المقتضب (هَذَا بَاب مَا وَقع من المصادر توكيدا)
وَذَلِكَ قَوْلك: هَذَا زيد حَقًا؛ لِأَنَّك لما قلت: هَذَا زيد فخبرت
- إِنَّمَا / خبرت بِمَا هُوَ عنْدك حق، فاستغنيت عَن قَوْلك: أَحَق
ذَاك، وَكَذَلِكَ هَذَا زيد الْحق لَا الْبَاطِل؛ لِأَن مَا قبله صَار
بَدَلا من الْفِعْل وَلَو قلت: هَذَا زيد الْحق - لَكَانَ رَفعه على
وَجْهَيْن، وَلَيْسَ على ذَلِك الْمَعْنى، وَلَكِن على أَن تجْعَل
(زيدا) هُوَ الْحق، وعَلى أَنَّك قلت: هَذَا زيد، ثمَّ قلت: الْحق،
تُرِيدُ: قولي هُوَ الْحق، لِأَن (هَذَا زيد) إِنَّمَا هُوَ (قَوْلك)
وَقد قرئَ هَذَا الْحَرْف على وَجْهَيْن، وَهُوَ قَوْله عز وَجل:
{ذَلِك عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الحَقَّ} ، و (قولُ الحَقَّ)
وَتقول: هَذَا القَوْل لَا قَوْلك، أى: وَلَا أَقُول قَوْلك فَتَأْوِيل
هَذَا: أَن قَوْلك بِمَنْزِلَة هَذَا القَوْل حَقًا، وَهَذَا القَوْل
غير قيل بَاطِل؛ لِأَنَّهُ توكيد للْأولِ
(3/266)
وَلَو قلت: هَذَا القَوْل لَا قولا لم يكن
لهَذَا الْكَلَام معنى؛ لِأَنَّك إِنَّمَا تؤكد الأول بشئ تحقه، فَإِذا
قلت: غير قيل بَاطِل، فقد أوجبت أَنه حق [فَإِذا قلت: لَا قَوْلك - فقد
دللت على أَنه قَول بَاطِل، فعلى] هَذَا تؤكد وَمن ذَلِك: لَأَضرِبَن
زيدا قسما حَقًا وَمن ذَلِك قَوْله:
(/ إنى لأمنحك الصدود وإننى ... قسما إِلَيْك مَعَ الصدود لأميل)
لما قَالَ: إنى لأمنحك الصدود، وإننى إِلَيْك لأميل - علم أَنه مقسم،
فَكَانَ هَذَا بَدَلا من قَوْله: أقسم قسما وَاعْلَم أَن المصادر
كَسَائِر الْأَسْمَاء، إِلَّا أَنَّهَا تدل على أفعالها فَأَما فى
الْإِضْمَار والإظهار والإخبار عَنْهَا والاستفهام، فهى بِمَنْزِلَة
غَيرهَا تَقول إِذا رَأَيْت رجلا فى ذكر ضرب: زيدا تُرِيدُ: زيدا
اضْرِب، واستغنيت عَن قَوْلك: (إضرب) بِمَا كَانَ فِيهِ من الذّكر،
فعلى هَذَا إِذا ذكر فعلا فَقَالَ: لَأَضرِبَن، قلت: نعم، ضربا شَدِيدا
فَإِن لم يكن ذكر، وَلَا حَال دَالَّة - لم يكن من الْإِظْهَار بُد،
إِلَّا أَن يكون مَوضِع أَمر، فتضمر، وَتصير الْمصدر بَدَلا من
اللَّفْظ بِالْفِعْلِ، وَإِنَّمَا يكون ذَلِك فى الْأَمر والنهى
خَاصَّة؛ لِأَنَّهُمَا لَا يكونَانِ إِلَّا بِفعل، فتأمر بِالْمَصْدَرِ
نكرَة، وَمَعْرِفَة بِالْألف وَاللَّام وَالْإِضَافَة، وَلذَلِك مَوضِع
آخر: وَهُوَ أَن يكون الْمصدر قد اسْتعْمل فى مَوضِع الْفِعْل حَتَّى
علم مَا يُرَاد بِهِ / وَمن ذَلِك سقيا لزيد؛ لِأَن الدُّعَاء كالأمر،
والنهى وَإِنَّمَا أردْت: سقى الله زيدا سقيا فَإِن قلت ذَلِك لم تحتج
إِلَى قَوْلك: لزيد وَإِن قلت: سقيا قلت بعده: لفُلَان؛ لتبين مَا
تعنى، وَإِن علم من تعنى فَإِن شِئْت أَن تحذفه حذفته
(3/267)
وَمن ذَلِك قَوْله عز وَجل: {فَإِذَا
لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرَّقَابِ} إِنَّمَا هُوَ:
فاضربوا الرّقاب ضربا، ثمَّ أضَاف وَكَذَلِكَ قَوْله - تبَارك
وَتَعَالَى: {فإِمَّا مَنًّا بَعدُ وَإِمَّا فِدَاءً} إِنَّمَا
تَقْدِيره: فإمَّا مننتم منا، وَإِمَّا فاديتم فدَاء وَكَذَلِكَ {وعْدَ
اللهِ حَقًّا} و (صُنْعَ اللهِ} وَاعْلَم أَن من المصادر مصَادر تقع فى
مَوضِع الْحَال، وتغنى غناءه، فَلَا يجوز أَن تكون معرفَة؛ لِأَن
الْحَال لَا تكون معرفَة
(3/268)
وَذَلِكَ قَوْلك: جئْتُك مشيا، وَقد أدّى
عَن معنى قَوْلك: جئْتُك مَاشِيا، وَكَذَلِكَ قَوْله عز وَجل: {ثمَّ
ادعهن يأتينك سعيا} وَمِنْه: قَتله صبرا وَإِنَّمَا الْفَصْل بَين
الْمصدر وَبَين اسْم الْفَاعِل أَنَّك إِذا قلت: عجبت من ضرب زيد عمرا
- أَن ضربا فى معنى: (أَن ضرب) فَيحْتَاج مَا / بعْدهَا إِلَى
الْفَاعِل وَالْمَفْعُول فَإِذا قلت: عجبت من ضَارب عمرا - فقد جِئْت
بالفاعل، وَإِنَّمَا بقى الْمَفْعُول، وَالْفَاعِل يحمل على الْمصدر؛
كَمَا حمل الْمصدر عَلَيْهِ تَقول: قُم قَائِما فَالْمَعْنى: قُم
قيَاما فَمن ذَلِك قَوْله:
(على حلف لَا أشتم الدَّهْر مُسلما ... وَلَا خَارِجا من فِي زور
كَلَام)
إِنَّمَا أَرَادَ: لَا أشتم، وَلَا يخرج من فى زور كَلَام؛ فَأَرَادَ:
وَلَا خُرُوجًا فَوضع (خَارِجا) فى مَوْضِعه، وَهَذَا قَول عَامه
النَّحْوِيين وَكَانَ عِيسَى بن عمر يَأْبَى مَا فسرنا وَيَقُول:
إِنَّمَا قَالَ:
(ألم ترنى عَاهَدت ربى وإننى ... لبين رتاج قَائِما ومقام)
(على حلفة لَا أشتم الدَّهْر مُسلما ... وَلَا خَارِجا من فى زور
كَلَام)
(3/269)
يُرِيد: عَاهَدت ربى على أُمُور وَأَنا فى
هَاتين الْحَالَتَيْنِ: لَا شاتما، وَلَا خَارِجا من فى مَكْرُوه
(3/270)
(هَذَا بَاب مَا يكون حَالا وَفِيه الْألف
/ وَاللَّام على خلاف مَا تجرى بِهِ الْحَال لَعَلَّ دخلت)
وَذَلِكَ قَوْلك: ادخُلُوا الأول فَالْأول، وادخلوا رجلا رجلا
تَأْوِيله: ادخُلُوا وَاحِدًا بعد وَاحِد فَأَما الأول فَإِنَّمَا
انتصب على الْحَال وَفِيه الْألف وَاللَّام؛ لِأَنَّهُ على غير
مَعْهُود، فجريا مجْرى سَائِر الزَّوَائِد أَلا ترى أَنَّك لَو قلت:
الأول فَالْأول أتونا - لم يجز؛ لِأَنَّك لست تقصد إِلَى شئ بِعَيْنِه،
وَلَو قلت: الرجل أتونا - كَانَ جيدا وَإِن شِئْت قلت: دخلُوا الأول
فَالْأول على الْبَدَل كَأَنَّك قلت: دخل الأول فَالْأول وَكَذَلِكَ
لَو قلت: دخلُوا رجل فَرجل، فأبدلت النكرَة من الْمعرفَة؛ كَمَا قَالَ
الله " عز وَجل: {بالناصية نَاصِيَة كَاذِبَة خاطئة}
(3/271)
فَإِذا قلت: ادخُلُوا الأول فَالْأول،
