المقتضب (هَذَا بَاب تَبْيِين الْحَال فِي العوامل
الَّتِي فِي معنى الْأَفْعَال وَلَيْسَت بِأَفْعَال وَمَا يمْتَنع من
أَن تجْرِي مَعَه الْحَال)
تَقول هَذَا لَك كَافِيا فتنصب الْحَال لما فِي الْكَلَام من معنى
الْفِعْل لِأَن معنى لَك معنى تملكه
فَإِن أردْت أَن تلْغي لَك قلت هَذَا لَك كَاف يَا فَتى تُرِيدُ هَذَا
كَاف لَك فتجعل كَافِيا خبر الِابْتِدَاء وَتجْعَل لَك ظرفا للكفاية
وَالْآيَة تقْرَأ على وَجْهَيْن {قل هِيَ للَّذين آمنُوا فِي الْحَيَاة
الدُّنْيَا خَالِصَة يَوْم الْقِيَامَة} وخالصة على مَا ذكرنَا
وَتقول هَذَا عبد الله قَائِما فتنصب قَائِما لِأَن قَوْلك هَا
للتّنْبِيه فَالْمَعْنى انتبه لَهُ قَائِما وَقَالَ الله عز وَجل
{هَذِه نَاقَة الله لكم آيَة} و {هَذَا بعلي شَيخا} فَإِن قلت هَذَا
زيد قَائِم صلح من أَرْبَعَة أوجه
(4/307)
مِنْهَا أَنَّك لما قلت هَذَا زيد اسْتغنى
الْكَلَام بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره فَجعلت قَوْلك قَائِم خبر ابْتِدَاء
مَحْذُوف كَأَنَّك قلت هُوَ قَائِم أَو هَذَا قَائِم فَهَذَا وَجه
وَيجوز أَن تجْعَل زيدا بَدَلا من هَذَا أَو تبيينا لَهُ فَيصير
الْمَعْنى زيد قَائِم
وَيجوز أَن تجْعَل زيدا وَقَائِمًا كليهمَا الْخَبَر فتخبر بِأَنَّهُ
قد جمع ذَا وَذَا كَمَا تَقول هَذَا حُلْو حامض تخبر أَنه قد جمع
الطعمين وَلَا تُرِيدُ أَن تنقض الْحَلَاوَة بالحموضة
فَهَذِهِ أَرْبَعَة أوجه فِي الرّفْع
تَقول زيد فِي الدَّار قَائِما إِذا جعلت فِي الدَّار الْخَبَر
فَمَعْنَاه اسْتَقر
فَإِن قلت زيد أَبوك قَائِم فَلَا معنى لنصب قَائِم إِذا أردْت بأبيك
النّسَب لِأَنَّهُ لَيْسَ هَا هُنَا فعل وَلَا معنى فعل فلست تخبر أَنه
أَبوك فِي حَال دون حَال
فَإِن أردْت معنى التبني جَازَ النصب فَقلت زيد أَبوك قَائِما أَي
يتبناك فِي هَذِه الْحَال وَلَا تبال بِأَيِّهِمَا كَانَ الْقيام
(4/308)
وَالْمَسْأَلَة الأولى تَقول فِيهَا زيد
أَبوك قَائِم تجْعَل الْأَب نعتا لزيد أَو بَدَلا مِنْهُ
وَكَذَلِكَ أَخُوك إِذا أردْت النّسَب كَانَ كَالْأَبِ
وَإِن أردْت الصداقة دخل معنى الْفِعْل وَصلح النصب
وَإِن جعلت الْأَخ نعتا أَو بَدَلا كَانَ الرّفْع فِي قَائِم لَا غير
فعلى هَذَا وَمَا أشبهه تصلح الْحَال وتمتنع
(4/309)
(هَذَا بَاب مَا كَانَت الْحَال فِيهِ
مُؤَكدَة لما قبلهَا وَذَلِكَ مَا لم يكن مأخوذا من الْفِعْل)
تَقول زيد أَبوك حَقًا وَهُوَ زيد مَعْرُوفا وَأَنا عبد الله أمرا
