المقتضب (هَذَا بَاب مخارج الْأَفْعَال
وَاخْتِلَاف أحوالها وهى عشرَة أنحاء)
فَمِنْهَا: الْفِعْل الحقيقى الذى لَا يتَعَدَّى الْفَاعِل إِلَى
مفعول، وَهُوَ قَوْلك: قَامَ زيد، وَجلسَ عَمْرو، وَتكلم خَالِد فَكل
هَذَا وَمَا كَانَ مثله غير مُتَعَدٍّ وكل فعل تعدى أَو لم يَتَعَدَّ
فَهُوَ مُتَعَدٍّ إِلَى اسْم الزَّمَان، وَاسم الْمَكَان والمصدر،
وَالْحَال، وَذَلِكَ قَوْلك: قَامَ عبد الله ضَاحِكا يَوْم الْجُمُعَة
عنْدك قيَاما حسنا؛ وَذَلِكَ أَن فِيهِ دَلِيلا على هَذِه الْأَشْيَاء
فقولك: قَامَ زيد بِمَنْزِلَة قَوْلك: أحدث قيَاما، وَتعلم أَن ذَلِك
فِيمَا مضى من الدَّهْر، وَأَن للْحَدَث مَكَانا، وَأَنه كَانَ على
هَيْئَة وَكَذَلِكَ إِن قلت: قَامَ عبد الله ابْتِغَاء الْخَيْر،
فَجئْت بِالْعِلَّةِ الَّتِى لَهَا وَقع الْقيام وكل مَا كَانَ / فعله
على (فعل) فَغير مُتَعَدٍّ؛ لِأَنَّهُ لانتقال الْفَاعِل إِلَى حَال
عَن حَال؛ فَلَا معنى
(3/187)
للتعدى؛ وَذَلِكَ قَوْلك: كرم زيد، وَشرف
عبد الله وَالتَّقْدِير: مَا كَانَ كَرِيمًا وَلَقَد كرم، وَمَا كَانَ
شريفا وَلَقَد شرف فَهَذَا نَحْو من الْفِعْل وَنَحْو آخر لَا
يتَعَدَّى الْفِعْل فِيهِ الْفَاعِل، وَهُوَ للْفَاعِل على وَجه
الِاسْتِعَارَة وَيَقَع على ضَرْبَيْنِ: أَحدهمَا: سقط الْحَائِط،
وَطَالَ عبد الله، وَأَنت تعلم أَنَّهُمَا لم يفعلا على الْحَقِيقَة
شَيْئا فَهَذَا ضرب وَالضَّرْب الثانى الذى يُسَمِّيه النحويون فعل
المطاوعة وَذَلِكَ قَوْلك: كَسرته فانكسر، وشويته فانشوى، وقطعته
فَانْقَطع، وَإِنَّمَا هَذَا وَمَا أشبهه على أَنَّك بلغت فِيهِ مَا
أردْت، وانتهيت مِنْهُ إِلَى مَا أَحْبَبْت؛ لَا أَن لَهُ فعلا وَمن
الْأَفْعَال مَا يتَعَدَّى الْفَاعِل إِلَى مفعول وَاحِد وَفعله وَاصل،
مُؤثر، كَقَوْلِك: ضربت زيدا، وَكسرت الشئ يَا فَتى فَأَما الْمصدر،
والحالات، والظروف - فَلَا يمْتَنع مِنْهَا فعل الْبَتَّةَ وَمن هَذِه
المتعدية إِلَى مفعول مَا يكون غير وَاصل، نَحْو: ذكرت زيدا، وشتمت
عمرا، وأضحكت / خَالِدا فَهَذَا نوع آخر وَمن الْأَفْعَال مَا
يتَعَدَّى إِلَى مفعولين وَلَك أَن تقتصر على أَحدهمَا وَذَلِكَ
قَوْلك: أَعْطَيْت زيدا درهما، وكسوت زيدا ثوبا، وألبست زيدا جُبَّة
وَمِنْهَا مَا يتَعَدَّى إِلَى مفعولين وَلَيْسَ لَك أَن تقتصر على
أَحدهمَا وَذَلِكَ نَحْو: ظَنَنْت زيدا أَخَاك، وحسبت زيدا ذَا
الْحفاظ، وخلت عبد الله يقوم فى حَاجَتك
(3/188)
وَالْفضل بَين هَذَا وَالْأول أَن الأول
فعل حقيقى يَقع مفعولاه مُخْتَلفين تَقول: أَعْطَيْت زيدا، فتخبر أَنه
كَانَ مِنْك عَطاء، وَإِن شِئْت أَن تذكره بعد ذكرته فَأَما قَوْلك:
ظَنَنْت زيدا فَلَا يَسْتَقِيم؛ لِأَن الشَّك إِنَّمَا وَقع فى
الْمَفْعُول الثانى فالثانى خبر عَن الأول، وَالتَّقْدِير: زيد منطلق
فى ظنى، إِلَّا أَن تُرِيدُ بظننت: اتهمت فَهَذَا من غير هَذَا
الْبَاب، وَكَذَلِكَ: إِذا أردْت بعلمت: عرفت فَهُوَ من بَاب مَا
يتَعَدَّى إِلَى مفعول؛ كَمَا قَالَ عز وَجل: {لَا تَعْلَمُونَهُم الله
يعلمهُمْ} إِنَّمَا هُوَ: لَا تعرفونهم الله يعرفهُمْ وَكَذَلِكَ:
{وَلَقَد علمْتُم الَّذين اعتدوا مِنْكُم فِي السبت} / وَمن هَذِه
الْأَفْعَال مَا يتَعَدَّى إِلَى ثَلَاثَة مفعولين، وَهُوَ من بَاب
الْفِعْل المتعدى إِلَى مفعولين، وَلَكِنَّك جعلت الْفَاعِل فى ذَلِك
الْفِعْل مَفْعُولا بِأَنَّهُ كَانَ يعلم، فَجعل غَيره أعلمهُ،
فَيَقُول: أعلم الله زيدا عمرا خير النَّاس، ونبأنك عبد الله صَاحب
ذَلِك فَمَا كَانَ من هَذَا فَهَذَا سَبيله وَمِنْهَا مَا يتَعَدَّى
إِلَى مفعول وَاسم الْفَاعِل وَالْمَفْعُول فِيهِ لشئ وَاحِد،
وَلَيْسَت أفعالا حَقِيقِيَّة، وَلكنهَا فى وزن الْأَفْعَال، وَدخلت
لمعان على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر كَمَا أَن مفعولي ظَنَنْت إِنَّمَا
هما ابْتِدَاء وَخبر وَذَلِكَ قَوْلك: كَانَ زيد أَخَاك، وَأمسى عبد
الله ظريفا يَا فَتى وَكَذَلِكَ لَيْسَ، وَمَا زَالَ، وَمَا دَامَ
فَهَذِهِ ثَمَانِيَة أَفعَال متصرفة
(3/189)
وَمِنْهَا فعل التَّعَجُّب وَهُوَ غير
متصرف؛ لِأَنَّهُ وَقع لِمَعْنى، فَمَتَى صرف زَالَ الْمَعْنى
وَكَذَلِكَ كل شئ دخله معنى من غير أَصله على لفظ فَهُوَ يلْزم ذَلِك
اللَّفْظ لذَلِك الْمَعْنى، وَهُوَ قَوْلك: مَا أحسن زيدا؛ وَمَا أظرف
أَخَاك وَقد مضى تَفْسِيره فى بَابه وَهُوَ فعل صَحِيح والعاشر: مَا
أُجْرِىَ مجْرى الْفِعْل وَلَيْسَ بِفعل، وَلكنه يشبه الْفِعْل بِلَفْظ
/، أَو معنى فَأَما مَا أشبه الْفِعْل فَدلَّ على مَعْنَاهُ مثل
دلَالَته ف (مَا) النافية، وَمَا أشبههَا تَقول: مَا زيد مُنْطَلقًا؛
لِأَن الْمَعْنى: لَيْسَ زيد مُنْطَلقًا، وَمَا أشبهه فى اللَّفْظ،
وَدخل على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر دُخُول (كَانَ) ، و (إِن) وأخواتهما
وَقد ذكرنَا الْحجَج فِيهَا فى بَابهَا
(3/190)
(هَذَا بَاب الصِّلَة والموصول فى مسَائِله
فَأَما أُصُوله فقد ذَكرنَاهَا)
تَقول: رَأَيْت الذى أَبوهُ منطلق ف (الذى) مرئى، و (أَبوهُ منطلق)
صلته فَإِن قلت: رَأَيْت الذى اللَّذَان أبواهما منطلقان - لم يجز؛
لِأَن قَوْلك: أبواهما منطلقان صلَة للَّذين، واللذان فى صلَة الذى
وهما ابْتِدَاء لَا خبر لَهُ فَلم تتمّ الصِّلَة فَإِن قلت: رَأَيْت
الذى اللَّذَان أبواهما منطلقان فى الدَّار لم يجز أَيْضا وَإِن كنت قد
جِئْت بِخَبَر لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي صلَة الَّذِي مَا يرجع إِلَيْهِ
فَإِن قلت رَأَيْت الَّذِي اللَّذَان أَبوهُمَا منطلقان فِي دَاره أَو
عِنْده أَو مَا أشِبه ذَلِك - فقد صحت الْمَسْأَلَة، وَصَارَ
التَّقْدِير: رَأَيْت الذى أَخَوَاك عِنْده فَإِن قلت: / رَأَيْت الذى
اللَّذَان أبواهما منطلقان إِلَيْهِ لم يجز، لِأَن (منطلقان) خبر
الْأَبَوَيْنِ، و (إِلَيْهِ) مُتَّصِل بمنطلقين، فكأنك قلت: رَأَيْت