فَلَا سَبِيل عِنْد أَكثر النَّحْوِيين إِلَى الرّفْع؛ لِأَن الْبَدَل
لَا يكون من الْمُخَاطب؛ لِأَنَّك لَو قدرته بِحَذْف الضَّمِير لم يجز
فَأَما عِيسَى بن عمر فَكَانَ يُجِيزهُ، وَيَقُول: مَعْنَاهُ: ليدْخل
الأول فَالْأول، وَلَا أرَاهُ إِلَّا جَائِزا على الْمَعْنى؛ لِأَن
قَوْلك: / (ادخل) إِنَّمَا هُوَ: (لتدخل) فى الْمَعْنى وَقَرَأَ رَسُول
الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم -: (فَبِذَلِكَ فَلتَفْرَحُوا} فَإِذا
قلت: ادخُلُوا الأول وَالْآخر، وَالصَّغِير، وَالْكَبِير - فالرفع؛
لِأَن مَعْنَاهُ: ادخُلُوا كلكُمْ فَهَذَا لَا يكون إِلَّا مَرْفُوعا،
وَلَا يكون إِلَّا بِالْوَاو؛ لِأَن الْفَاء تجْعَل شَيْئا بعد شئ،
وَالْوَاو تتصل على معنى قَوْلك: كلكُمْ أَلا ترى أَنَّك تَقول:
مَرَرْت بزيد أَخِيك، وَصَاحِبك، فَتدخل الْوَاو على حد قَوْلك: زيد
الْعَاقِل الْكَرِيم، وَكَذَلِكَ زيد الْعَاقِل، والكريم وَلَو قلت:
الْعَاقِل فالكريم، أَو الْعَاقِل ثمَّ الْكَرِيم - لخبرت أَنه
اسْتوْجبَ شَيْئا بعد شئ وَكَانَ سِيبَوَيْهٍ يَقُول: جيد أَن تَقول:
هَذَا خاتمك حديدا، وَهَذَا سرجك خَزًّا، وَلَا تَقول على النَّعْت:
هَذَا خَاتم حَدِيد إِلَّا مستكرها - إِلَّا أَن تُرِيدُ الْبَدَل؛
وَذَلِكَ لِأَن حديدا وَفِضة وَمَا أشبه ذَلِك جَوَاهِر، قلا ينعَت
بهَا؛ لِأَن النَّعْت تحلية وَإِنَّمَا يكون هَذَا نعتا مستكرها إِذا
أردْت التَّمْثِيل وَتقول: هَذَا خَاتم مثل الْحَد، أى فى لَونه
وصلابته، وَهَذَا رجل أَسد / أى: شَدِيد فَإِن أردْت السَّبع بِعَيْنِه
لم تقل: مَرَرْت بِرَجُل أَسد أَبوهُ هَذَا خطأ، وَإِنَّمَا أجَاز
سِيبَوَيْهٍ: هَذَا خاتمك حديدا، وَهُوَ يُرِيد الْجَوْهَر بِعَيْنِه؛
لِأَن الْحَال مفعول فِيهَا، والأسماء تكون مفعولة، وَلَا تكون نعوتا
حَتَّى تكون تحلية وَهَذَا فى تَقْدِير الْعَرَبيَّة كَمَا قَالَ،
وَلَكِن لَا أرى الْمَعْنى يَصح إِلَّا بِمَا اشتق من الْفِعْل، نَحْو:
هَذَا زيد قَائِما؛ لِأَن الْمَعْنى أنبهك لَهُ فى حَال قيام وَإِذا
قَالَ: هَذَا خاتمك حديدا، فالحديد لَازم فَلَيْسَ للْحَال هَاهُنَا
مَوضِع بَين، وَلَا أرى نصب هَذَا إِلَّا على التَّبْيِين؛ لِأَن
التَّبْيِين إِنَّمَا هُوَ بالأسماء فَهَذَا الذى أرَاهُ، وَقد قَالَ
سِيبَوَيْهٍ مَا حكيت لَك
(3/272)
لَو قلت: مَرَرْت بزيد رجلا صَالحا لصلحت
الْحَال لِقَوْلِك (صَالحا) إِلَّا أَن يكون علم أَنَّك مَرَرْت بزيد
وَهُوَ بَالغ فَتَقول: مَرَرْت رجلا، أى فى حَال بُلُوغه فقد دللتك
بِهَذَا على معنى الْحَال وَمن الْحَالَات قَوْلك: مَا شَأْنك قَائِما
/ وَالتَّقْدِير: مَا أَمرك فى هَذِه الْحَال فَهَذَا التَّقْدِير
وَالْمعْنَى: لم قُمْت؟ كَمَا أَنَّك تَقول: غفر الله لزيد، وَاللَّفْظ
لفظ الْإِخْبَار، وَالْمعْنَى معنى الدُّعَاء، وقولك: يعلم الله لأقومن
اللَّفْظ لفظ: (يذهب زيد) وَالْمعْنَى الْقسم وَمثل هَذَا مَالك
قَائِما؟ وَالتَّقْدِير: أى شئ لَك فى حَال قيامك؟ وَالْمعْنَى: لم
قُمْت؟ قَالَ الله جلّ ذكره: {فَمَا لَهُم عَن التَّذْكِرَة معرضين}
وَالْمعْنَى - وَالله أعلم - مَا لَهُم يعرضون؟ أى: لم أَعرضُوا؟ وَلَو
قلت: من زيد قَائِما؟ لم يجز؛ لِأَن قَوْلك: من زيد؟ سُؤال يقتضى أَن
تعرف: أَيْن عَمْرو هُوَ أم ابْن خَالِد؟ التميمى هُوَ أم القيسى؟
فالسؤال قد وَقع عَن تَعْرِيف الذَّات، فَلَيْسَ للْحَال هَاهُنَا
مَوضِع
(3/273)
وَلَو قلت: زيد أَخُوك قَائِما وَأَنت
تُرِيدُ النّسَب فَهُوَ محَال لِأَن النّسَب لَازم فَلَيْسَ لَهُ فى
الْقيام معنى، ويستحيل فى تَقْدِير الْعَرَبيَّة مَعَ اسحالته فى
الْمَعْنى؛ لِأَن الْفِعْل ينصب الْحَال وَلَو قلت: زيد أَخُوك
قَائِما، تُرِيدُ الصداقة - لَكَانَ جيدا الْمَعْنى: يصادقك فى هَذِه
الْحَال وكل شئ كَانَ فِيهِ فعل مُجَرّد أَو معنى فعل، فالحال فِيهِ
صَحِيحَة؛ نَحْو: المَال لَك / قَائِما، أى: تملكه فى هَذِه الْحَال،
وَكَذَلِكَ: المَال لَك يَوْم الْجُمُعَة، وَلَا يصلح: زيد أَخُوك
يَوْم الْجُمُعَة إِذا كَانَ من النّسَب؛ لِأَنَّهُ لَا فعل فِيهِ
وظروف الزَّمَان لَا تضمن الجثث وكل مَا كَانَ فعلا أَو فى معنى
الْفِعْل فعله فى ظروف الزَّمَان كعمله فى الْحَال فَأَما قَوْلهم:
اللَّيْلَة الْهلَال، فَمَعْنَاه: الْحُدُوث، وَلَوْلَا ذَلِك لم يجز؛
كَمَا لَا تَقول: اللَّيْلَة زيد وَتقول: خرجت من الدَّار فَإِذا زيد
فَمَعْنَى (إِذْ) هَاهُنَا المفاجأة فَلَو قلت على هَذَا: خرجت فَإِذا
زيد قَائِما كَانَ جيدا؛ لِأَن معنى فَإِذا، أى: فَإِذا زيد قد وافقنى
(3/274)
(هَذَا بَاب المخاطبة)
فَأول كلامك لما تسْأَل عَنهُ، وَآخره لمن تسأله، وَذَلِكَ قَوْلك -
إِذا سَأَلت رجلا عَن رجل -: كَيفَ ذَاك الرجل؟ فتحت الْكَاف؛
لِأَنَّهَا للذى تكلم وقولك (ذَاك) إِنَّمَا زِدْت الْكَاف على (ذَا) ،
وَكَانَت لما تومئ إِلَيْهِ بِالْقربِ فَإِن قلت (هَذَا) ف (هَا)
للتّنْبِيه، و (ذَا) هى / الِاسْم، فَإِذا خاطبت زِدْت الْكَاف للذى
تكَلمه وَدلّ الْكَلَام بوقوعها على أَن الذى تومئ إِلَيْهِ بعيد،
وَكَذَلِكَ جَمِيع الْأَسْمَاء المبهمة إِذا أردْت التراخى زِدْت كافا
للمخاطبة؛ لِأَنَّك تحْتَاج إِلَى أَن تنبه بهَا الْمُخَاطب على بعد
مَا تومئ إِلَيْهِ فَإِن سَأَلت امْرأ عَن رجل قلت: كَيفَ ذَاك الرجل؟
تكسر الْكَاف؛ لِأَنَّهَا لمؤنث قَالَ الله عز وَجل: {قَالَ كَذَلِك
