المقتضب هَذَا بَاب الشَّيْئَيْنِ المجعولين اسْما
وَاحِدًا وَأَحَدهمَا حرف أَو كِلَاهُمَا
فَإِذا سميت رجلا أَو شَيْئا غَيره بحرفين أَحدهمَا مضموم إِلَى الآخر
لم يكن فِي ذَلِك إِلَّا الْحِكَايَة تَقول فِي رجل سميته إِنَّمَا
هَذَا إِنَّمَا قد جَاءَ وَكَذَلِكَ إِن سميته لعلما أَو لَعَلَّ
وَحدهَا لِأَن عل ضمت إِلَيْهَا اللَّام
وَإِنَّمَا كَانَ هَكَذَا لِأَن أحد الحرفين ضم إِلَى الآخر فَإِن
غيرته ذهب الْمَعْنى
وَلَو سميته ب إِن وَحدهَا أَو بعل أَو بِحرف غير ذَلِك وَاحِد لأعربته
وغيرت لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الْأَسْمَاء إِلَّا أَن تُرِيدُ
الْحِكَايَة فَإِن أردْت ذَلِك جَازَ وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك هَذَا إِن
فَاعْلَم وَكَذَلِكَ عل وَمَا كَانَ مثله
فَإِن سميته إِن زيدا فالحكاية لِأَن إِن بِمَنْزِلَة الْأَفْعَال
فَالْقَوْل فِيهَا كالقول فِي تأبط شرا
وَنَظِير مَا قلت لَك فِي الْحَرْف إِذا كَانَ مُفردا قَوْله
(ليْتَ شِعْرِي وَأَيْنَ مِنِّيَ لَيْتُ ... إِنَّ لَيْتًا وإِنَّ
ليْتاً لَوَّا عَناءُ)
(4/32)
لما جعله اسْما أعربه وَمثله
(أَلاَ يَا لَيْتَني والمرْءُ مَيْتُ ... وَمَا يُغْنى مِنَ الحَدثانِ
لَيْتُ)
فَإِن سميت رجلا من زيد وَعَن زيد فَإِن أَجود ذَلِك أَن تَقول هَذَا
من زيد وَعَن زيد كَمَا تَقول يَد زيد
وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك هَكَذَا وَلم يكن كَالَّذي قبله لِأَن هَذِه
الْحُرُوف حُرُوف إِضَافَة توصل مَا قبلهَا إِلَى مَا بعْدهَا تَقول
الْغُلَام لزيد كَمَا تَقول غُلَام زيد وَتقول مَرَرْت بزيد كَمَا
تَقول ضربت زيدا فالباء وَمَا بعْدهَا فِي مَوضِع نصب
فَأَنت لَو قلت فِي من وَهِي اسْم لم تكن إِلَّا معربة فأضفتها على
ذَلِك فَكَانَ قَوْلك من زيد بِمَنْزِلَة قَوْلك فِي الْإِفْرَاد هَذَا
من فَاعْلَم
وَإِن أردْت الْحِكَايَة جَازَ كَمَا كنت فِي الْأَفْعَال مُخَيّرا
فَإِن سميته عَم فِي الِاسْتِفْهَام فِي قَوْلك عَم تسْأَل ومم أَنْت
فَأَرَدْت الْحِكَايَة جَازَ وَإِن أردْت الْإِعْرَاب قلت هَذَا عَن
مَاء وَمن مَاء فأعربت وأضفت ومددت مَا لِأَنَّهَا اسْم مُتَمَكن
أَلا ترى أَنَّك لَا تسمي بحرفين أَحدهمَا حرف لين لِأَن التَّنْوِين
يذهبه فَيبقى الِاسْم على حرف وَاحِد وَقد تقدم قَوْلنَا فِي هَذَا
(4/33)
فَإِن سميت رجلا أما من قَوْلك أما زيد
فمنطلق كَانَ اسْما بحياله معربا مَقْصُورا بِمَنْزِلَة علقى وَلَا
تصرف لِأَن أَلفه للتأنيث
وَكَذَلِكَ إِلَّا بِمَنْزِلَة دفلى إِذا أردْت إِلَّا الَّتِي تقع فِي
الِاسْتِثْنَاء
وَإِن أردْت إِلَّا الَّتِي تقع فِي المجازاة نَحْو قَول الله عز وَجل
{إِلَّا تنصروه فقد نَصره الله} لم تكن إِلَّا الْحِكَايَة لِأَنَّهَا
إِن ضمت إِلَيْهَا لَا
وَكَذَلِكَ إِمَّا الَّتِي فِي الْجَزَاء فِي مثل قَوْله عز وَجل
{فإمَّا تَرين من الْبشر أحدا} الْحِكَايَة لَا غير لِأَنَّهَا إِن
وَمَا
وَمثل ذَلِك إِمَّا الَّتِي فِي معنى قَوْلك إِمَّا كنت مُنْطَلقًا
انْطَلَقت
فَهَذَا يفصح لَك عَن جَمِيع مَا يَأْتِي من هَذَا الْبَاب
فَإِن سميت رجلا بِفعل نَحْو ضرب وَقتل وَلَا فَاعل فِيهِ فالإعراب
وَالصرْف وَقد تقدم قَوْلنَا فِي هَذَا
وَإِن سميته بهما أَو بِشَيْء من الْفِعْل وَفِيه الْفَاعِل فالحكاية
لَا غير
تَقول هَذَا ضرب قد جَاءَ لِأَن الْفَاعِل مضمرا بِمَنْزِلَتِهِ مظْهرا
أَلا ترى أَنَّك لَو سميته قَامَ زيد قلت هَذَا قَامَ زيد لَا غير
وَإِن سميته ضربا وَالْألف ضمير الفاعلين أَو ضربوا على هَذَا الشَّرْط
حكيته
وَإِن سميته ضربا أَو ضربوا من قَوْلك ضربوا إخْوَتك زيدا أَو ضربا
أَخَوَاك
(4/34)
زيدا فَكَانَت الْألف وَالْوَاو عَلامَة
لَا ضميرا قلت هَذَا ضَرْبَان قد جَاءَ وَهَذَا ضربون قد جَاءَ لِأَن
النُّون فِي الِاثْنَيْنِ وَالْجمع من الْأَفْعَال كالضمة فِي
الْوَاحِد
أَلا ترى أَنَّك تَقول هَذَا يضْرب يَا فَتى وهما يضربان وهم يضْربُونَ
فالنون فِي مَكَان الضمة من يضْرب
فَإِذا قلت لن تضرب يَا فَتى قلت لن تضربا وَلنْ تضربوا فعلى هَذَا قلت
ضربا وضربوا كَمَا قلت فِي الْوَاحِد ضرب يَا فَتى
فَلَمَّا أدخلت فِي الْوَاحِد الْإِعْرَاب فَقلت هَذَا ضرب يَا فَتى
أدخلت فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع النُّون إِلَّا أَنَّك تصرفه تصريف
رجل سميته رجلَيْنِ فَيكون نَصبه وخفضه بِالْيَاءِ وَرَفعه بِالْألف
فِي التَّثْنِيَة وبالواو فِي الْجمع ونفسر هَذَا فِي الْبَاب الَّذِي
يَلِيهِ إِن شَاءَ الله
وَلَو سميته أولو من قَوْله عز وَجل أولو قُوَّة أَو ذَوُو من قَوْلك
هَؤُلَاءِ ذَوُو مَال لَقلت جَاءَنِي ألون وذوون لِأَن النُّون نون
الْجمع وَإِنَّمَا ذهبت للإضافة
(4/35)
هَذَا بَاب تَسْمِيَة الرِّجَال بالتثنية
وَالْجمع من الْأَسْمَاء
إِذا سميت رجلا رجلَيْنِ فَإِن أحسن ذَلِك أَن تحكي خَاله الَّتِي
كَانَت فِي التَّثْنِيَة فَتَقول هَذَا رجلَانِ قد جَاءَ وَرَأَيْت
رجلَيْنِ وَتقول فِي هَذَا الْبَلَد هَذَا البحران يَا فَتى وأتيت
الْبَحْرين وَإِنَّمَا اخْتَرْت ذَلِك لِأَن الْقَصْد إِنَّمَا كَانَ
فِي التَّثْنِيَة
وَكَذَلِكَ إِن سميته بِقَوْلِك مُسلمُونَ قلت هَذَا مُسلمُونَ قد
جَاءَ ومررت بمسلمين وَالْقَوْل فِي هَذَا القَوْل فِي التَّثْنِيَة
وَكَذَلِكَ كل مَا كَانَ جمعا بِالْألف وَالتَّاء تَقول هَذَا مسلمات
ومررت بمسلمات لِأَن الْألف وَالتَّاء فِي الْمُؤَنَّث بِمَنْزِلَة
الْوَاو وَالنُّون فِي الْمُذكر
وَإِن شِئْت قلت فِي التَّثْنِيَة هَذَا مسلمان قد جَاءَ فتجعله
بِمَنْزِلَة زعفران وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك لِأَن التَّثْنِيَة قد
زَالَت عَنهُ وَالْألف وَالنُّون فِيهِ زائدتان فَصَارَ بِمَنْزِلَة
قَوْلك غَضْبَان وعطشان وعريان وَكَأن الأول أَقيس لِأَن هَذَا بني فِي
الأَصْل على فعلان وفعلان وَنَحْو ذَلِك وَهَذَا نقل عَن التَّثْنِيَة
وَمن قَالَ هَذَا رجلَانِ فَاعْلَم قَالَ فِي رجل يُسمى بِقَوْلِك
مُسلمُونَ هَذَا مُسلمين فَاعْلَم فَجعل الْإِعْرَاب فِي النُّون كَمَا
فعل هُنَاكَ وَلم يجز أَن تَقول هَذَا رجلَيْنِ قد جَاءَ لِأَن هَذَا
مِثَال لَا تكون الْأَسْمَاء عَلَيْهِ
(4/36)
وَمثل قَوْلك مُسلمين فَاعْلَم غسلين
فَاعْلَم ويبرين وقنسرين وَنَحْو ذَلِك والأجود مَا ذكرت لَك
وَالْوَجْه الآخر يجوز
أَلا ترى أَنه يجوز فِيهِ وَهُوَ جمع أَن تجريه مجْرى الْوَاحِد فَيصير
إعرابه فِي آخِره فَتَقول هَذِه عشْرين فَاعْلَم وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ
لي هَذَا قَالَ
(وماذَا يدَّرِي الشُّعَراءُ مِنِّي ... وقَدْ جَاوزْتُ حَدَّ
الأَرْبَعِينِ)
وَجَاز ذَلِك لاخْتِلَاف الْجمع وَأَن إعرابه كإعراب الْوَاحِد إِلَّا
مَا كَانَ على حد التَّثْنِيَة وَهُوَ هَذَا الَّذِي ذكرنَا
وَلم يجز أَن يكون إِعْرَاب الْمثنى كإعراب الْوَاحِد لِأَن
التَّثْنِيَة لَا تَأتي مُخْتَلفَة وَقد دللنا على هَذَا فِي أول
الْكتاب
وَمن قَالَ هَذَا مُسلمين كَمَا ترى قَالَ فِي مسلمات إِذا سمي بِهِ
رجلا هَذَا مسلمات فَاعْلَم أجراها مجْرى الْوَاحِد فَلم يصرف لِأَن
فِيهَا عَلامَة التَّأْنِيث وَتقول مَرَرْت بمسلمات يَا فَتى فَلَا
تنون لِأَنَّهَا لَا تصرف وَلَا يجوز فتحهَا لِأَن الكسرة هَا هُنَا
كالياء فِي مُسلمين
وعَلى هَذَا ينشدون بَيت امْرِئ الْقَيْس
(4/37)
(تَنَّورْتُها مِنْ أَذْرِعاتِ وأَهلُها
... بِيثْرِبَ أَدْنى دَارِها نَظَرٌ عالى)
لِأَن أَذْرُعَات اسْم مَوضِع بِعَيْنِه والأجود مَا بدأنا بِهِ من
إِثْبَات التَّنْوِين فِي أَذْرُعَات وَنَحْوهَا لِأَنَّهَا
بِمَنْزِلَة النُّون فِي مُسلمين إِذا قلت هَؤُلَاءِ مُسلمُونَ ومررت
بمسلمين
وَمن ذَلِك قَول الله عز وَجل {فَإِذا أَفَضْتُم من عَرَفَات}
بِالتَّنْوِينِ
وَنَظِير هَذَا قَوْلهم هَذِه قنسرون ويبرون
فَمن ذهب إِلَى أَنَّهَا جمع فِي الأَصْل أَو شبهها بِهِ فيصيرها جمعا
وَقد تقدم بَاب الْحِكَايَة وَالتَّسْمِيَة بِالْجمعِ يعتدل فِيهِ
الْأَمْرَانِ قد جَاءَ الْقُرْآن بهما جَمِيعًا قَالَ الله عز وَجل
{وَلَا طَعَام إِلَّا من غسلين} وَقَالَ {كلا إِن كتاب الْأَبْرَار لفي
عليين وَمَا أَدْرَاك مَا عليون}
فَالْقِيَاس فِي جَمِيع هَذَا مَا ذكرت لَك
وَمن قَالَ هَذِه قنسرون وَهَذَا مُسلمُونَ فنسب إِلَى وَاحِد
مِنْهُمَا رجلا أَو غَيره قَالَ مسلمى وقنسري بِحَذْف الْوَاو
وَالنُّون لِأَنَّهُمَا زائدتان لمجئ يَاء النّسَب
وَمن قَالَ قنسرين ومسلمين فَاعْلَم وَجعل الْإِعْرَاب فِي النُّون
قَالَ قنسريني ومسلميني فَاعْلَم
وَاعْلَم أَن من سمى رجلا بِقَوْلِك رجلَانِ أَو مُسلمُونَ فأجراه
مجْرى التَّثْنِيَة وَالْجمع لم يجز أَن يثنيه وَلَا يجمعه فَيَقُول
هَذَا مسلمانان وَلَا رَأَيْت مسلمينين لِأَنَّهُ يثبت فِي الِاسْم
رفعان ونصبان وخفضان وَلَكِن من قَالَ مُسلمين فَاعْلَم ومسلمان
فَاعْلَم جَازَ أَن يثنيه ويجمعه لِأَنَّهُ الْآن بِمَنْزِلَة زعفران
وقنسرين فِيمَن جعل الْإِعْرَاب فِي نونها
(4/38)
وَلَكِن أَذْرُعَات ومسلمات اسْم رجل يجوز
أَن تثنيه وَأَن تجمعه لِأَنَّهُ لَا يجْتَمع فِيهِ شَيْء مِمَّا
ذكرنَا فَتَقول هَذَانِ مسلماتان وَرَأَيْت مسلماتين وَهَؤُلَاء مسلمات
فَاعْلَم بِحَذْف الْألف وَالتَّاء اللَّتَيْنِ كَانَتَا فِي الْوَاحِد
وَتثبت مَكَانهَا ألفا وتاء للْجمع كَمَا فعلت فِي طَلْحَة حَيْثُ قلت
طلحات فحذفت علم التَّأْنِيث من الْوَاحِد وأثبته فِي الْجمع لِأَنَّهُ
لَا يدْخل تَأْنِيث على تَأْنِيث وَهَذَا مُحكم فِي بَاب الْجمع
وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعه وَإِنَّمَا ذكرنَا مِنْهُ مَا احتجنا إِلَيْهِ
فِيمَا قصدنا لَهُ
فَإِذا أردْت تَثْنِيَة قَوْلك مسلمان اسْم رجل فِيمَن حكى أَو
مُسلمُونَ قلت هَذَا ذَوا مُسلمين وَهَؤُلَاء ذَوُو مُسلمين وَمَا
أشبهه مثل أَن تَقول كل وَاحِد مِنْهُمَا يُسمى مُسلمين أَو كل وَاحِد
مِنْهُمَا مسلمان حَتَّى تدل عَلَيْهِ بِهَذَا وَمَا أشبهه كَمَا ذكرت
لَك من التقاء إعرابين فِي حرف
فَأَما مسلمات فتثنيه وتجمعه لِأَنَّهُ لَا يلْحق شَيْء مِمَّا ذكرنَا
وَالْفِعْل وَالْفَاعِل وَجَمِيع الحكايات إِذا كَانَت أَسمَاء لَا
تثنيها لِئَلَّا تنْتَقض الْحِكَايَة وتزول دَلَائِل الْمعَانِي
هَذَا بَاب تَسْمِيَة الْحُرُوف والكلم
(4/39)
تَقول إِذا نظرت إِلَى مِيم أَو بَاء أَو
تَاء أَو عير ذَلِك من الْحُرُوف إِذا جعلت الْمِيم وَمَا أشبههَا
اسْما لحرف قلت هَذَا مِيم حسن وَهَذَا بَاء حسن يَا فَتى
وَإِن جَعلتهَا مُؤَنّثَة صلح ذَلِك فَقلت هَذِه مِيم وَهَذِه بَاء
فَالَّذِي أَوْمَأت إِلَيْهِ مؤنث وَالِاسْم مؤنث قَالَ الشَّاعِر
(كَمَا بُيِّنَتْ كَافٌ تلُوحُ ومِيْمُها)
فأنث وَمن لم يصرف هندا اسْم امْرَأَة لم يصرف شَيْئا من هَذَا إِذا
جعله اسْما للكلمة معرفَة وَإِن أجراه نكرَة على حد مجْرَاه فِي
الْكَلَام صرفه
وَمِمَّا جَاءَ فِي التَّذْكِير قَوْله
(سِيْناً ومِيْمَيْنِ وباءً طاسِما)
وَلم يقل طاسمة
وَإِن جعلت الِاسْم مذكرا وَالَّذِي تومئ إِلَيْهِ مؤنثا على معنى
قَوْلك اسْم الْكَلِمَة قلت
(4/40)
هَذِه مِيم يَا فَتى وَلَا تصرف كَمَا لَا
تصرف امْرَأَة سميتها زيدا وَمن رأى صرف ذَلِك صرف هَذَا فقد قُلْنَا
فِي ذَلِك مَا يُغني عَن إِعَادَته
فإمَّا مَا كَانَ من الظروف وَالْأَفْعَال والحروف المشبهة بهَا وَغير
ذَلِك من الْكَلم فَنحْن ذاكروه إِن شَاءَ الله
وَتقول إِذا نظرت إِلَى (خلف) مَكْتُوبَة فَأَرَدْت الْحَرْف قلت هَذَا
خلف فَاعْلَم لِأَن خلفا مُذَكّر وتصغيره خليف
وَلَو كَانَ مؤنثا لحقته الْهَاء
أَلا ترَاهَا قد لحقت فِي الظروف مَا جَاوز الثَّلَاثَة للدلالة على
التَّأْنِيث فَقلت فِي قُدَّام قديديمة وَفِي وَرَاء وريئة وتقديرها
وريعة كَمَا قَالَ
(قُدَيْدِيمَةُ التجْريبِ والحِلْم إنَّني ... أَرَى غَفَلاتِ العيْشِ
قَبْلَ التَّجارِبِ)
وكما قَالَ
(يَوم قديديمة الجوزاء مَسْمُوم ... )
فَإِن أردْت بالمكتوبة الْكَلِمَة فَجعلت خلفا اسْما لَهَا لم تصرف
إِلَّا فِي قَول من رأى أَن يصرف زيدا اسْم امْرَأَة
(4/41)
فَإِن سميت رجلا أَو حرفا كم فالإعراب
وَالصرْف تَقول هَذَا كم فَاعْلَم وَرَأَيْت كَمَا
فَأَما مَتى فَلَا ينْصَرف اسْم كلمة بِوَجْه من الْوُجُوه وينصرف اسْم
حرف لِأَنَّهُ مثل جمل وَقدم لَا ينصرفان اسْمَيْنِ لامرأتين فِي قَول
من الْأَقَاوِيل الْبَتَّةَ
وحد مَتى وَهَذِه الظروف كلهَا أَن تكون مذكرات لِأَنَّهَا أَسمَاء
الْأَمْكِنَة وأوقات إِلَّا مَا دخل عَلَيْهِ مِنْهَا حرف تَأْنِيث
كالليلة والساعة والغداة والعشية كَمَا قلت لَك فِي قديديمة ووريئة
وَكَذَلِكَ ضرب إِن رَأَيْته قلت هَذَا ضرب مَكْتُوبًا فَاعْلَم إِذا
جعلت الْمَكْتُوب حرفا
فَإِن جعلته اسْما مَكْتُوبًا لكلمة لم تصرف
وَضرب لَا يكون إِلَّا مذكرا لِأَن ضرب نعت كَمَا تنْعَت بضارب تَقول
مَرَرْت بِرَجُل ضربنا ويضربنا كَمَا تَقول مَرَرْت بِرَجُل ضَارب لنا
وضاربنا وَأَنت تُرِيدُ النكرَة
وَكَذَلِكَ مَا ضارع الْفِعْل نَحْو إِن وليت وَلَعَلَّ لِأَنَّهَا
مضارعة للأفعال الَّتِي قد صَحَّ تذكيرها
فَمَا جعلته مِنْهَا اسْما لحرف فمصروف وَمَا علقته على كلمة فَغير
مَصْرُوف فِي الْمعرفَة إِلَّا مَا كَانَ مِنْهَا سَاكن الْوسط وَسميت
بِهِ مؤنثا فَإِنَّهُ كزيد سميت بِهِ امْرَأَة
وَاعْلَم أَن الْأَفْعَال والحروف الَّتِي جَاءَت لِمَعْنى نَحْو إِن
وليت وَلَعَلَّ وَلَو وَلَا حقهن أَن يكن معارف لما أذكرهُ لَك
(4/42)
وَأما با وتا وَجَمِيع حُرُوف المعجم
فبابهن أَن يكن نكرات وسنفسر ذَلِك بِمَا يُوضح أمره إِن شَاءَ الله
تَقول إِن وليت أَشْيَاء مَعْرُوفَة قد عرفت موَاضعهَا وَأثبت حقائقها
وَلِهَذَا امْتنعت من دُخُول حُرُوف التَّعْرِيف عَلَيْهَا وَذَلِكَ
أَنَّك إِذا رَأَيْت شَيْئا مِنْهَا مَكْتُوبًا لم تعبر عَنهُ بِالْألف
وَاللَّام وَإِن كَانَت أَسمَاء
وَأما حُرُوف المعجم فَإِنَّهَا عِبَارَات تكون نكرَة بِغَيْر ألف
وَلَام وَمَعْرِفَة بهما كَقَوْلِك الْألف وَالْبَاء وَالتَّاء
وَأما فِي التهجى فقولك با وتا وقف لَا يدْخلهُ إِعْرَاب لِأَن التهجى
على الْوَقْف فَإِن جَعلتهَا أَسمَاء عطفت بَعْضهَا على بعض وَقلت ألف
وباء وتاء تعرب وتمد لِأَنَّهُ لَا يكون اسْم على حرفين أَحدهمَا حرف
لين
فَإِن كَانَ شَيْء من هَذَا قبل التَّسْمِيَة زِدْت على الْوَاو وَاو
وعَلى الْيَاء يَاء وزدت إِلَى الْألف ألفا فتحركها فَتَصِير همزَة
تَقول إِذا سميت رجلا فى هَذَا فى وَلَو هَذَا لَو فَاعْلَم كَمَا
قَالَ
(إِنَّ لَوًّا وإِنًّ لَيْتاً عَنَاءُ ... )
وَإِن سميته لَا قلت هَذَا لاء فَاعْلَم وَكَذَلِكَ بَاء وتاء كَمَا
قَالَ
(إِذا اجْتَمَعُوا على أَلِفٍ وبَاءٍ ... وتاءٍ هاج بينهمُ جِدالُ)
وكما قَالَ
(رَقٌّ تُبيَّن فيهِ اللاَّم والأَلِفُ ... )
(4/43)
هَذَا بَاب مَا كَانَ معرفَة بِجِنْسِهِ
لَا بواحده وَلم جَازَ أَن يكون كَذَلِك؟
وَذَلِكَ قَوْلك للأسد أَبُو الْحَارِث وَأُسَامَة يَا فَتى وللدويبة
