المقتضب (هَذَا بَاب مَا يلْزمه التَّغْيِير فِي
النداء وَهُوَ فِي الْكَلَام على غير ذَلِك)
فَمن ذَلِك قَوْلهم يَا أَبَت لَا تفعل وَيَا أمت لَا تفعلي فَهَذِهِ
الْهَاء إِنَّمَا دخلت بَدَلا من يَاء الْإِضَافَة وَالدَّلِيل على
ذَلِك أَنَّك إِن جِئْت بِالْيَاءِ حذفتها فَقلت يَا أبي لَا تفعل
وَيَا أُمِّي لَا تفعلي
فَأَما الكسرة الَّتِي فِيهَا فدلالة على الْإِضَافَة
وَكَانَت الْهَاء دَاخِلَة على الْأُم لِأَنَّهَا مُؤَنّثَة وعَلى
الْأَب كَمَا دخلت فِي رِوَايَة وعلامة للْمُبَالَغَة وَلِأَن
الشَّيْئَيْنِ إِذا جَريا مجْرى وَاحِدًا سوى بَين لَفْظهمَا
(4/262)
أَلا ترى أَنَّك تَقول فعل أبواي وَهَذَانِ
أَبَوَاك تَعْنِي الْأَب وَالأُم وَإِنَّمَا أخرجته مخرج قَوْلك أَب
وأبة كَمَا تَقول صَاحب وصاحبة لِأَن كل جَار على الْفِعْل من
الْأَسْمَاء فتأنيثه جَار على تذكيره وَمَا كَانَ من غير فعل أَو كَانَ
على غير بِنَاء الْفِعْل نَحْو أَحْمَر وعطشان وَمَا أشبه ذَلِك اخْتلف
تأنيثه وتذكيره لِأَن الْفِعْل تلْحقهُ الزِّيَادَة للتأنيث فَيكون
الِاسْم عَلَيْهِ كَذَلِك تَقول ضرب فَإِن عنيت الْمُؤَنَّث قلت ضربت
فعلى هَذَا تَقول ضَارب ضاربة
وَمَا كَانَ من قَوْلك أَحْمَر فالاسم مِنْهُ محمر فَأَما قَوْلك
أَحْمَر فمشتق وَلَيْسَ بجار على الْفِعْل فَهَذَا الَّذِي وصفت لَك
وَتقول يَا أم لَا تفعلي وَيَا أَب لَا تفعل إِذا لم ترد قَول من يثبت
الْيَاء أَو يعوض مِنْهَا الْهَاء الَّتِي هِيَ تَاء فِي الْوَصْل
فَإِن جِئْت بِالتَّاءِ ووقفت عَلَيْهَا كَانَت بِمَنْزِلَة قَوْلك يَا
عمَّة وَيَا خَالَة وَيجوز التَّرْخِيم فِيهَا كَمَا جَازَ فِي حمدة
وَنَحْوهَا لِأَنَّهَا وَإِن كَانَت بَدَلا فَإِنَّمَا هِيَ عَلامَة
تَأْنِيث فِي وَصلهَا ووقفها سَوَاء
وَقد قرئَ {رب احكم بِالْحَقِّ} فَتَقول إِذا رخمت يَا أم لَا تفعلي
فِيمَن قَالَ يَا حَار وترفع فِيمَن قَالَ يَا حَار
وَالْعلم بانها بدل من يَاء الْإِضَافَة كَالْعلمِ بذلك إِذا أثبتها
لِأَن قَوْلك يَا أم غير مُسْتَعْمل إِلَّا مُضَافا لِأَنَّهَا من
الْأَسْمَاء المضمنة فَإِذا لم تكن مَوْصُولَة بِظَاهِر وَلَا مُضْمر
لَهُ عَلامَة الْغَائِب فَهِيَ للمتكلم
(4/263)
فَأَما الْمُخَاطب فمحال أَن تكون لَهُ فِي
الدُّعَاء لَا تَقول يَا أمك أقبلي لِأَن المخاطبة لَا تجمع اثْنَيْنِ
إِلَّا على جِهَة الْإِشْرَاك
والترخيم دَاخل على المعارف لِأَنَّهَا مثبتة مَقْصُود إِلَيْهَا
مَبْنِيَّة من غَيرهَا والنكرات شائعة غير مَعْلُوم وَاحِدهَا
(4/264)
(هَذَا بَاب المبهمة وصفاتها)
اعْلَم أَنَّك إِذا قلت يَا هَذَا الرجل فَإِنَّمَا أبنت المنادى بذكرك
الرجل وَلَيْسَ الرجل على مَعْهُود
فَإِن قلت يَا هَذَا ذَا الجمة لم يصلح أَن يكون ذَا الجمة نعتا لِأَن
المبهمة لَا تنْعَت بالمضاف لِأَن الْمُضَاف إِنَّمَا هُوَ معرفَة
بِمَا بعده والمبهمة لَا يجوز أَن تُضَاف إِلَى شَيْء لِأَنَّهَا لَا
تكون إِلَّا معارف بِالْإِشَارَةِ الَّتِي فِيهَا فَلم تكن نعوتها
إِلَّا مثلهَا وَلَكِن يجوز هَذَا على وَجْهَيْن على أَن يكون ذَا
الجمة نِدَاء ثَانِيًا فَيكون التَّقْدِير يَا هَذَا يَا ذَا الجمة
وعَلى أَن يكون مَنْصُوبًا بأعنى
فَإِن قلت يَا هَذَا الطَّوِيل جَازَ أَن يكون الطَّوِيل عطفا على
هَذَا مُبينًا لَهُ وَيجوز أَن يكون نعتا وَلَيْسَ بِوَجْه الْكَلَام
وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يُوضح هَذَا باسم فِيهِ ألف وَلَام لَا بنعت
لِأَن هَذَا مُبْهَم فَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يُفَسر بِمَا يقْصد
إِلَيْهِ
وَتقول يَا هَذَانِ زيد وَعَمْرو وَإِن شِئْت قلت زيدا وعمرا وَإِن
شِئْت قلت زيد وَعَمْرو
أما الرّفْع بِغَيْر تَنْوِين فعلى الْبَدَل كَأَنَّك قلت يَا زيد
وَيَا عَمْرو
وَأما الرّفْع بتنوين فعلى عطف الْبَيَان على اللَّفْظ
وَأما قَوْلك زيدا وعمرا فعلى عطف الْبَيَان على الْموضع
(4/265)
وَلَو قلت يَا هَذَا وَهَذَا الطَّوِيل
والقصير لم يجز أَن يكون الطَّوِيل والقصير نعتا لِأَن المبهمة وَمَا
بعْدهَا كالشيء الْوَاحِد
أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت يَا هَذَا الرجل أَنَّك إِنَّمَا توسلت
بِهَذَا إِلَى دُعَاء الرجل فَصَارَ الْمَعْنى أَنَّك تُرِيدُ بِهِ
الرجل الَّذِي أرى فالرجل على غير مَعْهُود فَإِذا قلت يَا هَذَا
وَهَذَا خرج الطَّوِيل والقصير من الِاتِّصَال بِهَذَا وَهَذَا وَلكنه
يصلح على عطف الْبَيَان وعَلى أعنى إِذا نصبت وَفِي الْعَطف تنصب إِن
شِئْت وترفع إِن شِئْت وَلَكِن إِن قلت يَا هَذَانِ الرّجلَانِ وَيَا
هَذَانِ الطويلان كَانَ نعتا بِمَنْزِلَة يَا هَذَا الرجل
فَأَما أَي فِي قَوْلك يَا أَيهَا الرجل فَلَا يجوز الْوَقْف على أَي
كَمَا وقفت على هَذَا فَأَنت فِي هَذَا مُخَيّر إِن شِئْت أَن تَقول
يَا هَذَا الرجل جَازَ وَذَلِكَ لِأَنَّك تَقول يَا هَذَا وتقف فَإِذا
وقفت عَلَيْهِ كنت فِي النَّعْت مُخَيّرا كَمَا كَانَ ذَلِك فِي قَوْلك
يَا زيد
فَإِن كنت تقدر هَذَا تَقْدِير أَي فِي أَنَّهَا توسل إِلَى نِدَاء
