المقتضب (هَذَا بَاب مَا اشتق للمذكر من الْفِعْل)
فَمن ذَلِك مَا كَانَ اسْما للْفَاعِل؛ نَحْو: مُجَاهِد، وَمُقَاتِل،
وضارب، ومكرم، ومستطيع، ومدحرج، فَكل هَذَا منصرف؛ لِأَنَّهُ لَا مَانع
لَهُ من الصّرْف، وَكَذَلِكَ إِن كَانَ مَفْعُولا، نَحْو: مخرج،
ومضروب، ومستطاع؛ لِأَنَّهَا أَسمَاء مُشْتَقَّة وَمَا كَانَ من
الأعجمية معربا فَهَذَا سَبيله والمعرب مِنْهَا مَا كَانَ نكر فى
بَابه؛ لِأَنَّك تعرفه بِالْألف وَاللَّام، فَإِذا كَانَ كَذَلِك كَانَ
حكمه حكم الْعَرَبيَّة لَا يمنعهُ من الصّرْف إِلَّا مَا يمْنَعهَا
فَمن ذَلِك: راقود، وجاموس، وفرند؛ لِأَنَّك تعرفه بِالْألف /
وَاللَّام فَإِذا كَانَ معرفَة فى كَلَام الْعَجم فَغير منصرف لامتناعه
بالتعريف الذى فِيهِ من إِدْخَال الْحُرُوف الْعَرَبيَّة عَلَيْهِ
وَذَلِكَ نَحْو: إِسْحَق، وَيَعْقُوب، وَفرْعَوْن، وَقَارُون؛ لِأَنَّك
لَا تَقول: الفرعون وَلَو سميته بِيَعْقُوب - تعنى ذكر القبج - لَا
ينْصَرف؛ لِأَنَّهُ عربى على مِثَال يَرْبُوع
(3/325)
والزوائد الَّتِى فى أَوله لَا تَمنعهُ من
الصّرْف؛ لِأَنَّهَا لَا تبلغ بِهِ مِثَال الْفِعْل؛ لِأَن الْفِعْل
لَا يكون على يفعول وَكَذَلِكَ (إِسْحَاق) إِذا أردْت بِهِ الْمصدر من
قَوْلك: أسحقه الله إسحاقا، وتعرف هَذَا من ذَاك بِأَن إِسْحَاق
وَيَعْقُوب الأعجمين على غير هَذِه الْحُرُوف، وَإِنَّمَا لاءمت هَذِه
الْحُرُوف الْعَرَب وَنَظِير إِسْحَق فى الْقَصْد إِلَى العربى والعجمى
مَا قلت لَك فى عمر من أَنَّك إِذا أردْت بِهِ جمع عمْرَة صرفته وَإِن
أردْت بِهِ المعدول عَن عَامر امْتنع من الصّرْف وَإِن كَانَ الأعجمى
قد أعرب وَلم يكن على مِثَال الْأَسْمَاء المنصرفة وَلَا غَيرهَا، صرف
وَصَارَ كعربى لَا ثانى لَهُ؛ لِأَنَّهُ إِذا أعرب فَهُوَ كالعربية
الْأَصْلِيَّة فَمن ذَلِك آجر / مَصْرُوف لدُخُوله فى التَّعْرِيف؛
إِذْ كَانَ نكرَة فَهُوَ بِمَنْزِلَة عربى مُنْفَرد ببنائه نَحْو: إبل،
وإطل، وصعفوق فَأَما (بقم) فَلَا ينْصَرف فى الْمعرفَة وَإِن كَانَ قد
أعرب؛ لِأَنَّهُ قد وَقع من أَمْثِلَة الْعَرَب على مَا لَا يكون
إِلَّا فعلا، نَحْو: ضرب، وَقطع فَمَنعه الصّرْف مَا منع ضرب لَو سميت
بِهِ رجلا وَكَذَلِكَ سَرَاوِيل لَا ينْصَرف عِنْد النَّحْوِيين فى
معرفَة وَلَا نكرَة؛ لِأَنَّهَا وَقعت على مِثَال من الْعَرَبيَّة لَا
يدْخلهُ الصّرْف، نَحْو: قناديل، ودهاليز فَكَانَت لما دَخلهَا
الْإِعْرَاب كالعربية فَهَذَا جملَة القَوْل فى الأعجمى الْوَاقِع على
الْجِنْس، والمخصوص بِهِ الْوَاحِد للعلامة
(3/326)
(هَذَا بَاب الْجمع الْمَزِيد فِيهِ، وَغير
الْمَزِيد)
أما مَا من الْجمع على مِثَال مفاعل، ومفاعيل؛ نَحْو: مصاحف، ومحاريب،
وَمَا كَانَ على هَذَا الْوَزْن؛ نَحْو: فعالل، وفواعل، / وأفاعل،
وأفاعيل وكل مَا كَانَ مِمَّا كَانَ لم نذكرهُ على سُكُون هَذَا وحركته
وعدده، فَغير منصرف فى معرفَة وَلَا نكرَة وَإِنَّمَا امْتنع من
الصّرْف فيهمَا؛ لِأَنَّهُ على مِثَال لَا يكون عَلَيْهِ الْوَاحِد،
وَالْوَاحد هُوَ الأَصْل، فَلَمَّا باينه هَذِه المباني، وتباعد هَذَا
التباعد فى النكرَة - امْتنع من الصّرْف فِيهَا، وَإِذا امْتنع من
الصّرْف فِيهَا فَهُوَ من الصّرْف فى الْمعرفَة أبعد ويدلك على ذَلِك
قَول الله عز وَجل: {من محاريب وتماثيل} وَقَوله: {لهدمت صوامع وَبيع
وصلوات ومساجد} كل هَذَا هَذِه علته فَإِن لحقته الْهَاء للتأنيث
انْصَرف فى لنكرة على مَا وصفت لَك فى الْهَاء أَولا؛ لِأَن كلما مَا
كَانَت فِيهِ فمصروف فى النكرَة، وممتنع من الصّرْف فى الْمعرفَة؛
لِأَن الْهَاء علم التَّأْنِيث، فقد خرجت بِمَا كَانَ من هَذَا الْجمع
إِلَى بَاب طَلْحَة، وحمدة؛ وَذَلِكَ؛ نَحْو: صياقلة، وبطارقة فَإِن
قَالَ قَائِل: فَمَا باله انْصَرف فى النكرَة، وَقد كَانَ قبل الْهَاء
لَا ينْصَرف فِيهَا؟ فَالْجَوَاب فى ذَلِك: أَنه قد خرج إِلَى مِثَال /
يكون للْوَاحِد أَلا ترى أَنَّك تَقول: رجل عباقية، وحمار حزابية،
فالهاء أخرجته إِلَى هَذَا الْمِثَال؛ كَمَا أَن
(3/327)
ياءى النّسَب يخرجانه إِلَى بَاب تميمى،
وقيسى وَذَلِكَ قَوْلك: مدانى وَنَحْوه، ينْصَرف فى الْمعرفَة والنكرة؛
أَلا ترى أَن مدائنيا إِنَّمَا هُوَ للْوَاحِد، فبالياء خرج إِلَيْهِ؛
كَمَا أخرجته الْهَاء إِلَّا أَن مَا كَانَت فِيهِ الْهَاء لَا ينْصَرف
فى الْمعرفَة من أجل التَّأْنِيث، وَمَا كَانَت فِيهِ الْيَاء النّسَب
فمصروف فى الْمعرفَة، والنكرة فَأَما سرارى، وبخاتى، وكراسى فَغير
مَصْرُوف فى معرفَة وَلَا نكرَة؛ لِأَن الْيَاء لَيست للنسب،
وَإِنَّمَا هى الْيَاء الَّتِى كَانَت فى الْوَاحِد فى بُخْتِيَّة
وكرسى فَأَما قَوْلك: حوالى، وحوارى فَهُوَ حوال، وحوار، فنسب
إِلَيْهِ، فَإِنَّمَا على هَذَا تعْتَبر مَا وصفت لَك فَأَما قَوْلهم:
رباع، ويمان فنذكره فى بَاب: مَا اعتل من هَذَا الْجمع إِن شَاءَ الله
(3/328)
فَأَما مَا كَانَ من الْجمع على مِثَال
(أَفعَال) ، و (فعول) /، نَحْو: أجمال، وفلوس فمنصرف فى الْمعرفَة
والنكرة؛ لِأَنَّهُ على مِثَال يكون للْوَاحِد وَهُوَ جمع مضارع
للْوَاحِد؛ لِأَنَّهُ لأدنى الْعدَد أعنى أفعالا وفعول وَإِن كَانَ
لأكْثر الْعدَد فمضارعته للْوَاحِد؛ لِأَنَّهُ يجمع كَمَا يجمع
الْوَاحِد فَأَما (أَفعَال) فَمَا يكون مِنْهُ على مِثَال الْوَاحِد
قَوْلهم: برمة أعشار وحبل أرمام، وأقطاع، وثوب أكياش: متمزق، وَيجمع
كَمَا يجمع الْوَاحِد وَذَلِكَ قَوْلك: أنعام وأناعيم، وأعراب وأعاريب
وَمَا كَانَ على (فعول) للْوَاحِد فقولك: سدوس للطيلسان الْأَخْضَر
وَمَا كَانَ من هَذَا مصدرا أَكثر من أَن يُحْصى؛ نَحْو: قعدت قعُودا،
وَجَلَست جُلُوسًا، وَسكت سكُوتًا
(3/329)
وَيجمع كَمَا يجمع الْوَاحِد، وَتقول:
بيُوت وبيوتات فهما ينصرفان فى الْمعرفَة والنكرة على كل حَال أعنى
أفعالا، وفعولا إِلَّا أَن تسمى بهما مؤنثا فيمنعهما التَّأْنِيث
الصّرْف؛ لِأَن كل مؤنث، على ثَلَاثَة أحرف متحركات غير منصرف، /
وَكلما زَاد فى عدد الْحُرُوف كَانَ ذَلِك أَو كد لترك صرفه، لهَذَا
مَوضِع نذكرهُ فِيهِ إِن شَاءَ الله وَأما مَا كَانَ من الْجمع على
مِثَال أفعل نَحْو أكلب وأكعب فَغير منصرف فِي الْمعرفَة وَإِنَّمَا
مَنعه الصّرْف أَنه على مِثَال الْفِعْل نَحْو أعبد وأقتل وينصرفان فِي
النكرَة كَمَا ذكرت لَك فِيمَا يكون على مِثَال الْفِعْل وَمَا كَانَ
من الْجمع على مِثَال فعلان وفعلان نَحْو قضبان وظلمان فَغير منصرف فِي
الْمعرفَة لزِيَادَة الْألف وَالنُّون وَخُرُوجه إِلَى بَاب عُثْمَان
وسرحان وينصرفان فِي النكرَة لِأَن الْمُمْتَنع من الصّرْف فِي
الْمعرفَة والنكرة من هَذَا الْبَاب فعلان الَّذِي لَهُ فعلى على مَا
ذكرت لَك نَحْو غَضْبَان وسكران كَمَا أَن الْمُمْتَنع من بَاب مَا
كَانَ على مِثَال أفعل من أَن يصرف فِي الْمعرفَة والنكرة فأفعل
الَّذِي هُوَ نعت نَحْو أَحْمَر وأصفر وَمَا كَانَ من الْجمع على
مِثَال فعال فمصروف وَذَلِكَ نَحْو كعاب وكلاب لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة
الْوَاحِد نَحْو حمَار وَكتاب وَفِي هَذِه الْجُمْلَة دلَالَة على كل
مَا يرد عَلَيْك من الْجمع إِن شَاءَ الله
(3/330)
(هَذَا بَاب مَا كَانَ من جمع الْمُؤَنَّث
بِالْألف وَالتَّاء)
فَهَذَا الْجمع فى الْمُؤَنَّث نَظِير مَا كَانَ بِالْوَاو وَالنُّون
فى الْمُذكر؛ لِأَنَّك فِيهِ تسلم بِنَاء الْوَاحِد كتسليمك إِيَّاه فى
التَّثْنِيَة وَالتَّاء دَلِيل التَّأْنِيث، والضمة عل الرّفْع، واستوى
خفضه ونصبه، كَمَا اسْتَوَى ذَلِك فى مُسلمين والتنوين فى مسلمات عوض
