المقتضب (هَذَا بَاب مَا يَقع مُضَافا بعد
اللَّام)
كَمَا وَقع فِي النداء فِي قَوْلك يَا بؤس للحرب إِذا كَانَت اللَّام
تؤكد الْإِضَافَة كَمَا يؤكدها الِاسْم إِذا كرر كَقَوْلِك ياتيم تيم
عدي
وَذَلِكَ قَوْلك لَا أبالك
(4/373)
وَلَا مُسْلِمِي لَك
أما قَوْلك لَا أَبَا لَك فَإِنَّمَا تثبت اللَّام لِأَنَّك تُرِيدُ
الْإِضَافَة وَلَوْلَا ذَلِك لحذفتها أَلا ترى أَنَّك تَقول هَذَا أَب
لزيد ومررت بأب لزيد فَيكون على حرفين
فَإِن قلت هَذَا أَبوك رددت وَكَذَلِكَ رَأَيْت أَبَاك ومررت بأبيك
إِنَّمَا رددت للإضافة
فَإِن أردْت الْإِفْرَاد قلت لَا أَب لزيد جعلت لزيد خَبرا أَو أضمرت
الْخَبَر وَجَعَلته تبيينا
فَإِن قلت لَا أَبَا لَهُ فالتقدير لَا أَبَاهُ وَدخلت اللَّام لتوكيد
الْإِضَافَة كدخولها فِي يَا بؤس للحرب وَكَذَلِكَ الأَصْل فِي هَذَا
كَقَوْلِه
(4/374)
(أبِالمَوْتِ الَّذِي لَا بُدَّ أَنِّي ...
مُلاقٍ لَا أَباكِ تُخَوِّفِينِي)
وَقَالَ الآخر
(فَقَدْ مَاتَ شَمَّاخٌ وماتَ مُزَرَّدٌ ... وأَيُّ كَرِيمٍ لَا أَباكَ
يُخَلَّدُ)
(4/375)
وعَلى هَذَا تَقول لَا مُسْلِمِي لَك وَلَا
مُسْلِمِي لَك
فَإِن قلت لَا مُسلمين فِي دَارك وَلَا مُسلمين عنْدك لم يكن من
إِثْبَات النُّون بُد لِأَن فِي وَعند وَسَائِر حُرُوف الْإِضَافَة لَا
تدخل على معنى اللَّام لِأَن دُخُول اللَّام بِمَنْزِلَة سُقُوطهَا
أَلا ترى أَن قَوْلك هَذَا غلامك بِمَنْزِلَة قَوْلك هَذَا غُلَام لَك
وَتقول لَا مُسلمين هذَيْن الْيَوْمَيْنِ لَك وَلَا مُسلمين الْيَوْم
لَك لِأَنَّهُ لَا يفصل بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ إِلَّا أَن
يضْطَر شَاعِر فيفصل بالظروف وَمَا أشبههَا لِأَن الظّرْف لَا يفصل
بَين الْعَامِل والمعمول فِيهِ تَقول إِن فِي الدَّار زيدا وَإِن
الْيَوْم زيدا قَائِم
فمما جَاءَ فِي الشّعْر فصل بَينه وَبَين مَا عمل فِيهِ قَوْله
(كأَنَّ أَصْوَاتَ مِنْ إِيغَالِهِنَّ بِنا ... أَواخِرِ المَيْسِ
أَصْواتُ الفَواريجِ)
(4/376)
وَقَالَ آخر
(كَمَا خطَّ الكِتابُ بِكَفِّ يَوْماً ... يَهُودِيٍّ يُقارِبُ أَوْ
يُزِيلُ)
وَنَظِير الظّرْف فِي ذَلِك الْمصدر وَمَا كَانَ مثله من حَشْو
الْكَلَام كَقَوْلِه
(أَشَمُّ كأَنَّهُ رَجُلٌ عَبُوسٌ ... مُعاوِدُ جُرْأَةً وَقْتِ
الهَوادي)
أَرَادَ معاود وَقت الهوادي جرْأَة
وَقَالَ آخر
(لَمَّا رَأَتْ ساتِيْدَمَا اسْتَعْبَرَتْ ... لِلهِ دَرُّ اليَوْمَ
مَنْ لامَها)
(4/377)
صفحة فارغة
(4/378)
(هَذَا بَاب مَا لَا يجوز أَن يحمل من
الْمَنْفِيّ على الْموضع)
تَقول لَا غُلَام لَك وَلَا الْعَبَّاس وَلَا غُلَام لَك وَلَا زيد
وَلَا غُلَام لَك وَزيد لم يجز أَن يحمل زيد على لَا وَلَكِن ترفعه على
الْموضع لِأَن لَا وَمَا عملت فِيهِ فِي مَوضِع رفع لِأَن لَا لَا
تعْمل فِي معرفَة
وَمثله كل رجل فِي الدَّار وَزيد فَلهُ دِرْهَم وكل رجل فِي الدَّار
وَعبد الله لأكرمنهم لِأَنَّهُ لَا يجوز كل عبد الله فعطف على كل
نَفسهَا كَمَا لَا يجوز لَا عبد الله فِي الدَّار فعلى هَذَا يجْرِي
مَا ذكرت لَك
(4/379)
(هَذَا بَاب مَا إِذا دخلت عَلَيْهِ لَا لم
تغيره عَن حَاله لِأَنَّهُ قد عمل فِيهِ الْفِعْل فَلم يجز أَن يعْمل
فِي حرف عاملان)
وَذَلِكَ قَوْلك لَا سقيا وَلَا رعيا وَلَا مرْحَبًا وَلَا أَهلا وَلَا
كَرَامَة وَلَا مَسَرَّة لِأَن الْكَلَام كَانَ قبل دُخُول لَا أفعل
هَذَا وكرامة ومسرة أَي وأكرمك وأسرك فَإِنَّمَا نَصبه الْفِعْل
فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ لَا لم تغيره
وَكَذَلِكَ لَا سَلام عَلَيْك وَهُوَ ابْتِدَاء وَخَبره وَمَعْنَاهُ
الدُّعَاء
(4/380)