الرجل لم يجز إِلَّا الرّفْع لِأَنَّك قدرتها تَقْدِير أَي وَإِنَّمَا
حلت هَذَا الْمحل لِأَنَّهَا إِذا لم تكن استفهاما أَو جَزَاء لم تكن
اسْما إِلَّا بصلَة فَإِنَّمَا حذفت مِنْهَا الصِّلَة فِي النداء لِأَن
النَّعْت قَامَ مقَامهَا
(4/266)
فَإِذا قلت يَا أَيهَا الرجل كَانَت أَي
وَالرجل بِمَنْزِلَة شَيْء وَاحِد
أَلا ترى أَنَّك لَا تَقول يَا أَي وتسكت كَمَا تَقول يَا هَذَا وتقف
لِأَن هَذَا مجْراهَا فِي الْكَلَام أَن تَتَكَلَّم بهَا وَحدهَا وَأي
لَيْسَ كَذَلِك
فعلى هَذَا تَقول يَا هَذَا ذَا الجمة فتبدل مِنْهَا لِأَنَّهَا
تَامَّة أَو تسْتَأْنف نِدَاء بعْدهَا فَأَما يَا أَيهَا ذَا الجمة
فَلَا يصلح لِأَن أيا لَا يُوقف عَلَيْهَا فتبدل مِنْهَا وَلذَلِك
امْتنع يَا أَيهَا الرجل لِأَنَّهَا وَأي بِمَنْزِلَة الشَّيْء
الْوَاحِد
فَإِن قلت يَا أَيهَا الرجل ذُو المَال فَجعلت ذَا المَال من نعت الرجل
لم يكن فِيهِ إِلَّا الرّفْع على مَا وصفت لَك
وَإِن جعلته من نعت أَي فخطأ لِأَنَّك لَا تَقول يَا أَيهَا ذَا المَال
وَإِن جعلته بَدَلا من أَي نصبت
(4/267)
هَذَا بَاب الندبة
وَهُوَ يجْرِي فِي الْكَلَام على ضَرْبَيْنِ أما من أَرَادَ أَن يفصلها
من النداء وَألْحق فِي آخرهَا ألفا وَألْحق الْألف فِي الْوَقْف هَاء
لخفاء الْألف فتبينها بِالْهَاءِ كَمَا تبين بهَا الْحَرَكَة فَإِن وصل
حذفهَا
وَالْوَجْه الآخر أَن تجْرِي مجْرى النداء الْبَتَّةَ وعلامته يَا ووا
وَلَا يجوز أَن تحذف مِنْهَا الْعَلامَة لِأَن الندبة لإِظْهَار التفجع
وَمد الصَّوْت
وَاعْلَم أَنَّك لَا تندب نكرَة وَلَا مُبْهما وَلَا نعتا لَا تَقول
يَا هذاه وَلَا يَا رِجْلَاهُ إِذا جعلت رجلا نكرَة وَلَا يَا زيد
الظريفاه لِأَن الندبة عذر للتفجع وَبهَا يخبر الْمُتَكَلّم أَنه قد
ناله أَمر عَظِيم وَوَقع فِي خطب جسيم
أَلا ترى أَنَّك لَا تَقول وامن لَا يعنيني أمره وَلَا وامن لَا أعرفهُ
وَذَلِكَ قَوْلك
(4/268)
وازيداه فَإِن أتبعته النَّعْت قلت وازيد
الظريف سَقَطت الْهَاء لِأَنَّك قد أتبعته كلَاما
وَأَنت فِي الظريف مُخَيّر إِن شِئْت رفعت وَإِن شِئْت نصبت لِأَنَّهُ
نعت للمنادى
وَتقول واغلام زيداه واعبد اللهاه لِأَن مَا قبل الْألف لَا يكون
إِلَّا مَفْتُوحًا وَسقط التَّنْوِين من زيد لِأَن ألف الندبة زِيَادَة
فِي الِاسْم والتنوين زِيَادَة فعاقبت التَّنْوِين
فَأَما من أجْرى الْمَنْدُوب مجْرى المنادى فَإِنَّهُ يَقُول واغلام
زيد لِأَنَّهُ إِذا لم يكن أَحدهمَا كَانَ الآخر وَكَذَلِكَ كل
متعاقبين
وَتقول وازيدا واعمراه تلْحق الْهَاء بعد الَّذِي تقف عَلَيْهِ لما
ذكرت لَك
(4/269)
هَذَا بَاب مَا كَانَ من الْمَنْدُوب
مُضَافا إِلَيْك
فَفِي ذَلِك أقاويل أما من قَالَ فِي النداء يَا غُلَام أقبل فَإِنَّهُ
يَقُول فِي الندبة يَا غلاماه وَذَلِكَ لِأَن الْألف لحقت هَذِه
الْمِيم الْمَكْسُورَة فأبدلت من كسرتها فَتْحة للألف كَمَا أَنَّك
أبدلت من ضمة زيد فَتْحة فِي قَوْلك يَا زيداه
وَمن رأى أَن يثبت الْيَاء سَاكِنة فَيَقُول يَا غلامي أقبل فَهُوَ
فِيهَا بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ قَالَ واغلامياه فحرك لالتقاء الساكنين
وَأثبت الْيَاء لِأَنَّهَا عَلامَة وَكَانَت فتحتها هَا هُنَا مستخفة
كفتحة الْيَاء فِي القَاضِي وَنَحْوه للنصب
وَإِن شَاءَ حذفهَا لالتقاء الساكنين كَمَا تَقول جَاءَ غُلَام
الْعَاقِل وَمن رأى أَن يثبها متحركة قَالَ واغلامياه لَيْسَ غير
(4/270)
فَإِن أضفته إِلَى مُضَاف وندبت قلت فِي
قَول من جعل للندبة عَلامَة واغلام غلامياه لَا يكون إِلَّا ذَلِك
وَكَذَلِكَ وَانْقِطَاع ظهرياه لَا بُد من إِثْبَات الْيَاء كَمَا ذكرت
لَك فِي النداء لِأَنَّهُ الْموضع الَّذِي ثَبت فِيهِ التَّنْوِين فِي
زيد
(4/271)
وَإِنَّمَا حذفت الْيَاء فِي النداء
لِأَنَّهَا شبهت بِالتَّنْوِينِ فِي زيد وَهِي مَعَ ذَلِك يجوز ثباتها
فَإِذا كَانَ مَوضِع يثبت فِيهِ التَّنْوِين لم يكن إِلَّا إِثْبَاتهَا
وَمن لم ير أَن يَجْعَل للندبة عَلامَة قَالَ يَا غُلَام غلامي وَيَا
غلامي وَإِن شَاءَ قَالَ يَا غُلَام وَهُوَ الْوَجْه لِأَنَّهُ من لم
يَجْعَل للندبة عَلامَة جعلهَا بِمَنْزِلَة النداء الصَّحِيح
وَهَذَا الْبَيْت ينشد على وَجْهَيْن
(بكاءَ ثَكْلَى فقدتْ حَمِيما ... فَهِيَ تَرَثَّى بأَبى وابنيما)
فَلم يَجْعَل للندبة عَلامَة وَبَعْضهمْ ينشد فَهِيَ ترثى بأبا وابنيما
وَأما قَوْله
(تبْكِيهُمُ دَهْمَاءُ مُعْوِلةٌ ... وتَقُولُ سُعْدَى
وارَزِيَّتِيَهْ)
فَإِنَّهُ لم يَجْعَل للندبة عَلامَة وأجرى مجْرى قَول من دَعَا وحرك
الْيَاء فَقَالَ واغلامي أقبل فَأثْبت الْهَاء لبَيَان الْحَرَكَة
(4/272)
فَإِن كَانَ مَا قبل يَاء الْإِضَافَة
سَاكِنا فَلَا بُد من حَرَكَة الْيَاء وَلَا يجوز حذفهَا كَمَا قلت يَا
غُلَام أقبل لِأَن هَذَا يدل على ذهَاب يائه الكسرة وَلَو حذفت الْيَاء
وَقبلهَا سَاكن لم يكن عَلَيْهَا دَلِيل وَذَلِكَ إِذا لم تجْعَل
للندبة عَلامَة وأضفت قَاضِيا إِلَى نَفسك قلت يَا قَاضِي وَيَا غلامي
وَيَا مُسْلِمِي
فَإِن جعلت للندبة عَلامَة قلت يَا قاضياه وَيَا مسلمياه وَيَا عشرياه