من النُّون فى قَوْلك: مُسلمين فَإِن سميت بمسلمات رجلا أَو امْرَأَة
لحقه التَّنْوِين؛ لِأَنَّهُ عوض فَلذَلِك كَانَ لَازِما وعَلى ذَلِك
قَوْله عز وَجل: {فَإِذا أَفَضْتُم من عَرَفَات} و (عَرَفَات) معرفَة؛
لِأَنَّهُ اسْم مَوضِع بِعَيْنِه هَذَا فى قَول من قَالَ: هَؤُلَاءِ
مُسلمُونَ، ومررت بمسلمين يَا فَتى، وكل مَا كَانَ على وزن الْمُسلمين
فَالْوَجْه فِيهِ أَن يجرى هَذَا المجرى وَإِن لم يكن فى الأَصْل جمعا؛
كَمَا / أَن كرسيا وبختيا كالمنسوب وَإِن لم يكن فِيهِ معنى نسب إِلَى
حى، وَلَا إِلَى أَرض، وَلَا غير ذَلِك
(3/331)
فَمن ذَلِك عشرُون، وَثَلَاثُونَ قَالَ
الله عز وَجل: {كلاَّ إِنَّ كِتابَ الأَبرَارِ لفِى عِلَّيَّينَ وَمَا
أَدرَك مَا عِلَّيُّونَ} وَتقول على هَذَا: قنسرون، ومررت
بِقِنِّسْرِينَ، وَهَذِه يبرون، ومررت بيبرين وَمن لم يقل هَذَا،
وَقَالَ: قنسرين كَمَا ترى، وَجعل الْإِعْرَاب فى النُّون، وَقَالَ:
هَذِه سنُون فَاعْلَم - فَإِنَّهُ يفعل مثل هَذَا بالمؤنث إِذا كَانَ
وَاحِدًا، ويجيزه فى الْجمع؛ كَمَا تَقول: هَؤُلَاءِ مُسلمين فَاعْلَم،
كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
(وماذا يدرى الشُّعَرَاء منى ... وَقد جَاوَزت حد الْأَرْبَعين)
(3/332)
وَقَالَ الآخر:
(إنى أَبى أَبى ذُو مُحَافظَة ... وَابْن أَبى أَبى من أبيين)
وَقَالَ الله عز وَجل فِيمَا كَانَ وَاحِدًا: {وَلَا طَعَام إِلَّا من
غسلين} فَمن رأى هَذَا قَالَ: هَذِه عَرَفَات مُبَارَكًا فِيهَا، وعَلى
هَذَا ينشد / هَذَا الْبَيْت:
(تنورتها من أَذْرُعَات وَأَهْلهَا ... بِيَثْرِب أدنى دارها نظر عالى)
وَقَالَ الآخر:
(تخيرها أَخُو عانات دهرا ... )
(3/333)
وَالْوَجْه الْمُخْتَار فى الْجمع مَا بدأت
بِهِ، وَأما الْوَاحِد؛ نَحْو: غسلين، وعليين - فالوجهان مقولان
معتدلان
(3/334)
(هَذَا بَاب مَا لحقته ألف وَنون زائدتان)
أما مَا كَانَ من ذَلِك على (فعلان) الذى لَهُ (فعلى) فقد تقدم
قَوْلنَا فِيهِ أَنه غير مَصْرُوف فى معرفَة وَلَا نكرَة وَإِنَّمَا
امْتنع من ذَلِك؛ لِأَن النُّون اللاحقة بعد الْألف بِمَنْزِلَة الْألف
اللاحقة بعد الْألف للتأنيث فى قَوْلك: حَمْرَاء وصفراء وَالدَّلِيل
على ذَلِك أَن الْوَزْن وَاحِد فى السّكُون، وَالْحَرَكَة، وَعدد
الْحُرُوف، وَالزِّيَادَة وَأَن النُّون، وَالْألف تبدل كل وَاحِدَة
مِنْهُمَا من صاحبتها فَأَما فَأَما بدل النُّون من الْألف فقولك فِي
صنعاء وبهراء صنعاني وبهراني وَأما بدل الْألف مِنْهَا فقولك - إِذا
أردْت / ضربت زيدا فوقفت - قلت: ضربت زيدا، وفى قَوْلك: اضربن زيدا و
{لنسفعا بالناصية} إِذا وقفت قلت: اضربا زيدا، ولنسفعنا وَزعم
الْخَلِيل أَن الدَّلِيل على ذَلِك: أَن كل مؤنث تلْحقهُ عَلامَة
التَّأْنِيث بعد التَّذْكِير فَإِنَّمَا تلْحقهُ على لَفظه إِلَّا مَا
كَانَ مضارعا لتأنيث أَو بَدَلا فى أَن عَلامَة التَّأْنِيث لَا
تلْحقهُ على لَفظه؛ لِأَنَّهُ لَا يدْخل تَأْنِيث على تَأْنِيث،
وَكَذَلِكَ لَا يدْخل على مَا كَانَ بِمَنْزِلَتِهِ أَلا ترى أَنَّك
لَا تَقول: حمراءة، وَلَا صفراءة فَكَذَلِك لَا تَقول: غضبانة، وَلَا
سكرانة، وَإِنَّمَا تَقول: غَضبى، وسكرى فَإِن كَانَ (فعلان) لَيْسَ
لَهُ (فعلى) ، أَو كَانَ على غير هَذَا الْوَزْن مِمَّا الْألف
وَالنُّون فِيهِ زائدتان - انْصَرف فى النكرَة، وَلم ينْصَرف فى
الْمعرفَة؛ نَحْو: عُثْمَان، وعريان، وسرحان وَإِنَّمَا امْتنع من
الصّرْف من الْمعرفَة للزِّيَادَة الَّتِى فى آخِره؛ لِأَنَّهَا
كالزيادة الَّتِى فى آخر سَكرَان وَانْصَرف فى النكرَة؛ لِأَنَّهُ
لَيست مؤنثه (فعلى) ؛ لِأَنَّك تَقول: فى مؤنثه: عُرْيَان،
(3/335)
وخمصانة، فقد وَجَبت فِيهِ حَقِيقَة
التَّذْكِير / فمنزل هَذَا من بَاب غَضْبَان كمنزلة أفكل من بَاب
أَحْمَر، وكمنزلة حبنطى من بَاب حُبْلَى وسكرى وسنذكرها بعقب هَذَا
الْبَاب إِن شَاءَ الله فَأَما حسان وسمان، وتبان فَأَنت فى هَذِه
الْأَسْمَاء مُخَيّر: إِن أخذت ذَلِك من السّمن، والتبن، وَالْحسن،
فَإِنَّمَا وَزنهَا (فعال) وَإِن أخذت حسان من الْحس، وسمان من السم،
وتبان من التب - لم تصرفه فى الْمعرفَة لزِيَادَة الْألف وَالنُّون،
وصرفته فى النكرَة فَأَما فينان فالنون فِيهِ أصل بِمَنْزِلَة الدَّال
من حَمَّاد، وَذَلِكَ منصرف فى الْمعرفَة والنكرة؛ لِأَن مَعْنَاهُ:
كثير الْفُنُون، كأفنان الشّجر، فَهُوَ منصرف على كل حَال، وَتَقْدِيره
من الْفِعْل (فيعال) على وزن بيطار
(3/336)
وَكَذَلِكَ مران لِأَنَّهُ فعال،
وَمَعْنَاهُ: المرانة، أى: اللين فعلى هَذَا تصريف مَا ينْصَرف وَمَا
لَا ينْصَرف من هَذَا الْبَاب فَأَما مَا كَانَت نونه زَائِدَة
وَلَيْسَت فِيهَا ألف فمنصرف فى الْمعرفَة والنكرة؛ لِأَنَّهُ لَا يشبه
(فعلان فعلى) المنقلبة / نونه من أَلفه فَمن ذَلِك: رعشن إِنَّمَا هُوَ
من الارتعاش قَالَ:
(من كل رعشا وناج رعشن ... )
وَكَذَلِكَ سرحان لَو صغرته فَقلت سريحين لصرفت سريحينا فى الْمعرفَة
والنكرة، وَمَا كَانَ مثله نَحْو - صغيرك سُلْطَانا، وضبعانا إِذا قلت:
سليطين، وضبيعين وَكَذَلِكَ (ضيفن) النُّون زَائِد؛ لِأَنَّهُ الذى
يجِئ مَعَ الضَّيْف، فتقدره: فعلن
(3/337)
(هَذَا بَاب مَا كَانَت آخِره ألف
مَقْصُورَة للتأنيث، وللإلحاق)
أما مَا كَانَت أَلفه للتأنيث؛ نَحْو: حُبْلَى، وسكرى فقد تقدم
قَوْلنَا فِيهِ أَنه لَا ينْصَرف فى معرف وَلَا نكرَة وَأما مَا كَانَت
الْألف فِيهِ زَائِدَة للإلحاق فمصروف فى النكرَة؛ لِأَنَّهُ مُلْحق
بالأصول، وممنوع من الصّرْف فى الْمعرفَة؛ لِأَن أَلفه زَائِدَة كزيادة
مَا كَانَ للتأنيث، فموضعه من حُبْلَى وَأَخَوَاتهَا كموضع أفكل من
أَحْمَر وكموضع عُثْمَان من عطشان فَمن ذَلِك / حبنطى إِنَّمَا هُوَ من
حَبط بَطْنه، فالنون وَالْألف زائدتان؛ لتبلغ بهما بِنَاء سفرجل، وعَلى
هَذَا تَقول للْمَرْأَة: حبنطاة وَلَو كَانَت الْألف للتأنيث لم تدخل
عَلَيْهَا الْهَاء؛ لِأَنَّهُ لَا يدْخل تَأْنِيث على تَأْنِيث
وَكَذَلِكَ أرطى مُلْحق بِجَعْفَر: ووزنه (فعلى) مُلْحق بفعلل، وعَلى
ذَلِك تَقول فى الْوَاحِدَة: أَرْطَاة وَمثله معزى مُلْحق بهجرع،
وَدِرْهَم فَأَما مَا كَانَ مثل ذفرى، وتترى الذى يكون فِيهِ
الْأَمْرَانِ: الْإِلْحَاق والتأنيث، وَمَا كَانَ من بَابه فسنذكره فى
مَوْضِعه إنْشَاء الله
(3/338)
(هَذَا بَاب مَا كَانَ من أفعل نعتا يصلح
فِيهِ التأويلان جَمِيعًا)
فَمن ذَلِك أجدل، وأخيل الأجود فيهمَا أَن يَكُونَا اسْمَيْنِ؛ لِأَن
الأجدل إِنَّمَا يدل على الصَّقْر بِعَيْنِه، والأخيل أَيْضا: اسْم
طَائِر فَإِن قَالَ قَائِل: إِن (أجدل) إِنَّمَا هُوَ مَأْخُوذ من
الجدل وهى شدَّة الْخلق / وأخيل إِنَّمَا هُوَ هُوَ أفعل مَأْخُوذ من
الخيلان، وَكَذَلِكَ أَفْعَى إِنَّمَا هُوَ (أفعل) مَأْخُوذ من النكادة
قيل لَهُ: فَإِنَّهُ كَذَلِك، وَإِلَى هَذَا كَانَ يذهب من يرَاهُ
نعتا، وَلَا يصرفهُ فى معرفَة وَلَا نكرَة، وَلَيْسَ بأجود
الْقَوْلَيْنِ أجودهما: أَن تكون أَسمَاء منصرفة فى النكرَة؛
لِأَنَّهَا - وَإِن كَانَ أَصْلهَا مَا ذكرنَا - فَإِنَّمَا تدل على
ذَات شئ بِعَيْنِه أَلا ترى أَن أجدل لَا يدل إِلَّا على الصَّقْر،
تَقول: أجدل بِمَنْزِلَة قَوْلنَا: صقر وَمثل ذَلِك أخيل؛ لِأَنَّهُ
يدل على طَار بِعَيْنِه
(3/339)
وَهُوَ الذى يلْزم عندى فى أبغث لطائر
فَأَما الْأسود - إِذا عنيت الْحَيَّة، والأدهم - إِذا أردْت الْقَيْد،
والأرقم - إِذا عنيت الْحَيَّة - فنعوت غير منصرفة فى معرفَة وَلَا
نكرَة؛ لِأَنَّهَا تحلية لكل مَا نعت بهَا غير دَالَّة على لون