الله يخلق مَا يَشَاء} وَتقول - إِذا سَأَلت رجلا عَن امْرَأَة -:
كَيفَ تِلْكَ الْمَرْأَة؟ بِفَتْح الْكَاف؛ لِأَنَّهَا لمذكر فَإِن
سَأَلت امْرَأَة عَن امْرَأَة قلت: كَيفَ تِلْكَ الْمَرْأَة، بِكَسْر
الْكَاف من أجل المخاطبة فَإِن سَأَلت امْرَأتَيْنِ عَن رجلَيْنِ قلت:
كَيفَ ذانكما الرّجلَانِ؟ وَإِن سَأَلت رجلَيْنِ عَن إمراتين قلت:
كَيفَ تانكما الْمَرْأَتَانِ؟ [وَإِن سَأَلت رجلَيْنِ عَن امْرَأَة
قلت: كَيفَ تلكما الْمَرْأَة؟ وَإِن سَأَلت] امْرَأتَيْنِ عَن رجل قلت:
كَيفَ ذاكما الرجل؟ وَإِن شِئْت قلت: ذلكما، تدخل اللَّام زَائِدَة،
فَمن قَالَ فى الرجل (ذَاك) قَالَ فى الِاثْنَيْنِ (ذَانك) وَمن قَالَ
فى الرجل (ذَلِك) قَالَ فى الِاثْنَيْنِ (ذَانك) بتَشْديد النُّون /
تبدل من اللَّام نونا، وتدغم إِحْدَى النونين فى الْأُخْرَى، كَمَا
قَالَ عز وَجل: {فذانك برهانان من رَبك}
(3/275)
وَإِن سَأَلت رجلا عَن نسَاء قلت: كَيفَ
أولئكم النِّسَاء؟ وَإِن سَأَلت نسَاء عَن رجال قلت: كَيفَ أولئكن
الرِّجَال؟ وَإِن سَأَلت نسَاء عَن رجل قلت بِغَيْر اللَّام: كَيفَ
ذاكن الرجل؟ وباللام: كَيفَ ذلكن الرجل؟ كَمَا قَالَ الله عز وَجل:
{فذلكن الَّذِي لمتنني فِيهِ} وَقد يجوز أَن تجْعَل مُخَاطبَة
الْجَمَاعَة عل لفظ الْجِنْس؛ إِذْ كَانَ يجوز أَن تخاطب وَاحِدًا عَن
الْجَمَاعَة، فَيكون الْكَلَام لَهُ، وَالْمعْنَى يرجع إِلَيْهِم؛
كَمَا قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَعُولُوا}
وَلم يقل (ذَلِكُم) ؛ لِأَن الْمُخَاطب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَمَا ورد من هَذَا الْبَاب فقسه على مَا ذكرت لَك تصب إِن شَاءَ الله
(3/276)
(هَذَا بَاب تَأْوِيل هَذِه الْكَاف
الَّتِى تقع للمخاطبة إِذا اتَّصَلت بِالْفِعْلِ / نَحْو: رويدك
وأرأيتك زيدا مَا حَاله؟ ، وقولك: أبصرك زيدا)
اعْلَم أَن هَذِه الْكَاف زَائِدَة زيدت لِمَعْنى المخاطبة وَالدَّلِيل
على ذَلِك أَنَّك إِذا قلت: أرأيتك زيدا فَإِنَّمَا هى أَرَأَيْت زيدا؛
لِأَن الْكَاف لَو كَانَت اسْما اسْتَحَالَ أَن تعدى (رَأَيْت) إِلَى
مفعولين: الأول والثانى هُوَ الأول وَإِن أردْت رُؤْيَة الْعين لم
يَتَعَدَّ إِلَّا إِلَى مفعول وَاحِد، وَمَعَ ذَلِك أَن فعل الرجل لَا
يتَعَدَّى إِلَى نَفسه، فيتصل ضَمِيره إِلَّا فى بَاب ظَنَنْت وَعلمت،
لما قد ذكرنَا فى مَوْضِعه فَأَما (ضربتنى) ، و (ضربتك) يَا رجل فَلَا
يكون وَكَذَلِكَ (أبصرك) زيدا يَا فلَان، إِنَّمَا هُوَ: أبْصر زيدا،
وَدخلت الْكَاف للإغراء توكيدا للمخاطبة وَكَذَلِكَ (رويد) يدلك أَنَّك
إِذا قلت: رويدك زيدا، إِنَّمَا تُرِيدُ: أرود زيدا، وَالْكَاف
للمخاطبة أَلا ترى أَنَّهَا لَو كَانَت اسْم الْفَاعِل كَانَ خطأ؛
لِأَن الْوَاحِد الْمَرْفُوع لَا تظهر علامته فى الْفِعْل وَإِن كَانَ
الْفِعْل لاثْنَيْنِ أَو ثَلَاثَة قلت: رويدكما، ورويدكم فَلَو كَانَ
اسْم الْفَاعِل لَكَانَ ألفا فى التَّثْنِيَة، وواوا فى الْجمع؛ كَمَا
تَقول: اذْهَبَا، واذهبوا وَقد تَقول: رويد زيدا إِذا لم ترد أَن تبين
/ المخاطبة؛ كَمَا تَقول: أَرَأَيْت زيدا، وَأبْصر زيدا وَزعم
سِيبَوَيْهٍ أَن تقولك: رويدك زيدا إِذا أدخلت الْكَاف كَقَوْلِك: يَا
فلَان لمن هُوَ مقبل عَلَيْك توكيدا للتّنْبِيه وَلمن هُوَ غير مقبل
عَلَيْك لتعطفه بالنداء فَكَذَلِك تنبه بالمخاطبة، وَتركهَا كتركك (يَا
فلَان) اسْتغْنَاء بإقبالك عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا القَوْل بِغَيْر
الْكَاف: رويد زيدا؛ لِأَن رويد فى مَوضِع الْمصدر وَهُوَ غير
مُتَمَكن؛ لِأَن الْمصدر من أرودت إِنَّمَا هُوَ الإرواد
(3/277)
وَمن أَرَادَ أَن يَجْعَل (رويد) مصدرا
مَحْذُوف الزَّوَائِد جَازَ لَهُ ذَلِك فَقَالَ: رويدا زيدا فنظير
الأول قَوْله:
(رويد عليا جد مَا ثدى أمّهم ... إِلَيْنَا وَلَكِن ودهم متماين)
وَمن جعله مصدرا صَحِيحا قَالَ: رويدا زيدا، ورويد زيد؛ كَمَا تَقول:
(ضرب الرّقاب) وَإِن كَانَ نعتا فَهُوَ مَصْرُوف منون على كل حَال،
وَذَلِكَ قَوْلك: ضَعْهُ وضعا رويدا؛ كَمَا قَالَ الله عز وَجل: {فمهل
الْكَافرين أمهلهم رويدا} وَإِنَّمَا صرفنَا هَذَا الْمصدر عِنْد مَا
جرى من ذكره مَعَ كَاف المخاطبة
(3/278)
(هَذَا بَاب مسَائِل من هَذِه المصادر
الَّتِى جرت)
/ اعْلَم أَنَّك إِذا قلت: رويدك وَعبد الله فَهُوَ جَائِز وَفِيه قبح
حَتَّى تَقول: رويدك أَنْت وَعبد الله وَقد تقدم تَفْسِير هَذَا فى
بَاب عطف الظَّاهِر على الْمُضمر فَإِن جعلت (رويد) متصرفة قلت: رويد
عبد الله، وَزيد، وَلَا تَقول: رويدك، ورويد زيد إِذا جعلت (رويد) غير
متصرفة وَالْكَاف للمخاطبة؛ لِأَن الْكَاف لَيست باسم، و (رويد) اسْم،
وَلَا يَقع الْعَطف على اسْتِوَاء إِلَّا أَن تجْعَل الْكَلَام الثانى
على غير معنى الْكَلَام الأول، فَذَلِك جَائِز مَتى أردته وكل جملَة
بعْدهَا جملَة فعطفها عَلَيْهَا جَائِز وَإِن لم يكن مِنْهَا؛ نَحْو:
جاءنى زيد، وَانْطَلق عبد الله، وأخوك قَائِم، وَإِن تأتنى آتِك
فَهَذَا على ذَا وَلَو قلت: ضَعْهُ وضعا رويدا، لم تقع (رويد) المحذوفة
التَّنْوِين هَذَا الْموضع؛ لِأَن تِلْكَ لَا تقع إِلَّا فى الْأَمر
على معنى: أرود زيدا وَاعْلَم أَن الْكَاف فى قَوْلك: (النجاءك)
إِنَّمَا هى للمخاطبة بِمَنْزِلَة كَاف رويدك وَالدَّلِيل على ذَلِك
