سير أعلام النبلاء، ط الرسالة

الطَّبَقَةُ السَّادِسَةُ وَالعِشْرُوْنَ
61 - ابْنُ الخَاضِبَةِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ البَاقِي البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، الصَّادِق، القُدْوَةُ، بَرَكَةُ المُحَدِّثِيْنَ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ البَاقِي بنِ مَنْصُوْرٍ البَغْدَادِيّ، الدَّقَّاق، عُرِفَ:بِابْنِ الخَاضِبَةِ.
أَخْبَرَنَا المِقْدَادُ بنُ أَبِي القَاسِمِ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو البَقَاءِ النَّحْوِيّ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عبد البَاقِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُهتدي بِاللهِ، حَدَّثَنَا عُبيدُ الله بن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
__________
(*) سؤالات السلفي: 102، المنتظم: 9 / 101، معجم الأدباء: 17 / 226 - 230، الكامل في التاريخ: 10 / 260 - 261، دول الإسلام: 2 / 18، العبر: 3 / 325 - 326، المغني في الضعفاء: 2 / 548، ميزان الاعتدال: 3 / 465، تذكرة الحفاظ: 4 / 1224 - 1227، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 5 - 6، الوافي: 2 / 89 - 90، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 55 - 56، البداية: 12 / 153، لسان الميزان: 5 / 57، طبقات الحفاظ: 448، 449، شذرات الذهب: 3 / 393.

(19/109)


(إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَاباً يُقَالَ لَهُ:الرِّيَّانُ، يَدْخُلُهُ الصَّائِمُوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مَعَهُم أَحَدٌ غَيْرُهُم، فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُم أُغْلِقَ (1)).
أَخْرَجَهُ البُخَارِيّ عَنْ خَالِد، وَمُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، فَوَافَقْنَاهُمَا.
وُلِدَ:سَنَةَ نَيِّفٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ:مُؤَدِّبه أَبِي طَالِبٍ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الدَّلوِ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ، قَالَ:حَدَّثَنَا عَنْهُ أَبُو عُمَرَ بنُ حَيُّوَيْه، فَهَذَا أَقدمُ شَيْخٍ لَهُ، وَأَخَذَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ بن المُسْلمَة، وَعبد الرَّحِيْم بن أَحْمَدَ البُخَارِيّ الحَافِظ، وَالحَافِظِ أَبِي بَكْرٍ بنِ ثَابِتٍ الخَطِيْب، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ هَزَارْمَرْدَ الصَّرِيفِيْنِي، وَأَبِي الحُسَيْنِ بن النَّقُّوْرِ، وَإِمَام جَامِع دِمَشْق عبدِ الصَّمدِ بن تَمِيم، وَأَبِي الحُسَيْنِ مُحَمَّد بن مَكِّيّ بن عُثْمَانَ الأَزْدِيّ - صَادَفَهُ بِبَيْتِ المَقْدِس - وَأَبِي الغَنَائِم مُحَمَّد بن الغَرَّاء، وَخَلْقٍ مِنْ طَبَقَتهِم وَبعدهِم.
وَقرَأَ لِلنَّاسِ الكَثِيْرَ، هُوَ كَانَ مُقْرِئَ المُحَدِّثِيْنَ بِبَغْدَادَ، وَكَتَبَ، وَخَرَجَ، وَأَفَاد، وَهُوَ مُتَوَسِّطٌ فِي الفنِّ، مَعَ دِيَانَة مَتِينَة، وَتَعبُّدٍ وَفَصَاحَة، وَحُسنِ قِرَاءة.
حَدَّثَ عَنْهُ:القَاضِي أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَةَ، وَأَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ، وَأَبُو الفَتْحِ بنُ البَطِّيِّ، وَجَمَاعَةٌ يَسِيْرَة، فَإِنَّهُ تُوُفِّيَ قَبْلَ أَنْ يُنْفِقَ مَرْوِيَّاته.
__________
(1) رقم (1896) في الصوم: باب الريان للصائمين، ومسلم (1152) في الصيام: باب فضل الصيام.
وأخرجه البخاري (3257) في بدء الخلق، عن سعيد بن أبي مريم، عن محمد بن مطرف، والترمذي (765) عن محمد بن بشار، عن أبي عامر العقدي، عن هشام بن سعد، والنسائي: 4 / 168، عن طريق علي بن حجر، عن سعيد بن عبد الرحمن، ثلاثتهم عن أبي حازم به.
وأخرجه أحمد من طريقين آخرين عن أبي حازم: 5 / 333.

(19/110)


قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الصَّدفِي:كَانَ أَبُو بَكْرٍ مَحْبُوباً إِلَى النَّاسِ كُلِّهم، فَاضِلاً، حَسَنَ الذِّكْرِ، مَا رَأَيْتُ مِثْلَه عَلَى طَرِيقتِهِ، وَكَانَ لاَ يَأْتيه مُسْتعيرٌ كِتَاباً إِلاَّ أَعْطَاهُ أَوْ دلَّهُ عَلَيْهِ (1) .
وَسَمِعْتُ أَبُو الوَفَاء بن عَقِيْل الحَنْبَلِيّ الإِمَام يَقُوْلُ - وَذَكَرَ شِدَّة إِصَابته بِمطَالبَةٍ طُوْلِبَ بِهَا، وَأَنَّهُ كَانَتْ لَهُ عِنْد ذَلِكَ خلوَاتٌ يَدعُو رَبّهُ فِيْهَا وَيُنَاجيه، فَقَرَأَ عَلَيَّ مُنَاجَاته يَقُوْلُ - :وَلَئِنْ قُلْتَ لِي يَا رَبِّ:هَلْ وَاليتَ فِيَّ وَلِيّاً؟
أَقُوْل:نَعم يَا رَبِّ، أَبُو بَكْرٍ بنُ الخَاضِبَة.
وَلَئِنْ قُلْتَ لِي:هَلْ عَادَيت فِيَّ عَدُوّاً؟
فَأَقُوْلُ:نَعم يَا رَبِّ، وَلَمْ يُسَمِّهِ.
قَالَ:فَأَخْبَرتُ ابْنَ الخَاضبَة بِقَوْلِهِ، فَقَالَ:اغْترَّ الشَّيْخُ (2) .
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ:نسخ ابْنُ الخَاضبَة(صَحِيْح مُسْلِم)بِالأُجرَة سَبْعَ مَرَّاتٍ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ:مَا كَانَ فِي الدُّنْيَا أَحَدٌ أَحْسَنَ قِرَاءة لِلْحَدِيْثِ مِنِ ابْنِ الخَاضِبَة فِي وَقتِهِ، لَوْ سَمِعَ إِنْسَان بِقِرَاءته يَوْمَيْن، لَمَا مَلَّ (3) .
قَالَ السِّلَفِيّ:سَأَلتُ أَبَا الكَرَمِ خَمِيْساً الحَوْزِي عَنِ ابْنِ الخَاضِبَة، فَقَالَ:كَانَ عَلاَّمَةً فِي الأَدَبِ، قُدْوَةً فِي الحَدِيْثِ، جَيِّدَ اللِّسَان، جَامِعاً لِخلاَلِ الخَيْرِ، مَا رَأَيْتُ بِبَغْدَادَ مِنْ أَهْلِهَا أَحْسَنَ قِرَاءةً لِلْحَدِيْثِ مِنْهُ، وَلاَ أَعْرفَ بِمَا يَقوله (4) .
قَالَ ابْنُ النَّجَّار:كَانَ ابْنُ الخَاضبَة وَرِعاً تَقيّاً، زَاهِداً ثِقَةً، مَحْبُوباً
__________
(1) تذكرة الحفاظ: 4 / 1224.
(2) في تذكرة الحفاظ: 4 / 1224: أعز الله الشيخ.
(3) المستفاد: ص: 5.
(4) سؤالات الحافظ السلفي: 1.

(19/111)


إِلَى النَّاسِ، رَوَى اليَسِيْر (1) .
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الفصيحِي:مَا رَأَيْتُ فِي أَصْحَاب الحَدِيْث أَقومَ بِاللُّغَةِ مِنِ ابْنِ الخَاضِبَة (2) .
قَالَ السِّلَفِيّ:وَسَأَلتُ أَبَا عَامِرٍ العَبْدَرِي عَنِ ابْنِ الخَاضِبَة، فَقَالَ:
كَانَ خَيْرَ مَوْجُوْدٍ فِي وَقته، وَكَانَ لاَ يَحفظ، إِنَّمَا يُعوِّل عَلَى الكُتُب (3) .
ابْنُ طَاهِر:سَمِعْتُ ابْنَ الخَاضِبَة، وَكُنْت ذكرتُ لَهُ أَن بَعْضَ الهَاشِمِييِّن حَدَّثَنِي بِأَصْبَهَانَ أَنَّ أَبَا الحُسَيْنِ بن الْمُهْتَدي بِاللهِ يَرَى الاعتزَال، فَقَالَ:لاَ أَدْرِي، لَكِن أَحكِي لَكَ:لَمَّا كَانَ سَنَة الْغَرق (4) ، وَقَعَت دَارِي عَلَى قُمَاشِي وَكُتُبِي، وَلَمْ يَكُنْ لِي شَيْء، وَعِنْدِي الأَمُّ، وَالزَّوْجَة وَالبَنَاتُ، فَكُنْتُ أَنسَخُ، وَأُنْفِقُ عليهِنَّ، فَأَعْرِفُ أَنَّنِي كَتَبتُ(صَحِيْح مُسْلِم)فِي تِلْكَ السّنَة سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا كَانَ فِي لَيْلَةٍ مِنَ اللَّيَالِي، رَأَيْتُ القِيَامَةَ قَدْ قَامَت، وَمُنَادٍ يُنَادِي:أَيْنَ ابْنُ الخَاضِبَة، فَأُحْضِرْتُ، فَقِيْلَ لِي:ادْخُلِ الجَنَّة، فَلَمَّا دَخَلتُ البَابَ، وَصرتُ مِنْ دَاخِل، اسْتَلقيتُ عَلَى قَفَاي، وَوضعتُ إِحْدَى رِجْلَيَّ عَلَى الأُخْرَى، وَقُلْتُ:اسْتَرحتُ - وَاللهِ - مِنَ النَّسخ، فَرفعتُ رَأْسِي، فَإِذَا بِبَغْلَة فِي يَدِ غُلاَمٍ، فَقُلْتُ:لِمَنْ هَذِهِ؟
قَالَ:لِلشَرِيْف أَبِي الحُسَيْنِ بن الغَرِيق، فَلَمَّا أَصْبَحتُ، نُعِيَ لَنَا الشَّرِيْفُ - رَحِمَهُ اللهُ - (5) .
__________
(1) تذكرة الحفاظ: 4 / 1226.
(2) تذكرة الحفاظ: 4 / 1226، والعبر: 3 / 325 - 326.
(3) التذكرة: 4 / 1226.
(4) وكان ذلك في سنة 466 ه.
(5) الخبر في المنتظم: 9 / 101، ومعجم الأدباء: 17 / 227 - 228، والمستفاد: ص: 6، وعيون التواريخ: 13 / لوحة: 56، وابن كثير: 12 / 153، وتذكرة الحفاظ: 4 / 1226، والوافي بالوفيات: 2 / 90.

(19/112)


أَبُو القَاسِمِ ابنُ عَسَاكِرَ:سَمِعْتُ أَبَا الفَضْل مُحَمَّدَ بن مُحَمَّدِ بنِ عَطَّافٍ، يَحكِي أَنَّهُ طلع فِي بَعْضِ أَوْلاَد الرُّؤسَاء بِبَغْدَادَ إِصبعٌ زَائِدَة، فَاشتدَّ أَلَمُه لَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ ابْن الخَاضِبَة، فَمَسَحَ عَلَيْهَا، وَقَالَ:أَمرُهَا يَسير، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل نَام وَانتبه، فَوَجَدهَا قَدْ سَقَطَتْ، أَوْ كَمَا قَالَ.
وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِر:سَمِعَ ابْنُ الخَاضِبَة بِالقُدْس مِنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ البُخَارِيّ، وَأَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ الدِّيْنَوَرِيّ، وَكَتَبَ الكَثِيْر، وَكَانَ مفِيدَ بَغْدَاد فِي وَقته، وَكَانَ صَالِحاً مُتَوَاضِعاً.
مَاتَ ابْنُ الخَاضِبَة:فِي ثَانِي رَبِيْع الأَوّل، سَنَة تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَكَانَتْ جِنَازَتُهُ مَشْهُوْدَةٌ، وَخُتِمَ عَلَى قَبْرِهِ عِدَّةُ خَتمَات.
أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المُقْرِئ، أَخْبَرَنَا عبدُ اللَّطِيْف الطَّبَرِيّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ البَطِّيِّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عبد البَاقِي، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الفَوَارس، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ الهَرَوِيّ الصَّفَّار، قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ الشِّبلِي، فَسَأَلَهُ بَعْضُ المُتصَوِّفَة:الرَّجُل يَسْمَعُ قَوْلاً لاَ يَفهمُهُ، فَيَتوَاجد عَلَيْهِ، فَأَنشَأَ يَقُوْلُ:
رُبَّ وَرْقَاءَ هَتُوفٍ فِي الضُّحَى ... ذَاتِ شَجْوٍ صَدَحَتْ فِي فَنَنِ (1)
فَبُكَائِي رُبَّمَا أَرَّقَهَا ... وَبُكَاهَا رُبَّمَا أَرَّقَنِي
وَلَقَدْ أَشْكُو فَمَا أُفْهِمُهَا ... وَلَقَدْ تَشْكُو فَمَا تُفْهِمُنِي
غَيْرَ أَنِّي بِالجَوَى أَعْرِفُهَا ... وَهِيَ أَيْضاً بِالجَوَى تَعْرِفُنِي (2)
__________
(1) في الأصل (صاحت) وهو خطأ. والتصويب من " التذكرة ": 4 / 1225.
(2) الابيات في " تذكرة الحفاظ ": 4 / 1225.

(19/113)


وَفِيْهَا مَاتَ:أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ البَاقِلاَّنِي، وَالمُقْرِئ أَحْمَد بن عُمَرَ بنِ الأَشْعَثِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ السَّرَّاج، وَالمُحَدِّثُ عَبْد اللهِ بن يُوْسُفَ الجُرْجَانِيّ (1) ، وَالمُحَدِّثُ عبدُ المُحسن بن مُحَمَّدٍ الشِّيحِي (2) ، وَأَبُو مَرْوَانَ عَبْد الْملك بن سِرَاج (3) لُغوِيُّ زَمَانِهِ بِالأَنْدَلُسِ، وَمُسْنِدُ الوَقْت القَاسِم بن الفَضْلِ الثَّقَفِيُّ (4) ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ العُمَيْرِيُّ (5) الزَّاهِدُ، وَأَبُو المُظَفَّرِ مَنْصُوْر بن مُحَمَّدٍ السَّمْعَانِيّ.

62 - أَبُو المُظَفَّرِ السَّمْعَانِيُّ مَنْصُوْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، مُفْتِي خُرَاسَان، شَيْخُ الشَّافعيَة، أَبُو المُظَفَّرِ مَنْصُوْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ بن أَحْمَدَ التَّمِيْمِيّ، السَّمْعَانِيُّ، المَرْوَزِيّ، الحَنَفِيُّ كَانَ، ثُمَّ الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ:سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ:أَبَا غَانم أَحْمَد بن عَلِيٍّ الكُرَاعِي، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ عَبْدِ الصَّمَدِ
__________
(1) ستأتي ترجمته برقم (86).
(2) ستأتي ترجمته برقم (79).
(3) ستأتي ترجمته برقم (70).
(4) تقدمت ترجمته برقم (5).
(5) تقدمت ترجمته برقم (38).
(*) الأنساب: 7 / 139 - 140، المنتظم: 9 / 102، اللباب: 2 / 138 - 139، وفيات الأعيان: 3 / 211 في ترجمة حفيده، دول الإسلام: 2 / 18، العبر: 3 / 326، الوافي: م / 96، عيون التواريخ: 13 / الورقة: 54، مرآة الجنان: 3 / 151 - 152، طبقات السبكي: 5 / 335 - 346، طبقات الاسنوي: 2 / 29 - 30، البداية: 12 / 153 - 154، طبقات الشافعية لابن قاضي شبهة: 28 / ب، النجوم الزاهرة: 5 / 160، طبقات المفسرين للداوودي: 2 / 339 - 340، مفتاح السعادة: 2 / 332، كشف الظنون: 107، 151، شذرات الذهب: 3 / 393 - 394، هدية العارفين: 2 / 473، الرسالة المستطرفة: 43.

(19/114)


التُّرَابِيَّ، وَطَائِفَةً بِمَرْوَ، وَعبدَ الصَّمد بنَ المَأْمُوْنِ، وَطَبَقَته بِبَغْدَادَ، وَأَبَا صَالِحٍ المُؤَذِّنَ، وَنَحْوَهُ بِنَيْسَابُوْرَ، وَأَبَا عليٍّ الشَّافِعِيَّ، وَأَبَا القَاسِمِ الزنجَانِيَّ (1) بِمَكَّةَ، وَأَكْبَرُ شَيْخٍ لَهُ الكُرَاعِيُّ، وَبَرَعَ فِي مَذْهَب أَبِي حَنِيْفَةَ عَلَى وَالِدِهِ العَلاَّمَة أَبِي مَنْصُوْرٍ السَّمْعَانِيّ، وَبَرَّزَ عَلَى الأَقرَان.
رَوَى عَنْهُ:أَوْلاَدُهُ، وَعُمَر بن مُحَمَّدٍ السَّرْخَسيُّ، وَأَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَاشَانِي (2) ، وَمُحَمَّد بن أَبِي بَكْرٍ السِّنْجِيّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو نَصْرٍ الغَازِي، وَأَبُو سَعْدٍ بنُ البَغْدَادِيّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
حَجَّ عَلَى البرِيَّة أَيَّامَ انْقَطَع الرَّكْبُ، فَأُخِذَ هُوَ وَجَمَاعَةٌ، فَصَبَرَ إِلَى أَنْ خلَّصَهُ الله مِنَ الأَعرَاب، وَحَجَّ وَصَحِبَ الزَّنْجَانِي.
كَانَ يَقُوْلُ:أَسَرونَا، فَكُنْتُ أَرْعَى جِمَالَهُم، فَاتَّفَقَ أَنَّ أَمِيْرَهُم أَرَادَ أَنْ يُزَوِّج (3) بِنْته، فَقَالُوا:نَحتَاجُ أَن نَرحلَ إِلَى الحَضَر لأَجْل مَنْ يَعْقِدُ لَنَا.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَّا:هَذَا الَّذِي يَرْعَى جِمَالَكُم فَقِيْهُ خُرَاسَان، فَسَأَلونِي عَنْ أَشيَاءَ، فَأَجبتُهُم، وَكلمتُهُم بِالعَرَبِيَّة، فَخَجِلُوا وَاعتَذَرُوا، فَعقدتُ لَهُم العَقْدَ، وَقُلْتُ الخُطبَةَ، فَفَرِحُوا، وَسَأَلونِي أَنْ أَقْبَلَ مِنْهُم شَيْئاً، فَامتنعتُ، فَحملونِي إِلَى مَكَّةَ وَسَط العَام (4) .
قَالَ عَبْدُ الغَافِرِ فِي(تَارِيْخِهِ):هُوَ وَحِيدُ عصره فِي وَقته فَضْلاً وَطرِيقَةً، وَزُهْداً وَوَرِعاً، مِنْ بَيْتِ العِلْم وَالزُّهْد، تَفَقَّهَ بِأَبِيْهِ، وَصَارَ مِنْ
__________
(1) هو سعد بن علي بن محمد الزنجاني شيخ الحرم في عصره، كان جليل القدر عالما زاهدا حافظا، توفي في سنة 471 ه، تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (189).
(2) في الأصل (القاشاني) وهو تصحيف، والتصويب من الأنساب، والمشتبه، وقد سبق التعريف بهذه النسبة في الترجمة رقم 11.
(3) تحرفت في (طبقات السبكي) إلى (يتزوج).
(4) طبقات السبكي: 5 / 336 - 337.

(19/115)


فُحُوْل أَهْلِ النَّظَر، وَأَخَذَ يُطَالِعُ كتبَ الحَدِيْث، وَحَجَّ وَرَجَعَ، وَتركَ طرِيقَتَه الَّتِي نَاظَرَ عَلَيْهَا ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، وَتَحَوَّلَ شَافِعيّاً، وَأَظْهَرَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ، فَاضْطَرَب أَهْلُ مَرْو، وَتَشَوَّشَ العَوَامُّ، حَتَّى وَردت الكُتُب مِنَ الأَمِيْرِ بِبَلْخَ، فِي شَأْنه وَالتَّشدِيْدِ عَلَيْهِ، فَخَرَجَ مِنْ مَرْوَ، وَرَافقه ذُو المَجْدَيْنِ أَبُو القَاسِمِ المُوسَوِي، وَطَائِفَةٌ مِنَ الأَصْحَاب، وَفِي خِدمته عِدَّةٌ مِنَ الفُقَهَاء، فَصَارَ إِلَى طُوْس، وَقَصَدَ نَيْسَابُوْرَ، فَاسْتقبله الأَصْحَابُ اسْتِقبالاً عَظِيْماً أَيَّامَ نِظَام المُلك، وَعَمِيد الحضرَة أَبِي سَعْدٍ، فَأَكرمُوْهُ، وَأُنْزِلَ فِي عِزٍّ وَحِشْمَةٍ، وَعُقِدَ لَهُ مَجْلِسُ التَّذكير فِي مَدرسَةِ الشَّافعيَّة، وَكَانَ بَحْراً فِي الوعظِ، حَافِظاً، فَظَهَرَ لَهُ القَبُولُ، وَاسْتَحكمَ أَمرُه فِي مَذْهَب الشَّافِعِيِّ، ثُمَّ عَادَ إِلَى مَرْوَ، وَدَرَّس بِهَا فِي مَدرسَةِ الشَّافعيَة، وَقَدَّمه النِّظَام عَلَى أَقرَانِهِ، وَظَهر لَهُ الأَصْحَابُ، وَخَرَجَ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَهُوَ فِي ارْتقَاء (1) .
صَنَّفَ كِتَاب(الاصْطِلاَم (2))، وَكِتَاب(البُرْهَان (3))، وَلَهُ(الأَمَالِي)فِي الحَدِيْثِ (4) ، تَعصب لأَهْل الحَدِيْث وَالسُّنَّة وَالجَمَاعَة، وَكَانَ شَوكاً فِي أَعْيُن المُخَالفِيْن، وَحُجَّةً لأَهْلِ السّنَّة.
وَقَالَ أَبُو سَعْدٍ:صَنَّف جَدِّي التَّفْسِيْر، وَفِي الفِقْه وَالأُصُوْل
__________
(1) طبقات السبكي: 5 / 344.
(2) في الرد على أبي زيد الدبوسي الحنفي، ويسمى (المختصر)، انظر الأنساب: 7 / 139، وطبقات السبكي: 5 / 342، وطبقات المفسرين للداوودي: 2 / 340، والنجوم الزهرة: 160 / 5.
(3) قالوا: إنه يشتمل على قريب من ألف مسألة خلافية.
(4) قال حفيده في الأنساب: 7 / 139، 140: وأملى المجالس في الحديث، وتكلم على كل حديث بكلام مفيد، وصنف التصانيف في الحديث مثل (منهاج أهل السنة)، و(الانتصار)، و(الرد على القدرية)، ثم قال:...وقد جمع الأحاديث الالف الحسان من مسموعاته عن مئة شيخ له، عن كل شيخ عشرة أحاديث.

(19/116)


وَالحَدِيْث، وَ(تَفْسِيْرُهُ)ثَلاَثُ مُجلَّدَات (1) ، وَلَهُ(الاِصطِلامُ)الَّذِي شَاع فِي الأَقطَار، وَكِتَاب(القَوَاطع (2))فِي أُصُوْل الفِقْه، وَلَهُ كِتَاب(الانتصَار بِالأَثر (3))فِي الرَّدِّ عَلَى المُخَالفِيْن، وَكِتَاب(المِنْهَاج لأَهْل السُّنَّة)، وَكِتَاب(القَدَر)، وَأَملَى تِسْعِيْنَ مَجْلِساً.
سَمِعْتُ مَنْ يَحكِي عَنْ رفِيق جَدِّي فِي الحَجِّ حُسَيْن بن حَسَنٍ، قَالَ:
اكتَرَينَا حِمَاراً، رَكبه الإِمَامُ أَبُو المُظَفَّرِ إِلَى خَرَق، وَبَينهَا وَبَيْنَ مَرْو ثَلاَثَةُ فَرَاسخ، فَنَزَلنَا، وَقُلْتُ:مَا مَعَنَا إِلاَّ إِبرِيق خَزف، فَلَو اشتَرَينَا آخرَ؟فَأَخْرَجَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَقَالَ:يَا حُسَيْن، لَيْسَ مَعِي إِلاَّ هَذِهِ، خُذْ وَاشتَرِ، وَلاَ تَطْلُبْ بَعْدهَا مِنِّي شَيْئاً.
قَالَ:فَخَرَجْنَا عَلَى التَّجرِيْد، وَفتح اللهُ لَنَا (4) .
وَسَمِعْتُ شَهْردَار بنَ شِيْرَوَيْه:سَمِعْتُ مَنْصُوْرَ بن أَحْمَدَ، وَسَأَلَهُ أَبِي، فَقَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا المُظَفَّر السَّمْعَانِيّ يَقُوْلُ:كُنْتُ حَنفِيّاً، فَبدَا لِي، وَحججتُ، فَلَمَّا بلغتُ سَمِيْرَاء (5) ، رَأَيْتُ رَبَّ العِزَّةِ فِي المَنَامِ، فَقَالَ لِي:عُدْ إِلَيْنَا يَا أَبَا المُظَفَّر، فَانْتبهتُ، وَعلمتُ أَنَّهُ يُرِيْد مَذْهَبَ الشَّافِعِيّ، فَرَجَعتُ إِلَيْهِ (6) .
__________
(1) علمت أن طلبة قسم الدراسات العليا في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة يقومون بتحقيقه، وستتولى الجامعة طبعه فيما بعد.
(2) ذكره ابن الجوزي: 9 / 102، والسبكي: 5 / 342، وحفيده، وقال: وهو يغني عما صنف في ذلك الفن.
وقد حققه، وأعده للطبع د.
محمد حسن هيتو.
(3) ذكره في المنتظم: 9 / 102، والسبكي: 5 / 342، والأنساب: 7 / 139، والنجوم الزاهرة: 5 / 160، وكشف الظنون: 1 / 173، وقال: هو مختصر على ثلاثة أبواب، الأول: في الحث على السنة والجماعة، والثاني: في فضل الحديث، والثالث: في شجرة العلم.
(4) طبقات السبكي: 5 / 337.
(5) منزل بطريق مكة بعد توز مصعدا وقبل الحاجز، انظر معجم البلدان: 3 / 255.
(6) طبقات السبكي: 5 / 338.

(19/117)


وَقَالَ الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ الحَاجِي:خَرَجتُ مَعَ أَبِي المُظَفَّر إِلَى الحَجِّ، فَكُلَّمَا دخلنَا بَلَدَةً، نَزل عَلَى الصُّوْفِيَّة، وَطَلَبَ الحَدِيْثَ، وَلَمْ يَزَلْ يَقُوْلُ فِي دُعَائِهِ:اللَّهُمَّ بَيِّنْ لِيَ الحَقَّ، فَلَمَّا دَخلنَا مَكَّةَ، نَزلَ عَلَى أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بن أَسَدٍ، وَصَحِبَ سَعْداً الزَّنْجَانِي حَتَّى صَارَ مُحَدِّثاً (1) .
وَقَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي جَعْفَرٍ الهَمَذَانِيِّ الحَافِظ:سَمِعْتُ أَبَا المُظَفَّر السَّمْعَانِيّ يَقُوْلُ:
كُنْتُ فِي الطَّوَاف، فَوصلتُ إِلَى المُلْتَزَمِ، وَإِذَا بِرَجُل قَدْ أَخَذَ بردَائِي، فَإِذَا الإِمَامُ سَعْدٌ، فَتبسَّمتُ، فَقَالَ:أَمَّا تَرَى أَيْنَ أَنْتَ؟!هَذَا مقَامُ الأَنْبِيَاء وَالأَوليَاء، ثُمَّ رفع طَرْفَه إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ:اللَّهُمَّ كَمَا سُقْتَهُ إِلَى أَعزِّ مَكَان، فَأَعْطِهِ أَشْرَف عِزٍّ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَانٍ، ثُمَّ ضَحِكَ إِلَيَّ، وَقَالَ:لاَ تُخَالِفْنِي فِي سِرِّكَ، وَارفَعْ يَديك مَعِي إِلَى رَبِّك، وَلاَ تَقُوْلنَّ البَتَّةَ شَيْئاً، وَاجمعْ لِي هِمَّتَك حَتَّى أَدعُوَ لَكَ، وَأَمِّنْ أَنْتَ، وَلاَ يُخَالِفْنِي عَهدُكَ القَدِيْمُ، فَبَكَيْتُ، وَرفعتُ مَعَهُ يَديَّ، وَحرَّك شَفَتَيْه، وَأَمَّنتُ، ثُمَّ قَالَ:مُرَّ فِي حِفْظِ الله، فَقَدْ أُجيبَ فِيك صَالِحُ دُعَاءِ الأُمَّة، فَمضيتُ وَمَا شَيْءٌ أَبغضَ إِلَيَّ مِنْ مَذْهَب المخَالفِيْن (2) .
وَبِخَطِّ أَبِي جَعْفَرٍ:سَمِعْتُ إِمَام الحَرَمَيْنِ يَقُوْلُ:
لَوْ كَانَ الفِقْه ثَوْباً طَاوياً، لَكَانَ أَبُو المُظَفَّرِ السَّمْعَانِيّ طِرَازَهُ (3) .
وَقَالَ الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ بنُ الصَّفَّارُ:إِذا نَاظرتُ أَبَا المُظفَّر، فَكَأَنِّي أُنَاظِرُ رَجُلاً مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِيْنَ (4) ، مِمَّا أَرَى عَلَيْهِ مِنْ آثَارِ الصَّالِحِيْنَ.
__________
(1) طبقات السبكي: 5 / 338.
(2) طبقات السبكي: 5 / 338.
(3) طبقات السبكي: 5 / 342.
(4) طبقات السبكي: 5 / 342.

(19/118)


قَالَ أَبُو سَعْدٍ:حَدَّثَنَا أَبُو الوَفَاءِ عَبْدُ اللهِ بن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُوْك أَبُو بَكْرٍ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:مَا حَفِظتُ شَيْئاً فَنسيتُه (1) .
وَقَالَ أَبُو سَعْدٍ:سَمِعْتُ أَبَا الأَسَعْد بن القُشَيْرِيِّ يَقُوْلُ:
سُئِلَ جَدُّك بِحُضُوْر وَالِدي عَنْ أَحَادِيْثِ الصِّفَات، فَقَالَ:عَلَيْكُم بِدِيْنِ العَجَائِزِ (2) ...، إِلَى أَنْ قَالَ:
وُلِدَ جَدِّي سَنَة(426)، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، الثَّالِثَ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْع الأَوّل، سَنَة تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ (3) ، عَاشَ ثَلاَثاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً - رَحِمَهُ اللهُ - .
__________
(1) طبقات السبكي: 5 / 344، والمنتظم: 9 / 102، والداوودي: 2 / 340، والبداية 12 / 140.
(2) المنتظم: 9 / 102، والبداية: 12 / 154، وزاد الأخير: وصبيان الكتاتيب.
ويستبعد صدور مثل هذا عن مثل هذا الامام الذي ألف التآليف المتعددة في العقائد والعبادات والمعاملات، وكلها مقرونة بالادلة والحجج والبينات، اللهم إلا إذا قالها في حالة ضعف وذهول، وفي مثل هذه الحالة لا يعتد بما يقوله صاحبها المتلبس بها، وكيف ينصح مسائليه بأن يلزموا دين العجائز، والله سبحانه يحثنا في غير ما آية من كتابه على النظر والاستدلال، والائمة المجتهدون اتفقوا على وجوب الاهتداء بالقرآن، وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وعلى المنع من التقليد الذي يصد عنهما، ويقتضي هجرانهما، ولم يجعلوا أنفسهم شارعين يطاعون، وإنما كانوا أدلاء للناس لعلهم يهتدون، والذي يعرفه كل واقف على تاريخ الصدر الأول من المسلمين، هو أن أهل القرنين الأول والثاني لم يكونوا يقلدون أحدا، أي لم يكونوا يأخذون بآراء الناس وأقوال العلماء، بل كان العامي منهم على بينة من دينه يعرف من أين جاءت كل مسألة يعمل بها من مسائله، إذ كان علماء الصدر الأول يلقنون الناس الإسلام ببيان كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكان الجاهل بالشيء يسأل عن حكم الله فيه، فيجاب بأن الله تعالى قال كذا، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا، أو فعل كذا، أو أقر على كذا، فإن لم يكن عند المسؤول فيه هدي من كتاب أو سنة ذكر ما جرى عليه الصالحون، وما يراه أشبه بما جاء في هذا الهدي، أو أحال على غيره ممن هو أعلم منه، وأقر الناس إلى معرفة الحق في المطالب العالية هو الباحث المستقل الذي يسترشد بالطريقة التي وردت في القرآن، وجاءت على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.
(3) في الأنساب: 7 / 140.

(19/119)


63 - الحُمَيْدِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ فُتُوْحِ بنِ عَبْدِ اللهِ *
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الأَثرِي المُتْقِنُ، الحَافِظُ، شَيْخُ المُحَدِّثِيْنَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي نَصْرٍ فُتُوْح بن عَبْدِ اللهِ بنِ فُتُوْحِ بنِ حُمَيْدِ بنِ يَصِلَ (1) الأَزْدِيُّ، الحُمَيْدِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ؛المَيُورْقِي، الفَقِيْهُ، الظَّاهِرِيُّ، صَاحِبُ ابْنِ حَزْمٍ وَتِلْمِيْذُه.
وَمَيُوْرْقَة:جَزِيْرَةٌ فِيْهَا بَلدَة حَصينَة تجَاهُ شَرق الأَنْدَلُس، هِيَ اليَوْمَ بِأَيدي النَّصَارَى.
قَالَ:مَوْلِدي قَبْل سَنَة عِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
لاَزمَ أَبَا مُحَمَّدٍ عَلِيَّ بنَ أَحْمَدَ (2) الفَقِيْه، فَأَكْثَرَ عَنْهُ، وَأَخَذَ عَنْ أَبِي عُمَرَ بن عَبْدِ (3) البَرِّ، وَطَائِفَة، ثُمَّ ارْتَحَلَ، فَأَخَذَ بِمِصْرَ عَنِ القَاضِي أَبِي عَبْدِ اللهِ القُضَاعِي، وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ القَزْوِيْنِيّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الحَبَّال، وَعِدَّةٍ، وَالحَافِظِ عَبْد الرَّحِيْمِ بن أَحْمَدَ البُخَارِيّ.
وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنْ:أَبِي القَاسِمِ الحِنَّائِي، وَالحَافِظِ أَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب، وَعَبْدِ العَزِيْزِ الكَتَّانِي، وَسَمِعَ
__________
(*) الأنساب: 4 / 233، فهرست ابن خير: 226 - 227 و400 وغيرها، الصلة: 2 / 560 - 561، المنتظم: 9 / 96، بغية الملتمس: 123 - 124، معجم الأدباء: 18 / 282 - 286، اللباب: 1 / 392، الكامل في التاريخ: 10 / 254، دول الإسلام: 2 / 18، العبر: 3 / 323، تذكرة الحفاظ: 4 / 1218 - 1222، تتمة المختصر: 2 / 17، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 34 - 36، الوافي بالوفيات: 4 / 317 - 318، مرآة الجنان: 3 / 149، البداية: 12 / 152، النجوم الزاهرة: 5 / 156، مفتاح السعادة: 2 / 140، نفح الطيب: 2 / 122 - 115، كشف الظنون: 252، 385، 581، شذرات الذهب: 3 / 392، إيضاح المكنون: 1 / 124، الرسالة المستطرفة: 173، مقدمة جذوة المقتبس لمحمد الطنجي ومقدمة طبعة دار إحياء التراث.
(1) بفتح الياء، وكسر الصاد، وبعدها لام.
(2) تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر رقم 99.
(3) تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر رقم 85.

(19/120)


بِالأَنْدَلُسِ أَيْضاً مِنْ:أَبِي العَبَّاسِ أَحْمَد بن عُمَرَ بنِ دِلْهَاث.
وَبِمَكَّةَ مِنَ:المُحَدِّثَة كَرِيْمَةَ (1) المَرْوَزِيَّة.
وَبمصر أَيْضاً مِنْ:عَبْدِ العَزِيْزِ الضّرَّاب، وَابْنِ بَقَاء الوَرَّاق.
وَبِبَغْدَادَ مِنْ:عَبْدِ الصَّمَدِ بن المَأْمُوْن، وَأَبِي الحُسَيْنِ بن المُهتدي بِاللهِ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ هَزَارْمَرْدَ، وَأَبِي جَعْفَرٍ بن المُسْلِمَة.
وَبِوَاسِط مِنَ:العَلاَّمَة أَبِي غَالِبٍ بن بِشْرَان اللُّغَوِيّ، وَأَكْثَرَ عَنْ أَصْحَابِ أَبِي طَاهِرٍ المُخَلِّص، ثُمَّ عَنْ أَصْحَاب أَبِي عُمَرَ بن مَهْدِيٍّ، إِلَى أَنْ كتب عَنْ أَصْحَاب أَبِي مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، وَجَمَعَ وَصَنَّفَ، وَعَمِلَ(الجَمعَ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ)، وَرَتَّبه أَحْسَن تَرْتِيب (2) .
اسْتَوْطَنَ بَغْدَاد، وَأَوّل ارْتِحَاله فِي العِلْمِ كَانَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
__________
(1) تقدمت ترجمتها في الجزء الثامن عشر رقم 110.
(2) وهو لم يطبع بعد، وقد زاد فيه ألفاظا وتتمات ليست في واحد منهما، أخذها من أصحاب المستخرجات على (الصحيحين) منبها عليها، فقد جاء في أثناء مقدمة كتابه ما نصه: وربما أضفنا إلى ذلك نبذا مما تنبهنا له من كتب أبي الحسن الدارقطني، وأبي بكر الاسماعيلي، وأبي بكر الخوازمي - يعني البرقاني -، وأبي مسعود الدمشقي، وغيرهم من الحفاظ الذين عنوا بالصحيح مما يتعلق بالكتابين من تنبيه على غرض، أو تتميم لمحذوف، أو زيادة من شرح، أو بيان لاسم أو نسب أو كلام على إسناد أو تتبع لوهم.
قال الحافظ ابن حجر: ثم إنه فيما تتبعته من كتابه إذا ذكر الزيادة في المتن يعزوها لمن رواها من أهل المستخرجات وغيرها، فإن عزاها لمن استخرجها أقرها، وإن عزاها لمن لم يستخرجها تعقبها غالبا، لكنه تارة يسوق الحديث من الكتابين، أو من أحدهما ثم يقول: زاد فيه فلان كذا، وتارة يسوق الحديث والزيادة جميعا في نسق واحد، ثم يقول: اقتصر البخاري على كذا، وزاد فيه الاسماعيلي كذا.
وأخطأ من ظن أنه سرد تلك الزيادات في ضمن أحاديث الشيخين من غير بيان ولا تمييز.
ويغلب على الظن أن ابن الأثير في جامع الأصول - وقد اعتمد في نقل ما في الصحيحين على كتاب الحميدي - أنه لا ينقل منه إلا إذا كان منسوبا فيه إلى الشيخين أو أحدهما، ولا ينقل منه ما زاده من كتب المستخرجين.

(19/121)


حَدَّثَ عَنْهُ:الحَافِظُ أَبُو عَامِرٍ العَبْدَرِي، وَمُحَمَّد بن طَرْخَان التُّركِي، وَيُوْسُف بن أَيُّوْبَ الهَمَذَانِيُّ الزَّاهِدُ، وَإِسْمَاعِيْل بن مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ صَاحِب(التَّرغِيب وَالتَّرهيب)، وَالقَاضِي مُحَمَّد بن عَلِيٍّ الجُلاَّبِي، وَالحُسَيْن بن الحَسَنِ المَقْدِسِيّ، وَصِدِّيقُ بنُ عُثْمَانَ التِّبرِيزِي، وَشيخُهُ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ - وَمَاتَ قَبْلَهُ بدَهْر - وَأَبُو إِسْحَاقَ بنُ نَبْهَانَ الغَنَوِيّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ نَصْرِ بن خَمِيْس المَوْصِلِيّ، وَأَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بن السَّمَرْقَنْدي، وَأَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ البَطِّي، وَالحَافِظ مُحَمَّد بن نَاصر، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ مِنْ بَقَايَا أَصْحَابِ الحَدِيْث عِلْماً وَعَمَلاً وَعَقداً وَانْقِيَاداً - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ - .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ طَرْخَان:سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيّ يَقُوْلُ:
كُنْتُ أُحْمَلُ لِلسَّمَاع عَلَى الكَتِف، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فَأَوَّلُ مَا سَمِعْتُ مِنَ الفَقِيْه أَصْبَغَ بن رَاشِدٍ، وَكُنْت أَفهَم مَا يُقرَأُ عَلَيْهِ، وَكَانَ قَدْ تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ أَبِي زَيد، وَأَصلُ أَبِي مِنْ قُرْطُبَة مِنْ مَحلَّةٍ تُعْرَفُ بِالرُّصَافَة، فَتحوَّل وَسَكَنَ جَزِيْرَة مَيُورْقَة، فَوُلِدْتُ بِهَا.
قَالَ يَحْيَى بنُ البَنَّاءِ:كَانَ الحُمَيْدِيّ مِنِ اجْتِهَاده يَنسخُ بِاللَّيْلِ فِي الحرِّ، فَكَانَ يَجلسُ فِي إِجَّانَة (1) فِي مَاءٍ يَتبرَّد بِهِ.
قَالَ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ خُسْرو:جَاءَ أَبُو بَكْرٍ بنُ مَيْمُوْنٍ، فَدقَّ البَاب عَلَى الحُمَيْدِيّ، وَظَنّ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ، فَوَجَده مَكْشُوْفَ الفَخِذِ، فَبَكَى الحُمَيْدِيُّ، وَقَالَ:وَاللهِ لَقَدْ نَظرتَ إِلَى مَوْضِعٍ لَمْ يَنظرْه أَحَدٌ مُنْذُ عَقَلْت.
قَالَ أَبُو نَصْرٍ بنُ مَاكُوْلا (2) :لَمْ أَرَ مِثْل صديقِنَا أَبِي عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيّ
__________
(1) قال في (المصباح): الاجانة بالتشديد: إناء يغسل فيه الثياب.
(2) انظر الأنساب: 4 / 233.

(19/122)


فِي نَزَاهته وَعِفَّته، وَوَرَعه، وَتشَاغُلِهِ بِالعِلْمِ، صَنّفَ(تَارِيخ الأَنْدَلُس (1)).
وَقَالَ يَحْيَى بنُ إِبْرَاهِيْمَ السَّلَمَاسِي:قَالَ أَبِي:
لَمْ تَرَ عَيْنَايَ مِثْلَ الحُمَيْدِيّ فِي فَضْلِهِ وَنُبْلِهِ، وَغَزَارَةِ عِلْمِهِ، وَحِرْصِهِ عَلَى نَشرِ العِلْم، وَكَانَ وَرِعاً تَقِيّاً، إِمَاماً فِي الحَدِيْثِ وَعِلَلِه وَروَاته، مُتَحقِّقاً بِعِلْمِ التَّحقيق وَالأُصُوْل عَلَى مَذْهَب أَصْحَابِ الحَدِيْث بِمُوَافِقَة الكِتَاب وَالسّنَّة، فَصيحَ العِبَارَة، مُتَبَحِّراً فِي علم الأَدب وَالعَرَبِيَّة وَالتَّرَسُّل...، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَلَهُ:كِتَابُ(جُمل تَارِيخ الإِسْلاَم)، وَكِتَابُ(الذَّهب الْمَسْبُوكِ فِي وَعظِ المُلُوْك)، وَكِتَاب(التَّرسُّل (2))، وَكِتَاب(مُخَاطبَات الأَصْدِقَاءِ)، وَكِتَابُ(حِفْظ الجَارِ)، وَكِتَابُ(ذَمّ النَّمِيمَةِ)، وَلَهُ شعرٌ رَصينٌ فِي الموَاعِظ وَالأَمْثَال.
قَالَ السِّلَفِيّ:سَأَلتُ أَبَا عَامِرٍ العَبْدَرِي عَنِ الحُمَيْدِيّ، فَقَالَ:
لاَ يُرَى مِثْلُه قَطُّ، وَعَنْ مِثْلِه لاَ يُسْأَل، جَمَعَ بَيْنَ الفِقْهِ وَالحَدِيْثِ وَالأَدبِ، وَرَأَى عُلَمَاء الأَنْدَلُس، وَكَانَ حَافِظاً.
قُلْتُ:كَانَ الحُمَيْدِيّ يُقْصَدُ كَثِيْراً فِي رِوَايَة(كِتَاب الشِّهَاب)عَنْ
__________
(1) واسمه (جذوة المقتبس) وهو مطبوع متداول ألفه في بغداد، وذكر في خطبته أنه كتبه من حفظه، افتتحه بمقدمة تاريخية ضافية عن ولاة الأندلس منذ الفتح حتى عصر الحسنيين، ثم أورد ما يحضره من أسماء رواة الحديث بالاندلس، وأهل الفقه والأدب، وذوي النباهة والشعر، ومن له ذكر منهم، أو ممن دخل إليهم، أو خرج عنهم في معنى من معاني العلم والفضل أو الرياسة والحرب، مرتبا على حروف المعجم، وقد ذيل عليه أحمد ابن يحيى الضبي المتوفي سنة 599 ه، وسماه (بغية الملتمس في تاريخ رجال الأندلس).
(2) في معجم الأدباء: 18 / 285، وغيره (تسهيل السبيل إلى علم الترسيل)، والترسل والترسيل واحد.

(19/123)


مُؤلِّفه (1) ، فَقَالَ:صَيَّرنِي الشِّهَابُ شِهَاباً.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِي:كَانَ الحُمَيْدِيّ يَدلُّنِي عَلَى الشُّيُوْخِ، وَكَانَ مُتقللاً - مِنَ الدُّنْيَا - يَمُونه ابْنُ رَئِيْس الرُّؤسَاء، ثُمَّ جَرَتْ لِي مَعَهُ قِصصٌ أَوجبت انْقطَاعِي عَنْهُ.
وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ بنُ الخَاضِبَة:أَنَّهُ مَا سَمِعَ الحُمَيْدِيَّ يذكُر الدُّنْيَا قَطُّ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ طَرْخَان:سَمِعْتُ الحُمَيْدِيَّ يَقُوْلُ:
ثَلاَثُ كُتُبٍ مِنْ عُلُوْم الحَدِيْث يَجِبُ الاهتمَامُ بِهَا:كِتَابُ(الْعِلَل)، وَأَحْسَن مَا وَضَع فِيْهِ كِتَابُ الدَّارَقُطْنِيّ.
قُلْتُ:وَجَمَعَ كِتَابَ(الْعِلَل)فِي عِدَّةِ كتب عَلِيُّ بن المَدِيْنِيِّ إِمَامُ الصَّنعَة، وَجَمَعَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاَّل مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ عِلل الأَحَادِيْث الَّتِي تَكَلَّمَ عَلَيْهَا الإِمَامُ أَحْمَد، فَجَاءَ فِي ثَلاَثَةِ مُجلَّدَات، وَفِيْهِ فَوَائِدُ جَمَّة، وَأَلَّف ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ كِتَاباً فِي الْعِلَل، مُجَلد كَبِيْر (2) .
قَالَ:وَالثَّانِي كِتَابُ(المُؤْتَلِفِ وَالمُخْتَلِفِ)، وَأَحْسَنُ مَا وَضَع فِيْهِ(الإِكمَال (3))لِلأَمِيْرِ ابْن مَاكُوْلا، وَكِتَاب وَفِيَات المَشَايِخ، وَلَيْسَ فِيْهِ كِتَاب -
__________
(1) وهو محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي المصري، ذكره الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق، وقال: روى عنه أبو عبد الله الحميدي، وتولى القضاء بمصر نيابة من جهة المصريين، وتوجه منهم رسولا إلى جهة الروم، وله عدة تصانيف، منها كتاب (مسند الشهاب) وتتولى مؤسسة الرسالة نشره في ثلاثة أجزاء بتحقيق الشيخ عبد المجيد السلفي، وكتاب (مناقب الامام الشافعي رضي الله عنه) وكتاب (الانباء عن الأنبياء) و(تواريخ الخلفاء)، وله كتاب (خطط مصر) توفي سنة 454 ه.
وقد تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (41).
(2) الأول طبع جزء منه بتحقيق الاعظمي، والثاني لم نقف عليه، والثالث مطبوع في مصر في المطبعة السلفية في مجلدين.
(3) وهو مطبوع في سبعة مجلدات بتحقيق العلامة عبد الرحمن المعلمي اليماني رحمه الله.

(19/124)


يُرِيْدُ:لَمْ يُعملْ فِيْهِ كِتَاب عَامٌّ - .
قَالَ الحُمَيْدِيُّ:وَقَدْ كُنْتُ أَردتُ أَنْ أَجْمَع فِيْهِ كِتَاباً، فَقَالَ لِي الأَمِيْرُ:رتِّبه عَلَى حُرُوف المُعْجَم بَعْدَ أَنْ تُرَتِّبَه عَلَى السِّنِيْنَ (1).
قُلْتُ:قَدْ جَمع الحَافِظُ أَبُو يَعْقُوْبَ القَرَّاب (2) فِي ذَلِكَ كِتَاباً ضَخْماً، وَلَمْ يَسْتَوعِبْ، وَلاَ قَارب، وَجَمَعَ فِي ذَلِكَ أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَنْده الأَصْبَهَانِيّ كِتَاباً كَبِيْراً منثوراً، وَعَلَى مَا أَشَارَ بِهِ الأَمِيْرُ أَبُو نَصْرٍ عملتُ أَنَا(تَارِيخ الإِسْلاَم (3))، وَهُوَ كَاف فِي مَعْنَاهُ - فِيمَا أَحسَبُ - وَلَمْ يَكُنْ عِنْدِي تَوَارِيخُ كَثِيْرَة مِمَّا قَدْ سَمِعْتُ بِهَا بِالعِرَاقِ، وَبِالمَغْرِب وَبرَصَد مَرَاغَة، فَفَاتَنِي جُمْلَةً وَافرَةٌ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ طَرخَان:فَاشْتَغَلَ الحُمَيْدِيّ(بِالصَّحِيْحَيْنِ)إِلَى أَنْ مَاتَ (4) .
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيّ فِي(تَارِيْخِهِ (5)):أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بنُ عبد البَرِّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الجُهَنِيّ بِمصَنَّف النَّسَائِيّ قِرَاءةً عَلَيْهِ، عَنْ حَمْزَة الكِنَانِيّ، عَنْهُ.
قَالَ القَاضِي عِيَاض:مُحَمَّد بن أَبِي نَصْرٍ الأَزْدِيّ الأَنْدَلُسِيّ، سَمِعَ بِمَيُوْرْقَةَ مِنِ ابْنِ حَزْم قديماً، وَكَانَ يَتعصَّبُ لَهُ، وَيَمِيْل إِلَى قَوْلِهِ، وَأَصَابته فِيْهِ
__________
(1) انظر الخبر في (معجم الأدباء): 18 / 284.
(2) هو إسحاق بن إبراهيم بن محمد السرخسي المتوفى سنة 429 ه، وقد أورد المؤلف ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (376).
(3) انظر عن هذا الكتاب دراسة مستفيضة تتضمن حياة الذهبي ومنهجه في تاريخ الإسلام للدكتور بشار عواد، وقد بدأنا بتحقيقه بمشاركة الدكتور بشار عواد، وستصدر مجلدات منه في هذا العام بعون الله وتوفيقه.
(4) (معجم الأدباء): 18 / 284.
(5) ص: 251.

(19/125)


فِتْنَةٌ، وَلَمَّا شُدِّد عَلَى ابْنِ حَزْم، خَرَجَ الحُمَيْدِيُّ إِلَى المَشْرِقِ (1) .
تُوُفِّيَ الحُمَيْدِيّ:فِي سَابع عَشر ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، عَنْ بِضْعٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً أَوْ أَكْثَر، وَصَلَّى عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الشَّاشِيّ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَة بَاب أَبْرَز، ثُمَّ إِنَّهُم نَقلُوْهُ بَعْد سنتَيْن إِلَى مَقْبَرَة بَاب حَرْب، فَدُفِنَ عِنْدَ بِشرٍ الحَافِي.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ:كَانَ الحُمَيْدِيّ أَوْصَى إِلَى الأَجَلِّ مُظَفَّر بن رَئِيْس الرُّؤسَاءِ أَنْ يَدْفِنَهُ عِنْد بِشرٍ، فَخَالفَ، فَرَآهُ بَعْدَ مُدَّة فِي النَّوْمِ يُعَاتِبه، فَنَقله فِي صَفَرٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ، وَكَانَ كفنُه جَدِيداً، وَبَدَنُه طَرِيّاً يَفوحُ مِنْهُ رَائِحَةُ الطِّيب - رَحِمَهُ اللهُ - وَوَقَفَ كتبه (2) .
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَهْمِ بن أَحْمَدَ:أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، وَقَرَأْتُ عَلَى سُنْقُر الزَّينِي بِحَلَبَ، أَخْبَرَنَا المُوَفَّق عبدُ اللَّطِيْف بن يُوْسُفَ قَالاَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبد البَاقِي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي نَصْرٍ الحَافِظُ سَنَة(485)، أَخْبَرَنَا مَنْصُوْرُ بنُ النُّعْمَانِ بِمِصْرَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ القَاضِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبد الحمِيد الغضَائِرِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُعَاوِيَةَ الجُمَحِيّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَحَمَّادُ بن زَيْدٍ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ صُهَيْب، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :(تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُوْرِ بَرَكَةً).
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه (3) مِنْ طرِيقِ حَمَّادِ بن زَيْدٍ، وَهُوَ غَرِيْب عَنْ
__________
(1) وفي ذلك يقول:
ألفت النوى حتى أنست بوحشتي * وصرت بها لا بالصبابة مولعا.
فلم أحص كم رافقت فيها مرافقا * ولم أحص كم يممت في الأرض موضعا.
ومن بعد جوب الأرض شرقا ومغربا * فلا بد لي من أن أوافي مصرعا.
(2) وانظر (معجم الأدباء): 18 / 284.
(3) رقم (1692).

(19/126)


حَمَّاد بن سَلَمَةَ.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم (1) مِنْ طرِيقِ ابْنِ عُلَيَّةَ وَغَيْرِهِ، عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ.
وَمِنْ نَظمِ الحُمَيْدِيّ:
طَرِيْقُ الزُّهْدِ أَفْضَلُ مَا طَرِيْقِ ... وَتَقوَى اللهِ تَأْدِيَةُ الحُقُوقِ
فَثِقْ بِاللهِ يَكْفِكَ وَاسْتَعِنْهُ ... يُعِنْكَ وَذَرْ بُنَيَّاتِ الطَّرِيْقِ (2)
وَلَهُ:
لِقَاءُ النَّاسِ لَيْسَ يُفِيْدُ شَيْئاً ... سِوَى الهَذَيَانِ مِنْ قِيْلٍ وَقَالِ
فَأَقْلِلْ مِنْ لِقَاءِ النَّاسِ إِلاَّ ... لأَخْذِ العِلْمِ أَوْ إِصْلاَحِ حَالِ (3)
وَلَهُ:
كِتَابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلِي ... وَمَا صَحَّتْ بِهِ الآثَارُ دِيْنِي
وَمَا اتَّفَقَ الجَمِيْعُ عَلَيْهِ بَدْءاً ... وَعَوْداً فَهُوَ عَنْ حَقٍّ مُبِيْنِ
فَدَعْ مَا صَدَّ عَنْ هذِي وَخُذْهَا ... تَكُنْ مِنْهَا عَلَى عَيْنِ اليَقِيْنِ (4)

64 - صَاحِبُ سَمَرْقَنْدَ الخَان أَحْمَدَ
كَانَ جَبَّاراً مَارِقاً، قَامَ عَلَيْهِ الأُمَرَاءُ، وَأَمسَكُوهُ، ثُمَّ عَقَدُوا لَهُ مَجْلِساً، فَادَّعَوْا أَنَّهُ زِنْدِيْق (5) ، فَجحد، فَأَقَامُوا الشُّهُودَ عَلَيْهِ
__________
(1) رقم (1095) وهو في (صحيح البخاري) (1923) وسنن الترمذي (708) والنسائي 4 / 141.
(2) البيتان في (نفح الطيب): 2 / 115.
(3) البيتان في (معجم الأدباء): 18 / 286، و(وفيات الأعيان): 4 / 283، و(نفح الطيب): 2 / 114.
(4) الابيات في (معجم الأدباء): 18 / 285، و(نفح الطيب): 2 / 115.
(*) الكامل في التاريخ: 10 / 243 - 244، دول الإسلام: 2 / 17 وفيه 488، تتمة المختصر: 2 / 15.
(5) قال ابن الأثير في (الكامل): 10 / 243: وكان سبب ذلك أن السلطان ملكشاه لما فتح سمرقند، وأسر أحمد خان هذا قد وكل به جماعة من الديلم، فحسنوا له معتقدهم، =

(19/127)


بعَظَائِم، فَأَفتَى الفُقَهَاءُ بِقَتْلِهِ، فَخَنقوهُ، وَسَلْطنُوا بَعْدَهُ ابْنَ عَمِّهِ مسعُوْداً، سَنَة سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.

65 - الشَّيْبَانِيُّ أَبُو الفَتْحِ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ عُلْوَانَ بنِ عَقِيْلٍ *
الشَّيْخُ، المُسْنِد، أَبُو الفَتْحِ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ عُلْوَانَ بنِ عَقِيْلِ بنِ قَيْسٍ الشَّيْبَانِيُّ، البَغْدَادِيُّ، السَّقْلاَطونِيُّ (1) ، النَّصْرِيّ، أَخُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
سَمِعَ:أَبَا نَصْرٍ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ حَسْنُوْنَ، وَأَبَا القَاسِمِ الحُرْفِي، وَعُثْمَانَ بنَ دُوْسْت، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الحَسَن بن رَامِين.
حَدَّثَ عَنْهُ:قَاضِي المَارستَان، وَوَلَدُه عبدُ البَاقِي، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَعُمَرُ بن ظَفَر، وَأَبُو الكَرَم بن الشَّهْرُزُورِي، وَفَخرُ النِّسَاء شُهْدَةُ، وَعَتِيْقُ بنُ صَيلاَء.
مَوْلِدُه:سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
قَالَ شُجَاعٌ الذُّهْلِيُّ:تُوُفِّيَ فِي رَجَب، سَنَة إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.

66 - ابْنُ الفُرَاتِ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الفَضْلِ الدِّمَشْقِيُّ **
الشَّيْخُ، أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الفَضْلِ بنِ طَاهِرِ بن الفُرَاتِ الدِّمَشْقِيّ، يَنْتمِي إِلَى ابْنِ الفُرَات الوَزِيْر (2) .
__________
= وأخرجوه إلى الاباحة فلما عاد إلى سمرقند كان يظهر منه أشياء تدل على انحلاله من الدين.
(*) المنتظم: 9 / 106 - 107، ذيل تاريخ بغداد: 1 / 260 - 262.
(1) نسبة إلى سقلاطون بلد بالروم تنسب إليه الثياب كما في (القاموس).
(* *) تاريخ ابن عساكر، العبر: 3 / 339، عيون التواريخ: 13 / 106، شذرات الذهب: 3 / 400، تهذيب ابن عساكر.
(2) المتوفى سنة 213، وقد تقدمت ترجمته في الجزء العاشر برقم (59).

(19/128)


وُلِدَ:سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
سَمِعَ:أَبَاهُ، وَعبدَ الرَّحْمَن بن أَبِي نَصْرٍ، وَمَنْصُوْر بن رَامش، وَالعَتِيْقِيّ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِر:حَدَّثَنَا عَنْهُ هِبَةُ اللهِ بن طَاوُوْس، وَنَصْرُ بنُ أَحْمَدَ ابْن مُقَاتل، وَعَلِيُّ بن أَشليهَا، وَأَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَعبدُ الرَّحْمَن بن أَبِي الحَسَنِ الدَّارَانِيّ، وَكَانَ مِنَ الأُدبَاء، لَكنه رَافضِيٌّ رقيقُ الدِّين.
تُوُفِّيَ:فِي صَفَرٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.

67 - قَسِيمُ الدَّوْلَةِ أَبُو الفَتْحِ آقْسُنْقُرُ التُّركِيُّ الحَاجِبُ *
الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ، قَسِيمُ الدَّوْلَة، أَبُو الفَتْحِ آقْسُنْقُر التُّركِيُّ، الحَاجِبُ، مَمْلُوْكُ السُّلْطَان مَلِكْشَاه السَّلْجوقِي، وَهُوَ جدُّ نُور الدّين الشَّهِيْد، وَقِيْلَ:لاَ، بَلْ هُوَ لَصِيق بِمَلِكْشَاه، فَيُقَالُ:اسْم أَبِيْهِ آل تُرغَان كَانَ رَفِيعَ الرُّتبَة عِنْد السُّلْطَانِ، وَتَزَوَّجَ بِدَايَةِ المَلك إِدْرِيْس بن طُغَان، وَقَدِمَ مَعَ السُّلْطَان حلب حِيْنَ حَاربَ أَخَاهُ تَاجَ الدَّوْلَة، فَفَرَّ، وَتَمَلَّكهَا مَلِكْشَاه سَنَة تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فَقرَّر نِيَابَتهَا لآقْسُنْقُر، فَأَحْسَنَ السِّيَاسَةَ، وَأَبَاد الدُّعَّار (1) ، وَعُمرت حلبُ، وَقَصَدَهَا التُّجَّارُ، وَأَنشَأَ منَارَةَ جَامِعهَا، فَاسْمُه مَنْقُوْش عَلَيْهَا، وَبَنَى مشْهد قرنبيا، وَمشهدَ الذِّكر، وَصَارَ دَخْلُ البلدِ فِي اليَوْمِ أَلْفاً وَخَمْسَ مائَة دِيْنَارٍ (2) .
__________
(*) الكامل في التاريخ: 10 / 232 - 233، وفيات الأعيان: 1 / 241، دول الإسلام: 2 / 16، العبر: 3 / 315 - 316، تتمة المختصر: 2 / ك 14، البداية: 12 / 147، النجوم الزاهرة: 5 / 141، شذرات الذهب: 3 / 380.
(1) هم المفسدون والخبثاء وقطاع الطرق، الواحد داعر.
(2) قال ابن الأثير: 1 (/ 233: وكان قسيم الدولة أحسن الامراء سياسة لرعيته، =

(19/129)


وَأَمَّا تَاج الدَّوْلَة، فَاسْتولَى عَلَى دِمَشْقَ، فَلَمَّا كَانَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ، تَحَارَبَ هُوَ وَآقْسُنْقُر، وَعرض آقْسُنْقُر عِشْرِيْنَ أَلْفَ فَارِس، وَالْتَقَى الجمعَانِ، فَبرز آقْسُنْقُر بِنَفْسِهِ، وَحَمِيَ الوَطيسُ، ثُمَّ تَفلَّلَ جَمعُه، وَثبت آقْسُنْقُر فَأُسِرَ فِي طَائِفَةٍ فِي فُرْسَانه، فَأَمر تَاجُ الدَّوْلَة بِضَرْب عُنُقه وَأَعْنَاقِ أَصْحَابه، وَذَلِكَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى مِنَ السّنَةِ - رَحِمَهُ اللهُ (1) - ثُمَّ دُفِنَ بِالمدرسَة الزجَاجيَة بِحَلَبَ بَعْدَ أَنْ دُفِنَ مُدَّة بِمشهد قرنبيا، نَقله وَلَدُهُ الأَتَابك زَنْكِي، وَأَنشَأَ عَلَيْهِ قُبَّةً، وَلَمَّا قُتِلَ كَانَ وَلده زَنْكِي صَبِيّاً، وَتَنَقَّلَتْ بِهِ الأَيَّامُ، ثُمَّ صَارَ مَلِكاً.

68 - ابْنُ العَرَبِيِّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الإِشْبِيْلِيُّ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الأَدِيْبُ، ذُو الفُنُوْنِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ العربِي الإِشْبيلِي، وَالِدُ القَاضِي أَبِي بَكْرٍ (2) .
صَحِبَ ابْنَ حَزْمٍ، وَأَكْثَر عَنْهُ (3) ، ثُمَّ ارْتَحَلَ بِوَلَدِهِ أَبِي بَكْرٍ، فَسمِعَا مِنْ طِرَاد الزَّيْنَبِيّ، وَعِدَّة، وَكَانَ ذَا بلاغَةٍ وَلَسَنٍ وَإِنشَاء.
__________
= وحفظا لهم، وكانت بلاده بين رخص عام، وعدل شامل، وأمن واسع، وكان قد شرط على أهل كل قرية من بلاده، متى أخذ عندهم قفل، أو أحد من الناس، غرم أهلها جميع ما يؤخذ من الاموال من قليل وكثير، فكانت السيارة إذا بلغوا قرية من بلاده، ألقوا رحالهم وناموا، وحرسهم أهل القرية إلى أن يرحلوا، فأمنت الطريق..
(1) انظر خبر مقتله في " الكامل " لابن الأثير: 10 / 232، " وفيات الأعيان ": 1 / 241
(*) وفيات الأعيان: 4 / 297، وذكره الصفدي في (الوافي) في ترجمة ابنه أبي بكر.
(2) سيورد له المؤلف ترجمة مطولة في الجزء العشرين رقم (128).
(3) وقال المؤلف في ترجمة ابنه: (وكان أبوه ابو محمد من كبار أصحاب أبي محمد ابن حزم الظاهري).

(19/130)


مَاتَ:بِمِصْرَ (1) ، فِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ، فَإِنَّ مَوْلِدَه كَانَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَرَجع ابْنُه إِلَى الأَنْدَلُسِ.

69 - الحَكَّاكُ أَبُو الفَضْلِ جَعْفَرُ بنُ يَحْيَى بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّمِيْمِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُفِيْدُ، أَبُو الفَضْلِ جَعْفَرُ بنُ يَحْيَى بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّمِيْمِيّ، المَكِّيّ، ابنُ الحَكَّاكِ.
سَمِعَ:أَبَا ذَرٍّ الحَافِظ، وَأَبَا بَكْرٍ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيْمَ الأَرْدَستَانِي، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ صَخْر، وَأَبَا نَصْرٍ عُبيد الله السِّجْزِيّ، وَعِدَّةً.
وَقَدِمَ بَغْدَادَ، فَانْتقَى عَلَى أَبِي الحُسَيْنِ بن النَّقُّوْرِ وَطَبَقَته.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار:كَانَ مَوْصُوَفاً بِالمَعْرِفَة وَالحِفْظِ وَالإِتْقَان وَالفِقْهِ وَالصِّدْق، وَكَانَ يَتَرَسَّلُ عَنْ أَمِيْر مَكَّة ابْنِ أَبِي هَاشِمٍ إِلَى الخَلِيْفَة وَإِلَى المُلُوْك، وَيَتولَّى قبضَ الأَمْوَال مِنْهُم، وَيَحْمِل كِسْوَة الكَعْبَة (2) .
حَدَّثَ عَنْهُ:إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي، وَصَالِحُ بنُ شَافِع، وَمُحَمَّدُ بن نَاصرٍ، وَيَحْيَى بن عبد البَاقِي الغَزَّال، وَمُحَمَّدُ بن عبد البَاقِي بن البطِّيِّ، وَآخَرُوْنَ.
__________
(1) وقال المؤلف في ترجمة ابنه أيضا: (رجع إلى الأندلس بعد أن دفن أباه في رحلته - أظن بيت المقدس).
(*) دمية القصر: 1 / 77، المنتظم: 64 9، العبر: 3 / 307، الوافي بالوفيات: 11 / 167 - 168، مرآة الجنان: 3 / 138، البداية: 12 / 140، العقد الثمين: 3 / 433، شذرات الذهب: 3 / 373.
(2) (المنتظم): 9 / 64، و(الوافي بالوفيات): 11 / 167.

(19/131)


السِّلَفِيّ:حَدَّثَنَا ابْنُ الطُّيورِي، سَأَلتُ أَبَا بَكْرٍ الخَطِيْب عِنْد قُدومه مِنْ حَجِّه:أَرَأَيْتَ بِمَكَّةَ مَنْ يُقِيْمُ الحَدِيْثَ؟
قَالَ:لاَ، إِلاَّ شَابّاً يُقَالُ لَهُ:جَعْفَرُ بنُ الحَكَّاك.
وَقَالَ المُؤْتَمَنُ السَّاجِيّ:صَحِبَ جَعْفَرٌ أَبَا ذَرٍّ، وَأَبَا نَصْرٍ السِّجْزِيَّ، وَكَانَ ذَا مَعْرِفَةٍ.
وَقَالَ اليُونَارْتِي:كَانَ ابْنُ الحَكَّاكِ مِنَ الفُضَلاَء الأَثْبَاتِ.
وَقَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ:ثِقَةٌ، مَأْمُونٌ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِي:قَرَأْتُ عَلَيْهِ بِبَغْدَادَ كَثِيْراً، وَكَانَ يَفهَمُ الحَدِيْثَ جَيِّداً، مَوْلِدُهُ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَمَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَة خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ (1) .
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْد المُنْعِمِ الطَّائِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ زَيْد بن الحَسَنِ إِجَازَةً، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ نَاصر، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيّ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ سَيْفٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ دُلَيل، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ خُبَيْقٍ، قَالَ:
قَالَ بِشْرُ بنُ الحَارِثِ (2) :النَّظَرُ فِي وَجهِ الظَّالِم غَيْظٌ، وَالأَحْمَقِ سُخْنَةُ (3) العَيْنِ، وَالبَخيلِ قَسَاوَةُ القَلْبِ.
__________
(1) في المنتظم: 9 / 64: توفي يوم الجمعة رابع عشر صفر حين قدم من الحج: وكانت وفاته بالكوفة، ودفن في مقبرة البيع.
(2) هو المحدث الزاهد الملقب بالحافي، وقد تقدمت ترجمته في الجزء العاشر رقم الترجمة (153).
(3) سخنة العين: نقيض قرتها، يقال: أسخن الله عينه، أي: أبكاه. وانظر " اللسان ": (سخن) و(قر).

(19/132)


70 - ابْنُ سِرَاجٍ عَبْدُ المَلِكِ بنُ سِرَاجِ بنِ عَبْدِ اللهِ الأُمَوِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، اللُّغَوِيُّ، الوَزِيْرُ الأَكْمل، حُجَّةُ الْعَرَب، أَبُو مَرْوَانَ عَبْدُ المَلِكِ ابْن قَاضِي الجَمَاعَة أَبِي القَاسِمِ سِرَاجِ بنِ عَبْدِ اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ سِرَاجٍ الأُمَوِيُّ مَوْلاَهُمُ، القُرْطُبِيُّ، إِمَامُ اللُّغَة غَيْرَ مُدَافَعٍ.
وُلِدَ:سَنَةَ أَرْبَعِ مائَةٍ، فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، قَالَهُ لأَبِي عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ.
رَوَى عَنْ:أَبِيْهِ، وَإِبْرَاهِيْم بنِ مُحَمَّدٍ الإِفْليلِي (1) ، وَيُوْنُس بن عَبْدِ اللهِ بن مُغِيْث، وَمَكِّي بن أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيّ، وَأَبِي عَمْرٍو السَّفَاقِسِي، وَجَمَاعَة.
رَوَى عَنْهُ:أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ الحَاج، وَابْنُهُ الحَافِظُ أَبُو الحَسَنِ سِرَاج، وَطَائِفَة.
قَالَ ابْنُ سُكَّرَة:هُوَ أَكْثَرُ مِنْ لَقِيْتُهُ عِلْماً بِالآدَاب، وَمَعَانِي القُرْآن وَالحَدِيْث.
وَقَالَ القَاضِي عِيَاض:الوَزِيْرُ أَبُو مَرْوَانَ الحَافِظُ اللُّغَوِيّ النَّحْوِيّ، إِمَامُ الأَنْدَلُس فِي وَقتِهِ فِي فَنِّه، وَأَذْكَرهُم لِلِسَان الْعَرَب، وَأَوثَقَهُم عَلَى النَّقل، وَكَانَ أَبُوْهُ أَبُو القَاسِمِ مِنْ أَفْضَلِ العُلَمَاء...، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَأَخْبَرَنِي أَبُو الحُسَيْنِ الحَافِظُ، أَن مَكِّيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ بَعْضَ تَوَالِيْفِهِ، وَيَأْخُذُ رَأْيه
__________
(*) قلائد العقيان: 190، الذخيرة: ق 1 م 2 / 808 - 812، ترتيب المدارك: 4 / 816 في ترجمة سراج بن عبد الله، الصلة: 2 / 363 - 365، الخريدة: 2 / 374، بغية الملتمس: 367 - 368، إنباه الرواة: 2 / 207 - 208، المغرب في حلي المغرب: 1 / 115 - 116، العبر: 3 / 325، تلخيص ابن مكتوم: 119، عيون التواريخ: 13 / لوحة 56 - 57، الديباج المذهب: 2 / 17، بغية الوعاة: 2 / 110، شذرات
الذهب: 3 / 392 - 393، شجرة النور الزكية: 1 / 122.
(1) انظر " وفيات الأعيان ": 1 / 51.

