المقتضب

 (هَذَا بَاب (أَنْ) الْمَفْتُوحَة وتصرفها)
اعْلَم أَنَّهَا إِذا كَانَت مَعَ الْفِعْل مصدرا جَازَ تَقْدِيمهَا وتأخيرها، وَوَقعت فى كل مَوضِع تقع فِيهِ الْأَسْمَاء إِلَّا أَن مَعْنَاهَا - إِذا وَقعت على فعل مُستقبل - أَنَّهَا تنصبه، وَذَلِكَ الْفِعْل لما لم يَقع وَلَا يكون للْحَال وَذَلِكَ قَوْلك أَن تأتينى خير لَك ويسرنى أَن تقوم يَا فَتى وأكره أَن تذْهب إِلَى زيد فَهَذَا هَكَذَا وَإِن وَقعت على فعل مَاض كَانَت مصدرا لما مضى تَقول سرنى أَن قُمْت، وساءنى أَن كلمك زيد وَأَنت غَضْبَان على: أَن كلمت زيدا أى: لهَذِهِ الْعلَّة وَاعْلَم أَنَّهَا إِذا وَقعت بعْدهَا الْأَفْعَال الْمُسْتَقْبلَة وَكَانَت بَينهَا وَبَينهَا (لَا) ، فَإِن عَملهَا على حَاله تَقول: أحب أَلا / تذْهب يَا فَتى، وأكره أَلا تكلم زيدا وَالْمعْنَى: أكره تَركك كَلَام زيد فَإِن أردْت بهَا الثَّقِيلَة لم يجز أَن يَليهَا الْفِعْل إِلَّا أَن تأتى بعوض مِمَّا حذفت من الْمُضمر والتثقيل وَنحن ذاكرو ذَلِك إِن شَاءَ الله وَذَلِكَ قَوْلك - إِذا أردْت الثَّقِيلَة - قد علمت أَن لَا تقوم، تُرِيدُ: أَنَّك لَا تقوم ف (لَا) عوض وهى - إِذا أردْت الْخَفِيفَة - غير فاصلة بَين (أَن) وَالْفِعْل

(3/5)


فَأَما السِّين وسوف فَلَا يكون (أَن) قبلهمَا إِلَّا على التثقيل والإضمار، لِأَنَّهُمَا ليستا ك (لَا) أَلا ترى أَنَّك تَقول: مَرَرْت بِرَجُل لَا قَائِم وَلَا قَاعد، فَيكون بِمَنْزِلَة قَوْلك: مَرَرْت بِرَجُل قَائِم وقاعد فى الْإِعْرَاب، وَإِن كَانَ الأول منفيا وَكَذَلِكَ كَانَ عبد الله لَا شجاعا وَلَا بطلا وَلَا تقع السِّين وسوف هَذَا الْموقع، فعلى هَذَا تَقول: علمت أَن سيقومون، وَأَن سَوف يقومُونَ لَا يكون إِلَّا على ذَلِك وللثقيلة أَفعَال، وللخفيفة أَفعَال سواهَا، وَذَلِكَ مَذْكُور على إِثْر هَذَا الْبَاب إِن شَاءَ الله فَإِن أردْت الثَّقِيلَة مَعَ الْفِعْل الْمَاضِي دخل من الْعِوَض قد فَقلت قد علمت أَن قد ذهب زيد أَي أَنه قد ذهب زيد

(3/6)