على ذَلِك قَالَ الشَّاعِر
(وَنُبِّئْتُ جَوَّاباً وسَكْناً يَسُبُّنِي ... وعَمْرو بْنَ عفْرا
لَا سَلاَمٌ عَلَى عَمْرِو)
(4/381)
(هَذَا بَاب لَا إِذا دَخلهَا ألف
الِاسْتِفْهَام أَو معنى التَّمَنِّي)
أما كَونهَا للاستفهام فعلى حَالهَا قبل أَن يحدث فِيهَا علامته تَقول
أَلا رجل فِي الدَّار على قَول من قَالَ لَا رجل فِي الدَّار
وَمن قَالَ لَا رجل فِي الدَّار وَلَا امْرَأَة قَالَ أَلا رجل فِي
الدَّار وَلَا امْرَأَة وَمن قَالَ لَا رجل ظريفا فِي الدَّار قَالَ
أَلا رجل ظريفا وَمن لم ينون ظريفا قبل الِاسْتِفْهَام لم ينونه
هَاهُنَا
وَقد تجْعَل لَا بِمَنْزِلَة لَيْسَ لاجتماعها فِي الْمَعْنى وَلَا
تعْمل إِلَّا فِي النكرَة فَتَقول لَا رجل أفضل مِنْك
وَلَا تفصل بَينهَا وَبَين مَا تعْمل فِيهِ لِأَنَّهَا تجْرِي رَافِعَة
مجْراهَا ناصبة فعلى هَذَا تستفهم عَنْهَا
فَإِن دَخلهَا معنى التَّمَنِّي فالنصب لَا غير فِي قَول سِيبَوَيْهٍ
والخليل وَغَيرهمَا إِلَّا الْمَازِني وَحده
تَقول أَلا مَاء أشربه أَلا مَاء وَعَسَلًا تنون عسلا كَمَا كَانَ فِي
قَوْلك لَا رجل وَغُلَامًا فِي الدَّار
(4/382)
وَتقول أَلا مَاء بَارِد إِن شِئْت وَإِن
شِئْت نونت بَارِدًا وَإِن شِئْت لم تنون كَقَوْلِك لَا رجل ظريفا
وَإِن شِئْت نونت ظريفا وَإِن شِئْت لم تنون
وَمن قَالَ لَا رجل وَامْرَأَة لم يقل هُنَا إِلَّا بِالنّصب
واحتجاج النَّحْوِيين أَنه لما دخله معنى التَّمَنِّي زَالَ عَنهُ
الِابْتِدَاء وموضعه نصب كَقَوْلِك اللَّهُمَّ غُلَاما أَي هَب لي
غُلَاما
وكقولهم إِن زيدا فِي الدَّار وَعَمْرو حمل عَمْرو على الْموضع فَإِن
قَالُوا لَيْت زيدا فِي الدَّار وعمرا لم يكن مَوضِع عَمْرو
الِابْتِدَاء لِأَن إِن تدخل على معنى الِابْتِدَاء وليت تدخل
لِلتَّمَنِّي فلهَا معنى سوى ذَلِك فَلذَلِك لم يكن فِي لَيْت
وَلَعَلَّ وَكَأن مَا فِي إِن وَلَكِن من الْحمل على مَوضِع
الِابْتِدَاء لِأَن لَهُنَّ مَعَاني غير الِابْتِدَاء فَكَأَن للتشبيه
وليت لِلتَّمَنِّي وَلَعَلَّ للتوقع
وَكَانَ الْمَازِني يجْرِي هَذَا مَعَ التَّمَنِّي مجْرَاه قبل
وَيَقُول يكون اللَّفْظ على مَا كَانَ عَلَيْهِ وَإِن دخله خلاف
مَعْنَاهُ أَلا ترى أَن قَوْلك غفر الله لزيد مَعْنَاهُ الدُّعَاء
وَلَفظه لفظ ضرب فَلم يُغير لما دخله من الْمَعْنى وَكَذَلِكَ قَوْلك
علم الله لَأَفْعَلَنَّ لَفظه لفظ رزق الله وَمَعْنَاهُ الْقسم فَلم
يُغَيِّرهُ
وَكَذَلِكَ حَسبك رفع بِالِابْتِدَاءِ وَمَعْنَاهُ النَّهْي
وَمن قَوْله أَلا رجل أفضل مِنْك ترفع أفضل لِأَنَّهُ خبر الِابْتِدَاء
كَمَا كَانَ فِي النَّفْي وَكَذَا يلْزمه
وَالْآخرُونَ ينصبونه وَلَا يكون لَهُ خبر
(4/383)
صفحة فارغة
(4/384)
صفحة فارغة
(4/385)
صفحة فارغة
(4/386)
(هَذَا بَاب مسَائِل لَا فِي الْعَطف من
الْمعرفَة والنكرة)
اعْلَم أَنَّك لَا تعطف اسْما على اسْم وَلَا فعلا على فعل فِي مَوضِع
من الْعَرَبيَّة إِلَّا كَانَ مثله تَقول مَرَرْت بزيد وَعَمْرو
وَرَأَيْت زيدا وعمرا وَأَنا آتِيك وأكرمك وَلَا تذْهب فتندم أَي لَا
تذْهب وَلَا تندم وَلم يرد الْجَواب
وَتقول لَا رجل وَغُلَامًا عطفت غُلَاما على رجل وَحقّ الرجل أَن ينون
وَلَكِن الْبناء مَنعه من ذَلِك كَمَا تَقول مَرَرْت بعثمان وَزيد
فموضع عُثْمَان خفض غير أَنه لَا ينْصَرف فَجرى المنصرف على مَوْضِعه
فَإِن قلت لَا رجل وَلَا غُلَام فِي الدَّار وَلَا حول وَلَا قُوَّة
إِلَّا بِاللَّه فَإِنَّمَا عطفت الثَّانِي على لَا وَمَا عملت فِيهِ
لِأَنَّهَا وَالَّذِي عملت فِيهِ فِي مَوضِع اسْم مَرْفُوع مُبْتَدأ
وَلَا بُد للمبتدأ من خبر مُضْمر أَو مظهر