(19/133)


فِيْهَا، وَإِلَيه كَانَتِ الرِّحْلَةُ.
قَالَ أَبُو الحَسَنِ بنُ مُغِيْثٍ:كَانَ شَيخُنَا أَبُو مَرْوَانَ بَحْرَ عِلمٍ، عِنْدَهُ يَسقُطُ حِفْظُ الحُفَّاظِ، وَدُوْنَهُ يَكُوْنُ عِلمُ العُلَمَاء، فَاقَ النَّاسَ فِي وَقتِهِ، وَكَانَ بَقِيَّةَ الأَشْرَافِ وَالأَعيَانِ (1) .
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ:مُتِّعَ بِجَوَارِحِهِ عَلَى اعتِلاَءِ سِنِّه، وَكَانَ مُتَوَقِّدَ الذِّهن، سَرِيعَ الخَاطِر، تُوُفِّيَ يَوْم عَرَفَةَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ - رَحِمَهُ اللهُ - .

71 - الوَقَّشِيُّ أَبُو الوَلِيْدِ هِشَامُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَالِدِ بنِ سَعِيْدٍ *
العَلاَّمَةُ، البَحْرُ، ذُو الفنُوْنِ، أَبُو الوَلِيْدِ هِشَامُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَالِدِ بنِ سَعِيْدٍ
__________
(1) وقال في الريحانة: برع في علم اللسان، وارتقى في ذروته، واعتلى درجته، وعكف على كتاب سيبويه ثمانية عشر عاما لا يعرف سواه، ثم درس الجمهرة فاستظهرها واستدرك الاوهام على المؤلفين، وطال عمره مع البحث والتنقير، وكان يقول: طريحتي في كل يوم سبعون ورقة.
وفي الذخيرة لان بسام: 1 / 2 / 811: وأحيا كثيرا من الدواوين الشهيرة الخطيرة التي أحالتها الرواة الذين لم تكمل لهم الاداة، ولا استجمعت لديهم تلك المعارف والآلات، واستدرك فيها أشياء من سقط واضعيها، ووهم مؤلفيها ككتاب البارع لأبي علي البغدادي، وشرح غريب الحديث للخطابي، وقاسم بن ثابت السرقسطي، وكتاب أبيات المعاني للقتبي، وكتاب النبات لأبي حنيفة، وكتاب الأمثال للاصبهاني، وغير ذلك من كتب الحديث وتفسير القرآن مما لم يحضرني ذكره، ولم يمكن حصره...وقال في المغرب: 1 / 115: أديب فاضل، شاعر، عالم باللغة، وهو من ذرية سراج بن قرة الكلابي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الحافظ في " الإصابة ": 2 / 17، في ترجمة سراج: جاهلي معروف، زعم أبو الحسين بن سراج الأندلسي شيخ عياض أنه جده، وأنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يقول إنه ابن قرة - بضم القاف والراء، والمعروف في الشاعر أنه ابن قوة، وقال عياض: لم أر أحدا تابع شيخنا على أن للسراج وفادة...وقد ذكر المرزباني في " معجم الشعراء " سراج بن قوة العامري أحد بني الصموت بن عبد الله بن كلاب، وقال: إنه جاهلي، وأنشد له شعرا قال في يوم من أيام الجاهلية.
(*) الصلة: 2 / 653 - 654، معجم البلدان: 5 / 223، معجم الأدباء: 19 / 286 - =

(19/134)


الكِنَانِيّ، الأَنْدَلُسِيّ، الطُّلَيْطُلِي.
عُرِفَ بِالوَقَّشِي، وَوقَّشُ:قَرْيَةٌ عَلَى بَرِيْدٍ مِنْ طُلَيْطُلَةَ.
مَوْلِده:سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
أَخَذَ عَنِ:الحَافِظ أَبِي عُمَرَ الطَّلَمَنْكِي، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ عَيَّاشٍ الخَطِيْبِ، وَأَبِي عَمْرٍو السَّفَاقِسِي، وَأَبِي عُمَرَ بنِ الحَذَّاءِ، وَجَمَاعَةٍ.
قَالَ صَاعِد:أَبُو الوَلِيْدِ أَحَدُ رِجَالِ الكَمَالِ فِي وَقته بِاحتوَائِهِ عَلَى فُنُوْنِ المَعَارِفِ، مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَمَعَانِي الشِّعرِ وَالبَلاغَةِ، بَلِيغٌ شَاعِرٌ، حَافظٌ لِلسُّنَنِ وَأَسْمَاءِ الرِّجَالِ، بَصِيْرٌ بِالاعتقَادَاتِ وَأُصُوْلِ الفِقْه، وَاقِفٌ عَلَى كَثِيْرٍ مِنْ فَتَاوَى الأَئِمَّةِ، نَافذٌ فِي الفَرَائِضِ وَالحِسَابِ وَالشُّروط وَفِي الهَنْدسَةِ، مُشرِفٌ عَلَى جَمِيْعِ آرَاءِ الحُكَمَاءِ (1) ، ثَاقِبُ الذِّهنِ، مَعَ حُسنِ المُعَاشرَة، وَلِينِ الكَنَفِ، وَصِدْقِ اللَّهْجَة.
وَقَالَ ابْنُ بَشْكُوَالَ:أَخْبَرَنَا عَنْهُ أَبُو بَحْرٍ الأَسَدِيُّ، وَكَانَ مُخْتَصّاً بِهِ، وَكَانَ يُعَظِّمه، وَيُقَدِّمه، وَيَصِفُه بِالاستِبْحَار فِي العُلُوْم، وَقَدْ نُسِبَتْ إِلَيْهِ أَشيَاءُ - فَاللهُ أَعْلَم (2) - .
وَقَالَ عِيَاضٌ:كَانَ غَايَةً فِي الضَّبْطِ، نَسَّابَةً، لَهُ تَنبِيهَاتٌ وَرُدُودٌ، نَبَّهَ
__________
= 287، المطرب: 223، بغية الوعاة: 2 / 327 - 328، نفح الطيب: 3 / 376 - 377، و4 / 137، 138، 162، 163.
(1) في الصلة: 2 / 653: وكان شيخنا أبو علي الريوالي يقول:
والله ما أقول فيه إلا كما قال الشاعر: وكان من العلوم بحيث يقضى * له في كل علم بالجميع.
(2) في الصلة: وقد نسبت إليه أشياء والله أعلم بحقيقتها، وسائله عنها ومجازيه بها.

(19/135)


عَلَى كِتَابِ أَبِي نَصْرٍ الكَلاَباذِيِّ، وَعَلَى(مُؤتلِفِ)الدَّارَقُطْنِيّ، وَعَلَى(الكُنَى)لِمُسْلِمٍ، وَلَكِنَّهُ اتُّهِم بِالاعتزَالِ، وَأَلَّف فِي القَدَرِ وَالقُرْآنِ، فَزَهِدُوا فِيْهِ (1) .
تُوُفِّيَ:سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ.

72 - الفَقِيْهُ نَصْرٌ أَبُو الفَتْحِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ نَصْرٍ النَّابُلُسِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، القُدْوَةُ، المُحَدِّثُ، مُفِيدُ الشَّام، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ نَصْر بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ دَاوُدَ النَّابُلُسِيُّ، المَقْدِسِيُّ، الفَقِيْه، الشَّافِعِيّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ وَالأَمَالِي.
وُلِدَ:قَبْل سَنَةِ عَشْرٍ وَأَرْبَعِ مائَة، وَارْتَحَلَ إِلَى دِمَشْقَ قَبْل الثَّلاَثِيْنَ، فَسَمِعَ(صَحِيْحَ البُخَارِيِّ)مِنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ السِّمْسَار، صَاحِب الفَقِيْه أَبِي زَيد المَرْوَزِيّ، وَسَمِعَ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن الطُّبَيْزِ (2) ، وَأَبِي الحَسَنِ مُحَمَّد
__________
(1) في معجم البلدان: 5 / 381 نقلا عن عياض: وظهر له تأليف في القدر والقرآن وغير ذلك من أقاويلهم، وزهد فيه الناس، وترك الحديث عنه جماعة من كبار مشايخ الأندلس، وكان أبو بكر بن سفيان بن العاصم قد أخذ عنه، وكان ينفي عنه الرأي الذي زن به، والكتاب الذي نسب إليه، وقد ظهر الكتاب، وأخبر الثقة أنه رآه عليه سماع ثقة من أصحابه وخطه عليه.
(*) تاريخ ابن عساكر م 17 / 269، تبيين كذب المفتري: 286 - 287، معجم ابن الابار: 199، تهذيب الأسماء: 2 / 125 - 126، دول الإسلام: 2 / 19، العبر: 3 / 329، عيون التواريخ: 13 / الورقة: 78 - 79، مرآة الجنان: 3 / 152، طبقات السبكي: 5 / 351 - 353، طبقات الاسنوي: 2 / 389 - 390، النجوم الزاهرة: 5 / 160، الانس الجليل: 264، طبقات ابن هداية الله: 181، الزيارات: م: 14 / أ، كشف الظنون: 58، 98، شذرات الذهب: 3 / 395 - 396، هدية العارفين: 2 / 490، إيضاح المكنون: 1 / 129، منتخبات التواريخ لدمشق: 469.
(2) هو الشيخ المعمر المسند أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أحمد الحلبي السراج المشهور بابن الطبيز المتوفي سنة 431 ه وقد تقدمت ترجمته في الجزء السابع عشر، =

(19/136)


بنِ عَوْفٍ المُزَنِيّ، وَابْن سُلْوَان المَازِنِيّ، وَطَبَقَتِهِم، وَسَمِعَ مِنْ هِبَة اللهِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِ.
وَبصُوْر مِنَ:الفَقِيْهِ سُلَيمٍ الرَّازِيِّ.
وَبغزَةَ مِنْ:مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ المِيمَاسِي، سَمِعَ مِنْهُ(المُوَطَّأ).
وَبَالقُدْس مِنْ:أَبِي القَاسِمِ عُمَرَ بنِ أَحْمَدَ الوَاسِطِيّ، وَأَبِي العَزَائِم مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الغَرَّاءِ البَصْرِيِّ، وَأَبِي الفَرَجِ عُبيدِ الله بنِ مُحَمَّدٍ المَرَاغِيِّ النَّحْوِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ البَشْنَوِيِّ الصُّوْفِيِّ، وَعِدَّةٍ.
وَبِمَيَّافَارِقِينَ مِنْ:أَبِي الطَّيِّبِ سَلاَمَة بن إِسْحَاقَ الآمِدِيّ، وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ أَبِي عَلِيٍّ الأَهْوَازِيّ المُقْرِئ، وَمِنْ عَبْدِ الوَهَّابِ بن الحَسَنِ بنِ بَرْهَان الغَزَّالِ، لقِيه بِصُوْر.
وَأَجَازَ لَهُ مِنْ مَكَّةَ:أَبُو ذَرٍّ عَبْدُ بن أَحْمَدَ الهَرَوِيّ.
وَمِنْ بَغْدَاد:القَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ.
وَمِنْ صَيْدَا:الحَسَنُ بن مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بن جُمَيْعٍ، وَطَائِفَة.
وَصَنَّفَ كِتَاب(الحُجَّةِ عَلَى تَاركِ المَحَجَّةِ (1))، وَأَملَى مَجَالِسَ
__________
= رقم (321)، وانظر " مشتبه المؤلف " 2 / 418، وتوضيح المشتبه لابن ناصر الدين الدمشقي 2 / 122.
(1) وهو كتاب يتضمن ذكر أصول الدين على قواعد أهل الحديث والسنة، وعن هذا الكتاب نقل الامام النووي في " الأربعين " حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا: " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به "، وقال: رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح، وتعقبه الحافظ ابن رجب الحنبلي في " جامع العلوم والحكم ": 364، فقال: تصحيح هذا الحديث بعيد جدا من وجوه.
منها: أنه حديث ينفرد به نعيم بن حماد المروزي، ونعيم هذا وإن كان وثقه جماعة من الأئمة، وخرج له البخاري، فإن أئمة الحديث كانوا يحسنون به الظن لصلابته في السنة، وتشدده في الرد على أهل الاهواء، وكانوا ينسبونه إلى أنه يتهم، ويشبه عليه في بعض الأحاديث، فلما كثر عثورهم على مناكيره حكموا عليه بالضعف...ومنها: أنه قد اختلف على نعيم في إسناده، فروي عنه عن الثقفي، عن هشام، وروي عنه عن الثقفي، حدثنا بعض مشيختنا، حدثنا هشام أو غيره، وعلى هذه الرواية يكون الشيخ الثقفي غير معروف عنه، وروي عن الثقفي حدثنا بعض مشيختنا، حدثنا هشام =

(19/137)


خَمْسَةً، وَبَرَعَ فِي المَذْهَبِ.
تَفقَّه عَلَى الدَّارِمِيّ، وَعَلَى الفَقِيْه سُلَيمٍ وَغَيْرِهِمَا، وَاسْتَوْطَنَ بَيْتَ المَقْدِسِ مُدَّةً طَوِيْلَة، ثُمَّ تَحَوَّل فِي أَوَاخِرِ عُمُره، وَسَكَنَ دِمَشْق عَشر سِنِيْنَ، وَتَخَرَّج بِهِ الأَصْحَابُ.
حَدَّثَ عَنْهُ:الخَطِيْب - وَهُوَ مِنْ شُيُوْخِهِ - وَمكِّي الرُّمَيْلِي (1) ، وَمُحَمَّدُ بن طَاهِر، وَأَبُو القَاسِمِ النَّسيب، وَجَمَال الإِسْلاَمِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، وَالقَاضِي المُنْتَجَبُ (2) يَحْيَى بن عَلِيٍّ القُرَشِيُّ، وَأَبُو الفَتْحِ نَصْرُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ المَصِّيْصِيُّ، وَعَلِيُّ بن أَحْمَدَ بنِ مُقَاتِل، وَحَسَّانُ بنُ تَمِيم، وَمَعَالِي بن الحُبوبِي، وَأَبُو يَعْلَى حَمْزَةُ بنُ الحُبوبِي، وَحَمْزَةُ بنُ أَحْمَدَ بنِ كَرَوَّس، وَالقَاضِي أَبُو بَكْرٍ بنُ العَرَبِيِّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
__________
= أو غيره، فعلى هذه الرواية، فالثقفي رواه عن شيخ مجهول، وشيخه رواه عن غير معين، فتزداد الجهالة في إسناده.
ومنها: أن في إسناده عقبة بن أوس السدوسي البصري، ويقال فيه: يعقوب بن أوس أيضا، وقد خرج له أبو داوود والنسائي وابن ماجة حديثا عن عبد الله بن عمرو، ويقال: عبد الله بن عمر، وقد اضطرب في إسناده، وقد وثقه العجلي، وابن سعد، وابن حبان، وقال ابن خزيمة: روى عنه ابن سيرين مع جلالته، وقال ابن عبد البر: هو مجهول، وقال الغلابي في تاريخه: يزعمون أنه لم يسمع من عبد الله بن عمرو، وإنما يقول: قال عبد الله ابن عمرو، فعلى هذا تكون رواياته عن عبد الله بن عمرو منقطعة.
(1) بضم الراء وفتح الميم نسبة إلى الرميلة، وهي من قرى الأرض المقدسة وهي غير الرملة، ومكي هذا أسره الصليبيون حين أخذوا بيت المقدس، وطلبوا في فدائه ذهبا كثيرا، فلم يفد، فقتلوه بالحجارة سنة 492 ه، وسترد ترجمته برقم (99) في هذا الجزء.
(2) بالجيم المعجمة على صيغة المفعول: وهو المختار من كل شيء، وقد انتجب فلان فلانا: إذا استخلصه، واصطفاه اختيارا على غيره، وهو الشيخ الامام الفقيه يحيى بن علي بن عبد العزيز القرشي الدمشقي الشافعي المعروف بابن الصائغ، المتوفى سنة 534، وسترد ترجمته عند المصنف في الجزء العشرين رقم الترجمة (39).

(19/138)


وَلَحِقَهُ أَبُو حَامِدٍ الغزَالِي، وَتَفَقَّهَ بِهِ، وَنَاظره، وَكَانَ يُشغل فِي جَامِع دِمَشْق فِي الزَّاويَة الغَربيَّةِ المُلَقَّبَةِ بِالغَزَالِيَّةِ (1) .
قَالَ الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ:قَدِمَ دِمَشْقَ سَنَة ثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فَأَقَامَ بِهَا يُدَرِّسُ المَذْهَب إِلَى أَنْ مَاتَ، وَيَرْوِي الحَدِيْث، وَكَانَ فَقِيْهاً، إِمَاماً، زَاهِداً، عَامِلاً، لَمْ يَقْبَلْ صِلَةً مِنْ أَحَد بِدِمَشْقَ، بَلْ كَانَ يَقتَاتُ مِنْ غَلَّةٍ تُحْمَلُ إِلَيْهِ مِنْ أَرْضِ نَابُلُس، فَيَخْبِزُ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ قُرْصَة فِي جَانب الكَانُوْنِ (2) .
حَكَى لَنَا نَاصر النَّجَّار - وَكَانَ يَخدمه - مِنْ زُهْده وَتَقَلُّلِه وَتَركه الشَّهوَات أَشيَاءَ عجيبَة.
قَالَ غَيْثُ بنُ عَلِيٍّ الأَرْمَنَازِيّ:سَمِعْتُ الفَقِيْه نصراً يَقُوْلُ:
دَرَسْتُ عَلَى الفَقِيْه سُلَيم الرَّازِيّ مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ إِلَى سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ، مَا فَاتَنِي مِنْهَا درسٌ، وَلاَ وَجِعْتُ إِلاَّ يَوْماً وَاحِداً، وَعُوفِيت، وَسَأَلتُهُ فِي كَمِ التَّعليقَة الَّتِي صنَّفهَا؟
قَالَ:فِي نَحْوِ ثَلاَثِ مائَةِ جُزء، مَا كَتَبتُ مِنْهَا حرفاً إِلاَّ وَأَنَا عَلَى وُضوء - أَوْ كَمَا قَالَ - .
قَالَ:وَسَمِعْتُ مَنْ يَحكِي أَنَّ الملكَ تَاجَ الدَّوْلَة تُتُش بن أَلب آرسلاَن زَار الفَقِيْهَ نصراً يَوْماً، فَلَمْ يَقُمْ لَهُ، وَلاَ الْتَفَتَ إِلَيْهِ، وَكَذَا ابْنُه الْملك دُقَاق، فَسَأَلَهُ عَنْ أَحَلِّ الأَمْوَال الَّتِي يَتصرَّفُ فِيْهَا السُّلْطَان، قَالَ:أَحلُّهَا أَمْوَالُ الجِزْيَة، فَقَامَ مِنْ عِنْدِهِ، وَأَرْسَل إِلَيْهِ بِمَبْلَغ، وَقَالَ:هَذَا مِنَ الجِزْيَة، فَفَرِّقْهُ عَلَى الأَصْحَاب.
فَلَمْ يَقبلْه، وَقَالَ:لاَ حَاجَةَ بِنَا إِلَيْهِ، فَلَمَّا ذهب الرَّسُولُ،
__________
(1) ويقال لها: المدرسة الغزالية. انظر التعريف بها في " الدارس ": 1 / 97 و557، و2 / 103.
(2) " عيون التواريخ ": 13 / 78.

(19/139)


لاَمه الفَقِيْهُ نَصْر المِصِّيْصِيّ، وَقَالَ:قَدْ عَلِمْتَ حَاجتنَا إِلَيْهِ.
فَقَالَ:لاَ تَجْزَعْ مِنْ فَوَاته، فَسَوْفَ يَأْتيك مِنَ الدُّنْيَا مَا يَكفِيك فِيمَا بَعْدُ، فَكَانَ كَمَا تَفرَّسَ فِيْهِ (1) .
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ:كَانَ - رَحِمَهُ اللهُ - عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَة مِنَ الزُّهْد وَالتَّنَزُّهِ عَنِ الدُّنْيَا وَالتقشُّف، حَكَى لِي بَعْضُ أَهْل العِلْمِ، قَالَ:
صَحِبتُ إِمَام الحَرَمَيْنِ بِخُرَاسَانَ، وَالشَّيْخَ أَبَا إِسْحَاقَ بِبَغْدَادَ، فَكَانَ طرِيقُهُ عِنْدِي أَفْضَلَ مِنْ طرِيقَةِ إِمَامِ الحَرَمَيْنِ، ثُمَّ قَدِمْتُ الشَّام، فَرَأَيْتُ الفَقِيْه أَبَا الفَتْح، فَكَانَتْ طرِيقَتُه أَحْسَنَ مِنْ طَرِيقَتَيْهمَا (2) .
قُلْتُ:كَانَ الفَقِيْهُ نَصْرٌ يُعرف أَيْضاً بِابْنِ أَبِي حَائِط، أَلَّفَ كِتَاب(الانتخَابِ الدِّمَشْقِيِّ)فِي بَضْعَةَ عَشرَ مُجلَّداً، وَلَهُ كِتَاب(التَّهْذِيب)فِي المَذْهَب، فِي عَشْرَة أَسفَار، وَلَهُ كِتَاب(الكَافِي)فِي المَذْهَب، مُجلَّد، مَا فِيْهِ أَقْوَال وَلاَ وُجُوه.
وَعَاشَ نَيِّفاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً - رَحِمَهُ اللهُ - وَدُفِنَ بِمَقْبَرَة بَاب الصَّغِيْر.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ:تُوُفِّيَ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قُلْتُ:فِي مَجَالِسه غَلطَاتٌ، وَأَحَادِيْثُ وَاهيَة.
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي المَحَاسِن مُحَمَّدِ بن هَاشِمِ بنِ عَبد القَاهِر بن عَقِيْل العَبَّاسِيّ بِبُسْتَانه، أَخْبَرَنَا الفَضْلُ بنُ عَقِيْلِ بن عُثْمَانَ العَبَّاسِيّ المُعَدَّل فِي سَنَةِ
__________
(1) " تبيين كذب المفتري ": 286، و" طبقات السبكي ": 5 / 252 - 253.
(2) " تبيين كذب المفتري ": 287، " تهذيب الأسماء واللغات ": 2 / 125، و" طبقات السبكي ": 5 / 253.

(19/140)


خَمْس وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو النَّدَى حَسَّانُ بنُ تَمِيم الزَّيَّات سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ نَصْر بن إِبْرَاهِيْمَ الفَقِيْه، أَخْبَرَنَا سُلَيْم بن أَيُّوْبَ، أَخْبَرَنَا القَاضِي مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ القَاسِمِ المَحَامِلِيّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ عَامِرِ بنِ رَبِيْعَةَ، عَنْ حَارِثَةَ بنِ النُّعْمَانِ، قَالَ:
مَرَرْتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ جِبْرِيْل جَالِس بِالمقَاعِد، فَسَلَّمت عَلَيْهِ، وَاجتَزتُ، فَلَمَّا رَجَعتُ، وَانْصَرَفَ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِي:(هَلْ رَأَيْتَ الَّذِي كَانَ مَعِي؟)
قُلْتُ:نَعم.
قَالَ:(فَإِنَّهُ جِبْرِيْلُ، وَقَدْ رَدَّ عَلَيْكَ السَّلاَمَ (1)).
أَخْبَرَنَا عبدُ الحَافِظ بن بَدْرَانَ بِنَابُلُسَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الخَضِر، أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بن أَحْمَدَ بنِ فَارِسٍ، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الزَّاهِد، حَدَّثَنَا عَبدوس بن عُمَرَ التِّنِّيْسِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ الفَرْغَانِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ الصُّوْفِيّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ المُقْرِئ، سَمِعْتُ يُوْسُفَ بنَ الحُسَيْنِ، سَمِعْتُ ذَا النُّوْنِ يَقُوْلُ:
كَانَ العُلَمَاء يَتَوَاعِظون بِثَلاَثٍ، وَيَكْتُب بَعْضُهُم إِلَى بَعْضٍ:مَنْ أَحْسَنَ سَرِيْرَتَهُ، أَحْسَنَ اللهُ علاَنِيَتَهُ، وَمَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الله، أَصْلَحَ اللهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْ أَصلح أَمر آخرتِهِ، أَصْلَحَ اللهُ أَمر دُنْيَاهُ.
__________
(1) إسناده صحيح كما قال الحافظ في " الإصابة ": 1 / 299 عبد الله بن عامر بن ربيعة اتفق الشيخان على إخراج حديثه، وقد ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولابيه صحبة مشهورة، وهو في " المسند ": 5 / 433 من طريق عبد الرزاق، عن معمر به، وحارثة بن النعمان هذا رآه النبي صلى الله عليه وسلم في المنام في الجنة يقرأ القرآن، ففي مصنف عبد الرزاق (20119) ومن طريقه أحمد: 6 / 151، و166 عن معمر، عن الزهري، عن عمرة، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نمت، فرأيتني في الجنة، فسمعت صوت قارئ يقرأ، فقلت: من هذا ؟ فقالوا: حارثة بن النعمان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كذلك البر " وكان أبر الناس بأمه. وإسناده صحيح، وصححه الحاكم: 3 / 208، ووافقه الذهبي.

(19/141)


حكَى الفَقِيْه نَصْرٌ (1) عَنْ شَيْخه نَصْرٍ أَنَّهُ قَبْل مَوْتِه بِلحظَة سَمِعَهُ وَهُوَ يَقُوْلُ:يَا سَيِّدي أَمهلُونِي، أَنَا مَأْمُوْر وَأَنْتُم مَأْمورُوْنَ، ثُمَّ سَمِعْتُ المُؤَذِّن بِالعصر، فَقُلْتُ:يَا سَيِّدي المُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ.
فَقَالَ:أَجْلِسنِي، فَأَجلستُهُ، فَأَحرم بِالصَّلاَة، وَوَضَعَ يَده عَلَى الأُخْرَى وَصَلَّى، ثُمَّ تُوُفِّيَ مِنْ سَاعتِهِ - رَحِمَهُ اللهُ - .
أَرَّخَ ابْنُ عَسَاكِرَ وَفَاةَ الفَقِيْه نَصْرٍ فِي يَوْم عَاشُورَاء، سَنَة تِسْعِيْنَ (2) ، فَقَالَ مَنْ شَيَّعه:لَمْ يُمكنَّا دَفنُه إِلَى قَرِيْب المَغْرِب، لأَنْ الخلقَ حَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، وَلَمْ نَر جِنَازَة مِثْلهَا، وَأَقمنَا عَلَى قَبْرِهِ سَبْعَ لَيَالٍ (3) .
قُلْتُ:وَفِيْهَا مَاتَ:
شَيْخُ المَالِكِيَّة أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بنُِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ العَبْدِيُّ البَصْرِيُّ ابْن الصَّوَّاف (4) عَنْ تِسْعِيْنَ سَنَةً، وَلَهُ تَصَانِيْفُ جَمَّة.
وَمُسْنِدُ أَصْبَهَان أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدٍ السِّمْسَار (5) ، خَاتمَة مَنْ رَوَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الجُرْجَانِيّ.
وَشيخُ هَمَذَان أَبُو الفَتْحِ عَبدوسُ (6) بنُ عَبْدِ اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ عَبدوس عَنْ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
وَشيخُ القُرَّاءِ بِبَغْدَادَ أَبُو القَاسِمِ يَحْيَى بن أَحْمَدَ السِّيبِي (7) ، تَلاَ عَلَى الحَمَّامِي، وَعُمِّر مائَةً وَسنتين.
__________
(1) يعني نصر الله المصيصي.
(2) أي: وأربع مئة.
(3) انظر " تبيين كذب المفتري ": 287.
(4) ستأتي ترجمته في هذا الجزء برقم (83).
(5) تقدمت ترجمته في هذا الجزء برقم (20).
(6) تقدمت ترجمته في هذا الجزء برقم (54).
(7) تقدمت ترجمته في هذا الجزء برقم (55).

(19/142)


حكَى الفَقِيْهُ نَصْرُ اللهِ المَصِّيْصِيّ، عَنِ الفَقِيْه نَصْر، قَالَ:
أَدْرَكْتُ القُضَاعِيَّ، وَلَوْ أَردتُ أَنْ أَسْمَع مِنْهُ لَفعلتُ، وَلَكِنِّي تَوَرَّعتُ لأَجْلِ أَنَّهُ كَانَ يَترسَّل لِلمصرِيِّين، ثُمَّ احتجتُ فِي التَّخرِيجِ، فَرويتُ عَنْهُ بِالإِجَازَةِ.
قَالَ نَصْرُ اللهِ:أَوّل مَا تَفَقَّهَ الفَقِيْه نَصْر بِالقُدْس، ثُمَّ سَارَ إِلَى ديَار بكر، وَرَأَى الكَازَرُوْنِي، ثُمَّ لقِي سُليماً...، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَكَانَ أَبُوْهُ فَامِيّاً (1) ، وَكَانَ الفَقِيْهُ رَبْعَةً، إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ غَيْرُ اللَّحْم وَالعَظْم، وَكَانَ فِي القُدْس يَعمل الدَّعوَاتِ لِتلاَمِيذه، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِم شَيْئاً كَثِيْراً مِنْ وَقْفٍ كَانَ عَلَيْهِم.

73 - النَّسَفِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عَلِيٍّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُحَدِّثُ، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عَلِيِّ بن مُوْسَى بن إِسْرَافِيل النَّسَفِي، وَلَدُ مُفْتِي نَسَفَ القَاضِي أَبِي الفوَارس.
وُلِدَ:سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَسَمِعَ الكَثِيْر مِنَ:الحَافِظ جَعْفَر بن مُحَمَّدٍ المُسْتَغْفِرِي، وَلاَزَمه، وَمِنْ أَبِي نُعَيْمٍ حُسَيْن بن مُحَمَّد صَاحِب خلف الخيَّام، وَمِنْ مُعتمد بن مُحَمَّدٍ المَكْحُوْلِيّ، وَعَدَدٍ كَثِيْر لاَ أَعْرِفُهُم، وَرَوَى الكَثِيْر بِبُخَارَى وَسَمَرْقَنْد.
حَدَّثَ عَنْهُ:المُحَدِّث عُثْمَانُ بنُ عَلِيٍّ البِيْكَنْدِيّ، وَأَبُو ثَابِتٍ الحُسَيْن بن عَلِيٍّ البَزْدوِي، وَأَبُو المَعَالِي مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ، وَآخَرُوْنَ.
لحق السَّمْعَانِيُّ وَابْنُهُ عَبْدُ الرَّحِيْمِ أَصْحَابَه.
__________
(1) وهو الذي يبيع الحبوب اليابسة والفواكه المجففة، ويقال له: البقال.
(*) شذرات الذهب: 3 / 381.

(19/143)


تُوُفِّيَ:بِنَسَفَ، فِي الثَّانِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَة، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.

74 - الكَرَجِيُّ أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الحُجَّةُ، أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ بنِ خُدَادَادَ الكَرَجِيُّ، البَاقِلاَّنِيُّ، البَغْدَادِيُّ.
وُلِدَ:سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَسَمِعَ مِنْ:أَبِي عَلِيٍّ بنِ شَاذَانَ كِتَابَ(السُّنَن)لِسَعِيْدِ بنِ مَنْصُوْرٍ، وَسَمِعَ مِنَ البَرْقَانِيّ، وَعَبْدِ الْملك بن بِشْرَان، وَجَمَاعَة كُتباً مُطَوَّلَة يَنْفَرِدُ بِهَا، وَهُوَ ابْنُ خَالِ الحَافِظ أَبِي الفَضْلِ بنِ خَيْرُوْنَ، وَرفِيقُه فِي الطَّلَب.
رَوَى عَنْهُ:أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِي، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَابْنُ نَاصر، وَآخَرُوْنَ، وَأَجَازَ لِلسِّلَفِي.
قَالَ السَّمْعَانِيّ:كَانَ شَيْخاً عَفِيْفاً زَاهِداً مُنْقَطِعاً إِلَى اللهِ، ثِقَةً فَهماً، لاَ يَظهر إِلاَّ يَوْمَ الجُمُعَةِ.
سَمِعْتُ عَبْدَ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ يَقُوْلُ:كَانَ أَبُو طَاهِرٍ البَاقِلاَّنِيّ أَكْثَرَ مَعْرِفَةً مِنْ أَبِي الفَضْلِ بنِ خَيْرُوْنَ، وَكَانَ زَاهِداً، حسنَ الطَّرِيقَة، مَا حَدَّثَ فِي الجَامِع، وَكَانَ يَقُوْلُ لَنَا:أَنَا بِحُكْمِكُم إِلاَّ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَإِنَّهُ لِلْتَبْكِيرِ (1) وَالتِّلاَوَة، وَكتبُوا أَسْمَاءَ شُيُوْخ بَغْدَاد لِنظَام المُلْكِ،
__________
(*) المنتظم: 9 / 98، العبر: 3 / 324، تذكرة الحفاظ: 4 / 1227، الوافي بالوفيات: 6 / 306، عيون التواريخ: 13 / اللوحة: 56، شذرات الذهب: 3 / 392.
وقد تصحف في معظم المصادر إلى الكرخي بالخاء المعجمة.
(1) أي: لصلاة الجمعة، لحديث أوس بن أوس الثقفي مرفوعا: " من غسل يوم الجمعة واغتسل، ثم بكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الامام فاستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها ".
أخرجه أبو داوود (345)، وأحمد: 4 / 104، =

(19/144)


وَأَلَحُّوا عَلَى أَبِي طَاهِر، فَمَا أَجَابَ إِلَى المَجِيْء إِلَيْهِ (1) .
تُوُفِّيَ:فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَة تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.

75 - ابْنُ أَيُّوْبَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ الثِّقَةُ، المَأْمُوْنُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَيُّوْبَ البَغْدَادِيّ، المَرَاتِبِيّ (2) ، البَزَّاز.
سَمِعَ:أَبَا القَاسِمِ الحُرْفِي، وَأَبَا عَلِيٍّ بنَ شَاذَانَ، وَعبدَ الغفَّار المُؤَدِّب.
حَدَّثَ عَنْهُ:إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ نَاصر، وَأَبُو الفَتْحِ بنُ البَطِّي، وَشُهْدَةُ الكَاتِبَةُ، وَخطيبُ المَوْصِل، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ:كَانَ مِنْ خيَار البَغْدَادِيِّيْنَ، وَمُتَمَيِّزِيهِم، وَمِنْ
__________
= والترمذي (496)، والنسائي: 3 / 97، وابن ماجة (1087)، وإسناده صحيح.
ولحديث أبي هريرة مرفوعا: " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الامام، حضرت الملائكة يستمعون الذكر " أخرجه مالك: 1 / 101، ومن طريقه البخاري: 2 / 304 - 305، ومسلم: (850).
(1) المنتظم: 9 / 98، وفيه قال: أبو الفضل بن خيرون قرابتي، وما أنفرد أنا بشيء عنه، ما سمعته قد سمعه، وهو في خزانة الخليفة فما يمتنع عليكم، فأما أنا فلا أحضر.
(*) المنتظم: 9 / 111، العبر: 3 / 334، عيون التواريخ: 13 / 91، شذرات الذهب: 3 / 398.
(2) نسبة إلى باب المراتب أحد أبواب الخلافة ببغداد، قال ياقوت: كان من أجل أبوابها وأشرفها، وكان حاجبه عظيم القدر، ونافذ الامر، فأما الآن فهو في طرف من البلد بعيد كالمهجور لم يبق فيه إلا دور قوم من أهل البيوتات القديمة.

(19/145)


بَيْت الصَّوْنِ وَالعَفَافِ وَالثِّقَةِ وَالنَّزَاهَة.
وُلِدَ:سَنَةَ عَشْرٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَمَاتَ:يَوْمَ عَرفَةَ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قَالَ السِّلَفِيّ:سَأَلتُ شُجَاعاً عَنْهُ، فَقَالَ:كَانَ صَحِيْح السَّمَاعِ، ثِقَةً فِي رِوَايَته، سَمِعْتُ مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ سُكَّرَة:شَيْخٌ مِنَ التُّجَّار نبيلٌ بَزَّازٌ مَسْتُور.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ العَربِي:هُوَ ثِقَةٌ عدلٌ، وَأَصله مِنَ المَوْصِل.
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي:سَأَلتُهُ عَنْ مَوْلِده، فَقَالَ:الغَالِبُ عَلَى ظَنِّي أَنَّهُ سَنَة إِحْدَى عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ:شَيْخُ القُرَّاءِ أَبُو البَرَكَات بن طَاوُوْس، وَأَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ عبدِ القاَدِرِ بن يُوْسُفَ اليُوسُفِي (1) ، وَمُسْنِدُ بَلْخ أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الخَلِيْلِي (2) ، وَصَاحِبُ غَزْنَة (3) إِبْرَاهِيْمُ بن مَسْعُوْدِ بنِ فَاتِح الهِنْد مَحْمُوْد بن سُبُكْتِكِين، وَشَاعِرُ وَقته أَبُو القَاسِمِ أَسَعْدُ بن عَلِيٍّ الزَّوْزَنِي، وَأَبُو تُرَاب عبد البَاقِي بن يُوْسُفَ المَرَاغِيّ (4) الفَقِيْه، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ الحُسَيْنِ الخِلَعِي (5) ، وَأَبُو أَحْمَدَ فَضلاَن بن عُثْمَانَ القَيْسِيّ بِأَصْبَهَانَ، وَالمُحَدِّثُ مَكِّيُّ بنُ عَبْد السَّلاَمِ الرُّمَيْلِي (6) شهيداً فِي أَخْذِ بَيْت المَقْدِسِ.
__________
(1) ستأتي ترجمته برقم (89).
(2) تقدمت ترجتمته برقم (41).
(3) ستأتي ترجمته برقم (82).
(4) ستأتي ترجمته برقم (93).
(5) تقدمت ترجمته برقم (42).
(6) ستأتي ترجمته برقم (99).

(19/146)


76 - السَّرْخَسيُّ الفَضْلُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ الفَضْلِ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الفَقِيْهُ، المُعَمَّرُ، أَبُو العَبَّاسِ الفَضْلُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ الفَضْلِ السَّرْخَسيُّ، ثُمَّ النَّيْسَابُوْرِيّ، الحَنَفِيُّ، التَّاجِر.
سَمِعَ مِنْ:أَبِي القَاسِمِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدٍ السَّرَّاج، وَابْنِ عَبْدَان، وَأَبِي سَهْل بن حَسْنُويه، وَالقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الحِيْرِيّ، وَصَاعِد بن مُحَمَّدٍ القَاضِي، وَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عبُّويه المَرْوَزِيّ الأَنْبَارِيّ بِمَرْو، وَأَبِي سَهل الكَلابَاذِي بِبُخَارَى.
مَوْلِدُهُ:فِي سَنَةِ أَرْبَعِ مائَةٍ، وَقَدِمَ بَغْدَاد فِي سَنَةِ عشرٍ مَعَ أَبِيْهِ لِلتِّجَارَة.
قَالَ السَّمْعَانِيّ:شَيْخٌ مُسِنٌّ مُعَمِّرٌ، حُسْنُ السِّيْرَةِ، ذُو نِعمَةٍ وَثروَة، حَدَّثَنَا عَنْهُ عَمِّي الحَسَنُ، وَأَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ السِّنْجِيّ، وَأَبُو مُضَرَ الطَّبَرِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بن الفُرَاوِي، وَنَاصرُ بنُ سَلْمَانَ الأَنْصَارِيّ، وَجَمَاعَةٌ كَثِيْرَةٌ.
قَالَ:وَقَرَأْتُ بِخَطِّ إِسْمَاعِيْل بنِ عبد الغَافِر:طَلبُوا مِنَ الفَضْل هَذَا أَلفَيْ دِيْنَارٍ، وَأَخَذوهُ، وَضَربوهُ، وَضَمِنَهُ ابْنُ صَاعِد، وَبَقِيَ أَيَّاماً، وَمَاتَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَمَا وَجدُوا لَهُ شَيْئاً، فَإِنَّ ابْنَه هَرَبَ وَأَصْحَابه، وَكَانَ صُلْباً فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيْفَةَ.
وَفِيْهَا مَاتَ:أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الفُرَاتِ بِدِمَشْقَ (1) ، وَكَانَ
__________
(*) السياق: الورقة: 75 أ، الجواهر المضية: 2 / 694 - 695، الطبقات السنية: رقم: 1704.
(1) تقدمت ترجمته برقم (66).

(19/147)


يَترفَّض، وَالمُفْتِي سَعْدُ بن عَلِيٍّ العِجْلِيّ (1) بهَمَذَان، وَعبدُ الخَالِق بن مُحَمَّدِ بنِ خَلَفٍ المُؤَدِّب ابنُ الأَبْرَصِ (2) - لقِي اللاَّلْكَائِيّ - وَشيخُ الشَّافعيَة أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ المَرْوَزِيّ الزَّاز (3) ، وَالعَلاَّمَةُ أَبُو سَعِيْدٍ عبدُ الوَاحِد بن القُشَيْرِيّ، وَعزِيزِي بنُ عَبْدِ المَلِكِ الجيلِي القَاضِي شَيْذَلَه (4) ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الرَّاذَانِي الحَنْبَلِيّ العَابِدُ، وَأَبُو مَسْعُوْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ السُّوذَرْجَانِي، وَالقَاضِي أَبُو نَصْرٍ بنُ وَدْعَان المَوْصِلِيّ (5) ، وَمَنْصُوْرُ بن بَكْرِ بنِ حِيْد (6) ، وَنَصْرُ بن البَطِرِ مُسْنِد الوَقْت، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ الأَخْرَم المُؤَذِّن (7) .

77 - الجَيَّانِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، الحُجَّةُ، النَّاقِدُ، مُحَدِّث الأَنْدَلُس، أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الغَسَّانِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، الجَيَّانِيُّ (8) ، صَاحِبُ
__________
(1) سترد ترجمته برقم (118) من هذا الجزء.
(2) سترد ترجمته برقم (119) من هذا الجزء.
(3) سترد ترجمته برقم (80) من هذا الجزء.
(4) سترد ترجمته برقم (96) من هذا الجزء.
(5) واسمه محمد بن علي بن ودعان المتوفى سنة 494، وهو متهم بالكذب، وسيترجمه المؤلف برقم (90) من هذا الجزء.
(6) سترد ترجمته برقم (102) من هذا الجزء.
(7) سترد ترجمته برقم (84) من هذا الجزء.
(*) الصلة: 1 / 142 - 144، بغية الملتمس: الضبي: 265، 266، وفيات الأعيان: 2 / 180، العبر: 3 / 351، تذكرة الحفاظ: 4 / 1233، الوافي بالوفيات: (خ) 11 / 105، عيون التواريخ: 13 / 135 - 136، مرآة الجنان: 3 / 46، 161، البداية والنهاية: 12 / 165، الديباج المذهب: 1 / 332 - 333، النجوم الزاهرة: 5 / 192، كشف الظنون: 88، 470، شذرات الذهب: 3 / 408، 409، فهرس الفهارس: 2 / 254، شجرة النور: 1 / 128، أزهار الرياض: 3 / 149.
(8) قال ابن بشكوال: 1 / 143: ويعرف بالجياني، وليس منها إنما نزلها أبوه في الفتنة البربرية حوالي 400 ه، وأصلهم من الزهراء.

(19/148)


كِتَاب(تَقييد المُهْمَل (1)).
مَوْلِدُهُ:فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
حَدَّثَ عَنْ:حَكَمِ بن مُحَمَّدٍ الجُذَامِيّ - وَهُوَ أَعْلَى شَيْخٍ لَهُ - وَحَاتِم بن مُحَمَّدٍ الطَّرَابُلُسِي، وَأَبِي عُمَرَ بن عبد البَرّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ عَتَّاب، وَالمُحَدِّثِ أَبِي عُمَرَ بن الحَذَّاء، وَأَبِي شَاكِرٍ عبد الوَاحِد القَبْرِي (2) ، وَسِرَاجِ بن عَبْدِ اللهِ القَاضِي، وَأَبِي الوَلِيْدِ سُلَيْمَانَ بنِ خَلَفٍ البَاجِي، وَأَبِي العَبَّاسِ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ بنِ دِلْهَاث، وَطَائِفَةٍ سِوَاهُم.
وَلَمْ يَرْحَلْ مِنَ الأَنْدَلُس، وَكَانَ مِنْ جَهَابذَةِ الحُفَّاظ، قَوِيَّ العَرَبِيَّةِ، بارعَ اللُّغَة، مُقَدَّماً فِي الآدَابِ وَالشِّعر وَالنَّسَب.
لَهُ تَصَانِيْفُ كَثِيْرَةٌ فِي هَذِهِ الفُنُوْنِ، نَعَتَه بِهَذَا وَأَكْثَرَ مِنْهُ خَلَفُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الحَافِظ، وَقَالَ:أَخْبَرَنَا عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَوصفُوهُ بِالجَلاَلَةِ، وَالحِفْظِ، وَالنَّباهَةِ، وَالتَّوَاضع، وَالصِّيَانَةِ.
قَالَ أَبُو زَيْد السُّهَيْلِي (3) فِي(الرَّوض الأُنف):حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ طَاهِرٍ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ، أَنَّ أَبَا عُمَر بنَ عَبْدِ البَرّ قَالَ لَهُ:أَمَانَةُ الله فِي
__________
(1) وهو كتاب جيد في بابه، غاية في النفاسة، قيد فيه المهمل، وميز المشكل بين الأسماء والكنى والأنساب لمن ذكر اسمه في صحيحي البخاري ومسلم، ويقع في عشرة أجزاء بمجلدين، ولم يطبع بعد، وعندنا منه مصورة عن أصل جيد، عليه سماع تاريخه سنة 548 ه.
(2) نسبة إلى قبرة مدينة بالاندلس بينها وبين قرطبة ثلاثون ميلا.
(3) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أصبغ السهيلي الأندلسي المالكي، مؤرخ محدث حافظ، له عدة مؤلفات غير كتاب " الروض " منها كتاب " التعريف والاعلام فيما أبهم في القرآن من الأسماء والاعلام "، وكتاب " نتائج الفكر "، ومسائل كثيرة مفيدة، توفي في مراكش سنة (581) ه.

(19/149)


عُنُقِكَ؛مَتَى عثرتَ عَلَى اسمٍ مِنْ أَسْمَاء الصَّحَابَة لَمْ أَذْكُره؛إِلاَّ أَلحقتَه فِي كِتَابِي، يَعْنِي(الاسْتيعَاب).
قَالَ ابْنُ بَشكُوَال (1) :سَمِعْتُ أَبَا الحَسَنِ بنَ مُغِيْث قَالَ:
كَانَ أَبُو عَلِيٍّ الجيَّانِي مِنْ أَكملِ مَنْ رَأَيْتُ عِلْماً بِالحَدِيْثِ، وَمَعْرِفَةً بِطُرِقِهِ، وَحفظاً لرِجَاله، عَانَى كَتْبَ اللُّغَةِ، وَأَكْثَرَ مِنْ رِوَايَةِ الأَشعَار، وَجَمَعَ مِنْ سَعَةِ الرِّوَايَة مَا لَمْ يَجْمَعْه أَحَدٌ أَدْركنَاهُ، وَصَحَّحَ مِنَ الكُتُب مَا لَمْ يُصحِّحه غَيْرُه مِنَ الحُفَّاظِ، فَكُتُبُه حُجَّةٌ بِالغَة، جَمع كِتَاباً فِي رِجَال(الصَّحِيْحَيْنِ)سَمَّاهُ(تَقييد المُهمل وَتَمْيِيز المُشكل)، وَهُوَ كِتَابٌ حسنٌ مفِيدٌ، أَخَذَهُ النَّاسُ عَنْهُ، قَالَ ابْنُ بَشكُوَال:سَمِعْنَاهُ عَلَى القَاضِي أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ الحَجَّاجِ عَنْهُ...لَزِمَ بَيْته مُدَّةً لِزَمَانَةٍ لَحِقَتْهُ.
قُلْتُ:وَرَوَى عَنْهُ أَيْضاً:مُحَمَّدُ بن مُحَمَّدِ بنِ حَكَمٍ البَاهِلِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الجَيَّانِي، المُلَقَّب بِالبَغْدَادِيّ، وَالقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة، وَأَبُو العَلاَءِ زَهْرُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الإِيَادِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ سِمَاك الغَرْنَاطِي، وَالحَافِظُ عَبْد الرَّحْمَنِ بن أَحْمَدَ بنِ أَبِي لَيْلَى، وَيُوْسُفُ بن يَبْقَى (2) النَّحْوِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ خَلِيْلٍ القَيْسِيّ مُسْنِدُ مَرَّاكُش، فَحَدَّث عَنْهُ(بصَحِيْح مُسْلِم)فِي سَنَةِ سَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
تُوُفِّيَ الأُسْتَاذ الحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ:فِي لَيْلَة الجُمُعَة، ثَانِي عشر شَعْبَان، سَنَة ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
__________
(1) في " الصلة ": 1 / 143.
(2) بفتح الياء والقاف وسكون الباء، ويعرف بابن يسعون، كان أديبا نحويا لغويا، حسن الخط والوراقة، توفي في حدود سنة 540 ه، انظر " بغية الوعاة ": 2 / 363.

(19/150)


أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الأَمِيْن، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ مُنَيْرٍ المَالِكِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ العُثْمَانِيّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَكَمٍ، أَخْبَرَنَا الحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ، حَدَّثَنَا حَكَمُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ بِمَكَّةَ إِمْلاَءً، سَنَة عَشْرٍ وَثَلاَثِ مائَة، حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - :
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:(مَا تَحَابَّ رَجُلاَنِ فِي اللهِ إِلاَّ كَانَ أَفْضَلُهُمَا أَشَدَّهُمَا حُبّاً لِصَاحِبِهِ (1)).
هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنُ الإِسْنَادِ.
وَمَاتَ مَعَ أَبِي عَلِيٍّ الحَافِظ:مُفِيدُ بَغْدَاد أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ البَرَدَانِي (2) عَنْ سَبعِينَ سَنَةً، وَالحَافِظُ مفِيدُ أَصْبَهَان أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ مُوْسَى بن مَرْدَوَيْه (3) ، وَمُسْنِدُ خُرَاسَان أَبُو عَلِيٍّ نَصْرُ اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ الخُشْنَامِي (4) ، وَشيخُ الْحرم المُفْتِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ الطَّبَرِيّ الشَّافِعِيّ (5) ، وَمُقْرِئُ بَغْدَادَ أَبُو المَعَالِي ثَابِتُ بنُ بُنْدَارَ (6) البَقَّال، وَمُسْنِدُ بَغْدَاد الشَّرِيْف أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الأَنْصَارِيّ.
__________
(1) رجاله ثقات، وسنده قوي، فقد صرح مبارك بن فضالة بالتحديث عند البخاري في " الأدب المفرد ": 544.
وابن حبان في صحيحه: 2509، وصححه الحاكم: 4 / 171، ووافقه الذهبي.
(2) سترد ترجمته برقم (136) من هذا الجزء.
(3) سترد ترجمته برقم (126) من هذا الجزء.
(4) سترد ترجمته برقم (91) من هذا الجزء.
(5) سترد ترجمته برقم (123) من هذا الجزء.
(6) سترد ترجمته برقم (124) من هذا الجزء.

(19/151)


78 - الكُتُبِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، مُحَدِّثُ هَرَاة، الحَاكِمُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ الكُتُبِيّ، الهَرَوِيّ، المُؤَرِّخ.
سَمِعَ:سَعِيْدَ بنَ العَبَّاسِ القُرَشِيّ، وَالحَافِظ أَبَا يَعْقُوْب القرَّاب، وَسَالِم بن عَبْدِ اللهِ أَبَا مَعْمر، وَطَبَقَتهُم.
وَعَنْهُ:أَبُو النَّضْرِ الفَامِي، وَعبدُ الرَّشِيْد بن نَاصر، وَعَبْدُ الْملك بن عَبْدِ اللهِ، وَمَسْعُوْدُ بن مُحَمَّدٍ الغَانِمِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
أَثْنَى عَلَيْهِ السَّمْعَانِيّ، وَقَالَ:لَهُ عِنَايَة تَامَّة بِالتَّوَارِيخ، وَيُلَقَّبُ بِحَاكِم كُرَّاسَة (1) .
مَاتَ:فِي صَفَرٍ، سَنَة سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَلَهُ سَبْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.

79 - الشِّيحِيُّ أَبُو مَنْصُوْرٍ عَبْدُ المُحْسِنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ **
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الجَوَّال، الصَّدُوْقُ، أَبُو مَنْصُوْرٍ عَبْدُ المُحْسِنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بن أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ شُهْدَانْكَه الشِّيحِي (2) ، ثُمَّ البَغْدَادِيّ، الفَقِيْه،
__________
(*) السياق: الورقة: 11 ب.
(1) وقد جمع التاريخ لوفاة المشايخ بعد إسحاق بن إبراهيم القراب إلى غيره، ذكر فيه كل من بلغه ذكره من المشايخ المعروفين السادة والكبار من البلدان في النواحي والاقطار، وذكر عبد الغافر الفارسي بأنه طالعه واستفاد منه بهراة.
انظر التعليق على التحبير: 1 / 499.
(* *) الأنساب: 7 / 442، المنتظم: 9 / 100، معجم البلدان: 3 / 379، اللباب: 2 / 220، العبر: 3 / 324 - 325، المشتبه: 349، تذكرة الحفاظ: 4 / 1227، عيون التواريخ: 13 / 55، البداية والنهاية: 12 / 153، التبصير: 721، شذرات الذهب: 3 / 392.
(2) تحرف في البداية: 12 / 153 إلى الشنجي، وشهدانكه، إلى: شهداء مكة.

(19/152)


المَالِكِيّ، النَّصْرِيّ، مِنْ مَحلَة النَّصْرِيَّةِ، التَّاجِرُ، السَّفَّار.
قَالَ غَيثُ بن عَلِيٍّ:قَالَ لِي:وُلِدَتُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَسَمِعْتُ فِي سَنَةِ(427).
سَمِعَ:أَبَا بَكْرٍ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ الصَّقْر، وَأَبَا مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدَ بن مُحَمَّدِ بنِ السَّوَّاق، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بن عَلِيٍّ الأَزَجِي، وَأَبَا طَالب بن غَيْلاَنَ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الخَلاَّل، وَعِدَّة.
وَبمصرَ:أَبَا الحَسَنِ بنَ الطَّفَّال، وَأَبَا القَاسِمِ الفَارِسِيّ.
وَبِدِمَشْقَ:أَبَا عَبْدِ اللهِ مُحَمَّد بن يَحْيَى بنِ سَلْوَانَ.
وَبَالرَّحْبَة:عُبيد الله بن أَحْمَدَ الرَّقِّيّ، وَعِدَّةً.
وَكَتَبَ بِخطِّه أَكْثَر تَصَانِيْفه.
حَدَّثَ عَنْهُ:الخَطِيْبُ - شَيْخُه - وَأَبُو السُّعُوْد المُجلِي، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي، وَأَبُو الفَتْحِ بنُ عَبْد السَّلاَمِ، وَالفَقِيْه سَعِيْدُ بن مُحَمَّدٍ الرَّزَّاز، وَابْنُ نَاصرٍ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَابْنُ البَطِّي، وَخَلْقٌ.
سُئِلَ عَنْهُ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، فَقَالَ:شَيْخٌ جَليلٌ فَاضِلٌ ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو عَامِرٍ العَبْدرِي:كَانَ مِنْ أَنبلِ مَنْ رَأَيْتُ وَأَوثقَهُ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة:كَانَ فَاضِلاً نبيلاً كيِّساً ثِقَةً، وَكَانَ عِنْدَهُ أَصلُ أَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب(بتَارِيخ بَغْدَاد)، خصَّه بِهِ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ:هُوَ الَّذِي نَقل الخَطِيْبَ إِلَى العِرَاقِ، فَأَهدى إِلَيْهِ(تَارِيخَه)بِخَطِّهِ (1) .
__________
(1) في البداية: 12 / 153: وأكثر عن الخطيب وهو بصور، وهو الذي حمله إلى العراق، فلهذا أهدى إليه الخطيب تاريخ بغداد بخطه، وقال ابن الجوزي في المنتظم: 9 / 100: وروى عنه الخطيب في تصانيفه فسماه عبد الله، وكان يسمى عبد الله، وكان ثقة خيرا دينا توفي يوم الاثنين سادس عشر جمادى الآخرة من هذه السنة (489)، ودفن بمقبرة باب حرب.

(19/153)


وَقَالَ البَرَدَانِي (1) :كَانَ أَمِيناً سَرِيّاً مُتَمَوِّلاً، كَتَبَ كَثِيْراً، مَاتَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَة تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.

80 - الزَّازُ أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ (2) *
العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الشَّافعيَّةِ، أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ زَازَ السَّرْخَسيُّ، الشَّافِعِيُّ، فَقِيْهُ مَرْوَ، وَيُعْرَفُ:بِالزَّاز.
كَانَ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي حِفْظِ المَذْهَب، اشْتهرت كُتُبُه، وَكَثُرَتْ تلاَمِذَتُه، وَقُصِدَ مِنَ النَّوَاحِي.
تَفقَّه بِالقَاضِي حُسَيْن.
وَسَمِعَ:الأُسْتَاذ أَبَا القَاسِمِ القُشَيْرِيّ، وَالحَسَنَ بن عَلِيٍّ المُطَوِّعِي، وَأَبَا المُظَفَّر مُحَمَّد بن أَحْمَدَ التَّمِيْمِيّ، وَخَلْقاً كَثِيْراً، وَعُنِي بِالآثَار.
حَدَّثَ عَنْهُ:أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ النَّيْسَابُوْرِيّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّنْجِيّ، وَعُمَرُ بنُ أَبِي مُطِيع، وَآخَرُوْنَ.
وَمَاتَ قَبْلَ مَحلِّ الرِّوَايَة، فَقَلَّ مَا خرجَ عَنْهُ.
__________
(1) نسبة إلى (بردان): قرية من قرى بغداد.
(2) في " الأنساب ": 6 / 219: الزاز، بالالف بين الزايين المنقوطتين، وهو اسم لبعض أجداد المنتسب إليه، وهو الزاز، هكذا سمعت: أبا سعد الزاز، والمشهور بهذه النسبة إمام عصره بلا مدافعة علما وزهدا وورعا..، أبو...عبد الرحمن بن...، في أصول الأنساب بياض في مكان النقط فيستدرك من هنا.
(*) المنتظم: 9 / 125 - 126، معجم البلدان: 3 / 209، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 263، تاريخ الإسلام: 2 / 173، العبر: 3 / 339، عيون التواريخ: 13 / 106 - 107، طبقات الشافعية الكبرى: 5 / 101 - 104، البداية والنهاية: 12 / 160، طبقات ابن قاضي شهبة: الورقة: 41 ب - 42 أ، كشف الظنون: 163، شذرات الذهب: 3 / 400، هدية العارفين: 1 / 158.

(19/154)


صَنَّف كِتَاب(الإِملاَء)فِي المَذْهَب، وَانتشر فِي البِلاَد، وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الدّين، ثَخِينَ الوَرَع، مُحتَاطاً فِي القُوْت، بِحَيْثُ إِنَّهُ ترك أَكل الرُّزِّ، لأَنَّه لاَ يَزرعه إِلاَّ الجُنْدُ (1) ، وَكَانَ عَدِيم النّظير فِي الفَتْوَى.
تُوُفِّيَ:فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، عَنْ نَيِّفٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً - رَحِمَهُ اللهُ - .

81 - القُوْمَسانِيُّ أَبُو الفَرَجِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُثْمَانَ *
الحَافِظُ، الإِمَامُ، البَارعُ، مُحَدِّثُ هَمَذَان، أَبُو الفَرَجِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُثْمَانَ القُوْمِسانِيُّ، ثُمَّ الهَمَذَانِيُّ، العَابِدُ.
رَوَى عَنْ:جَدِّهِ عُثْمَان بن أَحْمَدَ بنِ مَزْدين، وَوَالِدِهِ أَبِي الفَضْلِ، وَعُمَر بن جَابَاره (2) ، وَابْن غَزْو النَّهَاوَنْدي، وَطَبَقَتِهم.
وَبِبَغْدَادَ:أَبِي الحُسَيْنِ بن الْمُهْتَدي بِاللهِ، وَطَبَقَتِهِ.
قَالَ شِيْرَوَيْه:هُوَ شَيْخُ بَلدنَا، وَالمُشَارُ إِلَيْهِ بِالصَّلاَحِ، وَكَانَ ثِقَةً حَافِظاً، حَسنَ المَعْرِفَة بِالرِّجَالِ وَالمُتُوْنِ، وَحِيدَ عصره فِي حِفْظِ شَرَائِع الإِسْلاَم وَشِعَارِهِ، تَولَّيتُ غسله فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَعَاشَ ثَمَانِياً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً.
وَذَكَرَهُ السِّلَفِيّ فِيْمَنْ أَجَازَ لَهُ، وَأَنَّهُ مَشْهُوْر بِالمَعْرِفَة التَّامَّة بِالحَدِيْثِ.
__________
(1) في طبقات الشافعية للسبكي: 5 / 102: " لأنه يحتاج إذا زرع إلى ماء كثير، وصاحبه قل ألا يظلم غيره في سقي الماء ".
(*) المنتظم: 9 / 140، معجم البلدان: 4 / 414، البداية والنهاية: 12 / 164.
(2) كذا الأصل، ونقل عبد الرحمن المعلمي قول ابن نقطة في استدراكه على الإكمال: " وأما جابار - آخره راء - فهو...، وعمر بن جابار بن عمر، أبو حفص، روى عن أبي بكر محمد بن إبراهيم الريحاني، سمع منه الميداني ".
انظر " الإكمال " 2 / 11.

(19/155)


82 - صَاحِبُ الهِنْدِ أَبُو المُظَفَّرِ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ مَحْمُوْد بن سُبُكْتِكِينَ *
السُّلْطَانُ الكَبِيْرُ، أَبُو المُظَفَّرِ إِبْرَاهِيْمُ ابْنُ السُّلْطَان مَسْعُوْدِ ابْنِ السُّلْطَانِ فَاتِح الهِنْد وَمُبيدِ البُدِّ (1) مَحْمُوْدِ بنِ سُبُكْتِكِينَ، صَاحِب غَزْنَة.
كَانَ إِبْرَاهِيْمُ مَلِكاً عَادِلاً، مُنْصِفاً سَائِساً، شُجَاعاً مِقْدَاماً جَوَاداً، محبباً إِلَى الرَّعيَّة، وَاسِعَ المَمَالِكِ (2) ، دَام فِي السَّلْطنَةِ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَعَاشَ سَبْعِيْنَ سَنَةً.
تُوُفِّيَ:سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.

83 - العَبْدِيُّ أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَسَنٍ **
الشَّيْخُ، الفَقِيْهُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ المَالِكِيَّة، أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ زَكَرِيَّا العَبْدِيُّ، البَصْرِيُّ، المَالِكِيّ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ الصَّوَّاف، مَسكنه القَسَامِل؛مَحلَّة بِالبَصْرَةِ (3) .
__________
(*) المنتظم: 9 / 109، 110، الكامل: 10 / 5 - 6، 167، وفيه توفي سنة 481 ه، دول الإسلام: 2 / 10، العبر: 3 / 225، تتمة المختصر: 2 / 9، عيون التواريخ: 13 / 89 - 90، البداية والنهاية: 12 / 157، النجوم الزاهرة: 5 / 164.
(1) البد: بيت فيه أصنام وتصاوير، وقيل: البد: الصنم نفسه الذي يعبد، فارسي معرب، ويقصد به هنا الصنم (سومنات) الذي كان يعبد في الهند عندما غزاها السلطان محمود سنة 416 ه، فكسر الصنم وأخذ ما كان عليه من مال وجوهر، وأخذ قطعة من الصنم فجعلها عتبة مسجد غزنة، وقد أورد المؤلف خبر هذه الغزوة مطولا في الجزء السابع عشر في ترجمة السلطان محمود برقم (319). فانظره هناك.
(2) وكان يقول - كما في الكامل: 10 / 167 -: لو كنت موضع أبي مسعود بعد وفاة جدي محمود، لما انفصمت عرى مملكتنا، ولكنني الآن عاجز عن أن أسترد ما أخذوه، واستولى عليه ملوك قد اتسعت مملكتهم، وعظمت عساكرهم.
(* *) ترتيب المدارك: 4 / 791، المنتظم: 9 / 103، العبر: 3 / 328، البداية والنهاية: 12 / 154، الديباج المذهب: 1 / 175، شذرات الذهب: 3 / 394، شجرة النور الزكية: 116.
(3) قال ياقوت: قسامل: بالفتح قبيلة من اليمن ثم الازد، يقال لهم القساملة، لهم =

(19/156)


وُلِدَ:سَنَةَ أَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ:إِبْرَاهِيْمَ بنَ طَلْحَةَ، وَعِدَّةً بِالبَصْرَةِ، وَابْنَ شَاذَان، وَالبَرْقَانِيَّ بِبَغْدَادَ.
حَدَّثَ عَنْهُ:أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِي، وَأَبُو بَكْرٍ عَتِيْق النَّفْزَاوِي، وَجَابِر بن مُحَمَّدٍ البَصْرِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ البُوْشَنْجِيّ.
تَفقَّه بعَلِيّ بن هَارُوْنَ البَصْرِيّ، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ، وَتَخَرَّجَ بِهِ أَئِمَّة، مِنْهُم:أَبُو مَنْصُوْرٍ بنُ بَاخِي، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ ضَابح.
وَسَمِعَ مِنْهُ خلقٌ، وَأَملَى مَجَالِسَ، وَكَانَ زَاهِداً عَابِداً قَانِعاً مَهِيْباً.
قَالَ جَابِرُ بن مُحَمَّدٍ:كَانَ فَرِيْدَ عَصره، وَكَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالحَدِيْثِ، وَقِيْلَ:كَانَ إِمَاماً فِي عَشْرَةِ عُلُوْم، مَاتَ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ - فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَقَدْ كَمَّل التِّسْعِيْنَ.
قَالَ القَاضِي عِيَاض:كَانَ أَبُو يَعْلَى العَبْدِيّ يُمْلِي الحَدِيْثَ، وَعَلَى رَأْسِهِ مُسْتَمليَان يُسْمِعَان النَّاس، سَمِعَ مِنْهُ عَالَمٌ عَظِيْمٌ.
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ:كَانَ مُدرِّساً مُتَزهِّداً، خَشِنَ الْعَيْش، مُجِدّاً فِي العِبَادَةِ، ذَا سَمتٍ وَوَقَار (1) .

84 - ابْنُ الأَخْرَمِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ المَدِيْنِيُّ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الزَّاهِدُ، بَقِيَّةُ المُسْنَدينَ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ
__________
= خطة بالبصرة تعرف بقسامل هي الآن عامرة آهلة بين عظم البلد وشاطئ دجلة رأيتها، وهي علم مرتجل لا أعرف غيره في اللغة.
(1) " الديباج المذهب ": 1 / 175.
(*) العبر: 3 / 339، النجوم الزاهرة: 5 / 168، شذرات الذهب: 3 / 401.

(19/157)


مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بن أَخْرَمَ المَدِيْنِيّ، ثُمَّ النَّيْسَابُوْرِيّ، الصَّنْدَلِي، المُؤَذِّن.
مَوْلِدُهُ:فِي رَجَب، سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
سَمِعَ:أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ، وَيَحْيَى بن إِبْرَاهِيْمَ المُزَكِّي، وَأَبَا القَاسِمِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدٍ السَّرَّاج، وَأَبَا بَكْرٍ الحِيْرِيّ، وَأَبَا سَعِيْدٍ الصَّيْرَفِيّ، وَأَبَا نَصْرٍ أَحْمَد بن عَلِيٍّ الزَّاهِدَ، وَأَبَا صَادِقٍ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ شَاذَانَ العَطَّار، وَالأُسْتَاذَ أَبَا إِسْحَاقَ الإِسْفرَايينِي، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنَ بن مُحَمَّدِ بنِ مَنْجُوَيْه، وَأَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بنَ عَلِيٍّ الحَافِظ، وَطَائِفَةً، وَعَقَدَ مَجْلِسَ الإِملاَءِ، وَحضَرَهُ الأَعيَانُ.
حَدَّثَ عَنْهُ:عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الفُرَاوِي، وَأَبُو العَبَّاسِ العَصَّارِي، وَعُمَرُ بن الصَّفَّار، وَعبدُ الخَالِق بن زَاهِر، وَالوَزِيْرُ سَعِيْدُ بن سَهْلٍ الفَلَكِيّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ عَبْدُ الغَافِرِ فِي(تَارِيْخِهِ):شَيْخٌ عَابِدٌ فَاضِلٌ جَلِيْلٌ، مِنْ تلاَمذَة الإِمَام أَبِي مُحَمَّدٍ الجُوَيْنِيّ، كَانَ يَسكُنُ المَدِيْنَةَ الدَّاخلَة، لَزِمَ مسجدَه سِنِيْنَ، مُنْزَوياً عَنِ النَّاس، قَلَّ مَا يَخْرُج، رَوَى عَنْهُ خلقٌ كَثِيْر، وَعَقَدَ مَجْلِسَ الإِملاَءِ، تُوُفِّيَ فِي ثَامن عشر المُحَرَّم، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ - رَحِمَهُ اللهُ - .
وَفِيْهَا مَاتَ مَعَهُ:

85 - أَسَعْدُ بنُ مَسْعُوْدٍ العُتْبِيُّ النَّيْسَابُوْرِيُّ *
مِنْ ذُرِّيَّة عُتْبَةَ بنِ غَزْوَانَ الصَّحَابِيّ.
__________
(*) الأنساب: 8 / 381، المنتظم: 9 / 125، الكامل: 10 / 326.

(19/158)


رَوَى عَنِ:الحِيْرِيّ، وَالصَّيْرَفِيّ.
وَعَنْهُ:عَبْدُ اللهِ بنُ الفُرَاوِي، وَعبدُ الخَالِق بن زَاهِر.

86 - الجُرْجَانِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ *
القَاضِي، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ الجُرْجَانِيُّ.
وُلِدَ:سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَسَمِعَ:حَمْزَةَ بنَ يُوْسُفَ السَّهْمِيّ، وَأَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ الخَنْدَقِي، وَأَصْحَابَ ابْنِ عَدِيٍّ، وَالإِسْمَاعِيلِيَّ.
وَبِنَيْسَابُوْرَ مِنْ:أَبِي حَفْصٍ بنِ مَسْرُوْر، وَعَبْدِ الغَافِرِ بنِ مُحَمَّدٍ الفَارِسِيّ، وَهَذِهِ الطَّبَقَة.
وَجَمَعَ وَصَنَّفَ، وَكَانَ ذَا حِفْظٍ وَفَهْمٍ، جمع كِتَاباً فِي مَنَاقِب الشَّافِعِيّ، وَآخَرَ فِي مَنَاقِب أَحْمَد.
حَدَّثَ عَنْهُ:ابْنُ أُخْتِهِ؛تَمِيمُ بن أَبِي سَعِيْدٍ المُؤَدِّب، وَالجُنَيْد بن مُحَمَّدٍ القَايْنِي (1) ، وَعَلِيّ بن حَمْزَةَ المُوسَوِي، وَوَجيهٌ الشَّحَّامِي، وَأَبُو الأَسْعَد هِبَةُ الرَّحْمَن بن القُشَيْرِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
عَاشَ ثَمَانِيْنَ عَاماً.
وَتُوُفِّيَ:فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَمِنْ شُيُوخِه:أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْملك بنُ مُحَمَّدٍ الأَسْترَابَاذِيُّ الصَّغِيْر
__________
(*) تذكرة الحفاظ: 4 / 1227، طبقات السبكي: 5 / 94، طبقات الاسنوي: 1 / 358، الإعلان بالتوبيخ: 367، كشف الظنون: 1105، 1840، هدية العارفين: 1 / 453، معجم المؤلفين: 6 / 146.
(1) نسبة إلى قاين: بلدة قريبة من طبس بين نيسابور وأصبهان، خرج منها جماعة من المحدثين، كما في " الأنساب ": 10 / 37.

(19/159)


صَاحِبُ أَبِي بَكْرٍ الإِسْمَاعِيْلِيِّ، وَأَبُو مَعْمرٍ المُفَضَّل بن إِسْمَاعِيْلَ الإِسْمَاعِيْلِي.

87 - الطُّرَيْثِيْثِيُّ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ زَكَرِيَّا *
الإِمَامُ، الزَّاهِدُ، المُسْنِدُ، شَيْخُ الصُّوْفِيَّة، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ زَكَرِيَّا الطُّرَيْثِيْثِيّ، ثُمَّ البَغْدَادِيّ، الصُّوْفِيّ، المَعْرُوف:بِابْنِ زَهْرَاءَ.
مَوْلِدُهُ:فِي شَوَّال، سَنَة إِحْدَى عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَقَرَأْتُ بِخَطِّ السِّلَفِيّ:أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ يَقُوْلُ:إِنَّهُ وُلِدَ فِي شَوَّال، سَنَة اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
سَمِعَ:أَبَاهُ، وَابْنَ الفَضْلِ القَطَّان، وَهِبَةَ اللهِ بنَ الحَسَنِ اللاَّلْكَائِيَّ، وَأَبَا القَاسِمِ الحُرْفِي، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ مَخْلَدٍ، وَأَبَا عَلِيٍّ بنَ شَاذَانَ، وَعِدَّة، وَزَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ رِزْقويه.
قَالَ السَّمْعَانِيّ:صَحِيْحُ السَّمَاع فِي أَجزَاء، لَكنَّه أَفْسد سَمَاعَاتِهِ بِادِّعَاءِ السَّمَاع مِنِ ابْنِ رِزْقُويه، وَلَمْ يَصِحّ سَمَاعه مِنْهُ (1) .
وَقَالَ شُجَاعٌ الذُّهْلِيّ:مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفه (2) .
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ:لَهُ قَدَمٌ فِي التَّصَوُّفِ، رَأَى المَشَايِخَ، وَخدمَهُم، وَكَانَ حَسَنَ التِّلاَوَة، صَحِبَ أَبَا سَعْد النَّيْسَابُوْرِيّ (3) .
__________
(*) المنتظم: 9 / 138 - 139، الكامل في التاريخ: 10 / 379، طبقات النووي: الورقة: 54 أ، العبر: 3 / 246، ميزان الاعتدال: 1 / 122، الوافي بالوفيات: 7 / 202، طبقات السبكي: 4 / 39 - 40، لسان الميزان: 1 / 227، 228، شذرات الذهب: 3 / 405.
(1) " طبقات السبكي " 4 / 40.
(2) " المنتظم ": 9 / 139.
(3) " طبقات السبكي ": 4 / 39.