(4/273)
هَذَا بَاب مَا تكون ألف الندبة تَابِعَة
فِيهِ لغَيْرهَا فِرَارًا من اللّبْس بَين الْمُذكر والمؤنث وَبَين
الِاثْنَيْنِ وَالْجمع
وَذَلِكَ قَوْلك إِذا ندبت غُلَاما لامْرَأَة وَأَنت تخاطب الْمَرْأَة
واغلامكيه واذهاب غلامكيه لِأَنَّك تَقول للمذكر واغلامكاه وواذهاب
غلامكاه وَانْقِطَاع ظهرهيه فِيمَن قَالَ مَرَرْت بظهرهي يَا فَتى
وَمن قَالَ مَرَرْت بظهرهو يَا فَتى قَالَ وَا انْقِطَاع ظهرهوه
لِأَنَّهُ يَقُول فِي الْمُؤَنَّث وَانْقِطَاع ظهرهاه
وَتقول فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع كَذَلِك
فَإِن ندبت غُلَاما لجَماعَة قلت واغلامكموه وواذهاب غلامكموه لِأَنَّك
تَقول للاثنين واذهاب غلامكماه وَفِي كل هَذَا قد حذفت من الِاثْنَيْنِ
وَالْجمع الْألف وَالْوَاو لالتقاء الساكنين
وَتقول واذهاب غلامهموه فِي قَول من قَالَ مَرَرْت بغلامهموه وَمن
قَالَ مَرَرْت بغلامهمي يَا فَتى قَالَ واذهاب غلامهميه وَهَذِه
الْهَاء وَالْمِيم وَالْهَاء لعلامة الْمُضمر الَّذِي يَقع فِي
رَأَيْته ومررت بِهِ تبين فِي مواضعهن إِن شَاءَ الله
(4/274)
وَكَانَ يُونُس يُجِيز أَن يلقِي عَلامَة
الندبة على النَّعْت فَيَقُول وازيد الظريفاه وازيداه أَنْت الْفَارِس
البطلاه
وَهَذَا عِنْد جَمِيع النَّحْوِيين خطأ لِأَن الْعَلامَة إِنَّمَا
تلْحق مَا لحقه تَنْبِيه النداء لمد الصَّوْت والنعت خَارج من ذَا
وَلَو قلت وامن حفر زمزماه وَا أَمِير المؤمنيناه كَانَ جيدا لِأَنَّك
قد ندبت معروفين وَلَو قلت وَا أميراه لم يجز لِأَنَّك لم تدل على
الْمَنْدُوب وَكَذَلِكَ لَو قلت واهذاه لم يجز لِأَنَّك إِنَّمَا ندبت
اسْما مَعْرُوفا بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ وَلنْ تدل عَلَيْهِ
بِإِضَافَة وَإِنَّمَا تتفجع لَهُ باسم أَو إِضَافَة تجمع عَلَيْهِ أَو
بِشَيْء من أَسْمَائِهِ يعرف بِهِ يكون عذرا للتفجع كَقَوْلِك واسيد
العرباه إِذا كَانَ الْمَنْدُوب مَعْرُوفا بذلك
(4/275)
هَذَا بَاب الْمعرفَة والنكرة
وأصل الْأَسْمَاء النكرَة وَذَلِكَ لِأَن الِاسْم الْمُنكر هُوَ
الْوَاقِع على كل شَيْء من أمته لَا يخص وَاحِد من الْجِنْس دون سائره
وَذَلِكَ نَحْو رجل وَفرس وحائط وَأَرْض وكل مَا كَانَ دَاخِلا بالبنية
فِي اسْم صَاحبه فَغير مُمَيّز مِنْهُ إِذْ كَانَ الِاسْم قد جَمعهمَا
والمعرفة تدخل على أضْرب جِمَاعهَا خَمْسَة أَشْيَاء
فَمن الْمعرفَة الِاسْم الْخَاص نَحْو زيد وَعَمْرو لِأَنَّك إِنَّمَا
سميته بِهَذِهِ الْعَلامَة ليعرف بهَا من غَيره فَإِذا قلت جَاءَنِي
زيد علم أَنَّك لقِيت بِهِ وَاحِدًا مِمَّن كَانَ دَاخِلا فِي الْجِنْس
ليبان من سَائِر ذَلِك الْجِنْس
فَإِن عرف السَّامع رجلَيْنِ أَو رجَالًا كل وَاحِد مِنْهُم يُقَال
لَهُ زيد فصلت بَين بَعضهم وَبَعض بالنعت فَقلت الطَّوِيل والقصير
لتميز وَاحِد مِمَّن تعرفه فتعلمه أَنه الْمَقْصُود إِلَيْهِ مِنْهُم
فَإِن كَانَ هُنَاكَ طويلان أبنت أَحدهمَا من صَاحبه بِمَا لَا
يُشَارِكهُ صَاحبه فِيهِ وَهَذَا نوع من التَّعْرِيف
(4/276)
وَنَوع آخر وَهُوَ مَا أدخلت عَلَيْهِ ألفا
ولاما من هَذِه الْأَسْمَاء الْمُشْتَركَة وَذَلِكَ قَوْلك جَاءَنِي
الرجل وَلَقِيت الْغُلَام لِأَن مَعْنَاهُ الرجل الَّذِي تعلم والغلام
الَّذِي قد عرفت
وَمَا أضفته إِلَى معرفَة فَهُوَ معرفَة نَحْو قَوْلك غُلَام زيد
وَصَاحب الرجل وَإِنَّمَا صَار معرفَة بإضافتك إِلَيْهِ إِلَى مَعْرُوف
وَمن الْمعرفَة الْأَسْمَاء المبهمة وَإِنَّمَا كَانَت كَذَلِك
لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو من أحد أَمريْن إِمَّا كَانَت للْإِشَارَة
نَحْو هَذَا وَذَاكَ وَتلك وَأُولَئِكَ وَهَؤُلَاء أما مَا كَانَ
مِمَّا يدنو مِنْك من الْمُذكر فَإنَّك تَقول فِيهِ هَذَا وَالْأَصْل
ذَا وَهَا للتّنْبِيه
وَتقول للْأُنْثَى ذه وته وتا
فَإِن ألحقت التَّنْبِيه قلت هَذِه وهاتا وهاته كَمَا قَالَ
(ونَبَّأْتُمَاني أَنَّمَا المَوْتُ بالقُرَى ... فَكَيْفَ وهاتَا
هضْبةٌ وقَلِيبُ)
وكما قَالَ الآخر
(ولَيْسَ لَعَيْشِنا هَذَ مَهاهٌ ... ولَيْسَتْ دَارُنا هاتَا بِدَارِ)
(4/277)
وَمَا كَانَ من هَذَا متراخيا عَنْك من
الْمُذكر فَهُوَ ذَاك وَذَلِكَ وَالْكَاف لَا مَوضِع لَهَا وَهَذَا
يذكر فِي بَابه
وَمَا كَانَ من الْمُؤَنَّث فَهُوَ تِلْكَ وتيك وهاتيك وهاتاك
فَإِن ثنيت أَو جمعت قلت هَذَانِ وَفِي الْمُؤَنَّث هَاتَانِ
وَمن قَالَ فِي الْوَاحِدَة هَذِه لم يجز أَن يثني إِلَّا على قَوْلك
هاتا لِئَلَّا يلتبس الْمُذكر بالمؤنث
وَتقول فِي الْجمع الْحَاضِر هَؤُلَاءِ وأولاء وهؤلا وأولا يمد
جَمِيعًا وَيقصر وَالْمدّ أَجود نَحْو قَوْله عز وَجل {هَا أَنْتُم
هَؤُلَاءِ تدعون} وَكَقَوْلِه {هَؤُلَاءِ قَومنَا اتَّخذُوا من دونه}
وَالْقصر يجوز وَلَيْسَ هَذَا مَوضِع تَفْسِيره
قَالَ الْأَعْشَى
(هاؤلا ثُمَّ هؤلا كُلاًّ اعطيتَ نِعالا مَحْذُوَّةً بمثَالِ ... )
وَهَا فِي جَمِيع هَذَا زَائِدَة
(4/278)
والمتراخي تَقول فِيهِ أُولَئِكَ وَمن قصر
هَؤُلَاءِ قَالَ أولاك لِأَن الْكَاف إِنَّمَا تلْحق للمخاطبة على مَا
