائِدَة مَعَ مَا فتردها إِلَى الِابْتِدَاء كَمَا تدخل مَا على إِن الثَّقِيلَة فتمنعها عَملهَا وتردها إِلَى الِابْتِدَاء فِي قَوْلك إِنَّمَا زيد أَخُوك و {إنَّما يَخْشى الله مِنْ عِبادِهِ العُلَماءُ} وَذَلِكَ قَوْلك مَا أَن يقوم زيد وَمَا أَن زيد منطلق لَا يكون الْخَبَر إِلَّا مَرْفُوعا لما ذكرت لَك قَالَ زُهَيْر
(مَا أنْ يَكادُ يُخَلّيِهِمْ لِوِجهَتِهمْ ... تَخالجُ الأمرِ إنَّ الأمرِ مُشْتَرِكُ)

(2/363)


وَقَالَ آخر
(وَمَا أنْ طِبْنا جُبْنٌ ولكنْ ... منايانا ودولةُ آخَرينا)
فَإِن قَالَ قَائِل فَمَا بالها لما خففت من الثَّقِيلَة الْمَكْسُورَة اختير بعْدهَا الرّفْع وَلم يصلح ذَلِك فِي المخففة من الْمَفْتُوحَة إِلَّا أَن ترفع على أَن يضمر فِيهَا قيل لِأَن الْمَفْتُوحَة وَمَا بعْدهَا مصدر فَلَا معنى لَهَا فِي الإبتداء والمكسورة إِنَّمَا دخلت على الإبتداء وَخَبره فَلَمَّا نقصت عَن وزن الْفِعْل رَجَعَ الْكَلَام إِلَى أَصله وَمن رأى النصب بهَا أَو بالمفتوحة مَعَ التَّخْفِيف قَالَ هما بِمَنْزِلَة الْفِعْل فَإِذا خففتا كَانَتَا بِمَنْزِلَة فعل مَحْذُوف مِنْهُ فالفعل يعْمل محذوفا عمله تَاما فَذَلِك قَوْلك لم يَك زيد مُنْطَلقًا فَعمل عمله وَالنُّون فِيهِ والأقيس الرّفْع فِيمَا بعْدهَا لِأَن إِن إِنَّمَا أشبهت الْفِعْل بِاللَّفْظِ لَا بِالْمَعْنَى فَإِذا نقص اللَّفْظ ذهب الشّبَه وَلذَلِك الْوَجْه الآخر وَجه من الْقيَاس كَمَا ذكرت لَك وَكَانَ الْخَلِيل يقْرَأ {إِن هَذَانِ لساحران} فَيُؤَدِّي خطّ الْمُصحف وَمعنى إنَّ الثَّقِيلَة فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود {إنَّ ذانِ لَسَاحِرانِ}

(2/364)