سير أعلام
النبلاء، ط الرسالة الطَّبَقَةُ السَّابِعَةُ وَالعِشرُونَ
202 - الرَّوَّاسِيُّ أَبُو الفِتيَانِ عُمَرُ بنُ عَبْدِ
الكَرِيْمِ بن سَعدُويه *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُكْثِرُ، الجَوَّالُ،
أَبُو الفتيَان عُمَرُ بن عَبْدِ الكَرِيْمِ بن
سَعْدَوَيْه بن مَهْمَت الدِّهِسْتَانِي (1) ،
الرَّوَّاسِي.
طوَّف فِي هَذَا الشَّأْنِ خُرَاسَانَ وَالحَرَمَيْنِ
وَالعِرَاقَ وَمِصْرَ وَالشَّامَ وَالسوَاحلَ، وَكَانَ
بَصِيْراً بِهَذَا الشَّأْن محققاً.
سَمِعَ بِبلده:المُحَدِّثَ أَبَا مَسْعُوْد البَجَلِيَّ
الرَّازِيَّ وَصَحِبَه.
وَبِنَيْسَابُوْرَ:أَبَا حَفْصٍ بن مَسْرُوْر، وَعبدَ
الغَافِرِ الفَارِسِيّ، وَأَبَا عُثْمَانَ الصَّابونِي.
وَبِحَرَّانَ:مُبَادر بن عَلِيٍّ.
وَبِبَغْدَادَ:القَاضِي أَبَا يَعْلَى بنَ الفَرَّاءِ،
وَأَبَا جَعْفَرٍ بن المُسْلِمَة، وَأَمثَالَهُم.
__________
(*) السياق / الورقة: 58 - 59 أ، الأنساب: 6 / 173، تاريخ
ابن عساكر، المنتظم: 9 / 164، التدوين / الورقة: 311 - 312
أ، العبر: 4 / 6، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 254، مرآة
الزمان: 8 / 20، البداية: 12 / 171 - 172، النجوم الزاهرة:
5 / 200، شذرات الذهب: 4 / 7.
(1) الدهستاني: بكسر الدال المهملة، وسكون السين، وفتح
التاء: نسبة إلى دهستان، وهي بلدة مشهورة عند مازندان،
وجرجان، " الأنساب ": 5 / 378.
(19/317)
حَدَّثَ عَنْهُ:أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ -
شَيْخُه - وَأَبُو حَامِدٍ الغَزَّالِي، وَأَبُو حَفْصٍ
عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الجُرْجَانِيّ، وَمُحَمَّد بن عبد
الوَاحِد الدَّقَّاق، وَالفَقِيْه نَصْرُ بن إِبْرَاهِيْمَ
المَقْدِسِيّ - شَيْخُه - وَهِبَةُ اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ
الأَكْفَانِي، وَالحَافِظ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ
التَّيْمِيّ، وَمُحَمَّد بن الحَسَنِ الجُوينِي، وَعِدَّة،
وَالسِّلَفِيّ بِالإِجَازَةِ، وَقَدِمَ طُوْس فِي آخِرِ
عُمُرِهِ، فَصَحَّحَ عَلَيْهِ
الغَزَّالِي(الصَّحِيْحَيْنِ)، ثُمَّ سَارَ إِلَى مَرْوَ
بِاسْتِدْعَاءِ مُحَدِّثهَا أَبِي بَكْرٍ السَّمْعَانِيِّ
ليحمِلُوا عَنْهُ، فَأَدْرَكَته المَنِيَّةُ بِسَرْخَس.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ بنُ أَبِي عَلِيٍّ الحَافِظ:مَا
رَأَيْتُ فِي تِلْكَ الدِّيَار أَحْفَظَ مِنْهُ، لاَ بَلْ
فِي الدُّنْيَا كُلِّهَا، كَانَ كِتَّاباً جَوَّالاً دَارَ
الدُّنْيَا لِطلب الحَدِيْث، لَقِيْتُهُ بِمَكَّةَ،
وَرَأَيْتُ الشُّيُوْخ يُثْنُوْنَ عَلَيْهِ،
وَيُحْسِنُوْنَ القَوْل فِيْهِ، ثُمَّ لَقِيْتُهُ
بجُرْجَان، وَصَارَ مِنْ إِخْوَاننَا.
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ التَّيْمِيُّ:هُوَ خِرِّيج أَبِي
مَسْعُوْدٍ البَجَلِيّ، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ:دَخَلَ أَبُو
إِسْمَاعِيْلَ دِهِسْتَان، فَاشْتَرَى مِنْ أَبِي رَأْساً
وَدَخَلَ يَأْكُلُه، فَبعثَنِي أَبِي إِلَيْهِ، فَقَالَ
لِي:تَعْرِفُ شَيْئاً؟
قُلْتُ:لاَ.
فَقَالَ لأَبِي:سلِّمه إِلَيَّ، فَسلمنِي إِلَيْهِ،
فَحملنِي إِلَى نَيْسَابُوْرَ، وَأَفَادنِي، وَانْتَهَى
أَمرِي إِلَى حَيْثُ انْتَهَى (1) .
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ:سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِد
يَقُوْلُوْنَ:إِنَّ أَبَا الفتيَانِ سَمِعَ مِنْ ثَلاَثَة
آلاَف وَسِتّ مائَةٍ شَيْخ.
قَالَ خُزَيْمَة بن عَلِيٍّ المَرْوَزِيّ:سَقَطَتْ
أَصَابِعُ عُمَرَ الرَّوَّاسِي فِي الرِّحلَة مِنَ
البَرْدِ.
وَقَالَ الدَّقَّاق فِي(رِسَالَتِهِ):حَدَّثَ عُمَر
بِطُوْسَ بِـ(صَحِيْحِ مُسْلِمٍ)مِنْ غَيْرِ
__________
(1) الخبر بأطول مما هنا في " الأنساب ": 6 / 173.
(19/318)
أَصلِه، وَهَذَا أَقبحُ شَيْء عِنْد
المُحَدِّثِيْنَ.
قُلْتُ:قَدْ تَوسَّعُوا اليَوْمَ فِي هَذَا جِدّاً، وَفِي
ذَلِكَ تَفصيل (1) .
قَالَ:وَحَدَّثَنِي أَنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ
وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَأَنَّهُ سَمِعَ مِنْ
هِبَة اللهِ بن عَبْدِ الوَارِثِ فِي سَنَةِ(456).
قَالَ ابْنُ طَاهِر، وَغَيْرهُ:الرَّوَّاسِي نِسبَة إِلَى
بيع الرُّؤُوس.
وَقَالَ ابْنُ مَاكُوْلا:كتب عَنِّي الرَّوَّاسِي،
وَكَتَبتُ عَنْهُ، وَوجدتُهُ ذكيّاً.
قَالَ السَّمْعَانِيّ:سَمِعْتُ أَبَا الفَضْل أَحْمَد بن
مُحَمَّدٍ السَّرْخَسِيَّ يَقُوْلُ:
لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ بنُ أَبِي الحَسَنِ عَلَيْنَا،
أَملَى، فَحضره عِدَّة، فَقَالَ:أَنَا أَكْتُبُ أَسْمَاءَ
الجَمَاعَة عَلَى الأَصْل، وَسَأَلهُم وَأَثْبَت، فَفِي
المَجْلِسِ الثَّانِي أَخَذَ الْقَلَم، وَكتبهُم كُلَّهُم
عَلَى ظهر قَلْب، وَمَا سَأَلهُم، فَقِيْلَ:كَانُوا
سَبْعِيْنَ نَفْساً.
قَالَ عَبْدُ الغَافِرِ بن إِسْمَاعِيْلَ:عُمَرُ
الرَّوَّاسِي شَيْخٌ مَشْهُوْر، عَارِفٌ بِالطّرق، كتبَ
الكَثِيْرَ، وَجَمَعَ الأَبْوَابَ وَصَنَّفَ، وَكَانَ
سَرِيعَ الكِتَابَة، وَكَانَ عَلَى سِيرَة السَّلَف،
مُعِيلاً مُقِلاًّ، خَرَجَ مِنْ نَيْسَابُوْر إِلَى طُوْس،
فَأَنْزَلَهُ أَبُو حَامِدٍ الغزَّالِي عِنْدَهُ،
وَأَكْرَمَهُ، وَقرَأَ عَلَيْهِ(الصَّحِيح)، ثُمَّ شَرحه.
وَعَنْ أَبِي الفتيَان الرَّوَّاسِي، قَالَ:أُرِيْدُ أَنْ
أَخرج إِلَى مَرْوَ وَسَرْخَسَ عَلَى الطَّرِيْق، وَقَدْ
قِيْلَ:إِنَّهَا مَقْبَرَة العُلَمَاء، فَلاَ أَدْرِي
كَيْفَ يَكُوْن حَالِي بِهَا.
فَمَاتَ:بِهَا، فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَخَمْس مائَة، كَمَا هُوَ مُؤرَّخ عَلَى لَوح قَبْره -
رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - عَاشَ خَمْساً وَسَبْعِيْنَ
سَنَةً.
__________
(1) انظر في " مقدمة ابن الصلاح ": 223 - 224، و" توضيح
الافكار ": 2 / 390 - 391.
(19/319)
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ
تَاجِ الأُمَنَاءِ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ صَاعِدِ بن
سَعِيْدٍ الطُّوْسِيّ، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا
عُمَرُ بنُ أَبِي الحَسَنِ الحَافِظ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ النَّيْسَابُوْرِيّ، أَخْبَرَنَا
أَبُو الحُسَيْنِ الخَفَّاف، أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ
السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو
عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
كَانَ أَخَفَّ النَّاسِ صَلاَةً فِي تَمَامٍ.
وَأَخْبَرَنَاهُ عَالِياً مُحَمَّد بن عَبْد السَّلاَمِ،
وَأَحْمَد بن هِبَةِ اللهِ، عَنْ عبد المُعِزّ بن
مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ،
أَخْبَرَنَا مُحَلَّمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، أَخْبَرَنَا
الخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
إِسْحَاقَ السَّرَّاج...، فَذَكَره.
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم (1) عَنْ
قُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى اسْتحبَاب
تَخفِيفِ الصَّلاَة مَعَ إِتمَام فَرَائِضهَا وَسننهَا،
وَقَدْ حَزَرُوا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كَانَ يَمْكُثُ فِي السُّجُود قَدْرَ عَشْرَ
تَسبيحَاتٍ (2) .
203 - البُرْجِيُّ أَبُو القَاسِمِ غَانِمُ بنُ مُحَمَّدِ
بنِ عُبَيْدِ اللهِ *
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، الأَمِيْنُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ
أَصْبَهَانَ، أَبُو القَاسِمِ غَانِمُ بن
__________
(1) برقم (469) (189) في الصلاة: باب أمر الأئمة في تخفيف
الصلاة في تمام، وأخرجه الترمذي (237) في الصلاة: باب ما
جاء في إذا أم أحدكم الناس فليخفف، والنسائي: 2 / 94، 95
في الامامة: باب ما على الامام من التخفيف، من طريق قتيبة
بن سعيد به، وأخرجه الدارمي: 2 / 228، 229 من طريق شعبة،
عن قتادة، به.
وهو في " المسند " من حديث أنس 3 / 162، 173، 179، 231،
234، 276، 277، 279، 282، 340.
(2) في مسند أحمد: 3 / 162، 163، وسنن أبي داود (888)،
والنسائي: 2 / 224، 225، من طريق سعيد بن جبير، قال: سمعت
أنس بن مالك يقول: ما رأيت أحدا أشبه صلاة بصلاة رسول الله
صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى - يعني عمر بن عبد العزيز
- فحزرنا في ركوعه عشر تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات.
وسنده قابل للتحسين.
(*) الأنساب: 2 / 132 - 133، التحبير: 2 / 10، معجم شيوخ
السمعاني / =
(19/320)
مُحَمَّد بن عُبيد الله بن عُمَرَ بنِ
أَيُّوْبَ البُرجِي، الأَصْبَهَانِيّ، وَهُوَ غَانم بن
أَبِي نَصْرٍ.
وَبُرْجُ:مِنْ قُرَى أَصْبَهَان.
مَوْلِدُهُ:فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة(417).
وَأَجَازَ لَهُ فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ مِنْ
بَغْدَادَ:أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ، وَأَبُو القَاسِمِ
بنُ بِشْرَان، وَالحُسَيْن بن شُجَاعٍ المَوْصِلِيّ مِنْ
بَلَدِهِ، وَالحُسَيْن بن إِبْرَاهِيْمَ الجمَال.
وَسَمِعَ مِنْ:أَبِي نُعَيْمٍ الحَافِظ مَا عِنْدَهُ
مِنْ(مُسْنَد الحَارِثِ بن أَبِي أُسَامَةَ (1)).
وَسَمِعَ مِنْ:أَبِي الحُسَيْنِ بن فَاذشَاه، وَالفَضْل بن
مُحَمَّدٍ القَاشَانِي، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ بن
شَهرِيَار، وَعُمَر بن مُحَمَّدِ بنِ الهَيْثَم، وَعِدَّة.
وَسَمِعَ:(الحليَة)بِفَوْت، وَسَمِعَ(مُسْنَد
الطَّيَالِسِيّ)مِنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَجُزْءَ مُحَمَّدِ
بن عَاصِمٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ:السِّلَفِيّ، وَتَاج الإِسْلاَم أَبُو
بَكْرٍ السَّمْعَانِيّ، وَمُحَمَّد بن أَبِي بَكْرٍ
السِّنْجِيّ، وَأَبُو سَعْدٍ الصَّائِغ، وَأَبُو مُوْسَى
المَدِيْنِيّ، وَالفَضْلُ بن القَاسِمِ الصَّيْدَلاَنِيّ،
وَمَسْعُوْدُ بن أَبِي مَنْصُوْرٍ الجمَال، وَخَلْق.
وَبِالإِجَازَة:أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ (2) ،
وَأَبُو المَكَارِمِ اللَّبَّانُ، وَكَانَ
__________
= الورقة: 189، معجم البلدان: 1 / 373، التقييد / الورقة:
188، دول الإسلام: 2 / 38، العبر: 4 / 24، شذرات الذهب: 4
/ 31، قاموس الاعلام: 2 / 1277.
(1) لم يطبع مسند الحارث، وزوائده على الستة ومسند الامام
أحمد مدرجة في " المطالب العالية " للحافظ ابن حجر، وهو
مطبوع بتحقيق المحدث حبيب الرحمان الاعظمي.
(2) قال في " التحبير ": 2 / 11: كتب إلي الاجازة بجميع
مسموعاته ورواياته، وسمع والدي رحمه الله منه الكثير، ثم
أورد الكتب التي سمعها أبوه منه.
(19/321)
صَالِحاً مُكْثِراً (1) .
مَاتَ:فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ
وَخَمْس مائَة.
وَقِيْلَ:مَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ،
وَالأَوّل أَصحُّ.
وَفِيْهَا مَاتَ:خطيبُ قُرْطُبَة أَبُو القَاسِمِ خَلَفُ
بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ النَّخَّاس، وَأَبُو طَاهِرٍ
اليُوسفِي (2) رَاوِي(سنَن الدَّارَقُطْنِيّ)،
وَالمُحَدِّثُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن أَحْمَدَ بنِ صَابر
الدِّمَشْقِيُّ (3) ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ
الحَسَنِ بنِ بَاكير الكَاتِب، وَالمُعَمَّرُ أَبُو
عَلِيٍّ بنُ نَبْهَانَ الكَاتِب، وَالسُّلْطَانُ مُحَمَّد
بن مَلِكْشَاه (4) ، وَالحَافِظُ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى
بن أَبِي عَمْرٍو بنِ مَنده.
204 - الغَزَّالِيُّ أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، البَحْر، حجَّةُ الإِسْلاَم،
أُعجوبَة الزَّمَان، زَيْنُ الدّين، أَبُو
__________
(1) في " التحبير ": 2 / 10: شيخ صالح، سديد، ثقة، صدوق،
مكثر من الحديث، عمر طويلا حتى حدث بالكثير، وانتشرت
رواياته.
(2) تقدمت ترجمته برقم (188).
(3) سترد ترجمته برقم (246).
(4) سترد ترجمته برقم (293).
(*) تبيين كذب المفتري: 291 - 306، المنتظم: 9 / 168 -
170، منتخب السياق / الورقة: 20، اللباب: 2 / 379، الكامل
لابن الأثير 10 / 491 طبقات ابن الصلاح: 21 / 2 - 23 / 2،
وفيات الأعيان: 4 / 216 - 219، المختصر في أخبار البشر: 2
/ 237، تاريخ الإسلام: 4 / 173 / 2 - 176 / 2، دول
الإسلام: 2 / 34، العبر: 4 / 10، تتمة المختصر: 2 / 35،
المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 37 - 38، الوافي بالوفيات: 1
/ 274 - 277، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 262 - 267، مرآة
الجنان: 3 / 177 - 192، مرآة الزمان: 8 / 25 - 26، طبقات
الشافعية للسبكي: 6 / 191 - 289، طبقات الانسوي: 2 / 242 -
245، البداية: 12 / 173 - 174، وفيات ابن قنفذ: 266 - 267،
النجوم الزاهرة: 5 / 203، الانس الجليل: 1 / 265، مفتاح
السعادة: 2 / 332 - 336، 341 - 343، 347 - 350، 560 - 562،
أسماء الرجال لابن هداية الله: 64، طبقات ابن هداية الله:
(خ) 69 - 71، كشف الظنون: 12، 23، 24، 36، شذرات الذهب: 4
/ 10 - 13، إتحاف السادة المتقين: 1 / 6 - 53، روضات
الجنان: 180 =
(19/322)
حَامِد مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الطُّوْسِيّ، الشَّافِعِيّ،
الغَزَّالِي، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، وَالذَّكَاءِ
المُفرِط.
تَفقَّه بِبَلَدِهِ أَوَّلاً، ثُمَّ تَحَوَّل إِلَى
نَيْسَابُوْرَ فِي مُرَافقَة جَمَاعَة مِنَ الطَّلبَة،
فَلاَزمَ إِمَامَ الحَرَمَيْنِ، فَبَرع فِي الفِقْه فِي
مُدَّة قَرِيْبَة، وَمَهَر فِي الكَلاَمِ وَالجَدَل،
حَتَّى صَارَ عينَ المنَاظرِيْنَ، وَأَعَادَ لِلطَّلبَة،
وَشَرَعَ فِي التَّصنِيف، فَمَا أَعْجَب ذَلِكَ شَيْخَه
أَبَا المعَالِي، وَلَكِنَّهُ مُظْهِرٌ لِلتبجُّح بِهِ،
ثُمَّ سَارَ أَبُو حَامِدٍ إِلَى المُخَيَّم السُّلطَانِي،
فَأَقْبَل عَلَيْهِ نِظَامُ المُلك الوَزِيْر، وَسُرَّ
بِوجُوْده، وَنَاظرَ الكِبَارَ بِحَضْرَته، فَانبهر لَهُ،
وَشَاعَ أَمْرُهُ، فَولاَّهُ النِّظَام تَدْرِيْس
نِظَامِيَة بَغْدَاد، فَقَدمهَا بَعْدَ الثَّمَانِيْنَ
وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَسنّه نَحْو الثَّلاَثِيْنَ، وَأَخَذَ
فِي تَأْلِيفِ الأُصُوْلِ وَالفِقْهِ وَالكَلاَمِ
وَالحِكْمَةِ، وَأَدخله سَيلاَنُ ذِهْنه فِي مضَايق
الكَلاَمِ، وَمَزَالِّ الأَقدَام، وَلله سِرٌّ فِي
خَلْقِهِ (1) .
وَعَظُمَ جَاهُ الرَّجُل، وَازدَادت حِشمتُه، بِحَيْثُ
إِنَّهُ فِي دسْت أَمِيْرٍ، وَفِي رُتْبَةِ رَئِيْسٍ
كَبِيْر، فَأَدَّاهُ نَظرُه فِي العُلُوْم، وَمُمَارستُهُ
لأَفَانِيْنِ الزُّهْديَات إِلَى رفض الرِّئَاسَة،
وَالإِنَابَة إِلَى دَارِ الْخُلُود، وَالتَأَلُّه،
وَالإِخلاَصِ، وَإِصْلاَحِ النَّفْس، فَحجَّ مِنْ وَقته،
وَزَار بَيْت المَقْدِسِ، وَصَحِبَ الفَقِيْهَ نَصْرَ بنَ
إِبْرَاهِيْمَ (2) بِدِمَشْقَ، وَأَقَامَ مُدَّةً،
وَأَلَّف كِتَاب(الإِحيَاء)، وَكِتَابَ
__________
= 185، إيضاح المكنون: 2 / 11 - 171، هدية العارفين: 2 /
79 - 81، بروكلمان: 1408 - 1416، معجم المؤلفين: (11 / 266
- 269، المجد دون في الإسلام: 181 - 184.