(19/160)


قُلْتُ:رَوَى عَنْهُ:أَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْدي، وَابْنُ نَاصر، وَعَبْدُ الخَالِقِ اليُوسُفِي، وَأَبُو الفَتْحِ بنُ البَطِّي، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو الفَضْلِ الطُّوْسِيّ خطيبُ المَوْصِل، وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ عَبْدُ الغَافِرِ الأَلْمَعِي، وَهِبَةُ اللهِ الشِّيرَازِي، وَعُمَر الرَّوَّاسِي (1) .
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي:دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ زَهْرَاءَ وَهُوَ يُقرَأُ عَلَيْهِ جُزءٌ لابْنِ رِزْقويه، فَقُلْتُ:مَتَى وُلدتَ؟
قَالَ:سَنَة اثْنَتَيْ عَشْرَةَ.
فَقُلْتُ:فَابْنِ رِزْقويه فِي هَذِهِ السّنَة تُوُفِّيَ!
وَأَخَذتُ الجُزْءَ، وَضَربتُ عَلَى التَّسمِيْع، فَقَامَ وَخَرَجَ مِنَ المَسْجَدِ (2) .
وَقَالَ ابْنُ نَاصر:كَانَ كَذَّاباً.
وَقَالَ السِّلَفِيّ:هُوَ أَجْلُّ شَيْخ رَأَيْتُهُ لِلصُّوْفِيَّة، وَأَكْثَرُهُم حُرمَةً وَهَيْبَةً عِنْد أَصْحَابِه، لَمْ يُقرَأ عَلَيْهِ إِلاَّ مِنْ أَصلٍ، وَكُفَّ بَصَره بِأَخَرَةٍ، وَكَتَبَ لَهُ أَبُو عَلِيٍّ الكِرْمَانِيّ أَجزَاءَ طَرِيَّةً، فَحَدَّثَ بِهَا اعتمَاداً عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَعْرِفُ طَرِيْقَ المُحَدِّثِيْنَ وَدقَائِقَهُم (3) ، وَإِلاَّ فَكَانَ مِنَ الثِّقَاتِ الأَثْبَاتِ، وَأُصُوْله كَالشَّمْس وُضُوحاً.
وَقَالَ أَبُو المُعَمَّر الأَنْصَارِيّ:مَوْلِدُهُ فِي شَوَّال، سَنَة إِحْدَى عَشْرَةَ، وَتُوُفِّيَ
__________
(1) وقيل له الرواسي، لان والده كان يبيع الرؤوس بدهستان، وكان ابنه عمر يعمل معه، ثم تحول إلى طلب الحديث وسماعه بسبب أبي مسعود أحمد بن محمد بن عبد الله البجلي الرازي في خبر مطول أورده السمعاني في " الأنساب ": 6 / 173.
(2) " المنتظم ": 9 / 139.
(3) قال الحافظ في " لسان الميزان ": 1 / 228 بعد نقله كلام السلفي هذا: فما كان من حديث يرويه السلفي عنه فإنا نعلم في الجملة أنه من صحيح سماعاته.

(19/161)


فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَة سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.

88 - الإِسْفَرَايينِيُّ أَبُو الفَرَجِ سَهْلُ بنُ بِشْرِ بن أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ المُتْقِنُ، الرَّحَّال، أَبُو الفَرَجِ سَهْلُ بنُ بِشْرِ بنِ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدٍ الإِسْفرَايينِي، الصُّوفِي، نَزِيْلُ دِمَشْقَ.
سَمِعَ بِمِصْرَ:عَلِيَّ بنَ حِمِّصَة، وَعَلِيَّ بنَ مُنِيْر، وَعَلِيَّ بنَ رَبِيْعَةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ الحُسَيْنِ الطَّفَّال، وَحَسَنَ بنَ خَلَفٍ الوَاسِطِيّ صَاحِب أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ مَاسِي.
وَبِبَغْدَادَ:أَبَا مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ.
وَبِدِمَشْقَ:أَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ سُلْوَانَ، وَرشَأَ بنَ نَظيف.
وَبَالرَّملَة:مُحَمَّدَ بنَ الحُسَيْنِ بنِ التَّرْجَمَان.
وَبِصُوْر:سُلَيْم بن أَيُّوْبَ الرَّازِيّ.
وَبِتِنِّيس:عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ بنِ جَابِرٍ.
وَبِجُرْجَانَ:مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ الرَّحِيْمِ.
حَدَّثَ عَنْهُ:ابْنَاهُ طَاهِرٌ وَالفَضْل، وَجَمَالُ الإِسْلاَمِ عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، وَهِبَةُ اللهِ بنُ طَاوُوْسٍ، وَمَحْفُوْظٌ النَّجَّارُ، وَنَصْرُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ المِصِّيْصِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى حَمْزَةُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُبُوبِي، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الحَسَنِ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ غَيْثُ بنُ عَلِيٍّ:سَأَلتُ أَبَا بَكْرٍ الحَافِظ عَنْ سَهْلِ بنِ بِشْرٍ، فَقَالَ:كَيِّسٌ، صَدُوْقٌ.
قَالَ سهل:وُلِدْتُ بِبِسْطَامَ، سَنَة تِسْعٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
__________
(*) العبر: 3 / 331، الكامل في التاريخ: 10 / 280، شذرات الذهب: 3 / 396.

(19/162)


تُوُفِّيَ:فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَكَانَ قَدْ تَتَبَّع(السُّنَنَ الكَبِيْرَ)لِلنَّسَائِي وَحَصَّلَه، وَسَمِعَهُ بِمِصْرَ.

89 - ابْنُ يُوْسُفَ أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ القَادِرِ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ، النَّبِيْلُ، العَالِمُ، الثِّقَةُ، الرَّئِيْسُ، أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْد القَادِرِ بن مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ البَغْدَادِيّ.
وُلِدَ:سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَسَمِعَ:أَبَا القَاسِمِ الحُرْفِي، وَعُثْمَانَ بنَ دُوسْت، وَأَبَا عَلِيٍّ بنَ شَاذَانَ، وَعَبْدَ الْملك بن بِشْرَان، وَطَبَقَتَهُم بِبَغْدَادَ، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ صَخْر، وَأَبَا نَصْرٍ السِّجْزِيّ بِمَكَّةَ، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ حِمِّصَةَ الحَرَّانِيّ بِمِصْرَ، وَمُحَمَّدَ بنَ الحُسَيْنِ بنِ التّرْجَمَان بِالرَّمْلَةِ، وَعِدَّةً سِوَاهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ:بَنُوْهُ:عَبْدُ اللهِ، وَالحَافِظُ عبدُ الخَالِق، وَعبدُ الوَاحِد، وَمُحَمَّدُ بنُ نَاصر الحَافِظ، وَأَبُو الفَتْحِ بنُ البَطِّي، وَشُهْدَةُ الكَاتِبَة، وَعَتِيْقُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ صَيْلاَءَ، وَالخَطِيْبُ أَبُو الفَضْلِ عَبْدُ اللهِ بن أَحْمَدَ الطُّوْسِيّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ ابْنُ نَاصر:كَانَ صَالِحاً، ثِقَةً.
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ:شَيْخٌ جَلِيْلٌ ثِقَةٌ خَيِّرٌ، مَرْضِيُّ الطّرِيقَةِ، حَسَنُ السِّيْرَةِ، سَافَرَ الكَثِيْرَ، وَوَصل إِلَى المَغْرِب.
وَقَالَ وَلَدُهُ عبدُ الخَالِق:حَدَّثَنِي أَخِي، قَالَ:
رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ
__________
(*) المنتظم: 9 / 109، العبر: 3 / 333، عيون التواريخ: 13 / 90، شذرات الذهب: 3 / 397.

(19/163)


وَالِدي، فَقُلْتُ:يَا سَيدي، مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟
قَالَ:غَفَر لِي.
تُوُفِّيَ أَبُو الحُسَيْنِ:فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قَالَ شُجَاعٌ الذُّهْلِيّ:كَانَ ثِقَةً، مُتحرِّياً.
وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ اليُونَارْتِي فِي(مُعْجَمه):كَانَ أَحَدَ الأَئِمَّة الوَرِعين.
صَحِبَ أَبَا الحَسَنِ القَزْوِيْنِيّ مُدَّةً، وَنَظَرَ فِي الفِقْه وَالأَدب، وَكَانَ أَوْحَدِيَّ الطّرِيقَة، مَا خَرَجَ إِلَيْنَا فَاسْتند لِتوَاضُعه، وَمَا قَامَ عَنَّا إِلاَّ اسْتَأْذَنَ.

90 - ابْنُ وَدْعَانَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عُبَيْدِ اللهِ المَوْصِلِيُّ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، قَاضِي المَوْصِلِ، أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ صَالِحِ بنِ سُلَيْمَانَ بن وَدْعَانَ المَوْصِلِيّ.
تَرَدَّدَ إِلَى بَغْدَادَ، وَحَدَّثَ بِهَا فِي آخِرِ أَيَّامِهِ.
قَالَ:وُلدتُ لَيْلَةَ النِّصْف مِنْ شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِ مائَة، وَذَكَرَ أَنَّهُ مِنْ رَبِيْعَة الفَرَسِ (1) ، وَأَوَّلُ سَمَاعِهِ سَنَة ثَمَانٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
__________
(*) المنتظم: 9 / 127 - 128، اللباب: 3 / 356، الكامل في التاريخ: 10 / 327، ميزان الاعتدال: 3 / 657 - 659، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 27، الوافي بالوفيات: 4 / 141 - 142، عيون التواريخ: 13 / 101 - 102، البداية والنهاية: 12 / 161، لسان الميزان: 5 / 305 - 306، الاعلام لابن قاضي شهبة (خ) حوادث: 494، تاريخ الخميس: 2 / 361، كشف الظنون: 1 / 60، 715، إيضاح المكنون: 1 / 431، هدية العارفين: 2 / 78، بروكلمان: 1 / 435.
(1) هو ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان أخو مضر، لقب بربيعة الفرس لأنه أعطى من ميراث أبيه الخيل، قال ابن عبد البر في " الانباء " ص 96: إن العرب وجميع أهل العلم بالنسب أجمعوا على أن اللباب والصريح من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليها السلام ربيعة ومضر ابنا نزار بن معد بن عدنان لا خلاف في ذلك.

(19/164)


رَوَى عَنْ:عَمِّهِ أَبِي الفَتْحِ أَحْمَدَ بنِ عُبيد الله، وَمُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ بَحْشَلٍ، وَالحُسَيْنِ بن مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ الصَّيْرَفِيّ، وَغَيْرِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ:إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُوْرِيّ بِالحِجَازِ، وَمَرْوَانُ بن عَلِيٍّ الطَّنْزِي بِدِيَارِ بكر، وَأَبُو المُعَمَّر المُبَارَكُ بن أَحْمَدَ الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ خسرو البَلْخِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَوَجِيهٌ الشَّحَّامِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَإِنَّمَا أَوْرَدتُهُ هُنَا لِشُهْرَتِهِ، وَقَدْ ذَكَرْتُهُ فِي(المِيزَانِ (1))وَأَنَّهُ غَيْرُ ثِقَةٍ، وَلاَ مَأْمُوْنٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار:أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُخْتَارٍ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ بنُ وَدَعَانَ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا عَمِّي، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ المُرْجِئُ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى التَّمِيْمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا جَبَلَةُ بنُ عَطِيَّةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
تَضَيَّفْتُ مَيْمُوْنَةَ خَالَتِي، وَهِيَ لَيْلَتَئِذٍ لاَ تُصَلِّي، فَجَاءَ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ صَلَّى العِشَاءَ الآخِرَة، فَانْتَهَى إِلَى الفِرَاشِ، فَأَخَذَ خِرْقَةً عِنْدَ رَأْسِ الفِرَاش، فَاتَّزَرَ بِهَا، وَخَلَعَ ثَوْبَيْهِ، فَعَلَّقَهُمَا، ثُمَّ دَخَلَ مَعَهَا، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ قَامَ إِلَى سِقَاءٍ مُعَلَّقٍ، فَحَلَّهُ، ثُمَّ تَوَضَّأَ مِنْهُ، فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُومَ، فَأَصُبَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ كَرِهْتُ أَنْ يَرَى أَنِّي كُنْتُ مُسْتَيْقِظاً، ثُمَّ أَخَذَ ثَوْبَيْهِ، ثُمَّ قَامَ إِلَى المَسْجَدِ، فَقَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ، فَتَوَضَّأْتُ، ثُمَّ جِئْتُ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَتَنَاوَلَنِي بِيَدِهِ مِنْ وَرَائِهِ، فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِيْنه، فَصَلَّى، وَصَلَّيْت مَعَهُ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ جَلَسَ، وَجلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَأَصغَى بِخَدِّهِ إِلَى خَدِّي حَتَّى
__________
(1) 3 / 657، ونعته بصاحب تلك الأربعين الودعانية الموضوعة.

(19/165)


سَمِعْتُ نَفْسَ النَّائِم، ثُمَّ جَاءَ بِلاَلٌ، فَقَالَ:الصَّلاَةَ يَا رَسُوْلَ اللهِ.
فَقَامَ إِلَى المَسْجِدِ، فَأَخَذَ فِي الرَّكْعَتَيْن، وَأَخَذَ بِلاَلٌ فِي الإِقَامَةِ (1) .
قَالَ السِّلَفِيّ:سَأَلتُ شُجَاعاً الذُّهْلِيّ عَنِ ابْنِ وَدْعَان، فَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ.
قَالَ السِّلَفِيّ:قَرَأْتُ عَلَيْهِ(الأَرْبَعِيْنَ (2))جَمْعَهُ، ثُمَّ تَبيَّنَ لِي حِيْنَ تَصَفَّحْتُ كِتَابهُ تَخليطٌ عَظِيْمٌ يَدُلُّ عَلَى كذبه، وَتركيبِهِ الأَسَانِيْدَ عَلَى المُتُوْنِ.
__________
(1) محمد بن ثابت هو العبدي أبو عبد البصري، لينه الحافظ في " التقريب "، وقال المؤلف في " الميزان ": قال فيه غير واحد: ليس بالقوي، وهو في " المسند " 1 / 284، 285 من طريق محمد بن ثابت بهذا الإسناد، إلا أنه بإسقاط كريب.
وللحديث طرق أخرى صحيحة عن ابن عباس بنحوه مطولا ومختصرا في " المسند ": 1 / 242، 282، 284، والبخاري: (117) و(138) و(697) و(698) و(699) و(726) و(728) و(859) و(1198) و(4569) و(4571) و(4572) و(5919) و(6215) و(6316) و(7452)، ومسلم (763)، (181) و(182) و(183) و(184) و(185) و(186) و(187) و(188) و(189) و(190) و(191) و(192) و(193)، ومالك: 1 / 121، وأبي داوود: (58) و(610) و(611) و(1353) و(1354) و(1355) و(1356) و(1357) و(1358) و(1364) و(1365) و(1367)، والنسائي: 2 / 30 و218، و3 / 210 و236.
وقد استوفى رواياته في الكتب الستة ابن الأثير في " جامع الأصول ": 6 / 80 - 90 فراجعه.
(2) وهي التي تعرف بالاربعين الودعانية، قال ابن حجر في " لسان الميزان ": 5 / 306: وقد سئل المزي عنها فأجاب بما ملخصه: لا يصح منها على هذا النسق بهذه الأسانيد شيء، وإنما يصح منها ألفاظ يسيرة بأسانيد معروفة يحتاج في تتبعها إلى فراغ، وهي مع ذلك مسروقة، سرقها ابن ودعان من زيد بن رفاعة، وقيل: زيد بن عبد الله بن مسعود بن رفاعة الهاشمي، وهو الذي وضع رسائل أخوان الصفا فيما يقال، وكان جاهلا بالحديث، وسرقها منه ابن ودعان، فركب بها أسانيد، فتارة يروي عن رجل، عن شيخ ابن رفاعة، وتارة يدخل اثنين، وعامتهم مجهولون، ومنهم من يشك بوجوده، والحاصل أنها فضيحة
مفتعلة، وكذبة مؤتفكة.
وقال ابن الجوزي في " المنتظم ": 9 / 127 عن ابن ودعان هذا: قدم بغداد في سنة ثلاث وسبعين ومعه جزء فيه أربعون حديثا عن عمه أبي الفتح، وهي التي وضعها زيد بن رفاعة الهاشمي، وجعل لها خطبة، فسرقها أبو الفتح بن ودعان عم أبي نصر هذا، وحذف خطبتها، وركب على كل حديث شيخا إلى شيخ الذي روى عنه ابن رفاعة.

(19/166)


وَقَالَ ابْنُ نَاصر:رَأَيْتُهُ وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ، لأَنَّه كَانَ مُتَّهماً بِالكَذِبِ، وَكِتَابُه فِي(الأَرْبَعِيْنَ)سَرَقَهُ مِنْ زَيْدِ بنِ رِفَاعَةَ (1) ، وَزَيْدٌ وَضَعه أَيْضاً، وَكَانَ كَذَّاباً، أَلَّفَ بَيْنَ كَلِمَاتٍ قَدْ قَالَهَا النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ كَلِمَاتٍ مِنْ كَلاَمِ لُقْمَان وَالحُكَمَاء وَغَيْرِهِم، وَطَوَّلَ الأَحَادِيْثَ.
وَقَالَ السِّلَفِيّ:كَانَ ابْنُ وَدْعَان خَرَّجَ عَلَى كِتَاب زَيْد بن رِفَاعَةَ كِتَابهُ - بِزَعْمِهِ - حِيْنَ وَقعت لَهُ أَحَادِيْثُهُ عَنْ شُيوخه، فَقَدْ أَخْطَأَ، إِذْ لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ فِي الخطبَة، وَإِن جَاز سِوَى ذَلِكَ، فَأَطمُّ وَأَعمُّ، إِذْ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ لِمِثله مَعَ نَزَارَةِ رِوَايَته، وَقِلَّةِ طلبه، أَنْ يَقع لَهُ كُلُّ حَدِيْث فِيْهِ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ أَوْرَدَه عَنْهُ.
وَقَالَ السِّلَفِيّ أَيْضاً:بَلَغَنَا أَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، بِالمَوْصِلِ.

91 - الخُشْنَامِيُّ أَبُو عَلِيٍّ نَصْرُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُعَمَّرُ، الصَّالِحُ، الصَّادِقُ، أَبُو عَلِيٍّ نَصْرُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ الخُشْنَامِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيّ.
سَمِعَ:أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ، وَالقَاضِي أَبَا بَكْرٍ الحِيْرِيّ، وَعَلِيَّ بن أَحْمَدَ بنِ عَبْدَانَ، وَأَبَا سَعِيْدٍ مُحَمَّد بن مُوْسَى الصَّيْرَفِيّ، وَصَارَ مُسْنِدَ وَقته، وَرِوَايَتُهُ عَنِ السُّلَمِيّ حُضُوْر، فَإِنَّ أَبَا سَعْد السَّمْعَانِيّ وَرَّخ مَوْلِدَهُ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِ مائَة، وَقَالَ:هُوَ ثِقَةٌ صَالِحٌ، رَوَى عَنْهُ خلقٌ، وَمَاتَ
__________
(1) في " الميزان ": 2 / 103: زيد بن رفاعة الهاشمي أبو الخير معروف بوضع الحديث على فلسفة فيه، أخذ عن ابن دريد، وابن الأنباري، قال الخطيب: كذاب.
(*) السياق: الورقة / 93 أ، الأنساب: 5 / 131، التقييد: الورقة / 214 ب - 215 أ، اللباب: 1 / 447، العبر: 3 / 352، عيون التواريخ: 13 / 139 - 140، شذرات الذهب: 3 / 409.

(19/167)


فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قُلْتُ:وَرَوَى عَنْهُ:حَفِيْدُهُ مَسْعُوْدُ بن أَحْمَدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ السِّنْجِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ السَّمْعَانِيّ، وَعبدُ الخَالِق بن زَاهِر، وَعُمَرُ بن أَحْمَدَ الصَّفَّار الفَقِيْه، وَآخَرُوْنَ، وَمِنْ مُتَأَخِّرِيهِم:سَعِيْدُ بنُ سَهْلٍ الفَلَكِي الوَزِيْر.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَخْبَرَنَا زَيْنُ الأُمنَاء الحَسَنُ بن مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ نَصْرُ اللهِ بن أَحْمَدَ إِمْلاَءً بِنَيْسَابُوْرَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى بنِ الفَضْلِ، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سِنَانٍ القَزَّاز، حَدَّثَنَا مَحْبُوبُ بنُ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - :
أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوْكينَ لَهُ عِنْد مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرهُم، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَزَّأَهُم ثَلاَثَةً، ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنهُم، وَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً (1) .

92 - أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي القَاسِمِ نَجَاحٍ مَوْلَى المُؤَيَّدِ بِاللهِ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ القُرَّاءِ، ذُو الفُنُوْنِ، أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بنُ
__________
(1) محمد بن سنان القزاز ضعيف، وشيخه فيه محبوب - واسمه محمد بن الحسن بن
هلال - فيه لين، وأخرجه مسلم (1668) في الايمان: باب من أعتق شركا له في عبد، والترمذي (1364) في الاحكام، وأبو داوود (3958) في العتق، والنسائي في الجنائز: 4 / 64، وأحمد: 4 / 426 و428 و431 و438 و440 و445 و446، ومالك: 2 / 774 في العتق والولاء، من طرق عن عمران بن حصين.
وفي الباب عن أبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري عند أحمد: 5 / 341.
(*) الصلة: 1 / 203 - 204، بغية الملتمس: 289 - 290، دول الإسلام: 2 / 26، العبر: 3 / 343 - 344، معرفة القراء: 364 - 365، الوافي بالوفيات (خ) 13 / 162، عيون التواريخ: 13 / 120، غاية النهاية: 1 / 316 - 317، النجوم الزاهرة: 5 / 187، نفح الطيب: 2 / 135، 153، 4 / 171، شذرات الذهب: 3 / 403 - 404.

(19/168)


أَبِي القَاسِمِ نَجَاح مَوْلَى صَاحِب الأَنْدَلُس المُؤَيَّدِ بِاللهِ هِشَامِ بن الحَكَمِ، المَرْوَانِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، القُرْطُبِيُّ، نَزِيْلُ دَانِيَةَ وَبَلَنْسِيَة (1) .
وُلِدَ:سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَصَحِبَ أَبَا عَمْرٍو الدَّانِي وَأَكْثَرَ عَنْهُ، وَتَخَرَّجَ بِهِ، وَهُوَ أَنْبَلُ أَصْحَابه وَأَثْبَتُهُم، وَأَخَذَ أَيْضاً عَنْ أَبِي عُمَرَ بن عَبْدِ البَرّ، وَابْن دِلهَاث، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ سعدُوْنَ، وَأَبِي الوَلِيْدِ البَاجِي، وَأَبِي شَاكِر الخَطِيْب، وَعِدَّة.
تَلاَ عَلَيْهِ:أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ ابنِ غُلاَم الفَرَسِ، وَأَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِي، وَأَبُو العَبَّاسِ بنُ عَاصِمٍ الثَّقَفِيّ، وَأَحْمَدُ بنُ سُحْنُوْنَ المُرْسِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَحْمَدَ البَكْرِيّ، وَجَعْفَرُ بنُ يَحْيَى، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ النَّوَالِشِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بن فَرج الزُّهَيْرِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ هُذَيْلٍ، وَأَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بنُ يَحْيَى القُرْطُبِيّ، وَخَلْق.
قَالَ ابْنُ بَشكُوَال:كَانَ مِنْ جِلَّةِ المُقْرِئِين وَخِيَارِهِم، عَالِماً بِالرِّوَايَات وَطُرُقِهَا، حَسنَ الضَّبط، ثِقَةً ديناً، لَهُ التَّصَانِيْفُ فِي مَعَانِي القُرْآن، وَكَانَ مَليحَ الخَطِّ، أَخْبَرَنَا عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ شُيوخنَا، وَوصفُوهُ بِالفَضْلِ وَالعِلْم وَالدِّين.
مَاتَ:فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَتَزَاحمُوا عَلَى نَعشه (2) .
قَرَأْتُ بِخَطِّ تِلْمِيْذٍ لأَبِي دَاوُدَ تَسمِيَةَ تَوَالِيْفِهِ، مِنْهَا:(البَيَانُ فِي عُلُوْم
__________
(1) وهو من الراحلين من الأندلس إلى المشرق، فقد ولد سنة 371، وابتدأ بطلب العلم سنة 387، ورحل إلى المشرق سنة 397، فمكث بالقيروان أربعة أشهر، ودخل مصر في شوالها، فمكث بها سنة، وحج ورجع إلى الأندلس في ذي القعدة سنة 399.." نفح الطيب ": 2 / 135.
(2) الصلة: 1 / 204، والزيادة منه، وقال الضبي في " بغية الملتمس ": ص: 304: وكتب بخط يده كتاب البخاري في عشرة أسفار، وكتاب مسلم في ستة، وقرأهما معا على الباجي، وعلى أبي العباس العذري مرات، واحتفل في تقييدهما حتى صار كل واحد =

(19/169)


القُرْآنِ)فِي ثَلاَثِ مائَة جُزء، وَكِتَابُ(التَّبيينِ لِهجَاء التَّنْزِيلِ)سِتُّ مُجلَّدَاتٍ، وَكِتَابُ(الاعتِمَادِ)أُرْجُوزَة عَارض بِهَا شَيْخَه فِي أُصُوْل القُرْآن وَالدِّيْن عَشْرَة أَجزَاء، وَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشرَ أَلفَ بَيْت وَنَيِّف، وَكِتَاب(الصَّلاَة الوُسطَى)مُجلَّد، وَعِدَّة تَوَالِيفَ جُملتهَا سِتَّةٌ وَعِشْرُوْنَ مُصَنّفاً، وَكَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ، وَمِنْ أَئِمَّةِ الأَنْدَلُس فِي عصره.
قُلْتُ:قَرَأْتُ بِالرِّوَايَاتِ مِنْ طَرِيقِهِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الدَّانِي.

93 - المَرَاغِيُّ أَبُو تُرَابٍ عَبْدُ البَاقِي بنُ يُوْسُفَ بنِ عَلِيٍّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الفَقِيْهُ، العَلاَّمَةُ، بَقِيَّةُ المَشَايِخ، أَبُو تُرَابٍ عَبْدُ البَاقِي بنُ يُوْسُفَ بنِ عَلِيِّ بنِ صَالِحِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ هَارُوْنَ المَرَاغِيُّ، النَّرِيزِيُّ (1) ، الشَّافِعِيّ، نَزِيْلُ نَيْسَابُوْر (2) .
سَمِعَ:أَبَا عَلِيٍّ بنَ شَاذَانَ، وَأَبَا القَاسِمِ بنَ بِشْرَان، وَأَبَا طَاهِرٍ بنَ عَبْدِ الرَّحِيْمِ الأَصْبَهَانِيَّ، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ:عُمَرُ بنُ عَلِيٍّ الدَّامغَانِي، وَأَبُو عُثْمَانَ العصَايدي، وَزَاهِرَ بنُ طَاهِرٍ، وَابْنُه عبدُ الخَالِق بن زَاهِر، وَآخَرُوْنَ.
__________
= منهما أصلا يقتدى به، رحلت إلى بلنسية في عام ستة وتسعين، وقابلت بهما كتابي، وانتفعت بهما،..وأخبرت أن أبا علي بن سكرة الحافظ قابل أصليه بالكتابين المذكورين، وناهيك بهما صحة وتقييدا وضبطا.
(*) السياق: الورقة / 57 أ - 57 ب، الأنساب: ورقة / 519 أ، 558 ظ، المنتظم: 9 / 110، اللباب: 3 / 190، 306 - 307، العبر: 3 / 333، عيون التواريخ: 13 / 90، مرآة الجنان: 3 / 555، طبقات السبكي: 5 / 96، طبقات الاسنوي: 2 / 415، البداية والنهاية: 12 / 157، الجواهر المضية: 2 / 356، النجوم الزاهرة: 5 / 164، الطبقات السنية: رقم 1133.
(1) بفتح النون وكسر الراء: نسبة إلى نريز: قرية من أذربيجان.
(2) في اللباب: انتقل إلى نيسابور، وسكنها وولي الامامة والتدريس بمسجد عقيل.

(19/170)


قَالَ السَّمْعَانِيّ:هُوَ الإِمَامُ أَبُو تُرَابٍ، عَدِيمُ النَّظير فِي فَنِّه، بَهِيُّ المَنْظَر، سَلِيمُ النَفْس، عَامِلٌ بِعِلْمه، حَسَنُ الخُلُقِ، نَفَّاعٌ لِلْخَلْقِ، قوِيُّ الحِفْظِ، فَقِيْهُ النَّفْس، تَفَقَّهَ بِبَغْدَادَ عَلَى القَاضِي أَبِي الطَّيب.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ بنُ أَبِي عَلِيٍّ الهَمَذَانِيّ:سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ البِسْطَامِي وَغَيْرَهُ يَقُوْلُ:
كُنَّا عِنْدَ الإِمَام أَبِي تُرَاب حِيْنَ دَخَلَ عبدُ الصَّمد وَمَعَهُ المَنْشُوْرُ بقَضَاء هَمَذَان، فَقَامَ أَبُو تُرَاب، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَل عَلَيْنَا، وَقَالَ:أَنَا فِي انتِظَارِ المَنْشُوْرِ مِنَ اللهِ عَلَى يَدِ عَبدِه مَلَكِ المَوْتِ، أَنَا بِذَلِكَ أَلْيَقُ مِنْ مَنْشُوْرِ القَضَاء، ثُمَّ قَالَ:قُعُوْدي فِي هَذَا المَسْجَد سَاعَةً عَلَى فَرَاغِ القَلْب أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مُلكِ العِرَاقين، وَمَسْأَلَةٌ فِي العِلْمِ يَسْتَفِيدُهَا مِنِّي طَالِبُ عِلْمٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عَمَلِ الثَّقَلَيْنِ (1) .
قَالَ السَّمْعَانِيّ:سَأَلتُ إِسْمَاعِيْلَ الحَافِظَ عَنْ أَبِي تُرَاب المَرَاغِيّ، فَقَالَ:
مُفْتِي نَيْسَابُوْر، أَفْتَى سِنِيْنَ عَلَى مَذْهَب الشَّافِعِيّ، وَكَانَ حَسَنَ الهيئَةِ، بَهيّاً، عَالِماً، قِيْلَ:عَاشَ ثَلاَثاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، مَاتَ فِي رَابِعَ عَشَرَ ذِي القَعْدَةِ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَقِيْلَ:بَلْ مَوْلِدُهُ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِ مائَة.

94 - ابْنُ أَبِي ذَرٍّ عِيْسَى بنُ عَبْدِ بنِ أَحْمَدَ الأَنْصَارِيُّ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو مَكتُوْم عِيْسَى ابنُ الحَافِظ الكَبِيْر أَبِي ذَرٍّ عَبْدِ
__________
(1) وتمامه كما في البداية 12 / 157: والله لا أفلح قلب تعلق بالدنيا وأهلها، وإنما العلم دليل، فمن لم يدله علمه على الزهد في الدنيا وأهلها لم يحصل على طائل من العلم، ولو علم ما علم، فإنما ذلك ظاهر من العلم، والعلم النافع وراء ذلك، والله لو قطعت يدي ورجلي، وقلعت عيني أحب إلي من ولاية فيها انقطاع عن الله والدار الآخرة، وما هو سبب فوز المتقين وسعادة المؤمنين.
(*) العبر: 3 / 348، عيون التواريخ: 13 / 126، شذرات الذهب: 3 / 406.

(19/171)


بن أَحْمَدَ الأَنْصَارِيّ، الهَرَوِيّ، ثُمَّ السَّرَوِي، تَزَوَّجَ وَالِده فِي سَرَاةِ بنِي شَبَابَة، وَتَحَوَّلَ إِلَى هُنَاكَ مِنْ مَكَّةَ مُدَّةً، فَوُلِدَ عِيْسَى فِي سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَسَمِعَ مِنْ:أَبِيْهِ شَيْئاً كَثِيْراً، وَمِنْ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ الصَّنْعَانِيّ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ.
رَوَى عَنْهُ:أَبُو التَّوفِيق مَسْعُوْدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ نِعمَةُ بنُ زِيَادَةِ اللهِ الغِفَارِيّ، وَمَيْمُوْنُ بنُ يَاسينَ المرَابط - وَابتَاع مِنْهُ(صَحِيْح البُخَارِيِّ)أَصلَ أَبِيْهِ - وَعَلِيُّ بنُ عَمَّارٍ المَكِّيُّ، وَآخَرُوْنَ، وَالسِّلَفِيّ بِالإِجَازَةِ، وَقَالَ:اجْتَمَعتُ أَنَا وَهُوَ فِي الموقفِ سَنَةَ سَبعٍ لَمَّا حججتُ، وَقُلْنَا:نَسْمَعُ مِنْهُ بِالحرم، فَتَعَجَّلَ فِي النَّفْرِ الأَوّلِ (1) إِلَى السَّرَاةِ.
قُلْتُ:وَبعد سَنَةِ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ انْقَطَع خَبَرُه، وَانْتَقَلَ إِلَى اللهِ.

95 - ابْنُ الجَرَّاحِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ هَارُوْنَ البَغْدَادِيُّ *
الإِمَامُ، الكَبِيْرُ، المُقْرِئُ، أَبُو الخَطَّابِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ هَارُوْنَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عِيْسَى بنِ دَاوُدَ بن الجَرَّاحِ البَغْدَادِيّ، الكَاتِب.
__________
(1) النفر في اللغة: التفرق، ويوم النفر الأول هو اليوم الثاني من أيام التشريق، والنفر الآخر: اليوم الثالث، ولا حجر على الحاج في أن ينفر من منى إلى مكة في اليوم الثاني بعد الزوال، أو يؤخر إلى اليوم الثالث، قال تعالى: (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى) ، والسراة: الأرض الحاجزة بين تهامة واليمن.
(*) المنتظم: 9 / 140 - 141، العبر: 3 / 348، معرفة القراء: ص: 370، عيون التواريخ: 13 / 126، غاية النهاية: 1 / 548 - 549، شذرات الذهب: 3 / 406.

(19/172)


سَأَله ابْن السَّمَرْقَنْدي عَنْ مَوْلِدِهِ، فَقَالَ:فِي رَجَب، سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
تَلاَ عَلَى:الحَسَنِ بنِ الصَّقر الكَاتِب، وَابْنِ بُكَيْرٍ النَّجَّارِ، وَأَحْمَدَ بنِ مَسْرُوْرٍ، وَمُسَافِرِ بنِ عَبَّادٍ.
وَسَمِعَ مِنْ:أَبِي القَاسِمِ بنِ بِشْرَان، وَمُحَمَّدِ بن عُمَرَ بنِ بُكَيْرٍ، وَطَائِفَة.
وَنظم قصيدَةً فِي القِرَاءات مَشْهُوْرَة، سَمَّاهَا(المُسْعِدَة (1))، وَأَمَّ بِالخَلِيْفَة المُقتدي، وَبأَبِيْهِ المُسْتَظْهِر، وَكَانَ شَافعيّاً ثِقَةً صَدُوْقاً عَالِماً.
تَلاَ عَلَيْهِ أُمَمٌ، وَختم عَلَيْهِ عِدَّة، قرَأَ عَلَيْهِ سِبْطُ الخَيَّاط أَبُو مُحَمَّدٍ، وَأَبُو الْكَرم الشَّهْرُزُورِي، وَسَعْدُ اللهِ بن الدَّجَاجِي، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ:هَؤُلاَءِ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَابْنُ نَاصر، وَعُمَرُ المغَازلِي، وَخطيبُ المَوْصِلِ أَبُو الفَضْلِ، وَأَسَعْد بن بلدرك، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السِّلَفِيّ:سَأَلتُ شُجَاعاً الحَافِظ عَنْهُ، فَقَالَ:أَحَدُ القُرَّاءِ الحُفَّاظ المُتْقِنِيْنَ، مِنْ أَهْلِ الفَضْلِ وَالأَدبِ، وَلَهُ شعر جَيِّد مُدَوَّن.
وَقَالَ السِّلَفِيّ فِي(مُعْجَمه):هُوَ إِمَامٌ فِي اللُّغَة، وَشِعرُه فَفِي أَعْلَى دَرَجَةٍ، وَخطُّه فَمِنْ أَحْسَنِ الخُطُوطِ، تلوتُ عَلَيْهِ بقِرَاءة أَبِي عَمْرٍو الَّتِي قرَأَ بِهَا عَلَى ابْنِ الصَّقر، وَالقَوْل يَتَّسِعُ فِي فَضَائِلِهِ (2) .
قَالَ شُجَاع:تُوُفِّيَ فِي العِشْرِيْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
__________
(1) تحرفت في المنتظم إلى " المبعدة ".
(2) معرفة القراء: 370، وغاية النهاية: 1 / 549، وفيهما تتمة: وكان يصلي بأمير المؤمنين المستظهر بالله التراويح.

(19/173)


96 - شَيْذَلَةُ أَبُو المَعَالِي عَزِيزِي بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَنْصُوْرٍ *
الإِمَامُ، الوَاعِظُ، المُحَدِّثُ، المُذَكِّرُ، أَبُو المَعَالِي عَزِيزِي (1) بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَنْصُوْرٍ الجِيْلِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
سَمِعَ بِجِيلاَنَ مِنْ:أَبِي سَعْدٍ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَلِيٍّ التَّمِيْمِيّ، وَشيخِ الإِسْلاَم الصَّابونِي، قَدِمَا عَلَيْهِ حَاجَّيْنِ، وَبآمُل طَبَرِسْتَان الإِمَامَ أَبَا حَاتِمٍ مَحْمُوْدَ بن الحُسَيْنِ القَزْوِيْنِيّ، وَبِبَغْدَادَ ابْنَ غَيْلاَنَ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الخَلاَّل، وَأَبَا مَنْصُوْرٍ بنَ السَّوَّاق، وَأَبَا الحَسَنِ العَتِيْقِيّ، وَعَلِيَّ بنَ أَحْمَدَ الفَالِي، وَعُبيدَ الله بنَ شَاهِيْن، وَالحَافِظَ الصُّوْرِيّ.
وَعَمِلَ لِنَفْسِهِ(مُعْجَماً)، وَلَهُ تَصَانِيْفُ فِي الْوَعْظ، وَكَانَ عَارِفاً بِمَذْهَب الشَّافِعِيّ، وَاعِظاً، فَصِيْحاً، ظرِيفاً، مَلِيحَ النَّوَادِرِ.
رَوَى عَنْهُ:أَبُو الحَسَنِ بنُ الخَلِّ الفَقِيْه، وَالحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ سَلْمَان، وَشُهْدَةُ الكَاتِبَة، وَوَلِيَ القَضَاءَ بِبَابِ الأَزَجِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ:سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ طِرَادٍ يَقُوْلُ:
ضَاع حِمَارٌ لسوَادِيٍّ بِبَابِ الأَزَجِ، فَتَطلَّبه، فَقَالَ لَهُ عزِيزِي:خُذِ المِقْوَد، وَشُدَّه فِي رَقَبَةِ مَنْ
__________
(*) المنتظم: 9 / 126، الكامل في التاريخ: 10 / 326، وفيات الأعيان: 3 / 259 - 260، العبر: 3 / 339 - 340، عيون التواريخ: 13 / 104 - 105، مرآة الجنان: 3 / 157، طبقات السبكي: 5 / 235، طبقات الاسنوي: 2 / 103، البداية والنهاية: 12 / 160، شذرات الذهب: 3 / 401.
وقال ابن خلكان: وشيذله بفتح الشين المعجمة، وسكون الياء المثناة من تحتها، وفتح الذال المعجمة واللام، وبعدها هاء ساكنة، وهو لقب عليه ولا أعرف معناه مع كثرة كشفي عنه، وقد تصحف في البداية إلى سيدلة.
(1) في ابن خلكان: 3 / 260: وعزيزي، بفتح العين المهملة، وضبطه الفيروزآبادي في القاموس: (شذل) بصيغة التصغير ضبط قلم.

(19/174)


أَردت مِنْ أَهْلِ المَحَلَّةِ، فَإِنَّهُم مِثْلُ مَا تَطلُبُهُ (1) .
قَالَ ابْنُ سُكَّرَةَ:كَانَ شَيْذَلَه شَيْخَ الوُعَّاظِ، وَكَانَ مُتزَهِّداً مُتقلِّلاً، لَمْ يَكُنْ يَدْرِي مَا الحَدِيْث، وَكَانَ شَافعيّاً (2) .
قُلْتُ:مَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.

97 - ابْنُ جَهِيْرٍ أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الوَزِيْرُ الكَامِلُ، عَمِيدُ الدَّوْلَة، أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ ابنُ الوَزِيْرِ الكَبِيْرِ المَلِكِ فَخْرِ الدَّوْلَةِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جَهِيْرٍ، وَزَرَ فِي أَيَّامِ وَالِدِهِ، وَخَدَمَ ثَلاَثَةَ خُلَفَاءَ، وَأَوْصَى بِهِ القَائِمُ حَفِيْدَه الْمُقْتَدِي، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ وَزَرَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ، وَاسْتقلَّ خَمْسَ سِنِيْنَ، وَعُزِلَ بِأَبِي شُجَاع، ثُمَّ عُزِلَ أَبُو شُجَاعٍ سَنَة
__________
(1) وفي " المنتظم " 9 / 126: وقال يوما بحضرة نقيب النقباء طراد: لو حلف أنه لا يرى إنسانا، فرأى أهل باب الازج، لم يحنث، فقال النقيب: أيها الثالب من عاشر قوما أربعين يوما كان منهم.
(2) في طبقات السبكي: 5 / 237 نقلا عن شهدة بنت أحمد بن الفرج الابري، قالت: سمعت القاضي الامام عزيزي بن عبد الملك من لفظه سنة تسعين وأربع مئة يقول: اللهم يا واسع المغفرة، ويا باسط اليدين بالرحمة، افعل بي ما أنت أهله، إلهي..أذنبت في بعض الاوقات، وآمنت بك في كل الاوقات، فكيف يغلب بعض عمري مذنبا جميع عمري مؤمنا، إلهي لو سألتني حسناتي لجعلتها لك مع شدة حاجتي إليها وأنا عبد، فكيف لا أرجو أن تهب لي سيئاتي مع غناك عنها وأنت رب، فيا من أعطانا خير ما في خزائنه، وهو الايمان به قبل السؤال، لا تمنعنا أوسع ما في خزائنك، وهو العفو مع السؤال، إلهي حجتي حاجتي، وعدتي فاقتي، فارحمني، إلهي، كيف أمتنع بالذنب من الدعاء، ولا أراك تمنع من الذنب من العطاء، فإن غفرت فخير راحم أنت، وإن عذبت فغير ظالم أنت، إلهي أسألك تذللا فأعطني تفضلا.
(*) المنتظم: 9 / 118 - 119، الكامل في التاريخ: 10 / 298 - 299، العبر: 3 / 337، الوافي بالوفيات: 1 / 122 - 124، النجوم الزاهرة: 5 / 165 - 166، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 9.

(19/175)


أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ، وَاسْتَوْزَرَ هَذَا (1) ، فَدَام تِسْعَةَ أَعْوَامٍ، وَلَكِن كَانَتْ وِزَارَةُ الخُلَفَاءِ هَذَا الزَّمَان دُوْنَ رُتْبَةِ وِزَارَةِ السُّلْطَان، فَكَانَ نِظَامُ المُلْكِ أَعْلَى رُتْبَةً مِنْهُ.
وَكَانَ عَمِيدُ الدَّوْلَة خَبِيْراً، سَائِساً، شُجَاعاً، شَهْماً، تَيَّاهاً، فَصِيْحاً، أَدِيباً، بَلِيْغاً، يَتقَعَّرُ كَابْنِ عَبَّادٍ فِي خِطَابِهِ، وَلَهُ هَيْبَةٌ شَدِيْدَة، وَأَلْفَاظُهُ مَعْدُوْدَة، مَدَحته الشُّعَرَاء.
وَفِي الآخِرِ حَبَسَهُ المُسْتظهر وَصَادره وَزِيْرُ السَّلطنَة، ثُمَّ أُخْرِجَ مَيتاً فِي شَوَّال، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَكَانَ بِكِبْرِهِ يُضْرَبُ المَثَلُ، وَلَكِنَّهُ فِي النَّكبَة ذَلَّ، وَخَارَتْ نَفْسُهُ، وَأَنَابَ إِلَى اللهِ، وَآخِرُ مَا سُمِعَ مِنْهُ الشَّهَادَةُ - سَامَحَهُ اللهُ - .
وَعَاشَ تِسْعاً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً.
رَوَى عَنْ:أَبِي نَصْرٍ الزَّيْنَبِيّ، وَغَيْرِهِ، وَلَهُ نَظْمٌ جَيِّدٌ.

98 - أَبُو مُطِيعٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الضَّبِّيُّ *
الشَّيْخُ، المُحَدِّثُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ وَقته، أَبُو مُطِيعٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَحْمَدَ بنِ زَكَرِيَّا الضَّبِّيُّ، المَدِيْنِيُّ، النَّاسِخُ، المُجَلِّدُ،
__________
(1) وقد نظم فيه الشاعر أبو منصور المعروف بصردر القصيدة المشهورة وأولها:
قد رجع الحق إلى نصابه * وأنت من دون الورى أولى به
ما كنت إلا السيف سلته يد * ثم أعادته إلى قرابه
ومنها: تيقنوا لما رأوها ضيعة * أن ليس للجو سوى عقابه
إن الهلال يرتجى طلوعه * بعد السرار ليلة احتجابه
والشمس لا يؤيس من طلوعها * وإن طواها الليل في جنابه
(*) دول الإسلام: 2 / 27، العبر: 3 / 348 - 349، الوافي بالوفيات: 4 / 67، عيون التواريخ: 13 / 126، شذرات الذهب: 3 / 407.

(19/176)


الصَحَّافُ، المُلَقَّب:بِالمِصْرِيّ.
سَمِعَ مِنَ:الحَافِظ أَبِي بَكْرٍ بنِ مَرْدُوَيْه، وَأَبِي سَعِيْدٍ مُحَمَّد بن عَلِيٍّ النَّقَّاش، وَعَبْدِ اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ البَاوَرْدي، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ مَعْمَرِ بن زِيَادٍ، وَالحُسَيْنِ بن إِبْرَاهِيْمَ الجمَال، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي عَلِيٍّ المُعَدّل، وَأَبِي زُرْعَةَ رَوْحِ بن مُحَمَّدٍ، وَالفَضْلِ بن عُبيدِ الله، وَجَمَاعَةٍ، تَفَرَّد بِالرِّوَايَة عَنْ كَثِيْر مِنْهُم، وَأَملَى عِدَّةَ مَجَالِس.
حَدَّثَ عَنْهُ:إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَعْمرٍ اللُّنبَانِي، وَأَبُو حَنِيفَةَ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ الخطيبِي، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ المُقْرِئُ، وَعُمَرُ بنُ أَبِي سَعْدٍ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو الفَتْحِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الخرقِي، وَأَبُو العَبَّاسِ التُّرك، وَعِدَّة.
قَالَ السَّمْعَانِيّ:كَانَ صَالِحاً مُعَمِّراً أَديباً فَاضِلاً، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قُلْتُ:مَاتَ وَهُوَ فِي عَشْرِ المائَة.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو حنِيفَة القَاضِي، حَدَّثَنَا أَبُو مُطِيع، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُوْسَى الحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ هِشَامِ بنِ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عُرْوَةَ البَارِقِيِّ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :(الخَيْلُ مَعْقُوْدٌ بِنَوَاصِيْهَا الخَيْرُ).
قِيْلَ:وَمَا ذَاكَ؟
قَالَ:(الأَجْرُ وَالمَغْنَمُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ).
اتَّفَقَا عَلَيْهِ (1) مِنْ حَدِيْثِ حُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
__________
(1) أخرجه البخاري (2850) في الجهاد: باب الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، و(3119) في فرض الخمس، ومسلم (1873)، (99) في الامارة. وأخرجه =

(19/177)


99 - الرُّمَيْلِيُّ أَبُو القَاسِمِ مَكِّيُّ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ بنِ الحُسَيْنِ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، العَالِمُ، الشَّهِيْدُ، أَبُو القَاسِمِ مَكِّيُّ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ بن الحُسَيْنِ الرُّميْلِيُّ، المَقْدِسِيُّ، أَحَدُ الجَوَّالِينَ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ:كَانَ كَثِيْرَ التَّعب وَالسَّهرِ وَالطَّلَبِ، ثِقَةً، متحرِّياً، وَرِعاً، ضَابطاً، شرع فِي(تَارِيخٍ)لِبَيْتِ المَقْدِسِ.
سَمِعَ:مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى بنِ سُلْوَانَ، وَأَبَا عُثْمَانَ بنَ وَرْقَاءَ، وَأَبَا القَاسِمِ الحِنَّائِي، وَعبدَ البَاقِي بن فَارِس، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بن الحَسَنِ الضَّرَّاب، وَأَبَا جَعْفَرٍ بن المُسْلِمَة، وَأَبَا بَكْرٍ الخَطِيْب، وَخَلْقاً كَثِيْراً بِالشَّامِ وَمِصْرَ وَالعِرَاق وَالجَزِيْرَة وَآمِد.
رَوَى عَنْهُ:عُمَرُ الرَّوَّاسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بن عَلِيٍّ المِهْرَجَانِي، وَعَمَّارُ بنُ طَاهِر، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْديِّ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ المُسَلَّمِ السُّلَمِيُّ، وَحَمْزَةُ بنُ كَرَوَّس، وَغَالِبُ بنُ أَحْمَدَ، وَآخَرُوْنَ.
__________
= البخاري (2852)، ومسلم (1873)، (98)، والترمذي (1694)، والنسائي: 6 / 222، والدارمي: 2 / 211، 212، وأحمد 4 / 375 و376 من طرق عن عامر الشعبي عن عروة. وأخرجه أحمد من طرق عن عروة.
وفي الباب من حديث أبي هريرة عند الترمذي (1636)، والنسائي: 6 / 215، وعن عبد الله بن عمر عند البخاري (2849) و(3644) ومسلم (1871)، والموطأ 2 / 467، وعن أنس عند البخاري (2851)، وعن جرير بن عبد الله عند مسلم (1872)، والنسائي: 6 / 221، وعن أبي سعيد الخدري عند أحمد: 3 / 39.
(*) الإكمال: 4 / 226، الأنساب: 6 / 166، 167، معجم البلدان: 3 / 73، اللباب: 2 / 38، دول الإسلام: 2 / 22، العبر: 3 / 334، تذكرة الحفاظ: 4 / 1229، عيون التواريخ: 13 / 91، طبقات السبكي: 5 / 332 - 333، طبقات الاسنوي: 1 / 583، النجوم الزاهرة: 5 / 164، طبقات الحفاظ: 449، الانس الجليل: 1 / 264، شذرات الذهب: 3 / 398 - 399، هدية العارفين: 2 / 471.
(1) في طبقات السبكي: 5 / 332 شرع في تاريخ بيت المقدس وفضائله وجمع فيه شيئا، وحدث باليسير لأنه قتل قبل الشيخوخة.

(19/178)


وُلِدَ:سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَكَانَ مُفْتِياً عَلَى مَذْهَب الشَّافِعِيّ، وَكَانَتِ الفَتَاوَى تَجِيئهُ مِنَ البِلاَد، وَكَانَ عَالِماً ثَبْتاً، ابْتُلِي بِالأَسرِ وَقتَ أَخْذِ العَدُوّ بَيْتَ المَقْدِسِ، وَطَلَبُوا فِي فِدَائِهِ ذهباً كَثِيْراً، فَلَمْ يُفْدَ، فَقَتَلُوْهُ بِالحجَارَة عِنْد البَثَرُوْنَ (1) - رَحِمَهُ اللهُ - فِي ثَانِي عشر شَوَّال، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَلَهُ سَبْعُوْنَ سَنَةً وَأَشْهُر.
وَقَتَلُوا بِالقُدْسِ نَحْواً مِنْ سَبْعِيْنَ أَلْفاً، وَدَام فِي أَيديهِم تِسْعِيْنَ سَنَةً (2) .
__________
(1) كذا الأصل، وفي تذكرة الحفاظ " بيروت " ويغلب على الظن أنه تصحيف، وجاء في معجم ياقوت: بثرون بالتحريك والراء: حصن بين جبيل وأنفة على ساحل بحر الشام، وفي تذكرة الحفاظ أيضا: فقتل صبرا بظاهر أنطاكية، وقال أبو الفضل محمد بن ناصر الحافظ: فأقام ببيت المقدس يدرس الفقه على مذهب الشافعي ويروي الحديث إلى أن غلبت الافرنج على بيت المقدس، فحكى لي من رآه وهو يحمل عليهم حتى يخرجهم من المسجد، وقتل منهم ثم قتل شهيدا في سنة تسعين وأربع مئة.
(2) وحين صح العزم من المسلمين على مناهضة أعدائهم، واسترداد ما سلب منهم، اطرحوا الخلافات التي بينهم، ووحدوا كلمتهم، واتجهوا إلى الله بقلب سليم، واستنزلوا النصر منه، وقاتلوا في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص بالقوى المتاحة لهم، حين فعلوا ذلك كله، حقق الله لهم النصر على أعدائهم، ومنحهم أكتافهم، وتم فتح بيت المقدس على أيديهم سنة 583 ه بقيادة السلطان المسلم صلاح الدين الأيوبي.
وقد كان لتسامح المجاهدين وعلى رأسهم صلاح الدين، وأخلاقهم الفاضلة عندما فتحوا بين المقدس أثر كبير في نفوس أعدائهم، فقد امتدحهم مؤرخوهم، وأثنوا عليهم ثناء طيبا، فها هو رنسمان يقول: الواقع أن المسلمين الظافرين اشتهروا بالاستقامة والانسانية، فبينما كان الفرنج منذ ثمان وثمانين سنة يخوضون دماء ضحاياهم، لم تتعرض الآن دار من الدور للنهب، ولم يحل بأحد من الاشخاص مكروه، إذ صار رجال الشرطة بناء على أمر صلاح الدين يطوفون الشوارع والابواب، يمنعون كل اعتداء يقع على المسيحيين.
ملكنا فكان العفو منا سجية * فلما ملكتم سال بالدم أبطح
والمقلب في صفحات التاريخ يلاحظ أن سنة الله في عباده المسلمين لا تتبدل ولا تتغير، فهم حين يتناسون الخلاف فيما بينهم، وينضوون تحت راية الإسلام، ويرتضونه دينا يهيمن على شؤون حياتهم، ويرخصون أنفسهم في سبيل الله، ويأخذون أنفسهم بسنن الله، فإنهم يحققون انتصارات باهرة على أعدائهم، ويستخلفهم الله في الأرض، ويمكن لهم دينهم، =

(19/179)


100 - مَجْدُ المُلك أَبُو الفَضْلِ أَسَعْدُ بنُ مُوْسَى البلاشَانِيُّ *
الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو الفَضْلِ أَسَعْدُ بنُ مُوْسَى البلاشَانِي.
وَزَرَ لِلسُّلْطَانِ بَرْكْيَارُوْق، وَكَانَ فِيْهِ خَيْرٌ وَعَدلٌ وَدِيَانَةٌ وَقِلَّةُ ظُلْم، وَكَانَ كَبِيْرَ الشَّأْنِ، عَالِيَ الرُّتبَة، وَصَارَ يَعتضِد بِالبَاطِنِيَّةِ (1) ، فَقِيْلَ:رَتَّبَ مَنْ قَتَلَ الأَمِيْر بُرسق، فَنَفَرَ مِنْهُ الأُمَرَاءُ، وَقَامُوا عَلَيْهِ، وَتَنَكَّرُوا لبركيَارُوْقَ، وَمَا زَالُوا حَتَّى غَلَبَ عَنْهُم، وَأَسلمه إِلَيْهِم، فَقتلُوْهُ، وَكَانَ شِيْعِيّاً (2) قَدْ هَيَّأَ فِي كَفنه سَعَفَةً وَتربَة، وَكَانَ لَهُ مَعَ بِدعته تَهَجُّدٌ وَتعبُّدٌ وَصِلاَتٌ دَارَّة عَلَى العَلَوِيَّةِ.
قُتِلَ:فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.

101 - ابْنُ خِذَامٍ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنٍ **
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُعَمَّر، الوَاعِظ، مُسْنِدُ بُخَارَى، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنِ بنِ خِذَامٍ الخِذَامِي (3) ، البُخَارِيّ.
__________
= ويبدل خوفهم أمنا، وصدق الله العظيم: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) .
(*) الكامل في التاريخ: 10 / 289 - 291.
(1) في كامل ابن الأثير: 10 / 289: إن الباطنية لما تولى منهم قتل الامراء الأكابر من الدولة السلطانية، نسبوا ذلك إليه، وأنه هو الذي وضعهم على قتل من قتلوه.
(2) في " الكامل ": وكان يتشيع إلا أنه كان يذكر الصحابة ذكرا حسنا، ويلعن من يسبهم.
(* *) الأنساب: 5 / 56 - 57، اللباب: 1 / 426، المشتبه: 146، الجواهر المضية: 2 / 605، الطبقات السنية: 1505.
(3) كذا الأصل بالذال المعجمة، وفي " مشتبه " المؤلف 1 / 146: وبخاء معجمة علي بن محمد الخذامي في أجداده خذام، قال ابن ناصر الدين في " توضيح المشتبه " =

(19/180)


وُلِدَ:سَنَةَ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَسَمِعَ مِنْ:مَنْصُوْر الكَاغَدِي، وَحُسَيْن بن خَضِر النسفِي القَاضِي، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ الفَارِسِيّ، وَأَحْمَدَ بنِ حَسَنٍ المرَاجِلِي (1) ، وَخَلْق.
رَوَى عَنْهُ:عُثْمَانُ بنُ عَلِيٍّ البِيْكَنْدِيّ، وَأَبُو ثَابِتٍ الحَسَنُ بن عَلِيٍّ البَرْدِيْجِيُّ (2) ، وَأَبُو رَجَاءٍ مُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ السِّنْجِيُّ، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ الوَاعِظ، وَآخَرُوْنَ.
وَعَاشَ:تِسْعِيْنَ عَاماً.
تُوُفِّيَ:سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَوْ قَرِيْباً مِنْهَا.

102 - ابْنُ حِيْد أَبُو أَحْمَدَ مَنْصُوْرُ بنُ بَكْرِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، الأَمِيْنُ، أَبُو أَحْمَدَ مَنْصُوْرُ بنُ بَكْرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بن مُحَمَّدِ بنِ حِيْد بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ النَّيْسَابُوْرِيّ، التَّاجِر، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
سَمِعَ مِنْ:جَدِّه أَبِي بَكْرٍ بنِ حِيْد صَاحِبِ الأَصَمّ، وَبِبَغْدَادَ مِنِ:ابْنِ غَيْلاَنَ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ الأَزَجِي، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ:عُمَرُ بنُ ظفر، وَأَبُو المُعَمَّر الأَنْصَارِيّ، وَابْن نَاصر،
__________
= ورقة: 126: وجدت المصنف نقط الدال فوق بخطه في الموضعين، والصواب إهمالها، وقبلها خاء معجمة مكسورة، وهكذا قيده الأمير، وابن السمعاني، وغيرهما، وكأن المصنف تبع ابن نقطة، فإنه عطفه على الجذامي بالجيم والذال المعجمة، فقال: وأما الخذامي بكسر الخاء المعجمة، والباقي مثله، وذكره.
(1) نسبة إلى عمل المراجل جمع مرجل.
(2) نسبة إلى برديج: بليدة بأقصى أذربيجان بينها وبين برذعة أربعة عشر فرسخا.
(*) لم نقف له على ترجمة في المصادر المتيسرة لنا.

(19/181)


وَالسِّلَفِيّ، وَخطِيبُ المَوْصِل، وَشُهْدَةُ بِنْت الإِبرِي (1) ، وَعِدَّة.
مَاتَ:فِي شَوَّال، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَقَدْ شَاخَ وَأَسنَّ.

103 - صَاعِدُ بنُ سَيَّارِ بنِ يَحْيَى بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِدْرِيْسَ *
قَاضِي القُضَاةِ، جَمَالُ الإِسْلاَمِ، أَبُو العَلاَءِ الكِنَانِيُّ، الهَرَوِيّ.
سَمِعَ:أَبَا سَعِيْدٍ مُحَمَّدَ بن مُوْسَى الصَّيْرَفِيّ، وَعَلِيَّ بنَ مُحَمَّدٍ الطّرَازِي صَاحِبَي الأَصَمِّ، وَجدَّه القَاضِي أَبَا نَصْرٍ يَحْيَى بنَ مُحَمَّدٍ، وَالقَاضِي أَبَا العَلاَءِ صَاعِدَ بنَ مُحَمَّدٍ الحَنَفِيّ، وَأَبَا بِشر الحَسَنَ بن أَحْمَدَ المُزَكِّي، وَسَعِيْدَ بنَ العَبَّاسِ القُرَشِيّ، وَطَائِفَةً، وَانتخب عَلَيْهِ شَيْخُ الإِسْلاَمِ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ (2) .
وَحَدَّثَ عَنْهُ:مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ، وَحَفِيْدُه نَصْر بن سَيَّار بن صَاعِد.
وَكَانَ صَيِّناً نَزِهاً، وَقُوْراً عَلاَّمَةً، مُعَظَّماً فِي النُّفُوْس، صَاحِبَ سُنَّةٍ وَجَمَاعَة.
عُمِّرَ دَهْراً، وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي وَسَطِ سَنَةِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَمِنَ الرُّوَاة عَنْهُ:حَفِيْدُهُ شِهَابُ بنُ سَيَّار، وَعَلِيُّ بنُ سَهْلٍ الشَّاشِيّ، وَعبدُ المُعِزّ بن بِشْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ الدَّهَّان، وَعبدُ الوَاسِع بنُ عَطَاءٍ، وَمَسْرُوْرُ بن عَبْدِ اللهِ الحَنَفِيّ.
__________
(1) نسبة إلى جمع الابر وعملها، وهي جمع إبرة.
(*) العبر: 3 / 341، عيون التواريخ: 13 / 115، النجوم الزاهرة: 5 / 169، شذرات الذهب: 3 / 402.
(2) عبد الله بن محمد بن علي الهروي الحنبلي صاحب منازل السائرين المتوفى سنة 481 ه.
تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (260).

(19/182)


تُوُفِّيَ:فِي شهر رَجَب، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَلَهُ تِسْعُوْنَ سَنَةً غَيْرَ أَشْهُرٍ.

104 - ابْنُ أَشتَه أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الغَفَّارِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ الثِّقَةُ، المُسْنِدُ، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الغَفَّارِ بن أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ ابْن أَشتَه الأَصْبَهَانِيّ، الكَاتِب.
سَمِعَ:الحَافِظ أَبَا سَعِيْدٍ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ، وَعَلِيَّ بنَ مَيْلَة الفَرَضِيّ، وَابْنَ عَقِيْلٍ البَاوَرْدي، وَالفَضْلَ بنَ شَهْرَيَار، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ:إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو سَعْدٍ بنُ البَغْدَادِيّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ.
مَاتَ:فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَلَهُ اثنتَان وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
وَفِيْهَا مَاتَ:أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الرَّازِيّ (1) ثُمَّ المِصْرِيُّ ابْنُ الحَطَّابِ، وَالعَابِدُ أَحْمَدُ بنُ سَهْلٍ السَّرَّاج بِنَيْسَابُوْرَ، وَأَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بَشْرُويه المُحَدِّث (2) ، وَمُسْنِدُ الوَقْت طِرَادٌ الزَّيْنَبِيّ (3) ، وَسَهْلُ بنُ بِشْرٍ الإِسْفَرَايينِي مُحَدِّثُ دِمَشْقَ (4) ، وَالحَافِظُ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ
__________
(*) التقييد: الورقة 24 أ - 24 ب، العبر: 3 / 331، عيون التواريخ: 13 / 83، مرآة الجنان: 3 / 154، شذرات الذهب: 3 / 396.
(1) سترد ترجمته برقم (111).
(2) مترجم برقم (135).
(3) تقدمت ترجمته برقم (24).
(4) تقدمت ترجمته برقم (88).

(19/183)


السَّمَرْقَنْديُّ (1) ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بنُ حَسَّانِ بنِ سَعِيْدٍ المَنِيْعِيُّ، وَأَبُو الفَتْحِ عَبدُ الوَاحِد بن عُلْوَانَ الشَّيْبَانِيُّ (2) ، وَأَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الحَرَمِيُّ (3) المُحَدِّث، وَمَكِّيٌّ السَّلاَّر (4) ، وَهِبَةُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الأَنْصَارِيّ صَاحِبُ الحَفَّار (5) .

105 - الكَامَخِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ السَّاوِي (6) ، الكَامَخِيُّ، مُحَدِّث رحَّال فَاضِل.
سَمِعَ بِنَيْسَابُوْرَ:القَاضِي أَبَا بَكْرٍ الحِيْرِيَّ، وَأَبَا سَعِيْدٍ مُحَمَّدَ بنَ مُوْسَى الصَّيْرَفِيَّ، وَأَبَا بَكْرٍ البَرْقَانِيَّ، وَهِبَةَ اللهِ اللاَّلْكَائِيَّ، وَطَائِفَةً.
حَدَّثَ عَنْهُ:إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، وَسَعِيْدُ بنُ سَعْدِ اللهِ المِيهَنِي، وَأَخوَاهُ هِبَةُ اللهِ، وَرَاضيَة، وَأَبُو زُرْعَةَ المَقْدِسِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
حَدَّثَ(بِمُسْنَدِ الشَّافِعِيّ)مِنْ غَيْرِ أَصلٍ (7) .
__________
(1) سترد ترجمته برقم (126).
(2) تقدمت ترجمته برقم (66).
(3) نسبة إلى حرم الله تعالى. إما لولادة به أو لسكناه، وسترد ترجمته برقم (123).
(4) تقدمت ترجمته برقم (40).
(5) تقدمت ترجمته برقم (29).
(*) العبر: 3 / 342، ميزان الاعتدال: 3 / 467، عيون التواريخ: 13 / 115، لسان الميزان: 5 / 63، شذرات الذهب: 3 / 403.
(6) الساوي: نسبة إلى ساوه، بلد بين الري وهمذان، والكامخي: نسبة إلى من يصنع الكامخ: وهو شيء يؤتدم به أو المخللات المشهية، وقد تحرف في لسان الميزان إلى الكاسجي.
(7) قال المؤلف في " الميزان ": قلت ترخص المتأخرون في هذا كثيرا.

(19/184)


قَالَ ابْنُ طَاهِر:سَمَاعُهُ فِيمَا عدَاهُ صَحِيْح (1) .
قُلْتُ:حَدَّثَ بِحَرَّانَ غَيبته فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ:مُفْتِي أَصْبَهَان حُسَيْن بن مُحَمَّدٍ الطَّبَرِيّ ثُمَّ البَغْدَادِيّ الشَّافِعِيّ (2) ، وَصَاحِبُ مِصْرَ المُسْتَعلِي أَحْمَدُ بنُ المُسْتَنْصِرِ، وَأَبُو طَاهِرٍ خَالِدُ بنُ عَبدِ الوَاحِدِ التَّاجِر، وَمُعَمَّرُ زَمَانِهِ عَبدُ الوَاحِد بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الوَرْكِي (3) ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الفقيرَة بِبَغْدَادَ، وَأَبُو يَاسِر مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الخَيَّاط، سَمِعَا مِنْ أَبِي القَاسِمِ بنِ بِشْرَان، وَشيخُ الشَّافعيَة أَبُو الحَسَنِ بنُ أَبِي عَاصِمٍ العَبَّادِيُّ المَرْوَزِيّ، مُصَنّف كِتَاب(الرَّقم)فِي المَذْهَب، وَلَهُ ثَمَانُوْنَ سَنَةً.

106 - ابنُ البُسْرِيِّ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ البُنْدَارُ *
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ ابنُ الشَّيْخ أَبِي القَاسِمِ عَلِيِّ بن أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ البُسْرِيِّ البُنْدَارُ، البَغْدَادِيّ، بَقِيَّةُ المَشْيَخَة، وَآخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ يَحْيَى السُّكَّرِيّ.
وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ:أَبِي الحَسَنِ بنِ مَخْلَدٍ، وَأَبِي عَلِيٍّ بنِ شَاذَانَ، وَأَبِي بَكْرٍ البَرْقَانِيِّ، وَطَائِفَة.
حَدَّثَ عَنْهُ:أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَةَ، وَسَعْدُ الخَيْرِ الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ
__________
(1) وقال السمعاني فيما نقله عنه ابن حجر في اللسان: 5 / 63: هو محدث فهم معروف بالطلب، رحل وسمع بنفسه وأكثر...(2) سترد ترجمته برقم (128).
(3) تقدمت ترجمته برقم (59).
(*) الأنساب: 2 / 211 - 212، اللباب: 1 / 152، العبر: 3 / 346 - 347، عيون التاريخ: 13 / 125، شذرات الذهب: 3 / 405.

(19/185)


السِّلَفِيُّ، وَعَبْدُ الخَالِقِ اليُوْسُفِيُّ، وَشُهْدَةُ الكَاتِبَةُ، وَأَبُو الفَتْحِ بنُ شَاتيلَ، وَآخَرُوْنَ، وَكَانَ مِنَ الصُّلَحَاءِ.
قَالَ السِّلَفِيُّ:لَمْ يَرْوِ لَنَا عَنِ السُّكَّرِيِّ سِوَاهُ.
قُلْتُ:وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَوْ نَحْوهَا.
وَمَاتَ:فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ:صَاحِبُ دِمَشْق السُّلْطَانُ شَمْسُ المُلُوْك أَبُو نَصْرٍ دُقَاقُ ابنُ الْملك تَاج الدَّوْلَة تُتُشَ (1) ابنِ السُّلْطَان الكَبِيْرِ أَلب آرسلاَن السَّلجوقِيُّ، وَكَانَتْ دَوْلَتُه بَعْدَ أَبِيْهِ عَشْرَ سِنِيْنَ، وَدُفِنَ بِخَانقَاه الطَّوَاوِيسِ.
وَفِيْهَا مَاتَ:أَبُو يَاسِرٍ أَحْمَدُ بنُ بُنْدَارَ البَقَّالُ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الطُّرَيْثِيْثِيُّ (2) ، وَالقَاضِي أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حَمْزَةَ الثَّقَفِيُّ الكُوْفِيُّ، وَالمُحَدِّثُ الزَّاهِدُ أَبُو الفَرَجِ إِسْمَاعِيْلُ ابنُ القُدْوَة مُحَمَّدِ بنِ عُثْمَانَ القُوْمِسَانِي بِهَمَذَان، وَالوَاعِظُ الكَبِيْرُ الأَمِيْرُ أَرْدَشير العُبَادِيُّ - وَكَانَ تَالِفاً (3) - وَطَاهِرُ بن أَسَدٍ الشِّيرَازِيُّ الطَّبَّاخ، وَالمنشِئ البليغُ أَبُو سَعْدٍ العَلاَءُ بن حَسَن بن المُوْصَلاَيَا (4) ، وَأَبُو الخَطَّابِ بنُ الجَرَّاحِ، وَعِيْسَى بنُ أَبِي ذَرٍّ الهَرَوِيُّ (5) ، وَأَبُو مُطِيع المَدِيْنِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ الفَقِيْه الطلاعِيُّ (6) ، وَأَبُو الْمطرف عَبْد الرَّحْمَنِ (7) الشَّعْبِيّ بِمَالِقَة.
__________
(1) سترد ترجمته برقم (129).
(2) تقدمت ترجمته برقم (87).
(3) في الأنساب: 8 / 337: أبو الحسين أردشير بن أبي منصور العبادي الملقب بأمير، كان واعظا مليح الوعظ، حسن السيرة، ظهر له القبول التام ببغداد فيما بين العوام.
(4) سترد ترجمته برقم (120).
(5) تقدمت ترجمته برقم (94).
(6) سترد ترجمته برقم (121).
(7) سترد ترجمته برقم (140) وفيها عبد الرحيم.

