المقتضب (هَذَا بَاب الظروف من الْأَمْكِنَة
والأزمنة وَمَعْرِفَة قسمهَا وتمكنها وَامْتِنَاع مَا يمْتَنع مِنْهَا
من التَّصَرُّف وَيُقَال من الصّرْف)
وَاعْلَم أَن الظروف متضمنة للأشياء فَمَا كَانَ مِنْهَا مَعَه فعل أَو
شَيْء فِي معنى الْفِعْل فمجراه مجْرى الْمَفْعُول فَإِن أطلقت
الْفِعْل عَلَيْهِ نصبته وَإِن جعلته لَهُ أَو شغلته عَنهُ رفعته ونصبه
إِذا انتصب على أَنه مفعول فِيهِ
وَذَلِكَ قَوْلك سرت يَوْم الْجُمُعَة وَجَلَست خلف زيد وَدون عبد الله
وَقُدَّام أَخِيك فَهَذِهِ كلهَا مفعول فِيهَا بأنك جَلَست فِي هَذِه
الْمَوَاضِع وسرت فِي هَذَا الْحِين
فَإِن شغلت الْفِعْل قلت يَوْم الْجُمُعَة سرت فِيهِ ومكانكم قُمْت
فِيهِ كَمَا تَقول عبد الله تَكَلَّمت فِيهِ وَزيد شفعت فِيهِ وأخوك
مَرَرْت بِهِ
من رأى نصب هَذَا نصب الظروف بِمَا سَنذكرُهُ بعد هَذَا الْبَاب إِن
شَاءَ الله
وَذَلِكَ أَن قَوْلك زيد مَرَرْت بِهِ ابْتِدَاء وَخبر ومررت بِهِ فِي
مَوضِع قَوْلك منطلق إِذا قلت زيد منطلٌ
وَكَذَلِكَ مَكَانكُمْ قُمْت فِيهِ وَيَوْم الْجُمُعَة سرت فِيهِ
بِمَنْزِلَة قَوْلك يَوْم الْجُمُعَة مبارك ومكانكم حسن
وَإِذا كَانَ الْفِعْل لَهُ فَكَذَلِك تَقول مضى يَوْم الْجُمُعَة
وَحسن مَكَانكُمْ لِأَنَّهَا أَسمَاء كزيد وَعَمْرو وَإِن كَانَت
مَوَاضِع للأشياء
فَأَما مَا تكون فِي معنى الْفِعْل فينتصب بِهِ فنحو قَوْلك المَال لَك
يَوْم الْجُمُعَة لِأَن
(4/328)
مَعْنَاهُ تملك وَزيد فِي الدَّار يَوْمنَا
هَذَا لِأَن مَعْنَاهُ الِاسْتِقْرَار وَزيد صديق عبد الله الْيَوْم
لِأَن مَعْنَاهُ أَنه يؤاخيه فِي هَذَا الْيَوْم
وَاعْلَم أَن الظروف من الْمَكَان تقع للأسماء وَالْأَفْعَال
فَأَما وُقُوعهَا للأسماء فَلِأَن فِيهَا معنى الِاسْتِقْرَار
تَقول زيد خَلفك وَزيد أمامك وَعبد الله عنْدكُمْ لِأَن فِيهِ معنى
اسْتَقر عبد الله عنْدك
فَأَما الظروف من الزَّمَان فَإِنَّهَا لَا تَتَضَمَّن الجثث لِأَن
الِاسْتِقْرَار فِيهَا لَا معنى لَهُ
أَلا ترى أَنَّك تَقول زيد عنْدك يَوْم الْجُمُعَة لِأَن مَعْنَاهُ زيد
اسْتَقر عنْدك فِي هَذَا الْيَوْم وَلَو قلت زيد يَوْم الْجُمُعَة لم
يستقم لِأَن يَوْم الْجُمُعَة لَا يخاو مِنْهُ زيد وَلَا غَيره فَلَا
فَائِدَة فِيهِ وَلَكِن الْقِتَال يَوْم الْجُمُعَة واجتماعكم يَوْم
الْجُمُعَة واجتماعكم يَوْم
(4/329)
كَذَا وموعدكم الْيَوْم يَا فَتى
لِأَنَّهَا أَشْيَاء تكون فِي هَذِه الْأَوْقَات وَقد كَانَ يجوز أَن
تَخْلُو مِنْهَا
وَلَو قلت زيد أَخُوك يَوْم الْجُمُعَة وَأَنت تُرِيدُ النّسَب لم يجز
لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ معنى فعل فَلَا يكون لَهُ وَجه فَائِدَة
وَلَكِن إِن قلت زيد أَخُوك يَوْم الْجُمُعَة تُرِيدُ بِهِ الصداقة
كَانَ جيدا لِأَنَّك قلت يؤاخيك فِي هَذَا الْيَوْم فعلى هَذَا تجْرِي
هَذِه الْأَشْيَاء
وَاعْلَم أَن هَذِه الظروف المتمكنة يجوز أَن تجعلها أَسمَاء فَتَقول
يَوْم الْجُمُعَة قمته فِي مَوضِع قُمْت فِيهِ والفرسخ سرته ومكانكم
جلسته وَإِنَّمَا هَذَا اتساع وَالْأَصْل مَا بدأنا بِهِ لِأَنَّهَا
مفعول فِيهَا وَلَيْسَت مَفْعُولا بهَا وَإِنَّمَا هَذَا على حذف حرف
الْإِضَافَة
أَلا ترى أَن قَوْلك مَرَرْت بزيد لَو حذفت الْبَاء قلت مَرَرْت زيدا
إِلَّا أَنه فعل لَا يصل إِلَّا بِحرف إِضَافَة وعَلى هَذَا قَول الله
عز وَجل {وَاخْتَارَ مُوسَى قومه سبعين رجلا} إِنَّمَا هُوَ وَالله
أعلم من قومه فَلَمَّا حذف حرف الْإِضَافَة وصل الْفِعْل فَعمل وَقَالَ
الشَّاعِر
(مِنَّا الَّذِي اخْتِيرَ الرجالَ سَماحةً ... وَجُوداً إِذا هَبَّ
الرِياحُ الزعازِعُ)
(4/330)
يُرِيد من الرِّجَال وَقَالَ الآخر
(أَمَرْتُكَ الخيْرَ فافْعَل مَا أُمِرْتَ بِه ... فقدْ تركتك ذَا مَال
وَذَا نَشَب)
يُرِيد بِالْخَيرِ وَقَالَ
(أَستَغْفِرُ اللهَ ذَنْبًا لستُ مُحْصِيَهُ ... رَبَّ العِبادِ إِليه
الوَجْهُ والعَمَلُ)
يُرِيد من ذَنْب فَهَذَا على هَذَا
فمما جَاءَ مثل مَا وصفت لَك فِي الظروف قَوْله
(ويومٍ شِهدْناه سُلَيْماً وعامِراً ... قَلِيلا سِوَى الطَّعْنِ
النِّهالِ نَوافِلُهْ)
يُرِيد شَهِدنَا فِيهِ
فَأَما قَول الله عز وَجل
(بل مكر اللَّيْل وَالنَّهَار فَإِن تَأْوِيله وَالله أعلم بل مكركم
فِي اللَّيْل وَالنَّهَار فأضيف الْمصدر إِلَى الْمَفْعُول كَمَا تَقول
رَأَيْت بِنَاء دَارك جيدا فأضفت الْبناء إِلَى الدَّار وَإِنَّمَا
الْبناء فعل الْبَانِي
وَكَذَلِكَ مَا أحسن خياطَة ثَوْبك وَالْفِعْل إِنَّمَا هُوَ الْفَاعِل
وَجَازَت إِضَافَته إِلَى الْمَفْعُول لِأَنَّهُ فِيهِ يحل
وَالْمَفْعُول فِيهِ كالمفعول بِهِ قَالَ الشَّاعِر
(لقَدْ لُمْتِني يَا أُمَّ غَيْلانَ فِي السُّرَى ... ونِمْتِ وَمَا
لَيْلُ المطيِّ بنائِمِ)
وَالْمعْنَى بنائم الْمطِي فِيهِ وَمثله
(فنامَ لَيْلى وتَقَضَّى هَمِّي ... )
ويروى وتجلى وَقَالَ