وَنَظِير ذَلِك كل ظريف رجل فِي الدَّار إِن جعلت ظريفا نعتا للرجل
وَإِن جعلته لكل رفعت فَقلت كل رجل ظريف فِي الدَّار
وَتقول كل رجل وَغُلَام عنْدك فَإِن حملت الْغُلَام على كل رفعت
وَصَارَ وَاحِدًا لِأَن مَا بعد كل إِذا كَانَ وَاحِدًا نكرَة فَهُوَ
فِي معنى جمَاعَة إِذا أفردوا وَاحِدًا وَاحِدًا يدلك على ذَلِك
قَوْلهم جَاءَنِي كل اثْنَيْنِ فِي الدَّار لِأَن مَعْنَاهُ إِذا
جعلُوا اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ
وَتقول لَا رجل فِي الدَّار وَلَا غُلَام يَا فَتى إِن جعلت لَا
الثَّانِيَة للنَّفْي كَقَوْلِك لَيْسَ رجل فِي الدَّار وَلَيْسَ
غُلَام
(4/387)
وَإِن جعلت لَا للْعَطْف مثل مَا مَرَرْت
بزيد وَلَا عَمْرو وَقلت لَا رجل فِي الدَّار وَلَا غُلَاما إِن عطفته
على رجل وَإِن عطفته على لَا رفعت
وَتقول لَا أَخا لَك وَلَا أَبَا لزيد إِن كَانَت لَا للنَّفْي
وَإِن كَانَت للْعَطْف قلت وَلَا أَبَا لزيد لَا يجوز غير ذَلِك لِأَن
اللَّام دخلت على الْمَنْفِيّ لَا فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ كَمَا دخلت
فِي النداء وَلم تدخل فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ لِأَنَّك تَقول يَا بؤس
للحرب وَلَا تَقول يَا بؤس زيد وبؤس للحرب لِأَن النداء يحْتَمل مَا
لَا يحْتَملهُ الْمَعْطُوف وَكَذَلِكَ الْمَنْفِيّ تَقول يَا زيد
والْحَارث رفعا ونصبا وَلَو ولى الْحَارِث حرف النداء لم يجز إِلَّا
أَن تحذف مِنْهُ الْألف وَاللَّام لِأَن الْإِشَارَة تَعْرِيف فَلَا
يدْخل الْألف وَاللَّام على شَيْء معرف بِغَيْرِهِمَا
أَلا ترى أَن تَقْدِير من قَالَ الْحَارِث وَالْعَبَّاس إِنَّمَا
يَحْكِي حَالهمَا نكرَة وهما وصف لِأَنَّهُ يُرِيد الشَّيْء بِعَيْنِه
وَلَا تَقول على هَذَا جَاءَنِي الْعُمر إِلَّا أَن تسميه بِجمع عمْرَة
فتحكي تِلْكَ الْحَال
وَالنَّفْي بِمَنْزِلَة النداء فِيمَا يحْتَمل تَقول لَا رجل فِي
الدَّار وَلَا تَقول وَغُلَام فِي الدَّار حَتَّى تنون الْغُلَام على
مَا وصفت لَك
وَتقول لَا رجلَيْنِ مُسلمين لَك لابد من إِثْبَات النُّون لِأَن
مُسلمين نعت وَلَيْسَ بالمعتمد عَلَيْهِ بِالنَّفْيِ وَإِنَّمَا يحذف
من الْمَنْفِيّ لَا من نَعته كَمَا تَقول فِي النداء يَا رجل الظريف
أقبل فَإِنَّمَا تحذفان من المنادى وَلَا تحذفان من وَصفه لما ذكرت لَك
(4/388)
(هَذَا بَاب الِاسْتِثْنَاء)
وَالِاسْتِثْنَاء على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يكون الْكَلَام مَحْمُولا
على مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل دُخُول الِاسْتِثْنَاء
وَذَلِكَ قَوْلك مَا جَاءَنِي إِلَّا زيد وَمَا ضربت إِلَّا زيد وَمَا
مَرَرْت إِلَّا بزيد فَإِنَّمَا يجْرِي هَذَا على قَوْلك جَاءَنِي زيد
وَرَأَيْت زيدا ومررت بزيد وَتَكون الْأَسْمَاء مَحْمُولَة على أفعالها
وَإِنَّمَا احتجت إِلَى النَّفْي وَالِاسْتِثْنَاء لِأَنَّك إِذا قلت
جَاءَنِي زيد فقد يجوز أَن يكون مَعَه غَيره فَإِذا قلت مَا جَاءَنِي
إِلَّا زيد نفيت الْمَجِيء كُله إِلَّا مَجِيئه وَكَذَلِكَ جَمِيع مَا
ذكرنَا
وَالْوَجْه الآخر أَن يكون الْفِعْل أَو غَيره من العوامل مَشْغُولًا
ثمَّ تَأتي بالمستثنى بعد فَإِذا كَانَ كَذَلِك فالنصب وَاقع على كل
مُسْتَثْنى وَذَلِكَ قَوْلك جَاءَنِي الْقَوْم إِلَّا زيد ومررت بالقوم
إِلَّا زيدا
(4/389)
وعَلى هَذَا مجْرى النَّفْي وَإِن كَانَ
الْجُود فِيهِ غَيره نَحْو مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيد وَمَا مَرَرْت
بِأحد إِلَّا زيد وَذَلِكَ لِأَنَّك لما قلت جَاءَنِي الْقَوْم وَقع