(هَذَا بَاب الْأَفْعَال الَّتِى لَا تكون أَن مَعهَا إِلَّا ثَقيلَة وَالْأَفْعَال الَّتِى لَا تكون مَعهَا إِلَّا خَفِيفَة وَالْأَفْعَال المحتملة للثقيل والخفيفة)
أما مَا كَانَ من الْعلم فَإِن (أَن) لَا تكون بعده إِلَّا ثَقيلَة لِأَنَّهُ شئ قد ثَبت وَاسْتقر وَذَلِكَ قَوْلك قد علمت أَن زيدا منطلق فَإِن خففت فعلى إِرَادَة التثقيل والإضمار وَتقول قد علمت أَن سيقوم زيد تُرِيدُ أَنه سيقوم زيد قَالَ الله عز وَجل {علم أَن سَيكون مِنْكُم مرضى} لِأَنَّهُ شئ قد اسْتَقر أَلا ترى أَنه لَا يصلح علمت أَن يقوم زيد لِأَن (أَن) الْخَفِيفَة إِنَّمَا تكون لما لم يثبت نَحْو خفت أَن تقوم يَا فَتى وَأَرْجُو أَن تذْهب إِلَى زيد لِأَنَّهُ شئ لم يسْتَقرّ فَكل مَا كَانَ من الرَّجَاء وَالْخَوْف فَهَذَا مجازه فَأَما الْأَفْعَال / الَّتِى تشترك فِيهَا الْخَفِيفَة والثقيلة فَمَا كَانَ من الظَّن فَأَما وُقُوع الثَّقِيلَة فعلى أَنه قد اسْتَقر فى ظَنك كَمَا اسْتَقر الأول فى علمك وَذَلِكَ قَوْلك طننت أَنَّك تقوم وحسبت أَنَّك منطلق فَإِذا أدخلت على المحذوفة الْعِوَض قلت حسبت أَن سيقومون وَكَذَلِكَ تَقول ظنت أَن لَا تَقول خيرا تُرِيدُ أَنَّك لَا تَقول خيرا وَأما النصب فعلى أَنه شئ لم يسْتَقرّ فقد دخل فى بَاب رَجَوْت وَخفت بِهَذَا الْمَعْنى وَهَذِه الْآيَة تقْرَأ على وَجْهَيْن {وَحَسِبُوا أَنْ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} و {أَن لَا تكونُ فتنةُ} فانتصب مَا بعد لَا وهى عوض كَمَا أوقعت الْخَفِيفَة الناصبة بعد ظَنَنْت بِغَيْر عوض وَذَلِكَ

(3/7)


قَوْله عز وَجل {تظن أَن يفعل بهَا فاقرة} ، لِأَن مَعْنَاهَا معنى مَا لم يسْتَقرّ وَكَذَلِكَ: {إِن ظنا أَن يُقِيمَا حُدُود الله} وَزعم سيبوية / أَنه يجوز: خفت أَن لَا تقوم يَا فَتى، إّذا خَافَ شَيْئا كالمستقر عِنْده وَهَذَا بعيد وَأَجَازَ أَن تَقول: مَا أعلم إِلَّا أَن تقوم، إِذا لم يرد علما وَاقعا، وَكَانَ هَذَا القَوْل جَارِيا على بَاب الْإِشَارَة أى: أرى، من الرَّأْي وَهَذَا وَهَذَا فى الْبعد كالذى ذكرنَا قبله وَجُمْلَة الْبَاب تَدور على مَا شرحت لَك من التَّبْيِين والتوقع فَأَما قَول الله عز وَجل {أَفلا يرَوْنَ أَن لَا يرجع إِلَيْهِم} فَإِن الْوَجْه فِيهِ الرّفْع، وَالْمعْنَى: أَنه لَا يرجع إِلَيْهِم قولا، لِأَنَّهُ علم وَاقع وَالْوَجْه فى قَول الشَّاعِر:
(أفنى عرائكها وخدد لَحمهَا ... أَن لَا تذوق مَعَ الشكائم عودا)
وَالرَّفْع، لِأَنَّهُ يُرِيد: إِن الذى أفنى عرائكها هَذَا فَهَذَا على الْمِنْهَاج الذى ذكرت لَك

(3/8)