(أَمَّا النَّهارُ فَفِي قَيْدٍ وسِلْسِلَةٍ ... واللَّيلُ فِي جَوْفِ
مَنْحُوتٍ مِنَ السَّاج)
(4/331)
فَهَذِهِ الظروف من الزَّمَان وَالْمَكَان
مَا كَانَ يَقع مِنْهَا معرفَة ونكرة ويتصرف فَهُوَ كزيد وَعَمْرو يجوز
أَن تَجْعَلهُ فَاعِلا ومفعولا مصححا وعَلى السعَة
فَأَما الْمُصَحح فنحو قَوْلك شهِدت يَوْم الْجُمُعَة ووافيت يَوْم
السبت وَيَوْم الْأَحَد وقاسيت يَوْمًا طَويلا
وَأما على السعَة فقولك يَوْم الْجُمُعَة ضَربته زيدا تُرِيدُ ضربت
فِيهِ زيدا فأوصلت الْفِعْل إِلَيْهِ
فَإِن أجريته إِذا جعلته مَفْعُولا مجْرى مالم يسم فَاعله قلت سير بزيد
يَوْمَانِ وسير على فرسك ليلتان أَقمت ذَلِك مقَام الْفَاعِل كَمَا
تَقول دخل بزيد الدَّار
وَمَا أجريته من هَذِه الْأَسْمَاء ظرفا انتصب فِي هَذَا الْموضع
بِأَنَّهُ مفعول فِيهِ فَقلت سير بزيد يَوْمَيْنِ لِأَنَّك أردْت أَن
السّير وَقع فِي يَوْمَيْنِ وأقمت بزيد مقَام الْفَاعِل وَإِن كَانَ
مَعَه حرف خفض لِأَن قَوْلك سير بزيد بِمَنْزِلَة قَوْلك ضرب زيد
وَلِهَذَا مَوضِع نذكرهُ فِيهِ سوى هَذَا إِن شَاءَ الله
مَا كَانَ من هَذَا من أَسمَاء الْمَكَان فَذَلِك مجْرَاه تَقول سير
بزيد فرسخان وسير زيد خَلفك وسير بزيد أمامك وسير بزيد الْمَكَان
الَّذِي تعلم
وَاعْلَم أَن من هَذِه الظروف ظروفاً لَا يجوز أَن يكون الْعَمَل
إِلَّا فِي جَمِيعهَا وَإِنَّمَا ذَلِك على مِقْدَار الْقَصْد إِلَيْهِ
فمما لَا يكون الْعَمَل فِي بعضه دون بعض قَوْلك صمت يَوْمًا لَا يكون
الصَّوْم إِلَّا منتظما لليوم لِأَنَّهُ حكم الصَّوْم وَإِنَّمَا
مَعْنَاهُ أَمْسَكت عَن الطَّعَام وَالشرَاب يَوْمًا
(4/332)
وَكَذَلِكَ سرت فرسخا وميلا لِأَنَّك موقت
وَإِنَّمَا تُرِيدُ أَن تخبر بمبلغ سيرك
وَتقول لقِيت زيدا يَوْم الْجُمُعَة فَيكون اللِّقَاء فِي بعض الْيَوْم
لِأَنَّك لست بموقت إِنَّمَا أَنْت مؤرخ
وَلَو قيل لَك كم يَوْمًا لقِيت زيدا فَقلت شهرا لجرى جَوَابا ل (كم)
لِأَن مَعْنَاهُ ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَإِنَّمَا كم سُؤال عَن عدد
وَإِن قيل مَتى لقِيت زيدا فَقلت شهرا لم يجز لِأَن اللِّقَاء لَا يكون
إِلَّا فِي بعض شهر وَإِنَّمَا قَالَ لَك مَتى لتوفت لَهُ فتعرفه
فَإِنَّمَا جَوَاب ذَلِك يَوْم الْجُمُعَة أَو شهر رَمَضَان أَو مَا
أشبه ذَلِك
وَأَيْنَ فِي الْمَكَان بِمَنْزِلَة مَتى فِي الزَّمَان وَكم دَاخِلَة
على كل عدد كَمَا أَن كَيفَ مَسْأَلَة عَن كل حَال
فَأَما الظروف الَّتِي لَا تتمكن فنحو ذَات مرّة وبعيدات بَين وسحر
إِذا
(4/333)
أردْت سحر يَوْمك وبكرا وَكَذَلِكَ
عَشِيَّة وعتمة وَذَا صباح وكل مَا كَانَ من معنى عَشِيَّة وضحوة
وَكَذَلِكَ أمس
وَمن الْمَكَان نَحْو عِنْد وَحَيْثُ وكل مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا
مِمَّا لَا يخص موضعا وَهَذِه جمل يُؤْتى على تفصيلها إِن شَاءَ الله
(4/334)
فَمثل خلف وأمام وَقُدَّام يجوز أَن تقع
أَسمَاء غير ظروف وَذَلِكَ فِيهَا قَلِيل لما أذكرهُ وَمثل الْيَوْم
وَاللَّيْلَة والفرسخ والميل والنحو والناحية
وَمَا كَانَ اسْما ليَوْم نَحْو الثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء فَأكْثر
تَصرفا فِي الْأَسْمَاء لما أذكرهُ لَك إِن شَاءَ الله
علم أَن كل فعل تعدى أَو لم يَتَعَدَّ فَإِنَّهُ مُتَعَدٍّ إِلَى
ثَلَاثَة أَشْيَاء إِلَى الْمصدر لِأَنَّهُ مِنْهُ مُشْتَقّ وَعَلِيهِ
يدل وَذَلِكَ قَوْلك قُمْت قيَاما وَقَعَدت قعُودا لِأَنَّك إِذا قلت
قُمْت قيَاما فَإِنَّمَا ذكرت أَنَّك قد فعلت الْقيام فَهُوَ لَازم
للْفِعْل
وَإِذا قلت قُمْت لم تدل على مفعول فَلذَلِك لم يَتَعَدَّ
أَلا ترى أَنَّك تَقول ضربت فتدل على أَن لفعلك من قد وَقع بِهِ
فَلذَلِك تعدى إِلَى مفعول فالفعل لَا يتَعَدَّى إِلَّا بِمَا فِيهِ من
الدّلَالَة عَلَيْهِ فَكل فعل لَا يَخْلُو من مصدره
ويلي الْمصدر الزَّمَان فَكل فعل يتَعَدَّى إِلَى الزَّمَان وَذَلِكَ
أَنَّك إِذا قلت قُمْت دللت على أَن فعلك فِيمَا مضى من الدَّهْر
وَإِذا قلت أقوم وسأقوم دللت على أَنَّك ستفعل فِيمَا يسْتَقْبل من
الدَّهْر فالفعل
(4/335)
إِنَّمَا هُوَ مَبْنِيّ للدهر بأمثلته ف
(فعل) لما مضى مِنْهُ وَيفْعل يكون لما أَنْت فِيهِ وَلما لم يَقع من
الدَّهْر فَلذَلِك تَقول سرت يَوْمًا وسأسير يَوْم الْجُمُعَة
لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكّ مِنْهُ
وَالْمَكَان لَا يَخْلُو فعل مِنْهُ وَهُوَ أبعد الثَّلَاثَة لِأَن
الْفِعْل لَيْسَ بمبني من لَفظه وَلَا للمكان مَاض ومستقبل فَيكون
الْفِعْل لما مضى مِنْهُ وَلما لم يمض وَلَكِنَّك إِذا قلت فعلت أَو
أفعل علم أَن للْحَدَث مَكَانا كَمَا علم أَنه فِي زمَان
فَإِن كَانَ الْمَكَان مِمَّا لَا يَخْلُو الْحَدث مِنْهُ حصره حصر
الزَّمَان وتعدى الْفِعْل إِلَيْهِ
وَإِن كَانَ الْمَكَان مَخْصُوصًا لم يَتَعَدَّ إِلَيْهِ إِلَّا كَمَا