عِنْد السَّامع أَن زيدا فيهم فَلَمَّا قلت إِلَّا زيدا كَانَت إِلَّا
بَدَلا من قَوْلك أَعنِي زيدا وَاسْتثنى فِيمَن جَاءَنِي زيدا فَكَانَت
بَدَلا من الْفِعْل
(4/390)
وَهِي حرف الِاسْتِثْنَاء الْأَصْلِيّ
وحروف الِاسْتِثْنَاء غَيرهَا مَا أذكرهُ لَك أما مَا كَانَ من ذَلِك
اسْما فَغير وَسوى وَسَوَاء
وَمَا كَانَ حرفا سوى إِلَّا فحاشا وخلا
وَمَا كَانَ فعلا فحاشا وخلا وَإِن وافقا لفظ الْحُرُوف وَعدا وَلَا
يكون
(4/391)
صفحة فارغة
(4/392)
صفحة فارغة
(4/393)
(هَذَا بَاب الْمُسْتَثْنى من الْمَنْفِيّ)
تَقول مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيد وَإِلَّا زيدا وَأما النصب فعلى مَا
فسرت لَك وَأما الرّفْع فَهُوَ الْوَجْه لما أذكرهُ لَك إِن شَاءَ الله
تَقول مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيد فتجعل زيد بَدَلا من أحد فَيصير
التَّقْدِير مَا جَاءَنِي إِلَّا زيد لِأَن الْبَدَل يحل مَحل الْمُبدل
مِنْهُ
أَلا ترى أَن قَوْلك مَرَرْت بأخيك زيد إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَة
قَوْلك مَرَرْت بزيد لِأَنَّك لما رفعت الْأَخ قَامَ زيد مقَامه فعلى
هَذَا قلت مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيد
(4/394)
فَإِن قَالَ قَائِل فَمَا بَال زيد مُوجبا
وَأحد كَانَ منفيا أَلا حل مَحَله قيل قد حل مَحَله فِي الْعَامِل
وَإِلَّا لَهَا مَعْنَاهَا
وَلَو قلت جَاءَنِي إخْوَتك إِلَّا زيدا لم يجز إِلَّا النصب لِأَنَّك
لَو حذفت الْإِخْوَة بَطل الْكَلَام وَذَلِكَ أَنه كَانَ يكون جَاءَنِي
إِلَّا زيد فَلَا يَقع الِاسْتِثْنَاء على شَيْء فَمن ثمَّ بَطل لفظ
إِلَّا من النصب لفساد الْبَدَل
فَمن ذَلِك قَول الله عز وَجل {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيل مِنْهُم}
لِأَنَّك لَو قدرته إِلَى حذف الضَّمِير وَهُوَ الْوَاو فِي فَعَلُوهُ
لَكَانَ مَا فعله إِلَّا قَلِيل مِنْهُم
وَقَالَ فِي الْإِيجَاب {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم}
وَقَالَ {فَسجدَ الْمَلَائِكَة كلهم أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيس}
وَأما قَوْله عز وَجل {وَلَا يلْتَفت مِنْكُم أحد إِلَّا امْرَأَتك}
وامرأتك فالوجهان جائزان جيدان
فَمن قَالَ إِلَّا امْرَأَتك فَهُوَ مُسْتَثْنى من يلْتَفت وَكَأَنَّهُ
قَالَ وَلَا يلْتَفت إِلَّا امْرَأَتك
(4/395)
وَيجوز النصب على غير هَذَا الْوَجْه
وَلَيْسَ بالجيد على مَا أَعطيتك فِي أول الْبَاب جودة النصب على
قَوْله فَأسر بأهلك إِلَّا امْرَأَتك فَلَا يجوز إِلَّا النصب على
هَذَا القَوْل لفساد الْبَدَل لَو قيل أسر إِلَّا بامرأتك لم يجز
فَإِنَّمَا بَاب الِاسْتِثْنَاء إِذا اسْتغنى الْفِعْل بفاعله أَو
الِابْتِدَاء بِخَبَرِهِ النصب إِلَّا أَن يصلح الْبَدَل فَيكون أَجود
وَالنّصب على حَاله فِي الْجَوَاز وَإِنَّمَا كَانَ الْبَدَل أَجود
لِأَنَّهُ فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى وَالنّصب بِالِاسْتِثْنَاءِ
إِنَّمَا هُوَ للمعنى لَا للفظ
وَبَيَان ذَلِك أَنَّك إِذا قلت جَاءَنِي إخْوَتك إِلَّا زيدا وَزيد
أحد إخْوَتك أوقعت عِنْد السَّامع من قبل الِاسْتِثْنَاء أَنه فِيمَن
جَاءَ فَإِذا قلت إِلَّا زيدا فَإِنَّمَا وَقعت فِي مَوضِع لَا أَعنِي
زيدا مِنْهُم أَو أستثني زيدا مِنْهُم فَهَذَا معنى
وَإِذا قلت مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيد فَإِنَّمَا رفعت وَإِنَّمَا
نحيت أحدا عَن الْفِعْل وأحللت زيدا بعد الِاسْتِثْنَاء مَحَله فَصَارَ
التَّقْدِير مَا جَاءَنِي إِلَّا زيد فَكل مَوضِع صلح فِيهِ الْبَدَل
فَهُوَ الْوَجْه وَإِذا لم يصلح الْبَدَل لم يكن إِلَّا النصب كَمَا