(هَذَا بَاب مَا لحقته / (إِن) و (أَن) الخفيفتان فى الدُّعَاء وَمَا جرى مجْرَاه)
تَقول: أما إِن غفر الله لَك، وَإِن شِئْت: أما أَن، على مَا فسرت لَك فى (أما) أَنَّهَا تقع للتّنْبِيه، وَتَقَع فى معنى قَوْلك: حَقًا، فالتقدير: أما إِنَّه، وَأما أَنه غفر الله لَك فَإِن قلت: فَكيف جَازَ الْإِضْمَار والحذف بِغَيْر عوض؟ فَإِنَّمَا ذَلِك لِأَنَّك لَا تصل إِلَى (قد) ، لِأَنَّك دَاع، وَلست مخبرا، أَلا ترى أَن الْإِضْمَار قد دخل فى الْمَكْسُورَة لهَذَا الْمَعْنى، وَلَا يدْخل فِيهَا فى شئ من الْكَلَام وَتقول فى الْمُسْتَقْبل على هَذَا الْمِنْهَاج: أما أَن يغْفر الله لَك، تُرِيدُ: أما أَنه، وَإِن شِئْت: أما إِن يغْفر الله لَك، لِأَنَّك لَو أدخلت السِّين أَو سَوف لتغير الْمَعْنى، وَكنت مخبرا، وَلَو أدخلت (لَا) لانقلب الْمَعْنى، وصرت دَاعيا عَلَيْهِ، فَلذَلِك جَازَ بِغَيْر عوض وَلما كَانَت الْمَكْسُورَة / تحذف بتثقيلها مَعَ الضَّمِير فى هَذَا الْموضع ليوصل إِلَى هَذَا الْمَعْنى، وَلَا يَقع ذَلِك فِيهَا فى شئ من الْكَلَام غير هَذَا الْموضع - كَانَت الْمَفْتُوحَة أولى، لِأَن الضَّمِير فِيهَا مَعَ الْعِوَض فَأَما قَوْلك: قد علمت أَن زيد منطلق فَمَعْنَاه: أَنه زيد منطلق وَلَا تحْتَاج إِلَى عوض كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
(فى فتية كسيوف الْهِنْد قد علمُوا ... أَن هَالك كل من يحفى وينتعل)

(3/9)


وَإِنَّمَا امْتنع الْفِعْل أَن يَقع بعْدهَا بِغَيْر عوض، لِأَن الْفِعْل لم يكن ليَقَع بعْدهَا لَو ثقلت، وأعلمت كَمَا يكون الِاسْم فَلم يَكُونُوا ليجمعوا عَلَيْهَا الْحَذف بِغَيْر عوض، وَأَن يوقعوا بعْدهَا مَا لَا تقع عَلَيْهِ لَو ثقلت وأعلمت، لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة الْفِعْل وَلَا يَقع فعل على فعل

(3/10)


(هَذَا بَاب النونين: الثَّقِيلَة والخفيفة وَمَعْرِفَة مواقعها من الْأَفْعَال)
اعْلَم أَنَّهُمَا لَا تدخلان من الْأَفْعَال إِلَّا على مَا لم يجب، وَلَا يكون من ذَلِك إِلَّا فى الْفِعْل الذى يُؤَكد ليَقَع وَذَلِكَ مَا لم يكن خَبرا فِيمَا ضارع الْقسم فَأَما الْقسم فإحداهما فِيهِ وَاجِبَة لَا محَالة وَأما مَا ضارعه فَأَنت فِيهِ مُخَيّر وَذَلِكَ قَوْلك فى الْقسم: وَالله لأقومن، وَحقّ زيد لأمضين، فَيلْحق النُّون إِمَّا خَفِيفَة وَإِمَّا ثَقيلَة، وَلَا يكون الْقسم إِلَّا كَذَاك وَقد شرحنا ذَلِك فى بَاب الْقسم: لم كَانَت فِيهِ وَاجِبَة؟ وَأما الثَّقِيلَة فكقوله عز وَجل {ليسجنن وليكونن من الصاغرين} وَأما الْخَفِيفَة فعلى قِرَاءَة من قَرَأَ: {وليكونن من الصاغرين} ، وَكَقَوْلِه: {كلا لَئِن لم ينْتَه لنسفعا بالناصية} ، وَقَالَ الشَّاعِر:
(وفى ذمتى لَئِن فعلت ليفعلا ... )

(3/11)


فَمن موَاضعهَا: الْأَمر، والنهى، لِأَنَّهُمَا غير واجبين وَذَلِكَ قَوْلك - إِذا لم تأت بهما -: اضْرِب، وَلَا تضرب، فَإِذا أتيت بهَا قلت /: اضربن زيدا، وَلَا تضربن زيدا، وَإِن شِئْت ثقلت النُّون، وَإِن شِئْت خففتها وهى - إِذا خففت - مُؤَكدَة، وَإِذا ثقلت فهى أَشد توكيدا، وَإِن شِئْت لم تأت بهَا فَقلت: اضْرِب، وَلَا تضرب قَالَ الله عز وَجل: {وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَئٍ إِنَّى فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً} ، وَقَالَ: {وَلَا تتبعان سَبِيل الَّذين لَا يعلمُونَ} ، وَقَالَ: {فَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ} وَقَالَ الشَّاعِر فِي الْخَفِيفَة:
(فإياك وَالْمَيتَات لَا تقربنها ... وَلَا تأخذن سَهْما حديداً لتفصدا)