(1) يراجع كتاب " الحقيقة عند الغزالي " تأليف الدكتور
سليمان دنيا، فقيه دراسة جادة للغزالي حري بكل طالب علم أن
يقف عليها.
(2) المقدسي، قال السبكي: 6 / 197: وكان الغزالي يكثر
الجلوس في زاويته بالجامع الأموي المعروفة اليوم بالغزالية
نسبة إليه، وكانت تعرف قبله بالشيخ نصر المقدسي.
(19/323)
(الأَرْبَعِيْنَ)، وَكِتَاب(القِسطَاس)،
وَكِتَاب(مَحكّ النَّظَر).
وَرَاض نَفْسَه وَجَاهدهَا، وَطرد شيطَانَ الرُّعونَة،
وَلَبِسَ زِيَّ الأَتقيَاء، ثُمَّ بَعْدَ سَنَوَاتٍ سَارَ
إِلَى وَطنه، لاَزماً لِسَنَنه، حَافِظاً لِوَقْتِهِ،
مكباً عَلَى العِلْم.
وَلَمَّا وَزَرَ فَخرُ المُلك، حضَر أَبَا حَامِد، وَالتمس
مِنْهُ أَنْ لاَ يُبقِيَ أَنفَاسَه عقيمَة، وَأَلحَّ عَلَى
الشَّيْخ، إِلَى أَنْ لاَن إِلَى الْقدوم إِلَى
نَيْسَابُوْرَ، فَدرَّس بِنظَامِيتهَا.
فَذكر هَذَا وَأَضعَافَه عَبْد الغَافِرِ
فِي(السِّيَاق)...، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَلَقَدْ زرتُه مرَاراً، وَمَا كُنْت أَحْدُسُ فِي نَفْسِي
مَعَ مَا عَهِدْتُه عَلَيْهِ مِنَ الزَّعَارَّة (1)
وَالنَّظَر إِلَى النَّاسِ بعينِ الاسْتخفَاف كِبراً
وَخُيَلاَءَ، وَاعتزَازاً بِمَا رُزِقَ مِنَ البسطَة،
وَالنُّطق، وَالذِّهن، وَطلب الْعُلُوّ؛أَنَّهُ صَارَ
عَلَى الضِّدِّ، وَتَصفَّى عَنْ تِلْكَ الكُدورَات،
وَكُنْتُ أَظنُّه متلفعاً بجلبَاب التَّكلُّف، مُتنمِّساً
بِمَا صَارَ إِلَيْهِ، فَتحقَّقت بَعْد السَّبْرِ
وَالتَّنْقِيْرِ أَنَّ الأَمْر عَلَى خِلاَف المَظنُوْنِ،
وَأَنَّ الرَّجُل أَفَاق بَعْدَ الجُنُوْنِ، وَحَكَى لَنَا
فِي لَيَالٍ كَيْفِيَةَ أَحْوَالِه مِنِ ابْتدَاء مَا
أُظْهِرَ لَهُ طَرِيْق التَأَلُّه، وَغلبَة الحَال
عَلَيْهِ بَعْد تَبحُّرِه فِي العُلُوْم، وَاسْتطَالتِهِ
عَلَى الكُلّ بكلاَمه، وَالاستعدَادِ الَّذِي خصَّه الله
بِهِ فِي تَحْصِيل أَنْوَاعِ العُلُوْم، وَتَمكُّنه مِنَ
الْبَحْث وَالنَّظَر، حَتَّى تَبرَّم بِالاشتغَال
بِالعُلُوْم العَرِيَّة عَنِ المعَامَلَة، وَتَفكَّر فِي
العَاقبَة، وَمَا يَبْقَى فِي الآخِرَةِ، فَابْتدَأَ
بصُحبَة الشَّيْخ أَبِي عَلِيٍّ الفَارْمَذِي (2) ،
فَأَخَذَ مِنْهُ اسْتفتَاحَ الطّرِيقَة، وَامتثل مَا كَانَ
يَأْمُرُه بِهِ مِنَ
__________
(1) الزعارة بتشديد الراء مثل حمارة الصيف، وبتخفيف الراء
عن اللحياني، أي: ؟ راسة وسوء خلق لا يتصرف منه فعل.
(2) نسبة إلى فارمذ: قرية من قرى طوس، قال السمعاني في "
الأنساب ": 9 / 218، 219: والمشهور بالنسبة إليها أبو علي
الفضل بن محمد بن علي الفارمذي لسان =
(19/324)
العبَادَات وَالنَّوَافل وَالأَذكَار
وَالاجْتِهَاد طلباً لِلنَّجَاة، إِلَى أَنْ جَاز تِلْكَ
العِقَابَ، وَتَكلَّفَ تِلْكَ المشَاق، وَمَا حَصَلَ عَلَى
مَا كَانَ يَرومُهُ.
ثُمَّ حَكَى أَنَّهُ رَاجع العُلُوْمَ، وَخَاض فِي
الفُنُوْنِ الدَّقيقَة، وَالْتَقَى بِأَربَابِهَا حَتَّى
تَفتَّحت لَهُ أَبْوَابُهَا، وَبَقِيَ مُدَّةً فِي
الوقَائِع وَتَكَافؤ الأَدِلَّة، وَفُتِحَ عَلَيْهِ بَابٌ
مِنَ الخَوفِ بِحَيْثُ شَغَلَه عَنْ كُلِّ شَيْء، وَحَمَله
عَلَى الإِعرَاض عَمَّا سِوَاهُ، حَتَّى سَهُلَ ذَلِكَ
عَلَيْهِ، إِلَى أَنِ ارْتَاضَ، وَظهرت لَهُ الحقَائِقُ،
وَصَارَ مَا كُنَّا نَظَنُّ بِهِ نَاموساً وَتَخلقاً،
طبعاً وَتَحققاً، وَأَنَّ ذَلِكَ أَثَرُ السَّعَادَة
المُقَدَّرَة لَهُ.
ثُمَّ سَأَلنَاهُ عَنْ كَيْفِيَةِ رَغبَته فِي الخُرُوْجِ
مِنْ بَيْتِهِ، وَالرُّجُوْع إِلَى مَا دُعِي إِلَيْهِ،
فَقَالَ معتذراً:مَا كُنْتُ أُجَوِّزُ فِي دينِي أَنْ أَقف
عَنِ الدَّعوَة، وَمنفعَة الطَّالبين، وَقَدْ خفَّ (1)
عليَّ أَنْ أَبوح بِالحَقِّ، وَأَنطِقَ بِهِ، وَأَدعُوَ
إِلَيْهِ، وَكَانَ صَادِقاً فِي ذَلِكَ، فَلَمَّا خفَّ
أَمرُ الوَزِيْر، وَعلم أَن وُقُوفَه عَلَى مَا كَانَ
فِيْهِ ظُهُوْرُ وَحشَةٍ وَخيَالُ طلبِ جَاهٍ، تَرَكَ
ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُتْرَكَ، وَعَاد إِلَى بَيْته،
وَاتَّخَذَ فِي جَوَاره مدرسَةً لِلطَّلبَة، وَخَانقَاه
لِلصُّوْفِيَة، وَوزَّع أَوقَاتَه عَلَى وَظَائِف
الحَاضرِيْنَ مِنْ ختم القُرْآن، وَمُجَالَسَةِ ذَوِي
القُلوبِ، وَالقُعُوْد لِلتَّدرِيس، حَتَّى تُوُفِّيَ
بَعْدَ مُقَاسَاةٍ لأَنْوَاع مِنَ الْقَصْد،
وَالمُنَاوَأَةِ مِنَ الخُصُوْم، وَالسَّعِي فِيْهِ إِلَى
المُلُوْك، وَحفظ الله لَهُ عَنْ نوشِ أَيدي النّكبَات.
إِلَى أَنْ قَالَ:وَكَانَتْ خَاتمَةُ أَمره إِقبالَه عَلَى
طلب الحَدِيْث، وَمُجَالَسَة
__________
= خراسان وشيخها، وصاحب الطريقة الحسنه من تربية المريدين
والاصحاب، وكان مجلس وعظه على ما سمعت كروضة فيها أنواع
الازهار والثمار...توفي سنة 477 ه تقدمت ترجمته في الجزء
الثامن عشر (294).
(1) في " طبقات السبكي ": 6 / 210: حق.
(19/325)
أَهْله، وَمُطَالَعَة(الصَّحِيْحَيْنِ
(1))، وَلَوْ عَاشَ، لسبق الكُلَّ فِي ذَلِكَ الْفَنّ
بِيَسِيْرٍ مِنَ الأَيَّام.
قَالَ:وَلَمْ يَتفق لَهُ أَنْ يَرْوِيَ، وَلَمْ يُعْقِبْ
إِلاَّ البنَاتِ، وَكَانَ لَهُ مِنَ الأَسبَاب إِرثاً
وَكسباً مَا يَقومُ بِكفَايته، وَقَدْ عُرِضَتْ عَلَيْهِ
أَمْوَالٌ، فَمَا قَبِلَهَا.
قَالَ:وَمِمَّا كَانَ يُعترض بِهِ عَلَيْهِ وُقوعُ خَلَلٍ
مِنْ جِهَةِ النَّحْو فِي أَثْنَاء كلاَمِه، وَرُوجِعَ
فِيْهِ، فَأَنِصْف، وَاعْتَرف أَنَّهُ مَا مَارسه،
وَاكتفَى بِمَا كَانَ يَحتَاج إِلَيْهِ فِي كلاَمه، مَعَ
أَنَّهُ كَانَ يُؤَلِّفُ الخُطب، وَيَشرحُ الكُتُبَ
بِالعبَارَة الَّتِي يَعْجِزُ الأَدبَاءُ وَالفُصحَاءُ
عَنْ أَمْثَالِهَا.
وَمِمَّا نُقِمَ عَلَيْهِ مَا ذكر مِنَ الأَلْفَاظ
المُسْتبشعَة بِالفَارِسيَة فِي كِتَاب(كِيمِيَاء
السَّعَادَة وَالعُلُوْم)وَشرح بَعْض الصُوْر وَالمَسَائِل
بِحَيْثُ لاَ تُوَافِقُ مَرَاسِمَ الشَّرع وَظوَاهر مَا
عَلَيْهِ قَوَاعدُ المِلَّةِ، وَكَانَ الأَوْلَى بِهِ -
وَالحَقُّ أَحقُّ مَا يُقَالَ - تركَ ذَلِكَ التَّصنِيف،
وَالإِعرَاضَ عَنِ الشَّرح لَهُ، فَإِنَّ العوَامَّ
رُبَّمَا لاَ يُحْكِمُوْنَ أُصُوْلَ القوَاعد بِالبرَاهين
وَالحجج، فَإِذَا سَمِعُوا شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ، تخيَّلُوا
مِنْهُ مَا هُوَ المُضِرُّ بعقَائِدهِم، وَيَنسِبُوْنَ
ذَلِكَ إِلَى بيَانِ مَذْهَبِ الأَوَائِل، عَلَى أَنَّ
المُنْصِفَ اللّبِيْب إِذَا رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ، عَلِمَ
أَنَّ أَكْثَر مَا ذَكَرَهُ مِمَّا رَمَزَ إِلَيْهِ
إِشَارَاتُ الشَّرع، وَإِنْ لَمْ يَبُحْ بِهِ، وَيُوجَدُ
أَمثَالُهُ فِي كَلاَم مَشَايِخ الطّرِيقَة مَرْمُوزَةً،
وَمُصَرَّحاً بِهَا متفرقَة، وَلَيْسَ لفظٌ مِنْهُ إِلاَّ
وَكَمَا تُشعر سَائِرُ وُجُوْهِه بِمَا
__________
(1) ذكر الحافظ ابن عساكر كما سينقله المؤلف عنه 334: أنه
سمع صحيح البخاري من أبي سهل محمد بن عبيد الله الحفصي.
وتقدم في ترجمة الرواسي ص 318 أنه قدم طوس في آخر عمره،
فصحح عليه الامام الغزالي " الصحيحين " وفي الترجمة أيضا ص
319 أنه لما قدم طوس، أنزله أبو حامد الغزالي عنده،
وأكرمه، وقرأ عليه الصحيح ثم شرحه.
(19/326)
يُوَافق عقَائِدَ أَهْلِ الملَّة (1) ،
فَلاَ يَجِبُ حَملُه إِذاً إِلاَّ عَلَى مَا يُوَافق،
وَلاَ يَنْبَغِي التَّعلُّقُ بِهِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ
إِذَا أَمكن، وَكَانَ الأَوْلَى بِهِ أَنْ يَتْرُكَ
الإِفصَاحَ بِذَلِكَ، وَقَدْ سَمِعْتُ أَنَّهُ
سَمِعَ(سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ)مِنَ القَاضِي أَبِي الفَتْحِ
الحَاكمِي الطُّوْسِيّ (2) ، وَسَمِعَ مِنْ مُحَمَّد بن
أَحْمَدَ الخُوَارِي وَالِدِ عبد الجَبَّارِ
كِتَابَ(المَوْلِد)لابْنِ أَبِي عَاصِمٍ بِسمَاعِه مِنْ
أَبِي بَكْرٍ بنِ الحَارِثِ عَنْ أَبِي الشَّيْخِ عَنْهُ.
قُلْتُ:مَا نَقَمَهُ عَبْدُ الغَافِرِ عَلَى أَبِي حَامِد
فِي الكيمِيَاء، فَلَهُ أَمثَالُه فِي غُضون
تَوَالِيْفِهِ، حَتَّى قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ
العربِي:شَيخُنَا أَبُو حَامِدٍ بَلَعَ الفَلاسفَةَ،
وَأَرَادَ أَنْ يَتَقَيَّأَهُم، فَمَا اسْتَطَاعَ.
وَمِنْ(مُعْجَم أَبِي عَلِيٍّ الصدفِي)، تَأْلِيفُ
القَاضِي عِيَاض لَهُ، قَالَ:
وَالشَّيْخ أَبُو حَامِدٍ ذُو الأَنبَاء الشَّنِيعَة،
وَالتَّصَانِيْفِ العَظِيْمَة، غلاَ فِي طرِيقَة
التَّصَوُّف، وَتَجرَّد لنَصر مَذْهَبهم، وَصَارَ
دَاعِيَةً فِي ذَلِكَ، وَأَلَّف فِيْهِ تَوَالِيفه
المَشْهُوْرَة، أُخِذَ عَلَيْهِ فِيْهَا مَوَاضِعُ،
وَسَاءت بِهِ ظُنُوْنُ أُمَةٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ
بِسِرِّهِ، وَنَفَذَ أَمرُ السُّلْطَان عِنْدنَا
بِالمَغْرِبِ وَفَتْوَى الفُقَهَاء بِإِحرَاقهَا وَالبُعدِ
عَنْهَا، فَامْتُثِلَ ذَلِكَ.
مَوْلِدُهُ:سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قُلْتُ:مَا زَالَ العُلَمَاءُ يَخْتلِفُوْنَ، وَيَتَكَلَّم
العَالِمُ فِي العَالِم باجْتِهَاده، وَكُلٌّ مِنْهُم
مَعْذُور مَأْجُور، وَمَنْ عَاند أَوْ خرق الإِجْمَاعَ،
فَهُوَ مَأْزور، وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأُمُوْر.
__________
(1) النص في " الطبقات " 6 / 213: وليس لفظ منه إلا وكما
يشعر أحد وجوهه بكلام موهم، فإنه يشعر سائر وجوهه بما
يوافق عقائد أهل الملة.
(2) في الطبقات زيادة: وما عثرت على سماعه.
(19/327)
وَلأَبِي المُظَفَّر يُوْسُف سِبْطِ ابْنِ
الجَوْزِيّ فِي كِتَاب(رِيَاض الأَفهَام)فِي مَنَاقِب
أَهْلِ البَيْت قَالَ:
ذَكَرَ أَبُو حَامِدٍ فِي كِتَابِهِ(سِرّ العَالمين وَكشف
مَا فِي الدَّارين)فَقَالَ فِي حَدِيْث:(مَنْ كُنْتُ
مَوْلاَهُ، فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ (1))أَنَّ عُمَر قَالَ
لعلِي:بخٍ بخٍ، أَصْبَحتَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ
وَمُؤْمِنَة.
قَالَ أَبُو حَامِدٍ:وَهَذَا تَسْلِيمٌ وَرِضَىً، ثُمَّ
بَعْد هَذَا غَلَبَ عَلَيْهِ الهَوَى حُباً لِلرِّيَاسَة،
وَعَقْدِ البُنُوْد، وَأَمرِ الخِلاَفَة وَنَهيهَا،
فَحملهُم عَلَى الخلاَف، فَنبذُوهُ وَرَاءَ ظُهُوْرهِم،
وَاشتَرَوْا بِهِ ثَمناً قليلاً، فَبِئس مَا يَشترُوْنَ،
وَسَرَدَ كَثِيْراً مِنْ هَذَا الكَلاَم الفَسْلِ الَّذِي
تَزعمُهُ الإِمَامِيَّة، وَمَا أَدْرِي مَا عُذْرُهُ فِي
هَذَا؟وَالظَّاهِر أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ، وَتبع الحَقَّ،
فَإِنَّ الرَّجُل مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ - وَاللهُ
أَعْلَمُ - .
هَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا وَضَع هَذَا وَمَا ذَاكَ
بِبعيد، فَفِي هَذَا التَّأْلِيف بَلاَيَا لاَ تَتَطَبَّب،
وَقَالَ فِي أَوَّله:إِنَّهُ قرَأَه عَلَيْهِ مُحَمَّدُ
بنُ تُوْمرت المَغْرِبِيّ سِرّاً بِالنَّظَامِيَة،
قَالَ:وَتوسَّمْتُ فِيْهِ المُلْكَ.
قُلْتُ:قَدْ أَلَّفَ الرَّجُلُ فِي ذَمِّ الفَلاَسِفَة
كِتَاب(التهَافت)، وَكَشَفَ عوَارهُم، وَوَافقهُم فِي
موَاضِع ظنّاً مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ حقٌّ، أَوْ مُوَافِقٌ
لِلملَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْمٌ بِالآثَار وَلاَ
خِبْرَةٌ بِالسُّنَنِ النَّبويَّة القَاضِيَة عَلَى
العَقْل، وَحُبِّبَ إِلَيْهِ إِدمَانُ النَّظَر فِي
كِتَاب(رَسَائِلِ إِخْوَانِ الصَّفَا)وَهُوَ دَاءٌ عُضَال،
وَجَرَبٌ مُرْدٍ، وَسُمٌّ قَتَّالٌ، وَلَوْلاَ أَنَّ أَبَا
حَامِد مِنْ كِبَارِ الأَذكيَاء، وَخيَارِ المُخلِصينَ،
لَتَلِفَ.
فَالحِذَارَ الحِذَارَ مِنْ هَذِهِ الكُتُب، وَاهرُبُوا
بدينكُم مِنْ شُبَهِ الأَوَائِلِ، وَإِلاَّ
__________
(1) حديث صحيح رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن
أرقم، والبراء بن عازب، وبريدة، وسعد بن أبي وقاص، وعلي،
وأبو أيوب، وابن عباس.
انظر " المسند " 1 / 84 و118 و152 و330، و4 / 281 و368
و372 و5 / 347 و350 و358 و361 و370، والترمذي (3713) وابن
ماجة (116) و(121) وابن حبان (2204) و(2205) والحاكم 3 /
109 و110 و132 - 134.
(19/328)
وَقعتُم فِي الحَيْرَةِ، فَمَنْ رَام
النَّجَاةَ وَالفوز، فَليلزمِ العُبُوديَّة، وَليُدْمِنِ
الاسْتغَاثَةَ بِاللهِ، وَليبتهِلْ إِلَى مَوْلاَهُ فِي
الثَّبَاتِ عَلَى الإِسْلاَمِ وَأَنْ يُتوفَّى عَلَى
إِيْمَانِ الصَّحَابَة، وَسَادَةِ التَّابِعِيْنَ، وَاللهُ
الْمُوفق، فَبِحُسْنِ قَصْدِ العَالِمِ يُغْفَرُ لَهُ
وَيَنجُو - إِنْ شَاءَ اللهُ - .
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو بنُ الصَّلاَح:فَصلٌ لِبيَانِ
أَشيَاء مُهِمَّةٍ أُنْكِرَتْ عَلَى أَبِي حَامِد:
فَفِي تَوَالِيْفِهِ أَشيَاءُ لَمْ يَرتضِهَا أَهْلُ
مَذْهَبه مِنَ الشُّذوذ، مِنْهَا قَوْله فِي الْمنطق:هُوَ
مقدمَة العُلُوْمِ كُلِّهَا، وَمَنْ لاَ يُحيطُ بِهِ،
فَلاَ ثِقَة لَهُ بِمَعلُوْم أَصلاً (1) .
قَالَ:فَهَذَا مَرْدُوْدٌ، إِذْ كُلُّ صَحِيْحِ الذّهن
منطقِيٌّ بِالطَّبع، وَكم مِنْ إِمَام مَا رَفَعَ
بِالمنطِق رَأْساً.
