المقتضب

 (هَذَا بَاب النّسَب فِيمَا كَانَ على أَرْبَعَة أحرف ورابعه ألف مَقْصُورَة)
/ أما مَا كَانَت أَلفه أصلا، أَو مُلْحقَة بِالْأَصْلِ منصرفة فى النكرَة فَإِن الْوَجْه فِيهِ، وَالْحَد إِثْبَات الْألف، وَقبلهَا واوا؛ للتحرك الذى يلْزمهَا، وَذَلِكَ قَوْلك فى النّسَب إِلَى ملهى: ملهوى، وَإِلَى معزى: معزوى، وَإِلَى أرطى: أرطوى فَإِن كَانَت الْألف للتأنيث فَفِيهَا ثَلَاثَة أقاويل: أَجودهَا، وأحقها بِالِاخْتِيَارِ، وأكثرها، وأصحها، وأشكلها لمنهاج الْقيَاس حذف الْألف فَتَقول فى النّسَب إِلَى حُبْلَى: حُبْلَى، وَإِلَى دنيا: دني، وَكَذَلِكَ بشرى، وسكرى، ودفلى، وَمَا أشبه ذَلِك وَيجوز أَن تلْحق واوا زَائِدَة، لِأَنَّك إِذا فعلت ذَلِك فَإِنَّمَا تخرجه إِلَى عَلامَة التَّأْنِيث اللَّازِمَة لَهُ وَذَلِكَ قَوْلك: دنياوى، ودفلاوى حَتَّى يصير بِمَنْزِلَة حمراوى، وصحراوى فَهَذَا مَذْهَب وَلَيْسَ على الْحَد، وَلَكِنَّك وكدته؛ لتحَقّق منهاج التَّأْنِيث وَالْقَوْل الثَّالِث: أَن تقلب الْألف واوا؛ لِأَن الْألف رَابِعَة، فقد صَارَت فى الْوَزْن بِمَنْزِلَة مَا الْألف

(3/147)


من أَصله فَتَقول: حبلوى، ودفلوى فَمن قَالَ هَذَا فشبهه بملهى / ومعزى أجَاز فى النّسَب إِلَى مَا الْألف فِيهِ أَصْلِيَّة الْحَذف يشبهها بِأَلف التَّأْنِيث؛ كَمَا شبه الْألف بِهِ تَقول: ملهى، ومغزى فى النّسَب إِلَى ملهى، ومغزى وَهُوَ أردأ الْأَقَاوِيل؛ لِأَن الْفَصْل هَاهُنَا لَازم؛ إِذْ كَانَ أحد الْأَلفَيْنِ أصلا، والأخر زَائِدا فَإِن كَانَت الْألف خَامِسَة مَقْصُورَة فَلَيْسَ فِيهَا إِلَّا الْحَذف منصرفة كَانَت أَو غير منصرفة وَذَلِكَ نَحْو: مرامى، وحبارى، وشكاعى تَقول: مرامى، وحبارى وَذَلِكَ لِأَنَّهَا كَانَت تحذف رَابِعَة إِذا كَانَت التَّأْنِيث، وَيجوز مثل ذَلِك فِيهَا إِذا كَانَت أَصْلِيَّة، فَلَمَّا زَاد الْعدَد لم يكن إِلَّا الْحَذف، وَكلما ازْدَادَ كَثْرَة كَانَ الْحَذف أَحْرَى وَكَذَلِكَ إِن كَانَ على أَرْبَعَة أحرف ثَلَاثَة مِنْهَا متحركة لم يكن إِلَّا الْحَذف، وَلم تكن الْألف إِلَّا التَّأْنِيث وَذَلِكَ نَحْو: جمزى لَا يكون فِيهَا مثل لُغَة من قَالَ: حبلوى؛ لِأَن الْحَرَكَة أخرجته

(3/148)


عَن ذَلِك؛ كَمَا أخرجت قدما عَن أَن تَنْصَرِف / اسْم امْرَأَة؛ كَمَا تَنْصَرِف هِنْد، ودعد؛ لِأَنَّهَا زَادَت عَلَيْهَا حَرَكَة فَإِن كَانَ الِاسْم ممدودا لم يحذف مِنْهُ شئ، وانقلبت الْمدَّة واوا لِأَنَّهَا حرف حى فَلَا يحذف، وَلِأَنَّهَا للتأنيث تنْقَلب، وَلَا تكون كحرف الأَصْل وَذَلِكَ قَوْلك فى حَمْرَاء: حمراوى، وفى خنفساء: خنفساوى فَإِن كَانَ منصرفا وحروفه أصل فَالْوَجْه إِقْرَار الْهمزَة وَذَلِكَ قَوْلك فى النّسَب إِلَى قراء: قرائى فالهمزة أصل، وفى رِدَاء: ردائى فالهمزة منقلبة، وحالها كَحال تِلْكَ وَكَذَلِكَ الملحقة نَحْو: علْبَاء، وحرباء، وَقد يجوز الْقلب فى هَذَا المنصرف؛ نَحْو: علباوى، وحرباوى فَهُوَ فِي هَذَا الحيز أصلح؛ لِأَن الْهمزَة زَائِدَة وَيجوز أَيْضا فى رِدَاء، وَكسَاء وَهُوَ فيهمَا أَجود مِنْهُ فِي قراء لِأَن الْهمزَة فى رِدَاء، وَكسَاء منقلبة وَهُوَ فِيهِ أبعد أَن تَقول: قراوى

(3/149)


(هَذَا بَاب النّسَب إِلَى الْجَمَاعَة)
اعْلَم أَنَّك إِذا نسبت إِلَى جمَاعَة فَإِنَّمَا توقع النّسَب / على وَاحِدهَا وَذَلِكَ قَوْلك فى رجل ينْسب إِلَى الْفَرَائِض: فرضى؛ لِأَنَّك رَددته إِلَى فَرِيضَة، فَصَارَ كَقَوْلِك فى النّسَب إِلَى حنيفَة: حنفى فَهَذَا هُوَ الْبَاب فى النّسَب إِلَيْهَا وَالنّسب إِلَى مَسَاجِد: مسجدى، وَإِلَى أكلب: كلبى وَإِنَّمَا فعل ذَلِك؛ ليفصل بَينهَا وهى جمع وَبَينهَا إِذا كَانَت اسْما لشئ وَاحِد؛ لِأَنَّهَا إِذا سمى وَاحِد بشئ مِنْهَا كَانَ النّسَب على اللَّفْظ؛ لِأَنَّهُ قد صَار وَاحِدًا وَذَلِكَ قَوْلك فى رجل من بنى كلاب: كلابى فَإِن نسبته إِلَى الضباب قلت: ضبابى وَتقول: رجل معافرى (ومعافر بن أَخُو تَمِيم)

(3/150)


وَتقول فى النّسَب إِلَى أكلب من خثعم: أكلبى، وَكَذَلِكَ هَذَا أجمع وَنَظِير ذَلِك قَوْلك فى النّسَب إِلَى الْمَدَائِن: مدائنى؛ لِأَنَّهَا اسْم لبلد وَاحِد وَتقول فى رجل من أَبنَاء سعد، أبناوى؛ لِأَنَّهُ قد صَار اسْما لَهُم، وَلَو قلت أبنائى كَانَ جيدا؛ كَمَا تَقول: كسائى وكساوى فَإِن نسبت إِلَيْهِ وَأَنت تقدر أَن كل وَاحِد مِنْهُم ابْن على حياله، ثمَّ تجمعهم / قلت: ابنى وبنوى أى ذَلِك قلته فصواب: لِأَنَّهُ النّسَب إِلَى (ابْن)

(3/151)