كَانَ للحاضر لتَكون فصلا بَينهمَا
وَإِنَّمَا صَارَت هَذِه معارف بِمَا فِيهَا من الْإِشَارَة
وَمن الْمعرفَة الْمُضمر نَحْو الْهَاء فِي ضَربته ومررت بِهِ
وَالْكَاف فِي ضربتك ومررت بك وَالتَّاء فِي قُمْت وَقمت وَقمت يَا
امْرَأَة
والمضمر الْمُنْفَصِل نَحْو هُوَ وَأَنت وإياه وَإِيَّاك
وَمَا لحقته التَّثْنِيَة من جَمِيع مَا وَصفنَا نَحْو مَرَرْت بكما
ومررت بهما ومررت بهَا وضربتها وضربتهما وَكَذَلِكَ مَرَرْت بهم
وضربتهم
والمنفصل فِي قَوْلهم هُوَ وهما وَإِيَّاك وإياكما وَإِيَّاكُم وإياه
وإياهما وَإِيَّاهَا وإياهم وَإِيَّاهَا وإياهن
ومررت بهَا ومررت بهما وبهن
والمضمر الَّذِي لَا عَلامَة لَهُ نَحْو قَوْلك زيد قَامَ وَهِنْد
قَامَت وَهُوَ الَّذِي يظْهر الْألف
(4/279)
فِي تثنيته فَتَقول قاما وقامتا وَالْوَاو
فِي قَامُوا الرِّجَال وَالنُّون فِي قمن النِّسَاء وَالْيَاء فِي
قَوْلك أَنْت تقومين وَمَا أشبه هَذَا
وَإِنَّمَا صَار الضَّمِير معرفَة لِأَنَّك لَا تضمره إِلَّا بعد مَا
يعرفهُ السَّامع وَذَلِكَ أَنَّك لَا تَقول مَرَرْت بِهِ وَلَا ضَربته
وَلَا ذهب وَلَا شَيْئا من ذَلِك حَتَّى تعرفه وَتَدْرِي إِلَى من يرجع
هَذَا الضَّمِير وَهَذِه المعارف بَعْضهَا أعرف من بعض وَنحن مميزو
ذَلِك إِن شَاءَ الله كَمَا أَن النكرَة بَعْضهَا أنكر من بعض
فالشيء أَعم مَا تَكَلَّمت بِهِ والجسم أخص مِنْهُ وَالْحَيَوَان أخص
من الْجِسْم وَالْإِنْسَان أخص من الْحَيَوَان وَالرجل أخص من
الْإِنْسَان وَرجل ظريف أخص من رجل
وَاعْتبر هَذَا بِوَاحِدَة بأنك تَقول كل رجل إِنْسَان وَلَا تَقول كل
إِنْسَان رجل
وَتقول كل إِنْسَان حَيَوَان وَلَا تَقول كل حَيَوَان إِنْسَان
(4/280)
وَمَا كَانَ من النكرات لَا تدخله الْألف
وَاللَّام فَهُوَ أقرب إِلَى المعارف نَحْو قَوْلك هَذَا خير مِنْك
وَأفضل من زيد وَسَنذكر هَذَا مُبينًا إِن شَاءَ الله
فعلى قدر هَذَا المعارف وَكلما كَانَ الشَّيْء أخص فَهُوَ أعرف
فأخص المعارف بعد مَا لَا يَقع عَلَيْهِ القَوْل إِضْمَار الْمُتَكَلّم
نَحْو أَنا وَالتَّاء فِي فعلت وَالْيَاء فِي غلامي وضربتني لِأَنَّهُ
لَا يشركهُ فِي هَذَا أحد فَيكون لبسا وَقد يكون بِحَضْرَتِهِ اثْنَان
أَو أَكثر فَلَا يدْرِي أَيهمَا الْمُخَاطب؟
فالمضمرة لَا تنْعَت لِأَنَّهَا لَا تكون إِلَّا بعد معرفَة لَا يشوبها
لبس
وَمَا كَانَ من الْأَسْمَاء علما فَهُوَ ينعَت بِثَلَاثَة أَشْيَاء
(4/281)
ينعَت بِمَا فِيهِ الْألف وَاللَّام نَحْو
الظريف والعاقل تَقول مَرَرْت بزيد الْعَاقِل وَرَأَيْت زيدا الْكَرِيم
وَبِمَا كَانَ مُضَافا نَحْو قَوْلك مَرَرْت بزيد أَخِيك وَبِعَبْد
الله ذِي المَال وبالأسماء المبهمة نَحْو رَأَيْت زيدا هَذَا ومررت
بعمروا ذَاك وَمَا كَانَ مُضَافا إِلَى غير مَا فِيهِ الْألف وَاللَّام
فَكَذَلِك نَعته تَقول مَرَرْت بأخيك الطَّوِيل وَجَاءَنِي غُلَام زيد
الْعَاقِل ومررت بأخيك ذِي المَال وَرَأَيْت أَخَاك ذَا الجمة
وَجَاءَنِي أَخُوك هَذَا
وَمَا كَانَ من المبهمة فبابه أَن ينعَت بالأسماء الَّتِي فِيهَا
الْألف وَاللَّام ثمَّ بالنعوت الَّتِي فِيهَا الْألف وَاللَّام إِذا
جَعلتهَا كالأسماء وَلَا يجوز أَن تنْعَت بالمضاف لعِلَّة نذكرها
(4/282)
وَذَلِكَ قَوْلك مَرَرْت بِهَذَا الرجل
وَرَأَيْت هَذَا الْفرس يَا هَذَا فالفرس وَمَا قبله بِمَنْزِلَة اسْم
وَاحِد وَإِن كَانَ نعتا لَهُ لِأَنَّك إِذا أَوْمَأت وَجب أَن تبين
فالبيان كاللازم لَهُ
وَتقول مَرَرْت بِهَذَا الظريف إِذا جعلت الظريف كالاسم لَهُ لِأَنَّهُ
إِنَّمَا يَنْبَغِي أَن تبين عَن النَّوْع الَّذِي تقصده لِأَن هَذَا
يَقع على كل مَا أَوْمَأت إِلَيْهِ
وَلَا يجوز أَن تنعتها بِمَا أضيف إِلَى الْألف وَاللَّام لِأَن
النَّعْت فِيهَا بِمَنْزِلَة شَيْء وَاحِد مَعهَا فَلَمَّا كَانَت هِيَ
لَا تُضَاف لِأَنَّهَا معرفَة بِالْإِشَارَةِ لَا يفارقها التَّعْرِيف
لم يجز أَن تُضَاف لِأَن الْمُضَاف إِنَّمَا يقدر نكرَة حَتَّى يعرفهُ
أَو يُنكره مَا بعده
فَلذَلِك لَا تَقول جَاءَنِي هَذَا ذُو المَال وَرَأَيْت ذَاك غُلَام
الرجل إِلَّا على الْبَدَل أَو تجْعَل رَأَيْت من رُؤْيَة الْقلب
فتعديها إِلَى مفعولين
وَأما الْأَسْمَاء الَّتِي فِيهَا الْألف وَاللَّام فتنعت بِمَا كَانَ
فِيهِ الْألف وَاللَّام وَبِمَا أضيف إِلَى
(4/283)
مَا فِيهِ الْألف وَاللَّام وَذَلِكَ
قَوْلك مَرَرْت بِالرجلِ النَّبِيل وَبِالرجلِ ذِي المَال
والمضمر لَا يُوصف بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بتحلية وَلَا نسب
وَلَا يُوصف لِأَنَّهُ لَا يضمر حَتَّى يعرف وَلِأَن الظَّاهِر لَا
يكون نعتا لَهُ كَمَا لَا ينعَت بِهِ وَلكنه يُؤَكد ويبدل مِنْهُ
وَزعم سِيبَوَيْهٍ أَن الشَّيْء لَا يُوصف إِلَّا بِمَا هُوَ دونه فِي
التَّعْرِيف فَإِذا قلت هَذَا فقد عَرفته الْمُخَاطب بِعَيْنِه وَقَلبه
وَإِذا قلت الرجل أَو الظريف فَإِنَّمَا تعرفه شَيْئا بِقَلْبِه دون
عينه
وَأما الْأَسْمَاء الَّتِي هِيَ أَعْلَام نَحْو زيد وَعَمْرو فَلَا
ينعَت بهَا لِأَنَّهَا لَيست بتحلية وَلَا نسب وَلَا يكون النَّعْت