(19/186)


107 - المُتَوَلِّي أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَأْمُوْنِ بنِ عَلِيٍّ *
شَيْخُ الشَّافعيَّة، أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ (1) مَأْمُوْنِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ الأَبِيوَرْدِيُّ، المُتولِّي، تَفَقَّهَ بِبُخَارَى وَغَيْرِهَا، وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ القَاضِي حُسَيْن، وَكَانَ رَأْساً فِي الفِقْه وَالأُصُوْل، ذكيّاً، مُنَاظراً، حسنَ الشَّكل، كَيِّساً مُتَوَاضِعاً، تَمَّمَ كِتَاب(الإِبَانَة)لِلْفُورَانِي، فَجَاءَ فِي عَشْرَة أَسفَار (2) ، وَ(الإِبَانَة)سِفرَانِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ بِشَرَفِ الأَئِمَّة.
مَوْلِدُهُ:بِأَبِيوَرْد، سَنَة سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَمَاتَ:فِي شَوَّال، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ (3) وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَرُثِيَ بِقصَائِدَ، وَقَدْ دَرَّسَ بِالنِّظَامِيَة بَعْدَ وَفَاةِ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ مُدَّةً يَسِيْرَة (4) ، ثُمَّ صُرِفَ بِابْنِ الصَّبَّاغِ.
تَفقَّه عَلَيْهِ جَمَاعَة.
__________
(*) المنتظم: 9 / 18، الكامل في التاريخ: 10 / 146، وفيات الأعيان: 3 / 133 - 134، تاريخ الإسلام: 156، دول الإسلام: 2 / 8، العبر: 3 / 290، الوافي (خ): 16 / 61 - 62، مرآة الجنان: 3 / 122 - 123، طبقات السبكي: 5 / 106 - 108، طبقات الاسنوي: 1 / 305 - 306، البداية والنهاية: 12 / 128، طبقات ابن قاضي شهبة: 1 / 264، طبقات ابن هداية الله، كشف الظنون: 1 / 1251، شذرات الذهب: 3 / 358، إيضاح المكنون: 2 / 150.
(1) سقطت الزيادة من الأصل، ولا بد لها، فكل من ترجم له قد ذكرها.
(2) في طبقات ابن كثير: 1 / 85 / ب: وصنف التتمة ولم يكمله، وصل فيه إلى القضاء وأكمله غير واحد، ولم يقع شيء من تكملتهم على نسبته، قال الأذرعي: ونسخ التتمة تختلف كثيرا، وفي طبقات السبكي: 107: وله كتاب التتمة على إبانة شيخه الفوراني، وصل فيه إلى الحدود ومات.
(3) في الأصل: وتسعين، وهو خطأ.
(4) في ابن خلكان: 3 / 133: لما جلس للتدريس أبو سعد بعد الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، أنكر عليه الفقهاء استناده موضعه، وأرادوا منه أن يستعمل الأدب في الجلوس دونه، ففطن وقال لهم: اعلموا أنني لم أفرح في عمري إلا بشيئين: أحدهما أني جئت من وراء النهر، ودخلت سرخس وعلي أثواب أخلاق لا تشبه ثياب أهل العلم، فحضرت مجلس =

(19/187)


108 - ابْنُ جَزْلَهَ أَبُو عَلِيٍّ يَحْيَى بنُ عِيْسَى البَغْدَادِيُّ *
إِمَامُ الطِّبِّ، أَبُو عَلِيٍّ يَحْيَى بن عِيْسَى بنِ جَزْلَهَ البَغْدَادِيّ، كَانَ نَصْرَانِيّاً، فَأَسْلَمَ فِي كُهُولتِه عَلَى يَدِ قَاضِي القُضَاة الدَّامغَانِي (1) ، وَلاَزَمَ أَبَا عَلِيٍّ بنَ الوَلِيْدِ فِي المَنطقِ، وَلَهُ(مِنْهَاجُ البَيَانِ)فِي الطِّبِّ فِي الأَدويَةِ المفردَةِ وَالمركبَة، وَكِتَاب(تَقوِيمِ الأَبْدَانِ)مُجَدول، وَرِسَالَةٌ فِي الرَّدِّ عَلَى النَّصَارَى (2) .
مَاتَ:فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَكَانَ ذكيّاً صَاحِبَ فُنُوْنٍ وَمُنَاظرَةٍ وَاحتجَاجٍ، وَكَانَ يُدَاوِي الفُقَرَاءَ مِنْ مَالِهِ.

109 - شَرَفُ المُلْكِ أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الخُوَارزمِيُّ **
الصَّاحبُ، الأَمْجَدُ، أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الخُوَارزمِي، الكَاتِب،
__________
= أبي الحارث بن أبي الفضل السرخسي، وجلست في أخريات أصحابه، فتكلموا في مسألة فقلت واعترضت، ولما عادت نوبتي استدناني وقربني حتى جلست إلى جنبه، وقام بي، وألحقني بأصحابه، فاستولى علي الفرح، والشئ الثاني حين أهلت للاستناد في موضع شيخنا أبي إسحاق رحمه الله تعالى، فذلك أعظم النعم، وأوفى القسم.
(*) تاريخ الحكماء: 365 - 366، المنتظم: 9 / 119، الكامل: 10 / 105، 302، عيون الانباء: 343، وفيات الأعيان: 6 / 267 - 268، المختصر: 2 / 223، تاريخ مختصر الدول للعبري: 339، تتمة المختصر: 2 / 21، المستفاد: 259 - 260، عيون التواريخ: 13 / 96 - 97، البداية والنهاية: 12 / 159، النجوم الزاهرة: 5 / 166، إيضاح المكنون: 1 / 85.
(1) في ابن خلكان: 6 / 267، أن سبب إسلامه أبو علي بن الوليد المعتزلي.
(2) قال ابن خلكان: مدح فيها الإسلام، وأقام الحجة على أنه الدين الحق، وذكر فيها ما قرأه في التوراة والانجيل من ظهور النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه نبي مبعوث، وأن اليهود والنصارى أخفوا ذلك ولم يظهروه، ثم ذكر فيها معايب اليهود والنصارى، وهي رسالة حسنة أجاد فيها.
(* *) المنتظم: 9 / 128، الكامل في التاريخ: 10 / 54، 326، عيون التواريخ: 13 / 106، البداية والنهاية: 12 / 161، النجوم الزاهرة: 5 / 167.

(19/188)


المُسْتوفِي، كَانَ صدراً مُعَظَّماً مُحْتَشِماً، كَثِيْرَ الأَمْوَالِ، وَكَانَ مُسْتَوْفِي دِيوَانِ المَمْلَكَة الملكشَاهيَة، فِيْهِ خَيْر وَسُؤْدُد، بَنَى مَدَارسَ وَمَسَاجِدَ، وَهُوَ مُنشِئُ المَشْهَد عَلَى ضرِيحِ الإِمَام أَبِي حَنِيْفَةَ، وَالقُبَّةِ، وَالمدرسَةِ، ثُمَّ إِنَّهُ فِي أَوَاخر أَمرِه، لَزِمَ دَاره مُكرَّماً مُحترماً، كَانَتِ المُلُوْكُ يَصدُرُوْنَ عَنْ رَأْيِه، وَفِيْهِ يَقُوْلُ الصَّدْر أَبُو جَعْفَرٍ البَيَاضِي لمَا بَنَى المَشْهَد:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ العِلْمَ كَانَ مُبَدَّداً ... فَصَيَّرَهُ هَذَا المُغَيَّبُ فِي اللَّحْدِ (1)
كَذَلِكَ كَانَتْ هَذِهِ الأَرْضُ مَيْتَةً ... فَأَنْشَرَهَا فِعْلُ العَمِيدِ أَبِي سَعْدِ
قَالَ:فَوَصَلَهُ بِأَلفِ دِيْنَارٍ، حَكَى ذَلِكَ أَبُو طَالِبٍ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الزَّيْنَبِيّ.
مَاتَ شرفُ الملكِ:فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.

110 - الشِّيْرَجَانِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
المُحَدِّثُ، الرّحَّالُ، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الفَضْلِ الكَرْمَانِيّ، الصُّوْفِيّ، تَعِبَ وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَتغرَّب.
وَسَمِعَ مِنْ:أَبِي الحُسَيْنِ مُحَمَّدِ بنِ مَكِّيٍّ بِدِمَشْقَ، وَمِنْ سُلَيم بِصُوْرَ، وَمِنِ ابْنِ طَلْحَةَ، وَعَاصِمِ بنِ حَسَنٍ بِبَغْدَادَ، وَكَانَ ذَا عِبَادَةٍ وَنُسُكٍ.
__________
(1) في " وفيات الأعيان ": فجمعه هذا المغيب في اللحد.
(*) المنتظم: 9 / 132، ميزان الاعتدال: 1 / 521، الوافي بالوفيات: 12 / 215، لسان الميزان: 2 / 254.
والشيرجاني كالشيرجي: نسبة لمن يبيع الشيرج، وضبطه بكسر الشين السمعاني، وتابعه عليه ابن الأثير، والسيوطي، وخالف صاحب المصباح المنير، فقال: هو بفتح الشين مثال زينب وصيقل وعيطل، وهذا الباب باتفاق ملحق بباب " فعلل " نحو " جعفر "، ولا يجوز كسر الشين، لأنه يصير من باب " درهم " وهو قليل، ومع قلته، فأمثلته محصورة، وليس هذا منها.

(19/189)


رَوَى عَنْهُ:أَبُو البَرَكَات إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَحْمَدَ الصُّوْفِيُّ، وَالسِّلَفِيُّ، وَلاَحَ كَذِبُهُ وَتَزويرُه.
قَالَ شُجَاعٌ:ضَعِيْف.
وَقَالَ المُؤتَمَنُ:يَنْبَغِي أَنْ يُنَادَى عَلَى قَبْرِهِ:هَذَا كَذَّاب.
وَقَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ:هُوَ خَرَّب بَيْتَ ابْن زَهْرَاء الطُّرَيْثِيْثِيّ.
وَقَالَ ابْنُ نَاصر:كَانَ يَكْذِبُ.
وَقَالَ السِّلَفِيّ:لَمْ أَكْتُب إِلاَّ مِنْ أُصُوْله.
وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ:كَتَبَ مَا لاَ يَدخُلُ تَحْتَ الْحصْر وَلاَ يَنفع، وَادَّعَى أَشيَاءَ، وَسَمَّعَ لِنَفْسِهِ (1) .
مَاتَ:سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فِي شَعْبَانَ، وَلَهُ سَبْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.

111 - ابْنُ الحَطَّابِ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَحْمَدَ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الفَقِيْهُ، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَحْمَدَ بنِ الحَطَّاب الرَّازِيُّ، الشَّافِعِيُّ، نَزِيْلُ مِصْرَ.
__________
(1) في " لسان الميزان " عن ابن السمعاني: إلا أنه ادعى سماع ما لم يسمعه، وأفسد سماع جماعة من الشيوخ، فحملهم على أن حدثوا بما لم يسمعوا، منهم أبو بكر الطريثيثي، ورأيت أنا في عدة أجزاء من تصانيف الخطيب سماعه إما ملحقا وإما مصلحا، وكان مع ذلك له ورع وصلاح وزهد وتنسك، وصحبة للمشايخ.
وقال ابن ناصر: كان ظاهره الصلاح، والخبر منكر، ولو قنع بما رزقه الله من السماع كان أصلح، لان الرجل ينتفع بالقليل مع الصدق.
(*) تذكرة الحفاظ 4 / 1228، وتصحف فيه إلى الخطاب بالخاء المعجمة، توضيح المشتبه 1 / 209 / 1، التاج: حطب.

(19/190)


حَجَّ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَدَخَلَ اليَمَن.
وَسَمِعَ بِمِصْرَ:شُعَيْب بن عَبْدِ اللهِ بن المِنْهَالِ وَطَبَقَته، ثُمَّ سَمَّعَ وَلده مِنِ ابْنِ حِمِّصَة، وَابْن الطَّفَّال، وَعِدَّة، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ وَقبلهَا وَبعدهَا.
وَسَمِعَ هُوَ بِدِمَشْقَ:مِنْ عَلِيِّ بنِ السِّمْسَار.
وَتَلاَ عَلَى الحُسَيْنِ بن عَامِرٍ، وَتَلاَ بِمَكَّةَ بِروَايَاتٍ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ الكَارَزِينِي، وَانْتَقَلَ إِلَى الإِسْكَنْدَرِيَّة فِي القَحط الكَائِنِ فِي قُربِ سَنَة سِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَقَرَؤُوا عَلَيْهِ كَثِيْراً، وَكَتَبَ عَنْهُ الحَافِظُ أَبُو زَكَرِيَّا البُخَارِيُّ، وَمَكِّي الرُّمَيْلِي، وَغَيْثٌ الأَرمَنَازِي، وَعبدُ الْمُحسن الشِّيحِي، وَسَمِعَ عَلَيْهِ ابْنُهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الشَّاهدُ الكَثِيْرَ بِالإِسْكَنْدَرِيَّة وَبِمِصْرَ.
قَالَ السِّلَفِيّ:كَانَ مِنَ الثِّقَاتِ، خَيِّراً، كَثِيْرَ المَعْرُوف.
قَالَ ابْنُهُ فِي(مَشْيَخَته):حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ، أَنَا (1) عُمَرَ الصَّيْرَفِيّ بِانتخَابِ أَبِي نَصْرٍ السِّجْزِيّ...، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
ثُمَّ قَالَ ابْنُهُ:كَانَ أَبِي فِي سَكْرَةِ المَوْت وَهُوَ يَقُوْلُ لِي:مَا لِي حَسْرَة إِلاَّ أَنِّي أَمُوْتُ؛وَلَمْ يُؤْخَذ عَنِّي مَا سَمِعتُه عَلَى الوَجْه الَّذِي أَردتُهُ.
مَاتَ:سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.

112 - اللَّوَاتِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ مَرْوَانُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ *
العَلاَّمَةُ، القَاضِي، أَبُو مُحَمَّدٍ مَرْوَانُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ اللَّوَاتِي، المَغْرِبِيّ، الطَّنجِي، المَالِكِيّ، إِمَامٌ، صَاحِبُ فُنُوْنٍ وَقِرَاءاتٍ.
حَجَّ وَتَلاَ عَلَى أَبِي العَبَّاسِ بن نَفِيْسٍ وَغَيْرِهِ.
__________
(1) في الأصل: أن.
(*) الغنية للقاضي عياض ص 258 - 260.

(19/191)


وَسَمِعَ مِنْ:أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ الوَلِيْدِ، وَكَانَ خَطِيْباً مُفَوَّهاً نَحْوياً، وَلِي الفُتْيَا وَالخَطَابَة بِسَبْتَةَ فِي دَوْلَةِ البَرغوَاطِي، وَكَانَ ذَا هَيبَةٍ وَسَطْوَةٍ، دَرَّس(المُدوَّنَة)، وَأَكْثَرَ النَّاسُ عَنْهُ.
قَالَ القَاضِي عِيَاض:سَمِعَ عَلَيْهِ خَالاَي أَبُو عَبْدِ اللهِ (1) ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ ابْنَا الجَوْزِيِّ، وَعَبُّود بنُ سَعِيْدٍ القَاضِي، وَأَبُو إِسْحَاقَ بنُ جَعْفَرٍ.
تُوُفِّيَ:سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ.
وَأَخُوْهُ أَبُو الحَسَنِ مُفْتِي طنجَة عَلِيُّ بن عَبْدِ المَلِكِ.
وَلأَبِي الحَسَنِ وَلدَان:
أَحدُهُمَا:عَبْدُ اللهِ قَاضِي غَرْنَاطَة، ثُمَّ قَاضِي تِلِمْسَان.
وَالثَّانِي:قَاضِي مِكنَاسَة، الفَقِيْه عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَالِد قَاضِي تِلِمْسَان فِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ أَبِي (2) الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
وَكَانَ لِمَرْوَانَ بَنُوْنَ أَئِمَّة، مِنْهُم قَاضِي طَنجَةَ عَبدُ الخَالِق، ثُمَّ عَبْد الوهَّاب قَاضِي طَنجَةَ أَيْضاً، وَكَانَ مِنْ قُضَاة العَدْلِ، وَالثَّالِث العَلاَّمَة ذُو الفنُوْنِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَاضِي جَيَّانَ، وَالرَّابعُ القَاضِي عَبْد المُنْعِمِ وَلِيَ قَضَاءَ مِكنَاسَة، ثُمَّ المَرِيَّة، ثُمَّ وَلِيَ قَضَاءَ إِشبيليَة، ثُمَّ اسْتَعفَى، فَنُقِلَ إِلَى غَرْنَاطَة.
ذكرهُمُ القَاضِي عِيَاض، وَلَمْ يَذكرْ وَفِيَّاتِهِم.

113 - شَمْسُ المُلْك نَصْرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ *
السُّلْطَانُ نَصْرُ بن إِبْرَاهِيْمَ صَاحِبُ مَا وَرَاءَ النَّهْر.
__________
(1) في المطبوع من الغنية: أبو بكر.
(2) في الأصل: أبو.
(*) طبقات الاسنوي: 2 / 416.

(19/192)


قَالَ السَّمْعَانِيّ:كَانَ مِنْ أَفَاضِل المُلُوْك عِلْماً وَرَأْياً وَسِيَاسَةً وَحَزْماً، درس الفِقْه، وَكَتَبَ بِخطِّه المَلِيْحِ مصحفاً، وَخَطَبَ عَلَى مِنْبَرِ بُخَارَى، وَعَلَى مِنْبَرِ سَمَرْقَنْد، وَتَعَجَّبُوا مِنْ فَصَاحتِهِ، وَأَملَى الحَدِيْثَ عَنْ حَمْدِ بن مُحَمَّدٍ الزُّبَيْرِيّ، وَغَيْرِهِ، وَكَانَ يَعْرِفُ النِّجَارَة، عمل بِيَدِهِ بَابَ المَقْصُوْرَةِ.
رَوَى عَنْهُ:مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ الخَطِيْبُ.
تُوُفِّيَ:فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.

114 - السُّوْذَرْجَانِيُّ أَبُو الفَتْحِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، الصَّدُوْقُ، بَقِيَّةُ المَشْيَخَة، أَبُو الفَتْحِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ السُّوذَرْجَانِي، الأَصْبَهَانِيّ، أَخُو الشَّيْخ المُسْنَد الصَّادِق أَبِي مَسْعُوْدٍ مُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ.
سَمِعَا مَعاً مِنْ عَلِيِّ بنِ مَيْلَةَ الفَرَضِيّ، وَأَبِي سَعِيْدٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ النَّقَّاش، وَعَلِيِّ بنِ عَبْدَكُويه، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي عَلِيٍّ الذَّكوَانِي، وَعُمِّرَا دَهْراً، وَتَفرَّدَا.
وَسَمِعَ مِنْهُمَا:أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَهُمَا مِنْ كِبَارِ شُيوخه.
وَرَوَى عَنْ أَبِي الفَتْحِ هَذَا:إِسْمَاعِيْلُ بنُ غَانمٍ البيِّع، وَمَحْمُوْدُ بنُ حَمَكَا، وَأَبُو الفَتْحِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الخرقِي، وَعِدَّةٌ، وَكَانَ نَحْويّاً مَاهِراً مَشْهُوْراً، انْتخب عَلَيْهِ الحُفَّاظُ.
وَمَاتَ:فِي صَفَرٍ، سَنَة سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَلَهُ نَحْوٌ مِنْ تِسْعِيْنَ عَاماً.
__________
(*) معجم البلدان: 3 / 278.
أخوه محمد له ترجمة في: الأنساب: 7 / 185، اللباب: 2 / 153.

(19/193)


وَتُوُفِّيَ أَخُوْهُ مُحَمَّد قَبْله بِعَامَينِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مندة:حَدَّثَ عَنِ ابْنِ مَاشَاذه، وَالفَضْلِ بنِ عُبيد الله بن شَهْرَيَار، وَأَبِي سهل الصَّفَّار، وَأَكْثَر عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَكَانَ مُحِبّاً لأَبِي الحَسَن الأَشْعَرِيّ، يُؤدِّبُ الصِّبْيَان.
وَمَاتَ فِي سَنَةِ سِتٍّ:مُقْرِئ العِرَاق أَبُو طَاهِرٍ بنُ سِوَارٍ (1) ، وَأَبُو سَعْدٍ الحُسَيْن بن الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ الهَاشِمِيّ الفَانِيذِي، وَأَبُو بَكْرٍ خَازِم بنُ مُحَمَّدٍ القُرْطُبِيّ - وَفِيْهِ ضعف - وَأَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بن نَجَاح الأُمَوِيُّ مَوْلاَهُمُ المُقْرِئُ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الدوش الشَّاطبِي، وَأَبُو الحُسَيْنِ يَحْيَى بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي زَيد البيَاز، وَأَبُو البَرَكَات مُحَمَّدُ بن المُنْذِرِ بن طيبَان، وَالمُحَدِّثُ أَبُو يَاسِر بنُ كَادش، وَأَبُو العَلاَءِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْد الجَبَّارِ الضَّبِّيّ الفُرْسَانِي.

115 - الرَّبَعِيُّ أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ *
الشَّيْخُ، الفَقِيْهُ، العَالِمُ، المُسْنِدُ، أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُريبَة الرَّبَعِي، البَغْدَادِيّ، الشَّافِعِيّ.
قَالَ:وَلِدْتُ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
سَمِعَ:أَبَا الحَسَنِ بنَ مَخْلَدٍ البَزَّاز، وَأَبَا عَلِيٍّ بن شَاذَانَ، وَأَبَا القَاسِمِ بن بِشْرَان، وَتَفَقَّهَ عَلَى القَاضِي أَبِي الطَّيِّب، وَأَقضَى القُضَاة المَاوردي، وَأَخَذَ
__________
(1) سترد ترجمته برقم: (139).
(*) العبر: 4 / 5، المشتبه: 457، عيون التواريخ: 13 / 251، مرآة الزمان: 8 / 18، طبقات السبكي: 7 / 223 - 224، تبصير المنتبه: 945، النجوم الزاهرة: 5 / 119، شذرات الذهب: 4 / 4.

(19/194)


الكَلاَم عَنْ أَبِي عَلِيٍّ بنِ الوَلِيْدِ المُعْتَزِلِي، وَغَيْرِهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ:أَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيّ، وَعَبدُ الخَالِق اليُوسفِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ السِّنْجِيّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الخَشَّاب النَّحْوِيّ، وَشُهْدَةُ بِنْتُ الإِبَرِي، وَأَبُو الفَتْحِ بنُ شَاتيل، وَأَبُو السَّعَادَاتِ القَزَّازُ.
قَالَ شُجَاعٌ الذُّهْلِيّ:كَانَ يَذْهَبُ إِلَى الاعتزَال.
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ:سَمِعْتُ أَبَا المُعَمَّر الأَنْصَارِيّ - إِنْ شَاءَ اللهُ - أَوْ غَيْرَه يذكُرُ أَنَّهُ رَجَعَ عَنِ الاعتزَال، وَأَشْهَدَ المُؤتَمَنَ السَّاجِيّ وَغَيْرهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالرُّجُوْع عَنْ رَأْي المُعْتَزِلَة - وَاللهُ أَعْلَمُ - .
مَاتَ:فِي الثَّالِث وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَجَب، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِ مائَة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار:قرَأَ الأَدبَ عَلَى أَبِي القَاسِمِ بنِ بَرْهَان، وَالمَذْهَبَ عَلَى القَاضِي أَبِي الطَّيِّب.
وَمِنْ شِعْرِهِ:
إِنْ كُنْتَ نِلْتَ مِنَ الحَيَاةِ وَطِيْبِهَا ... مَعَ حُسْنِ وَجْهِكَ عِفَّةً وَشَبَابَا
فَاحْذَرْ لِنَفْسِكَ أَنْ تُرَى مُتَمَنِّياً ... يَوْمَ القِيَامَةِ أَنْ تَكُوْنَ تُرَابَا
وَأُمّه هِيَ عُريبَة، وَقَالَ لِلسِّلَفِي:مَوْلِدي سَنَة اثْنَتَيْ عَشْرَةَ.

116 - بَرْكْيَارُوْقُ أَبُو المُظَفَّرِ بنُ مَلِكْشَاه بنُ أَلب آرسلاَنَ السَّلْجُوْقِي *
السُّلْطَانُ الكَبِيْرُ، ركنُ الدِّين، أَبُو المُظَفَّرِ بَرْكيَارُوْق ابْن السُّلْطَان
__________
(*) المنتظم: 9 / 141 - 142 - 144، أخبار دولة آل سلجوق: 75، الكامل في التاريخ: 10 / 380 - 381، وفيات الأعيان: 1 / 268 - 269، دول الإسلام: 2 / 27، =

(19/195)


مَلِكْشَاه بنِ أَلب آرسلاَن السَّلجوقِي، وَيُلَقَّبُ أَيْضاً:بِهَاءَ الدَّوْلَة.
تَمَلَّكَ بَعْدَ أَبِيْهِ، وَنَاب عَنْهُ عَلَى خُرَاسَانَ، أَخُوْهُ السُّلْطَان سَنْجَر.
وَكَانَ بَرْكْيَا رُوْق شَابّاً شَهْماً شُجَاعاً لعَّاباً، فِيْهِ كرمٌ وَحِلْمٌ، وَكَانَ مُدْمِناً لِلْخمر، تَسلطن وَهُوَ حَدَثٌ، لَهُ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَكَانَتْ دَوْلَتُهُ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً فِي نَكَدٍ وَحُرُوْبٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيْهِ مُحَمَّد، يَطولُ شرحهَا، هِيَ مذكورَة فِي الحوَادث.
مَاتَ:بِبُرُوْجِرْد، فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، بِعِلَّةِ السِّلِّ وَالبَوَاسِيْرِ، وَكَانَ فِي أَوَاخرِ دَوْلَته قَدْ تَوطَّد مُلْكُه، وَعَظُمَ شَأْنُهُ، وَلَمَّا احتُضِرَ، عَهِدَ بِالأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ لابْنِهِ مَلِكْشَاه بِمَشُوْرَةِ الأُمَرَاء، فَعقدُوا لَهُ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسَة أَعْوَام.

117 - البَنْدَنِيجِيُّ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ ثَابِتٍ *
العَلاَّمَةُ، المُفْتِي، أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ ثَابِتٍ الشَّافِعِيّ، الضَّرِير، تِلْمِيْذُ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِي.
دَرَّس فِي أَيَّامِ شَيْخه، ثُمَّ جَاور.
__________
= العبر: 3 / 349، 350، تتمة المختصر: 2 / 26 - 27، الوافي بالوفيات: 10 / 121 - 122، عيون التواريخ: 13 / 138 - 139، مرآة الزمان: 8 / 8 - 9، البداية والنهاية: 12 / 164 - 165، العبر لابن خلدون: 5 / 12، السلوك: 1 / 1 / 34، النجوم الزاهرة: 5 / 191، تاريخ الخلفاء: 425 - 426، شذرات الذهب: 3 / 407 - 408.
(*) الأنساب: 2 / 314، طبقات فقهاء اليمن: 119، المنتظم: 9 / 133، اللباب: 1 / 180، الكامل في التاريخ: 10 / 352، الوافي بالوفيات: 5 / 156، نكت الهميان: 277، طبقات السبكي: 4 / 207، طبقات الاسنوي: 2 / 204، البداية والنهاية: 12 / 162، العقد الثمين 2 / 381، طبقات ابن هداية الله ص 185، كشف الظنون: 2 / 1733، هدية العارفين: 2 / 78.

(19/196)


وَحَدَّثَ عَنْ:أَبِي إِسْحَاقَ البَرْمَكِيّ.
رَوَى عَنْهُ:أَبُو سَعْدٍ البَغْدَادِيّ، وَإِسْمَاعِيْلُ التَّيْمِيّ، وَعبدُ الخَالِق اليُوسُفِي.
وَكَانَ مُتَعَبِّداً مُعْتَمِراً، كَثِيْرَ التِّلاَوَة، وَعَاشَ ثَمَانِياً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً (1) .
تُوُفِّيَ:سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.

118 - العِجْلِيُّ أَبُو مَنْصُوْرٍ سَعْدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حَسَنٍ *
مُفْتِي هَمَذَان، وَعَالِمُهَا، الإِمَامُ، أَبُو مَنْصُوْرٍ سَعْدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حَسَنٍ العِجْلِيّ، الأَسَدَابَاذِي، ثُمَّ الهَمَذَانِيّ، الشَّافِعِيّ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ:هُوَ ثِقَةٌ، مُفْتٍ، منَاظرٌ، كَثِيْرُ العِلْمِ وَالعَمَلِ.
سَمِعَ:أَبَا إِسْحَاقَ البَرْمَكِيّ، وَكَرِيْمَةَ المَرْوَزِيَّةَ، وَطَائِفَة.
قُلْتُ:رَوَى عَنْهُ:ابْنُهُ؛أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ، وَبِالإِجَازَة أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ:مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.

119 - ابْنُ الأَبْرَصِ عَبْدُ الخَالِقِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ خَلَفٍ البَغْدَادِيُّ **
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، المُعَمَّرُ، أَبُو تُرَاب عَبْدُ الخَالِقِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ خَلَفٍ
__________
(1) ومن شعره:
عدمتك نفسي ما تملي بطالتي * وقد مر أصحابي وأهل مودتي
أعاهد ربي ثم أنقض عهده * وأترك عزمي حين تعرض شهوتي
وزادي قليل ما أراه مبلغي * أللزاد أبكي أم لبعد مسافتي
(*) المنتظم: 9 / 125، الوافي بالوفيات: 15 / 181، طبقات السبكي: 4 / 383، طبقات الاسنوي: 2 / 213 - 214.
(* *) لم نقف له على ترجمة في المصادر التي بين أيدينا.

(19/197)


البَغْدَادِيّ، ابْنُ الأَبْرَص، المُؤَدِّبُ.
سَمِعَ:هِبَةَ اللهِ بن الحَسَنِ الحَافِظ، وَأَبَا القَاسِمِ الحُرْفِي.
رَوَى عَنْهُ:إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ:فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ أَيْضاً.

120 - ابْنُ المُوْصِلاَيَا العَلاَءُ بنُ حَسَنِ بنِ وَهْبٍ البَغْدَادِيُّ *
المنشِئُ، البليغُ، ذُو التَّرَسُّلِ الفَائِقِ، أَمِيْن الدَّوْلَة، أَبُو سَعْدٍ العَلاَءُ بنُ حَسَن بن وَهْبٍ البَغْدَادِيّ.
كَانَ نَصْرَانِيّاً، فَأَسْلَمَ عَلَى يَد الْمُقْتَدِي، وَلَهُ بَاعٌ مديدٌ فِي النَّظم وَالنَّثر، عُمِّرَ دَهْراً، وَأَضَرَّ، بَعْدَ أَنْ كتب الإِنشَاء نَيِّفاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً، وَلَمَّا أَسْلَمَ كَانَ قَدْ شَاخَ، وَقَدْ نَابَ فِي الوزَارَة غَيْرَ مَرَّةٍ، وَكَانَ أَفصحَ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَفِيْهِ مَكَارِمُ وَآدَابٌ وَعقل (1) .
مَاتَ فَجْأَةً، وَكَانَ كَثِيْرَ الصَّدَقَات، وَقَفَ أَملاَكَهُ، أَسْلَمَ لَمَّا أُلْزِمَتْ الذِّمَّةُ بِلُبْس الغِيَار (2) .
__________
(*) المنتظم: 9 / 141، الخريدة: 1 / 123، الكامل في التاريخ: 10 / 377 - 378، وفيات الأعيان: 3 / 480، تتمة المختصر: 2 / 26، عيون التواريخ: 13 / 122، 125، نكت الهميان: 201، مرآة الزمان: 8 / 8، البداية والنهاية: 12 / 164، النجوم الزاهرة: 5 / 189.
(1) حكى في المنتظم 9 / 141، عن بعض أصحاب ابن الموصلايا قال: شتمت يوما غلاما لي، فوبخني، وقال: أنت قادر على تأديب الغلام أو صرفه، فأما الخنا والقذف فإياك والمعاودة له، فإن الطبع يسرق من الطبع، والصاحب يستدل به على المصحوب.
(2) قال المطرزي في " المغرب ": 2 / 119: الغيار: علامة أهل الذمة كالزنار للمجوس.

(19/198)


تُوُفِّيَ:سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَخلفه فِي كِتَابَة الإِنشَاء ابْنُ أُخْته العَلاَّمَة أَبُو نَصْرٍ.

121 - الطَّلاَّعِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ القُرْطُبِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، القُدْوَةُ، مُفْتِي الأَنْدَلُس، وَمُحَدِّثُهَا، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ القُرْطُبِيّ، المَالِكِيّ، مَوْلَى مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ الطَّلاَّع (1) .
وُلِدَ:سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
قَالَ ابْنُ بَشْكُوَال:هُوَ بَقِيَّةُ الشُّيُوْخ الأَكَابِر فِي وَقته، وَزعيمُ المُفتين بِحَضْرَتِهِ.
حَدَّثَ عَنْ:يُوْنُس بن عَبْدِ اللهِ القَاضِي، وَمكِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ عَابِد، وَحَاتِم بن مُحَمَّدٍ، وَأَبِي عَمْرٍو المرشَانِي، وَمُعَاوِيَةَ بنِ مُحَمَّدٍ العُقَيْلِيِّ، وَأَبِي عُمَرَ بنِ القَطَّان.
وَكَانَ فَقِيْهاً، حَافِظاً لِلْفقه، حَاذِقاً بِالفَتْوَى، مُقَدَّماً فِي الشُّوْرَى، وَفِي
__________
(*) الصلة: 2 / 564 - 565، بغية الملتمس: 123، المغرب في حلى المغرب: 165، دول الإسلام: 2 / 27، العبر: 3 / 349، الوافي بالوفيات: 4 / 318 - 319، عيون التواريخ: 13 / 126، الديباج المذهب: 2 / 242 - 243، كشف الظنون: 137، شذرات الذهب: 3 / 407، إيضاح المكنون: 2 / 270، هدية العارفين: 2 / 78، شجرة النور الزكية: 123.
(1) في برنامج التجيبي ص 56: وقال سراج بن عبد الملك اللغوي الحافظ: الصواب فيه ابن الطلاء بالهمز، لان أباه فرجا كان يطلي مع سيده اللجم بالربض الشرقي من قرطبة بإزاء باب الجديد، ومن قال: ابن الطلاع بالعين فقد أخطأ، وقال أبو عبد الله بن هشام النحوي اللغوي السبتي: هو ابن الطلاع بالعين المهملة، وقيل له ذلك لان أباه كان يطلع نخل قرطبة، قلت (القائل التجيبي): وجدت عن بعض أهل الحديث أنه إنما قيل له الطلاع لان والده كان يطلع الدهان مع سيده، فعلى هذا يكون الطلاع والطلاء معا بمعنى واحد، والله تعالى أعلم.

(19/199)


عِلل الشُّروط، مُشَارِكاً فِي أَشيَاء مِنَ العِلْمِ حَسَنَة، مَعَ دينٍ، وَخيرٍ، وَفضلٍ، وَطُولِ صَلاَة، قَوَّالاً لِلْحقِّ وَإِنْ أُوذِي، لاَ تَأْخُذُه فِي اللهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ، مُعَظَّماً عِنْد الخَاصَّةِ وَالعَامَّةِ، يَعرِفُوْنَ لَهُ حقَّهُ، وَلِيَ الصَّلاَةَ بقُرْطُبَة، وَكَانَ مُجَوِّداً لِكِتَابِ اللهِ، أَفْتَى وَحَدَّثَ وَعُمِّرَ، وَصَارَت الرِّحلَةُ إِلَيْهِ، أَلَّف كِتَاباً فِي أَحكَام النَّبِيّ (1) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرَأْتُهُ عَلَى أَبِي عَنْهُ (2) .
وَقَالَ القَاضِي عِيَاض:كَانَ صَالِحاً، قَوَّالاً لِلْحقِّ، شدِيداً عَلَى المُبْتَدِعَة، شُووِر عِنْدَ مَوْتِ ابْن القَطَّان إِلَى أَنْ دَخَلَ المرَابطون، فَأَسقطُوهُ مِنَ الفُتْيَا لِتعصُّبه عَلَيْهِم.
سَمِعَ مِنْهُ عَالَمٌ كَثِيْر، وَرحلُوا إِلَيْهِ لِسمَاعِ(المُوَطَّأ)، وَلِسمَاع(المدوَّنَة (3))لِعلوه فِي ذَلِكَ، وَلـ(سُنَن النَّسَائِيّ)وَكَانَ أَسندَ مَنْ بَقِيَ صَحِيْحاً فَاضِلاً، عِنْدَهُ بَلَهٌ (4) بِأَمرِ دُنْيَاهُ وَغفلَةٌ، وَيُؤْثَرُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ طَرَائِفُ، وَكَانَ شدِيداً عَلَى أَهْلِ البِدَع، مُجَانِباً لِمَنْ يَخوضُ فِي غَيْرِ الحَدِيْث.
وَنَقَلَ اليَسعُ بن حَزْم عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:كُنَّا مَعَ ابْنِ الطَّلاَّع فِي بُستَانِه، فَإِذَا بِالمُعْتَمِدِ بن عَبَّادٍ مُجتَازٌ مِنْ قَصْرِه، فَرَأَى ابْنَ الطَّلاَّع، فَنَزَلَ عَنْ مَرْكُوبه، وَسَأَل دُعَاءَهُ، وَتَضَرَّع، وَتذمَّم، وَنَذَرَ، وَتَبَرَّع، فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ:يَا
__________
(1) وفي فهرست ابن خير ص 246: كتاب أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم تأليف الفقيه أبي عبد الله محمد بن فرج، حدثني به الشيخ الفقيه أبو القاسم أحمد بن محمد بن بقي رحمه الله قراءة مني عليه في منزله، قال: حدثني به أبو عبد الله محمد بن فرج مؤلفه رحمه الله قراءة عليه.
(2) الصلة: 2 / 564، 565.
(3) انظر فهرست ابن خير ص: 241.
(4) أي: انه لانصرافه إلى العلم، وانشغاله بإصلاح نفسه، وبني جنسه، أغفل أمور دنياه، فجهل حذق التصرف فيها، وهذا النوع من البله محمود، وحديث " أكثر أهل الجنة البله " أخرجه البزار وقد ضعفه غير واحد من الأئمة.

(19/200)


مُحَمَّدُ، انْتَبِهْ مِنْ غَفْلَتِكَ وَسِنَتِكَ (1) .
قُلْتُ:رَوَى عَنْهُ عددٌ كَثِيْرٌ، مِنْهُم:أَبُو جَعْفَرٍ البطروجِي، وَمُحَمَّدُ بنُ عبد الخَالِق الخَزْرَجِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بن خَلِيْل القَيْسِيّ، نَزِيْلُ مَرَّاكُش الَّذِي بَقِيَ إِلَى سَنَةِ سَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَعَلِيّ بن حُنَيْنٍ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكٍ فِي(المُوَطَّأِ)أَرْبَعَةُ أَنْفُسٍ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّسَائِيّ فِي(سُنَنِهِ الكَبِيْرِ (2))اثْنَانِ.
مَاتَ:فِي رَجَب، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ. أَرَّخَهُ ابْن بَشْكُوَال،
__________
(1) وكان الاذفونش طلب من المعتمد بن عباد أن يأذن لامرأته أن تدخل إلى جامع قرطبة لتلد في مكان فيه في الجانب الغربي معظم عندهم، وأن ينزلها بالمدينة الزهراء غربي قرطبة، وكان السفير بينهما يهوديا، فامتنع المعتمد بن عباد من ذلك، فراجعه فأباه وأيأسه من ذلك، فراجعه اليهودي، وأغلظ له في القول، وواجهه بما لم يحتمله ابن عباد، فأخذ ابن عباد محبرة كانت بين يديه، وضرب بها رأس اليهودي، فأنزل دماغه في حلقه، وأمر به فصلب منكوسا بقرطبة، واستفتى لما سكن غضبه الفقهاء عن حكم ما فعله باليهودي، فبادره المترجم محمد بن الفرج بالرخصة في ذلك لتعدي الرسول حدود الرسالة إلى ما استوجب به القتل، إذ ليس له ذلك، وقال الفقهاء: إنما بادرت بالفتوى خوفا أن يكسل المعتمد عما عزم عليه من منابذة العدو، وعسى الله أن يجعل في عزيمته للمسلمين فرجا...وانظر تمام الخبر في " نفح الطيب ": 4 / 358، 359...
(2) انظر برنامج الوادي آشي: ص 197، وفهرست ابن خير: ص: 110 وهو الذي لم يطبع منه سوى جزء واحد بتحقيق عبد الصمد شرف الدين، ومنه نسخة خطية كاملة برواية ابن الاحمر، وابن سيار الأندلسيين في مكتبة ملا مراد باستانبول، والمطبوع المتداول بين أهل العلم هو المجتبى منه، وهو اختيار تلميذه أبي أحمد بن محمد بن السني، وأخطأ ابن الأثير صاحب جامع الأصول، فزعم وهو يترجم للنسائي ان المجتبى من تأليف النسائي وانتقائه، وأنه تحرى فيه الصحة استجابة لرغبة بعض الامراء، وقد تابعه على خطئه هذا غير واحد من أهل العلم، فقالوا بصحة جميع الأحاديث التي في " المجتبى " من غير نظر في أسانيدها،
ولا بحث في عللها، ويغلب على الظن أنهم قلدوا ابن الأثير، ولم يخبروا الكتاب بأنفسهم، فإن في المجتبى عددا غير قليل من الأحاديث قد حكم بضعفها النسائي نفسه وغيره من الأئمة الذين هم القدوة في هذا الفن، والمعول عليهم فيه، كما أن في الأصل الذي ألفه النسائي أحاديث كثيرة صحيحة، وردت في مواضيع متعددة لا وجود لها في مجتبى ابن السني.

(19/201)


وَقَالَ:شَهِدَه جَمعٌ عَظِيْم.
كَتَبَ إِلَيَّ بِـ(المُوَطَّأ)ابْنُ هَارُوْنَ مِنْ تُونُس، أَخْبَرْنَا ابْنُ بَقِيٍّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عبد الخَالِق، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ، أَخْبَرَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عِيْسَى، أَخْبَرَنَا عُبيدُ الله بن يَحْيَى بنِ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبِي، عَنْ مَالِكٍ (1) .

122 - الحَرَمِيُّ أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، القُدْوَةُ، أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ المُزَكِّي، الحَرَمِيُّ، نَزِيْلُ هَرَاة.
سَمِعَ:أَبَا نَصْرٍ السِّجْزِيّ، وَطَائِفَةً بِمَكَّةَ، وَمُحَمَّد بنَ الحُسَيْنِ الطَّفَّال، وَعَلِيَّ بنَ حِمِّصَة، وَعَلِيَّ بنَ بَقَاءٍ بِمِصْرَ، وَأَبَا جَعْفَرٍ بنَ المُسْلِمَةِ، وَأَبَا بَكْرٍ الخَطِيْبَ بِبَغْدَادَ، وَأَقرَانَهُم.
وَكَانَ زَاهِداً عَابِداً رَبَّانِيّاً.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عليّ:كَانَ أَبُو سَعْدٍ الحَرَمِي مِنَ الأَوتَاد (2) ، لَمْ أَرَ بِعَيْنَيَّ أَحْفَظَ مِنْهُ.
__________
(1) انظر برنامج التجيبي: ص 53، وبرنامج الوادي آشي: ص 187، وفهرست ابن خير: ص 80.
(*) الأنساب: 4 / 116، المنتظم: 9 / 107، وتحرف فيه الحرمي إلى المخرمي، اللباب: 1 / 359، تذكرة الحفاظ: 4 / 1228، وتحرف فيه الحسين إلى الحسن، والمزكي إلى المكي، العقد الثمين: 2 / 7 - 8، طبقات الحفاظ: 449، شذرات الذهب: 2 / 397.
(2) أي من حفاظ الحديث المتمكنين منه، العارفين به.

(19/202)


وَقَالَ الوَاعِظ أَبُو حَامِدٍ الخَيَّاط:إِنْ كَانَ للهِ بِهَرَاةَ أَحَدٌ مِنَ الأَوليَاءِ، فَهُوَ هَذَا، وَأَشَارَ إِلَى الحَرَمِي.
مَاتَ:بِهَرَاةَ، فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الهَمْدَانِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا المُؤْتَمَنُ بنُ أَحْمَدَ، سَمِعْتُ أَبَا سَعْدٍ الحَرَمِي الحَافِظ يَقُوْلُ:
لاَ يَصبِرُ عَلَى الخَلِّ إِلاَّ دُودُه، يَعْنِي:لاَ يَصبرُ عَلَى الحَدِيْث إِلاَّ أَهْلُهُ.

123 - الطَّبَرِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ *
الإِمَامُ، مُفْتِي مَكَّة، وَمُحَدِّثُهَا، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ الطَّبَرِيّ، الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ:بآمُلَ، سَنَة ثَمَان عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَسَمِعَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ(صَحِيْح مُسْلِم)مِنْ أَبِي الحُسَيْنِ الفَارِسِيّ، وَرَوَاهُ مَرَّاتٍ، وَسَمِعَ مِنْ:أَبِي حَفْصٍ بنِ مَسْرُوْر، وَأَبِي عُثْمَانَ الصَّابونِي، وَنَاصِر العُمَرِيّ - وَتَفَقَّهَ عَلَيْهِ - وَكَرِيْمَةَ المَرْوَزِيَّة، وَلَهُ أَعقَابٌ بِمَكَّةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ:إِسْمَاعِيْلُ التَّيْمِيُّ، وَرَزِيْنٌ العَبْدَرِي (1) ، وَالقَاضِي أَبُو بَكْرٍ بنُ
__________
(*) العبر: 3 / 351، تبيين كذب المفتري: 287، عيون التواريخ: 13 / 135، طبقات السبكي: 4 / 349 - 356، طبقات الاسنوي: 1 / 567 - 569، العقد الثمين: 4 / 200 - 202، طبقات ابن هداية الله: 186، كشف الظنون: 1 / 408، شذرات الذهب: 3 / 408.
(1) في الأصل: العبدي.

(19/203)


العَرَبِيِّ، وَوَجِيهٌ الشَّحَّامِي، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ العَبَّاسِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَخَلْق.
وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الشَّافعيَّةِ، وَيُدعَى بِإِمَامِ الحَرَمَيْنِ، تَفَقَّهَ بِهِ جَمَاعَة بِمَكَّةَ (1) .
تُوُفِّيَ:بِمَكَّةَ، فِي شَعْبَانَ، سَنَة ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.

124 - ثَابِتُ بنُ بُنْدَارَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ بُنْدَارَ الدِّيْنَوَرِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُقْرِئُ، المُجَوِّدُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، بَقِيَّةُ المَشَايِخ، أَبُو المَعَالِي الدِّيْنَوَرِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيّ، البَقَّال.
وُلِدَ:سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَطَلَبَ العِلْمَ فِي حدَاثته.
وَسَمِعَ:أَبَا القَاسِمِ الحُرفِي، وَأَبَا بَكْرٍ البَرْقَانِيّ، وَأَبَا عَلِيٍّ بن شَاذَانَ، وَعُثْمَانَ بن دُوسْت، وَأَبَا عَلِيٍّ بن دُومَا، وَعِدَّة.
وَتَلا عَلَى:ابْنِ الصَّقْرِ الكَاتِب، وَأَبِي العَلاَءِ الوَاسِطِيّ، وَأَبِي ثَعْلَب الملحمِي، وَغَيْرِهِم.
قَرَأَ عَلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدٍ سِبْطُ الخَيَّاطِ، وَأَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ شُنَيف، وَطَائِفَة.
__________
(1) وقال السمعاني: كان حسن الفتاوى، تفقه على ناصر الدين الحسين العمري بخراسان، وعلى القاضي أبي الطيب ببغداد، ثم لازم الشيخ أبا إسحاق حتى صار من عظماء أصحابه، ودرس بالنظامية.
وذكره القاضي عياض في المشيخة التي خرجها لابن سكرة، وقال: شافعي أشعري جليل، لازم التدريس لمذهب الشافعي، والتسميع بمكة نحوا من ثلاثين سنة، وكان من أهل العلم والعبادة.
(*) المنتظم: 9 / 144، الكامل في التاريخ: 10 / 396، العبر: 3 / 351، الوافي بالوفيات: 10 / 471 - 472، عيون التواريخ: 13 / 139، طبقات القراء: 1 / 188، شذرات الذهب: 3 / 408.

(19/204)


وَحَدَّثَ عَنْهُ:ابْنُهُ يَحْيَى بنُ ثَابِتٍ - وَسَمِعَ مِنْهُ(مُوطَّأَ القَعْنَبِيّ) - وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي، وَابْنُ نَاصر، وَعبدُ الخَالِق اليُوسفِي، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ المرقَّعَاتِي، وَعُمَرُ بن بُنيمَان، وَأَخُوْهُ أَحْمَد، وَشُهْدَة الكَاتِبَة، وَخَلْق.
وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ بِالإِجَازَةِ:الفَقِيْهُ نَصْرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المَقْدِسِيّ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ:قَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي:ثَابِتٌ ثَابِتٌ.
وَقَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ:هُوَ ثِقَةٌ مَأْمُوْن ديِّنٌ كَيِّسٌ خَيِّرٌ.
وَقَالَ غَيْرُهُ:كَانَ ثَابِتٌ يُعْرَفُ بِابْنِ الحمَامِي.
تُوُفِّيَ:فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَة ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار:كَانَ مِنْ أَعيَان القُرَّاء وَثِقَاتِ المُحَدِّثِيْنَ، سَمِعَ الكَثِيْرَ بِنَفْسِهِ، وَكَتَبَ بِخطِّه، وَرَوَى أَكْثَر مَسْمُوْعَاتِهِ.
وَقِيْلَ:كَانَ جَدُّهُ إِبْرَاهِيْمُ حَمَّامِيّاً بِالدِّيْنَوَرِ.
قُلْتُ:أَوَّلُ سَمَاعه فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.

125 - السَّمَرْقَنْديُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الرَّحَّالُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ قَاسم بن جَعْفَرٍ السَّمَرْقَنْدي، الكُوَخْمِيثنِي.
وُلِدَ:سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
__________
(*) المنتخب: الورقة: 54 ب، تذكرة الحفاظ: 4 / 1230، 1231، شذرات الذهب: 3 / 394 - 395، الرسالة المستطرفة: 125.

(19/205)


وَصَحِبَ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ المُسْتغفرِيَّ الحَافِظ، وَتَخَرَّجَ بِهِ، وَأَكْثَرَ عَنْهُ.
وَسَمِعَ:عَبدَ الصَّمد العَاصِمِي، وَحَمْزَةَ بنَ مُحَمَّدٍ الجَعْفَرِيّ، وَأَبَا حَفْصٍ بن مَسْرُوْر، وَأَبَا عُثْمَانَ الصَّابونِي، وَأَبَا سَعْد الكَنْجَرُوذِيَّ، وَأَمْثَالَهُم، وَأَكْبَرُ شَيْخٍ لَهُ مَنْصُوْرٌ الكَاغَدي، وَلَمْ يَرْحَلْ إِلَى العِرَاقِ، وَقَدْ جَمَعَ وَصَنَّفَ.
حَدَّثَ عَنْهُ:إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ، وَوجيهٌ الشَّحَّامِي، وَأَبُو الأَسَعْد بن القُشَيْرِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَامِعٍ خَيَّاط الصُّوف، وَالجُنَيْد القَاينِيُّ (1) ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ:سَأَلت عَنْهُ إِسْمَاعِيْل الحَافِظ، فَقَالَ:إِمَامٌ حَافظٌ، سَمِعَ، وَجَمَعَ وَصَنَّفَ.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ النسفِي فِي كِتَابِ(القنْد):هُوَ الإِمَامُ الحَافِظُ، قِوَامُ السُّنَّة أَبُو مُحَمَّدٍ، نَزِيْلُ نَيْسَابُوْر، لَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ مِثْلُهُ فِي فَنِّه فِي الشَّرْق وَالغرب، لَهُ كِتَاب(بَحر الأَسَانِيْد فِي صِحَاح المسَانِيْد)جمع فِيْهِ مائَة أَلْف حَدِيْث، فَرتَّب وَهذَّب، لَمْ يَقع فِي الإِسْلاَمِ مِثْلُه، وَهُوَ ثَمَان مائَة جُزْء.
وَقَالَ عَبدُ الغَافِر فِي(السِّيَاق):أَبُو مُحَمَّدٍ عَدِيمُ النَّظيرِ فِي حِفْظِهِ، اسْتَوْطَنَ بِنَيْسَابُوْرَ، وَهُوَ مُكْثِرٌ عَنِ المُسْتغفرِي، مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، عَنْ نَيِّفٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
__________
(1) تصحف في الأصل إلى " الفايني " بالفاء، وقاين: بلدة قريبة من طبس بين نيسابور وأصبهان كما تقدم في التعليق ص 159، وترجمة الجنيد سترد في الجزء العشرين برقم (181).

(19/206)


126 - ابْنُ مَرْدَوَيْه أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، العَالِمُ، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ ابنِ الحَافِظ الكَبِيْر أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ مُوْسَى بن مَرْدَوَيْه بن فُورَك بن مُوْسَى الأَصْبَهَانِيّ.
وُلِدَ:سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِ مائَة، قَالَهُ يَحْيَى بنُ مَندَة.
سَمِعَ:أَبَا مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدَ بنَ سُلَيْمَانَ الوَكِيْل، وَأَبَا عَلِيٍّ غُلاَمَ محسن، وَعُمَرَ بن عَبْدِ اللهِ بن الهَيْثَمِ الوَاعِظ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي عَلِيٍّ الذَّكوَانِي، وَالحُسَيْنَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ الجمَّال، وَعَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ بنِ قولويه التَّاجِر، وَأَحْمَدَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ الثَّقَفِيّ الوَاعِظ، وَأَبَا نُعَيْمٍ الحَافِظ، وَأَبَا الحُسَيْنِ بن فَاذشَاه، وَالنَّاسَ، وَلَمْ يَرْحَلْ.
قَالَ السِّلَفِيّ:كَتَبنَا عَنْهُ كَثِيْراً، وَكَانَ ثِقَةً جَلِيْلاً، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ:كتبُوا عَنِّي فِي مَجْلِس أَبِي نُعَيْمٍ الحَافِظ.
وَرَوَى عَنْهُ:السِّلَفِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ غَانِمٍ، وَجَمَاعَةٌ، وَحَفِيْدُه عَلِيّ بن عَبْدِ الصَّمَدِ بن أَحْمَدَ.
وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَفهم الحَدِيْثَ، رَأَيْتُ لَهُ جُزْءاً فِيْهِ طُرُقُ:(طَلَبُ العِلْمِ فَرِيضَةٌ (1))يَدلّ عَلَى مَعْرِفَته، وَلَمْ يُدْرِكِ السَّمَاع مِنْ جدِّه.
مَاتَ:بِسُوذرجَان مِنْ قُرَى أَصْبَهَان، سَنَة ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَلَهُ
__________
(*) العبر: 3 / 350، تذكرة الحفاظ: 4 / 1212، عيون التواريخ: 13 / 139، طبقات الحفاظ: 445، 446، شذرات الذهب: 3 / 408.
(1) هو حديث حسن بطرقه وشواهده، فقد قال الحافظ المزي: روي هذا الحديث من طرق تبلغ رتبة الحسن، قال السيوطي: وهو كما قال، فإني رأيت له خمسين طريقا، وقد جمعتها في جزء. وانظر مصادر تخريجه في الجامع الصغير.

(19/207)


تِسْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، وَمَاتَ حَفِيْدُه المَذْكُور سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَوْ بَعْدهَا، فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ.
قَرَأْنَا عَلَى عِيْسَى بنِ يَحْيَى، أَخبركُم مَنْصُوْرُ بنُ سَنَد، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الحَافِظ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بن عُمَرَ الوَاعِظ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ العَسَّال، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ رُسْتَه، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا زَافِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ المُسْتَلِم بن سَعِيْدٍ، عَنِ الحَكَمِ بنِ أَبَانٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:(مَا مِنْ وَلَدٍ بَارٍّ يَنْظُرُ إِلَى وَالِدِهِ نَظْرَةَ رَحْمَةٍ إِلاَّ كَانَتْ لَهُ بِكُلِّ رَحْمَةٍ حَجَّةٌ مَبْرُوْرَةٌ)، قِيْلَ:وَإِنْ نَظَرَ إِلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مائَةُ رَحمَةٍ (1) ؟ قَالَ:(نَعَمْ، إِنَّ اللهَ أَطْيَبُ وَأَكْثَرُ (2)).
هَذَا مُنْكَرٌ.
وَفِيْهَا مَاتَ:الحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ البَردَانِي، وَالمُحَدِّثُ أَبُو بَكْرٍ سِبْط ابْن مَرْدَوَيْه، وَالسُّلْطَان بَرْكْيَا رُوْق بن مَلِكْشَاه (3) ، وَثَابِت بن بُنْدَار البَقَّال (4) ، وَفقيهُ الْحرم الحُسَيْنُ بن عَلِيٍّ الطَّبَرِيّ (5) ، وَالحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ خَلَفٍ العَبْسِيّ بقُرْطُبَة (6) ، وَفَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدٍ
__________
(1) في " الجامع الكبير " " مرة ".
(2) إسناده ضعيف جدا، ومحمد بن حميد هو ابن حيان التميمي الرازي، قال البخاري: فيه نظر، وكذبه أبو زرعة، وقال يعقوب بن شيبة: كثير المناكير، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال صالح جزرة: ما رأيت أحذق بالكذب من ابن حميد ومن ابن الشاذكوني، وشيخه زافر بن سليمان كثير الاوهام، وقد أورده السيوطي في " الجامع الكبير " 2 / 732 ونسبه للحاكم في تاريخه، وابن النجار.
(3) تقدمت ترجمته برقم (116).
(4) تقدمت ترجمته برقم (124).
(5) تقدمت ترجمته برقم (123).
(6) ترجمته في " الصلة ": 1 / 423.

(19/208)


الشّعرَانِي، وَنَصْرُ اللهِ بن أَحْمَدَ الخُشنَامِي (1) ، وَالشَّرِيْفُ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ السَّلاَم.

127 - الحَبَّالُ أَبُو البَقَاءِ المُعَمَّرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ *
الشَّيْخُ الثِّقَةُ، أَبُو البَقَاءِ المُعَمَّرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بن إِسْمَاعِيْلَ الكُوْفِيّ، الحَبَّال، الخَزَّاز - بِمُعْجَمَاتٍ - وَيُعْرَفُ بِخُرَيْبَه.
وُلِدَ:سَنَةَ عَشْرٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَسَمِعَ مِنَ:القَاضِي نَجَاح بن نَذِيْرٍ المُحَارِبِيّ، وَزَيْدِ بن أَبِي هَاشِمٍ العَلَوِيِّ، وَأَبِي الطَّيِّب أَحْمَدَ بن عَلِيٍّ الجَعْفَرِيّ، وَلَيْسَ هُوَ بِالمُكْثِرِ، لَكنَّه اشْتهر.
وَحَدَّثَ عَنْهُ:أَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو المَعَالِي الحُلْوَانِيّ المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ السِّنْجِيّ، وَكَثِيْرُ بنُ سَمَالِيق، وَعبدُ الخَالِق اليُوسفِي، وَابْنُ نَاصر، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ:شَيْخٌ، ثِقَةٌ، صَحِيْحُ السَّمَاع، انْتَشَرت عَنْهُ الرِّوَايَة، وَعُمِّرَ حَتَّى رَوَى كَثِيْراً، وَبُورِكَ لَهُ فِيمَا سَمِعَ، سَأَله هزَارسب عَنْ مَوْلِده، فَقَالَ:سَنَة عَشْرٍ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ طرخَان، وَالحُسَيْن بن خُسرو:سَأَلنَاهُ عَنْ مَوْلِده، فَقَالَ:سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ.
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (91).
(*) العبر: 3 / 354، عيون التواريخ: 13 / 154، النجوم الزاهرة: 5 / 193، شذرات الذهب: 3 / 410.

(19/209)


قُلْتُ:حَدَّثَ بِبَغْدَادَ، وَبِالكُوْفَةِ، وَبِهَا مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَة تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.

128 - الطَّبَرِيّ(آخَرُ) أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ *
العَلاَّمَةُ، مُفْتِي الشَّافعيَّة، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الطَّبَرِيّ، الحَاجِّيّ، البزَّازِيُّ.
قَدِمَ بَغْدَاد فِي الصِّبَا، وَسَكَنَهَا، وَتَفَقَّهَ عَلَى القَاضِي أَبِي الطَّيِّب، وَسَمِعَ مِنْهُ، وَمِنَ الجَوْهَرِيّ، وَلَزِمَ الشَّيْخَ أَبَا إِسْحَاقَ حَتَّى أَحكم المَذْهَبَ وَالأُصُوْل وَالخلاَف، وَشَهِدَ عِنْد أَبِي عَبْدِ اللهِ الدَّامغَانِي، وَدرَّس بِالنَّظَامِيَة سَنَة(483)، ثُمَّ قَدِمَ بَعْد أَشهر عَبْدُ الوَهَّابِ بن مُحَمَّدٍ الفَامِي الشِّيرَازِي، فَتقرر أَنْ أُشرك بَيْنَهُمَا فِي التَّدرِيس، فَدرَّسَا مُديدَةً، ثُمَّ صُرِفَا بتوليَة الغَزَّالِي، فَلَمَّا حَجَّ الغزَّالِي سَنَة ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ، وَذَهَبَ إِلَى الشَّامِ وَطوَّل الغيبَة، وَلِيَ الطَّبَرِيُّ تَدرِيس النِّظَامِيَة فِي صَفَرٍ، سَنَةَ تِسْعٍ، ثُمَّ فَارق بَغْدَاد بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَعْوَام، وَسَارَ إِلَى أَصْبَهَانَ لِودَائِع كَانَتْ عِنْدَهُ.
رَوَى عَنْهُ:هِبَة اللهِ بن السَّقَطِيّ شَيْئاً.
مَاتَ:فِي شَعْبَانَ، سَنَة خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، بِأَصْبَهَانَ - رَحِمَهُ اللهُ - .

129 - دُقَاقُ أَبُو نَصْرٍ بنُ تُتُشَ بنِ أَلب آرسلاَنَ السَّلْجُوْقِي **
صَاحِبُ دِمَشْقَ، شَمْسُ المُلُوْك، أَبُو نَصْرٍ دُقَاق ابْن السُّلْطَان تَاج الدَّوْلَة
__________
(*) الكامل: 10 / 352.
(* *) الكامل: 10 / 375 - 377، دول الإسلام: 2 / 27، العبر: 3 / 347، تتمة المختصر: 2 / 26، عيون التواريخ: 13 / 122، مرآة الزمان: 8 / 7 - 8، البداية =

(19/210)


تُتُش ابْن السُّلْطَان أَلب آرسلاَن السُّلْجوقِي، التُّركِي.
تَمَلَّك بَعْد مَقْتَل أَبِيْهِ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فَكَانَ فِي حلب، فَطَلَبَهُ خَادِمُ أَبِيْهِ وَنَائِبُ قَلْعَة دِمَشْق سرّاً مِنْ أَخِيْهِ رضوَان صَاحِب حلب، فَبَادر دُقَاق وَجَاءَ، فَتَمَلَّك، ثُمَّ أَشَارَ عَلَيْهِ زوجُ أُمِّهِ طُغْتِكين الأَتَابك (1) بِقَتْلِ خَادمه المَذْكُور سَاوتكين لِتمكنه، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ أَقْبَل رضوَان أَخُوْهُ مُحَاصراً لدِمَشْق، فَلَمْ يَقدر عَلَيْهَا، فَترحَّل، ثُمَّ اسْتَقلَّ دُقَاق، ثُمَّ عرض لَهُ مَرَضٌ تَطَاولَ بِهِ إِلَى أَنْ مَاتَ فِي ثَامِنَ عَشَرَ رَمَضَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ، فَكَانَتْ دَوْلَته عشر سِنِيْنَ.
فَقِيْلَ:إِنَّ أُمَّه سَمَّتْه، رَتَّبت لَهُ جَارِيَة سَمَّته فِي عُنْقُودِ عِنَب نخسته بِإِبرَة مَسْمُوْمَة، ثُمَّ نَدِمَت أُمُّه، وَتَهرَّى جوفُه، وَدُفِنَ بِخَانقَاه الطّوَاويس (2) .
وَعمد الأَتَابك طُغْتِكِين، فَأَقَامَ فِي اسْم الْملك طِفْلاً لدُقَاق بَعْدَ أَنِ اسْتَحْضَرَ مِنْ سجن قَلْعَة بَعْلَبَكَّ أَخاً لِدُقَاق اسْمه أَرتَاش، وَسَلطَنهُ، ثُمَّ بَعْدَ ثَلاَثَة أَشْهُرٍ تَخيَّل أَرتَاش مِنَ الأَتَابك، وَفَرَّ إِلَى بغدوين الفِرَنْجِي صَاحِب القُدْسِ، فَمَا أَعَانه، فَتَوَجَّه إِلَى العِرَاقِ عَلَى الرّحبَة، فَجَاءهُ الأَجَلُ، فَعمدَ الأَتَابك إِلَى الطِّفل المَذْكُور، فَنصبه مُديدَةً، ثُمَّ تَملَّك، وَامتدت أَيَّامُه (3) .
__________
= والنهاية: 12 / 163 - 164، النجوم الزاهرة: 5 / 189، شذرات الذهب: 3 / 405، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 46، 340.
(1) الاتابك: لفظه تركية مركبة من أتا: وهو الاب، وبك: وهو الأمير، وأول من لقب بذلك: هو نظام الملك وزير ملكشاه، حين فوض إليه هذا تدبير المملكة سنة 465 ه، وليس للاتابك وظيفة ترجع إلى حكم وأمر ونهي، وغايته رفعة المحل، وعلو المقام، وكان الاتابك يكلف من قبل السلطان الحاكم بالوصاية على واحد أو أكثر من أبنائه الذين لم يبلغوا سن الرشد، انظر " وفيات الأعيان ": 1 / 365، وصبح الاعشى: 4 / 18.
(2) في " وفيات الأعيان ": 1 / 296: ودفن في مسجد بحكر الفهادين بظاهر دمشق الذي على نهر بردى.
(3) انظر ابن خلكان: 1 / 296.

(19/211)


وَكَانَ قَدْ وَزَرَ لدُقَاق أَبُو القَاسِمِ الحَسَن بن عَلِيٍّ الخُوَارزمِي، وَقَدْ كَانَ عمل مَصَافّاً بِقُرْبِ حلب مَعَ أَخِيْهِ، فَتفلَّلَ جَمعُه، وَرُدَّ إِلَى دِمَشْقَ.

130 - صَاحِبُ خُرَاسَان أَرْسَلاَن أَرغون بنُ أَلب أَرْسَلاَن السَّلْجُوْقِي *
السُّلْطَان أَرْسَلاَن أَرغون ابنُ السُّلْطَان أَلب أَرْسَلاَن السَّلجوقِي.
لَمَّا مَاتَ أَخُوْهُ السُّلْطَان مَلِكْشَاه، بَادر هَذَا، وَاسْتَوْلَى عَلَى خُرَاسَانَ، وَتَمَكَّنَ، وَكَانَ ظَالِماً شَرِسَ الأَخلاَق، كَثِيْرَ العقوبَة لِخَاصكيته، فَدَخَلَ عَلَيْهِ غُلاَمٌ لَهُ، فَأَنْكَر عَلَيْهِ أَرغون تَأَخُّره عَنِ الخدمَة، فَاعْتذر، فَلَمْ يَقبلْ لَهُ عُذراً، وَكَانَ وَحْدَه، فَشدّ الغُلاَمُ عَلَيْهِ بِسكِّين، فَقَتَلَهُ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَكَانَتْ دَوْلَتُه أَرْبَعَ سِنِيْنَ، فَعَلِمَ بِمَقْتَله السُّلْطَانُ بَرْكْيَا رُوْق بن مَلِكْشَاه، فَسَارَ إِلَى خُرَاسَانَ، وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا، وَخطبُوا لَهُ أَيْضاً بِبلاَد مَا وَرَاء النَّهْر، وَاسْتنابَ عَلَى خُرَاسَانَ أَخَاهُ الْملك سَنْجَر الَّذِي امْتَدَّتْ أَيَّامُهُ.
وَكَانَ أَرْسَلاَن قَدْ تَملَّك بَلخ وَمروَ وَتِرمِذَ، وَظلمَ وَغَشَم، وَخرَّب سُورَ نَيْسَابُوْر وَغَيْرهَا مِنَ المَدَائِن، وَوزر لَهُ عمَادُ المُلك بن نِظَام المُلك، ثُمَّ قبضَ عَلَيْهِ، وَأَخَذَ مِنْهُ ثَلاَثَ مائَة أَلْف دِيْنَار، وَذَبَحَهُ.

131 - ابْنُ السَّوَادِي أَبُو الحُسَيْنِ المُبَارَك بن مُحَمَّد **
الإِمَامُ، المُفْتِي، أَبُو الحُسَيْنِ المُبَارَك بن مُحَمَّدِ بنِ السَّوَادِي الوَاسِطِيّ،
__________
(*) الكامل في التاريخ: 10 / 262، 264، العبر: 3 / 326 - 327، تتمة المختصر: 2 / 18، عيون التواريخ: 13 / 57 - 58، البداية والنهاية: 12 / 154، النجوم الزاهرة: 5 / 161، شذرات الذهب: 3 / 394.
(* *) طبقات السبكي: 5 / 311 - 312.

(19/212)


الشَّافِعِيّ، نَزِيْلُ نَيْسَابُوْر، مُدَرِّسٌ، مُنَاظِرٌ، مُتَصَوِّنٌ.
سَمِعَ:أَبَا عَلِيٍّ بن شَاذَانَ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ نَظيفٍ المِصْرِيّ.
وَعَنْهُ:إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، وَطَاهِرُ بنُ مَهْدِيٍّ، وَعُمَرُ بن أَحْمَدَ الصَّفَّار، وَعبدُ الخَالِق الشَّحَّامِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ:إِمَامٌ عديمُ النَّظِير، يَتجَمل، يَتقنَّع بِقَلِيْلِ تِجَارَةٍ، تَفَقَّهَ بِالقَاضِي أَبِي الطَّيِّب.
مَاتَ:فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَلَهُ سَبْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.

132 - ابْنُ الطُّيُورِيِّ المُبَارَكُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، العَالِمُ، المُفِيْدُ، بَقِيَّةُ النَّقَلَة المُكْثِرِيْنَ، أَبُو الحُسَيْنِ المُبَارَكُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ بن أَحْمَدَ بنِ القَاسِمِ بن أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ البَغْدَادِيّ، الصَّيْرَفِيّ، ابْنُ الطُّيورِي.
وُلِدَ:سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
سَمِعَ:أَبَا القَاسِمِ الحُرْفِي، وَأَبَا عَلِيٍّ بن شَاذَانَ، ثُمَّ أَبَا الفَرَجِ الطنَاجِيرِي، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الخَلاَّل، وَابْن غَيْلاَنَ، وَأَبَا الحَسَنِ العَتِيْقِيّ، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ الصُّوْرِيّ، وَعَلِيِّ بن أَحْمَدَ الفَالِيّ، وَأَبَا طَالب العُشَارِي،
__________
(*) الأنساب: 4 / 209، المنتظم: 9 / 154، التقييد: الورقة: 197 أ - 197 ب، الكامل: 10 / 439، دول الإسلام: 2 / 29، العبر: 3 / 356، ميزان الاعتدال: 3 / 431، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 223 - 226، عيون التواريخ: 13 / 194 - 195، لسان الميزان: 5 / 9 - 11، شذرات الذهب: 3 / 412، الرسالة المستطرفة: 69.

(19/213)


وَعدداً كَثِيْراً، وَارْتَحَلَ، فَسَمِعَ بِالبَصْرَةِ أَبَا عَلِيٍّ الشَّامُوخِي، وَغَيْره، وَجَمَعَ وَخَرَجَ، وَسَمِعَ مَا لاَ يُوصف كَثْرَة.
حَدَّثَ عَنْهُ:إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ، وَابْنُ نَاصر، وَعبدُ الخَالِق اليُوسفِي، وَأَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ السِّنْجِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ السَّمْعَانِيّ، وَأَبُو المَعَالِي الحُلْوَانِيّ المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ النَّقُّوْرِ، وَعبدُ الحَقِّ بن يُوْسُفَ، وَخطيبُ المَوْصِلِ، وَأَبُو السَّعَادَاتِ القَزَّازُ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ العَلَوِيّ النقيبُ، وَبَشَرٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ:كَانَ مُحَدِّثاً مُكْثِراً صَالِحاً، أَمِيناً صَدُوْقاً، صَحِيْحَ الأُصُوْل، صَيِّناً وَرِعاً وَقُوْراً، حَسنَ السَّمتِ، كَثِيْرَ الخَيْرِ، كتب الكَثِيْرَ، وَسَمِعَ النَّاسُ بِإِفَادَتِه، وَمَتَّعَهُ اللهُ بِمَا سَمِعَ حَتَّى انْتَشَرت عَنْهُ الرِّوَايَةُ، وَصَارَ أَعْلَى البَغْدَادِيِّيْنَ سَمَاعاً، أَكْثَرَ عَنْهُ وَالِدِي، وَكَانَ المُؤْتَمَنُ السَّاجِيّ يَرمِيه بِالكَذِبِ، وَيُصَرِّح بِذَلِكَ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَداً مِنْ مَشَايِخِنَا الثِّقَات يُوَافقُ المُؤْتَمَنَ، فَإِنِّي سَأَلتُ مِثْلَ عَبْد الوَهَّابِ وَابْنِ نَاصرٍ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ ثَنَاءً حَسناً، وَشَهِدُوا لَهُ بِالطَّلب، وَالصِّدْقِ، وَالأَمَانَة، وَكَثْرَةِ السَّمَاعِ، سَمِعْتُ سَلْمَان الشَّحَام يَقُوْلُ:قَدِمَ أَبُو الغَنَائِمِ النَّرْسِيُّ، فَانقَطَعنَا عَنْ مَجْلِس ابْنِ الطُّيورِي أَيَّاماً، فَلَمَّا جِئْنَا ابْنَ الطُّيورِي، قَالَ:مَا قَطَعكُم عَنِّي؟
قُلْنَا:قَدِمَ فُلاَنٌ كُنَّا نَسْمَعُ مِنْهُ.
قَالَ:فَأَيشٍ أَعْلَى مَا عِنْدَهُ؟
قُلْنَا:حَدِيْث البَكَّائِيّ، فَقَامَ الشَّيْخُ أَبُو الحُسَيْنِ، وَأَخْرَجَ لَنَا شَدَّةً (1) مِنْ حَدِيْثِ البَكَّائِيِّ، وَقَالَ:هَذِهِ سَمَاعِي مِنْ أَبِي الفَرَجِ بنِ الطَّنَاجِيْرِي عَنْهُ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ:وَأَظُنُّنِي سَمِعتُهَا مِنِ ابْنِ نَاصرٍ.
__________
(1) أي مجموعة من الصحف التي كتب بها حديث البكائي مشدودة بعضها إلى بعض.