لحاقها مَعَ الْألف وَاللَّام، وَلَو كَانَت اسْما كَانَ هَذَا محالا؛
لِأَنَّك لَا تضيف مَا فِيهِ الْألف وللام فَهَذَا بَين جدا وفى هَذِه
المصادر فى الْأَمر والنهى من الضَّمِير مَا فى الْفِعْل، تَقول:
النجاءك نَفسك، والنجاءكم كلكُمْ / والخفض خطأ؛ لِأَن الْكَاف لَيست
باسم فَأَما عَلَيْك، ودونك، وَمَا أشبه ذَلِك - فَإِن الْكَاف فى
مَوضِع خفض وَله ضمير الْمَرْفُوع الذى يكون بِهِ فَاعِلا، وَإِن شِئْت
أتبعته التوكيد مَرْفُوعا، وَإِن شِئْت كَانَ مخفوضا تَقول: عَلَيْك
نَفسك زيدا، وَإِن شِئْت نَفسك، لِأَنَّك تُرِيدُ: أنظر نَفسك
(3/279)
وَالدَّلِيل على أَن الْكَاف لَهَا مَوضِع
أَن حُرُوف الْإِضَافَة لَا تعلق وَلَا تنفرد فهى وَاقعَة على
الْأَسْمَاء وكل شئ كَانَ فى مَوضِع الْفِعْل وَلم يكن فعلا يجوز أَن
تَأمر بِهِ غَائِبا، وَلَا يجوز أَن تَقول: على زيد عمرا، وَلَا يجوز
أَن تقدم فِيهِ وَلَا تُؤخر، فَتَقول: زيدا عَلَيْك، وزيدا دُونك وَمن
زعم أَن قَول الله عز وَجل: {كتاب الله عَلَيْكُم} إِنَّمَا نَصبه
بعليكم فَهَذَا خطأ، وَقد مضى تَفْسِير هَذَا وَإِنَّمَا قَالُوا:
عَلَيْهِ رجلا لَيْسَنِى، لِأَن هَذَا مثل، والأمثال تجرى فى الْكَلَام
على الْأُصُول كثيرا
(3/280)
(هَذَا بَاب مَا يحمل على الْمَعْنى،
وَحمله على اللَّفْظ أَجود)
اعْلَم أَن الشئ لَا يجوز أَن يحمل على الْمَعْنى إِلَّا بعد
اسْتغْنَاء اللَّفْظ، وَذَلِكَ قَوْلك: مَا جاءنى غير زيد وَعَمْرو حمل
(عَمْرو) على الْموضع؛ لِأَن معنى قَوْله: (غير زيد) إِنَّمَا هُوَ:
إِلَّا زيد، فَحمل (عَمْرو) على هَذَا الْموضع وَكَذَلِكَ قَوْله: مَا
جاءنى من أحد عَاقل رفعت الْعَاقِل، وَلَو خفضته كَانَ أحسن وَإِنَّمَا
جَازَ الرّفْع؛ لِأَن الْمَعْنى: مَا جاءنى أحد وَمن ذَلِك قِرَاءَة
بعض النَّاس: {زين لكثير من الْمُشْركين قتل أَوْلَادهم شركاؤهم} لما
قَالَ: قتل أَوْلَادهم - تمّ الْكَلَام، فَقَالَ: شركاؤهم على
الْمَعْنى؛ لِأَنَّهُ علم أَن لهَذَا التزيين مزينا فَالْمَعْنى: زينه
شركاؤهم
(3/281)
وَمثل ذَلِك قَول الشَّاعِر:
(ليبك يزِيد ضارع لخصومة ... ومختبط مِمَّا تطيح الطوائح)
لما قَالَ: (لبيْك يزِيد) علم أَن لَهُ باكيا فَكَأَنَّهُ قَالَ: ليبكه
ضارع لخصومة
(3/282)
وَمن هَذَا قَوْلهم:
(قد سَالم الْحَيَّات مِنْهُ القدما ... الأفعوان والشجاع الشجعما)
فنصب الأفعوان؛ لِأَنَّك تعلم أَن الْقدَم مسالمة؛ كَمَا أَنَّهَا
مسالمة، فَكَأَنَّهُ قَالَ: قد سالمت الْقدَم الأفعوان والشجاع وَمن
ذَلِك قَول الله عز وَجل: {انْتَهوا خيرا لكم} زعم الْخَلِيل أَنه لما
قَالَ: " انْتَهوا " علم أَنه يدفعهم عَن أَمر، ويغريهم بِأَمْر يزجرهم
عَن خِلَافه، فَكَانَ التَّقْدِير: ائْتُوا خيرا لكم وَقد قَالَ قوم:
إِنَّمَا هُوَ على قَوْله: يكن خيرا لكم وَهَذَا خطأ فى تَقْدِير
الْعَرَبيَّة؛ لِأَنَّهُ يضمر الْجَواب وَلَا دَلِيل عَلَيْهِ، وَإِذا
أضمر (ايتُوا) فقد جعل (انْتَهوا) بَدَلا مِنْهُ، وَكَذَلِكَ انته يَا
فلَان أمرا قَاصِدا وَقد مر من ذكر الْمُضْمرَات مَا يغنى عَن
إِعَادَته
(3/283)
وَمن ذَلِك قَول الشَّاعِر:
(وجدنَا الصَّالِحين لَهُم جَزَاء ... وجنات وعينا سلسبيلا)
فنصبهما؛ لِأَن الوجدان فى الْمَعْنى وَاقع عَلَيْهِمَا وَمثل ذَلِك:
(لن ترَاهَا وَإِن تَأَمَّلت إِلَّا ... وَلها فى مفارق الرَّأْس طيبا)
(3/284)
لِأَن الرُّؤْيَة قد اشْتَمَلت على الطّيب
وَهَذَا الْبَيْت أبعد مَا مر؛ / لِأَنَّهُ ذكره من قبل الِاسْتِغْنَاء
وَإِنَّمَا جَازَ نَصبه على رَأَيْت؛ لِأَن الْمَعْنى: لن ترَاهَا
إِلَّا وَأَنت ترى لَهَا فى مفارق الرَّأْس طيبا فَهَذَا على
الْإِضْمَار فَأَما قَوْله:
(تواهق رجلاها يَدَيْهِ وَرَأسه ... )
فَمن أنْشدهُ بِرَفْع الْيَدَيْنِ فقد أَخطَأ؛ لِأَن الْكَلَام لم
يسْتَغْن، وَلَو جَازَ لجَاز: ضَارب عبد الله زيد؛ لِأَن من كل وَاحِد
مِنْهُمَا ضربا
(3/285)
(هَذَا بَاب أم، وأو)
فَأَما (أم) فَلَا تكون إِلَّا استفهاما، وَتَقَع من الِاسْتِفْهَام فى
موضِعين: أَحدهمَا: أَن تقع عديلة للألف على معنى (أى) ، وَذَلِكَ
قَوْلك: أَزِيد فى الدَّار أم عَمْرو؟ وَكَذَلِكَ: أأعطيت زيدا أم
حرمته؟ فَلَيْسَ جَوَاب هَذَا (لَا) ، وَلَا (نعم) ؛ كَمَا أَنه إِذا
قَالَ: أَيهمَا لقِيت؟ أَو: أى الْأَمريْنِ فعلت؟ لم يكن جَوَاب هَذَا
(لَا) وَلَا (نعم) ؛ لِأَن الْمُتَكَلّم مُدع أَن أحد الْأَمريْنِ قد
وَقع، لَا يدرى أَيهمَا هُوَ فَالْجَوَاب أَن تَقول: زيد أَو عَمْرو
فَإِن كَانَ الْأَمر على غير دَعْوَاهُ [فَالْجَوَاب] أَن تَقول: لم
ألق وَاحِدًا، أَو كليهمَا فَمن ذَلِك قَول الله / عز وَجل: {أتخذناهم
سخريا أم زاغت عَنْهُم الْأَبْصَار} وَقَوله:
(3/286)
{أأنتم أَشد خلقا أم السَّمَاء بناها}
وَمثله: {أهم خير أم قوم تبع} ، فَخرج هَذَا مخرج التَّوْقِيف
والتوبيخ، ومخرجه من النَّاس يكون استفهاما، وَيكون توبيخا فَهَذَا أحد
وجهيها وَيدخل فى بَاب التَّسْوِيَة مثل قَوْلك: سَوَاء على أذهبت أَو
جِئْت، وَمَا أبالى أَقبلت أم أَدْبَرت، وليت شعرى أَزِيد فى الدَّار
أم عَمْرو؟ فقولك: (سَوَاء على) تخبر أَن الْأَمريْنِ عنْدك وَاحِد،
فأدخلت حُرُوف الِاسْتِفْهَام هَاهُنَا لإيجابها التَّسْوِيَة
(3/287)
أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت: أَزِيد فى
الدَّار أم عَمْرو، أَنَّهُمَا فى علمك مستويان، فَهَذِهِ مضارعة،
وَلِهَذَا تَقول: قد علمت أَزِيد فى الدَّار أم عَمْرو؛ لأنمها قد