يجوز فِيمَا صلح فِيهِ الْبَدَل النصب على الِاسْتِثْنَاء
(4/396)
(هَذَا بَاب مَا لَا يجوز فِيهِ الْبَدَل)
وَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاء الْمُقدم نَحْو مَا جَاءَنِي إِلَّا زيدا أحد
وَمَا مَرَرْت إِلَّا زيدا بِأحد
وَإِنَّمَا امْتنع الْبَدَل لِأَنَّهُ لَيْسَ قبل زيد مَا تبدله مِنْهُ
فَصَارَ الْوَجْه الَّذِي كَانَ يصلح على الْمجَاز لَا يجوز هَا هُنَا
غَيره
وَذَلِكَ أَنَّك كنت تَقول مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيد وتجيز مَا
جَاءَنِي أحد إِلَّا زيدا فَلَمَّا قدمت الْمُسْتَثْنى بَطل وَجه
الْبَدَل فَلم يبْق إِلَّا الْوَجْه الثَّانِي
وَمِثَال هَذَا قَوْلك جَاءَنِي رجل ظريف فتجعل ظريفا نعتا لرجل وَيجوز
جَاءَنِي رجل ظريفا على الْحَال فَإِذا قلت جاني ظريفا رجل بَطل
الْوَجْه الْجيد لِأَن رجلا لَا يكون نعتا فَصَارَ الَّذِي كَانَ
هُنَاكَ مجَازًا لَا يجوز غَيره فَمن ذَلِك قَوْله
(الناسُ أَلْبٌ عَلَيْنا فِيكَ لَيْسَ لَنا ... إِلاَّ السُّيوفَ
وأَطْرافَ القَنَا وَزَرُ)
(4/397)
وَقَالَ
(وَمَا لِيَ آلَ أَحمَدَ شِيعَةٌ ... ومالِيَ إِلاَّ مَشْعَبَ الحقِّ
مَشْعبُ)
وَتقول من لي إِلَّا أَبَاك صديق إِذا أردْت أَن تجْعَل صديق خَبرا ل
من كَأَنَّك قلت من صديق لي فَإِن أردْت غير هَذَا الْوَجْه قلت من لي
إِلَّا أَبوك صديقا جعلت من ابْتِدَاء وقولك أَبوك خَبره وَجعلت صديقا
حَالا
وَإِن شِئْت قلت من لي إِلَّا أَبوك صديق جعلت الْأَب بَدَلا من من
فَصَارَ التَّقْدِير أَبوك لي صديق لِأَن من اسْم مستفهم عَنهُ فتقديره
أحد إِلَّا أَبوك لي صديق فَإِذا أبدل طرح أحدا وَجعل أَبَاك بَدَلا
مِنْهُ فَصَارَ تَقْدِيره مَالِي إِلَّا أَبوك صديق
(4/398)
وَتقول فِي بَاب مِنْهُ وَهُوَ أَن تُؤخر
صفة الأول تَقول مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيد خير مِنْك التَّقْدِير
مَا جَاءَنِي أحد خير مِنْك إِلَّا زيد
فَأَنت فِي هَذَا مُخَيّر إِن شِئْت نصبت زيدا لِأَن الأول بِمَنْزِلَة
الْمُتَأَخر لتأخر نَعته فَلم تقدم الْمُسْتَثْنى لتبدله من شَيْء لم
يتم إِذا كَانَ لَا يعرف إِلَّا بوصفه فقد صَار صفة بِمَنْزِلَة مَا
هُوَ مَوْصُول بِهِ
أَلا ترى أَنَّك لَو قلت رَأَيْت زيدا الْأَحْمَر وَهُوَ لَا يعرف
إِلَّا بِهَذَا النَّعْت لم يكن قَوْلك رَأَيْت زيدا مغنيا
وَأما من أبدل مِنْهُ فَيَقُول الْوَصْف تَابع مُسْتَغْنى عَنهُ
وَإِنَّمَا أبدل من الْمَوْصُوف لَا من من وَصفه وَلَيْسَ الْمُبدل
مِنْهُ بِمَنْزِلَة مَا لَيْسَ فِي الْكَلَام إِنَّمَا أبدلت للتبيين
وَلم تقل إِنَّه نعت لِأَنَّهُ جَوْهَر لَا ينعَت بِهِ
وَلَو كَانَ الْبَدَل يبطل الْمُبدل مِنْهُ لم يجز أَن تَقول زيد
مَرَرْت بِهِ أبي عبد الله لِأَنَّك لَو لم تَعْتَد بِالْهَاءِ فَقلت
زيد مَرَرْت بِأبي عبد الله كَانَ خلفا لِأَنَّك جعلت زيدا ابْتِدَاء
وَلم ترد إِلَيْهِ شَيْئا فالمبدل مِنْهُ مُثبت فِي الْكَلَام
وَإِنَّمَا سمي الْبَدَل بَدَلا لدُخُوله لما عمل فِيهِ مَا قبله على
غير جِهَة الشّركَة
وَكَانَ سِيبَوَيْهٍ يخْتَار مَا مَرَرْت بِأحد إِلَّا زيد خير مِنْك
لِأَن الْبَدَل إِنَّمَا هُوَ من الِاسْم لَا من نَعته والنعت فضلَة
يجوز حذفهَا
وَكَانَ الْمَازِني يخْتَار النصب وَيَقُول إِذا أبدلت من الشَّيْء فقد
اطرحته من لَفْظِي وَإِن كَانَ فِي الْمَعْنى مَوْجُودا فَكيف أَنعَت
مَا قد سقط
(4/399)
وَالْقِيَاس عِنْدِي قَول سِيبَوَيْهٍ
لِأَن الْكَلَام إِنَّمَا يُرَاد لمعناه
وَالْمعْنَى الصَّحِيح أَن الْبَدَل والمبدل مِنْهُ موجودان مَعًا لم