يتَعَدَّى إِلَى زيد وَعمر
فَأَما الْمَكَان الَّذِي لَا يَنْفَكّ الْحَدث مِنْهُ فنحو جَلَست
مَجْلِسا وَقمت مَكَان صَالحا لِأَنَّهُ لَا يقوم إِلَّا فِي مَكَان
وَإِنَّمَا نَعته بعد أَن أعمل فِيهِ الْفِعْل وَلَا يجلس إِلَّا فِي
مجْلِس
وَكَذَلِكَ سرت فرسخا لِأَن السّير لَا يَخْلُو من أَن يكون فرسخا أَو
بعضه
وَجَلَست خَلفك لَا يَنْفَكّ مِنْهُ شَيْء أَن يكون خلف وَاحِد
وَإِنَّمَا أَضَافَهُ بعد أَن كَانَ مُطلقًا وَكَذَلِكَ قُمْت أمامك
وَنَحْوه
فَإِن قَالَ جَلَست الدَّار يَا فَتى أَو قُمْت الْمَسْجِد أَو قُمْت
الْبَيْت لم يجز لِأَن هَذِه مَوَاضِع مَخْصُوصَة لَيْسَ فِي الْفِعْل
عَلَيْهَا دَلِيل
(4/336)
فكا مَا كَانَ فِي الْجُمْلَة مِمَّا يدل
عَلَيْهِ الْفِعْل فَهُوَ مُتَعَدٍّ إِلَيْهِ وَمَا امْتنع من ذَلِك
فَهُوَ مُمْتَنع مِنْهُ
فَأَما دخلت الْبَيْت فَإِن الْبَيْت مفعول تَقول الْبَيْت دَخلته
فَإِن قلت
(4/337)
فقد أَقُول دخلت فِيهِ قيل هَذَا كَقَوْلِك
عبد الله نصحت لَهُ ونصحته وخشنت صَدره وخشنت بصدره فتعديه إِن شِئْت
بِحرف وَإِن شِئْت أوصلت الْفِعْل كَمَا تَقول نبأت زيدا يَقُول ذَاك
ونبأت عَن زيد فَيكون نبأت زيدا مثل أعلمت زيدا ونبأت عَن زيد مثل خبرت
عَن زيد
(4/338)
أَلا ترى أَن دخلت إِنَّمَا هُوَ عمل فعلته
وأوصلته إِلَى الدَّار لَا يمْتَنع مِنْهُ مَا كَانَ مثل الدَّار تَقول
دخلت الْمَسْجِد وَدخلت الْبَيْت قَالَ الله عز وَجل {لتدخلن
الْمَسْجِد الْحَرَام إِن شَاءَ الله} فَهُوَ فِي التَّعَدِّي
كَقَوْلِك عمرت الدَّار وهدمت الدَّار وأصلحت الدَّار لِأَنَّهُ فعل
وصل مِنْك إِلَيْهَا مثل ضربت زيدا
فعلى هَذَا تجْرِي هَذِه الْأَفْعَال فِي الْمَخْصُوص والمبهم
فَأَما مَا لَا يتَمَكَّن من ظروف الْمَكَان وَالزَّمَان فسأصف لَك
حروفا تدل على الْعلَّة فِيمَا جرى مجْراهَا لتتناول الْقيَاس من قرب
إِن شَاءَ الله
فَأَما عِنْد فَالَّذِي منعهَا من التَّمَكُّن أَنَّهَا لَا تخص موضعا
وَلَا تكون إِلَّا مُضَافَة فَإِذا قلت جَلَست عِنْد زيد فَإِنَّمَا
مَعْنَاهُ الْموضع الَّذِي فِيهِ زيد فَحَيْثُ انْتقل زيد فَذَلِك
الْموضع يُقَال لَهُ عِنْد زيد فَهِيَ بِمَنْزِلَة حَيْثُ فِي أَنَّهَا
لَا تخص موضعا إِلَّا أَن حَيْثُ توضح بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر
وبالفعل وَالْفَاعِل لعِلَّة نذكرها إِن شَاءَ الله
(4/339)
وَهَذِه تُضَاف إِلَى مَا بعْدهَا وَلَا
يجوز أَن تدخل عَلَيْهَا من حُرُوف الْإِضَافَة إِلَّا من تَقول جِئْت
من عِنْد زيد وَلَا يجوز أَن تَقول ذهبت إِلَى عِنْد زيد لِأَن
الْمُنْتَهى غَايَة مَعْرُوفَة وَلَيْسَ عِنْد موضعا مَعْرُوفا
وَمن للابتداء وَلَيْسَت للمستقر فَهَذَا أصل عِنْد وَإِن اتسعت
واتساعها نَحْو قَوْلك أَنْت عِنْدِي منطلق لِأَن عِنْد للحضرة
وَإِنَّمَا أَرَادَ فِيمَا يحضرني فِي نَفسِي
وَإِنَّمَا هَذَا بِمَنْزِلَة قَوْلك على زيد ثوب فَإِنَّمَا يُرِيد
أَنه قد علاهُ ثمَّ تَقول عَلَيْهِ دين تُرِيدُ أَنه قد علاهُ وقهره
وكقولك زيد فِي الدَّار أَي يحل فِيهَا ثمَّ تَقول فِي زيد خصْلَة
حَسَنَة فَجَعَلته كالوعاء لَهَا
فلقلة تمكن عِنْد لَا يجوز أَن تجْرِي مجْرى الْأَسْمَاء غير الظروف
لَو قلت سير بزيد عنْدك كَمَا تَقول سير بزيد أمامك لم يجز وَلَا تَقول
إِن عنْدك حسن كَمَا تَقول إِن مَكَانك حسن
وَكَذَلِكَ لدن لِأَن مَعْنَاهَا معنى عِنْد فَكل مَا كَانَ غير
مُتَمَكن فِي بَابه فَغير مخرج مِنْهُ على جِهَة الاتساع إِلَى بَاب
آخر
(4/340)
أَلا ترى أَن خلف وأمام وَقُدَّام وَنَحْو
ذَلِك يتصرفن لِأَن الْأَشْيَاء لَا تَخْلُو مِنْهَا وَلَيْسَ الْوَجْه
مَعَ ذَلِك رَفعهَا حَتَّى تضيفها فَتَقول خلف كَذَا وأمام كَذَا
حَتَّى تعرف الشَّيْء بِالْإِضَافَة
وَلَو قلت سير بزيد خلف للدَّار أَو أَمَام للدَّار جَازَ على بعد
لِأَنَّهُ نكرَة وَإِن كَانَت اللَّام توجب معنى الْإِضَافَة
وَلَكِنَّك إِذا قلت خلف لَهَا جعلته مُبْهما ثمَّ علقته بهَا
كَقَوْلِك هَذَا غُلَام لزيد فقد علمنَا أَنه فِي ملك زيد وَلَيْسَ
الْمَعْرُوف بِهِ فَإِذا قلت غُلَام زيد فَهُوَ مثل أَخُو زيد أَي
الْمَعْرُوف بِهِ كَمَا قَالَ لبيد بن ربيعَة
(فَغَدَتْ كِلا الفَرْجيْنِ تَحَسبُ أَنَّه ... مَوْلَى المَخَافَة
خَلْفُهَا وأَمَامُها)
والأجود فِي هَذَا أَلا يجْرِي إِلَّا ظرفا لإبهامه وَإِن كَانَ
مُضَافا
فَإِذا قلت خَلفك وَاسع فالرفع لَا غير لِأَنَّهُ لَيْسَ بظرف
وَإِنَّمَا خبرت عَن الْخلف كَمَا تَقول زيد منطلق
وَكَذَلِكَ يَوْم الْجُمُعَة يَوْم مبارك وَإِنَّمَا الظروف أَسمَاء
الْأَمْكِنَة والأزمنة فَإِن وَقع فِيهَا فعل نصبها كَمَا ينصب زيدا
إِذا وَقع بِهِ إِلَّا أَن زيدا مفعول بِهِ وَهَذِه مفعول فِيهَا
وَتقول وسط رَأسك دهن يَا فَتى لِأَنَّك خبرت أَنه اسْتَقر فِي ذَلِك
الْموضع فأسكنت السِّين ونصبت لِأَنَّهُ ظرف
(4/341)