وَاضحا وَذَلِكَ لِأَن هَذِه الْحَالَات إِنَّمَا تؤكد مَا قبلهَا
لِأَنَّك إِذا قلت هُوَ زيد وَأَنا عبد الله فَإِنَّمَا تخبر بخبرين
فَإِذا قلت مَعْرُوفا أَو بَينا فَإِنَّمَا الْمَعْنى أَنى قد بيّنت
لَك هَذَا وأوضحته وَفِيه الْإِخْبَار لِأَنَّهُ عَلَيْهِ يدل
(4/310)
وَلَو قلت أَنا عبد الله مُنْطَلقًا لم يجز
لِأَن المنطلق لَا يؤكدني
أَلا ترى أَنَّك لَو قلت أَنا عبد الله مُنْطَلقًا لَكَانَ الْمَعْنى
فَاسِدا لِأَن هَذَا الِاسْم لَا يكون لي فِي حَال الانطلاق ويفارقني
فِي غَيره وَلَكِن يجوز أَن تَقول أَنا عبد الله مُصَغرًا نَفسك
لِرَبِّك ثمَّ تَقول آكلا كَمَا يَأْكُل العبيد وشاربا كَمَا يشرب
العبيد لِأَن هَذَا يُؤَكد مَا صدرت بِهِ
وَكَذَلِكَ لَو قلت مفتخرا أَو موعدا أَنا عبد الله شجاعا بطلا وَهُوَ
زيد كَرِيمًا حَلِيمًا أَي فاعرفه بِمَا كنت تعرفه بِهِ كَانَ جيدا
وَهَذَا بَاب إِنَّمَا يصلحه ويفسده مَعْنَاهُ فَكل مَا صلح بِهِ
الْمَعْنى فَهُوَ جيد وكل مَا فسد بِهِ الْمَعْنى فمردود
(4/311)
(هَذَا بَاب مَا يكون من المصادر حَالا
لموافقته الْحَال)
وَذَلِكَ قَوْلك جَاءَ زيد مشيا إِنَّمَا مَعْنَاهُ مَاشِيا لِأَن
تَقْدِيره جَاءَ زيد يمشي مشيا وَكَذَلِكَ جَاءَ زيد عدوا وركضا وقتلته
صبرا لما دخله من الْمَعْنى كَمَا أَن الْحَال قد تكون فِي معنى
الْمصدر فَتحمل عَلَيْهِ وَذَلِكَ قَوْلك قُم قَائِما إِنَّمَا
الْمَعْنى قُم قيَاما
وَتقول هَنِيئًا مريئا وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ هَنَّأَك هناء ومرأك مراء
وَلكنه لما كَانَ حَالا كَانَ تَقْدِيره وَجب ذَلِك لَك هَنِيئًا
وَثَبت لَك هَنِيئًا
(4/312)
وَمثله قَول الفرزدق
(أَلَم تَرَني عَاهَدْتُ رَبِّي وإننى ... لَبَيْنَ رِتَاجٍ قَائِما
ومَقامِ)
(على حَلْفَة لَا أَشْتُمُ الدَّهْر مُسْلِماً ... وَلَا خَارِجاً مِنْ
فيَّ زُورُ كَلامِ)
وَإِنَّمَا التَّقْدِير لَا أشتم شتما وَلَا أخرج خُرُوجًا لِأَنَّهُ
على ذَلِك أقسم فَهَذَا وَجه صَحِيح يَصح عَلَيْهِ معنى هَذَا الشّعْر
وَأما عِيسَى بن عمر فَإِنَّهُ كَانَ يَجْعَل خَارِجا حَالا وَلَا يذكر
مَا عَاهَدَ عَلَيْهِ وَلكنه يَقُول عَاهَدت رَبِّي وَأَنا غير خَارج
من فِي زور كَلَام
(4/313)
(هَذَا بَاب اشْتِرَاك الْمعرفَة والنكرة)
تَقول هَذَا رجل وَعبد الله منطلق إِذا جعلت المنطلق صفة لرجل فَإِن
جعلته صفة لعبد الله قلت هَذَا رجل وَعبد الله مُنْطَلقًا كَأَنَّك قلت
هَذَا رجل وَهَذَا عبد الله مُنْطَلقًا