الذى أَخَوَاهُ فَهَذَا ابْتِدَاء لَا خبر لَهُ فعلى هَذَا فقس فَإِن
قلت: رَأَيْت اللَّذين الذى قاما إِلَيْهِ - فَهُوَ غير جَائِز؛ لِأَن
قَوْلك: (الذى قاما إِلَيْهِ) ابْتِدَاء لَا خبر لَهُ وَتَصْحِيح
الْمَسْأَلَة: رَأَيْت اللَّذين الذى قاما إِلَيْهِ أَخُوك فترجع
الْألف فى (قاما) إِلَى اللَّذين وَالْهَاء فى (إِلَيْهِ) إِلَى الذى،
و (أَخُوك) خبر الذى، فتمت صلَة اللَّذين، وَصَحَّ الْكَلَام وَلَو
قلت: ظَنَنْت الذى الَّتِى تكرمه يضْربهَا - لم يجز، وَإِن تمت
الصِّلَة؛ لِأَن (الَّتِى) ابْتِدَاء
(3/191)
و (تكرمه) صلتها، و (يضْربهَا) خبر
الِابْتِدَاء فقد تمّ الذى بصلته؛ وَإِنَّمَا فسد الْكَلَام؛ لِأَنَّك
لم تأت بمفعول (ظَنَنْت) الثانى فَإِن أتيت بِهِ فَقلت (أَخَاك) أَو
مَا أشبهه صَحَّ الْكَلَام وَتقول: ضرب اللَّذَان القائمان إِلَى زيد
أخواهما الذى المكرمه عبد الله فتجعل (الذى) مَنْصُوبًا، وَإِن جعلته
مَرْفُوعا نصبت اللَّذين / وَتقول: رَأَيْت الرَّاكِب الشاتمه فرسك
وَالتَّقْدِير: رَأَيْت الرجل الذى ركب الرجل الذى شَتمه فرسك وَتقول:
مَرَرْت بِالدَّار الهادمها المصلح دَاره عبد الله فقولك الهادمها فِي
معنى الَّتِي هدمها الرجل الَّذِي أصلح دَاره عبد الله وَتقول: رَأَيْت
الْحَامِل المطعمه طَعَامك غلامك أردْت: رَأَيْت الرجل الذى حمل الرجل
الذى أطْعمهُ طَعَامك غلامك، فغلامك هُوَ الْحَامِل، وَالْهَاء فى
(المطعمه) ترجع إِلَى الْألف وَاللَّام الأولى وَلَو قلت: وَافق ضربك
صَاحب أَخُوك غلامك - كَانَ جيدا رفعت الضَّرْب بِأَنَّهُ الْمُوَافق
غلامك، و (ضربك) تَقْدِيره: أَن ضربك، وَصَاحِبك هُوَ الْفَاعِل، وأخوك
نعت أَو بدل فَهَذَا جيد وَإِنَّمَا يحْتَاج الْمصدر ألى الصِّلَة إِذا
كَانَ فى معنى (أَن فعل) أَو يفعل فَأَما إِذا قلت: ضربت ضربا -
فَلَيْسَ الْمصدر مِمَّا يحْتَاج إِلَى الصِّلَة فَإِذا قلت: أعجبنى
ضرب زيد عمرا وَكَذَلِكَ إِن قلت ضرب زيد عَمْرو فَمَعْنَاه أَن ضرب
زيدا عَمْرو - فَمَعْنَاه: أعجبنى أَن ضرب زيدا عمرا
(3/192)
وَإِذا قلت: قيام الْقَائِم إِلَيْهِ زيد /
معجب الشَّارِب مَاءَهُ الْآكِل طَعَامك - صَار مَعْنَاهُ: أَن قَامَ
الذى قَامَ إِلَيْهِ زيد معجب الذى شرب مَاءَهُ الرجل الذى أكل طَعَامك
وَتقول: أعجب حسن حذاء نعلك حذاؤها لَا بس نعل أَخِيك، وَإِن شِئْت
قلت: لابسا نعل أَخِيك وَهَذِه مسَائِل يسيرَة صدرنا بهَا لتَكون سلما
إِلَى مَا نذكرهُ بعْدهَا إِن شَاءَ الله من مسَائِل طَوِيلَة أَو
قَصِيرَة معماة الاستخراج تَقول: أعجب الْمدْخل السجْن المدخله
الضَّارِب الشاتم المكرم أَخَاهُ عبد الله زيدا أردْت: أعجب زيدا
الْمدْخل السجْن المدخله الرجل الذى ضرب الرجل الذى شتم الرجل الذى
أكْرم أَخَاهُ عبد الله إِن شِئْت نصبت (عبد الله) بِأَنَّهُ الْأَخ
فبينته بِهِ، وَإِن شِئْت جعلته بَدَلا، وأبدلته من بعض المنصوبات
الَّتِى لم تذكر أسماءها إِذا كَانَ إِلَى جَانِبه من الصِّلَة، فَإِن
فصلت بَين مَا فى الصِّلَة وَبَين مَا تبدله مِنْهَا لم يجز، لِأَنَّك
إِذا أبدلت شَيْئا مِمَّا فى الصِّلَة أَو نعت بِهِ مَا فى الصِّلَة
صَار / فى الصِّلَة، وَلَا تفرق بَين الصِّلَة والموصول؛ لِأَنَّهُ
اسْم وَاحِد
(3/193)
لَو قلت: رَأَيْت الذى ضرب أَخَاك يُخَاطب
زيدا عمرا، فَجعلت عمرا بَدَلا من الْأَخ، ويخاطب حَالا للذى أَو
مَفْعُولا ثَانِيًا لرأيت وهى فى معنى علمت - لم يجز فَإِن جعلت
(يُخَاطب زيدا) حَالا لأخيك دخل فى الصِّلَة، فأبدلت عمرا - فَهُوَ جيد
حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ كُله فى الصِّلَة وَتقول: سر مَا إِن زيدا
يُحِبهُ من هِنْد جَارِيَته فوصلت (مَا) وهى فى معنى الذى بإن، وَمَا
عملت فِيهِ لِأَن (إِن) إِنَّمَا دخلت على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر،
وَالْمعْنَى كَذَلِك، وَكَذَلِكَ أخواتها قَالَ الله عز وَجل:
{وَآتَيْنَاهُ من الْكُنُوز مَا إِن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي
الْقُوَّة} وَتقول على هَذَا: جاءنى الذى كَأَن زيدا أَخُوهُ،
وَرَأَيْت الذى ليته عندنَا وَكَذَلِكَ كل شئ يكون جملَة
(3/194)
تَقول: الذى إِن تأته يأتك زيد، وَرَأَيْت
الذى من يَأْته يُكرمهُ فَإِن قلت: رَأَيْت الذى من يَأْتِيهِ يُكرمهُ
- جَازَ تجْعَل (من) فى مَوضِع الذى، فكأنك قلت: رَأَيْت الذى زيد
يُكرمهُ؛ لِأَن (من) صلتها: يَأْتِيهِ، وخبرها: يُكرمهُ فَأَما قَول
الله / عز وَجل: {فمنكم من يبخل وَمن يبخل فَإِنَّمَا يبخل عَن نَفسه}
فَإِن (من) الأولى فى معنى الذى، وَلَا يكون الْفِعْل بعْدهَا إِلَّا
مَرْفُوعا فَأَما الثَّانِيَة فوجهها الْجَزْم بالجزاء، وَلَو رفع
رَافع على معنى الذى كَانَ جيدا؛ لِأَن تصييرها على معنى الذى لَا
يُخرجهَا من الْجَزَاء أَلا ترى أَنَّك تَقول: الذى يَأْتِيك فَلهُ
دِرْهَم فلولا أَن الدِّرْهَم يجب بالإتيان لم يجز دُخُول الْفَاء؛
كَمَا لَا يجوز: زيد فَلهُ دِرْهَم، وَعبد الله فمنطلق وَقَالَ الله عز
وَجل:
(3/195)
{الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم
بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار سرا وَعَلَانِيَة فَلهم أجرهم عِنْد رَبهم}
{فقد علمت أَن الْأجر إِنَّمَا وَجب بِالْإِنْفَاقِ (فَإِذا قلت: الذى
يَأْتِيك لَهُ دِرْهَم لم تجْعَل الدِّرْهَم لَهُ بالإتيان (فَإِذا
كَانَت فى معنى الْجَزَاء جَازَ أَن تفرد لَهَا وَأَنت تُرِيدُ
الْجَمَاعَة؛ كَمَا يكون (من} و (مَا) ، قَالَ الله عز وَجل:
{وَالَّذِى جَاءَ بالصَّدْقِ وَصَدَّقَ بهِ} فَهَذَا لكل من فعل،
وَلذَلِك قَالَ: {فأُلئك هُم المتَّقُون} فَهَذِهِ / أصُول، وَنَرْجِع
إِلَى الْمسَائِل إِن شَاءَ الله تَقول: محبتك شَهْوَة زيد طَعَام عبد
الله وَافَقت أَخَاك، أردْت فى ذَلِك: أَن أَحْبَبْت أَن اشْتهى زيد
طَعَام عبد الله وَافَقت هَذِه الْمحبَّة أَخَاك وَلَو قلت: أعجبت
إرادتك قيام زيد إِلَى المعجبه ضرب أَخِيه أَخَاك زيدا - كَانَ (زيد)