وَتقول وسط رَأسك صلب لِأَنَّهُ اسْم غير
ظرف وَتقول ضربت وَسطه لِأَنَّهُ الْمَفْعُول بِهِ بِعَيْنِه
وَتقول حفرت وسط الدَّار بِئْرا إِذا جعلت الْوسط كُله بِئْرا
كَقَوْلِك خرب وسط الدَّار
وكل مَا كَانَ مَعَه حرف خفض فقد خرج من معنى الظّرْف وَصَارَ اسْما
صَحَّ كَقَوْلِك سرت فِي وسط الدَّار لِأَن التضمن ل فِي. وَتقول قُمْت
فِي وسط الدَّار كَمَا تَقول قُمْت فِي حَاجَة زيد فَتحَرك السِّين من
وسط لِأَنَّهَا هُنَا لَيست بظرف
وَتقول فِيمَا كَانَ من الْأَمَاكِن مُرْسلا أَنْت مني عدوة الْفرس
وَأَنت مني دَعْوَة الرجل لِأَنَّهُ أَرَادَ بيني وَبَيْنك وَلم يرد
أَنْت فِي هَذَا الْمَكَان فَإِنَّمَا يُنبئ عَن هَذَا مَعْنَاهُ
وَتقول موعدك بَاب الْأَمِير إِذا جعلته هُوَ الْموعد وتنصب إِذا أردْت
أَن تَجْعَلهُ ظرفا كَأَنَّك قلت موعدك حَضْرَة بَاب الْأَمِير أَي فِي
ذَلِك الْموضع لِأَنَّك إِذا أردْت حَضْرَة كَانَت شَيْئا عَاما
(4/342)
وَكَذَلِكَ مَا كَانَ من المصادر حينا
فَإِن تَقْدِيره حذف الْمُضَاف إِلَيْهِ وَذَلِكَ قَوْلك موعدك مقدم
الْحَاج وخفوق النَّجْم وَكَانَ ذَلِك خلَافَة فلَان فَالْمَعْنى فِي
كل ذَلِك وَقت خفوق النَّجْم وزمن مقدم الْحَاج وزمن خلَافَة فلَان
وعَلى هَذَا قَالَ الشَّاعِر
(وَمَا هِي إِلَّا فِي إِزارٍ وَعِلْقَةٍ ... مُعارَ ابْنِ هَمَّامٍ
عَلى حَيِّ خَثْعما)
أَي فِي هَذَا الْوَقْت
فَأَما قَوْلهم هُوَ مني مقْعد الْقَابِلَة ومنزلة الْوَلَد فَإِنَّمَا
أَرَادَ أَن يقرب مَا بَينهمَا
وَإِذا قَالَ هُوَ مني منَاط الثريا فَإِنَّمَا معنى هَذَا أبعد الْبعد
قَالَ الشَّاعِر
(وإِنَّ بَني حَرْبٍ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمُ ... مَناطَ الثُريَّا قَدْ
تَعَلَّتْ نُجُومُها)
(4/343)
فجملة هَذَا الْبَاب أَنه كل مَا تصرف
جَازَ أَن يَجْعَل اسْما وَيكون فَاعِلا ومفعولا وكل مَا امْتنع من
ذَلِك لم يزِيدُوا بِهِ على الظّرْف
وَأما قَوْله
(فَوَرَدْنَ والعيُّوقُ مَقْعَدَ رَابيءِ الضُّرَباءِ خَلْفَ النَّجْمِ
لَا يتَتَلَّعُ)
فَإِنَّمَا أَرَادَ التَّقْرِيب وَأَرَادَ مقْعد رابيء الضرباء من
الضرباء
(4/344)
وَأما قَوْله
(عَزْمْتُ عَلى إقامةِ ذِي صباح ... لِشيءٍ مَا يُسَوَّدُ مَنْ يسودُ)
فَإِنَّمَا اضْطر فأجراه اسْما وَلَو جَازَ مثله فِي الضَّرُورَة لجَاز
سير بِهِ ذُو صباح
(4/345)
وَأما قَوْلنَا فِي حَيْثُ إِنَّهَا لَا
تتمكن فَإِنَّهَا تحْتَاج إِلَى تَفْسِير على حيالها
فَذَلِك لِأَن حَيْثُ فِي الْأَمْكِنَة بِمَنْزِلَة حِين فِي
الْأَزْمِنَة تجْرِي مجْراهَا وتحتاج إِلَى مَا يوضحها كَمَا يكون
ذَلِك فِي الْحِين إِلَّا أَن حِين فِي بَابهَا وَهَذِه مدخلة
عَلَيْهَا فَلذَلِك بنيت وَذَلِكَ قَوْلك قُمْت حَيْثُ زيد قَائِم
وَقمت حَيْثُ قَامَ زيد وَلَا يجوز قُمْت حَيْثُ زيد كَمَا تَقول قُمْت
فِي مَكَان زيد وَإِنَّمَا يوضحها مَا يُوضح الْأَزْمِنَة أَلا ترى
أَنَّك تَقول آتِيك إِذا قَامَ زيد وجئتك إِذا قَامَ زيد وَحين قَامَ
زيد وجئتك حِين زيد أَمِير وَيَوْم عبد الله منطلق فَهَذَا تَأْوِيل
بنائها
(4/346)
(هَذَا بَاب إِضَافَة الْأَزْمِنَة إِلَى
الْجمل)
اعْلَم أَنه مَا كَانَ من الْأَزْمِنَة فِي معنى إِذْ فَإِنَّهُ يُضَاف
إِلَى الْفِعْل وَالْفَاعِل وَإِلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر كَمَا
يكون ذَلِك فِي إِذْ
وَذَلِكَ قَوْلك جئْتُك إِذْ قَامَ زيد وجئتك إِذْ زيد فِي الدَّار
فعلى هَذَا تَقول جئْتُك يَوْم زيد فِي الدَّار وجئتك حِين قَامَ زيد
وَإِن كَانَ الظّرْف فِي معنى إِذا لم يجز أَن يُضَاف إِلَّا إِلَى
الْأَفْعَال كَمَا كَانَ ذَلِك فِي إِذا
أَلا ترى أَنَّك تَقول آتِيك إِذا قَامَ زيد وَإِذا طلعت الشَّمْس
وَلَا يجوز آتِيك إِذا زيد منطلق لِأَن إِذا فِيهَا معنى الْجَزَاء
وَلَا يكون الْجَزَاء إِلَّا بِالْفِعْلِ
تَقول إِذا أَعْطَيْتنِي أكرمتك وَإِذا قدم زيد أَتَيْتُك
(4/347)
وَقَول الله عز وَجل {إِذا السَّمَاء
انفطرت} و {إِذا السَّمَاء انشقت} مَعْنَاهُ إِذا انشقت السَّمَاء
وَلَوْلَا هَذَا الْفِعْل لم يصلح أَن يَقع بعد إِذا لما فِيهَا من
معنى الْجَزَاء فعلى هَذَا تَقول آتِيك يَوْم يقوم زيد وَلَا يجوز
آتِيك يَوْم زيد منطلق لما ذكرت لَك قَالَ الله عز وَجل {هَذَا يَوْم
ينفع الصَّادِقين صدقهم} وَقَالَ {هَذَا يَوْم لَا ينطقون}
فَأَما إِذْ فَإِنَّمَا يَقع بعْدهَا الْجمل لِأَنَّهُ لَا معنى للجزاء
فِيهَا لِأَنَّهَا مَاضِيَة لَا تحْتَاج إِلَى الْجَواب تَقول جئْتُك
إِذْ قَامَ زيد وَكَانَ هَذَا إِذْ زيد أَمِير كَمَا تَقول هَذَا كَانَ
يَوْم الْجُمُعَة
فَإِذا كَانَ بعْدهَا فعل مَاض قبح أَن يفرق بَينهَا وَبَينه
تَقول جئْتُك إِذْ يقوم زيد فَإِنَّمَا وضعت يقوم فِي مَوضِع قَائِم
لمضارعته إِيَّاه وَقَامَ لَا يضارع الْأَسْمَاء وَإِذ إِنَّمَا تُضَاف
إِلَى فعل وفاعل أَو ابْتِدَاء وَخبر