فَإِن جعلت الشَّيْء لَهما جَمِيعًا قلت هَذَا رجل وَعبد الله منطلقين
لَا يكون إِلَّا ذَلِك لِأَنَّك لَو قلت مُنْطَلقًا لَو يجز لِأَنَّك
لَا تَقول على معنى الْحَال هَذَا عبد الله منطلق وَيجوز أَن تَقول
هَذَا رجل مُنْطَلقًا فالحال يجوز لَهما والنعت لَا يصلح من أجل عبد
الله
وَتقول هَذَانِ رجلَانِ وَعبد الله منطلقان وَهَذَانِ رجلَانِ وَعبد
الله مُنْطَلقًا
فَإِن جمعتهم قلت هَذَا رجلَانِ وَعبد الله منطلقين على مَا ذكرت لَك
وَتقول عِنْدِي عبد الله ومررت بِرَجُل قَائِمين فتنصب وَلَيْسَ النصب
هَا هُنَا على الْحَال لاخْتِلَاف الْمَعْنيين وَكَذَلِكَ لَو كَانَا
معرفتين أَو نكرتين
تَقول هَذَا عبد الله وَجَاءَنِي زيد فارسين إِنَّمَا تنصب على أَعنِي
وَلَو قلت فارسان جَازَ على قَوْلك هما لاخْتِلَاف العاملين
(4/314)
وَكَانَ سِيبَوَيْهٍ يُجِيز جَاءَ عبد الله
وَذهب زيد العاقلان على النَّعْت لِأَنَّهُمَا ارتفعا بِالْفِعْلِ
فَيَقُول رفعهما من جِهَة وَاحِدَة وَكَذَلِكَ هَذَا زيد وَذَاكَ عبد
الله العاقلان لِأَنَّهُمَا خبر ابتدء
وَلَيْسَ القَوْل عِنْدِي كَمَا قَالَ لِأَن النَّعْت إِنَّمَا يرْتَفع
بِمَا يرْتَفع بِهِ المنعوت فَإِذا قلت جَاءَ زيد وَذهب عَمْرو
العاقلان لم يجز أَن يرْتَفع بفعلين فَإِن رفعتهما بجاء وَحدهَا فَهُوَ
محَال لِأَن عبد الله إِنَّمَا يرْتَفع بِذَهَب وَكَذَلِكَ لَو رفعتهما
بِذَهَب لم يكن لزيد فِيهَا نصيب
وَإِذا قلت هَذَا زيد فَإِنَّمَا يرْتَفع وَمَعْنَاهُ الْإِشَارَة
إِلَى مَا قرب مِنْك وَذَاكَ لما بعد فقد اخْتلفَا فِي الْمَعْنى
وَكَذَلِكَ لَو قلت مَرَرْت بِغُلَام زيد العاقلين تُرِيدُ أَن تنْعَت
الْغُلَام وزيدا لم يجز لِأَن زيدا من تَمام اسْم الْغُلَام وَهَذَا
قَول الْخَلِيل وَلَا يجوز غَيره
وكل مَا كَانَ فِي النَّعْت فَكَذَلِك مجْرَاه فِي الْحَال فالنصب
فِيمَا كَانَ كَذَلِك على أعنى وَالرَّفْع على هما أَو هم والمعرفة
والنكرة فِي ذَلِك سَوَاء فَأَما قَوْله
(إنَّ بهَا أَكْتَلَ أَوْ رِزاما ... خُوَيْرِبَيْنِ يَنْفُقَان
الهَامَا)
فَإِنَّهُ إِنَّمَا ذكر وَاحِدًا لقَوْله أَو فَلَو أَرَادَ الْحَال
لقَالَ خويربا وَلكنه على أعنى وَلَو رَفعه على هما لَكَانَ جيدا
(4/315)
وَتقول هَذَا رجل مَعَ عبد الله قَائِمين
على الْحَال لِأَنَّك إِذا قلت مَعَ فقد أشركتهما فِي شَيْء وَاحِد
كَمَا تَقول هَذَا عبد الله وَزيد
وَتقول هَذَا رجل مَعَ رجل قَائِمين على الْحَال لِأَن الْوَصْف لَا
يصلح لاخْتِلَاف إعرابهما فَصَارَ الْحَال لَا يجوز هَا هُنَا غَيره