فَأَمَّا كِتَاب(المضنُوْنِ بِهِ عَلَى غَيْر
أَهْله)فَمَعَاذَ اللهِ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ، شَاهدتُ عَلَى
نسخَة بِهِ بِخَطِّ القَاضِي كَمَال الدّين مُحَمَّد بن
عَبْدِ اللهِ الشَّهْرُزُورِي أَنَّهُ مَوْضُوْع عَلَى
الغزَالِي، وَأَنَّهُ مُخْتَرع مِنْ كِتَاب(مَقَاصِد
الفَلاَسِفَة)، وَقَدْ نَقضه الرَّجُلُ
بِكِتَابِ(التَّهَافُت) (2) .
__________
(1) قال ذلك في " المستصفى ": 1 / 10، وهذا المنطق الصوري
اليوناني الذي امتدحه الغزالي بقوله: " من لا يحيط به فلا
ثقة له بعلومه أصلا " لا يحتاج إليه الذكي، ولا ينتفع به
البليد، وكثير من قضاياه لا تصح، وقد كان سببا في إفساد
عقلية كثير من العلماء وانحرافهم عن منهج النبوة، وطريقة
السلف المشهود لهم بالخيرية على لسان من لا ينطق عن الهوى.
والتعليق هنا لا يتسع لبيان ما في هذا العلم من خطأ وفساد،
ومن أراد معرفة ذلك بالتفصيل، فليرجع إلى كتاب " الرد على
المنطقيين " لشيخ الإسلام، فإنه قد أتى على بنيان هذا
العلم من القواعد، وهتكه هتكا بالحجج الدامغة، والبراهين
الواضحة.
(2) انظر لزاما ما كتبه عن نسبة كتاب " المضنون به على غير
أهله " للغزالي الدكتور سليمان دنيا في كتابه " الحقيقة
عند الغزالي ".
(19/329)
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ الجيلِي
فِي(تَارِيْخِهِ):أَبُو حَامِدٍ لُقِّبَ بِالغزَّالِي،
بَرَعَ فِي الفِقْه، وَكَانَ لَهُ ذكَاءٌ وَفِطْنَة
وَتَصرُّف، وَقُدرَة عَلَى إِنشَاء الكَلاَم، وَتَأْلِيفِ
المَعَانِي، وَدَخَلَ فِي عُلُوْمِ الأَوَائِل.
إِلَى أَنْ قَالَ:وَغَلَبَ عَلَيْهِ اسْتَعمَالُ
عبَارَاتِهم فِي كُتُبِهِ، وَاسْتُدْعِيَ لِتَدْرِيْس
النِّظَامِيَة بِبَغداد فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ
وَثَمَانِيْنَ، وَبَقِيَ إِلَى أَنْ غلبت عَلَيْهِ
الخلوَةُ، وَترك التَدْرِيْسَ، وَلَبِسَ الثِّيَابَ
الخشنَةَ، وَتَقلَّل فِي مَطْعُومه.
إِلَى أَنْ قَالَ:وَجَاورَ بِالقُدْس، وَشرع
فِي(الإِحيَاء)هُنَاكَ - أَعنِي:بِدِمَشْقَ - وَحَجَّ
وَزَار، وَرجع إِلَى بَغْدَادَ، وَسُمِعَ مِنْهُ
كِتَابُهُ(الإِحيَاء)، وَغَيْرُهُ، فَقَدْ حَدَّثَ بِهَا
إِذاً، ثُمَّ سَرَدَ تَصَانِيْفَه.
وَقَدْ رَأَيْت كِتَابَ(الْكَشْف وَالإِنبَاء عَنْ كِتَاب
الإِحيَاء)لِلمَازَرِي، أَوله:الحَمْدُ للهِ الَّذِي
أَنَار الحَقَّ وَأَدَالَه، وَأَبَارَ البَاطِلَ
وَأَزَاله، ثُمَّ أَوْرَد المَازَرِي أَشيَاءَ مِمَّا
نَقدَه عَلَى أَبِي حَامِد، يَقُوْلُ:
وَلَقَدْ أَعْجَبُ مِنْ قَوْم مَالِكيَةٍ يَرَوْنَ
مَالِكاً الإِمَام يَهْرُبُ مِنَ التّحديد، وَيُجَانب أَنْ
يَرْسُمَ رسماً، وَإِنْ كَانَ فِيْهِ أَثرٌ مَا، أَوْ
قيَاسٌ مَا، تَوَرُّعاً وَتحفظاً مِنَ الفَتْوَى فِيمَا
يَحْمِلُ النَّاسَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَسْتَحسنُوْنَ مِنْ
رَجُل فَتَاوَى مبنَاهَا عَلَى مَا لاَ حقيقَة لَهُ،
وَفِيْهِ كَثِيْرٌ مِنَ الآثَار عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لفَّق فِيْهِ الثَّابتَ
بِغَيْرِ الثَّابت، وَكَذَا مَا أَوْرَد عَنِ السَّلَفِ
لاَ يَمكن ثبوتُهُ كُلُّه، وَأَوْرَدَ مِنْ نَزغَاتِ
الأَوليَاء وَنفثَات الأَصفِيَاء مَا يَجِلُّ موقِعُه،
لَكِن مزج فِيْهِ النَّافِعَ بِالضَّار، كَإِطلاَقَات
يَحكيهَا عَنْ بعضهِم لاَ يَجُوْزُ إِطلاَقُهَا
لِشنَاعتهَا، وَإِنْ أُخذت معَانِيْهَا عَلَى ظوَاهرهَا،
كَانَتْ كَالرموز إِلَى قدح الْمُلْحِدِينَ، وَلاَ
تَنْصَرِفُ مَعَانِيْهَا إِلَى الحَقّ إِلاَّ بِتعسُّف
عَلَى اللَّفْظ مِمَّا لاَ يَتكلف العُلَمَاءُ مِثْله
إِلاَّ فِي كَلاَم صَاحِب الشَّرع الَّذِي اضْطرَّتْ
المعجزَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى صدقه المَانعَة مِنْ جَهله
وَكذبه إِلَى طلب التَّأْوِيْل، كَقَوْلِه:(إِنَّ القَلْبَ
بَيْنَ أُصْبَعَيْنِ
(19/330)
مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَن (1)).
وَ(إِنَّ السَّمَاوَاتِ عَلَى إِصْبَع (2)).
وَكقوله:(لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ (3)).
وَكقوله:(يَضْحَكُ اللهُ (4))...إِلَى غَيْر
__________
(1) أخرجه مسلم (2654) في القدر: باب تصريف الله تعالى
القلوب كيف شاء، وأحمد: 2 / 168 عن عبد الله بن عمرو بن
العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن
قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد،
يصرفه حيث شاء " ثم قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم مصرف القلوب، صرف قلوبنا
على طاعتك ".
وفي الباب عند الترمذي (2140) في القدر، وابن ماجة (3834)
في الدعاء، وأحمد 3 / 112، 257 عن أنس قال: كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: " اللهم ثبت قلبي على
دينك " فقال رجل: يا رسول الله تخاف علينا وقد آمنا بك
وصدقناك بما جئت به ؟ فقال: " إن القلوب بين أصبعين من
أصابع الرحمان عزوجل يقلبها ".
وهو عند ابن ماجة (199) في المقدمة، وأحمد: 4 / 182 عن
النواس بن سمعان.
(2) أخرجه البخاري (4811) في التفسير، و(7414) و(7415)
و(7451) و7513) ومسلم (2786) في صفات المنافقين، والترمذي
(3239) في التفسير، وأحمد 1 / 457 عن عبد الله بن مسعود
قال: جاء حبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد
! إن الله تعالى يمسك السماوات يوم القيامة على إصبع،
والارضين على إصبع، والجبال والشجر على إصبع، والماء
والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يهزهن فيقول:
أنا الملك، أنا الملك.
فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبا مما قاله الحبر
تصديقا له.
ثم قرأ (وما قدروا الله حق قدره، والارض جميعا قبضته يوم
القيامة، والسماوات مطويات بيمينه، سبحانه وتعالى عما
يشركون) .
وفي الباب عن عبد الله بن عباس عند الترمذي (3240).
(3) أخرجه مسلم (179) في الايمان، وابن ماجة (195) و(196)
في المقدمة، وأحمد: 4 / 400 - 401 عن أبي موسى الأشعري
قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات،
فقال: " إن الله عزوجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض
القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل
النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لاحرقت سبحات
وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ".
ومعنى قوله: يخفض القسط: قيل: أراد به الميزان، وقيل أراد
بالقسط الرزق الذي هو قسط كل مخلوق، يخفضه مرة فيقتره،
ويرفعه مرة فيبسطه، ومعنى سبحات وجهه: أي نوره وجلاله
وبهاؤه.
(4) أخرجه البخاري (2826) في الجهاد، ومسلم (1890) في
الامارة، ومالك في
" الموطأ ": 2 / 460، والنسائي: 6 / 38 و39، وابن ماجة
(191) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: " يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما
الآخر كلاهما يدخل الجنة " فقالوا: كيف يا رسول الله ؟
قال: " يقاتل هذا في سبيل الله عزوجل، فيستشهد، ثم يتوب
الله على القاتل فيسلم، فيقاتل في سبيل الله عزوجل فيستشهد
".
(19/331)
ذَلِكَ مِنَ الأَحَادِيْثِ الوَارد
ظَاهِرُهَا بِمَا أَحَاله العَقْلُ.
إِلَى أَنْ قَالَ:فَإِذَا كَانَتِ العِصْمَةُ غَيْرَ
مَقْطُوْع بِهَا فِي حقِّ الوَلِي، فَلاَ وَجه لإِضَافَة
مَا لاَ يَجُوْزُ إِطلاَقُهُ إِلَيْهِ، إِلاَّ أَنْ
يَثْبُتَ، وَتَدعُو ضَرُوْرَةٌ إِلَى نَقله، فَيَتَأَوّل.
إِلَى أَنْ قَالَ:أَلاَ تَرَى لَوْ أَنَّ مُصَنِّفاً
أَخَذَ يَحكِي، عَنْ بَعْضِ الحشويَة مَذْهَبَه فِي قِدَمَ
الصَّوتِ وَالحرف، وَقِدَمَ الوَرَقِ، لَمَّا حَسُنَ بِهِ
أَنْ يَقُوْل:قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقين:إِنَّ القَارِئَ
إِذَا قرَأَ كِتَابَ اللهِ، عَادَ القَارِئُ فِي نَفْسِهِ
قديماً بَعْدَ أَنْ كَانَ مُحْدَثاً، أَوْ قَالَ بَعْضُ
الحذَاق:إِنَّ اللهَ مَحَلٌّ لِلْحوَادث، إِذَا أَخَذَ فِي
حِكَايَة مَذْهَب الكَرَّامِيَّةِ.
وَقَالَ قَاضِي الجَمَاعَة أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ
بنُ حَمْدين القُرْطُبِيّ:إِن بَعْضَ مَنْ يَعِظُ مِمَّنْ
كَانَ يَنْتَحِلُ رسمَ الفِقْه، ثُمَّ تَبرَّأَ مِنْهُ
شغفاً بِالشِّرعَة الغزَّاليَة، وَالنِّحلَة
الصُّوْفِيَّة، أَنشَأَ كُرَاسَةً تَشْتَمِلُ عَلَى
مَعْنَى التعصُّب لِكِتَابِ أَبِي حَامِد إِمَام
بِدعتِهِم، فَأَيْنَ هُوَ مِنْ شُنَعِ مَنَاكِيْره،
وَمَضَاليلِ أَسَاطيرِهِ المُبَاينَة لِلدِّين؟!وَزَعَمَ
أَنَّ هَذَا مِنْ علم المعَامِلَة المُفضِي إِلَى علم
المكَاشفَة الوَاقع بِهِم عَلَى سِرِّ الربوبيَة الَّذِي
لاَ يُسفِر عَنْ قِنَاعِهِ، وَلاَ يَفُوزُ بِاطِّلاعه
إِلاَّ مَنْ تَمَطَّى إِلَيْهِ ثَبَج ضَلاَلَته الَّتِي
رفع لَهُم أَعْلاَمَهَا، وَشرع أَحكَامَهَا.
قَالَ أَبُو حَامِدٍ:وَأَدْنَى النصِيْبِ من هَذَا العِلْم
التَّصديقُ بِهِ، وَأَقلُّ عُقُوبَته أَنْ لاَ يُرْزَقَ
المُنْكِرُ مِنْهُ شَيْئاً، فَاعرض قَوْله عَلَى قَوْلِهِ،
وَلاَ يَشتغِلُ بقِرَاءة قُرْآن، وَلاَ بِكَتْبِ حَدِيْثٍ،
لأَنَّ ذَلِكَ يَقْطَعُهُ عَنِ الْوُصُول إِلَى إِدخَال
رَأْسه فِي كُمِّ جُبَّته، وَالتَّدثر بِكسَائِهِ،
فَيسْمَع نِدَاءَ الحَقِّ، فَهُوَ يَقُوْلُ:ذرُوا مَا
كَانَ السَّلَفُ عَلَيْهِ، وَبَادِرُوا مَا آمُرُكُم بِهِ،
ثُمَّ إِنَّ هَذَا القَاضِي أَقذَع، وَسَبَّ، وَكفَّر،
وَأَسْرَفَ، نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الهَوَى.
(19/332)
وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ:وَصُدُوْرُ
الأَحرَارِ قُبُوْرُ الأَسرَارِ، وَمَنْ أَفشَى سِرَّ
الرُّبوبيَة، كفر، وَرَأَى قَتْلَ مِثْلِ الحَلاَّج خَيراً
مِنْ إِحيَاء عَشْرَة لإِطلاَقه أَلْفَاظاً، وَنَقَلَ عَنْ
بعضهِم قَالَ:لِلرُّبوبيَّة سِرٌّ لَوْ ظهر، لَبَطَلت
النُّبُوَّة، وَللنُبُوَّة سِرٌّ لَوْ كُشِفَ، لبَطل
العِلْمُ، وَلِلْعلمِ سِرٌّ لَوْ كشف، لَبَطَلت
الأَحكَامُ.
قُلْتُ:سِرُّ العِلْم قَدْ كشف لصُوْفَة أَشقيَاء،
فَحلُّوا النّظَام، وَبطل لديهِم الحَلاَلُ وَالحَرَامُ.
قَالَ ابْنُ حَمْدِينَ:ثُمَّ قَالَ الغزَالِي:وَالقَائِلُ
بِهَذَا، إِنْ لَمْ يُرِدْ إِبطَال النُّبُوَّة فِي حقِّ
الضُّعَفَاء، فَمَا قَالَ لَيْسَ بِحقٍّ، فَإِنَّ
الصَّحِيح لاَ يَتنَاقضُ، وَإِنَّ الكَامِل مَنْ لاَ يُطفئ
نُوْرُ مَعْرِفَته نُورَ وَرعه.
وَقَالَ الغزَّالِي فِي العَارِف:فَتتجلَى لَهُ أَنوَارُ
الحَقِّ، وَتنكشِفُ لَهُ العُلُوْم المرموزَةُ المحجوبَةُ
عَنِ الْخلق، فَيعرِفُ مَعْنَى النُّبُوَّة، وَجَمِيْعَ
مَا وَردت بِهِ أَلْفَاظُ الشرِيعَة الَّتِي نَحْنُ
مِنْهَا عَلَى ظَاهِرٍ، لاَ عَلَى حقيقَة.
وَقَالَ عَنْ بعضهِم:إِذَا رَأَيْتَهُ فِي البِدَايَة،
قُلْتَ:صديقاً، وَإِذَا رَأَيْتهُ فِي النِّهَايَة،
قُلْتَ:زِنْدِيقاً، ثُمَّ فَسَّره الغزَّالِي،
فَقَالَ:إِذِ اسمُ الزِّنْدِيق لاَ يُلصق إِلاَّ بِمعطِّل
الفَرَائِضِ لاَ بِمعطِّلِ النَّوَافل.
وَقَالَ:وَذَهَبت الصُّوْفِيَّةُ إِلَى العُلُوْمِ
الإِلهَامِيَة دُوْنَ التَّعليمِيَة، فَيجلس فَارغَ
القَلْب، مجموعَ الهَمِّ يَقُوْلُ:اللهُ اللهُ اللهُ (1)
عَلَى الدَّوَام، فَلْيُفَرِّغ قَلْبَهُ، وَلاَ يَشتغِلْ
بِتِلاَوَة وَلاَ كتب حَدِيْث.
قَالَ:فَإِذَا بلغَ هَذَا الحدّ، الْتزم الخلوَةَ فِي
بَيْت مُظْلِمٍ وَتَدَثَّرَ
__________
(1) الذكر بالاسم المفرد لم يرد في السنة، لان الذكر ثناء
على الله، والثناء لا يكون إلا بجملة تامة، وهدي رسول الله
صلى الله عليه وسلم واجب الاتباع في هذا وأمثاله، وقد ثبت
عنه صلى الله عليه وسلم قوله: " أفضل ما قلت أنا والنبيون
من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له ".
انظر " الموطأ ": 1 / 422 - 423، والترمذي (3579).
(19/333)
بِكسَائِهِ، فَحِيْنَئِذٍ يَسْمَعُ نِدَاءَ
الحَقّ :{يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ }وَ {يَا أَيُّهَا
المُزَّمِّلُ }.
قُلْتُ:سَيِّدُ الخلقِ إِنَّمَا سَمِعَ {يَا أَيُّهَا
المُدَّثِّرُ }مِنْ جِبْرِيْل عَنِ اللهِ، وَهَذَا
الأَحْمَقُ لَمْ يَسْمَعْ نِدَاء الحَقِّ أَبَداً، بَلْ
سَمِعَ شيطَاناً، أَوْ سَمِعَ شَيْئاً لاَ حقيقَةً مِنْ
طَيش دِمَاغِه، وَالتَّوفِيقُ فِي الاعتصَام بِالسُّنَّةِ
وَالإِجْمَاع.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِي:شَحَنَ أَبُو
حَامِدٍ(الإِحيَاء)بِالكَذِبِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلاَ أَعْلَمُ
كِتَاباً عَلَى بَسِيط الأَرْضِ أَكْثَرَ كذباً مِنْهُ،
ثُمَّ شبَّكَهُ بِمَذَاهِبِ الفَلاَسِفَة، وَمعَانِي
رَسَائِل إِخْوَانِ الصَّفَا، وَهُم قَوْم يَرَوْنَ
النُّبُوَّة مكتَسَبَة، وَزعمُوا أَنَّ المعجزَاتِ حِيَلٌ
وَمَخَارِيقُ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِر (1) :حَجَّ أَبُو حَامِدٍ وَأَقَامَ
بِالشَّامِ نَحْواً مِنْ عشر سِنِيْنَ، وَصَنَّفَ،
وَأَخَذَ نَفْسه بِالمُجَاهِدَة، وَكَانَ مُقَامُه
بِدِمَشْقَ فِي المنَارَة الغربيَة مِنَ الجَامِع،
سَمِعَ(صَحِيْح البُخَارِيِّ)مِنْ أَبِي سهل الْحَفْصِي،
وَقَدِمَ دِمَشْق فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ.
وَقَالَ ابْنُ خَلِّكَان:بَعَثَهُ النِّظَام عَلَى
مَدْرَسَته بِبَغْدَادَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ
وَثَمَانِيْنَ، وَتَركهَا فِي سَنَةِ ثَمَانٍ
وَثَمَانِيْنَ، وَتَزَهَّدَ، وَحَجَّ، وَأَقَامَ
بِدِمَشْقَ مُدَّةً بِالزَّاويَة الغربيَة، ثُمَّ انتقلَ
إِلَى بَيْت المَقْدِسِ وَتَعَبَّدَ، ثُمَّ قصد مِصْر،
وَأَقَامَ مُدَّةً بِالإِسْكَنْدَرِيَّة، فَقِيْلَ:عزم
عَلَى المضِي إِلَى يُوْسُفَ بنِ تَاشفِيْن سُلْطَانِ
مَرَّاكُش، فَبَلَغَهُ نَعِيُّه، ثُمَّ عَادَ إِلَى طُوْس،
وَصَنَّفَ:(البَسيطَ)وَ(الوسيطَ)وَ(الوجِيْزَ)وَ(الخلاَصَة)وَ(الإِحيَاءَ)،
وَأَلَّف:(المُسْتصفَى)فِي أُصُوْل الفِقْه،
وَ(المَنْخُوْل)وَ(اللبَاب)وَ(الْمُنْتَحل فِي
الجَدَل)وَ(تَهَافت الفَلاَسِفَة)
__________
(1) أورده السبكي في " طبقاته ": 6 / 197 وقال: كذا نقل
شيخنا الذهبي، ولم أجد ذلك في كلام ابن عساكر لا في "
تاريخ الشام " ولا في " التبيين ".