مَفْعُولا بأعجيت، وَالْكَلَام مَاض على مَا كَانَ عَلَيْهِ مِمَّا
شرحت لَك فالأسماء الموصولة المصادر إِذا كَانَت فى معنى: (أَن فعلت) ،
وَالْألف وَاللَّام إِذا كَانَت فى معنى الذى، والتى، وَمن، وَمَا، وأى
فى الْخَبَر، وألى الَّتِى فى معنى الَّذين فَأَما مَا كَانَ من
النكرات؛ نَحْو: هَذَا ضَارب زيدا - فَلَيْسَ قَول من يَقُول من
النَّحْوِيين
(3/196)
إِن زيدا من صلَة الضَّارِب بشئ؛ لِأَن
ضَارِبًا فى معنى (يضْرب) يتَقَدَّم زيد فِيهِ ويتأخر فَتَقول: هَذَا
زيدا ضَارب، وزيدا عبد الله شاتم فَإِنَّمَا الصِّلَة والموصول كاسم
وَاحِد لَا يتَقَدَّم بعضه بَعْضًا، فَهَذَا القَوْل الصَّحِيح الذى
لَا يجوز فى الْقيَاس غَيره وَاعْلَم أَن الصِّلَة مُوضحَة للاسم؛
فَلذَلِك كَانَت فى / هَذِه الْأَسْمَاء المبهمة، وَمَا شاكلها فى
الْمَعْنى؛ أَلا ترى أَنَّك لَو قلت: جاءنى الذى، أَو مَرَرْت بالذى لم
يدللك ذَلِك على شئ حَتَّى تَقول: مَرَرْت بالذى قَامَ، أَو مَرَرْت
بالذى من حَاله [كَذَا وكذأ] ، أَو بالذى أَبوهُ منطلق فَإِذا قلت:
هَذَا وَمَا أشبهه وضعت الْيَد عَلَيْهِ فَإِذا قلت: أُرِيد أَن تقوم
يَا فَتى، (فتقوم) من صلَة (أَن) حَتَّى تمّ مصدرا، فَصَارَ الْمَعْنى:
أُرِيد قيامك، وَكَذَلِكَ يسرنى أَن تقوم يَا فَتى (تقوم) من صلَة
(أَن) حَتَّى تمّ مصدرا، فَصَارَ الْمَعْنى: يسرنى قيامك قَالَ الله عز
وَجل: {وَأَن يستعففن خير لَهُنَّ} ، {وَأَن تَصُومُوا خير لكم}
فَهَذَا على مَا وصفت لَك وَكَذَلِكَ (أَن) الثَّقِيلَة تكون مَعَ
صلتها مصدرا تَقول: بلغنى أَنكُمْ منطلقون، أى: بلغنى انطلاقكم
وَكَذَلِكَ (مَا) بصلتها تكون مصدرا تَقول: سرنى مَا صنعت، أى: سرنى
صنيعك فَأَما قَوْلهم: أَنا مُقيم مَا أَقمت، وجالس مَا جَلَست -
فَهُوَ هَذَا الذى ذكرنَا من الْمصدر؛ أَلا ترى أَنَّك تَقول: آتِيك
مقدم الْحَاج، وَأَتَيْتُك إمرة فلَان إِنَّمَا تُرِيدُ /: وَقت إمرة
فلَان، وَوقت قدوم الْحَاج
(3/197)
فَإِذا قلت: أقيم مَا أَقمت - فَإِنَّمَا
تَقْدِيره: أقيم وَقت مقامك، وَمِقْدَار مقامك وَاعْلَم أَنَّك إِذا
أدخلت شَيْئا فى الصِّلَة - فنعته وَفعله وَالْبدل مِنْهُ داخلات فى
الصِّلَة وَلَو قلت: جاءنى الذى ضرب عبد الله زيدا الظريف يَوْم
الْجُمُعَة قَائِما فى دَاره - لَكَانَ هَذَا أجمع فى صلَة الذى، ويعلق
بهَا الْهَاء الَّتِى فى قَوْلك: دَاره، وَدخل الظريف فى الصِّلَة؛
لِأَنَّهُ نعت لزيد وَهُوَ فى الصِّلَة فعلى هَذَا تجرى هَذِه
الْأَشْيَاء تَقول: رَأَيْت المطعمه المكرمه المعطيه درهما عبد الله
فَهَذِهِ مَسْأَلَة صَحِيحَة، وتأويلها: رَأَيْت الرجل الذى أطْعمهُ
الرجل الذى أكْرمه الرجل الذى أعطَاهُ درهما عبد الله فعبد الله هُوَ
الْمُعْطى، والمعطى هُوَ المكرم، والمكرم هُوَ الْمطعم وَلَو قلت:
طَعَاما طيبا عِنْد قَوْلك: رَأَيْت المطعمه أَو بعد عبد الله - جَازَ،
فَإِن جعلته بَين شئ من هَذَا وَبَين صلته لم يجز أَن تفصل بَين
الصِّلَة والموصول وَلَو قلت: رَأَيْت الْمُعْطى أَخَاك الشاتمه، درهما
زيد / لم يجز؛ لِأَنَّك فصلت بَين زيد وَبَين شاتمه، وَقلت (درهما) بعد
الشاتمه، ففصلت بالشاتمه بَينه وَبَين الْمُعْطى وَلَكِن رَأَيْت
الْمُعْطى أَخَاك درهما الشاتمه زيد، إِذا نصبت الشاتمه بالنعت للمعطى،
أَو جعلت (رَأَيْت) من رُؤْيَة الْقلب، فَجعلت الشاتمه مَفْعُولا
ثَانِيًا فَإِن أردْت أَن ترفع الشاتم لِأَنَّهُ الْمُعْطى لم يكن بُد
من أَن تجْعَل فِيهِ كِنَايَة ترجع إِلَى الْألف وَاللَّام فى
الْمُعْطى فَتَقول: رَأَيْت الْمُعْطى أَخَاك درهما الشاتمه أَخُوهُ،
تجْعَل الْهَاء من أَخِيه ترجع إِلَى الْألف وَاللَّام، فَتَصِير
بِمَنْزِلَة قَوْلك: رَأَيْت الضَّارِب زيدا أَخُوهُ، فَإِنَّمَا
رَأَيْت رجلا ضرب أَخُوهُ زيدا
(3/198)
وَلنْ ترى أَنْت الضَّارِب؛ لِأَن
الضَّارِب هُوَ الْأَخ، وَإِنَّمَا رَأَيْت وَاحِدًا الضَّارِب زيدا
أَخُوهُ فعلى هَذَا قلت: رَأَيْت الْمُعْطى أَخَاك درهما الرجل الذى
شَتمه أَخُوهُ؛ لِأَن الْمَعْنى: رَأَيْت الذى أعْطى الرجل الذى شَتمه
أَخُوهُ أَخَاك درهما وَتقول: رَأَيْت الذى اللَّذَان الَّتِى قَامَت
إِلَيْهِمَا عِنْده أَخَوَاك، فَهَذَا كَلَام جيد؛ لِأَن قَوْلك:
اللَّذَان مُبْتَدأ / فى صلَة الذى، والتى مُبتَدأَة فى صلَة اللَّذين،
وَقَامَت إِلَيْهِمَا صلَة الَّتِى، وَعِنْده ظرف دَاخل فى الصِّلَة
[وَحقه أَن يُقَال: وَعِنْده خبر الَّتِى] وقولك: أَخَوَاك خبر
اللَّذين فتمت صلَة الذى فَصَارَ تَقْدِير هَذَا: رَأَيْت الذى
أَخَوَاهُ قائمان وَلَو قلت: جاءنى الذى الَّتِى اللَّتَان اللَّذَان
الذى يحبهما عِنْدهمَا فى دارهما عِنْده جاريتك كَانَ جيدا؛ لِأَن
الْكَلَام الذى فى صلَة الذى الْأَخير فَكل مَا زِدْت من هَذَا فَهَذَا
قِيَاسه وَاعْلَم أَن (أَن) الْخَفِيفَة إِذا وصلت بِفعل لم يكن فى
الْفِعْل رَاجع إِلَيْهَا وَكَذَلِكَ (أَن) الثَّقِيلَة؛ لِأَنَّهُمَا
حرفان، وليسا باسمين وَإِنَّمَا يسْتَحق الْوَاحِد مِنْهُمَا أَن يكون
اسْما بِمَا بعده، والذى و (من) و (أى) أَسمَاء، فَلَا بُد فى صلَاتهَا
مِمَّا يرجع إِلَيْهَا؛ أَلا ترى أَنَّك تَقول: جاءنى اللَّذَان فى
الدَّار، فَيعرف وَتقول: أَيهمْ يَأْتِيك تضربه، وأيهم يَأْتِيك
فَاضْرب
(3/199)
و (مَا) عِنْد سِيبَوَيْهٍ إِذا كَانَت
وَالْفِعْل مصدرا بِمَنْزِلَة (أَن) / والأخفش يَرَاهَا بِمَنْزِلَة
الذى مصدرا كَانَت أَو غير مصدر وسنشرح مَا ذكرنَا شرحا بَينا شافيا
إِن شَاءَ الله وَتقول: أَن تأتينى خير لَك، فَلَيْسَ فى تأتينى ذكر
لِأَن، وَلَو قلت: رَأَيْت الذى تقوم لم يجز؛ لِأَنَّك لم تردد إِلَى
الذى شَيْئا وَهُوَ اسْم حَتَّى تَقول: رَأَيْت الذى تقوم إِلَيْهِ
وَلَو قلت: بلغنى أَنَّك منطلق لم تردد إِلَى (أَن) شَيْئا وَلَو قلت:
جاءنى من إِنَّك منطلق لم يجز حَتَّى تَقول: إِنَّك منطلق إِلَيْهِ أَو