يوضعا على أَن يسْقط أَحدهمَا إِلَّا فِي بدل الْغَلَط فَإِن الْمُبدل
مِنْهُ بِمَنْزِلَة مَا لَيْسَ فِي الْكَلَام
وَتقول مَا مِنْهُم أحد اتَّخذت عِنْده يدا إِلَّا زيد كريم على
الْبَدَل من أحد وَإِن شِئْت خفضت زيدا فأبدلته من الْهَاء الَّتِي فِي
عِنْده لِأَن الْمَعْنى مَا اتَّخذت يدا عِنْد أحد مِنْهُم كريم إِلَّا
عِنْد زيد فَهَذَا يدلك على جَمِيع الْبَدَل
(4/400)
(هَذَا بَاب مَالا يكون الْمُسْتَثْنى
فِيهِ إِلَّا نصبا)
وَذَلِكَ قَوْلك جَاءَنِي إخْوَتك إِلَّا زيدا ومررت بإخوتك إِلَّا
زيدا وَلَا يكون الْبَدَل هَا هُنَا لما ذكرت لَك
أَلا ترى أَنَّك لَو طرحت الْإِخْوَة من الْكَلَام لتبدل زيدا مِنْهُم
لفسد لَو قلت جَاءَنِي إِلَّا زيدا كَانَ محالا وَكَذَلِكَ مَرَرْت
إِلَّا بزيد محَال
(4/401)
(هَذَا بَاب مَا يصلح فِيهِ الْبَدَل على
وَجْهَيْن)
تَقول مَا ظَنَنْت أحدا يَقُول ذَاك إِلَّا زيدا وَإِن شِئْت قلت
إِلَّا زيدا
أما النصب فعلى الْبَدَل من أحد وَإِن شِئْت فعلى أصل الِاسْتِثْنَاء
وَأما الرّفْع فعلى أَن تبدله من الْمُضمر فِي يَقُول لِأَن مَعْنَاهُ
مَا أَظُنهُ يَقُول ذَاك أحد إِلَّا زيد فَالَّذِي أضمرته فِي يَقُول
منفي عَنهُ القَوْل
وَمثله قَول الشَّاعِر
(فِي ليلةٍ لَا نَرى بهَا أَحَداً ... يَحْكًى عَلَيْنَا إلاَّ
كَواكِبُها)
(4/402)
أبدل الْكَوَاكِب من الْمُضمر فِي يَحْكِي
وَلَو أبدله من أحد كَانَ أَجود لِأَن أحدا منفي فِي اللَّفْظ
وَالْمعْنَى وَالَّذِي فِي الْفِعْل بعده منفي فِي الْمَعْنى
وَمثل ذَلِك مَا علمت أحدا دخل الدَّار إِلَّا زيدا وَإِلَّا زيد إِن
شِئْت على مَا تقدم من قَوْلنَا
فَأَما مَا ضربت أحدا يَقُول ذَاك إِلَّا زيدا فالنصب لَا غير لِأَنَّك
لم تنف القَوْل
إِنَّمَا ذكرت أَن القَوْل وَاقع وَلَكِنَّك لم تضرب مِمَّن قَالَ
إِلَّا زيدا
والفصل بَين علمت وظننت وبابهما وَبَين سَائِر الْأَفْعَال أَن علمت
وبابها لَيست أفعالا واصلة مِنْك إِلَى غَيْرك وَإِنَّمَا هِيَ
إِخْبَار بِمَا هجس فس نَفسك من يَقِين أَو شكّ
(4/403)
فَإِذا قلت علمت زيدا قَائِما فَإِنَّمَا
أثبت الْقيام فِي علمك وَلم توصل إِلَى ذَات زيد شَيْئا
وَإِذا قلت مَا علمت زيدا قَائِما فَإِنَّمَا أخْبرت أَنه لم يَقع فِي
علمك
وَضربت وبابها أَفعَال واصلة إِلَى الذَّات مكتفية بمفعولاتها فَمَا
كَانَ بعْدهَا فَلهُ مَعْنَاهُ وَكَذَلِكَ أَعْطَيْت وبابها نَحْو
أَعْطَيْت زيدا درهما وكسوت زيدا ثوبا إِنَّمَا هِيَ هِيَ أَفعَال
حَقِيقِيَّة وَدفع كَانَ مِنْك إِلَى زيد وَنقل لمفعول إِلَى مفعول
بِهِ فالدرهم وَالثَّوْب منقولان وَزيد مَنْقُول إِلَيْهِ
فَإِذا قلت مَا أَعْطَيْت أحدا درهما إِلَّا دِينَارا أبدلت الدِّينَار
مِمَّا قبله لِأَن درهما فِي معنى الْجَمِيع كَأَنَّهُ قَالَ مَا
أَعْطَيْت أحدا شَيْئا
وَمِمَّا يدلك على أَنَّهُمَا مفعولان بَائِن أَحدهمَا من صَاحبه
أَنَّك لَو حذفت الْفِعْل لتعتبر لم يَقع أحد المفعولين بِصَاحِبِهِ
لَو قلت فِي قَوْلك أَعْطَيْت زيدا درهما وكسوت زيدا ثوبا زيد دِرْهَم
أَو زيد ثوب كَانَ محالا
وَبَاب كَانَ وَإِن وَعلمت دَاخل على ابْتِدَاء وَخبر
وَذَاكَ أَنَّك لَو حذفت كَانَ من قَوْلك كَانَ زيد مُنْطَلقًا أَو إِن
من هَذَا أَو علمت لَكَانَ الْكَلَام الْبَاقِي زيد منطلق
وَإِنَّمَا هَذِه الْأَفْعَال والعوامل دَاخِلَة على ابْتِدَاء وَخبر
وَتقول مَا أَعْطَيْت أحدا يَقُول ذَاك درهما إِلَّا زيدا وَرفع زيد
خطأ لما ذكرت لَك
وَتقول مَا مِنْهُم أحد إِلَّا قد قَالَ ذَاك إِلَّا زيدا لَا يصلح
فِيهِ إِلَّا النصب وَذَاكَ لِأَن الِاسْتِثْنَاء إِنَّمَا وَقع من