(19/214)


وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَةَ الصَّدَفِيُّ:هُوَ الشَّيْخُ الصَّالِحُ الثِّقَةُ أَبُو الحُسَيْنِ، كَانَ ثَبْتاً فَهماً، عَفِيْفاً مُتْقِناً، صَحِبَ الحُفَّاظ وَدُرِّبَ مَعَهُم، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ الخَاضبَةِ يَقُوْلُ:شَيخُنَا أَبُو الحُسَيْنِ مِمَّنْ يُسْتَشفَى بِحَدِيْثِهِ.
وَقَالَ ابْنُ نَاصِرٍ فِي إِملاَئِه:حَدَّثَنَا الثِّقَةُ الثَّبْتُ الصَّدُوْقُ أَبُو الحُسَيْنِ.
وَقَالَ السِّلَفِيُّ:هُوَ مُحَدِّثٌ مُفِيدٌ وَرِعٌ كَبِيْرٌ، لَمْ يَشْتَغِلْ قَطُّ بِغَيْرِ الحَدِيْثِ، وَحصَّلَ مَا لَمْ يُحَصِّلْه أَحَدٌ مِنْ كُتُب التَّفَاسير وَالقِرَاءات وَاللُّغَة، وَالمسَانِيْد وَالتَّوَارِيخ وَالعلل وَالأَدبيَّات وَالشّعر، كُلُّهَا مَسْمُوْعَةٌ، رَافَقَ الصُّوْرِيَّ، وَاسْتفَادَ مِنْهُ، وَالنَّخشبِيَّ، وَظَاهِراً (1) النَّيْسَابُوْرِيَّ.
كَتَبَ عَنْهُ:مَسْعُوْدٌ السِّجْزِيُّ، وَالحُمَيْدِيّ، وَجَعْفَر بن الحَكَّاك، وَأَكْثَرُوا عَنْهُ.
وَقَالَ الأَمِيْرُ أَبُو نَصْرٍ:هُوَ صَدِيقُنَا أَبُو الحُسَيْنِ يُعرفُ بِابْنِ الحَمَامِي - مُخفَّفٌ - سَمِعَ خلقاً، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الخَيْرِ وَالعَفَافِ وَالصَّلاَحِ (2) .
قَالَ ابْنُ سُكَّرَةَ:ذَكرَ لِي شَيْخُنَا أَبُو الحُسَيْنِ أَن عِنْدَهُ نَحْوَ أَلفِ جُزْءٍ بِخَطِّ الدَّارَقُطْنِيِّ، أَوْ أُخْبِرْتُ عَنْهُ بِذَلِكَ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّ عِنْدَهُ أَرْبَعَةً وَثَمَانِيْنَ مُصَنَّفاً لاِبْنِ أَبِي الدُّنْيَا.
انتقَى السِّلَفِيّ عِدَّةَ أَجزَاءٍ مِنَ الفَوَائِدِ وَالنَّوَادِرِ عَلَى ابْنِ الطُّيُورِيِّ (3) ،
__________
(1) بالظاء المعجمة ضبطه المؤلف في " المشتبه ": 2 / 416، وهو لقب له، واسمه عبد الصمد.
(2) الإكمال: 3 / 287.
(3) في لسان الميزان: 5 / 10: وأكثر عنه السلفي، وانتقى عليه مئة جزء تعرف بالطيوريات.
قلت: ومنه نسخة في ظاهرية دمشق تحت رقم 320 حديث، في 286 ورقة، مكتوبة بخط نسخي معتاد.

(19/215)


وَكَتَبَ الحَدِيْثَ ابْنَ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً.
وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ اليُونَارْتِي:هُوَ ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، كَثِيْرُ الأُصُوْل، يُحِبُّ العِلْمَ وَأَهْلَه، وَقَدْ وَصَفُوهُ بِالمَعْرِفَة، وَسَعَةِ الرِّوَايَة، وَكَانَ دَيِّناً صَالِحاً - رَحِمَهُ اللهُ (1) - .
مَاتَ:فِي نِصْفِ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ خَمْس مائَة، عَنْ تِسْعِيْنَ سَنَةً.

133 - أَبُو الفَتْحِ الحَدَّادُ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدٍ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُقْرِئُ، مُسْنِدُ الوَقْت، أَبُو الفَتْحِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدٍ الأَصْبَهَانِيّ، الحَدَّادُ، التَّاجِرُ، سِبْطُ الحَافِظ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ مَندَه.
تَفَرَّدَ بِإِجَازَة إِسْمَاعِيْل بن يَنَال (2) المَحْبُوبِيّ صَاحِبِ ابْن مَحْبُوب (3) .
وَسَمِعَ مِنْ:أَبِي سَعِيْدٍ مُحَمَّدِ بن عَلِيٍّ النَّقَّاش، وَعَلِيِّ بنِ عَبْدَكويه، وَأَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ يَزدَاد غُلاَمِ مُحسنٍ، وَأَبِي سهلٍ عُمَرَ بنِ أَحْمَدَ الفَقِيْه، وَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ الدشتِي، وَأَبِي سَعِيْدٍ الحَسَنِ بن مُحَمَّد
__________
(1) قال ابن الجوزي في " المنتظم ": 9 / 154: وكان مكثرا، صالحا، أمينا، صدوقا، متيقظا، صحيح الأصول، رصينا ورعا، حسن السمت، كثير الصلاة، سمع الكثير، ونسخ بخطه، ومتعه الله بما سمع حتى انتشرت عنه الرواية، حدثنا عنه أشياخنا، وكلهم أثنوا عليه ثناء حسنا، وشهدوا له بالصدق والأمانة مثل عبد الوهاب، وابن ناصر، وغيرهما، وذكر عن المؤتمن أنه كان يرميه بالكذب، وهو شيء ما وافقه فيه أحد.
(*) المنتظم: 9 / 151، الكامل في التاريخ: 10 / 439، دول الإسلام: 2 / 29، العبر: 3 / 355، معرفة القراء: 368 - 369، الوافي بالوفيات: 7 / 323، غاية النهاية: 1 / 101 - 102، النجوم الزاهرة: 5 / 195، شذرات الذهب: 3 / 410.
(2) في الأصل " بنان " وهو تحريف، والتصحيح من " مشتبه " المؤلف: 2 / 672.
(3) أبي العباس محمد بن أحمد بن محبوب المحبوبي التاجر المروزي المتوفى سنة 340 ه راوية كتاب الجامع للترمدي.
تقدمت ترجمته في الجزء الخامس عشر رقم (315).

(19/216)


بن حسنُويه، وَعبدِ الوَاحِد بن أَحْمَدَ البَاطِرْقَاني، وَأَبِي الفَرَجِ مُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ بن شَهْرَيَارَ، وَعَدَدٍ كَثِيْرٍ.
وَأَجَازَ لَهُ أَيْضاً:أَبُو سَعِيْدٍ الصَّيْرَفِيُّ، وَعَلِيّ بن مُحَمَّدٍ الطَّرَازِيُّ.
حَدَّثَ عَنْهُ:أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو الفَتْحِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الخِرَقِيُّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ، وَصَدَقَةُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَشَاكِرٌ الأَسْوَارِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَقَدْ قرَأَ القِرَاءاتِ عَلَى أَبِي عُمَرَ الخِرَقِي (1) ، وَبِمَكَّةَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ الكَارَزِينِي، فَكَانَ خَاتِمَةَ أَصْحَابه مَوْتاً.
تَلاَ عَلَيْهِ السِّلَفِيّ لعَاصِم إِلَى الحَوَامِيمِ (2) .
مَوْلِدُهُ:فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَمَاتَ:فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ خَمْسِ مائَة.

134 - القَزْوِيْنِيُّ أَبُو الفَرَجِ مُحَمَّدُ بنُ مَحْمُوْدِ بن الحَسَنِ *
الشَّيْخُ، الفَقِيْهُ، الخَيِّر، أَبُو الفَرَجِ مُحَمَّدُ ابنُ المُفْتِي أَبِي حَاتِمٍ مَحْمُوْد بن الحَسَنِ الأَنْصَارِيّ، القَزْوِيْنِيّ، الآمُلِي، الَّذِي أَملَى بِالمَدِيْنَةِ النّبويَة عَلَى السِّلَفِيّ.
__________
(1) هو محمد بن أحمد بن عمر بن يوسف الأصبهاني الخرقي، مترجم في " طبقات القراء ": 2 / 77، وقد تصحف في " الوافي بالوفيات ": 7 / 323 إلى الحرفى.
(2) الحواميم: السور المفتتحة ب (حم)، والجادة أن يقال: آل حاميم، وذوات حاميم، قال الجوهري: ولا تقل: حواميم، فإنه من كلام العامة، وليس من كلام العرب، وقال أبو عبيدة: الحواميم سور في القرآن على غير القياس، وأنشد: آل حاميم، وبالحواميم التي قد سبعت قال: والاولى أن تجمع بذوات حاميم.
وقال أبو حاتم: قال العامة في جمع حم، وطس: حواميم وطواسين، والصواب: ذوات حم، وذوات طس، وذوات ألم.
(*) العبر: 4 / 2، عيون التواريخ: 13 / 233، مرآة الجنان: 3 / 171، طبقات الاسنوي: 2 / 301، شذرات الذهب: 4 / 3.

(19/217)


سَمِعَ:أَبَاهُ، وَمَنْصُوْرَ بنَ إِسْحَاقَ، وَسَهْلَ بنَ رَبِيْعَةَ.
رَوَى عَنْهُ:ابْنُ نَاصِرٍ، وَشُهْدَةُ، وَابْنُ الخَلِّ.
مَاتَ:بآمُلَ، فِي أَوَّلِ سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْس مائَة.
وَفِيْهَا مَاتَ:إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَمْرٍو البَحيرِي المُحَدِّث (1) ، وَصَاحِبُ إِفْرِيْقِيَة تَمِيمُ بن المُعِزّ بن بَادِيس، وَأَبُو عَلِيٍّ التَّكَكِيُّ (2) ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدُّونِي (3) ، وَأَبُو سَعْدٍ الأَسَدِيّ، وَصَاحِب الحِلَّةِ سَيْفُ الدَّوْلَةِ صَدَقَةُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ دُبَيْسٍ الأَسَدِيّ (4) قُتِلَ.

135 - ابْنُ بِشرُويه أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُفِيْدُ، الصَّدُوْق، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَسَنِ بنِ بِشرُويه الأَصْبَهَانِيّ.
قَالَ:وُلِدْتُ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
سَمِعَ:أَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ حَسْنَكُويَه، وَمُحَمَّدَ بنَ عَلِيِّ بنِ مُصْعَب التَّاجِر، وَالهَيْثَم بنَ مُحَمَّدٍ الخَرَّاط، وَمُحَمَّدَ بنَ عَلِيِّ بنِ شَهْرَيَارَ، وَأَبَا نُعَيْمٍ الحَافِظَ، وَأَبَا ذَرٍّ الصَّالحَانِيَّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدٍ الجَلاَّبَ، وَخَلْقاً كَثِيْراً.
حَدَّثَ عَنْهُ:هِبَةُ اللهِ بنُ طَاوُوْسٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَعِدَّةٌ.
__________
(1) سترد ترجمته برقم (173).
(2) سترد ترجمته برقم (160).
(3) مترجم برقم (147).
(4) سترد ترجمته برقم (165).
(*) تبصير المنتبه: 1 / 91، النجوم الزاهرة: 5 / 163، الاستدراك لابن نقطة 1 / 36 / 1.

(19/218)


قَالَ السِّلَفِيُّ:كَانَ مِنْ أَهْلِ المَعْرِفَةِ بِالفِقْهِ وَالحَدِيْثِ وَالفَرَائِضِ، كَتَبتُ بِانتخَابِهِ كَثِيْراً، وَأَكْثَرنَا عَنْهُ لِثِقَتِه وَمَعْرِفَتِه.
قُلْتُ:مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.

136 - البَرَدَانِيُّ أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، مُفِيدُ بَغْدَاد، أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَسَنٍ البَرَدَانِيُّ (1) ، ثُمَّ البَغْدَادِيّ.
وُلِدَ:سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ:أَبَا طَالِبٍ بنَ غَيْلاَنَ، وَأَبَا إِسْحَاقَ البَرْمَكِيَّ، وَأَبَا طَالِبٍ العُشَارِيَّ (2) ، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ القَزْوِيْنِيّ الزَّاهِدَ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيَّ،
__________
(*) سؤالات السلفي لخميس الحوزي: 72، الأنساب: 2 / 136، المنتظم: 9 / 144، اللباب: 1 / 135، العبر: 3 / 350، تذكرة الحفاظ: 4 / 1232، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 67 - 68، الوافي بالوفيات: 7 / 322، عيون التواريخ: 13 / لوحة 139، ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 94 - 95، شذرات الذهب: 3 / 408.
(1) ضبطها السمعاني وياقوت بفتح الباء كما في الأصل، وانفرد ابن الأثير في " اللباب " فضبطها بضم الباء، وهي نسبة إلى بردان: قرية من قرى بغداد على سبعة فراسخ منها قرب صريفين، وفيها يقول جحظة:
ادفع ورود الهم عنك بقهوة * مخزونة في حانة الخمار
جازت مدى الاعمار فهي كأنها * عند المذاق تزيد في الاعمار
يسعى بها خنث الجفون منعم * في خده ماء النضارة جار
في رقة البردان بين مزارع * محفوفة ببنفسج وبهار
بلد يشبه صيفه بخريفه * رطب الاصائل بارد الاسحار
(2) بضم العين المهملة، وفتح الشين المعجمة، وهو لقب جد أبي طالب، لقب به لأنه كان طويلا، من قولهم: ثوب عشاري: إذا كان طوله عشرة أذرع، وقد سمع المترجم من العشاري وهو في الثامنة من عمره، فإنه ولد سنة 426، وسمع منه سنة 433 ه وهو أول سماعه كما في " ذيل طبقات الحنابلة ": 1 / 94 لابن رجب.

(19/219)


وَعَبْدَ العَزِيْزِ الأَزَجِي، وَالقَاضِي أَبَا يَعْلَى، وَعبدَ الصَّمد بن المَأْمُوْن، وَالخَطِيْبَ، وَعِدَّة، وَلَمْ يَرْحَلْ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ:كَانَ أَحَدَ المَشْهُوْرِيْنَ فِي صنعَةِ الحَدِيْث، وَكَانَ حَنْبَليّاً، اسْتَملَى لِلْقَاضِي أَبِي يَعْلَى (1) ، حَدَّثَنَا عَنْهُ إِسْمَاعِيْلُ الحَافِظ.
قُلْتُ:جَمعَ مُجلَّداً فِي المَنَامَاتَ النّبويَةِ، سَمِعْنَا(مُنتَقَاهُ)عَلَى الأَمِيْنِ الصَّفَّار، عَنِ السَّاوِي، عَنِ السِّلَفِيّ، عَنْهُ، وَقَدْ سَأَله السِّلَفِيّ، عَنْ تَبيِين أَحْوَالِ جَمَاعَةٍ، فَأَجَابَ وَأَجَادَ.
قَالَ السِّلَفِيُّ:هُوَ كَانَ أَحْفَظ وَأَعْرف مِنْ شُجَاعٍ الذُّهْلِيّ، وَكَانَ ثِقَةً نَبِيلاً، لَهُ مُصَنَّفَاتٌ (2) .
قُلْتُ:وَحَدَّثَ عَنْهُ أَيْضاً:عَلِيُّ بن طِرَادٍ الوَزِيْرُ، وَأَحْمَدُ بنُ المُقَرَّبِ.
وَقَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي عَلِيٍّ البَرَدَانِيِّ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بنُ دُوْسْتَ العَلاَّف إِجَازَةً سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَفِيْهَا مَاتَ، قَالَ:أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ...، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ طَارِقٍ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ مَحْمُوْدٍ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا حَامِدُ بنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بنُ سُحَيْمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ بن مَعْبَدِ بنِ عَبَّاسٍ، عَنْ
__________
(1) في " ذيل طبقات الحنابلة ": 1 / 95: قال أبو الحسين في " الطبقات ": سمع درس الوالد سنين، وسمع منه الحديث الكثير، وكان أحد المستملين عليه بجامع المنصور.
(2) ونقل السلفي في سؤالاته: ص 72 عن خميس الحوزي الحافظ، قال: كان أبو علي بن البرداني أحد الحفاظ الأئمة الذين يعلمون ما يقولون.

(19/220)


أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
كَشَفَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السِّتْرَ وَرَأْسُهُ مَعْصُوْبٌ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيْهِ، فَقَالَ:(اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟)ثَلاَثَ مَرَّاتٍ(إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلاَّ الرُّؤيَا الصَّالِحَة)...، وَذَكَرَ باقِي الحَدِيْثِ، وَهُوَ غَرِيْبٌ فَرْدٌ (1) .
أَخْرَجَهُ:مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَه كلهُم مِنْ حَدِيْثِ إِسْمَاعِيْل بن جَعْفَرٍ (2) ، وَهُوَ ثِقَةٌ.
مَاتَ البَرَدَانِي:فِي شَوَّال، سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَأَبُوْهُ شَيْخ مُحَدِّث.
وَفِيْهَا مَاتَ:السُّلْطَانُ رُكْنُ الدَّوْلَةِ أَبُو المُظَفَّرِ بَرْكْيَا رُوْقُ (3) ابْن السُّلْطَان مَلِكْشَاه بنِ أَلب آرسلاَن السَّلجُوقِي شَابّاً لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُوْنَ سَنَةً، وَبَقِيَ فِي
__________
(1) الغريب الفرد: هو الذي انفرد به راو واحد، وإن تعددت الطرق إليه، وحكمه أنه إذا كان الراوي ثقة ضابطا كان الحديث صحيحا، وإن كان متوسطا في الضبط والحفظ، كان الحديث حسنا، وإن كان غير ضابط لما يرويه كان الحديث ضعيفا، والغالب على الحديث الغريب الضعف، ومنه الصحيح كالافراد المخرجة في " الصحيحين " أو أحدهما مثل حديث عمر " إنما الاعمال بالنيات "، وحديث أبي هريرة: " كلمتان حبيبتان إلى الرحمان، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم "، وحديث ابن عمر " نهى عن بيع الولاء وهبته "، وحديث أبي هريرة: " الايمان بضع وسبعون شعبة ".
(2) هذا وهم من المصنف رحمه الله، فقد أخرجه من طرق إسماعيل بن جعفر، مسلم (479) (208) في الصلاة: باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، والنسائي: 2 / 217، 218، في الافتتاح: باب الامر في الاجتهاد بالدعاء في السجود، وأما أبو داود وابن ماجة فلم يخرجاه من طريق إسماعيل بن جعفر، وإنما هو عندهما (876) و(3899) من طريق سفيان بن عيينة، عن سليمان بن سحيم، وكذلك أخرجه مسلم (479) (207)، والنسائي: 2 / 189، 190، وأحمد 1 / 219.
ونص الحديث بتمامه عند مسلم: " يراها المسلم أو ترى له، ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا، فأما الركوع فعظموا فيه الرب عزوجل، فأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم ".
(3) تقدمت ترجمته برقم (117).

(19/221)


المُلك اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَجَرَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيْهِ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ حُرُوْب تُشيِّب الأَطفَالَ، مَاتَ بِبَرُوْجِرْد.
وَفِيْهَا مَاتَ:صَاحِبُ مَاردين، وَجدُّ مُلُوْكهَا الملكُ سَقمَانُ بن أَرتُقَ التُّركمَانِيُّ (1) .

137 - الخَيَّاطُ أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ *
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، المُقْرِئُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ البَغْدَادِيّ، الخَيَّاط، الزَّاهِدُ.
وُلِدَ:فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِ مائَة، فَلَو سَمِعَ فِي صِبَاهُ، لأَدْرَكَ أَصْحَاب القَاضِي المَحَامِلِيّ، وَلَوْ تَلاَ وَهُوَ حَدَثٌ، لِلْحقَ أَبَا الحَسَنِ بنَ الحمَامِي.
سَمِعَ:أَبَا القَاسِمِ بن بِشْرَان، وَعبد الغَفَّار المُؤَدِّب، وَأَبَا بَكْرٍ مُحَمَّد بن عُمَرَ بنِ الأَخْضَر، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ القَزْوِيْنِيّ.
وَتَلاَ عَلَى:أَبِي نَصْرٍ بن مَسْرُوْرٍ، وَغَيْرِهِ.
جَلس لِتعَلِيْم كِتَابِ اللهِ دَهْراً، وَتَلاَ عَلَيْهِ أُمم.
وَرَوَى عَنْهُ:سِبْطَاهُ؛أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ، وَالحُسَيْنُ بن نَاصرٍ،
__________
(1) وقد ألم به مرض الخوانيق الذي كان يعتريه دائما وهو ماض في طريقه لمحاربة الفرنج في طرابلس، ومنعهم من الوصول إلى دمشق، فأشار عليه أصحابه أن يعود إلى حصن كيفا فامتنع، وقال: بل أسير، فإن عوفيت تممت ما عزمت عليه، ولا يراني الله تثاقلت عن قتال الكفار خوفا من الموت، وإن أدركني أجلي، كنت شهيدا سائرا في جهاد، فساروا، فاعتقل لسانه يومين، ومات في صفر، وبقي ابنه إبراهيم في أصحابه، وجعل في تابوت، وحمل إلى حصن كيفا، وسترد ترجمته برقم (144).
(*) الكامل في التاريخ: 10 / 415، دول الإسلام: 2 / 28، العبر: 3 / 353، معرفة القراء: ص: 370، 371، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 153 - 154، البداية: 12 / 166، طبقات القراء: 2 / 74 - 75، شذرات الذهب: 3 / 406 - 407.

(19/222)


وَالسِّلَفِيّ، وَخَطِيبُ المَوْصِلِ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ البَاجِسْرَائِي (1) ، وَسَعدُ الله بنُ الدَّجَاجِي، وَعِدَّة.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ:صَالِحٌ، ثِقَةٌ، عَابِدٌ، مُلَقِّنٌ، لَهُ وِردٌ بَيْنَ العِشَاءيْنِ بِسُبْعٍ (2) ، وَكَانَ صَاحِبَ كرَامَات.
وَقَالَ ابْنُ نَاصر:كَانَتْ لَهُ كرَامَات.
وَقَالَ آخر:كَانَ إِمَامَ مَسْجِدِ ابْنِ جَرْدَة بِالحرِيْم (3) ، لَقَّن العُمْيَان دَهْراً للهِ، وَكَانَ يَسْأَلُ لَهُم، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِم، بِحَيْثُ إِنَّ ابْنَ النَّجَّار نَقل فِي(تَارِيْخِهِ)أَنَّ أَبَا مَنْصُوْرٍ الخَيَّاط بلغَ عَدَدُ مَنْ أَقرَأَهُم مِنَ العُمْيَان سَبْعِيْنَ أَلْفاً، ثُمَّ قَالَ:هَكَذَا رَأَيْتُ بِخَطِّ أَبِي نَصْرٍ اليُونَارتِي الحَافِظ.
قُلْتُ:هَذَا مُسْتحيلٌ، وَالظَّاهِر أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكتب نَفْساً، فَسَبَقَه القَلَمُ فَخَطَّ أَلْفاً (4) ، وَمَنْ لَقَّنَ القُرْآنَ لِسَبْعِيْنَ ضَرِيراً، فَقَدْ عَمِلَ خَيْراً كَثِيْراً.
وَنَقَلَ السِّلَفِيّ عَنْ عَلِيِّ بنِ الأَيسرِ العُكْبَرِيِّ، قَالَ:لَمْ أَرَ أَكْثَرَ خلقاً مِنْ جَنَازَة أَبِي مَنْصُوْرٍ، رَآهَا يَهُوْديٌّ، فَاهْتَالَ (5) لَهَا وَأَسْلَمَ.
وَقَالَ أَبُو مَنْصُوْرٍ بنُ خَيْرُوْنَ:مَا رَأَيْتُ مِثْل يَوْم صُلِّيَ عَلَى أَبِي مَنْصُوْرٍ مِنْ كَثْرَة الْخلق.
__________
(1) نسبة إلى باجسرا: بليدة شرقي بغداد على عشرة فراسخ منها، قريبة من بعقوبا.
(2) أي أنه كان يقرأ بين العشائين سبعا كاملا من القرآن.
(3) أي بحريم دار الخلافة ببغداد.
(4) رد ابن الجزري في " الطبقات ": 2 / 74 نقد الذهبي لهذا الخبر بما ينهض حجة فراجعه.
(5) من الهول، وهو المخافة من الامر لا يدري ما يهجم عليه منه، والجمع أهوال، ويقال: هلته فاهتال: إذا أفزعته ففزع.

(19/223)


قَالَ السَّمْعَانِيّ:رُؤي بَعْد مَوْته، فَقَالَ:غَفَرَ اللهُ لِي بِتعليمِي الصِّبْيَان الفَاتِحَةَ.
مَاتَ:فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ:أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ بن الكُرَيْدِي بِدِمَشْقَ، وَأَبُو سَعْدٍ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بن أَبِي صَادِق الحِيْرِيّ، وَأَبُو الفوَارس عُمَرُ بنُ المُبَارَكِ الحُرْفِي المُحْتَسِبُ، وَأَبُو نُعَيْمٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الوَاسِطِيُّ ابْنُ الجَمَّارِي (1) ، وَأَبُو البَرَكَاتِ مُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ بن الوَكِيْل المُقْرِئُ، وَأَبُو البَقَاءِ الحَبَّال.

138 - مُهَارشُ بنُ مُجَلِّي بنِ عُكيث أَبُو الحَارِثِ *
الأَمِيْرُ، أَبُو الحَارِثِ، مُجيرُ الدّين، مِنْ وُجُوه الْعَرَب (2) بِعَانَة وَالحَدِيْثَةِ (3) ، ذُو بِرٍّ وَصَدَقَاتٍ، وَصَلاَةٍ، وَخيرٍ، أَجَارَ القَائِمَ بِأَمرِ الله فِي فِتْنَة البسَاسيرِي (4) ، وَآوَاهُ إِلَيْهِ سَنَةً فِي ذِمَامِهِ إِلَى أَنْ عَادَ إِلَى
__________
(1) ضبطه ابن نقطة بضم الجيم وتشديد الميم، وبعد الالف راء مكسورة، وفي سؤالات السلفي لخميس الحوزي: ص 30، أنه حدث بمسند مسدد ووثقه.
(*) المنتظم: 9 / 148، الكامل لابن الأثير: 10 / 416، وفيات الأعيان: 5 / 269 في ترجمة المقلد بن المسيب، و1 / 193 في ذكر البساسيري، عيون التواريخ: 13 / 153، البداية: 12 / 166، النجوم الزاهرة: 5 / 193.
(2) من أمراء بني عقيل.
(3) عانة: على فراسخ من الانبار، وهي مشرفة على الفرات، وبقربها الحديثة وتعرف بحديثة الفرات، وحديثة النورة، وبها قلعة حصينة في وسط الفرات والماء يحيط بها.
(4) هو أرسلان بن عبد الله أبو الحارث البساسيري - نسبة إلى بلد بسا وهي بالعربية فسا وأهل فارس ينسبون إليها هكذا - تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر رقم (70) وهو مقدم الاتراك ببغداد، ويقال: إنه كان مملوك بهاء الدولة بن عضد الدولة بن بويه، وكان الخليفة القائم بأمر الله قد قدمه على جميع الاتراك، وقلده الأمور بأسرها، وخطب له على منابر العراق وخوزستان، فعظم أمره، وهابته الملوك، ثم طغى وبغى وعتا وخرج على الامام القائم سنة 450 ه، وخطب للمستنصر العبيدي =

(19/224)


مَقَرِّ عِزِّه، فَكَانَ يَخدِمُ الخَلِيْفَةَ بِنَفْسِهِ.
وَلَهُ، وَكَتَبَ بِهَا إِلَى القَائِم:
لَوْلاَ الخَلِيْفَةِ ذُو الإِفْضَالِ وَالمِنَنِ ... نَجْلُ الخلاَئِف آل الْفَرْض وَالسُّنَنِ
مَا بِعْتُ قَوْمِي وَهُمْ خَيْرُ الأَنَامِ وَقَدْ ... أَصْبَحْتُ أَعْرِفُ بَغْدَاداً وَتَعْرِفُنِي
مَا يَسْتَحِقُّ سِوَايَ مِثْلَ مَنْزِلَتِي ... مَا دَامَ عَدْلُكَ هَذَا اليَوْم يُنْصِفُنِي
وَهِيَ طَوِيْلَة (1) .
مَاتَ:سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.

139 - ابْنُ سِوارٍ أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عُبَيْدِ اللهِ *
الإِمَامُ، مُقْرِئُ العصرِ، أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ سِوارٍ (2) البَغْدَادِيّ، المُقْرِئ، الضّرِيرُ، أَحَدُ الحُذَّاق.
وُلِدَ:سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَقرَأَ بِالروَايَات عَلَى:عُتْبَة بن عَبْدِ
__________
= صاحب مصر، فراح القائم إلى الأمير مهارش بن المجلي العقيلي صاحب الحديثة وعانة، فآواه وقام بجميع ما يحتاج إليه مدة سنة كاملة، حتى جاء طغرلبك السلجوقي، وقاتل البساسيري وقتله، وعاد القائم بعد ذلك إلى بغداد وكان دخوله إليها في مثل اليوم الذي خرج منها وبينهما سنة كاملة، وكانت قتلة البساسيري يوم الثلاثاء حادي عشر ذي الحجة سنة إحدى وخمسين وأربع مئة، وطيف برأسه في بغداد، وصلب قبالة باب النوبي.
انظر " المنتظم " 8 / 190 وما بعدها، ووفيات الأعيان: 1 / 192، 193، والعبر: 3 / 225، والكامل في التاريخ: 9 / 640 - 650، والشذرات: 3 / 287، والوافي بالوفيات: 8 / 340، والبداية: 12 / 76 - 84.
(1) انظر عيون التواريخ: 13 / 77 / 1.
(*) المنتظم: 9 / 135، معجم الأدباء: 4 / 46 - 48، دول الإسلام: 2 / 26، العبر: 3 / 343، معرفة القراء: 1 / 362 - 363، الوافي بالوفيات: 7 / 204 - 205، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 119 - 120، البداية: 12 / 163، طبقات القراء: 1 / 86، النجوم الزاهرة: 5 / 187، شذرات الذهب: 3 / 403، تاج العروس: 3 / 284.
(2) سوار بكسر السين والتخفيف كما في الأصل، مشتبه المؤلف: 1 / 376، وضبط في معجم الأدباء: 4 / 46 خطأ بفتح السين وتشديد الواو.

(19/225)


الْملك العُثْمَانِيّ، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ صَاحِب أَبِي حَفْصٍ الكَتَّانِي، وَعَبْدِ اللهِ بن مَكِّيٍّ السَّواق، وَأَبِي الفَتْحِ بن شِيطَا، وَأَبِي نَصْرٍ أَحْمَدَ بنَ مَسْرُوْرٍ، وَأَبِي عَلِيٍّ الشَّرْمَقَانِي، وَالحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ العَطَّار، وَعَلِيِّ بن مُحَمَّدٍ الخَيَّاط، وَحَسَنِ بنِ غَالِبٍ الحَرْبِيِّ، وَفَرَجِ بنِ عُمَرَ الوَاسِطِيّ.
وَسَمِعَ مِنْ:مُحَمَّد بن عبد الوَاحِد بن رِزْمَةَ، وَمُحَمَّد بن الحُسَيْنِ الحَرَّانِيّ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ غَيْلاَنَ، وَأَبِي القَاسِمِ التَّنُوخِيِّ، وَآخرِيْنَ.
قرَأَ عَلَيْهِ بِالسَّبْع وَغَيْرهَا:أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة، وَمُحَمَّد بن الْخضر المحَوَّلِي، وَذَكْوَانُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَبُو الْكَرم الشَّهْرُزُورِي، وَأَبُو مُحَمَّدٍ سِبْطُ الخَيَّاط.
وَحَدَّثَ عَنْهُ:ابْنُ نَاصر، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَأَحْمَدُ بنُ المُقرَّبِ.
قَالَ ابْنُ سُكَّرَةَ:حَنَفِيٌّ، ثِقَةٌ، خَيِّرٌ، حَبَسَ نَفْسَه عَلَى الإِقْرَاء وَالتَّحْدِيْثِ (1) .
وَقَالَ ابْنُ نَاصرٍ:ثِقَةٌ، نَبِيلٌ، مُتْقِنٌ، ثَبْتٌ.
وَقَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ:كَانَ ثِقَةً، أَمِيناً، مُقْرِئاً، حَسنَ الأَخْذ، ختم عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ كِتَابَ اللهِ، وَكَتَبَ بِخَطِّهِ الكَثِيْرَ مِنَ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ السِّلَفِيُّ:سَمِعْتُ مِنْهُ مُعْظَمَ كِتَابِ(المُسْتَنِيْرِ (2)) لَهُ،
__________
(1) وسمع منه كتابه " المستنير ".
(2) في القراءات العشر، وانظر إسناد ابن الجزري في رواية هذا الكتاب عن المؤلف في النشر 1 / 82.

(19/226)


وَلَهُ فَوتٌ مِنْ آخِرِهِ (1) .
قُلْتُ:تُوُفِّيَ ابْنُ سِوارٍ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، بِبَغْدَادَ، وَأَوَّلُ مَا تَلاَ كَانَ فِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.

140 - الشَّعْبِيُّ أَبُو المُطرِّفِ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ قَاسِمٍ *
شَيْخُ المَالِكِيَّة، أَبُو المُطَرِّفِ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ قَاسِمٍ الشَّعْبِيُّ، المَالِقِيُّ، مُفْتِي بلدِهِ.
سَمِعَ مِنْ:قَاسم المَأْمُوْني بِالمَرِيَّة، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ عِيْسَى المَالِقِي، وَلَهُ إِجَازَةٌ مَنْ يُوْنُس بن عَبْدِ اللهِ بن شُعيث، وَطَائِفَة.
رَوَى عَنْهُ:أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ سُلَيْمَانَ، وَغَيْرهُ.
وَلِيَ قَضَاءَ بَلَده، ثُمَّ سجنه أَمِيْرُهَا تَمِيمٌ لأَمْرٍ بَلَغَه، فَلَمَّا اسْتولَى ابْنُ تَاشفِيْن، دعَاهُ لِلْقَضَاءِ فَأَبَى، وَأَشَارَ بِأَبِي مَرْوَانَ بنِ حَسُّوْنٍ، فَكَانَ أَبُو مَرْوَانَ لاَ يُبْرِمُ أَمراً دُوْنَهُ، وَعُمِّرَ دَهْراً، وَبَعُدَ صيتُه.
مَاتَ:فِي رَجَب، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَلَهُ خَمْس وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.
مَاتَ هُوَ وَابْن الطَّلاَّع (2) فِي جُمُعَة.
__________
(1) وذكره أبو بكر بن العربي في شيوخه، فقال: واقف على اللغة، مذاكر، ثقة، فاضل.
(*) لم نقف له على ترجمة في المصادر التي بين أيدينا.
(2) انظر عيون التواريخ: 13 / لوحة 126، والعبر: 3 / 349، وشذرات الذهب: 3 / 407.

(19/227)


141 - السَّرَّاجُ أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، البَارعُ، المُحَدِّثُ، المُسْنِدُ، بَقِيَّةُ المَشَايِخ، أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ البَغْدَادِيّ، السَّرَّاج، القَارِئ، الأَدِيْب.
قَالَ:وُلِدَتُ فِي آخِرِ سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ، أَوْ فِي أَوِّلِ الَّتِي تلِيهَا.
سَمِعَ:أَبَا عَلِيٍّ بن شَاذَانَ، ثُمَّ سَمِعَ بِنَفْسِهِ مِنْ أَحْمَد بن عَلِيٍّ التَّوَّزِي، وَمُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْلَ بن سَنبك، وَأَبِي مُحَمَّدٍ الخَلاَّل، وَعُبَيْدِ الله بن عُمَرَ بنِ شَاهِيْنٍ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ الحُسَيْنِ بنِ المُقْتَدِر، وَأَبِي طَالِبٍ الغَيْلاَنِي، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ القَزْوِيْنِيّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ البَرْمَكِيّ، وَأَبِي القَاسِمِ التَّنُوخِي، وَأَبِي الفَتْحِ بن شِيطَا، وَعِدَّة بِبَغْدَادَ.
وَسَمِعَ مِنَ:الحَافِظ أَبِي نَصْرٍ السِّجْزِيِّ مُسَلْسَلَ الأَوَّليَّةِ (1) بِمَكَّةَ، وَمِنْ
__________
(*) المنتظم: 9 / 151 - 152، معجم الأدباء: 7 / 153 - 162، الكامل في التاريخ: 10 / 439، وفيات الأعيان: 1 / 357 - 358، دول الإسلام: 2 / 29، العبر: 3 / 355، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 93 - 95، الوافي بالوفيات: 11 / 92، 93، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 166 - 169، مرآة الزمان: 8 / 13، مرآة الجنان: 3 / 162، طبقات الاسنوي: 2 / 45 - 46، البداية: 12 / 168، ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 100 - 103، النجوم الزاهرة: 5 / 194، بغية الوعاة: 1 / 485، كشف الظنون: 492، 957، شذرات الذهب: 3 / 411 - 412، بروكلمان: 1 / 594.
(1) وهو حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " الراحمون يرحمهم الرحمان، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " فهذا الحديث رواه العلماء والحفاظ بالاسناد المتصل إلى سفيان بن عيينة، وكل شيخ في الإسناد يرويه عن من سبقه، ويقول: هو أول حديث سمعته منه، ثم بعد سفيان بن عيينة تقف سلسلة الاولية، فيرويه سفيان بدونها، عن عمرو بن دينار، عن أبي قابوس، عن عبد الله بن عمرو، قال الحافظ في " شرح النخبة ": ومن رواه مسلسلا إلى منتهاه فقد وهم.
وهو حديث صحيح تقدم تخريجه.

(19/228)


مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الأَرْدَسْتَانِيِّ.
وَبِمِصْرَ مِنَ:الشَّيْخ عَبْد العَزِيْزِ بن الحَسَنِ الضَّرَّاب، وَطَائِفَة.
وَبِدِمَشْقَ مِنْ:أَبِي القَاسِمِ الحِنَّائِي، وَالخَطِيْب؛وَخَرَّج لَهُ شَيْخُهُ الخَطِيْبُ خَمْسَةَ أَجزَاء مَشْهُوْرَةٍ سَمِعْنَاهَا.
حَدَّثَ عَنْهُ:ابْنُهُ؛ثَعْلَب، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْدي، وَعَبْد الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ نَاصر، وَأَبُو الفَتْحِ بنُ البَطِّي، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَسَلْمَان الشَّحَّامُ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ الخلّ، وَعَبْدُ الحَقِّ اليُوْسُفِي، وَأَبُو الفَضْلِ خطيبُ المَوْصِلِ، وَشُهْدَةُ بِنْت الإِبَرِي (1) ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
كتب بِخطه الكَثِيْر، وَصَنَّفَ كِتَاب(مَصَارع العشَاق (2))، وَكِتَاب(حكم الصِّبْيَان)، وَكِتَاب(مَنَاقِبِ الحَبَشِ)، وَنظم الكَثِيْر فِي الفِقْه، وَفِي الموَاعِظ وَاللُّغَة، وَشِعرُه حُلْوٌ عذب فِي فُنُوْنِ القرِيض، انْتخب السِّلَفِيّ عَلَيْهِ مِنْ أُصُوْله ثَلاَثِيْنَ جُزْءاً.
حَدَّثَ بِبَغْدَادَ، وَمِصْر، وَدِمَشْق، وَسَمِعَ مِنْهُ شَيْخُهُ أَبُو إِسْحَاقَ الحَبَّال.
قَالَ شُجَاع الذُّهْلِيّ:كَانَ صَدُوْقاً، أَلَّف فِي فُنُوْنٍ شَتَّى.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِي:هُوَ شَيْخ فَاضِل، جَمِيْلٌ وَسيم، مَشْهُوْر يَفْهَمُ، عِنْدَهُ لُغَة وَقِرَاءاتٌ، وَكَانَ الغَالِبُ عَلَيْهِ الشِّعْرُ، نَظمَ كِتَاب(التَّنبيه)لأَبِي إِسْحَاقَ (3) ، وَنظم منسِكاً.
__________
(1) وهي آخر من حدث عنه، قال ابن الجوزي في " المنتظم ": 9 / 151: وآخر من حدث عنه شهدة بنت الابري، قرأت عليها كتابه المسمى بمصارع العشاق بحق سماعها منه.
(2) وجعله أجزاء، وكتب على كل جزء أبياتا من نظمه، فكان على الجزء الأول: هذا كتاب مصارع العشاق * صرعتهم أيدي نوى وفراق تصنيف من لذع الفراق فؤاده * وتطلب الراقي فعز الراقي
(3) هو إبراهيم بن علي الشيرازي المتوفى سنة 472 ه، تقدمت ترجمته في الثامن عشر =

(19/229)


وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ العَرَبِي:ثِقَةٌ، عَالِمٌ، مُقْرِئٌ، لَهُ أَدَبٌ ظَاهِرٌ، وَاختصَاص بِأَبِي بَكْرٍ الخَطِيْبِ.
وَقَالَ السِّلَفِيّ:كَانَ مِمَّنْ يُفتَخرُ برُؤْيَته وَروَايَاتِهِ لِديَانته وَدِرَايته، لَهُ تَوَالِيفُ مفِيدَة، وَفِي شُيُوْخه كَثْرَة، أَعلاَهُم ابْنُ شَاذَانَ.
وَقَالَ حَمَّادٌ الحَرَّانِيّ:سُئِلَ السِّلَفِيّ عَنِ السَّرَّاج، فَقَالَ:كَانَ عَالِماً بِالقِرَاءات، وَالنَّحْو، وَاللُّغَة، ثِقَةً، ثَبْتاً، كَثِيْرَ التَّصنِيف (1).
وَقَالَ ابْنُ نَاصر:كَانَ ثِقَةً، مَأْمُوْناً، عَالِماً فَهماً صَالِحاً، نَظم كُتباً كَثِيْرَة، مِنْهَا كِتَاب(المُبْتَدَأِ)لِوَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ، وَكَانَ قَدِيماً يَسْتَملِي عَلَى الخَلاَّلِ وَالقَزْوِيْنِيِّ، مَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ خَمْسِ مائَة.
قَالَ السِّلَفِيّ:أَنشدنَا السَّرَّاجُ لِنَفْسِهِ:
للهِ دَرُّ عِصَابَةٍ ... يَسْعَوْنَ فِي طَلَبِ الفَوَائِدْ
يُدْعَوْنَ أَصْحَابَ الحَدِ ... يثِ بِهِمْ تَجَمَّلَتِ المَشَاهِدْ (2)
طَوْراً تَرَاهُمْ بِالصَّعِيـ ... ـدِ وَتَارَةً فِي ثَغْرِ آمِدْ
__________
= رقم (237)، والتنبيه في فروع الفقه الشافعي، ولعلي بن عبد الرحمن بن داود بن الجراح فيه:
سقيا لمن ألف التنبيه مختصرا * ألفاظه الغر واستقصى معانيه
إن الامام أبا إسحاق صنفه * لله والدين لا للكبر والتيه
رأى علوما عن الافهام شاردة * فحازها ابن علي كلها فيه
(1) وقال ابن النجار فيما نقله ابن رجب في " الذيل ": 1 / 102: كتب بخطه الكثير، وكانت له معرفة بالحديث والأدب، وحدث بالكثير على استقامة وسداد ببغداد والشام ومصر، وسمع منه الأئمة الكبار والحفاظ، وكان متدينا حسن الطريقة مع ظرفه ولطف أخلاقه.
(2) تحرفت " تجملت " في " ذيل الطبقات ": 1 / 103 إلى " تجلت ".

(19/230)


يَتَّبَّعُوْنَ مِنَ العُلُو ... مِ بِكُلِّ أَرْضٍ كُلَّ شَارِدْ
وَهُمُ النُّجُوْمُ المُقْتَدَى ... بِهِم إِلَى سُبُلِ المَقَاصِدْ (1)

142 - جَيَّاشٌ أَبُو فَاتِكٍ بنُ نَجَاحٍ الحَبَشِيُّ *
هُوَ صَاحِبُ اليَمَن وَأَبُو أَصْحَابه، الملكُ، أَبُو فَاتك جيَّاش بن نَجَاح الحَبَشِيّ، مَوْلَى حُسَيْن بن سَلاَمَةَ النُّوبِي مَوْلَى آلِ زِيَادٍ مُلُوْكِ اليَمَنِ.
كَانَ أَبُوْهُ قَدِ اسْتَولَى عَلَى اليَمَنِ، وَأَبَادَ أَضدَادَه، وَتَمَكَّنَ إِلَى أَنْ ظَهرَ الصُّلَيْحِي (2) ، وَتَمَلَّك وَمَكَر بنجَاح، فَسمَّه، فَهَرَبَ أَوْلاَدُه، وَلَحِقُوا بِالحَبَشَةِ، وَرَأسُهُم سَعِيْدُ بنُ نَجَاحٍ الأَحْوَل، وَتَكلَّمَ الكُهَّانُ بِأَنَّ هَذَا الأَحْوَلَ يَقتُلُ الصُّلَيحِيَّ، وَصُوِّرت لِلصُّلَيحِي صُوْرَةُ الأَحْوَلِ عَلَى جَمِيْعِ أَحْوَالِهِ، وَاسْتشعر مِنْهُ، فَترقَّت هِمتُهُ، وَجَاءَ مِنَ الحَبَشَة فِي خَمْسَة آلاَفِ حَرْبَةٍ،
__________
(1) ومن شعره وهو في مصارع العشاق: 1 / 103:
بان الخليط فأدمعي * وجدا عليهم تستهل
وحدا بهم حادي الفرا * ق عن المنازل فاستقلوا
قل للذين ترحلوا * عن ناظري والقلب حلوا
ودمي بلا جرم أتي * ت غداة بينهم استحلوا
ما ضرهم لو أنهلوا * من ماء وصلهم وعلوا
(*) تاريخ اليمن لعمارة: 295، طبقات فقهاء اليمن: 104، خريدة القصر: 3 / 223، المشتبه: 140، الوافي بالوفيات: 11 / 228، كشف الظنون: 1777، بلوغ المرام: 16 - 17، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 181.
(2) هو أبو الحسن علي بن محمد بن علي الصليحي، رأس الدولة الصليحية، وأحد من ملكوا اليمن عنوة، صحب عامر بن عبد الله الرواحي أحد دعاة العبيديين، فمال إلى مذهبهم، ويقول المقريزي: إنه صار إماما فيه، وجعل يحج دليلا بالناس، ويتألف منهم من يتوسم فيه الاقبال عليه حتى كان له ستون نصيرا من مختلف القبائل، حالفوه بمكة في سنة 429، وتكاثر جمعه، فلم تكن سنة 455 ه حتى ملك اليمن كله...ثم قتله سعيد الاحول سنة 473 ه بثأر أبيه تقدمت ترجمته في الثامن عشر رقم (173).

(19/231)


فَكَبَسَ الصُّلَيحِي بِالمهْجم مُخيَّمَه، فَقَتَلَهُ، وَقَتَلَ أَخَاهُ، وَعِدَّةً، وَأَخَذَ خَزَائِنه، وَكَانَتْ عَظِيْمَة، وَجَمَعَ بَعْضَ آلِ الصُّلَيحِي، فَقَتَلَهُم رَمْياً بِالحرَاب، وَتَملَّك زَبِيْدَ، وَعلَّق الرَّأْس، فَقَالَ العُثْمَانِيُّ شَاعِر:
نَكِرَتْ مِظَلَّتُهُ عَلَيْهِ فَلَمْ تَرُحْ ... إِلاَّ عَلَى المَلِكِ الأَجَلِّ سَعِيْدِهَا
مَا كَانَ أَقْبَحَ وَجْهَهُ فِي خَالِهَا ... مَا كَانَ أَحْسَنَ رَأْسَهُ فِي عُوْدِهَا
سُوْدُ الأَرَاقِمِ قَاتَلَتْ أُسْدَ الشَّرَى ... يَا رَحْمَتَا لأُسُودِهَا مِنْ سُوْدِهَا (1)
ثُمَّ بَعْدَ سَنَةٍ، حشد مُكَرَّمُ بنُ الصُّليحِي (2) ، وَأَقْبَلَ مِنْ صَنْعَاء، فَالْتَقَوْا، فَانْكَسَرَ السُّودَانُ، وَانْهَزَمَ الأَحْوَلُ، وَنَزَلُوا السُّفُنَ، وَاسْتَرَدَّ مكرَّم زَبِيْدٍ، وَخَلَّصَ أُمَّهُ، ثُمَّ فُلِجَ، فَفَوَّضَ الأُمُوْرَ إِلَى زَوجَتِهِ الحُرَّةِ سَيِّدِهِ، وَأَقْبَلَ عَلَى اللَّهْوِ مَعَ فَالِجِه إِلَى أَنْ هَلَكَ سَنَة(484)، وَعهد بِالملك إِلَى ابْنِ عَمِّهِ السُّلْطَان سَبأِ بنِ أَحْمَدَ، وَكَانَ الحَرْب بَيْنَهُ وَبَيْنَ آل نَجَاح سِجَالاً، وَكَتَبَ خَلِيْفَةُ مِصْر إِلَى الحُرَّة:قَدْ زوَّجْتُكِ بِأَمِيْر الأُمَرَاء سَبَأ عَلَى مائَة أَلْف دِيْنَار، ثُمَّ لَمَّا مَاتَ سَبَأ (3) ، قَامت بِملكهَا، وَدبَّر دَوْلَتهَا المُفَضَّلُ، وَامتدت أَيَّامُ الحرّة خَمْسِيْنَ سَنَةً.
نعم، ثُمَّ تَوثَّبَ سَعِيْدٌ الأَحْوَل عَلَى صَنْعَاء، ثُمَّ هَلَكَ سَنَة سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ، وَتَملَّك بَعْدَهُ أَخُوْهُ جَيَّاش، وَقَدْ تَنكَّر وَسَارَ مَعَ وَزِيْرِهِ قَسِيمِ الْملك إِلَى الهِنْد.
قَالَ جَيَّاش:دخلنَا الهِنْدَ سَنَة(481)، فَأَقمنَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَرجعنَا،
__________
(1) الاراقم: جمع أرقم: الحية التي على ظهرها رقم، أي: نقش، وسود الاراقم: الحيات التي فيها سواد، وهي من أخبث الحيات، وأعظمها وأنكاها، وليس شيء من الحيات أجرأ منه.
(2) هو أحمد بن علي بن محمد الصليحي، المتوفى سنة 477 ه، وله ذكر في ترجمة أبيه 18 / (137).
(3) سنة 492 ه.

(19/232)


فَقَدِمَ إِنْسَان مِنْ سَرَنْدِيب يَتَكَلَّم عَلَى المُسْتَقْبِلاَت، فَسَأَلنَا عَنْ حَالِنَا، وَبشَّرنَا بِأُمُوْرٍ لَمْ تَخْرِم، وَاشْتَرَيتُ جَارِيَة هِنديَة، وَجِئنَا عَدَن، فَقُلْتُ لِوَزِيْرِي:امضِ إِلَى زَبِيْدٍ، فَأَشِعْ مَوْتِي، وَاكشِفِ الأُمُوْرَ، وَصعدت جِبْلَةَ (1) ، وَكشفتُ أَحْوَالَ المُكَرَّم، ثُمَّ أَتيتُ زَبِيْد، فَخبرنِي الوَزِيْرُ بِمَا يَسُرُّ عَنْ أَوليَائِنَا، وَأَنَّهُم كَثِيْرٌ، فَأَخَذتُ مِنْ لِحيَتِي، وَسَتَرتُ عَيْنِي بِخرقَة، وَطَوَّلت أَظفَارِي، وَقصدتُ دَارَ ابْن القُم الوَزِيْر فَأَسمَعُهُ يَقُوْلُ:لَوْ وَجَدْتُ كلباً مِنْ آلِ نَجَاح لَملَّكته، وَذَلِكَ لِشَرٍّ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ شِهَابٍ رَفِيقِهِ، فَخَرَجَ وَلدُ ابْن القُم، فَقَالَ:يَا هنديُّ، تُحْسِنُ الشطْرَنْج؟
قُلْتُ:نَعم.
قَالَ:فَغَلَبتُهُ، فَثَارَ، وَكَانَ طَبَقَةَ أَهْلِ زَبِيْدٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُوْهُ:مَا لَنَا مَنْ يَغْلِبُك إِلاَّ جَيَّاشٌ، وَقَدْ مَاتَ، ثُمَّ لَعِبتُ مَعَ الأَب، فَمَنَّعْتُ الدَّسْتَ، فَأَحَبَّنِي وَخَلَطَنِي بِنَفْسِهِ، وَهُوَ يَقُوْلُ كُلَّ وَقتٍ:عجَّل الله عَلَيْنَا بكُم يَا آل نَجَاح، فَأَخَذْتُ أُكَاتِبُ الحُبُوشَ حَتَّى حصل حَوْلَ زَبيْد خَمْسَةُ آلاَف حَرْبَةً، وَأَمرتُ وَزِيْرِي، فَأَخَذَ لِي عَشْرَة آلاَف دِيْنَار مُودَعَة، فَأَنفقتُهَا فِيهِم، وَضرب وَلد ابْن القُم عَبداً لَهُ، فَنَالنِي طرفُ سَوْطه، فَقُلْتُ:أَنَا أَبُو الطَّامِي، فَقَالَ أَبُوْهُ:مَا اسْمُكَ؟
قُلْتُ:بَحرٌ.
قَالَ:كُنْيَة مُنَاسبَة.
وَقَالَ مرَّة لابْنِهِ:إِن غلبتُ الْهِنْدِيّ، أَوفدتُك بِارتِفَاعِ السّنَة عَلَى المُكَرَّم.
قَالَ:فَترَاخيتُ لَهُ، فَغلبنِي، فَطَاش فَرحاً، وَمَدَّ يَده إِلَى وَجْهِي، فَأَحْفَظنِي، وَقُمْت، فَعثرتُ، فَاعْتَزَيْتُ (2) ، وَقُلْتُ:أَنَا جيَاش بنُ نَجَاح،
__________
(1) بكسر الجيم وسكون الباء: مدينة باليمن تحت جبل صبر، وتسمى ذات النهرين، وهي من أحسن مدن اليمن وأنزهها وأطيبها.
(2) أي: انتسبت، يقال: عزا فلان نفسه إلى بني فلان يعزوها عزوا، وعزا واعتزى وتعزى كله: انتسب صدقا كان أو كذبا، وانتمى إليهم، وفي الحديث الصحيح المخرج في " المسند ": 5 / 136: " من تعزى بعزاء الجاهلية، فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا " أي: انتسب وانتمى، فقد كانوا في الجاهلية يقولون في الاستغاثة: يا لفلان، وينادي: أنا فلان ابن فلان ينتمي إلى أبيه وجده لشرفه وعزه ونحو ذلك، فمعنى الحديث: قبحوا عليه فعله، وقولوا: اعضض بهن أبيك، فإن من القبح مثل هذه الدعوى.

(19/233)


فَفَهمهَا الأَبُ، فَوَثَبَ خَلْفِي حَافِياً، وَضَمَّنِي، وَأَخْرَج المُصْحَفَ، وَحَلَفَ لِي، وَحَلفتُ لَهُ، وَأَمرَ بِإِخلاَءِ دَارِ أَعزَّ بنِ الصُّليحِيِّ، وَحَمَلَ إِلَيْهَا الأَمتعَة، وَنُقِلَتْ إِلَيْهَا سُرِّيَّتِي، فَوَلَدَتْ لِوقتهَا وَلدي الفَاتك، وَضربت الطّبل، وَظهرنَا، فَأَسرنَا ابْنَ شِهَابٍ، فَقَالَ:مِثْلِي لاَ يَطلُبُ العَفْوَ، وَالحَرْبُ سِجَالٌ.
قُلْتُ:وَمِثْلُكُ لاَ يُقْتَل.
ثُمَّ أَحْسَنَ إِلَيْهِ جَيَّاش، وَتسلَّم دَارَ الْملك، وَلَمْ يَمضِ شهرٌ حَتَّى ركب فِي عِشْرِيْنَ أَلْف حربَة، وَلَمْ يَقوَ بِهِ المكرَّم، وَلَمْ يَزَلْ مَالِكاً إِلَى أَنْ مَاتَ سَنَةَ خَمْسِ مائَة.
وَقِيْلَ:مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ عَنْ سِتَّة بَنِيْنَ، فَتملَّك ابْنُهُ الفَاتكُ، ثُمَّ حَارَبَه إِبْرَاهِيْمُ أَخُوْهُ، وَمَاتَ فَاتِكٌ سَنَة (53)، فَملَّكت عبِيدُهُ وَلدَه المَنْصُوْر صَغِيراً، فَتَوَثَّبَ عبدُ الوَاحِد بنُ جيَاش، فَتملَّك زَبِيْد، وَهربت الخدمُ بِالصَّبيّ، وَجَرَتْ حُرُوْبٌ طَوِيْلَة، ثُمَّ تَمَكَّنَ الصَّبيُّ مُدَّةً، وَوَلِيَ بَعْدَهُ ابْنه فَاتكُ بنُ المَنْصُوْر، ثُمَّ تَملَّك ابْنُ عَمِّهِ، فَدَامت دَوْلَتُهُ إِلَى أَنْ قَتله عَبِيدُهُ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَاسْمُهُ فَاتكُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المَنْصُوْر، وَكَانَ هُوَ وَعَبِيَدُهُ لاَ بَأْسَ بَدَوْلَتِهِم، وَحكمُوا عَلَى شطر اليَمَن مَعَ بَقَايَا آل الصُّليحِي، وَمَعَ الشُّرفَاء الزَّيديَّة.

143 - صَاحِبُ مَاردِينَ سُقْمَانُ بنُ أُرْتُقَ بنِ أَكْسَبَ التركمَانِي *
الْملك سُقْمَانُ ابنُ الأَمِيْر الكَبِيْر أُرْتُقَ بنِ أَكْسَبَ (1) التُّركمَانِي
__________
(*) الكامل في التاريخ: 10 / 389 - 392، العبر: 3 / 351 - 352، تتمة المختصر: 2 / 27 - 28، الوافي: 15 / 287، عيون التواريخ:، مرآة الزمان: 8 / 22 - 23، النجوم الزاهرة: 5 / 188، شذرات الذهب: 3 / 409، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 344.
(1) قال ابن خلكان: 1 / 191: وأكسب: بفتح الهمزة، وسكون الكاف، وفتح =

(19/234)


أَخُو الْملك إِيلغَازِي.
وَلِيَا إِمْرَةَ القُدْسِ بَعْد أَبِيهِمَا (1) ، فَضَايَقَهُمَا ابْنُ بَدْرٍ أَمِيْرُ الجُيُوْش (2) ، وَأَخَذَهُ مِنْهُمَا قَبْلَ أَخْذِ الفِرَنْج لَهُ بِأَشهُرٍ، فَذَهَبَا وَاسْتَولَيَا عَلَى دِيَارِ بكرٍ (3) .
مَاتَ سُقْمَان:بِقُرْبِ طَرَابُلُس، سَنَة ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ، وَمَاردين اليَوْم وَمِنْ قَبْل مَا زَالت فِي يَدِ ذُرِّيَّتِهِ.
قِيْلَ:إِنَّ ابْنَ عَمَّار (4) طَلَبه لِينجده عَلَى الفِرَنْج، وَإِن صَاحِبَ دِمَشْق مرض، وَهَمَّ بِتَسْلِيم دِمَشْق إِلَيْهِ، فَسَارَ إِلَيْهَا لِيَملِكَهَا، ثُمَّ يَغزُو الفِرَنْجَ، فَمَاتَ بِالخوَانِيقِ، وَنُقِلَ، فَدُفِنَ بِحصنِ كَيْفَا (5) .

144 - البَاقِلاَّنِيُّ أَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، المُحَدِّثُ، أَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ
__________
= السين المهملة، وبعدها باء موحدة، وقيل: هو أكسك بالكاف بدل الباء، وقد رجح الثاني ابن خلدون، والعيني، وابن حجر.
(1) في سنة 484 ه.
(2) هو أمير الجيوش المصرية الأفضل بن بدر الجمالي أبو القاسم، وهو الذي وطد دعائم الملك للآمر بأحكام الله العبيدي صاحب مصر.
توفي سنة 515 ه، وقد تم استيلاؤه على القدس سنة 491 ه، وسترد ترجمته برقم (294).
(3) وفيات الأعيان: 1 / 191، ويعد سقمان هذا مؤسس أولى الامارات الارتقية في ديار بكر.
(4) هو فخر الملك بن عمار صاحب طرابلس، سترد ترجمته برقم (196).
(5) هي بلدة وقلعة عظيمة مشرفة على دجلة بين آمد وجزيرة ابن عمر من ديار بكر.
(*) المنتظم: 9 / 153 - 154، دول الإسلام: 2 / 29، العبر: 3 / 356، عيون التواريخ: 13 / 195، النجوم الزاهرة: 5 / 195، شذرات الذهب: 3 / 412.

(19/235)


الحَسَن بن خذَادَاذَا البَاقلاَنِي، البَقَّال، الفَامِي، البَغْدَادِيّ.
سَمِعَ مِنْ:أَبِي عَلِيٍّ بنِ شَاذَانَ، وَأَبِي بَكْرٍ البَرْقَانِيّ، وَأَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ ابْن المَحَامِلِيّ، وَطَائِفَة.
رَوَى عَنْهُ:أَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ، وَابْنُ نَاصرٍ، وَالسِّلَفِيّ، وَخَطِيبُ المَوْصِلِ، وَشُهْدَةُ، وَخَلْق.
أَثْنَى عَلَيْهِ عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَقَالَ ابْنُ نَاصرٍ:كَانَ كَثِيْرَ البُكَاءِ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ (1) .
قُلْتُ:عَاشَ ثَمَانِيْنَ سَنَةً أَوْ أَزيَدَ، وَتُوُفِّيَ فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَة خَمْسِ مائَة، وَهُوَ أَخُو الشَّيْخ أَبِي طَاهِر أَحْمَد بن الحَسَنِ الكَرْخِيّ المَذْكُور.

145 - ابْنُ زَنْجُوَيْه أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، المُعَمَّرُ، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ زَنْجَوَيْه الزَّنْجَانِي (2) ، الشَّافِعِيّ.
وُلِدَ:سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَقَدِمَ بَغْدَاد شَابّاً، فَسَمِعَ مِنْ أَبِي عَلِيٍّ بنِ شَاذَانَ، وَطَائِفَة.
فَسَمِعَ(مُسْنَد الإِمَام أَحْمَد)مِنَ الحُسَيْن الفلاَّكِي صَاحِب القَطِيْعِيّ، وَسَمِعَ(غَرِيْب
__________
(1) وقال ابن الجوزي في " المنتظم " 9 / 154: حدثنا عنه أشياخنا، وهو من بيت الحديث، وكان شيخا صالحا كثير البكاء من خشية الله تعالى، صبورا على إسماع الحديث.
(*) طبقات السبكي: 4 / 45 - 46، 6 / 47 - 48.
(2) نسبة إلى زنجان: بلدة على حد أذربيجان من بلاد الجبل قريبة من أبهر وقزوين.

(19/236)


أَبِي عُبَيْدٍ)مِنِ ابْنِ هَارُوْنَ التَّغْلِبِيّ عَالِياً، وَقرَأَ لأَبِي عَمْرٍو (1) عَلَى ابْنِ الصَّقْر الكَاتِب (2) ، وَصَارَت الرِّحلَةُ إِلَيْهِ، وَمدَارُ الفَتْوَى بِبلده عَلَيْهِ.
وَسَمِعَ مِنْ:أَبِي طَالِبٍ الدَّسْكَرِي، وَالعَلاَّمَة عَبْد القَاهِرِ بنِ طَاهِرٍ البَغْدَادِيِّ الأُصُوْلِيِّ، وَالحَسَن بن مَعْرُوف الزَّنْجَانِي صَاحِبِ ابْنِ المُقْرِئِ، سَمِعَ مِنْهُ(مُسْنَدَ أَبِي يَعْلَى).
قَالَ شِيْرَوَيْه الحَافِظ:كَانَ فَقِيْهاً، مُتْقِناً، رحلتُ إِلَيْهِ بِابْنِي شهردَار، وَسَمِعنَا مِنْهُ بِزَنْجَان.
قُلْتُ:وَحَدَّثَ عَنْهُ:السِّلَفِيّ، وَشُعْبَةُ بنُ أَبِي شُكْرٍ الأَصْبَهَانِيّ، وَابْنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيّ، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ تلاَمذَة القَاضِي أَبِي الطَّيِّب الطَّبَرِيّ، رَأَيْتُ لَهُ تَرْجَمَة مفردَة بِخَطِّ الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ كتبهَا عَنِ السِّلَفِيّ، وَأَنَّهُ قرَأَ كِتَاب(الْمُرشد)عَلَى مُؤلفه أَبِي يَعْلَى بن السَّرَّاج (3) ، وَتَلاَ عَلَيْهِ بِمَا فِيْهِ، وَأَنَّهُ كتب بِنَيْسَابُوْرَ(تَفْسِيْرَ إِسْمَاعِيْل بن أَحْمَدَ الضّرِير)عَنْهُ، وَسَمِعَ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ ابْن بَاكُويه، ثُمَّ قَالَ:
سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ:أَنَا أُفتِي مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَقِيْلَ لِي عَنْهُ:إِنَّهُ لَمْ يُفْتِ خطَأً قَطُّ، وَأَهْلُ بَلَده يُبَالِغُون فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهِ، الخَوَاصُّ وَالعَوَامُّ، وَيَذكرُوْنَ وَرَعَه، وَقِلَّةَ طَمعه.
__________
(1) هو زبان بن العلاء التميمي المازني البصري المتوفي سنة 154 ه، إمام العربية الثقة، وأحد القراء السبعة مترجم في الجزء السادس رقم (167).
(2) هو الحسن بن علي بن الصقر أبو محمد البغدادي الكاتب المتوفى سنة 429 ه، شيخ عالي الرواية قرأ لأبي عمرو على زيد بن علي بن أبي هلال، وهو آخر من روى عنه، " معرفة القراء " رقم (332).
(3) هو محمد بن الحسين بن عبيد الله بن عمر بن حمدون، أبو يعلى الصيرفي المعروف بابن السراج، قال الخطيب في " تاريخه ": 2 / 251: كتبت عنه، وكان ثقة، وهو أحد الحفاظ لحروف القرآن، ومذاهب القراء، وعلم النحو، يشار إليه في ذلك، وله مصنف في القراءات. توفي سنة 427 ه.

(19/237)


قُلْتُ:مَا ظفرتُ بِوَفَاتِهِ، لَكِنَّه حَدَّثَ فِي سَنَةِ خَمْس مائَة، وَانقطعَ خَبَرُهُ.

146 - ابْنُ أَبِي الصَّقْرِ أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حَسَنٍ *
العَلاَّمَةُ، أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حَسَنِ بنِ أَبِي الصَّقرِ الوَاسِطِيّ، الكَاتِب، أَحَدُ الشُّعَرَاء.
وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الشَّافعيَّة، عَلَّقَ المَذْهَبَ بِالنِّظَامِيَة عَنِ الشَّيْخ أَبِي إِسْحَاقَ، فَلَهُ عَنْهُ ثَلاَثُ تَعلِيقَاتٍ.
وَحَدَّثَ عَنْ:عُبَيْدِ اللهِ بنِ هَارُوْنَ القَطَّانِ، وَعِيْسَى بنِ خَلَفٍ الأَنْدَلُسِيّ، وَأَخَذَ الأَدبَ عَنْ أَبِي غَالِبٍ بنِ الخَالَةِ، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى الخَيْشِي النَّحْوِيّ.
وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ:أَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب، وَعَاد إِلَى بَلَده، ثُمَّ قَدِمَ بَغْدَاد، وَحَدَّثَ بِهَا.
رَوَى عَنْهُ:ابْنُ نَاصر، وَابْنُ الجوَالِيقِي، وَكَثِيْرُ بن سمَاليق، وَالسِّلَفِيّ.
وَقَالَ شُجَاع الذُّهْلِيُّ:لاَ بَأْسَ بِهِ، وَلَهُ شعر مَطْبُوع (1) .
__________
(*) سؤالات الحافظ السلفي لخميس الحوزي: 36، المنتظم: 9 / 145، خريدة القصر: 4 / 1 / 315، معجم الأدباء: 18 / 257 - 260، الكامل: 10 / 396 - 397، وفيات الأعيان: 4 / 450 - 452، تتمة المختصر: 2 / 28، الوافي بالوفيات: 4 / 142 - 143، عيون التواريخ: 13 / 127 - 135، مرآة الزمان: 8 / 9 - 10، طبقات السبكي: 4 / 191 - 192، طبقات الاسنوي: 2 / 140 - 142، البداية والنهاية: 12 / 165، النجوم الزاهرة: 5 / 191، كشف الظنون: 818.
(1) قال ابن خلكان في " الوفيات ": 4 / 450: ورأيت له بدمشق ديوان شعر في الخزانة الأشرفية التي في الجامع المشهور في تربته شمال الكلاسه التي هي زيادة في الجامع الكبير، والديوان في مجلد واحد.
ومن شعره: من قال لي جاه ولي حشمة * ولي قبول عند مولانا =

(19/238)


وَقَالَ الحَوزِي أَبُو الْكَرم:كَانَ يَقُوْلُ:أَنَا مِنْ وَلَدِ الوَزِيْر أَبِي الصَّقر إِسْمَاعِيْل بن بُلبل.
قَالَ أَبُو الْكَرم:وَلَمَّا وَقعت الفِتْنَة بَيْنَ الحنَابلَة وَالأَشْعَرِيِّيْنَ، كَانَ قَائِماً وَقَاعِداً فِيْهَا، وَعَمِلَ فِي ذَلِكَ أَشعَاراً (1) ، وَبلغ التِّسْعِيْنَ إِلاَّ شهوراً.
مَاتَ:بِوَاسِطَ، فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَة ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ (2) .

147 - الدُّونِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حَمد بنِ الحَسَنِ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الزَّاهِدُ، الصَّادِقُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ حَمْدِ بن الحَسَنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدُّونِي، الصُّوْفِيّ، مِنْ قَرْيَة الدُّوْنِ:مِنْ أَعْمَالِ هَمَذَان، عَلَى عَشْرَة فَرَاسخ مِنْهَا، مِمَّا يَلِي مدينَة الدِّينَوَر.
كَانَ آخِرَ مَنْ رَوَى كِتَاب(المُجْتَبَى)مِنْ(سُنَن النَّسَائِيّ)، وَغَيْر ذَلِكَ عَنِ القَاضِي أَبِي نَصْرٍ أَحْمَد بن الحُسَيْنِ الكسَار صَاحِبِ ابْن السُّنِّي.
حَدَّثَ عَنْهُ:ابْنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيّ، وَابْنُهُ أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ السَّمْعَانِيّ، وَأَبُو العَلاَءِ الحَسَنُ بن أَحْمَدَ الهَمَذَانِيّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو الفُتُوْح الطَّائِيّ صَاحِبُ الأَرْبَعِيْنَ، وَسَعْدُ الخَيْر الأَنْدَلُسِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ بنيمَان، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بن إِسْمَاعِيْلَ القُوْمَسَانِيُّ، وَابْنُ عَمِّهِ المُطَهَّر بنُ عَبْدِ
__________
= ولم يعد ذاك بنفع على * صديقه لا كان من كانا
وله في اعتذاره عن ترك القيام لاصدقائه:
علة سميت ثمانين عاما * منعتني للاصدقاء القياما
فإذا عمروا تمهد عذري * عندهم بالذي ذكرت وقاما
(1) قال ابن خلكان: وكان شديد التعصب للطائفة الشافعية، وظهر ذلك في قصائده المعروفة بالشافعية.
(2) انظر سؤالات السلفي: ص: 36.
(*) معجم البلدان: 2 / 490، اللباب: 1 / 517، تاريخ الإسلام: 4 / 165، دول الإسلام: 2 / 30، العبر: 4 / 2، عيون التواريخ: 13 / 233، النجوم الزاهرة: 5 / 197، شذرات الذهب: 4 / 3.

(19/239)


الكَرِيْمِ، وَأَبُو الفَتْحِ عَبْد اللهِ بن أَحْمَدَ الخِرَقِي، وَأَبُو العَبَّاسِ بنُ يَنَالَ التّرْك، وَآخَرُوْنَ.
قرَأَ عَلَيْهِ السِّلَفِيّ فِي سَنَةِ خَمْس مائَة بِالدُّوْنِ كِتَاب النَّسَائِيّ، وَحَدَّثَنِي أَنَّهُ اقْتَدَى فِي التَّصَوُّف بِأَبِيْهِ، وَأَبُوْهُ اقْتَدَى بجدِّه، وَهُوَ اقْتَدَى بِحُسَيْن بن عَلِيٍّ الدُّونِي، وَهُوَ اقْتَدَى بِمُحَمَّدِ بنِ عبدِ الخَالِق الدِّيْنَوَرِيّ صَاحِب ممشَاذ الدِّيْنَوَرِيّ، وَممشَاذ بِالشَّيْخ أَبِي سِنَانٍ، فَقِيْلَ:إِنَّ هَذَا اقْتَدَى بِأَبِي تُرَاب النَّخْشَبِي.
وَقَالَ السِّلَفِيّ:قَالَ ابْنُهُ أَبُو سَعْدٍ لِي:لوَالِدي خَمْسُوْنَ سَنَةً مَا أَفطر النَّهَارَ.
قَالَ شِيْرَوَيْه:كَانَ صَدُوْقاً مُتَعَبِّداً، سَمِعْتُ مِنْهُ(السُّنَن)، وَ(رِيَاضَة المُتَعَبِّدين).
وَقَالَ السِّلَفِيّ:كَانَ سُفْيَانِيَّ المَذْهَبِ (1) ، ثِقَةً.
وُلِدَ:سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَقَالَ غَيْرُهُ:سَمَاعُهُ لِلسُّنَنِ فِي شَوَّال، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ، مَاتَ فِي رَجَب، سَنَة إِحْدَى وَخَمْس مائَة.
قُلْتُ:ذهب إِلَى أَصْبَهَانَ، فَحَدَّثَ بِهَا بِالكِتَابِ.