(هَذَا بَاب النّسَب إِلَى كل اسْم على حرفين)
اعْلَم أَنه مَا كَانَ من الْأَسْمَاء على حرفين فَإِن رد الْحَرْف الثَّالِث إِلَيْهِ فى الْجمع بِالتَّاءِ، أَو التَّثْنِيَة فالنسبة ترده لَا يكون إِلَّا ذَلِك وَذَلِكَ قَوْلك فى النّسَب إِلَى أُخْت: أخوى؛ لِقَوْلِك: أَخَوَات، وَإِلَى سنة: سنوى فِيمَن قَالَ: سنوات، وَمن قَالَ: سانهت، وسنيهة فى التحقير قَالَ: سنهى وفى النّسَب إِلَى أَب، وَأَخ: أبوى، وأخوى؛ لِقَوْلِك: أَبَوَانِ، وَأَخَوَانِ، وَكَذَلِكَ هَذَا الْجمع لَا يكون غير مَا ذكرت لَك وَإِن لم ترد الْحَرْف الثَّالِث فِي تَثْنِيَة، وَلَا جمع بِالتَّاءِ فَأَنت فى النّسَب مُخَيّر: إِن شِئْت رَددته، وَإِن شت لم تردده وَذَلِكَ قَوْلك فى النّسَب إِلَى دم: دمى، ودموى، وفى النّسَب إِلَى يَد: يدى، ويدوى فى قَول سِيبَوَيْهٍ، فَأَما الْأَخْفَش فَيَقُول: يدى، ويديى، وَيَقُول: أصل (يَد) فعل، فَإِن رددت مَا ذهب رجعت بالحرف إِلَى أَصله فَهَذَا قَوْله فى كل هَذَا

(3/152)


وسيبويه وَأَصْحَابه يَقُولُونَ: رددنا إِلَى حرف قد لزمَه / الْإِعْرَاب لجهد الِاسْم؛ فَلَا يحذف مَا كَانَ يلْزمه قبل الرَّد وسيبويه يزْعم أَن (دَمًا) (فعل) فى الأَصْل، وَهَذَا خطأ؛ لِأَنَّك تَقول: دمى يدمى فَهُوَ دم فمصدر هَذَا لَا يكون إِلَّا (فعل) ؛ كَمَا تَقول: فرق يفرق، والمصدر الْفرق، وَالِاسْم فرق، وَكَذَلِكَ الحذر، والبطر، وَجَمِيع هَذَا الْبَاب وَمن الدَّلِيل أَنه (فعل) أَن الشَّاعِر لما اضْطر جَاءَ بِهِ على (فعل) قَالَ:
(جرى الدميان بالْخبر الْيَقِين ... )
فَأَما (يَد) فَفعل سَاكِنة لَا اخْتِلَاف فى ذَلِك؛ لِأَن جمعهَا أيد (وأفعل) إِنَّمَا هُوَ جمع (فعل) ؛ نَحْو: أكلب، وأفلس، وأفرخ و (غَد) (فعل) ؛ لِأَن أَصله غدو وَحقّ هَذِه الْأَسْمَاء المحذوفة أَن يحكم عَلَيْهَا بِسُكُون الْأَوْسَط إِلَّا أَن تثبت الْحَرَكَة؛ لِأَن الْحَرَكَة زِيَادَة؛ فَلَا تثبت إِلَّا بِحجَّة؛ أَلا ترى أَن الشَّاعِر لما اضْطر إِلَى الرَّد رد على الإسكان فَقَالَ:
(إِن مَعَ الْيَوْم أَخَاهُ غدوا ... )
وَقَالَ الشَّاعِر:
(وَمَا النَّاس إِلَّا كالديار وَأَهْلهَا ... بهَا يَوْم حلوها وغدوا بِلَا وَقع)
/ وَإِنَّمَا كَانَت الْإِضَافَة رادة مَا رَجَعَ فى التَّثْنِيَة وَالْجمع بِالتَّاءِ وَمَا لم ترده تَثْنِيَة وَلَا جمع؛

(3/153)


لِأَن الْإِضَافَة أرد؛ وَذَلِكَ أَنَّهَا مُغيرَة أَوَاخِر الْأَسْمَاء لَا محَالة؛ لِأَن الْإِعْرَاب عَلَيْهَا يَقع، وَلِأَنَّهُ يلْزمهَا الْحَذف من قَوْلك: أسيدى، وأموى، وحنفى، وَنَحْو ذَلِك والتغيير فى مثل بصرى وَمَا ذكرنَا يدل على مَا بعده؛ فَلذَلِك كنت رادا فى الْإِضَافَة مَا يرجع فى تَثْنِيَة أَو جمع بِالتَّاءِ لَا محَالة، ومخيرا فِيمَا لم يرجع فى تَثْنِيَة وَلَا جمع وَاعْلَم أَن كل مَا كَانَ من بَنَات الحرفين فحذفت مِنْهُ حرفا مزيدا تجْعَل عدته ثَلَاثَة فَلَا بُد من الرَّد؛ لِأَنَّك لما حذفت مَا لَيْسَ مِنْهُ لزمك أَن ترد مَا هُوَ مِنْهُ؛ إِذْ كنت قد ترد فِيمَا لَا تحذف مِنْهُ شَيْئا؛ لِأَنَّهُ لَهُ فى الْحَقِيقَة وَذَلِكَ قَوْلك فى النّسَب إِلَى ابْن: ابنى إِذا اتبعت اللَّفْظ، فَإِن حذفت ألف الْوَصْل رددت مَوضِع اللَّام فَقلت: بنوى وَلَا تَقول فى أُخْت إِلَّا أخوى؛ لِأَن التَّاء تحذف كَمَا تحذف الْهَاء فى النّسَب؛ لِأَنَّهَا تِلْكَ فى الْحَقِيقَة وَذَلِكَ قَوْلك فى طَلْحَة: طلحى، وفى عمْرَة: عمرى، فَإِذا حذفت التَّاء من أُخْت لم تقل إِلَّا أخوى، وَكَذَلِكَ بنت: بنوى؛ لِأَن التَّاء تذْهب

(3/154)


وَمن قَالَ: ابْنة / قَالَ: ابنى على قَوْلك: ابنى فى ابْن وَمن قَالَ فى ابْن: بنوى قَالَ فى مونثه: بنوى وَذَلِكَ أَن النّسَب إِلَى مونث كالنسب إِلَى مذكره تَقول فى النّسَب إِلَى ضَارب: ضاربى، وَكَذَلِكَ هُوَ إِلَى ضاربة

(3/155)


(هَذَا بَاب مَا كَانَ على حرفين مِمَّا ذهب مِنْهُ مَوضِع الْفَاء)
وَذَلِكَ قَوْلك: عدَّة، وزنة لِأَن الاصل كَانَ وعدة؛ لِأَنَّهُ ووزنه من وعدت، ووزنت، وَكَذَلِكَ رثَّة من قَوْلك: ورثته رثَّة، وَجدّة وكل مصدر على (فعله) مِمَّا فاؤه وَاو فَهَذِهِ سَبيله، وَقد مضى القَوْل فى حذف هَذِه الْوَاو فى مَوْضِعه فَإِن نسبت إِلَى شئ مِنْهُ لم تغيره؛ لبعده من يَاء النّسَب تَقول: عدى، وزنى فَإِن نسبت إِلَى شية فَلَا بُد من الرَّد؛ لِأَنَّهُ على حرفين أَحدهمَا حرف لين، وَلَا تكون الْأَسْمَاء على ذَلِك فَإِنَّمَا صلح قبل النّسَب من أجل هَاء التَّأْنِيث فَإِذا نسبت إِلَيْهِ حذفت الْهَاء وَكَانَ سِيبَوَيْهٍ يَقُول فى النّسَب إِلَيْهِ: وشوى على أَصله؛ لِأَنَّهُ إِذا رد لم يُغير الْحَرْف عَن حركته هَذَا مذْهبه، وَمذهب الْخَلِيل على مَا تقدم من قَوْلنَا حَيْثُ ذكرنَا (يدا) وَقَوله فِيهَا: / يدوى فِيمَن رد، وغدوى فى غَد فِيمَن رد وَكَانَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش يَقُول فى النّسَب إِلَيْهَا: وشيى؛ لنه يَقُول: إِذا رددت مَا ذهب