(3/12)


وَقَالَ الاخر:
(فأنزلن سكينَة علينا ... )
والطلب يجرى مجْرى الْأَمر والنهى، وَقد مضى القَوْل فى هَذَا وَمن مواضعهما: الِاسْتِفْهَام، لِأَنَّهُ غير وَاجِب وَذَلِكَ قَوْلك: هَل تضربن زيدا، وَهل يقومن زيد يَا فَتى وَتدْخل الْخَفِيفَة كَمَا دخلت الثَّقِيلَة، لِأَنَّهُمَا فى التوكيد على مَا ذكرت لَك وَمن موَاضعهَا: الْجَزَاء إِذا لحقت (مَا) زَائِدَة فى حرف الْجَزَاء، لِأَنَّهَا تكون / كاللام الَّتِى تلْحق فى الْقسم فى قَوْلك: لَأَفْعَلَنَّ، وَذَلِكَ قَوْلك: إِمَّا تأتينى آتِك، وَمَتى مَا تقعدن أقعد

(3/13)


فَمن ذَلِك قَول الله عز وَجل: {فإمَّا تَرين من الْبشر أحدا} ، وَقَالَ: {وَإِمَّا تعرضن عَنْهُم} فَإِن كَانَ الجزاءُ بِغَيْر (م) قبُح دخولُها فِيهِ، لِأَنَّهُ خبر يجب آخِره بِوُجُوب أَوله وَإِنَّمَا يجوز دُخُولهَا الْجَزَاء بِغَيْر (مَا) فى الشّعْر للضَّرُورَة، كَمَا يجوز ذَلِك فى الْخَبَر فَمن ذَلِك قَوْله:
(من تثقفن مِنْهُم فَلَيْسَ بآئب ... أبدا، وَقتل بنى قُتَيْبَة شافى)

(3/14)


فَهَذَا يجوز، كَمَا قَالَ فى الْخَبَر:
(رُبمَا أوفيت فى علم ... ترفعن ثوبى شمالات)
وَمن أَمْثَال الْعَرَب: " بِعَين مَا أرينك " و " بألم مَا تختننه " فَإِنَّمَا أَدخل النُّون من أجل (مَا) الزَّائِدَة كاللام كَمَا ذكرت لَك

(3/15)


صفحة فارغة

(3/16)


(هَذَا بَاب الْوُقُوف على النونين: الْخَفِيفَة والثقيلة)
اعْلَم أَنَّك إِذا وقفت على الثَّقِيلَة كَانَ الْوَقْف عَلَيْهَا / كالوقف على غَيرهَا من الْحُرُوف المبنية على الْحَرَكَة فَإِن شِئْت كَانَ وَقفهَا كوصلها، وَإِن شِئْت ألحقت هَاء لبَيَان الْحَرَكَة كَمَا تَقول: ارمه، واغزه، واخشه فَهَذَا وَجههَا وَإِن شِئْت قلت على قَوْلك: ارْمِ، اغز، اخش، فَقلت: اضربن، وارمين، وقولن فَهَذَا أَمر الثَّقِيلَة فَأَما الْخَفِيفَة فَإِنَّهَا فى الْفِعْل بِمَنْزِلَة التَّنْوِين فى الِاسْم فَإِذا كَانَ مَا قبلهَا مَفْتُوحًا أبدلت مِنْهَا الْألف، وَذَلِكَ قَوْلك: اضربن زيدا فَإِذا وقفت: قلت: اضربا، وَكَذَلِكَ: وَالله ليضربن زيدا فَإِن وقفت قلت: لتضربا، كَمَا قَالَ: {لنسفعا بالناصية} فَإِذا كَانَ مَا قبلهَا مضموما أَو مكسورا، كَانَ الْوَقْف بِغَيْر نون وَلَا بدل مِنْهَا، لِأَنَّك تَقول فى الْأَسْمَاء فى النصب: رَأَيْت زيدا، فتبدل من التَّنْوِين ألفا، وَتقول فى الرّفْع: هَذَا زيد، وفى الْخَفْض: مَرَرْت بزيد، فَلَا يكون الْوَقْف كالوصل وَكَذَلِكَ هَذِه الْأَفْعَال، تَقول للْجَمَاعَة - إِذا أردْت النُّون الْخَفِيفَة - اضربن زيدا /، فَإِن وقفت قلت: اضربوا، واضربن زيدا يَا امْرَأَة، فَإِن وقفت قلت: اضربى