عِنْده فَهَذَا أَمر الْحُرُوف، وَهَذِه صِفَات الْأَسْمَاء فَأَما
اخْتِلَاف الْأَخْفَش، وسيبويه فى (مَا) إِذا كَانَت وَالْفِعْل مصدرا
فَإِن سِيبَوَيْهٍ كَانَ يَقُول: إِذا قلت: أعجبنى مَا صنعت فَهُوَ
بِمَنْزِلَة قَوْلك: أعجبنى أَن قُمْت فعلى هَذَا يلْزمه: أعجبنى مَا
ضربت زيدا؛ كَمَا تَقول: أعجبنى أَن ضربت زيدا، وَكَانَ يَقُوله
والأخفش يَقُول: أعجبنى مَا صنعت، أى: مَا صَنعته؛ كَمَا تَقول: أعجبنى
الذى صَنعته، وَلَا يُجِيز: أعجبنى مَا قُمْت؛ لِأَنَّهُ لَا
يتَعَدَّى، وَقد / خلط، فأجار مثله، وَالْقِيَاس وَالصَّوَاب قَول
سِيبَوَيْهٍ
(3/200)
فَإِن أردْت ب (مَا) معنى الذى، فَذَاك مَا
لَيْسَ فِيهِ كَلَام؛ لِأَنَّهُ الْبَاب وَالْأَكْثَر، وَهُوَ الأَصْل،
وَإِنَّمَا خُرُوجهَا إِلَى الْمصدر فرع
(3/201)
(هَذَا بَاب مَا جرى مجْرى الْفِعْل
وَلَيْسَ بِفعل وَلَا مصدر)
وَلكنهَا أَسمَاء وضعت للْفِعْل تدل عَلَيْهِ، فأجريت مجْرَاه مَا
كَانَت فى موَاضعهَا؛ وَلَا يجوز فِيهَا التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير؛
لِأَنَّهَا لَا تصرف تصرف الْفِعْل؛ كَمَا لم تصرف (إِن) تصرف
الْفِعْل، فألزمت موضعا وَاحِدًا، وَذَلِكَ قَوْلك: صه ومه، فَهَذَا
إِنَّمَا مَعْنَاهُ: أسكت، واكفف، فَلَيْسَ بمعتد، وَكَذَلِكَ: وَرَاك
وَإِلَيْك، إِذا حذرته شَيْئا مُقبلا عَلَيْهِ، وأمرته أَن يتَأَخَّر،
فَمَا كَانَ من هَذَا الْقَبِيل فَهُوَ غير مُتَعَدٍّ وَمِنْهَا مَا
يتَعَدَّى وَهُوَ قَوْلك: عَلَيْك زيدا، ودونك زيدا، إِذا أغريته
وَكَذَلِكَ: هَلُمَّ زيدا، إِذا أردْت: هَات زيدا فَهَذِهِ اللُّغَة
الحجازية: / يَقع (هَلُمَّ) فِيهَا موقع مَا ذكرنَا من الْحُرُوف،
فَيكون للْوَاحِد وللاثنين وَالْجمع على لفظ وَاحِد، كأخواتها
المتقدمات قَالَ الله عز وَجل: {والقائلين لإخوانهم هَلُمَّ إِلَيْنَا}
(3/202)
فَأَما بَنو تَمِيم فيجعلونها فعلا
صَحِيحا، ويجعلون الْهَاء زَائِدَة، فَيَقُولُونَ: هَلُمَّ يَا رجل،
وللاثنين: هلما، وللجماعة: هلموا، وللنساء: هلممن؛ لِأَن الْمَعْنى:
الممن، وَالْهَاء زَائِدَة فَأَما قَول الله عز وَجل: {كتاب الله
عَلَيْكُم} ، فَلم ينْتَصب (كتاب) بقوله (عَلَيْكُم) ، وَلَكِن لما
قَالَ: {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم} أعلم أَن هَذَا مَكْتُوب
عَلَيْهِم، فنصب (كتاب الله) للمصدر؛ لِأَن هَذَا بدل من اللَّفْظ
بِالْفِعْلِ؛ إِذْ كَانَ الأول فى معنى: كتب الله عَلَيْكُم، وَكتب
عَلَيْكُم وَنَظِير هَذَا قَوْله: {وَترى الْجبَال تحسبها جامدة وَهِي
تمر مر السَّحَاب صنع الله} ؛ لِأَنَّهُ قد أعلمك بقوله: {وَهِي تمر مر
السَّحَاب} أَن ثمَّ فعلا، فنصب مَا بعده؛ لِأَنَّهُ قد جرى مجْرى: صنع
الله وَكَذَلِكَ: {الَّذِى أَحسَنَ كُلَّ شيءٍ خَلْقَهُ} قَالَ
الشَّاعِر:
(3/203)
/
(مَا إِن يمس الأَرْض إِلَّا منْكب ... مِنْهُ وحرف السَّاق طى
الْمحمل)
لِأَنَّهُ ذكر مَا يدل على أَنه طيان من الطى، فَكَانَ بَدَلا من
قَوْله (طوى) ، وَكَذَلِكَ قَوْله:
(إّذا رأتنى سَقَطت أبصارها ... دأب بكار شايحت بكارها)
لِأَن قَوْله: (إِذا رأتنى) مَعْنَاهُ: كلما رأتنى، فقد خبر أَن ذَلِك
دأبها؛ فَكَأَنَّهُ قَالَ: تدأب دأب بكار؛ لِأَنَّهُ بدل مِنْهُ وَمثل
هَذَا - إِلَّا أَن اللَّفْظ مُشْتَقّ من فعل الْمصدر، ولكنهما يشتبهان
فى الدّلَالَة - قَول عز وَجل: {وتَبَتَّلْ إِلَيهِ تَبْتِيلاً}
على: وبتل إِلَيْهِ، وَلَو كَانَ على تبتل لَكَانَ تبتلا وَكَذَلِكَ:
{وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نباتاً} لَو كَانَ على أنبت
لَكَانَ إنباتا وَلَكِن الْمَعْنى - وَالله أعلم -: أَنه إِذا أنبتكم
نبتم نباتا وَقَالَ الشَّاعِر:
(3/204)
(وَخير الْأَمر مَا اسْتقْبلت مِنْهُ ...
وَلَيْسَ بِأَن تتبعه اتبَاعا)
وَهَذَا كثير جدا وَمن الْحُرُوف الَّتِى تجرى مجْرى الْفِعْل مَا يكون
/ أَشد تمَكنا من غَيره، وَذَلِكَ أَنَّك تَقول للرجل - إِذا أردْت
تباعده -: (إِلَيْك) فَيَقُول: (إِلَى) كَأَنَّك قلت: تبَاعد، فَقَالَ:
أتباعد وَتقول: على زيدا، فَمَعْنَاه: أولنى زيدا، وَتقول: عَلَيْك
زيدا، أى: خُذ زيدا فَإِن سَأَلَ سَائل عَن اختلافها قيل: هى
بِمَنْزِلَة الْأَفْعَال الَّتِى مِنْهَا مَا يتَعَدَّى، وَمِنْهَا
مَالا يتَعَدَّى، وَمِنْهَا مَا يتَعَدَّى إِلَى مفعولين وَمن هَذِه
الْحُرُوف: (حيهل) فَإِنَّمَا هى اسمان جعلا اسْما وَاحِدًا، وَفِيه
أقاويل: فأجودها: حيهل بعمر فَإِذا وقفت قلت: حيهلا فَجعلت الْألف
لبَيَان الْحَرَكَة وَجَائِز أَن تَجْعَلهُ نكرَة فَتَقول حيهلا يَا
فَتى، وَجَائِز أَن تثبت الْألف، وتجعله معرفَة، فَلَا تنون وَالْألف
زِيَادَة، وَمَعْنَاهُ: قربه، وَتَقْدِيره فى العربيه: بَادر بِذكرِهِ،
وَإِنَّمَا (حى) فى معنى: (هَلُمَّ)
(3/205)
وَمن ذَلِك قَوْلهم: حى على الصَّلَاة
قَالَ الشَّاعِر:
(وهيج الْقَوْم من دَار فظل لَهُم ... يَوْم كثير تناديه وحيهله)
/ وَقَالَ فِيمَا أثبت فِيهِ الْألف:
(بحيهلا يزجون كل مَطِيَّة ... أَمَام المطايا سَيرهَا متقاذف)
وَأدْخل الْبَاء عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اسْم فى مَوضِع الْمصدر وَمن
أَسمَاء الْفِعْل (رويد) وَلها بَاب تفرد بِهِ نذكرهُ بعد هَذَا
الْبَاب إِن شَاءَ الله وَمن المصادر وَيْح، وويل، وويب، وَإِنَّمَا هى
إِذا قلت: ويل لزيد فى مَوضِع: قبوح
(3/206)
لزيد وَلَكِن لم يجز أَن يكون مِنْهَا
أَفعَال لعِلَّة مشروحة فى التصريف وَكَذَلِكَ أفة وتفة، وَإِنَّمَا هى
فى مَوضِع: نَتنًا ودفرا وَمِنْهَا: سُبْحَانَ الله، وريحانه، ومعاذ
الله، وعمرك الله، وقعدك الله فى النداء
(3/207)
(هَذَا بَاب تَفْسِير مَا ذكرنَا من هَذِه
الْأَسْمَاء الْمَوْضُوعَة مَوضِع المصادر وَمَا أشبههَا من
الْأَسْمَاء الْمَدْعُو بهَا من غير المصادر؛ نَحْو: تربا وجندلا،
وَمَا أشبه ذَلِك)
أما (رويد) زيدا، فاسم للْفِعْل، وَلَيْسَ بمصدر، وَبنى على الْفَتْح؛