فَإِذا أضيفت إِلَى الْفِعْل قدم وَإِذا أضيفت إِلَى الِابْتِدَاء قدم
وَلم يكن الْخَبَر إِلَّا اسْما أَو فعلا مِمَّا يضارع الْأَسْمَاء
وَمِمَّا لَا يجوز أَن يكون ظرفا نَاحيَة الدَّار وجوف الدَّار
لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة الْيَد وَالرجل فَكَمَا لَا تَقول زيد الدَّار
لَا تَقول زيد جَوف الدَّار حَتَّى تَقول فِي جوفها
(4/348)
فَإِن قلت زيد نَاحيَة من الدَّار أَو زيد
نَاحيَة عَن الدَّار لَا تُرِيدُ بَعْضهَا حسن ذَلِك
وَمِمَّا لَا يكون إِلَّا ظرفا ويقبح أَن يكون اسْما سوى وَسَوَاء
ممدودة بِمَعْنى سوى وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قلت عِنْدِي رجل سوى زيد
فَمَعْنَاه عِنْدِي رجل مَكَان زيد أَي يَد مسده ويغني غناءه
وَقد اضْطر الشَّاعِر فَجعله اسْما لِأَن مَعْنَاهُ معنى غير فَحَمله
عَلَيْهِ وَذَلِكَ قَوْله
(تَجانَفُ عَنْ جُلِّ اليّمامةِ نَاقَتي ... وَمَا قَصَدَتْ مِنْ
أَهْلِهِ لِسَوائِكا)
(4/349)
وَقَالَ آخر
(وَلَا يَنْطِقُ الفَحْشَاءَ مَنْ كانَ مِنْهُمُ ... إِذا جَلَسُوا
مِنَّا وَلَا مِنْ سَوائِنَا)
وَإِنَّمَا اضْطر فحملها على مَعْنَاهَا كَمَا أَن الشَّاعِر حَيْثُ
اضْطر إِلَى الْكَاف الَّتِي للتشبيه أَن يَجْعَلهَا اسْما أجراها
مجْرى مثل لِأَن الْمَعْنى وَاحِد نَحْو قَوْلك زيد كعمرو إِنَّمَا
مَعْنَاهُ مثل عَمْرو فَلَمَّا اضْطر قَالَ
(وصَالِياتٍ كَكَما يُؤثْفَيْن ... )
يُرِيد كَمثل مَا
وَقَالَ آخر
(فَصُيِّرُوا مِثْلَ كَعَصْفٍ مَأْكُولْ)
وأَمَّا قولُه
(وأَنْتَ مَكانُك مِنْ وائِلٍ ... مِكانُ القُرادِ مِنِ اسْتِ
الجَمَلْ)
(4/350)
فَإِنَّهُ لم يَجْعَل أَحدهمَا ظرفا للْآخر
وَإِنَّمَا شبه مَكَانا بمَكَان كَقَوْلِك مَكَانك مثل مَكَان زيد
وَتقول آتِيك يَوْم الْجُمُعَة غدْوَة نصبت يَوْم الْجُمُعَة لِأَنَّهُ
ظرف ونصبت غدْوَة على الْبَدَل لِأَنَّك أردْت أَن تعرفه فِي أَي وَقت
كَمَا تَقول ضربت زيدا رَأسه أردْت أَن تبين مَوضِع الضَّرْب
وَتقول سير بزيد يَوْم الْجُمُعَة غدْوَة على الْبَدَل
وَإِن شِئْت نصبت الْيَوْم فَجَعَلته ظرفا لِقَوْلِك غدْوَة لِأَن
الْغَدَاة فِي الْيَوْم
وَإِن شِئْت رفعت الْيَوْم فأقمته مقَام الْفَاعِل ثمَّ أضمرت فعلا
فَنصبت بِهِ غدْوَة لِأَن الْمَعْنى على ذَلِك فَلَمَّا قَامَ الأول
مقَام الْفَاعِل كَانَ التَّقْدِير سَارُوا غدْوَة يَا فَتى
فَأَما قَوْلهم اللَّيْلَة الْهلَال وَلَا يجوز اللَّيْلَة زيد لِأَن
ظرف الزَّمَان لَا تَتَضَمَّن الجثث وَإِنَّمَا استقام هَذَا لِأَن
فِيهِ معنى الْحُدُوث إِنَّمَا يُرِيد اللَّيْلَة يحدث الْهلَال
فللمعنى صلح
وَلَو قلت اللَّيْلَة الْهلَال كَانَ جيدا تُرِيدُ اللَّيْلَة لَيْلَة
الْهلَال فَلَمَّا حذفت لَيْلَة أَقمت الْهلَال مقَامهَا مثل قَول الله
عز وَجل {واسأل الْقرْيَة} تُرِيدُ أهل الْقرْيَة
وَكَذَلِكَ زيد عَمْرو وَأَرَدْت مثل عَمْرو فَلَمَّا حذفت مثلا قَامَ
عَمْرو مقَامه
(4/351)
(هَذَا بَاب من الْإِخْبَار نبين مَا
يسْتَعْمل من هَذِه الظروف أَسمَاء وَمَا لَا يكون إِلَّا ظرفا لقلَّة
تصرفه)
ونبدأ قبل ذَلِك بِشَيْء عَن الْإِخْبَار عَن الْأَسْمَاء غير الظروف
لتستدل بذلك على الظروف إِذا وَردت عَلَيْك إِن شَاءَ الله
تَقول قَامَ زيد فَإِن قيل لَك أخبر عَن زيد فَإِنَّمَا يُقَال لَك
اجْعَل زيدا خَبرا وَاجعَل هَذَا الْفِعْل فِي صلَة الِاسْم الَّذِي
زيد خَبره فَإِن خبرت عَنهُ ب (الَّذِي) قلت الَّذِي قَامَ زيد
وَإِن أخْبرت عَنهُ بِالْألف وَاللَّام اللَّتَيْنِ فِي معنى الَّذِي
قلت الْقَائِم زيد فَإِن قلت ضرب زيد عمرا فَأخْبرت عَن زيد قلت
الَّذِي ضرب عمرا زيد جعلت فِي ضرب ضميرا فِي مَوضِع زيد فَاعِلا
وَجعلت زيدا خبر الِابْتِدَاء
وَإِن قلته بِالْألف وَاللَّام فَكَذَلِك تَقول الضَّارِب عمرا زيد
وَإِن قيل لَك أخبر عَن عَمْرو قلت الضاربة زيد عَمْرو جعلت الْهَاء
المنصوبة فِي مَوضِع عَمْرو وَجعلت عمرا خبر الِابْتِدَاء لِأَنَّك
عَنهُ تخبر
والظروف تجْرِي هَذَا المجرى
(4/352)
تَقول الْقِتَال يَوْم الْجُمُعَة فَإِن
أخْبرت عَن الْقِتَال وضعت مَكَانَهُ ضميرا يكون يَوْم الْجُمُعَة ظرفا
لَهُ وَجَعَلته خبر الِابْتِدَاء وَلَا يكون بِالَّذِي لِأَن الْألف
وَاللَّام إِنَّمَا تلحقان الْفِعْل لِأَنَّك تبني من الْفِعْل فَاعِلا
ثمَّ تدخلهما عَلَيْهِ
وَذَلِكَ قَوْلك الَّذِي هُوَ يَوْم الْجُمُعَة الْقِتَال كَانَ
الْقِتَال ابْتِدَاء فَجعلت هُوَ فِي مَوْضِعه
فَإِن أخْبرت عَن يَوْم الْجُمُعَة قلت الَّذِي الْقِتَال فِيهِ يَوْم
الْجُمُعَة تكنى عَن يَوْم الْجُمُعَة إِذا كَانَ ظرفا بِقَوْلِك فِيهِ
وَكَذَلِكَ إِذا قلت زيد خَلفك فَقيل لَك أخبر عَن الْخلف قلت الَّذِي
فِيهِ زيد خَلفك وَالَّذِي فِيهِ زيد أمامك
وَمن جعله مَفْعُولا على السعَة قَالَ يَوْم الْجُمُعَة صمته وخلفك
قمته تُرِيدُ فِيهِ أجراه مجْرى زيد وَعَمْرو فَقَالَ فِي قَوْله قُمْت