(3/156)


من الْحَرْف رَددته إِلَى أَصله، وَثبتت الْيَاء لسكون مَا قبلهَا؛ كَمَا تَقول فى النّسَب إِلَى ظبى: ظَبْي وَقد مضى ذكر الْقَوْلَيْنِ فى مَوْضِعه وَاعْلَم أَنه من رد فى الِاسْم من ذَوَات الحرفين الذى لَا يرجع مِنْهُ فِي تَثْنِيَة وَلَا جمع بِالتَّاءِ نَحْو: دموى، ويدوى فَإِنَّهُ لَا يرد فى عدَّة؛ لِأَن الذَّاهِب مِنْهُ لَيْسَ مِمَّا تغيره الْإِضَافَة وَكَذَلِكَ مَا ذهب مِنْهُ مَوضِع الْعين فَغير مَرْدُود، نَحْو: (مذ) لَو سميت بهَا رجلا لم تقل: منذى وَلَكِن مذى فَاعْلَم فقد شرحت لَك أَن يَاء الْإِضَافَة لَا يرد لَهَا مَا كَانَ على حرفين إِلَّا مَوضِع اللَّام؛ لِأَنَّهَا لَا تغير غير اللَّام

(3/157)


تَقول: هَذَا زيد فَاعْلَم فَإِذا نسبت إِلَيْهِ قلت: زيدى، فَكسرت الدَّال من أجل الْيَاء، وَلم تقرها على الْإِعْرَاب؛ لِأَن الْإِعْرَاب فى الْيَاء، وَلَا يكون فى اسْم إعرابان فَأَما قَوْله:
(هما نفثا فى فى من فمويهما ... على النابح العاوى أَشد رجام)
فَإِنَّمَا (فَم) أَصله: فوه؛ لِأَنَّهُ من تفوهت بِكَذَا، وَجمعه أَفْوَاه على / الأَصْل، فَإِذا قلت: هَذَا فو زيد، فقد حذفت مَوضِع اللَّام، وَلَوْلَا الْإِضَافَة لم يصلح اسْم على حرفين أَحدهمَا حرف لين وَلَكِن تثبت فى الْإِضَافَة؛ لِأَنَّهَا تَمنعهُ التَّنْوِين وَكَذَلِكَ قَوْلك: هَذَا ذُو مَال، فَأَنت تَقول: رَأَيْت فازيد، ومررت بفى زيد، فَإِن أفردت لم يصلح اسْم على حرفين أَحدهمَا حرف لين؛ [لِأَن التَّنْوِين يذهب حرف اللين فَيبقى الِاسْم على حرف] فَتَقول فى الْإِفْرَاد (فَم) فَاعْلَم، فتبدل الْمِيم من الْوَاو؛ لِأَنَّهُمَا من مخرج وَاحِد وَإِنَّمَا الْمِيم وَالْبَاء وَالْوَاو من الشّفة، وَكَانَت الْمِيم أولى بِالْبَدَلِ من الْبَاء؛ لِأَن الْوَاو من الشّفة، ثمَّ تهوى إِلَى الْفَم؛ لما فِيهَا من الْمَدّ واللين، حَتَّى تَنْقَطِع عِنْد مخرج الْألف وَالْمِيم تهوى فى الْفَم حَتَّى تتصل بالخياشيم؛ لما فِيهَا من الغنة وَالْبَاء لَازِمَة لموضعها فَأَما قَوْله: (فمويهما) فَإِنَّهُ جعل الْوَاو بَدَلا من الْهَاء لخفائها للين وَأَن الْهَاء خُفْيَة فَمن قَالَ (فمان) قَالَ فى النّسَب: فمى، وفموى

(3/158)


وَمن قَالَ (فموان) يجز فى النّسَب إِلَّا فموى

(3/159)


(هَذَا بَاب النِّسْبَة إِلَى التَّثْنِيَة وَالْجمع)
إعلم أَنَّك إِذا نسبت إِلَى مثنى حذفت مِنْهُ الْألف / وَالنُّون، وحذفهما لأمرين أَحدهمَا: أَنَّهُمَا زيدا مَعًا، وَقد مضى هَذَا فى بَاب عطشان وحمراء وَالْوَجْه الثانى: أَنه يَسْتَحِيل النّسَب إِلَيْهِ وَألف التَّثْنِيَة أَو ياؤها فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يجْتَمع فى الِاسْم رفعان، أَو نصبان، أَو خفضان فَإِن أضفت إِلَى جمع مُذَكّر فَهُوَ كَذَلِك تَقول فى النّسَب إِلَى الْمُسلمين أَو مُسلمين: مسلمى، وَإِلَى رجلَيْنِ: رجلى؛ كَمَا ينْسب إِلَى الْوَاحِد، وكما ذكرت لَك قبل الْجَمَاعَة؛ لتفصل بَينهَا وَبَين الْوَاحِد الْمُسَمّى بِجَمَاعَة وَتقول فى النّسَب إِلَى مسلمات: مسلمى، فتحذف الْألف وَالتَّاء؛ كَمَا حذفت الْألف وَالنُّون، وَالْوَاو وَالنُّون؛ وكما تحذف هَاء التَّأْنِيث إِذا قلت فى طَلْحَة: طلحى

(3/160)


(هَذَا بَاب مَا يبْنى عَلَيْهِ الِاسْم لِمَعْنى الصِّنَاعَة لتدل من النّسَب على مَا تدل عَلَيْهِ الْيَاء)
وَذَلِكَ قَوْلك لصَاحب الثِّيَاب: ثَوَاب، وَلِصَاحِب الْعطر: عطر، وَلِصَاحِب الْبَز: بزاز وَإِنَّمَا أصل هَذَا لتكرير الْفِعْل كَقَوْلِك /: هَذَا رجل ضراب، وَرجل قتال، أى: يكثر هَذَا مِنْهُ، وَكَذَلِكَ خياط، فَلَمَّا كَانَت الصِّنَاعَة كَثِيرَة المعاناة للصنف فعلوا بِهِ ذَلِك، وَإِن لم يكن مِنْهُ فعل؛ نَحْو: بزاز، وعطار فَإِن كَانَ ذَا شئ، أى: صَاحب شئ بنى على (فَاعل) ؛ كَمَا بنى الأول على (فعال) ، فَقلت:

(3/161)


رجل فَارس، أى: صَاحب فرس، وَرجل دارع، ونابل، وناشب، أى: هَذَا آلَته قَالَ الشَّاعِر:
(وغررتنى، وَزَعَمت أَنَّك لِابْنِ بالصيف تامر ... )
فَأَما قَوْله:
(وَلَيْسَ بذى رمح فيطعننى بِهِ ... وَلَيْسَ بذى سيف وَلَيْسَ بِنِبَالٍ)
فَإِنَّهُ كَانَ حَقه أَن يَقُول: وَلَيْسَ بنابل، وَلكنه كثر ذَلِك مِنْهُ وَمَعَهُ

(3/162)


وَاعْلَم أَن قَوْلهم: (عيشة راضية) ، وَرجل طاعم كاس إِنَّمَا هُوَ على ذَا مَعْنَاهُ: عيشة فِيهَا رضَا، وَرجل لَهُ طَعَام وَكِسْوَة وَكَذَلِكَ هم ناصب إِنَّمَا هُوَ: فِيهِ نصب وَكَذَلِكَ كل مؤنث نعت بِغَيْر هَاء؛ نَحْو: طامث، وحائض، ومئتم، وَطَالِق فَمَا كَانَ من هَذَا مُبينًا على فعل فَهُوَ كَقَوْلِك: ضربت / فهى ضاربة، وَجَلَست فهى جالسة قَالَ الله - عز وَجل -: {يَوْم ترونها تذهل كل مُرْضِعَة عَمَّا أرضعت} ، لِأَنَّهُ جَاءَ مُبينًا على (أرضعت)