(19/334)
وَ(مَحكّ النَّظَر)وَ(مِعيَار
العِلْم)وَ(شرح الأَسْمَاء الحُسْنَى)وَ(مشكَاة
الأَنوَار)وَ(المُنْقِذ مِنَ الضَّلاَل)وَ(حقيقَة
الْقَوْلَيْنِ)وَأَشيَاء.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار:أَبُو حَامِدٍ إِمَامُ الفُقَهَاءِ
عَلَى الإِطلاَق، وَربَّانِيُّ الأُمَّةِ بِالاتِّفَاق،
وَمُجْتَهِدُ زَمَانه، وَعينُ أَوَانه، بَرَعَ فِي
المَذْهَب وَالأُصُوْل وَالخلاَف وَالجَدَلِ وَالمنطق،
وَقرَأَ الحِكْمَة وَالفَلْسَفَة، وَفَهِمَ كلاَمهُم،
وَتَصَدَّى لِلرَّدِّ عَلَيْهِم، وَكَانَ شَدِيدَ
الذّكَاء، قوِيَّ الإِدرَاك، ذَا فِطْنَة ثَاقبَة، وَغوص
عَلَى المَعَانِي، حَتَّى قِيْلَ:إِنَّهُ
أَلَّف(المَنْخُوْل)، فَرَآهُ أَبُو المَعَالِي،
فَقَالَ:دفنتَنِي وَأَنَا حَيٌّ، فَهَلاَّ صَبرتَ الآنَ،
كِتَابُك غطَّى عَلَى كِتَابِي (1) .
ثُمَّ رَوَى ابْنُ النَّجَّار بِسنده:أَنَّ وَالِد أَبِي
حَامِد كَانَ يَغْزِلُ الصُّوفَ وَيبيعُهُ فِي دُكَّانه
بِطُوْسَ، فَأَوْصَى بِوَلَدَيْهِ مُحَمَّد وَأَحْمَد
إِلَى صَدِيْقٍ لَهُ صُوْفِي صَالِح، فَعلمهُمَا الخطَّ،
وَفَنِيَ مَا خَلَّفَ لَهُمَا أَبُوْهُمَا، وَتعذَّر
عَلَيْهِمَا القُوْتُ، فَقَالَ:أَرَى لَكُمَا أَنْ تلجآ
إِلَى المدرسَة كَأَنكمَا طَالبَان لِلْفقه عَسَى يَحصُل
لَكُمَا قُوتٌ، فَفَعلاَ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَد الخطيبِي:كُنْت فِي
حَلْقَة الغزَّالِي، فَقَالَ:مَاتَ أَبِي، وَخلَّف لِي
وَلأَخِي مِقْدَاراً يَسيراً فَفَنِي بِحَيْثُ تَعذَّرَ
عَلَيْنَا القُوْتُ، فَصِرنَا إِلَى مدرسَة نطلُبُ
الفِقْه، لَيْسَ المُرَادُ سِوَى تحصيلِ القُوْت، فَكَانَ
تَعلُّمنَا لِذَلِكَ، لاَ للهِ، فَأَبَى أَنْ يَكُوْنَ
إِلاَّ للهِ.
قَالَ أَسْعَد المِيهنِي:سَمِعْتُ أَبَا حَامِد يَقُوْلُ:
هَاجرتُ إِلَى أَبِي نَصْرٍ الإِسْمَاعِيْلِي بجُرْجَان،
فَأَقَمْتُ إِلَى أَنْ أَخذت عَنْهُ(التَّعليقَة) (2) .
__________
(1) في " المنتظم ": 9 / 169: هلا صبرت حتى أموت، وأراد أن
كتابك قد غطى على كتابي.
(2) انظر خبر هذه التعليقة في " طبقات الشافعية ": 6 / 195
فإنه طريف.
(19/335)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ الأَشِيرِي
(1) :سَمِعْتُ عبد المُؤْمِن بن عَلِيٍّ القَيْسِيّ،
سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ تُوْمَرْت (2)
يَقُوْلُ:أَبُو حَامِدٍ الغزَالِي قَرَعَ البَابَ وَفُتِحَ
لَنَا.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار:بَلَغَنِي أَن إِمَامَ
الحَرَمَيْنِ قَالَ:
الغَزَّالِي بَحْرٌ مُغْرِقٌ، وَإِلْكِيَا أَسَدٌ مُطْرِقٌ
(3) ، وَالخَوَافِي (4) نَارٌ تُحْرِقُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ العُثْمَانِيّ، وَغَيْرهُ:سَمِعْنَا
مُحَمَّدَ بَنَ يَحْيَى العَبْدَرِي المُؤَدِّب يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ بِالإِسْكَنْدَرِيَّة سَنَةَ خَمْس مائَة كَانَّ
الشَّمْس طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبهَا، فَعَبَرَهُ لِي
عَابِرٌ بِبدعَة تَحْدُثُ فِيهِم، فَبعد أَيَّام وَصل
الخَبَر بِإِحرَاقِ كتب الغزَالِي مِنَ المرِيَّة.
__________
(1) ضبطه ابن الأثير في " اللباب " بفتح الهمزة، وكسر
الشين، وسكون الياء، وقال: هذه النسبة إلى أشير، حصن
بالمغرب ينسب إليه عبد الله بن محمد بن عبد الله أبو محمد
الصنهاجي المغربي المعروف بابن الاشيري، سمع بالاندلس أبا
جعفر بن غزلون، وأبا بكر محمد بن عبد الله بن العربي
الاشبيلي وغيرهما، وقدم الشام بأهله، وكان أديبا فاضلا
توفي بالشام في سنة إحدى وستين وخمس مئة، ودفن في بعلبك
وسترد ترجمته عند المصنف في الجزء العشرين رقم (294).
(2) عبد المؤمن: هو ملك المغرب، المتوفي سنة 558 ه، سترد
ترجمته في الجزء العشرين برقم (254).
وابن تومرت: هو محمد بن عبد الله بن تومرت الملقب بالمهدي
المصمودي صاحب دعوة السلطان عبد المؤمن المتوفى سنة 524،
وسترد ترجمته في هذا الجزء برقم (318).
(3) هو أبو الحسن علي بن محمد بن علي الطبري المعروف
بإلكيا الهراسي الفقيه الشافعي ستأتي ترجمته برقم (207).
(4) نسبة إلى خواف، ناحية من نواحي نيسابور كثيرة القرى،
والخوافي هذا: هو أبو المظفر أحمد بن محمد بن المظفر
الخوافي الفقيه الشافعي، كان أنظر أهل زمانه، تفقه على
إمام الحرمين الجويني، وصار أوجه تلامذته، وكان مشهورا بين
العلماء بحسن المناظرة، وإفحام الخصوم.
والنص في طبقات السبكي: 6 / 202 كان الجويني يقول في
تلامذته: إذا ناظروا: التحقيق للخوافي، والحدسيات للغزالي،
والبيان للكيا.
(19/336)
وَفِي التَّوَكُّل مِنَ(الإِحيَاء (1))مَا
نَصه:وَكُلُّ مَا قسمَ اللهُ بَيْنَ عبَاده مِنْ رزقٍ
وَأَجْلٍ، وَإِيْمَانٍ وَكفرٍ، فَكُلُّه عدلٌ مَحْض،
لَيْسَ فِي الإِمْكَانِ أَصلاً أَحْسَنُ وَلاَ أَتَمُّ
مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ وَادَّخره تَعَالَى مَعَ القُدرَة
وَلَمْ يَفعلْه، لَكَانَ بُخْلاً وَظلماً.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ العَربِي فِي(شَرحِ الأَسْمَاء
الحُسْنَى):قَالَ شيخنَا أَبُو حَامِدٍ قَوْلاً عَظِيْماً
انْتَقدهُ عَلَيْهِ العُلَمَاءُ، فَقَالَ:
وَلَيْسَ فِي قُدرَة الله أَبدعُ مِنْ هَذَا العَالَم فِي
الإِتْقَان وَالحِكْمَة، وَلَوْ كَانَ فِي القدرَة أَبدعُ
أَوْ أَحكمُ مِنْهُ وَلَمْ يَفعله، لَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ
قَضَاءً لِلْجُوْد، وَذَلِكَ مُحَال.
ثُمَّ قَالَ:وَالجَوَاب أَنَّهُ بَاعد فِي اعْتِقَاد عمومِ
القدرَة وَنَفْي النّهَايَة عَنْ تَقدير المقدورَات
المُتَعَلِّقَة بِهَا، وَلَكِن فِي تَفَاصيل هَذَا العَالم
المَخْلُوْق، لاَ فِي سِوَاهُ، وَهَذَا رَأْيٌ فَلسفِي
قصَدتْ بِهِ الفَلاَسِفَةُ قَلْبَ الحقَائِق، وَنسبتِ
الإِتْقَانَ إِلَى الحَيَاةِ مَثَلاً، وَالوجُوْدَ إِلَى
السَّمْعِ وَالبصر، حَتَّى لاَ يَبْقَى فِي القلوبِ
سَبِيْلٌ إِلَى الصَّوَاب، وَأَجْمَعتِ الأُمَّةُ عَلَى
خِلاَف هَذَا الاعتقَاد، وَقَالَتْ عَنْ بُكرَة
أَبيهَا:إِنَّ المقدورَاتِ لاَ نِهَايَةَ لَهَا لِكُلِّ
مُقَدَّر الوُجُوْد، لاَ لِكُلِّ حَاصل الوجُوْد، إِذِ
القدرَةُ صَالِحَة، ثُمَّ قَالَ:وَهَذِهِ وَهْلَةٌ لاَ
لَعاً لَهَا (2) ، وَمَزَلَّةٌ لاَ تَمَاسكَ فِيْهَا،
وَنَحْنُ وَإِنْ كُنَّا نُقْطَةً مِنْ بحره، فَإِنَّا لاَ
نَرُدُّ عَلَيْهِ إِلاَّ بِقَوْلِهِ.
قُلْتُ:كَذَا فَليكن الردُّ بِأَدبٍ وَسكَيْنَة.
وَمِمَّا أُخِذَ عَلَيْهِ، قَالَ:إِنَّ لِلْقدر سِرّاً
نُهينَا عَنْ إِفشَائِهِ، فَأَيُّ سرٍّ لِلْقدر؟
__________
(1) 4 / 258: في آخر باب بيان حقيقة التوحيد الذي هو أصل
التوكل.
(2) قال أبو عبيدة: من دعائهم: لالعا لفلان، أي: لا أقامه
الله، والعرب تدعو على العاثر من الدواب إذا كان جوادا
بالتعس، فتقول: تعسا له، وإن كان بليدا، كان دعاؤهم له إذا
عثر: لعا لك.
(19/337)
فَإِنْ كَانَ مُدْرَكاً بِالنَّظَر، وُصِلَ
إِلَيْهِ وَلاَ بُدَّ، وَإِنْ كَانَ مُدْرَكاً بِالخَبَر،
فَمَا ثَبَتَ فِيْهِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ يُدْرَكُ
بِالحَال وَالعِرفَان، فَهَذِهِ دعوَى مَحضَة، فَلَعَلَّهُ
عَنَى بِإِفشَائِهِ أَن نُعَمِّق فِي القَدَرِ، وَنبحثَ
فِيْهِ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عبد الكَرِيْم (1) ،
أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ السَّخَاوِيُّ، أَخْبَرَنَا
حطلبا بن قمرِيَة الصُّوْفِيّ، أَخْبَرَنَا سَعْدُ بن
أَحْمَدَ الإِسْفَرَايينِي بِقِرَاءتِي، أَخْبَرَنَا أَبُو
حَامِدٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ
الطُّوْسِيّ، قَالَ:
اعْلم أَنَّ الدِّين شَطرَانِ:أَحَدُهُمَا تَركُ
المَنَاهِي، وَالآخرُ فِعلُ الطَّاعَات، وَتركُ المنَاهِي
هُوَ الأَشَدُّ، وَالطَّاعَات يَقْدِرُ عَلَيْهَا كُلُّ
أَحَدٍ، وَتركُ الشَّهوَات لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا إِلاَّ
الصِّدِّيْقُوْنَ، وَلذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :(المُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ
السُّوْءَ، وَالمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ هَوَاهُ) (2) .
__________
(1) ترجمه المؤلف في مشيخته الورقة: 140، فقال: هو محمد بن
عبد الكريم بن علي بن أحمد المقرئ المعمر، نظام الدين أبو
عبد الله التبريزي، ثم الدمشقي الشافعي، ولد في حدود سنة
عشر وست مئة في دولة العادل، وكان يسافر مع ابنه للتجارة،
فذكر لي أنه قرأ لأبي عمر ختمة على أبي القاسم الصفراوي،
وأراني إجازته من السخاوي بالسبع في سنة خمس وثلاثين وست
مئة، وقرأ بأربع روايات على المنتخب الهمذاني، وسمع بحلب
من أبي القاسم بن رواحة وجماعة، وكان له حلقة مصدرة، ومسجد
بناحية المارستان، وكان خيرا متواضعا.
عرضت عليه ختمة لعلو سنده، وطال بعد ذلك عمره، واستولى
عليه الهرم والمرض، وبقي بالمارستان النوري قريب السنة
وافتقر.
مات في ربيع الآخر سنة أربع وسبع مئة.
(2) صحيح، وأخرجه الامام أحمد: 6 / 21 من طريق الليث بن
سعد عن أبي هانئ الخولاني عن عمرو بن مالك الجنبي - وقد
تحرف فيه إلى الجبني - عن فضالة بن عبيد قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: " ألا أخبركم
بالمؤمن، من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمسلم من
سلم الناس من لسانه ويده، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة
الله، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب ": وصححه ابن حبان
(25)، والحاكم: 1 / 10، 11، ووافقه الذهبي، وله شاهد من
حديث أنس عند ابن حبان (26)، والحاكم: 1 / 11.
(19/338)
وَقَالَ أَبُو عَامِرٍ العبدرِي:سَمِعْتُ
أَبَا نَصْرٍ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْد القَادِرِ
الطُّوْسِيّ يَحْلِفُ بِاللهِ أَنَّهُ أَبصر فِي نَوْمه
كَأَنَّهُ يَنظر فِي كتب الغزَالِي - رَحِمَهُ اللهُ -
فَإِذَا هِيَ كُلُّهَا تَصَاوِيْر.
قُلْتُ:الغَزَّالِي إِمَامٌ كَبِيْر، وَمَا مِنْ شَرطِ
العَالِم أَنَّهُ لاَ يُخطِئ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ الطُّرْطُوشِي فِي
رِسَالَة لَهُ إِلَى ابْنِ مُظَفَّر:فَأَمَّا مَا ذكرت
مِنْ أَبِي حَامِد، فَقَدْ رَأَيْتُهُ، وَكَلَّمتُهُ،
فَرَأَيْتهُ جَلِيْلاً مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، وَاجتمع
فِيْهِ العَقْلُ وَالفهْمُ، وَمَارسَ العُلُوْمَ طُولَ
عُمُره، وَكَانَ عَلَى ذَلِكَ مُعْظَمَ زَمَانِهِ، ثُمَّ
بدَا لَهُ عَنْ طَرِيْق العُلَمَاء، وَدَخَلَ فِي غُمَارِ
العُمَّال، ثُمَّ تَصَوَّف، وَهجر العُلُوْمَ وَأَهْلهَا،
وَدَخَلَ فِي عُلُوْم الخوَاطِرِ، وَأَربَابِ الْقُلُوب،
وَوسَاوسِ الشَّيْطَان، ثُمَّ شَابَهَا بآرَاء
الفَلاَسِفَةِ، وَرُموز الحلاَّجِ، وَجَعَلَ يَطْعُنُ
عَلَى الفُقَهَاء وَالمتكلِّمِين، وَلَقَدْ كَادَ أَنْ
يَنسلِخَ مِنَ الدِّين، فَلَمَّا عمل(الإِحيَاء)، عَمَدَ
يَتَكَلَّم فِي عُلُوْم الأَحْوَال، وَمرَامزِ
الصُّوْفِيَّة، وَكَانَ غَيْرَ أَنِيسٍ بِهَا، وَلاَ خبِير
بِمَعْرِفَتِهَا، فَسَقَطَ عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ، وَشحن
كِتَابَهُ بِالمَوْضُوْعَات.
قُلْتُ:أَمَّا(الإِحيَاء)فَفِيْهِ مِنَ الأَحَادِيْثِ
البَاطِلَة جُمْلَةٌ (1) ، وَفِيْهِ خَيْر
__________
(1) وقد جمع الامام السبكي في طبقاته: 6 / 287 - 388
الأحاديث الواقعة في كتاب الاحياء التي لم يجد لها إسنادا،
وعدتها 943 حديثا تقريبا.
وقد خرج أحاديث الاحياء كلها الحافظ أبو الفضل بعد الرحيم
العراقي المتوفى سنة 806 ه في كتاب سماه " المغني عن حمل
الاسفار في الاسفار في تخريج ما في الاحياء من الاخبار "
وهو مطبوع مع الاحياء، وقد عزا كل حديث إلى مصدره، وأبان
عن درجة كل واحد منها، وكثير منها حكم عليه بالضعف أو
الوضع، أو أنه لا أصل له من كلام رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فليحذر الكتاب والخطباء والمدرسون والوعاظ من تناول
ما في الاحياء من الأحاديث، والاستشهاد بها ما لم يتبينوا
صحتها من تخريجات الحافظ العراقي، فقد قال محدث الديار
الشامية الشيخ بدر الدين الحسني: لا يجوز إسناد حديث لرسول
الله صلى الله عليه وسلم إلا إذا نص على =
(19/339)
كَثِيْر لَوْلاَ مَا فِيْهِ مِنْ آدَاب
وَرسوم وَزُهْد مِنْ طرَائِق الحكمَاء وَمُنحَرِفِي
الصُّوْفِيَّة، نَسْأَل اللهَ عِلْماً نَافِعاً، تَدْرِي
مَا العِلْمُ النَّافِع؟هُوَ مَا نَزل بِهِ القُرْآنُ،
وَفسَّره الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَوْلاً وَفعلاً، وَلَمْ يَأْت نَهْي عَنْهُ، قَالَ
عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ:(مَنْ رَغِبَ عَنْ
سُنَّتِي، فَلَيْسَ مِنِّي (1))، فَعَلَيْك يَا أَخِي
بتدبُّر كِتَاب اللهِ، وَبإِدمَان النَّظَر
فِي(الصَّحِيْحَيْنِ)و(سُنَن النَّسَائِيّ)، وَ(رِيَاض
النَّوَاوِي)وَأَذكَاره، تُفْلِحْ وَتُنْجِحْ، وَإِيَّاكَ
وَآرَاءَ عُبَّادِ الفَلاَسِفَة، وَوظَائِفِ أَهْلِ
الرِّيَاضَات، وَجُوعَ الرُّهبَان، وَخِطَابَ طَيْشِ
رُؤُوْسِ أَصْحَابِ الخلوَات، فُكُلُّ الخَيْر فِي
مُتَابعَة الحنِيفِيَة السَّمحَة، فَواغوثَاهُ بِاللهِ،
اللَّهُمَّ اهدِنَا إِلَى صرَاطك المُسْتقيم.
نعم، وَللإِمَامِ مُحَمَّد بن عَلِيٍّ المَازَرِي
الصَّقَلِّي كَلاَمٌ عَلَى(الإِحيَاء)يَدُلُّ عَلَى
إِمَامته، يَقُوْلُ:
وَقَدْ تَكرَّرت مُكَاتبتكُم فِي اسْتَعلاَمِ مَذْهَبِنَا
فِي الكِتَابِ المُتَرْجَمِ بِـ(إِحيَاءِ عُلُوْمِ
الدِّينِ)، وَذَكَرتُم أَنَّ آرَاء النَّاس فِيْهِ قَدِ
اخْتلفت، فَطَائِفَةٌ انْتَصَرت وَتعصَّبت لإِشهَاره،
وَطَائِفَة حَذَّرت مِنْهُ وَنفَّرت، وَطَائِفَة
لِكُتُبِهِ أَحرقت، وَكَاتِبنِي أَهْلُ المَشْرِق أَيْضاً
يَسْأَلونِي، وَلَمْ يَتقدم لِي
__________
= صحة هذا الحديث حافظ من الحفاظ المعروفين، فمن قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يعلم صحة ذلك من طريق
أحد الحفاظ يوشك أن يصدق عليه حديث " من قال علي ما لم أقل
فليتبوأ مقعده من النار ".
انظر مجلة الهداية الإسلامية: 8 / 264.
(1) قطعة من حديث طويل أخرجه البخاري (5063) في النكاح،
ومسلم (1401)، والنسائي: 6 / 60، وأحمد: 3 / 241، 259،
285، من طريقين عن أنس بن مالك قال: جاء ثلاثة رهط إلى
بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة
النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا
كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه
وسلم، قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؟ !، قال
أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدا.
وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر.
وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج النساء أبدا.
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أنتم الذين
قلتم كذا وكذا ؟ أما والله إني لاخشاكم لله وأتقاكم له،
ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن
سنتي فليس مني ".