بِعَيْنِه فَأَما (أول) فَهُوَ يكون على ضَرْبَيْنِ: يكون اسْما،
وَيكون نعتا مَوْصُولا بِهِ من كَذَا وَأما / كَونه نعتا فَقَوله:
هَذَا رجل أول مِنْك، وجاءنى هَذَا أول من مجيئك، وجئتك أول من أمس
وَأما كَونه اسْما فَقَوله: مَا تركت لَهُ أَولا وَلَا آخرا كَمَا
تَقول: مَا تركت لَهُ قَدِيما وَلَا حَدِيثا وعَلى أى الْوَجْهَيْنِ
سميت بِهِ رجلا انْصَرف فى النكرَة؛ لِأَنَّهُ على بَاب الْأَسْمَاء
بِمَنْزِلَة أفكل، وعَلى بَاب النعوت بِمَنْزِلَة أَحْمَر
(3/340)
فَأَما أرمل فَإِنَّهُ اسْم نعت بِهِ
وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن مؤنثه على لَفظه تَقول للْمَرْأَة: أرملة،
وَلَو كَانَ نعتا فى الأَصْل لَكَانَ مؤنثه فعلاء؛ كَمَا تَقول:
أَحْمَر، وحمراء فَقَوْلهم: أرملة دَلِيل على أَنه اسْم وَكَذَلِكَ
أَربع إِنَّمَا هُوَ اسْم للعدد وَإِن نعت بِهِ فى قَوْلك: هَؤُلَاءِ
نسْوَة أَربع لَا اخْتِلَاف فى ذَلِك وَإِنَّمَا جَازَ أَن يَقع نعتا
وَأَصله الِاسْم؛ لِأَن مَعْنَاهُ: معدودات؛ كَمَا تَقول: مَرَرْت
بِرَجُل أَسد؛ لِأَنَّهُ مَعْنَاهُ: شَدِيد
(3/341)
فَإِن قَالَ قَائِل: فالرجل لَيْسَ بأسد
وَلَكِن مَعْنَاهُ: مثل أَسد، والأربع حَقِيقَة عدد قيل: إِنَّمَا يخرج
هَذَا وَشبهه على تَأْوِيل الْفِعْل وَصِحَّته إِذا جَازَ فى
التَّمْثِيل، وَمثل الشئ غَيره؛ إِذا / كَانَ الْمثل مُضَافا إِلَيْهِ
وَلكنه الأول الذى هُوَ نَعته فالشئ الذى يخرج على أَنه الأول على غير
حذف أَجود أَلا ترى أَن قَوْلك: زيد أَسد مَعْنَاهُ مثل أَسد، فقد حذفت
الْمثل وَأَنت تريده وَلَوْلَا تقديرك الْمثل لم يكن كلَاما وقولك:
جواريك أَربع حَقِيقَة على غير حذف، وَلَكِن لما أردْت النَّعْت قدرت
تَقْدِير الْفِعْل؛ لِأَن النَّعْت تحلية؛ أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت:
مَرَرْت بِرَجُل مثلك، فَإِنَّمَا أردْت مشبه لَك، وَلَوْلَا ذَلِك لم
يكن نعتا وَكَانَ الْأَخْفَش لَا يصرف أرمل، وَيَزْعُم أَنه نعت فى
الأَصْل، وَله احتجاج نذكرهُ فى مَوْضِعه إِن شَاءَ الله وَلَيْسَ على
هَذَا القَوْل أحد من النَّحْوِيين علمناه فَأَما أجمع وأكتع، فمعرفة
وَلَا يكون إِلَّا نعتا فَإِن سميت بِوَاحِد مِنْهُمَا رجلا صرفته فى
النكرَة والفصل بَينه وَبَين أَحْمَر وَجَمِيع بَابه، أَن (أَحْمَر)
كَانَ نعتا وَهُوَ نكرَة، فَلَمَّا سميت بِهِ إزداد ثقلا، و (أجمع) لم
يكن نكرَة، إِنَّمَا هُوَ معرفَة ونعت، فَإِذا / سميت بِهِ صرفته فى
النكرَة، إِنَّمَا هُوَ معرفَة ونعت، فَإِذا / سميت بِهِ صرفته فى
النكرَة لِأَنَّك لست ترده إِلَى حَال كَانَ فِيهَا لَا ينْصَرف فَأَما
أولق، وأيصر فَإِن فى كل وَاحِد مِنْهُمَا حرفين من حُرُوف الزِّيَادَة
ففى (أولق)
(3/342)
الْهمزَة وَالْوَاو، فَلَا بُد من
الِاشْتِقَاق حَتَّى يعلم أَيهمَا الأَصْل؟ فَنَظَرت إِلَى أولق فَإِذا
الْفِعْل مِنْهُ ألق الرجل فَهُوَ مألوق: إِذا أَصَابَهُ لمَم من
الْجُنُون، فَعلمنَا أَن الْهمزَة أصل، وَأَن الْوَاو زَائِدَة؛
فتقديره: فوعل مثل كوثر فَهُوَ مَصْرُوف فى الْمعرفَة والنكرة
وَكَذَلِكَ (أيصر) يجمع على فعال فَيُقَال فى جمعه: إصار فَتثبت
الْهمزَة وَتسقط الْيَاء كَمَا قَالَ الْأَعْشَى:
(فَهَذَا يعد لَهُنَّ الخلى ... وينقل ذَا بَينهُنَّ الإصار)
(3/343)
(هَذَا بَاب تَسْمِيَة الْوَاحِد / مؤنثا
كَانَ أَو مذكرا بأسماء الْجمع)
قد تقدم قَوْلنَا فى جمع التكسير إِنَّه بمنزل الْوَاحِد يمنعهُ من
الصّرْف مَا يمْنَع الْوَاحِد، فَإِذا نقلت مِنْهُ شَيْئا، فسميت بِهِ
مذكرا فَهُوَ على تِلْكَ الْحَال، وَذَلِكَ أَنَّك إِن سميت مذكرا
أنمارا، أَو كلابا انْصَرف؛ كَمَا ذكرت لَك فى (أَفعَال) ؛ لِأَن هَذَا
الْمِثَال ينْصَرف فى الْمعرفَة والنكرة فَإِن سميته أكلب، وأكعب - لم
ينْصَرف فى الْمعرفَة لزِيَادَة الْهمزَة فى أَوله؛ لِأَنَّهَا على
مِثَال أعبد، وأقتل وينصرف هَذَا الْمِثَال فى النكرَة؛ لِأَنَّهُ
لَيْسَ بنعت، وَإِنَّمَا الْمُمْتَنع من الصّرْف من هَذَا الْمِثَال فى
النكرَة (أفعل) الذى يكون نعتا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقع شئ مِمَّا على وزن
الْأَفْعَال نعتا إِلَّا مَا كَانَ على أفعل فَإِن سميته بغلمان لم
ينْصَرف وَكَانَ كسرحان الذى هُوَ وَاحِد فَإِن سميته بقضبان فحاله
كَحال عُثْمَان فى الِامْتِنَاع من الصّرْف فى الْمعرفَة، وَأَنه
ينْصَرف فى النكرَة لِأَنَّهُ لَيْسَ شئ من هَذَا الْمِثَال يكون لَهُ
(فعلى) إِلَّا مَا كَانَ على (فعلان) الذى هُوَ فى / السّكُون
وَالْحَرَكَة، والزيادتين على مِثَال حَمْرَاء فَهَذَا يجمع هَذَا
الضَّرْب من الْجمع فَأَما مَا كَانَت فِيهِ هَاء التَّأْنِيث، جمعا
كَانَ أَو وَاحِدًا، نَحْو: طَلْحَة، ونسابة، وأجربة، وصياقلة - فقد
أجملنا القَوْل فِيهِ أَنه لَا ينْصَرف فى الْمعرفَة، وينصرف فى
النكرَة، وَاحِدًا كَانَ أَو جمعا، قَلِيل الْعدَد كَانَ أَو كثير،
عَرَبيا كَانَ أَو أعجميا
(3/344)
فَإِن سميت رجلا بمساجد، وقناديل فَإِن
النَّحْوِيين أَجْمَعِينَ لَا يصرفون ذَلِك فى معرفَة وَلَا نكرَة؛
ويجعلون حَاله وَهُوَ اسْم لوَاحِد كحاله فى الْجمع وعَلى هَذَا لم
يصرفوا سَرَاوِيل وَإِن كَانَت قد أعربت؛ لِأَنَّهَا وَقعت فى كَلَام
الْعَرَب على مِثَال مَا لَا ينْصَرف فى معرفَة وَلَا نكرَة فَأَما
العجمة فقد زَالَت عَنْهَا بِأَنَّهَا قد أعربت، إِلَّا أَبَا الْحسن
الْأَخْفَش فَإِنَّهُ كَانَ إِذا سمى بشئ من هَذَا رجلا أَو امْرَأَة
صرفه فى النكرَة، فَهَذَا عندى هُوَ الْقيَاس، وَكَانَ يَقُول إِذا
مَنعه من الصّرْف أَنه مِثَال لَا يَقع عَلَيْهِ الْوَاحِد، فَلَمَّا
نقلته فسميت بِهِ / الْوَاحِد خرج من ذَلِك الْمَانِع وَكَانَ يَقُول:
الدَّلِيل على ذَلِك مَا يَقُول النحويون فى مدائنى وبابه أَنه
مَصْرُوف فى الْمعرفَة والنكرة وصياقلة أَنه مَصْرُوف فى النكرَة
مُمْتَنع بِالْهَاءِ من الصّرْف فى الْمعرفَة؛ لِأَنَّهُمَا قد خرجا
إِلَى مِثَال الْوَاحِد قيل لَهُ: فَلم لم تصرف مَسَاجِد إِذا كَانَ
اسْم الرجل فى الْمعرفَة؟ فَقَالَ: إِن بناءه قد بلغ بِهِ مِثَال [مَا]
لَا ينْصَرف فى معرفَة وَلَا نكرَة، فَهُوَ عِنْده فى هَذَا الْمِثَال
بِمَنْزِلَة الملحق بِالْألف مِمَّا فِيهِ ألف التَّأْنِيث، وبمنزلة
أفكل وبابه، من أَحْمَر وبابه، وبمنزلة عُثْمَان وسرحان، من بَاب
غَضْبَان وسكران فَأَما سَرَاوِيل فَكَانَ يَقُول فِيهَا: الْعَرَب
يَجْعَلهَا بَعضهم وَاحِدًا، فهى عِنْده مصروفة فى النكرَة على هَذَا
الْمَذْهَب وَمن الْعَرَب من يَرَاهَا جمعا وَاحِدهَا سروالة وينشدون:
(3/345)
(عَلَيْهِ من اللؤم سروالة ... )
/ فَمن رَآهَا جمعا يُقَال لَهُ: إِنَّمَا هى اسْم لشئ وَاحِد،
فَيَقُول: جَعَلُوهُ أَجزَاء؛ كَمَا تَقول: دخاريص الْقَمِيص
وَالْوَاحد دخرصة فعلى هَذَا كَانَ يرى أَنَّهَا بِمَنْزِلَة قناديل؛
لِأَنَّهَا جمع لَا ينْصَرف فِي معرفَة وَلَا نكرَة، وَلَكِن إِن سمى
بهَا صرفهَا فى النكرَة كَمَا وصفت لَك فى غَيرهَا وَاعْلَم أَن كل جمع
لَيْسَ بَينه وَبَين واحده إِلَّا الْهَاء فَإِنَّهُ جَار على سنة
الْوَاحِد وَإِن عنيت بِهِ جمع الشئ؛ لِأَنَّهُ جنس من أنثه فَلَيْسَ
إِلَى الِاسْم يقْصد، وَلكنه يؤنثها على مَعْنَاهُ؛ كَمَا قَالَ عز
وَجل: {تنْزع النَّاس كَأَنَّهُمْ أعجاز نخل منقعر} ؛ لِأَن النّخل جنس
وَقَالَ {فترى الْقَوْم فِيهَا صرعى كَأَنَّهُمْ أعجاز نخل خاوية} ؛
لِأَنَّهُ جمع نَخْلَة فَهُوَ على الْمَعْنى جمَاعَة
(3/346)
أَلا ترى أَن (الْقَوْم) اسْم مُذَكّر!