148 - ابْنُ خُشَيْشٍ أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ *
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، المُعَمَّرُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ
__________
(1) أي يتقلد رأي سفيان الثوري في الفروع.
(*) المنتظم: 9 / 160 - 161، تاريخ الإسلام: 4 / 168، العبر: 4 / 5، شذرات الذهب: 4 / 5.

(19/240)


الكَرِيْمِ بنِ خُشَيْشٍ البَغْدَادِيُّ.
سَمِعَ:أَبَا عَلِيٍّ بن شَاذَانَ، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ مَخْلَدٍ البَزَّاز، وَسَمَاعُهُ صَحِيْح، وَهُوَ مِنْ رُوَاة(جُزءِ ابْن عَرَفَةَ).
حَدَّثَ عَنْهُ:أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَالكَاتِبَة شُهْدَة، وَأَبُو السَّعَادَاتِ القَزَّازُ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ:فِي عَاشر ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْس مائَة، وَلَهُ تِسْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى (1) - .
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ:أَبُو الفوَارس حُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الخَازن صَاحِب الْخط الْبَدِيع، وَأَبُو أَحْمَدَ حَمْدُ بن عَبْدِ اللهِ بن أَحْمَدَ يَحَنَّه الأَصْبَهَانِيّ المُعَبِّر، وَالعَلاَّمَة أَبُو المَحَاسِنِ الرُّويَانِي (2) ، قَتَلَتْهُ الإِسْمَاعِيْلِيَّةُ، وَأَبُو القَاسِمِ الربعِي (3) ، وَهِبَةُ اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ المَوْصِلِيّ فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ، وَالعَلاَّمَة أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بن عَلِيٍّ التِّبرِيزِي اللُّغَوِيّ (4) .

149 - ابْنُ سُوْسَن أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ المُظَفَّر بن حُسَيْنِ *
الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، أَبُو بَكْرٍ، أَحْمَدُ بنُ المُظَفَّر بن حُسَيْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ سُوْسَنَ التَّمَّارُ.
__________
(1) قال ابن الجوزي في " المنتظم ": 9 / 161: وروى عنه أشياخنا، وكان ثقة خيرا، صحيح السماع، وتوفي في ذي القعدة، ودفن بدار حرب، وفي تاريخ المؤلف: وكان شيخا صالحا صحيح السماع.
(2) سترد ترجمته برقم (162).
(3) تقدمت ترجمته برقم (115).
(4) سترد ترجمته برقم (170).
(*) المنتظم: 9 / 164، تاريخ الإسلام: 4 / 169، العبر: 4 / 6، عيون
التواريخ: 13 / 255، لسان الميزان: 1 / 311، شذرات الذهب: 4 / 7.

(19/241)


حَدَّثَ عَنْ:أَبِي عَلِيٍّ بنِ شَاذَانَ، وَأَبِي القَاسِمِ الحُرْفِي (1) ، وَعَبْدِ المَلِكِ بن بِشْرَان.
حَدَّثَ عَنْهُ:إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَيَحْيَى بنُ شَاكِرٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الأَنْمَاطِيّ:شَيْخٌ مُقَارِبٌ (2) .
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ:كَانَ يُلْحِقُ سَمَاعَاتِهِ فِي الأَجزَاء.
قَالَهُ شُجَاع الذُّهْلِيّ (3) .
مَاتَ:فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْس مائَة، وَلَهُ اثنتَان وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.

150 - ابْنُ العَلاَّفِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ *
المَوْلَى الجَلِيْل، الحَاجِبُ الثِّقَةُ، مُسْنِدُ العِرَاق، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ ابنُ المُقْرِئِ أَبِي طَاهِر مُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ بن يَعْقُوْبَ البَغْدَادِيّ، ابْنُ العَلاَّف، مِنْ بَيْت الرِّوَايَة وَالعِلْم، وَمِنْ حُجَّاب الخِلاَفَة.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيّ:سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ:وُلِدْتُ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِ مائَة فِي
__________
(1) تصحف في " لسان الميزان ": 1 / 311 إلى الخرقي.
(2) قال السخاوي في شرح الالفية: ص 158 و163: هو من القرب ضد البعد، وهو بكسر الراء، ومنعاه: أن حديثه مقارب لحديث غيره من الثقات، وبفتح الراء أيضا، أي: حديثه يقاربه حديث غيره فهو بالكسر والفتح معناه واحد، وهو أن حديثه وسط لا ينتهي إلى درجة السقوط ولا الجلالة، وهو نوع مدح، وقال ابن رشيد: أي ليس حديثه بشاذ ولا منكر.
(3) في " المنتظم " 9 / 164: قال شجاع بن فارس الذهلي: كان ضعيفا جدا، قيل له: بماذا ضعفتموه ؟ قال: بأشياء ظهرت منه دلت على ضعفه منها أنه كان يلحق سماعاته في الاجزاء.
(*) المنتظم: 9 / 168، تاريخ الإسلام: 4 / 173، العبر: 4 / 9 - 10، عيون التواريخ: 13 / 271، شذرات الذهب: 4 / 10.

(19/242)


المُحرَّم، وَسَمِعْتُ مِنْ أَبِي الحُسَيْنِ بن بِشْرَان، وَوعظَ أَبِي سَبْعِيْنَ سَنَةً.
قُلْتُ:سَمِعَ:أَبَا الحَسَنِ بنَ الحمَامِي، وَعَبْد الْملك بن بِشْرَان، وَكَانَ حَميْدَ الطّرِيقَة، صَدُوْقاً، ضَاع سَمَاعُهُ مِنْ أَبِي الحُسَيْنِ.
حَدَّثَ عَنْهُ:وَلَدُهُ؛أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ السِّنْجِيّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ وَأَبُو الفَضْلِ الطُّوْسِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ النَّقُّوْرِ، وَعَبْدُ الحَقِّ اليُوسفِي، وَقَيْسُ بن مُحَمَّدٍ السَّويقِي، وَأَبُو طَالِبٍ بنُ خُضير، وَالمُبَارَكُ بنُ عَلِيٍّ الخَيَّاط، وَيَحْيَى بن ثَابِتٍ البَقَّال، وَعَبْدُ اللهِ بن مَنْصُوْرٍ المَوْصِلِيّ، وَوجيهُ بنُ هِبَةِ اللهِ السَّقَطِيّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ العَلَوِيّ النَّقيب، وَعَبْدُ اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ النَّرْسِيّ، وَخمرتَاش مَوْلَى ابْنِ المُسلِمَة، وَعَبْدُ اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ حَمتيس السَّرَّاج، وَأَبُو السَّعَادَاتِ نَصْرُ اللهِ القَزَّاز، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
مَاتَ:فِي الثَّالِث وَالعِشْرِيْنَ مِنَ المُحَرَّم، سَنَة خَمْسٍ وَخَمْس مائَة، وَقَدِ اسْتكمل تِسْعاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
وَفِيْهَا مَاتَ:المُحَدِّثُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ الآبَنُوْسِي (1) ، وَالحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ حَيْدَرَة بن مفوّز الشَّاطبِي (2) ، وَشيخُ الفُقَهَاءِ بِسَبْتَةَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى التَّمِيْمِيُّ (3) ، وَحُجَّةُ الإِسْلاَمِ أَبُو حَامِدٍ الغزَالِيُّ (4) ، وَأَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ التَّانِي (5) سرفوتج مِنْ أَصْحَابِ أَبِي نُعَيْمٍ.
__________
(1) سترد ترجمته برقم (176).
(2) سترد ترجمته برقم (243).
(3) سترد ترجمته برقم (166).
(4) سترد ترجمته برقم (204).
(5) سترد ترجمته برقم (198).

(19/243)


151 - السَّنْجَبَسْتِيُّ أَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ *
القَاضِي، الإِمَام، الفَرَضِيّ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ خُرَاسَانَ، أَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بن حَمْدُوْنَ الخُرَاسَانِيّ، السَّنْجَبَسْتِي (1) .
وُلِدَ:سَنَةَ عَشْرٍ وَأَرْبَع مائَة تَقَرِيْباً أَوْ جزماً.
وَسَمِعَ:أَبَا بَكْرٍ أَحْمَد بن الحَسَنِ الحِيْرِيَّ، وَأَبَا سَعِيْدٍ الصَّيْرَفِيّ، وَأَبَا عَلِيٍّ البَلْخِيّ، وَعُمِّرَ دَهْراً، وَأَلحقَ الأَحفَادَ بِالأَجدَادِ، وَهُوَ مِنْ بَيْتِ حِشْمَةٍ وَجَلاَلَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ:أَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيّ، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ السِّنْجِيّ، وَأَبُو شُجَاعٍ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ البِسْطَامِي، وَمُحَمَّدُ بنُ حُسَيْنٍ الوَاعِظُ، وَأَبُو الفُتُوْحِ الطَّائِيّ، وَعِدَّة.
وَثَّقَهُ:عَبْدُ الغَافِرِ بن إِسْمَاعِيْلَ، كَانَ يَقْدَمُ مِنْ قَرْيَته، وَيُحَدِّث بِنَيْسَابُوْرَ، وَهِيَ عَلَى مَرْحَلَةٍ مِنْ نَيْسَابُوْر.
تُوُفِّيَ:بِسَنْجَبَسْتَ، فِي صَفَرٍ، سَنَة سِتٍّ وَخَمْس مائَة، وَهُوَ فِي عَشْرِ المائَة.
وَفِيْهَا مَاتَ:أَبُو غَالِبٍ أَحْمَدُ بن مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ القَارِئ العَدْل (2) ، وَالمُحَدِّثُ أَبُو الفَضْلِ العَبَّاسُ بن أَحْمَدَ الشَّقَّانِي (3) النَّيْسَابُوْرِيّ، وَالفَضْل بن
__________
(*) الأنساب: 7 / 162، المنتخب: الورقة: 42 أ - 42 ب، اللباب: 2 / 146، تاريخ الإسلام: 4 / 178، العبر: 4 / 11، عيون التواريخ: 13 / 281، شذرات الذهب: 4 / 14.
(1) بفتح السين، وسكون النون، وفتح الجيم والباء: نسبة إلى سنجبست: منزل معروف بين نيسابور وسرخس.
(2) سترد ترجمته برقم (172).
(3) المشهور ضبط الشين بالفتح، والصحيح كسرها، فقد نقل صاحب " الأنساب " =

(19/244)


مُحَمَّد بن عُبَيْدِ القُشَيْرِيّ (1) ، وَالوَاعِظ أَبُو سَعْدٍ المُعَمَّر بن عَلِيِّ بنِ أَبِي عِمَامَة الحَنْبَلِيّ (2) ، وَقَاضِي دِمَشْق أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى التركِي البَلاَسَاغُونِيُّ (3) الحَنَفِيّ.

152 - الجُمَّارِي أَبُو نُعَيْمٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ خَلَفٍ *
الوَاسِطِيّ، رَاوِي(مُسْنَد مُسَدَّد (4))عَنْ أَحْمَدَ بنِ المُظَفَّرِ العَطَّارِ.
حَدَّثَ عَنْهُ:عَلِيُّ بنُ نَغوبَا، وَأَبُو طَالِبٍ الكتَانِي المُحْتَسِب، وَهِبَةُ اللهِ ابْن الجَلَخْتِ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ:المُحَدِّثُ خَمِيْس (5) .
__________
= عن صاحبه أبي بكر البروجردي أنه سمع الامام محمدا الشقاني يقول: بلدنا شقان بكسر الشين، ثم قال: ثم جبلان، وفي كل واحد منهما شق يخرج منه ماء الناحية، فقيل لها: الشقان، وسترد ترجمته برقم (178).
(1) سترد ترجمته برقم (184).
(2) سترد ترجمته برقم (260).
(3) نسبة إلى بلاساغون: بلدة من ثغور الترك وراء نهر سيحون قريبة من كاشغر، وأبو عبد الله هذا تفقه ببغداد على القاضي أبي عبد الله الدامغاني، وقرأ عليه فقه أبي حنيفة، ثم خرج
إلى الشام، وولي القضاء بدمشق، ولم تحمد سيرته في ولايته، وقال ابن عساكر: سمعت الحسين بن قبيس يذمه، ويذكر أنه كان يقول: لو كان لي أمر لاخذت من الشافعية الجزية، وتوفي بدمشق في جمادى الآخرة سنة ست وخمس مئة. " الأنساب ": 2 / 352، و" ميزان الاعتدال ": 4 / 51، 52، والوافي بالوفيات: 5 / 87، 88، والجواهر المضية: 2 / 135، ومرآة الزمان: ص: 44، ومعجم البلدان: بلاساغون.
(*) سؤالات السلفي: 30 - 31، الاستدراك: 103 ب، التبصير: 1 / 346.
(4) ابن مسرهد الأسدي البصري الحافظ المتوفي سنة 228 ه، ومسنده لم يطبع، وقد أدرج الحافظ ابن حجر زوائده في " المطالب العالية "، وهو مطبوع بتحقيق المحدث الشيخ حبيب الرحمان الاعظمي سنة 1393 في الكويت بعناية وزارة الاوقاف والشؤون الإسلامية.
(5) الحوزي في سؤالات السلفي له ص: 31.

(19/245)


تُوُفِّيَ:فِي حُدُوْدِ سَنَةِ خَمْس مائَة، فَإِنَّهُ حَدَّثَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.

153 - الشِّيرَوِي أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الغَفَّارِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ *
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، العَابِدُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ العصرِ، أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الغَفَّارِ بن مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيِّ بنِ شِيْرَوَيْه بن عَلِيٍّ الشِّيروِي، النَّيْسَابُوْرِيّ، التَّاجِر.
وُلِدَ:سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة، فِي ذِي الحِجَّةِ.
وَسَمِعَ وَهُوَ ابْنُ سِتَّة أَعْوَام مِنَ:القَاضِي أَبِي بَكْرٍ الحِيْرِيّ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الصَّيْرَفِيّ، وَهُوَ خَاتِمَة أَصْحَابِهِمَا، وَعَبدِ القَاهِر بنِ طَاهِرٍ الأُصُوْلِي، وَمُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ المُزَكِّي، وَالقُدْوَةُ فَضلُ اللهِ بنُ أَبِي الخَيْرِ المِيْهَنِيُّ (1) ، وَجَمَاعَة.
حَدَّثَ عَنْهُ:أَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيّ، وَوَلَدُهُ الحَافِظُ أَبُو سَعْدٍ حُضُوْراً، وَأَبُو الفُتُوح الطَّائِيّ، وَعبدُ الرَّحِيْم الحَاجِي، وَعبدُ المُنْعِم بن عَبْدِ اللهِ الفُرَاوِي، وَخَلْقٌ.
وَبِالإِجَازَة:ذَاكرُ بن كَامِلٍ الخَفَّاف، وَأَبُو المَكَارِمِ اللَّبَّانُ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ فِي(الأَنسَابِ (2)):كَانَ شَيْخاً صَالِحاً عَابِداً مُعَمَّراً،
__________
(*) السياق: الورقة: 57 ب، التحبير: 1 / 464 - 468، الأنساب 30 / 307، 7 / 466، 467، معجم البلدان: 2 / 165، المنتخب: الورقة / 106 ب - 107 ب، التقييد: الورقة / 161 ب - 162 أ، تاريخ الإسلام: 4 / 197، دول الإسلام: 2 / 37، العبر: 4 / 20، عيون التواريخ: 13 / 333، مرآة الجنان: 3 / 199، النجوم الزاهرة: 5 / 213، شذرات الذهب: 4 / 27.
(1) بكسر الميم وسكون الياء وفتح الهاء: نسبة إلى ميهنة، مدينة بين سرخس وأبيورد.
(2) 7 / 466.

(19/246)


رُحِلَ إِلَيْهِ مِنَ البِلاَدِ، وَقَدِ ارْتَحَلَ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَسَمِعَ مِنْ:أَبِي بَكْرٍ بنِ رِيْذَةَ، وَأَبِي طَاهِرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، حَضَّرنِي أَبِي مَجْلِسَه (1) ، وَكَانَ وَالِدُهُ يَرْوِي عَنْ أَبِي طَاهِر المُخَلِّص.
قُلْتُ:وَسَمِعَ مِنْ:أَبِيْهِ، وَمِنْ أَبِي حَسَّانٍ المُزَكِّي، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَارِثِ النَّحْوِيّ، وَأَجَازَ لِمَنْ أَدْرَكَ حيَاته، وَهُوَ مِنْ قَرْيَة كُونَابَذ، وَعُرِّبَتْ فَقِيْلَ لَهَا:جُنَابَذ، وَهِيَ مِنْ قُهُسْتَان نَاحِيَة كَبِيْرَة مِنْ أَعْمَالِ نَيْسَابُوْر، وَكَانَ يَتَّجِرُ إِلَى البِلاَد مُضَاربَةً، ثُمَّ كَبِرَ وَانقطَعَ لِتَسمِيْعِ الحَدِيْث، وَكَانَ مُكْثِراً، أَلحقَ الأَحفَادَ بِالأَجدَادِ، وَبَعُدَ صِيتُه، وَسَمِعَ مِنْهُ مَنْ دَبَّ وَدَرَجَ، وَلَمْ تَتَغَيَّرْ حَوَاسُّه، بَلْ ضَعُفَ بَصَرُهُ، وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ بَاكُويه (2) .
قَالَ الفَضْلُ بنُ عبد الوَاحِد الأَصْبَهَانِيّ:سَمِعْتُ الرَّئِيْسَ الثَّقَفِيّ يَقُوْلُ:لاَ جَاءَ الله مِنْ خُرَاسَان بِأَحدٍ إِلاَّ بِأَبِي بَكْرٍ الشِّيرَوِي، فَإِنَّهُ أَخْيَرُهُم، وَأَنْفَعُهُم.
قَالَ السَّمْعَانِيّ:سَمِعْتُ مِنْهُ الكَثِيْر، وَلِي ثَلاَثُ سِنِيْنَ، وَسَمِعَ مِنْهُ
__________
(1) وقال في التحبير: 1 / 446: وسمعنا منه الكثير، وكنت أبن ثلاث سنين ونصف، وأكثر التسميعات مثبتة بخط والدي رحمه الله، كان يكتب في السماع عنه اسم نفسه، ثم يقول: وحضر ابنه أبو المظفر عبد الوهاب يعني أخي، وأحضر أخوه أبو سعد عبد الكريم، وكان بيني وبين أخي عشرون شهرا...
(2) في " التحبير ": 1 / 464: شيخ معمر سديد، نبيل، صالح، ثقة، عفيف، من بيت الصلاح والحديث والتجارة والعفاف والسداد، وكان من جملة ثقات التجار وأمناء الرجال، زجى عمره فيه، وكان يخرج ويحمل معه بضائع الناس، ويحسن القيام بها لامانته، ويرزق عليها الارباح إلى أن عجز عن الخروج إلى السفر، فلزم بيته، واشتغل برواية الحديث، وخرج له الفوائد، وبورك له فيه حتى روى الحديث، وحدث نحو أربعين سنة، وسمع منه كل من دب ودرج، ودخل نيسابور وخرج، وألحق الاحفاد والاجداد في إسناد الأصم...

(19/247)


أَخِي فِي الخَامِسَة، فَمِنْ ذَلِكَ(جزءُ ابْن عُيَيْنَةَ)، وَخَمْسَة أَجزَاء مِنْ(مُسْنَد الشَّافِعِيّ (1)).
تُوُفِّيَ:فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ عَشْرٍ وَخَمْس مائَة، وَقَدِ اسْتكملَ سِتّاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.

154 - القَزْوِيْنِيّ أَبُو إِبْرَاهِيْمَ الجَلِيْلُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الجَوَّالُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو إِبْرَاهِيْمَ الجَلِيْلُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ بن عَبْدِ اللهِ التَّمِيْمِيّ، القَزْوِيْنِيّ.
سَمِعَ مِنْ:أَبِي يَعْلَى الخَلِيْلِي، وَطَائِفَة بقَزْوِيْن، وَمِنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ الطَفَّال بِمِصْرَ، وَمِنَ الحُسَيْنِ بنِ جَابِرٍ القَاضِي بِتِنِّيسَ، وَمِنْ أَبِي العَلاَءِ بنِ سُلَيْمَانَ بِالمَعَرَّةِ، سَمِعْنَا مِنْ طرِيقه نُسخَةَ فُلَيْح.
رَوَى عَنْهُ:أَبُو عَلِيٍّ البَرَدَانِي، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَقَالَ:ثِقَةٌ مِنْ بَيْت الحَدِيْث، رَحَلَ إِلَى الحِجَازِ، وَالعِرَاق، وَمِصْرَ، وَخُرَاسَان، وَالشَّام.
رَوَى عَنْ قَوْم مَا حَدَّثَنَا عَنْهُم سِوَاهُ، وَهُوَ، وَأَبُوْهُ، وَجدُّه عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَحْمَدَ، وَجَدُّ أَبِيْهِ، وَجَدُّ جَدِّه؛مُحَدِّثُونَ.
قُلْتُ:وَذَكَرَهُ ابْنُ النَّجَّارِ، وَمَا أَرَّخ مَوْتَه، وَبَقِيَ إِلَى سَنَةِ نَيِّفٍ وَخَمْسِ مائَة.

155 - الفَامِيّ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ **
الإِمَامُ، المُفْتِي، مُدَرِّسُ النِّظَامِيَة، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
__________
(1) في " التحبير ": 1 / 467: خمسة أجزاء من ثمانية أجزاء: ولم يكن هذا القدر مسموعا لشيخنا أبي بكر الشيروي، فاته جزءان من أول الكتاب، وجزء واحد من آخر الكتاب بروايته عن المجيري، عن الأصم، عن الربيع، عنه.
(*) لم نقف على ترجمة له من المصادر المتوفرة بين أيدينا.
(* *) المنتظم: 9 / 152، الكامل لابن الأثير: 10 / 439، ذيل ابن النجار: =

(19/248)


عَبْد الوَهَّابِ بن مُحَمَّدِ بنِ عبد الوَاحِد الفَارِسِيّ، الفَامِي، الشِّيرَازِي، الشَّافِعِيّ.
قَدِمَ بَغْدَاد مدرساً مِنْ جِهَةِ نِظَامِ المُلك سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ مُشَارِكاً فِيْهَا لِلْحُسَيْنِ بن مُحَمَّدٍ الطَّبَرِيّ، فَكَانَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا يُدَرِّس يَوْماً، ثُمَّ عُزِلا بَعْدَ سَنَةٍ.
أَملَى عَنِ:المُحَدِّثِ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ بنِ اللَّيْثِ، وَعبدِ الوَاحِد بن يُوْسُفَ القَزَّاز، وَعَلِيّ بن بُنْدَارَ الحَنَفِيّ، وَأَبِي زُرْعَةَ أَحْمَد بن يَحْيَى الخَطِيْب، وَالحَسَن بن مُحَمَّدِ بنِ عُثْمَانَ بنِ كرَامَة الشِّيرَازِيِّينَ.
حَدَّثَ عَنْهُ:عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ، وَابْنُ نَاصر.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ:أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ النَّحْوِيّ، حَدَّثَنَا ابْنُ نَاصر، حَدَّثَنَا الإِمَامُ جَمَالُ الإِسْلاَمِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الوَهَّابِ عُرِفَ بِالفَامِيِّ، أَخْبَرَنَا عبدُ الوَاحِد بن يُوْسُفَ، أَخْبَرَنَا عُبيدُ الله بن مُحَمَّدِ بنِ بَيَانٍ الحَافِظ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّد بن سَعِيْدٍ الرَّقِّيّ بِهَا...، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَةَ:عَبْدُ الوَهَّابِ بن مُحَمَّدٍ الفَامِي مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافعيَّة وَكِبَارِهِم، سَمِعْتُ عَلَيْهِ كَثِيْراً، وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ:صنفتُ سَبْعِيْنَ تَأْلِيفاً، وَلِي(التَّفْسِيْرُ)ضمنتُهُ مائَةَ أَلْفِ بَيْتٍ شَاهِداً، أَملَى وَحُفِظَ عَلَيْهِ تَصحِيفٌ شَنِيعٌ، فَأُجْلِبَ عَلَيْهِ، وَطُولِبَ، وَرُمِيَ بِالاعتزَالِ حَتَّى فَرَّ بِنَفْسِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ ثَابِتٍ الطَّرْقِي (1) :سَمِعْتُ جَمَاعَةً:أَن عَبْد الوَهَّابِ أَملَى
__________
= 1 / 390 - 399، ميزان الاعتدال: 2 / 683، 684، عيون التواريخ: 13 / 176 - 177، طبقات السبكي: 5 / 229 - 230، طبقات الاسنوي: 2 / 273 - 274، البداية والنهاية: 12 / 168 - 169، طبقات ابن قاضي شهبة: الورقة: 42 أ، شذرات الذهب: 3 / 413.
(1) بفتح الطاء وسكون الراء وفي آخرها قاف: نسبة إلى قرية كبيرة في بلاد أصبهان.

(19/249)


عَلَيْهِم بِبَغْدَادَ:(صَلاَةٌ فِي أَثَرِ صَلاَةٍ كِتَابٌ فِي عِلِّيينَ)، فَصَحَّفهَا(كَنَارٍ فِي غَلَس)، فَكَلَّمُوْهُ، فَقَالَ:النَّار فِي الْغَلَس تَكُوْنُ أَضوَأَ.
قَالَ الطَّرْقِي:وَسَأَلَهُ صَدِيْقٌ لِي:هَلْ سَمِعْتَ(جَامِع أَبِي عِيْسَى)؟
فَقَالَ:مَا الجَامِعُ؟وَمَنْ أَبُو عِيْسَى؟
ثُمَّ سَمِعتُهُ بَعْدُ يَعُدُّه فِي مَسْمُوْعَاتِه.
وَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُمْلِي بِجَامِع القَصْرِ، قُلْتُ لَهُ:لَوِ اسْتَعنتَ بحَافظ؟
فَقَالَ:إِنَّمَا يَفعلُ ذَا مَنْ قَلَّتْ مَعْرِفَتُهُ، وَأَنَا، فَحفظِي يُغنِينِي، فَامْتُحِنْتُ بِالاستملاَءِ عَلَيْهِ، فَرَأَيْتهُ يُسْقِطُ مِنَ الإِسْنَاد رَجُلاً، وَيَزِيْد رَجُلاً، وَيَجعل الرَّجُل اثْنَيْنِ، فَرَأَيْتُ فَضيحَةً، فَمِنْ ذَلِكَ:الحَسَنُ بن سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، فَأَمسك الجَمَاعَةُ، وَنظرَ إِلَيَّ وَتَكَلَّمُوا، فَقُلْتُ:قَدْ سقط إِمَّا مُحَمَّدُ بنُ مِنْهَالٍ، أَوْ أُمَيَّة بنُ بِسْطَامَ (2) ، فَقَالَ:اكتُبُوا كَمَا فِي أَصْلِي، وَجَاءَ:أَخْبَرَنَا سَهْل بن بَحْر، أَنَا سَأَلتُهُ، فَصَحَّفَهَا، فَقَالَ:أَنَا سَالِبَةُ، وَقَالَ:سَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو الأَشْعَثي، فَقَالَ:وَالأَشْعَثي، جَعَلَ وَاو(عَمْرو)لِلْعطف، فَرددتُهُ، فَأَبَى، فَقُلْتُ:فَمَنِ الأَشْعَثيُّ؟
قَالَ:فُضُولٌ مِنْكَ، وَجَاءَ وَرْقَاءُ بن قَيْسِ بن الرَّبِيْعِ، فَقُلْتُ:هُوَ(عَنْ)بَدَلَ(ابْن)وَقَالَ:فِي حَدِيْث حُمَيْلِ بنِ بَصْرَةَ:لقيتُ أَبَا هُرَيْرَةَ وَهُوَ يَجِيْءُ مِنَ الطُّورِ (3) ، فَقَالَ:
__________
(1) حديث حسن أخرجه أبو داود (558) في الصلاة: باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة، وأحمد 5 / 268 من طريقين، عن يحيى بن الحارث الذماري (وقد تحرف في المسند إلى يحيى بن خالد الذهاري) عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوبة، فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه، فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على أثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين " وهو في المسند 2 / 263، وسنن أبي داود (1288) مختصرا.
(2) أي بين الحسن بن سفيان، ويزيد بن زريع.
(3) أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار: 1 / 242، 243، والطبراني في " الكبير " (2157) من طريق سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: أتيت الطور فصليت =

(19/250)


الطَّوْدِ)وَفَسَّر مَرَّةً(الخِشْف (1))فَقَالَ:طَائِر، وَقَالَ فِي :{فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً }[الكهفُ:110]:انْتصبَ عَلَى الحَال.
قيل:وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَع مائَة، وَعَاشَ سِتّاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
تُوُفِّيَ:بِشِيْرَاز، فِي السَّابِع وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، سَنَة خَمْس مائَة، وَقَدْ سُقت مِنْ أَخْبَاره فِي(التَّارِيْخ الكَبِيْر)وَفِي(مِيْزَانِ الاعْتِدَالِ (2)).
وَقِيْلَ:كَانَ مُعْتَزِليّاً.
وَفِيْهَا مَاتَ:أَبُو الفَتْحِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الحَدَّاد سِبْط ابْن مَنْدَه، وَشيخُ الشَّافعيَة أَبُو المُظَفَّرِ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ الخوَافِي بِطُوْسَ، وَالفَقِيْهُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ زَنْجَوَيْه الزَّنْجَانِي (3) ، وَجَعْفَر
__________
= فيه فلقيت حميل بن بصرة الفغاري.
فقال: من أين جئت، فأخبرته، فقال: لو أتيتك قبل أن تأتيه ما جئته، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تضرب المطي إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجد الرسول، والمسجد الاقصى ".
وأخرجه مالك: 1 / 108 في الجمعة: باب ما جاء في الساعة التي في يوم الجمعة، ومن طريقه أحمد: 6 / 7، والنسائي: 3 / 113، 114، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة، فذكر الحديث بطوله، قال أبو هريرة: فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري، فقال: من أين أقبلت ؟ فقلت من الطور، فقال: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد: إلى المسجد الحرام، وإلى مسجدي هذا، وإلى مسجد إيلياء أو بيت المقدس..." وإسناده صحيح، وصححه ابن حبان (1024)، وله طريقان آخران عند أحمد 6 / 7 و397 و398، والطيالسي (1348) و(2506) والطحاوي: 1 / 242.
(1) الخشف: هو الظبي أول ما يولد، وقبل: هو خشف أول مشيه.
(2) 2 / 683، 684، وفيه بعد أن أورد أكثر الاخبار التي هنا: وأما تصحيفه في المتن فكثير.
(3) تقدمت ترجمته برقم (145).

(19/251)


السَّرَّاج (1) ، وَالمُبَارَك بن الصَّيْرَفِيّ، وَأَبُو غَالِبٍ البَاقلاَنِي (2) ، وَشَيخُ النَّحْو المُبَارَكُ بنُ فَاخرِ بنِ الدَّبَّاس (3) ، وَسُلْطَانُ المَغْرِب يُوْسُفُ بن تَاشفِيْن.

156 - صَاحِب الغَرْب أَبُو يَعْقُوْبَ يُوْسُفُ بنُ تَاشفِيْنَ *
أَمِيْرُ المُسْلِمِين، السُّلْطَان، أَبُو يَعْقُوْبَ يُوْسُفُ بنُ تَاشفِيْن اللَّمتونِي، البَرْبَرِي، المُلَثَّم، وَيُعْرَفُ أَيْضاً بِأَمِيْر المرَابطين، وَهُوَ الَّذِي بَنَى مَرَّاكُش، وَصَيَّرَهَا دَارَ مُلْكِهِ.
وَأَوّل ظُهُوْر هَؤُلاَءِ المُلَثَّمِين (4) مَعَ أَبِي بَكْرٍ بنِ عُمَرَ اللَّمتونِي، فَاسْتولَى عَلَى البِلاَد مِنْ تِلِمسَان إِلَى طرف الدُّنْيَا الغربِي، وَاسْتنَاب ابْنَ تَاشفِيْن، فَطَلَعَ بَطَلاً شُجَاعاً شَهْماً عَادِلاً مَهِيْباً، فَاختَطَّ مَرَّاكُش فِي سَنَةِ(465)،
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (141).
(2) تقدمت ترجمته برقم (144).
(3) سترد ترجمته برقم (192).
(*) الكامل في التاريخ: 10 / 417 - 418، المعجب: 162، وفيات الأعيان: 7 / 112 - 130، دول الإسلام: 2 / 28 - 29، العبر: 1 / 356 - 357، تتمة المختصر: 2 / 29 - 30، عيون التواريخ: 13 / 181 - 194، الحلل الموشية: 12 - 60، بغية الرواد: 1 / 86، صبح الاعشى: 1 / 363، النجوم الزاهرة: 191، 195، الروض المعطار: 288 - 298، نفح الطيب: 4 / 354، شذرات الذهب: 3 / 412 - 413، الاستقصا: 1 / 224، معجم الأنساب: 133، تراجم إسلامية: 225 - 234.
(4) لقبوا بذلك لانهم كانوا يتلثمون، ولا يكشفون وجوههم، وتلك سنة لهم يتوراثونها خلفا عن سلف، وقيل في سبب ذلك: إن حمير كانت تتلثم لشدة الحر والبرد، يفعله الخواص منهم، فكثر ذلك حتى صار يفعله عامتهم، وأصل هؤلاء القوم من حمير بن سبأ، وهم أصحاب خيل وإبل وشاء،، ويسكنون الصحارى الجنوبية بين بلاد البربر وبلاد السودان، وينتقلون من ماء إلى ماء كالعرب، وبيوتهم من الشعر والوبر، وأول من جمعهم، وحرضهم على القتال، وأطمعهم في تملك البلاد عبد الله بن ياسين الفقيه، وقتل في حرب جرت مع برغواطة، وقام مقامه أبو بكر بن عمر الصنهاجي ابن عم يوسف بن تاشفين الذي ولاه إمارة الملثمين، فكان من أمره ما كان.

(19/252)


اشْتَرَى أَرْضهَا بِمَاله الَّذِي خَرَجَ بِهِ مِنْ صحرَاء السُّودَان، وَلَهُ جبلُ الثَّلج، وَكثرت جيوشُه، وَخَافته المُلُوْكُ، وَكَانَ بَربرِيّاً قُحّاً، وَثَارَتِ الفِرَنْجُ بِالأَنْدَلُسِ، فَعَبَرَ ابْنُ تَاشفِيْن يُنْجِدُ الإِسْلاَمَ، فَطحن العَدُوَّ (1) ، ثُمَّ أَعْجَبته الأَنْدَلُسُ، فَاسْتولَى عَلَيْهَا، وَأَخَذَ ابْنَ عَبَّادٍ وَسَجَنَهُ، وَأَسَاءَ العِشْرَةَ.
وَقِيْلَ:كَانَ ابْنُ تَاشفِيْن كَثِيْرَ الْعَفو، مُقَرّباً لِلْعُلَمَاءِ، وَكَانَ أَسْمَرَ نَحِيْفاً، خفِيفَ اللِّحْيَة، دقيقَ الصَّوْت، سَائِساً، حَازِماً، يَخطُبُ لِخَلِيْفَة العِرَاق، وَفِيْهِ بُخْلُ البَرْبَرِ، تَمَلَّكَ بِضْعاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، وَهُوَ وَجَيْشُهُ مُلاَزِمُوْنَ لِلِّثَامِ الضَّيِّقِ، وَفِيْهِم شَجَاعَة وَعُتُوٌّ وَعَسْفٌ، جَاءته الخِلَعُ مِنَ المُسْتَظْهِرِ (2) ،
__________
(1) في وقعة الزلاقة (بطحاء من إقليم بطليوس من غرب الأندلس) المشهورة التي انكسر فيها جيش الفرنجة الكفرة الزاحف من طليطلة كسرة شديدة سنة 479 ه انظر التفصيل في " الروض المعطار ": 287 - 292، و" نفح الطيب ": 4 / 354 - 371، والكامل لابن الأثير: 10 / 151 - 155، ووفيات العيان: 7 / 115، وما بعدها، وقد بايع يوسف ابن تاشفين بعد انتهاء الوقعة من شهدها معه من ملوك الأندلس وأمرائها، وكانوا ثلاثة عشر ملكا، فسلموا عليه بأمير المسلمين، وكان يدعى بالامير، وضرب السكة من يومئذ وجددها، ونقش ديناره: " لا إله إلا الله محمد رسول الله " وتحت ذلك: " أمير المسلمين يوسف بن تاشفين " وكتب في الدائرة: " ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في
الآخرة من الخاسرين " وكتب على الوجه الآخر من الدينار: الأمير عبد الله، أمير المؤمنين العباسي، وفي الدائرة تاريخ ضرب الدينار وموضع سكه.
(2) ووصف ابن الأثير في الكامل: 10 / 417 يوسف بن تاشفين بأنه كان حليما كريما، دينا خيرا، يحب أهل العلم والدين، ويحكمهم في بلاده، ويبالغ في إكرام العلماء والوقوف عند إشارتهم، وكان إذا وعظه أحدهم، خشع عند استماع الموعظة، ولان قلبه لها، وظهر ذلك عليه، وكان يحب العفو والصفح عن الذنوب العظام، فمن ذلك أن ثلاثة نفر اجتمعوا، فتمنى أحدهم ألف دينار يتجر بها، وتمنى الآخر عملا يعمل فيه لامير المسلمين، وتمنى الآخر زوجته النفزاوية وكانت من أحسن النساء، ولها الحكم في بلاده، فبلغه الخبر، فأحضرهم، وأعطى متمني المال ألف دينار، واستعمل الآخر، وقال للذي تمنى زوجته: يا جاهل، ما حملك على هذا الذي لا تصل إليه ؟ ثم أرسله إليها، فتركته في خيمة ثلاثة أيام، تحمل إليه كل يوم طعاما واحدا، ثم أحضرته، وقالت له: ما أكلت هذه =

(19/253)


وَوَلِيَ بَعْدَهُ وَلدُهُ عليّ.
مَاتَ:فِي أَوّل سَنَةِ خَمْس مائَة، وَلَهُ بِضْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، وَتَمَلَّكَ مَدَائِنَ كِباراً بِالأَنْدَلُسِ، وَبَالعُدوَة (1) ، وَلَوْ سَارَ، لَتَمَلَّك مِصْرَ وَالشَّام.

157 - المُطَرِّزُ أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ سَنْدَه *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الثِّقَةُ، الجَلِيْلُ، مُسْنِد أَصْبَهَان، أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ سَنْدَه الأَصْبَهَانِيُّ، المُطَرِّزُ، خَازِنُ الرَّئِيْسِ الثَّقَفِيُّ.
سَمِعَ:أَبَا عَلِيٍّ غُلاَمَ مُحسن، وَعَلِيَّ بنَ عَبْدَكُويه، وَالحُسَيْنَ بن إِبْرَاهِيْمَ الجمَال، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ العَطَّار، وَأَبَا نُعَيْمٍ الحَافِظَ، وَعِدَّةً.
حَدَّثَ عَنْهُ:أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ السِّنْجِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَآخَرُوْنَ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ بِالحُضُوْر.
قَالَ السَّمْعَانِيٌّ:ثِقَةٌ، صَالِحٌ.
وَقَالَ السِّلَفِيّ:كَاتِبٌ، رَئِيْسٌ، عَلَى غَايَةٍ مِنَ الجَلاَلَة، قَرَأْنَا عَلَيْهِ عَنْ غُلاَم محسن، وَابْنِ مُصْعَب، وَجَمَاعَة، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ القُرْآن عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ
__________
= الايام ؟ قال: طعاما واحدا، فقالت: كل النساء شيء واحد، وأمرت له بمال وكسوة وأطلقته.
وقال ابن خلكان: 7 / 124 - 125: وكان حازما سائسا للامور، ضابطا لمصالح مملكته مؤثرا لاهل العلم والدين، كثير المشورة لهم، وبلغني أن الامام أبا حامد الغزالي لما سمع ما هو عليه من الأوصاف الحميدة، وميله إلى أهل العلم، عزم على التوجه إليه، فوصل الإسكندرية، وشرع في تجهيز ما يحتاج إليه، فوصله خبر وفاته فرجع عن ذلك العزم.
(1) وقد شمل سلطانه المغربين الاقصى والاوسط، وجزيرة الأندلس.
(*) تاريخ الإسلام، العبر: 4 / 7، الوافي الوفيات: 1 / 121، النجوم الزاهرة: 5 / 200، شذرات الذهب: 4 / 7.

(19/254)


البَقَّارِ تِلْمِيْذِ أَبِي عَلِيٍّ بنِ حَبَشٍ، وَخَرَّجَ لَهُ غَانِمُ بن مُحَمَّد خَمْسَةَ أَجزَاء سَمِعْنَاهَا.
قُلْتُ:وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة، فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ مِنْهَا.
وَقَالَ أَبُو مُوْسَى:مَاتَ فِي الثَّانِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ شَوَّال، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْس مائَة.
وَفِيْهَا مَاتَ:أَحْمَدُ بنُ المُظَفَّر بن سُوْسَن (1) ، وَالقُدْوَةُ الكَبِيْر أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ العُلَبِيِّ الحَنْبَلِيّ، وَأَبُو الفِتيَان عُمَر بن عبد الكَرِيْم الرُّوَّاسِي الحَافِظ (2) ، وَأَبُو طَاهِرٍ المُحسّد بن مُحَمَّدٍ الإِسكَاف رَاوِي(المُعْجَم الكَبِيْر)عَنِ ابْنِ فَاذشَاه، وَالوَزِيْرُ الكَبِيْر أَبُو المَعَالِي هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُطَّلِبِ الكِرْمَانِيّ (3) بِبَغْدَادَ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ:رَوَى(مُسْنَد الطَّيَالِسِيّ)عَنِ الجمَال وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَسَمِعَ مِنْهُ السِّلَفِيُّ(مُسْنَدَ الحُمَيْدِيِّ)بِسَمَاعِه مِنْ أَبِي نُعَيْمٍ.

158 - ابْنُ نَبْهَانَ أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ *
الشَّيْخُ الكَبِيْرُ، العَالِمُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ وَقته، أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بن سَعِيْدِ بنِ نَبْهَانَ البَغْدَادِيّ، الكَرْخِيّ، الكَاتِب.
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (149).
(2) سترد ترجمته برقم (202).
(3) سترد ترجمته برقم (225).
(*) المنتظم: 9 / 195، الكامل في التاريخ: 10 / 532، المحمدون من الشعراء: 2 / 485، تاريخ الإسلام: 4 / 203، دول الإسلام: 2 / 38، العبر: 4 / 25، ميزان الاعتدال: 3 / 566، الوافي بالوفيات: 3 / 104، عيون التواريخ: 13 / 335، البداية والنهاية: 12 / 181، لسان الميزان: 5 / 179، 180، النجوم الزاهرة: 5 / 214، شذرات الذهب: 4 / 31.

(19/255)


وُلِدَ:سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَسَمِعَ بَعْدَ العِشْرِيْنَ مِنْ:أَبِي عَلِيٍّ بنِ شَاذَانَ، وَبُشرَى الفَاتَنِي، وَابْنِ دُومَا النِّعَالِيّ، وَجدِّه لأُمِّهِ أَبِي الحُسَيْنِ الصَّابِئ (1) ، وَعُمِّرَ دَهْراً طَوِيْلاً، وَأَلْحَقَ الصّغَارَ بِالكِبَار، وَلَمْ يَكُنْ سَمَاعُهُ كَثِيْراً.
حَدَّثَ عَنْهُ:حَفِيْدُهُ مُحَمَّدُ بن أَحْمَدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ عَقِيْلٍ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو العَلاَءِ العَطَّار، وَدَهْبَلُ بنُ كَارَه (2) ، وَعِيْسَى بن مُحَمَّدٍ الكَلْوَاذَانِي، وَعَبْدُ المُنْعِمِ بنُ كُلَيْبٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ:هُوَ شَيْخٌ عَالِمٌ، فَاضِل مُسِنٌّ، مِنْ ذَوِي الهَيئَاتِ (3) ، وَكَانَ آخِرَ مَنْ رَوَى عَنِ ابْنِ شَاذَانَ، وَلِي مِنْهُ إِجَازَةٌ.
قَالَ ابْنُ نَاصِرٍ:فِيْهِ تَشَيُّع، وَكَانَ سَمَاعُهُ صَحِيْحاً، بَقِيَ قَبْلَ مَوْته سَنَةً مُلْقَى عَلَى ظَهْرِهِ لاَ يَعْقِلُ، فَمَنْ قرَأَ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الحَالَة، فَقَدْ أَخْطَأَ وَكَذَبَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَفهَمُ مَا يُقرَأُ عَلَيْهِ مِنْ أَوّل سَنَة إِحْدَى عَشْرَةَ. قَالَ ابْنُ نَاصر:وَسَمِعتُهُ يذكر مَوْلِدَه، ثُمَّ سَمِعتُهُ مرَّة يَقُوْلُ:سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ، فَكَلَّمته فِي ذَلِكَ، فَقَالَ:أَردتُ أَنْ أَدفع عَنِّي العينَ، وَإِلاَّ فَمَوْلِدي سَنَة إِحْدَى عَشْرَةَ (4) .
__________
(1) قال ابن النجار فيما نقله عنه الصفدي في " الوافي ": 3 / 104: ولم يبق على وجه الأرض من يروي عن هؤلاء الأربعة غيره، فألحق الصغار بالكبار، وقصد الطلاب من الاقطار، وحدث كثيرا، وكان صحيح السماع.
(2) في " توضيح المشتبه ": 2 / الورقة: 8: هو أبو الحسن دهبل (بفتح أوله وسكون الهاء وفتح الموحدة تليها لام) بن علي بن منصور بن إبراهيم بن عبد الله بن كاره البغدادي الحريمي، حدث عن أبي القاسم علي بن بيان، وآخرين، توفي في سنة تسع وستين وخمس مئة.
(3) في الأصل: الهنات، والمثبت من " تاريخ الإسلام "، و" لسان الميزان ".
(4) وخمس مئة، قال المؤلف في " الميزان ": إنه اختلط قبل موته بعامين، فيعتبر تاريخ السامع منه.

(19/256)


قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ:سَمِعْتُ أَبَا العَلاَءِ بن عَقِيْل يَقُوْلُ:
كَانَ شَيخُنَا ابْنُ نَبْهَانَ إِذَا طَوَّلَ عَلَيْهِ المُحَدِّثُونَ، قَالَ:قَوْمُوا، فَإِنَّ عِنْدَنَا مَرِيضاً، بَقِيَ عَلَى هَذَا سِنِيْنَ، فَكَانُوا يَقُوْلُوْنَ:مَرِيْضُ ابْنِ نَبْهَانَ لاَ يَبْرَأُ.
وَقَالَ ابْنُ نَاصِرٍ:كَانَ ابْنُ نَبْهَانَ قَدْ بَلغَ سِتّاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، سَمِعَهُ جدُّه هِلاَل بنُ المُحسنِ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الحَدِيْثِ، وَكَانَ أَوَّلاً عَلَى مُعَامِلَةِ الظَّلَمَةِ، وَكَانَ رَافِضِيّاً، وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَوْلِدَهُ سَنَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَكَذَا نَقَلَ الحُمَيْدِيُّ، وَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَه بِخَطِّ جَدِّه ابْنِ الصَّابِئِ، وَمَاتَ فِي شَوَّال، سَنَة إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة.

159 - ابْنُ بَيَانٍ أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، الصَّدُوْقُ، المُسْنِدُ، رحلَة الآفَاقِ، أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ بَيَانِ بنِ الرَّزَّاز البَغْدَادِيُّ، رَاوِي(جُزْء ابْن عَرَفَةَ).
سَمِعَ:أَبَا الحَسَنِ مُحَمَّدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَخْلَدٍ البَزَّازَ، وَطَلْحَةَ بنَ الصَّقرِ، وَأَبَا القَاسِمِ الحُرفِي، وَأَبَا عَلِيٍّ بن شَاذَانَ، وَعَبْد الْملك بن بِشْرَان، وَالقَاضِي أَبَا العَلاَءِ الوَاسِطِيّ، وَجَمَاعَة.
حَدَّثَ عَنْهُ:أَبُو الفُتُوْح الطَّائِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو العَلاَءِ العَطَّار، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الخَشَّاب، وَأَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ قُضَاعَة، وَأَبُو الفَضْلِ خَطِيبُ المَوْصِل، وَوَفَاءُ بن أَسْعَد، وَمُحَمَّد بن بَدْرٍ الشِّيحِي، وَمُحَمَّد بن جَعْفَرِ بنِ عَقِيْلٍ، وَأَبُو الفَرَجِ مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ نَبْهَانَ، وَعُبيدُ الله
__________
(*) الأنساب: 6 / 107، المنتظم: 9 / 186، الكامل لابن الأثير: 10 / 523 - 524، تاريخ الإسلام: 4 / 197، دول الإسلام: 2 / 37، العبر: 4 / 21، تذكرة الحفاظ: 4 / 1261، المستفاد: 181، البداية والنهاية: 12 / 180، شذرات الذهب: 4 / 27.

(19/257)


بن شَاتِيلَ، وَأَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ بن دُرَك، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي الوَفَاء الصَّائِغ، وَأَبُو السَّعَادَاتِ القَزَّازُ، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ بنُ عبدِ السَّلاَم، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، آخرهُم:أَبُو الفَرَجِ بنُ كُلَيْب.
قَالَ السَّمْعَانِيّ:كَانَ يَأْخُذ عَلَى نسخَة ابْنِ عَرَفَةَ دِيْنَاراً مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى مَا سَمِعْتُ، أَجَازَ لِي، وَحَدَّثَنِي عَنْهُ جَمَاعَة كَثِيْرَة، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّد بن عبد البَاقِي يَقُوْلُ:كَانَ أَبُو القَاسِمِ بنُ بيَان يَقُوْلُ:أَنْتُم مَا تَطلُبُوْنَ الحَدِيْثَ وَالعِلْمَ، أَنْتُم تَطلُبُوْنَ العُلُوَّ، وَإِلاَّ فَفِي دربِي جَمَاعَة سَمِعُوْهُ مِنِّي، فَاسْمَعُوْهُ مِنْهُم، وَمَنْ أَرَادَ العُلُوَّ، فَلْيَزِنْ دِيْنَاراً، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْد اللهِ العَطَّار بِمَرْوَ يَقُوْلُ:وَزنتُ الذَّهبَ لابْنِ بيَان حَتَّى سَمِعْتُ مِنْهُ(جُزءَ ابْنِ عَرَفَةَ)، وَكَذَا ذكر لِي بِسَمَرْقَنْدَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي العَبَّاسِ أَنَّهُ أَعْطَاهُ دِيْنَاراً وَسَمِعَهُ.
مَوْلِد ابْن بَيَان:فِي سَنَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَع مائَة.
وَتُوُفِّيَ:فِي سَادس شَعْبَان، سَنَة عَشْرٍ وَخَمْس مائَة.
قَالَ شُجَاع الذُّهْلِيّ:هُوَ صَحِيْحُ السَّمَاع.
وَقَدْ قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي، وَغَيْرهُ:سَمِعْنَاهُ يَقُوْلُ:وُلِدْتُ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَبِخَطِّ ابْن عَطَّافٍ أَنَّهُ سَأَلَه، فَقَالَ:كَانَ عِنْدِي أَنَّنِي وُلِدْتُ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، حَتَّى وُجِدَ بِخَطِّ وَالِدي أَنَّهُ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ.
وَقَالَ السِّلَفِيُّ:سَأَلتُهُ، فَقَالَ:وُلِدْتُ بَيْنَ الْعِيدَيْنِ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ.
قَالَ:وَمَاتَ وَأَنَا بِدِمَشْقَ، وَلاَ يُعْرَفُ فِي الإِسْلاَمِ مُحَدِّثٌ وَازَاهُ فِي قِدَمِ السَّمَاع.
كَذَا قَالَ السِّلَفِيّ، وَذَلِكَ مُنْتَقض بِالبَغَوِيِّ (1) ، وَبَالوَرْكِي، وَغَيْرِهِمَا.
__________
(1) هو أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن المرزبان البغوي المتوفى سنة 317 ه، تقدمت ترجمته في الجزء الرابع عشر رقم (247).

(19/258)


160 - التِّكَكِي أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ *
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، الثِّقَةُ، المُعَمَّرُ، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ البَغْدَادِيّ، التِّكَكِي، مِنْ بَقَايَا أَصْحَابِ أَبِي عَلِيٍّ بنِ شَاذَانَ.
حَدَّثَ عَنْهُ:أَبُو المُعَمَّر الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَسَلْمَانُ بنُ مَسْعُوْدٍ الشَّحَّام، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ النَّقُّوْرِ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار:شَيْخٌ صَالِحٌ، صَحِيْحُ السَّمَاعِ، وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ.
قُلْتُ:تُوُفِّيَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْس مائَة.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُعَدَّلُ (1) ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ مُوَفَّق الدِّيْنِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ قُدَامَةَ سَنَة سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ النَّرْسِيّ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ التِّكَكِيُّ الحَسَن بن مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بنُ السَّمَّاكِ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ ابْن عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا حُمَيْد، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :(إِنَّ اللهَ لَيُدْخِلُ العَبْدَ الجَنَّةَ بِالأَكْلَةِ أَوِ الشَّرْبَةِ يَحْمَدُهُ عَلَيْهَا) (2) .
__________
(*) تاريخ الإسلام: 4 / 164، العبر: 4 / 1، شذرات الذهب: 4 / 3. والتككي: نسبة إلى بيع التكك، الأنساب: 3 / 68.
(1) ترجمه المؤلف في " مشيخته " الورقة: 36، فقال: هو إسماعيل بن عبد الرحمان بن عمرو بن موسى بن عميرة العدل المعمر عز الدين أبو الفداء المرداوي ثم الصالحي الحنبلي الفراء والده، ويعرف بابن المنادي، شيخ صالح كثير التلاوة، حسن التواضع والسكينة، روى الكثير عن ابن قدامة، وابن راجح، وابن البن، وابن أبي لقمة، والقزويني، مولده في سنة عشر وست مئة، ومات في جمادى الآخرة سنة سبع مئة بقاسيون.
(2) إسناده ضعيف لضعف موسى بن سهل وهو الوشاء البغدادي، ضعفه الدارقطني، =

(19/259)


161 - ابْنُ المَوْصِلِيِّ أَبُو عَبْدِ اللهِ هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الزُّهْرِيُّ، المَوْصِلِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، المَرَاتِبِيُّ (1) ، شَيْخٌ، صَالِحٌ، خَيِّر، صَحِيْحُ السَّمَاع.
سَمِعَ:أَبَا القَاسِمِ بنَ بِشْرَان، وَالحُسَيْنَ بنَ عَلِيِّ بنِ بَطْحَاءَ.
وَعَنْهُ:عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ، وَعَبدُ الخَالِقِ اليُوسفِي، وَابْنُ نَاصرٍ، وَالسِّلَفِيّ، وَشُهْدَةُ، وَخطيبُ المَوْصِلِ.
وُلِدَ:سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ مِنْهَا.
وَتُوُفِّيَ:فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْس مائَة.

162 - الرُّويَانِيُّ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَحْمَدَ **
القَاضِي، العَلاَّمَة، فَخرُ الإِسْلاَم، شَيْخُ الشَّافعيَة، أَبُو المَحَاسِنِ عَبْدُ
__________
= وقال البرقاني: ضعيف جدا، لكن أخرجه مسلم (2734) في الذكر والدعاء: باب استحباب حمد الله تعالى بعد الاكل والشرب، وأحمد 3 / 110، 117، والترمذي (1816) في الاطعمة من طرق عن زكريا بن أبي زائدة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أنس بن مالك مرفوعا بلفظ: " إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الاكلة، أو يشرب الشربة فيحمده عليها ".
(*) تاريخ الإسلام: 4 / 168.
(1) في تاريخ المؤلف: من أهل باب المراتب، وباب المراتب، أحد أبواب دار الخلافة ببغداد، كان من أجل أبوابها وأشرفها.
(* *) السياق: الورقة / 52 ب، الأنساب: 6 / 189 - 190، المنتظم: 9 / 160، معجم البلدان: 3 / 104، المنتخب: الورقة / 98 ب، الاستدراك (خ) 1: 201 / 1، اللباب: 2 / 44، الكامل في التاريخ: 10 / 473، تهذيب الأسماء واللغات: 2 / 277، وفيات الأعيان: 3 / 198 - 199، تاريخ الإسلام: 4 / 167، دول الإسلام 2 / 31، العبر: 4 / 4 - 5، عيون التواريخ: 13 / 234، مرآة الجنان: 3 / 171 - 172، مرآة الزمان: 8 / 18، طبقات السبكي: 7 / 193، طبقات الاسنوي: 1 / 565 - 566، البداية =

(19/260)


الوَاحِد بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الرُّويَانِيُّ، الطَّبَرِيّ، الشَّافِعِيّ.
مَوْلِدُهُ:فِي آخِرِ سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَأَرْبَع مائَة، وَتَفَقَّهَ بِبُخَارَى مُدَّة.
سَمِعَ:أَبَا مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّبَرِيّ، وَأَبَا غَانِمٍ أَحْمَدَ بن عَلِيٍّ الكُرَاعِي المَرْوَزِيّ، وَعبدَ الصَّمدِ بنَ أَبِي نَصْرٍ العَاصِمِي البُخَارِيّ، وَأَبَا نَصْرٍ أَحْمَدَ بن مُحَمَّدٍ البَلْخِيّ، وَشيخَ الإِسْلاَم أَبَا عُثْمَانَ الصَّابونِي، وَعَبْدَ اللهِ بن جَعْفَرٍ الخَبَّازِيّ، وَأَبَا حَفْصٍ بن مَسْرُوْر، وَأَبَا بَكْرٍ عَبْدَ الْملك بن عَبْدِ العَزِيْزِ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدَ بنَ بَيَانٍ الفَقِيْه، وَعِدَّة.
وَارْتَحَلَ فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ وَالفِقْهِ جَمِيْعاً، وَبَرَعَ فِي الفِقْه، وَمَهَر، وَنَاظَر، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ البَاهرَةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ:زَاهِرٌ الشَّحَّامِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو رشيد إِسْمَاعِيْلُ بنُ غَانم، وَأَبُو الفُتُوْح الطَّائِيّ، وَعِدَّةٌ، وَكَانَ يَقُوْلُ:لَوِ احْتَرَقت كُتُبُ الشَّافِعِيّ، لأَمليتُهَا مِنْ حِفْظِي، وَلَهُ كِتَاب(البَحْر)فِي المَذْهَب، طَوِيْلٌ جِدّاً، غزِيْرُ الفَوَائِد (1) ، وَكِتَاب(منَاصيص الشَّافِعِيّ)، وَكِتَاب(حليَة المُؤْمِن)، وَكِتَاب(الكَافِي).
__________
= والنهاية، النجوم الزاهرة: 5 / 197، مفتاح السعادة: 2 / 351، تاريخ الخميس: 2 / 361، كشف الظنون: 1 / 226، 355، شذرات الذهب: 4 / 4، هدية العارفين: 1 / 634، إيضاح المكنون: 2 / 130.
(1) قال أبو عمرو بن الصلاح فيما نقله عنه النووي في " تهذيب الأسماء واللغات ": 2 / 277: هو في البحر كثير النقل، قليل التصرف والتزييف والترجيح.
وقال ابن كثير في " البداية ": 12 / 170: وهو حافل كامل شامل للغرائب وغيرها، وفي المثل: حدث عن البحر ولا حرج.
وقال السبكي في الطبقات: 7 / 195: وهو وإن كان من أوسع كتب المذهب إلا أنه عبارة عن حاوي الماوردي مع فروع تلقاها الروياني عن أبيه عن جده، ومسائل أخر، فهو أكثر من " الحاوي " فروعا، وإن كان الحاوي أحسن ترتيبا، وأوضح تهذيبا.

(19/261)


وَكَانَ ذَا جَاهٍ عَرِيضٍ، وَحِشْمَةٍ وَافرَةٍ، وَقَبولٍ تَامّ، وَبَاعٍ طَوِيْل فِي الفِقْه.
قَالَ السِّلَفِيّ:بَلَغَنَا أَنَّهُ أَملَى بآمُلَ، وَقُتِلَ بَعْدَ فَرَاغِه مِنْ مَجْلِس الإِملاَءِ بِسَبَبِ التَّعصُّبِ فِي الدِّينِ فِي المُحَرَّمِ.
قَالَ:وَكَانَ العِمَادُ مُحَمَّد بن أَبِي سَعْدٍ صَدْرُ الرَّيّ فِي عصره يَقُوْلُ:أَبُو المَحَاسِنِ القَاضِي شَافعِيُّ عصره.
قَالَ مَعْمَرُ بنُ الفَاخر:قُتِلَ بِجَامِع آمُل، يَوْمَ جُمُعَة، حَادِي عشر المُحرَّم، قَتَلَتْه الملاَحدَةُ - يَعْنِي:الإِسْمَاعِيْليَّة (1) - .
قَالَ:وَكَانَ نِظَام الملكِ كَثِيْرَ التَّعْظِيْمِ لَهُ.
قُلْتُ:قُتِلَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَرُويَانُ:بَلدَةٌ مِنْ أَعْمَالِ طَبَرِسْتَان، وَأَمَّا الرَّيُّ، فَمدينَةٌ كَبِيْرَة، وَالنِّسبَة إِلَيْهَا رَازِيٌّ.

163 - ابْنُ الفَارِسِيِّ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الغَافِرِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، المُتْقِن، العَالِمُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الغَافِرِ بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الغَافِرِ بن أَحْمَدَ الفَارِسِيّ، ثُمَّ النَّيْسَابُوْرِيّ، وَلدُ الشَّيْخ أَبِي الحُسَيْنِ، وَزوجُ ابْنةِ الأُسْتَاذ القُشَيْرِيّ.
أَكْثَر عَنْ:أَبِيْهِ، وَأَبِي حَسَّانٍ المزكِّي، وَعبدِ الرَّحْمَن بن حَمْدَان النَّصروِي، وَأَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ الحَارِثِ النَّحْوِيّ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ العَزِيْزِ النِّيلِي، وَأَبِي حَفْصٍ بنِ مَسْرُوْرٍ، فَمَنْ بَعْدَهُم.
__________
(1) في طبقات السبكي: 7 / 195: ومات شهيدا بعد فراغه من الاملاء.
(*) المنتخب: الورقة / 44 أ، الورقة: 61، العبر: 4 / 7 - 8، عيون التواريخ: 13 / 260 - 261، تاريخ الإسلام: 4 / 170، شذرات الذهب: 4 / 7 - 8.

(19/262)


وَارْتَحَلَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ، وَطَوَّف أَعْوَاماً فِي فَارِسَ، وَخُوزستَان، وَكَتَبَ بِخَطِّهِ نَحْواً مِنْ أَلفِ جُزء، وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ أَبَا مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيَّ، وَطَبَقَته.
حَدَّثَ عَنْهُ:وَلَدُهُ؛الحَافِظ عبد الغَافِر، وَبِنْتُه أُمُّ سلمَة، وَعُمَرُ بنُ أَحْمَدَ الصَّفَّار، وَأَبُو بَكْرٍ التَّفْتَازَانِي، وَعَبْدُ اللهِ بن الفُرَاوِي، وَعبدُ الخَالِق بن زَاهِر، وَأَبُو شُجَاعٍ البِسْطَامِي، وَعِدَّة.
قَالَ السَّمْعَانِيّ:كَانَ فَاضِلاً، عَالِماً، لَمْ يَفْتُرْ مِنَ السَّمَاع وَالتَّحصيل.
قُلْتُ:تُوُفِّيَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْس مائَة، وَلَهُ نَيِّفٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
وَفِيْهَا مَاتَ:شَيْخُ الشَّافعيَة أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ إِلْكِيَا (1) الهرَّاسِي، وَعبدُ المُنْعِم بن الْغمر الكِلاَبِيّ، وَأَبُو يَعْلَى حَمْزَةُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيّ أَخُو طِرَادٍ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ البَلَدِي النسفِي، وَمُقْرِئ مِصْرَ أَبُو الحُسَيْنِ الخَشَّاب.

164 - ابْنُ بَادِيسَ أَبُو يَحْيَى تَمِيْمُ بنُ المُعِزِّ بنِ بَادِيسَ *
صَاحِبُ إِفْرِيْقِيَةَ، السُّلْطَانُ، أَبُو يَحْيَى تَمِيمُ بنُ المُعِزّ بن بَادِيس بن
__________
(1) هو بكسر الكاف: وفتح الياء المثناة من تحتها، وبعدها ألف، معناه في اللغة العجمية: الكبير القدر، والمقدم بين الناس، وسترد ترجمته برقم (207).
(*) الكامل في التاريخ: 10 / 449 - 451، الحلة السيراء: 2 / 21 - 26، وفيات الأعيان: 1 / 304 - 306، البيان المغرب: 1 / 288 - 295، تاريخ الإسلام: 4 / 164، دول الإسلام: 2 / 30، العبر: 4 / 1، تتمة المختصر: 2 / 32، الوافي بالوفيات: 10 / 414 - 416، عيون التواريخ: 13 / 224 - 226، مرآة الزمان: 8 / 17 - 18، البداية والنهاية: 12 / 170، أعمال الاعلام: 3 / 73، تاريخ ابن خلدون: 6 / 157 - 159، النجوم الزاهرة: 5 / 197، 198، شذرات الذهب: 4 / 2 - 3.

(19/263)


المَنْصُوْر الحِمْيَرِيّ، الصُّنهَاجِي (1) ، مِنْ أَوْلاَد المُلُوْك، كَانَ بَطَلاً شُجَاعاً، مَهِيْباً سَائِساً، عَالِماً شَاعِراً (2) ، جَوَاداً مُمَدَّحاً (3) .
وُلِدَ:سَنَةَ(422)، وَوَلِيَ المهديَّة (4) لأَبِيْهِ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ، ثُمَّ بَعْد أَشهر مَاتَ المعزُّ، وَتَملَّك هَذَا، فَامتدَّت أَيَّامُهُ إِلَى أَنْ مَاتَ فِي رَجَب، سَنَة إِحْدَى وَخَمْس مائَة، وَخَلَّفَ مِنَ البَنِيْنَ فَوْقَ المائَةِ، وَمِنَ البَنَاتِ سِتِّيْنَ بِنْتاً عَلَى مَا قَالَهُ حَفِيْدُه العَزِيْزُ بن شَدادٍ، ثُمَّ تَملَّكَ بَعْدَهُ ابْنُهُ يَحْيَى بنُ تَمِيمٍ، فَأَحْسَنَ السِّيْرَةَ، وَافتَتَح حُصُوْناً كَثِيْرَة.

165 - صَاحِبُ الحِلَّةِ صَدَقَةُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ دُبيسِ بنِ عَلِيِّ بنِ مَزْيَدٍ *
الملكُ، سَيْفُ الدَّوْلَة، صَدَقَةُ ابنُ بَهَاء الدَّوْلَة مَنْصُوْر ابْن ملك الْعَرَب
__________
(1) نسبة إلى صنهاجة: قبيلة مشهورة من حمير، وهي بالمغرب.
(2) ومن شعره ما أنشده الصفدي في " الوافي ": 10 / 415:
إن نظرت مقلتي لمقلتها * تعلم مما أريد نجواه
كأنها في الفؤاد ناظرة * تكشف أسراره وفحواه
(3) ومن قول أبي علي الحسن بن رشيق القيرواني فيه:
أصح وأعلى ما رويناه في الندى * من الخبر المأثور منذ قديم
أحاديث ترويها السيول عن الحيا * عن البحر عن كف الأمير تميم
(4) المهدية: مدينة بساحل إفريقية، بينها وبين القيروان ستون ميلا، بناها عبيد الله الشيعي الخارج على بني الأغلب، والعبيديون الذين حكموا مصر منسوبون إليه، وهو سماها المهدية نسبها إلى نفسه، وكان ابتداء بنيانها في سنة 300 ه، الروض المعطار: ص 561، 562.
(*) المنتظم: 9 / 159، أخبار الدولة السلجوقية: 80 - 81، الكامل في التاريخ: 10 / 440 - 449، وفيات الأعيان: 2 / 490 - 491، تاريخ الإسلام: 4 / 164، دول الإسلام: 2 / 29 - 30، العبر: 4 / 1، تتمة المختصر: 2 / 31 - 32، عيون التواريخ: 13 / 229 - 233، مرآة الزمان: 8 / 15 - 16، البداية والنهاية: 12 / 170، تاريخ ابن خلدون: 5 / 38، النجوم الزاهرة: 5 / 196، شذرات الذهب: 4 / 2.

(19/264)


دُبيس بن عَلِيِّ بنِ مَزْيَدٍ الأَسَدِيّ، النَّاشِرِي (1) ، العِرَاقِي، اخْتطَّ مدينَةَ الحلَّة (2) فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَسكنهَا الشِّيْعَةُ، كَانَ ذَا بَأْسٍ وَإِقدَامٍ، نَافَرَ السُّلْطَانَ مُحَمَّد بنَ مَلِكْشَاه (3) ، وَحَارَبه، فَالتَقَى الجمعَانِ عِنْد النُّعْمَانِيَة (4) ، فَقُتِلَ صَدَقَةُ فِي المَصَافِّ سَنَة إِحْدَى وَخَمْس مائَة (5) ، وَقَدْ نَفَّذَ إِلَيْهِ المُسْتظهِرُ بِاللهِ يَنْهَاهُ عَنِ الخُرُوج، فَمَا سَمِعَ، وَاجتمع لَهُ عِشْرُوْنَ أَلفَ فَارِس، وَثَلاَثُوْنَ أَلف رَاجل، فَرشقتهُم عَسَاكِرُ السُّلْطَان بِالسِّهَام، فَجُرِحَتْ خُيُولهُم، ثُمَّ وَلَّوا، وَبَقِيَ صَدَقَةُ يَجُولُ بِنَفْسِهِ، فَجرح فَرسه المهلُوب، وَكَانَ عَدِيمَ المَثَلِ، وَهَرَبَ وَزِيْرُهُ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، فَنَادَاهُ، فَمَا أَلوَى عَلَيْهِ، ثُمَّ جَاءته ضَربَةُ سَيْفٍ فِي وَجْهِهِ، وَقُتِلَ (6) ، وَهَلَكَ مِنَ العربِ ثَلاَثَة آلاَف، وَأُسِرَ ابْنه دُبيسٌ وَوزِيْرُهُ وَعِدَّةٌ، وَمَاتَ أَبُوْهُ سَنَة(479) (7) .
__________
(1) نسبة إلى ناشرة بن نصر بن سواءة بن الحارث بن سعد بن مالك بن ثعلبة بن دودان ابن أسد بن خزيمة.
" اللباب ": 3 / 289.
(2) بلدة بالعراق بين بغداد والكوفة على الفرات في بر الكوفة.
(3) ابن ألب أرسلان السلجوقي المتوفى سنة 511 ه: كان رجل الملوك السلجوقية وفحلهم، وله الآثار الجميلة، والسيرة الحسنة، والمعدلة الشاملة، وسترد ترجمته برقم (294).
(4) بلدة بين الحلة وواسط.
(5) في اللباب: سنة 500 ه.
(6) قال ابن الأثير في " الكامل ": 10 / 449 بعد أن سرد أخباره: وكان جوادا حليما صدوقا، كثير البر والاحسان، ما برح ملجأ لكل ملهوف، يلقى من يقصده بالبر والتفضل، ويبسط قاصديه ويزورهم، وكان عادلا، والرعايا معه في أمن ودعة، وكان عفيفا لم يتزوج على امرأته، ولا تسرى عليها، فما ظنك بغير هذا، ولم يصادر أحدا من نوابه، ولا أخذهم بإساءة قديمة، وكان أصحابه يودعون أموالهم في خزانته، ويدلون عليه إدلال الولد على الوالد، ولم يسمع برعية أحبت أميرها كحب رعيته له، وكان متواضعا، محتملا، يحفظ الاشعار، ويبادر إلى النادرة رحمه الله، لقد كان من محاسن الدنيا.
(7) في الأصل: 489، والتصويب من تاريخ المصنف، و" وفيات الأعيان " 2 / 491.

(19/265)


166 - التَّمِيْمِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ حَسَنٍ *
مُفْتِي سَبْتَةَ، القَاضِي، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ حَسَنٍ (1) التَّمِيْمِيّ، المَغْرِبِيّ، السَّبتِي، المَالِكِيّ.
أَخَذَ عَنْ:أَبِي مُحَمَّدٍ المَسِيْلِي، وَلاَزمه، وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ العَجُوْز.
وَسَمِعَ:(صَحِيْح البُخَارِيِّ)بِالمَرِيَّة عَلَى ابْنِ المرَابط.
وَأَخَذَ بقُرْطُبَة عَنْ:عَبْدِ المَلِكِ بنِ سرَاج، وَمُحَمَّد بن فَرج الطلاعِي، وَأَبِي عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ.
وَكَانَ حَسَنَ العَقْلِ، مَلِيحَ السَّمْتِ، مُتجمِّلاً نبيلاً، تَفَقَّهَ بِهِ أَهْل بَلَده، وَكَانَ يُسَمَّى الفَقِيْه العَاقلَ، تَفَقَّهَ بِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ شبونَة، وَالقَاضِي عِيَاض، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ صلاَح.
رَحل إِلَيْهِ النَّاسُ مِنَ النَّوَاحِي، وَبَعُدَ صِيتُه، وَاشْتُهِرَ ذِكْرُهُ، وَتَخَرَّج بِهِ أَئِمَّة، وَكَانَ دَيِّناً، سرِيعَ الدَّمعَة، مُؤثراً لِلطَّلبَة، بَنَى جَامِع سَبْتَةَ، وَعزل نَفْسَه مِنَ القَضَاء بِأَخَرَةٍ، ثُمَّ طَلَبوهُ، وَوَلَّوْهُ قَضَاء فَاس، فَلَمْ تُعجبه الغُربَة، فَرَجَعَ إِلَى وَطنِه.
وَتُوُفِّيَ:فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْس مائَة، قَالَ ذَلِكَ تِلْمِيْذُهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ حمَادَة الفَقِيْه، وَبَالَغَ فِي تَعْظِيْمه، بِحَيْثُ إِنَّهُ قَالَ:
كَانَ إِمَامَ المَغْرِب فِي وَقته، وَلَمْ يَكُنْ فِي قطر مِنَ الأَقطَار مُنْذُ يَحْيَى بن يَحْيَى الأَنْدَلُسِيّ مَنْ حمل النَّاسُ عَنْهُ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَلاَ أَكْثَر نَجَابَةً مِنْ أَصْحَابِهِ.
قُلْتُ:عَاشَ سَبْعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، ضبط القَاضِي مَوْلِدَهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَأَخْرَج عَنْهُ فِي(الشِّفَاء).
__________
(*) ترتيب المدارك: 4 / 584، الصلة: 2 / 605، تاريخ الإسلام: 4 / 173 - 174، شجرة النور الزكية: 124، والغنية: 99 - 155.
(1) في " الصلة " و" الغنية " وتاريخ المصنف: حسين.