(19/340)
قِرَاءة هَذَا الكِتَاب سِوَى نُبَذٍ
مِنْهُ، فَإِنْ نَفَّسَ اللهُ فِي العُمُرِ، مَدَدتُ
فِيْهِ الأَنفَاس، وَأَزلتُ عَنِ الْقُلُوب
الالْتِبَاس:اعْلمُوا أَنَّ هَذَا رَأَيْتُ تَلاَمِذَتَهُ،
فُكُلٌّ مِنْهُم حَكَى لِي نوعاً مِنْ حَالِهِ مَا قَامَ
مقَام العِيَانِ، فَأَنَا أَقتصرُ عَلَى ذكر حَاله،
وَحَالِ كِتَابِهِ، وَذِكْرِ جُمَلٍ مِنْ مَذَاهِب
الموحِّدين وَالمتصَوِّفَة، وَأَصْحَابِ الإِشَارَات،
وَالفَلاَسِفَة، فَإِنَّ كِتَابهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ
هَذِهِ الطّرَائِق.
ثُمَّ إِنَّ المَازرِي أَثْنَى عَلَى أَبِي حَامِد فِي
الفِقْه، وَقَالَ:هُوَ بِالفِقْه أَعْرفُ مِنْهُ
بِأُصُوْله، وَأَمَّا عِلْمُ الكَلاَم الَّذِي هُوَ
أُصُوْلُ الدّين، فَإِنَّهُ صَنَّف فِيْهِ، وَلَيْسَ
بِالمتبحر فِيْهَا، وَلَقَدْ فَطِنْتُ لِعدم اسْتبحَاره
فِيْهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَرَأَ عُلُوْمَ الفَلْسَفَة
قَبْل اسْتبحَاره فِي فَن الأُصُوْل، فَأَكسبته
الفَلْسَفَة جُرْأَةً عَلَى المَعَانِي، وَتسهُّلاً
لِلْهجوم عَلَى الحقَائِق، لأَنْ الفَلاَسِفَة تَمرُّ مَعَ
خَوَاطِرِهَا، لاَ يَزَعُهَا شَرْعٌ، وَعَرَّفنِي صَاحِب
لَهُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عُكُوفٌ عَلَى(رَسَائِل إِخْوَان
الصَّفَا)، وَهِيَ إِحْدَى وَخَمْسُوْنَ رِسَالَةً،
أَلَّفهَا مَنْ قَدْ خَاض فِي علم الشَّرع وَالنَّقل،
وَفِي الحِكْمَة، فَمزج بَيْنَ الْعلمين، وَقَدْ كَانَ
رَجُل يُعْرَفُ بِابْنِ سِينَا ملأَ الدُّنْيَا
تَصَانِيْفَ، أَدَّتْهُ قُوَّتُهُ فِي الفَلْسَفَة إِلَى
أَنْ حَاول ردَّ أُصُوْلِ العقَائِد إِلَى علم
الفَلْسَفَة، وَتلطَّفَ جُهْدَهُ، حَتَّى تَمَّ لَهُ مَا
لَمْ يَتُم لغَيْره، وَقَدْ رَأَيْتُ جُمَلاً مِنْ
دَوَاوِيْنه، وَوجدتُ أَبَا حَامِد يُعَوِّلُ عَلَيْهِ فِي
أَكْثَر مَا يُشيرُ إِلَيْهِ مِنْ عُلُوْم الفَلْسَفَة.
وَأَمَّا مَذَاهِبُ الصُّوْفِيَّة، فَلاَ أَدْرِي عَلَى
مَنْ عوَّل فِيْهَا، لَكِنِّي رَأَيْتُ فِيمَا عَلَّق
بَعْضُ أَصْحَابه أَنَّهُ ذكر كُتُبَ ابْنِ سينَا وَمَا
فِيْهَا، وَذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ كُتبَ أَبِي حَيَّانَ
التَّوحيدي، وَعِنْدِي أَنَّهُ عَلَيْهِ عوَّل فِي مَذْهَب
التَّصَوُّف، وَأُخْبِرْتُ أَنَّ أَبَا حَيَّان أَلَّف
دِيْوَاناً عَظِيْماً فِي هَذَا الفنّ،
وَفِي(الإِحيَاء)مِنَ الوَاهيَات كَثِيْر.
قَالَ:وَعَادَةُ المتورِّعين أَنْ لاَ يَقولُوا:قَالَ
مَالِكٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، فِيمَا لَمْ يثبت
عِنْدَهُم.
(19/341)
ثُمَّ قَالَ:وَيَستحسنُ أَشيَاءَ مبنَاهَا
عَلَى مَا لاَ حقيقَة لَهُ، كقصِّ الأَظفَارِ أَنْ يَبدَأَ
بِالسَّبَّابَة، لأَنْ لَهَا الفَضْلَ عَلَى باقِي
الأَصَابع، لأَنَّهَا المسبِّحَة، ثُمَّ قصّ مَا يَلِيهَا
مِنَ الوُسطَى، لأَنَّهَا نَاحِيَة اليَمِينِ، وَيَخْتِم
بِإِبْهَامِ اليُمْنَى، وَرَوَى فِي ذَلِكَ أَثراً.
قُلْتُ:هُوَ أَثر مَوْضُوْع.
ثُمَّ قَالَ:وَقَالَ:مَنْ مَاتَ بَعْدَ بلوَغه وَلَمْ
يَعلم أَنَّ البَارِئ قديم، مَاتَ مسلماً إِجمَاعاً.
قَالَ:فَمَنْ تسَاهل فِي حِكَايَة الإِجْمَاع فِي مِثْلِ
هَذَا الَّذِي الأَقْرَبُ أَنْ يَكُوْنَ الإِجْمَاعُ فِي
خِلاَفه، فَحقيق أَنْ لاَ يُوثقَ بِمَا رَوَى، وَرَأَيْتُ
لَهُ فِي الجُزْء الأَوّل يَقُوْلُ:إِنَّ فِي عُلُوْمِهِ
مَا لاَ يَسوَغ أَنْ يُودَعَ فِي كِتَاب، فَليت شعرِي
أَحقٌّ هُوَ أَوْ بَاطِل؟!فَإِنْ كَانَ بَاطِلاً،
فَصَدَقَ، وَإِنْ كَانَ حَقّاً، وَهُوَ مُرَادُهُ بِلاَ
شكّ، فَلِمَ لاَ يُودَعُ فِي الكُتُبِ، أَلِغُموضه
وَدِقَّته؟!فَإِنْ كَانَ هُوَ فَهِمَه، فَمَا المَانع أَنْ
يَفهمه غَيْرُهُ؟!
قَالَ أَبُو الفَرَجِ ابْن الجَوْزِيّ:صَنَّفَ أَبُو
حَامِدٍ(الإِحيَاء)، وَملأَه بِالأَحَادِيْث البَاطِلَة،
وَلَمْ يَعلم بطلاَنهَا، وَتَكلّم عَلَى الْكَشْف،
وَخَرَجَ عَنْ قَانُوْنِ الفِقْه، وَقَالَ:إِنَّ المُرَادَ
بِالكَوْكَب وَالقَمَر وَالشَّمْس اللوَاتِي رَآهن
إِبْرَاهِيْم، أَنوَار هِيَ حُجُبُ الله - عَزَّ وَجَلَّ -
وَلَمْ يُرد هَذِهِ المَعْرُوْفَات، وَهَذَا مِنْ جنس
كَلاَمِ البَاطِنِيَّة، وَقَدْ ردَّ ابْنُ الجَوْزِيّ
عَلَى أَبِي حَامِد فِي كِتَابِ(الإِحيَاء)، وَبَيَّنَ
خَطَأَه فِي مُجَلَّدَات، سَمَّاهُ كِتَابَ(الأَحيَاءِ).
وَلأَبِي الحَسَنِ ابْن سُكَّر رَدٌّ عَلَى الغَزَّالِي
فِي مُجَلَّدٍ سَمَّاهُ:(إِحيَاء ميت الأَحْيَاء فِي
الرَّدِّ عَلَى كِتَابِ الإِحيَاءِ).
قُلْتُ:مَا زَالَ الأَئِمَّةُ يُخَالِف بَعضهُم بعضاً،
وَيَردُّ هَذَا عَلَى هَذَا،
(19/342)
وَلَسْنَا مِمَّنْ يَذُمُّ العَالِم
بِالهَوَى وَالجَهْل.
نعم، وَلِلإِمَامِ كِتَاب(كيمِيَاء السَّعَادَة)،
وَكِتَاب(الْمُعْتَقد)، وَكِتَاب(إِلجَام العوَام)،
وَكِتَاب(الرَّدّ عَلَى البَاطِنِيَّة)، وَكِتَاب(مُعْتَقد
الأَوَائِل)، وَكِتَاب(جَوَاهر القُرْآن)،
وَكِتَاب(الغَايَة القصوَى)وَكِتَاب(فَضَائِح الإِباحيَة)،
وَ(مَسْأَلَة عَوز الدّور)، وَغَيْر ذَلِكَ.
قَالَ عَبْد الغَافِرِ الفَارِسِيّ:تُوُفِّيَ يَوْم
الاثْنَيْنِ، رَابِعَ عَشَرَ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ
خَمْسٍ وَخَمْس مائَة، وَلَهُ خَمْس وَخَمْسُوْنَ سَنَةً،
وَدُفِنَ بِمَقْبَرَة الطَّابرَان قصبَة بِلاَدِ طُوْس،
وَقَوْلُهُم:الغَزَّالِي، وَالعطَّارِي، وَالخَبَّازِيّ،
نِسبَة إِلَى الصّنَائِعِ بِلِسَان الْعَجم، بِجمع يَاء
النِّسبَة وَالصيغَة.
وَلِلغَزَّالِي أَخ وَاعِظٌ مَشْهُوْر، وَهُوَ أَبُو
الفُتُوْح أَحْمَد، لَهُ قبولٌ عَظِيْم فِي الْوَعْظ،
يُزَنُّ (1) برقَة الدّين وَبِالإِباحَة، بَقِيَ إِلَى
حُدُوْد العِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقَدْ نَاب عَنْ
أَخِيْهِ فِي تَدْرِيْس النّظَامِيَة بِبَغْدَادَ لَمَّا
حَجَّ مُديدَة.
قَرَأْت بِخَطِّ النَّوَاوِي - رَحِمَهُ اللهُ - :قَالَ
الشَّيْخُ تَقِيّ الدِّيْنِ ابْن الصَّلاَحِ:وَقَدْ
سُئِلَ:لِمَ سُمِّيَ الغَزَّالِي بِذَلِكَ، فَقَالَ:
حَدَّثَنِي مِنْ أَثِقُ بِهِ، عَنْ أَبِي الْحرم المَاكسِي
الأَدِيْب، حَدَّثَنَا أَبُو الثَّنَاء مَحْمُوْد
الفَرَضِيّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا تَاجُ الإِسْلاَم ابْن خَمِيْس، قَالَ لِي
الغَزَالِي:النَّاس يَقُوْلُوْنَ لِي:الغَزَّالِي،
وَلَسْتُ الغَزَّالِي، وَإِنَّمَا أَنَا الغَزَالِيُّ
مَنْسُوْب إِلَى قَرْيَةٍ يُقَالَ لَهَا:غَزَالَةُ - أَوْ
كَمَا قَالَ - .
__________
(1) أي: يتهم ويرمى، يقال: زنه بكذا، وأزنه: إذا اتهمه
وظنه فيه، وفي خبر الانصار وتسويدهم جد بن قيس: إنا لنزنه
بالبخل، أي: نتهمه به، وفي شعر حسان بن ثابت في عائشة رضي
الله عنها: خصان رزان ما تزن بريبة * وتصبح غرثى من لحوم
الغوافل.
(19/343)
وَفِي أَوَاخرِ(المَنْخُوْل
(1))لِلْغزَالِي كَلاَم فَجٌّ فِي إِمَام لاَ أَرَى نَقله
هُنَا.
وَمِنْ عقيدَة أَبِي حَامِد - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -
أَوَّلهَا:الحَمْدُ للهِ الَّذِي تَعرَّف إِلَى عبَاده
بِكِتَابِه المُنْزَل عَلَى لِسَانِ نَبِيِّه الْمُرْسل،
بِأَنَّهُ فِي ذَاته وَاحِد لاَ شَرِيْكَ لَهُ، فَردٌ لاَ
مِثْل لَهُ، صَمَدٌ لاَ ضِدَّ لَهُ، لَمْ يَزَلْ وَلاَ
يَزَالُ منعوتاً بِنعوت الجلاَل، وَلاَ تُحيطُ بِهِ
الجِهَاتُ، وَلاَ تَكنُفه السَّمَاوَاتُ، وَأَنَّهُ
مُسْتوٍ عَلَى الْعَرْش عَلَى الوَجْه الَّذِي قَالَهُ،
وَبِالمَعْنَى الَّذِي أَرَادَه، منزَّهاً عَنِ الممَاسَة
وَالاستقرَار وَالتمكن وَالحُلُوْل وَالانتقَالِ، وَهُوَ
فَوْقَ كُلِّ شَيْء إِلَى التّخوم، وَهُوَ أَقْرَبُ
إِلَيْنَا مِنْ حَبل الورِيْد، لاَ يُمَاثِلُ قُرْبُهُ
قربَ الأَجسَام، كَانَ قَبْلَ خلقِ المَكَان وَالزَّمَان،
وَهُوَ الآنَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ بَائِنٌ
بصفَاته مِنْ خلقه، مَا فِي ذَاته سِوَاهُ، وَلاَ فِي
سِوَاهُ ذَاتُه، مُقدَّس عَنِ التَّغَيُّر وَالانتقَالِ،
لاَ تَحُلُّه الحوَادِثُ، وَأَنَّهُ مَرْئِي الذَّاتِ
بِالأَبْصَار فِي دَارِ القرَار، إِتمَاماً لِلنعم
بِالنَّظَر إِلَى وَجهه الكَرِيْم.
إِلَى أَنْ قَالَ:وَيُدْرِكُ حركَة الذَّرِّ فِي الهوَاء،
لاَ يَخْرُج عَنْ مَشِيئَته لفتَةُ نَاظر، وَلاَ فَلتَةُ
خَاطر، وَأَنَّ القُرْآن مَقْرُوء بِالأَلسِنَة،
مَحْفُوْظٌ فِي الْقُلُوب، مكتوبٌ فِي المَصَاحِف،
وَأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ قَائِمٌ بِذَات الله، لاَ يَقْبَلُ
الانفصَالَ
__________
(1) ص: 495 - 504، والمراد بالامام: أبو حنيفة رحمه الله،
وحق للذهبي أن ينعت كلامه فيه بأنه فج، فإنه ليس عليه
أثارة من علم، وقد صدر عنه حين كان متلبسا بعلوم الجدل،
وحظوظ طلبة العلم، فإنه صنف المنخول في أول حياته العلمية،
ومعظم ما في هذا الفصل من فقر مأخوذة من كتاب شيخه إمام
الحرمين " مغيث الخلق في ترجيح القول الاحق " الذي ألفه في
ترجيح مذهب الشافعي على غيره من المذاهب، وفيه من التعصب
الفظيع، والحط الشنيع على الامام أبي حنيفة رحمه الله ما
تصم عنه الاسماع، وتنبو عنه الاذواق، وهو مما لا يلتفت
إليه عند المحققين من العلماء ذوي النصفة، وقد صنف الامام
الكوثري في الرد عليه كتاب " إحقاق الحق " فليرجع إليه من
شاء.
(19/344)
بِالانتقَالِ إِلَى الْقُلُوب وَالصّحف،
وَأَنَّ مُوْسَى سَمِعَ كَلاَم الله بِغَيْرِ صَوْت وَلاَ
حرف (1) ، كَمَا تُرَى ذَاتُه مِنْ غَيْرِ شكل وَلاَ
لَوْنٍ، وَأَنَّهُ يُفرق بِالموت بَيْنَ الأَرْوَاح
وَالأَجسَام، ثُمَّ يُعيدُهَا إِلَيْهَا عِنْد الْحَشْر،
فَيبعثُ مَنْ فِي القُبُوْر.
مِيزَان الأَعْمَال مِعْيَار يُعبِّر عَنْهُ بِالمِيزَان،
وَإِنْ كَانَ لاَ يُسَاوِي مِيزَانَ الأَعْمَال مِيزَانَ
الجِسْم الثَّقِيل، كَمِيزَان الشَّمْس، وَكَالمسطرَة
الَّتِي هِيَ مِيزَان السُّطور، وَكَالعَروضِ مِيزَان
الشّعر.
قُلْتُ:بَلْ مِيزَانُ الأَعْمَالِ لَهُ كِفَّتَان، كَمَا
جَاءَ فِي(الصَّحِيح (2))وَهَذَا الْمُعْتَقد غَالِبُهُ
صَحِيْح، وَفِيْهِ مَا لَمْ أَفهمه، وَبعضُه فِيْهِ نِزَاع
بَيْنَ أَهْلِ
__________
(1) في كتاب الفقه الأكبر المنسوب لأبي حنيفة رحمه الله:
والقرآن في المصاحف مكتوب، وفي القلوب محفوظ، وعلى الالسن
مقروء، وعلى النبي صلى الله عليه وسلم منزل، ولفظنا
بالقرآن مخلوق، والقرآن غير مخلوق، وما ذكر الله في القرآن
عن موسى عليه السلام وغيره، وعن فرعون وإبليس، فإن ذلك
كلام الله إخبارا عنهم، وكلام موسى وغيره من المخلوقين
مخلوق، والقرآن كلام الله لا كلامهم، وسمع موسى عليه
السلام كلام الله تعالى، فلما كلم موسى كلمه بكلامه الذي
هو من صفاته لم يزل، وصفاته كلها خلاف صفات المخلوقين،
يعلم لا كعلمنا، ويقدر لا كقدرتنا، ويرى لا كرؤيتنا،
ويتكلم لا ككلامنا.
وقال العلامة الآلوسي في تفسيره " روح المعاني " 1 / 17:
الذي انتهى إليه كلام أئمة الدين كالماتريدي والاشعري
وغيرهما من المحققين أن موسى عليه السلام سمع كلام الله
تعالى بحرف وصوت كما تدل عليه النصوص التي بلغت في الكثرة
مبلغا لا ينبغي معه تأويل، ولا يناسب في مقابلته قال وقيل،
فقد قال تعالى: (وناديناه من جانب الطور الايمن) ، (وإذ
نادى ربك موسى) ، (نودي من شاطئ الواد الايمن) ، (إذ ناداه
ربه بالواد المقدس طوى) واللائق بمقتضى اللغة والأحاديث أن
يفسر النداء بالصوت، بل قدر ورد إثبات الصوت لله تعالى
شأنه في أحاديث لا تحصى وأخبار لا تستقصى.
(2) لفظ الميزان ورد في القرآن والأحاديث الصحيحة، وأما
الكفتان، فلم تردا في الصحيح كما ذكر المصنف، وإنما هي في
المسند 2 / 213، والترمذي (2641)، وابن ماجة (4300) من
حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وإسناده صحيح، وصححه ابن
حبان (2534)، والحاكم: / 529، ووافقه الذهبي.
وانظر " النهاية " لابن كثير: 2 / 24، وشرح العقيدة
الطحاوية: ص 409 - 413 لابن أبي العز بتحقيقنا.
(19/345)
المَذَاهِب، وَيَكفِي المُسْلِمَ فِي
الإِيْمَان أَنْ يُؤمِنَ بِاللهِ، وَملاَئِكته، وَكُتبه،
وَرُسله، وَالقَدَرِ خَيْرِه وَشَرِّه، وَالبَعْثِ بَعْدَ
المَوْتِ، وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ كَمِثلِه شَيْءٌ أَصلاً،
وَأَنَّ مَا وَرَدَ مِنْ صِفَاته المُقَدَّسَةِ حقّ،
يُمرُّ كَمَا جَاءَ، وَأَنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ الله
وَتَنزِيلُه، وَأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوْق، إِلَى أَمثَال
ذَلِكَ مِمَّا أَجْمَعت عَلَيْهِ الأُمَّةُ، وَلاَ عِبْرَة
بِمَنْ شَذَّ مِنْهُم، فَإِنِ اخْتلفتِ الأُمَّةُ فِي
شَيْءٍ مِنْ مُشْكِلِ أُصُوْلِ دينِهِم، لزَمَنَا فِيْهِ
الصَّمْت، وَفَوَّضنَاهُ إِلَى اللهِ، وَقُلْنَا:اللهُ
وَرَسُوْلُهُ أَعْلَم، وَوَسِعَنَا فِيْهِ السُّكوتُ.
فَرحمَ اللهُ الإِمَامَ أَبَا حَامِد، فَأَيْنَ مِثْلُه
فِي عُلُوْمه وَفَضَائِله، وَلَكِن لاَ نَدَّعِي عِصمتَه
مِنَ الغَلطِ وَالخَطَأِ، وَلاَ تَقلِيدَ فِي الأُصُوْلِ.
205 - خَمِيْسُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ
الحَسَنِ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، مُحَدِّثُ وَاسِط، أَبُو الْكَرم
الحَوْزِي، الوَاسِطِيُّ.