وَقَالَ عز وَجل: {كذبت قبلهم قوم نوح} لِأَن التَّقْدِير - وَالله
أعلم -: إِنَّمَا هُوَ جمَاعَة قوم نوح وَذَلِكَ الْجمع؛ نَحْو: حَصَاة
وحصى، وقناة وقنا، وشعيرة وشعير، وكل مَا / كَانَ مثل هَذَا فَهَذَا
مجازه وَمن الْجمع مَا يكون اسْما للْجمع، وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه،
فمجاز ذَلِك أَن يكون مؤنثا كالواحد الذى يعْنى بِهِ الشئ الْمُؤَنَّث،
إِلَّا مَا كَانَ لجَماعَة الْآدَمِيّين، وَذَلِكَ نَحْو: غنم، وإبل
فَإنَّك تَقول فى تصغيره: غنيمَة، وأبيلة؛ كَمَا تَقول فى تَصْغِير
دَار: دويرة، وتصغير هِنْد: هنيدة وَأما مَا كَانَ من الْآدَمِيّين من
ذَلِك فنحو: رَهْط وَنَفر وَقوم، لَا تَقول فى تَصْغِير شئ من ذَلِك
إِلَّا كَمَا تَقول فى تَصْغِير الْوَاحِد الْمُذكر: قويم، ورهيط،
ونفير فَإِن سميت بشئ من جَمِيع هَذَا الْمُؤَنَّث الذى لَيْسَ فِيهِ
عَلامَة تَأْنِيث، وَلَا مَانع مِمَّا ذكرت
(3/347)
رجلا - فَهُوَ مَصْرُوف فى الْمعرفَة
والنكرة، وَذَلِكَ نَحْو: عنوق: جمع عنَاق / وَكَذَلِكَ كل مَا كَانَ
جمعه لمؤنث أَو مُذَكّر، وَلم يمنعهُ من الصّرْف مَا يمْنَع الْوَاحِد
فَهُوَ مَصْرُوف إِذا سميت بِهِ مذكرا فَإِن قَالَ قَائِل: فَكيف
انْصَرف فى الْمعرفَة وَأَصله التَّأْنِيث؟ فَإِنَّمَا ذَلِك / لِأَن
تأنيثه لَيْسَ بحقيقى، إِنَّمَا قلت: هى الْجمال، وهى الرِّجَال على
معنى هى جمَاعه الرِّجَال، وَجَمَاعَة الْجمال أَلا ترى أَن
الْمُؤَنَّث والمذكر يخرجَانِ إِلَى اسْم وَاحِد، فَتَقول: هى أينق؛
كَمَا تَقول: هى الْجمال؛ فَإِنَّمَا تُرِيدُ بهَا جَمِيعًا: جمَاعَة
فَأَما الْوَاحِد فتأنيثه وتذكيره واقعان لَهُ والتأنيث، والتذكير فى
الْوَاحِد على ضَرْبَيْنِ: أَحدهمَا: حَقِيقَة، وَالْآخر: لفظ، فهما فى
ترك الصّرْف سَوَاء، لِأَن الصّرْف إِنَّمَا هُوَ للفظ، وليسا فى
الْإِخْبَار عَنْهُمَا سَوَاء فَأَما الحقيقى فَمَا كَانَ فى الرجل
وَالْمَرْأَة، وَجَمِيع الْحَيَوَان؛ لِأَنَّك لَو سميت رجلا طلحه
لخبرت عَنهُ كَمَا يخبر إِذا كَانَ اسْمه مذكرا وَلَو سميت امْرَأَة،
أَو غَيرهَا من إناث الْحَيَوَان باسم مُذَكّر لخبرت عَنْهَا كَمَا كنت
تخبر عَنْهَا وَاسْمهَا مؤنث وَذَلِكَ نَحْو امْرَأَة سميتها جعفرا
فَتَقول: جاءنى جَعْفَر؛ كَمَا تَقول: جاءنى حمدة، وَلَا يجوز أَن
تَقول: جاءنى؛ لِأَن التَّأْنِيث حَقِيقَة، / كَمَا لَا يجوز أَن
تَقول: جاءنى طَلْحَة وَأَنت تعنى رجلا
(3/348)
والتأنيث الثانى، والتذكير نَحْو قَوْلك:
يَوْم، وَلَيْلَة، وبلد، وَدَار ومنزل، فَلَيْسَ فى هَذَا أَكثر من
اللَّفْظ فَلَو قلت: قصر ليلتك، وَعمر دَارك لجَاز؛ لِأَن الدَّار
والمنزل شئ وَاحِد لَيْسَ فى الدَّار حَقِيقَة تصرفها عَن ذَلِك،
وَكَذَلِكَ الْبَلَد والبلدة، قَالَ الله عز وَجل: {فَمن جَاءَهُ موعظة
من ربه} وَقَالَ {وَأخذ الَّذين ظلمُوا الصَّيْحَة} وَقَالَ فى
تَأْنِيث الْجمع: {وَقَالَتْ نِسْوَةٌ فى المدِينَةِ} ؛ لِأَن
الْإِخْبَار لَيْسَ عَن وَاحِد فَإِن قَالَ: قَامَ جواريك صلح، وَلَو
قَالَ: قَامَ جاريتك لم يجز، وَكَذَلِكَ لَا يجوز: قَامَ مسلماتك،
وجاراتك وَلَكِن قَامَت؛ لِأَن هَذَا جمع حقيقى لَا يُغير الْوَاحِد
عَن بنائِهِ إِلَّا أَن يضْطَر شَاعِر كَمَا قَالَ:
(لقد ولد الأخيطل أم سوءٍ ... )
وَلَو قَالَ فى الشّعْر: قَامَ جاريتك لصلح، وَلَيْسَ بِحسن حَتَّى
تذكر بَينهمَا كلَاما، فَتَقول: قَامَ يَوْم كَذَا وَكَذَا جاريتك،
وَلَا يجوز / مثل هَذَا عندنَا فى الْكَلَام وَهَذَا الْجمع إِنَّمَا
هُوَ على حد التَّثْنِيَة فالألف وَالتَّاء فى الْمُؤَنَّث كالواو
وَالنُّون فى الْمُذكر
(3/349)
(هَذَا بَاب تَسْمِيَة الْمُؤَنَّث)
اعْلَم أَن كل أُنْثَى سميتها باسم على ثَلَاثَة أحرف فَمَا زَاد فَغير
مَصْرُوف، كَانَت فِيهِ عَلامَة التَّأْنِيث أَو لم تكن، مذكرا كَانَ
الِاسْم أَو مؤنثا، وَذَلِكَ نَحْو امْرَأَة سميتها قدما أَو قمرا أَو
فخذا أَو رجلا فَإِن سميتها بِثَلَاثَة أحرف أوسطها سَاكن، فَكَانَ
ذَلِك الِاسْم مؤنثا أَو مُسْتَعْملا للتأنيث خَاصَّة، فَإِن شِئْت
صرفته وَإِن شِئْت لم تصرفه إِذا لم يكن فى ذَلِك الِاسْم علم
التَّأْنِيث نَحْو: شَاة، فَإِن ذَلِك قد تقدم قَوْلنَا فِيهِ وَذَلِكَ
نَحْو امْرَأَة سميتها بشمس أَو قدم، فَهَذِهِ الْأَسْمَاء المؤنثة
وَأما المستعملة للتأنيث فنحو: جمل، ودعد، وَهِنْد فَأَنت فى جَمِيع
هَذَا بِالْخِيَارِ، وَترك الصّرْف أَقيس فَأَما من الصّرْف فَقَالَ:
رَأَيْت دعدا، ورأتنى هِنْد، فَيَقُول: خفت هَذِه الْأَسْمَاء؛
لِأَنَّهَا على أقل الْأُصُول، فَكَانَ / مَا فِيهَا من الخفة معادلا
ثقل التَّأْنِيث وَمن لم يصرف قَالَ: الْمَانِع من الصّرْف لما كثر
عدته؛ نَحْو: عقرب وعناق، مَوْجُود فِيمَا قل عدده؛ كَمَا كَانَ مَا
فِيهِ عَلامَة تَأْنِيث فى الْكثير الْعدَد والقليله سَوَاء
(3/350)
فَإِن سميت مؤنثا باسم على هَذَا الْمِثَال
أعجمى، فَإِنَّهُ لَا اخْتِلَاف فِيهِ أَنه لَا ينْصَرف [فى الْمعرفَة]
وَذَلِكَ نَحْو امْرَأَة سميتها بخش، أَو بدل، أَو يجاز؛ لِأَنَّهُ جمع
مَعَ التَّأْنِيث عجمة، فَاجْتمع فِيهِ مانعان فَإِن سميت مؤنثا بمذكر
على هَذَا الْوَزْن عَرَبِيّ فَإِن فِيهِ اخْتِلَافا فَأَما
سِيبَوَيْهٍ والخليل والأخفش والمازنى، فيرون أَن صرفه لَا يجوز؛
لِأَنَّهُ أخرج من بَابه إِلَى بَاب يثقل صرفه، فَكَانَ بمنزل المعدول
وَذَلِكَ نَحْو امْرَأَة سميتها زيد أَو عمرا ويحتجون بِأَن مصر غير
مصروفه فى الْقُرْآن؛ لِأَن اسْمهَا مُذَكّر عنيت بِهِ الْبَلدة
وَذَلِكَ قَوْله عز وَجل: {أَلَيْسَ لي ملك مصر} / فَأَما قَوْله عز
وَجل: {اهبطوا مصرا}
(3/351)
فَلَيْسَ بِحجَّة عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مصر
من الْأَمْصَار، وَلَيْسَ مصر بِعَينهَا هَكَذَا جَاءَ فى التَّفْسِير
- وَالله أعلم وَأما عِيسَى بن عمر، وَيُونُس بن حبيب، وَأَبُو عمر
الجرمى وَأَحْسبهُ قَول أَبى عَمْرو ابْن الْعلَا فَإِنَّهُم كَانُوا
إِذا سموا مؤنثا بمذكر على مَا ذكرنَا رَأَوْا صرفه جَائِزا،
وَيَقُولُونَ: نَحن نجيز صرف الْمُؤَنَّث إِذا سميناه بمؤنث على مَا
ذكرنَا وَإِنَّمَا أخرجناه من ثقل إِلَى ثقل، فالذى إِحْدَى حالتيه
حَال خفَّة أَحَق بِالصرْفِ؛ كَمَا أَنا لَو سمينا رجلا، أَو غَيره من
الْمُذكر باسم مؤنث على ثَلَاثَة أحرف لَيْسَ لَهُ مَانع لم يكن إِلَّا
الصّرْف وَذَلِكَ أَنَّك لَو سميت رجلا قدما أَو فخذا أَو عضدا، لم يكن
فِيهِ إِلَّا الصّرْف؛ لخفة التَّذْكِير وَكَذَلِكَ لَو سميته باسم
أعجمى على ثَلَاث أحرف متحركات جمع، أَو سَاكِنة الْحَرْف الْأَوْسَط
لَكَانَ مصروفا لَا يجوز إِلَّا ذَلِك؛ / لِأَن الثَّلَاثَة أقل
الْأُصُول، والتذكير أخف الْأَبْوَاب فَكل مُذَكّر بِثَلَاثَة أحرف
فمصروف إِلَّا أَن تكون فِيهِ هَاء التَّأْنِيث؛ نَحْو: شَاة، وثبة فقد
قُلْنَا فى الْهَاء، أَو تكون فِيهِ زِيَادَة فعل نَحْو: يعد، وَيَضَع،
أَو يكون من المعدول: كعمر، وَقثم، أَو يكون على مَا لَا تكون عَلَيْهِ
الْأَسْمَاء: نَحْو: ضرب، وَقتل، وَقد تقدم قَوْلنَا فى هَذَا
(3/352)
فَأَما مَا كَانَ من الْمُذكر الْمُسَمّى
باسم مؤنث على أَرْبَعَة أحرف فَصَاعِدا، أَو بأعجمى على هَذِه الْعدة
فَغير منصرف فى الْمعرفَة؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا انْصَرف فِيمَا
كَانَ من الْمُؤَنَّث على ثَلَاثَة أحرف مِمَّا ذكرت لَك؛ لِأَنَّهَا
الْغَايَة فى قلَّة الْعدَد، فَلَمَّا خرج عِنْد ذَلِك الْحَد مَنعه
ثقل الْمُؤَنَّث من الِانْصِرَاف والأعجمى الْمُذكر يجرى مجْرى العربى
الْمُؤَنَّث فى جَمِيع مَا صرف فِيهِ أَلا ترى أَن نوحًا ولوطا اسمان
أعجميان وهما مصرفان فى كتاب الله عز وَجل! فَأَما قَوْله عز وَجل:
{وعادا وَثَمُود وَأَصْحَاب الرس} وَقَوله: {أَلا إِن ثَمُود كفرُوا