يَوْم الْجُمُعَة إِذا أخبر عَن الْيَوْم الْقَائِمَة أَنا يَوْم
الْجُمُعَة والجالسة أَنا خَلفك
هَذَا لما كَانَ مِنْهَا متصرف فَأَما مَا لَا يتَصَرَّف فنحو عِنْد
وَسوى وَذَات مرّة وبعيدات بَين وسحر وبكرا إِذا أردْت سحر يَوْمك
وبكرة وَعَشِيَّة وعتمة وصباح مسَاء فَلَا يجوز الْإِخْبَار عَن شَيْء
مِنْهَا لِأَنَّك إِذا جعلت شَيْئا مِنْهَا خبر ابْتِدَاء أردْت أَن
ترفعه وَالرَّفْع فِيهَا محَال لِأَنَّهَا لَا تكون أَسمَاء غير ظروف
لِأَنَّك تَقول مَكَان وَاسع وَلَا تَقول عنْدك وَاسع وَلَا ذَات مرّة
خير من مرَّتَيْنِ لفساد ذَلِك فِي الْمَعْنى
وَلَو قيل لَك أخبر عَن عِنْد فِي قَوْلك جَلَست عنْدك لَقلت الْجَالِس
فِيهِ أَنا عنْدك وَهَذَا لَا يجوز لما ذكرت لَك فِي صدر الْكتاب
(4/353)
(هَذَا بَاب مَا كَانَ من أَسمَاء
الْأَوْقَات غير متصرف نَحْو سحر إِذا أردْت بِهِ سحر يَوْمك وبكرا
وَمَا كَانَ مثلهمَا فِي قلَّة التَّمَكُّن)
أما غدْوَة وبكرة فاسمان متمكنان معرفَة لَا ينصرفان من أجل
التَّأْنِيث تَقول سير عَلَيْهِ بكرَة يَا فَتى وغدوة إِذا أَقمت بكرَة
مقَام الْفَاعِل وَإِن أردْت نَصبه على الظّرْف فَكَذَلِك تَقول سير
عَلَيْهِ بكرَة يَا فَتى وغدوة يَا فَتى
وَإِنَّمَا صَارا معرفَة لِأَنَّك بنيت غدْوَة اسْما لوقت بِعَيْنِه
وبكرة فِي مَعْنَاهَا
أَلا ترى أَنَّك تَقول هَذِه غَدَاة طيبَة وجئتك غَدَاة طيبه وَلَا
تَقول على هَذَا الْوَجْه جئْتُك غدْوَة طيبَة وَلَكِن تَقول آتِيك
يَوْم الْجُمُعَة غدْوَة يَا فتي
فَإِن ذكرت صرفت فَقلت سير عَلَيْهِ غدْوَة من الغدوات وبكرة من الْبكر
نَحْو قَوْلك رَأَيْت عثمانا آخر وَجَاءَنِي زيد من الزيدين
قَالَ الله عز وَجل {وَلَهُم رزقهم فِيهَا بكرَة وعشيا} وَقَرَأَ
بَعضهم {بالغدوة والعشي} فَأدْخل الْألف وَاللَّام على غدْوَة
(4/354)
وَأما ضحى وضحى تَصْغِير ضحى وَعَشِيَّة
وعشة وعشاء وبصر وظلام وصباح مسَاء فَإِن أردْت من النكرات فهن متصرفات
تَقول سير عَلَيْهِ عَشِيَّة من العشايا وضحوة من الضحوات وتنصب إِن
شِئْت على الظّرْف
وَكَذَلِكَ سير بِهِ عتمة وعشاء
فَإِن عنيت الْيَوْم الَّذِي أَنْت فِيهِ وَاللَّيْلَة الَّتِي أَنْت
فِيهَا لم ترفع من ذَلِك شَيْئا وتنون لِأَنَّهُنَّ نكرات
(4/355)
وَتقول سير عَلَيْهِ عَشِيَّة وعشاء وعتمة
وَمَسَاء
وَإِنَّمَا قل تصرفه لِأَنَّك وَضعته وَهُوَ نكرَة فِي مَوضِع
الْمعرفَة إِذا عنيت بِهِ يَوْمك وليلتك فَإِن صيرته نكرَة رَددته
إِلَى بَابه وَأَصله فتصرف
وَأما سحر فمعدول لَا ينْصَرف وَإِنَّمَا عدل عَن الْألف وَاللَّام
كأخر وَهَذَا يُفَسر فِيمَا ينْصَرف وَمَال اينصرف
وَكَذَلِكَ إِن صغرته فَقلت سيربه سحيرا صرفته لِأَن فعيلا لَا يكون
معدولا وَلَكِن ترفعه بِمَا ذكرت من قلَّة تمكنه
فَإِن نكرته انْصَرف وَجرى على الْوُجُوه لِأَنَّهُ فِي بَابه فَقلت
سير عَلَيْهِ سحر أَي سحر من الأسحار وَيجوز نَصبه على الظّرْف قَالَ
الله عز وَجل {إِلَّا آل لوط نجيناهم بِسحر} فَهَذَا جملَة هَذَا
الْبَاب
(4/356)
(هَذَا بَاب لَا الَّتِي للنَّفْي)
اعْلَم أَن لَا إِذا وَقعت على نكرَة نصبتها بِغَيْر تَنْوِين
وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك لما أذكرة لَك إِنَّمَا وضعت الْأَخْبَار
جوابات للاستفهام إِذا قلت لَا رجل فِي الدَّار لم تقصد إِلَى رجل
بِعَيْنِه وَإِنَّمَا نفيت عَن الدَّار صَغِير هَذَا الْجِنْس وكبيرة
فَهَذَا جَوَاب قَوْلك هَل من رجل فِي الدَّار لِأَنَّهُ يسْأَل عَن
قَلِيل هَذَا الْجِنْس وَكَثِيره
أَلا ترى أَن الْمعرفَة لَا تقع هَا هُنَا لِأَنَّهَا لَا تدل على
الْجِنْس وَلَا يَقع الْوَاحِد مِنْهَا فِي مَوضِع الْجَمِيع فَلَو قلت
هَل من زيد كَانَ خلفا فَلَمَّا كَانَت لَا كَذَلِك كَانَ دُخُولهَا
على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر كدخول إِن وَأَخَوَاتهَا عَلَيْهِمَا
فأعملت عمل إِن
فَأَما ترك التَّنْوِين فَإِنَّمَا هُوَ لِأَنَّهَا جعلت وَمَا عملت
فِيهِ بِمَنْزِلَة اسْم وَاحِد كخمسة عشر
(4/357)
فَإِن قيل أَيكُون الْحَرْف مَعَ الِاسْم
اسْما وَاحِدًا
قيل هَذَا مَوْجُود مَعْرُوف تَقول قد علمت أَن زيدا منطلق ف أَن حرف
وَهِي وَمَا عملت فِيهِ اسْم وَاحِد وَالْمعْنَى علمت انطلاق زيد
وَكَذَلِكَ بَلغنِي أَن زيدا منطلق فَالْمَعْنى بَلغنِي انطلاق زيد
كَذَلِك أَن الْخَفِيفَة مَعَ الْفِعْل إِذا قلت أُرِيد أَن تقوم يَا
فَتى إِنَّمَا هُوَ أُرِيد قيامك وَكَذَلِكَ يسرني أَن تقوم مَعْنَاهُ
يسرني قيامك
ف لَا وَالِاسْم الَّذِي بعْدهَا المنكور بِمَنْزِلَة قَوْلك يَا ابْن
أم جعل اسْما وَاحِدًا كَمَا جعل خَمْسَة عشر وَالثَّانِي فِي مَوضِع
خفض بِالْإِضَافَة وَكَذَلِكَ لَا رجل فِي الدَّار رجل فِي مَوضِع نصب
منون إِلَّا أَنَّهُمَا جعلا اسْما وَاحِدًا بِمَنْزِلَة مَا ذكرت لَك