سَمِعَ:أَبَا القَاسِمِ بن البُسْرِيِّ، وَأَبَا نَصْرٍ
الزَّيْنَبِيّ، وَعَاصِمَ بن الحَسَنِ، وَعَلِيَّ بن
مُحَمَّدٍ الوَاسِطِيّ النّديم، وَيَحْيَى بنَ هِبَةِ
اللهِ البَزَّاز، وَأَبَا الفَتْح عَبْد الوَهَّابِ بنَ
حَسَنٍ القَاضِي، وَهِبَةَ اللهِ بن الجَلَخْتِ، وَخَلْقاً
كَثِيْراً، وَأَمْلَى مَجَالِسَ، وَجَرَّحَ وَعَدَّل.
حَدَّثَ عَنْهُ:أَبُو الجَوَائِز سَعْدُ بنُ عبد
الكَرِيْم، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ،
__________
(*) الأنساب: 4 / 269، معجم السفر للسلفي: 1 / 43، خريدة
القصر: 4 / 469 - 473، معجم البلدان: 2 / 319، معجم
الأدباء: 11 / 81 - 83، الاستدراك: 137 ب - 138 أ، إنباه
الرواة: 1 / 358 - 359، تاريخ الإسلام: خ 4 / 196 / 1،
العبر: 4 / 20، المشتبه: 128، تذكرة الحفاظ: 4 / 1262 -
1263، الوافي بالوفيات: 8 ل / 36، عيون التواريخ: 13 /
لوحة 330، تبصير المنتبه: 1 / 373، بغية الوعاة: 1 / 561،
طبقات الحفاظ: 458، المنهج الاحمد للعليمي م 2 ج 1 / 322،
شذرات الذهب: 4 / 27.
(19/346)
وَأَحْمَدُ بنُ سَالِمٍ المُقْرِئ،
وَيَحْيَى بنُ هِبَةِ اللهِ البَزَّاز، وَعَبْدُ
الوَهَّابِ بن حَسَنٍ الفَرَضِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ
اللهِ بنُ مَنْصُوْرٍ البَاقِلاَّنِيّ المُقْرِئ،
وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ السِّلَفِيّ يُثنِي عَلَيْهِ، وَقَالَ:كَانَ
عَالِماً، ثِقَةً، يُمْلِي مِنْ حِفْظِهِ كُلَّ مَنْ
أَسْأَله عَنْهُ، وَكَانَ لاَ يُؤْبَهُ لَهُ.
وَفِي(مُعْجَم السَّفَرِ)لِلسِّلَفِيِّ:حَدَّثَنَا
خَمِيْسٌ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ البَاقِي بنُ
مُحَمَّدٍ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَلِيٍّ
الأَنْمَاطِيُّ، قَالاَ:أَخْبَرَنَا المُخَلِّص...،
فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
ثُمَّ قَالَ السِّلَفِيّ:كَانَ خَمِيْسُ مِنْ أَهْلِ
الأَدبِ البَارعِ (1) .
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ:وَالحَوزُ:قَرْيَةٌ بِشَرْقِيِّ
وَاسِطَ، وَكَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالحَدِيْثِ وَالأَدبِ.
وَمَوْلِدُهُ:فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَفِي شَعْبَانَ مَاتَ
سَنَةَ عَشْرٍ وَخَمْس مائَة.
أَخْبَرَنَا الدَّشتِي، أَخْبَرْنَا ابْنُ رَوَاحَة،
حَدَّثَنَا السِّلَفِيُّ، حَدَّثَنَا خَمِيْسٌ بِجزء مِنْ
فَوَائِده.
__________
(1) ومن شعره ما أنشده له: وحرمة ما حملت من ثقل حبكم *
وأشرف محلوف به حرمة الحب لانتم وإن ضن الزمان بقربكم *
ألذ إلى قلبي من البارد العذب فلا تحسبوا أن المحب إذا نأى
* وغاب عن العينين غاب عن القلب (2) وهو يتضمن ما أجاب به
خميس الحوزي عن سؤالات أبي طاهر السلفي في سنة 500 ه عن
جماعة من أهل واسط ومن الغرباء القادمين إليها مما عاصر
خميسا الحوزي أو كان من شيوخه، أو من شيوخ شيوخه.
وهو من مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق سنة 1976
بتحقيق مطاع الطرابيشي.
(19/347)
206 - أَبُو الخَطَّابِ مَحْفُوْظُ بنُ
أَحْمَدَ بنِ حَسَنٍ العِرَاقِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الوَرِعُ، شَيْخُ
الحنَابلَة، أَبُو الخَطَّابِ مَحْفُوْظُ بنُ أَحْمَدَ بنِ
حَسَنِ بنِ حَسَنٍ العِرَاقِي، الكَلْوذَانِي، ثُمَّ
البَغْدَادِيّ، الأَزَجِي، تِلْمِيْذ القَاضِي أَبِي
يَعْلَى بن الفَرَّاءِ.
مَوْلِدُهُ:فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ
وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ:أَبَا مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، وَأَبَا عَلِيٍّ
مُحَمَّد بن الحُسَيْنِ الجَازرِي، وَأَبَا طَالب
العُشَارِيّ، وَجَمَاعَة، وَرَوَى كِتَاب(الجَلِيْس
وَالأَنِيس)عَنِ الجَازرِي عَنْ مُؤلفه المُعَافَى (1) .
رَوَى عَنْهُ:ابْنُ نَاصر، وَالسِّلَفِيّ، وَأَبُو
المُعَمَّر الأَنْصَارِيّ، وَالمُبَارَك بن خُضير، وَأَبُو
الْكَرم بن الغَسَّال، وَتَخَرَّجَ بِهِ الأَصْحَابُ،
وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ.
قَالَ أَبُو الْكَرم بن الشَّهرُزُورِي:كَانَ إِلكِيَا
إِذَا رَأَى أَبَا الخَطَّاب الكَلوذَانِي مُقْبِلاً
قَالَ:قَدْ جَاءَ الجَبَلُ.
__________
(*) الأنساب: 10 / 461، المنتظم: 9 / 190 - 193، اللباب: 3
/ 107، الكامل لابن الأثير: 10 / 524، تاريخ الإسلام: 4 /
197 / 2، دول الإسلام: 2 / 37، العبر: 4 / 21، وذكره
الامام الذهبي في تذكرة الحفاظ: 4 / 1261، المستفاد من ذيل
تاريخ بغداد: 226 - 228، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 326،
مرآة الزمان: 8 / 41 - 42، البداية: 12 / 180، ذيل طبقات
الحنابلة: 1 / 116 - 127، النجوم الزاهرة: 5 / 212، شذرات
الذهب: 4 / 27 - 28.
(1) وقال السلفي فيما نقله عنه ابن رجب في " ذيل الطبقات
": 1 / 117: أبو الخطاب من أئمة أصحاب أحمد، يفتي على
مذهبه ويناظر، وكان عدلا رضيا ثقة عنده كتاب " الجليس
والانيس " للقاضي أبي الفرج الجريري عن الجازري عنه، وكان
ينفرد به، ولم يتفق لي سماعه، وندمت بعد خروجي من بغداد
على فواته.
قلت: وكتاب المعافي صدر منه الجزء الأول في بيروت.
(19/348)
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ
النَّقُّوْرِ:كَانَ إِلكيَا الهَرَّاسِي إِذَا رَأَى أَبَا
الخَطَّاب قَالَ:قَدْ جَاءَ الفِقْه.
قَالَ السِّلَفِيّ:هُوَ ثِقَةٌ، رِضَىً، مِنْ أَئِمَّة
أَصْحَاب أَحْمَد.
وَقَالَ غَيْرُهُ:كَانَ مُفْتِياً صَالِحاً، عَابِداً
وَرِعاً، حَسَنَ العِشْرَة، لَهُ نَظْمٌ رَائِقٌ، وَلَهُ
كِتَابُ(الهِدَايَةِ)، وَكِتَاب(رُؤُوْس
المَسَائِل)وَكِتَاب(أُصُوْل الفِقْه)، وَقَصِيدَة فِي
الْمُعْتَقد يَقُوْلُ فِيْهَا:
قَالُوا:أَتَزْعُمُ أَنْ عَلَى العَرشِ اسْتوَى ؟ ...
قُلْتُ:الصَّوَابُ كَذَاكَ خَبَّرَ سَيِّدِي
قَالُوا:فَمَا مَعْنَى اسْتِوَاهُ؟أَبِنْ لَنَا ...
فَأَجَبْتُهُم:هَذَا سُؤَالُ المُعْتَدِي
تُوُفِّيَ أَبُو الخَطَّابِ:فِي الثَّالِث وَالعِشْرِيْنَ
مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ عَشْرٍ وَخَمْس مائَة.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا نَصْرُ
بنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ القَاضِي، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ
هَدِيَّة الفَقِيْه، أَخْبَرَنَا أَبُو الخَطَّابِ
مَحْفُوْظُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ الكَلوذَانِي،
أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ
القَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ مُوْسَى بنُ
عِيْسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَاغندي،
حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ زُغْبَةَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ،
عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
صَلَّى مُعَاذٌ بِأَصْحَابِهِ العشَاء، فَطوَّلَ
عَلَيْهِم، فَانْصَرَفَ رَجُلٌ مِنَّا، فَصَلَّى وَحْدَهُ،
فَأُخبر مُعَاذٌ عَنْهُ، فَقَالَ:إِنَّهُ مُنَافِق.
فَلَمَّا بلغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ، دَخَلَ عَلَى رَسُوْلِ
اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ
بِمَا قَالَ مُعَاذ، فَقَالَ:(أَتُرِيْدُ أَنْ تَكُوْنَ
فَتَّاناً يَا مُعَاذُ؟إِذَا أَمَمْتَ النَّاسَ، اقْرَأْ
بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ
الأَعْلَى، وَاقْرَأْ سُوْرَةَ وَاللَّيْلِ إِذَا
يَغْشَى).
__________
(1) أخرجه مسلم (465) في كتاب الصلاة: باب القراءة في
العشاء، والنسائي: =
(19/349)
قُلْتُ:كَانَ أَبُو الخَطَّابِ مِنْ
مَحَاسِن العُلَمَاء، خَيِّراً صَادِقاً، حسنَ الخُلُقِ،
حُلْوَ النَّادرَةِ، مِنْ أَذكيَاء الرِّجَال، رَوَى
الكَثِيْر، وَطَلَبَ الحَدِيْثَ وَكتبه، وَلابْنِ كُلَيْبٍ
مِنْهُ إِجَازَة (1) .
قَالَ ابْنُ النَّجَّار:درس الفِقْه عَلَى أَبِي يَعْلَى،
وَقرَأَ الفَرَائِضَ عَلَى الوَنِّي، وَصَارَ إِمَامَ
وَقتِه، وَشيخ عصره، وَصَنَّفَ فِي المَذْهَب وَالأُصُوْل
وَالخلاَف وَالشّعرِ الْجيد.
207 - إِلْكِيَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
عَلِيٍّ *
العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الشَّافعيَة، وَمُدَرِّس
النِّظَامِيَة، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
عَلِيٍّ الطَّبَرِيّ، الهَرَّاسِي.
__________
= 2 / 173 كتاب الافتتاح: باب القراءة في العشاء الآخرة
بالشمس وضحاها.
وفي ابن ماجة (986) كتاب إقامة الصلاة: باب من أم قوما
فليخفف.
(1) وقال ابن رجب في " الذيل ": 1 / 120: كان أبو الخطاب
فقيها عظيما، كثير التحقق وله من التحقيق والتدقيق الحسن
في مسائل الفقه وأصوله شيء كثير جدا، وله مسائل ينفرد بها
عن الأصحاب، ثم شرع يذكر ما انفرد به فراجعه.
(2) ومما أنشده له ابن رجب في " ذيل الطبقات ": 1 / 119
قوله:
بأبي من إذا شكوت إليه * حبه قال ذا محال ولهو
وإذا ما حلفت بالله اني * صادق قال لي يمينك لغو
لا ومن خصه بحسن بديع * وجمال جسمي به اليوم نضو
لا تبدلت في هواه ولا خنـ * ـت ولا حل لي عليه السلو
(*) تبيين كذب المفتري: 288، المنتظم: 9 / 167، الكامل
لابن الأثير: 10 / 484، وفيات الأعيان: 3 / 286 - 290،
تاريخ الإسلام: 4 / 171 / 1، دول الإسلام: 2 / 33، العبر:
4 / 8، تتمة المختصر: 2 / 34، المستفاد من ذيل تاريخ
بغداد: 197، الوافي بالوفيات م: 12 / 177 - 178، عيون
التواريخ: 13 / لوحة 256 - 257، مرآة الزمان: 8 / 23،
طبقات السبكي: 7 / 231 - 234، طبقات الاسنوي: 2 / 520 -
522، البداية: 12 / 172 - 173، طبقات الشافعية لابن قاضي
شهبة: 1 / 319 - 321، النجوم الزاهرة: 5 / 201 - 202،
طبقات ابن هداية الله: 191، كشف الظنون: 423، 1056، شذرات
الذهب: 4 / 8 - 10، هدية العارفين: 1 / 694.
(19/350)
رَحل، فَتفقَّه بِإِمَام الحَرَمَيْنِ،
وَبَرَعَ فِي المَذْهَب وَأُصُوْله، وَقَدِمَ بَغْدَاد،
فَولِي النِّظَامِيَة سَنَة(493)وَإِلَى أَنْ مَاتَ.
تَخرَّج بِهِ الأَئِمَّة، وَكَانَ أَحَدَ الفصحَاء، وَمِنْ
ذَوِي الثروَة وَالحِشْمَة، لَهُ تَصَانِيْف حَسَنَة (1) .
حَدَّثَ عَنْ:زَيْدِ بنِ صَالِحٍ الآملِي، وَجَمَاعَة.
رَوَى عَنْهُ:سَعْدُ الخَيْرِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ غَالِبٍ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ.
قَالَ السِّلَفِيّ:سَمِعْتُ الفُقَهَاءَ
يَقُوْلُوْنَ:كَانَ الجُوَيْنِيّ يَقُوْلُ فِي
تَلاَمِذَتِه إِذَا نَاظرُوا:التَّحقيقُ لِلْخوَافِي (2) ،
وَالجَرَيَانُ لِلْغزَّالِي، وَالبَيَانُ لِلْكِيَا.
مَاتَ إِلكِيَا:فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْس
مائَة، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً وَشهرَانِ،
وَكَانُوا يُلقِّبُونه شَمْسَ الإِسْلاَمِ (3) .
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ:اتُّهِمَ إِلكيَا مُدَرِّس
النِّظَامِيَة بِأَنَّهُ بَاطنِي، فَقَبَضَ عَلَيْهِ
السُّلْطَانُ مُحَمَّد، فَشَهِدُوا بِبرَاءةِ السَّاحَة،
فَأُطْلِقَ (4) .
__________
(1) منها " شفاء المسترشدين في مباحث المجتهدين " وهو من
أجود كتب الخلافيات، و" أحكام القرآن " وهو مطبوع في أربعة
أجزاء بدار الكتب العلمية بيروت.
(2) انظر ص: 336 التعليق (5).
(3) وذكره الحافظ عبد الغافر الفارسي في " السياق " فقال:
كان من رؤوس معيدي
إمام الحرمين في الدرس، وكان ثاني أبي حامد الغزالي، بل
آصل وأصلح وأطيب في الصوت والنظر...وكان محدثا يستعمل
الأحاديث في مناظرته ومجالسه، ومن كلامه: إذا جالت فرسان
الأحاديث في ميادين الكفاح، طارت رؤوس المقاييس في مهاب
الرياح.
(4) وممن شهد ببراءته أبو الوفاء بن عقيل شيخ ابن الجوزي
كما في " المنتظم ": 9 / 167، وقال السبكي في " طبقاته ":
7 / 233: ومن غريب ما اتفق له أنه أشيع أن إلكيا =
(19/351)
قُلْتُ:وَصَنَّفَ كِتَاباً فِي الرَّدِّ
عَلَى مُفردَات الإِمَامِ أَحْمَد (1) ، فَلَمْ يُنْصِفْ
فِيْهِ.
208 - الزَّيْنَبِيُّ أَبُو يَعْلَى حَمْزَةُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ العَبَّاسِيُّ *
الشَّرِيْفُ الكَبِيْرُ، المُعَمَّرُ، شَيْخُ بَنِي
هَاشِمٍ، أَبُو يَعْلَى حَمْزَةُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
عَلِيٍّ العَبَّاسِيّ، الزَّيْنَبِيّ، أَخُو المُسْنِد
أَبِي نَصْرٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَالنقيبِ طِرَاد
الزَّيْنَبِيّ، وَنُورِ الهدَى.
وُلِدَ:سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَحَدَّثَ عَنِ:القَاضِي أَبِي العَلاَءِ مُحَمَّدِ بنِ
عَلِيٍّ الوَاسِطِيّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ الخَلاَّل،
وَقرَأَ(الفَصِيْحَ)عَلَى النَّحْوِيّ عَلِيِّ بنِ عِيْسَى
الربعِي، وَأَنَا أَتعجَّبُ مِنْ هَذَا!كَيْفَ لَمْ
يَسْمَعْ مِنْ أَبِي الحُسَيْنِ بن بِشْرَان، وَأَبِي
عَلِيٍّ بنِ شَاذَانَ (2) .
__________
= باطني يرى رأي الاسماعيلية، فنمت له فتنة هائلة وهو برئ
من ذلك، ولكن وقع الاشتباه على الناقل فإن صاحب الالموت
ابن الصباح الباطني الاسماعيلي كان يلقب بإلكيا أيضا، ثم
ظهر الامر، وفرجت كربة شيخ الإسلام رحمه الله، وعلم أنه
أتي من توافق اللقبين.
قلت: وقد تقدم أن " إلكيا " في اللغة العجمية الكبير القدر
المقدم بين الناس.
(1) أي: مما انفرد به الامام أحمد من المسائل الاجتهادية
عن الأئمة الثلاثة، وقد نظم هذه المفردات العلامة محمد بن
علي بن عبد الرحمن بن محمد بن سليمان المقدسي الحنبلي
المتوفي سنة 820 ه واسمه " النظم المفيد الاحمد في مفردات
الامام أحمد " وهو مطبوع مع شرحه.
(*) تاريخ الإسلام: 4 / لوحة 170 / 2، العبر: 4 / 8، عيون
التواريخ: 13 / لوحة 261، النجوم الزاهرة: 5 / 202، شذرات
الذهب: 4 / 8.
(2) في تاريخ الإسلام 4 / 171: قال السلفي: كان أبو يعلى
جليل القدر، ولد سنة سبع وأربع مئة، وروى لنا عن أبي
العلاء الواسطي، وأبي محمد الخلال، وذكر لي أنه قرأ الفصيح
على علي بن عيسى الربعي، قلت " القائل الذهبي ": وكذا ورخ
ابن السمعاني مولده، ولو أن حمزة سمع في صغره مثل أخيه
طراد، لسمع من أبي الحسين بن بشران، وهلال الحفار، ولصار
مسند الدنيا في عصره، وأنا أتعجب كيف لم يسمعوه.
(19/352)
حَدَّثَ عَنْهُ أَبُو طَاهِرٍ
السِّلَفِيُّ، وَقَالَ:قَالَ لِي:عَوَّل ابْنُ أَبِي
الرّيَان الوَزِيْر عَلَى حَمْلِي إِلَى أَبِي الحَسَنِ
بنِ الحمَامِي، فَلَمْ يَتَّفِقْ ذَلِكَ.
قُلْتُ:أَرَّخ السَّمْعَانِيّ مَوْلِده، قَالَ:وَتُوُفِّيَ
سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْس مائَة.
أَخُوْهُ:
209 - نُور الهُدَى أَبُو طَالِبٍ الحُسَيْنُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الزَّيْنَبِيُّ *
الإِمَامُ، القَاضِي، رَئِيْسُ الحَنَفِيَّة، صَدْرُ
العِرَاقين، نورُ الهُدَى، أَبُو طَالِبٍ الحُسَيْن بن
مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بن حَسَنٍ الزَّيْنَبِيّ،
الحَنَفِيّ.
مَوْلِدُهُ:سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ:أَبَا طَالب بن غَيْلاَنَ، وَأَبَا القَاسِمِ
الأَزْهَرِيّ، وَالحَسَن بن المُقْتَدِر، وَأَبَا
القَاسِمِ التَّنُوْخِي.
وَحَجَّ، فَسَمِعَ(الصَّحِيح)مِنْ كَرِيْمَةَ
المَرْوَزِيَّة، وَتَفَرَّد بِهِ عَنْهَا، وَقصَدَهُ
النَّاس.