(3/163)


وَمَا كَانَ على غير فعل فعلى معنى النّسَب الذى ذكرت لَك وَذَلِكَ أَنَّك تُرِيدُ: لَهَا حيض، وَمَعَهَا طَلَاق وتأويله: هى ذَات كَذَا فَأَما قَول بعض النَّحْوِيين: إِنَّمَا تنْزع الْهَاء من كل مؤنث لَا يكون لَهُ مُذَكّر، فَيحْتَاج إِلَى الْفَصْل فَلَيْسَ بشئ؛ لِأَنَّك تَقول: رجل عَاقِر، وَامْرَأَة عَاقِر وناقة ضامر، وَبكر ضامر

(3/164)


وَكَذَلِكَ امْرَأَة قتول، وَرجل قتول، وَامْرَأَة معطار، وَرجل معطار فَهَذَا على مَا وصفت لَك فَأَما قَوْلهم: بعير عاضه، وبعير حامض فَهُوَ على هَذَا إِنَّمَا مَعْنَاهُ: أَنه مُعْتَاد لأكل الحمض ولأكل العضاه فَوَقع النّسَب على معنى قَوْلك: هُوَ كَذَا، فَهَذَا بَابه

(3/165)


(هَذَا بَاب الْمَحْذُوف والمزيد فِيهِ وَتَفْسِير مَا أوجب ذَلِك فيهمَا)
فَمن الْمَحْذُوف مَا يكون حذفه قِيَاسا؛ لِأَن الْعلَّة جَارِيَة فِيهِ وَذَلِكَ مَا كَانَ من بَاب وعد، وَوزن، وَقد مضى قَوْلنَا فى ذَلِك وَمن ذَلِك / مَا كَانَ آخِره ألفا أَو يَاء أَو واوا من الْأَفْعَال فَإِن الْجَزْم يذهب هَذِه الْحُرُوف؛ لِأَن الْجَزْم حذف والأواخر، فَإِذا صادفت الْحَرْف متحركا حذفت الْحَرَكَة، وَإِن صادفته سَاكِنا كَانَ الْحَرْف هُوَ الْمَحْذُوف، وبقى مَا قبله على حركته وَذَلِكَ قَوْلك: لم يغز، وَلم يخْش، وَلم يرم، فَإِذا وصلت قلت: لم يخْش يَا فَتى، وَلم يرم يَا فَتى، وَلم يغز يَا فَتى تدع الْحَرَكَة على مَا كَانَت عَلَيْهِ، لِأَنَّك حذفت الْحَرْف للجزم فَلم يكن لَك على الْحَرَكَة سَبِيل؛ كَمَا أَنَّك لما حذفت الْحَرَكَة من يضْرب وَنَحْوه لم يكن لَك على الْحَرْف سَبِيل، فبقى كَهَيْئَته فَمَا كَانَ من حذف لعِلَّة تشمله فَذَلِك جَامع لبابه وَمن الْمَحْذُوف مَا يحذف اسْتِخْفَافًا من الشئ؛ لِأَنَّهُ لَا يكون أصلا فى بَابه، وَيكون الْحَرْف الذى فى آخِره من الْحُرُوف الَّتِى أمرهَا الْحَذف، أَو مضارعا لَهَا

(3/166)


فَمن ذَلِك قَوْلهم: لم أبل، وَلم يَك، وَلَا أدر أما قَوْلهم: (لم يَك) فَإِن الْحَد (لم يكن) وَهُوَ الْوَجْه، أسكنت النُّون للجزم، فحذفت الْوَاو لالتقاء الساكنين؛ كَمَا تَقول: لم أقل، وَلم أبع فَأَما من قَالَ: لم أك فَإِنَّهُ لما رأى / النُّون سَاكِنة، وَكَانَت مضارعة للياء وَالْوَاو بِأَنَّهَا؛ تُدْغَم فيهمَا، وتزداد حَيْثُ تزدادان، فَتكون للصرف، كَمَا تَكُونَانِ للإعراب، وتبدل الْألف مِنْهُمَا، كَمَا تبدل مِنْهَا فى قَوْلك: اضربا، إِذا أردْت النُّون الْخَفِيفَة، وفى قَوْلك: رَأَيْت زيدا، وَتحل مَحل الْوَاو فى قَوْلك: بهرانى، وصنعانى، وتحذف النُّون الْخَفِيفَة؛ كَمَا تحذف الْيَاء وَالْوَاو لالتقاء الساكنين وَكَانَت تكون الأَصْل فِيمَا مضى وَمَا لم يَقع وَذَلِكَ قَوْلك: أَقَامَ زيد؟ فَتَقول: قد كَانَ ذَاك وَتقول: يقوم زيد، فَتَقول: يكون فَكَانَت الْعبارَة دون غَيرهَا من الْأَفْعَال فقد بَانَتْ بعلة لَيست فى غَيرهَا من أَنَّهَا عبارَة وترجمة، فحذفت لسكونها اسْتِخْفَافًا، فَإِن تحركت النُّون لم يجز حذفهَا تَقول: لم يَك زيد مُنْطَلقًا، وَلَا تَقول: لم يَك الرجل؛ لِأَنَّهَا تتحرك هَاهُنَا لالتقاء الساكنين إِذا قلت: لم يكن الرجل وَأما (لم أبله) فَإِنَّهُ كثر فى كَلَامهم، وَكَانَ الأَصْل فى كل مطرح، وَكَانَ يَقُول فى الْوَقْف: لم أبال، فيلتقى ساكنان: الْألف، وَاللَّام، فحذفت الْألف لالتقاء الساكنين؛ لِكَثْرَة هَذِه الْحُرُوف وَلَوْلَا كثرته لم يحذف؛ لِأَنَّهُ يلتقى ساكنان فى الْوَقْف

(3/167)


/ وَمِنْهُم من يَقُول: لم أبله؛ فيحذف الْألف؛ لِأَنَّهَا زَائِدَة لما ذكرت لَك من كَثْرَة هَذِه الْحُرُوف فَأَما قَوْلهم:
(ويها فدَاء لَك يَا فضاله ... أجره الرمْح وَلَا تهاله)
فَإِنَّهُ حرك اللَّام لالتقاء الساكنين؛ لِأَنَّهُ قد علم أَنه لابد من حذف، أَو تَحْرِيك، فَكَانَ الْبَاب هَاهُنَا الْحَذف، فَيَقُول: لَا تهل، وَلَكِن للقافية حرك؛ لِأَن الْحَد لَا تهال، فتسكن اللَّام للجزم، ثمَّ تحذف الْألف لالتقاء الساكنين فَهَذَا حرك اللَّام من أجل القافية حَرَكَة اعتلال، وحركها

(3/168)