وَالدَّلِيل على أَن لَا وَمَا عملت فِيهِ اسْم قَوْلهم غضِبت من لَا
شَيْء يَا فَتى وَجئْت بِلَا مَال كَقَوْلِه
(حنَّتْ قَلُوصِي حِينَ لاَ حِينَ مَحنّ)
(4/358)
جعلهم اسْما وَاحِدًا
وَلَا يجوز أَن يكون هَذَا النَّفْي إِلَّا عَاما من ذَلِك قَول الله
عز وَجل {لَا عَاصِم الْيَوْم من أَمر الله} وَقَالَ {لَا ريب فِيهِ}
وَقَالَ {لَا ملْجأ من الله إِلَّا إِلَيْهِ}
فَإِن قدرت دُخُولهَا على شَيْء قد عمل فِيهِ غَيرهَا لم تعْمل شَيْئا
وَكَانَ الْكَلَام كَمَا كَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّك أدخلت النَّفْي على
مَا كَانَ مُوجبا وَذَلِكَ قَوْلك أَزِيد فِي الدَّار أم عَمْرو
فَتَقول لَا زيد فِي الدَّار وَلَا عَمْرو
وَكَذَلِكَ تَقول أرجل فِي الدَّار أم امْرَأَة فَالْجَوَاب لَا رجل
فِي الدَّار وَلَا امْرَأَة لَا تبالى معرفَة كَانَت أم نكرَة
وعَلى هَذَا قِرَاءَة بَعضهم {لَا خوف عَلَيْهِم} وَمن قَرَأَ لَا خوف
عَلَيْهِم فعلى مَا ذكرت لَك
وَأما قَوْله {وَلَا هم يَحْزَنُونَ} فَلَا يكون هم إِلَّا رفعا لِأَن
لَا لَا تعْمل فِي المعارف وسأبين لَك هَذَا أَن شَاءَ الله
وَكَذَلِكَ إِن جَعلتهَا جَوَابا لِقَوْلِك رجل فِي الدَّار أَو أهل
رجل فِي الدَّار قلت لَا رجل فِي الدَّار
وَهَذَا أقل لأقاويل لِأَنَّهَا لَا تخلص لمعْرِفَة دون نكرَة وَلَا
نكرَة دون معرفَة إِذْ كَانَ التكرير وَالْبناء أغلب
(4/359)
فالتكرير لَا زيد فِي الدَّار وَلَا عَمْرو
وَلَا رجل فِي الدَّار وَلَا امْرَأَة
وَالْبناء لَا رجل فِي الدَّار وَلَا امْرَأَة على جَوَاب من قَالَ هَل
من رجل أَو امْرَأَة فِي الدَّار
فمما جَاءَ على قَوْله لَا رجل فِي الدَّار قَوْله
(وأَنْتَ امْرُؤٌ مِنَّا خُلِقْتَ لَغيْرنَا ... حَياتُك لَا نَفْعٌ
ومَوْتُكَ فَاجعُ)
وَقَوله
(مَنْ صَدَّ عَنْ نِيرانِها ... فأَنا ابْنُ قَيْسٍ لَا بَراحُ)
فَإِن كَانَت معرفَة لم تكن إِلَّا رفعا لِأَن لَا لَا تعْمل فِي
معرفَة وَذَلِكَ قَوْلك لَا زيد فِي الدَّار إِنَّمَا هُوَ جَوَاب
أَزِيد فِي الدَّار
(4/360)
فَمن ذَلِك قَوْله
(قضَتْ وطَراً واسْتَرْجعتْ ثُمَّ آذَنتْ ... رَكائِبُهَا أَنْ لَا
إِلَيْنَا رُجُوعُها)
وَاعْلَم أَن لَا إِن فصلت بَينهَا وَبَين النكرَة لم يجز أَن تجعلها
مَعهَا اسْما وَاحِدًا لِأَن الِاسْم لَا يفصل بَين بعضه وَبَعض
فَتَقول لَا فِي الدَّار أحد وَلَا فِي بَيْتك رجل وَقَوله عز وَجل
{لَا فِيهَا غول} لَا يجوز غَيره لِأَن لَا وَإِن لم تجعلها اسْما
وَاحِدًا مَعَ مَا بعْدهَا لَا تعْمل لِضعْفِهَا إِلَّا فِيمَا يَليهَا
أَلا ترى أَنَّهَا تدخل على الْكَلَام فَلَا تغيره وَلَو كَانَت كَإِن
وَأَخَوَاتهَا لأزالت الِابْتِدَاء
(4/361)
وَلَا تعْمل إِلَّا فِي نكرَة الْبَتَّةَ
وَلَو كَانَت كَغَيْرِهَا من العوامل لعملت فِي الْمعرفَة كَمَا تعْمل
فِي النكرَة
فَإِن قلت فَمَا قَوْله
(أَرَى الحَاجاتِ عِنْدَ أَبِي خُبيْب ... نَكِدْنَ وَلَا أُميَّةَ فِي
البلادِ)
فقد عملت فِي أُميَّة وَكَذَلِكَ قَوْله
(لَا هَيْثَمَ اللَّيْلَةَ للمَطِيِّ)
(4/362)
فَلَيْسَ كَمَا قَالَ لِأَن الشَّاعِر
إِنَّمَا أَرَادَ لَا أَمْثَال أُميَّة وَلَا من يسد مسدها وَالْمعْنَى
وَلَا ذَا فضل فَدخلت أُميَّة فِي هَؤُلَاءِ المنكورين
وَكَذَلِكَ لَا هَيْثَم اللَّيْلَة أَي لَا مجْرى وَلَا سائق كسوق
هَيْثَم
وَمثل ذَلِك قَوْلهم فِي الْمثل قَضِيَّة وَلَا أَبَا حسن لَهَا أَي
قَضِيَّة وَلَا عَالم بهَا فَدخل عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِيمَن يطْلب
لهَذِهِ الْمَسْأَلَة
(4/363)
(هَذَا بَاب مَا تعْمل فِيهِ لَا وَلَيْسَ
باسم مَعهَا)
تَقول لَا مثل زيد لَك وَلَا غُلَام رجل لَك وَلَا مَاء سَمَاء فِي
دَارك
وَإِنَّمَا امْتنع هَذَا من أَن يكون اسْما وَاحِدًا مَعَ لَا
لِأَنَّهُ مُضَاف والمضاف لَا يكون مَعَ مَا قبله اسْما أَلا ترى
أَنَّك لَا تَجِد اسْمَيْنِ جعلا اسْما وَاحِدًا وهما مُضَاف إِنَّمَا
يكونَانِ مفردين كحضرموت وبعلبك وَخَمْسَة عشر وَبَيت بَيت
أَلا ترى أَن قَوْله يَا ابْن أم لما جعل أم مَعَ ابْن اسْما وَاحِدًا
حذفت يَاء الْإِضَافَة فَلذَلِك امْتنع هَذَا من أَن يكون مَعَ مَا
قبله اسْما وَاحِدًا وعملت فِيهِ لَا فنصبته
وَكَذَلِكَ قَول ذِي الرمة
(هِيَ الدارُ إِذْمَيٌّ لأَهْلِكَ جِيرَةٌ ... لَيالَي لَا أَمْثَالَهن
لياليا)
فأمثالهن نصب ب لَا وَلَيْسَ مَعهَا بِمَنْزِلَة اسْم وَاحِد
(4/364)
وَمِمَّا لَا يكون مَعهَا اسْما وَاحِدًا
مَا وصل بِغَيْرِهِ نَحْو قَوْلك لَا خيرا من زيد لَك وَلَا آمُر
بِالْمَعْرُوفِ لَك تثبت التَّنْوِين لِأَنَّهُ لَيْسَ مُنْتَهى
الِاسْم لِأَن مَا بعده من تَمَامه فَصَارَ بِمَنْزِلَة حرف من حُرُوف
الِاسْم
وَلَو قلت لَا خير عِنْد زيد وَلَا آمُر عِنْده لم يكن إِلَّا بِحَذْف
التَّنْوِين لِأَنَّك لم تصله بِمَا يكمله اسْما وَلكنه اسْم تَامّ
فَجَعَلته مَعَ لَا اسْما وَاحِدًا