لِأَنَّهُ غير متصرف / كَمَا فعلت بأخواته المبنيات، نَحْو: صه، ومه،
وَلم يسكن آخِره؛ لِأَن قبله حرفا سَاكِنا، واخترت لَهُ الْفَتْح للياء
الَّتِى قبله؛ كَمَا فعلت فى (أَيْن) ، و (كَيفَ) وَمَا أشبه ذَلِك
قَالَ الشَّاعِر:
(رويد عليا جد مَا ثدى أمّهم ... إِلَيْنَا وَلَكِن ودهم متماين)
فَإِن قلت: أرودته كَانَ الْمصدر إروادا، وَتصرف تصرف جَمِيع المصادر،
فَإِن حذفت الزَّوَائِد على هَذِه الشريطة صرفت (رويد) فَقلت: رويدا
يَا فَتى
(3/208)
وَإِن نعت بِهِ قلت: ضَعْهُ وضعا رويدا،
وتفرده وتضيفه؛ لِأَنَّهُ كَسَائِر المصادر وَتقول: رويد زيد؛ كَمَا
قَالَ الله عز وَجل: {فَضرب الرّقاب} ، ورويدا زيدا؛ كَمَا تَقول: ضربا
زيدا فى الْأَمر
فَأَما قَوْلك: رويدك زيدا - فَإِن الْكَاف زَائِدَة، وَإِنَّمَا زيدت
للمخاطبة، وَلَيْسَت باسم وَإِنَّمَا هى بِمَنْزِلَة قَوْلك: النجاءك
يَا فَتى، وأريتك زيدا مَا فعل؟ ، وكقولك:
(3/209)
أبصرك زيدا إِنَّمَا الْكَاف زَائِدَة
للمخاطبة، وَلَوْلَا ذَلِك لَكَانَ النجاءك محالا؛ لِأَنَّك لَا تضيف
الِاسْم وَفِيه / الْألف وَاللَّام وَقَوله عز وَجل: {أَرَيتَكَ هَذَا
الَّذِى كَرَّمْتَ عَلَىَّ} قد أوضح لَك أَن الْكَاف زَائِدَة وَلَو
كَانَت فى رويدك عَلامَة للفاعلين لَكَانَ خطأ إِذا قلت: (رويدكم) ؛
لِأَن عَلامَة الفاعلين الْوَاو؛ كَقَوْلِك: أرودوا وَاعْلَم أَن هَذِه
الْأَسْمَاء مَا كَانَ مِنْهَا مصدرا، أَو مَوْضُوعا مَوضِع الْمصدر -
فَإِن فِيهِ الْفَاعِل مضمرا؛ لِأَنَّهُ كالفعل الْمَأْمُور بِهِ
تَقول: رويدك أَنْت وَعبد الله زيدا، وَعَلَيْك أَنْت وَعبد الله
أَخَاك فَإِن حذفت التوكيد قبح، وَإِعْرَابه الرّفْع على كل حَال؛ أَلا
ترى أَنَّك لَو قلت: قُم وَعبد الله كَانَ جَائِزا على قبح حَتَّى
تَقول: قُم أَنْت وَعبد الله، و (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُكَ
فَقَاتِلاَ)
، و {اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة} فَإِن طَال الْكَلَام حسن حذف
التوكيد؛ كَمَا قَالَ الله عز وَجل: {لَو شَاءَ الله مَا أشركنا وَلَا
آبَاؤُنَا} وَقد مضى هَذَا مُفَسرًا فى مَوْضِعه وَكَذَلِكَ مَا نَعته
بِالنَّفسِ فى الْمَرْفُوع إِنَّمَا يجرى على توكيد فَإِن لم تؤكد
جَازَ على قبح وَهُوَ قَوْلك: قُم أَنْت نَفسك فَإِن قلت: قُم نَفسك
جَازَ وَذَلِكَ قَوْلك: رويدك أَنْت نَفسك
(3/210)
زيدا، وَعَلَيْك أَنْت نَفسك زيدا، ودونك
أَنْت نَفسك زيدا، والحذف جَائِز قَبِيح إِذا قلت: رويدك نَفسك زيدا
وَاعْلَم أَنَّك إِذا قلت: عَلَيْك زيدا ففى (عَلَيْك) اسمان:
أَحدهمَا: الْمَرْفُوع الْفَاعِل، والاخر: هَذِه الْكَاف المخفوضة
تَقول: عَلَيْكُم أَنفسكُم أَجْمَعُونَ زيدا، فتجعل قَوْلك
(أَجْمَعُونَ) للْفَاعِل وَتجْعَل قَوْلك: (أَنفسكُم) للكاف وَإِن
شِئْت أجريتهما جَمِيعًا على الْكَاف فخفضته، وَإِن شِئْت أكدت،
ورفعتها لما ذكرت لَك من قبح مجْرى النَّفس فى الْمَرْفُوع إِلَّا
بتوكيد، وَإِن شِئْت رفعت بِغَيْر توكيد على قبح وَإِن قلت: رويد
نَفسك، أَو رويدك - جعلت النَّفس مفعولة بِمَنْزِلَة زيد، كَمَا قَالَ
الله عز وَجل: {عَلَيْكُم أَنفسكُم}
(3/211)
(هَذَا بَاب إياك فى الْأَمر)
اعْلَم أَن (إياك) اسْم المكنى عَنهُ فى النصب؛ كَمَا أَن (أَنْت)
اسْمه فى الرّفْع، وهما منفصلان، لَا تَقول: إياك إِذا قدرت على
الْكَاف فى رَأَيْتُك وَأَخَوَاتهَا؛ نَحْو: ضَربته، وضربنى وَكَذَلِكَ
(أَنْت) لَا تقع / موقع التَّاء وَأَخَوَاتهَا فى ضربت وضربنا، وَزيد
قَامَ يَا فَتى، فَيَقَع الضَّمِير فى النِّيَّة، وَقد مضى القَوْل فى
هَذَا فَلَمَّا كَانَت (إياك) لَا تقع إِلَّا اسْما لمنصوب كَانَت
بَدَلا من الْفِعْل، دَالَّة عَلَيْهِ، وَلم تقع هَذِه الْهَيْئَة
إِلَّا فى الْأَمر؛ لِأَن الْأَمر كُله لَا يكون إِلَّا بِفعل وَذَلِكَ
قَوْلك: إياك والأسد يَا فَتى وَإِنَّمَا التَّأْوِيل: اتَّقِ نَفسك
والأسد و (إياك) مَنْصُوب بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ والأسد متقيان
وَكَذَلِكَ: إياك والصبى، وَإِيَّاك ومكروه عبد الله، وَإِن أكدت رفعت
إِن شِئْت، فَقلت: إياك أَنْت وَزيد؛ لِأَن مَعَ (إياك) ضميرا، وَهُوَ
الضَّمِير الذى فى الْفِعْل الذى نصبها أَلا ترى أَن معنى (إياك)
إِنَّمَا هُوَ: احذر، وَاتَّقِ، وَنَحْو ذَلِك، وَإِن شِئْت قلت: إياك
أَنْت وزيدا، فَجعلت (أَنْت) توكيدا لذَلِك الْمُضمر، فَإِن قلت: إياك
وَزيد فَهُوَ قَبِيح وَهُوَ على قبحه جَائِز كجرازه فى قُم وَزيد
(3/212)
وَالْبَيْت يستوى فِيهِ الْوَجْهَانِ؛
لِأَنَّهُ فِيهِ توكيد وَهُوَ قَوْله:
(إياك أَنْت وَعبد الْمَسِيح أَن تقربا قبْلَة الْمَسْجِد ... )
وَلَا يجوز أَن تَقول: إياك زيدا؛ كَمَا لَا يجوز أَن تَقول: زيدا
اضْرِب عمرا / حَتَّى تَقول (وعمرا) وَأما قَوْله: إياك أَن تقرب
الْأسد فجيد؛ لِأَن (أَن) تحذف مَعهَا اللَّام لطولها بالصلة تَقول:
أكرمتك أَن اجتر مَوَدَّة زيد فَالْمَعْنى: إياك احذر من أجل كَذَا،
فَهَذَا جَائِز، وَإِن أدخلت الْوَاو فجيد؛ لِأَن (أَن) وصلتها مصدر
فَأَما (إياك الضَّرْب) فَلَا يجوز فى الْكَلَام؛ كَمَا لَا يجوز: إياك
زيدا فَإِن اضْطر شَاعِر جَازَ؛ لِأَنَّهُ يُشبههُ للضَّرُورَة بقوله:
" أَن تقربا " وعَلى هَذَا:
(إياك إياك المراء فَإِنَّهُ ... إِلَى الشَّرّ دُعَاء وللشر جالب)
فأضمر بعد قَوْله: إياك فعلا آخر على كلامين؛ لِأَنَّهُ لما قَالَ:
إياك أعلمهُ أَنه يزجره، فأضمر فعلا يُرِيد: اتَّقِ المراء يَا فَتى
(3/213)
والفصل بَين الْمصدر نَحْو: الضَّرْب
وَالْقَتْل، وَبَين (أَن يضْرب) ، و (أَن يقتل) فى الْمَعْنى - أَن
الضَّرْب اسْم للْفِعْل يَقع على أَحْوَاله الثَّلَاثَة: الماضى،
وَالْمَوْجُود، والمنتظر وقولك: أَن تفعل لَا يكون إِلَّا لما يأتى
فَإِن قلت أَن فعلت، فَلَا يكون إِلَّا الماضى وَلَا يَقع للْحَال
الْبَتَّةَ وَقِرَاءَة من قَرَأَ: {وَامْرَأَة مُؤمنَة إِن وهبت