بِالْفَتْح؛ لفتح مَا قبلهَا وَلما مِنْهُ الْفَتْح وهى الْألف؛ كَمَا تَقول: عض يَا فَتى، وَانْطَلق يَا فَتى فِيمَن أسكن، وَأدْخل الْهَاء لبَيَان الْحَرَكَة وَقَوْلهمْ: (لَا أدر) ردى وَإِنَّمَا كَانَ يقف عَلَيْهِ، فوصله على وَقفه، وَقِيَاسه قِيَاس سبسبا، وكلكلا، وَنَحْوهمَا وَقد مضى القَوْل فى هَذَا مُفَسرًا فى مَوضِع الْوَقْف فَأَما مَا يُزَاد فى مثل قَوْلهم: أُمَّهَات وهى فى الْأَفْرَاد: أم، وَكَذَلِكَ قَوْلهم: يَا أمت، وَيَا أَبَت [فى النداء] فَإِن الْهَاء فى يَا أمت، وَيَا أَبَت بدل من يَاء الْإِضَافَة؛ / لِأَنَّهُ من قَالَ: يَا أَبى لَا تفعل، وَيَا أمى لَا تفعلى، لم يقل: يَا أم، وَيَا أَب، وَلَكِن يَقُول: يَا أَبَة لَا تفعل، فَيجْعَل الْهَاء بَدَلا من الْيَاء، ويلزمها الْكسر؛ لتدل على الْيَاء؛ لِأَن هَاء التَّأْنِيث لَا تكون سَاكِنة؛ لِأَنَّهَا كاسم ضم إِلَى اسْم فَأَما (أُمَّهَات) فالهاء زَائِدَة؛ لِأَنَّهَا من حُرُوف الزَّوَائِد تزاد لبَيَان الْحَرَكَة فى غير هَذَا الْموضع فزيدت وَلَو قلت: أمات لَكَانَ هَذَا على الأَصْل، وَلَكِن أَكثر مَا يسْتَعْمل (أُمَّهَات) فى الْإِنْس، و (أمات) فى الْبَهَائِم فَكَأَنَّهَا زيدت للْفرق، وَلَو وضع كل وَاحِدَة فى مَوضِع الْأُخْرَى لجَاز وَلَكِن الْوَجْه مَا ذكرت لَك وَالْآخر إِنَّمَا يجوز فى شعر ترده إِلَى الأَصْل فَتَقول: كل وَاحِدَة مِنْهُمَا أم فَمَا جَازَ من زِيَادَة فى هَذَا أَو حمل على الأَصْل فَهُوَ فى الآخر جَائِز

(3/169)


قَالَ الشَّاعِر:
(فوال مَعْرُوف، وفعاله ... عقار مثنى أُمَّهَات الرباع)
وَاعْلَم أَن (لَا أدرى) ، و (لم يكن) و (لم أبال) يَا فَتى الْوَجْه، وَالْحَد وَالِاخْتِيَار: الْإِتْمَام؛ وَإِنَّمَا ذكرنَا الْحَذف لما فِيهِ من الْعِلَل فَأَما بَاب عدَّة وَزنه، فَحذف ذَلِك الْحَد وَالْقِيَاس والأسماء الَّتِى تنقص من الثَّلَاثَة لَا يجوز أَن ينقص مِنْهَا / شئ إِلَّا مَا كَانَت لامه يَاء أَو واوا؛ لِأَنَّهَا تعتل، أَو تكون من المضاعف، فتحذف للاستثقال، أَو يكون خفِيا، فيحذف لخفائه وحرف الخفاء هُوَ الْهَاء فَأَما مَا حذفت مِنْهُ الْيَاء وَالْوَاو فنحو: (يَد) ، وَأَصله: يدى والمحذوف يَاء يدلك على ذَلِك قَوْلهم: يديت إِلَيْهِ يدا وَتقول فى الْجمع: أيدى وَكَذَلِكَ (دم) من دميت فَأَما مَا حذفت الْهَاء مِنْهُ (فشفة) ؛ لِأَنَّهَا من شافعت وَكَذَلِكَ (سنة) فِيمَن قَالَ سنيهة، وسانهت، وَمن قَالَ: سنية جعل الْمَحْذُوف واوا من قَوْلك: سنوات فَاعْتبر هَذَا بِهَذَا الضَّرْب فَإِن قلت: (مذ) قد حذفت النُّون مِنْهُ؛ فَإِنَّمَا ذَلِك لمضارعتها حُرُوف اللين، وَقد ذكرنَا دُخُولهَا فى مداخلهن، وبيناه تبيينا وَاضحا، وَذكرنَا حُرُوف الزَّوَائِد، ومواقع زيادتهن، وبيناه تبيينا يغنى عَن إِعَادَته

(3/170)


(هَذَا بَاب مَا يعرب من الْأَسْمَاء وَمَا يبْنى)
اعْلَم أَن حق الْأَسْمَاء أَن تعرب جمع وَتصرف فَمَا امْتنع مِنْهَا / من الصّرْف فلمضارعته الْأَفْعَال؛ لِأَن الصّرْف إِنَّمَا هُوَ التَّنْوِين، وَالْأَفْعَال لَا تَنْوِين فِيهَا وَلَا خفض، فَمن ثمَّ لَا يخْفض مَا لَا ينْصَرف إِلَّا أَن تضيفه أَو تدخل عَلَيْهِ ألفا ولاما، فتذهب بذلك عَنهُ شبه الْأَفْعَال، فَتَردهُ إِلَى أَصله؛ لِأَن الذى كَانَ يُوجب فِيهِ ترك الصّرْف قد زَالَ وكل مَا لَا يعرب من الْأَسْمَاء فمضارع بِهِ الْحُرُوف؛ لِأَنَّهُ لَا إِعْرَاب فِيهَا وَسَنذكر من هَذِه الْأَسْمَاء جملَة تدل على جَمِيعهَا، وَنَذْكُر مَا ضارعت فِيهِ الْحُرُوف؛ لأَنا قد أحكمنا بَاب مَا ينْصَرف ومالا ينْصَرف

(3/171)


فَمن تِلْكَ الْأَسْمَاء: " كم "، و " أَيْن " و " كَيفَ "، و " مَا "، و " مَتى "، وَهَذَا، وَهَؤُلَاء، وَجَمِيع المبهمة وَمِنْهَا: الذى والتى، وَمِنْهَا: " حَيْثُ " وَاعْلَم أَن الدَّلِيل على أَن مَا ذكرنَا أَسمَاء - وُقُوعهَا فى مَوَاضِع الْأَسْمَاء، وتأديتها مَا يُؤَدِّيه سَائِر الْأَسْمَاء أما (من) فَتكون فاعلة، ومفعولة، وَغير ذَلِك تَقول: جاءنى من فى الدَّار، وَضربت من فى الدَّار، وَضربت من عنْدك، ومررت بِمن أكرمك وموقعها فى الْكَلَام فى ثَلَاثَة مَوَاضِع: تكون خَبرا فَتكون معرفَة إِذا وصلت، ونكرة / إِذا نعتت، وَتَكون استفهاما، وَجَزَاء وَتقول فى الِاسْتِفْهَام: من ضربك؟ ؛ كَمَا تَقول: أَزِيد ضربك؟ وَتقول: من ضربت؟ ، وبمن مَرَرْت؟ كَمَا تَقول فى زيد وَكَذَلِكَ الْجَزَاء تَقول: من يأتك تأته ف " من " مَرْفُوعَة على تَقْدِير: إِن يأتك زيد تأته، وَتقول: من تعط يكرمك على تَقْدِير: زيدا تضرب، وَكَذَلِكَ بِمن تمرر أمرر بِهِ فَهَذَا قد أوضح لَك أَنَّهَا اسْم فَأَما مَا بنيت من أَجله، ومنعت الْإِعْرَاب لمضارعته - فَإِنَّهَا ضارعت فى الْجَزَاء (إِن) الَّتِى هى حرف الْجَزَاء، وفى الِاسْتِفْهَام تضارع الْألف و (هَل) فَأَما فى الْخَبَر فَلَا يجب أَن تعرب، لعلل مِنْهَا: وُقُوعهَا فى الِاسْتِفْهَام وَالْجَزَاء، وَمِنْهَا أَنَّهَا فى الْخَبَر لَا تتمّ إِلَّا بصلَة فَإِنَّمَا تَمامهَا صلتها، وَالْإِعْرَاب بأواخر الْأَسْمَاء

(3/172)