حَدَّثَ عَنْهُ:عَبْد الغَافِرِ الكَاشْغَرِي (1) -
وَمَاتَ قَبْلَهُ بدَهْرٍ - وَابْنُ أَخِيْهِ عَلِيّ بنُ
طِرَاد، وَهِبَةُ اللهِ الصَّائِن، وَعبدُ المُنْعِم بن
كُلَيْبٍ، وَسَمِعَ مِنْهُ(الصَّحِيح)لِلْبُخَارِيِّ،
وَقَدْ كَانَ قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى أَبِي الحَسَنِ بنِ
القَزْوِيْنِيّ
__________
(*) الأنساب: 6 / 346، المنتظم: 9 / 201، الكامل لابن
الأثير: 10 / 545 - 546، تاريخ الإسلام: 4 / لوحة 206 / 1،
العبر: 4 / 27، تذكرة الحفاظ: 4 / 1249، عنون التواريخ: 13
/ اللوحة: 350 - 351، البداية: 12 / 183 وفيه الحسين بن
محمد بن عبد الوهاب، الجواهر المضية: 2 / 133 - 134، العقد
الثمين: 4 / 206 - 207، النجوم الزاهرة: 5 / 217، الطبقات
السنية: رقم 785، شذرات الذهب: 4 / 34.
(1) بفتح الكاف، وسكون الشين، وفتح الغين: نسبة إلى كاشغر
بلدة من بلاد المشرق، وهي من ثغور المسلمين، وعبد الغافر
هذا ذكره السمعاني في " الأنساب ": 10 / 325، وقال: كان
حافظا ثقة، مكثرا صدوقا.
توفي سنة 474 ه.
(19/353)
الزَّاهِدِ، وَدرَّس مُدَّةً طَوِيْلَةً
بِمَدرَسَةِ شَرفِ المُلك، وَتَرَسَّل إِلَى مُلُوْكِ
الأَطرَافِ، وَوَلِيَ نَقَابَةَ العَبَّاسِيِّيْنَ
وَالطَّالِبيين، ثُمَّ اسْتَعفَى بَعْدَ أَشهرٍ،
فَوَلِيهَا أَخُوْهُ طِرَادٌ، وَتَفَقَّهَ عَلَى قَاضِي
القُضَاةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ الدَّامَغَانِي، وَلِلغزِّي
الشَّاعِر فِيْهِ قَصِيدَة (1) مَدحه بِهَا، وَكَانَ
مكرماً لِلْغُربَاء، عَارِفاً بِالمَذْهَب، وَافر العظمَة.
تُوُفِّيَ:فِي صَفَرٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَخَمْس
مائَة، فَالإِخْوَة الأَرْبَعَةُ اتَّفَقَ لَهُم أَن
مَاتُوا فِي عَشْرِ المائَةِ، وَهَذَا نَادر.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار:أَفْتَى وَدرَّس بِالمدرسَة
الَّتِي أَنشَأَهَا شَرفُ المُلكِ (2) أَبُو سَعْدٍ،
وَوَلِيَ نِقَابَة العَبَّاسِيِّيْنَ وَالطَّالبيين مَعاً
فِي أَوّل سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ
مائَةٍ، فَبقِي مُدَّةً عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَعفَى،
وَكَانَ شَرِيْفَ النَّفْس، قوِيّ الدّين، وَافرَ العِلْم،
شَيْخَ أَصْحَابِ الرَّأْي فِي وَقته وَزَاهِدَهُم،
وَفَقِيهَ بَنِي العَبَّاسِ وَرَاهِبَهُم، لَهُ الوجَاهَةُ
الكَبِيْرَة عِنْد الخُلَفَاء.
قَالَ السِّلَفِيّ:سَأَلتُ شُجَاعاً الحَافِظَ عَنْ أَبِي
طَالِبٍ الزَّيْنَبِيِّ، فَقَالَ:
إِمَامٌ عَالِم مُدَرِّس، مِنْ أَصْحَابِ أَبِي
حَنِيْفَةَ، سَمِعَ بِمَكَّةَ مِنْ كَرِيْمَةَ(الصَّحِيح).
__________
(1) مطلعها: جفون يصح السقم فيها فتسقم * ولحظ يناجيه
الضمير فيفهم أورد أبياتا منها التقي الفاسي في " العقد
الثمين ": 4 / 207، وحين فرغ من ترجمته قال: كتبت هذه
الترجمة من مختصر الذهبي لتاريخ دمشق لابن عساكر.
(2) بباب الطاق: محلة كبيرة ببغداد بالجانب الشرقي من
بغداد بين الرصافة ونهر المعلى، ويعرف بطاق أسماء منسوب
إلى أسماء بنت المنصور، وكان طاقا عظيما، وكان في دارها
التي صارت لعلي بن جهشيار صاحب الموفق الناصر لدين الله
أقطعه إياها الموفق، وعند هذا الطاق كان مجلس الشعراء أيام
الرشيد، والموضع المعروف بين القصرين: هما قصران لاسماء،
هذا أحدهما، والآخر قصر عبد الله بن المهدي، " معجم
البلدان ": 1 / 308، و4 / 5.
(19/354)
وَقَالَ ابْنُ نَاصر:كَانَ سَمَاعُ أَبِي
طَالِبٍ صَحِيْحاً، وَكَانَ يُتَّهم بِالاعتزَال، وَلَمْ
أَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ السِّلَفِيُّ:أَبُو طَالِبٍ الزَّيْنَبِيّ أَجَلُّ
هَاشِمِيٍّ رَأَيْتُهُ فِي حضَرِي وَسفرِي، وَأَكْثَرُهُم
عِلْماً، وَأَوفرُهُم عِلْماً، وَيُعَدُّ فِي فُحُوْل
النُّظَّار.
قُلْتُ:قَدْ وُجِدَ لَهُ سَمَاع مِنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ
قَشِيش (1) سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ
مائَةٍ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ الكَرْخِيّ الشَّافِعِيّ
الفَقِيْهُ:مَرِضْتُ مرضَةً شَدِيْدَة، فَعَادنِي نُورُ
الهدَى، فَجَعَلَ يَدعُو لِي، فَتَبَرَّكتُ بِزِيَارَتِه
وَعُوفِيتُ.
210 - شُجَاعُ بنُ فَارِسِ بنِ حُسَيْنِ بنِ فَارِسِ بنِ
حُسَيْنِ بنِ غَرِيْبِ بنِ بَشِيْرٍ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، الحَافِظُ،
المُفِيْدُ، أَبُو غَالِبٍ الذُّهْلِيُّ،
السُّهْرَوَرْدِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الحَرِيْمِيُّ،
النَّاسخُ.
سَمِعَ:أَبَاهُ، وَأَبَا طَالب بنَ غَيْلاَنَ، وَعَبْدَ
العَزِيْزِ بن عَلِيٍّ الأَزَجِي، وَأَبَا مُحَمَّدٍ بنَ
المُقْتَدِر، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، وَأَبَا
جَعْفَرٍ بنَ المُسْلِمَة، وَأَبَا بَكْرٍ الخَطِيْبَ،
وَخَلْقاً كَثِيْراً، إِلَى أَنْ يَنْزِل إِلَى أَصْحَاب
عَبْدِ المَلِكِ بنِ بِشْرَان،
__________
(1) ضبطه ابن ناصر في " توضيح المشتبه " 2 / الورقة 222:
بفتح أوله ثم شينين معجمتين الأولى مكسورة بينهما مثناة
تحت ساكنة، وهو أبو الحسن علي بن محمد بن علي ابن قشيش
الحربي المالكي المتوفي سنة 437 ه.
(*) الأنساب: 7 / 198، المنتظم: 9 / 176، الكامل لابن
الأثير: 10 / 500، تاريخ الإسلام: 4 / لوحة: 180 / 2 - 181
/ 1، دول الإسلام: 2 / 36، العبر: 4 / 13، تذكرة الحفاظ: 3
/ 1240 - 1241، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 129 - 130،
الوافي بالوفيات: م 14 / 29 - 30، عيون التواريخ: 13 /
لوحة: 302 - 303، مرآة الجنان: 3 / 194، البداية: 12 /
176، شذرات الذهب: 4 / 16.
(19/355)
وَابْن رِيذه، وَكَتَبَ عَنْ أَقرَانه.
حَدَّثَ عَنْهُ:إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي،
وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَابْنُ نَاصر،
وَالسِّلَفِيّ، وَعُمَرُ بنُ ظفر، وَسَلْمَان بن جروَانَ،
وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ:نسخ بخطِّه مِنَ التَّفْسِيْر
وَالحَدِيْثِ وَالفِقْه مَا لَمْ يَنسخه أَحَدٌ مِنَ
الوَرَّاقين، قَالَ لِي عَبْد الوَهَّابِ
الأَنْمَاطِيّ:دَخَلتُ عَلَيْهِ يَوْماً، فَقَالَ
لِي:تَوِّبنِي.
قُلْتُ:مَنْ أَي شَيْء؟
قَالَ:كَتَبتُ شعرَ ابْن الحَجَّاجِ (1) بخطِّي سَبْعَ
مَرَّاتٍ.
قَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ:وَقلَّ بلدٌ يُوجد مِنْ بلاَد
الإِسْلاَم إِلاَّ وَفِيْهِ شَيْءٌ بِخَطِّ شُجَاع
الذُّهْلِيّ.
وَكَانَ مُفِيدَ وَقته بِبَغْدَادَ، ثِقَةً، سَدِيدَ
السِّيرَة، أَفنَى عُمُره فِي الطَّلَب، وَعَمِلَ
مُسَوَّدَةً لِـ(تَارِيخ بَغْدَاد)ذَيْلاً عَلَى(تَارِيخ
الخَطِيْب)، فَغسَلَه فِي مرض مَوْته، وُلدَ شُجَاع فِي
سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ (2) ، وَمَاتَ فِي ثَالِث جُمَادَى
الأُوْلَى، سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْس مائَة؛وَقَدْ سَأَله
السِّلَفِيّ عَنْ أَحْوَالِ الرِّجَال، وَأَجَابَ
وَأَفَاد.
قَرَأْتُ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ الخَلاَّلِ، أَخْبَرَنَا
جَعْفَرٌ الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ
عَنْهُ.
وَمَاتَ مَعَهُ:أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ
بَدْرَانَ الحُلْوَانِيّ المُقْرِئُ (3) ، وَابْنُ طَاهِرٍ
المَقْدِسِيّ، وَالمُؤْتَمَنَ السَّاجِيّ (4) ،
وَالإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ
__________
(1) هو حسين بن أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد بن الحجاج
النيلي البغدادي المتوفى سنة 391 ه، تقدمت ترجمته في
السابع عشر رقم (29) وصفه فيها بأنه: شاعر العصر، وسفيه
الأدباء، وأمير الفحش، كان أمة وحده في نظم القبائح.
وفي يتيمة الثعالبي: 2 / 211، 270، ومعجم الأدباء: 9 /
206، 232 طائفة كبيرة من شعره.
(2) أي: وأربع مئة.
(3) سترد ترجمته برقم (221).
(4) تقدمت ترجمته برقم (195).
(19/356)
أَحْمَد الشَّاشِيّ (1) ، وَأَبُو
المُظَفَّرِ الأَبِيوَرْدِي الشَّاعِر، وَأَبُو بَكْرٍ
مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ اللّبَانَة شَاعِر الأَنْدَلُس،
وَهَادِي بن إِسْمَاعِيْلَ العَلَوِيّ.
أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ،
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ النَّجَّار(ح).
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَلَغْزَا (2) ، أَخْبَرَنَا
البَهَاءُ عَبْد الرَّحْمَنِ الفَقِيْه، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو السَّعَادَاتِ نَصْرُ اللهِ القَزَّاز،
أَخْبَرَنَا شُجَاع بن فَارِس الحَافِظ، وَمُحَمَّد بن
الحُسَيْنِ الإِسكَافُ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الخَيَّاط، زَادَ
شُجَاع، فَقَالَ:
وَأَبُو سَعْدٍ بنُ السِبْط، وَأَبُو طَالِبٍ العُشَارِي،
قَالُوا:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ دُوست،
أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو
بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ
عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ ضَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ،
قَالَ:
اجْتَمَع مَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ وَمُحَمَّد بن وَاسِعٍ،
فَتذَاكرُوا العيشَ، فَقَالَ مَالِكٌ:مَا شَيْء أَفْضَل
مِنْ أَنْ يَكُوْنَ لِلرَّجُلِ غلَةٌ يَعيشُ مِنْهَا.
فَقَالَ مُحَمَّد:طُوْبَى لِمَنْ وَجد غدَاءً وَلَمْ
يَجِدْ عشَاءً، وَوجد عَشَاءً وَلَمْ يَجِدْ غَدَاءً،
وَهُوَ عَنِ اللهِ رَاضٍ، وَاللهُ عَنْهُ رَاضٍ.
211 - الغَسَّالُ أَبُو الخَيْرِ المُبَارَكُ بنُ
الحُسَيْنِ بنِ أَحْمَدَ *
الإِمَامُ، المُقْرِئُ، النَّحْوِيُّ، أَبُو الخَيْرِ
المُبَارَكُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ أَحْمَدَ
__________
(1) سترد ترجمته برقم (234).
(2) ترجمه المؤلف في " مشيخته " / الورقة: 130، فقال: محمد
بن بلغزا بن محمد ابن بلغزا ابن دارة الشيخ قمر الدين أبو
عبد الله البعلبكي ولد سنة ثلاث عشرة وست مئة في جمادى
الآخرة، وسمع من البهاء المقدسي، وكان شيخا مباركا عاميا،
سمع منه الحافظ علم الدين رابع " المحامليات "، وكتب إلي
شيخنا أبو الحسين أنه توفي في محرم سنة ست وتسعين وست مئة.
(*) المنتظم: 9 / 190، تاريخ الإسلام: 4 / لوحة 197 / 1 -
197 / 2، العبر: 4 / 21، ميزان الاعتدال: 3 / 430، معرفة
القراء: 1 / 377، عيون التواريخ: =
(19/357)
الغسَّالُ، البَغْدَادِيُّ، الشَّافِعِيُّ،
أَحَدُ الأَئِمَّةِ الأَثْبَاتِ.
وُلِدَ:سَنَةَ بِضْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ:أَبِي مُحَمَّدٍ الخَلاَّلِ، وَأَبِي
جَعْفَرٍ بنِ المُسْلِمَةِ، وَالقَاضِي أَبِي يَعْلَى.
وَتَلاَ بِالرِّوَايَاتِ عَلَى:أَبِي بَكْرٍ الخَيَّاط،
وَأَبِي القَاسِمِ بنِ الغُورِيِّ، وَأَبِي عَلِيٍّ
غُلاَمِ الهَرَّاسِ، وَعِدَّة.
وَتَصدَّر لِلإِقْرَاءِ، وَاشْتُهِرَ، تَلاَ عَلَيْهِ
أَبُو مُحَمَّدٍ سِبْط الخَيَّاط، وَغَيْرهُ (1) .
وَحَدَّثَ عَنْهُ:أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ
السِّنْجِيّ، وَسَعْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَعبدُ
المُنْعِم بنُ كُلَيْبٍ، وَآخَرُوْنَ، لَيَّنه شَيْئاً
ابْنُ نَاصر (2) .
تُوُفِّيَ:فِي غُرَّةِ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ عَشْرٍ
وَخَمْس مائَة، وَكَانَ عَالِماً مُجَوِّداً، بَصِيْراً
بِاللُّغَةِ.
212 - النَّسِيبُ أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ بنِ العَبَّاسِ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الشَّرِيْفُ، النسيبُ،
خطيبُ دِمَشْق وَشَيخُهَا،
__________
= 13 / لوحة: 333 - 334، مرآة الجنان: 3 / 200، طبقات
القراء: 2 / 40، لسان الميزان: 5 / 8، شذرات الذهب: 4 /
27.
(1) في " معرفة القراء ": 1 / 377 للمؤلف: وعني بالقراءات
عناية كلية، وتقدم فيها، وطال عمره، وعلا سنده، وقصده
الطلبة لحذقه وبصره بالفن.
(2) في " الميزان ": 3 / 430: تكلم فيه ابن ناصر، ومشاه
غير واحد، ووثقه ابن الجوزي في " المنتظم ": 9 / 190، وقال
ابن السمعاني فيما نقله الحافظ في " اللسان ": 5 / 8: كان
أديبا، ماهرا، صالحا، ثقة، حسن الصوت، قرأ على أبي علي
الحسن بن القاسم الواسطي غلام الهراس وغيره، وتصدر للاقراء
جديرا بذلك.
(*) تاريخ الإسلام: 4 / 190 / 2، دول الإسلام: 2 / 36،
العبر: 4 / 17، تاريخ ابن عساكر: مرآة الزمان: 8 / 32 -
33، النجوم الزاهرة: 5 / 208، شذرات الذهب: 4 / 23.
(19/358)
نَسِيبُ الدَّوْلَة، أَبُو القَاسِمِ
عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ العَبَّاسِ بنِ الحَسَنِ
بنِ العَبَّاسِ بن الحَسَنِ ابْنِ السَّيِّدِ الرَّئِيْسِ
أَبِي الجِنِّ حُسَيْنِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
عَلِيِّ بن إِسْمَاعِيْلَ ابنِ سَيِّدِ الهَاشِمِيين
جَعْفَرٍ الصَّادِقِ بنِ مُحَمَّدٍ البَاقِرِ بنِ عَلِيٍّ
زَيْنِ العَابِدِيْنَ ابنِ الشَّهِيْدِ سِبْط رَسُوْل
اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَيْحَانته
أَبِي عَبْدِ اللهِ الحُسَيْن ابْنِ الإِمَامِ عَلِيِّ بنِ
أَبِي طَالِبٍ العَلَوِيّ، الحُسَيْنِيّ، الدِّمَشْقِيّ.
كَانَ صدراً مُعَظَّماً، وَسَيِّداً مُحْتَشِماً، وَثِقَة
مُحَدِّثاً، وَنبيلاً مُمَدَّحاً، مِنْ أَهْلِ السّنَة
وَالجَمَاعَة، وَالأَثرِ وَالرِّوَايَة، كُلُّ أَحَدٍ
يُثنِي عَلَيْهِ، انْتخب عَلَيْهِ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ
الخَطِيْبُ عِشْرِيْنَ جُزْءاً سَمِعْنَاهَا، تُعْرَفُ
بِـ(فَوَائِد النَّسِيب)، وَتَجد تَفرِيغه عَلَى أَكْثَر
تَوَالِيف الخَطِيْب (1) .
مَوْلِدُهُ:فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ
مائَةٍ.
وَقَرَأَ القُرْآنَ عَلَى الأُسْتَاذ أَبِي عَلِيٍّ
الأَهْوَازِيّ، وَغَيْرِهِ.
وَسَمِعَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ (2) ، وَبعدهَا
مِنْ:أَبِي الحُسَيْنِ مُحَمَّد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
أَبِي نَصْرٍ التَّمِيْمِيّ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ
سُلْوَانَ المَازِنِيّ، وَرشَأِ بن نَظيف، وَسليْم بن
أَيُّوْبَ الفَقِيْه، وَالقَاضِي مُحَمَّد بن سَلاَمَةَ
القُضَاعِي، وَكَرِيْمَةَ المَرْوَزِيَّة، وَأَبِي
القَاسِمِ الحِنَّائِي، وَوَالِدِهِ مُسْتخص الدَّوْلَة،
وَالخَطِيْب، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ:هِبَةُ اللهِ بنُ الأَكْفَانِيِّ،
وَالخَضِرُ بنُ شِبْلٍ الحَارِثِيُّ، وَعبدُ البَاقِي بن
مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ، وَأَبُو المَعَالِي بنُ صَابرٍ،
وَأَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ،
__________
(1) في " مرآة الزمان ": 8 / 33 نقلا عن ابن السمعاني في "
الذيل ": كان حسن السيرة، ممدوحا بكل لسان، سمع من الخطيب
الكثير، وخطه وسماعاته على أكثر مصنفاته.
(2) في تاريخ الإسلام: وأول سماعه في سنة ثمان وثلاثين
وأربع مئة.
(19/359)
وَأَخُوْهُ الصَّائِن هِبَةُ اللهِ،
وَعِدَّةٌ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ:كَانَ ثِقَةً، مُكْثِراً، لَهُ
أُصُوْلٌ بِخُطُوط الوَرَّاقين، وَكَانَ مُتَسِّنناً،
وَسَبَبُ تَسنُّنه مُؤَدِّبُهُ أَبُو عِمْرَانَ
الصَّقَلِي، وَإِكثَارُهُ مِنْ سَمَاعِ الحَدِيْثِ...،
إِلَى أَنْ قَالَ:
سَمِعَ مِنْهُ شَيْخُهُ عَبْد العَزِيْزِ الكتَانِيُّ،
وَأَكْثَرتُ عَنْهُ، وَقَدْ حَكَى لِي أَنَّنِي لَمَّا
وُلِدْتُ سَأَلَ أَبِي:مَا سَمَّيتَه وَكَنَّيْتَه؟
فَقَالَ:أَبُو القَاسِمِ عليّ.
فَقَالَ:أَخذتَ اسمِي وَكُنْيَتِي.