اسْتَويَا عِنْد السَّامع؛ كَمَا اسْتَوَى الْأَوَّلَانِ فى علمك و
(أى) دَاخله فى كل مَوضِع تدخل فِيهِ (أم) مَعَ الْألف تَقول: قد علمت
أَيهمَا فى الدَّار؟ تُرِيدُ: أذا أم ذَا قَالَ الله عز وَجل:
{فَلْينْظر أَيهَا أزكى طَعَاما} وَقَالَ: {لنعلم أَي الحزبين أحصى} ؛
لِأَن الْمَعْنى: أذا أم ذَا؟ وعَلى ذَلِك / قَول الشَّاعِر:
(سَوَاء عَلَيْهِ أى حِين أَتَيْته ... أساعة نحس جِئْته أم بِأَسْعَد)
فقس (أيا) بِالْألف وَأم؛ كَمَا تَقول: أى الرجلَيْن أفضل أَزِيد أم
عَمْرو؟ وسنفرد بَابا للمسائل بعد فراغنا من الْأُصُول، فَهَذَا أحد
موضعيها والموضع الثانى: أَن تكون مُنْقَطِعَة مِمَّا قبلهَا خَبرا
كَانَ أَو استفهاما، وَذَلِكَ قَوْلك فِيمَا كَانَ خَبرا: إِن هَذَا
لزيد أم عَمْرو يَا فَتى
(3/288)
وَذَلِكَ أَنَّك نظرت إِلَى شخص، فتوهمته
زيدا، فَقلت على مَا سبق إِلَيْك، ثمَّ أدركك الظَّن أَنه عَمْرو،
فَانْصَرَفت عَن الأول، فَقلت: أم عَمْرو مستفهما فَإِنَّمَا هُوَ
إضراب عَن الأول على معنى (بل) ، إِلَّا أَن مَا يَقع بعد (بل) يَقِين،
وَمَا يَقع بعد (أم) مظنون مَشْكُوك فِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّك تَقول:
ضربت زيدا نَاسِيا أَو غالطا، ثمَّ تذكر أَو تنبه، فَتَقول: بل عمرا
مستدركا مثبتا للثانى، تَارِكًا للْأولِ ف (بل) تخرج من غلط إِلَى
استثبات، وَمن نِسْيَان إِلَى ذكر و (أم) مَعهَا ظن أَو اسْتِفْهَام،
وإضرب / عَمَّا كَانَ قبله وَمن ذَلِك: هَل زيد منطلق أم عَمْرو يَا
فَتى قَائِما أضْرب عَن سُؤَاله عَن انطلاق زيد، وَجعل السُّؤَال عَن
عَمْرو فَهَذَا مجْرى هَذَا، وَلَيْسَ على منهاج قَوْلك: أَزِيد فى
الدَّار أم عَمْرو وَأَنت تُرِيدُ: أَيهمَا فى الدَّار؟ لِأَن (أم)
عديله الْألف، و (هَل) إِنَّمَا تقع مستأنفة أَلا ترى أَنَّك تَقول:
أما زيد فى الدَّار على التَّقْرِير، وَتقول: يَا زيد، أسكوتا
وَالنَّاس يَتَكَلَّمُونَ توبخه بذلك وَقد وَقع مِنْهُ السُّكُوت،
وَلَا تقع (هَل) فى هَذَا الْموضع أَلا ترى إِلَى قَوْله:
(أطربا وَأَنت قنسرى ... )
وَإِنَّمَا هُوَ: أتطرب وَهُوَ حَال طرب؟ وَذَلِكَ لِأَن الْألف و (أم)
حرفا الِاسْتِفْهَام اللَّذَان يستفهم بهما عَن جَمِيعه، وَلَا
يخرجَانِ مِنْهُ، وَلَيْسَ كَذَا سَار حُرُوف الِاسْتِفْهَام؛ لِأَن كل
حرف مِنْهَا لضرب لَا يتَعَدَّى ذَلِك إِلَى غَيره، أَلا ترى أَن
(أَيْن) إِنَّمَا هى سُؤال عَن الْمَكَان لَا يَقع إِلَّا عَلَيْهِ و
(مَتى) سُؤال عَن زمَان، و (كَيفَ) سُؤال عَن حَال، و (كم) / سُؤال عَن
عدد و (هَل) تخرج من حد الْمَسْأَلَة فَتَصِير بِمَنْزِلَة (قد) نجو:
قَوْله عز وَجل -: {هَل أَتَى على الْإِنْسَان حِين من الدَّهْر لم يكن
شَيْئا مَذْكُورا} فالألف (وَأم) لَا ينقلان عَن الِاسْتِفْهَام؛ كَمَا
تنقل هَذِه الْحُرُوف، فَتكون جَزَاء، وَيكون
(3/289)
مَا كَانَ مِنْهَا يَقع للنَّاس وَغَيرهم،
نَحْو: (من) ، و (مَا) ، و (أى) كَذَلِك، يكون فى معنى الذى وحرفا
الِاسْتِفْهَام اللَّذَان لَا يفارقانه: الْألف و (أم) ، وهما يدخلَانِ
على هَذِه الْحُرُوف كلهَا أَلا ترى أَن الْقَائِل يَقُول: هَل زيد فى
الدَّار أم هَل عَمْرو هُنَاكَ؟ وَتقول: كَيفَ صنعت أم كَيفَ صنع
أَخُوك؟ فَدخل هَذَانِ الحرفان على حُرُوف الِاسْتِفْهَام لتمكنهما
وانتقالهما فَمن ذَلِك قَوْله:
(هَل مَا علمت وَمَا اسْتوْدعت مَكْتُوم ... أم حبلها إِذْ نأتك
الْيَوْم مصروم)
(أم هَل كَبِير بَكَى لم يقْض عبرته ... إِثْر الْأَحِبَّة يَوْم
الْبَين مشكوم)
(3/290)
فَأدْخل (أم) على (هَل) ، وَقَالَ:
(سَائل فوارس بربوع بشدتنا ... أهل رأونا بسفح القف ذى الأكم)
/ وَقَالَ:
(كَيفَ الْقَرار بِبَطن مَكَّة بَعْدَمَا ... هم الَّذين تحب بالإنجاد)
(أم كَيفَ صبرك إِذْ ثويت معالجا ... سقما خلافهم وسقمك بادى)
وَتدْخل حُرُوف الِاسْتِفْهَام على (من) ، و (مَا) ، و (أى) إِذا صرن
فى معنى الذى بصلاتهن، وَكَذَلِكَ (أم) ، كَقَوْل الله عز وَجل: {أم من
يُجيب الْمُضْطَر إِذا دَعَاهُ} ، وَكَقَوْلِه: {أَفَمَن يلقى فِي
النَّار خير أم من يَأْتِي آمنا يَوْم الْقِيَامَة} ، فقد أوضحت لَك
حَالهمَا
(3/291)
فَأَما قَول الله عز وَجل: {اآم تَنْزِيلُ
الكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبَّ العَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ
افْتَرَاهُ} وَقَوله: {أَم تَسْأَلُهُمْ أَجْراً} ، وَمَا كَانَ مثله؛
نَحْو قَوْله عز وَجل: {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخلُقُ بَنَاتٍ} فَإِن
ذَلِك لَيْسَ على جِهَة الِاسْتِفْهَام؛ لِأَن المستخبر غير عَالم،
إِنَّمَا يتَوَقَّع الْجَواب فَيعلم بِهِ وَالله - عز وَجل - منفى
عَنهُ ذَلِك وَإِنَّمَا تخرج هَذِه الْحُرُوف فى الْقُرْآن مخرج
التوبيخ والتقرير، وَلكنهَا لتكرير توبيخ بعد توبيخ عَلَيْهِم أَلا
ترَاهُ يَقُول عز وَجل: {أَفَمَنْ يُلْقَى فى النَّارِ خَيْرٌ أَم مَن
يَأْتى آمِنًا يَوْمَ القِيَامَةِ} / - وَقد علم المستمعون كَيفَ ذَلِك
- ليزجرهم عَن ركُوب مَا يُؤدى إِلَى النَّار، كَقَوْلِك للرجل:
السَّعَادَة أحب إِلَيْك أم الشَّقَاء؛ لتوقفه أَنه على خطأ وعَلى مَا
يصيره إِلَى الشَّقَاء، وَمن ذَلِك قَوْله: {أَلَيْسَ فى جَهَنَّمَ
مَثْوًى لِلْمُتكَبَّرِينَ} كَمَا قَالَ:
(ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى الْعَالمين بطُون رَاح)