نَفسهَا للنَّبِي} مَعْنَاهُ: المضى وَإِن قَرَأَ: (إِن وهبت نَفسهَا
للنبى) فَمَعْنَاه: مَتى كَانَ ذَا؛ لِأَنَّهَا / (إِن) الَّتِى للجزاء
والحذف مَعَ (أَن) وصلتها مُسْتَعْمل فى الْكَلَام لما ذكرت لَك من
أَنَّهَا عِلّة لوُقُوع الشئ فعلى هَذَا يكون، وَهَذَا بَين وَاضح
وَأما قَول الله عز وَجل: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيْدَيْنِ مِنْ
رِجَاِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ
مَّمِنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا
فَتُذَكَّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى}
(3/214)
فَإِذا قَالَ قَائِل: قَوْله: (أَن تضل
إِحْدَاهمَا) لما ذكر وَهُوَ لم يعدد الْإِشْهَاد؛ لِأَن تضل
إِحْدَاهمَا فَالْجَوَاب فى ذَلِك: أَنه إِنَّمَا أعد الْإِشْهَاد
للتذكير، وَلَكِن تقدّمت (أَن تضل) ؛ لتوقع سَبَب التَّذْكِرَة
وَنَظِيره من الْكَلَام: أَعدَدْت هَذَا أَن يمِيل الْحَائِط فأدعمه،
وَلم يعدده طلبا لِأَن يمِيل الْحَائِط، وَلكنه أخبر بعلة الدعم،
فاستقصاء الْمَعْنى: إِنَّمَا هُوَ: أَعدَدْت هَذَا لِأَن إِن مَال
الْحَائِط دعمته، فَإِن الأولى هى الثَّانِيَة وَقد يحذف الْفِعْل فى
التكرير [وفى الْعَطف] وَذَلِكَ قَوْلك: رَأسك والحائط، وَرَأسه
وَالسيف يَا فَتى فَإِنَّمَا حذف الْفِعْل للإطالة / والتكرير، وَدلّ
على الْفِعْل الْمَحْذُوف بِمَا يُشَاهد من الْحَال وَمن أَمْثَال
الْعَرَب: " رَأسك وَالسيف "، وَمن أمثالهم: " أهلك وَاللَّيْل " وَقد
دلّ هَذَا على أَنه يُرِيد: بَادر أهلك وَاللَّيْل وَالْأول على أَنه:
نح رأٍ سك من السَّيْف وَتَقْدِيره فى الْفِعْل: أتق رَأسك وَالسيف
(3/215)
فَلَو أفردت لم يجز حذف الْفِعْل إِلَّا
وَعَلِيهِ دَلِيل نَحْو: زيدا لَو قلت ذَلِك لم يدر مَا الْفِعْل
الْمَحْذُوف؟ فَإِن رَأَيْت رجلا قد أَشَارَ بِسيف فَقلت: زيدا أَو
ذكرت أَنه يضْرب أَو نَحْو ذَلِك [جَازَ؛ لِأَن الْمَعْنى: أوقع ضربك
بزيد] فَإِن كَانَ مصدرا فقد دلّ على فعل، فَمن ذَلِك: ضربا ضربا، إِذا
كنت تَأمر وَإِنَّمَا كَانَ الْحَذف فى الْأَمر جَائِزا؛ لِأَن الْأَمر
لَا يكون إِلَّا بِفعل قَالَ الله عز وَجل: {فإمَّا منا بعد وَإِمَّا
فدَاء} وَقَالَ: {فَإِذا لَقِيتُم الَّذين كفرُوا فَضرب الرّقاب}
فالمصدر الْمَأْمُور بِهِ يكون نكرَة، وبالألف وَاللَّام، ومضافا كل
ذَلِك مطرد فى الْأَمر، وكل شئ كَانَ فى معنىء الْمصدر فمجراه مجْرى
الْمصدر، وسنبين ذَلِك إِن شَاءَ الله فَأَما قَوْلك: الْحَمد لله فى
الْخَبَر، وسقيا / لزيد، ورعيا لَهُ - فَلهُ بَاب يفرد بِهِ إِن شَاءَ
الله
(3/216)
(هَذَا بَاب مَا جرى مجْرى المصادر
وَلَيْسَ بمتصرف من فعل)
فَمن ذَلِك: سُبْحَانَ الله، ومعاذ الله، وَقَوْلهمْ: أفة، وتفة، وويلا
لزيد، وويحا لَهُ، وَسَلام على زيد، وويل لزيد، وويح لَهُ، وتربا لَهُ
كل هَذَا مَعْنَاهُ فى النصب وَاحِد، وَمَعْنَاهُ فى الرّفْع وَاحِد
وَمِنْه مَالا يلْزمه إِلَّا النصب، وَمِنْه مَالا يجوز فِيهِ إِلَّا
الرّفْع لعلل نذكرها إِن شَاءَ الله وَمِنْه قَوْلك: مرْحَبًا، وَأهلا
وسهلا، وويله، وعولة فَأَما قَوْلهم: سُبْحَانَ الله فتأويله: بَرَاءَة
الله من السوء، وَهُوَ فى مَوضِع الْمصدر، وَلَيْسَ مِنْهُ فعل
فَإِنَّمَا حَده الْإِضَافَة إِلَى الله - عز وَجل - وَهُوَ معرفَة
وَتَقْدِيره - إِذا مثلته فعلا: تسبيحا لله فَإِن حذفت الْمُضَاف
إِلَيْهِ من سُبْحَانَ لم ينْصَرف؛ لِأَنَّهُ معرفَة، وَإِنَّمَا نكرته
بِالْإِضَافَة؛ ليَكُون معرفَة بالمضاف إِلَيْهِ فَأَما قَول
الشَّاعِر:
(/ سُبْحَانَهُ ثمَّ سبحانا نَعُوذ بِهِ ... وَقَبلنَا سبح الجودى
والجمد)
(3/217)
[فى رِوَايَة: " نَعُوذ بِهِ "] فَإِنَّمَا
نون مُضْطَرّا، وَلَو لم يضْطَر لَكَانَ كَقَوْل الآخر:
(أَقُول لما جاءنى فخره ... سُبْحَانَ من عَلْقَمَة الفاخر)
فَهَذَا فى مَوضِع: بَرَاءَة مِنْهُ و (معَاذ الله) كَذَلِك لَا يكون
إِلَّا مُضَافا وَتَقْدِيره تَقْدِير: عياذ الله، أى: عذت بِاللَّه
عياذا فَهَذَا مَوضِع هَذَا وَمثل ذَلِك: حجرا، إِنَّمَا مَعْنَاهُ:
حَرَامًا فَهُوَ فى مَوْضِعه لَو تَكَلَّمت بِهِ فَمن ذَلِك قَول الله
عز وَجل: {حجرا مَحْجُورا} أى: حَرَامًا محرما وَأما قَوْلهم: مرْحَبًا
وَأهلا - فَهُوَ فى مَوضِع قَوْلهم: رَحبَتْ بلادك رحبا، وأهلت أَهلا،
وَمَعْنَاهُ: الدُّعَاء يَقُول: صادفت هَذَا وَلَو قلت: حجر، ومرحب -
لصلح، تُرِيدُ: أَمرك هَذَا
(3/218)
وَأما (سُبْحَانَ) وَمَا كَانَ مثله مِمَّا
لَا يكون إِلَّا مُضَافا - فَلَا يصلح فِيهِ إِلَّا النصب وَهَذَا
الْبَيْت ينشد على وَجْهَيْن: على الرّفْع وَالنّصب وَهُوَ:
(وبالسهب مَيْمُون النقيبة قَوْله ... لملتمس الْمَعْرُوف: أهل ومرحب)
وَقَالَ الآخر:
(إِذا جِئْت بوابا لَهُ قَالَ: مرْحَبًا ... أَلا مرحب واديك غير مضيق)
/ فَأَما قَوْلهم: سَلاما، وَسَلام يَا فَتى - فَإِن مَعْنَاهُ:
المبارأة والمتاركة فَمن قَالَ: لَا تكن من فلَان إِلَّا سَلام بِسَلام
فَمَعْنَاه: لَا تكن إِلَّا وأمرك وَأمره المتاركة والمبارأة،
وَإِنَّمَا رفعت، لِأَنَّك جعلته ابْتِدَاء وخبرا فى مَوضِع خبر
(كَانَ) وَلَو نصبته كَانَ جيدا بَالغا فَمن ذَلِك قَوْله عز وَجل:
{وَإِذا خاطبهم الجاهلون قَالُوا سَلاما} تأويلُه: المتاركة، أى: لَا
خير بَيْننَا وَبَيْنكُم وَلَا شَرّ
(3/219)
وَمن كَلَامهم: سُبْحَانَهُ الله، وريحانه
فَتَأْوِيل (ريحَان) فى هَذَا الْموضع: الرزق وَتَقْدِيره فى المصادر:
تسبيحا، واسترزاقا وتصديق هَذَا فى قَوْله عز وَجل: {وَالْحب ذُو العصف
وَالريحَان} فَأَما قَوْلهم: ويل لزيد، وويح لزيد، وَتب لزيد، وويس
لَهُ فَإِن أضفت لم يكن إِلَّا النصب فَقلت: ويحه، وويله فَإِنَّمَا
ذَلِك لِأَن هَذِه مصَادر فَإِن أفردت فَلم تضف - فَأَنت مُخَيّر بَين
النصب وَالرَّفْع تَقول: ويل لزيد، وويلا لزيد فَأَما النصب فعلى