وَمن هَذِه الْأَسْمَاء (أَيْن) ، و (كَيفَ) ، ومضارعتها لحروف الِاسْتِفْهَام وَالْجَزَاء قد وضحت لَك، وتحريك آخرهَا لالتقاء الساكنين، حركت بِالْفَتْح للياء الَّتِى قبل أواخرها فَكَذَلِك: (حَيْثُ) / فى قَول من فتح فَأَما من ضم آخرهَا فَإِنَّمَا أجراها مجْرى الغايات؛ إِذْ كَانَت غَايَة، وَتَفْسِير هَذَا فى مَوْضِعه من هَذَا الْبَاب إِن شَاءَ الله وكل مبْنى مسكن آخِره إِن ولى حرفا متحركا؛ لِأَن الحركات إِنَّمَا هى فى الأَصْل للإعراب، فَإِن سكن مَا قبل آخِره فَلَا بُد من تَحْرِيك آخِره؛ لِئَلَّا يلتقى ساكنان فَهَذِهِ حَال المبينة إِلَّا مَا ضارع مِنْهَا المتمكنة، أَو جعل فى مَوضِع لعِلَّة بِمَنْزِلَة غير المتمكنة، وَقد ذَكرْنَاهُ فى الْكتاب وسنعيده فى هَذَا الْبَاب، لِأَنَّهُ مَوْضِعه وَمن المبينات (أمس) تَقول: مضى أمس بِمَا فِيهِ، ولقيتك أمس يَا فَتى وَإِنَّمَا بنى؛ لِأَنَّهُ اسْم لَا يخص يَوْمًا بِعَيْنِه، وَقد ضارع الْحُرُوف وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قلت: فعلت هَذَا أمس يَا فَتى فَإِنَّمَا تعنى الْيَوْم الذى يلى يَوْمك، فَإِذا انْتَقَلت، عَن يَوْمك انْتقل اسْم (أمس) عَن ذَلِك الْيَوْم؛ فَإِنَّمَا هى بِمَنْزِلَة (من) الَّتِى لابتداء الْغَايَة فِيمَا وَقعت عَلَيْهِ، وتنتقل من شئ إِلَى شئ، وَلَيْسَ حد الْأَسْمَاء إِلَّا لُزُوم مَا وضعت عَلَامَات عَلَيْهِ وَحَيْثُ زيد جَالس فَحَيْثُ انْتقل زيد / (فَحَيْثُ) منتقل مَعَه فَأَما كسر آخر (أمس) فلالتقاء الساكنين: الْمِيم، وَالسِّين

(3/173)


وَإِنَّمَا كَانَ الْحَد الْكسر لما أذكرهُ لَك: وَهُوَ أَنه إِذا كَانَ السَّاكِن الذى تحركه فى الْفِعْل كَسرته؛ لِأَنَّك لَو فَتحته لالتبس بِالْفِعْلِ الْمَنْصُوب، وَلَو ضممته لالتبس بِالْفِعْلِ الْمَرْفُوع، فَإِذا كَسرته علم أَنه عَارض فى الْفِعْل؛ لِأَن الْكسر لَيْسَ من إعرابه وَإِن كَانَ السَّاكِن الذى تحركه فى اسْم كَسرته؛ لِأَنَّك لَو فَتحته لالتبس بالمنصوب غير المنصرف، وَإِن ضممت الْتبس بالمرفوع غير المنصرف، فَكَسرته لِئَلَّا يلتبس بالمخفوض؛ إِذْ كَانَ المخفوض المعرب يلْحقهُ التَّنْوِين لَا محَالة؛ فَلذَلِك كَانَ الْكسر اللَّازِم لالتقاء الساكنين فَأَما الغايات فمصروفة عَن وَجههَا؛ وَذَلِكَ أَنَّهَا مِمَّا تَقْدِيره الْإِضَافَة؛ [لِأَن الْإِضَافَة] تعرفها وَتحقّق أَوْقَاتهَا، فَإِذا حذفت مِنْهَا، وَتركت نياتها فِيهَا - كَانَت مُخَالفَة للباب معرفَة بِغَيْر إِضَافَة، فصرفت عَن وجوهها، وَكَانَ محلهَا من الْكَلَام أَن يكون نصبا أَو خفضا فَلَمَّا أزيلت عَن موَاضعهَا ألزمت الضَّم، وَكَانَ ذَلِك دَلِيلا على تحويلها، وَأَن موضعهَا معرفَة

(3/174)


وَإِن كَانَت نكرَة أَو مُضَافَة، لَزِمَهَا الْإِعْرَاب / وَذَلِكَ قَوْلك: جِئْت قبلك، بعْدك، وَمن قبلك وَمن بعْدك، وَجئْت قبلا وبعدا؛ كَمَا تَقول أَولا وآخرا فَإِن أردْت قبل مَا تعلم فحذفت الْمُضَاف إِلَيْهِ قلت: جِئْت قبل وَبعد، وَجئْت من قبل وَمن بعد قَالَ الله عز وَجل: {لله الْأَمر من قبل وَمن بعد} وَقَالَ: {وَمن قبل مَا فرطتم فِي يُوسُف} وَقَالَ فى الْإِضَافَة: {وَالَّذين من قبلهم} و {من بعد أَن أَظْفَرَكُم عَلَيْهِم} وَكَذَلِكَ جِئْت من علو، وصب عَلَيْهِم من فَوق، وَمن تَحت يَا فَتى إِذا أردْت الْمعرفَة وَكَذَلِكَ من دون يَا فَتى و (حَيْثُ) فِيمَن ضم وهى اللُّغَة الفاشية وَالْقِرَاءَة المختارة (سنتدرجهم من حَيْثُ لَا يعلمُونَ) فهى غَايَة، والذى يعرفهَا مَا وَقعت عَلَيْهِ من الِابْتِدَاء وَالْخَبَر وَإِنَّمَا حق هَذَا وبابه للظروف من الزَّمَان، و (حَيْثُ) ظرف من الْمَكَان وَلَكِن ظروف الزَّمَان دَلَائِل على الْأَفْعَال، وَالْأَفْعَال توضح مَعَانِيهَا وَلَو أفردت (حَيْثُ) لم يَصح مَعْنَاهَا فأضفتها إِلَى الْفِعْل وَالْفَاعِل، وَإِلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر؛ كَمَا تفعل بظروف الزَّمَان؛ لمضارعتها، ومشاركتها إِيَّاهَا بالإبهام؛ فَلذَلِك تَقول: قُمْت حَيْثُ

(3/175)


قُمْت، / وَقمت حَيْثُ زيد قَائِم؛ كَمَا تَقول: قُمْت يَوْم قَامَ زيد، وَحين زيد أَمِير، والغايات كلهَا بِمَنْزِلَة مَا ذَكرْنَاهُ وَأما ظروف الزَّمَان فَإِنَّمَا كَانَت بِالْفِعْلِ أولى؛ لِأَنَّهَا إِنَّمَا بنيت لما مضى مِنْهُ، وَلما لم يَأْتِ تَقول: جِئْت وَذَهَبت، فَيعلم أَن هَذَا فِيمَا مضى من الدَّهْر، وَإِذا قلت: سأجئ وسأذهب، علم أَنه فِيمَا يسْتَقْبل من الدَّهْر، وَلَيْسَ للمكان مَا يَقع هَذَا الْموقع؛ لِأَنَّهُ ثَابت لَا يَزُول، ومرئى مُمَيّز: كزيد، وَعَمْرو وَالزَّمَان كالفعل: إِنَّمَا هُوَ مضى اللَّيْل وَالنَّهَار فَإِذا قلت: هَذَا يَوْم زيد فَمَعْنَاه: الذى فعل فِيهِ، أَو عرف فِيهِ، أَو حدث لَهُ فِيهِ حَادث، أَو حدث بِهِ فَإِذا قلت: هَذَا يَوْم يخرج زيد، فقد أضفته إِلَى هَذِه الْجُمْلَة، فاتصل بِالْفِعْلِ لما فِيهِ من شبهه، وَأتبعهُ الْفَاعِل؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْهُ وَهُوَ معرف؛ لِأَن قَوْلك: هَذَا يَوْم يخرج زيد: هَذَا يَوْم خُرُوج زيد فى الْمَعْنى، و {هَذَا يَوْم لَا ينطقون} : هَذَا يَوْم مَنعهم من النُّطْق واتصل بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَيْر، وَالْفِعْل وَالْفَاعِل؛ كَمَا يكون ذَلِك فى (إِذْ)