وَهَذَا مِمَّا إِذا وقفت على مَعْنَاهُ جرت لَك أَلْفَاظه على
حَقِيقَتهَا إِن شَاءَ الله
(4/316)
(هَذَا بَاب دُخُول الْحَال فِيمَا عملت
فِيهِ كَانَ وَأَخَوَاتهَا وَمَا أشبههَا من بَاب العوامل)
اعْلَم أَن بَاب كَانَ وَبَاب علمت وظننت دَاخِلَة كلهَا على
الِابْتِدَاء وَخَبره فَكل مَا صلح فِي الِابْتِدَاء صلح فِي هَذِه
الْأَبْوَاب وَمَا امْتنع هُنَاكَ امْتنع هُنَا
تَقول كَانَ زيد فِي الدَّار قَائِما فَإِن شِئْت نصبت وَإِن شِئْت
جعلت فِي الدَّار الْخَبَر ونصبت قَائِما على الْحَال
وَتقول إِن زيدا فِي الدَّار قَائِما على الْحَال وعَلى القَوْل الآخر
إِن زيدا فِي الدَّار قَائِم
وَكَذَلِكَ ظَنَنْت زيدا فِي الدَّار قَائِما
وَإِن كررت الظّرْف فَكَذَلِك تَقول إِن زيدا فِي الدَّار قَائِم
فِيهَا وَكَانَ زيد فِي الدَّار قَائِما فِيهَا
وَإِن شِئْت قلت إِن زيدا فِي الدَّار قَائِما فِيهَا يجْرِي مجْرَاه
قبل التَّثْنِيَة قَالَ الله جلّ وَعز {فَكَانَ عاقبتهما أَنَّهُمَا
فِي النَّار خَالِدين فِيهَا} وَقَالَ {وَأما الَّذين سعدوا فَفِي
الْجنَّة خَالِدين فِيهَا} فَكَانَ ذَلِك بِمَنْزِلَة هَذَا فِي
الِابْتِدَاء
(4/317)
صفحة فارغة
(4/318)
(هَذَا بَاب الْمعرفَة الدَّاخِلَة على
الْأَجْنَاس)
اعْلَم أَن الْأَشْيَاء الَّتِي لَا تستصحب فتحتاج إِلَى الْفَصْل بَين
بَعْضهَا وَبَعض تلحقها ألقاب تميز جِنْسهَا من جنس غَيرهَا
وَذَلِكَ قَوْلك هَذِه أم حبين وَهَذَا سَام أبرص وَأَبُو بريص وَهَذَا
أَبُو جخادب لضرب من الجنادب
وَكَذَلِكَ هَذَا أَبُو الْحَارِث للأسد وَهَذَا أُسَامَة وَهَذَا
ثعالة للثعلب
وَهَذِه بَنَات أوبر لضرب من الكمأة وَهَذَا ابْن قترة لضرب من
الْحَيَّات وَهَذِه أم عَامر وحضاجر وجيأل وَنَحْو ذَلِك للضبع وَهَذَا
حمَار قبان وَهَذَا ابْن عرس وَابْن آوى
(4/319)
فَهَذِهِ الْأَشْيَاء معارف وَهَذِه
الْأَسْمَاء مَوْضُوعَة عَلَيْهَا كزيد وَعَمْرو وَلَيْسَ مَعْنَاهَا
معنى زيد وَعَمْرو لِأَنَّك إِذا قلت زيد فقد فصلت بِهَذَا الِاسْم
الرجل مِمَّن هُوَ مثله فَإِذا قلت هَذَا سَام أبرص وَابْن عرس فلست
تفصل بِهِ وَاحِدًا من هَذَا النَّوْع من صَاحبه لِأَنَّهُ لَيْسَ
مِمَّا يتَّخذ فتقصد إِلَى تَعْرِيف بعضه من بعض كَمَا تفعل
بِالْخَيْلِ وَالشَّاء وَالْكلاب ولكنما مَعْنَاهُ هَذَا الضَّرْب من
السبَاع وَهَذَا الضَّرْب من الْأَجْنَاس الَّتِي رَأَيْتهَا وَسمعت
بهَا
وَزعم سِيبَوَيْهٍ أَن قَوْلك أَسد ثمَّ تَقول الْأسد بِمَنْزِلَة رجل