القَوْل لِأَن التَّقْدِير كلهم قَالَ ذَاك إِلَّا زيدا
وَتقول أقل رجل رَأَيْته إِلَّا زيد إِذا أردْت النَّفْي بِأَقَلّ
كَأَنَّك قلت مَا رجل رَأَيْته إِلَّا زيد وَالتَّقْدِير مَا رجل مرئي
إِلَّا زيد وَإِن أردْت أَنَّك قد رَأَيْت قوما رُؤْيَة قَليلَة
(4/404)
نصبت زيدا لِأَنَّهُ مُسْتَثْنى من مُوجب
وَأَن يكون أقل فِي مَوضِع نفي أَكثر وَكَذَلِكَ كل رجل رَأَيْته يصلح
فِيهِ الْوَجْهَانِ
(4/405)
وَتقول مَا علمت أَن أحدا يَقُول ذَاك
إِلَّا زيدا لِأَن الْمَعْنى مَا علمت إِلَّا أَن أحدا إِلَّا زيدا
يَقُول ذَاك
ف زيد من أحد الَّذِي عملت فِيهِ إِن وَلَو جعلت إِلَّا تلِي أَن لم
يصلح لِأَن الْحُرُوف لاى تقوى قُوَّة الْأَفْعَال
تَقول مَا جَاءَنِي إِلَّا زيد قَوْمك وَمَا جَاءَنِي إِلَّا زيدا أحد
وَلَا يجوز مَا علمت أَن إِلَّا زيدا أحدا فِي الدَّار
فَهَذَا يبين لَك حَال الْمُوجب والمنفي فِي الِاسْتِثْنَاء
وَمَا الحجازية بِمَنْزِلَة إِن فِي الْعَمَل وَإِن اخْتلف عملاهما
واستواؤهما فِي أَنَّهُمَا حرفان ليسَا بِفعل
تَقول مَا الْقَوْم فِيهَا إِلَّا زيد لِأَن فِيهَا مُسْتَقر
وَتَقْدِيره لَيْسَ الْقَوْم فِيهَا إِلَّا أَن لَيْسَ يجوز أَن تنصب
بهَا مَا بعد إِلَّا لِأَنَّهَا فعل فَتقدم خَبَرهَا وتؤخره وَقد مضى
هَذَا التَّفْسِير فِي بَاب مَا وَبَاب لَيْسَ
وَلَو قلت مَا إِلَّا زيدا فِيهَا أحد لم يجز لِأَن مَا لَيست بِفعل
وَتقول لَيْسَ إِلَّا زيدا فِيهَا أحد لِأَن لَيْسَ فعل
وَأما قَول الله عز وَجل {وَلم يكن لَهُم شُهَدَاء إِلَّا أنفسهم}
فَإِن {أنفسهم} بدل من شُهَدَاء لِأَن لَهُم الْخَبَر
وَلَو نصبت أنفسهم وَرفعت شُهَدَاء لصلح وَلم يكن أَجود الْوُجُوه
لِأَن شُهَدَاء نكرَة وَلَكِن لَو نصبت الشُّهَدَاء وَرفعت أنفسهم
كَانَ جيدا وَقد بيّنت هَذَا فِي بَاب كَانَ
(4/406)
وَمِمَّا يستوى فِيهِ الْأَمْرَانِ قَول
الله عز وَجل {فَمَا كَانَ جَوَاب قومه إِلَّا أَن قَالُوا} ف أَن
قَالُوا مَرْفُوع إِذا نصبت الْجَواب وَهُوَ مَنْصُوب إِذا رفعت
الْجَواب لِأَنَّهُمَا معرفتان وَالْأَحْسَن أَن ترفع مَا بعد إِلَّا
لِأَنَّهُ مُوجب وَالْوَجْه الآخر حسن جميل
فَأَما قَوْله جلّ ذكره {مَا كَانَ حجتهم إِلَّا أَن قَالُوا}
فَالْوَجْه نصب حجتهم لِأَنَّهُ ذكر الْفِعْل
وَالْوَجْه الآخر أعنى رفع حجتهم جيد لِأَن الْحجَّة هِيَ القَوْل فِي
الْمَعْنى
(4/407)
(هَذَا بَاب مَا تقع فِيهِ إِلَّا وَمَا
بعْدهَا نعتا بِمَنْزِلَة غير وَمَا أضيفت إِلَيْهِ)
وَذَلِكَ قَوْلك لَو كَانَ مَعنا رجل إِلَّا زيد لهلكنا قَالَ الله عز
وَجل {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} الْمَعْنى وَالله
أعلم لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة غير الله وَلَو كَانَ مَعنا رجل غير زيد
قَالَ الشَّاعِر
(4/408)
(أُنِيخَتْ فأَلْقَتْ بَلْدَةً فوْقَ
بَلْدَةٍ ... قَلِيلٌ بهَا الأَصْواتُ إِلاَّ بُغَامُها)
كَأَنَّهُ قَالَ قَلِيل بهَا الْأَصْوَات غير بغامها ف إِلَّا فِي
مَوضِع غير
وَمثل ذَلِك قَوْله
(وكُلُّ أَخٍ مُفَارِقُهُ أَخُوهُ ... لعَمْرُ أَبيك إِلاَّ
الفَرْقَدانِ)
كَأَنَّهُ قَالَ وكل أَخ غير الفرقدين مُفَارقَة أَخُوهُ
(4/409)
وَقد تقع غير فِي مَوضِع إِلَّا كَمَا
وَقعت إِلَّا فِي مَوضِع غير
وَقَالَ الآخر
(وإِذا أُوليتَ قَرْضاً فاجْزِهِ ... إِنَّما يَجْزِي الفَتى غَيْرُ
الجَمَلْ)
فَغير هَذِه فِي مَوضِع إِلَّا
(4/410)
وَتقول على هَذَا جَاءَنِي الْقَوْم إِلَّا
زيد وَلَا يكون إِلَّا نعتا إِلَّا لما ينعَت بِغَيْر وَذَلِكَ النكرَة
والمعرفة بِالْألف وَاللَّام على غير مَعْهُود نَحْو مَا يحسن بِالرجلِ