وَأَنت تعلم أَنه لم يستفهم، وَلَكِن قررهم بِأَنَّهُم كَذَلِك وَأَنه
قد ثَبت لَهُم، فمجاز هَذِه الْآيَات - وَالله أعلم -: أيقولون افتراه؟
على التوبيخ لَهُم، وَأَنَّهُمْ قَالُوا، فنبه الرَّسُول
وَالْمُسْلِمين على إفكهم، وَترك خَبرا إِلَى خبر لَا على جِهَة
الإضراب، وَلَكِن جِهَة تَكْرِير خبر بعد خبر: كَمَا يَقع أَمر بعد
زجر، وَأمر بعد أَمر للترغيب، والترهيب وَالله أعلم
(3/292)
(هَذَا بَاب من مسال (أم) فى الْبَابَيْنِ
الْمُتَقَدِّمين لنوضح كل بَاب على حياله، ونبينه من صَاحبه إِن شَاءَ
الله)
تَقول: أعندك / زيد أم عَمْرو، فَإِذا أردْت: أَيهمَا عنْدك - فَهَذَا
عَرَبِيّ حسن، والأجود: أَزِيد عنْدك أم عَمْرو؛ لِأَنَّك عدلت زيدا
بِعَمْرو، فأوقعت كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى جَانب حرف الِاسْتِفْهَام،
وَجعلت الذى لَا تسْأَل عَنهُ بَينهمَا، وَهُوَ قَوْلك: عنْدك
وَكَذَلِكَ: أزيدا ضربت أم عمرا، أَزِيد قَامَ أم عَمْرو وَلَو قلت:
أَقَامَ زيد أم عَمْرو؟ وأزيد أم عَمْرو قَامَ؟ وأزيد أم عَمْرو عنْدك؟
، وأزيدا أم عمرا ضربت؟ كَانَ ذَلِك جَائِزا حسنا، وَالْوَجْه مَا وصفت
لَك، وكل هَذَا غير بعيد فَإِن أردْت أَن تجربه على استفهامين قلت:
أَزِيد عنْدك، أم عنْدك عَمْرو يَا فَتى استفهم أَولا عَن زيد، ثمَّ
أدْركهُ الشَّك فى عَمْرو، فَأَضْرب عَن زيد، وَرجع إِلَى عَمْرو،
فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَزِيد عنْدك بل أعندك عَمْرو؟ فَهَذَا تَمْثِيل
ذَلِك، وَمثله قَول كثير:
(أَلَيْسَ أَبى بالنضر أم لَيْسَ والدى ... لكل نجيب من خزاعه أزهرا)
/ ترك اسْتِفْهَام الأول، وَمَال إِلَى الثانى، وَإِنَّمَا أخرجه مخرج
التَّقْرِير فى اللَّفْظ، كالاستخبار
(3/293)
و (أم) المنقطعة تقع بعد الِاسْتِفْهَام
كموقعها بعد الْخَبَر، وَمن ذَلِك قَوْلك: أَزِيد فى الدَّار أم لَا؟
لَيْسَ معنى هَذَا: معنى (أَيهمَا) ، وَلَكِنَّك استفهمت على أَنَّك
ظَنَنْت أَنه فى الدَّار، ثمَّ أدركك الشَّك فى أَنه لَيْسَ فِيهَا،
فأضربت عَن السُّؤَال عَن كَونه فِيهَا، وَسَأَلت عَن إصغارها مِنْهُ
فَأَما قَول ابْن أَبى ربيعَة:
(لعمرك مَا أدرى - وَإِن كنت داريا - ... بِسبع رمين الْجَمْر أم
بثمان)
فَلَيْسَ على الإضراب، وَلكنه أَرَادَ: أبسبع؟ فاضطر، فَحذف الْألف،
وَجعل (أم) دَلِيلا على إِرَادَته إِيَّاه؛ إِذْ كَانَ الْمَعْنى على
ذَلِك، كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
(لعمرك مَا أدرى - وَإِن كنت داريا - ... شعيث ابْن سهم أم شعيث ابْن
منقر)
يُرِيد اشيعت
(3/294)
فَأَما قَول الأخطل:
(كذبتك عَيْنك أم رَأَيْت بواسط ... غلس الظلام من الربَاب خيالا)
/ فَيكون على ضَرْبَيْنِ: يجوز أَن يكون: أكذبتك عَيْنك، فَحذف الْألف
وَيجوز أَن يكون ابْتَدَأَ (كذبتك عَيْنك) مخبرا، ثمَّ أدْركهُ الشَّك
فى أَنه قد رأى، فاستقهم مستثبتا وَأما مَا حكى الله عَن فِرْعَوْن من
قَوْله: ( {أَلَيْسَ لي ملك مصر وَهَذِه الْأَنْهَار تجْرِي من تحتي
أَفلا تبصرون أم أَنا خير من هَذَا الَّذِي هُوَ مهين} - فَإِنَّمَا
تَأْوِيله - وَالله أعلم -: أَنه قَالَ: أَفلا تبصرون أم أَنا خير؟ على
أَنهم لَو قَالُوا لَهُ: أَنْت خير لكانوا عِنْده بصراء، فَكَأَنَّهُ
قَالَ - وَالله أعلم -: أَفلا تبصرون أم تبصرون
(3/295)
وَهَذِه (أم) المنقطعة؛ لِأَنَّهُ أدْركهُ
الشَّك فى بصرهم، كالمسألة فى قَوْلك: أَزِيد فى الدَّار أم لَا، وَقد
مضى تَفْسِير هَذَا فَهَذَا فى قَول جَمِيع النَّحْوِيين لَا تعلم
بَينهم اخْتِلَافا فِيهِ فَأَما أَبُو زيد وَحده فَكَانَ يذهب إِلَى
خلاف مذاهبهم، فَيَقُول: (أم) زَائِدَة، وَمَعْنَاهُ: أَفلا تبصرون
أَنا خير، وَكَانَ يُفَسر هَذَا الْبَيْت:
(3/296)
(يَا دهر أم مَا كَانَ مشيى رقصا ... بل قد
تكون مشيتى توقصا)
/ يُرِيد: يَا دهر، مَا كَانَ مَشى رقصا وَهَذَا لَا يعرفهُ
الْمُفَسِّرُونَ، وَلَا النحويون، لَا يعْرفُونَ (أم) زَائِدَة وَلَكِن
إِذا عرض الشئ فى الْبَاب ذَكرْنَاهُ، وَبينا عَنهُ وَتقول: لَيْت شعرى
أَزِيد فى الدَّار أم عَمْرو؟ وَمَا بالي: أَقمت أم قعدت، وَسَوَاء
على: أذهبت أم جِئْت، وَقد ذكرنَا هَذَا قبل، وَلَكِن رددناه لاستقصاء
تَفْسِيره؛ لِأَن هَذَا لَيْسَ باستفهام، وَلَا قَوْلك: قد علمت أَزِيد
فى الدَّار أم عَمْرو إِنَّمَا هُوَ أَنَّك قد علمت أَن أَحدهمَا فى
الدَّار لَا ندرى أَيهمَا هُوَ؟ فقد اسْتَويَا عنْدك، فَهَذِهِ
الْأَشْيَاء الَّتِى وَصفنَا مستوية، وَإِن لم تكن استفهاما فالتسوية
أجرت عَلَيْهِ هَذِه الْحُرُوف؛ إِذْ كَانَت لَا تكون إِلَّا للتسوية
وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن (أيا) لَا تكون إِلَّا لهَذَا الْمَعْنى
دَاخِلَة على جَمِيعهَا أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت: أَزِيد فى الدَّار
أم عَمْرو فَمَعْنَاه: أَيهمَا فى الدَّار وَإِذا قلت: سَوَاء على
أذهبت أم جِئْت - فَمَعْنَاه: سَوَاء على أى ذَلِك كَانَ، كَمَا تَقول:
مَا أبالى: أَقمت أم قعدت، أى مَا أبالى أى ذَلِك كَانَ، وليت شعرى! أى
ذَلِك كَانَ أَلا ترى أَنه / لَا يدْخل على الِاسْتِفْهَام من
الْأَفْعَال إِلَّا مَا يجوز أَن يلغى؛ لِأَن الِاسْتِفْهَام لَا يعْمل
فِيهِ مَا قبله، وَهَذِه الْأَفْعَال هى الَّتِى يجوز أَلا تعْمل
خَاصَّة، وهى مَا كَانَ من الْعم وَالشَّكّ فعلى هَذَا: (لنعلم أى