إِلَّا بِوَاحِد مِنْهُمَا أَو بِمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ
وَنحن مفسرون ذَلِك حرفا حرفا فِي هَذَا الْبَاب إِن شَاءَ الله
(4/284)
إِذا قلت مَرَرْت بِرَجُل عَاقل أَو طَوِيل
فَمن الْفِعْل أَخَذته فحليته بِهِ
فَإِذا قلت مَرَرْت بِرَجُل مثلك أَو حَسبك من رجل أَو مَرَرْت بِرَجُل
أَيّمَا رجل فَمَعْنَى مثلك إِنَّمَا هُوَ يشبهك وَأَيّمَا رجل
مَعْنَاهُ كَامِل وقولك حَسبك إِنَّمَا مَعْنَاهُ يَكْفِيك يُقَال
أحسبني الْأَمر أَي كفاني وَقَوله عز وَجل {عَطاء حسابا} أَي كَافِيا
فَهَذَا مَا كَانَ من التحلية الَّتِي لَا تكون إِلَّا عَن فعل وَمَا
ضارع ذَلِك فراجع إِلَى مَعْنَاهُ
وَأما النّسَب فقولك مَرَرْت بِرَجُل تميمي وقيسي وَكَذَلِكَ نسب
الْقَرَابَة نَحْو مَرَرْت بزيد أَخِيك وبزيد بن عبد الله
(4/285)
(هَذَا بَاب مجْرى نعت النكرَة عَلَيْهَا)
وَذَلِكَ قَوْلك مَرَرْت بِرَجُل ظريف فَوجه هَذَا الْخَفْض لِأَنَّك
جعلته وَصفا لما قبله كَمَا أجريت نعت الْمعرفَة عَلَيْهَا
وَإِن نصبت على الْحَال جَازَ وَهَذَا يُفَسر فِي بَاب الْحَال إِن
شَاءَ الله
وَتقول مَرَرْت بِرَجُل ذِي مَال فقولك ذِي مَال نكرَة لِأَن ذَا
مُضَافَة إِلَى مَال وَمَال نكرَة
ومررت بِرَجُل مثلك
فَإِن قَالَ قَائِل كَيفَ يكون الْمثل نكرَة وَهُوَ مُضَاف إِلَى
معرفَة هلا كَانَ كَقَوْلِك مَرَرْت بِعَبْد الله أَخِيك
(4/286)
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَن الْأُخوة مخطورة
وقولك مثلك مُبْهَم مُطلق يجوز أَن يكون مثلك فِي أنكما رجلَانِ أَو
فِي أنكما أسمران وَكَذَلِكَ كل مَا تشابهتما بِهِ فالتقدير فِي ذَلِك
التَّنْوِين كَأَنَّهُ يَقُول مَرَرْت بِرَجُل شَبيه بك وبرجل مثل لَك
فَإِن أردْت بمثلك الإجراء على أَمر مُتَقَدم حَتَّى يصير مَعْنَاهُ
الْمَعْرُوف بشبهك لم يكن إِلَّا معرفَة فَتَقول على هَذَا مَرَرْت
بزيد مثلك كَمَا تَقول مَرَرْت بزيد أَخِيك ومررت بزيد الْمَعْرُوف
بشبهك
(4/287)
وَمثل ذَلِك فِي الْوَجْهَيْنِ مَرَرْت
بِرَجُل شبهك ومررت بِرَجُل نَحْوك
فَأَما مَرَرْت بِرَجُل غَيْرك فَلَا يكون إِلَّا نكرَة لِأَنَّهُ
مُبْهَم فِي النَّاس أَجْمَعِينَ فَإِنَّمَا يَصح هَذَا وَيفْسد
بِمَعْنَاهُ
فَأَما شبيهك فَلَا يكون إِلَّا معرفَة لِأَنَّهُ مَأْخُوذ من شابهك
فَمَعْنَاه مَا مضى كَقَوْلِك مَرَرْت بزيد جليسك فَإِن أردْت النكرَة
قلت مَرَرْت بِرَجُل شَبيه بك كَمَا تَقول مَرَرْت بِرَجُل جليس لَك
فَأَما حَسبك وهدك وشرعك وكفيك فَكلهَا نكرات لِأَن مَعْنَاهَا يَكْفِي
(4/288)
وَقد يجوز أَن تَقول مَرَرْت بِرَجُل هدك
من رجل تَجْعَلهُ فعلا ومررت بِامْرَأَة هدتك من امْرَأَة وَتقول على
هَذَا مَرَرْت بِرَجُل كَفاك من رجل ومررت بِامْرَأَة كفتك من امْرَأَة
وَاعْلَم أَن كل مُضَاف تُرِيدُ بِهِ معنى التَّنْوِين وتحذف
التَّنْوِين للمعاقبة مِنْهُ فَهُوَ بَاقٍ على نكرته لِأَن الْمَعْنى
معنى التَّنْوِين فَلذَلِك تَقول مَرَرْت بِرَجُل حسن الْوَجْه لِأَن
مَعْنَاهُ حسن وَجهه وَكَذَلِكَ مَرَرْت بِرَجُل ضَارب زيد إِذا أردْت
بِهِ مَا أَنْت فِيهِ أَو مَا لم يَقع لِأَن مَعْنَاهُ ضَارب زيدا
وَكَذَلِكَ هَذِه المضافات الَّتِي لَا تخص نَحْو مثلك وشبهك وَغَيْرك
لِأَنَّك تُرِيدُ هُوَ مثل لَك وَنَحْو لَك وَنَحْو مِنْك
فَأَما غَيْرك إِذا قلت مَرَرْت بِرَجُل غَيْرك فَإِنَّمَا هُوَ
مَرَرْت بِرَجُل لَيْسَ بك فَهَذَا شَائِع فِي كل من عدا الْمُخَاطب
ف رب تدخل على كل نكرَة لِأَنَّهَا لَا تخص شَيْئا فَإِنَّمَا
مَعْنَاهُ أَن الشَّيْء يَقع وَلكنه قَلِيل فَمن ذَلِك قَوْله
(يَا رُبَّ مِثْلِكِ فِي النساءِ غَرِيرةٍ ... بَيْضَاءَ قَدْ
مَتَّعْتُهَا بِطلاقِ)
وَقَوله
(يَا رُبَّ غابِطِنا لَوْ كَانَ يَطْلُبُكُمْ ... لَاقَى مُباعَدةً
مِنْكُمْ وحِرْماناً)
(4/289)
يُرِيد غابط لنا لِأَنَّهُ لَو عَنى
وَاحِدًا بِعَيْنِه لم يكن للْكَلَام معنى كَمَا لَا تَقول رب عبد الله
وَلَا رب غُلَام أَخِيك
وَتقول مَرَرْت برجلَيْن صالحين فتجري النَّعْت على المنعوت وَقد بيّنت
لَك جَوَاز الْحَال ونستقصيه فِي بَابه إِن شَاءَ الله
وَتقول مَرَرْت برجلَيْن مُسلم وَكَافِر وَمُسلم وَكَافِر كِلَاهُمَا
جيد بَالغ
وَكَذَلِكَ مَرَرْت برجلَيْن رجل مُسلم وَرجل كَافِر وَإِن شِئْت قلت
رجل مُسلم وَرجل كَافِر
أما الْخَفْض فعلى النَّعْت ورددت الِاسْم توكيدا
وَأما الرّفْع فعلى التَّبْعِيض وَتَقْدِيره أَحدهمَا مُسلم وَالْآخر
كَافِر وَالْآيَة تقْرَأ على وَجْهَيْن وَهُوَ قَول الله عز وَجل {قد
كَانَ لكم آيَة فِي فئتين التقتا فِئَة تقَاتل فِي سَبِيل الله
وَأُخْرَى كَافِرَة} بِالرَّفْع والخفض
وَكَذَلِكَ قَول الشَّاعِر
(فكُنْتُ كَذِي رِجْلَيْنِ رِجْلٌ صَحِيحَةٌ ... ورِجْلٌ رَمى فِيهَا
الزَّمانُ فَشَلَّتِ)
(4/290)
ينشد رفعا وخفضا وَقَالَ آخر
(وكُنْتُ كَذِي رِجْلَيْنِ رجْلٌ صَحِيحةٌ ... ورجْلٌ رَمَاهَا صائِبُ
الحَدثانِ)
وَقَالَ آخر
(بكَيْتُ وَمَا بُكا رجل حَزِين ... على رَبْعيْن مِسْلوبٍ وبَالي)
(4/291)
وَتقول مَرَرْت بِثَلَاثَة رجال قيام يَا