أم حبين وَكَذَلِكَ للثعلب أَبُو الْحصين وللذئب أَبُو جعدة يَا فَتى
غير مَصْرُوف لِأَنَّهُ معرفَة
وَمن ذَلِك قَوْلهم لضرب من الكمأة بَنَات أوبر يَا فَتى
ولضرب من الْحَيَّات ابْن قترة وَمن هَذَا قَوْلهم حمَار قبان
(4/44)
وَابْن عرس وسام أبرص وَابْن آوى
فَهَذِهِ كلهَا معارف فَأَما مَا كَانَ مِنْهَا مُضَافا فقد تبين لَك
أَنه معرفَة بترك صرف مَا أضيف إِلَيْهِ مِمَّا لَا ينْصَرف فِي
الْمعرفَة
فَأَما غير ذَلِك فيبين لَك أَنَّهَا معارف امتناعها من الْألف
وَاللَّام الَّتِي للتعريف
فَإِن قَالَ قَائِل كَيفَ صَارَت معارف وَاسم الْوَاحِد مِنْهَا يلْحق
كل مَا كَانَ مثله؟
فَالْجَوَاب فِيهِ أَن هَذِه أَشْيَاء لَيست مُقِيمَة مَعَ النَّاس
وَلَا مِمَّا يتخذون ويقتنون كالخيل وَالشَّاء وَنَحْو ذَلِك فيحتاجوا
إِلَى الْفَصْل بَين بَعْضهَا وَبَعض وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ أَن يفصلوا
بَين جنس وجنس وَلَو كَانَت مِمَّا يُقيم مَعَهم لفصلو بَين بَعْضهَا
وَبَعض وَكَانَ مجْراهَا كمجرى النَّاس
أَلا ترى أَن ابْن مَخَاض وَابْن لبون وَابْن مَاء نكرات وَأَنَّك إِذا
أردْت أَن تعرف شَيْئا مِنْهَا أدخلت فِيمَا أضفت إِلَيْهِ ألفا ولاما
فَقلت هَذَا ابْن اللَّبُون وَنَحْو ذَلِك لتعرف شَيْئا من شَيْء كَمَا
تفعل فِي الْخَيل وَالْكلاب وَنَحْوهَا
(4/45)
قَالَ جرير
(وابْنُ الَّلبونِ إِذا مَا لُزَّفى قَرَنٍ ... لَمْ يَسْتَطِعْ
صَوْلَةَ البُزْلِ القَنَاعِيسِ)
وَقَالَ أَيْضا
(وجَدْنَا نَهْشَلاً فَضَلَتْ فُقَيْماً ... كفضْلِ ابْنِ المخاضِ على
الفصِيلِ)
وَقَالَ
(مُفَدَّمَةً قَزَّا كَأَنَّ رِقَابها ... رِقبُ بَناتِ الماءِ
أَفْزَعَها الرعْدُ)
(4/46)
وَقَالَ
(ورَدتُ اعْتِسافاً والثُّرَيَّا كأَنَّها ... على قِمَّةِ الرَّأسِ
ابنُ ماءٍ مُحَلِّقِ)
فَجعل محلق نعتا لَهُ لِأَنَّهُ نكرَة
وَهَذَا يفتح لَك مَا يرد عَلَيْك من هَذَا الْبَاب فتقدير قَوْلك
للأسد هَذَا أُسَامَة يَا فَتى أَي هَذَا الضَّرْب الَّذِي سَمِعت بِهِ
أَو رَأَيْته من السبَاع
(4/47)
وَكَذَلِكَ قَوْلك للضبع أم عَامر يَا فَتى
وَهَذِه حضاجر وَهَذِه قثام يَا فَتى وَهَذِه جعار وَهَذِه جيأل
وللذكر هَذَا قثم كَمَا تَقول يَا فسق وَيَا فساق
وَاعْلَم أَنَّك إِذا قلت جَاءَنِي عُثْمَان وَعُثْمَان آخر فَجَعَلته
نكرَة قلت فِي هَذَا أجمع مثل ذَلِك قلت هَذَا قثم وَقثم آخر كَمَا
تَقول هَذِه جيأل وجيأل آخرى فَأَما قَوْله
(ولَقَدْ جَنَيْتُكَ أَكْمُؤا وعَساقِلاً ... ولقدْ نهيْتُكَ عَنْ
بَنَاتِ الأَوْبِرِ)
(4/48)
فَإِن دُخُول الْألف وَاللَّام على
وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يكون دخولهما كدخولهما فِي الْفضل وَالْعَبَّاس
على مَا وصفت لَك لِأَن أوبر نعت نكرَة فِي الأَصْل
وَالْآخر على قَوْلك هَذَا ابْن عرس آخر تَجْعَلهُ نكرَة كَمَا تَقول
هَذَا زيد من الزيدين أَي هَذَا وَاحِد مِمَّن لَهُ هَذَا الِاسْم
فَأَنت وَإِن كنت لم تذكر قبله شَيْئا تَقول بعده آخر فَإِنَّمَا أردْت
ضربا مِمَّا يَقع لَهُ هَذَا الِاسْم كَمَا قَالَ
(باعَدَ أُمَّ العَمْرٍ مِنْ أَسِيرها ... )
(4/49)
هَذَا بَاب الْمَفْعُول الَّذِي لَا يذكر
فَاعله
وَهُوَ رفع نَحْو قَوْلك ضرب زيد وظلم عبد الله
وَإِنَّمَا كَانَ رفعا وحد الْمَفْعُول أَن يكون نصبا لِأَنَّك حذفت
الْفَاعِل وَلَا بُد لكل فعل من فَاعل لِأَنَّهُ لَا يكون فعل وَلَا
فَاعل فقد صَار الْفِعْل وَالْفَاعِل بِمَنْزِلَة شَيْء وَاحِد إِذْ
كَانَ لَا يَسْتَغْنِي كل وَاحِد مِنْهُمَا عَن صَاحبه كالابتداء
وَالْخَبَر
وَالْفِعْل قد يَقع مستغنيا عَن الْمَفْعُول الْبَتَّةَ حَتَّى لَا
يكون فِيهِ مضمرا وَلَا مظْهرا وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك تكلم زيد وَقعد
عَمْرو وَجلسَ خَالِد وَمَا أشبهه من الْأَفْعَال غير المتعدية وَلَا
يكون مثل هَذَا فِي الْفَاعِل فَلَمَّا لم يكن للْفِعْل من الْفَاعِل
بُد وَكنت هَاهُنَا قد حذفته أَقمت الْمَفْعُول مقَامه ليَصِح الْفِعْل
بِمَا قَامَ مقَام فَاعله
فَإِن جِئْت بمفعول آخر بعد هَذَا الْمَفْعُول الَّذِي قَامَ مقَام
الْفَاعِل فَهُوَ مَنْصُوب كَمَا يجب فِي الْمَفْعُول وَذَلِكَ قَوْلك
أعطي زيد درهما وكسي أَخُوك ثوبا وَظن عبد الله أَخَاك
وَتقول ظَنَنْت زيدا فالتاء هَاهُنَا فِي موضعهَا إِذا كَانَت فَاعله
نَحْو ضربت زيدا وَكَذَلِكَ ظنني زيد إِذا كَانَ ضميرك مَفْعُولا
كَقَوْلِك ضَرَبَنِي زيد
وَتقول زيد ظن مُنْطَلقًا فضمير زيد فَاعل فِي ظن كَمَا تَقول زيد ضرب
عمرا فتضمر زيدا فِي ضرب
وَتقول رفع إِلَى زيد دِرْهَم فيرفع دِرْهَم لِأَنَّك جررت زيدا
فَقَامَ الدِّرْهَم مقَام الْفَاعِل
(4/50)
فَإِن أظهرت زيدا غير مجرور قلت أعطي زيد
درهما وكسي زيد ثوبا فَهَذَا الْكَلَام الْجيد
وَقد يجوز أَن تَقول أعطي زيدا دِرْهَم وكسي زيدا ثوب لما كَانَ
الدِّرْهَم وَالثَّوْب مفعولين كزيد جَازَ أَن تقيمهما مقَام الْفَاعِل
وتنصب زيدا لِأَنَّهُ مفعول فَهَذَا مجَاز وَالْأول الْوَجْه وَمن
قَالَ هَذَا قَالَ أَدخل الْقَبْر زيدا وألبست الْجُبَّة أَخَاك
فَإِن قَالَ قَائِل هَل يجوز على هَذَا ضرب زيدا سَوط؟ قيل لَهُ لَا
يجوز ذَلِك وَذَلِكَ أَن السَّوْط إِذا قلت ضربت زيدا سَوْطًا مصدر
وَمَعْنَاهُ ضربت زيدا ضَرْبَة بِالسَّوْطِ
ويدلك على ذَلِك قَوْلك ضربت زيدا مائَة سَوط لست تَعْنِي أَنَّك
ضَربته بِمِائَة سَوط وَلَكِنَّك تَعْنِي أَنَّك ضَربته مائَة ضَرْبَة
بِسَوْط أَو بِأَكْثَرَ من ذَلِك من هَذَا الْجِنْس
وَأَنت إِذا قلت أَعْطَيْت زيدا مائَة دِرْهَم أَو كسوته ثَوْبَيْنِ
فَإِنَّمَا أوصلت إِلَيْهِ هَذَا الْقدر بِعَيْنِه من الدَّرَاهِم
وَالثيَاب فَلذَلِك لم يجز أَن تقيم الْمصدر مقَام الْفَاعِل إِذا
كَانَ مَعَه مفعول على الْحَقِيقَة وَلكنه قد يجوز أَن تقيم المصادر
والظروف من الْأَمْكِنَة والأزمنة مقَام الْفَاعِل إِذا دخل
الْمَفْعُول من حرف الْجَرّ مَا يمنعهُ أَن يقوم مقَام الْفَاعِل
وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك سير بزيد سير شَدِيد وَضرب بزيد عشرُون سَوْطًا
الْمَعْنى بِسَبَب زيد وَمن أَجله وسير بزيد يَوْم الْجُمُعَة وَاخْتلف
بِهِ شَهْرَان ومضي بِهِ فرسخان ومشي بِهِ ميلان أَقمت هَذِه
الْأَشْيَاء مقَام الْفَاعِل وَقد يجوز نصبها فِي هَذَا الْموضع وَإِن
كَانَ الْمَفْعُول مجرورا على مَا أصف لَك
فَمن ذَلِك أَنَّك إِذا قلت سير بزيد فرسخا أضمرت السّير لِأَن سير يدل
على السّير فَلم تحتج إِلَى ذكره مَعَه كَمَا تَقول من كذب كَانَ شرا
لَهُ تُرِيدُ كَانَ الْكَذِب شرا لَهُ فَلم تذكر الْكَذِب لِأَن كذب قد
دلّ عَلَيْهِ
(4/51)
وَنَظِيره قَول الله عز وَجل {وَلَا يَحسبن
اللَّذين يَبْخلُونَ بِمَا آتَاهُم الله من فَضله هُوَ خيرا} فَلم يذكر
الْبُخْل لذكره يَبْخلُونَ
وَجَاز أَن يكون الْمُضمر الطَّرِيق فَكَأَنَّهُ قَالَ سير عَلَيْهِ
الطَّرِيق فرسخا فَحذف لعلم الْمُخَاطب بِمَا يَعْنِي
وَجَائِز أَن تقيم الْمَجْرُور مَعَ الْمصدر والظروف مقَام الْفَاعِل
فَتَقول سير بزبد فرسخا فَلَا يمنعهُ حرف الْجَرّ من أَن يكون فَاعِلا
كَمَا قَالَ مَا من أحد فأحد فَاعل وَإِن كَانَ مجرور بِمن وَكَذَلِكَ
قَوْله {أَن ينزل عَلَيْكُم من خير من ربكُم} إِنَّمَا هُوَ خير من
ربكُم فَمن لم تغير الْمَعْنى وَإِن غيرت اللَّفْظ فَهَذَا الَّذِي
ذكرته مشبه بذلك فِي هَذَا الْموضع إِذا نصبت المصادر والظروف على
موَاضعهَا فَلم تجعلها مفعولات على السعَة
فَإِن جَعلتهَا مفعولات على السعَة فَالْوَجْه فِيهَا الرّفْع لشغلك
الْأَسْمَاء بحروف الْجَرّ
(4/52)
وَاعْلَم أَنَّك إِذا قلت سير بزيد سيرا
فَالْوَجْه النصب لِأَنَّك لم تفد بِقَوْلِك سيرا شَيْئا لم يكن فِي
سير أَكثر من التوكيد فَإِن وَصفته فَقلت سيرا شَدِيدا أَو هينا
فَالْوَجْه الرّفْع لِأَنَّك لما نَعته قربته من الْأَسْمَاء وَحدثت
بِهِ فَائِدَة لم تكن فِي سير
والظروف بِهَذِهِ الْمنزلَة لَو قلت سير بزيد مَكَانا أَو يَوْمًا
لَكَانَ الْوَجْه النصب
فَإِن قلت يَوْم كَذَا أَو يَوْمًا طيبا أَو مَكَانا بَعيدا اختير
الرّفْع لما ذكرت لَك
وَاعْلَم أَن التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير والإظهار والإضمار فِي هَذَا
الْبَاب مثله فِي الْفَاعِل يجوز فِيهِ مَا جَازَ فِي ذَلِك
تَقول أعطي زيد درهما وَأعْطِي درهما زيد ودرهما أعطي زيد وَزيد أعطي
درهما تجريه مجْرى ذَلِك الْبَاب
وَتقول سير بالمعطى دِرْهَمَيْنِ فرسخان أَقمت الضَّمِير الَّذِي فِي
الْمُعْطِي مقَام الْفَاعِل ونصبت الدرهمين وجررت الْمُعْطِي بِالْبَاء
فارتفع الفرسخان
وَتقول أعطي الْمسير بِهِ فرسخان دِرْهَمَيْنِ رفعت الفرسخين لِقَوْلِك
بِهِ
وَتقول أعطي الْمسير فرسخين دِرْهَمَيْنِ قَامَ الضَّمِير فِي الْمسير
مقَام الْفَاعِل فَنصبت الفرسخين
وَتقول دفع الْمسير بِهِ فرسخان دِرْهَمَانِ لِأَنَّك أدخلت على كل
وَاحِد مِنْهُمَا حرف الْجَرّ
(4/53)
وَتقول ظن الْمُعْطِي دِرْهَمَيْنِ قَائِما
وَتقول أَخذ من الْمُعْطِي أَخُوهُ درهما دِينَار لِأَنَّك أدخلت من
على الْمُعْطِي فَقَامَ الدِّينَار مقَام الْفَاعِل
وَتقول ذهب بالمسلوب ثَوْبه مرَّتَيْنِ يَوْمَانِ إِذا أَقمت الثَّوْب
مقَام الْفَاعِل فَإِن جعلت فِي المسلوب ضميرا يقوم مقَام الْفَاعِل
نصبت الثَّوْب وَسَائِر الْكَلَام على حَاله
فَإِن ثنيت على الْمَسْأَلَة الأولى قلت ذهب بالمسلوب ثوباهما
مرَّتَيْنِ يَوْمَانِ
وعَلى الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة تَقول ذهب بالمسلوبين ثوبيهما
وبالمسلوبين ثِيَابهمْ وبالمسلوبة ثوبها والمسلوبات ثيابهن
وعَلى القَوْل الأول بالمسلوب ثوبها فَفِي هَذَا دَلِيل على مَا يرد
عَلَيْك إِن شَاءَ الله
وَيجوز مِنْهُ وَجه ثَالِث وَهُوَ أَن تضمر فِي المسلوب اسْما وَتجْعَل
الثَّوْب بَدَلا مِنْهُ فَتَقول
(4/54)
صفحة فارغة
(4/55)
صفحة فارغة
(4/56)
صفحة فارغة
(4/57)
مَرَرْت بالمسلوب ثَوْبه وبالمسلوبين
ثوباهما وبالمسلوبين أثوابهم لِأَنَّك لَو قلت سلب زيد ثَوْبه جَازَ
رفع الثَّوْب على الْبَدَل من زيد وَجَاز نَصبه على أَنه مفعول ثَان
وَتقول أَدخل الْمدْخل الدَّار السجْن تقديرها الَّذِي أَدخل الدَّار
أَدخل السجْن
فَإِن أردْت أَن تدخل حرف الْجَرّ لم تقل أَدخل وَلَكِن تَقول دخل
بالمدخول بِهِ الدَّار السجْن وَدخل بالمدخول الدَّار السجْن وَأدْخل
الْمَدْخُول بِهِ الدَّار السجْن لِأَن الْمَدْخُول قَامَ مقَام
الْفَاعِل
وَتقول دخل بالمدخول الدَّار السجْن فَهَذَا على غير ذَلِك الْمَعْنى
وَلَكِن هَذَا مَوْضِعه وَلَكِن ذكرنَا مِنْهُ شَيْئا لنصله بِمَا قبله
ثمَّ نذكرهُ فِي مَوْضِعه مُبينًا إِن شَاءَ الله
فَمَعْنَى الْمَدْخُول الدَّار الَّذِي دخلت دَاره كَمَا تَقول
الْمَضْرُوب الْوَجْه أَي الَّذِي ضرب وَجهه
وَيجوز نصب الدَّار فِي قَول من قَالَ الْحسن الْوَجْه وَتَفْسِيره فِي
ذَلِك الْموضع
وَتقول قيل فِي زيد خير وَعلم من زيد خير وسير بزيد فرسخان وسير بِهِ
يَوْمَانِ
(4/58)
وسير بِهِ سير شَدِيد على مَا فسرت لَك من
تصيير المصادر والظروف مفعولات
وَيجوز نصب هَذَا إِذا جعلت المصادر والظروف فِي موَاضعهَا وَلم تحمل
شَيْئا مِنْهَا على الْمَفْعُول بِهِ وَقد بَينا تَفْسِير هَذَا فِيمَا
مضى
وَلَو قلت ضرب هِنْد وشم جاريتك لم يصلح حَتَّى تَقول ضربت هِنْد وشتمت
جاريتك لِأَن هندا وَالْجَارِيَة مؤنثات على الْحَقِيقَة فَلَا بُد من
عَلامَة التَّأْنِيث
وَلَو كَانَ مؤنث الِاسْم لَا معنى لتأنيث وَلَا تذكير تَحْتَهُ
كَالدَّارِ وَالنَّار وَمَا كَانَ غير ذَلِك مِمَّا لَيست لَهُ
حَقِيقَة التَّأْنِيث لجَاز أَن تذكر الْفِعْل إِن شِئْت فَتَقول أطفئ
نارك وَجِيء نساؤك لِأَن هَذَا إِنَّمَا هُوَ تَأْنِيث الْجمع كَمَا
قَالَ الله جلّ ثَنَاؤُهُ {وَقَالَ نسْوَة فِي الْمَدِينَة} وَقَالَ
{فَمن جَاءَهُ موعظة من ربه} {وَأخذ الَّذين ظلمُوا الصَّيْحَة}
وَتقول فِي قَول من قَالَ أَدخل الْقَبْر زيدا وَأعْطِي دِرْهَم عمرا
وَمَا أشبهه أَدخل المدخلة السجْن الدَّار تقيم الدَّار والسجن مقَام
الْفَاعِل
وَكَذَلِكَ تَقول ظن المعطاه دِرْهَم زيدا وَحسب المكسوته جُبَّة
أَخَاك
ونقول فِي مسَائِل طوال يمْتَحن بهَا المتعلمون
علم الْمدْخل المدخلة السجْن زيد أَخُوهُ غُلَامه المظنون الْآخِذ
دَرَاهِمه زيد نصبت المدخلة بالمدخل ونصبت السجْن لِأَنَّهُ مفعول
وَرفعت زيدا بِأَنَّهُ أدخلهُ وَرفعت أَخَاهُ بِالِابْتِدَاءِ وَجعلت
غُلَامه خَبره وهما جَمِيعًا فِي مَوضِع الْمَفْعُول الثَّانِي لعلم
(4/59)
والمظنون صفة للغلام وَفِيه ضَمِيره والآخذ
الْمَفْعُول الثَّانِي لمظنون وَهُوَ مَنْصُوب وَزيد هُوَ الْفَاعِل
الَّذِي أَخذ وَالدَّرَاهِم مَنْصُوبَة بالآخذ
(4/60)
صفحة فارغة
(4/61)
صفحة فارغة
(4/62)
صفحة فارغة
(4/63)
صفحة فارغة
(4/64)
صفحة فارغة
(4/65)
وَتقول أعطي الْمَأْخُوذ مِنْهُ
دِرْهَمَانِ المعطاه الْأَخْذ من زيد دِينَارا درهما
رفعت الْمَأْخُوذ بالمعطى وَرفعت الدرهمان لِأَنَّك شغلت الضَّمِير
بِمن والمعطاه هُوَ الْمَفْعُول الثَّانِي لأعطي وَهُوَ دِرْهَم فكأنك
قلت الدِّرْهَم المعاطاه الْآخِذ من زيد فَقَامَ الْآخِذ من زيد مقَام
الْفَاعِل لِأَن الضَّمِير مفعول ثَان ودرهما بدل من المعطاه
(4/66)
تَقول جعل للمعطى أَخُوهُ دِرْهَمَيْنِ
لعَمْرو دِينَارَانِ
(4/67)
صفحة فارغة
(4/68)
تَقْدِيره جعل لعَمْرو دِينَارَانِ الَّذِي
أعطي أَخُوهُ دِرْهَمَيْنِ
وَلَو قلت الدرهمين ظن الْمُعْطى مُنْطَلقًا كَانَ محالا سَوَاء إِذا
أردْت ظن الْمُعْطى دِرْهَمَيْنِ مُنْطَلقًا لِأَن الدرهمين من صلَة
الْمُعْطى فَإِذا قدمتها فقد بدأت بالصلة قبل الْمَوْصُول وَإِنَّمَا
هُوَ تَمام اسْمه فكأنك جعلت دَال زيد قبل يائه أَو يائه من قبل زايه
وَتقول جعل الشَّارِب الشاربه ماءك لبنك شرابك لِأَن الْمَعْنى جعل
الشَّرَاب الَّذِي شرب الرجل الَّذِي شرب ماءك لبنك أَي جعل هَذَا
الشَّيْء الَّذِي شرب ماءك الشَّارِب لبنك وشرابك بدل من قَوْلك لبنك
لِأَن اللَّبن هُوَ الْمَفْعُول الثَّانِي فِي جعل
(4/69)
صفحة فارغة
(4/70)
صفحة فارغة
(4/71)
هَذَا بَاب من إِعْمَال الأول وَالثَّانِي
وهما الفعلان اللَّذَان يعْطف أَحدهمَا على الآخر
وَذَلِكَ قَوْلك ضربت وضربني زيد ومررت بِي عبد الله وَجَلَست وَجلسَ
إِلَى أَخَوَاك وَقمت وَقَامَ إِلَى قَوْمك
فَهَذَا اللَّفْظ هُوَ الَّذِي يختاره البصريون وَهُوَ إِعْمَال
الْفِعْل الآخر فِي اللَّفْظ
وَأما فِي الْمَعْنى فقد يعلم السَّامع أَن الأول قد عمل كَمَا عمل
الثَّانِي فَحذف لعلم الْمُخَاطب
وَنَظِير ذَلِك فِي الْحَذف قَول الله عز وَجل {والحافظين فروجهم
والحافظات والذاكرين الله كثيرا وَالذَّاكِرَات} فقد يعلم المخاطبون
أَن الذاكرات متعديات فِي الْمَعْنى وَكَذَلِكَ الحافظات لِأَن
الْمَعْنى والحافظاتها والذاكراته
وَقَالَ الشَّاعِر فَحذف أَكثر من هَذَا
(4/72)
(نَحْنُ بِمَا عِنْدَنا وأَنْتَ بِمَا ...