رَبهم} {وَإِلَى ثَمُود أَخَاهُم صَالحا} فَإِن (ثَمُود) اسْم عربى،
وَإِنَّمَا هُوَ فعول من الثمد فَمن جعله
(3/353)
اسْما لأَب أوحى صرفه، وَمن جعله اسْما
لقبيلة أَو جمَاعَة لم يصرفهُ ومكانهم من الْعَرَب مَعْرُوف؛ فَلذَلِك
كَانَ لَهُم هَذَا الِاسْم وعَلى ذَلِك اسْم صَالح فَأَما الْأَسْمَاء
المشتقة غير الْمُغيرَة فهى تبين لَك عَن أَنْفسهَا وَاعْلَم أَن
الشَّاعِر إِذا اضْطر صرف مَالا ينْصَرف جَازَ لَهُ ذَلِك؛ لِأَنَّهُ
إِنَّمَا يرد الْأَسْمَاء إِلَى أُصُولهَا وَإِن اضْطر إِلَى ترك صرف
مَا ينْصَرف لم يجز لَهُ ذَلِك؛ وَذَلِكَ لِأَن الضَّرُورَة لَا تجوز
اللّحن، وَإِنَّمَا يجوز فِيهَا أَن ترد الشئ إِلَى مَا كَانَ لَهُ قبل
دُخُول الْعلَّة، نَحْو قَوْلك فى " راد " إِذا اضطررت إِلَيْهِ: هَذَا
رادد؛ لِأَنَّهُ فَاعل فى وزن ضَارب، فَلحقه الْإِدْغَام، كَمَا قَالَ:
(مهلا أعاذل قد جربت من خلقى ... أَنى أَجود لأقوام وَإِن ضننوا)
لِأَن (ضن) إِنَّمَا هُوَ ضنن، فَلحقه الْإِدْغَام وَذَلِكَ قَوْله:
(يشكو الوجى من أظلل وأظلل ... )
/ وعَلى هَذَا قَالَ الشَّاعِر:
(فلتأتينك قصائد وليركبن ... جَيش إِلَيْك قوادم الأكوار)
وَنَحْو ذَلِك أَلا ترى أَنه مَا كَانَ من ذَوَات الْيَاء فَإِن
الرّفْع والخفض لَا يدخلانه؛ نَحْو: هَذَا قَاض فَاعْلَم، ومررت بقاض،
فَلَمَّا احْتَاجَ إِلَيْهِ الشَّاعِر رده إِلَى أَصله فَقَالَ:
(لَا بَارك الله فى الغوانى هَل ... يصبحن إِلَّا لَهُنَّ مطلب)
وَقَالَ الشَّاعِر مثله:
(فيوما يجارين الْهوى غير ماضى ... وَيَوْما ترى مِنْهُنَّ غول تغول)
فعلى هَذَا إِجْرَاء مَالا يجرى لما وصفت لَك
(3/354)
(هَذَا بَاب تَسْمِيَة السُّور والبلدان)
أما قَوْلك: هَذِه هود، وَهَذِه نوح، فَأَنت مُخَيّر: إِن أردْت هَذِه
سُورَة نوح، وَهَذِه سُورَة هود، فحذفت سُورَة على مِثَال مَا حذف من
قَوْله عز وَجل: {واسأل الْقرْيَة} فمصروف تَقول: هَذِه هود، وَهَذِه
نوح وَإِن جعلت وَاحِدًا مِنْهُمَا / اسْما للسورة لم تصرفه فى قَول من
رأى أَلا يصرف زيدا إِذا كَانَ اسْما لامْرَأَة هَذَا فى هود خَاصَّة
وَأما نوح فَإِنَّهُ اسْم أعجمى لَا ينْصَرف إِذا كَانَ اسْما لمؤنث،
كَمَا ذكرت لَك قبل هَذَا فَأَما يُونُس، وَإِبْرَاهِيم فَغير مصروفين،
للسورة جعلتهما أَو للرجلين؛ للعجمة ويدلك على ذَلِك أَنَّك إِذا قلت:
هَذِه يُونُس أَنَّك تُرِيدُ: هَذِه سُورَة يُونُس، فحذفت؛ كَمَا
أَنَّك تَقول: هَذِه الرَّحْمَن وَأما (حَامِيم) فَإِنَّهُ اسْم أعجمى
لَا ينْصَرف، للسورة جعلته أَو للحرف؛ وَلَا يَقع مثله فى أَمْثِلَة
(3/355)
الْعَرَب لَا يكون اسْم على فاعيل
فَإِنَّمَا تَقْدِيره تَقْدِير: هابيل وَكَذَلِكَ طس وَيس فِيمَن
جَعلهمَا اسْما؛ كَمَا قَالَ لما جعله اسْما للسورة:
(يذكرنى حَامِيم وَالرمْح شَاجر ... فَهَلا تَلا حَامِيم قبل
التَّقَدُّم)
وَقَالَ الْكُمَيْت:
(وجدنَا لكم فى آل حَامِيم آيَة ... تأولها منا تقى ومعرب)
وَأما فواتح السُّور فعلى الْوَقْف؛ لِأَنَّهَا حُرُوف مقطعَة؛ فعلى /
هَذَا تَقول: (اآم ذَلِك) و (حم~ وَالْكتاب) ؛ لِأَن حق الْحُرُوف فى
التهجى التقطيع؛ كَمَا قَالَ:
(3/356)
(أَقبلت من عِنْد زِيَاد كالخرف ... تخط
رجلاى بِخَط مُخْتَلف)
(تكتبان فى الطَّرِيق لَام الف ... )
فَهَذَا مجَاز الْحُرُوف فَأَما (نون) فى قَوْلك: قَرَأت نونا يَا
فَتى، فَأَنت مُخَيّر: إِن أردْت سُورَة نون، وَجَعَلته اسْما للسورة -
جَازَ فِيهِ الصّرْف فِيمَن صرف هندا، وَتَدَع ذَلِك فى قَول من لم
يصرفهَا وَكَذَلِكَ صَاد، وقاف وَهَذِه الْأَسْمَاء الَّتِى على
ثَلَاثَة أحرف أوسطها سَاكن إِنَّمَا هى بِمَنْزِلَة امْرَأَة سميتها
دَارا فَأَما الْبِلَاد فَإِنَّمَا تأنيثها على أسمائها، وتذكيرها على
ذَلِك؛ تَقول: هَذَا بلد، وهى بَلْدَة، وَلَيْسَ بتأنيث الْحَقِيقَة،
وتذكيره كَالرّجلِ وَالْمَرْأَة فَكل مَا عنيت بِهِ من هَذَا بَلَدا،
وَلم يمنعهُ من الصّرْف مَا يمْنَع الرجل فاصرفه وكل مَا عنيت بِهِ من
هَذَا بَلْدَة مَنعه من الصّرْف مَا يمْنَع الْمَرْأَة، وَصَرفه مَا
يصرف اسْم الْمُؤَنَّث على أَن مِنْهَا مَا يغلب عَلَيْهِ أحد المذهبين
/ وَالْوَجْه الآخر فِيهِ جَائِز، وَالْأَصْل مَا ذكرت لَك وَذَلِكَ
نَحْو: فلج، وَحجر، وقباء، وحراء
(3/357)
فَأَما الْمَدِينَة، وَالْبَصْرَة،
والكوفة، وَمَكَّة - فحرف التَّأْنِيث يمْنَعهَا وَأما بَغْدَاد
وَنَحْوهَا، فالعجمه تمنعها وعمان، ودمشق فالأكثر فيهمَا التَّأْنِيث؛
يُرَاد البلدتان والتذكير جَازَ، يُرَاد: الْبلدَانِ كَمَا أَن واسطا
الْأَغْلَب عَلَيْهِ التَّذْكِير؛ لِأَنَّهُ اسْم مَكَان وسط
الْبَصْرَة والكوفة، فَإِنَّمَا هُوَ نعت سمى بِهِ وَمن أَرَادَ
الْبَلدة لم يصرفهَا؛ وَجعلهَا كامرأة سميت ضَارِبًا
(3/358)
أَلا ترى أَنه لما جعل حراء اسْما لبقعة لم
يصرفهُ وَقَالَ:
(ستعلم أَيّنَا خير قَدِيما ... وأعظمنا بِبَطن حراء نَار)
فَأصل هَذَا مَا تقصد بِهِ إِلَيْهِ أَلا ترى أَنه يَقُول:
(من كَانَ ذَا شكّ فَهَذَا فلج ... مَاء رواء، وَطَرِيق نهج)
فَقَالَ: فَهَذَا، وَلم يقل: فَهَذِهِ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بَلَدا
(3/359)
(هَذَا بَاب أَسمَاء الْأَحْيَاء والقبائل)
/ فمجاز هَذَا مجَاز مَا ذكرنَا قبل فى الْبلدَانِ تَقول: هَذِه
تَمِيم، وَهَذِه أَسد، إِذا أردْت هَذِه قَبيلَة تَمِيم، أَو جمَاعَة
تَمِيم، فتصرف؛ لِأَنَّك تقصد قصد تَمِيم نَفسه وَكَذَلِكَ لَو قلت:
أَنا أحب تميما، أَو أَنْت تهجو أسدا إِذا أردْت مَا ذكرنَا، أَو جعلت
كل وَاحِد مِنْهُمَا اسْما للحى فَإِن جعلت شيا من ذَلِك اسْما للقبيلة
لم تصرفه على مَا ذكرنَا قبل تَقول: هَذِه تَمِيم فَاعْلَم، وَهَذِه
عَامر قد أَقبلت وعَلى هَذَا تَقول: هَذِه تَمِيم بنة مر، وَإِنَّمَا
تُرِيدُ الْقَبِيلَة، كَمَا قَالَ:
(لَوْلَا فوارس تغلب بنة وَائِل ... نزل الْعَدو عَلَيْك كل مَكَان)
(3/360)
وكما قَالَ الله عز وَجل: {كذبت قوم نوح
الْمُرْسلين} ؛ لِأَن الْمَعْنى: الْجَمَاعَة، وعَلى هَذَا (كذبت عَاد)
و (كذَّبَتْ ثَمُودُ بالنُّذُرِ} ؛ لِأَنَّهُ عَنى الْقَبِيلَة
وَالْجَمَاعَة فَأَما مَا كَانَ من هَذَا اسْما لَا يَقع عَلَيْهِ بَنو
كَذَا، فَإِن التَّذْكِير فِيهِ على وَجْهَيْن: على أَن تقصد قصد الحى،
أَو تعمد للْأَب الذى سمى بِهِ / الْقَبِيل، وَذَلِكَ نَحْو: قُرَيْش،
وَثَقِيف تَقول: جَاءَ قُرَيْش يَا فَتى، إِنَّمَا تُرِيدُ: حى
قُرَيْش، وَجَمَاعَة قُرَيْش فهى بِمَنْزِلَة مَا قبلهَا إِلَّا فِيمَا
ذكرنَا من أَنَّك لَا تَقول: بَنو قُرَيْش؛ كَمَا تَقول: بَنو تَمِيم؛
لِأَنَّهُ اسْم للْجَمَاعَة وَإِن كَانُوا إِنَّمَا سموا بذلك لرجل
مِنْهُم وَقد اخْتلف النَّاس فى هَذِه التَّسْمِيَة لأى معنى وَقعت؟
إِلَّا أَن الثبت عندنَا أَنَّهَا إِنَّمَا وَقعت لقصى بن كلاب
وَلذَلِك قَالَ اللهبى:
(3/361)
(وبنا سميت قُرَيْش قُريْشًا ... )
وَثَقِيف كَذَلِك إِنَّمَا هُوَ تلقيب الْقَبِيلَة أَو الحى،
الْمَقْصُود فى ذَلِك أَبوهَا قسى بن منسبه ابْن بكر بن هوَازن وَمن
جعل هَذِه الْأَسْمَاء وَاقعَة على قبائل أَو جماعات، لم يصرفهُ، كَمَا
قَالَ:
(غلب المساميح الْوَلِيد سماحة ... وَكفى قُرَيْش المعضلات وسادها)
وَجعله اسْما للقبيلة؛ كَمَا قَالَ الْأَعْشَى:
(3/362)
(ولسنا إِذا عد الْحَصَى بأقله ... وَإِن
معد الْيَوْم مود ذليلها)
جعل (معد) اسْما للقبيلة يدلك على ذَلِك قَوْله: / مود ذليلها على أَنه
قد يجوز أَن يَقُول (مود ذليلها) - لَو أَرَادَ أَبَا الْقَبِيلَة
لِأَنَّهُ يُرِيد: جمَاعَة معد، وَلَكِن ترك الصّرْف قد أعلمك أَنه
يُرِيد الْقَبِيلَة، وَأَن ذليلها على ذَلِك جَاءَ فَإِذا قلت: ولد
كلاب كَذَا، وَولد تَمِيم كَذَا - فالتذكير وَالصرْف لَا غير؛ لِأَنَّك
الْآن إِنَّمَا تقصد الْآبَاء وَأما قَوْله:
(3/363)
بَكَى الْخَزّ من عَوْف وَأنكر جلده ...