الدُّعَاء، وَأما الرّفْع فعلى قَوْلك: ثَبت ويل لَهُ؛ لِأَنَّهُ شئ
مُسْتَقر فويل مُبْتَدأ، و (لَهُ) خَبره وَهَذَا الْبَيْت ينشد على
وَجْهَيْن، وَهُوَ: /
(كسا اللؤم تيما خضرَة فى جلودها ... فويل لتيم من سرابيلها الْخضر)
(3/220)
فَأَما قَوْله عز وَجل: {ويل
لِلْمُطَفِّفِينَ} وَقَوله: {ويل يَوْمئِذٍ للمكذبين} فَإِنَّهُ لَا
يكون فِيهِ إِلَّا الرّفْع؛ إِذْ كَانَ لَا يُقَال: دُعَاء عَلَيْهِم،
وَلكنه إِخْبَار بِأَن هَذَا قد ثَبت لَهُم فَإِن أضفت فَقلت: ويله،
وويحه - لم يكن إِلَّا نصبا؛ لِأَن وَجه الرّفْع قد بَطل بِأَنَّهُ لَا
خبر لَهُ، فَكَذَا هَذِه الَّتِى فى معنى المصادر فَإِن كَانَ مصدرا
صَحِيحا يجرى على فعله فَالْوَجْه النصب وَذَلِكَ قَوْلك: تَبًّا لزيد،
وجوعا لزيد؛ لِأَن هَذَا من قَوْلك: جَاع يجوع، وَتب يتب كَذَلِك سقيا،
ورعيا وَالرَّفْع يجوز على بعد؛ لِأَنَّك تبتدى بنكرة، وَتجْعَل مَا
بعْدهَا خَبَرهَا فَأَما سَلام عَلَيْك فاسم فى معنى الْمصدر، وَلَو
كَانَ على سلم لَكَانَ تَسْلِيمًا فَإِن كَانَت هَذِه المصادر معارف
فَالْوَجْه الرّفْع، وَمَعْنَاهُ كمعنى الْمَنْصُوب، وَلَكِن يخْتَار
الرّفْع؛ لِأَنَّهُ كالمعرفة وَحقّ الْمعرفَة الِابْتِدَاء وَذَلِكَ
قَوْلك: {الْحَمد لله رب الْعَالمين} و {لعنة الله على الظَّالِمين}
وَالنّصب / يجوز وَإِنَّمَا تنظر فى هَذِه المصادر إِلَى مَعَانِيهَا؛
فَإِن كَانَ الْموضع بعْدهَا أمرا أَو دُعَاء لم يكن إِلَّا نصبا
(3/221)
وَإِن كَانَ لما قد اسْتَقر لم يكن إِلَّا
رفعا وَإِن كَانَ يَقع لَهما جَمِيعًا كَانَ النصب وَالرَّفْع فمما
يدعى بِهِ أَسمَاء لَيست من الْفِعْل، وَلكنهَا مفعولات وَذَلِكَ
قَوْلك: تربا، وجندلا إِنَّمَا تُرِيدُ: أطْعمهُ الله، ولقاه الله،
وَنَحْو ذَلِك فَإِن أخْبرت أَنه مِمَّا قد ثَبت رفعت قَالَ الشَّاعِر:
(لقد ألب الواشون ألبا لبينهم ... فترب لأفواه الوشاة وجندل)
فَأَما قَوْله: أفة وتفة فَإِنَّمَا تَقْدِيره من المصادر: نَتنًا،
ودفرا فَإِن أفردت (أُفٍّ)
(3/222)
بِغَيْر هَاء فَهُوَ مبْنى؛ لِأَنَّهُ فى
مَوضِع الْمصدر وَلَيْسَ بمصدر، وَإِنَّمَا قوى حَيْثُ عطفت عَلَيْهِ؛
لِأَنَّك أجريته مجْرى الْأَسْمَاء المتمكنة فى الْعَطف فَإِذا أفردته
بنى على الْفَتْح وَالْكَسْر وَالضَّم، وتنونه إِن جعلته نكرَة وفى
كتاب الله عز وَجل -: {فَلَا تقل لَهما أُفٍّ وَلَا تنهرهما} وَقَالَ:
{أُفٍّ لكم وَلما تَعْبدُونَ} كل هَذَا جَائِز جيد وَهَذِه المبنيات
إِذا جعلت شَيْئا مِنْهَا نكرَة نونت، نَحْو: إيه يَا فَتى، وَقَالَ
الْغُرَاب: غاق غاق يَا فَتى / كَذَا تَأْوِيلهَا وَاعْلَم أَن من
المصادر الَّتِى لَا أَفعَال لَهَا تجرى عَلَيْهَا وَإِنَّمَا يوضع
مَوضِع المصادر مَا يكون مثنى لمبالغة وَذَلِكَ قَوْلك: لبيْك
وَسَعْديك، وحنانيك - إِنَّمَا أَرَادَ: حنانا بعد حنان، أى: كلما
(3/223)
كنت فى رَحْمَة مِنْك فلتكن مَوْصُولَة
بِأُخْرَى وَتَأْويل حنانيك: إِنَّمَا هُوَ رَحْمَة بعد رَحْمَة
يُقَال: تحن فلَان على فلَان: إِذا رَحمَه قَالَ الشَّاعِر:
(تَحَنن على هداك المليك ... فَإِن لكل مقَام مقَالا)
وَقَالَ الآخر:
(أَبَا مُنْذر أفنيت فَاسْتَبق بَعْضنَا ... حنانيك بعض الشَّرّ أَهْون
من بعض)
فَهَذَا مِمَّا يجوز إِفْرَاده، فَإِذا أفردت فَأَنت مُخَيّر: إِن
شِئْت نصبت بِالْفِعْلِ، وَإِن شِئْت ابتدأت فَإِذا ثنيت لم يكن إِلَّا
مَنْصُوبًا؛ لِأَنَّهُ وضع مَوضِع مَالا يتَمَكَّن؛ نَحْو: لبيْك
وَسَعْديك وَقَالَ الشَّاعِر فِيمَا أفرد فِيهِ:
(ويمنحها بَنو شمجى بن جرم ... معيزهم حنانك ذَا الحنان)
(3/224)
/ وَقَالَ الآخر، فَرفع: فَقَالَت: حنان
مَا أَتَى بك هَهُنَا؟ ... أذو نسب أم أَنْت بالحى عَارِف)
والفصل بَين الرّفْع وَالنّصب أَن الناصب دَعَا لَهُ كَأَنَّهُ قَالَ:
رحمتك يَا ذَا الرَّحْمَة وَقَوله:
(حنان مَا أَتَى بك هَاهُنَا؟ ... )
إِنَّمَا أَرَادَ: أمرنَا حنان؛ كَقَوْلِه عز وَجل: {مَثَلُ الجَنَّةِ
الَّتى وُعِدَ المتّقُونَ} فالتقدير: فِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُم مثل
الْجنَّة، ثمَّ قَالَ: فِيهَا، وفيهَا وَمن قَالَ: إِنَّمَا مَعْنَاهُ:
صفة الْجنَّة فقد أَخطَأ؛ لِأَن (مثل) لَا يوضع فى مَوضِع صفة إِنَّمَا
يُقَال: صفة زيد أَنه ظريف، وَأَنه عَاقل وَيُقَال: مثل زيد مثل فلَان
وَإِنَّمَا الْمثل مَأْخُوذ من الْمِثَال والحذو، وَالصّفة تحلية ونعت
فَأَما تَأْوِيل قَوْلهم: لبيْك فَإِنَّمَا يُقَال: ألب فلَان على
الْأَمر: إِذا لزمَه ودام عَلَيْهِ فَمَعْنَاه: مداومة على إجابتك،
ومحافظة على حَقك فَإِذا قَالَ العَبْد لرَبه: لبيْك فَمَعْنَاه:
مُلَازمَة لطاعتك، ومحافظة على أَمرك
(3/225)
وقولك: سعديك إِنَّمَا مَعْنَاهُ من
قَوْلك: قد أسعد فلَان فلَانا على أمره، وساعده / عَلَيْهِ فَإِذا
قَالَ: اللَّهُمَّ لبيْك وَسَعْديك، فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: اللَّهُمَّ
مُلَازمَة لأمرك، ومساعدة لأولياك، ومتابعة على طَاعَتك فَلَو كَانَ
الْبَاب وَاسِعًا لَكَانَ متصرفا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الضَّرْب من
ضربت، ولكنهما مشتقان للْمُبَالَغَة من الْفِعْل كسبحان الله، ومعاذ
الله؛ فَلذَلِك ألزما طَريقَة وَاحِدَة فَأَما (حنان) فمنفرد؛
لِأَنَّهُ من حننت، مثل قَوْلك: ذهبت ذَهَابًا، ويتصرف فى الْكَلَام فى
غير الدُّعَاء (وَحَنَانًا من لدنا) وَتقول: تَحَنن على فَهَذَا وَجه
مَا جَاءَ على فعله، وَمَا لم يَأْتِ عَلَيْهِ فعل فَأَما قَوْلهم:
شكرانك لَا كُفْرَانك - فهما مصدران لحقتهما الزِّيَادَة وَإِنَّمَا
التَّقْدِير: شكرا لَا كفرا وَلَكِن وَقعت الزِّيَادَة للْمُبَالَغَة
وَاعْلَم أَن الْمصدر كَسَائِر الْأَسْمَاء إِلَّا أَنه اسْم للْفِعْل،
فَإِذا نصبت فعلى إِضْمَار الْفِعْل فَمن المصادر مَا يكثر
اسْتِعْمَاله، فَيكون بَدَلا من فعله وَمِنْهَا مَالا يكون لَهُ حق
الِاسْم فَأَما مَا كثر اسْتِعْمَاله حَتَّى صَار بَدَلا من الْفِعْل