عِنْدَكَ راضٍ والرأْيُ مُخْتَلِفُ)
أَرَادَ نَحن بِمَا عندنَا راضون وَأَنت بِمَا عندنَا رَاض فاجتزأ
بِخَبَر الْوَاحِد عَن الْجَمِيع
وَإِنَّمَا اخْتَارُوا إِعْمَال الآخر لِأَنَّهُ أقرب من الأول أَلا
ترى أَن الْوَجْه أَن تَقول خشنت بصدرك وَصدر زيد فتعمل الْبَاء
لِأَنَّهَا أقرب
وَقد حملهمْ قرب الْعَامِل على أَن قَالَ بَعضهم هَذَا جُحر ضَب خرب
وَإِنَّمَا الصّفة للجحر فَكيف بِمَا يَصح مَعْنَاهُ؟
(4/73)
وَلَو أعلمت الأول كَانَ جَائِزا حسنا
فمما جَاءَ من إِعْمَال الآخر فِي الشّعْر قَول الفرزدق
(وإِنَّ حَرامًا أَنْ أَسُبَّ مُقاعِسًا ... بآبائِي الشُّمِّ الكرامِ
الخَضارِمِ)
(ولكنَّ نِصْفًا لَوْ سبَبْتُ وسَبَّني ... بنُو عَبْدِ شَمْسِ مِنْ
مَنافِ وهَاشِم)
(4/74)
وَقَالَ الآخر
(ولَقَدْ نَرَى تَغْنَى بِهِ سَيْفَانَةٌ ... تُصْبي الحليمَ ومِثلُها
أَصْبَاهُ)
وَقَالَ
(وَكُمْتاً مُدْمَّاةً كأَنَّ مُتُونَها ... جَرَى فَوْقَهَا
واسْتَشْعَرَتْ لَونَ مُذْهَبِ)
وَمن أعمل الأول قَالَ ضربت وضربني زيدا وَضربت وضرباني أخويك
لِأَنَّهُ أَرَادَ ضربت زيدا وضربني وَضربت أخويك وضرباني
وعَلى هَذَا تَقول مَرَرْت وَمر بِي بزيد وقصدت وَقصد إِلَيّ إِلَى زيد
تُرِيدُ قصدت إِلَى زيد وَقصد إِلَى ومررت بزيد وَمر بِي
وَمن ذَلِك قَول الشَّاعِر
(4/75)
(فلوْ أَنَّ مَا أَسعَى لأَدْنى معِيشَةِ
... كَفاني ولمْ أَطْلُبْ قَليلٌ مِنَ المالِ)
فَجعل الْقَلِيل كَافِيا لَو طلبه أَو سعى لَهُ وَإِنَّمَا الْمَطْلُوب
فِي الْحَقِيقَة الْملك وَعَلِيهِ معنى الشّعْر
وَقَالَ آخر
(فردَّ على الفُؤادِ هَوًى عَمِيداً ... وسُوئِلَ لَوْ يُبين لَنَا
السُّؤالا)
(4/76)
(وقَدْ نَغْنَى بهَا ونَرَى عُصُوراً ...
بهَا يَقْتَدْنَنا الخُرُدَ الخِدالا)
مَعْنَاهُ ونرى الخرد الخدال يقتدننا وَلَو أَرَادَ إِعْمَال الآخر
لقَالَ بهَا يقتادنا الخرد الخدال
فقد بيّنت لَك أصل هَذَا الْبَاب وسنزيد من الْمسَائِل مَا يزْدَاد
بِهِ وضوحا إِن شَاءَ الله
تَقول إِذا سُئِلت كَيفَ تَقول قَامَ وَقعد أَخَوَاك على إِعْمَال
الأول
فَإِن الْجَواب قَامَ وقعدا أَخَوَاك أردْت قَامَ أَخَوَاك وقعدا
فَإِن أعملت الثَّانِي قلت قاما وَقعد أَخَوَاك
فَإِن قيل لَك مَا بالك أضمرت فِي قاما الْأَخَوَيْنِ من قبل أَن
تذكرهما والإضمار لَا يكون قبل الْمَذْكُور
فَإِنَّمَا جَازَ الْإِضْمَار هَاهُنَا من قبل أَن الْأَخَوَيْنِ
ارتفعا بقعد فَخَلا قَامَ من الْفَاعِل ومحال أَن يَخْلُو فعل من فَاعل
فأضمرت فِيهِ ليَصِح الْفِعْل على مَا ذكرت لَك من اتِّصَال الْفِعْل
بالفاعل وأضمر على شريطة التَّفْسِير وَتَفْسِير الْمُضمر أَخَوَاك
وَمَا يضمر على شريطة التَّفْسِير أَكثر من ذَلِك وسنذكره فِي أبوابه
إِن شَاءَ الله
(4/77)
إِن كَانَ المبدوء بِهِ مَفْعُولا لم تضمره
لِأَن الْمَفْعُول يَسْتَغْنِي الْفِعْل عَنهُ كَمَا ذكرت لَك
فَمن ذَلِك ضربت فأوجعته زيدا إِذا أعملت الأول لِأَنَّك أردْت ضربت
زيدا فأوجعته
فَإِن أعملت الثَّانِي قلت ضربت فأوجعت زيدا لِأَنَّك أردْت ضربت زيدا
فأوجعت زيدا فَلم تضمر الْهَاء فِي ضربت لِأَنَّهَا مفعولة وَلَوْلَا
أَن الْفِعْل لَا بُد لَهُ من الْفَاعِل مَا أضمرت فِي الْمَسْأَلَة
الأولى
وَتقول ضرباني وَضربت أخويك إِذا أعلمت الآخر على مَا شرحت لَك وضربوني
وَضربت قَوْمك
فَإِن أعملت الأول قلت ضَرَبَنِي وضربتهما أَخَوَاك وضربني وضربتهم
قَوْمك
وَتقول ظَنَنْت زيدا مُنْطَلقًا فتعديه إِلَى مفعولين وَكَذَلِكَ
جَمِيع بَابه من علمت وحسبت وَمَا أشبهه فَإِذا عطفت شَيْئا من هَذِه
الْأَفْعَال قلت فِي إِعْمَال الأول ظن أَو علم إِيَّاه زيد مُنْطَلقًا
لِأَنَّك أردْت ظن زيد مُنْطَلقًا أَو علم إِيَّاه فإياه ضمير منطلق
وَفِي علم ضمير الَّذِي يقوم مقَام الْفَاعِل مَرْفُوع
وَإِن شِئْت قلت أَو علمه تجْعَل الْهَاء مَكَان إِيَّاه فِي هَذَا
الْبَاب
وَتقول ظَنَنْت أَو قلت زيد منطلق إِذا أعملت الآخر لِأَن قلت إِنَّمَا
يَقع بعْدهَا الْحِكَايَة إِذا كَانَت جملَة نَحْو الِابْتِدَاء
وَالْخَبَر وَمَا أشبه ذَلِك
(4/78)
فَإِن أعملت الأول قلت ظَنَنْت أَو قلت
هُوَ هُوَ زيدا مُنْطَلقًا تجْعَل هُوَ ابْتِدَاء وَخَبره هُوَ
الثَّانِي وهما ضمير زيد منطلق إِلَّا أَنَّك رفعتهما لِأَنَّهُمَا بعد
قلت فَصَارَت حِكَايَة
أَلا ترى أَنَّك تَقول قَالَ زيد عَمْرو أَخُوك وَقلت قَامَ عبد الله
وَلَو كَانَ فعل لَا يَقع بعده الْحِكَايَة لم يجز أَن يكون إِلَى
جَانب قَامَ
لَو قلت ضربت قَامَ زيد وَمَا أشبهه لم يجز فِي معنى وَلَا لفظ
نَحْو ذَلِك قَول الله عز وَجل {إِلَّا قَالُوا سَاحر أَو مَجْنُون}
وَقَالَ {أم يَقُولُونَ شَاعِر نتربص بِهِ} و {وَقَالُوا مَجْنُون
وازدجر} فَهَذَا كُله على الْحِكَايَة والابتداء هُوَ وَلكنهَا محذوفة
فِي الْقُرْآن لعلم الْمُخَاطب
أما قَوْله {وَإِذا خاطبهم الجاهلون قَالُوا سَلاما} فَإِنَّمَا انتصب
لِأَنَّهُ مصدر عمل فِيهِ فعله لَا القَوْل وَالْمعْنَى وَالله أعلم
وَقَالُوا سلمنَا سَلاما وَتَفْسِيره تسلمنا مِنْكُم تسلما وبرئنا
بَرَاءَة لأَنهم لم يؤمروا أَن يسلمُوا على الْمُشْركين إِذْ ذَاك
وَالْآيَة مَكِّيَّة
ونظيرها لَا تكن من فلَان إِلَّا سَلاما بِسَلام أَي متاركا مبارئا
وَلَو قلت قلت حَقًا أَو قَالَ زيد بَاطِلا لأعملت القَوْل لِأَنَّك لم
تحك شَيْئا إِنَّمَا أعملت القَوْل فِي تَرْجَمَة كَلَامه
أَلا ترى أَنه إِذا قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله قيل لَهُ قلت حَقًا
وَهُوَ لم يلفظ بِالْحَاء وَالْقَاف إِنَّمَا هَذَا معنى مَا قَالَ
وَمثل ذَلِك قَول الله {إِلَّا من أذن لَهُ الرَّحْمَن وَقَالَ
صَوَابا}
(4/79)
هَذَا بَاب إِعْرَاب مَا يعرب من
الْأَفْعَال وَذكر عواملها والإخبار عَمَّا بني مِنْهَا
اعْلَم أَن الْأَفْعَال أدوات للأسماء تعْمل فِيهَا كَمَا تعْمل فِيهَا
الْحُرُوف الناصبة والجارة وَإِن كَانَت الْأَفْعَال أقوى فِي ذَلِك
وَكَانَ حَدهَا أَلا يعرب شَيْء مِنْهَا لِأَن الْإِعْرَاب لَا يكون
إِلَّا بعامل فَإِذا جعلت لَهَا عوامل تعْمل فِيهَا لزمك أَن تجْعَل
لعواملها عوامل وَكَذَلِكَ لعوامل عواملها إِلَى مَا لَا نِهَايَة
فَهَذَا كَانَ حَدهَا فِي الأَصْل
وَالْأَفْعَال ثَلَاثَة أضْرب فَضرب مِنْهَا يعرب لَعَلَّه سأذكرها لَك
أوجبت لَهُ الْإِعْرَاب
وضربان لَا يعربان بل يجريان على مَا يجب فِي الْفِعْل قبل أَن تلْحق
النَّوْع الثَّالِث الْعلَّة الَّتِي أوجبت لَهُ الْإِعْرَاب
فَأَما مَا كَانَ مَاضِيا من الْفِعْل فنحو ضرب يَا فَتى وَذهب
وَانْطَلق وَحمد وَمكث وَمَا كَانَ مَعْنَاهُ فعل من غير هَذِه
الْأَبْنِيَة فَهَذَا النَّوْع مَبْنِيّ على الْفَتْح
وَالضَّرْب الثَّانِي وَهُوَ المعرب مَا لحقته فِي أَوله زَائِدَة من
الزَّوَائِد الْأَرْبَع الْهمزَة وَالْيَاء وَالنُّون وَالتَّاء
وَذَلِكَ قَوْلك أفعل أَنا وَتفعل أَنْت أَو هِيَ ونفعل نَحن وَيفْعل
هُوَ
وَإِنَّمَا أعربت هَذِه الْأَفْعَال بعد أَن كَانَ حَدهَا على مَا وصفت
لَك لمضارعتها الْأَسْمَاء وَمعنى المضارعة أَنَّهَا تقع فِي مواقعها
وَتُؤَدِّي مَعَانِيهَا فَمن ذَلِك قَوْلك زيد يضْرب
(4/80)
فَيجوز أَن تُرِيدُ أَنه يضْرب فِيمَا
يسْتَقْبل وَلم يَقع مِنْهُ ضرب فِي حَال خبرك كَمَا تَقول زيد ضَارب
السَّاعَة وضارب غَدا قَالَ الله عز وَجل {وَإِن رَبك ليحكم بَينهم}
أَي حَاكم فدخلتها اللَّام على معنى دُخُولهَا فِي الِاسْم
والأسماء تكون معرفَة ونكرة وَهَذِه الْأَفْعَال المعربة تقع لَا يعرف
وَقتهَا مَا كَانَ مِنْهُ فِي الْحَال وَمَا يكون مِنْهُ لما يسْتَقْبل
فَإِن أدخلت على الْأَسْمَاء الْألف وَاللَّام صَارَت معرفَة
وَإِن أدخلت على هَذِه الْأَفْعَال السِّين أَو سَوف صَارَت لما
يسْتَقْبل وَخرجت من معنى الْحَال وَذَلِكَ قَوْلك سأضرب وسوف أضْرب
فَلَمَّا وَقعت موقع الْأَسْمَاء فِي الْمَعْنى وَدخلت عَلَيْهَا
الزَّوَائِد للفصل كَمَا دخلت الزَّوَائِد على الْأَسْمَاء أعربتها
كَمَا تعرب الْأَسْمَاء
وَغَيرهَا من الْأَفْعَال لَا عِلّة فِيهِ مِمَّا يُوجب لَهُ
الْإِعْرَاب
وَالنَّوْع الثَّالِث من الْأَفْعَال مَا كَانَ يَقع من الْأَمر
للشَّاهِد الْمُخَاطب نَحْو اضْرِب واذهب وَانْطَلق فَهَذَا مَبْنِيّ
على الْوَقْف
وَكَذَلِكَ كل فعل كَانَ فِي معنى افْعَل من غير هَذِه الْأَبْنِيَة
فَإِن قلت مَا بالك بنيت هَذَا على الْوَقْف وبنيت مَا كَانَ مَعْنَاهُ
فعل على الْفَتْح هلا حركت ذَاك وأسكنت ذَاك
فالفصل بَينهمَا أَنَّك إِذا قلت ضرب وَمَا أشبههَا فقد تصف بهَا
الْأَسْمَاء كَمَا تصف بالمضارعة نَحْو قَوْلك مَرَرْت بِرَجُل ضربنا
(4/81)
وَتَقَع موقع المضارعة فِي الْجَزَاء نَحْو
قَوْلك من أَتَانِي أَتَيْته وَإِن أَعْطَيْتنِي أكرمتك فقد وَقع فِي
موقع من يأتيني آته وَإِن تعطني أكرمك
فَلَمَّا ضارعت المضارعة بنيت على الْحَرَكَة وَجعلت لَهَا مزية على
مَا لم يَقع هَذَا الْموقع
أَلا ترى أَن كل مَا كَانَ مَعْنَاهُ افْعَل لم يُوصف بِهِ وَلم يَقع
فِي موقع المضارعة فَلَمَّا لم يُجَاوز لم يزدْ على السّكُون وسنبين
مَا يبْنى على الْحَرَكَة لتصرفه وَمَا يلْزمه السّكُون لامتناعه من
التَّصَرُّف فِي مَوضِع المبنيات إِن شَاءَ الله
فإعراب الْمُضَارع الرّفْع وَالنّصب والجزم فالرفع بضمة حرف
الْإِعْرَاب وَالنّصب بفتحته والجزم بِحَذْف الْحَرَكَة مِنْهُ
وَذَلِكَ قَوْلك فِي الرّفْع هُوَ يذهب يَا فَتى وَفِي النصب لن يذهب
وَفِي الْجَزْم لم يذهب
فَإِذا ثنيت الْفَاعِل فِي الْفِعْل الْمُضَارع ألحقته ألفا ونونا فِي
الرّفْع وَلم تكن هَذِه الْألف كالألف فِي تَثْنِيَة الِاسْم
لِأَنَّهَا عَلامَة للإضمار والتثنية وَالنُّون عَلامَة الرّفْع
فَإِذا أردْت جزمه حذفت هَذِه النُّون وَالنّصب دَاخل هُنَا على
الْجَزْم كَمَا دخل فِي تَثْنِيَة الِاسْم على الْجَرّ لِأَن الْجَزْم
فِي الْفِعْل نَظِير الْجَرّ فِي الِاسْم
وَكَانَت النُّون مَكْسُورَة كحالها فِي الِاسْم وَالْعلَّة وَاحِدَة
فيهمَا
وَذَلِكَ قَوْلك هما يضربان وَفِي الْجَزْم لم يضربا وَالنّصب لن يضربا
فَإِن جمعت لاسم فِي الْفِعْل ألحقته واوا ونونا فِي الرّفْع وَكَانَت
الْوَاو عَلامَة الْإِضْمَار وَالْجمع كالألف فِي التَّثْنِيَة
وَكَانَت النُّون مَفْتُوحَة كحالها فِي الِاسْم
(4/82)
فَإِن أردْت جزمه حذفت النُّون وَكَانَ
النصب كالجزم كَمَا كَانَ النصب كالجر فِي جمع الْأَسْمَاء
وَذَلِكَ قَوْلك فِي الرّفْع هم يضْربُونَ وَفِي الْجَزْم لم يضْربُوا
وَفِي النصب لن يضْربُوا
وَكَذَلِكَ الْمُؤَنَّث الْوَاحِدَة فِي المخاطبة تَقول أَنْت تضربين
اثْبتْ النُّون فِي الرّفْع وحذفتها فِي الْجَزْم وَالنّصب كَمَا وصفت
لَك من اجْتِمَاعهمَا فِي الْمَعْنى
وَفتحت النُّون لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَة الْأَسْمَاء الْمَجْمُوعَة
فِي النصب والجر نَحْو مُسلمين وَالْعلَّة وَاحِدَة
فَإِن جمعت الْمُؤَنَّث ألحقت لعلامة الْجَزْم نونا فَقلت انتن تفعلن
وَهن يفعلن
(4/83)
فتحت هَذِه النُّون لِأَنَّهَا نون جمع
وَلم تحذفها فِي الْجَزْم وَالنّصب لِأَنَّهَا عَلامَة إِضْمَار وَجمع
أَلا ترى أَنَّك لَو قلت يفعل فِي الْجَزْم لزالت عَلامَة الْجمع
وَصَارَ كالواحد الْمُذكر
وَلَو قلت فِي التَّثْنِيَة أَو جمع الْمُذكر لم يقومُوا وَلم يقوما
لعلم بِالْألف وبالواو الْمَعْنى وَلم تحتج إِلَى النُّون
فَهَذِهِ الْأَفْعَال مَرْفُوعَة لمضارعتها الْأَسْمَاء ووقوعها
مواقعها وَلها عوامل تعْمل فِيهِ كَمَا كَانَ ذَلِك للأسماء
فَمن عواملها الَّتِي تنصبها أَن وَلنْ وكي وَاللَّام الْمَكْسُورَة
وَحَتَّى وأو وَإِذن وَمَا كَانَ من الْجَواب بِالْفَاءِ وَالْوَاو
فَإِنَّهُ يذكر فِي مَوْضِعه وَكَذَلِكَ إِذن وَحَتَّى
فَأَما أَن وَلنْ وكي وَإِذن فيعملن فِيهَا
وَأما سَائِر مَا ذكرنَا لَك فَإِنَّمَا ينْتَصب مَا يعدها من
الْأَفْعَال بإضمار أَن وسنفسر مَا وَقع فِيهِ الضَّمِير بتمثيله فِي
مَوْضِعه وحججه إِن شَاءَ الله
وَأما مَا يجزمها فَلم وَلما وَلَام الْأَمر نَحْو ليقمْ زيد وَلَا فِي
النَّفْي نَحْو
(4/84)
لَا يقم زيد وحروف المجازاة وَمَا صَار
مَعْنَاهُ إِلَيْهَا من جَوَاب الْأَمر وَالنَّهْي والاستفهام وَنَحْو
ذَلِك
فَهَذَا مَا يجزمها وينصبها
تَقول أردْت أَن تقوم يَا فَتى وَأَن تقوما وَأَن تقوموا وَأَن تقومي
يَا امْرَأَة وَلنْ تضربا وجئتك كي تضرب زيدا
وَفِي الْجَزْم لم يقم وَلم يقوما وَلم تقومي يَا امْرَأَة وليقم عبد
الله وَلَا يقْعد زيد إِذا أردْت الْأَمر وَالنَّهْي
(4/85)
هَذَا بَاب الْفِعْل الْمُتَعَدِّي إِلَى
مفعول وَاسم الْفَاعِل وَالْمَفْعُول فِيهِ لشَيْء وَاحِد
وَذَلِكَ الْفِعْل كَانَ وَصَارَ وَأصْبح وَأمسى وظل وَبَات وأضحى
وَمَا دَامَ وَمَا زَالَ وَلَيْسَ وَمَا كَانَ فِي معناهن
وَهَذِه أَفعَال صَحِيحَة كضرب وَلَكنَّا أفردنا لَهَا بَابا إِذْ
كَانَ فاعلها ومفعولها يرجعان إِلَى معنى وَاحِد
وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قلت كَانَ عبد الله أَخَاك فالأخ هُوَ عبد الله
فِي الْمَعْنى
وَإِنَّمَا مجَاز هَذِه الْأَفْعَال ومجاز الْأَفْعَال الَّتِي تقع
للْعلم وَالشَّكّ وَبَاب إِن مجَاز الِابْتِدَاء وَالْخَبَر
وَذَلِكَ أَنَّك تَقول ظَنَنْت زيدا أَخَاك فَإِنَّمَا أدخلت ظن على
قَوْلك زيد أَخُوك وَكَذَلِكَ علمت وحسبت وَجَمِيع هَذَا الْبَاب
وَكَذَلِكَ قَوْلك إِن زيدا منطلق وَلَكِن عبد الله أَخُوك
وَكَانَ بِهَذِهِ الْمنزلَة إِنَّمَا دخلت على قَوْلك زيد منطلق لتوجب
أَن هَذَا فِيمَا مضى وَالْأَصْل الِابْتِدَاء وَالْخَبَر ثمَّ تلحقها
معَان بِهَذِهِ الْحُرُوف
(4/86)
وَكَانَ فعل متصرف يتَقَدَّم مَفْعُوله
ويتأخر وَيكون معرفَة ونكرة أَي ذَلِك فعلت صلح وَذَلِكَ قَوْلك كَانَ
زيد أَخَاك وَكَانَ أَخَاك زيد وأخاك كَانَ زيد وَكَذَلِكَ جَمِيع
بَابهَا فِي الْمعرفَة والنكرة
وَتقول كَانَ الْقَائِم فِي الدَّار عبد الله وَكَانَ الَّذِي ضرب
أَخَاهُ أَخَاك وَكَذَلِكَ لَيْسَ مُنْطَلقًا زيد
فَإِن قَالَ قَائِل أما كَانَ فقد علم أَنَّهَا فعل بِقَوْلِك كَانَ
وَيكون وَهُوَ كَائِن وَكَذَلِكَ أصبح وَأمسى وَلَيْسَ لَا يُوجد
فِيهَا هَذَا التَّصَرُّف فَمن أَيْن قُلْتُمْ إِنَّهَا فعل
قيل لَهُ لَيْسَ كل فعل متصرفا وَإِنَّمَا علينا أَن نوجدك أَنَّهَا
فعل بِالدَّلِيلِ الَّذِي لَا يُوجد مثله إِلَّا فِي الْأَفْعَال ثمَّ
نوجدك الْعلَّة الَّتِي منعتها من التَّصَرُّف
أما الدَّلِيل على أَنَّهَا فعل فوقوع الضَّمِير الَّذِي لَا يكون
إِلَّا فِي الْأَفْعَال فِيهَا نَحْو لست مُنْطَلقًا وَلست ولستما
ولستم ولستن وَلَيْسَت أمة الله ذَاهِبَة كَقَوْلِك ضربوا وَضَربا
وَضربت فَهَذَا وَجه تصرفها
وَأما امتناعها من التَّصَرُّف فَإنَّك إِذا قلت ضرب وَكَانَ دللت على
مَا مضى فَإِذا قلت يضْرب وَيكون دللت على مَا هُوَ فِيهِ وَمَا لم
يَقع
وَأَنت إِذا قلت لَيْسَ زيد قَائِما غَدا أَو الْآن أردْت ذَلِك
الْمَعْنى الَّذِي فِي يكون فَلَمَّا كَانَت تدل على مَا يدل عَلَيْهِ
الْمُضَارع اسْتغنى عَن الْمُضَارع فِيهَا وَلذَلِك لم يبن بِنَاء
الْأَفْعَال من بَنَات الْيَاء مثل بَاعَ وَسَنذكر علتها مَعَ أخواتها
فِي الْفِعْل الَّذِي لَا يتَصَرَّف نَحْو نعم ويئس فِي بَاب التصريف
(4/87)
وَإِنَّمَا هَذَا مَوضِع جمل ثمَّ نذْكر
بعده الْمسَائِل
اعْلَم أَنه إِذا اجْتمع فِي هَذَا الْبَاب معرفَة ونكرة فَالَّذِي
يَجْعَل اسْم كَانَ الْمعرفَة لِأَن الْمَعْنى على ذَلِك لِأَنَّهُ
بِمَنْزِلَة الِابْتِدَاء وَالْخَبَر كَمَا وصفت لَك
أَلا ترى أَنَّك لَو قلت كَانَ رجل قَائِما وَكَانَ إِنْسَان ظريفا لم
تفد بِهَذَا معنى لِأَن هَذَا مِمَّا يعلم النَّاس أَنه قد كَانَ
وَأَنه مِمَّا يكون وَإِنَّمَا وضع الْخَبَر للفائدة
فَإِذا قلت كَانَ عبد الله فقد ألقيت إِلَى السَّامع اسْما يعرفهُ
فَهُوَ يتَوَقَّع مَا تخبره عَنهُ
وَكَذَلِكَ لَو قربت النكرَة من الْمعرفَة بِمَا تحملهَا من
الْأَوْصَاف لجَاز أَن تخبر عَنْهَا وَكَانَ فِيهِ حِينَئِذٍ فَائِدَة
نَحْو قَوْلك كَانَ رجل من بني فلَان فَارِسًا وَكَانَ رجل من أهل
الْبَصْرَة شجاعا وَذَلِكَ لِأَن هَذَا يجوز أَلا يكون أَو يكون فَلَا
يعلم فَلذَلِك ذكرنَا أَن الِاسْم الْمَعْرُوف هُوَ الَّذِي لَهُ هَذَا
الْموضع
تَقول كَانَ مُنْطَلقًا عبد الله وَكَانَ مُنْطَلقًا الْيَوْم عبد الله
وَكَانَ أَخَاك صاحبنا وَزيد كَانَ قَائِما غُلَامه
وَكَذَلِكَ أَخَوَات كَانَ فَمن ذَلِك قَول الله عز وَجل (وَكَانَ
حَقًا علينا نصر
(4/88)
الْمُؤمنِينَ} وَقَالَ {أَكَانَ للنَّاس
عجبا أَن أَوْحَينَا} لِأَن قَوْله {أَن أَوْحَينَا} إِنَّمَا هُوَ
وحينا
فَإِن كَانَ الِاسْم وَالْخَبَر معرفتين فَأَنت فهيا بِالْخِيَارِ
تَقول كَانَ أَخُوك المنطلق وَكَانَ أَخُوك المنطلق
وَتقول من كَانَ أَخَاك إِذا كَانَت من مَرْفُوعَة وَمن كَانَ أَخُوك
إِذا كَانَت من مَنْصُوبَة
وَكَذَلِكَ من ضرب أَخَاك وَمن ضرب أَخُوك
والآيات كلهَا تقْرَأ على هَذَا {فَمَا كَانَ جَوَاب قومه إِلَّا أَن
قَالُوا} و (مَا كَانَ حجتهم
(4/89)
إِلَّا أَن قَالُوا} كَأَنَّهُ قَوْلهم
وَإِن شِئْت رفعت الأول
وَهَذَا الْبَيْت ينشد على وَجْهَيْن
(فقَدْ شَهدَتْ قَيْسٌ فَما كانَ نَصْرُهَا ... قُتَيْبَةَ إِلاَّ
عَضُّها بالأَباهِمِ)
فَإِن قلت فقد تَقول فِي النَّفْي مَا كَانَ أحد مثلك وَمَا كَانَ أحد
مجترئا عَلَيْك فقد خبرت عَن النكرَة
فَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك لِأَن أحدا فِي مَوضِع النَّاس فَإِنَّمَا
أردْت أَن تعلمه أَنه لَيْسَ فِي النَّاس وَاحِد فَمَا فَوْقه يجترئ
عَلَيْهِ فقد صَار فِيهِ معنى بِمَا دخله من هَذَا الْعُمُوم
وَمن ذَلِك قَول الله عز وَجل {وَلم يكن لَهُ كفوا أحد} فَلم يكن
الْخَبَر إِلَّا نكرَة كَمَا وصفت لَك
(4/90)
وَقَالَ الراجز
(لَتَقْرُبَنَّ قَرَبًا جُلْذِيًا ... مادامَ فِيهنَّ فَصِيلٌ حَيًا)
فقد أفادك معنى بقوله فِيهِنَّ وَلَو حذف فِيهِنَّ لَكَانَ هَاهُنَا
معنى آخر وَهُوَ معنى الْأَبَد كَقَوْلِك لَا أُكَلِّمك مَا طَار
طَائِر
وَاعْلَم أَن الشُّعَرَاء يضطرون فيجعلون الِاسْم نكرَة وَالْخَبَر
معرفَة
وَإِنَّمَا حملهمْ على ذَلِك معرفتهم أَن الِاسْم وَالْخَبَر يرجعان
إِلَى شَيْء وَاحِد فَمن ذَلِك قَول حسان بن ثَابت
(4/91)
(كأَنَّ سُلافةَ مِنْ بيْتِ راسٍ ...