(3/17)


وفى نُسْخَة أُخْرَى: وَكَذَلِكَ هَذِه الْأَفْعَال تَقول: وَالله لتضربن زيدا فَإِن وقفت قلت: لتضربون، وَتقول: هَل تضربن زيدا يَا امْرَأَة، فَإِن وقفت قلت: هَل تضربين فَهَذَا نَظِير مَا ذكرت لَك وَلَا فصل بَين النُّون الْخَفِيفَة فِي الْأَفْعَال وَبَين التَّنْوِين فى الْأَسْمَاء، إِلَّا أَن النُّون تحذف إِذا لقيها سَاكن، والتنوين يُحَرك لالتقاء الساكنين وَقد يجوز حذفه فى الشّعْر وفى ضعف من الْكَلَام، فَتَقول - إِذا أردْت النُّون الْخَفِيفَة -: اضْرِب الرجل حذفت النُّون لالتقاء الساكنين، فَهَذَا أمرهَا وَإِنَّمَا حذفت وخالفت التَّنْوِين، لِأَن مَا يلْحق الْأَفْعَال أَضْعَف مِمَّا يلْحق الْأَسْمَاء، لِأَن الْأَفْعَال أَنْت فى إِدْخَال النُّون عَلَيْهَا مُخَيّر، إِلَّا مَا وَقع مِنْهَا فى الْمُسْتَقْبل فى الْقسم، والأسماء كل مَا ينْصَرف مِنْهَا فالنون الَّتِى تسمى التَّنْوِين لَازِمَة فِيهِ، والأسماء هى الأول، وَالْأَفْعَال فروع ودواخل عَلَيْهَا وَإِذا وقفت / على النُّون الْخَفِيفَة فى فعل لجَمِيع مُرْتَفع - حذفت النُّون

(3/18)


(هَذَا بَاب تَغْيِير الْأَفْعَال للنونين: الْخَفِيفَة، والثقيلة)
اعْلَم أَن الْأَفْعَال - مَرْفُوعَة كَانَت أَو مَنْصُوبَة أَو مجزومة - فَإِنَّهَا تبنى مَعَ دُخُول النُّون على الفتحة، وَذَلِكَ أَنَّهَا وَالنُّون كشيء وَاحِد، فبنيت مَعَ النُّون بِنَاء خَمْسَة عشر وَلم تسكن لعلتين إِحْدَاهمَا: أَن النُّون الْخَفِيفَة سَاكِنة، والثقيلة نونان، الأولى مِنْهُمَا سَاكِنة، فَلَو أسكنت مَا قبلهَا لجمعت بَين ساكنين وَالْعلَّة الْأُخْرَى: أَنَّك حركتها، لتجعلها مَعَ النُّون كالشيء الذى يضم إِلَيْهِ غَيره، فيجعلان شَيْئا وَاحِدًا، نَحْو: بَيت بَيت، وَخَمْسَة عشر وَإِنَّمَا اختارو الفتحة، لِأَنَّهَا أخف الحركات وَذَلِكَ قَوْلك للرجل: هَل تضربن زيدا؟ وَالله لتضربن زيدا فالفعلان مرفوعان وَتقول فى الْمَوْقُوف، والمجزوم: اضربن زيدا، وَلَا تضربن عمرا، وَإِمَّا تغزون زيدا أغزه، كَمَا / قَالَ عز وَجل: {وَإِمَّا تعرضن عَنْهُم ابْتِغَاء رَحْمَة من رَبك}

(3/19)


فَإِذا ثنيت، أَو جمعت، أَو خاطبت مؤنثا - فَإِن نَظِير الْفَتْح فى الْوَاحِد حذف النُّون مِمَّا ذكرت

(3/20)


لَك تَقول للْمَرْأَة: هَل تضربن زيدا؟ وَلَا تضربن عمرا، فَتكون النُّون محذوفة الَّتِى كَانَت فى تضربين، أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت: لن تضرب يَا فَتى، قلت للْمَرْأَة - إِذا خاطبتها -: لن تضربى،

(3/21)