فَتى لَا يكون إِلَّا الْخَفْض إِلَّا على مَا يجوز من الْحَال
فَإِن قلت مَرَرْت بِثَلَاثَة رجال صريع وجريح يَا فَتى لم يجز إِلَّا
الرّفْع لِأَنَّك لم تأت على عدتهمْ فَإِنَّمَا التَّقْدِير مِنْهُم
كَذَا وَمِنْهُم كَذَا لَا يكون إِلَّا كَذَلِك
وَلَو قلت مَرَرْت بِثَلَاثَة قَائِم وقاعد ونائم لَكَانَ جيدا
لِأَنَّك أحطت بِعدَّتِهِمْ وَالرَّفْع جيد بَالغ لِأَنَّك إِذا أتيت
على الْعدة صلح التَّبْعِيض والنعت وَإِن لم تأت عَلَيْهَا لم يكن
إِلَّا التَّبْعِيض
وَتقول مَرَرْت بِرَجُل وَامْرَأَة وحمار قيام فرقت الِاسْم وجمعت
النَّعْت كَمَا فرقت
(4/292)
هُنَاكَ النَّعْت وَالِاسْم مَجْمُوع وَلَو
أردْت هَا هُنَا التَّبْعِيض لم يجز لِأَن قيَاما لَفْظَة وَاحِدَة
فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْخَفْض إِلَّا جَوَاز الْحَال
وَتقول مَرَرْت بِرَجُل مثلك غَيْرك ف غير هَا هُنَا توكيد
لِأَن غيرا يتَكَلَّم بهَا على وَجْهَيْن أَحدهمَا للفائدة وَالْآخر
للتوكيد
فَإِذا قَالَ مَرَرْت بِرَجُل غير زيد فقد أفادك أَن الرجل الَّذِي
مَرَرْت بِهِ سوى زيد وَكَذَلِكَ مَرَرْت بِرَجُل غَيْرك كَأَنَّهُ
قَالَ مَرَرْت بِرَجُل آخر لِئَلَّا يتَوَهَّم السَّامع أَنه بِعَيْنِه
فَإِذا قَالَ مَرَرْت بِرَجُل مثلك فقد أعلمهُ أَنه غَيره فَإِن أتبعه
غيرا فَإِنَّمَا هُوَ توكيد وَتَشْديد للْكَلَام
وَهَذِه النكرات كلهَا تقع حالات وتبيينا وتجري فِي جَمِيع مجاري
النكرَة
تَقول عِنْدِي عشرُون مثلك وَمِائَة مثلك وَعِشْرُونَ غَيْرك
فَأَما عشرُون أَيّمَا رجل فَلَا يجوز وَإِنَّمَا امْتنع من أَنَّك لَا
تقيم الصّفة مقَام الْمَوْصُوف حَتَّى تتمكن فِي بَابهَا نَحْو مَرَرْت
بظريف ومررت بعاقل لِأَنَّهَا أَسمَاء جَارِيَة على الْفِعْل
(4/293)
وَأَيّمَا رجل إِنَّمَا مَعْنَاهُ كَامِل
فَلَيْسَ بمأخوذ من فعل
وَمَا زَائِدَة فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مرت بِرَجُل أَي رجل
فعلى هَذَا تقع الصِّفَات موقع الْمَوْصُوف وتمتنع وَالْمَرْفُوع
والمنصوب كالمخفوض
والمعرفة يجْرِي نعتها كمجرى نعت النكرَة تَقول مَرَرْت بِعَبْد الله
الْعَاقِل وبأخويك الكريمين وبأخويك الْكَرِيم واللئيم على أَنَّك
تُرِيدُ أَحدهمَا الْكَرِيم وَأَحَدهمَا اللَّئِيم
وَإِن شِئْت خفضت على النَّعْت
(4/294)
وَكَذَلِكَ كَانَ إخْوَتك كريم ولئيم أَي
مِنْهُم كَذَا وَمِنْهُم كَذَا إِذا لم ترد الْجِنْس
وَكَانَ إخْوَتك قَائِما وَقَاعِدا ونائماً وترفع إِن شِئْت
وَكَذَلِكَ بِالْألف وَاللَّام إِلَّا أَن مَا كَانَ من هَذَا بِالْألف
وَاللَّام فَهُوَ شَيْء مَعْرُوف
تَقول كَانَ زيد الْقَائِم أَي كَانَ زيد ذَلِك الَّذِي رَأَيْته
قَائِما
وَإِن قلت كَانَ زيد قَائِما لم تقصد إِلَى وَاحِد رَأَيْته قبل
قَائِما
وَاعْلَم أَن الْبَدَل فِي الْكَلَام يكون على أَرْبَعَة أضْرب فَضرب
من ذَلِك أَن تبدل الِاسْم من الِاسْم إِذا كَانَا لشَيْء وَاحِد
معرفتين كَانَا أَو معرفَة ونكرة أَو مضمرا ومظهرا أَو مضمرين أَو
مظهرين وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك مَرَرْت بأخيك زيد أبدلت زيدا من الْأَخ
نحيت الْأَخ وَجَعَلته فِي مَوْضِعه فِي الْعَامِل فَصَارَ مثل قَوْلك
مَرَرْت بزيد وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْحَقِيقَة تَبْيِين وَلَكِن قيل
بدل لِأَن الَّذِي عمل فِي الَّذِي قبله قد صَار يعْمل فِيهِ بِأَن فرغ
لَهُ
وَلم يجز أَن يكون نعتا لِأَن زيدا لَيْسَ مِمَّا ينعَت بِهِ
فَإِن قلت مَرَرْت بزيد أَخِيك جَازَ فِي الْأَخ أَن يكون بَدَلا وَأَن
يكون نعتا والنعت أحسن لِأَنَّهُ مِمَّا ينعَت بِهِ وَالْبدل جيد بَالغ
لِأَنَّهُ هُوَ الأول فَهَذَا شَأْن المعرفتين
فَأَما الْمعرفَة والنكرة فَإِن أبدلت معرفَة من نكرَة قلت مَرَرْت
بِرَجُل زيد ومررت بِذِي مَال أَخِيك قَالَ الله عز وَجل {وَإنَّك
لتهدي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم صِرَاط الله} فَهَذَا بدل الْمعرفَة من
النكرَة
(4/295)
وَفِي المعرفتين قَوْله {اهدنا الصِّرَاط
الْمُسْتَقيم صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم}
وَفِي بدل النكرَة من الْمعرفَة قَوْله مَرَرْت بزيد صَاحب مَال ومررت
بِالرجلِ رجل صَالح قَالَ الله عز وَجل {كلا لَئِن لم تَنْتَهِ لنسفعا
بالناصية نَاصِيَة} فَأَما الْمُضمر والمظهر فكقولك زيد مَرَرْت بِهِ
أَخِيك وَتقول رَأَيْت زيدا إِيَّاه وأخوك رَأَيْته زيدا والمضمران
رَأَيْتُك إِيَّاه فَهَذَا ضرب من الْبَدَل
وَالضَّرْب الآخر أَن تبدل بعض الشَّيْء مِنْهُ لتعلم مَا قصدت لَهُ
وتبينه للسامع وَذَلِكَ قَوْلهم ضربت زيدا رَأسه أردْت أَن تبين مَوضِع
الضَّرْب مِنْهُ فَصَارَ كَقَوْلِك ضربت رَأس زيد
وَمِنْه جَاءَنِي قَوْمك أَكْثَرهم بيّنت من جَاءَك مِنْهُم قَالَ الله
عز وَجل {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ
سَبِيلا} من فِي مَوضِع خفض لِأَنَّهُ على من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ
سَبِيلا
وَمن ذَلِك إِلَّا أَنه أُعِيد مَعَه حرف الْخَفْض {قَالَ الْمَلأ