يَكُونُ مِزَاجها عَسَلٌ وماءُ)
وَكَانَ الْمَازِني يروي يكون مزاجها عسلا وَمَاء يُرِيد وَفِيه مَاء
(4/92)
قَالَ الفرزدق
(أَسَكْرَانُ كانَ ابْنَ المَراغَةِ إِذْ هَجاَ ... تَمِيمًا بجَوْفِ
الشامِ أَمْ مُتساكِرُ)
(4/93)
وَقَالَ الْقطَامِي
(قِفي قَبْلَ التَّفَرُقِ يَا ضُباعَا ... وَلَا يَكُ مَوْقِفٌ مِنْكِ
الوَداعا)
وَقَالَ خِدَاش بن زُهَيْر
(فإنَّكَ لَا تُبالي بَعْدَ حَول ... أَظبْيٌ كَانَ أُمَّكَ أَم
حِمارُ)
(4/94)
ول (كَانَ) مَوضِع آخر لَا يحْتَاج فِيهِ
إِلَى الْخَبَر وَذَلِكَ قَوْلك أَنا أعرفهُ مذ كَانَ زيد أَي مذ خلق
وَتقول قد كَانَ الْأَمر أَي وَقع
فَمن ذَلِك قَول الله عز وَجل {إِلَّا أَن تكون تِجَارَة حَاضِرَة}
فِيمَن رفع
قَالَ الشَّاعِر
(4/95)
(فَدٌ ي لبني ذُهْلِ بْنِ شَيبانَ نافَتي
... إِذا كانَ يَوْمٌ ذُو كَوَاكِبَ أَشْهَبَ)
وَكَذَلِكَ أصبح وَأمسى تكون مرّة بِمَنْزِلَة (كَانَ) الَّتِي لَهَا
خبر
وَمرَّة تكون بِمَنْزِلَة اسْتَيْقَظَ ونام فَإِنَّمَا هِيَ أَفعَال
وَقد يكون لفظ الْفِعْل وَاحِدًا وَله مَعْنيانِ أَو ثَلَاثَة معَان
فَمن ذَلِك وجدت عَلَيْهِ من الموجدة وَوجدت تُرِيدُ وجدت الضَّالة
وَيكون من وجدت فِي معنى علمت وَذَلِكَ وقولك وجدت زيدا كَرِيمًا
وَكَذَلِكَ رَأَيْت تكون من رُؤْيَة الْعين وَتَكون من الْعلم
كَقَوْلِه عز وَجل {ألم تَرَ إِلَى رَبك كَيفَ مد الظل}
(4/96)
وَقَالَ الشَّاعِر
(رَأَيْتُ الله أَكْبَرَ كُلِّ شَيءٍ ... مُحافَظةً وأَكْثَرَهُمْ
جُنُوداً)
وَهَذَا التَّصَرُّف فِي الْأَفْعَال أَكثر من أَن يُحْصى
وَلَكِن يُؤْتى مِنْهُ بِبَعْض مَا يسْتَدلّ بِهِ على سائره إِن شَاءَ
الله
(4/97)
هَذَا بَاب من مسَائِل كَانَ وَأَخَوَاتهَا
تَقول كَانَ الْقَائِم إِلَيْهِ أَخُوهُ أَخَاك وَإِن شِئْت نصبت الأول
وَرفعت الثَّانِي
وَتقول كَانَ ثَوْبك المزينه علمه عبد الله معجبا
وَتقول كَانَ غُلَامه زيد ضَارِبًا فَهُوَ على وَجه خطأ وعَلى وَجه
صَوَاب
(4/98)
فَأَما الْوَجْه الْفَاسِد فَأن تجْعَل
زيدا مرتفعا بكان وَتجْعَل الْغُلَام منتصبا بضارب
فَتكون قد فصلت بَين كَانَ وَبَين إسمها وخبرها بالغلام وَلَيْسَ هُوَ
لَهَا باسم وَلَا خبر إِنَّمَا هُوَ مفعول مفعولها وَكَذَلِكَ لَو قلت
كَانَت زيدا الْحمى تَأْخُذ
وَالْوَجْه الَّذِي يَصح فِيهِ أَن تضمر فِي كَانَ الْخَبَر أَو
الحَدِيث أَو مَا أشبهه على شريطة التَّفْسِير وَيكون مَا بعده
تَفْسِيرا لَهُ فَيكون مثل الْهَاء الَّتِي تظهر فِي إِن إِلَّا أَنه
ضمير مَرْفُوع فَلَا يظْهر فَيصير الَّذِي بعده مَرْفُوعا
بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر فَتَقول على صِحَة الْمَسْأَلَة كَانَ
غُلَامه زيد ضَارب
(4/99)
فَمَا جَاءَ من الضَّمِير فِي هَذَا
الْبَاب قَوْله
(فأَصْبَحُوا والنَّوَى عَالي مُعَرَّسِهِمْ ... وليْسَ كُلَّ النَّوَى
يُلْقى المَساكِينُ)
أضمر فِي لَيْسَ
(4/100)
وَقَالَ الآخر
(هِيَ الشِّفاءُ لِدَائي إِنْ ظَفِرْتُ بهَا ... وليْس مِنْهَا شِفاءُ
الدَّاءِ مبْذُولُ)
وَقَالَ الفرزدق
(قَنافِذُ هَدَّاجُونَ حَوْلَ بُيُوتِهِمْ ... بِمَا كانَ إِيَّاهُمْ
عَطِيَّةُ عَوَّدَا)
فَهَذَا وَجه مَا ذكرت لَك
وَتقول الْكَائِن أَخَاهُ غلامك كَانَ زيدا يضْرب كَمَا تَقول عَمْرو
كَانَ زيدا يضْرب
وَلَو قلت غُلَامه كَانَ زيد يضْرب كَانَ جيدا أَن تنصب الْغُلَام
بيضرب لِأَنَّهُ كل مَا جَازَ أَن يتَقَدَّم من الْأَخْبَار جَازَ
تَقْدِيم مَفْعُوله
(4/101)
وَكَذَلِكَ لَو قلت غُلَامه كَانَ زيد ضرب
لَكَانَ جيدا لِأَن كَانَ بِمَنْزِلَة ضرب أَلا ترى أَنَّك تَقول
ضَارِبًا أَخَاك ضربت ورجلا قَائِما أكرمت فَهَذَا بِمَنْزِلَة ذَلِك
وَلَو رفعت الْغُلَام لَكَانَ غير جَائِز لِأَنَّهُ إِضْمَار قبل
الذّكر
فَإِن قَالَ قَائِل فَأَنت إِذا نصبت فقد ذكرته قبل الِاسْم
قيل لَهُ إِذا قدم وَمَعْنَاهُ التَّأْخِير فَإِنَّمَا تَقْدِيره
وَالنِّيَّة فِيهِ أَن يكون مُؤَخرا فَإِذا كَانَ فِي مَوْضِعه لم يجز
أَن ينوى بِهِ غير مَوْضِعه
أَلا ترى أَنَّك تَقول ضرب غُلَامه زيد لِأَن الْغُلَام فِي الْمَعْنى
مُؤخر وَالْفَاعِل فِي الْحَقِيقَة قبل الْمَفْعُول
وَلَو قلت ضرب غُلَامه زيدا كَانَ محالا لِأَن الْغُلَام فِي مَوْضِعه
لَا يجوز أَن ينوى بِهِ غير ذَلِك الْموضع
وعَلى هَذَا الْمَعْنى تَقول فِي بَيته يُؤْتى الحكم لِأَن الظّرْف
حَده أَن يكون بعد الْفَاعِل
وَمَا لم يسم فَاعله بِمَنْزِلَة الْفَاعِل وعَلى هَذَا تَقول ضَربته
زيد وَفِي دَاره عبد الله لِأَن هَذَا إِخْبَار وحد المبتدإ أَن يكون
قبلهمَا
وحد الظّرْف أَن يكون بعد الْمَفْعُول بِهِ وَمن ثمَّة جَازَ لقِيت فِي
دَاره زيدا
(4/102)
قَالَ الشَّاعِر
(إنْ تَلْقَ يَوْمًا علَى عِلاَّتِه هَرِمًا ... تَلْقَ السَّماحَةَ
مِنْهُ والنَّدَى خُلقَا)
وَلَو قلت كَانَ الْكَائِن أَخَوَاهُ قَائِمين مُنْطَلقًا أَبَوَاهُ
كَانَ جيدا أفردت الانطلاق بأبويه
وَيجوز فِي هَذِه الْمَسْأَلَة كَانَ الْكَائِن أَخَوَاهُ قائمان
مُنْطَلقًا أَبَوَاهُ إِذا جعلت اسْمه مستكنا فِي الْكَائِن ف
أَخَوَاهُ قائمان وَإِن كَانَ ابْتِدَاء وخبرا فموضعهما خبر كَأَنَّك
قلت كَانَ الْكَائِن هُوَ أَخَوَاهُ قائمان مُنْطَلقًا أَبَوَاهُ يكون
فِي الْكَائِن اسْمهَا وَلَو قلت منطلقان أَبَوَاهُ جَازَ لِأَنَّك
أردْت كَانَ هَذَا الرجل أَبَوَاهُ منطلقان فَجعلت المنطلقين خَبرا
مقدما
وَتقول كَانَ زيد هُوَ الْعَاقِل تجْعَل هُوَ ابْتِدَاء والعاقل خَبره
وَإِن شِئْت قلت كَانَ زيد هُوَ الْعَاقِل يَا فَتى فتجعل هُوَ
زَائِدَة فكأنك قلت كَانَ زيد الْعَاقِل
وَإِنَّمَا يكون هُوَ وهما وهم وَمَا أشبه ذَلِك زَوَائِد بَين
المعرفتين أَو بَين الْمعرفَة وَمَا قاربها من النكرات نَحْو خير
مِنْهُ وَمَا أشبهه مِمَّا لَا تدخله الْألف وَاللَّام
(4/103)
وَإِنَّمَا زيدت فِي هَذَا الْموضع
لِأَنَّهَا معرفَة فَلَا يجوز أَن تؤكد إِلَّا الْمعرفَة
وَلَا تكون زَائِدَة إِلَّا بَين اسْمَيْنِ لَا يسْتَغْنى أَحدهمَا عَن
الآخر نَحْو اسْم كَانَ وخبرها أَو مفعولي ظَنَنْت وَعلمت وَمَا أشبه
ذَلِك والابتداء وَالْخَبَر وَبَاب إِن
فمما جَاءَ من توكيدها فِي الْقُرْآن قَوْله {وَمَا ظلمناهم وَلَكِن
كَانُوا هم الظَّالِمين} وَقَالَ
(4/104)
{إِن لنا لأجرا إِن كُنَّا نَحن الغالبين}
وَقَالَ {تَجِدُوهُ عِنْد الله هُوَ خير وَأعظم أجرا}
وَقد يجوز أَن تكون هَذِه الَّتِي بعد تَجِدُوهُ صفة للهاء المضمرة
وسنذكرها فِي مَوضِع صِفَات الْمُضمر مشروحا إِن شَاءَ الله
وَقَرَأَ بَعضهم {وَلَكِن كَانُوا هم الظَّالِمُونَ} جعل هم ابْتِدَاء
والظالمون خَبره
وينشد هَذَا الْبَيْت لقيس بن ذريح
(تَبْكي على لَيْلى وأَنْتَ تَرَكْتَهَا ... وَكُنْتَ علَيْها بالمَلا
أَنْتَ أَقْدَرُ)
والقوافي مَرْفُوعَة
وَلَو قلت كَانَ زيد أَنْت خير مِنْهُ أَو كَانَ زيد أَنْت صَاحبه لم
يجز إِلَّا الرّفْع لِأَن أَنْت لَو حذفته فسد الْكَلَام وَفِي
الْمسَائِل الأول يصلح الْكَلَام بِحَذْف هَؤُلَاءِ الزَّوَائِد
أما قِرَاءَة أهل الْمَدِينَة {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هن أطهر لكم} فَهُوَ
لحن فَاحش وَإِنَّمَا هِيَ قِرَاءَة ابْن مَرْوَان وَلم يكن لَهُ علم
بِالْعَرَبِيَّةِ
(4/105)
وَإِنَّمَا فسد لِأَن الأول غير مُحْتَاج
إِلَى الثَّانِي
أَلا ترى أَنَّك تَقول هَؤُلَاءِ بَنَاتِي فيستغني الْكَلَام وَفِيمَا
تقدم إِنَّمَا تَأتي قبل الِاسْتِغْنَاء لتوكيد المعرفتين وتدل على مَا
يَجِيء بعْدهَا
(4/106)
هَذَا بَاب الأحرف الْخَمْسَة المشبهة
بالأفعال
وَهِي إِن وَأَن وَلَكِن وَكَأن وليت وَلَعَلَّ
وَإِن وَأَن مجازهما وَاحِد فَلذَلِك عددناهما حرفا وَاحِدًا
وَالْفرق بَينهمَا يَقع فِي بَاب مُفْرد لَهما إِن شَاءَ الله
ف إِن إِنَّمَا مَعْنَاهَا الِابْتِدَاء لِأَنَّك إِذا قلت إِن زيدا
منطلق كَانَ بِمَنْزِلَة قَوْلك زيد منطلق فِي الْمَعْنى وَإِن غيرت
اللَّفْظ
وَكَذَلِكَ لَكِن ولكنهما دخلتا لما أخْبرك بِهِ
أما إِن فَتكون صلَة للقسم لِأَنَّك لَا تَقول وَالله زيد منطلق
لانْقِطَاع الْمَحْلُوف عَلَيْهِ من الْقسم فَإِن قلت وَالله إِن زيدا
منطلق اتَّصل بالقسم وَصَارَت إِن بِمَنْزِلَة اللَّام الَّتِي تدخل
فِي قَوْلك وَالله لزيد خير مِنْك
وَلَكِن للاستدراك وَإِن كَانَت ثَقيلَة عاملة بمنزلتها وَهِي
مُخَفّفَة كَمَا ذكرت لَك فِي بَاب الْعَطف وَإِنَّمَا يسْتَدرك بهَا
بعد النَّفْي نَحْو قَوْلك مَا جَاءَنِي زيد لَكِن عَمْرو وَيَقُول
الْقَائِل مَا ذهب زيد فَتَقول لَكِن عمرا قد ذهب
(4/107)
وَيجوز فِي الثَّقِيلَة والخفيفة أَن
تستدرك بهما بعد الْإِيجَاب مَا كَانَ مستغنياً نَحْو قَوْلك جَاءَ زيد
فَأَقُول لَكِن عمرا لم يَأْتِ وَتكلم عَمْرو لَكِن خَالِد سكت
فَأَما الْخَفِيفَة إِذا كَانَت عاطفة اسْما على اسْم لم يجز أَن
تستدرك بهَا إِلَّا بعد النَّفْي لَا يجوز أَن تَقول جَاءَنِي عَمْرو
لَكِن زيد وَلَكِن مَا جَاءَنِي عَمْرو لَكِن زيد
فَإِن عطفت بهَا جملَة وَهِي الْكَلَام المستغنى جَازَ أَن يكون ذَلِك
بعد الْإِيجَاب كَمَا ذكرت لَك تَقول قد جَاءَنِي زيد لَكِن عَمْرو لم
يأتني
وَأما كَأَن فمعناها التَّشْبِيه تَقول كَأَن زيدا عَمْرو وَكَأن
أَخَاك الْأسد
وَلَعَلَّ مَعْنَاهَا التوقع لمرجو أَو مخوف نَحْو لَعَلَّ زيدا يأتني
وَلَعَلَّ الْعَدو يدركنا وليت مَعْنَاهَا التَّمَنِّي نَحْو لَيْت
زيدا أَتَانَا
فَهَذِهِ الْحُرُوف مشبهة بالأفعال وَإِنَّمَا أشبهتها لِأَنَّهَا لَا
تقع إِلَّا على الْأَسْمَاء وفيهَا الْمعَانِي من الترجي وَالتَّمَنِّي
والتشبيه الَّتِي عباراتها الْأَفْعَال وَهِي فِي الْقُوَّة دون
الْأَفْعَال وَلذَلِك بنيت أواخرها على الْفَتْح كبناء الْوَاجِب
الْمَاضِي
(4/108)
وَهِي تنصب الْأَسْمَاء وترفع الْأَخْبَار
فتشبه من الْفِعْل مَا قدم مَفْعُوله نَحْو ضرب زيدا عَمْرو
وَلَا يجوز فِيهَا التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير لِأَنَّهَا لَا تتصرف
فَيكون مِنْهَا يفعل وَلَا مَا يكون فِي الْفِعْل من الْأَمْثِلَة
والمصادر فَلذَلِك لَزِمت طَريقَة إِذْ لم تبلغ أَن تكون فِي الْقُوَّة
كَمَا شبهت بِهِ وَذَلِكَ قَوْلك إِن زيدا منطلق وَإِن أَخَاك قَائِم
وَكَأن الْقَائِم أَخُوك وليت عبد الله صَاحبك
فَإِن اجْتمعت فِي هَذِه الْحُرُوف معرفَة ونكرة فَالَّذِي يخْتَار أَن
يكون مِنْهُمَا اسْمهَا الْمعرفَة لِأَنَّهَا دخلت على الِابْتِدَاء
وَالْخَبَر وقصتها قصَّة كَانَ فِي ذَلِك
فَأَما التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير نَحْو إِن منطلق زيدا فَلَا يجوز
لِأَنَّهَا حرف جامد لَا تَقول فِيهِ فعل وَلَا فَاعل كَمَا كنت تَقول
فِي كَانَ يكون وَهُوَ كَائِن وَغير هَذَا من الْأَمْثِلَة وَلَكِن إِن
كَانَ الَّذِي يَليهَا ظرفا فَكَانَ خَبرا أَو غير خبر جَازَ وَذَلِكَ
إِن فِي الدَّار زيدا وَإِن فِي الدَّار زيدا قَائِم
(4/109)
وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك لِأَن الظروف
لَيْسَ مِمَّا تعْمل فِيهِ إِن لوُقُوع غَيرهَا فِيهِ
وَإِن قَالَ قَائِل فَقل إِن يقوم زيدا لِأَن يقوم لَيْسَ مِمَّا تعْمل
فِيهِ إِن فَإِن هَذَا محَال من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن إِن مشبهة
بِالْفِعْلِ فَلَا يجوز أَن تلِي الْفِعْل كَمَا لَا يَلِي فعل فعلا
وَلَيْسَ فِيهَا ضمير فَيكون بِمَنْزِلَة كَاد يقوم زيد لِأَن فِي كَاد
ضميرا حَائِلا بَينهمَا وَبَين الْفِعْل
والجهة الْأُخْرَى أَن يقوم فِي مَوضِع قَائِم فَلَا يجوز أَن يفصل
بهَا بَين إِن وَاسْمهَا كَمَا لَا يجوز أَن يفصل بقائم
فَإِن قَالَ قَائِل فَقل إِن قَامَ زيدا
قيل لَهُ هَذَا أبعد وَذَاكَ أَن مَوضِع الْإِخْبَار إِنَّمَا هُوَ
للأسماء لِأَن الْخَبَر إِنَّمَا هُوَ الِابْتِدَاء فِي الْمَعْنى
وَإِنَّمَا دخلت قَامَ هَاهُنَا كَمَا دخلت على الصِّفَات فِي مثل
قَوْلك مَرَرْت بِرَجُل قَائِم ومررت بِرَجُل صَالح فَتَقول مَرَرْت
بِرَجُل قَامَ وبرجل صلح
وَتقول إِن زيدا الظريف عَاقل فَإِن حذفت عَاقِلا رفعت الظريف وَذَلِكَ
أَن الْخَبَر لَا بُد مِنْهُ وَله وضع الْكَلَام وَالصّفة تبين
وَتركهَا جَائِز
(4/110)
وَتقول إِن زيدا منطلق وعمرا وَإِن شِئْت
وَعَمْرو
فَأَما الرّفْع فَمن وَجْهَيْن وَالنّصب من وَجه وَاحِد وَهُوَ أَن
تعطفه على الِاسْم الْمَنْصُوب كَمَا قَالَ
(إِنَّ الرَّبِيعَ الجَوْدَ والخَريفَا ... يَدَا أبي العَبَّاسِ
والصُّيُوفا)
وَهَذَا على وَجه الْكَلَام وَمَجْرَاهُ لِأَنَّك إِذا عطفت شَيْئا على
شَيْء كَانَ مثله
وَأحد وَجْهي الرّفْع وَهُوَ الأجود مِنْهُمَا أَن تحمله على مَوضِع
إِن لِأَن موضعهَا الِابْتِدَاء فَإِذا قلت إِن زيدا منطلق فَمَعْنَاه
زيد منطلق
وَمثل إِن فِي هَذَا الْبَاب لَكِن الثَّقِيلَة
وَنَظِير هَذَا قَوْلك لَيْسَ زيد بقائم وَلَا قَاعِدا على الْموضع
وَمثله خشنت بصدره وَصدر زيد
وعَلى هَذَا قِرَاءَة من قَرَأَ {فَأَصدق وأكن من الصَّالِحين} حمله
على مَوضِع الْفَاء وَلم يحملهُ على مَا عملت فِيهِ
(4/111)
وقرئت هَذِه الْآيَة على وَجْهَيْن {إِن
الله برِئ من الْمُشْركين وَرَسُوله} بِالنّصب وَالرَّفْع فِي
الرَّسُول
وَمثل مَا يحمل على الْموضع قَوْله
(مُعاوِيَ إنَّنا بشرٌ فأَسْجِحْ ... فلَسْنَا بالجبال وَلَا الحديدا)
وَقَالَ الآخر
(أَلاَ حَيَّ نَدْمَانِى عُمَيْرَ بْنَ عامِرٍ ... إذَا مَا
تَلاقَيْنَا مِنَ اليَوْمِ أَوْ غَدا)
وَالْوَجْه الآخر فِي الرّفْع إِن زيدا منطلق وَعَمْرو أَن يكون
مَحْمُولا على الْمُضمر فِي منطلق وَهَذَا أبعد الْوَجْهَيْنِ إِلَّا
أَن تؤكده فَيكون وَجها جيدا مُخْتَارًا نَحْو إِن زيدا منطلق هُوَ
وَعَمْرو
(4/112)
وَتقول إِن زيدا منطلق الظريف وَإِن زيدا
يقوم الْعَاقِل الرّفْع وَالنّصب فِيمَا بعد الْخَبَر جائزان
فالرفع من وَجْهَيْن
أَحدهمَا أَن تَجْعَلهُ بَدَلا من الْمُضمر فِي الْخَبَر
وَالْوَجْه الآخر أَن تحمله على قطع وَابْتِدَاء
وَالنّصب من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن تتبعه زيدا
(4/113)
وَالْآخر أَن تنصبه بِفعل مُضْمر على جِهَة
الْمَدْح وَهَذَا الْفِعْل يذكر إضماره فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله
وَالْآيَة تقْرَأ على وَجْهَيْن {قل إِن رَبِّي يقذف بِالْحَقِّ علام
الغيوب} بِالنّصب وَالرَّفْع
فَأَما كَأَن وليت وَلَعَلَّ إِذا قلت كَأَن زيدا منطلق وَعَمْرو وليت
زيدا يقوم وَعبد الله فَكل مَا كَانَ جَائِزا فِي إِن وَلَكِن من رفع
أَو نصب فَهُوَ جَائِز فِي هَذِه الأحرف إِلَّا الْحمل على مَوضِع
الِابْتِدَاء فَإِن هَذِه الْحُرُوف خَارِجَة من معنى الِابْتِدَاء