(19/266)


167 - ابْنُ غَطَاشٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ غطَاشٍ العَجَمِيُّ *
طَاغِيَةُ الإِسْمَاعِيْليَّة (1) ، هُوَ الرَّئِيْس أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ غطَاش العَجَمِيّ.
كَانَ أَبُوْهُ مِنْ كِبَارِ دُعَاة البَاطِنِيَّة، وَمِنْ أَذكيَاء الأُدبَاء، لَهُ بلاغَة وَسُرعَةُ جَوَاب، اسْتغوَى جَمَاعَةً، ثُمَّ هَلَكَ، وَخلفَه فِي الرِّيَاسَة ابْنُه هَذَا، فَكَانَ جَاهِلاً، لَكنَّه شُجَاعٌ مُطَاع، تَجمَّعَ لَهُ أَتْبَاع، وَتَحَيَّلُوا، حَتَّى مَلَكُوا قَلْعَةَ أَصْبَهَانَ الَّتِي غَرِمَ عَلَيْهَا السُّلْطَانُ مَلِكْشَاه أَلفَيْ أَلفِ دِيْنَار، وَصَارُوا يَقطعُوْنَ السُّبُلَ، وَالتف عَلَيْهِم كُلُّ فَاجر، وَدَام البَلاَءُ بِهِم عشرَ سِنِيْنَ، حَتَّى نَازلهُم مُحَمَّدُ بنُ مَلِكْشَاه أَشْهُراً، فَجَاعُوا، وَنَزَلَ كَثِيْرٌ مِنْهُم بِالأَمَان، وَعصَى ابْنُ غطَاش فِي بُرج أَيَّاماً، وَجَرَتْ أُمُوْرٌ طَوِيْلَة (2) ، ثُمَّ أُخِذَ وَسُلِخَ، وَتَأَمَّر عَلَى البَاطِنِيَّة بَعْدَهُ ابْنُ صبَّاح (3) ، وَكَانُوا بلاَءً عَلَى المُسْلِمِين، وَقَتلُوا عَدَداً مِنَ الأَعيَان بِشغل السكين.
__________
(*) المنتظم: 9 / 150 - 151، الكامل لابن الأثير: 10 / 316 - 318، 430 - 434، دول الإسلام: 2 / 29، العبر: 3 / 354 - 355، تتمة المختصر: 2 / 31، عيون التواريخ: 13 / 155، مرآة الزمان: 8 / 12 - 13، البداية والنهاية: 12 / 167، النجوم الزاهرة: 5 / 195، شذرات الذهب: 3 / 410.
(1) قال ابن الأثير: وهم الذين كانوا يسمون قبل ذلك القرامطة.
(2) انظر " الكامل " لابن الأثير: 10 / 430، 434.
(3) هو الحسن بن صباح بن علي الاسماعيلي صاحب الدعوة النزارية، وجد أصحاب قلعة الموت.
قال الامام الذهبي في " الميزان " 1 / 500: كان من كبار الزنادقة، ومن دهاة العالم، وله أخبار يطول شرحها لخصتها في تاريخي الكبير في " حوادث سنة أربع وتسعين وأربع مئة " وأصله من مرو، وقد أكثر التطواف ما بين مصر إلى بلد كاشغر، يغوي الخلق، ويضل الجهلة إلى أن صار منه ما صار، وكان قوي المشاركة في الفلسفة والهندسة، كثير المكر والحيل، بعيد الغور، لا بارك الله فيه.

(19/267)


168 - مُتَوَلِّي هَمَذَانَ أَبُو هَاشِمٍ زَيْدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ العَلَوِيُّ *
الأَمِيْرُ، أَبُو هَاشِمٍ زَيْدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ العَلَوِيّ، الحُسَيْنِيّ، الهَمَذَانِيّ، سِبْطُ الصَّاحبِ إِسْمَاعِيْل بن عَبَّادٍ، كَانَ هيوباً مُطَاعاً، جَبَّاراً عَسُوْفاً، كَثِيْرَ الأَمْوَال، يَطْرَحُ مَا يُسَاوِي مائَةً بِثَلاَثِ مائَةِ وَأَزْيَد، وَقَدْ صَادره السُّلْطَانُ مرَّة، فَأَدَّى جُمْلَةً سَبْع مائَةِ أَلْف دِيْنَار، وَكَانَتِ الرَّعِيَّةُ مَعَهُ فِي بَلاَءٍ وَضُرٍّ.
مَاتَ:فِي رَجَب، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَخَمْس مائَة، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.

169 - الكُشَانِي أَبُو القَاسِمِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدٍ **
الإِمَامُ، الخَطِيْبُ، أَبُو القَاسِمِ عُبَيْد اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْيَد الكُشَانِي (1) .
ثِقَة، مُكْثِر، مُسْنِد.
وُلِدَ:فِي نَحْو سَنَة عَشْرٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
حَدَّثَ عَنْ:مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ البَاهِلِيّ، وَعَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ رَبِيْع السَّنْكَبَاثي (2) ، وَأَبِي سهل عبدِ الكَرِيْم الكَلاَباذِي، وَعِدَّة.
وَعَنْهُ:إِبْرَاهِيْمُ بنُ يَعْقُوْبَ الكُشَانِي، وَآصَفُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَالِدي،
__________
(*) المنتظم: 9 / 160، الكامل: 10 / 473 - 474، تاريخ الإسلام: 4 / 166، النجوم الزاهرة: 5 / 199.
(* *) الأنساب: 10 / 433 - 434، تاريخ الإسلام: 4 / 167.
(1) ضبط في الأصل كما في " الأنساب " بضم الكاف، وضبطها ياقوت بالفتح، وهذه النسبة إلى كشانية، بلدة من بلاد الصغد بنواحي سمرقند على اثني عشر فرسخا منها.
(2) نسبة إلى سنكباث قرية من قرى الصغد من نواحي سمرقند، وعلي بن أحمد هذا هو أحد الأئمة الزهاد المشهورين بسمرقند، المتوفى سنة 452 ه كما في الأنساب: 7 / 173.

(19/268)


وَعَطَاءُ بن (1) مَالِكِ بنِ أَحْمَدَ النَّقَاش، وَأَبُو المَعَالِي مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ المَدِيْنِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ:فِي رَجَبٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِ مائَة.

170 - التِّبْرِيزِيُّ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ *
إِمَامُ اللُّغَة، أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَسَنِ بنِ بِسْطَامَ الشَّيْبَانِيّ، الخَطِيْبُ، التبرِيزِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ.
ارْتَحَلَ، وَأَخَذَ الأَدبَ عَنْ أَبِي العَلاَءِ المَعَرِي، وَعُبيدِ الله بن عَلِيٍّ الرَّقِّيِّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ الدَّهَان.
وَسَمِعَ بِصُوْر مِنَ:الفَقِيْه سُلَيمٍ، وَعبدِ الكَرِيْم بن مُحَمَّدٍ السيَّارِي، وَأَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب، وَأَقَامَ بِدِمَشْقَ مُدَّةً، ثُمَّ بِبَغْدَادَ، وَكَثُرَتْ تَلاَمِذتُهُ، وَأَقْرَأَ عِلْمَ اللِّسَان (2) .
__________
(1) الزيادة من " الأنساب ".
(*) الأنساب: 3 / 21، تاريخ ابن عساكر: 18: 87 / 1 - 88 / 2، نزهة الالباء: 372 - 374، المنتظم: 9 / 161 - 163، معجم الأدباء: 20 / 25 - 28، الاستدراك: 1: 69 / 2، اللباب: 1 / 206 - 207، الكامل في التاريخ: 10 / 473، إنباه الرواة: رقم: 816، وفيات الأعيان: 6 / 191 - 196، مختصر دول الإسلام لابن العبري: 2 / 22، المختصر في أخبار البشر: 2 / 224، تلخيص ابن مكتوم: 271 - 272، المستفاد: 257، عيون التواريخ: 13 / 241 - 245، مرآة الجنان: 3 / 172، البداية والنهاية: 12 / 171، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة: 530 - 531، النجوم الزاهرة: 5 / 197، بغية الوعاة: 2 / 338، مفتاح السعادة: 1 / 117، كشف الظنون: 108، 992، شذرات الذهب: 4 / 5، الفلاكة والمفلوكين: 66، هدية العارفين: 2 / 519، بروكلمان: 1 / 71، دائرة المعارف الإسلامية: 4 / 567 - 570.
(2) وولي تدريس الأدب بالنظامية، وخزانة الكتب بها.

(19/269)


أَخَذَ عَنْهُ:ابْنُ نَاصر، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ بنُ الجوَالِيقِي، وَسَعْدُ الخَيْر الأَنْدَلُسِيّ، وَأَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ السِّنْجِيّ، وَالسِّلَفِيّ.
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ:شَيْخُهُ الخَطِيْبُ، وَكَانَ ثِقَةً، صَنَّف شرحاً(لِلْحمَاسَة)، وَلـ (دِيوَان المتنبِي)، وَلـ(سقط الزَّند)، وَأَشيَاء (1) ، وَدَخَلَ إِلَى مِصْرَ، وَأَخَذَ عَنْ طَاهِرِ بنِ بَابشَاذَ (2) ، وَلَهُ شعر رَائِق.
وَلَمْ يَكُنْ بِالصَّيِّن.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ:ثِقَةٌ فِي عِلْمه، مُخَلِّطٌ فِي دِيْنِهِ، وَلُعَبَةٌ (3) بِلِسَانِهِ، وَقِيْلَ:إِنَّهُ تَابَ.
وَتِبْرِيزُ:بِكَسرِ أَوَّلِهِ، قَالَهُ ابْنُ نَاصر.
وَقَالَ أَبُو مَنْصُوْرٍ بنُ خَيْرُوْنَ:مَا كَانَ بِمَرضِيِّ الطّرِيقَةِ (4) .
__________
(1) منها وهو مطبوع متداول " الوافي في العروض والقوافي " وشرح المفضليات، وشرح القصائد العشر، وشرح المقصورة لابن دريد.
(2) " بالشين والذال المعجمتين ومعناه: الفرح والسرور " ابن داود المصري أحد الأئمة في العربية، وصاحب المصنفات المفيدة فيها كشرح الجمل للزجاجي، وشرح كتاب الأصول لابن السراج، توفي سنة 469 ه، تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر رقم (225).
(3) أي: يلعب بلسانه، قال أهل العربية: ما جاء على " فعلة " وهو وصف، فهو للفاعل نحو: هذرة، وطلقة، وهمزة، وصرعة: إذا كان مهذارا مطلاقا مصارعا عيابا، فإن سكنت العين من " فعلة " وهو وصف، فهو للمفعول به، تقول: رجل لعنة، أي: يلعنه الناس، فإن كان هو يلعن الناس قلت: لعنة، ورجل سبة: أي يسبه الناس، فإن كان هو يسب الناس قلت: سببة، وكذلك: هزأة وهزأة، وسخرة وسخرة، وضحكة وضحكة، وخدعة وخدعة.
(4) النص بتمامه كما جاء في " الذيل " للسمعاني، ونقله عنه ياقوت في " معجم الأدباء " 20 / 27: قال السمعاني: سمعت أبا منصور محمد بن عبد الملك بن الحسن بن خيرون المقرئ، يقول: أبو زكريا يحيى بن علي التبريزي ما كان بمرضي الطريقة، كان يدمن شرب الخمر، ويلبس الحرير، والعمامة المذهبة، وكان الناس يقرؤون عليه تصانيفه وهو سكران، فذاكرت أبا الفضل محمد بن ناصر الحافظ بما ذكره ابن خيرون، فسكت، وكأنه لم ينكر ذلك، ثم قال: ولكن كان ثقة في اللغة، وما كان يرويه وينقله.

(19/270)


قُلْتُ:تُوُفِّيَ لِليلتين بقيتَا مِنْ جُمَادَى الآخِرَة، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَخَمْس مائَة، وَلَهُ إِحْدَى وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.

171 - أَبُو الهَيْجَاءِ مُقَاتِلُ بنُ عَطِيَّةَ البَكْرِيُّ الحِجَازِيُّ *
الأَمِيْرُ الشَّاعِر، شِبْلُ الدَّوْلَة، مُقَاتِلُ بنُ عَطِيَّةَ البَكْرِيّ، الحِجَازِيّ، سَارَ إِلَى بَغْدَادَ، وَإِلَى غَزْنَةَ وَخُرَاسَانَ، وَمدحَ الكِبَار، وَاختصَّ بِنِظَام المُلْكِ (1) ، ثُمَّ سَار إِلَى نَاصر الدّين مُكْرَمِ بنِ العَلاَءِ وَزِيْر كَرْمَان، وَمَعَهُ وَرقَة وَقَعَ لَهُ فِيْهَا المُسْتظهرُ بِاللهِ:يَا أَبَا الهَيْجَاءِ أَبْعَدْتَ النُّجْعَةَ (2) ، أَسْرَعَ اللهُ بِكَ الرَّجْعَةَ، وَفِي ابْنِ العَلاَءِ مَقْنَع، وَطرِيقُهُ فِي الخَيْرِ مَهيَع (3) ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى ابْنِ العَلاَء، أَرَاهُ الورقَةَ، فَقَامَ وَخضعَ لَهَا، وَأَمر فِي الحَالِ لَهُ بِأَلفِ دِيْنَارٍ، فَلَمَّا أَنشده:
دَعِ العِيْسَ تَذْرَعُ عَرْضَ الفَلاَ ... إِلَى ابْنِ العَلاَءِ وَإِلاَّ فَلاَ
أَمرَ لَهُ بِأَلفِ دِيْنَار أُخْرَى، وَفَرسٍ وَخِلْعَة، ثُمَّ نَزلَ بِهَرَاةَ، وَهَوِيَ بِهَا امْرَأَةً، ثُمَّ مَرِضَ وَتَسَوْدَنَ، وَمَاتَ فِي حُدُوْدِ خَمْسٍ وَخَمْسِ مائَة.
__________
(*) وفيات الأعيان: 5 / 257 - 260، تاريخ الإسلام: 4 / 177، النجوم الزاهرة: 5 / 204.
(1) وقد زوجه نظام الملك ابنته، ولما قتل، رثاه بقوله:
كان الوزير نظام الملك لؤلؤة * يتيمة صاغها الرحمان من شرف
عزت فلم تعرف الايام قيمتها * فردها غيرة منه إلى الصدف
انظر الكامل لابن الأثير: 10 / 206، وابن خلكان: 2 / 130، وأخبار الدولة السلجوقية: 71.
(2) النجعة: طلب الكلا، ومساقط الغيث، ويستعار في غير ذلك، فيقال: فلان نجعتي: أي أملي.
(3) أي: واضح واسع بين، وتمام ما جاء في الورقة كما في ابن خلكان: وما يسديه إليك تستحلي ثمرة شكره، وتستعذب مياه بره.

(19/271)


172 - أَبُو غَالِبٍ العَدْلُ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، العَدْلُ، الجَلِيْلُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ هَمَذَانَ، أَبُو غَالِبٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ القَارِئِ الهَمَذَانِيّ، الخَفَّاف، وُجِدَ سَمَاعُهُ فِي أُصُوْل المُحَدِّثِيْنَ.
حَدَّثَ عَنْ:أَبِي سَعِيْدٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن شُبَانَة، وَمَنْصُوْرِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَنْبَلِيِّ، وَالحُسَيْنِ بنِ عُمَرَ النُّهَاوَنْدِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ:أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَشهردَار بنُ شِيْرَوَيْه، وَأَبُو الكَرَم عَلِيّ بن عبد الكَرِيْم، وَأَظُنُّ أَنَّ الحَافِظ أَبَا العَلاَءِ العَطَّار سَمِعَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ أَدْركَه، وَحَدَّثَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْس مائَة، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ.
لَمْ يَذكُر لَهُ شِيروِيْهِ وَفَاةً، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الشهَادَات.

173 - البَحيْرِيُّ أَبُو سَعِيْدٍ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَمْرِو بنِ مُحَمَّدٍ **
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الأَمِيْنُ، الجَلِيْلُ، أَبُو سَعِيْدٍ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَمْرِو بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ البَحِيرِي، النَّيْسَابُوْرِيّ، المُحَدِّثُ.
وُلِدَ:سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَكَانَ يَقُوْلُ:قَرَأْت(صَحِيْح مُسْلِم)عَلَى أَبِي الحُسَيْنِ عبدِ الغَافِرِ الفَارِسِيّ (1) أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِيْنَ مرَّة.
__________
(*) تاريخ الإسلام: 4 / 178، العبر: 4 / 11، عيون التواريخ: 13 / 281، شذرات الذهب: 4 / 13 - 14.
(* *) المنتظم: 9 / 158، الكامل في التاريخ: 10 / 456، تاريخ الإسلام: 4 / 164.
(1) الفسوي ثم النيسابوري التاجر: وكان سماعه صحيح مسلم من الجلودي سنة خمسة وستين وثلاث مئة، ترجمه المؤلف في الجزء الثامن عشر رقم (13) ونقل عن حفيده أبي الحسن عبد الغافر بن إسماعيل قوله: كان شيخا، ثقة، صالحا، صائنا، محظوظا من الدين والدنيا، مجدودا في الرواية على قلة =

(19/272)


سَمِعَ مِنَ:الحَافِظ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ مَنْجُوَيْه، وَأَبِي حَسَّانٍ المُزَكِّي، وَأَبِي العَلاَءِ صَاعِدِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَعبد الرَّحْمَن النَّصْرَوِي.
وَعَنْهُ:إِسْمَاعِيْلُ بنُ جَامِع، وَأَبُو شُجَاعٍ البِسْطَامِي، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ:سَمِعَ بِإِفَادته خلقٌ، وَتَفَقَّهَ عَلَى نَاصر العُمَرِيّ، وَكَانَ يَقرَأُ دَائِماً(صَحِيْحَ مُسْلِم)لِلْغربَاء وَالرَّحَالَة، وَأَضَرَّ بِأَخَرَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّار:كَانَ نَظِيفاً عَفِيْفاً، اشْتَغَل بِالتِّجَارَة، وَبُورِكَ لَهُ فِيْهَا، وَحصَّل مَالاً.
تُوُفِّيَ:فِي آخِرِ سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْس مائَة بِنَيْسَابُوْرَ. أَملَى مَجَالِسَ.
__________
= سماعه، مشهورا، مقصودا من الآفاق، سمع منه الأئمة والصدور، وقرأ الحافظ الحسن السمرقندي عليه صحيح مسلم نيفا وثلاثين مرة، وقرأه عليه أبو سعيد البحيري نيفا وعشرين مرة، وممن قرأه عليه من مشاهير الأئمة زين الإسلام أبو القاسم القشيري والواحدي وغيرهما، استكمل خمسا وتسعين سنة، وتوفي سنة 448 ه.
وأبو الحسن هذا روى صحيح مسلم عن الشيخ الصالح الزاهد عيسى بن محمد بن عبد الرحمان الجلودي، عن الفقيه الزاهد المجتهد أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان النيسابوري، عن الامام مسلم بن الحجاج القشيري، وأورد الامام النووي في مقدمة شرح مسلم: 1 / 6، 10 إسناده منه إلى الامام مسلم، فقال: أخبرنا بجميع صحيح مسلم بن الحجاج رحمه الله الشيخ الامين العدل الرضى أبو إسحاق إبراهيم بن أبي حفص، عمر بن مضر الواسطي رحمه الله بجامع دمشق حماها الله وصانها وسائر بلاد الإسلام وأهله، قال: أخبرنا الامام ذو الكنى أبو القاسم، أبو بكر، أبو الفتح منصور بن عبد المنعم الفراوي، قال: أخبرنا الامام فقيه الحرمين أبو جدي أبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي، قال: أخبرنا أبو الحسين عبد الغافر الفارسي، قال: أخبرنا أبو أحمد محمد بن عيسى الجلودي، قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه، أخبرنا الامام أبو الحسين مسلم بن الحجاج رحمه الله، ثم ترجم لكل واحد منهم على سبيل الاختصار فراجعه.

(19/273)


174 - أُبَيٌّ النَّرْسِيُّ أَبُو الغَنَائِمِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مَيْمُوْنٍ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُفِيْدُ، المُسْنِدُ، مُحَدِّثُ الكُوْفَة، أَبُو الغَنَائِمِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مَيْمُوْنِ بن مُحَمَّدٍ النَّرْسِيُّ، الكُوْفِيُّ، المُقْرِئُ، المُلَقَّب بِأُبَيٍّ لِجُوْدَةِ قِرَاءته.
وُلِدَ:سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ:مُحَمَّدَ بنَ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَلَوِيّ، وَأَبَا طَاهِر مُحَمَّد بن العَطَّار، وَمُحَمَّدَ بنَ إِسْحَاقَ بنِ فَدُويه، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ خَازِمِ بن نَفّط، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ حَبِيْبٍ القَادسِي، وَأَبَا إِسْحَاقَ البَرْمَكِيّ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ بِشْرَان، وَأَبَا القَاسِمِ التَّنُوْخِي، وَالقَاضِي أَبَا الطّيب الطَّبَرِيّ، وَأَبَا مَنْصُوْرٍ بن السَّوَّاق، وَكَرِيْمَةَ المَرْوَزِيَّة المجَاورَة، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بن بُنْدَار الشِّيرَازِي، وَأَبَا الحَسَنِ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيّ، وَأَحْمَدَ بن مُحَمَّدِ بنِ قَفَرْجَل، وَأَبَا الفَتْح بن شِيْطَا، وَخَلْقاً سِوَاهُم، وَسَمِعَ بِالشَّامِ لمَا زَار بَيْتَ المَقْدِسِ، وَكَانَ يَنوبُ عَنْ خطيب الكُوْفَة.
حَدَّثَ عَنْهُ:الفَقِيْه نَصْرُ بن إِبْرَاهِيْمَ المَقْدِسِيّ مَعَ تَقَدُّمِهِ، وَابْنُ نَاصر، وَالسِّلَفِيّ، وَمعَالِي بن أَبِي بَكْرٍ الكيَّال، وَمُسْلِم بن ثَابِتٍ، وَمُحَمَّد بن حَيْدرَة الحُسَيْنِيّ، وَعِدَّة.
وَتَلاَ عَلَيْهِ لعَاصِم (1) :أَبُو الْكَرم الشَّهْزُورِي بِحقِّ قِرَاءته
__________
(*) المنتظم: 9 / 189، تاريخ الإسلام: 4 / 198، دول الإسلام: 2 / 37، العبر: 4 / 22، تذكرة الحفاظ: 4 / 1260 - 1262، المستفاد: 28 - 30، الوافي: 4 / 143 - 144، عيون التواريخ: 13 / 329، النجوم الزاهرة: 5 / 212، طبقات الحفاظ: 458، شذرات الذهب: 4 / 29، هدية العارفين: 2 / 83.
(1) ابن بهدلة الكوفي الحناط مولى بني أسد، شيخ الاقراء بالكوفة، وأحد القراء السبعة المتوفى سنة 128 ه تقدمت ترجمته في الجزء الخامس رقم (119).

(19/274)


عَلَى العَلَوِيّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الجُعْفِيّ، وَسَمِعَ مِنْهُ الحُمَيْدِيّ، وَجَعْفَر الحكَّاك، وَابْنُ الخَاضبَة، وَأَبُو مُسْلِمٍ عُمَر بن عَلِيٍّ اللَّيْثِيّ، وَعبدُ الْمُحسن الشِّيحِي.
وَخَرَّجَ لِنَفْسِهِ(مُعْجَماً)، وَنَسخَ الكَثِيْرَ، وَكَانَ يَقُوْلُ:كُنْتُ أَقرَأُ عَلَى المَشَايِخ وَأَنَا صَبِيّ، فَقَالَ النَّاسُ:أَنْتَ أُبَيّ، لِجُوْدَةِ قِرَاءتِي، وَأَوّل سَمَاعِي فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ، وَلحقت البَرْمَكِيّ، فَسَمِعْتُ مِنْهُ ثَلاَثَةَ أَجزَاء وَمَاتَ.
قَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ:كَانَتْ لَهُ مَعْرِفَةٌ ثَاقبَة، وَوصفه بِالحِفْظ وَالإِتْقَان.
وَقَالَ ابْنُ نَاصر:كَانَ ثِقَةً حَافِظاً، مُتْقِناً، مَا رَأَينَا مِثْلَه (1) ، كَانَ يَتَهَجَّدُ، وَيَقومُ اللَّيْلَ، قرَأَ عَلَيْهِ أَبُو طَاهِرٍ بنُ سِلَفَة حَدِيْثاً، فَأَنْكَرَهُ، وَقَالَ:لَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيْثي، فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ:أَعْرِفُ حَدِيْثي كُلَّهُ، لأَنِّي نَظَرتُ فِيْهِ مِرَاراً، فَمَا يَخْفَى عَلَيَّ مِنْهُ شَيْء.
وَكَانَ يَقْدَمُ كُلَّ سَنَةٍ مِنَ الكُوْفَةِ مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ فِي رَجَبٍ، فَيَبقَى بِبَغْدَادَ إِلَى بَعْدِ الْفطر، وَيَرْجِعُ، وَكَانَ يَنسَخُ بِالأُجرَة، يَسْتَعِينُ عَلَى العِيَال، وَكَذَا كَانَ أَبُو عَامِرٍ العَبْدَرِي يُثنِي عَلَيْهِ، وَيَقُوْلُ:خُتِمَ هَذَا الشَّأْنُ بِأُبَيٍّ - رَحِمَهُ اللهُ - .
مَرِضَ أُبَيٌّ بِبَغْدَادَ، وَحُمِلَ، فَأَدْرَكَهُ الأَجَلُ بِالحِلَّة، وَحُمِلَ إِلَى الكُوْفَةِ مَيتاً، فَدُفِنَ بِهَا، مَاتَ يَوْمَ سَادسَ عشَرَ شَعْبَان، سَنَة عَشْرٍ وَخَمْس مائَة.
قُلْتُ:عَاشَ سِتّاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
__________
(1) النص في " الوافي ": 4 / 144 عن ابن ناصر: ما رأيت مثل أبي الغنائم بن النرسي في ثقته، وحفظه، ما كان أحد يقدر أن يدخل في حديثه ما ليس منه.

(19/275)


وَلأَبِي الفَرَج بن كُلَيْبٍ مِنْهُ إِجَازَة.
وَفِيْهَا مَاتَ:مُسْنِدُ زَمَانِهِ أَبُو القَاسِمِ بنُ بَيَان الرَّزَّاز، وَمُسْنِدُ زَمَانِهِ أَبُو بَكْرٍ عبدُ الغفَّار بن مُحَمَّدٍ الشّيروِي (1) ، وَمُحَدِّثُ وَاسِط خَمِيْس الحَوْزِي (2) ، وَأَبُو الخَيْرِ المُبَارَكُ بن الحُسَيْنِ الغسَال المُقْرِئُ (3) ، وَأَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الحِنَّائِي (4) ، وَالحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ السَّمْعَانِيّ (5) ، وَمَحْمُوْدُ بنُ سعَادَة السّلمَاسِي، وَأَبُو الفَتْحِ نَصْرُ بن أَحْمَدَ الحَنَفِيّ (6) بِهَرَاةَ.

175 - الأَعْمَش أَبُو العَلاَءِ حَمدُ بنُ نَصْرِ بنِ أَحْمَدَ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، مُحَدِّثُ هَمَذَان، أَبُو العَلاَءِ حَمْدُ بن نَصْرِ بن أَحْمَدَ الهَمَذَانِيّ، الأَدِيْبُ، المَعْرُوف بِالأَعْمَشِ، ذَكَرَهُ شِيْرَوَيْه، وَأَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ.
مَوْلِدُهُ:فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ مِنْ:أَبِي مُسْلِمٍ بن غزْو النُّهَاوندي، وَعُبيدِ الله ابْن الحَافِظِ بن مَنْدَه، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ مَاهله - وَاسْمُهُ هَارُوْنَ - وَعَلِيِّ بنِ حُمَيْدٍ الحَافِظ، وَطَبَقَتِهِم.
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (153).
(2) سترد ترجمته برقم (205).
(3) سترد ترجمته برقم (211).
(4) سترد ترجمته برقم (255).
(5) سترد ترجمته برقم (214).
(6) سترد ترجمته برقم (232).
(*) مختصر طبقات علماء الحديث: الورقة: 223، تاريخ الإسلام: 4 / 207، تذكرة الحفاظ: 4 / 1250، ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 141 - 142، طبقات الحفاظ: 454، شذرات الذهب: 4 / 31.

(19/276)


قَالَ السَّمْعَانِيّ:أَجَازَ لِي مَرْوِيَّاتِهِ، وَكَانَ عَارِفاً بِالحَدِيْثِ، حَافِظاً ثِقَة، مُكْثِراً، سَمِعَ بِنَفْسِهِ وَأَملَى، مَاتَ فِي عَاشر شَوَّال، سَنَة اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، عَنْ نَيِّفٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَهُوَ حَمْدُ بنُ نَصْرِ بن أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَعْرُوف.
قُلْتُ:حَدَّثَ عَنْهُ:السِّلَفِيّ، وَأَبُو العَلاَءِ العَطَّارُ المُقْرِئ، وَجَمَاعَة، وَكَانَ بَصِيْراً بِمَذْهَب أَحْمَد، نَاصِراً لِلسُّنَّة، وَافِرَ الحُرْمَةِ بِبلده، بارعَ الأَدب.
قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ عبد الكَرِيْم المُحْتَسِب (1) ، أَخْبَرَنِي نَصْرُ بنُ جَرْوٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، سَمِعْتُ حَمْدَ بنَ نَصْرٍ الحَافِظ بهَمَذَان، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ حُمَيْد الحَافِظ، سَمِعْتُ طَاهِر بنَ عَبْدِ اللهِ الحَافِظ، سَمِعْتُ حَمْدَ بنَ عُمَرَ الزجَاج الحَافِظ يَقُوْلُ:
لَمَّا أَملَى صَالِحُ بن أَحْمَدَ التَّمِيْمِيّ الحَافِظ بهَمَذَانَ كَانَتْ لَهُ رحَىً، فَبَاعهَا بِسَبْعِ مائَة دِيْنَارٍ، وَنَثَرهَا عَلَى مَحَابر أَصْحَابِ الحَدِيْث.
رَوَاهُ:أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ السِّلَفِيّ.

176 - ابْنُ الآبَنُوسِيِّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الصَّادِقُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بن
__________
(1) ترجمة المؤلف في مشيخته الورقة 12، فقال: أحمد بن عبد الكريم بن غازي أبن أحمد الفقيه، أبو العباس الواسطي المصري المعروف بابن الاغلاقي، سمع من عبد القوي بن الحباب، ونصر بن جرو، وابن باقا، وعبد الغفار بن شجاع المحلي، وأبي البركات هبة الله بن محمد المقدسي، ومكرم القرشي، مولده في سنة تسع أو سنة عشر وست مئة، وكان ينوب في الحسبة بالقاهرة، ويؤم بمسجد بين القصرين، ثم وجدت بعد أنه ولد سنة ست عشرة وست مئة، وأن جده عرف بالاغلاقي، لكونه كان يأمر غلمانه بالاحتراز بغلق الابواب، توفي في صفر سنة ست وتسعين وست مئة.
(*) تاريخ الإسلام: 4 / 173، العبر: 4 / 9، المستفاد: 147 - 148، عيون التواريخ: 13 / 270، شذرات الذهب: 4 / 10.

(19/277)


مُحَمَّد بن الآبَنُوسِيِّ، البَغْدَادِيُّ، وَالِدُ الفَقِيْهِ أَبِي الحَسَنِ أَحْمَد بن الآبَنُوسِي.
كَانَ مَوْلِدُهُ:فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ:أَبِي مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيِّ، وَأَبِي القَاسِمِ التَّنُوخِي، وَأَبِي طَالِبٍ العُشَارِي، وَأَبِي الطَّيِّب الطَّبَرِيّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ بِشْرَان، وَابْنِ مَكِّيٍّ السَّوَّاقِ، وَسَمِعَ(تَارِيخ الخَطِيْب)مِنْهُ.
رَوَى عَنْهُ:مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ السِّنْجِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ الحُلْوَانِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَكَانَ أَحَدَ الوُكلاَءِ عِنْدَ الدَّامغَانِي.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيّ:سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ:كُنْتُ لاَ أَسْمَعُ مُدَّةً مِنَ التَّنُوْخِيّ لِمَا أَسْمَعُ مِنْ مَيْله إِلَى الاعتزَال، ثُمَّ سَمِعْتُ مِنْهُ، وَصِرْتُ عِنْدَهُ أَعزَّ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَكَانَ يُسَمِّينِي:يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ.
مَاتَ ابْنُ الآبَنُوسِي:فِي سَادس عشر جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْس مائَة.
قَالَ ابْنُ نَاصر:كَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ ثِقَةً مَسْتُوْراً، لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالحَدِيْثِ.
وَقَالَ السِّلَفِيّ:هُوَ مِنْ أَهْلِ المَعْرِفَة بِالحَدِيْثِ وَقوَانِينه الَّتِي لاَ يَعْرِفُهَا إِلاَّ مَنْ طَالَ اشتغَالُهُ بِهِ، وَكَانَ ثِقَةً شَافعيّاً، كَتَبنَا عَنْهُ بَانتقَاء البَردَانِي.
وَابْنه:

177 - أَبُو الحَسَنِ الآبَنُوْسِيُّ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ *
الإِمَامُ، أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيِّ بنِ الآبَنُوْسِي الشَّافِعِيّ، الوَكِيْل.
__________
(*) المنتظم: 10 / 126، تاريخ الإسلام: الورقة: 58، العبر: 4 / 114، وذكره الامام الذهبي في تذكرة الحفاظ: 4 / 1294، الوافي بالوفيات: 7 / 114، طبقات السبكي: 6 / 21، شذرات الذهب: 4 / 130.

(19/278)


مَوْلِدُهُ:سَنَةَ(466).
سَمِعَ:أَبَا القَاسِمِ بن البُسْرِيِّ، وَإِسْمَاعِيْل بنَ مَسْعَدَةَ الإِسْمَاعِيْلِي، وَمُحَمَّدَ بنَ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيّ، وَرِزْقَ اللهِ، وَعِدَّةً.
وَتَفَقَّهَ عَلَى القَاضِي:مُحَمَّد بن المُظَفَّر الشَّامِيّ، وَنظر فِي الاعتزَال، ثُمَّ أَنقذه الله (1) وَتسنَّنَ.
حَدَّثَ عَنْهُ:ابْنتُهُ شرفُ النِّسَاء، وَابْنُ عَسَاكِرَ، وَالسَّمْعَانِيّ، وَسُلَيْمَانُ المَوْصِلِيّ، وَأَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، وَعِدَّةٌ.
وَأَجَازَ:لأَبِي مَنْصُوْرٍ بن عفيجَة.
قَالَ السَّمْعَانِيّ:فَقِيْهٌ، مفتٍ، زَاهِدٌ، اخْتَار الخمُوْلَ وَتَرَكَ الشُّهرَةَ، وَكَانَ كَثِيْرَ الذِّكر، تَاركاً لِلتَّكلِيف (2) .
قُلْتُ:جمع وَصَنَّفَ، وَدَعَا إِلَى السّنَة.
قِيْلَ:كَانَ لاَ يَأْتِي الجُمُعَةَ، وَمَا عُلِمَ عُذْرُهُ، وَلاَ رُؤيَ فِي مَسْجِد.
مَاتَ:فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

178 - الشَّقَّانِي أَبُو الفَضْلِ العَبَّاسُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ (3) *
الفَقِيْهُ، المُحَدِّثُ، مفِيدُ نَيْسَابُوْر، أَبُو الفَضْلِ العَبَّاسُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الحسنوِي، النَّيْسَابُوْرِيّ، الشَّقَّانِي، أَحَدُ مَنْ أَفنَى عُمُره فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ، وَطَالَ عُمُرُهُ وَتَفَرَّد.
__________
(1) بسبب صحبته لأبي الحسن بن الزاغوني، شيخ ابن الجوزي كما في " المنتظم ". 1 / 126.
(2) في " الوافي ": 7 / 112: واعتزل عن الناس، فلا يدخل عليه أحد قبل صلاة الظهر، واشتغل بالاذكار والاوراد، ويكون بعد الظهر متفرغا لمن يقرأ عليه الحديث أو الفقه.
(3) ضبطت الشين بالاصل بالفتح، وهو المشهور، والصحيح كسرها كما تقدم في التعليق (3) ص 244.
(*) السياق: الورقة / 73 ب، الأنساب: 7 / 360، معجم البلدان: 3 / 354، المنتخب: الورقة / 118 ب، اللباب: 2 / 202.

(19/279)


سَمِعَ:عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ حَمْدَان النَّصروِي، وَمُحَمَّدَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ المزكِي، وَأَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ الحَارِثِ التَّمِيْمِيّ، وَأَبَا حسَان مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ جَعْفَرٍ، فَمَنْ بَعْدَهُم، وَقَلَّ أَنْ يُوجد جُزْء إِلاَّ وَقَدْ سَمِعَهُ، وَمَا عَلِمْتُ لَهُ رِحْلَةً.
رَوَى عَنْهُ:مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ السِّنْجِيّ، وَعُمَرُ أَبُو شُجَاعٍ البِسْطَامِي، وَعبدُ الرَّحِيْم بن الاخوَة، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ:فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَهُوَ فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ - فِيمَا أُرَى - وَكَانَ وَالِدُهُ أَبُو العَبَّاسِ مِنْ عُلَمَاء وَقته، وَلَهُ وَلدَان:أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّد، وَأَحْمَدُ؛يَرويَان الحَدِيْثَ.

179 - القُشَيْرِيّ أَبُو مُحَمَّدٍ الفَضْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، المَأْمُوْنُ، أَبُو مُحَمَّدٍ الفَضْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ بن مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَهْدِيٍّ القُشَيْرِيّ، النَّيْسَابُوْرِيّ، المُعَدَّل، الصُّوْفِيّ.
سَمِعَ:العَلاَّمَة عبدَ القَاهِر البَغْدَادِيّ، وَعبدَ الرَّحْمَن بن حَمْدَان النَّصروِي، وَأَبَا حسَان المُزَكِّي، وَعبدَ الغَافِر الفَارِسِيّ، وَهُوَ أَخُو عُبيد القُشَيْرِيّ.
حَدَّثَ بِبَغْدَادَ لَمَّا حَجَّ، فَرَوَى عَنْهُ أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ السَّلاَم الكَاتِب، وَغَيْرهُ.
تُوُفِّيَ:فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْس مائَة، وَلَهُ سِتٌّ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، وَكَانَ خَيِّراً فَاضِلاً، حَسنَ السَّمتِ، مِنْ شُهُودِ نَيْسَابُوْر الكِبَار.
__________
(*) تاريخ الإسلام: 4 / 179، العبر: 4 / 11، شذرات الذهب: 4 / 14.

(19/280)


180 - الأَنْبَارِيّ أَبُو مَنْصُوْرٍ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ *
كَبِيْرُ الوُعَّاظ، الإِمَامُ، المُقْرِئُ، أَبُو مَنْصُوْرٍ عَلِيّ بن مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الأَنْبَارِيّ، ثُمَّ البَغْدَادِيّ.
تَلاَ بِالرِّوَايَات عَلَى أَبِي عَلِيٍّ الشرمقَانِي، وَأَظُنُّهُ آخِرَ أَصْحَابه.
وَسَمِعَ مِنِ:ابْنِ غَيْلاَنَ، وَأَبِي إِسْحَاقَ البَرْمَكِيّ، وَجَمَاعَة.
وَتَفَقَّهَ عَلَى أَبِي يَعْلَى حَتَّى بَرَعَ فِي مَذْهَب أَحْمَد، وَكَانَ دَيِّناً صَالِحاً، عذبَ الأَلْفَاظ، طَيِّبَ التِّلاَوَة، مِنْ أَعْيَانِ العُلَمَاء، أَفْتَى، وَدرَّس، وَوعظ بِجَامِع القَصْر، وَجَامِع المَنْصُوْر، وَجَامِعِ المهدِي، وَسَمِعَ الكَثِيْرَ، وَنسخ الأَجزَاءَ.
رَوَى عَنْهُ:أَبُو البَرَكَات بن السَّقَطِيّ، وَعبدُ الخَالِق اليُوسُفِي، وَأَبُو طَالِبٍ بنُ خَضِيرٌ، وَآخَرُوْنَ.
مَوْلِدُهُ:فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَمَاتَ:فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَة سَبْعٍ وَخَمْس مائَة، وَشيَّعَهُ الخلقُ، وَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى (1) - .
وَمَا أَسْتحضر أَحَداً قرَأَ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَات.
__________
(*) طبقات الحنابلة: 2 / 257 - 258، المنتظم: 9 / 176، تاريخ الإسلام: 4 / 182، ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 110 - 111، المنهج الاحمد 2 / 229، شذرات الذهب: 4 / 17 - 18.
(1) قال أبو الحسين صاحب الطبقات: 2 / 258: وصليت عليه إماما بجامع المنصور في المقصورة، وشيعته إلى مقبرة إمامنا أحمد رحمة الله عليه. قال: وحدث عن الوالد بكثير من سماعاته ومصنفاته.

(19/281)


181 - السَّقَطِيُّ أَبُو البَرَكَات هِبَةُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ بنِ مُوْسَى *
الشَّيْخُ، المُحَدِّثُ، مفِيدُ بَغْدَاد، أَبُو البَرَكَات هِبَةُ اللهِ بن المُبَارَكِ بن مُوْسَى البَغْدَادِيّ، السَّقَطِيّ صَاحِب(المُعْجَم)الضَّخْم (1) .
كتب عَمَّنْ دَبَّ وَدَرَجَ وَخَرَّجَ وَجَمَعَ وَتَنَبَّه، لَكنَّه ضَعِيْف، قَلِيْلُ الإِتْقَان.
سَمِعَ:القَاضِي أَبَا يَعْلَى، وَأَبَا الحُسَيْنِ بن الْمُهْتَدي بِاللهِ، وَعبدَ الصَّمد بن المَأْمُوْن، وَأَبَا جَعْفَرٍ بن المُسْلِمَة، وَمُحَمَّدَ بنَ عَلِيِّ بنِ الدَّجَاجِي، وَجَابِرَ بن يَاسينَ، وَأَبَا بَكْرٍ الخَطِيْب، وَهنَاداً النَّسفِي، فَمَنْ بَعْدهُم.
وَرَحَلَ إِلَى أَصْبَهَانَ وَالكُوْفَةِ وَالبَصْرَةِ وَالمَوْصِل وَالجِبَال، وَبَالَغَ وَبحث عَنِ الشُّيُوْخ حَتَّى كتب عَمَّنْ هُوَ دُوْنَهُ.
رَوَى عَنْهُ:وَلَدُهُ وَجيه، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي، وَالشَّيْخُ عَبْد القَادِر، وَالمُبَارَكُ بنُ كَامِلٍ، وَالسِّلَفِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار:أَخْبَرْنَا ابْنُ رَوَاج، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ السَّقَطِيّ بِوَاسِط، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى...، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
وَلَهُ نَظْمٌ جَيِّد.
__________
(*) الأنساب: 7 / 92، المنتظم: 9 / 183، الكامل: 10 / 515، تاريخ الإسلام: 4 / 195، العبر: 4 / 19، المستفاد: 249 - 250، ميزان الاعتدال: 4 / 292، الوافي بالوفيات (خ): 27 / 130 - 131، البداية والنهاية: 12 / 179، ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 114، لسان الميزان: 6 / 189 - 190، كشف الظنون: 1735، شذرات الذهب: 4 / 26، إيضاح المكنون: 2 / 109.
(1) قال ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 114: هو في نحو ثمانية أجزاء ضخمة، وجمع تاريخا لبغداد ذيل به على تاريخ الخطيب.

(19/282)


قَالَ السِّلَفِيّ:سَأَلتُ هِبَةَ اللهِ بن السَّقَطِيّ عَنْ مَوْلِده، فَقَالَ:سَنَة خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، سَمِعَ كَثِيْراً، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الحِفْظ وَالمَعْرِفَة، وَشعره حسن، رَأَيْتهُ بِأَصْبَهَانَ لَمَّا قَدِمَ مَعَ رزق الله يَقرَأُ عَلَيْهِ الحَدِيْثَ.
قَالَ ابْنُ فولاَذ:ذَاكرتُ شُجَاعاً الذُّهْلِيّ برِوَايَة السَّقَطِيّ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، فَقَالَ:مَا سَمِعْنَا بِهَذَا قَطُّ، وَضَعَّفه فِيْهِ جِدّاً (1) .
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ:سَأَلْتُ ابْنَ نَاصر عَنِ السَّقَطِيّ:أَكَانَ ثِقَةً؟
قَالَ:لاَ وَاللهِ، ظهر كذبُهُ (2) ، وَهُوَ مِنْ سَقَطِ المَتَاع.
مَاتَ:سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِ مائَة.

182 - الأَبِيوَرْدِيُّ أَبُو المُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ *
الأُسْتَاذُ، العَلاَّمَةُ، الأَكملُ، أَبُو المُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي العَبَّاسِ أَحْمَد بن
__________
(1) في المنتظم: 9 / 183: وكان فيه فضل ومعرفة وأنس بالحديث، فجمع الشيوخ، وخرج التاريخ، وأرخ، ولكنه أفسد ذلك بأن ادعى سماعا ممن لم يره، منهم أبو محمد الجوهري، فإنه لا يحتمل سنه السماع منه، وفي تاريخ ابن النجار كما في " اللسان " 6 / 190: ورأيت بخط السلفي جزءا سمعه من هذا الرجل مفتعلا وأسانيده مركبة، ولم أجد فيه إسنادا صحيحا بل كله ظاهر الصنعة، وقال ابن رجب في ذيل الطبقات: 1 / 114: كتب عن أصحاب الدارقطني، وابن شاهين، والمخلص، وابن حبابة، والحربي، وطبقتهم، ومن دونهم، حتى كتب عن أقرانه ومن دونه، وزاد به الشره في هذا الامر حتى ادعى السماع من شيوخ لم يسمع منهم، ولا يحتمل سنه السماع منهم كأبي محمد الجوهري وغيره.
(2) وفي المنتظم: 9 / 183: وسئل شيخنا ابن ناصر عنه، فقالوا: أثقة هو ؟ فقال: لا والله حدث بواسط عن شيوخ لم يرهم، فظهر كذبه عندهم.
(*) الأنساب: 535، المنتظم: 9 / 176، معجم الأدباء: 17 / 234 - 266، معجم البلدان: 1 / 86، اللباب: 3 / 230، الكامل في التاريخ: 10 / 500، إنباه الرواة: 3 / 49 - 52، وفيات الأعيان: 4 / 444 - 449، تاريخ أبي الفداء: 2 / 227، تاريخ الإسلام: 4 / 182، العبر: 4 / 14، تذكرة الحفاظ: 4 / 1241، تتمة المختصر: 2 / 37، الوافي بالوفيات: 2 / 91 - 93، عيون التواريخ: 13 / 288 - 294، مرآة الزمان: 8 / 29 - 30، مرآة الجنان: 3 / 196، طبقات السبكي: 6 / 81 - 84، البداية والنهاية: 12 / 176، طبقات ابن قاضي شهبة: 14 - 16، النجوم الزاهرة: =

(19/283)


مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ بن مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ بن الحَسَنِ بنِ مَنْصُوْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عُثْمَانَ بنِ عَنْبَسَةَ بنِ عُتْبَةَ بنِ عُثْمَانَ بنِ عَنْبَسَةَ بن أَبِي سُفْيَانَ بن حَرْب بن أُمَيَّةَ الأُمَوِيّ، العَنبسِي، المُعَاوِيّ، الأَبِيوَرْدي (1) ، اللُّغَوِيّ، شَاعِرُ وَقته، وَصَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، فَالوَاسِطَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي سُفْيَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَباً.
سَمِعَ:إِسْمَاعِيْل بنَ مَسْعَدَةَ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ خَلَفٍ الشِّيرَازِي، وَمَالِكَ بنَ أَحْمَدَ البَانِيَاسِيّ، وَأَخَذَ العَرَبِيَّةَ عَنْ عبدِ القَاهِر الجُرْجَانِيّ.
رَوَى عَنْهُ:ابْنُ طَاهِر المَقْدِسِيّ، وَأَبُو الفُتُوْح الطَّائِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَنْدَه:سُئِلَ الأَدِيْب أَبُو المُظَفَّرِ عَنْ أَحَادِيْثِ الصِّفَات، فَقَالَ:تُقَرُّ وَتُمَرُّ.
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ:صَنّف كِتَاب(الْمُخْتَلف)، وَكِتَاب(طَبَقَات العِلْم)، وَكِتَاب(أَنسَاب الْعَرَب)، وَلَهُ فِي اللُّغَة مُصَنَّفَات مَا سُبِقَ إِلَيْهَا.
قُلْتُ:(دِيْوَانُهُ)كَبِيْر (2) ، وَهُوَ أَقسَام:العِرَاقيَات، وَالنّجديَات، وَالوجديَات، وَعَمِلَ(تَارِيخاً)لأَبِيوَرْد.
__________
= 5 / 206 - 207، بغية الوعاة: 1 / 40 - 41، كشف الظنون: 397 - 945، شذرات الذهب: 4 / 18 - 20، الفلاكة والمفلوكين: 66، روضات الجنات: 185، هدية العارفين: 2 / 81 - 82، أعيان الشيعة: 43 / 261 - 262.
(1) بفتح أوله وكسر ثانيه وياء ساكنة، وفتح الواو، وسكون الراء، ودال مهملة نسبة إلى أبيورد، ويقال لها: أبا ورد، وباورد، وهي من بلاد خراسان بين سرخس ونسا، وقد فتحها المسلمون سنة 31 ه بقيادة عبد الله بن عامر بن كريز، ويقال: الاحنف بن قيس.
(2) وقد نشره مجمع اللغة العربية بدمشق في مجلدين بتحقيق الدكتور عمر الاسعد سنة 1974.

(19/284)


قَالَ السَّمْعَانِيّ:سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِد يَقُوْلُوْنَ:كَانَ الأَبِيوَرْدِي يَقُوْلُ فِي صَلاَتِهِ:اللَّهُمَّ ملِّكْنِي مشَارق الأَرْض وَمَغَارِبَهَا.
قُلْتُ:هُوَ ريَّان مِنَ العُلُوْم، مَوْصُوْفٌ بِالدّين وَالوَرَع، إِلاَّ أَنَّهُ تيَّاهُ، مُعْجَبٌ بِنَفْسِهِ، قَدْ قَتَلَهُ حُبُّ السُّؤْدُدِ، وَكَانَ جَمِيْلاً لبَّاساً لَهُ هيئَة وَرُوَاء، وَكَانَ يَفتخِرُ، وَيَكْتُب اسْمَه:العبشمِي المُعَاوِيّ.
يُقَالُ:إِنَّهُ كتب رُقعَة إِلَى الخَلِيْفَة المُسْتظهِر بِاللهِ، وَكَتَبَ:المَمْلُوْكُ المُعَاوِيّ (1) ، فَحكَّ المُسْتظهر المِيم، فَصَارَ العَاوِي، وَردَّ الرُّقعَة إِلَيْهِ.
قَالَ حَمَّادٌ الحَرَّانِيّ:سَمِعْتُ السِّلَفِيّ يَقُوْلُ:
كَانَ الأَبِيْوَرْدِي - وَاللهِ - مِنْ أَهْلِ الدّين وَالخَيْرِ وَالصَّلاَحِ وَالثِّقَة، قَالَ لِي:وَاللهِ مَا نمتُ فِي بَيْت فِيْهِ كِتَابُ اللهِ، وَلاَ حَدِيْثُ رَسُوْل اللهِ احترَاماً لَهُمَا أَنْ يَبْدُوَ مِنِّي شَيْءٌ لاَ يَجُوْز.
أَنشدنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ الفَقِيْه، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَنشدنَا الأَبِيوَرْدِي لِنَفْسِهِ:
وَشَادِنٍ زَارَنِي عَلَى عَجَلٍ ... كَالبَدْرِ فِي صَفْحَةِ الدُّجَى لَمَعَا
فَلَمْ أَزَلْ مُوْهِناً أُحَدِّثُهُ ... وَالبَدْرُ يُصْغِي إِلَيَّ مُسْتَمِعَا
وَصَلْتُ خَدِّي بِخَدِّهِ شَغَفاً ... حَتَّى التَقَى الرَّوْضُ وَالغَدِيْرُ مَعَا (2)
قَالَ عَبْدُ الغَافِرِ فِي(السِّيَاقِ):فَخْرُ العربِ أَبُو المُظَفَّرِ الأَبِيوَرْدِي الكُوفَنِي (3) ، الرَّئِيْسُ الأَدِيْبُ، الكَاتِب النَسَّابَةُ، مِنْ مَفَاخر الْعَصْر،
__________
(1) نسبة إلى معاوية الاصغر المقدم ذكره في عمود نسبه، وهو معاوية بن محمد بن عثمان بن عنبسة بن عتبة بن عثمان بن عنبسة بن أبي سفيان.
(2) لم ترد هذه الابيات في ديوانه المطبوع.
(3) نسبة إلى كوفن: بليدة صغيرة على ستة فراسخ من أبيورد بخراسان بناها أمير خراسان عبد الله بن طاهر بن الحسين في خلافة المأمون، وهي مسقط رأس أبي المظفر ومنشؤوه.

(19/285)


وَأَفَاضِلِ الدَّهْر، لَهُ الفَضَائِلُ الرَّائِقَة، وَالفُصولُ الفَائِقَة، وَالتَّصَانِيْفُ المُعجزَة، وَالتَّوَالِيفُ المُعجِبَة، وَالنَّظْمُ الَّذِي نَسخَ أَشعَارَ المُحْدَثِيْنَ، وَنسجَ فِيْهِ عَلَى مِنوَال المعرِي، وَمَنْ فَوْقَه مِنَ المفلقين (1) ، رَأَيْتُهُ شَابّاً قَامَ فِي درسِ إِمَام الحَرَمَيْنِ مرَاراً، وَأَنشَأَ فِيْهِ قصَائِد كباراً، يَلْفِظُهَا كَمَا يَشَاء زَبَداً مِنْ بَحر خَاطِره كَمَا نشَاء، مُيَسَّرٌ لهُ الإِنشَاء، طَوِيْلُ النَفْس، كَثِيْرُ الحِفْظِ، يَلتَفِتُ فِي أَثْنَاء كلاَمه إِلَى الفِقَرِ وَالوقَائِع، وَالاستنباطَات الغرِيبَة، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى العِرَاقِ، وَأَقَامَ مُدَّةً يَجْذِبُ فَضلَه بِضَبْعِهِ، وَيَشتهر بَيْنَ الأَفَاضِل كَمَالُ فَضله، وَمتَانَةُ طبعه، حَتَّى ظهر أَمرُه، وَعلاَ قدرُه، وَحصل لَهُ مِنَ السُّلْطَان مَكَانَةٌ وَنعمَة، ثُمَّ كَانَ يَرْشُحُ مِنْ كلاَمه نوعُ تَشبُّثٍ بِالخِلاَفَةِ، وَدعوَةٌ إِلَى اتِّبَاع فَضلِه، وَادَّعَاء اسْتحقَاقِ الإِمَامَة، تبيضُ وَسَاوسُ الشَّيْطَانِ فِي رَأْسِهِ وَتُفَرِّخُ، وَتَرفَعُ الكِبْرَ بِأَنفِهِ وَتَشْمَخُ، فَاضطره الحَالُ إِلَى مُفَارَقَةِ بَغْدَادَ، وَرَجَعَ إِلَى هَمَذَانَ، فَأَقَامَ بِهَا يُدَرِّسُ وَيُفِيدُ، وَيُصَنِّفُ مُدَّة.
وَمِنْ شِعْرِهِ:
وَهيفَاءَ لاَ أُصْغِي إِلَى مَنْ يَلُوْمُنِي ... عَلَيْهَا وَيُغْرِينِي بِهَا أَنْ يَعِيبَهَا (2)
أَمِيْلُ بِإِحْدَى مُقْلَتَيَّ إِذَا بَدَتْ ... إِلَيْهَا وَبَالأُخْرَى أُرَاعِي رَقِيْبَهَا
وَقَدْ غَفَلَ الوَاشِي فَلَمْ يَدْرِ أَنَّنِي ... أَخَذْتُ لِعَيْنِي مِنْ سُلَيْمَى نَصِيْبَهَا (3)
وَلَهُ:
أَكَوْكَبٌ مَا أَرَى يَا سَعْدُ أُمْ نَارُ ... تَشُبُّهَا سَهْلَةُ الخَدَّيْنِ مِعْطَارُ
بَيْضَاءُ إِنْ نَطَقَتْ فِي الحيِّ أَوْ نَظَرَتْ ... تَقَاسَمَ الشَّمْسَ أَسْمَاعٌ وَأَبْصَارُ
__________
(1) أي: من المجيدين، من أفلق في الامر إذا كان حاذقا به.
(2) في " وفيات الأعيان ": أعيبها.
(3) ديوانه: 2 / 193، ووفيات الأعيان: 4 / 446، وعيون التواريخ: 13 / 146 / 1.

(19/286)


وَالرَّكْبُ يَسرُوْنَ وَالظَّلْمَاء رَاكِدَةٌ ... كَأَنَّهُم فِي ضَمِيْرِ اللَّيْلِ أَسرَارُ
فَأَسرَعُوا وَطُلا الأَعْنَاقِ مَائِلَةٌ ... حَيْثُ الوَسَائِدُ لِلنُّوَّامِ أَكْوَارُ (1)
وَلَهُ:
تَنَكَّرَ لِي دَهْرِي وَلَمْ يَدْرِ أَنَّنِي ... أَعِزُّ وَأَحْدَاثُ الزَّمَانِ تَهُونُ
فَبَاتَ يُرِينِي الخَطْبَ كَيْفَ اعتِدَاؤُهُ ... وَبِتُّ أُرِيهِ الصَّبْرَ كَيْفَ يَكُوْنُ (2)
وَلَهُ:
نَزَلْنَا بِنُعْمَانِ الأَرَاكِ وَلِلنَّدَى ... سَقِيْطٌ بِهِ ابْتَلَتْ عَلَيْنَا المَطَارِفُ
فَبِتُّ أُعَانِي الوَجْدَ وَالرَّكْبُ نُوَّمٌ ... وَقَدْ أَخَذَتْ مِنَّا السُّرَى وَالتَّنَائِفُ
وَأَذْكُرُ خُوْداً إِنْ دَعَانِي عَلَى النَّوَى ... هَوَاهَا أَجَابَتْهُ الدُّمُوعُ الذَّوَارِفُ
لَهَا فِي مَغَانِي ذَلِكَ الشِّعْبِ مَنْزِلٌ ... لَئِنْ أَنْكَرَتْهُ العَيْنُ فَالقَلْبُ عَارِفُ (3)
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ الحَافِظُ:أَنشدنَا أَبُو المُظَفَّرِ الأَبِيوَرْدِي لنَفسِهِ:
يَا مَنْ يُسَاجِلُنِي وَلَيْسَ بِمُدْرِكٍ ... شَأوِي وَأَيْنَ لَهُ جَلاَلَةُ مَنْصِبِي
لاَ تَتْعَبَنَّ فَدُوْنَ مَا حَاوَلْتَه ... خَرْطُ القَتَادَةِ وَامْتِطَاءُ الكَوْكَبِ
وَالمَجْدُ يَعْلَمُ أَيُّنَا خَيْرٌ (4) أَباً ... فَاسْأَلْهُ تَعْلَمْ (5) أَيُّ ذِي حَسَبٍ أَبِي
__________
(1) لم ترد الابيات في ديوانه.
(2) ديوانه: 2 / 55، ومعجم الأدباء: 17 / 246، ووفيات الأعيان: 4 / 446، والوافي بالوفيات: 2 / 92، وعيون التواريخ: 13 / 146 / 1، ومرآة الزمان: 8 / 49، والمنتظم: 9 / 177، والنجوم الزاهرة: 5 / 207، وطبقات السبكي: 6 / 83، والبداية والنهاية: 12 / 176.
(3) وفيات الأعيان: 4 / 447، وعيون التواريخ: 13 / 146 / 2، وهي من نجدياته، ولم ترد في الديوان.
(4) في الأصل خيرا وهو خطأ، والتصويب من الديوان، والطبقات.
(5) في الأصل " يعلم " والمثبت من الديوان والطبقات.

(19/287)


جَدِّي مُعَاوِيَةُ الأَغَرُّ سَمَتْ بِهِ ... جُرْثُوْمَةٌ مِنْ طِيْنِهَا خُلِقَ النَّبِي
وَرّثتُه (1) شرفاً رَفَعْتُ مَنَارَه ... فَبَنُو أُمَيَّةَ يَفخرُوْنَ بِهِ وَبِي (2)
أَنشدنِي عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَنشدنَا الأَبِيوَرْدِيُّ لِنَفْسِهِ:
مَنْ رَأَى أَشْبَاحَ تِبْرٍ ... حُشِيَتْ رِيقَةَ نَحْلَهْ (3)
فَجَمَعْنَاهَا بُدُوراً ... وَقَطَعْنَاهَا أَهِلَّهْ
تُوُفِّيَ الأَبِيوَرْدِي:بِأَصْبَهَانَ مَسْمُوْماً، فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْس مائَة كَهْلاً.
قَالَ قَاضِي القُضَاة عبد الوَاحِد بن أَحْمَدَ الثَّقَفِيّ:أَنشدنَا الأَبِيوَرْدِي:
لَمْ يُبْقِ مِنِّي الحُبُّ غَيْرَ حُشَاشَةٍ ... تَشْكُو الصَّبَابَةَ فَاذْهَبِي بِالبَاقِي
أَيَبِلُّ مَنْ جَلَبَ السَّقَامَ طَبِيْبُهُ ... وَيَفِيْقُ مَنْ سَحَرَتْهُ عَيْنُ الرَّاقِي
إِنْ كَانَ طَرْفُكِ ذَاقَ رِيْقَكَ فَالَّذِي ... أَلْقَى مِنَ المَسْقِيِّ فِعْلُ السَّاقِي
نَفْسِي فِدَاؤُكَ مِنْ ظَلُوْمٍ أُعْطِيَتْ ... رِقَّ القُلُوبِ وَطَاعَةَ الأَحْدَاقِ (4)
__________
(1) في الديوان ومعجم الأدباء وطبقات السبكي: وورثته.
(2) ديوانه: 2 / 152، ومعجم الأدباء: 17 / 262، وطبقات السبكي: 6 / 83.
(3) لم ترد في ديوانه.
(4) معجم الأدباء: 17 / 241، ولم ترد في ديوانه.
ولأبي المظفر قصيدة رائعة يصف فيها ما حل بالمسلمين من قتل وأسر وتشريد وذل وهوان على أيدي الصليبيين الذين احتلوا من بلاد لشام القدس وغيرها، ويستنهض همم الامراء الذين رضوا بالهوان، وتوانوا عن نصرة رعاياهم، ومنابذة عدوهم، واسترداد ما سلب من ديارهم يقول فيها:
مزجنا دماء بالدموع السواجم * فلم يبق منا عرضة للمراحم
وشرح سلاح المرء دمع يفيضه * إذا الحرب شبت نارها بالصوارم =

(19/288)


وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ طَاهِر، فَلَمْ يُتقن نسبه، وَقَالَ:كَانَ أَوحدَ أَهْلِ زَمَانِهِ فِي عُلُوْمٍ عِدَّةٍ.
وَقَدْ عَمِلَ السِّلَفِيّ لَهُ سِيرَةً وَطوَّل، وَقَالَ:كَانَ فِي زَمَانِهِ دُرَّةَ وِشَاحِهِ، وَغُرَّةَ أَوضَاحِهِ، وَمَالِكَ رِقِّ المَعَانِي، فَلِلَّه دَرُّهُ حِيْنَ يَتنَاثرُ مِنْ فِيْهِ دُرُّهُ.
فِي كُلِّ مَعْنَىً يَكَادُ المَيْتُ يَفْهَمُهُ ... حُسْناً وَيَعْبُدُهُ القِرْطَاسُ وَالقَلَمُ
هَذَا مَعَ مَا تَجَمَّع فِيْهِ مِنَ الخَلاَّل الرَّضِيَّةِ، وَالخِصَالِ المرضيَّةِ، كَالتَّبَحُّرِ فِي اللُّغَةِ، وَالتَّقَدُّم فِي النَّحْوِ، وَالمَعْرِفَةِ برِجَالِ الحَدِيْث وَالأَنسَابِ، وَنزَاهَةِ النَفْس، وَالمُوَاظبَةِ عَلَى الشَّرعِ، وَالتَّوَاضعِ الزَّائِد لِلزَّاهِدين، وَالصَّلَفِ التَّام عَلَى أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، وَكَانَ نَادِرَةً فِي أَنسَابِ العربِ قَاطبَةً، كَأَنَّهُ
__________
= فإيها بني الإسلام إن وراءكم * وقائع يلحقن الذرى بالمناسم
أتهويمة في ظل أمن وغبطة * وعيش كنوار الخميلة ناعم
وكيف تنام العين ملء جفونها * على هفوات أيقظت كل نائم
وإخوانكم بالشام يضحي مقيلهم * ظهور المذاكي أو بطون القشاعم
تسومهم الروم الهوان وأنتم * تجرون ذيل الخفض فعل المسالم
وكم من دماء قد أبيحت ومن دمى * تواري حياء حسنها بالمعاصم
بحيث السيوف البيض محمرة الظبى * وسمر العوالي داميات اللهاذم
وبين اختلاس الطعن والضرب وقفة * تظل لها الولدان شيب القوادم
وتلك حروب من يغب عن غمارها * ليسلم يقرع بعدها سن نادم
أرى أمتي لا يشرعون إلى العدى * رماحهم والدين واهي الدعائم
ويجتنبون النار خوفا من الردى * ولا يحسبون العار ضربة لازم
أترضى صناديد الاعاريب بالاذى * ويغضي على ذل كماة الاعاجم
فليتهم إذ لم يذودوا حمية * عن الدين ضنوا غيرة بالمحارم
وإن زهدوا في الاجر إذ حمس الوغى * فهلا أتوه رغبة في الغنائم
لئن أذعنت تلك الخياشيم للبرى * فلا عطسوا إلا بأجدع راغم
انظر الديوان: 2 / 156 - 157.

(19/289)


يَغْرِفُ مِنْ بَحرٍ، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ:مَا دَخَلتُ بَلَداً يُرْوَى فِيْهِ الحَدِيْث إِلاَّ بدَأَتُ بِسمَاعِ شَيْءٍ مِنْهُ قَبْل التَّصدِّي لِشُؤونِي، وَحَفِظتُ كِتَاب(البلغَة)فِي اللُّغَة وَأَنَا صَبِيّ، وَمَا مَقَلْتُ (1) لغوياً قَطُّ، وَأَمَّا النَّحْو، فَعبدُ القَاهِر (2) ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ.
وَحَكَى لِي الشَّرِيْفُ أَبُو البَقَاءِ خطيبُ جَامِعِ السُّلْطَان قَالَ:كَانَ أَبُو المُظَفَّرِ يُطَالع الرّقعَةَ الطَّوِيْلَة مرَّةً وَاحِدَة، وَيُعيدهَا حِفْظاً.
قَالَ:وَمِمَّنْ كَانَ يُبَالِغُ فِي مَدحه أَبُو نَصْرٍ بنُ أَبِي حَفْصٍ، وَأَبُو إِسْمَاعِيْلَ الأَثعل الأَصْبَهَانِيَّانِ كَاتِبَا الْعَصْر، وَبَلَغَنِي وَأَنَا بِسَلْمَاسَ أَنَّهُ فُوِّض إِلَيْهِ إِشْرَاف المَمَالِك، وَأُحضِرَ عِنْد السُّلْطَان مُحَمَّد بن مَلِكْشَاه لِلشخصيَة (3) وَهُوَ عَلَى سرِيرِ المُلكِ، فَارْتَعَدَ مِنْهُ وَوَقَعَ، وَرُفِعَ ميتاً (4) .
قَالَ شِيْرَوَيْه:سَمِعَ الأَبِيوَرْدِي مِنْ:إِسْمَاعِيْلَ بنِ مَسْعَدَةَ، وَعبدِ القَاهِر الجُرْجَانِيّ، وَأَبِي الفَتْحِ الشيرَازِي بِالرَّيِّ، وَعَاصِمِ بنِ الحَسَنِ...، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَكَانَ مِنْ أَفرَادِ الوَقْتِ الَّذِيْنَ ملكُوا القُلوبَ بِفَضلِهِم، وَعَمَرُوا الصُّدُوْر بودِّهم مُتعصِّباً لِلسُّنَّة وَأَهْلِهَا، وَلَهُ تَصَانِيْفُ كَثِيْرَة، أَلَّف(تَارِيخَ أَبِيْوَرْدَ وَنَسَا)
__________
(1) في " اللسان " عن اللحياني: ما مقلت عيني مثله مقلا، أي: ما أبصرت ولا نظرت.
(2) هو الجرجاني صاحب " دلائل الاعجاز "، و" أسرار البلاغة "، و" شرح الايضاح " لأبي علي الفارسي.
(3) في طبقات السبكي: 6 / 83: لتشخيصه، وفي " اللسان ": وشخص به: أتى إليه أمر يقلقه، فيقال للرجل إذا أتاه ما يقلقه: قد شخص به كأنه رفع من الأرض لقلقه وانزعاجه، ومنه: شخوص المسافر: خروجه عن منزله.
(4) في " معجم الأدباء ": 17 / 238 نقلا عن العماد الأصبهاني في خريدة القصر: أنه تولى في آخر عمره أشراف مملكة السلطان محمد بن ملكشاه، فسقوه السم وهو واقف عند سرير السلطان، فخانته رجلاه، فسقط وحمل إلى منزله...

(19/290)


وَ(الْمُخْتَلف وَالمُؤتلف)وَ(طَبَقَات العُلَمَاء فِي كُلِّ فَن)وَ(مَا اخْتلف وَائِتلف مِنْ أَنسَاب العربِ)، وَلَهُ فِي النَّحْوِ وَاللُّغَة مُصَنَّفَات مَا سُبِقَ إِلَيْهَا، حسنَ السِّيْرَةِ، خَفِيفَ الرّوح، مُتَوَاضِعاً، طِرَازاً لأَهْل الْبَلَد.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الهَمَذَانِيّ:قَدِمَ بَغْدَاد سَنَة ثَمَانِيْنَ، وَلاَزَمَ خزَانَة الكُتُب النّظَامِيَّة، وَكَانَ مِنَ الذّكَاء عَلَى وَصفٍ عَجِيبٍ، كَانَ يَسْمَعُ القصيدَةَ الطَّوِيْلَة فِي نَوْبَةٍ، فَيرويهَا، وَيَتصفَّحُ الكِتَاب مرَّة، فيذكُرُ فَوَائِدَه وَيَحْكِيهَا، كَانَ يُعَابُ بِإِعجَابه بِنَفْسِهِ، وَكَانَ عَفِيْفاً متصوناً، أَكْثَر مِنْ مدَائِح الوَزِيْر أَبِي مَنْصُوْرٍ بن جَهير، فَصَادف مِنْهُ رِفداً جَلِيْلاً، ثُمَّ هَجَاهُ فِي هوَى مُؤيدِ الْملك بن النّظَام، فَسعَى ابْنُ جَهير إِلَى الخَلِيْفَة بِأَنَّهُ قَدْ هجَاك، وَمدح صَاحِبَ مِصْرَ فَأُبيح دَمُهُ، فَهَرَبَ إِلَى هَمَذَان، وَاختلق هَذَا النسبَ حَتَّى ذهب عَنْهُ اسمُ صَاحِب مِصْر، وَيُقَالُ:إِنَّ الْخَطِير الوَزِيْر سَمَّه، فَمَاتَ فَجْأَةً.
قَالَ ابْنُ الخَشَّاب:قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الرَّحِيْمِ بن الاخوَة ثَلاَثَةَ أَجزَاء مِنْ أَوّل كِتَاب(زَادَ الرِّفَاقِ)لِلأَبِيوَرْدِي، وَهَذَا الكِتَاب - نَعَمْ وَاللهِ - بَارِدُ الْوَضع، مَشُوبٌ أَدبُه بِفُضُولٍ مِنْ عُلُوْمٍ لاَ تُعدُّ فِي الفَضْلِ، دَالَة عَلَى أَنَّ الأَبِيوَرْدِي كَانَ مُمَخْرِقاً مُحِباً لأَنْ يُرَى بِعينِ مُفْتَنٍّ، متشبعاً بِمَا لَمْ يُعْطِ.
وَلأَبِي إِسْمَاعِيْلَ الطُّغْرَائِي (1) يَرْثي الأَبِيوَرْدِي:
إِنْ سَاغَ بَعْدَكَ لِي مَاءٌ عَلَى ظَمَأٍ ... فَلاَ تَجَرَّعْتُ غَيْرَ الصَّابِ وَالصَّبْرِ
أَوْ إِنْ نَظَرْتُ مِنَ الدُّنْيَا إِلَى حَسَنٍ ... مُذْ غِبْتَ عَنِّي فَلاَ مُتِّعْتُ بِالنَّظَرِ
__________
(1) الطغرائي: بضم الطاء المهملة، وسكون الغين المعجمة، وفتح الراء - هذه النسبة إلى من يكتب الطغرى، وهي الطرة التي تكتب في أعلى الكتب فوق البسملة بالقلم الغليظ، ومضمونها نعوت الملك الذي صدر الكتاب عنه، وهي لفظة أعجمية. ابن خلكان: 2 / 190.