وَكَذَلِكَ لن تضربا، وَلنْ تضربوا للاثنين وَالْجَمَاعَة فَحذف النُّون نَظِير الفتحة فى الْوَاحِد، وَذَهَبت الْيَاء فى قَوْلك: اضربن زيدا لَا لتقاء الساكنين وَكَذَلِكَ تذْهب الْوَاو فى الْجَمَاعَة إِذا قلت: اضربن زيدا، وَهل تخرجن إِلَى زيد، فَهَذَا نَظِير مَا ذكرت لَك فَإِن كَانَ قبل الْوَاو وَالْيَاء فَتْحة، لم تحذفهما لالتقاء الساكنين، وحركتا، لِأَنَّهُ إِنَّمَا تحذف الْوَاو الَّتِى قبلهَا ضمة، وَالْيَاء الَّتِى قبلهَا كسر، لِأَنَّهُمَا إِذا كَانَتَا كَذَلِك كَانَتَا حرفى لين كالألف أَلا ترى أَنَّك تَقول: ارْمِ الرجل، وَارْمُوا الرجل، فتحذف لالتقاء الساكنين / وَتقول: اخشوا الرجل، واخشى الرجل، فَتحَرك، وَلَا تحذف، لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَة الْحُرُوف الَّتِى هى غير معتلة وَمَعَ ذَلِك فَإنَّك لَو حذفت مَا قبله الفتحة لالتقاء الساكنين، لخرج اللَّفْظ إِلَى لفظ الْوَاحِد الْمُذكر، وَذَهَبت عَلامَة التَّأْنِيث وعلامة الْجمع، فَكنت تَقول: اخش الرجل فَتَقول على هَذَا للْجَمَاعَة: اخشون الرجل، وللمرأة: اخشين زيدا وكل مَا جرى مِمَّا قبله مَفْتُوح فَهَذِهِ سَبيله

(3/22)


(هَذَا بَاب الِاثْنَيْنِ وَالْجِمَاع من النِّسَاء فى النُّون الثَّقِيلَة وامتناعهما من النُّون الْخَفِيفَة)
اعْلَم أَنَّك إِذا أمرت الِاثْنَيْنِ، وَأَرَدْت النُّون الثقيل قلت: اضربان زيدا تكسر النُّون لِأَنَّهَا بعد ألف، فهى كنون الِاثْنَيْنِ، وَالنُّون الساكنة المدغمة فِيهَا لَيْسَ بحاجز حُصَيْن لسكونها وَكَذَلِكَ: وَالله لتضربان زيدا، وَجَمِيع مَا تصرفت فِيهِ، فَهَذَا سَبِيلهَا فى الِاثْنَيْنِ قَالَ الله عز وَجل: {وَلَا تتبعان سَبِيل الَّذين لَا يعلمُونَ} فَإِذا أوقعتها فى جمع النِّسَاء قلت: / اضربنان زيدا زِدْت ألفا، لِاجْتِمَاع النونات، ففصلت بهَا بَينهُنَّ، كَمَا زِدْت فى قَول من قَالَ: آأنت فعلت ذَاك، فتجعلها بَين الهمزتين، إِذْ كَانَ التقاؤهما مَكْرُوها، وَكَذَلِكَ: لتضربنان زيدا، وَكسرت هَذِه النُّون بعد هَذِه الْألف، لِأَنَّهَا أشبهت ألف الِاثْنَيْنِ تفعل بالنُّون بعْدهَا مَا تفعل بهَا بعد ألف التَّثْنِيَة، فَلَا تحذف، لِأَنَّهَا عَلامَة، ولأنك كنت إِن حذفتها لَا تفرق بَين الِاثْنَيْنِ وَالْوَاحد وَأما الْألف الَّتِى أدخلتها للفصل بَين النونات فَلم تكن لتحذفها، لِأَن الْخَفِيفَة إِنَّمَا تقع

(3/23)