لِأَنَّك إِذا قلت لَيْت فَإِنَّمَا تتمنى وَكَأن للتشبيه وَلَعَلَّ
للتوقع فقد زَالَ الِابْتِدَاء وَلم يجز الْحمل عَلَيْهِ
(4/114)
هَذَا بَاب من مسَائِل بَاب كَانَ وَبَاب
إِن فِي الْجمع والتفرقة
تَقول إِن الْقَائِم أَبوهُ منطلقة جَارِيَته نصبت الْقَائِم ب إِن
وَرفعت الْأَب بِفِعْلِهِ وَهُوَ الْقيَاس وَرفعت منطلقة لِأَنَّهَا
خبر إِن وَرفعت الْجَارِيَة بالانطلاق وَيجوز أَن تكون الْجَارِيَة
مَرْفُوعَة بِالِابْتِدَاءِ وخبرها منطلقة فَيكون التَّقْدِير إِن
الْقَائِم أَبوهُ جَارِيَته منطلقة إِلَّا أَنَّك قدمت وأخرت
فَإِن جعلت هَذِه الْمَسْأَلَة فِي بَاب كَانَ قلت على القَوْل الأول
كَانَ الْقَائِم أَبوهُ منطلقة جَارِيَته
وعَلى القَوْل الثَّانِي منطلقة جَارِيَته لِأَنَّك تُرِيدُ كَانَ
الْقَائِم أَبوهُ جَارِيَته منطلقة
وَتقول إِن الْقَائِم وَأَخُوهُ قَاعد فَترفع الْأَخ بعطفك إِيَّاه على
الْمُضمر فِي قَائِم فَهَذَا جَائِز وَالْوَجْه إِذا أردْت أَن تعطفه
على مُضْمر مَرْفُوع أَن تؤكد ذَلِك الْمُضمر فَتَقول إِن الْقَائِم
هُوَ وَأَخُوهُ قَاعد وَإِنَّمَا قلت قَاعد لِأَن الْأَخ لم يدْخل فِي
إِن وَإِنَّمَا دخل فِي صلَة الْقَائِم فَصَارَ بِمَنْزِلَة قَوْلك إِن
الَّذِي قَامَ مَعَ أَخِيه قَاعد
وَنَظِير هَذَا قَوْلك إِن الْمَتْرُوك هُوَ وَأَخُوهُ مريضين صَحِيح
وَإِن المختصم هُوَ وَزيد جَالس
(4/115)
وَلَو أردْت أَن تدخل فِي إِن الْأَخ لَقلت
إِن الْمَتْرُوك مَرِيضا وأخاه صَحِيحَانِ وَإِن المخاصم عمرا وأخاه
قائمان
فعلى هَذَا تَلْخِيص هَذِه الْمسَائِل وَإِنَّمَا حَالهَا فِي كَانَ
وَإِن فِي الِاحْتِيَاج والاستغناء حَال الِابْتِدَاء
ونقول إِن زيدا كَانَ مُنْطَلقًا نصبت زيدا بإن وَجعلت ضَمِيره فِي
كَانَ وَكَانَ وَمَا عملت فِيهِ فِي مَوضِع خبر إِن
وَإِن شِئْت رفعت مُنْطَلقًا فَيكون رَفعه على وَجْهَيْن
أَحدهمَا أَن تجْعَل كَانَ زَائِدَة مُؤَكدَة للْكَلَام نَحْو قَول
الْعَرَب
ولدت فَاطِمَة بنت الخرشب الكملة من بني عبس لم يُوجد كَانَ مثلهم على
إِلْغَاء كَانَ وَمثله قَول الفرزدق
(فَكيف إذَا رَأَيْتُ دِيارَ قَوْمٍ ... وجِيْرَانٍ لَنا كانُوا
كِرامِ)
(4/116)
والقوافي مجرورة وَتَأْويل هَذَا سُقُوط
كَانَ على وجيران لنا كرام فِي قَول النَّحْوِيين أَجْمَعِينَ
وَهُوَ عِنْدِي على خلاف مَا قَالُوا من إِلْغَاء كَانَ وَذَلِكَ أَن
خبر كَانَ لنا فتقديره وجيران كرام كَانُوا لنا
وَقَوله {كَيفَ نُكَلِّم من كَانَ فِي المهد صَبيا} إِنَّمَا معنى
كَانَ هَاهُنَا التوكيد فَكَأَن التَّقْدِير وَالله أعلم كَيفَ
نُكَلِّم من هُوَ فِي المهد صَبيا وَنصب صَبيا على الْحَال وَلَوْلَا
(4/117)
ذَلِك لم يكن عِيسَى بَائِنا من النَّاس
وَلَا دلّ الْكَلَام على أَنه تكلم فِي المهد لِأَنَّك تَقول للرجل
كَانَ فلَان فِي المهد صَبيا فَهَذَا مَالا يَنْفَكّ مِنْهُ أحد أَنه
قد كَانَ كَذَا ثمَّ انْتقل وَإِنَّمَا الْمَعْنى كَيفَ نكلمه وَهُوَ
السَّاعَة كَذَا
وَالْوَجْه الآخر فِي جَوَاز الرّفْع فِي قَوْلك إِن زيدا كَانَ منطلق
على أَن تضمر الْمَفْعُول فِي كَانَ وَهُوَ قَبِيح كَأَنَّك قلت إِن
زيدا كَأَنَّهُ منطلق وقبحه من وَجْهَيْن
(4/118)
أَحدهمَا حذف هَذِه الْهَاء كَقَوْلِك إِن
زيدا ضرب عَمْرو وَلَيْسَ هَذَا من مَوَاضِع حذفهَا وَسَنذكر مَا
حذفهَا فِيهِ أحسن من إِثْبَاتهَا وَمَا يجوز من الْحَذف وَلَيْسَ
بِالْوَجْهِ فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله
وقبحها من الْجِهَة الْأُخْرَى أَنَّك تجْعَل مُنْطَلقًا هُوَ الِاسْم
وَهُوَ نكرَة وَتجْعَل الْخَبَر الضَّمِير وَهُوَ معرفَة فَلَو كَانَ
إِن زيدا كَانَ أَخُوك كَانَ أسهل وَهُوَ مَعَ ذَلِك قَبِيح لحذف
الْهَاء
فَأَما قَوْلهم كأنني أَخُوك وَكنت زيدا فمحال إِن أردْت بِهِ
الِانْتِقَال وَأَنت تَعْنِي أَخَاهُ فِي النّسَب وَلَكِن لَو قلت كنت
أَخَاك أَي صديقك وَأَنا الْيَوْم عَدوك وَكنت زيدا وَأَنا السَّاعَة
عَمْرو أَي غيرت اسمى كَانَ جَائِزا
وَجَائِز أَن تَقول كنت أَخَاك وَإِن كَانَ أَخَاهُ السَّاعَة تُرِيدُ
أَن تعلمه مَا كَانَ وَلَا تخبر عَن وقته الَّذِي هُوَ فِيهِ لعلم
الْمُخَاطب ذَاك وَلِأَن للْقَاتِل إِذا كَانَت الْأَخْبَار حَقًا أَن
يخبر عَنْهَا بِمَا أَرَادَ وَيتْرك غَيره فَمن ذَلِك قَول الله
{وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما} {وَكَانَ الله سميعا عليما} فَقَوْل
النَّحْوِيين والمفسرين فِي هَذَا وَاحِد إِن مَعْنَاهُ وَالله أعلم
أَنه خبرنَا بِمثل مَا يعرف من فَضله وَطوله وَرَحمته وغفرانه وَأَنه
علام الغيوب قبل أَن نَكُون فَعلمنَا ذَلِك ودلنا عَلَيْهِ بِهَذَا
وَغَيره
وَمثل ذَلِك قَوْله {وَالْأَمر يَوْمئِذٍ لله} وَنحن نعلم أَن الْأَمر
أبدا لله
(4/119)
وَتقول كَانَ الْقَائِم الْقَاعِد
أَبَوَاهُ إِلَيْهِ منطلقة جَارِيَته
رفعت الْقَائِم بكان وَرفعت الْقَاعِد بالقائم وَرفعت أَبَوَيْهِ
بالقاعد وَلَوْلَا قَوْلك إِلَيْهِ لم تجز الْمَسْأَلَة وَذَلِكَ أَن
تقديرها كَانَ الَّذِي قَامَ الرجل الَّذِي قعد إِلَيْهِ أَبَوَاهُ
فَلَا بُد من ضميرين يرجع أَحدهمَا إِلَى الْألف وَاللَّام فِي قَاعد
وَالْآخر إِلَى الْألف وَاللَّام فِي الْقَائِم
وَتقول إِن الرَّاغِب فِيهِ أَبَوَاهُ كَانَ زيدا وَإِن زيدا كَانَ
الرَّاغِب فِيهِ أَبَوَاهُ ضاربه
وَلَو قلت كَانَ عبد الله زيد يضْربهُ جعلت أَيهمَا شِئْت فَاعِلا
وَلَو قلت كَانَ عبد الله زيد ضاربه فَجعلت الضَّارِب زيدا كَانَ جيدا
فَإِن جعلت الضَّارِب عبد الله قلت ضاربه هُوَ لِأَن ضَارِبًا اسْم
فَإِذا جرى صفة أَو حَالا أَو خَبرا لغير من هُوَ لَهُ فَلَا بُد من
إِظْهَار الْفَاعِل وَالْخَبَر فِيهِ
وَالْفِعْل يحْتَمل أَن يجْرِي على غير من هُوَ لَهُ لما يدْخلهُ من
الضَّمِير الْمُبين عَمَّن هُوَ لَهُ
أَلا ترى أَنَّك تَقول زيد تكرمه فَيكون جيدا وَلَو قلت زيد مكرمه
فتضعه فِي مَوضِع تكرمه لم يجز حَتَّى تَقول أَنْت وَكَذَلِكَ عبد الله
زَائِره أَنا وَتَفْسِير هَذَا وإجراء الْمسَائِل مستقصى فِي بَاب
الِابْتِدَاء إِن شَاءَ الله
وَتقول إِن أفضلهم الضَّارِب أَخَاهُ كَانَ زيدا
(4/120)
صفحة فارغة
(4/121)
صفحة فارغة
(4/122)
بِنصب الضَّارِب فَفِي هَذَا وُجُوه إِن
شِئْت أجريتها على هَذَا اللَّفْظ فَجعلت الضَّارِب نصبا صفة وَجعلت
كَانَ وَمَا عملت فِيهِ الْخَبَر
وَإِن شِئْت رفعت الضَّارِب فَجَعَلته خَبرا وَجعلت زيدا بَدَلا مِنْهُ
فَرَفَعته وَجعلت كَانَ زَائِدَة على مَا كنت شرحت لَك
وَإِن شِئْت رفعت زيدا على هَذِه الشريطة وَجَعَلته هُوَ الضَّارِب
للْأَخ وكأنك قلت إِن أفضلهم الَّذِي ضرب أَخَاهُ زيد
وَإِن شِئْت رفعت الْأَخ ونصبت زيدا وترفع الضَّارِب
وَلَو قلت إِن أفضلهم الضَّارِب أَخَاهُ كَانَ زيدا ترفع الضَّارِب على
أَن تجْعَل كَانَ صفة للْأَخ لم يجز لِأَن الْأَخ معرفَة وَالْأَفْعَال
مَعَ فاعليها جمل وَإِنَّمَا تكون الْجمل صِفَات للنكرة وحالات للمعرفة
لِأَن يفعل إِنَّمَا هُوَ مضارع فَاعل فَهُوَ نكرَة مثله أَلا ترى
أَنَّك تَقول مَرَرْت بِرَجُل يضْرب زيدا كَمَا تَقول مَرَرْت بِرَجُل
ضَارب زيدا
وَتقول مَرَرْت بِعَبْد الله يَبْنِي دَاره فَيصير يَبْنِي فِي مَوضِع
نصب لِأَنَّهُ حَال كَمَا تَقول مَرَرْت بِعَبْد الله بانيا دَاره
وَلَكِن لَو قلت فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِن أفضلهم الضَّارِب أَخا
لَهُ كَانَ جيدا أَن تصفه بكان إِذا جعلته نكرَة
فَإِن قلت فأجر كَانَ بعد الْمعرفَة وأجعلها حَالا لَهَا فَإِن ذَلِك
قَبِيح وَهُوَ على قبحه جَائِز فِي قَول الْأَخْفَش وَإِنَّمَا قبحه
أَن الْحَال لما أَنْت فِيهِ وَفعل لما مضى فَلَا يَقع فِي معنى
الْحَال
(4/123)
أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت مَرَرْت بِرَجُل
يَأْكُل قلت على هَذَا مَرَرْت بزيد يَأْكُل فَكَانَ مَعْنَاهُ مَرَرْت
بزيد آكلا
وَإِذا قلت أكل فَلَيْسَ يجوز أَن تخبر بهَا عَن الْحَال كَمَا تَقول
هُوَ يَأْكُل أَي هُوَ فِي حَال أكل فَلَمَّا لم يجز أَن يَقع وَهُوَ
على مَعْنَاهُ فِي مَوضِع الْحَال امْتنع فِي هَذَا الْموضع
وَقد أجَاز قوم أَن يضعوا فعل فِي موضعهَا كَمَا تَقول إِن ضربتني
ضربتك وَالْمعْنَى إِن تضربني أضربك
وَهَذَا التَّشْبِيه بعيد لِأَن الْحُرُوف إِذا دخلت حدثت مَعهَا معَان
تزيل الْأَفْعَال عَن موَاضعهَا
أَلا ترى أَنَّك تَقول زيد يضْرب غَدا فَإِذا أدخلت لم قلت لم يضْرب
أمس فبدخول لم صَارَت يضْرب فِي معنى الْمَاضِي وتأولوا هَذِه الْآيَة
من الْقُرْآن على هَذَا القَوْل وَهِي قَوْله {أَو جاءوكم حصرت
صُدُورهمْ}
وَلَيْسَ الْأَمر عندنَا كَمَا قَالُوا وَلَكِن مخرجها وَالله أعلم
إِذا قُرِئت كَذَا الدُّعَاء كَمَا تَقول لعنُوا قطعت أَيْديهم وَهُوَ
من الله إِيجَاب عَلَيْهِم
(4/124)
فَأَما الْقِرَاءَة الصَّحِيحَة فَإِنَّمَا
هِيَ {أَو جاءوكم حصرة صُدُورهمْ}
وَمثل هَذَا من الْجمل قَوْلك مَرَرْت بِرَجُل أَبوهُ منطلق وَلَو وضعت
فِي مَوضِع رجل معرفَة لكَانَتْ الْجُمْلَة فِي مَوضِع حَال فعلى هَذَا
تجْرِي الْجمل
وَإِذا كَانَ فِي الثَّانِيَة مَا يرجع إِلَى الأول جَازَ أَلا تعلقه
بِهِ بِحرف الْعَطف وَإِن علقته بِهِ فجيد
وَإِذا كَانَ الثَّانِي لَا شَيْء فِيهِ يرجع إِلَى الأول فَلَا بُد من
حرف الْعَطف وَذَلِكَ قَوْلك مَرَرْت بِرَجُل زيد خير مِنْهُ
وَجَاءَنِي عبد الله أَبوهُ يكلمهُ
وَإِن شِئْت قلت وَزيد خير مِنْهُ وَأَبوهُ يكلمهُ بِالْوَاو وَهِي حرف
عطف
فَأَما إِذا قلت مَرَرْت بزيد عَمْرو فِي الدَّار فَهُوَ محَال إِلَّا
على قطع خبر واستئناف آخر فَإِن جعلته كلَاما وَاحِدًا قلت مَرَرْت
بزيد وَعَمْرو فِي الدَّار
وَهَذِه الْوَاو الَّتِي يسميها النحويون وَاو الِابْتِدَاء
وَمَعْنَاهَا إِذْ وَمثل ذَلِك قَوْله {يغشى طَائِفَة مِنْكُم
وَطَائِفَة قد أهمتهم أنفسهم} وَالْمعْنَى وَالله أعلم إِذْ طَائِفَة
فِي هَذِه الْحَال وَكَذَلِكَ قَول الْمُفَسّرين
(4/125)
هَذَا بَاب الْمسند والمسند إِلَيْهِ وهما
مَا لَا يَسْتَغْنِي كل وَاحِد من صَاحبه
فَمن ذَلِك قَامَ زيد والابتداء وَخَبره وَمَا دخل عَلَيْهِ نَحْو
كَانَ وَإِن وأفعال الشَّك وَالْعلم والمجازة
فالابتداء نَحْو قَوْلك زيد فَإِذا ذكرته فَإِنَّمَا تذكره للسامع
ليتوقع مَا تخبره بِهِ عَنهُ فَإِذا قلت منطلق أَو مَا أشبهه صَحَّ
معنى الْكَلَام وَكَانَت الْفَائِدَة للسامع فِي الْخَبَر لِأَنَّهُ قد
كَانَ يعرف زيدا كَمَا تعرفه وَلَوْلَا ذَلِك لم تقل لَهُ زيد ولكنت
قَائِلا لَهُ رجل يُقَال لَهُ زيد فَلَمَّا كَانَ يعرف زيدا ويجهل مَا
تخبره بِهِ عَنهُ أفدته الْخَبَر فصح الْكَلَام لِأَن اللَّفْظَة
الْوَاحِدَة من الِاسْم وَالْفِعْل لَا تفِيد شَيْئا وَإِذا قرنتها
بِمَا يصلح حدث معنى وَاسْتغْنى الْكَلَام
فَأَما رفع الْمُبْتَدَأ فبالابتداء وَمعنى الِابْتِدَاء التَّنْبِيه
والتعرية عَن العوامل غَيره وَهُوَ أول الْكَلَام وَإِنَّمَا يدْخل
الْجَار والناصب والرافع سوى الِابْتِدَاء على الْمُبْتَدَأ
والابتداء والمبتدأ يرفعان الْخَبَر وسنبين هَذَا بالاحتجاج فِي
مَوْضِعه إِن شَاءَ الله
(4/126)
فَإِذا قلت عبد الله أَخُوك وَعبد الله
صَالح لم تبل أَكَانَ الْخَبَر معرفَة أَو نكرَة لكل لَفْظَة مِنْهُمَا
مَعْنَاهَا
فَأَما الْمُبْتَدَأ فَلَا يكون إِلَّا معرفَة أَو مَا قَارب الْمعرفَة
من النكرات
أَلا ترى أَنَّك لَو قلت رجل قَائِم أَو رجل ظريف لم تفد السَّامع
شَيْئا لِأَن هَذَا لَا يستنكر أَن يكون مثله كثيرا وَقد فسرنا هَذَا
فِي بَاب إِن وَبَاب كَانَ وَلَو قلت خير مِنْك جَاءَنِي أَو صَاحب
لزيد عِنْدِي جَازَ وَإِن كَانَا نكرتين وَصَارَ فيهمَا فَائِدَة
لتقريبك إيَّاهُمَا من المعارف
وَتقول منطلق زيد فَيجوز إِذا أردْت بمنطلق التَّأْخِير لِأَن زيدا
هُوَ الْمُبْتَدَأ
وَتقول على هَذَا غُلَام لَك عبد الله وظريفان أَخَوَاك وَحسان قَوْمك
وَاعْلَم أَن خبر الْمُبْتَدَأ لَا يكون إِلَّا شَيْئا هُوَ
الِابْتِدَاء فِي الْمَعْنى نَحْو زيد أَخُوك وَزيد قَائِم
(4/127)
فَالْخَبَر هُوَ الِابْتِدَاء فِي
الْمَعْنى أَو يكون الْخَبَر غير الأول فَيكون لَهُ فِيهِ ذكر فَإِن لم
يكن على أحد هذَيْن الْوَجْهَيْنِ فَهُوَ محَال
وَنَظِير ذَلِك زيد يذهب غُلَامه وَزيد أَبوهُ قَائِم وَزيد قَامَ
عَمْرو إِلَيْهِ وَلَو قلت زيد قَامَ عَمْرو لم يجز لِأَنَّك ذكرت
اسْما وَلم تخبر عَنهُ بِشَيْء وَإِنَّمَا خبرت عَن غَيره
فَإِذا قلت عبد الله قَامَ فعبد الله رفع بِالِابْتِدَاءِ وَقَامَ فِي
مَوضِع الْخَبَر وضميره الَّذِي فِي قَامَ فَاعل
فَإِن زعم زاعم أَنه إِنَّمَا يرفع عبد الله بِفِعْلِهِ فقد أحَال من
جِهَات
مِنْهَا أَن قَامَ فعل وَلَا يرفع الْفِعْل فاعلين إِلَّا على جِهَة
الْإِشْرَاك نَحْو قَامَ عبد الله وَزيد فَكيف يرفع عبد الله وضميره
وَأَنت إِذا أظهرت هَذَا الضَّمِير بِأَن تجْعَل فِي مَوْضِعه غَيره
بَان لَك وَذَلِكَ قَوْلك عبد الله قَامَ أَخُوهُ فَإِنَّمَا ضَمِيره
فِي مَوضِع أَخِيه
وَمن فَسَاد قَوْلهم أَنَّك تَقول رَأَيْت عبد الله قَامَ فَيدْخل على
الِابْتِدَاء مَا يُزِيلهُ وَيبقى الضَّمِير على حَاله
وَمن ذَلِك أَنَّك تَقول عبد الله هَل قَامَ فَيَقَع الْفِعْل بعد حرف
الِاسْتِفْهَام ومحال أَن يعْمل مَا بعد حرف الِاسْتِفْهَام فِيمَا
قبله
وَمن ذَلِك أَنَّك تَقول ذهب أَخَوَاك ثمَّ تَقول أَخَوَاك ذَهَبا
فَلَو كَانَ الْفِعْل عَاملا كعمله مقدما لَكَانَ موحدا وَإِنَّمَا
الْفِعْل فِي مَوضِع خبر الِابْتِدَاء رَافعا للضمير كَانَ أَو
خَافِضًا أَو ناصبا فقولك عبد الله قَائِم بِمَنْزِلَة قَوْلك عبد الله
ضَربته وزيدت مَرَرْت بِهِ
(4/128)
وَلَو قلت على كَلَام مُتَقَدم عبد الله
أَو منطلق أَو صَاحبك أَو مَا أشبه هَذَا لجَاز أَن تضمر الِابْتِدَاء
إِذا تقدم من ذكره مَا يفهمهُ السَّامع
فَمن ذَلِك أَن ترى جمَاعَة يتوقعون الْهلَال فَقَالَ قَائِل مِنْهُم
الْهلَال وَالله أَي هَذَا الْهلَال
وَكَذَلِكَ لَو كنت منتظرا رجلا فَقلت زيد جَازَ على مَا وصفت لَك
وَنَظِير هَذَا الْفِعْل الَّذِي يضمر إِذا علمت أَن السَّامع مستغن
عَن ذكره نَحْو قَوْلك إِذا رَأَيْت رجلا فد سدد سَهْما فَسمِعت صَوتا
القرطاس وَالله أَي أصَاب القرطاس أَو رَأَيْت قوما يتوقعون هلالا ثمَّ
سَمِعت تَكْبِيرا قلت الْهلَال وَالله أَي رَأَوْا الْهلَال وَمثل
هَذَا مَرَرْت بِرَجُل زيد لما قلت مَرَرْت بِرَجُل أردْت أَن تبين من
هُوَ فكأنك قلت هُوَ زيد وعَلى هَذَا قَول الله عز وَجل {بشر من
ذَلِكُم النَّار} وَتقول الْبر بِخَمْسِينَ وَالسمن منوان فتحذف الْكر