(3/176)


و (إِذْ) يَقع بعْدهَا الْفِعْل وَالْفَاعِل، والابتداء وَالْخَبَر و (إِذا لَا يَقع بعْدهَا إِلَّا الْفِعْل، نَحْو: آتِيك / إِذا جَاءَ زيد وَكنت فى (إِذْ) تَقول: أَتَيْتُك إِذْ زيد أَمِير، وَأَتَيْتُك إِذْ جَاءَ زيد فَأَما جَوَاز الْوَجْهَيْنِ فى (إِذْ) ؛ فَلِأَن الِابْتِدَاء وَالْخَبَر كالفعل وَالْفَاعِل؛ لِأَنَّهُمَا جملتان فَأَما امْتنَاع الِابْتِدَاء وَالْخَبَر من (إِذا) فَلِأَن (إِذا) فى معنى الْجَزَاء، وَالْجَزَاء لَا يكون إِلَّا بِالْفِعْلِ أَلا ترَاهَا تحْتَاج إِلَى الْجَواب؛ كَمَا تحْتَاج حُرُوف الْجَزَاء تَقول: إِذا جَاءَ زيد فأعطه، وَإِذا جئتنى أكرمتك فَإِن قلت: أكرمك إِذا جئتنى: (فأكرمك) فى مَوضِع الْجَواب؛ كَمَا تَقول فى حُرُوف الْجَزَاء: أكرمك إِن جئتنى فَكل مَا كَانَ من أَسمَاء الزَّمَان فى معنى (إِذْ) فَهُوَ مُضَاف إِلَى مَا يُضَاف إِلَيْهِ (إِذْ) من الِابْتِدَاء وَالْخَبَر، وَالْفِعْل وَالْفَاعِل وَمَا كَانَ فى معنى (إِذا) وَهُوَ الذى لم يَأْتِ فَلَا يُضَاف إِلَّا إِلَى الْفِعْل إِذا كَانَ كَذَلِك تَقول: جئْتُك يَوْم زيد أَمِير، وَأَتَيْتُك يَوْم قَامَ زيد وَتقول فى الْمُسْتَقْبل: أَتَيْتُك يَوْم يقوم زيد، وَلَا يجوز: يَوْم زيد أَمِير لما ذكرت لَك

(3/177)


قَالَ الله عز وَجل: {هَذَا يَوْم ينفع الصَّادِقين صدقهم} وَقَالَ: {هَذَا يَوْم لَا ينطقون} فَأَما (إِذا) الَّتِى تقع للمفاجأة فهى الَّتِى تسد مسد الْخَبَر، وَالِاسْم بعْدهَا مُبْتَدأ / وَذَلِكَ قَوْلك: جئْتُك فَإِذا زيد، وكلمتك فَإِذا أَخُوك وَتَأْويل هَذَا: جِئْت، ففاجأنى زيد، وكلمتك، ففاجأنى أَخُوك، وَهَذِه تغنى عَن الْفَاء، وَتَكون جَوَابا للجزاء؛ نَحْو: إِن تأتنى إِذا أَنا أفرح على حد قَوْلك: فَأَنا أفرح قَالَ الله عز وَجل: {وَإِنْ تُصِبهُمْ سَيََّةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيدِيْهِمْ إذَا هُمْ يَقنَطُونَ} [فَقَوله: {إِذا هم يقنطون} ] فى مَوضِع: يقنطوا وَقَوله: إِن تأتنى فلك دِرْهَم فى مَوضِع إِن تأتنى أعطك درهما؛ كَمَا أَن قَوْله عز وَجل: {سَوَاء عَلَيْكُم أدعوتموهم أم أَنْتُم صامتون} فى مَوضِع: (أم صممتم) فَمن جعل (حَيْثُ) مَضْمُومَة - وَهُوَ أَجود الْقَوْلَيْنِ - فَإِنَّمَا ألحقها بالغايات، نَحْو: من قبل، وَمن بعد، وَمن عل يَا فَتى، وابدأ بِهَذَا أول يَا فَتى، وَنَحْوه وَمن فتح فللياء الَّتِى قبل آخِره، وَأَنه ظرف بِمَنْزِلَة (أَيْن) و (كَيفَ)

(3/178)


فَأَما قَوْلهم: يَا زيد وَمَا أشبهه فى النداء، فقد مَضَت الْعلَّة فِيهِ فى موضعهَا، والمبنيات كثير وَفِيمَا ذكرنَا دَلِيل على مَا تركنَا وَبَاب (حذام) ، وتراك، وحلاق، / وبداد، ونزال، قد ذَكرْنَاهُ فِيمَا يجرى ومالا يجرى فَأَما مَا كَانَ من سوى ذَلِك فى معنى الْفِعْل الْمَأْمُور بِهِ؛ نَحْو: صه، ومه، وإيه، وإيها، ومهلا يَا فَتى، وَمَا أشبه ذَلِك فَنحْن ذاكروه: أما (صه) ، و (مَه) ، و (قد) الَّتِى بِمَعْنى حسب، فمبنيات على السّكُون لحركة مَا قبل أواخرها، وَأَنَّهَا فى معنى (فعل) وَأما (إيه) يَا فَتى فحركت الْهَاء لالتقاء الساكنين، وَترك التَّنْوِين؛ لِأَن الْأَصْوَات إِذا كَانَت معرفَة لم تنون قَالَ الشَّاعِر:
(وقفنا فَقُلْنَا إيه عَن أم سَالم ... وَمَا بَال تكليم الرسوم البلاقع)

(3/179)


وَلَو جعله نكرَة لقَالَ: إيه يَا فَتى؛ كَمَا يَقُول: إيها يَا فَتى: إِذا أَمرته بالكف، وويها: إِذا أغريته قَالَ الشَّاعِر:
(ويها فدَاء لكم أمى وَمَا ولدت ... حاموا على مجدكم واكفوا من اتكلا)
وَكَذَلِكَ قَوْلهم: قَالَ الْغُرَاب: غاق يَا فَتى، فَإِن جعلته نكرَة نونت، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مثله

(3/180)


(هَذَا بَاب / الِاسْم الذى تلْحقهُ صَوتا أعجميا)
نَحْو: عمرويه، وحمدويه، وَمَا أشبهه، وَالِاخْتِلَاف فى هَيْهَات، ذية وذيت، وكية وَكَيْت وَاعْلَم أَن الِاسْم الأعجمي الذى يلْحق الصَّدْر مجْرَاه مجْرى الْأَصْوَات، فحقه أَن يكون مكسورا بِغَيْر تَنْوِين مَا كَانَ معرفَة فَإِن جعلته نكرَة نونته على لَفظه؛ كَمَا تفعل ذَلِك بالأصوات، نَحْو قَوْلك: إيه يَا فَتى فى الْمعرفَة، وإيه، إِذا أردْت النكرَة، وَقَالَ الْغُرَاب: غاق وغاق فى النكرَة وَتَأْويل ترك التَّنْوِين فِيهِ: أَنه قَالَ الشئ الذى كنت تعرفه بِهِ؛ والنكرة إِنَّمَا هُوَ قَالَ صَوتا هَذَا مِثَاله فَأَما الصَّدْر فَلَا يكون إِلَّا مَفْتُوحًا؛ كَقَوْلِك: حَضرمَوْت يَا فَتى، وَخَمْسَة عشر، وَمَا يفتح قبل هَاء التَّأْنِيث؛ نَحْو: حمدة، وَمَا أشبههَا وَذَلِكَ الِاسْم مَا كَانَ نَحْو: عمرويه، وحمدويه؛ كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
(/ يَا عمرويه انْطلق الرفاق ... مَالك لَا تبكى وَلَا تشتاق)