مثلك أَن يفعل ذَاك وَقد أَمر بِالرجلِ غَيْرك فيكرمني
(4/411)
(هَذَا بَاب مَا يَقع فِي الِاسْتِثْنَاء
من غير نوع الْمَذْكُور قبله)
وَذَلِكَ قَوْلك مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا حمارا وَمَا فِي الْقَوْم أحد
إِلَّا دَابَّة
فَوجه هَذَا وَحده النصب وَذَلِكَ لِأَن الثَّانِي لَيْسَ من نوع الأول
فيبدل مِنْهُ فتنصبه بِأَصْل الِاسْتِثْنَاء على معنى وَلَكِن
وَاللَّفْظ النصب لما ذكرت لَك فِي صدر الْبَاب
فَمن ذَلِك قَول الله عز وَجل {وَمَا لأحد عِنْده من نعْمَة تجزى
إِلَّا ابْتِغَاء وَجه ربه الْأَعْلَى}
وَمن ذَلِك {لَا عَاصِم الْيَوْم من أَمر الله إِلَّا من رحم} فالعاصم
الْفَاعِل وَمن رحم مَعْصُوم فَهَذَا خَاصَّة لَا يكون فِيهِ إِلَّا
النصب
(4/412)
وَأما الأول فقد يجوز فِيهِ الرّفْع وَهُوَ
قَول بني تَمِيم
وَتَفْسِير رَفعه على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنَّك إِذا قلت مَا جَاءَنِي
رجل إِلَّا حمَار فكأنك قلت مَا جَاءَنِي إِلَّا حمَار وَذكرت رجلا
وَمَا أشبهه توكيدا فَكَأَنَّهُ فِي التَّقْدِير مَا جَاءَنِي شَيْء
رجل وَلَا غَيره إِلَّا حمَار
وَالْوَجْه الآخر أَن تجْعَل الْحمار يقوم مقَام من جَاءَنِي من
الرِّجَال على التَّمْثِيل كَمَا تَقول عتابك السَّيْف وتحيتك الضَّرْب
كَمَا قَالَ
(وخَيْل قَدْ دَلَفْتُ لَهَا بِخَيْلٍ ... تَحِيَّةُ بَيْنَهمْ ضَرْبٌ
وجِيعُ)
وَقَالَ الآخر
(ليسَ بيني وبَيْنَ قَيْسٍ عِتابٌ ... غَيْرُ طَعْنِ الكُلَى وضَرْبِ
الرِّقابِ)
وَبَنُو تَمِيم تقْرَأ هَذِه الْآيَة {إِلَّا ابْتِغَاء وَجه ربه
الْأَعْلَى} ويقرءون {مَا لَهُم بِهِ من علم إِلَّا اتِّبَاع الظَّن}
يجْعَلُونَ اتِّبَاع الظَّن علمهمْ
(4/413)
وَالْوَجْه النصب على مَا ذكرت لَك وَهُوَ
الْقيَاس اللَّازِم وَوجه الرّفْع مَا بَيناهُ كَمَا قَالَ
(وبَلْدةٍ لَيس بهَا أَنِيْسُ ... إِلاَّ اليَعافِيرُ وإِلاَّ العِيسُ)
فَجعل اليعاقير أنيس ذَلِك الْمَكَان وينشد بَنو تَمِيم قَول
النَّابِغَة
(وقَفْتُ فِيهَا أُصَيْلاَلاً أُسائِلُها ... عَيَّتْ جَواباً وَمَا
بالرَّبْعِ مِنْ أَحَدِ)
(إلاَّ أَوارِيَّ لأْباً مَا أُبَيِّنُها ... والنُّؤْى كالحَوْضِ
بالمظلومة الجَلَدِ)
وَالْوَجْه النصب وَهُوَ إنشاد أَكثر النَّاس
(4/414)
صفحة فارغة
(4/415)
وَقَوله جلّ وَعز {فلولا كَانَ من
الْقُرُون من قبلكُمْ أولو بَقِيَّة ينهون عَن الْفساد فِي الأَرْض
إِلَّا قَلِيلا مِمَّن أنجينا} من هَذَا الْبَاب لِأَن لَوْلَا فِي
معنى هلا والنحويون يجيزون الرّفْع فِي مثل هَذَا من الْكَلَام وَلَا
يجيزونه فِي الْقُرْآن لِئَلَّا يُغير خطّ الْمُصحف
وَرَفعه على الْوَصْف كَمَا ذكرت لَك فِي الْبَاب الَّذِي قبله
فَأَما قَول الشَّاعِر
(مَنْ كانَ أَسْرَعَ فِي تَفَرُّقِ فَالِجٍ ... فلَبُونُهُ جَرِبَتْ
مَعاً وأَغَدّتِ)
(إلاَّ كناشِرةَ الَّذِي ضَيَّعتُمُ ... كالغُصْنِ فِي غُلَوائِه
المتَنبِّتِ)
(4/416)
فَإِنَّمَا الْكَاف زَائِدَة وَهُوَ
اسْتثِْنَاء لَيْسَ من الأول وَلَو حذفت الْكَاف لَكَانَ الْموضع نصبا
وَمثل ذَلِك
(لَوْلَا ابْنُ حارِثَةَ الأَميرُ لقَدْ ... أَغْضَيْتُ مِنْ شَتْمِي
عَلى رغْمِي)
(إِلاَّ كمُعْرِض المحسِّر بَكْرَه ... عَمْداً يُسَبِّبُني عَلى
ظُلْمِ)
(4/417)
وَكَذَا قَوْله
(إِلاَّ كخارجَةَ المُكَلِّفِ نَفْسهُ ... وابْنيْ قَبِيصَةَ أَن
أُغِيبَ ويَشْهَدَا)
الْكَاف زَائِدَة مُؤَكدَة كتوكيدها فِي قَول الله جلّ وَعز {لَيْسَ
كمثله شَيْء} وَمثل ذَلِك قَوْله
(لَواحِقُ الأَقْرابِ فِيهَا كالمقَقْ)
أَي فِيهَا مقق وَهُوَ الطول وَالْكَاف زَائِدَة
(4/418)
صفحة فارغة
(4/419)
|