وَالدِّرْهَم لعلم السَّامع فَإِنَّهُمَا اللَّذَان يسعر عَلَيْهِمَا
وَمِمَّا يحذف لعلم الْمُخَاطب بِمَا يقْصد لَهُ قَوْلهم لَا عَلَيْك
إِنَّمَا يُرِيدُونَ لَا بَأْس عَلَيْك وَقَوْلهمْ لَيْسَ إِلَّا
وَلَيْسَ غير إِنَّمَا يُرِيدُونَ لَيْسَ إِلَّا ذَلِك
(4/129)
وَيَقُول الْقَائِل أما بَقِي لكم أحد
فَإِن النَّاس ألب عَلَيْكُم فَتَقول إِن زيدا وَإِن عمرا أَي لنا
قَالَ الْأَعْشَى
(إِنَّ محَلاًّ وإِنَّ مُرْتَحَلا ... وإِنَّ فِي السَّفْر إِذْ مَضَى
مَهَلا)
ويروي إِذْ مضوا
والمعرفة والنكرة هَاهُنَا وَاحِد وَإِنَّمَا تحذف إِذا علم الْمُخَاطب
مَا تعنى بِأَن تقدم لَهُ خَبرا أَو يجْرِي القَوْل على لِسَانه كَمَا
وصفت لَك
(4/130)
فَمن الْمعرفَة قَول الأخطل
(خَلاَ أَنَّ حيًّا مِنْ قُرَيْشٍ تَفَضَّلُوا ... على النَاسِ أَوْ
أَنَّ الأَكارِم نَهْشَلا)
وَالْبَيْت آخر القصيدة
وَتقول النَّازِل فِي دَاره أَخَوَاك غلامك والضارب أَبَوَاهُ
أَخَوَيْهِ عبد الله
وَلَو قلت أَنا الَّذِي قُمْت وَأَنت الَّذِي ذهبت لَكَانَ جَائِز وَلم
يكن الْوَجْه وَإِنَّمَا وَجه الْكَلَام أَنا الَّذِي قَامَ وَأَنت
الَّذِي ذهب ليَكُون الضَّمِير فِي الْفِعْل رَاجعا إِلَى الَّذِي
وَإِنَّمَا جَازَ بِالتَّاءِ إِذا كَانَ قبله أَنا وَأَنت لِأَنَّك
تحمله على الْمَعْنى
(4/131)
وَلَو قلت الَّذِي قُمْت أَنا لم يجز
وَهَذَا قَبِيح وَإِنَّمَا امْتنع أَن تحمل على الْمَعْنى لِأَنَّهُ
لَيْسَ فِي جملَة الَّذِي مَا يرجع إِلَيْهِ
فمما جَاءَ من هَذَا الْمَعْنى قَول مهلهل
(وأَنَا الذِي قَتَّلْتُ بَكْرًا بالقَنَا ... وتَرَكْتُ تَغْلِبَ
غَيْرَ ذَاتِ سَنام)
وَقَالَ أَبُو النَّجْم
(يَا أَيُّها الذَكَرُ الَّذِي قد سُؤتَني ... وفَضَحْتَني وطَردْتَ
أُمَّ عِيالِيا)
فَإِنَّمَا يصلح هَذَا بالمقدمات الَّتِي وصفت لَك
وَتقول زيد فِي الدَّار قَائِم إِذا جعلت قَوْلك قَائِم مَبْنِيا على
زيد فَإِن جعلت فِي الدَّار مَبْنِيا على زيد نصبت قَائِما على الْحَال
وَتقول زيد يَوْم الْجُمُعَة قَائِم لَا يكون إِلَّا ذَلِك لِأَن ظروف
الزَّمَان لَا تضمن الجثث أَلا ترى أَنَّك تَقول زيد فِي الدَّار فيصلح
وتفيد بِهِ معنى وَلَو قلت زيد يَوْم الْجُمُعَة لم يصلح لِأَن
الزَّمَان لَا يَخْلُو مِنْهُ زيد وَلَا غَيره وَلَكِن إِذا كَانَ اسْم
فِيهِ معنى الْفِعْل جَازَ
(4/132)
أَن تكون أَسمَاء الزَّمَان ظروفا لَهُ
نَحْو قَوْلك الْقِتَال يَوْم الْجُمُعَة ومقدم الْحَاج وَالْمحرم يَا
فَتى لِأَنَّك تخبر أَنه فِي هَذَا الْوَقْت يَقع فها هُنَا فعل قد
كَانَ يجوز أَن يَخْلُو مِنْهُ هَذَا الْوَقْت فعلى هَذَا تجْرِي
الظروف من الْأَزْمِنَة والأمكنة فِي الْإِخْبَار
وَتقول عبد الله زيد الضاربة إِذا كَانَت الْألف وَاللَّام وَالْفِعْل
لزيد فعبد الله ابْتِدَاء وَزيد ابْتِدَاء ثَان والضارب خبر عَن زيد
وهما خبر عَن عبد الله وَالْهَاء الَّتِي فِي الضاربة رَاجِعَة إِلَى
عبد الله
(4/133)
صفحة فارغة
(4/134)
فَإِن جعلت الْألف وَاللَّام وَالْفِعْل
لعبد الله قلت عبد الله زيد الضاربة هُوَ تجْعَل الضَّارِب ابْتِدَاء
ثَالِثا لِأَنَّهُ لَا يكون خبر عَن زيد لِأَنَّهُ غَيره وَتجْعَل هُوَ
خبر الضاربة وَالْهَاء المنصوبة ترجع إِلَى زيد وهما جَمِيعًا خبر عَن
زيد وَزيد وَمَا بعده خبر عَن عبد الله
فَإِن جعلت الْألف وَاللَّام لزيد وَالْفِعْل لعبد الله قلت عبد الله
زيد الضاربة هُوَ فَهُوَ هَاهُنَا إِظْهَار الْفَاعِل لِأَن الْألف
وَاللَّام لزيد فقد صَار خَبرا عَنهُ وَصَارَ الْفِعْل جَارِيا على على
غير نَفسه فأظهرت الْفَاعِل كإظهارك إِيَّاه لَو كَانَ غير الأول نَحْو
قَوْلك عبد الله هِنْد الضاربها أَبوهُ
فَهُوَ فِي مَوضِع أَبِيه هَذَا وَالْألف وَاللَّام فِي الضَّارِب فِي
معنى الَّتِي لِأَنَّهَا لهِنْد
فَإِن كَانَت الْألف وَاللَّام لعبد الله وَالْفِعْل لزيد قلت عبد الله
زيد الضاربة هُوَ هُوَ وَذَاكَ لِأَن الْألف وَاللَّام لعبد الله فقد
صَار ابْتِدَاء ثَالِثا وَجرى الْفِعْل على غير من هُوَ لَهُ فَجعلت
هُوَ الأولى إِظْهَار الْفَاعِل وَالثَّانيَِة خبر الِابْتِدَاء وسنأتي
على بَقِيَّة هَذَا الْبَاب فِي بَاب الْألف وَاللَّام
(4/135)
هَذَا بَاب الْإِضَافَة
وَهِي فِي الْكَلَام على ضَرْبَيْنِ فَمن الْمُضَاف إِلَيْهِ مَا تضيف
إِلَيْهِ بِحرف جر
وَمِنْهَا مَا تضيف إِلَيْهِ اسْما مثله
وَأما حُرُوف الْإِضَافَة الَّتِي تُضَاف بهَا الْأَسْمَاء
وَالْأَفْعَال إِلَى مَا بعْدهَا فَمن وَإِلَى وَرب وَفِي وَالْكَاف
الزَّائِدَة وَالْبَاء الزَّائِدَة وَاللَّام الزَّائِدَة فَهَذِهِ
الْحُرُوف الصَّحِيحَة وَمَا كَانَ مثلهَا
فَأَما مَا وَضعه النحويون نَحْو على وَعَن وَقبل وَبعد وَبَين وَمَا
كَانَ مثل ذَلِك فَإِنَّمَا هِيَ أَسمَاء وسنخبر عَن ذَلِك بِمَا
يُوضحهُ إِن شَاءَ الله
أما من فمعناها ابْتِدَاء الْغَايَة وَتَكون للتَّبْعِيض وَتَكون
زَائِدَة لتدل على أَن الَّذِي بعْدهَا وَاحِد فِي مَوضِع جَمِيع
وَيكون دُخُولهَا كسقوطها
فَأَما ابْتِدَاء الْغَايَة فقولك سرت من الْبَصْرَة إِلَى الْكُوفَة
فقد أعلمته أَن ابْتِدَاء السّير كَانَ من الْبَصْرَة
وَمثله مَا يجْرِي فِي الْكتب نَحْو من عبد الله إِلَى زيد إِنَّمَا
الْمَعْنى أَن ابْتِدَاء الْكتاب من عبد الله
(4/136)
وَكَذَلِكَ أخذت مِنْهُ درهما وَسمعت
مِنْهُ حَدِيثا أَي هُوَ أول الحَدِيث وَأول مخرج الدِّرْهَم
وَأما الَّتِي تقع للتَّبْعِيض فنحو قَوْلك أخذت مَال زيد فَيَقَع
هَذَا الْكَلَام على الْجَمِيع فَإِن قلت أخذت من مَاله وأكلت من
طَعَامه أَو لبست من ثِيَابه دلّت من على الْبَعْض
وَأما الزَّائِدَة الَّتِي دُخُولهَا فِي الْكَلَام كسقوطها فقولك مَا
جَاءَنِي من أحد وَمَا كلمت من أحد
وكقول الله عز وَجل {أَن ينزل عَلَيْكُم من خير من ربكُم} إِنَّمَا
هُوَ خير وَلكنهَا توكيد وَمثل ذَلِك قَول الشَّاعِر
(جَزَيْتُكِ ضِعْفَ الوُدِّ لما اسْتَثبْتِهِ ... وَمَا إِنْ جزاكِ
الضِّعْفَ مِنْ أَحَد قَبْلي)
فَهَذَا مَوضِع زيادتها إِلَّا أَنَّك دللت فِيهِ على أَنه للنكرات دون
المعارف
(4/137)
أَلا ترى أَنَّك تَقول مَا جَاءَنِي من رجل
وَلَا تَقول مَا جَاءَنِي من زيد لِأَن رجلا فِي مَوضِع الْجَمِيع
وَلَا يَقع الْمَعْرُوف هَذَا الْموقع لِأَنَّهُ شئ قد عَرفته
بِعَيْنِه
أَلا ترى أَنَّك تَقول عشرُون درهما وَلَا تَقول عشرُون الدِّرْهَم
لِأَن درهما فِي مَوضِع جَمِيع إِنَّمَا تُرِيدُ بِهِ من الدَّرَاهِم
وَكَذَلِكَ هَذَا أول رجل جَاءَنِي إِنَّمَا هُوَ أول الرِّجَال إِذا
عدوا رجلا رجلا وكل رجل يَأْتِيك فَلهُ دِرْهَم فَهَذَا مَوضِع هَذَا
وَأما قَوْلهم أهلك النَّاس الدِّينَار وَالدِّرْهَم وَذهب النَّاس
بالشاء وَالْبَعِير فَلَيْسَ من هَذَا الْبَاب إِنَّمَا هُوَ تَعْرِيف
الْجِنْس أَلا ترى أَن الرجل يعطيك دِينَارا وَاحِدًا فَتَقول أَنا لَا
أقبل مِنْك الدَّنَانِير
وَكَذَلِكَ لَو أَعْطَاك ثوبا قلت فلَان يبرني بالثياب إِنَّمَا
تُرِيدُ الْوَاحِد من هَذَا الْجِنْس الْمَعْرُوف
وَنَظِير قَوْلك أهلك النَّاس الدِّينَار وَالدِّرْهَم وَأَنت تُرِيدُ
الْجَمِيع قَول الله عز وَجل
(4/138)
{إِن الْإِنْسَان لفي خسر} فَإِنَّمَا
مَعْنَاهُ وَالله أعلم النَّاس أَلا ترَاهُ قَالَ {إِلَّا الَّذين
آمنُوا} وَلَا يسْتَثْنى من الشَّيْء إِلَّا بعضه
وَأما إِلَى فَإِنَّمَا هِيَ للمنتهى أَلا ترى أَنَّك تَقول ذهبت إِلَى
زيد وسرت إِلَى عبد الله ووكلتك إِلَى الله
وَحَتَّى مثلهَا وَلَكِن تركنَا ذكرهَا هَا هُنَا لنفرد لَهَا بَابا
وَأما فِي فَإِنَّمَا هِيَ للوعاء نَحْو زيد فِي الدَّار واللص فِي
الْحَبْس فَهَذَا أَصله
وَقد يَتَّسِع القَوْل فِي هَذِه الْحُرُوف وَإِن كَانَ مَا بدأنا بِهِ
الأَصْل نَحْو قَوْلك زيد ينظر فِي الْعلم فصيرت الْعلم بِمَنْزِلَة
المتضمن وَإِنَّمَا هَذَا كَقَوْلِك قد دخل عبد الله فِي الْعلم وَخرج
مِمَّا يملك
وَمثل ذَلِك فِي يَد زيد الضَّيْعَة النفيسة وَإِنَّمَا قيل ذَلِك
لِأَن مَا كَانَ محيطا بِهِ ملكه بِمَنْزِلَة مَا أحيطت بِهِ يَده
وَرب مَعْنَاهَا الشَّيْء يَقع قَلِيلا وَلَا يكون ذَلِك الشَّيْء
إِلَّا منكورا لِأَنَّهُ وَاحِد يدل
(4/139)
على أَكثر مِنْهُ كَمَا وصفت لَك وَلَا
تكون رب إِلَّا فِي أول الْكَلَام لدُخُول هَذَا الْمَعْنى فِيهَا
وَذَلِكَ قَوْلك رب رجل قد جَاءَنِي وَرب إِنْسَان خير مِنْك
وَأما الْكَاف الزَّائِدَة فمعناها التَّشْبِيه نَحْو عبد الله كزيد
وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مثل زيد وَمَا أَنْت كخالد
فَلذَلِك إِذا اضْطر الشَّاعِر جعلهَا بِمَنْزِلَة مثل وَأدْخل
عَلَيْهَا الْحُرُوف كَمَا تدخل على الْأَسْمَاء فَمن ذَلِك قَوْله
(وصالياتٍ كَكَما يُؤَثْفَيْنْ ... )
فَدخلت الْكَاف على الْكَاف كَمَا تدخل على مثل فِي قَوْله عز وَجل
{لَيْسَ كمثله شَيْء} وَقَالَ الآخر
(4/140)
(فَصُيِّرُوا مِثْلَ كَعَصْفٍ مَأْكُولْ
... )
وَوَقعت فاعلة ومفعولة على هَذَا الْمَعْنى وَذَلِكَ قَوْله
(أَتَنْتَهُونَ ولَنْ يَنْهَى ذَوِي شَطَط ... كالطَّعْنِ يَذْهَبُ
فِيهِ الزَّيْتُ والفُتُلُ)
فالكاف هَا هُنَا فِي معنى مثل إِنَّمَا أَرَادَ شَيْء مثل الطعْن
(4/141)
وَقَالَ الأخطل
(قَلِيلُ غِرارِ النَّوْمِ حَتَّى تَقَلَّصُوا ... عَلى كالقَطَا
الجُونِّى أَفْزَعَها الزَّجْرُ)
أَرَادَ مثل القطا
وَأما الْبَاء فَمَعْنَاه الإلصاق بالشَّيْء وَذَلِكَ قَوْلك مَرَرْت
بزيد فالباء ألصقت مرورك بزيد وَكَذَلِكَ لصقت بِهِ وأشمت النَّاس بِهِ
(4/142)
ومنذ فِي الْأَيَّام والليالي لابتداء
الغايات بِمَنْزِلَة من فِي سَائِر الْأَسْمَاء وَذَلِكَ قَوْلك لم أره
مُنْذُ يَوْمَيْنِ فالغاية فِي الرُّؤْيَة مِمَّا يَلِي أول
الْيَوْمَيْنِ
وَاللَّام الزَّائِدَة مَعْنَاهَا الْملك وَالتَّحْقِيق
وَأما الْأَسْمَاء المضافة إِلَى الْأَسْمَاء بأنفسها فَتدخل على معنى
اللَّام وَذَلِكَ قَوْلك المَال لزيد كَقَوْلِك مَال زيد وكمل تَقول
هَذَا أَخ لزيد وجار لزيد وَصَاحب لَهُ فَهَذَا بِمَنْزِلَة قَوْله
جَاره وَصَاحبه
فَلَا فصل بَينهمَا إِلَّا أَن اللَّام إِذا حَالَتْ بَين الاسمين لم
يكن الأول معرفَة بِالثَّانِي من أجل الْحَائِل
فَإِذا أضفت الِاسْم إِلَى الِاسْم بعده بِغَيْر حرف كَانَ الأول نكرَة
وَمَعْرِفَة بِالَّذِي بعده
فَإِذا أضفت اسْما مُفردا إِلَى اسْم مثله مُفْرد أَو مُضَاف صَار
الثَّانِي من تَمام الأول وصارا جَمِيعًا اسْما وَاحِدًا وانجر الآخر
بِإِضَافَة الأول إِلَيْهِ وَذَلِكَ قَوْلك هَذَا عبد الله وَهَذَا
غُلَام زيد وَصَاحب عَمْرو
وَلَا تدخل فِي الأول ألفا وَلَا لاما وتحذف مِنْهُ التَّنْوِين
وَذَلِكَ أَن التَّنْوِين زَائِد فِي الِاسْم وَكَذَلِكَ الْإِضَافَة
وَالْألف وَاللَّام فَلَا يحْتَمل الِاسْم زيادتين
أَلا ترى أَنَّك تَقول هَذَا غُلَام فَاعْلَم فَإِن زَادَت الْألف
وَاللَّام قلت هَذَا الْغُلَام يَا فَتى وَكَذَلِكَ إِن أدخلت
الْإِضَافَة قلت هَذَا غُلَام زيد وَهَذِه ثَلَاثَة دَرَاهِم
فَإِن أردْت تَعْرِيف الأول عرفت الثَّانِي لِأَنَّهُ إِنَّمَا يكون
الأول معرفَة بِمَا أضفته إِلَيْهِ
(4/143)
أَلا ترى أَنَّك تَقول هَذَا غُلَام رجل
فَيكون نكرَة فَإِذا أردْت تَعْرِيفه قلت هَذَا غُلَام الرجل وَهَذَا
صَاحب المَال
وَكَذَلِكَ هَذِه ثَلَاثَة الأثواب وَخَمْسَة الدَّرَاهِم وَمثل ذَلِك
قَول الشَّاعِر
(وهَلْ يَرْجِعُ التسلِيمَ أَوْ يَدْفَعُ البُكا ... ثَلاثُ الأَثَافي
والديارُ البَلاقِعُ)
ٍ فَإِذا ثنيت الْوَاحِد ثمَّ أردْت إِضَافَته حذفت النُّون من
الِاثْنَيْنِ النُّون وَالْألف وَاللَّام فَقلت هَذَانِ غُلَاما زيد
وصاحبا عَمْرو وحذفت الْألف وَاللَّام وَالنُّون كَمَا فعلت فِي
الْوَاحِد وَكَذَلِكَ الْجمع نَحْو هَؤُلَاءِ مسلمو زيد وصالحو قَومهمْ
فَإِن كَانَ الِاسْم الَّذِي تضيفه مشتقا من الْفِعْل عَاملا فِيمَا
بعده فَإِن الثَّانِي يدْخل فِي صلَة الأول وَذَلِكَ قَوْلك هَذَا
ضَارب زيد وَهَذَانِ ضَارِبًا زيد وَهَؤُلَاء ضاربو زيد
فَإِن أدخلت الْألف وَاللَّام فِي الأول فَهُوَ الْجيد لِأَن
مَعْنَاهَا معنى الَّذِي فَلذَلِك دخلتا
فَإِذا قلت فِي الْوَاحِد هَذَا الضَّارِب زيدا وَهُوَ الْقَاتِل الرجل
فَمَعْنَاه الَّذِي ضرب زيدا وَالَّذِي قتل الرجل فتنصب مَا بعده لِأَن
فِيهِ معنى الْفِعْل وَلَا معنى للأسماء غير المشتقة فِي ذَلِك
أَلا ترى أَنَّك لَو قلت هَذَا الْغُلَام زيدا كَانَ محالا
فَإِن ثنيت الِاسْم الْمُشْتَقّ من الْفِعْل لم تعاقب الْإِضَافَة
الْألف وَاللَّام كَمَا لَا تعاقبها النُّون وَلَكِن تكون الْإِضَافَة
معاقبة للنون وَذَلِكَ قَوْلك هَذَانِ الضاربان فَتثبت النُّون مَعَ
الْألف وَاللَّام لِأَنَّهَا أقوى من التَّنْوِين وَذَلِكَ أَنَّهَا
بدل من التَّنْوِين وَالْحَرَكَة فِي الْوَاحِد كَمَا قلت هَذَانِ
الغلامان
(4/144)
وَتقول هَذَانِ الضاربان زيدا والشاتمان
عمرا والمكرمون أَخَاك والنازلون دَارك وَمن ذَلِك قَول الله عز وَجل
{والمقيمين الصَّلَاة والمؤتون الزَّكَاة} وَقَالَ الْقطَامِي
(الضَّارِبُونَ عُمَيْراً عَنْ دِيارِهِمُ ... بالتَّلِّ يَوْمَ
عُمَيْرٌ ظَالِمٌ عادِي)
فَإِذا أسقطت النُّون أضفت وجررت فَقلت هم الضاربو زيد وهما الشاتما
عَمْرو كَمَا قَالَ الشَّاعِر
(الفَارِجُو بَابِ الأَمَيرِ المُبْهَمِ ... )
وَقَالَ الْأنْصَارِيّ وَأنْشد هَذَا الْبَيْت مَنْصُوبًا عَنهُ وَهُوَ
(الحافِظُو عَوْرَةَ العَشِيرَةِ لَا ... يَأْتِيهِمُ مِنْ وَرَائِنا
نطَفُ)
فَهَذَا لم يرد الْإِضَافَة فَحذف النُّون بِغَيْر معنى فِيهِ وَلَو
أَرَادَ غير ذَلِك لَكَانَ غير الْجَرّ خطأ وَلكنه حذف النُّون لطول
الِاسْم إِذْ صَار مَا بعد الِاسْم صلَة لَهُ وَالدَّلِيل على ذَلِك
(4/145)
حذفهم النُّون مِمَّا لم يشتق من فعل وَلَا
تجوز فِيهِ الْإِضَافَة فيحذفون لطول الصِّلَة فَمن ذَلِك قَول الأخطل
(أَبَنِي كُلَيْبٍ إِنَّ عَمَّيَّ اللَّذَا ... قَتَلا المُلُوكَ
وفكَّكَا الأَغْلالا)
فَحذف النُّون من الَّذين وَقَالَ الْأَشْهب بن رميلة
(إِنَّ الذِي حَانَتْ بِفَلْجٍ دِماؤُهُمْ ... هُمُ القومُ كلُّ
القَوْمِ يَا أُمَّ خَالِدِ)
فَإِن قَالَ قَائِل مَا بالك لَا تَقول فِي الِاسْم غير الْمُشْتَقّ
إِذا ثنيته أَو جمعته بِالْإِضَافَة مَعَ الْألف وَاللَّام فَتَقول هما
الغلاما زيد كَمَا تَقول هما الضاربا زيد؟
(4/146)
قيل لَهُ إِنَّمَا يَقع الْحَذف فِي
الْمُشْتَقّ لِأَنَّهُ يجوز أَن تَقول هما الضاربان زيدا والضاربون
عمرا وَلَا يكون هَذَا فِي الْغُلَام إِذا ثنيته فَلَمَّا كَفَفْت
النُّون عاقبها مَا كَانَ مُسْتَعْملا بعْدهَا