وَالرجل وَأُسَامَة وَأَبُو الْحَارِث بِمَنْزِلَة زيد وَأبي عَمْرو
وَأَن ابْن عرس بِمَنْزِلَة رجل كَانَ اسْمه كنيته لَا أَسمَاء لَهُ
غَيرهَا وَكَذَلِكَ تَقْدِير هَذَا وَمَعْنَاهُ مَا ذكرت لَك
يدلك على أَنه معرفَة أَن آوى غير مَصْرُوف وَأَنَّك لَا تدخل فِي عرس
ألفا ولاما وَلَا تصرف قترة وَأُسَامَة وقبان وَلَو كن نكرات لانصرفن
فَأَما ابْن لبون وَابْن مَخَاض فنكرة لِأَنَّهُ مِمَّا يتَّخذ النَّاس
فَهُوَ نكرَة إِذا لم تعرف مَا تضيف إِلَيْهِ فَإِن أردْت تَعْرِيفه
عرفت مَا تضيفه إِلَيْهِ كَمَا قَالَ
(وابْنُ اللَّبُونِ إِذا مَا لُزَّ فِي قَرَنٍ ... لمْ يَسْتَطِعْ
صَوْلَةَ البُزْلِ القَناعِيسِ)
وَقَالَ
(وَجَدْنا نَهْشَلاً فَضَلَتْ فُقَيْمًا ... كفَضْلِ ابْنِ المَخاضِ
على الفَصِيلِ)
وَكَذَلِكَ ابْن مَاء إِن أردْت أَن تعرفه عرفت المَاء فَقلت هَذَا
ابْن المَاء يَا فَتى كَمَا قَالَ
(مُفَدَّمةً قَزَّا كأَنَّ عُيُونَها ... عُيُونُ بَناتِ الماءِ
أَفْزَعَها الرَّعْدُ)
وَقَالَ آخر
(ورَدْتُ اعْتِسافاً والثُرَيَّا كأَنَّها ... على قِمَّةِ الرأسِ
ابْنُ ماءٍ مُحلِّقُ)
(4/320)
فنعته بالنكرة لِأَنَّهُ نكرَة
فأخبار هَذَا كأخبار رجل وَنَحْوه وأخبار الْأَوَائِل كأخبار زيد
وَعَمْرو وَنَحْوهمَا
تَقول هَذَا ابْن عرس مُقبلا وَهَذَا سَام أبرص مُقبلا وَيجوز فِيهِ
الرّفْع من حَيْثُ جَازَ فِي زيد
وَيجوز أَن تَقول هَذَا ابْن عرس مقبل كَمَا تَقول هَذَا زيد مقبل إِذا
أردْت زيدا من الزيدين نَحْو جَاءَنِي زيد وَزيد آخر وَجَاءَنِي
عُثْمَان وَعُثْمَان آخر
فَإِذا أردْت أَن تنكر ابْن عرس جعلت عرسا نكرَة وَكَذَلِكَ نظراؤه
تَقول هَذَا حمَار قبان آخر وَهَذَا أُسَامَة آخر
(4/321)
(هَذَا بَاب مَا كَانَ من الْأَسْمَاء نعتا
للمبهمة)
وَذَلِكَ مَا كَانَ من الْأَسْمَاء فِيهِ الْألف وَاللَّام
نقُول هَذَا الرجل مقبل من خَمْسَة أوجه فَأَرْبَعَة مثل الَّذِي
ذكرنَا فِي زيد وَنَحْوه
وَالْوَجْه الْخَامِس أَن تجْعَل الِاسْم نعتا للمبهم فَتَقول هَذَا
الرجل زيد تجْعَل الرجل نعتا فَيكون بِمَنْزِلَة هَذَا زيد كَمَا تَقول
زيد الطَّوِيل قَائِم قَالَ الشَّاعِر
(تَوَهَّمْتُ آياتٍ لَهَا فَعَرَفْتُها ... لِسِتَّةِ أَعْوامٍ وذَا
العَامُ سَابعُ)
وَإِن جعلت الِاسْم خَبرا فالنصب تَقول هَذَا الرجل قَائِما كَقَوْلِك
هَذَا زيد قَائِما
(4/322)
(هَذَا بَاب تَثْنِيَة الْأَسْمَاء الَّتِي
هِيَ أَعْلَام خَاصَّة)
اعْلَم أَنَّك إِذا ثنيت مِنْهَا شَيْئا أَو جمعته صَار نكرَة وَذَلِكَ