وعجت عجيجا من جذام المطارف)
فَإِنَّهُ جعله اسْما للقبيلة وَأما قَوْلك: هَذِه رقاش يَا فَتى على
مَذْهَب بنى تَمِيم، وَهَذِه رقاش فى قَول أهل الْحجاز، فَلهَذَا
مَوضِع سنبينه فى عقب هَذَا الْبَاب إِن شَاءَ الله ورقاش امْرَأَة،
وَأَبُو الْقَبِيل عَمْرو بن شَيبَان بن ذهل بن ثَعْلَبَة وَكَذَلِكَ
سلول، وسدوس فَلَيْسَ من هَذَا مصروفا إِلَّا فى النكرَة، وَإِنَّمَا
ذَلِك بِمَنْزِلَة باهلة، وخندف وَإِن كَانَ فى باهلة عَلامَة
التَّأْنِيث
(3/364)
(هَذَا بَاب تَسْمِيَة الرِّجَال /
وَالنِّسَاء بأسماء السُّور والأحياء والبلدان)
اعْلَم أَنَّك إِذا سميت رجلا باسم شئ من ذَلِك على ثَلَاث أحرف لَيْسَ
فِيهِ مَانع مِمَّا قدمنَا ذكره فَهُوَ مَصْرُوف وَإِن وَقع فى الأَصْل
مؤنثا، كَمَا ذكرت لَك فى رجل يُسمى هندا أَو مقدما أَو فخذا فَإِن سمى
بش على أَرْبَعَة أحرف أَو أَكثر، وَكَانَ عَرَبيا مذكرا، فَهُوَ
مَصْرُوف وَإِن كَانَ أعجميا أَو مؤنثا لم ينْصَرف وَذَلِكَ قَوْلك فى
رجل يُسمى حَامِيم: هَذَا حَامِيم مُقبلا؛ لِأَنَّهُ أعجمى على مَا
وصفت لَك فَإِن سميته صَالحا أَو شعيبا، وَذَلِكَ الِاسْم اسْم لسورة -
انْصَرف؛ لِأَنَّهُ فى الأَصْل مُذَكّر، وَإِن علقته على مؤنث
فَإِنَّمَا ذَلِك بِمَنْزِلَة غزال وسحاب، سميت بِوَاحِد مِنْهُمَا
امْرَأَة، ثمَّ سميت بذلك الِاسْم رجلا فَإِنَّمَا ترده إِلَى أَصله
وَإِنَّمَا ذكرنَا أَن هندا ودعدا وجملا أَسمَاء مُؤَنّثَة؛ لِأَنَّهَا
وَقعت مُشْتَقَّة للتأنيث، فَكَانَت بِمَنْزِلَة مَا أَصله التَّأْنِيث
/ إِذْ كَانَ الْمُؤَنَّث الْمُخْتَص بهَا وَمن ثمَّ لَا يصرف عِنْد
أَكثر النَّحْوِيين (أَسمَاء) بن خَارِجَة؛ لِأَن (أَسمَاء) قد اخْتصَّ
بِهِ النِّسَاء حَتَّى كَأَن لم يكن جمعا قطّ، والأجود فِيهِ الصّرْف
وَإِن ترك إِلَى حَالَته الَّتِى كَانَ فِيهَا
(3/365)
جمعا للاسم، وعَلى ذَلِك صرف هَؤُلَاءِ
النَّحْوِيين ذِرَاعا اسْم رجل؛ لِكَثْرَة تَسْمِيَته الرِّجَال بِهِ،
وَأَنه وصف للمذكر فى قَوْلك: هَذَا حَائِط ذِرَاع، والأجود أَلا يصرف
اسْم رجل؛ لِأَن الذِّرَاع فى الأَصْل مُؤَنّثَة فَإِن سميت السُّورَة
أَو الرجل أَو غير ذَلِك بِفعل، أجريته مجْرى الْأَسْمَاء، وَذَلِكَ
أَنَّك تَقول إِذا أضفت إِلَى (اقْتَرَبت السَّاعَة وَانْشَقَّ
الْقَمَر) : قَرَأت سُورَة إقتربه؛ لِأَنَّك إِذا سميت بِفعل فِيهِ
تَاء تَأْنِيث صَارَت فى الْوَقْف هَاء؛ لِأَنَّك نقلته إِلَى اسْم،
فَصَارَ آخِره كآخر حمدة؛ لِأَنَّهُ فى الأَصْل مدرج بِالتَّاءِ،
وَالتَّاء عَلامَة التَّأْنِيث، وَإِنَّمَا تبدل مِنْهَا فى الْوَقْف
هَاء، وتقطع ألف الْوَصْل؛ / كَمَا أَنَّك لَو سميت رجلا بِقَوْلِك:
(اضْرِب) فِي الْأَمر قطعت الْألف حَتَّى تصير كألفات الْأَسْمَاء
فَتَقول: هَذَا إضرب قد جَاءَ، فتصيره بِمَنْزِلَة إثمد فعلى هَذَا
قلت: هَذِه سُورَة إقتربه فَإِن وصلت قلت: هَذِه سُورَة اقْتَرَبت
السَّاعَة؛ لِأَنَّهَا الْآن فعل رفعت بهَا
(3/366)
السَّاعَة، وَسميت بهما جَمِيعًا؛ كَمَا
أَنَّك لَو سميت رجلا: قَامَ زيد لَقلت: هَذَا قَامَ زيد؛ لِأَنَّك
سميت بِفعل وفاعل وَلِهَذَا مَوضِع نذكرهُ فِيهِ على حِدته إِن شَاءَ
الله
(3/367)
(هَذَا بَاب مَا كَانَ من الْأَسْمَاء
المعدولة على (فعال))
اعْلَم أَن الْأَسْمَاء [الَّتِى] تكون على هَذَا الْوَزْن على خَمْسَة
أضْرب: فَأَرْبَعَة مِنْهَا معدول، وَضرب على وجهة فَذَلِك الضَّرْب
هُوَ مَا كَانَ مذكرا، أَو مؤنثا غير مُشْتَقّ، وَيجمع ذَلِك أَن تكون
مِمَّا أَصله النكرَة فَأَما الْمُذكر فنحو قَوْلك: ربَاب، وسحاب،
وجمال وَأما الْمُؤَنَّث / فنحو قَوْلك: عنَاق، وأتان، وصناع فَمَا
كَانَ من هَذَا مذكرا فمصروف إِذا سميت بِهِ رجلا، أَو غَيره من
الْمُذكر وَمَا كَانَ مِنْهُ مؤنثا فَغير مَصْرُوف فى الْمعرفَة،
ومصروف فى النكرَة، لمذكر كَانَ أَو لمؤنث وَأما مَا كَانَ معدولا
فمجراه وَاحِد فى الْعدْل وَإِن اخْتلفت أَنْوَاعه فَمن ذَلِك مَا يَقع
فى معنى الْفِعْل نَحْو قَوْلك: حذار يَا فَتى، ونظار يَا فَتى،
وَمَعْنَاهُ: احذر، وَانْظُر فَهَذَا نوع وَمِنْه مَا يَقع فِي مَوضِع
الْمصدر نَحْو قَوْلك: الْخَيل تعدو بداد يَا فَتى وَمَعْنَاهُ: بددا
وَمثله: لَا مساس يَا فَتى، أى: لَا مماسة فَهَذَا نوع ثَان وَتَكون
صفه غالبة حَالَة مَحل الِاسْم؛ كتسميتهم الْمنية حلاق يَا فَتى
فَهَذَا نوع ثَالِث وَالنَّوْع الرَّابِع مَا كَانَ معدولا للنِّسَاء؛
نَحْو: حذام وقطام، إِلَّا أَن جملَة هَذَا أَنه لَا يكون شَيْء من
هَذِه الْأَنْوَاع الْأَرْبَعَة إِلَّا مُؤَنّثَة معرفَة فَأَما مَا لم
يكن كَذَلِك فَغير دَاخل فى هَذَا الْبَاب وَنحن بادئون فى تَفْسِيره /
نوعا نوعا أما مَا كَانَ فى معنى الْأَمر فَإِنَّمَا كَانَ حَقه أَن
يكون مَوْقُوفا؛ لِأَنَّهُ معدول عَن مصدر فعل مَوْقُوف مَوْضُوع فى
موسعه، فَإِنَّمَا مجازه مجَاز المصادر، إِلَّا أَنَّهَا المصادر
الَّتِى يُؤمر بهَا؛ نَحْو:
(3/368)
ضربا زيدا؛ كَمَا قَالَ الله عز وَجل:
{فَإِذا لَقِيتُم الَّذين كفرُوا فَضرب الرّقاب} إِلَّا أَن الْمصدر
مُقَدّر مؤنثا علما لهَذَا الْمَعْنى: وَذَلِكَ نَحْو قَوْله:
(تراكها من إبل تراكها)
إِنَّمَا الْمَعْنى: أتركها إِلَّا أَنه اسْم مؤنث مَوْقُوف الآخر محرك
بِالْكَسْرِ، لالتقاء الساكنين؛ وحركته الْكسر لما أذكرهُ لَك إِن
شَاءَ الله، وَمن ذَلِك قَوْله:
(3/369)
(مناعها من إبل مناعها ... أَلا ترى
الْمَوْت لَدَى أرباعها)
وَقَالَ آخر:
(حذار من أرماحنا حذار ... )
وَقَالَ آخر:
(نظاركى أركبه نظار ... )
ويدلك على تأنيثه قَول زُهَيْر:
(ولنعم حَشْو الدرْع أَنْت إِذا ... دعيت نزال ولج فى الذعر)
(3/370)
/ فَقَالَ: دعيت وَقَالَ زيد الْخَيل:
(وَقد علمت سَلامَة أَن سيفى ... كريه كلما دعيت نزال)
وَأما مَا كَانَ اسْما لمصدر غير مَأْمُور بِهِ فنحو قَوْله:
(وَذكرت من لبت المحلق شربة ... وَالْخَيْل تعدو بالصعيد بداد)
وَقَرَأَ الْقُرَّاء: (فَإِن لَك فى الْحَيَاة أَن تَقول لَا مساس
(3/371)
فَإِن قَالَ قَائِل: مَا بالنا لَا نحد
أَكثر المصادر إِلَّا مذكرا وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ معدول عَمَّا لَا
نجد التَّأْنِيث فى لَفظه قيل لَهُ: قد وجدْتُم فى المصادر مؤنثا
كثيرا، كَقَوْلِك: أردْت إِرَادَة، واستخرت استخار؛ وقاتلت مقاتلة وكل
مصدر تُرِيدُ بِهِ الْمرة الْوَاحِد فَلَا بُد من دُخُول الْهَاء
فِيهِ، نَحْو: جَلَست جلْسَة وَاحِد وَركبت ركبة، وَإِنَّمَا هَذَا
معدول عَن مصدر مؤنث كنحو مَا ذكرت لَك وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن
الْمُذكر من المصادر، وَغَيرهَا الذى هُوَ على هَذَا الْوَزْن مَصْرُوف
متصرف؛ نَحْو: ذهبت ذَهَابًا، ولقيته لِقَاء / وَأَنه لما أَرَادَ
المكسور قَالَ: دعيت نزال وَأما مَا كَانَ نعتا غَالِبا فَمِنْهُ
قَوْله:
(لحقت حلاق بهم على أكسائهم ... ضرب الرّقاب، وَلَا يهم الْمغنم)
يُرِيد: الْمنية؛ كَمَا قَالَ مهلهل:
(3/372)