وَمَا لم يشتق من الْفِعْل لَا معنى للاسم الثَّانِي بعد النُّون فِيهِ
أَلا ترى أَنَّك لَا تَقول هَذَانِ الغلامان زيدا وَلَا هَؤُلَاءِ
الصاحبون مُحَمَّدًا
(4/147)
هَذَا بَاب اسْم الْفَاعِل الَّذِي مَعَ
الْفِعْل الْمُضَارع
وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك هَذَا ضَارب زيدا فَهَذَا الِاسْم إِن أردْت
بِهِ معنى مَا مضى فَهُوَ بِمَنْزِلَة قَوْلك غُلَام زيد
تَقول هَذَا ضَارب زيد أمس وهما ضَارِبًا زيد وهم ضاربو عبد الله وَهن
ضاربات أَخِيك كل ذَلِك إِذا أردْت بِهِ معنى الْمَاضِي لم يجز فِيهِ
إِلَّا هَذَا لِأَنَّهُ اسْم بِمَنْزِلَة قَوْلك غُلَام زيد وأخو عبد
الله
أَلا ترى أَنَّك لَو قلت هَذَا غُلَام زيدا كَانَ محالا
فَكَذَلِك اسْم الْفَاعِل إِذا كَانَ مَاضِيا لَا تنونه لِأَنَّهُ اسْم
وَلَيْسَت فِيهِ مضارعة الْفِعْل
وَلَا يجوز أَن تدخل عَلَيْهِ الْألف وَاللَّام وتضيفه كَمَا لم يجز
ذَلِك فِي الْغُلَام فَهُوَ كالأسماء الَّتِي لَا معنى للْفِعْل فِيهَا
وَتقول هَؤُلَاءِ حواج بَيت الله أمس ومررت بِرَجُل ضارباه الزيدان
ومررت بِقوم ملازموهم إِخْوَتهم فتثني وَتجمع لِأَنَّهُ اسْم كَمَا
تَقول مَرَرْت بِرَجُل أَخَوَاهُ الزيدان وَأَصْحَابه إخْوَتك
(4/148)
فَإِن جعلت اسْم الْفَاعِل فِي معنى مَا
أَنْت فِيهِ وَلم يَنْقَطِع أَو مَا تَفْعَلهُ بعد وَلم يَقع جرى مجْرى
الْفِعْل الْمُضَارع فِي عمله وَتَقْدِيره لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ
وَقد مضى تَفْسِير هَذَا وَذَلِكَ قَوْلك زيد أكل طَعَامك السَّاعَة
إِذا كَانَ فِي حَال أكل وَزيد آكل طَعَاما غَدا كَمَا تَقول زيد
يَأْكُل السَّاعَة إِذا كَانَ فِي حَال أكل وَزيد يَأْكُل غَدا
وَتقول على هَذَا أَخَوَاك آكلان طَعَاما وقومك ضاربون زيدا وأخواتك
ضاربات عمرا
وَتقول مَرَرْت بِرَجُل ضَارب زيدا فتصفه بِهِ لِأَنَّهُ نكرَة مثله
كَمَا تَقول مَرَرْت بِرَجُل يضْرب زيدا
وَلَو قلت ذَلِك فِي اسْم الْفَاعِل إِذا أردْت مَا مضى لم يَقع ذَا
الْموقع وَذَلِكَ أَنَّك لَا تَقول مَرَرْت بِرَجُل ضَارب زيد إِلَّا
على الْبَدَل كَمَا لَا تَقول مَرَرْت بِرَجُل غُلَام زيد
وَتقول مَرَرْت بزيد ضَارِبًا عمرا إِذا أردْت الَّتِي تجرى مجْرى
الْفِعْل فَإِن أردْت الْأُخْرَى قلت مَرَرْت بزيد ضَارب عَمْرو كَمَا
تَقول مَرَرْت بزيد غُلَام عَمْرو
وَاعْلَم أَنه قد يجوز لَك أَن تحذف النُّون والتنوين من الَّتِي
تجْرِي مجْرى الْفِعْل وَلَا يكون الِاسْم إِلَّا نكرَة وَإِن كَانَا
مُضَافا إِلَى معرفَة لِأَنَّك إِنَّمَا تحذف النُّون اسْتِخْفَافًا
فَلَمَّا ذهب النُّون عَاقبَتهَا الْإِضَافَة وَالْمعْنَى معنى ثبات
النُّون فَمن ذَلِك قَول الله عز وَجل {هَديا بَالغ الْكَعْبَة} فَلَو
لم ترد التَّنْوِين لم يكن صفة لهدي وَهُوَ نكرَة
(4/149)
وَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى {هَذَا عَارض
مُمْطِرنَا} و {ثَانِي عطفه} لِأَنَّهُ نصب على الْحَال وَلَا تكون
الْحَال إِلَّا نكرَة
وَمن ذَلِك قَول الله عز وَجل {إِنَّا مرسلو النَّاقة} فَإِنَّمَا
هَذَا حِكَايَة قَول الله عز وَجل قبل إرسالها
وَكَذَلِكَ {إِلَّا آتِي الرَّحْمَن عبدا} و {كل نفس ذائقة الْمَوْت}
وَمن نون قَالَ {آتٍ الرَّحْمَن عبدا} و {ذائقة الْمَوْت} كَمَا قَالَ
عز وَجل {وَلَا آمين الْبَيْت الْحَرَام} وَهَذَا هُوَ الأَصْل وَذَاكَ
أخف وَأكْثر إِذْ لم يكن ناقضاً لِمَعْنى وَكِلَاهُمَا فِي الْجَوْدَة
سَوَاء قَالَ جرير
(يَا رُبَّ غَابِطِنَا لَوْ كانَ يَطْلُبُكُمْ ... لاَقَى مُباعَدةً
مِنْكُمْ وَحِرْمانا)
فَرب لَا تقع إِلَّا على نكرَة وَإِنَّمَا حذف التَّنْوِين
اسْتِخْفَافًا وَهُوَ يُرِيد رب غابط لنا وَمثله
(4/150)
(هَلْ أنْتَ بَاعِثُ دِينارٍ لحاجَتِنا ...
أَوْ عبدَ ربٍّ أَخَا عَوْنِ بنِ مِخْراقِ)
أَرَادَ باعث دِينَارا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَسْتَفْهِمهُ عَمَّا سيقع
وَنصب الثَّانِي لِأَنَّهُ أعمل فِيهِ الْفِعْل كَأَنَّهُ قَالَ أَو
باعث عبد رب وَلَو جَرّه على مَا قبله كَانَ عَرَبيا جيدا مثل النصب
وَذَلِكَ لِأَن من شَأْنهمْ أَن يحملوا الْمَعْطُوف على مَا عطف
عَلَيْهِ نَحْو هَذَا ضَارب زيد وَعَمْرو غَدا وينصبون عمرا إِلَّا أَن
الثَّانِي كلما تبَاعد من الأول قوي النصب واختير نَحْو قَوْلك هَذَا
معطي زيد الدَّرَاهِم وعمرا الدَّنَانِير والجر جيد بَالغ
وَلَو قلت هَذَا معطي زيد الْيَوْم الدَّرَاهِم وَغدا عمرا
الدَّنَانِير لم يصلح فِي عَمْرو إِلَّا النصب لِأَنَّك لم تعطف
الِاسْم على مَا قبله وَإِنَّمَا أوقعت الْعَطف على الظّرْف فَلم يقو
الْجَرّ
أَلا ترى أَنَّك تَقول مَرَرْت بزيد وَعَمْرو وَلَا تَقول مَرَرْت أمس
بزيد وَالْيَوْم عَمْرو فَإِذا أعملته عمل الْفِعْل جَازَ لِأَن الناصب
ينصب مَا تبَاعد مِنْهُ
(4/151)
أَلا ترى أَنَّك تَقول هَذَا ضَارب
الْيَوْم زيدا وَغدا عمرا كَمَا تَقول هَذَا يضْرب الْيَوْم زيدا وَغدا
عمرا
وَكَذَلِكَ تَقول هَذَا ضاربك وزيدا غَدا لما لم يجز أَن تعطف
الظَّاهِر على الْمُضمر الْمَجْرُور حَملته على الْفِعْل كَقَوْل الله
عز وَجل {إِنَّا منجوك وَأهْلك} كَأَنَّهُ قَالَ ومنجون أهلك وَلم تعطف
على الْكَاف المجررة
وَمِمَّا تنشده الْعَرَب نصبا وجرا لاشتمال الْمَعْنى عَلَيْهِمَا
جَمِيعًا قَول لبيد
(فإِنْ لمْ تَجِدْ مِنْ دُونِ عَدْنَانَ والِدًا ... ودُونَ معدٍّ
فَلْتَزَعْكَ العَوَاذِلُ)
ينصبون دون ويجرونها وَقَالَ الفرزدق
(قُعُودٌ لَدَى الأَبْوابِ طُلاَّبُ حَاجَة ... عوانٍ مِن الحاجَاتِ
أَوْ حَاجَةً بِكْرًا)
(4/152)
وَقَالَ جرير
(جِيئُو بِمِثْلِ بني بَدْرٍ لِقَومِهِمُ ... أَوْ مِثْلَ أُسْرَةِ
منْظورِ بنِ سَيَّارِ)
يجرونَ مثل وينصبونها فَمن جر فعلى الأول وَمن نصب فعلى أَو هاتوا مثل
أسرة لِأَن هَذَا إِذا أضمر لم يخرج من معنى الأول وَمن قَالَ هَذَا
قَالَ خشنت بصدرك وَصدر زيد على الْموضع
(4/153)
وعَلى نَحْو من هَذَا أَجَازُوا مَرَرْت
بزيد وعمرا لِأَن مَعْنَاهَا أتيت فَحَمله على الْمَعْنى إِذْ كَانَ
قَوْلك بزيد بعد مَرَرْت فِي مَوضِع نصب وَقَالَ الشَّاعِر
(أَلاَ حَىَّ نَدْمَانِي عُمَيْرَ بْنَ عَامِرٍ ... إِذَا مَا
تَلاقَيْنَا مِنَ اليَوْمِ أَوْ غَدا)
كَأَنَّهُ قَالَ أَو تلاقينا غَدا
وَاعْلَم أَن اسْم الْفَاعِل إِذا كَانَ لما مضى فَقلت هَذَا ضَارب زيد
أمس وَعَمْرو وَهَذَا معطي الدَّرَاهِم أمس وَعَمْرو جَازَ لَك أَن
تنصب عمرا على الْمَعْنى لبعده من الْجَار فكأنك قلت وَأعْطى عمرا فَمن
ذَلِك قَول الله عز وَجل {وجاعل اللَّيْل سكنا وَالشَّمْس وَالْقَمَر
حسبانا} على معنى وَجعل فنصب
(4/154)
هَذَا بَاب من مسَائِل الْفَاعِل
تَقول مَرَرْت بِرَجُل قَائِم أَبوهُ فَترفع الْأَب بِفِعْلِهِ وتجري
قَائِما على رجل لِأَنَّهُ نكرَة وَصفته بنكرة فَصَارَ كَقَوْلِك
مَرَرْت بِرَجُل يقوم أَبوهُ
فَإِن قَالَ قَائِل قد علمنَا أَن الْقيام للْأَب فَكيف يجوز أَن
يجْرِي على رجل
قيل لَهُ لِأَن قَوْلك قَائِم أَبوهُ إِنَّمَا هُوَ صفة للرجل فِي
الْحَقِيقَة
أَلا ترى أَنَّك قد حليت الرجل بِقِيَام أَبِيه كَمَا تحليه بِفِعْلِهِ
وفصلت بِهَذِهِ الصّفة بَينه وَبَين رجل لم يقم أَبوهُ كَمَا أَنَّك
إِذا قلت مَرَرْت بِرَجُل قَائِم فصلت بَينه وَبَين من لم يقم وَلَو
قلت مَرَرْت بِرَجُل قَائِم أَبوهُ تُرِيدُ بقائم التَّأْخِير كَأَنَّك
قلت مَرَرْت بِرَجُل أَبوهُ قَائِم ثمَّ قدمت على هَذِه الْجِهَة كَانَ
جيدا وَكنت تَقول على هَذَا الشَّرْط مَرَرْت بِرَجُل قائمان أَبَوَاهُ
لِأَنَّك تُرِيدُ أَبَوَاهُ قائمان
وعَلى القَوْل الأول وَهُوَ الأجود مَرَرْت بِرَجُل قَائِم أَبَوَاهُ
وقائم آباؤه لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الْفِعْل الْمُقدم
وَتقول مَرَرْت بزيد ضَارِبًا عمرا أَخَوَاهُ ومررت بجاريتك قَائِما
إِلَيْهَا أَبَوَاك وَهَذَا رجل ملازمه إخْوَته أردْت ملازم لَهُ
إخْوَته فطرحت التَّنْوِين اسْتِخْفَافًا على مَا وصفت لَك فِي الَّذِي
قبله
(4/155)
وَتقول زيدا عَمْرو ضَارب كَمَا تَقول زيدا
عَمْرو يضْرب
وَلَو قلت زيدا عَمْرو الضَّارِب لم يجز لِأَن الْفِعْل صَار فِي
الصِّلَة
وَلَو قلت عبد الله جاريتك أَبوهَا ضَارب كَانَ بَين النَّحْوِيين
فِيهَا اخْتِلَاف وَذَلِكَ أَن بَعضهم يَقُول إِذا قلت عبد الله زيد
ضَارب فَإِنَّمَا نصبت عبد الله بضارب الَّذِي هُوَ خبر زيد فكأنك قلت
زيد يضْرب عبد الله وَزيد ضَارب عبد الله
فَإِذا قلت عبد الله جاريتك أَبوهَا ضَارب فالجارية ابْتِدَاء وأبوها
ابْتِدَاء ثَان وضارب خبر أَبِيهَا وهما جَمِيعًا خبر الْجَارِيَة فقد
تبَاعد آخر الْكَلَام من أَوله
وَلَيْسَ مَا قَالُوا فِي كَرَاهِيَة النصب بِشَيْء وَذَاكَ لِأَن
ضَارِبًا يجْرِي مجْرى الْفِعْل فِي جَمِيع أَحْوَاله من الْعَمَل
فالتقديم وَالتَّأْخِير فِي الْفِعْل وَمَا كَانَ خَبرا للْأولِ مُفردا
أَو مَعَ غَيره فمجراهما وَاحِد
وَإِنَّمَا يكره الْفَصْل بَين الْعَامِل والمعمول فِيهِ بِمَا لَيْسَ
مِنْهُ نَحْو قَوْلك كَانَت زيدا الْحمى تَأْخُذ فتنصب زيدا بتأخذ
وَتَأْخُذ خبر كَانَ وتفصل بزيد بَين اسْم كَانَ وخبرها وَلَيْسَ زيد
لَهَا باسم وَلَا خبر فَهَذَا الَّذِي لَا يجوز
أَو يكون الْعَامِل غير متصرف فَلَا يجْرِي مجْرى الْفِعْل نَحْو
عِنْدِي عشرُون الْيَوْم درهما وَإِن منطلق زيدا وزيدا إِن منطلق
فَهَذَا الَّذِي لَا يجوز
فَأَما إِذا كَانَ الْعَامِل متصرفا وَلم تفصل بَينه وَبَين
الْمَعْمُول فِيهِ بِشَيْء لَيْسَ مِنْهُ وَلَا بِسَبَبِهِ فعمله فِيهِ
كعمله إِذا وليه وَقد فسرنا مثل هَذَا فِيمَا مضى
(4/156)
وَمثل ذَلِك من المصادر أعجبني الْيَوْم
ضرب زيدا عمرا إِن جعلت الْيَوْم نصبا بأعجبني فَهُوَ جيد
وَإِن نصبته بِالضَّرْبِ كَانَ محالا وَذَلِكَ لِأَن الضَّرْب فِي معنى
أَن فعل وَأَن يفعل فمحال أَن ينصب مَا قبله لِأَن مَا بعده فِي صلته
وَلَا يعْمل إِلَّا فِيمَا كَانَ من تَمَامه فَيصير بعض الِاسْم وَلَا
يقدم بعض الِاسْم على أَوله
فَإِن لم يكن فِي معنى أَن وصلتها أعملته عمل الْفِعْل إِذْ كَانَ
نكرَة مثله فَقدمت فِيهِ وأخرت وَذَلِكَ قَوْلك ضربا زيدا وَإِن شِئْت
قلت زيدا ضربا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي معنى أَن إِنَّمَا هُوَ أَمر
فقولك ضربا زيدا ينْتَصب بِالْأَمر كَأَنَّك قلت اضْرِب إِلَّا أَنه
صَار بَدَلا من الْفِعْل لما حذفته
أَلا ترى أَن قَوْلك سقيا بِمَنْزِلَة سقاك الله ومرحبا بدل من قَوْلك
رَحبَتْ بلادك فعلى هَذَا يجْرِي مَا وصفت لَك فِي الإعمال والتقديم
وَالتَّأْخِير
(4/157)
(هَذَا بَاب الصّفة المشبهة بالفاعل فِيمَا
يعْمل فِيهِ)
(وَإِنَّمَا تعْمل فِيمَا كَانَ من سَببهَا وَذَلِكَ كَقَوْلِك هَذَا
حسن الْوَجْه وَكثير المَال)
اعْلَم أَن هَذِه الصّفة إِنَّمَا حَدهَا أَن تَقول هَذَا رجل حسن
وَجهه وَكثير مَاله فَترفع مَا بعد حسن وَكثير بفعلهما لِأَن الْحسن
إِنَّمَا هُوَ للْوَجْه وَالْكَثْرَة إِنَّمَا هِيَ لِلْمَالِ فَهَذَا
بِمَنْزِلَة قَوْلك هَذَا رجل قَائِم أَبوهُ وقاعد أَخُوهُ وَيجوز أَن
تَقول هَذَا رجل حسن الْوَجْه فَالْوَجْه لم يَجْعَل حسنا معرفَة وَإِن
كَانَ مُضَافا إِلَيْهِ وَذَلِكَ لِأَن التَّنْوِين هُوَ الأَصْل
وَمعنى هَذِه الْإِضَافَة الِانْفِصَال كَمَا كَانَ ذَلِك فِي قَوْله
{هَديا بَالغ الْكَعْبَة} و {هَذَا عَارض مُمْطِرنَا} لما كَانَ
التَّقْدِير إِنَّمَا هُوَ التَّنْوِين ثَبت الِاسْم نكرَة وَصَارَ
بِمَنْزِلَة مَا لَفَظُوا بتنوين
فَيجوز فِي هَذَا أوجه
(4/158)
مِنْهَا الأَصْل نَحْو حسن وَجهه وَحسن
الْوَجْه وَحسن وَجه وَحسن وَجها وَحسن الْوَجْه كل ذَلِك جَائِز
وَمَعْنَاهُ وَاحِد فِي نكرته وأجود ذَلِك إِذا لم تقل حسن وَجهه حسن
الْوَجْه وَذَلِكَ لِأَن وَجهه كَانَ معرفَة وَهُوَ الأَصْل فَكَانَ
الْأَحْسَن أَن يوضع فِي مَوْضِعه معرفَة مثله
لَا تعرف الأول كَمَا كَانَ ذَلِك فِي وَجهه وَأَنه لَو عرفه لم يكن
الأول معرفَة وَإِنَّمَا صَار وَجهه معرفَة لِأَنَّهُ علم وَأَنه لَا
يَعْنِي من الْوُجُوه إِلَّا وَجهه
وَأما حسن الْوَجْه فَإِنَّهُ أخف فِي اللَّفْظ فحذفوا الْألف
وَاللَّام تَخْفِيفًا فَمن ذَلِك قَوْلهم هُوَ حَدِيث عهد بالوجع
وَأنْشد
(لاَحِقِ بَطْنٍ بِقَراً سَمِيْنِ)
(4/159)
الأَصْل لَا حق بَطْنه وَقَالَ الآخر
(وَلَا سَيِّئ زِيٍّ إِذا مَا تَلَبَّسُوا ... إِلَى حاجةِ يَوْماً
مُخَيَّسَةً بُزْلاً)
وَإِنَّمَا جَازَ حذف الْألف وَاللَّام لعلم السَّامع أَنَّك لَا
تَعْنِي إِلَّا وَجهه وَأَن الأول لَا يكون بِهِ معرفَة أبدا
(4/160)
وَمن قَالَ هُوَ حسن وَجها قَالَ هُوَ
الْحسن الْوَجْه يَا فَتى وهما الحسنان الْوُجُوه فنصب لِأَنَّهُ أضمر
الْفَاعِل فِي الأول فَجعل الثَّانِي بِمَنْزِلَة الْمَفْعُول بِهِ
فَصَارَ كَقَوْلِك الضَّارِب الرجل وَالْقَائِل الْحق وَقَالَ
الْحَارِث بن ظَالِم
(فَمَا قَوْمِي بِثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ ... وَلَا بِفَزَارَةَ
الشُّعْرَى رِقَاباً)
ويروى الشّعْر الرقابا فَمن قَالَ ذَا يُشبههُ بالضارب الرجل
وَمن قَالَ الضَّارِب الرجل يَقُول تَشْبِيها بالْحسنِ الْوَجْه وَلَا
يجوز الضَّارِب زيد كَمَا لَا تَقول الْحسن وَجه
وَإِنَّمَا يجوز إِذا كَانَ فِي الثَّانِي ألف وَلَام وَذَلِكَ
لِأَنَّك تَقول هَذَا حسن الْوَجْه فَيكون نكرَة فَإِذا أردْت تعرفه
أدخلت فِي الْحسن الْألف وَاللَّام وَلم تعاقبا الْإِضَافَة إِذْ
كَانَت الْإِضَافَة هَا هُنَا على خلاف الْمُضَاف لِأَن هَا هُنَا
نِيَّة التَّنْوِين فَلذَلِك لم تعرف الأول وَكَانَ كَقَوْلِك الْحسن
وَجهه
فَإِذا قلت هُوَ الْحسن وَجها وَالطّيب خَبرا والحسان وُجُوهًا لم يكن
إِلَّا النصب لِأَنَّك أبهمت الْحسن وأضمرت فِي الْحسن الْفَاعِل
فانتصب مَا بعده لِأَنَّهُ تَمْيِيز إِذا كَانَ نكرَة
(4/161)
ويستقيم أَن يكون انتصابه وَهُوَ نكرَة
كانتصابه إِذا كَانَت الْألف وَاللَّام على التَّشْبِيه بالمفعول بِهِ
وَذَلِكَ قَوْلك هُوَ الْحسن الْوَجْه كَمَا تَقول هُوَ الضَّارِب
الرجل
أَلا ترى أَن الْحسن يجْرِي على مَا قبله مؤنثا كَانَ أَو مذكرا كَمَا
يجْرِي الْفَاعِل فَتَقول مَرَرْت بِامْرَأَة حَسَنَة الْوَجْه ومررت
بأخويك الحسنين الْوُجُوه فعلى هَذَا تميز إِذا حذفت الْألف وَاللَّام
فَقلت مَرَرْت بأخويك الحسنين وُجُوهًا كَمَا قَالَ الله عز وَجل {هَل
ننبئكم بالأخسرين أعمالا}
وَقَالَ رؤبة
(الحَزْنُ بَابا والعقُورُ كَلْباً)
فَهَذِهِ الْأَوْجه عَرَبِيَّة جَيِّدَة وَبَيت الْأَعْشَى ينشد جرا
(4/162)
(الواهِبُ المائِةِ الهِجانِ وعبْدِها ...