الحزبين) (وَلَقَد علمُوا لمن اشْتَرَاهُ) ؛ لِأَن هَذِه اللَّام نفصل
مَا بعْدهَا وَمَا قبلهَا تَقول: علمت لزيد خير مِنْك وعَلى ذَلِك
قَوْله:
(3/297)
(لَا أبالى أنب بالحزن تَيْس ... أم لحانى
بِظهْر غيب لئيم)
وَقَول الشَّاعِر:
(لَيْت شعرى وَأَيْنَ منى لَيْت ... أَعلَى الْعَهْد يلبن فبرام)
وَقَالَ الشَّاعِر:
(سَوَاء عَلَيْك الْيَوْم أنصاعت النَّوَى ... بخرقاء أم أنحى لَك
السَّيْف ذابح)
وَنَظِير إدخالهم التَّسْوِيَة على الِاسْتِفْهَام لاشتمال
التَّسْوِيَة عَلَيْهَا قَوْلك: اللَّهُمَّ اغْفِر لنا أيتها
الْعِصَابَة، فأجروا حرف النداء على الْعِصَابَة وَلَيْسَت مدعوة؛
لِأَن فِيهَا الِاخْتِصَاص الذى فى النداء، وَإِنَّمَا حق النداء أنم
تعطف بِهِ الْمُخَاطب عَلَيْك، ثمَّ / تخبره، أَو تَأمره، أَو تسأله،
أَو غير ذَلِك مِمَّا توقعه إِلَيْهِ، فَهُوَ مُخْتَصّ من غَيره فى
قَوْلك: يَا زيد، وَيَا رجال فَإِذا قلت: اللَّهُمَّ اغْفِر لنا أيتها
الْعِصَابَة فَأَنت لم تدع الْعِصَابَة، وَلَكِنَّك اختصصتها
(3/298)
من غَيرهَا؛ كَمَا تخْتَص الْمَدْعُو،
فَجرى عَلَيْهَا اسْم النداء، أعنى (أيتها) ، لمساواتها إِيَّاه
الِاخْتِصَاص؛ كَمَا أَنَّك إِذا قلت: مَا أدرى أَزِيد فى الدَّار أم
عَمْرو، فقد اسْتَويَا عنْدك فى الْمعرفَة وَإِن لم يكن هَذَا مستفهما
عَنهُ، وَلَكِن مَحَله من الِاسْتِفْهَام كمحل مَا ذكرت لَك من النداء
وعَلى هَذَا تَقول: على الْمضَارب الوضيعة أَيهَا الرجل، وَلَا يجوز
أَن تَقول: يَا أَيهَا الرجل، وَلَا يَا أيتها الْعِصَابَة؛ لِأَنَّك
لَا تنبه إنْسَانا إِنَّمَا تخْتَص و (يَا) إِنَّمَا هى زجر وتنبيه
وَتقول: أَزِيد فى الدَّار أم فى الْبَيْت عَمْرو لَا تُرِيدُ معنى
(أَيهمَا) وَلَكِنَّك أضربت عَن الأول، واستفهمت عَن الثانى على مَا
شرحت وكل مَا كَانَ من الْإِخْبَار، وَمن حُرُوف الِاسْتِفْهَام غير
الْألف فَلَيْسَتْ تقع (أم) بعده / إِلَّا مستأنفة، وَتَكون مَعَ
الْألف مستأنفة إِذْ أجريتها على مَا وصفت لَك [فَإِذا أردْت معنى
(أَيهمَا) عدلتها بِالْألف، وَتدْخل عَلَيْهَا مَا كَانَ للتسوية على
مَا وَصفنَا]
(3/299)
وَكَانَ الْخَلِيل يُجِيز: لأضربنه أذهب أم
مكث يُرِيد: لأضربنه أى ذَلِك كَانَ، وَإِنَّمَا عبارَة الْألف وَأم ب
(أى) فَحَيْثُ صلحت (أى) ، صلحتا، وَكَانَ يُجِيز على هَذَا: كل حق
لَهَا سميناه أم لم نُسَمِّيه، على معنى قَوْله: أى ذَلِك كَانَ،
وَالْوَجْه فى هَذَا (أَو) ، وَتَفْسِيره فى بَابهَا إِن شَاءَ الله
(3/300)
(هَذَا بَاب أَو)
وحقها أَن تكون فى الشَّك وَالْيَقِين لأحد الشَّيْئَيْنِ، ثمَّ
يَتَّسِع بهَا الْبَاب، فيدخلها الْمَعْنى الذى فى الْوَاو من
الْإِشْرَاك على أَنَّهَا تخص مَالا تخصه الْوَاو فَأَما الذى يكون
فِيهِ لأحد الْأَمريْنِ يَقِينا أَو شكا فقولك: ضربت زيدا أَو عمرا،
علمت أَن الضَّرْب قد وَقع بِأَحَدِهِمَا، وَذهب عَنْك أَيهمَا هُوَ؟
وَكَذَلِكَ: جاءنى زيد أَو أَخُوك فَأَما الْيَقِين فقولك: رَأَيْت
زيدا أَو عمرا، أى: قد جعلتك فى ذَلِك مُخَيّرا، وَكَذَلِكَ:
لَأُعْطيَن زيدا أَو عمرا درهما لم تنس شَيْئا، وَلَكِنَّك جعلت نَفسك
فِيهِ مخيرة وَالْبَاب الذى يَتَّسِع فِيهِ قَوْلك: ائْتِ زيدا أَو
عمرا أَو خَالِدا، لم ترد: ائْتِ وَاحِدًا من هَؤُلَاءِ، وَلَكِنَّك
أردْت: إِذا أتيت فَاتَ هَذَا الضَّرْب من النَّاس؛ كَقَوْلِك: إِذا
ذكرت فاذكر زيدا أَو عمرا أَو خَالِدا فَإِذا نهيت عَن هَذَا قلت: لَا
تأت زيدا أَو عمرا أَو خَالِدا، أى لَا تأت هَذَا الضَّرْب من النَّاس؛
كَمَا قَالَ الله عز وَجل: {وَلَا تُطِع مِنْهُم آثِما أَو كفورا}
والفصل بَين (أَو) وَبَين الْوَاو أَنَّك إِذا قلت: اضْرِب زيدا وعمرا،
فَإِن ضرب أَحدهمَا فقد عصاك، وَإِذا قَالَ: (أَو) فَهُوَ مُطِيع لَك
فى ضرب أَحدهمَا أَو كليهمَا وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ: لَا تأت زيدا
وعمرا، فَأتى أَحدهمَا فَلَيْسَ بعاص، وَإِذا قَالَ: لَا تأت
(3/301)
زيدا أَو عمرا فَلَيْسَ لَهُ أَن يأتى
وَاحِدًا مِنْهُمَا، فتقديرها فى النهى: لَا تأت زيدا وَلَا عمرا،
وتقديرها فى الْإِيجَاب: ائْتِ زيدا؛ وَإِن شت فَائت عمرا مَعَه
وَتقول: لأضربنه / ذهب أَو مكث؛ أى: لأضربنه فى هَذِه الْحَال كَانَ
أَو فى هَذِه الْحَال وعَلى هَذَا تَقول: وكل حق لَهَا دَاخل فِيهَا
أَو خَارج مِنْهَا، وَإِن شت دَاخل فِيهَا وخارج مِنْهَا أما الْوَاو
فعلى قَوْلك: كل حق لَهَا من الدَّاخِل، وَالْخَارِج وَأما (أَو) فعلى
قَوْلك: إِن كَانَ ذَلِك الْحق دَاخِلا أَو كَانَ خَارِجا وَهَذَا
الْبَيْت ينشد على وَجْهَيْن:
(إِذا مَا انْتهى علمى تناهيت عِنْده ... أَطَالَ فأملى أَو تناهى
فأقصرا)
وينشد: أم تناهى أما (أَو) فعلى قَوْلك: إِن طَال، وَإِن قصر وَأما
(أم) فعلى قَوْلك: أى ذَلِك كَانَ؟ وَالْألف فى (أَطَالَ) ألف
اسْتِفْهَام، وَالْأَحْسَن فى هَذَا (أَو) ؛ لِأَن التَّقْدِير: إِن
كَانَ كَذَا،
(3/302)
وَإِن كَانَ كَذَا، وَكَذَلِكَ كل مَوضِع
لَا يَقع فِيهِ اسْتِفْهَام على معنى أَيهمَا، وأيهم، ونسق بِهِ على
هَذَا التَّقْدِير وكل مَوضِع يَقع فِيهِ (أى) كَائِنا مَا كَانَ -
فألف الِاسْتِفْهَام و (أم) تدخلانه، وَإِن كَانَ الْأَحْسَن فيهمَا
مَا قَصَصنَا وَتقول: مَا أدرى أزيدا / أَو عمرا ضربت أم خَالِدا لم