(19/291)


صَحِبْتَنِي وَالشَّبَاب الغَضُّ ثُمَّ مَضَى ... كَمَا مَضَيْتَ فَمَا فِي العَيْشِ مِنْ وَطَرِ
هَبْنِي بَلَغْتُ مِنَ الأَعْمَارِ أَطْوَلَهَا ... أَوِ انتَهَيْتُ إِلَى آمَالِيَ الكُبَرِ
فَكَيْفَ لِي بِشَبَابٍ لاَ ارْتجَاعَ لَهُ* ؟ ... أُم أَيْنَ أَنْتَ؟فَمَا لِي عَنْكَ مِنْ خَبَرِ
سَبَقْتُمَانِي وَلَوْ خُيِّرْتُ بَعْدَكُمَا ... لَكُنْتُ أَوَّلَ لَحَّاقٍ عَلَى الأَثَرِ

183 - الأَبِيْوَرْديُّ أَبُو القَاسِمِ الفَضْلُ بنُ مُحَمَّدٍ العَطَّارُ *
الشَّيْخُ، أَبُو القَاسِمِ الفَضْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَبِيوَرْدِي، العَطَّار (1) ، الَّذِي رَوَى(سنَن الدَّارَقُطْنِيّ)بِفَوْتِ جُزْئَين عَنْ أَبِي مَنْصُوْرٍ النَّوْقَانِي عَنِ المُؤلف، وَكَمَّل الجُزْئَينِ عَلَى أَبِي عُثْمَانَ الصَّابونِي (2) عَنْهُ إِجَازَة.
سَمِعَ الكِتَابَ مِنْهُ أَبُو سَعْدٍ الصَّفَّار فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، وَتُوُفِّيَ بَعْد عَامٍ بِنَيْسَابُوْرَ.

184 - الفَضْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ بن مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَهْدِيٍّ **
العَدْلُ، المَأْمُوْنُ، الصَّالِحُ (3) ،
__________
(*) معجم الشيوخ للسمعاني: الورقة / 191 ب - 192 أ، التحبير: 2 / 23 - 25، التقييد: الورقة / 189 ب، تاريخ الإسلام: 4 / 236.
وسيكرر المؤلف ترجمته برقم (296).
(1) قال في " التحبير " 2 / 23: شيخ صالح مشهور، مستور، من المعمرين، جميل الامر، زجى عمره في الخير، وفي طاعة الله تعالى، وكان حانوته مجمع الظرفاء، والمشايخ، وامتد عمره حتى أناف على المئة، وكان كثير العبادة، مشتغلا بما يعنيه، وقد أجاز السمعاني بمعجم أبي القاسم البغوي، والسنن للدارقطني، وغير ذلك من الاجزاء العالية المنثورة، وقد سمع منه والد أبي سعد السمعاني، وقرئ عليه الكثير.
(2) في التقييد: الورقة 189: كان سماع الفضل من أبي منصور النوقاني وأبي عثمان الصابوني في ربيع الأول من سنة 440 ه.
(* *) تاريخ الإسلام: 4 / 179، العبر: 4 / 11، عيون التواريخ: 13 / 281، شذرات الذهب: 4 / 14.
(3) في تاريخ الإسلام: شيخ ثقة مشهور من بيت العدالة والصلاح، كان مبالغا في الاحتياط في الشهادات، ومن أعيان العدول، وكان صوفيا مليحا خيرا.

(19/292)


أَبُو مُحَمَّدٍ القُشَيْرِيّ، النَّيْسَابُوْرِيّ، أَخُو عُبَيْد بن مُحَمَّد.
وُلِدَ:سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنَ:الأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُوْرٍ عَبْد القَاهِرِ البَغْدَادِيّ، وَعبدِ الرَّحْمَن بن حَمْدَان النَّصروِي، وَأَبِي حَسَّانٍ المزكِي، وَعَبْدِ الغَافِرِ بن مُحَمَّدٍ الفَارِسِيّ.
وَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ، حَجَّ، فَرَوَى عَنْهُ أَبُو الفَتْحِ بنُ عَبْد السَّلاَمِ الكَاتِب، وَغَيْرهُ.
مَاتَ:فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْس مائَة.
أَخُوْهُ:

185 - عُبَيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ أَبُو العَلاَءِ القُشَيْرِيُّ *
التَّاجِرُ، الأَمِيْنُ، المُعَمَّرُ، أَبُو العَلاَءِ عُبَيْد بن مُحَمَّدٍ القُشَيْرِيّ.
سَمِعَ:عبدَ القَاهِر بن طَاهِرٍ البَغْدَادِيّ الأُصُوْلِي، وَأَبَا حسَان المُزَكِّي، وَعبدَ الرَّحْمَن بن حَمْدَان، وَأَبَا حَفْصٍ بن مَسْرُوْر، وَسَافَرَ إِلَى المَغْرِب فِي التِّجَارَة، وَأَقَامَ هُنَاكَ مُدَّة، وَحصَّل أَمْوَالاً، ثُمَّ عَادَ إِلَى نَيْسَابُوْرَ (1) ، وَشَاخ، وَلَزِمَ دَارَه، وَكَانَ قَلِيْلَ المُخَالَطَة، وَكَانَ الأَخَ الأَكْبَرَ.
وُلِدَ:سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَصفه عَبْدُ الغَافِرِ بن إِسْمَاعِيْلَ فِي(تَارِيْخِهِ)بِالصِّدْق وَالعدَالَة وَالعِبَادَة، وَصِحَّةِ السَّمَاع، وَالإِنفَاقِ عَلَى الفُقَرَاء، تَصدَّق فِي آخِرِ عُمُرِهِ بِشَيْءٍ كَثِيْر، وَثقل سَمْعُهُ.
رَوَى عَنْهُ:أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ حُضُوْراً بقِرَاءة أَبِيْهِ.
__________
(*) تاريخ الإسلام: 4 / 208، العبر: 4 / 28، شذرات الذهب: 4 / 35.
(1) وكانت غيبته عن نيسابور نيفا وعشرين سنة: " تاريخ المؤلف ": 4 / 208.

(19/293)


قَالَ ابْنُ النَّجَّار:مَاتَ فِي ثَامن عشر شَعْبَان، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، وَعَاشَ خَمْساً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.

186 - شِيْرَوَيْه بنُ شَهْردَارَ بنِ شِيْرَوَيْه بنِ فَنَّاخُسْره بنِ خُسْركَانَ *
المُحَدِّثُ، العَالِمُ، الحَافِظُ، المُؤَرِّخُ، أَبُو شُجَاعٍ الدَّيلمِي، الهَمَذَانِيُّ، مُؤلف كِتَاب(الفِرْدَوْس (1))وَ(تَارِيخ هَمَذَان).
وُلِدَ:سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَطلب هَذَا الشَّأْنَ، وَرَحَلَ فِيْهِ.
سَمِعَ:مُحَمَّدَ بنَ عُثْمَانَ القُوْمَسَانِي، وَيُوْسُفَ بن مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ المُسْتَمْلِي، وَسُفْيَانَ بن الحَسَنِ بنِ مَنْجُويه، وَعبدَ الحمِيد بن الحَسَنِ الفُقَاعِي، وَأَبَا الفَرَجِ عَلِيّ بن مُحَمَّدٍ الجَرَيْرِيّ البَجَلِيّ، وَأَحْمَدَ بنَ عِيْسَى الدِّيْنَوَرِيّ، وَعبدَ البَاقِي بن عَلِيٍّ العَطَّار، وَأَبَا القَاسِمِ بن البُسْرِيِّ، وَأَبَا نَصْرٍ
__________
(*) التقييد: الورقة: 111 / أ، طبقات ابن الصلاح: الورقة / 50 ب، مختصر طبقات علماء الحديث: الورقة / 226، تاريخ الإسلام: 4 / 193، العبر: 4 / 18، تذكرة الحفاظ: 4 / 1259 - 1260، الوافي بالوفيات (خ): 14 / 53، عيون التواريخ: 13 / 325، مرآة الجنان: 3 / 198، طبقات السبكي: 7 / 111 - 112، طبقات الاسنوي: 2 / 104 - 105، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة: 1 / 315، النجوم الزاهرة: 5 / 211، طبقات الحفاظ: 457، كشف الظنون: 1254، شذرات الذهب: 4 / 23 - 24، بستان المحدثين: 61، إيضاح المكنون: 1 / 599.
(1) وهو من جملة الأصول التي تشتمل على الأحاديث الضعيفة، فقد جاء في مقدمة الجامع الكبير للحافظ السيوطي، وهو بصدد بيان رموز الكتب التي يعزو إليها: وللعقيلي في الضعفاء (عق) ولابن عدي في " الكامل " (عد) وللخطيب (خط) فإن كان في تاريخيه أطلقت وإلا بينته، ولابن عساكر في تاريخه (كر) وكل ما عزي لهؤلاء الأربعة أو للحكيم الترمذي في " نوادر الأصول " أو الحاكم في " تاريخه " أو للديلمي في مسند الفردوس، فهو ضعيف، فليستغن بالعزو إليها أو إلى بعضها عن بيان ضعفه.

(19/294)


الزَّيْنَبِيّ، وَأَبَا عَمْرٍو بن مَنْدَه، وَعدداً كَثِيْراً.
حَدَّثَ عَنْهُ:وَلَدُهُ؛شهردَار، وَمُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ العَطَّار، وَأَبُو العَلاَءِ العَطَّار المُقْرِئُ، وَأَبُو العَلاَءِ أَحْمَدُ بن مُحَمَّدِ بنِ الفَضْل، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيّ، وَعِدَّة.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَنْدَه:شَابٌّ كَيِّس حسن، ذكيُّ القَلْب، صُلْبٌ فِي السنةِ، قَلِيْلُ الكَلام.
قُلْتُ:هُوَ متوسطُ الحِفْظ، وَغَيْرُهُ أَبرعُ مِنْهُ وَأَتقن (1) .
مَاتَ:فِي تَاسع عشر رَجَب، سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْس مائَة، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَسِتُّوْنَ سَنَةً.
وَفِيْهَا مَاتَ:أَبُو عُثْمَانَ بن ملَة الوَاعِظ، وَمُحَمَّد بن نَصْرٍ الأَعْمَش، وَخطيبُ صُوْر غَيْث بن عَلِيٍّ الأَرمنَازِي المُحَدِّث (2) ، وَأَبُو يَعْلَى مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الهبارِيَة الشَّاعِر، وَأَبُو البركَات هِبَة اللهِ بن السَّقَطِيّ (3) ، وَقِوَام بن زَيْدٍ البَكْرِيّ الدِّمَشْقِيّ المِزِّيّ.
وَمَاتَ وَلَدُهُ الحَافِظ شهردَار:سَنَة ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَسيَأْتِي.
وَمَاتَ حَفِيْدُهُ شِيْرَوَيْه بن شهردَار:سَنَة سِتّ مائَة، عَنْ ثِنتَينِ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، سَمِعَ مِنْ زَاهِر الشَّحَّامِي(مُسْنَدَ أَبِي يَعْلَى) (4) .
__________
(1) في تاريخ الإسلام: 4 / 193: وهو متوسط المعرفة، وليس بالمتقن.
(2) سترد ترجمته برقم (230).
(3) تقدمت ترجمته برقم (181).
(4) برواية أبي عمرو محمد بن أحمد بن حمدان بن علي بن عبد الله بن سنان الحيري الفقيه، ورواية ابن حمدان هذه مختصرة بخلاف رواية ابن المقرئ عنه التي عند أهل أصبهان فإنها كبيرة جدا كما نبه عليه المؤلف في ترجمة أبي يعلى: 14 / 180.
قلت: وقد اعتمد الهيثمي في " مجمع الزوائد " رواية ابن حمدان المختصرة.

(19/295)


187 - الخَوْلاَنِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ *
الشَّيْخُ، الفَاضِلُ، المُعَمَّر، الصَّادِق، مُسْنِدُ الأَنْدَلُس، أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ غلبُوْنَ الخَوْلاَنِيّ، القُرْطُبِيّ.
مَوْلِدُهُ:فِي سَنَةِ ثَمَان عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَاعْتَنَى بِهِ أَبُوْهُ، وَاسْتجَازَ لَهُ الكِبَارَ، وَسَمَّعَهُ فِي الحدَاثَة.
سَمِعَ مِنْ:أَبِيْهِ الحَافِظ أَبِي عَبْدِ اللهِ كَثِيْراً، وَسَمِعَ(المُوَطَّأ)مِنْ أَبِي عَمْرٍو عُثْمَان بن أَحْمَدَ القيجطَالِي (1) صَاحِب أَبِي عِيْسَى بن عَبْدِ اللهِ اللَّيْثِيّ، وَتَفَرَّد فِي الدُّنْيَا بِعُلوهِ، وَسَمِعَ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ الأَحدب، وَأَبِي مُحَمَّدٍ الشِّنتجَالِي (2) ، وَعَلِيّ بن حَمُّوَيْه الشِّيرَازِي، وَعِدَّة.
وَأَجَازَ لَهُ يُوْنُسُ بن عَبْدِ اللهِ بن مُغِيْث القَاضِي، وَأَبُو عَمْرٍو المَرشَانِي (3) الَّذِي تَفَرَّد بِإِجَازَة أَبِي بَكْرٍ الآجُرِّيّ المجَاور، وَأَبُو عُمَرَ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ الطَّلمنكِي، وَالحَافِظُ أَبُو ذَرٍّ الهَرَوِيُّ المُجَاور، وَمَكِّي بن أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيّ، وَالحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ.
قَالَ ابْنُ بَشْكُوَال:كَانَ شَيْخاً فَاضِلاً، عَفِيْفاً مُنْقَبِضاً، مِنْ بَيْت (4)
__________
(*) الصلة: 1 / 73 - 74، تاريخ الإسلام: 4 / 189، العبر: 4 / 16، عيون التواريخ: 13 / 309 - 310، النجوم الزاهرة: 5 / 209، شذرات الذهب: 4 / 21 - 22.
(1) في " الصلة " 1 / 73: القيشطالي بالشين.
(2) نسبة إلى شنتجالة: في طرف كورة تدمير بالاندلس مما يلي الجوف، ويقال لها أيضا جنجالة. الروض المعطار: 347.
(3) نسبة إلى مرشانة: مدينة بكورة إشبيلية، ومرشانة، أيضا من حصون المرية " الروض المعطار ".
(4) تحرفت في " الصلة " 1 / 74 إلى بيئة.

(19/296)


عِلمٍ وَدين وَفضل، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ كَبِيْرُ عِلْمٍ، أَكْثَر مِنْ رِوَايَته عَنْ هَؤُلاَءِ الجِلَّة، وَكَانَتْ عِنْدَهُ أُصُوْلٌ يَلجَأُ إِلَيْهَا، وَيُعوِّلُ عَلَيْهَا.
قُلْتُ:هُوَ خَالُ أَبِي الحَسَنِ شُرِيح بن مُحَمَّد.
حَدَّثَ عَنْهُ:أَبُو الوَلِيْدِ بنِ الدَّبَّاغِ، وَعَلِيُّ بن الحُسَيْنِ اللوَاتِي، وَجَمَاعَة.
وَأَجَازَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ زرقُوْنَ، وَعُمِّرَ دَهْراً.
تُوُفِّيَ:فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْس مائَة، وَلَهُ تِسْعُوْنَ سَنَةً.

188 - أَبُو طَاهِرٍ اليُوسُفِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ القَادِرِ *
الشَّيْخُ، الأَمِيْنُ، العَدْلُ المُسْنِدُ، أَبُو طَاهِرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ القَادِرِ بن مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ بن مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ البَغْدَادِيّ، البَزَّاز.
سَمِعَ:أَبَا عَلِيٍّ بن المُذْهِب، وَأَبَا إِسْحَاقَ البَرْمَكِيّ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ بِشْرَان، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، وَعِدَّة.
وَحَدَّثَ بِـ(سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيّ)عَنِ ابْنِ بِشرَانَ عَنْهُ.
حَدَّثَ عَنْهُ:ابْنُ نَاصر، وَأَبُو المُعَمَّر الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَالصَّائِن هِبَةُ اللهِ بنُ عَسَاكِرَ، وَأَخُوْهُ الحَافِظُ عبدُ الخَالِق اليُوسُفِي، وَابْنَا أَخِيْهِ عَبْدُ الحَقِّ وَعبدُ الرَّحِيْم ابْنَا عبد الخَالِق، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السِّلَفِيّ:كَانَ مِنْ أَعيَان رُؤسَاء بَغْدَاد.
__________
(*) المنتظم: 9 / 194، تاريخ الإسلام: 4 / 202، العبر: 4 / 24، عيون التواريخ: 13 / 344، النجوم الزاهرة: 5 / 214، شذرات الذهب: 4 / 31.

(19/297)


قُلْتُ:وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَمَاتَ فِي شَوَّال، سَنَة إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الدّين وَالثِّقَة وَالسُّنَّة (1) ، مَاتَ هُوَ وَأَبُو عَلِيٍّ بن نَبْهَانَ المَذْكُور فِي لَيْلَة وَاحِدَة، وَمِنْ مَرْوِيَّاته(سُنَنُ الدَّارَقُطْنِيّ).

189 - ابْنُ صُلَيعَةَ أَبُو مُحَمَّدٍ عُبَيْدُ اللهِ بنُ صُلَيعَةَ *
الأَمِيْرُ، القَاضِي، أَبُو مُحَمَّدٍ عُبَيْد اللهِ بن صُليعَة بن قَاضِي جبلَة، كَانَتْ جَبَلَةُ (2) لِصَاحِب طَرَابُلُس ابْن عَمَّار، فَتعَانَى ابْنُ صُليعَة - وَيُقَالُ:ابْنُ صُليحَة - الفروسيَةَ، وَخَافَ مِنْهُ ابْنُ عَمَّار، فَعصَى بِجَبَلَةَ وَتَمَلَّكَهَا، وَحصَّنهَا إِلَى الغَايَة، وَخَطَبَ لِبَنِي العَبَّاسِ، ثُمَّ حَاصره الفِرَنْجُ، فَأَرْجَفَ (3) بِمجِيْء جَيْش بَرْكيَارُوْق، فَتَرحَّلُوا عَنْهُ، ثُمَّ نَازلُوْهُ، فَشنع بِمجِيْء المصرِيين (4) ، ثُمَّ قَرَّر مَعَ رَعيته النَّصَارَى بِأَنْ يُنَاصِحُوا الفِرَنْج، وَيُوَاعدوهُم إِلَى بُرْجٍ (5) ،
__________
(1) وقال ابن الجوزي في المنتظم: 9 / 194: وكان ثقة حدثنا عنه أشياخنا.
(*) الكامل في التاريخ: 10 / 310 - 312، تتمة المختصر: 2 / 22.
(2) جبلة: بلدة بساحل الشام من أعمال حلب قرب اللاذقية، وكانت حصنا للروم جلوا عنها عند فتح المسلمين حمص، وبنى معاوية بها حصنا خارقا من الحصن الرومي القديم، ولم تزل بأيدي المسلمين إلى سنة 357 ه، ثم استردها الكفار الصليبيون، ولم تزل بأيديهم إلى سنة 473 ه ثم عادت إلى المسلمين، وبقيت في حوزتهم إلى سنة 552 ه، ثم تملكها الصليبيون وبقوا فيها إلى أن استردها الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي سنة 584 ه.
(3) أي أشاع أخبارا كاذبة بأن المسلمين متوجهون لنصرته بقيادة بركياروق ليلقي الرعب في قلوب الفرنج فينصرفوا عنه، وأصل الارجاف: التحريك من الرجفة التي هي الزلزلة، وصفت بها الاخبار الكاذبة لكونها في نفسها متزلزلة غير ثابتة، أو لتزلزل قلوب سامعيها واضطرابها منها، وفي الكامل لابن الأثير: 10 / 310: فأظهر أن السلطان بركياروق قد توجه إلى الشام، وشاع هذا، فرحل الفرنج.
(4) في الكامل: فأظهر أن المصريين قد توجهوا لحربهم، فرحلوا ثانيا ثم عادوا.
(5) تمام الكلام كما في " الكامل ": من أبراج البلد ليسلموه إليهم ويملكوا البلد، فلما أتتهم الرسالة، جهزوا نحو ثلاث مئة رجل من أعيانهم وشجعانهم...

(19/298)


فَانْتدب مِنَ الفِرَنْج مِنْ شُجعَانهُم ثَلاَث مائَة، فَطَالعهُم النَّصَارَى فِي حبَال، وَكُلَّمَا طَلَعَ وَاحِد، قَتله ابْن صُليحَة حَتَّى أَبَادَ الثَّلاَث مائَة، ثُمَّ صَفَّفَ رُؤُوْسَهُم عَلَى الشُّرُفَات، ثُمَّ حَاصَروهُ، وَدَكُّوا برجاً، فَأَصْبَح قَدْ بنَاهُ فِي اللَّيْلِ.
وَكَانَ يَبرز فِي فَوَارسه، وَيَحْمِل عَلَى الفِرَنْج، فَطمعُوا فِيْهِ مرَّة، وَاسْتَجَرَّهُم إِلَى السُّوْر، فَخَرَجَ إِلَيْهِم المُقَاتلَة، وَأَحَاطُوا بِهِم، فَترحَّلُوا.
ثُمَّ إِنَّهُ علم أَنَّ الفِرَنْج لاَ يَفتُرُوْنَ، فَقَدم إِلَى دِمَشْقَ، وَبَذَلَ لِصَاحِبهَا طُغْتِكِين جَبَلَة بذخَائِرهَا، فَبَعَثَ وَلده (1) فَتسلمهَا.
وذهبَ ابْن صُليحَة إِلَى بَغْدَادَ، فَخَرَجَ عَلَيْهِ عَسْكَر فَنهبُوْهُ، فَردَّ إِلَى دِمَشْقَ، فَأَكْرَمَهُ طُغْتِكِيْن وَأَنْزَله، ثُمَّ إِنَّهُ اشْتَرَى حصن بَلاَطُنُسَ (2) مِنِ ابْنِ مُنْقِذ، فَتحوَّل إِلَيْهِ بِأَمْوَاله، وَترك بِجَبَلَة مِنَ الذّخَائِر شَيْئاً كَثِيْراً.
ثُمَّ إِنَّهُ أَخَذَهَا ابْن عَمَّار مِنْ وَلَدِ طُغْتكِين (3) ، وَلَمْ أَعْرِفْ وَفَاة ابْن صُلَيحَةَ.

190 - صَاحِب الهِنْدِ مَسْعُوْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَسْعُوْدِ بنِ مَحْمُوْدِ بنِ سُبُكْتِكِيْنَ *
السُّلْطَانُ مَسْعُوْد، علاَء الدَّوْلَة، أَبُو سَعِيْدٍ ابنُ صَاحِب الهِنْد إِبْرَاهِيْم بنِ
__________
(1) هو تاج الملك بوري.
(2) بضم الطاء والنون والسين مهملة: حصن منيع بسواحل الشام مقابل اللاذقية.
(3) وسبب ذلك كما في " الكامل " 10 / 312: أن تاج الملك لما ملك جبلة، وتمكن منها، أساء السيرة هو وأصحابه مع أهلها، وفعلوا بها أفعالا أنكروها، فراسلوا القاضي فخر الملك أبا علي عمار بن محمد بن عمار صاحب طرابلس، وشكوا إليه ما يفعل بهم، وطلبوا منه أن يرسل إليهم بعض أصحابه ليسلموا إليه البلد، ففعل ذلك، وسير إليهم عسكرا، فدخلوا جبلة، وقاتلوا تاج الملك ومن معه، فانهزموا، وأخذ تاج الملك أسيرا، وحملوه إلى طرابلس، فأكرمه ابن عمار، وأحسن إليه، وسيره إلى أبيه بدمشق، واعتذر إليه، وعرفه صورة الحال، وأنه خاف أن يملك الفرنج جبلة.
(*) معجم الأنساب: 418، الكامل في التاريخ: 10 / 504، تاريخ الإسلام: =

(19/299)


مَسْعُوْد ابْن السُّلْطَان الكَبِيْرِ مَحْمُوْدِ بنِ سُبُكْتِكِين ملك غَزْنَةَ وَالهِنْد.
مَاتَ:فِي شَوَّال، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْس مائَة، فَتَمَلَّك بَعْدَهُ ابْنه الْملك أَرْسَلاَن ابْن عَمِّةِ السُّلْطَان مَلِكْشَاه بنِ أَلب آرسلاَن، وَتَمَكَّنَ، وَقبض عَلَى إِخْوَته، فَغَضِبَ لَهُم السُّلْطَان سَنْجَر، وَالتَقَاهُ، فَانْهَزَم صَاحِبُ الهِنْد، ثُمَّ طَلَبَ الهُدنَة، وَقوِيَ طَمَعُ سَنْجَر، ثُمَّ التَقَوْا عَلَى بَاب غَزْنَةَ، وَكَانَ عَسْكَر غَزْنَةَ ثَلاَثِيْنَ أَلف فَارِس وَسِتِّيْنَ فِيلاً (1) ، فَانكسرُوا أَيْضاً، وَتَملَّك سَنْجَر غَزْنَةَ فِي سَنَةِ عَشرٍ (2) ، لَكِن عَصَتْ القَلْعَة، وَكَانَ أَرْسَلاَن ظلُوْماً، فَسُلِّمَتِ القَلْعَةُ، وَنصَّب فِي غَزْنَة بَهْرَامَ (3) ، وَعَاثت جيوشُ سَنْجَر، وَنَهبُوا، وَعَثَّرُوا العَامَّة، فَصَلَبَ جَمَاعَةً مِنْ عَسْكَرِه، فَهُذِّبُوا.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ:حصل لِسَنْجَر خَمْسَةُ تِيجَان، قيمَة أَحَدِهَا أَزيدُ مِنْ أَلفَيْ أَلفِ دِيْنَار، وَرجع سَنْجَر بَعْد أَرْبَعِيْنَ يَوْماً، فَذَهَبَ أَرْسَلاَن وَجَمَعَ العَسَاكِر، وَقصد غَزْنَةَ، وَجَرَتْ أُمُوْرٌ يَطُول شرحُهَا، ثُمَّ إِنَّ أَرْسَلاَن أُسِرَ وَخُنِقَ، وَكَانَ بَدِيعَ الجمَال، عَاشَ سَبْعاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً.

191 - ابْنُ مَرْزُوْقٍ أَبُو الخَيْرِ عَبْدُ اللهِ بنُ مَرْزُوْق الهَرَوِيّ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الرّحَّالُ، أَبُو الخَيْرِ عَبْدُ اللهِ بنُ مَرْزُوْق الهَرَوِيّ، مَوْلَى شَيْخِ الإِسْلاَمِ أَبِي إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيّ.
__________
= 4 / 191 - 192، دول الإسلام: 2 / 36، العبر: 4 / 17، تتمة المختصر: 2 / 37 - 38، شذرات الذهب: 4 / 23.
(1) في كامل ابن الأثير: 10 / 505: ومعه مئة وعشرون فيلا.
(2) أي وخمس مئة.
(3) انظر التفصيل في " الكامل ": 10 / 506، 507.
(*) مختصر طبقات علماء الحديث: الورقة 223، تاريخ الإسلام: 4 / 181، تذكرة الحفاظ: 4 / 1246، طبقات الحفاظ: 453، شذرات الذهب: 4 / 16.

(19/300)


قيل:وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار:قرَأَ العِلْم، وَرُزِقَ الفَهم، وَسَمِعَ الكَثِيْرَ، وَسَافَرَ وَكَتَبَ وَحصَّل، وَكَانَ مَوْصُوَفاً بِالحِفْظ وَالمَعْرِفَة، وَحُسْنِ السِّيْرَةِ، وَكَانَ خطُّه رديئاً، ثَقُلَ سَمعُهُ بِأَخَرَةٍ.
سَمِعَ:أَبَا عُمَرَ المَلِيْحِي، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ العَزِيْزِ الفَارِسِيّ، وَأَبَا مَعْمَرٍ أَحْمَد بن عبد الوَاحِد البَانكِي، وَعبدَ الرَّحْمَن بن مَنْدَه، وَأَخَاهُ أَبَا عَمْرٍو، وَأَبَا القَاسِمِ بن البُسْرِيِّ، وَطَبَقَتهُم.
سَمِعَ مِنْهُ:القَاضِي يَعْقُوْبُ بن إِبْرَاهِيْمَ إِمَام الحنَابلَة، وَهِبَةُ اللهِ بن السَّقَطِيّ، وَسَكَنَ أَصْبَهَانَ.
قَالَ السِّلَفِيّ:سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ بن مُحَمَّدٍ الحَافِظ يَقُوْلُ:أَبُو الخَيْرِ الهَرَوِيّ حَافظٌ لِلْحَدِيْثِ مُتْقِن (1) .
وَقَالَ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيّ فِي(مُعْجَمه):حَدَّثَنَا الحَافِظُ الزَّاهِد عَبْدُ اللهِ بن مَرْزُوْق الهَرَوِيّ، وَكَانَ ثقيلَ الأُذُنِ، وَمَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْس مائَة.
أَخْبَرْنَا ابْنُ أَبِي الخَيْرِ فِي كِتَابِهِ عَنِ ابْنِ كُلَيْبٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو خَازِم مُحَمَّد بن الفَرَّاءِ، وَطَلْحَة بن أَحْمَدَ العَاقولِي، وَعَلِيّ بن الزَّاغونِي إِذْناً، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا أَبُو الخَيْرِ عَبْدُ اللهِ بن مَرْزُوْق مِنْ لَفظه سَنَة(472)، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ الطُّرَيْثِيْثِيّ بِهَا، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ الخَفَّافُ...، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
__________
(1) وقال اليونارتي فيما نقله المؤلف في " التذكرة ": صحب أبو الخير الحفاظ، وثافنهم، ذو إتقان وطلب وحب للحديث، وهو مقبل على شأنه.

(19/301)


192 - ابْنُ فَاخِرٍ أَبُو الْكَرم المُبَارَكُ بنُ فَاخر بن مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، العَلاَّمَةُ، إِمَامُ النَّحْو، أَبُو الكَرَمِ المُبَارَكُ بنُ فَاخِرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَعْقُوْبَ البَغْدَادِيّ، النَّحْوِيّ، اللُّغَوِيّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
وُلِدَ:فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنَ:القَاضِي أَبِي الطَّيِّب الطَّبَرِيِّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيِّ، وَأَبِي الحُسَيْنِ مُحَمَّد بن النَّرْسِيّ، وَالقَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَجَمَاعَة.
وَصحب أَبَا القَاسِمِ عبد الوَاحِد بن بَرْهَان، وَقرَأَ عَلَيْهِ عِدَّةَ كُتُب، وَعِدَّة دَوَاوِيْنَ، حَتَّى بَرَعَ فِي لِسَانِ العربِ.
أَخَذَ عَنْهُ:أَبُو مُحَمَّدٍ سِبْطُ الخَيَّاط، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيَّ، وَأَبُو المُعَمَّر الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الكَتَانِي، وَجَمَاعَة.
قَالَ أَبُو عَامِرٍ العبدرِي:قَالَ لِي ابْنُ فَاخر:أَخذتُ علمَ العَرَبِيَّة عَنِ ابْنِ بَرْهَان، وَأَبِي القَاسِمِ الرَّقِّيّ، وَعِيْسَى بنِ عُمَرَ بنِ الأَصْفَر، وَأَبِي الحُسَيْنِ بن شَاهُويه...، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَلقيتُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي سَعِيْدٍ السِّيرَافِي هِلاَلاً الصَّابِئ، وَمِنْ أَصْحَابِ أَبِي عَلِيٍّ الفَارِسِيّ أَبَا القَاسِمِ التَّنُوْخِي، وَالجَوْهَرِيّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار:قَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي الكَرَمِ بنِ فَاخر(ثَبْتٌ)أَنَّهُ سَمِعَ مِنَ
__________
(*) نزهة الالباء: 382 - 383، المنتظم: 9 / 154، معجم الأدباء: 17 / 54 - 56، الكامل في التاريخ: 10 / 439، إنباه الرواة: 3 / 256 - 257، تاريخ الإسلام: 4 / 173، العبر: 3 / 356، تلخيص ابن مكتوم: 241، عيون التواريخ: 13 / 195، مرآة الجنان: 3 / 162، طبقات ابن قاضي شهبة: الورقة 249، النجوم الزاهرة: 5 / 195، بغية الوعاة: 2 / 272 - 273، كشف الضنون: 48، 1741، شذرات الذهب: 3 / 412.

(19/302)


التَّنُوْخِي أَشيَاء كَثِيْرَة مِنَ الكُتُب، وَتَحْتَه بِخَطِّ ابْنِ نَاصر:لَمْ يَسْمَعْ قَطُّ مِنَ التَّنُوْخِي شَيْئاً، لَقَدِ اخْتلقَ وَافترَى، وَكَتَبَ ابْنُ فَاخر أَنَّهُ سَمِعَ(جُزْء الغِطْرِيْف)مِنْ أَبِي الطَّيِّب، فَكَتَبَ ابْنُ نَاصر:قَدْ زَوَّر عَلَى القَاضِي، وَسَمَّعَ فِي(جُزْء الغِطْرِيْف)، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئاً، وَذَكَرَ ابْنُ فَاخرٍ عِدَّةَ كُتُبٍ قَرَأَهَا عَلَى ابْنِ بَرْهَان، وَكَتَبَ ابْنُ نَاصر تَحْته:كَذَبَ - وَاللهِ - فِيمَا سطَّره (1) .
قَالَ السَّمْعَانِيّ:سَأَلتُ أَبَا مَنْصُوْرٍ بنَ خَيْرُوْنَ عَنِ ابْنِ فَاخر، فَقَالَ:كَانُوا يَقُوْلُوْنَ:إِنَّهُ كَذَّاب.
مَاتَ هَذَا:فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْس مائَة (2) ، وَكَانَ سِبْطُ الخَيَّاط أَكْبَرَ تَلاَمِذَتِهِ.

193 - الحَدَّادُ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُقْرِئُ، المُجَوِّدُ، المُحَدِّثُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ الْعَصْر، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بن مِهْرَة الأَصْبَهَانِيّ، الحَدَّاد، شَيْخ أَصْبَهَان فِي القِرَاءات وَالحَدِيْثِ جَمِيْعاً.
وُلِدَ:فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَع مائَة.
__________
(1) وجاء في " المنتظم ": 9 / 154: وكان مقرئا في النحو، عارفا في اللغة غير أن مشايخنا جرحوه، وكان شيخنا أبو الفضل بن ناصر سيئ الرأي فيه يرميه بالكذب والتزوير، وكان يدعي سماع ما لم يسمعه.
(2) تحرفت في معجم الأدباء إلى سنة خمسين وخمس مئة، ومعظم مصادر ترجمته أرخت وفاته سنة 500 ه.
(*) التحبير: 1 / 177 - 192، المنتظم: 9 / 228، التقييد: الورقة 73 أ - 73 ب، مختصر طبقات علماء الحديث الورقة: 227، تاريخ الإسلام: 4 / 218، دول الإسلام: 2 / 42، العبر: 4 / 34، معرفة القراء الكبار: 1 / 382 - 383، عيون التواريخ: 13 / 402، غاية النهاية: 1 / 206، شذرات الذهب: 4 / 47، الرسالة المستطرفة: 26.

(19/303)


وَسَمِعَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ، وَبعدَهَا سَمِعَ:أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ مُصْعَب التَّاجِر، وَأَبَا نُعَيْمٍ الحَافِظ، فَلَعَلَّهُ سَمِعَ مِنْهُ وَقرَ بعير، وَأَبَا الحُسَيْنِ بن فَاذشَاه، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بن أَبِي الشَّيْخِ، وَهَارُوْنَ بنَ مُحَمَّدٍ الكَاتِب، وَأَبَا القَاسِمِ عَبْد اللهِ بن مُحَمَّدٍ العَطَّار، وَأَبَا سَعْدٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن أَحْمَدَ الصَّفَّار، وَعَلِيَّ بن أَحْمَدَ بنِ مِهْرَانَ الصَّحَاف، وَأَحْمَدَ بن مُحَمَّدِ بنِ بَزْدَه المِلَنجِي، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ رِيذه (1) ، وَالفَضْلَ بن مُحَمَّدٍ القَاشَانِي، وَأَبَا أَحْمَد مُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ سَيُّويه الْمَكْفُوف، وَأَبَا ذَرٍّ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيْمَ الصَّالحَانِي، وَعِدَّة.
وَخَرَّجَ لِنَفْسِهِ(مُعْجَماً)سَمِعْنَاهُ، أَوْ لَعَلَّهُ بِتَخرِيجِ وَلده الحَافِظ المُجَوِّدِ عُبَيْد اللهِ بن الحَدَّاد.
وَتَلاَ بِالرِّوَايَات عَلَى:عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ العَطَّار، وَأَبِي الفَضْلِ عَبْد الرَّحْمَنِ بن أَحْمَدَ الرَّازِيّ الزَّاهِد، وَأَحْمَد بن الفَضْلِ البَاطِرْقَاني، وَأَحْمَد بن بَزْدَه، وَتَصدَّر وَأَفَاد.
تَلاَ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَات:أَبُو العَلاَءِ الحَسَنُ بن أَحْمَدَ الهَمَذَانِيّ، وَجَمَاعَة.
وَحَدَّثَ عَنْهُ:السِّلَفِيّ، وَمَعْمَرُ بنُ الفَاخر، وَأَبُو العَلاَءِ العَطَّار، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، وَأَبُو مَسْعُوْدٍ عَبْدُ الرَّحِيْمِ الحَاجِي، وَأَبُو الفَتْحِ عَبْدُ اللهِ بن أَحْمَدَ الخِرَقِي، وَأَبُو الفَضْلِ الطُّوْسِيّ خطيب المَوْصِل، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الصَّائِغ، وَيَحْيَى بنُ مَحْمُوْدٍ الثَّقَفِيّ، وَالفَضْلُ بنُ القَاسِمِ الصَّيْدَلاَنِيّ، وَمُحَمَّدُ بن حَسَنٍ الفَضْل الأَدَمِيّ، وَمُحَمَّدُ بن أَحْمَدَ
__________
(1) هو أبو بكر محمد بن عبد الله بن ريذه التانئ الضبي من ثقات أصبهان ومشاهير المحدثين بها، وهو راوي المعجم الكبير والصغير لأبي القاسم الطبراني عنه، توفي سنة 440 ه تقدمت ترجمته في السابع عشر رقم (397).

(19/304)


المُصلح الأَدِيْب، وَعبدُ الرَّحِيْم بن مُحَمَّدٍ الخَطِيْب، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الطَّرَسُوسِيّ، وَخَلِيْلُ بنُ بَدْرٍ الرَّارِي، وَمَسْعُوْدُ بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ الحَنَّاط، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي زَيْدٍ الكَرَّانِيّ، وَأَبُو المَكَارِمِ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ اللَّبَّان، وَخَلْق، خَاتِمَتُهُم بِالحُضُوْر:أَبُو جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيّ، وَبِالإِجَازَة:عفِيفَةُ الفَارقَانِيَة، وَحَدَّثَ عَنْهُ بِالإِجَازَةِ أَيْضاً:أَبُو القَاسِمِ ابنُ عَسَاكِرَ، وَأَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، وَأَجَازَ لأَبِي طَاهِرٍ الخُشُوْعِيّ، وَمَا ظَهرت لَهُ الإِجَازَة فِي حَيَاتِهِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ:كَانَ عَالِماً ثِقَةً صَدُوْقاً مِنْ أَهْلِ العِلْمِ وَالقُرْآن وَالدِّيْن، عُمِّرَ دَهْراً، وَحَدَّثَ بِالكَثِيْرِ، كَانَ أَبُوْهُ إِذَا مَضَى إِلَى حَانُوته لِعَمَلِ الْحَدِيد يَأْخُذُ بِيَدِ الحَسَن، وَيدفعُهُ فِي مَسْجِد أَبِي نُعَيْمٍ (1) .
قُلْتُ:وَكَذَلِكَ كَانَ يَسْمَع مِنْهُ، وَقبلَهُ أَخُوْهُ حَمْدٌ الَّذِي رَوَى(الحِلْيَةَ)بِبَغْدَادَ.
قَالَ ابْنُ نُقطَةَ:سَمِعَ أَبُو عَلِيٍّ مِنْ أَبِي نُعَيْمٍ(مُوَطَّأَ القَعْنَبِيِّ (2))، وَ(مُسْنَدَ الإِمَام أَحْمَد)، وَ(مُسْنَدَ الطَّيَالِسِيّ)، وَ(مُسْنَدَ الحَارِث)
__________
(1) " التحبير ": 1 / 177، وتمام كلامه: الحافظ ليسمع ما يقرأ عليه، فأكثر حتى صار بحيث لا يفوته عنه شيء إلا ما شاء الله، وقال محمد بن عبد الواحد الدقاق فيما نقله عنه ابن عبد الهادي في مختصر طبقات علماء الحديث الورقة: 227: وبأصبهان لي صديق وهو أبو نعيم ابن الحداد - أحد العلماء في فنون كثيرة، بلغ مبلغ الامامة بلا مدافعة، وله عندي أياد كثيرة، وجمع ما لم يجمعه أحد من أقرانه من الكتب الكثيرة والسماعات، صدوق في جمعه وكتبه، أمين في قراءته.
(2) يعني موطأ الامام مالك برواية القعنبي، وهو أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسلمة القعنبي، المتوفي سنة 221 ه، تقدمت ترجمته في الجزء العاشر، رقم (68) ومما تفرد به من بين رواة الموطأ حديث " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبده ورسوله " رواه عن مالك، عن ابن شهاب الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس وقد طبعت قطعة من موطئه مؤخرا بتحقيق عبد الحفيظ منصور.

(19/305)


المَوْجُوْد سَمَاعه، وَ(السُّنن)لِلْكَجِّي، وَ(المُسْتخرج عَلَى البُخَارِيّ)، وَ(المُسْتخرج عَلَى مُسْلِم)لأَبِي نُعَيْمٍ، وَكِتَاب(الحِليَة)وَ(المُعْجَم الأَوْسَطِ)لِلطَّبَرَانِيِّ، وَمُسْنَدَات الثَّوْرِيّ، وَعَوَالِي الأَوْزَاعِيّ، وَمُسْنَد الشَّامِيّين، وَالسنن مِنْ كُتُب عَبْد الرَّزَّاقِ، وَ(جَامِع عَبْد الرَّزَّاقِ)، وَ(مَغَازِيه)، وَ(غَرِيْب الحَدِيْث)لأَبِي عُبَيْدٍ، وَ(مَقْتَل الحُسَيْنِ)، وَكِتَاب(الشّوَاهد)، وَكِتَاب(القَضَاء الأَرْبَعَة)لأَبِي عُبَيْدٍ، وَكِتَاب(فَوَائِد سموَيْهِ)، وَ(فَوَائِد أَبِي عَلِيٍّ بنِ الصَّوَّاف)، وَ(الطَّبَقَات)لابْنِ المَدِيْنِيِّ، وَ(تَارِيخ الطَّالبيين)لِلْجِعَابِي (1) .
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ:هُوَ أَجَلُّ شَيْخٍ أَجَازَ لِي، رَحلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَرَأَى مِنَ العِزِّ مَا لَمْ يَره أَحَدٌ فِي عصره، وَكَانَ خَيِّراً صَالِحاً ثِقَة وَقَدْ سَمِعَ مِنْ أَبِي نُعَيْمٍ مِنْ تَوَالِيْفِهِ:التَّوبَة وَالاعتذَار، شرف الصَّبْر، ذَمّ الرِّيَاء، كسب الحَلاَل، حِفْظ اللِّسَان، تَثبِيْت الإِمَامَة، رِيَاضَة الأَبْدَان، التَّهجُّد، الإِيجَاز وَجَوَامع الْكَلم، فَضل عَلِيّ، الْخطب النَّبويَّة، لبس السَّوَاد، تَعْظِيْم الأَوليَاء، السُّعَاة، التعبِير، رفع اليَدين، المُزَاح، الهديَّة، حرمَة المَسَاجِد، الجَار، السَّحور، الفَرَائِض، فِي الاثْنَيْنِ وَسَبْعِيْنَ فَرقَة، مدح الكِرَام، مَسْأَلَةً ثُمَّ أَورثنَا الكِتَابَ، سَمَاع الكلِيم، العُقَلاَء، حَدِيْث الطَّيْرِ، لبس الصُّوف، الثُّقَلاَء، المُحبِّين مَعَ المَحبُوبِيْن، أَرْبَعِي (2) الصُّوْفِيَّة، قُربَان المُتَّقِيْنَ، الأَرْبَعِيْنَ فِي الأَحكَامِ، حَدِيْث النُّزَول، فِي أَنَّ الْفلك غَيْر مدبِّر، المِعْرَاج، الاسْتسقَاء، الْخَسْف، الصِّيَام وَالقِيَام، قِرَاءات النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْرِفَة الصَّحَابَة، عُلُوْم الحَدِيْثِ، تَارِيخ أَصْبَهَان، الأُخوَة، العِلْم،
__________
(1) هو الحافظ المجود البارع أبو بكر محمد بن عمر بن محمد بن سلم التميمي قاضي
الموصل، صاحب التصانيف الكثيرة في الابواب والشيوخ، وتواريخ الأمصار المتوفي سنة 355 ه، تقدمت ترجمته في الجزء السابع عشر رقم (69).
(2) في " الحبير ": " الأربعين في التصوف ".

(19/306)


المُتَوَاضِعينَ، القِرَاءة وَرَاء الإِمَام، التَّشهد، حسن الظَّنّ، المُؤَاخَاة، وَعيد الزّنَاة، الشُّهَدَاء، الْقدر، الخُلَفَاء الرَّاشدين، وَأَشيَاء عِدَّة سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَجزَاء وَالتَّوَالِيف (1) .
تُوُفِّيَ مُسْنِد الدُّنْيَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّاد:فِي السَّادس وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، وَقَدْ قَارب المائَة، وَدُفِنَ عِنْد القَاضِي أَبِي أَحْمَدَ العسَّال بِأَصْبَهَانَ.

194 - البَلَدَيُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، المُعَمَّرُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي النَّضْرِ الْبَلَدِي، النَّسَفِي، وَنسبته بِالبلدي إِلَى بَلَدِ نسف (2) ، أَي:لَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ قُرَى النَّاحيَة.
سَمِعَ:أَبَاهُ أَبَا نَصْرٍ الْبَلَدِي، وَجَعْفَر بن مُحَمَّدٍ المُسْتغفرِي الحَافِظ، وَأَحْمَد بن عَلِيٍّ المَايْمَرْغِي (3) ، وَمُحَمَّد بن يَعْقُوْبَ السّلاَمِي، وَأَبَا مَسْعُوْد
__________
(1) انظر التحبير: 1 / 179، 182.
(*) الأنساب: 2 / 288 - 289، اللباب: 1 / 173 - 174، تاريخ الإسلام: 4 / 173.
(2) قال السمعاني في " الأنساب ": 2 / 288، 289: سألت حفيده أبا ناصر أحمد ابن عبد الجبار بن أبي بكر بن أبي نصر البلدي عن هذه النسبة، فقال: كانت العلماء في زمان جدي الأعلى أبي نصر أكثرهم بنسف من القرى والناحية، وكان جدي من أهل البلد،
فعرف بالبلدي، فبقي علينا هذا الاسم.
(3) بفتح الميم، وسكون الالف، والياء المثناة من تحتها، وفتح الميم الثانية، وسكون الراء، وكسر الغين المعجمة، هذه النسبة إالى ما يمرغ، وهي قرية كبيرة على طريق بخارى من نواحي نخشب.

(19/307)


البَجَلِيّ، وَالحُسَيْن بن إِبْرَاهِيْمَ القنطرِي، وَعِدَّة.
قَالَ السَّمْعَانِيّ:حَدَّثَنَا عَنْهُ نَحْوٌ مِنْ عِشْرِيْنَ نَفْساً، وَكَانَ إِمَاماً فَاضِلاً، رَوَى لَنَا عَنْهُ أَحْمَد بن عَبْد الجَبَّارِ البَلَدي، وَحَسَنُ بن عَبْدِ اللهِ المُقْرِئ، وَمَسْعُوْدُ بن عُمَرَ الدَّلاَل، وَمَيْمُوْنُ بن مُحَمَّدٍ الدّربِي.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّسفِي فِي كِتَابِ(الْقنْد):مَوْلِده سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَمَاتَ فِي ثَالِث صفر، سَنَة خَمْسٍ وَخَمْس مائَة.

195 - السَّاجِيُّ أَبُو نَصْرٍ المُؤْتَمَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ *
الحَافِظُ، الإِمَامُ، المُجَوِّدُ، مُفِيدُ الجَمَاعَة، أَبُو نَصْرٍ المُؤْتَمَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ حُسَيْنِ بنِ عُبَيْد اللهِ الرَّبَعِي، الدَّير عَاقولِي، البَغْدَادِيّ، السَّاجِيّ.
قَالَ لابْنِ نَاصر:وُلِدَتْ فِي صَفَرٍ، سَنَة خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ أَحْمَدَ الفَقِيْه، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، سَمِعْتُ المُؤْتَمَن السَّاجِيّ يَقُوْلُ:
مَا أَخَرَجَتْ بَغْدَادُ بَعْدَ الدَّارَقُطْنِيّ أَحْفَظَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب.
وَسَمِعْتُ المُؤتَمَنَ يَقُوْلُ:كَانَ الخَطِيْبُ يَقُوْلُ:مَنْ صَنَّفَ، فَقَد جَعلَ عقلَه عَلَى طَبَقٍ يَعْرِضُه عَلَى النَّاسِ.
__________
(*) المنتظم: 9 / 179 - 180، خريدة القصر: 1 / 287، الكامل في التاريخ: 10 / 500، مختصر طبقات علماء الحديث: الورقة: 223، تاريخ الإسلام: 4 / 188، دول الإسلام: 2 / 36، العبر: 4 / 15، تذكرة الحفاظ: 4 / 1246 - 1248، المستفاد: 234 - 235، عيون التواريخ: 13 / 304، مرآة الجنان: 3 / 197، طبقات الشافعية للسبكي: 7 / 308، 309، البداية والنهاية: 12 / 178، الاعلام لابن قاضي شهبة (خ): حوادث / 507، طبقات الحفاظ: 453، شذرات الذهب: 4 / 20.

(19/308)


سَمِعَ:عَبْد العَزِيْزِ بن عَلِيٍّ الأَنْمَاطِيَّ، وَأَبَا الحُسَيْنِ بنَ النَّقُّوْرِ، وَأَبَا القَاسِمِ بنَ البُسْرِيِّ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ الحَسَنِ الخَلاَّل، وَإِسْمَاعِيْلَ بن مَسْعَدَةَ، وَأَبَا نَصْرٍ الزَّيْنَبِيّ، وَأَبَا عُثْمَانَ بنَ وَرْقَاء - لَقِيَه بِالقُدْس - وَأَبَا عَمْرٍو عَبْد الوهَّاب بن مَنْدَه، وَأَبَا مَنْصُوْرٍ بن شكرويه، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ خَلَفٍ الشِّيرَازِي، وَأَبَا عَلِيٍّ التُّسْتَرِيّ، وَشيخ الإِسْلاَم الأَنْصَارِيّ، وَالقَاضِي أَبَا عَامِرٍ الأَزْدِيّ، وَأُمَماً سِوَاهُم، وَأَقدمُ شَيْخٍ لَهُ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، سَمِعَ مِنْهُ بِصُوْرَ، وَكَتَبَ مَا لاَ يُوصفُ كَثْرَةً، ثُمَّ أَقْبَل عَلَى شَأْنِهِ، وَعَبَدَ اللهِ حَتَّى أَتَاهُ اليَقِينُ، وَقَدْ سَمِعَ بِحَلَبَ مِنَ الحَسَنِ بنِ مَكِّيٍّ الشيزرِي.
حَدَّثَ عَنْهُ:ابْنُ نَاصر، وَسَعْدُ الخَيْرِ الأَنْدَلُسِيُّ، وَأَبُو المُعَمَّر الأَنْصَارِيّ، وَمُحَمَّدُ بن أَبِي بَكْرٍ السِّنْجِيّ، وَأَبُو سَعْدٍ البَغْدَادِيّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بن عَلِيِّ بنِ فولاَذ، وَأَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيّ، وَعِدَّة، وَقَلَّ مَا رَوَى بِالنسبَة.
قَالَ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ:سَمِعْتُ أَبَا الوَقْت يَقُوْلُ:
كَانَ الإِمَامُ عَبْدُ اللهِ بن مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيّ إِذَا رَأَى المُؤتَمَنَ يَقُوْلُ:
لاَ يُمْكِنُ أَحَد أَنْ يَكْذِبَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا دَام هَذَا حيّاً.
وَحَدَّثَنِي أَخِي أَبُو الحُسَيْنِ هِبَةُ اللهِ، قَالَ:سَأَلتُ السِّلَفِيّ عَنِ المُؤْتَمَنَ السَّاجِيّ، فَقَالَ:
حَافظ مُتْقِن، لَمْ أَرَ أَحْسَنَ قِرَاءةً لِلْحَدِيْثِ مِنْهُ، تَفَقَّهَ عَلَى الشَّيْخ أَبِي إِسْحَاقَ، وَكَتَبَ(الشَّامل)عَنِ ابْنِ الصبَاغ (1) بِخطِّه،
__________
(1) هو الامام العلامة شيخ الشافعية عبد السيد بن محمد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن جعفر البغدادي المعروف بابن الصباغ المتوفى سنة 474، وهو أول من درس بالنظامية بعد أبي إسحاق الشيرازي تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر رقم (238).

(19/309)


ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ، فَأَقَامَ بِالقُدْس زَمَاناً، وَذُكِرَ لِي أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ لفظ الخَطِيْب حَدِيْثاً وَاحِداً بِصُوْر، غَيْر أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ نسخَة، وَكَتَبَ بِبَغْدَادَ(كَامِل ابْن عَدِيٍّ)عَنِ ابْنِ مَسعدَة الإِسْمَاعِيْلِي، وَكَتَبَ بِالبَصْرَةِ(سُنَن أَبِي دَاوُدَ).
انتفعتُ بصَحِبته.
وَقَالَ أَبُو النَّضْرِ الفَامِي (1) :أَقَامَ المُؤْتَمَنُ بِهَرَاةَ عشرَ سِنِيْنَ، وَقرَأَ الكَثِيْر، وَنسخ التِّرْمِذِيّ سِتَّ كَرَّاتٍ، وَكَانَ فِيْهِ صَلَفُ نَفْسٍ، وَقنَاعَة، وَعِفَّة، وَاشتغَال بِمَا يَعْنِيْهِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيّ:مَا رَأَيْتُ بِالعِرَاقِ مَنْ يَفهَمُ الحَدِيْثَ غَيْرَ المُؤتَمن، وَبِأَصْبَهَانَ إِسْمَاعِيْل بن مُحَمَّد.
قَالَ السِّلَفِيّ:كَانَ المُؤتَمَنُ لاَ تُمَلُّ قِرَاءتُهُ، قرَأَ لَنَا عَلَى ابْنِ الطيورِي كِتَاب(الفَاصل (2))لِلرَّامَهُرْمُزِي فِي مَجْلِس.
وَللسِّلَفِي:
مَتَى رُمْتَ أَنْ تَلْقَيَنَّ حَافِظاً ... يَكُوْن لَدَى الكُلِّ بِالمُؤْتَمَنْ
عَلَيْكَ بِبَغْدَادَ شَرْقِيَّهَا ... لِتَلْقَى أَبَا نَصْرٍ المُؤْتَمَنْ
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَنْدَه:قرَأَ المُؤْتَمَنُ عَلَى أَبِي كِتَابَ(مَعْرِفَة الصَّحَابَة)، وَكِتَاب(التَّوحيد)، وَ(الأَمَالِي)، وَحَدِيْثَ ابْن عُيَيْنَةَ
__________
(1) تحرف في تذكرة الحفاظ: 4 / 1247 إلى " أبي نصر الفاهي ".
(2) واسمه الكامل " المحدث الفاصل بين الراوي والواعي " للقاضي الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي المتوفى سنة 360 ه، وقد طبع بتحقيق الدكتور محمد عجاج الخطيب وعدد صفحاته 465 صفحة، لله تلك الهمم التي لم تكن تعرف الكلل ولا الملل في زمن الطلب، ومن منا في هذا العصر يستطيع أن يقرأ هذا الكتاب قراءة بحث وإتفان على الشيخ في مجلس واحد ؟ !

(19/310)


لجَدِّي، فَلَمَّا أَخَذَ فِي قِرَاءة(غَرَائِب شُعْبَة)، فَلَمَّا بلغَ إِلَى حَدِيْث عُمَر فِي لبس الحَرِيْر مَاتَ أَبِي بَعْد عشَاء الآخِرَة، فَهَذَا مَا رَأَينَا.
وَذَكَرَ حِكَايَةَ ابْن طَاهِرٍ (1) أَنَّ المُؤتَمَنَ إِنَّمَا تَمَّمَ كِتَابَ الصَّحَابَة عَلَى أَبِي عَمْرٍو بَعْد مَوْته وَردَّهَا، وَقَالَ لابْنِ طَاهِر:يَجِبُ أَنْ تُصْلِحَ هَذَا، فَإِنَّهُ كذب.
قَالَ:وَكَانَ المُؤتَمَنُ مُتَوَرِعاً زَاهِداً، صَابراً عَلَى الفَقْرِ.
قَالَ ابْنُ نَاصر:تُوُفِّيَ المُؤتَمَن فِي صَفَرٍ، سَنَة سَبْعٍ وَخَمْس مائَة بِبَغْدَادَ، وَصَلَّيْتُ عَلَيْهِ، وَكَانَ عَالِماً ثِقَةً، فَهماً مَأْمُوْناً.

196 - فَخْرُ المُلْكِ بن عَمَّارٍ *
صَاحِب طَرَابُلُس، كَانَ مِنْ دُهَاة الرِّجَال وَأَفرَادِ الزَّمَان شَجَاعَةً وَإِقدَاماً وَرَأْياً وَحَزْماً، ابْتُلِي بَلَدُهُ بِحصَارِ الفِرَنْجِ خَمْسَة أَعْوَام، وَهُوَ يُقَاومهُم وَيُنكِي فِي العَدُوّ، وَيَستظهِرُ عَلَيْهِم، وَيُرَاسِلُ مُلُوْكَ الأَطرَافِ، وَيُتحِفُهُم بِالهدَايَا، وَهُم حَائِرُوْنَ فِي أَنْفُسهم، وَلَمْ يُنْجِدْه أَحَد، وَقَدْ رَاسل صَاحِبَ الرُّوْم مَرَّات، وَكَانَ حَسَنَ التَّدْبِيْر فِي الحِصَار، جَيِّدَ المكيدَة وَالمخَادعَة، براً وَبَحْراً، شتَاءً وَصيفاً، حَتَّى تَفَانت رِجَالُه، وَكَلَّتْ أَبْطَالُه، فَرَكِبَ فِي البَحْر، وَطَلَع حَتَّى قَدِمَ دِمَشْق، وَأُخِذَتْ طَرَابُلُس مِنْهُ سَنَة اثْنَتَيْنِ
__________
(1) النص في " تذكرة الحفاظ ": 4 / 1248: ثم قدم ابن طاهر، وقرأنا عليه جزءا من مجموعاته فيه: سمعت أصحابنا بأصبهان يقولون: إنما تمم الساجي كتاب " معرفة الصحابة " على أبي عمرو بعد موته، وذلك أنه كان يقرأ عليه وهو في النزع ومات وهو يقرأ، وكان يصاح به: تريد أن تغسل الشيخ.
فلما سمعت هذه الحكاية، قلت: ما جرى ذلك يجب أن يصلح هذا، فإنه كذب، وأما قراءة معرفة الصحابة، فكان قبل موت الوالد بشهرين.
(*) معجم الأنساب: 339، الكامل في التاريخ: 10 / 311، 344، 412، 452 - 454، 477، 539، 563، 568، تاريخ الإسلام: 4 / 126 / 1، دول الإسلام: 2 / 30، تتمة المختصر: 2 / 29، البداية والنهاية: 12 / 169.

(19/311)


وَخَمْس مائَة، فَأَقطعه طُغْتِكِيْن قَرْيَة الزَّبَدَانِي (1) ، وَكَانَ لِشِدَّة مَا نَزل بِهِ يُصَادرُ الرَّعيَّة وَيَعْسِفُهُم، وَجَرَتْ لَهُ تَنَقُّلاَتٌ وَأَحْوَال، إِلَى أَنْ أَدبرت أَيَّامُهُ، وَوَافَاهُ حِمَامُه - وَاللهُ يَسْمَحُ لَهُ - .

197 - ابْنُ أَصْبَغَ أَبُو القَاسِمِ أَصْبَغُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَصْبَغَ *
شَيْخُ المَالِكِيَّةِ، وَعَالِمهُم بقُرْطُبَة، أَبُو القَاسِمِ أَصْبَغ بن مُحَمَّدِ بنِ أَصْبَغ الأَزْدِيّ، القُرْطُبِيّ.
حَدَّثَ عَنْ:حَاتِم بن مُحَمَّدٍ، وَتَفَقَّهَ بِأَبِي جَعْفَرٍ بن رزق، وَحَمَلَ عَنْ أَبِي مَرْوَانَ بن سرَاج، وَأَبِي عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ، وَأَجَازَ لَهُ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْد البَرِّ، وَكَانَ عجباً فِي المَذْهَب لاَ يُجَارَى فِي الشُّروط، أَمَّ بِجَامِع قُرْطُبَة، سَمِعَ النَّاسُ مِنْهُ، وَتَفَقَّهوا بِهِ (2) .
مَاتَ:فِي صَفَرٍ، سَنَة خَمْسٍ وَخَمْس مائَة، عَنْ سِتِّيْنَ عَاماً.

198 - سَرْفَرْتَجُ أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ **
الرَّئِيْسُ، أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ المَدِيْنِيُّ، التَّانِي، الكَاتِب، صَاحِب أَبِي نُعَيْمٍ الحَافِظ.
حَدَّثَ بِبَغْدَادَ، وَخَدَمَ بِالكِتَابَة فِي الشَّام.
__________
(1) تقع غربي دمشق، تبعد عنها ثلاثين ميلا تقريبا، يقصدها أهل دمشق في الصيف لاعتدال هوائها، وكثرة فاكهتها، وغزارة مائها النمير الصافي.
(*) الصلة: 1 / 109 - 110.
(2) وفي الصلة: 1 / 109: ولزم داره في آخر عمره لسعاية لحقته، فحرم الناس منفعة علمه.
(* *) تاريخ الإسلام: 4 / 173.

(19/312)


حَدَّثَ عَنْهُ:أَبُو الفَتْحِ بنُ البَطِّي، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيّ.
مَاتَ:فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْس مائَة.

199 - المُعَيِّرُ أَبُو غَالِبٍ أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي الفَتْحِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
الإِمَامُ، المُقْرِئُ، أَبُو غَالِبٍ أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ ابنِ أَبِي الفَتْحِ مُحَمَّد بن أَحْمَدَ البَغْدَادِيّ، المُعيِّرُ، ابْن خَال شَيْخ القُرَّاءِ ابْن سوار.
تَلاَ بِحرف أَبِي عَمْرٍو عَلَى:عَبْدِ اللهِ بنِ مَكِّيّ السَّواق، عَنِ الشَّنَبُوذِي.
وَسَمِعَ مِنِ:ابْنِ غَيْلاَنَ، وَمُحَمَّد بن الحُسَيْنِ الحَرَّانِيِّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ الخَلاَّل، وَأَحْمَد بن عَلِيٍّ التَّوَّزِي، وَجَمَاعَة.
حَدَّثَ عَنْهُ:ابْنُ نَاصر، وَالسِّلَفِيّ، وَأَبُو المُعَمَّر الأَنْصَارِيّ، وَعَبْدُ الحَقّ اليُوسفِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَبِالإِجَازَة:نَصْرُ اللهِ القَزَّاز، وَكَانَ مِنَ الثِّقَاتِ الصُّلَحَاء.
عَاشَ ثَمَانِيْنَ سَنَةً.
تُوُفِّيَ:فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْس مائَة، وَتَلاَ عَلَيْهِ المُبَارَكُ بنُ كَامِلٍ.

200 - ابْنُ البَيْهَقِيِّ أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ **
الفَقِيْهُ، الإِمَامُ، شَيْخُ القُضَاة، أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيْل ابْنُ الإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ
__________
(*) طبقات القراء: 1 / 79.
(* *) المختار من ذيل تاريخ بغداد للسمعاني: الورقة: 139، التحبير: 1 / 83 - 85، المنتظم: 9 / 175 - 176، التقييد: الورقة: 17 - 18 / أ، الكامل لابن الأثير: 10 / 499، طبقات النوري: الورقة: - 51 أ - 51 ب، تذكرة الحفاظ: 3 / 1133 - 1135، تتمة =

(19/313)


أَحْمَد بن الحُسَيْنِ البَيْهَقِيّ، الخُسْرَوْجِردي، الشَّافِعِيّ، نَزِيْلُ خُوَارزم، ثُمَّ نَزِيْلُ بَلْخ، فَحَمَلَ عَنْهُ أَهْلُ تِلْكَ الدّيَار.
مَوْلِده:سَنَة ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَحَدَّثَ عَنْ:أَبِيْهِ (1) ، وَأَبِي حَفْصٍ بنِ مَسْرُوْر، وَعَبْد الغَافِرِ الفَارِسِي، وَأَبِي عُثْمَانَ الصَّابونِي، وَسَعِيْد بن أَبِي سَعِيْدٍ العيَّار، وَطَبَقَتهم، وَكَانَ عَارِفاً بِالمَذْهَب، مُدرِّساً، جَلِيْلَ الْقدر (2) .
رَوَى عَنْهُ:عَبَّاسُ بن أَرْسَلاَن، وَحَفِيْدُهُ مَحْمُوْد فِي(تَارِيخ خُوَارزم)، وَالأَدِيْب مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيْمَ الخَيَّاط، وَشيخُ الصُّوْفِيَّة مُحَمَّد بن أَرْسَلاَن، وَالحَسَن بن سُلَيْمَانَ الخُجَنْدِي، وَآخَرُوْنَ.
وَبِالإِجَازَة:أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ (3) ، وَاتَّفَقَ أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى بَيهَقَ بَعْدَ غِيبَة ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِهَا أَيَّاماً يَسِيْرَة، وَأَدْرَكَهُ الأَجْلُ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْس مائَة.
وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ:أَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْل بن أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدي، وَطَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ بَغْدَاد، وَقَارب الثَّمَانِيْنَ - رَحِمَهُ اللهُ - .
__________
= المختصر: 2 / 37، طبقات السبكي: 7 / 44، طبقات الاسنوي: 1 / 200 - 201، البداية: 12 / 176، والنجوم الزاهرة: 5 / 205.
(1) الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي صاحب التصانيف الحديثية التي لم يسبق إليها مثل السنن الكبير، وشعب الايمان، ودلائل النبوة، ومعرفة السنن والآثار وغيرها.
تقدمت ترجمته في الثامن عشر (86).
(2) قال السمعاني في التحبير: 1 / 83: كان فاضلا عالما، حسن السيرة، واعظا مليح الوعظ، كثير المحفوظ.
(3) في التحبير: 1 / 85 أجاز لي جميع مسموعاتي بلفظه بسؤال والدي إياه، وكتب بخطه في صفر سنة سبع وخمس مئة.

(19/314)


201 - رِضْوَانُ بنُ تُتُشَ بنِ أَلْبَ أَرْسَلاَنَ السَّلْجُوْقِيُّ *
صَاحِبُ حلب، الْملك رضوَان ابْن السُّلْطَانِ تُتُش ابْن السُّلْطَانِ أَلبْ أَرْسَلاَن السَّلْجُوْقِي.
تملَّك حلب بَعْد أَبِيْهِ، وَامتدَّت أَيَّامُه، وَقَدْ خُطِبَ لَهُ بِدِمَشْقَ عِنْدَمَا قُتِلَ أَبُوْهُ أَيَّاماً، ثُمَّ اسْتَقلَّ بِحَلَبَ، وَأَخَذت مِنْهُ الفِرَنْج أَنطَاكيَة.
وَكَانَ ذمِيمَ السِّيرَة، قَرَّبَ البَاطِنِيَّة، وَعَمِلَ لَهُم دَار دَعْوَة بِحَلَبَ، وَكَثُرُوا، وَقَتَلَ أَخويه أَبَا طَالَبٍ وَبهرَاماً، ثُمَّ هَلَكَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَخَمْس مائَة، فَتملَّك بَعْدَهُ أَخُوْهُ الأَخرس أَلب أَرْسَلاَن، وَلَهُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، فَقَتلَ أَخوينِ لَهُ أَيْضاً، وَقَتَلَ رَأْسَ البَاطِنِيَّة أَبَا طَاهِر الصَّائِغ، وَجَمَاعَةً مِنْ أَعيَانِهِم، وَهَرَبَ آخرُوْنَ، فَقتل الأُمَرَاءُ الأَخرس بَعْدَ سَنَةٍ، وَملَّكُوا أَخَاهُ سُلْطَان شَاه.
وَكَانَ رضوَان يَمِيْلُ إِلَى المِصْرِيّين، فَجَاءَ رَسُوْلُ الأَفْضَل أَمِيْرُ الجُيُوْش يَدعُوْهُ إِلَى طَاعتِهِم وَالخُطبَةِ لَهُ، وَالبَيْعَةِ لِلمُسْتعلِي، وَوَعَدُوْهُ بِالنَّجدَة وَالمَالِ، فَخطب فِي بلاَده لِلمُسْتَعلِي، وَلِوَزِيْره أَمِيْرِ الجُيُوْشِ جُمَعاً، ثُمَّ دَامت الخُطبَةُ عَامَيْن بِحَلَبَ، ثُمَّ أُعيدت الدَّعوَةُ العَبَّاسِيَّة فِي أَثْنَاء سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ، إِذْ لَمْ يَنفعه المِصْرِيّون بِأَمرٍ، وَقصدت النَّصَارَى أَنطَاكيَة، وَنَازلُوا بَيْتَ المَقْدِسِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ، وَقُتِلَ بِهِ سَبْعُوْنَ أَلفَ مُسْلِم، وَنَقَلَ ابْنُ مُنْقِذ ظُهُوْر الفِرَنْج فِي هَذَا الوَقْت مِنْ بَحر قُسْطَنْطِيْنِيَّة، وَجَرَتْ لَهُم مَعَ طَاغِيَة الرُّوْم
__________
(*) الكامل لابن الأثير: 10 / 246، 247، 258، 269، 270، 393، 405 - 406، 409، 410، 426، 428، 429، 463، 465، 482، 486، 499، دول الإسلام: 2 / 35، العبر: 4 / 13، تتمة المختصر: 2 / 36 - 37، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 302، النجوم الزاهرة: 5 / 205، شذرات الذهب: 4 / 16.

(19/315)


حُرُوْب، وَعَجَزَ عَنْهُم، ثُمَّ قَالُوا:مَا نَفتحُه مِنْ بلاَد الرُّوْم، فَهُوَ لَكَ، وَمَهْمَا نَفتَحْهُ مِنْ بلاَد الشَّام، فَهُوَ لَنَا.
وَقِيْلَ:كَانُوا فِي أَرْبَعِ مائَة أَلْفٍ، ثُمَّ أخذُوا بَعْضَ بلاَد الْملك قلج رسلاَن بِالسَّيْف، فَجمعَ حِيْنَئِذٍ عَسَاكِرَه، وَالتقَاهُم فِي سَنَةِ تِسْعِيْنَ، وَأَشرف عَلَى النَّصْر، ثُمَّ كَسرته الفِرَنْجُ، وَقُتِلَ مِنْ جُنْده خلقٌ، وَهَرَبَ وَاسْتغَاث بِمُلُوْك النَّوَاحِي عَلَى مَا دَهَمَ الإِسْلاَمَ، فَوصلت كتبُه إِلَى حلب مسخمَة مشققَة فِيْهَا بَعْض شَعْرِ النِّسَاء، وَانزعج الخلقُ، ثُمَّ تَوجَّهت الفِرَنْج إِلَى الشَّامِ، فَقِيْلَ:اعتبرُوا عِدتهُم بِأَنْطَاكِيَةَ، فَكَانُوا أَزْيَدَ مِنْ ثَلاَث مائَة أَلْف نَفْس، فَعَاثُوا وَأَخربُوا البِلاَدَ، وَتَفَرَّقُوا، وَكَبَسهُم المُسْلِمُوْنَ، وَجَرَتْ فِتَنٌ وَحُرُوْب لاَ يُعبَّر عَنْهَا، وَأُخِذت أَنطَاكيَة بِالسَّيْف سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ، وَقُتِلَ صَاحِبُهَا، وَقُتِلَ أَيْضاً مِنْ كِبَارِ الفِرَنْج عددٌ كَثِيْر، وَكَانَ الأَمْر إِلَى كُندفرِي، ثُمَّ إِلَى أَخِيْهِ بغدوين وَبيمنت، وَابْن أَخِيْهِ طنكل وَصنجيل هَؤُلاَءِ مُلُوكهُم، ثُمَّ جَاءَ المُسْلِمُوْنَ نَجدَةً لأَنطَاكيَة وَقَدْ أُخِذَت، فَحَاربُوا العَدُوّ أَيَّاماً، وَانتصرُوا، وَهَلَكَ خلقٌ مِنَ العَدُوّ، وَجَاعُوا، وَجَرَى غَيْرُ مَصَافّ.

(19/316)