الَّذين استكبروا من قومه للَّذين استضعفوا لمن آمن مِنْهُم} كَانَ
أَيْضا جيدا كالآية الَّتِي ذكرنَا قبل
(4/296)
فهذان ضَرْبَان
وَالضَّرْب الثَّالِث أَن يكون الْمَعْنى محيطا بِغَيْر الأول الَّذِي
سبق لَهُ الذّكر لالتباسه بِمَا بعده فتبدل مِنْهُ الثَّانِي
الْمَقْصُود فِي الْحَقِيقَة وَذَلِكَ قَوْلك مَالِي بهم علم أَمرهم
فَأَمرهمْ غَيرهم وَإِنَّمَا أَرَادَ مَالِي بأمرهم علم فَقَالَ مَالِي
بهم علم وَهُوَ يُرِيد أَمرهم وَمثل ذَلِك أَسأَلك عَن عبد الله متصرفه
فِي تِجَارَته لِأَن الْمَسْأَلَة عَن ذَلِك قَالَ الله عز وَجل
{يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ} لِأَن الْمَسْأَلَة
عَن الْقِتَال وَلم يسْأَلُوا أَي الشَّهْر الْحَرَام
وَقَالَ {قتل أَصْحَاب الْأُخْدُود النَّار ذَات الْوقُود} لأَنهم
أَصْحَاب النَّار الَّتِي أوقدوها فِي الْأُخْدُود وَقَالَ الْأَعْشَى
(لقَدْ كانَ فِي حَوْلِ ثواءٍ ثَوَيْتُهُ ... تَقَضِّي لُبانَاتٍ
وَيَسْأَمَ سائِمُ)
لِأَنَّهُ أَرَادَ ثواءه حولا
فَهَذِهِ ثَلَاثَة أوجه تكون فِي الْقُرْآن وَفِي الشّعْر وَفِي كل
كَلَام مُسْتَقِيم
وَوجه رَابِع لَا يكون مثله فِي قُرْآن وَلَا شعر وَلَا كَلَام
مُسْتَقِيم وَإِنَّمَا يَأْتِي فِي لفظ النَّاسِي أَو الغالط وَذَلِكَ
قَوْلك رَأَيْت زيدا دَاره وَكلمت زيدا عمرا ومررت بِرَجُل حمَار
أَرَادَ أَن يَقُول مَرَرْت بِحِمَار فنسي ثمَّ ذكر فنحي
(4/297)
الرجل وأوصل الْمُرُور إِلَى مَا قصد
إِلَيْهِ أَو غلط ثمَّ استدرك
فَهَذِهِ أَرْبَعَة أوجه فِي الْبَدَل
وَلَو قَالَ فِي هَذَا الْموضع مَرَرْت بِرَجُل بل حمَار وَلَقِيت زيدا
بل عمرا كَانَ كَذَلِك إِلَّا أَن بل وَلَا بل من حُرُوف الْإِشْرَاك
وَقد ذكرنَا أحوالها فِيمَا تقدم
وَاعْلَم أَن المعارف تُوصَف بالمعارف فَإِن وَقع بعْدهَا شَيْء نكرَة
وَالْعَامِل فعل أَو شَيْء فِي مَعْنَاهُ انتصبت النكرَة على الْحَال
وَنحن واصفو ذَلِك فِي الْبَاب الَّذِي يَلِي هَذَا الْبَاب إِن شَاءَ
الله
(4/298)
(هَذَا بَاب الْحَالَات والتبيين
وَتَفْسِير مَعْنَاهُمَا)
اعْلَم أَنه لَا ينْتَصب شَيْء إِلَّا على أَنه مفعول أَو مشبه
بالمفعول فِي لفظ أَو معنى وَالْمَفْعُول على ضروب فَمن ذَلِك الْمصدر
وَهُوَ اسْم الْفِعْل وَهُوَ مفعول صَحِيح لِأَن الْإِنْسَان يفعل
وَاسم فعله ذَلِك الْمصدر
تَقول ضربت ضربا وَقمت قيَاما فَأَنت فعلت الضَّرْب وَالْقِيَام وَلَو
قلت ضربت وَقمت لدللت على أَنَّك فعلت الضَّرْب وَالْقِيَام وَكَذَلِكَ
كل فعل تعدى أَو لم يَتَعَدَّ
فَإِذا قلت ضربت زيدا أَو كلمت عمرا فَأَنت لم تفعل زيدا وَلَا عمرا
إِنَّمَا فعلت الضَّرْب وَالْكَلَام فأوقعت الضَّرْب بزيد وأوصلت
الْكَلَام إِلَى عَمْرو فزيد وَعَمْرو مفعول بهما لِأَنَّك فعلت فعلا
أوقعته بهما وأوصلته إِلَيْهِمَا
فَإِن قلت سرت يَوْم الْجُمُعَة وَجَلَست مَكَان زيد فَإِنَّمَا فعلت
السّير وَالْجُلُوس فِي هَذَا الزَّمَان وَهَذَا الْمَكَان فالزمان
وَالْمَكَان مفعول فيهمَا
والفصل بَينهمَا وَبَين زيد أَنَّك أوصلت إِلَى زيد شَيْئا وَلم تعْمل
فِي الزَّمَان شَيْئا إِنَّمَا عملت عملا احتوى عَلَيْهِ الزَّمَان
وَالْمَكَان
تَقول ضربت زيدا يَوْم الْجُمُعَة فِي الدَّار فَأَنت لم تصنع
بِالدَّار وَالْيَوْم شَيْئا وَلَكِن لَو قلت هدمت الدَّار وبنيت
الدَّار لكَانَتْ مفعولة بِمَنْزِلَة زيد لِأَنَّك فعلت فعلا أوصلته
إِلَيْهَا
وَكَذَلِكَ الْحَال هِيَ مفعول فِيهَا تَقول جَاءَنِي زيد الطَّوِيل
فالطويل نعت وَكَذَلِكَ مَرَرْت بأخيك الْكَرِيم إِنَّمَا مَعْنَاهُ
بأخيك الْمَوْصُوف بِالْكَرمِ الْمَعْرُوف بِهِ
(4/299)
فَإِذا قلت جَاءَنِي زيد مَاشِيا لم يكن
نعتا لِأَنَّك لَو قلت جَاءَنِي زيد الْمَاشِي لَكَانَ مَعْنَاهُ
الْمَعْرُوف بِالْمَشْيِ وَكَانَ جَارِيا على زيد لِأَنَّهُ تحلية لَهُ
وتبيين أَنه زيد الْمَعْرُوف بِهَذِهِ السمة ليفصل مِمَّن اسْمه مثل
اسْمه بِهَذَا الْوَصْف
فَإِذا قلت جَاءَنِي زيد مَاشِيا لم ترد أَنه يعرف بِأَنَّهُ ماش
وَلَكِن خبرت بِأَن مَجِيئه وَقع فِي هَذِه الْحَال وَلم يدلل كلامك
على مَا هُوَ فِيهِ قبل هَذِه الْحَالة أَو بعْدهَا
فالحال مفعول فِيهَا إِنَّمَا خبرت أَن مَجِيئه وَقع فِي حَال مَشى
وَكَذَلِكَ مَرَرْت بزيد ضَاحِكا وصادفت أَخَاك رَاكِبًا
فالحال لَا يعْمل فِيهَا إِلَّا الْفِعْل أَو شَيْء يكون بَدَلا مِنْهُ
دَالا عَلَيْهِ وسنبين جَمِيع ذَلِك إِن شَاءَ الله
فَإِذا كَانَ الْعَامِل فِي الْحَال فعلا صلح تَقْدِيمهَا وتأخيرها
لتصرف الْعَامِل فِيهَا فَقلت جَاءَ زيد رَاكِبًا وراكبا جَاءَ زيد
وَجَاء رَاكِبًا زيد قَالَ الله عز وَجل {خشعا أَبْصَارهم يخرجُون من
الأجداث} وَكَذَلِكَ قَائِما لقِيت زيدا وَقَائِمًا أَعْطَيْت زيدا
درهما وذاهبا إِلَيْك رَأَيْت زيدا
وَإِن كَانَ الْعَامِل غير فعل لم تكن الْحَال إِلَّا بعده وَذَلِكَ
قَوْلك زيد فِي الدَّار قَائِما وَفِي الدَّار قَائِما زيد وَفِي
الدَّار زيد قَائِما
إِذا كَانَ قَائِما بعد قَوْلك فِي الدَّار انتصب وَلَا يصلح قَائِما
فِي الدَّار زيد وَلَا زيد قَائِما فِي الدَّار وَلَا قَائِما زيد فِي