قَوْلك هَذَانِ زَيْدَانَ وَهَؤُلَاء زيدون
وَإِنَّمَا صَار نكرَة وَإِن كَانَ الْوَاحِد معرفَة لِأَنَّك حَيْثُ
قلت هَذَانِ زَيْدَانَ أخرجته مخرج اثْنَيْنِ من جمَاعَة كلهم زيد
كَأَنَّك قلت هَذَانِ زَيْدَانَ من الزيدين
أَلا ترى أَنَّك لم تسم وَاحِدًا مِنْهُمَا زيدين وَلَا سميتهم
جَمِيعًا بزيدين وَلَكِنَّك ثنيت زيدا وزيدا فَجَعَلتهمَا بِمَنْزِلَة
رجلَيْنِ
فَإِن أردْت تعريفهما قلت هَذَانِ الزيدان لِأَنَّك جعلتهما من أمة كل
وَاحِد مِنْهُم زيد نكرَة فَصَارَ بِمَنْزِلَة قَوْلك رجلَيْنِ
وَالرّجلَيْنِ
وَكَذَلِكَ قَوْلك الْعمرَان وَمَضَت سنة العمرين إِنَّمَا جعلتهما من
أمة كل وَاحِد مِنْهُم عمر فعرفتهما بِالْألف وَاللَّام
(4/323)
وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَة قَوْلك أبانان
للجبلين لِأَنَّك سميتها جَمِيعًا بِهَذَا الِاسْم كَمَا تسمى
الْوَاحِد بِالِاسْمِ الْعلم
وَجَاز هَذَا فِي الْأَمَاكِن لِأَنَّك توميء إِلَيْهَا إِيمَاء
وَاحِدًا لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا لَا يُفَارق صَاحبه
وَلَا يكون مثل هَذَا الأناسي لِأَن الْوَاحِد يُفَارق صَاحبه فتخبر
عَنهُ على حياله وَيَزُول ويتصرف
وَمثل أبانين عرفاتقول هَؤُلَاءِ عَرَفَات مُبَارَكًا فِيهَا لِأَن
عَرَفَات اسْم مَوَاضِع وَلَيْسَت مِمَّا يَزُول أَو يُفَارق مِنْهُ
شَيْء شَيْئا
فَأَما قَوْلهم النَّجْم إِذا أردْت الثريا فَإِنَّهُ معرفَة بِالْألف
وَاللَّام عجعول بهما علما فَإِن فارقتاه رَجَعَ إِلَى أَنه نجم من
النُّجُوم
(4/324)
وَالدَّلِيل على أَنه علم وَأَنه على غير
مجَاز قَوْلك الرجل أَنَّك تَأتي بِهِ على غير مَعْهُود فتعلم أَنَّك
تَعْنِي الثريا وَلَو قلت لغيره رَأَيْت النَّجْم الَّذِي تعلم فِي أول
وهلة على هَذَا الْوَجْه لَكَانَ على مَعْهُود كَالرّجلِ
وَكَذَلِكَ الدبران لِأَنَّهُ مُشْتَقّ من أَنه يدبر النَّجْم الَّذِي
يَلِيهِ فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَة الغريين اللَّذين بِالْكُوفَةِ
كل وَاحِد من هذَيْن الاسمين معرفَة بِالْألف وَاللَّام فَإِن فارقتاه
رَجَعَ نكرَة
فَإِن قَالَ قَائِل فَلم لَا يكون الدبران معرفَة بِهَذَا الِاشْتِقَاق
الَّذِي هُوَ لَهُ وَلَيْسَ يُقَال لغيره لِأَنَّهُ لَا يُقَال لكل
شَيْء دبر شَيْئا دبران
قيل هَذَا مُشْتَقّ كالعدل والعديل فالعدل للمتاع والعديل لَا يكون
إِلَّا للنَّاس وَكِلَاهُمَا نكرَة
وَيُقَال أَصَابَهُ دبران الشوق ودبران الْمَرَض لما يَأْتِي بعد