فى موقع الثَّقِيلَة فَإِن قلت: فأجئ بهَا، وأحرك النُّون لالتقاء الساكنين، كَانَ ذَلِك غير جَائِز، لِأَن النُّون لَيست بواجبة، وَأَنت إِذا جِئْت بهَا زَائِدَة، وأحدثت لَهَا حَرَكَة، فَهَذَا مُمْتَنع وَإِن تركتهَا على سكونها جمعت بَين ساكنين / وَمَعَ هَذَا فَإِنَّهَا كَانَت فى الِاسْتِفْهَام وفى الْقسم وفى الْمَوَاضِع الَّتِى يكون فِيهَا الْفِعْل مَرْفُوعا تَلْتَبِس بنُون الِاثْنَيْنِ، وَلَا سَبِيل إِلَى اجْتِمَاعهمَا لما ذكرت لَك من أَن الْفِعْل يبْنى مَعهَا على الْفَتْح وَإِنَّمَا حذفت النُّون ف التَّثْنِيَة وَالْجمع وَفعل الْمَرْأَة - إِذا خوطبت - لِأَنَّهَا كالفتح فى الْوَاحِد، أَلا ترى أَنَّك تَقول للْمَرْأَة: هَل تضربن زيدا إِذا أردْت النُّون الْخَفِيفَة، وللجماعة من الرِّجَال: هَل تضربن زيدا، فَهَذَا مَا ذكرت لَك وَكَانَ يُونُس بن حبيب يرى إثباتهما فِي فعل الِاثْنَيْنِ وَجَمَاعَة النسْوَة، فَيَقُول: اضربان زيدا، وللنساء: اضربنان زيدا، فَيجمع بَين ساكنين، وَلَا يُوجد مثل هَذَا فى كَلَام الْعَرَب إِلَّا أَن يكون السَّاكِن الثانى مدغما وَالْأول حرف لين، وَقد مضى تَفْسِير هَذَا فَإِذا وقف يُونُس وَمن يَقُول بقوله قَالَ للاثنين: اضربا، وللجماعة من النِّسَاء: اضربنا، وَإِذا وصل فعل الِاثْنَيْنِ قَالَ: / اضربان الرجل وَهَذَا خطأ على قَوْله، إِنَّمَا ينبغى على قِيَاس قَوْله أَن يَقُول: اضْرِب الرجل فيحذف النُّون، لِأَنَّهَا تحذف لالتقاء الساكنين، كَمَا ذكرت لَك فى أول الْبَاب، ثمَّ تحذف الْألف الَّتِى فى اضربا لعلامة التَّثْنِيَة، لِأَنَّهَا ايضا سَاكِنة، فَيصير لَفظه لفظ الْوَاحِد إِذا أردْت بِهِ النُّون الْخَفِيفَة، وَلَفظ الِاثْنَيْنِ بِغَيْر نون إِذا حذفت ألفها لالتقاء الساكنين

(3/24)


(هَذَا بَاب مَالا يجوز أَن تدخله النُّون خَفِيفَة وَلَا ثَقيلَة وَذَلِكَ مَا كَانَ مِمَّا يوضع مَوضِع الْفِعْل وَلَيْسَ بِفعل)
فَمن ذَلِك قَوْله: (صه) و (مَه) ، و (إيه) يَا فَتى: إِذا أردْت أَن يزيدك من الحَدِيث، و (إيها) يَا فَتى، إِذا كففته، و (ويها) يَا فَتى: إِذا أغربته وَكَذَلِكَ (عَلَيْك) زيدا، و (دُونك) زيدا، و (وَرَاءَك أوسع لَك) ، و (عنْدك) يَا فَتى: إِذا حذرته شَيْئا بِقُرْبِهِ فَكل هَذِه لَا تدْخلهَا نون، لِأَنَّهَا لَيست بِأَفْعَال، وَإِنَّمَا هى أَسمَاء للْفِعْل وَمن ذَلِك (هَلُمَّ) فى لُغَة أهل الْحجاز، / لأَنهم يَقُولُونَ: هَلُمَّ للْوَاحِد، وللاثنين، وَالْجَمَاعَة على لفظ وَاحِد وَأما على مَذْهَب بنى تَمِيم فَإِن النُّون تدْخلهَا، لأَنهم يَقُولُونَ للْوَاحِد: هَلُمَّ، وللاثنين: هلما، وللجماعة: هلموا، ولجماعة النسْوَة: هلممن، وللواحدة: هلمى، وَإِنَّمَا هى (لم) لحقتها الْهَاء، فعلى هَذَا تَقول: هلمن يَا رجل هلمن يَا إمرأة، وهلممنان يَا نسْوَة، فَيكون بِمَنْزِلَة سَائِر الْأَفْعَال

(3/25)