فقولك: حمدا وشكرا، لَا كفرا، وعجبا إِنَّمَا أردْت: أَحْمد الله حمدا
فلولا / الِاسْتِعْمَال الذى أبان عَن ضميرك لم يجز أَن تضمر؛
لِأَنَّهُ مَوضِع خبر وَإِنَّمَا يحسن الْإِضْمَار ويطرد فى مَوضِع
الْأَمر؛ لِأَن الْأَمر لَا يكون إِلَّا بِفعل، نَحْو قَوْلك: ضربا
زيدا إِنَّمَا أردْت: اضْرِب ضربا وَكَذَلِكَ ضرب زيد
(3/226)
نصبت الضَّرْب باضرب، ثمَّ أضفته إِلَى زيد
لما حذفت التَّنْوِين، كَمَا تَقول: هَذَا ضَارب زيدا غَدا وَالْأَصْل
إِثْبَات التَّنْوِين، وحذفه استخفاف لعلم الْمُخَاطب أَلا ترى أَن
الِاسْم الْمُضَاف إِلَى معرفَة على نِيَّة التَّنْوِين لَا يكون
إِلَّا نكرَة؛ لِأَن التَّنْوِين فى النِّيَّة، نَحْو قَوْله عز وَجل:
{هَذَا عَارض مُمْطِرنَا} و {هَديا بَالغ الْكَعْبَة} هُوَ وصف للنكرة،
وَتدْخل عَلَيْهِ (رب) كَمَا تدخل على النكرَة وَقد مضى تَفْسِير هَذَا
فى بَابه قَالَ الشَّاعِر:
(يَا رب غابطنا لَو كَانَ يطلبكم ... لَاقَى مباعدة مِنْكُم وحرمانا)
يُرِيد: غابط لنا، وَمن ذَلِك قَوْله عز وَجل: {فَإِذا لَقِيتُم
الَّذين كفرُوا فَضرب الرّقاب} وَإِنَّمَا التَّقْدِير - وَالله أعلم
-: فضربا الرّقاب فَهَذَا يدل على مَا بعده، وَمَا يرد من جنسه ونظائره
(3/227)
(هَذَا بَاب المصادر فى الِاسْتِفْهَام على
جِهَة التَّقْدِير وعَلى الْمَسْأَلَة)
/ وَذَلِكَ قَوْلك: أقياما وَقد قعد النَّاس لم تقل هَذَا سَائِلًا،
وَلَكِن قلته موبخا مُنْكرا لما هُوَ عَلَيْهِ، وَلَوْلَا دلَالَة
الْحَال على ذَلِك لم يجز الْإِضْمَار؛ لِأَن الْفِعْل إِنَّمَا يضمر
إِذا دلّ عَلَيْهِ دَال؛ كَمَا أَن الِاسْم لَا يضمر حَتَّى يذكر،
وَإِنَّمَا رَأَيْته فى حَال قيام فى وَقت يجب فِيهِ غَيره، فَقلت لَهُ
مُنْكرا وَمثله: أقعودا وَقد سَار النَّاس، كَمَا قَالَ:
(أطربا وَأَنت قنسرى ... )
فَإِنَّمَا قَالَ إِنْكَار على نَفسه الطَّرب وَهُوَ على غير حِينه
(3/228)
وَكَذَلِكَ إِن خبرت على هَذَا الْمَعْنى
فَقلت: قيَاما - علم الله - وَقد قعد النَّاس، وجلوسا وَالنَّاس
يسسيرون وَإِن شِئْت وضعت اسْم الْفَاعِل فى مَوضِع الْمصدر فَقلت:
أقائما وَقد قعد النَّاس فَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك؛ لِأَنَّهُ حَال
وَالتَّقْدِير: أتثبت قَائِما، فَهَذَا يدلك على ذَلِك الْمَعْنى
وَتقول فى بَاب مِنْهُ آخر: مَا أَنْت إِلَّا سيرا، وَمَا أَنْت إِلَّا
ضربا، وَكَذَلِكَ: زيد سيرا،
(3/229)
وَزيد أبدا قيَاما وَإِنَّمَا جَازَ
الْإِضْمَار؛ لِأَن الْخَاطِب يعلم أَن هَذَا / لَا يكون إِلَّا
بِالْفِعْلِ، وَأَن الْمصدر إِنَّمَا يدل على فعله، فكأنك قلت: زيد
يسير سيرا، وَمَا أَنْت إِلَّا تقوم قيَاما، وَإِن شت قلت: زيد سير يَا
فَتى فَهَذَا يجوز على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون: زيد صَاحب سير،
فأقمت الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَام الْمُضَاف؛ لما يدل عَلَيْهِ؛ كَمَا
قَالَ الله عز وَجل: {واسأل الْقرْيَة الَّتِي كُنَّا فِيهَا} إِنَّمَا
هُوَ: أهل الْقرْيَة؛ كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
(ترفع مَا رتعت حَتَّى إِذا ادكرت ... فَإِنَّمَا هى إقبال وإدبار)
أى ذَات إقبال وإدبار، وَيكون على أَنه جعلهَا الإقبال والإدبار
لِكَثْرَة ذَاك مِنْهَا وَكَذَلِكَ
(3/230)
قَوْله عز وَجل: {وَلَكِن الْبر من آمن
بِاللَّه} الْوَجْه: وَلَكِن الْبر بر من آمن بِاللَّه وَيجوز أَن يوضع
الْبر فى مَوضِع الْبَار على مَا ذكرت لَك فَإِذا قلت: مَا أَنْت
إِلَّا شرب الْإِبِل - فالتقدير: مَا أَنْت إِلَّا تشرب شرب الْإِبِل،
وَالرَّفْع فى هَذَا أبعد؛ لِأَنَّهُ إِذا قَالَ: مَا أَنْت إِلَّا سير
فَالْمَعْنى: مَا أَنْت إِلَّا صَاحب سير؛ لِأَن السّير لَهُ فَإِذا
قَالَ: مَا أَنْت إِلَّا شرب الْإِبِل فَفِيهِ فعل؛ لِأَن الشّرْب
لَيْسَ لَهُ وَإِنَّمَا التَّقْدِير: إِلَّا تشرب شربا مثل شرب
الْإِبِل، فَإِذا أَرَادَ / الضَّمِير فى الرّفْع كثر، فَصَارَ
الْمَعْنى: مَا أَنْت إِلَّا صَاحب شرب كشرب الْإِبِل، فَهَذَا ضَعِيف
خَبِيث وَمثل الأول قَوْله:
(وَكَيف تواصل من أَصبَحت ... خلالته كأبى مرحب)
يُرِيد: كخلالة أَبى مرحب فَهَذَا كَقَوْلِه عز وَجل: {وَلَكِن الْبر
من آمن بِاللَّه} وَمن ذَلِك قَول الشَّاعِر:
(وَقد خفت حَنى مَا تزيد مخافتى ... على وعل فى ذى الفقارة عَاقل)
(3/231)
وَاعْلَم أَن المصادر لَا تمْتَنع من
إِضْمَار أفعالها " ذَا ذكرت مَا يدل عَلَيْهَا، أَو كَانَ بالحضرة مَا
يدل على ذَلِك وقياسها قِيَاس سَائِر الْأَسْمَاء فى رَفعهَا ونصبها
وخفضها، إِلَّا أَنَّهَا تبدل من أفعالها أَلا ترى قَوْله عز وَجل:
{فِي أَرْبَعَة أَيَّام سَوَاء للسائلين} أَن قَوْله (أَرْبَعَة) قد
دلّ على أَنَّهَا قد تمت فَكَأَنَّهُ قَالَ: اسْتَوَت اسْتِوَاء
وَمثله: {الَّذِى أَحْسَنَ كُلَّ شَئْ خَلقَهُ} ؛ [لِأَن فعله خلَق]
فَقَوله (أحسن) ؛ أى خلق حسنا خلقا، ثمَّ أَضَافَهُ وَمثل ذَلِك: {وعد
الله} ؛ لِأَنَّهُ لما قَالَ: {ويومئذ يفرح الْمُؤْمِنُونَ بنصر الله}
علم أَن ذَلِك وعد مِنْهُ، / فَصَارَ بِمَنْزِلَة: وعدهم وَعدا، ثمَّ
أَضَافَهُ وَكَذَلِكَ: {كتاب الله عَلَيْكُم} لما قَالَ: {حرمت
عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم} أعلمهم أَن ذَلِك مَكْتُوب عَلَيْهِم،
فَكَأَنَّهُ قَالَ: كتب الله ذَلِك وَمن زعم أَن قَوْله: {كتاب الله
عَلَيْكُم} نصب بقوله: عَلَيْكُم كتاب الله - فَلَيْسَ يدرى مَا
الْعَرَبيَّة؛ لِأَن الْأَسْمَاء الْمَوْضُوعَة مَوضِع الْأَفْعَال لَا
تتصرف تصرف الْأَفْعَال، فتنصب مَا قبلهَا فَمن ذَلِك قَوْله:
(مَا إِن يمس الأَرْض إِلَّا منْكب ... مِنْهُ وحرف السَّاق طى الْحمل)
وَذَلِكَ أَنه دلّ بِهَذَا الْوَصْف على أَنه منطو فَأَرَادَ: طوى طى
الْمحمل فَهَذِهِ أَوْصَاف تبدل من الْفِعْل، لدلالتها عَلَيْهِ
(3/232)
|