(مَا أَرْجَى الْعَيْش بعد ندام ... كلهم
قد سقوا بكأس حلاق)
وَإِنَّمَا هَذَا نعت غَالب نَظِير قَوْله:
(ونابغة الجعدى بالرمل بَيته ... عَلَيْهِ صفيح من تُرَاب منضد)
وَإِنَّمَا النَّابِغَة نعت فى الأَصْل، وَلكنه غلب حَتَّى صَار اسْما
وَأما مَا كَانَ اسْما علما نَحْو: حذام، وقطام، ورقاش - فَإِن
الْعَرَب تخْتَلف فِيهِ: فَأَما أهل الْحجاز فيجرونه مجْرى مَا ذكرنَا
قبل؛ لِأَنَّهُ مؤنث معدول وَإِنَّمَا أَصله حاذمة، وراقشه، وقاطمة
ففعال فى الْمُؤَنَّث نَظِير (فعل) فى الْمُذكر
(3/373)
أَلا ترى أَنَّك تَقول للرجل: يَا فسق يَا
لكع، وللمرأة: يَا فساق يَا لكاع فَلَمَّا كَانَ الْمُذكر معدولا
عَمَّا ينْصَرف عدل إِلَى مَا لَا ينْصَرف وَلما كَانَ الْمُؤَنَّث
معدولا / عَمَّا لَا ينْصَرف عدل إِلَى لَا يعرب؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بعد
مَا لَا ينْصَرف إِذْ كَانَ نَاقِصا مِنْهُ التَّنْوِين إِلَّا مَا
ينْزع مِنْهُ الْإِعْرَاب؛ لِأَن الْحَرَكَة والتنوين حق الْأَسْمَاء،
فَإِذا أذهب الْعدْل التَّنْوِين لعِلَّة أذهب الْحَرَكَة لعلتين
واختير لَهُ الْكسر؛ لِأَنَّهُ كَانَ معدولا عَمَّا فِيهِ علام
التَّأْنِيث، فَعدل إِلَى مَا فِيهِ تِلْكَ الْعَلامَة؛ لِأَن الْكسر
من عَلَامَات التَّأْنِيث أَلا ترى أَنَّك تَقول للمؤنث: إِنَّك فاعلة،
وَأَنت فعلت، وَأَنت تفعلين؛ لِأَن الكسرة من نوع الْيَاء؛ فَلذَلِك
ألزمته الكسرة فَإِن نكرت شيا من هَذَا أعربته وصرفته فَقلت رَأَيْت
قطام وقطاما أُخْرَى وَلَو سميت بِهِ مذكرا أعربته وَلم تصرفه؛
لِأَنَّك لَا تصرف الْمُذكر إِذا سميته بمؤنث على أَرْبَعَة فَصَاعِدا
فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَة رجل سميته عقربا، وعناقا تَقول: هَذَا
حذام قد جَاءَ، وقطام يَا فَتى، وَهَذَا حذام آخر وَإِنَّمَا فعلت
ذَلِك؛ لِأَنَّهُ لم يلْزم الْكسر للتأنيث، وَلَو كَانَ للتأنيث
لَكَانَ هَذَا فى عقرب وعناق، وَلكنه للمعنى، فَإِذا نقلته إِلَى
الْمُذكر زَالَ الْمَانِع مِنْهُ، / وَجرى مجْرى مؤنث سميت بِهِ مذكرا
مِمَّا لم يعدل
(3/374)
وَأما بَنو تَمِيم فَلَا يكسرون اسْم
امْرَأَة، وَلَكنهُمْ يجرونه مجْرى غَيره من الْمُؤَنَّث؛ لأَنهم لَا
يذهبون بِهِ إِلَى الْعدْل، وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنهم إِذا أَرَادوا
الْعدْل قَالُوا: يَا فساق أقبلى وَيَا خباث أقبلى، لِأَن هَذَا لَا
يكون إِلَّا معدولا وَمَا كَانَ فى آخِره رَاء من هَذَا الْبَاب فَإِن
بنى تَمِيم يتبعُون فِيهِ لُغَة أهل الْحجاز، وَذَلِكَ أَنهم
يُرِيدُونَ إجناح الْألف، وَلَا يكون ذَلِك إِلَّا وَالرَّاء
مَكْسُورَة وَهَذَا مُبين فى بَاب الإمالة فَتَقول للضبع: هَذِه جعار
فَاعْلَم وَإِنَّمَا جعار نعت غَالب، فَصَارَ اسْما للضبع فَمن ذَلِك
قَوْله:
(فَقلت لَهَا عيثى جعار وجرر ... بِلَحْم امْرِئ لم يشْهد الْيَوْم
ناصره)
(3/375)
وَمِنْهُم من يجرى الرَّاء مجْرى غَيرهَا،
ويمضى على قِيَاسه الأول فَمن ذَلِك قَوْله:
(وَمر دهر على وبار ... فَهَلَكت عنْوَة وبار)
والقوافى مَرْفُوعَة وَمن المعدول: أخر، وسحر، وعدلهما / مُخْتَلف
فَأَما (أخر) فلولا الْعدْل انصرفت؛ لِأَنَّهَا جمع أُخْرَى فَإِنَّمَا
هى بِمَنْزِلَة الظُّلم، والنقب، والحفر، وَمثلهَا مِمَّا هُوَ على
وَزنهَا: الْكُبْرَى وَالْكبر، وَالصُّغْرَى والصغر فباب فعلى فى
الْجمع كباب فعلة نَحْو: الظُّلم وَالظُّلم، والغرفة والغرف وَإِنَّمَا
اسْتَويَا فى الْجمع؛ لِاسْتِوَاء الْوَزْن، وَأَن آخر كل وَاحِد
مِنْهُمَا عَلامَة التَّأْنِيث، فَإِنَّمَا عدلت أخر عَن الْألف
وَاللَّام من حَيْثُ أذكرهُ لَك:
(3/376)
وَذَلِكَ أَن (أفعل) الذى مَعَه من كَذَا
وَكَذَا، لَا يكون إِلَّا مَوْصُولا بِمن، أَو تلْحقهُ الْألف
وَاللَّام؛ نَحْو قَوْلك: هَذَا أفضل مِنْك، وَهَذَا الْأَفْضَل،
وَهَذِه الفضلى، وَهَذِه الأولى، وَهَذِه الْكُبْرَى فتأنيث الأفعل
الفعلى من هَذَا الْبَاب، فَكَانَ حد (آخر) أَن يكون مَعَه (من) نَحْو
قَوْلك جاءنى زيد وَرجل آخر وَإِنَّمَا كَانَ أَصله آخر مِنْهُ؛ كَمَا
تَقول: أكبر مِنْهُ، وأصغر مِنْهُ فَلَمَّا كَانَ لفظ آخر يغنى عَن
(من) لما فِيهِ من الْبَيَان أَنه رجل مَعَه كَذَلِك: ضربت رجلا آخر،
قد بيّنت أَنه لَيْسَ بِالْأولِ اسْتغْنَاء عَن (من) بِمَعْنَاهُ /
فَكَانَ معدولا عَن الْألف وَاللَّام خَارِجا عَن بَابه، فَكَانَ مؤنثه
كَذَلِك فَقلت: جاتنى امْرَأَة أُخْرَى، وَلَا يجوز جاءتنى امْرَأَة
صغرى وَلَا كبرى، إِلَّا أَن يَقُول: الصُّغْرَى أَو الْكُبْرَى، أَو
تَقول: أَصْغَر مِنْك أَو أكبر، فَلَمَّا جمعناها فَقُلْنَا (أخر)
كَانَت معدولة عَن الْألف وَاللَّام؛ فَذَلِك الذى منعهَا الصّرْف
قَالَ الله عز وَجل: {وَأخر متشابهات} وَقَالَ: {فَعِدَّةٌ مِن أُخَرَ}
فَإِن سميت بِهِ رجلا فهى منصرفة فى قَول الْأَخْفَش وَمن قَالَ بِهِ
لِأَنَّهُ يصرف أَحْمَر إِذا كَانَ نكرَة اسْم رجل؛ لِأَنَّهُ قد زَالَ
عَنهُ الْوَصْف، وَكَذَلِكَ هَذَا قد زَالَ عَنهُ الْعدْل، وَصَارَ
بِمَنْزِلَة أَصْغَر لَو يُسمى بِهِ رجلا وسيبويه يرى أَنه على عدله
وَلكُل مَذْهَب قوى يطول الْكَلَام بشرحه، وَفِيمَا ذكرنَا كِفَايَة
إِن شَاءَ الله
(3/377)
فَأَما (سحر) فَإِنَّهُ معدول - إِذا أردْت
بِهِ يَوْمك - عَن الْألف وَاللَّام؛ فَإِن أردْت سحرًا من الأسحار
صرفته لِأَنَّهُ [غير] معدول أَلا ترى أَنَّك تَقول: جاءنى زيد لَيْلَة
سحرًا، وَقمت مرّة سحرًا، وكل سحر طيب، فَهَذَا منصرف / فَتَقول إِذا
أردْت تَعْرِيفه: هَذَا السحر خير لَك من أول اللَّيْل، وجئتك فى
أَعلَى السحر وعَلى هَذَا قَوْله عز وَجل: {إِلَّا آل لوط نجيناهم
بِسحر} فَأَما فى يَوْمك فَإِنَّهُ غلب عَلَيْهِ التَّعْرِيف بِغَيْر
إِضَافَة؛ كَمَا غلب ابْن الزبير على وَاحِد من بنيه، وكما غلب
الْوَصْف فى قَوْلك: النَّابِغَة فَصَارَ كالاسم اللَّازِم، فَلَمَّا
كَانَ ذَلِك امْتنع من الصّرْف كَمَا امْتنع أخر فَقلت سير عَلَيْهِ
سحر يَا فَتى وَلم يكن مُتَمَكنًا فترفعه، وتجربه مجْرى الْأَسْمَاء؛
كَمَا تَقول: سير عَلَيْهِ يَوْم الْجُمُعَة وسير عَلَيْهِ يَوْمَانِ
فَامْتنعَ من التَّصَرُّف؛ كَمَا امْتنع من الصّرْف فَإِن عنيت الذى
هُوَ نكرَة صرفته وصرفته وَإِن صغرت هَذَا الذى هُوَ معرفَة صرفته؛
لِأَن فعيلا لَا يكون معدولا، وَصَارَ كتصغير عمر؛ لِأَنَّهُ قد خرج من
بَاب الْعدْل، وَلَكِنَّك لَا تصرفه فى الرّفْع، فَتَقول: سير عَلَيْهِ
سحير يَا فَتى إِذا عنيت الْمعرفَة وَلم ينْصَرف إِذا كَانَ مكبرا
معدولا
(3/378)
فَإِن سميت بِهِ رجلا فَلَا / اخْتِلَاف فى
صرفه فَيُقَال لسيبوبه: مَا بالك صرفت هَذَا اسْم رجل، وَلم تفعل مثل
ذَلِك فى بَاب أخر؟ فَمن حجَّة من يحْتَج عَنهُ أَن يَقُول: إِن أخر
على وزن المعدول، وَعدل فى بَاب النكرَة، فَلَمَّا امْتنع فى النكرَة
كَانَ فى الْمعرفَة أولى وَأما أَنا فَلَا أرى الْأَمر فيهمَا إِلَّا
وَاحِدًا، ينصرفان جَمِيعًا إِذا كَانَا لمذكر، وَترجع أخر إِذا فَارقه