(3/181)


وَزعم سِيبَوَيْهٍ مَعَ التَّفْسِير الذى فسرناه أَن الْعَرَب إِذا ضمت عَرَبيا إِلَى عَرَبِيّ مِمَّا يلْزمه الْبناء ألزمته أخف الحركات، وهى الفتحة، فَقَالُوا: خَمْسَة عشر يَا فَتى، وَهُوَ جارى بَيت بَيت يَا فَتى، ولقيته كفة كفة، و (يَا ابْن أم لَا تَأْخُذ) وَإِذا بنوا أعجميا مَعَ مَا قبله حطوه عَن ذَلِك، فألزموه الْكسر، وَهَذَا مطرد فى كَلَامهم فَأَما (هَيْهَات) فتأويلها: فى الْبعد، وهى ظرف غير مُتَمَكن؛ لإبهامها، وَلِأَنَّهَا بمنزل الْأَصْوَات فَمنهمْ من يَجْعَلهَا وَاحِدًا كَقَوْلِك: (علقاة) فَيَقُول: (هَيْهَات هَيْهَات لما توعدون) فَمن قَالَ ذَلِك فالوقف عِنْده هيهاه وَترك التَّنْوِين للْبِنَاء وَمِنْهُم من يَجْعَلهَا جمعا كبيضات فَيَقُول: (هَيْهَات هَيْهَات لما توعدون وَإِذا وقف على هَذَا القَوْل وقف بِالتَّاءِ، والكسرة إِذا أردْت الْجمع للْبِنَاء كالفتحة إِذا أردْت الْوَاحِد

(3/182)


وَمن جعلهَا نكرَة فى الْجَمِيع نون فَقَالَ: هَيْهَات يَا فَتى وَقَالَ / قوم: بل نون وهى معرفَة؛ لِأَن التَّنْوِين فى تَاء الْجمع فى مَوضِع النُّون من الْمُسلمين قَالَ: وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن مَعْنَاهُ فى الْبعد كمعناه، فَلَو جَازَ أَن تنكره وَهُوَ جمع لجَاز أَنْت نكره وَهُوَ وَاحِد، وَهَذَا قَول قوى وينشد هَذَا الْبَيْت على وَجْهَيْن، قَالَ:
(هَا أنذا آمل الْحَيَاة وَقد ... أدْرك عقلى ومولدى حجرا)
أَبَا امْرِئ الْقَيْس، هَل سَمِعت بِهِ؟ ... هَيْهَات هَيْهَات طَال ذَا عمرا)
بعض يفتح، وَبَعض يكسر فَأَما ذيت وذيت، وذية فَإِنَّمَا هى كنايات عَن الْخَبَر؛ كَمَا يكنى عَن الِاسْم الْمَعْرُوف بفلان، وَعَن الْعدَد بِأَن يَقُول: كَذَا وَكَذَا وَلم يوضع على الْإِفْرَاد؛ فَلذَلِك بنيت، وَالتَّاء متحركة بِالْفَتْح؛ لالتقاء الساكنين من حَيْثُ حركت آخر (أَيْن) ، و (كَيفَ) ، وَمَا أشبه ذَلِك

(3/183)


وكل اسْمَيْنِ أزيلا فحكمهما إِذا بنيا كَذَلِك؛ نَحْو: لَقيته كفة كفة، وَبَيت بَيت فقد تجوز فيهمَا الْإِضَافَة وَترك / الْبناء للمعنى وَذَلِكَ أَن معنى كفة كفة: كفة لكفة، أى: قابلت صفحة صفحة فَيجوز أَن تَقول: لَقيته كفة كفة يَا فَتى وَكَذَلِكَ هُوَ جارى بَيت بَيت يَا فَتى؛ لِأَن الْمَعْنى: بَيته إِلَى بيتى فعلى مَا ذكرت لَك تصلح الْإِضَافَة، وتمتنع فَأَما (شغر بغر) فاسمان لَيْسَ فى أَحدهمَا معنى الْإِضَافَة إِلَى الآخر؛ فَلذَلِك لم يكن فيهمَا وَفِيمَا أشبههما إِلَّا الْبناء وَفِيمَا ذكرت لَك من المبنيات مَا يدل على جَمِيعهَا إِن شَاءَ الله

(3/184)


(هَذَا بَاب الْأَسْمَاء وَاخْتِلَاف مخارجها)
اعْلَم أَن الْأَسْمَاء تقع على ضروب: فَمِنْهَا مَا يَقع للفصل غير مُشْتَقّ، وَذَلِكَ نَحْو: حجر، وجبل، وكل مَا كَانَ مثل هَذَا فَهَذَا سَبيله، وَهُوَ نكرَة لَا يعرف ب لاسم مِنْهُ إِلَّا أَنه وَاحِد من جنس وَمن الْأَسْمَاء مَا يكون مشتقا نعتا، ومشتقا غير نعت فَأَما النَّعْت فَمثل: الطَّوِيل، والقصير، وَالصَّغِير، والعاقل، والأحمق، فَهَذِهِ كلهَا نعوت جَارِيَة على أفعالها: / لِأَن معنى الْجَاهِل: الْمَعْرُوف بِأَنَّهُ يجهل، والطويل: الْمَعْرُوف بِأَنَّهُ طَال فَكل مَا كَانَ من هَذَا فعلا لَهُ أَو فعلا فِيهِ فقد صَار حلية لَهُ والأسماء المشتقة غير النعوت مثل: حنفيه وَإِنَّمَا اشتقاقه من الحنيف، وَأَصله الْمُخَالف فى هَيئته يُقَال: رجل أحنف لما فى رجلَيْهِ، وَدين حنيف أى: مُخَالف لخطأ الْأَدْيَان وَلَو كَانَ على الْفِعْل فَكَانَ من تحنف لَكَانَ الْفَاعِل متحنفا وَكَذَلِكَ (مُضر) إِنَّمَا هُوَ مُشْتَقّ من قَوْلك: مُضر اللَّبن، إِذا حمض كَمَا أَن (عيلان) من الْعيلَة، و (قحطان) من الْقَحْط، وَلَيْسَت على أفعالها

(3/185)


وَمن الْأَسْمَاء المبهمة، وهى الَّتِى تقع للْإِشَارَة، وَلَا تخص شَيْئا دون شئ، وهى: هَذَا وهذاك، وَأُولَئِكَ، وَهَؤُلَاء وَنَحْوه وَمن الْأَسْمَاء الْأَعْلَام، وَإِنَّمَا هى ألقاب محدثة؛ نَحْو: زيد، وَعَمْرو وَمن الْأَسْمَاء المضمرة، وهى الَّتِى لَا تكون إِلَّا بعد ذكر، نَحْو: الْهَاء فى بِهِ، وَالْوَاو فى فعلوا، وَالْألف فى فعلا فَأنْكر الأٍ سَمَاء قَول الْقَائِل: شئ؛ لِأَنَّهُ مُبْهَم فى الْأَشْيَاء كلهَا فَإِن قلت جسم فَهُوَ نكر، وَهُوَ أخص من شئ؛ / كَمَا أَن حَيَوَانا أخص من جسم، وإنسانا أخص من حَيَوَان، ورجلا أخص من إِنْسَان والمعرفة: مَا وضع على شئ دون مَا كَانَ مثله، نَحْو: زيد وَعبد الله فَإِن أشكل زيد من زيد فرقت بَينهمَا الصّفة وَقد ذكرنَا هَذَا مُفَسرًا فى بَاب الْمعرفَة والنكرة

(3/186)