وَتقول لَا آمُر يَوْم الْجُمُعَة لَك إِذا نفيت جَمِيع الآمرين
وَزَعَمت أَنهم لَيْسُوا لَهُ يَوْم الْجُمُعَة
فَإِن أردْت أَن تَنْفِي آمرا يَوْم الْجُمُعَة قلت لَا آمرا يَوْم
الْجُمُعَة لَك
جعلت يَوْم الْجُمُعَة من تَمام الِاسْم فَصَارَ بِمَنْزِلَة قَوْلك
لَا آمرا مَعْرُوفا لَك فَهَذَا يبين مَا يرد من مثل هَذَا
(4/365)
وَكَانَ الْخَلِيل وسيبويه يزعمان أَنَّك
إِذا قلت لَا غلامين لَك أَن غلامين مَعَ لَا اسْم وَاحِد وَتثبت
النُّون كَمَا تثبت مَعَ الْألف وَاللَّام وَفِي تَثْنِيَة مَا لَا
ينْصَرف وَجمعه نَحْو قَوْلك هَذَانِ أَحْمَرَانِ وَهَذَانِ المسلمان
فالتنوين لَا يثبت فِي وَاحِد من الْمَوْضِعَيْنِ فرقوا بَين النُّون
والتنوين وَاعْتَلُّوا بِمَا ذكرت لَك وَلَيْسَ القَوْل عِنْدِي
كَذَلِك لِأَن الْأَسْمَاء الْمُثَنَّاة والمجموعة بِالْوَاو وَالنُّون
لَا تكون مَعَ مَا قبلهَا اسْما وَاحِدًا لم يُوجد ذَلِك كَمَا لم
يُوجد الْمُضَاف وَلَا الْمَوْصُول مَعَ مَا قبله بِمَنْزِلَة اسْم
وَاحِد
(4/366)
(هَذَا بَاب مَا ينعَت من الْمَنْفِيّ)
اعْلَم أَنَّك إِذا نعت اسْما منفيا فَأَنت فِي نَعته بِالْخِيَارِ إِن
شِئْت نونته فَقلت لَا مَاء بَارِدًا لَك وَلَا رجل ظريفا عنْدك وَهُوَ
أَقيس الْوَجْهَيْنِ وَأحسن
وَإِن شِئْت جعلت الْمَنْفِيّ ونعته اسْما وَاحِدًا فَقلت لَا رجل ظريف
عنْدك وَلَا مَاء بَارِد لَك
فَأَما مَا لم يرد أَن يَجعله اسْما فحجته أَن النَّعْت مُنْفَصِل من
المنعوت مُسْتَغْنى عَنهُ فَإِنَّمَا جَاءَ بِهِ بعد أَن مضى الِاسْم
على حَاله وَلَو لم يَأْتِ بِهِ لم تحتج إِلَيْهِ
وَحجَّة من رأى أَن يَجعله مَعَ المنعوت اسْما وَاحِدًا أَنه يَقُول
لما كَانَ مَوضِع يصلح فِيهِ بِنَاء الاسمين اسْما وَاحِدًا كَانَ
بِنَاء اسْم مَعَ اسْم أَكثر من بِنَاء اسْم مَعَ حرف وكل قد ذهب مذهبا
إِن قلت لَا رجل ظريفاً عاقلاُ فَأَنت فِي النَّعْت الأول بِالْخِيَارِ
فَأَما الثَّانِي فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا التَّنْوِين لِأَنَّهُ لَا
يكون ثَلَاثَة أَشْيَاء اسْما وَاحِدًا
وَكَذَلِكَ الْمَعْطُوف لَو قلت لَا رجل وَغُلَامًا عنْدك لم يصلح فِي
الْغُلَام إِلَّا التَّنْوِين
(4/367)
من أجل وَاو الْعَطف لِأَنَّهُ لَا يكون
فِي الْأَسْمَاء مثل حَضرمَوْت اسْما وَاحِدًا إِذا كَانَت بَينهمَا
وَاو الْعَطف فعلى هَذَا يجْرِي هَذَا الْبَاب
(4/368)
(هَذَا بَاب مَا كَانَ نَعته على الْموضع
وَمَا كَانَ مكررا فِيهِ الِاسْم الْوَاحِد)
اعْلَم أَن النَّعْت على اللَّفْظ والتكرير بِمَنْزِلَة وَاحِدَة
وَذَلِكَ قَوْلك فِي النَّعْت لَا رجل ظريف لَك وَلَا رجل ظريفا لَك
على مَا ذكرت لَك والتكرير على ذَلِك يجْرِي تَقول لَا مَاء مَاء
بَارِدًا يَا فَتى وَإِن شِئْت قلت لَا مَاء مَاء بَارِد
فَإِن جعلت النَّعْت على الْموضع قلت لَا مَاء مَاء بَارِدًا
وَإِن شِئْت جعلت الاسمين اسْما وَاحِدًا قلت لَا مَاء مَاء بَارِد
وَجعلت مَاء الأول وَالثَّانِي اسْما وَاحِدًا وَجعلت بَارِدًا نعتا
على الْموضع لِأَن مَاء وَمَا عملت فِيهِ فِي مَوضِع اسْم مُبْتَدأ
وَالْخَبَر مَحْذُوف كَأَنَّهُ أَرَادَ لَا مَاء لنا وبارد نعت على
الْموضع والنعت على اللَّفْظ أحسن
فمما جَاءَ نعتا على الْموضع وَهُوَ هَا هُنَا أحسن قَول الله عز وَجل
(مَا لكم من
(4/369)
إِلَه غَيره} إِن شِئْت كَانَ غَيره
اسْتثِْنَاء وَإِن شِئْت كَانَ نعتا على الْموضع
وَإِنَّمَا كَانَ هُوَ الْوَجْه لِأَن من زَائِدَة لم تحدث فِي
الْمَعْنى شَيْئا وَلَا لَيست كَذَلِك لِأَنَّهَا أزالت مَا كَانَ
مُوجبا فَصَارَ بهَا منفيا فَمن ذَلِك قَوْله
(ورَدَّ جاَزِرُهُمْ حَرْفاً مُصَرَّمَةً ... وَلَا كَرَيمَ مِنَ
الوِلْدانِ مصْبوحُ)
(4/370)
والعطف يجْرِي هَذَا المجرى فَمن جعل
الْمَعْطُوف على الْموضع قَالَ لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
حمل الثَّانِي على الْموضع
وَنَظِير هَذَا قَوْله
(فلسنا بالجبال وَلَا الحديدا)
حمل الثَّانِي على الْموضع كَأَنَّهُ قَالَ فلسنا الْجبَال ولسنا
الحديدا
وَمثله قَول الله عز وَجل {فَأَصدق وأكن} لَوْلَا الْفَاء كَانَ أصدق
مَجْزُومًا كَمَا أَنه لَوْلَا الْبَاء لكَانَتْ الْجبَال مَنْصُوبَة
لِأَنَّهُ خبر لَيْسَ
وَمثله قَوْلك إِن زيدا منطلق وَعَمْرو وَقَول الله عز وَجل {أَن الله
بَرِيء من الْمُشْركين وَرَسُوله}
فالأجود فِي الثَّانِي أَن تحمل على الْموضع لِأَن إِن دخلت على مَا
لَو لم تدخل عَلَيْهِ لَكَانَ مُبْتَدأ وَلم تغير الْمَعْنى
بِدُخُولِهَا
فعلى هَذَا تَقول لَا رجل فِي الدَّار وَلَا امْرَأَة وَمثله قَوْله
(هَذَا لَعَمْرُكُمُ الصَّغَارُ بِعَيْنِهِ ... لاَ أُمَّ لِي إنْ
كَانَ ذَاك وَلَا أبُ)
(4/371)
وَالْحمل على اللَّفْظ أَجود كَقَوْلِه
(لَا أَبَ وابْناً مِثْل مَرْوانَ وابْنِهِ ... إِذا هُوَ بالمجْدِ
ارْتَدَى وتَأَزَّرا)
(4/372)
|