ترد أَن تعدل بَين زيد، وَعَمْرو، وَلَكِنَّك جعلتهما جَمِيعًا عدلا
لخَالِد فى التَّقْدِير، وَالْمعْنَى: مَا أدرى أحد هذَيْن ضربت أم
خَالِدا وَتقول: قد علمت أربعى أم مضرى أَنْت أم تميمى كَأَنَّهُ
قَالَ: قد علمت أم من أحد هذَيْن الشعبين أَنْت أم تميمى وعَلى هَذَا
ينشد قَول صفي بنت عبد الْمطلب:
(كَيفَ رَأَيْت زبرا)
(أأقطا أم تَمرا)
(أم قرشيا صقرا)
(3/303)
لم ترد أَن تجْعَل الأقط عدلا للتمر
فَتَقول: أَهَذا، أم هَذَا وَلَكِن أردْت: أطعاما رَأَيْت أم قرشيا لَا
يصلح فى الْمَعْنى إِلَّا هَذَا فَأَما قَول الله عز وَجل: {وأرسلناه
إِلَى مائَة ألف أَو يزِيدُونَ} فَإِن قوما من النَّحْوِيين يجْعَلُونَ
(أَو) فى هَذَا الْموضع بمنزل " بل " وَهَذَا فَاسد عندنَا من
وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن (أَو) لَو وَقعت فى هَذَا الْموضع موقع (بل)
لجَاز أَن تقع فى غير هَذَا الْموضع، وَكنت تَقول: ضربت زيدا أَو عمرا،
وَمَا ضربت زيدا أَو عمرا على غير / الشَّك، وَلَكِن على معنى (بل)
فَهَذَا مَرْدُود عِنْد جَمِيعهم
(3/304)
وَالْوَجْه الآخر: أَن (بل) لَا تأتى فى
الْوَاجِب فى كَلَام وَاحِد إِلَّا للإضراب بعد غلط أَو نِسْيَان،
وَهَذَا منفى عَن الله عز وَجل؛ لِأَنَّهُ الْقَائِل إِذا قَالَ:
مَرَرْت بزيد غالطا فاستدرك، أَو نَاسِيا فَذكر، قَالَ: بل عَمْرو؛
ليضْرب عَن ذَلِك، وَيثبت ذَا وَتقول: عندى عشرَة بل خَمْسَة عشر على
مثل هَذَا، فَإِن أَتَى بعد كَلَام قد سبق من غَيره فالخطأ إِنَّمَا
لحق كَلَام الأول؛ كَمَا قَالَ الله عز وَجل: {وَقَالُوا اتخذ
الرَّحْمَن ولدا} فَعلم السَّامع أَنهم عنوا الْمَلَائِكَة بِمَا تقدم
من قَوْله: {وَجعلُوا الْمَلَائِكَة الَّذين هم عباد الرَّحْمَن
إِنَاثًا} وَقَالَ: {أم اتخذ مِمَّا يخلق بَنَات} وَقَالَ: {ويجعلون
لله مَا يكْرهُونَ} وَقَالَ: {بل عباد مكرمون} ، أى: بل هَؤُلَاءِ
الَّذين ذكرْتُمْ أَنهم ولد عباد مكرمون وَنَظِير ذَلِك أَن تَقول
للرجل: قد جَاءَك زيد، فَيَقُول: بل عَمْرو وَلَكِن مجَاز هَذِه
الْآيَة عندنَا مجَاز مَا ذكرنَا قبل فى قَوْلك: ائْتِ / زيدا أَو عمرا
أَو خَالِدا، تُرِيدُ: ايت هَذَا الضَّرْب من النَّاس، فَكَأَنَّهُ
قَالَ - وَالله أعلم -: إِلَى مائَة ألف أَو زِيَادَة وَهَذَا قَول كل
من نثق بِعِلْمِهِ وَتقول: وكل حق لَهَا علمناه أَو جهلناه تُرِيدُ
توكيد قَوْلك: كل حق لَهَا، فكأنك قلت: إِن كَانَ مَعْلُوما، أَو
مَجْهُولا فقد دخل فى هَذَا البيع جَمِيع حُقُوقهَا وَلها فى الْفِعْل
خَاصَّة أُخْرَى نذكرها فى إِعْرَاب الْأَفْعَال إِن شَاءَ الله
وجملتها أَنَّك تَقول: زيد يقْعد أَو يقوم يَا فَتى، وَإِنَّمَا أكلم
لَك زيدا، أَو أكلم عمرا تُرِيدُ: أفعل أحد هذَيْن؛ كَمَا قلت فى
الِاسْم: لقِيت زيدا أَو عمرا، وَأَنا ألْقى زيدا أَو عمرا، أى: أحد
هذَيْن وعَلى القَوْل الثانى: أَنا أمضى إِلَى زيد، أَو أقعد إِلَى
عَمْرو، أَو أتحدث، أى: أفعل هَذَا الضَّرْب من الْأَفْعَال
(3/305)
وعَلى هَذَا القَوْل الذى بدأت بِهِ قَول
عز وَجل: {تقاتلونهم أَو يسلمُونَ} ، أَي: يَقع / أحد هذَيْن فَأَما
الْخَاصَّة فى الْفِعْل فَأن تقع على معنى: إِلَّا أَن، وَحَتَّى،
وَذَلِكَ قَوْلك: _ الزمه أَو يقضيك حَقك، وَاضْرِبْهُ أَو يَسْتَقِيم
وفى قِرَاءَة أَبى: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَو يُسْلِمُوا} ، أى: إِلَّا
أَن يسلمُوا، وَحَتَّى يسلمُوا وَهَذَا تَفْسِير مستقصى فى بَابه إِن
شَاءَ الله
(3/306)
(هَذَا بَاب الْوَاو الَّتِى تدخل
عَلَيْهَا ألف الِاسْتِفْهَام)
وَذَلِكَ قَوْلك - إِذا قَالَ الْقَائِل: رَأَيْت زيدا عِنْد عَمْرو -:
أَو هُوَ مِمَّن يجالسه؟ استفهمت على حد مَا كنت تعطف كَأَن قَائِلا
قَالَ: وَهُوَ مِمَّن يجالسه، فَقَالَ: أَو هَذَا كَذَا؟ وَهَذِه
الْألف لتمكنها تدخل على الْوَاو، وَلَيْسَ كَذَا سَائِر حُرُوف
الِاسْتِفْهَام، إِنَّمَا الْوَاو تدخل عَلَيْهِنَّ فى قَوْلك: وَهل
هُوَ عنْدك؟ فَتكون الْوَاو قبل (هَل) وَتقول: وَكَيف صنعت؟ وَمَتى
تخرج؟ وَأَيْنَ عبد الله؟ وَكَذَلِكَ جَمِيعهَا إِلَّا الْألف وَلَا
تدخل الْوَاو على (أم) ، وَلَا (أم) عَلَيْهَا؛ لِأَن (أم) للْعَطْف
وَالْوَاو للْعَطْف وَنَظِير هَذِه الْوَاو، وَالْفَاء، / وَسَائِر
حُرُوف الْعَطف قَول الله عز وَجل: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ القُرَى أَن
يَأْنِيهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ} {أَو أَمن أهل
الْقرى أَن يَأْتِيهم بأسنا ضحى وهم يَلْعَبُونَ} فالواو هَا هُنَا
بِمَنْزِلَة الْفَاء فى قَوْلك (فَأمنُوا مكر الله) وَإِنَّمَا مجَاز
هَذِه الْآيَات - وَالله أعلم - إِيجَاب الشئ وَالتَّقْدِير كَمَا شرحت
لَك أَولا
(3/307)
وَهَذِه الْوَاو، وواو الْعَطف مجازهما
وَاحِد فى الْإِعْرَاب وَتَكون فى الِاسْتِفْهَام والتقرير كَمَا
ذكرنَا فى الْألف، وللتعجب، وللإنكار فَأَما الِاسْتِفْهَام الْمَحْض
فنحو قَوْلك - إِذا قَالَ الرجل: رَأَيْت زيدا - فَتَقول: أويوصل
إِلَيْهِ، فَأَنت مسترشد أَو مُنكر مَا قَالَ؟ فَيَقُول: أَو
أَدْرَكته؟ تستبعد ذَلِك فَأَما التَّعَجُّب وَالْإِنْكَار فَقَوْل
الْمُشْركين {أَِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَ آبَاؤنَا الأَوَّلُونَ}
والتقرير مَا ذكرت لَك فى الْآيَات فى الْفَاء وَالْوَاو فِي قَوْله عز
وَجل: {أَو أَمن أهل الْقرى}
(3/308)
|