عُوذًا تَزَجِّى خَلْفَها أَطْفَالَها)
(4/163)
فَإِن قَالَ قَائِل مَا بالك جررت عَبدهَا
وَإِنَّمَا يُضَاف فِي هَذَا الْبَاب إِلَى مَا فِيهِ الْألف وَاللَّام
تَشْبِيها بالْحسنِ الْوَجْه وَأَنت لَا يجوز لَك أَن تَقول الْوَاهِب
الْمِائَة والواهب عَبدهَا
فَإِنَّمَا جَازَ هَذَا فِي الْمَعْطُوف على تَقْدِير واهب عَبدهَا
كَمَا جَازَ رب رجل وأخيه وَأَنت لَا تَقول رب أَخِيه وَلكنه على
تَقْدِير وَأَخ لَهُ
وَمثل ذَلِك كل شَاة وسخلتها بدرهم وَأَنت لَا تَقول كل سخلتها وَلكنه
على التَّقْدِير الَّذِي خبرتك بِهِ وأخرت الِاحْتِجَاج عَنهُ لنذكره
فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله
وَاعْلَم أَن هَذِه الصّفة لَا يجوز أَن يتقدمها مفعولها وَذَلِكَ
أَنَّهَا لَيست كالفاعل فِي الْحَقِيقَة
أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت زيد ضَارب عمرا وزيدا ضَارب عَمْرو وزيدا
عَمْرو ضَارب أَن الثَّانِي عمل فِي الأول وَأَن ضَارِبًا صَار
بِمَنْزِلَة يضْرب فِي الْمَعْنى
وَلَو قلت زيد الْحسن وَجها أَو الْحسن الْوَجْه لم يكن الْحسن عمل فِي
الْوَجْه شَيْئا وَإِنَّمَا الْحسن فِي الْمَعْنى للْوَجْه فَمن ثمَّ
لم يجز أَن تَقول وَجها زيد حسن وَلَا زيد وَجها حسن
وَلذَلِك لم يجز لهَذِهِ الصّفة أَن تعْمل إِلَّا فِيمَا كَانَ من
سَببهَا
أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت زيد حسن وَجه أَو حسن الْوَجْه أَو الْحسن
وَجها أَنَّك لَا تَعْنِي من الْوُجُوه إِلَّا وَجهه لِأَنَّهُ فِي
الأَصْل زيد حسن وَجهه وَكَذَلِكَ كثير المَال وفاره العَبْد وجيد
الدَّار يجرين مجْرى وَاحِدًا
(4/164)
لَو قلت عمرا زيد الضَّارِب لم يجز
وَلَيْسَ امْتِنَاعه من حَيْثُ امْتنعت الصّفة المشبهة وَلَكِن
مَعْنَاهُ زيد الضَّارِب عمرا أَي الَّذِي ضرب عمرا فَلَمَّا قدمت عمرا
على هَذِه الصّفة لم يجز لِأَنَّهُ بعض الِاسْم إِذْ كَانَ من صلته
فَإِنَّمَا امْتنع من هَذَا الْوَجْه
فَإِن جعلت ضَارِبًا وقائلا وَمَا أشبه ذَلِك بغر ألف وَلَام جَازَ
التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير والإظهار والإضمار وَجرى مجْرى يضْرب لما
ذكرت لَك من المضارعة
(4/165)
(هَذَا بَاب من الْمَفْعُول وَلَكنَّا
عزلناه مِمَّا قبله لِأَنَّهُ مفعول فِيهِ وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه
النَّحْوِيين الْحَال)
اعْلَم أَنَّك إِذا قلت جَاءَنِي عبد الله وَقصد إِلَى زيد فَخفت أَن
يعرف السَّامع اثْنَيْنِ أَو جمَاعَة اسْم كل وَاحِد مِنْهُم عبد الله
أَو زيد قلت الطَّوِيل أَو الْعَاقِل أَو الرَّاكِب أَو مَا أشبه ذَلِك
من الصِّفَات لتفصل بَين من تَعْنِي وَبَين من خفت أَن يلتبس بِهِ
كَأَنَّك قلت جَاءَنِي زيد الْمَعْرُوف بالركوب أَو الْمَعْرُوف بالطول
وَكَذَلِكَ جَاءَنِي زيد بن عَمْرو وَزيد النَّازِل مَوضِع كَذَا
فَإِن لم ترد هَذَا وَأَرَدْت الْإِخْبَار عَن الْحَال الَّتِي وَقع
فِيهَا مَجِيئه قلت جَاءَنِي زيد رَاكِبًا أَو مَاشِيا فَجئْت بعده
بنكرة لَا تكون نعتا لَهُ لِأَنَّهُ معرفَة وَذَلِكَ أَنَّك لم ترد
جَاءَنِي زيد الْمَعْرُوف بالركوب وَالْمَشْي فَيكون تحلية بِمَا قد
عرف وَإِنَّمَا أردْت مَجِيئه وَقع فِي هَذِه الْحَال
وَكَذَلِكَ رَأَيْت عبد الله جَالِسا ومررت بِعَبْد الله ضَاحِكا خبرت
أَن رؤيتك إِيَّاه ومرورك بِهِ وَقعا فِي هَذِه الْحَال مِنْهُ
وَتقول زيد فِي الدَّار قَائِما فتنصب قَائِما بِمَعْنى الْفِعْل
الَّذِي وَقع فِي الدَّار لِأَن الْمَعْنى اسْتَقر عبد الله فِي
الدَّار وَلذَلِك انتصبت الظروف
أَلا ترى أَنَّك تَقول زيد خَلفك وَزيد دُونك فتنصب الدون وَالْخلف
بِفعل زيد كَأَنَّك تَقول اسْتَقر زيد خَلفك وَثَبت دُونك ونفسر هَذَا
فِي بَاب الظروف إِن شَاءَ الله
(4/166)
فَإِن جعلت فِي الدَّار للْقِيَام وَلم
تَجْعَلهُ لزيد قلت زيد فِي الدَّار قَائِم لِأَنَّك إِنَّمَا أردْت
زيد قَائِم فِي الدَّار فَجعلت قَائِما خَبرا عَن زيد وَجعلت فِي
الدَّار ظرفا لقائم
فَمن قَالَ هَذَا قَالَ إِن زيدا فِي الدَّار قَائِم
وَمن قَالَ الأول قَالَ إِن زيدا فِي الدَّار قَائِما فَيكون فِي
الدَّار الْخَبَر ثمَّ خبر على أَيَّة حَال وَقع استقراره فِي الدَّار
فَقَالَ قَائِما أَي على هَذِه الْحَال وَلما قَالَ قَائِم إِنَّمَا
قَالَ فِي الدَّار ليخبر أَي مَوضِع وَقع قِيَامه
فنظير ذَلِك قَوْله جلّ وَعلا {إِن الْمُتَّقِينَ فِي جنَّات وعيون
آخذين} وَقَوله عز وَجل {إِن الْمُتَّقِينَ فِي جنَّات ونعيم فاكهين}
وَذَلِكَ أَن قَوْله {فِي جنَّات} خبر إِن فنصب آخذين وفاكهين على
الْحَال
وَلَو كَانَ الظّرْف هُوَ الْخَبَر لرفع الْخَبَر كَمَا قَالَ الله عز
وَجل {وَفِي النَّار هم خَالدُونَ} لِأَن الْمَعْنى وهم خَالدُونَ فِي
النَّار فَإِنَّمَا فِي النَّار ظرف للخلود
(4/167)
وَتقول هَذَا زيد رَاكِبًا وَذَاكَ عبد
الله قَائِما
فَإِن قَالَ قَائِل مَا الَّذِي ينصب الْحَال وَأَنت لم تذكر فعلا
قيل لَهُ هَذَا إِنَّمَا هُوَ تَنْبِيه كَأَنَّك قلت انتبه لَهُ
رَاكِبًا
وَإِذا قلت ذَاك عبد الله قَائِما ذَاك للْإِشَارَة كَأَنَّك قلت أُشير
لَك إِلَيْهِ رَاكِبًا فَلَا يجوز أَن يعْمل فِي الْحَال إِلَّا فعل
أَو شَيْء فِي معنى الْفِعْل لِأَنَّهَا مفعول فِيهَا
وَفِي كتاب الله جلّ وَعلا {وَهَذَا بعلي شَيخا}
وَلَو قلت زيد أَخُوك قَائِما وَعبد الله أَبوك ضَاحِكا كَانَ غير
جَائِز وَذَاكَ أَنه لَيْسَ هَا هُنَا فعل وَلَا معنى فعل وَلَا
يَسْتَقِيم أَن يكون أَبَاهُ فِي حَال وَلَا يكون أَبَاهُ فِي حَال
أُخْرَى وَلَكِنَّك إِن قلت زيد أَخُوك قَائِما فَأَرَدْت أخوة الصداقة
جَازَ لِأَن فِيهِ معنى فعل كَأَنَّك قلت زيد يؤاخيك قَائِما فعلى
هَذَا يَسْتَقِيم وَيمْتَنع
وَاعْلَم أَن الْحَال إِذا كَانَ الْعَامِل فِيهَا فعلا صَحِيحا جَازَ
فِيهَا كل مَا يجوز فِي الْمَفْعُول بِهِ من التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير
إِلَّا أَنَّهَا لَا تكون إِلَّا نكرَة
وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك فِيهَا لِأَنَّهُ مفعولة فَكَانَت كَغَيْرِهَا
مِمَّا ينْتَصب بِالْفِعْلِ تَقول جَاءَ رَاكِبًا زيد كَمَا تَقول ضرب
زيدا عَمْرو وراكبا جَاءَ زيد كَمَا تَقول عمر
(4/168)
ضرب زيد وَقَائِمًا زيدا رَأَيْت كَمَا
تَقول الدِّرْهَم زيدا أَعْطَيْت وَضربت قَائِما زيدا
وَمن كَلَام الْعَرَب رَأَيْت زيدا مصعدا منحدرا وَرَأَيْت زيدا
رَاكِبًا مَاشِيا إِذا كَانَ أَحَدكُمَا رَاكِبًا وَالْآخر مَاشِيا
وأحدكما مصعدا وَالْآخر منحدرا
وَقَول الله عز وَجل عندنَا على تَقْدِيم الْحَال وَالله أعلم وَذَلِكَ
{خشعا أَبْصَارهم يخرجُون من الأجداث}
(4/169)
وَكَذَلِكَ هَذَا الْبَيْت
(مُزْبِداً يخْطِرُ مَا لَمْ يَرَنى ... وإِذَا يَخْلُو لَهُ لَحْمِي
رَتَعْ)
وَلست تحْتَاج مَعَ مَا عرفتك من حَالهَا وإجرائها مجْرى الْمَفْعُول
وَمَا لزم من ذَلِك من الِاحْتِجَاج إِلَى أَن نوضح لَك بِأَكْثَرَ
مِنْهُ
وَقَالَ الشَّاعِر
(ضاحِكاً مَا قَبَّلْتُها حِينَ قَالُوا ... نَقَضُوا صِكَّهَا
ورُدَّتْ علَيَّا)
وَتقول ضَارِبًا عمرا رَأَيْت زيدا وَأَنت تُرِيدُ رُؤْيَة الْعين
وشاتما أَخَاهُ أقبل عبد الله
فَإِن كَانَ الْعَامِل غير فعل وَلَكِن شَيْء فِي مَعْنَاهُ لم تتقدم
الْحَال على الْعَامِل لِأَن هَذَا شَيْء لَا يعْمل مثله فِي
الْمَفْعُول وَذَلِكَ قَوْله زيد فِي الدَّار قَائِما وَلَا تقل زيد
قَائِما فِي الدَّار وَتقول هَذَا قَائِما حسن وَلَا تقل قَائِما هَذَا
حسن
(4/170)
وَتقول مَرَرْت رَاكِبًا بزيد إِذا كَانَ
رَاكِبًا لَك فَإِن أردْت أَن يكون لزيد لم لم يجز لِأَن الْعَامِل
الْبَاء فعلى مَا ذكرت لَك يجْرِي هَذَا الْبَاب
فَإِن قَالَ قَائِل فَمَا بالك تقدم الظروف وَهِي مفعول فِيهَا
وَالْعَامِل معنى الْفِعْل وَلَا يجوز أَن يعْمل فِيهَا التَّنْبِيه
كَمَا عمل فِي الْحَال وَكِلَاهُمَا مفعول فِيهِ فَمن أَيْن اخْتلفَا
قيل لَهُ الْفَصْل بَين الْحَال والظرف أَن الْحَال هِيَ الِاسْم الأول
فَاعِلا كَانَ أَو مَفْعُولا أَو غير ذَلِك من الِابْتِدَاء وَخَبره
والظرف مُتَضَمّن للْحَال وَغَيرهَا وَا يَقع شَيْء إِلَّا فِي زمَان
وَمَكَان فالحال تقع فِي الظروف والظروف لَا يُقَال إِنَّهَا وَاقعَة
فِي الْحَال
فَإِذا قلت يَوْم الْجُمُعَة زيد فِي الدَّار ف يَوْم الْجُمُعَة غير
زيد وَقد عمل فِيهِ اسْتِقْرَار زيد
وَإِذا قلت جَاءَنِي زيد رَاكِبًا فالراكب هُوَ زيد وَكَذَلِكَ ضربت
زيدا قَائِما وَزيد منطلق رَاكِبًا فالقائم والراكب وَمَا أشبه ذَلِك
هُوَ زيد فَلَمَّا كَانَ إِيَّاه عمل فِيهِ مَا يعْمل فِي الْمَفْعُول
بِهِ لِأَنَّهُ اسْم مثله
وَلما كَانَ الظّرْف متضمنا لهَذَا وَغَيره وَكَانَ غَيرهمَا فِي
الْمَعْنى إِنَّمَا هُوَ اسْم زمَان أَو مَكَان لَا يَخْلُو من كَون
فِيهَا واستقرار كَانَ الناصب لَهما الْمَعْنى الَّذِي جِيءَ بهما من
أَجله
(4/171)
فَإِن قيل لم لَا تَقول هَذَا زيد يَوْم
الْجُمُعَة وَهَذَا زيد شهر رَمَضَان فتعمل التَّنْبِيه
قيل لَهُ إِذا كَانَ الظّرْف من الْمَكَان لم يمْتَنع من شَيْء من
الْأَسْمَاء لِأَنَّهَا تفِيد فِيهِ معنى وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قلت زيد
عنْدك أَو فِي دَارك أَو بِالْبَصْرَةِ فقد أفدت فِيهِ مَا قد كَانَ
يجوز أَن يَخْلُو مِنْهُ
وَإِذا قلت زيد يَوْم الْجُمُعَة فَلَا معنى لهَذَا لِأَن يَوْم
الْجُمُعَة لَا يَخْلُو زيد وَلَا غَيره مِنْهُ وَلَا حَيّ وَلَا ميت
فَلَمَّا لم تكن فِيهِ فَائِدَة قَالَ النحويون لَا تكون ظروف
الزَّمَان للجثث
وَإِنَّمَا امْتنع قَوْلك هَذَا زيد يَوْم الْجُمُعَة من الْجَوَاز
وَإِن كَانَت هَا للتّنْبِيه وَذَا للْإِشَارَة وَلم يكن مثل قَوْلك
الْقِتَال شهر رَمَضَان وَيَوْم الْجُمُعَة لِأَنَّك إِذا قلت
الْقِتَال يَوْم الْجُمُعَة فقد خبرت بِشَيْء يكون فِي الْجُمُعَة قد
كَانَ يجوز أَن يَخْلُو مِنْهُ
وَأَنت إِذا قلت هَذَا زيد فقد نبهت وأعلمت فِي أَي وَقت هُوَ فَلَا
معنى لِقَوْلِك يَوْم الْجُمُعَة وَلَا لذكر وَقت لِأَن السَّامع فِي
الْوَقْت وَأَنت سَوَاء
أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت أَنا آكل يَوْم الْجُمُعَة وَأَنت تخبر عَن
أَنَّك تفعل هَذَا إِذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة كَانَ جيدا
وَلَو قلت أَنا آكل يَوْم الْجُمُعَة تخبر عَمَّا أَنْت فِيهِ لم يكن
لَهُ معنى فَإِن أردْت أَن تفِيد السَّامع أَن الْيَوْم يَوْم
الْجُمُعَة قلت أَنا آكل وَهَذَا يَوْم الْجُمُعَة ليصير خَبرا بعد خبر
فتفهم هَذَا فَإِن معرفَة الْأُصُول إحكام الْبَاب وَإِذا صحت جرت
عَلَيْهِ الْمسَائِل على الاسْتقَامَة إِن شَاءَ الله
(4/172)
|