وَكَذَلِكَ الثريا إِنَّمَا هُوَ تَصْغِير ثروى وَهِي فعلى من
الْكَثْرَة فَهَذَا يتهيأ فِي كل شَيْء يُقَال رجل ثروان وَامْرَأَة
ثروى فَأَما قَوْله
(4/325)
(لنا قمَران والنجومُ الطوالِعُ ... )
يُرِيد الشَّمْس وَالْقَمَر فَإِنَّهُ جعل ذَلِك نكرَة وعرفه بِالْألف
وَاللَّام كَمَا جَازَ أَن يسميها قمرين وَهَذَا على التَّمْثِيل كشيء
يُسمى بِهِ الرجل لجماله وبهائه
وَكَذَلِكَ قَول الشَّاعِر
(جزاني الزَّهْدَمان جَزاءَ سُوْءٍ ... وكنتُ المرْءَ أُجْزَى
بالكَرامهْ)
لِأَنَّهُ جَعلهمَا من أمة كل وَاحِد مِنْهُمَا زَهْدَم على مَا وصفت
لَك فِي زيد وَإِنَّمَا هما زَهْدَم وكردم فجمعهما على اسْم كَمَا جمع
الشَّمْس وَالْقَمَر على الْقَمَر
وَكَذَلِكَ الْعمرَان إِنَّمَا هما أَبُو بكر وَعمر إِلَّا أَنه رد
ذَلِك إِلَى مثل حكم الزيدين إِذا جَمعهمَا على اسْم وَاحِد
وَأَنت إِذا قلت هَذَا زيد مقبل تُرِيدُ هَذَا وَاحِد مِمَّن لَهُ
هَذَا الِاسْم وَلَا تقصد إِلَى علم بِعَيْنِه كَانَ ذَلِك على منهاج
مَا ذكرنَا فِي التَّثْنِيَة
فَأَما الْمُضَاف من الْأَسْمَاء الْأَعْلَام فَإِنَّهُ لَا يكون فِي
التَّثْنِيَة وَالْجمع إِلَّا معرفَة تَقول هَذَا عبد الله وَهَذَانِ
عبدا الله وَهَؤُلَاء عبدو الله وَعبيد الله وَعباد الله ولأدنى
الْعدَد أعبد الله لِأَن هَذَا تعرفه بِأَنَّهُ مُضَاف إِلَى معرفَة
فَالَّذِي يعرفهُ مَعَه
(4/326)
كَذَلِك هَذَا غُلَام زيد وَهَذَانِ
غُلَاما زيد
وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْهُ كنية تَقول هَذَا أَبُو زيد وَهَذَانِ
أَبَوا زيد لِأَنَّك تُرِيدُ هَذَانِ المعروفان بِهَذَا الِاسْم وصاحبا
هَذِه الكنية وَهَؤُلَاء أَبُو زيد وآباء زيد لَا يكون إِلَّا ذَلِك
وَمثله هَذَانِ ابْنا عَم وَهَذَانِ ابْنا خَالَة أَي كل وَاحِد
مِنْهُمَا مُضَاف إِلَى هَذِه الْقَرَابَة
فَإِن أردْت أَلا تخبر عَن الكنية نَفسهَا وَلَكِن تخبر أَن كل وَاحِد
مِنْهُمَا أَو مِنْهُم لَهُ ابْن يُقَال لَهُ زيد قلت هَذَانِ أَبَوا
الزيدين وَهَؤُلَاء آبَاء الزيدين تخبر أَنهم آبَاء هَؤُلَاءِ الْقَوْم
كَقَوْلِك هَاتَانِ دَارا الرجلَيْن ومنزلا أخويك
والفصل بَين هَذَا وَالْأول أَنَّك تومئ فِي هَذَا الْموضع إِلَى
شَخْصَيْنِ أَو إِلَى شخوص تضيف إِلَيْهَا
وَأَنت فِي الأول إِنَّمَا تقصد إِلَى كنية يعرف بهَا وَاحِد أَو
اثْنَان أَو ثَلَاثَة وَلَا تومئ إِلَى شخص هَذَا الِاسْم لَهُ
فعلى هذَيْن الْمَعْنيين مجْرى هَذَا
(4/327)
|