الْعدْل إِلَى بَاب صرد ونغر فَأَما غدو فَلَيْسَتْ من هَذَا الْبَاب؛
لِأَنَّهَا بنيت اسْما للْوَقْت علما على خلاف بنائها وهى نكرَة تَقول:
هَذِه غَدَاة طيبَة، وجئتك غَدَاة يَوْم الْأَحَد فَإِذا أردْت
الْوَقْت بِعَيْنِه قلت: جئْتُك الْيَوْم غدْوَة يَا فَتى، فهى ترفع
وتنصب، وَلَا تصرف لِأَنَّهَا معرفَة
(3/379)
فَأَما (بكرَة) فَفِيهَا قَولَانِ: قَالَ
قوم: نصرفها؛ لأَنا إِذا أردنَا بهَا يَوْمًا بِعَيْنِه فهى نكرَة؛
لِأَن لَفظهَا فى هَذَا الْيَوْم وفى غَيره وَاحِد وَقَالَ قوم: لَا
نصرفها؛ لِأَنَّهَا فى معنى غدْوَة؛ كَمَا أَنَّك تجرى كلهم مجْرى
أَجْمَعِينَ فتجربه على الْمُضمر وَإِن كَانَ (كلهم) قد يكون اسْما
وَإِن لم يكن جيدا نَحْو قَوْلك: رَأَيْت كلهم، / ومررت بكلهم وَلَكِن
لما أشبهتها فى الْعُمُوم، وأجريت مجْراهَا على الْمُضمر، فَقلت: إِن
قَوْمك فِي الدَّار كلهم، كَمَا تَقول: أَجْمَعُونَ: وكما فتحت " يذر "
وَلَيْسَ فِيهَا حرف من حُرُوف الْحلق؛ لِأَنَّهَا فى معنى يدع وكلا
الْقَوْلَيْنِ مَذْهَب، وَالْقَائِل فِيهَا مُخَيّر، أعنى فى جعل بكرَة
إِذا أردْت يَوْمك - نكرَة إِن شِئْت، وَمَعْرِفَة إِن شِئْت وَمن
المعدول قَوْلهم: مثنى، وَثَلَاث، وَربَاع، وَكَذَلِكَ مَا بعده وَإِن
شت جعلت مَكَان مثنى ثَنَاء يَا فَتى حَتَّى يكون على وزن رباع
وَثَلَاث وَكَذَلِكَ
(3/380)
أحاد، وَإِن شِئْت قلت: موحد؛ كَمَا قلت
مثنى قَالَ الله عز وَجل: {أولي أَجْنِحَة مثنى وَثَلَاث وَربَاع}
وَقَالَ عز وَجل: {فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث
وَربَاع} وَقَالَ الشَّاعِر:
(منت لَك أَن تلاقينى المنايا ... أحاد أحاد فى شهر حَلَال)
وَقَالَ الآخر:
(ولكنما أهلى بواد أنيسه ... ذئاب تبغى النَّاس مثنى وموحد)
/ وَتَأْويل الْعدْل فى هَذَا: أَنه أَرَادَ وَاحِدًا وَاحِدًا، واثنين
اثْنَيْنِ أَلا ترَاهُ يَقُول: (أولى أَجْنِحَة مثنى وَثَلَاث وَربَاع)
وَالْعدْل يُوجب التكثير؛ كَمَا أَن يَا فسق مُبَالغَة فى قَوْلك: يَا
فَاسق وَكَذَلِكَ يَا لكع، وَيَا لكاع
(3/381)
وَأما قَوْلهم: الثُّلَاثَاء
وَالْأَرْبِعَاء يُرِيدُونَ: الثَّالِث وَالرَّابِع فَلَيْسَ بمعدول؛
لِأَن الْمَعْنى وَاحِد، وَلَيْسَ فِيهِ تَكْثِير، وَلكنه مُشْتَقّ
بِمَعْنى الْيَوْم كالعديل وَالْعدْل والعديل: مَا كَانَ من النَّاس،
وَالْعدْل: مَا كَانَ من غير ذَلِك، وَالْمعْنَى فى المعادلة سَوَاء
أَلا ترى أَن الْخَمِيس مَصْرُوف فهذان دليلان، وَكَذَلِكَ لُزُوم
الْألف وَاللَّام لهَذِهِ الْأَيَّام؛ كَمَا يلْزم النَّجْم، والدبران؛
لِأَنَّهُمَا معرفَة وَقد أبان ذَلِك الْأَحَد والاثنان؛ لِأَنَّهُ على
وَجهه وَقد فسرت لَك بَاب الْعدْل لتتناول الْقيَاس من قرب، وتميز بعضه
من بعض إِن شَاءَ الله وَنَظِير الْعدْل والعديل قَوْلهم: امْرَأَة
ثقال، ورزان وَتقول لما ثقل / وَزنه: ثقيل، ورزين إِنَّمَا تُرِيدُ فى
الْمَرْأَة أَنَّهَا متوقرة لَازِمَة لموضعها؛ فعلى هَذَا بِنَاؤُه إِن
شَاءَ الله
(3/382)
(هَذَا بَاب الْأَمْثِلَة الَّتِى يمثل
بهَا أوزان الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال)
تَقول: كل (أفعل) فى الْكَلَام يكون نعتا فَغير مَصْرُوف، وَإِن كَانَ
اسْما انْصَرف فَإِن قَالَ قَائِل: لم قلت، كل (أفعل) يكون وَصفا لَا
ينْصَرف، وَأَنت قد صرفت (أفعلا) هَذِه الَّتِى ذكرت أَنَّهَا تكون
وَصفا؟ قيل لَهُ: [أفعل] لَيْسَ وَصفا فى الْكَلَام مُسْتَعْملا
وَإِنَّمَا هُوَ مِثَال يمثل بِهِ فَإِنَّمَا قلت: إِذا كَانَ هَذَا
الْمِثَال وَصفا لم ينْصَرف، وَلَو كَانَ هَذَا شَيْئا قد علم وَصفا لم
تصرفه، وَلم تقل: إِذا كَانَ وَصفا، وَلَكِن تَقول: لِأَنَّهُ وصف؛
كَمَا تَقول: كل آدم فى الْكَلَام لَا ينْصَرف؛ لِأَن (آدم) نعت
مَفْهُوم / وعَلى هَذَا تَقول: كل أفعل فى الْكَلَام تُرِيدُ بِهِ
(3/383)
الْفِعْل فَهُوَ مَفْتُوح؛ لِأَن (أفعلا)
مِثَال، وَلَيْسَ بِفعل مَعْرُوف، وموقعه، بعد كل وَهُوَ مُفْرد يدلك
على أَنه اسْم وَلَكِن لَو قلت: كل أفعل زيد مَفْتُوح، لم يكن إِلَّا
هَكَذَا؛ لِأَنَّك قد رفعت بِهِ زيدا، فأخلصته فعلا، وَوَقعت (كل)
عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَامل ومعمول فِيهِ، فَهُوَ حِكَايَة وَنَظِير
ذَلِك قَوْلك: هَذَا رجل أفعل فَاعْلَم؛ فَلَا تصرف (أفعل) ؛ لِأَنَّك
وَضعته مَوضِع النَّعْت؛ كَمَا وضعت الأول مَوضِع الْفِعْل هَذَا قَول
الْخَلِيل وسيبويه وَكَانَ المازنى يَقُول: هَذَا رجل أفعل، فَيصْرف
أفعلا هَذَا، وَيَقُول: لِأَنَّهُ لَيْسَ بنعت مَعْلُوم وَأما أفعل زيد
فَيَجْعَلهُ فعلا؛ لِأَنَّهُ قد رفع زيدا بِهِ، وَهُوَ مَذْهَب وَقَول
الْخَلِيل وسيبوبه أقوى عندنَا فَإِذا قلت (أفعل) إِذا كَانَ نعتا لم
ينْصَرف (أفعل) لِأَنَّهُ معرفَة وَإِنَّمَا بدأت بِهِ لذَلِك فكأنك
قلت: هَذَا الْبناء إِذا كَانَ نعتا وَتقول: / كل فعلان لَهُ فعلى لَا
ينْصَرف وَإِن لم تكن لَهُ فعلى فمصروف وَإِنَّمَا صرفت (فعلانا)
هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بشئ مَعْرُوف لَهُ (فعلى) وَالْقَوْل فِيهِ
القَوْل فى الأول وعَلى ذَلِك تَقول: فعلان إِذا كَانَت لَهُ فعلى لم
ينْصَرف، فَلَا تصرف (فعلان) لِأَنَّهُ معرفَة؛ كَمَا قُلْنَا فِيمَا
قبله
(3/384)
وَتقول: كل فعنلى فى الْكَلَام فاصرفه؛
لِأَن هَذَا مِثَال مَا ينْصَرف فِي النكرَة و (كل) لَا يَقع بعْدهَا
إِلَّا نكرَة، وَإِنَّمَا هُوَ مِثَال حبنطى، وسرندى، وسبندى، وَنَحْوه
وَتقول: كل فعلى فى الْكَلَام، وفعلى فَلَا ينْصَرف؛ لِأَن الْألف
للتأنيث، وَإِن شِئْت قلت: كل فعلى فى الْكَلَام وفعلى يَا فَتى،
فتصرفه، لِأَن هَذَا الْمِثَال للإلحاق يكون وللتأنيث وَإِنَّمَا
تَمنعهُ أَلفه لَا مَعْنَاهُ، فَإِن قدرتهما تَقْدِير الملحق انصرفتا،
وَكَانَت كمعزى وأرطى فَإِن قدرتهما تَقْدِير التَّأْنِيث كَانَتَا
كدفلى، وتترى تكون للأمرين جَمِيعًا، والأجود التَّأْنِيث وَتقول: كل
(فعلى) فى الْكَلَام لَا ينْصَرف لِأَن هَذَا الْمِثَال لَا يكون
إِلَّا للتأنيث / وَهُوَ بَاب حُبْلَى، وبهمى وَكَذَلِكَ كل فعلاء فى
الْكَلَام لَا ينْصَرف هَذَا الْمِثَال لَا يكون إِلَّا للتأنيث نَحْو:
حَمْرَاء، وصحراء
(3/385)
وَتقول: كل فعلاء، وفعلاء فمصروف لِأَنَّهُ
مِثَال لَا يكون إِلَّا مُلْحقًا مصروفا فى الْمعرفَة النكرَة وَذَلِكَ
نَحْو علْبَاء، وحرباء وَأما فعلاء فنحو قَوْلك: قوباء فَاعْلَم:
لِأَنَّهُ مُلْحق بفسطاط؛ كَمَا أَن علْبَاء مُلْحق بسرداح فَهَذَا
يبين لَك جَمِيع هَذِه الْأَمْثِلَة إِن شَاءَ الله
(3/386)
تمّ الْجُزْء الثَّالِث وَالْحَمْد لله رب
الْعَالمين ويتلوه فى الْجُزْء الرَّابِع من كتاب المقتضب: هَذَا بَاب
إِيضَاح الملحق وتبيين الْفَصْل بَينهَا وَبَين غَيرهَا قابلت هَذَا
الْجُزْء إِلَى آخِره وصححته فى سنة سبع وَأَرْبَعين وثلثمائة وَكتب
الْحسن بن عبد الله السيرافى كتب المهلهل بن أَحْمد بِبَغْدَاد سنة سبع
وَأَرْبَعين وثلثمائة
(3/387)
|