الدَّار لما أخرت الْعَامِل وَلم يكن فعلا لم يتَصَرَّف تصرف الْفِعْل
فينصب مَا قبله وَهَذَا إِذا جعلت فِي الدَّار خَبرا فَقلت زيد فِي
الدَّار وَفِي الدَّار زيد فاستغنى زيد بِخَبَرِهِ قلت قَائِما
وَنَحْوه لتدل على أَيَّة حَال اسْتَقر
فَإِن جعلت قَائِما هُوَ الْخَبَر رفعته وَكَانَ قَوْلك فِي الدَّار
فضلَة مُسْتَغْنى عَنْهَا لِأَنَّك إِنَّمَا قلت زيد قَائِم فاستغنى
زيد بِخَبَرِهِ ثمَّ خبرت أَيْن مَحل قِيَامه فَقلت فِي الدَّار
وَنَحْوه
(4/300)
وكل مَا كَانَ فِي الِابْتِدَاء من هَذَا
فَكَذَلِك مجْرَاه فِي بَاب إِن وَأَخَوَاتهَا وظننت وَأَخَوَاتهَا
وَكَانَ وَأَخَوَاتهَا
إِلَّا أَنه مَا كَانَ من ذَلِك فعلا أَو دخله معنى تصلح عَلَيْهِ
الْحَال وتنصبه عَلَيْهِ إِذا أردْت ذَلِك نَحْو ظَنَنْت زيدا قَائِما
أَخَاك لِأَنَّك إِنَّمَا ظننته فِي حَال قِيَامه وَكَأن زيدا قَائِما
أَخُوك لِأَنَّهُ أشبهه فِي حَال قِيَامه وَلَو قلت إِن زيدا قَائِما
فِي الدَّار لم يجز لِأَنَّك لَا تنصبه بِقَوْلِك فِي الدَّار وَهُوَ
قبله وَلم يحدث معنى مَعَ إِن يجب بِهِ نصب الْحَال لِأَن هَذِه
العوامل كلهَا دَاخِلَة على الِابْتِدَاء قَالَ الله عز وَجل {إِن
أَصْحَاب الْجنَّة الْيَوْم فِي شغل فاكهون} فَجعل قَوْله {فاكهون}
الْخَبَر و {فِي شغل} تَبْيِين كَقَوْلِك
(4/301)
فِي الدَّار وَقَالَ {إِن الْمُتَّقِينَ
فِي جنَّات وعيون آخذين} وَقَالَ {إِن الْمُتَّقِينَ فِي جنَّات ونعيم
فاكهين} على مَا وَصفنَا
وَتقول زيد بك مَأْخُوذ وَزيد عَلَيْك نَازل وَزيد فِيك رَاغِب وَزيد
بك كَفِيل وَزيد إِلَيْك مائل وَزيد عَنْك مُحدث لَا يكون فِي جَمِيع
ذَلِك إِلَّا الرّفْع لِأَنَّهُ لَا يكون شَيْء مِمَّا اذكرنا ظرفا
لزيد لَو قلت زيد فِيك أَو زيد عَنْك أَو زيد بك لم يصلح لِأَن بك
إِنَّمَا هِيَ ظرف لمأخوذ وَعَلَيْك ظرف لنازل فَاعْتبر مَا ورد
عَلَيْك من هَذَا وَشبهه بِمَا ذكرت لَك
وَتقول زيد علينا أَمِير وأميرا لِأَنَّك لَو قلت زيد علينا وَأَنت
تُرِيدُ الْإِمَارَة كَانَ مُسْتَقِيمًا
وَتقول زيد فِي الدَّار أَبوهُ قَائِما على أَن تجْعَل قَائِما حَالا
لِأَبِيهِ وَإِن شِئْت رفعت فَإِن جعلته حَالا لزيد لم يستقم لِأَن
زيدا لَيْسَ لَهُ فِي الظّرْف ضمير وَلَا يَسْتَقِيم زيد قَائِما فِي
الدَّار أَبوهُ بِوَجْه من الْوُجُوه لِأَن الْحَال قبل الْعَامِل
وَلَيْسَ بِفعل
وَتقول مَرَرْت رَاكِبًا بزيد إِذا جعلت الْحَال لَك فَإِن جَعلتهَا
لزيد لم يَسْتَقِيم
(4/302)
لِأَن الْعَامِل فِي زيد الْبَاء وَلَكِن
لَو قلت ضربت قَائِما زيدا كَانَ جيدا لأيكما جعلت الْحَال وَكَذَلِكَ
رَأَيْت راكبة هندا
فَإِن قلت هَذَا ابْن عمي دنيا وَهَذِه الدَّرَاهِم وزن سَبْعَة
وَهَذَا الثَّوْب نسج الْيمن وَهَذَا الدِّرْهَم ضرب الْأَمِير نصبت
ذَلِك كُله وَلَيْسَ نَصبه على الْحَال لَو كَانَ كَذَلِك
(4/303)
لامتنع قَوْلك نسج الْيمن وَضرب الْأَمِير
لِأَن الْمعرفَة لَا تكون حَالا وَلكنهَا مصَادر على قَوْلك ضرب ضربا
ونسج نسجا
وَكَذَلِكَ إِن كَانَ الَّذِي قبله نكرَة قلت هَذَا دِرْهَم وزن
سَبْعَة وَهَذَا ثوب نسج الْيمن وَهَذَا دِرْهَم ضرب الْأَمِير
وَإِن شِئْت رفعت فَقلت هَذَا دِرْهَم وزن سَبْعَة وَهَذَا دِرْهَم ضرب
الْأَمِير فنعته بِالْمَصْدَرِ لِأَن الْمصدر مفعول فكأنك قلت هَذَا
دِرْهَم مَضْرُوب للأمير وَهَذَا ثوب منسوج بِالْيمن
فَإِن قلت هَذَا دِرْهَم ضرب الْأَمِير لم يجز أَن يكون نعتا لِأَن
النكرَة لَا تنْعَت بالمعرفة وَلَكِن بيّنت كَأَنَّك جعلته جَوَابا لما
قلت هَذَا ثوب وَهَذَا دِرْهَم قيل مَا هُوَ فَقلت ضرب الْأَمِير على
الِابْتِدَاء وَالْخَبَر
وعَلى هَذَا تَقول مَرَرْت بِرَجُل زيد وَقَالَ {بشر من ذَلِكُم
النَّار} وقرئت الْآيَة على وَجْهَيْن {فِي أَرْبَعَة أَيَّام سَوَاء
للسائلين} على الْمصدر فَكَأَنَّهُ قَالَ اسْتِوَاء وَقَرَأَ
(4/304)
بَعضهم {أَرْبَعَة أَيَّام سَوَاء} على
معنى مستويات وَقَالَ جلّ وَعز {قل أَرَأَيْتُم إِن أصبح ماؤكم غورا}
فَالْمَعْنى وَالله أعلم غائرا فَوضع الْمصدر مَوضِع الِاسْم وَقَالَت
الخنساء
(تَرْتَعُ مَا عَقَلَتْ حتَّى إِذا ادّكَرَتْ ... فإِنَّما هِيَ
إِقْبالٌ وإِدْبارُ)
فالمصدر فِي كل هَذَا فِي مَوضِع الِاسْم وَقَالَ لَقِيط بن زُرَارَة
(شَتَّانَ هَذَا والعِناقُ والنَّوْمْ ... والمشْرَبُ البارِدُ
والظِّلُّ الدَّوْمْ)
يُرِيد الدَّائِم
فَأَما قَوْلهم هُوَ عَرَبِيّ مَحْضا وَهُوَ صميم قلبا وَهُوَ عَرَبِيّ
حسبَة وَهُوَ شرِيف جدا فَإِنَّهَا مصَادر مُؤَكدَة لما قبلهَا
(4/305)
والأجود هُوَ عَرَبِيّ مَحْض وعربي قلب
لِأَن هَذِه أَسمَاء وَإِن كَانَت تكون على هَذَا اللَّفْظ مصَادر
لِأَن الْمصدر ينعَت بِهِ وَالِاسْم لَا يكون إِلَّا نعتا من هَذَا
الضَّرْب إِلَّا أَن تَجْعَلهُ حَالا للنكرة
وَأما هُوَ أَعْرَابِي قح فَلَا يكون إِلَّا رفعا لِأَنَّهُ لَيْسَ
بمصدر
فَإِذا قلت هُوَ عَرَبِيّ حسبَة فَمَعْنَاه اكْتِفَاء يُقَال
أَعْطَانِي فأحسبني أَي كفاني قَالَ الله عز وَجل {عَطاء حسابا} أَي
كَافِيا
(4/306)
|