قَالَ لِي أَبُو القَاسِمِ السُّمَيْسَاطِي، أَوْ
قَالَ:قَالَ لِي أَبُو القَاسِمِ بنُ أَبِي
العَلاَءِ:إِنَّهُ مَا رَأَى أَحَداً اسْمُهُ عَلِي،
وَكُنِي أَبَا القَاسِمِ، إِلاَّ كَانَ طَوِيْلَ العُمُرِ،
وَذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّى مرَّة عَلَى جَنَازَة، فَكَبَّرَ
عَلَيْهَا أَرْبَعاً.
قَالَ:فَجَاءَ كِتَابُ صَاحِبِ مِصْر إِلَى أَبِيْهِ
يُعَاتبه فِي ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ أَبُوْهُ:لاَ تُصَلِّ
بَعْدهَا عَلَى جَنَازَة.
قُلْتُ:كَانَ أَصْحَابُ مِصْر رَافِضَّةً.
ثُمَّ قَالَ:وَكَانَتْ لَهُ جِنَازَةٌ عَظِيْمَةٌ،
وَأَوْصَى أَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ جَمَالُ الإِسْلاَمِ
أَبُو الحَسَنِ الفَقِيْه، وَأَن يُسَنَّم قَبْرُه، وَأَنْ
لاَ يَتولاَهُ أَحَدٌ مِنَ الشِّيْعَة، وَحَضَرتُ دفنَه،
تُوُفِّيَ فِي الرَّابع وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْع
الآخِرِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْس مائَة، وَدُفِنَ
بِالمَقْبَرَة الفخرِيَة عِنْد المصلَّى.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ:المُعَمَّر الصَّالِحُ أَبُو الحَسَنِ
عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ فَتحَان الشَّهرزُورِي
البَغْدَادِيّ (1) الَّذِي رَوَى مَجْلِساً عَنِ ابْنِ
بِشرَانَ، وَلَهُ خَمْسٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً،
وَالمُسْنِدُ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ
الخَوْلاَنِيّ الأَنْدَلُسِيّ (2) عَنْ تِسْعِيْنَ سَنَةً،
وَأَبُو الْوَحْش سُبيعُ بنُ المُسَلَّم الدِّمَشْقِيّ
المُقْرِئُ، وَأَبُو
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (159).
(2) تقدمت ترجمته برقم (187).
(19/360)
الخَيْر هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ
الأَبَرْقُوْهِيّ، وَمُسْنِدُ هَمَذَانَ أَبُو بَكْرٍ
عَبْدُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ التُّوَبِّي (1) .
213 - مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ
المَقْدِسِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الجَوَّال، الرّحَالُ، ذُو
التَّصَانِيْفِ، أَبُو الفَضْلِ بنُ أَبِي الحُسَيْنِ بن
القَيْسَرَانِيِّ المَقْدِسِيُّ، الأَثرِيُّ، الظَّاهِرِي،
الصُّوْفِيّ.
وُلِدَ:بِبَيْتِ المَقْدِس، فِي شَوَّال، سَنَةَ ثَمَانٍ
وَأَرْبَع مائَة.
وَسَمِعَ:بِالقُدْس وَمِصْر، وَالحَرَمَيْنِ وَالشَّام،
وَالجَزِيْرَة وَالعِرَاق، وَأَصْبَهَان وَالجِبَالِ،
وَفَارِسَ وَخُرَاسَانَ، وَكَتَبَ مَا لاَ يُوصَفُ
كَثْرَةً بِخطِّه السَّرِيع، القوِيّ الرّفِيع، وَصَنَّفَ
وَجَمَعَ، وَبَرَعَ فِي هَذَا الشَّأْنِ، وَعُنِيَ بِهِ
أَتَمَّ عِنَايَة، وَغَيْرُهُ أَكْثَرُ إِتقَاناً
وَتَحرِّياً مِنْهُ.
سَمِعَ مِنْ:أَبِي عَلِيٍّ الحَسَن بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الشَّافِعِيّ وَطَبَقَتِهِ بِمَكَّةَ، وَمِنْ سَعْد
الزَّنْجَانِي، وَهَيَّاجِ بنِ عُبَيْدٍ.
وَسَمِعَ بِالمَدِيْنَةِ:الحُسَيْن بن عَلِيٍّ
__________
(1) ضبطه السمعاني: 2 / 110 بضم التاء المنقوطة باثنتين من
فوقها، وفتح الواو، والياء المشددة المنقوطة باثنتين من
تحتها بعدها، وقال: هذه النسبة إلى قرية من قرى همذان يقال
لها: توي.
(*) المنتظم: 9 / 177 - 179، وفيات الأعيان: 4 / 287 -
288، تاريخ الإسلام: 4 / 182 / 1 - 184 / 2، دول الإسلام:
2 / 36، العبر: 4 / 14، ميزان الاعتدال: 3 / 587، تذكرة
الحفاظ: 4 / 1242، 1245، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 31
- 33، الوافي بالوفيات: 3 / 166 - 168، مرآة الزمان: 8 /
30، مرآة الجنان: 3 / 195 - 196، البداية: 12 / 176 - 177،
طبقات الأولياء: 316 - 318، لسان الميزان: 5 / 207 - 210،
الانس الجليل: 265 - 266، كشف الظنون: 88، 116، 180، شذرات
الذهب: 4 / 18، هدية العارفين: 2 / 82 - 83.
(19/361)
الطَّبَرِيّ، وَجَمَاعَة.
وَسَمِعَ بِمِصْرَ مِنْ:أَبِي الحَسَنِ الخلعِي، وَأَبِي
إِسْحَاقَ الحبَال، وَعِدَّة.
وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ:أَبِي مُحَمَّدٍ
الصَّرِيفِيْنِي، وَابْنِ النَّقُّوْرِ، وَعَلِيّ بن
البُسْرِيِّ، وَخَلْق.
وَبِدِمَشْقَ مِنْ:أَبِي القَاسِمِ بنِ أَبِي العَلاَءِ،
وَعِدَّةٍ.
وَبِأَصْبَهَانَ مِنْ:مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ،
وَعَبْد الوَهَّابِ بنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ مَنده،
وَطَبَقَته.
وَبجُرْجَان مِنْ:إِسْمَاعِيْلَ بنِ مَسْعَدَةَ
الإِسْمَاعِيْلِي.
وَببَيْت المَقْدِسِ مِنَ:الفَقِيْه نَصْر.
وَبِنَيْسَابُوْرَ مِنَ:الفَضْل بنِ الْمُحب، وَطَبَقَتِه.
وَبِهرَاة مِنْ:مُحَمَّدِ بنِ أَبِي مَسْعُوْدٍ
الفَارِسِيّ، وَعبدِ الرَّحْمَن بن عَفِيْف كُلارَ،
وَطَائِفَة.
وَبِمَرْوَ:مُحَمَّد بن الحَسَنِ المِهْرَبَنْدَقْشَايِي.
وَبِالإِسْكَنْدَرِيَّة مِنَ:الحُسَيْن بنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الصَّفرَاوِي.
وَبِتِنِّيس:عَلِيّ بن الحُسَيْنِ بنِ الحَدَّاد، رَوَى
لَهُ عَنْ جَدِّهِ عَنِ الوَشَّاء عَنْ عِيْسَى زُغبَة.
وَبِحَلبَ مِنَ:الحَسَنِ بنِ مَكِّيّ.
وَبَالجَزِيْرَة مِنْ:عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ مُحَمَّدٍ
اليَمنِي صَاحِب أَبِي عُمَرَ بن مَهْدِيٍّ.
وَبآمِدَ مِنْ:قَاسم بن أَحْمَدَ الأَصْبَهَانِيّ
الخَيَّاط، رَوَى لَهُ عَنِ ابْنِ جِشْنِسَ عَنِ ابْنِ
صَاعِد.
وَبإِسْتِرَابَاذَ:عَلِيَّ بن عَبْدِ المَلِكِ الْحَفْصِي.
وَبِالبَصْرَةِ:عَبْدَ الْملك بن شَغَبَة.
وَبَالدِّينَوَرِ:ابْنَ عَبَّاد.
وَبَالرَّيّ:إِسْمَاعِيْلَ بنَ عَلِيٍّ.
وَبسَرْخَسَ:مُحَمَّد بن المُظَفَّر.
وَبَشِيْرَازَ:عَلِيَّ بنَ مُحَمَّدٍ الشُّروطِي.
وَبقَزْوِيْن:مُحَمَّدَ بن إِبْرَاهِيْمَ العِجْلِيّ.
وَبِالكُوْفَةِ:أَبَا القَاسِمِ حُسَيْنَ بنَ مُحَمَّدٍ.
وَبِالمَوْصِلِ:هِبَةَ اللهِ بن أَحْمَدَ المُقْرِئَ.
وَبِمَرْوَ الرُّوذِ، وَسَاوَة، وَالرَّحبَة، وَالأَنبارِ،
وَالأَهوازِ، وَنُوقَان، وَهَمَذَان، وَوَاسطَ،
وَأَسَدَابَاذ، وَإِسفرَايين، وَآمُلَ، وَبِسْطَام،
وَخُسْرَوْجِرْدَ، وَطُوس.
حَدَّثَ عَنْهُ:شِيْرَوَيْه بنُ شهردَار، وَأَبُو جَعْفَرٍ
بنُ أَبِي عَلِيٍّ الهَمَذَانِيّ، وَأَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ
بنُ عُمَرَ الغَازِي، وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ،
وَابْنُ نَاصر، وَالسِّلَفِيّ، وَأَبُو زُرْعَةَ طَاهِرُ
بن مُحَمَّدٍ، وَوَلَدُهُ، وَمُحَمَّدُ بن إِسْمَاعِيْلَ
الطَّرَسُوسِيّ، وَطَائِفَة سِوَاهُم.
(19/362)
قَالَ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ
عَسَاكِرَ:سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ بن مُحَمَّدٍ الحَافِظ
يَقُوْلُ:أَحْفَظُ مَنْ رَأَيْتُ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِر.
وَقَالَ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بن مَنْدَه:كَانَ ابْنُ
طَاهِر أَحَدَ الحُفَّاظِ، حسنَ الاعتقَاد، جَمِيْلَ
الطّرِيقَة، صَدُوْقاً، عَالِماً بِالصَّحِيح وَالسَّقيم،
كَثِيْرَ التَّصَانِيْف، لاَزماً لِلأَثر.
وَقَالَ السِّلَفِيّ:سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ طَاهِر
يَقُوْلُ:كَتَبتُ(الصَّحِيْحَيْنِ)وَ(سُنَنَ أَبِي
دَاوُدَ)سَبْعَ مَرَّاتٍ بِالأُجرَة، وَكَتَبتُ(سُنَنَ
ابْنِ مَاجَه)عشر مَرَّات بِالرَّيِّ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ:سَأَلْتُ الفَقِيْه
أَبَا الحَسَنِ الكَرْجِيّ عَنِ ابْنِ طَاهِرٍ، فَقَالَ:
مَا كَانَ عَلَى وَجه الأَرْض لَهُ نَظيرٌ، وَكَانَ
دَاوُدي المَذْهَب (1) ، قَالَ لِي:اخْترتُ مَذْهَبَ
دَاوُد.
قُلْتُ:وَلِمَ؟
قَالَ:كَذَا اتَّفَقَ.
فَسَأَلتُهُ:مَنْ أَفْضَلُ مَنْ رَأَيْتَ؟
فَقَالَ:سَعْدُ بنُ عَلِيٍّ الزَّنجَانِي، وَعَبْدُ اللهِ
بن مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيّ.
قَالَ أَبُو مَسْعُوْدٍ عَبْدُ الرَّحِيْمِ
الحَاجِي:سَمِعْتُ ابْنَ طَاهِر يَقُوْلُ:
بُلْتُ الدَّم فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ مرَّتين، مرَّة
بِبَغْدَادَ، وَأُخْرَى بِمَكَّةَ، كُنْتُ أَمْشِي
حَافِياً فِي الحرِّ، فَلحقنِي ذَلِكَ، وَمَا رَكبتُ
دَابَّة قَطُّ فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ، وَكُنْت أَحْمِلُ
كُتُبِي عَلَى ظَهرِي، وَمَا سَأَلتُ فِي حَال الطَّلَب
أَحَداً، كُنْت أَعيشُ عَلَى مَا (2) يَأْتِي.
وَقِيْلَ:كَانَ يَمْشِي دَائِماً فِي اليَوْمِ
وَاللَّيْلَةِ عِشْرِيْنَ فَرْسَخاً، وَكَانَ قَادِراً
__________
(1) في الأصل: داود بن المذهب، وهو تحريف.
(2) سقطت من الأصل، واستدركت من تذكرة المؤلف.
(19/363)
عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الدَّقَّاق
فِي(رِسَالَتِهِ)، فَحطَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ:كَانَ
صُوْفِيّاً مَلاَمتيّاً، سكنَ الرَّيَّ، ثُمَّ هَمَذَان،
لَهُ كِتَاب(صَفوَةِ التَّصَوُّفِ)، وَلَهُ أَدْنَى
مَعْرِفَة بِالحَدِيْثِ فِي بَابِ شُيُوْخِ البُخَارِيِّ
وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا.
قُلْتُ:يَا ذَا الرَّجُل، أَقْصِرْ، فَابْنُ طَاهِرٍ
أَحْفَظُ مِنْكَ بِكَثِيْر.
ثُمَّ قَالَ:وَذُكِرَ لِي عَنْهُ الإِباحَةِ.
قُلْتُ:مَا تَعْنِي بِالإِباحَةِ؟إِن أَردتَ بِهَا
الإِباحَة المطلقَة، فَحَاشَا ابْن طَاهِر، هُوَ - وَاللهِ
- مُسْلِمٌ أَثرِيٌّ، مُعَظِّمٌ لِحُرُمَاتِ الدِّينِ،
وَإِنْ أَخْطَأَ أَوْ شَذَّ، وَإِن عَنِيتَ إِباحَةً
خَاصَّةً، كَإِباحَةِ السَّمَاعِ، وَإِباحَةِ النَّظَر
إِلَى المُرْدِ، فَهَذِهِ مَعصيَةٌ، وَقول لِلظَاهِرِيَة
بِإِباحتهَا مَرْجُوح (1) .
قَالَ ابْنُ نَاصر:مُحَمَّدُ بنُ طَاهِر لاَ يُحْتَجُّ
بِهِ، صَنَّفَ فِي جَوَازِ النَّظَر إِلَى المُرد، وَكَانَ
يَذْهَبُ مَذْهَبَ الإِباحَةِ (2) .
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ:سَأَلْتُ إِسْمَاعِيْل
بن مُحَمَّدٍ الحَافِظ عَنِ ابْنِ طَاهِرٍ، فَتَوقَّف،
ثُمَّ أَسَاء الثَّنَاءَ عَلَيْهِ، وَسَمِعْتُ أَبَا
القَاسِمِ بنَ عَسَاكِرَ يَقُوْلُ:
__________
(1) وقال المؤلف في " الميزان ": 3 / 587: محمد بن طاهر
المقدسي الحافظ ليس
بالقوي، فإن له أوهاما كثيرة في تواليفه...ثم نقل كلام ابن
عساكر الآتي، وقال: وله انحراف عن السنة إلى تصوف غير
مرضي، وهو في نفسه صدوق لم يتهم، وله حفظ ورحلة واسعة.
(2) وأنشد له:
دع التصوف والزهد الذي اشتغلت * به جوارح أقوام من الناس
وعج على دير داريا فإن بها الر * هبان ما بين قسيس
وشماس واشرب معتقة من كف كافرة * تسقيك خمرين من لحظ ومن
كاس
ثم استمع رنة الاوتار من رشأ * مهفهف طرفه أمضى من الماس
غنى بشعر أمرئ في الناس مشتهر * مدون عندهم في صدر قرطاس
لولا نسيم بذكراكم يروحني * لكنت محترقا من حر أنفاسي
(19/364)
جَمَعَ ابْنُ طَاهِرٍ
أَطرَاف(الصَّحِيْحَيْنِ)وَأَبِي دَاوُدَ، وَأَبِي
عِيْسَى، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه، فَأَخْطَأَ فِي
مَوَاضِعَ خَطَأً فَاحشاً.
وَقَالَ ابْنُ نَاصر:كَانَ لُحَنَةً وَيُصَحِّف، قَرَأَ
مرَّة:وَإِن جَبِينَه لَيَتَفَصَّدُ (1) عَرَقاً -
بِالقَافِ - فَقُلْتُ:بِالفَاء، فَكَابَرَنِي (2) .
وَقَالَ السِّلَفِيّ:كَانَ فَاضِلاً يَعْرِفُ، لَكنَّه
لُحَنَة، قَالَ لِي المُؤتَمَنُ السَّاجِيّ:كَانَ يَقرَأُ،
وَيَلْحَنُ عِنْد شَيْخُ الإِسْلاَمِ بِهَرَاةَ، فَكَانَ
الشَّيْخُ يُحرِّكُ رَأْسَه، وَيَقُوْلُ:لاَ حَوْلَ وَلاَ
قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ.
وَقَالَ شِيْرَوَيْه بنُ شَهردَارَ فِي(تَارِيخ
هَمَذَانَ):ابْنُ طَاهِر سَكَنَ هَمَذَانَ، وَبَنَى بِهَا
دَاراً، دَخَلَ الشَّامَ، وَالحِجَاز، وَمِصْر،
وَالعِرَاق، وَخُرَاسَان، وَكَتَبَ عَنْ عَامَّةِ مَشَايِخ
الوَقْتِ، وَرَوَى عَنْهُم، وَكَانَ ثِقَةً صَدُوْقاً،
حَافِظاً، عَالِماً بِالصَّحِيح وَالسَّقيم، حَسنَ
المَعْرِفَة بِالرِّجَال وَالمُتُوْنِ، كَثِيْرَ
التَّصَانِيْفِ، جَيِّدَ الخَطِّ، لاَزِماً لِلأَثرِ،
بَعِيداً مِنَ الفُضُولِ وَالتَّعصُّب، خَفِيفَ الرُّوحِ،
قَوِيَّ السَّيرِ فِي السَّفَرِ، كَثِيْرَ الحَجّ
وَالعُمْرَةِ، مَاتَ بِبَغْدَادَ مُنْصَرِفاً مِنَ الحَجّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ:قَرَأْتُ بِخَطِّ شُجَاعٍ
الذُّهْلِيّ:أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
أَحْمَدَ البَزَّازُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرِ بن
عَلِيٍّ المَقْدِسِيُّ، أَخْبَرَنَا
__________
(1) أي: يسيل من التفصد وهو السيلان، وهو قطعة من حديث
أخرجه البخاري (2)، ومسلم (2333) من حديث عائشة رضي الله
عنها أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم أحيانا يأتيني مثل صلصلة
الجرس وهو أشده علي فيفصم عني، وقد وعيت عنه ما قال،
وأحيانا يتمثل لي رجلا فيكلمني، فأعي ما يقول.
قالت عائشة: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد
البرد، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا. " اللفظ للبخاري
".
(2) كابر فلان في الحق: إذا عاند فيه.
(19/365)
عُثْمَانُ بن مُحَمَّدٍ المَحْمِي
بِنَيْسَابُوْرَ...، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
أَنبَؤُونَا عَنْ شِهَاب الحَاتِمِي، أَخْبَرَنَا أَبُو
سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، سَمِعْتُ مِنْ أَثِقُ بِهِ
يَقُوْلُ:
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ
الهَرَوِيّ:يَنْبَغِي لِصَاحِبِ الحَدِيْثِ أَنْ يَكُوْنَ
سَرِيعَ القِرَاءة، سرِيعَ النَّسخ، سرِيعَ المشِي، وَقَدْ
جَمَعَ اللهُ هَذِهِ الخِصَالَ فِي هَذَا الشَّابّ،
وَأَشَارَ إِلَى ابْنِ طَاهِرٍ، وَكَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ.
وَبِهِ، قَالَ السَّمْعَانِيّ:وَسَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ
السَّاوِي يَقُوْلُ:
كُنْتُ بِالمَدِيْنَةِ مَعَ ابْنِ طَاهِرٍ، فَقَالَ:لاَ
أَعْرِفُ أَحَداً أَعْلَم بِنَسَبِ هَذَا السَّيِّد -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنِّي، وَآثَارِهِ
وَأَحْوَالِهِ.
وَسَمِعْتُ بَعضَهُم يَقُوْلُ:كَانَ ابْنُ طَاهِرٍ يَمْشِي
فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ قَرِيْباً مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ
فَرْسَخاً.
أَنبَؤُونَا عَنْ عَبْدِ القَادِرِ الرُّهَاوِيِّ،
سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحِيْم بنَ أَبِي الوَفَاءِ العَدْلَ،
سَمِعْتُ ابْنَ طَاهِرٍ الحَافِظ يَقُوْلُ:
رحلتُ مِنْ طُوْس إِلَى أَصْبَهَانَ لأَجْلِ حَدِيْث أَبِي
زُرْعَةَ الرَّازِيّ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (1)
عَنْهُ ذَاكرنِي بِهِ بَعْضُ الرّحَالَة بِاللَّيْلِ،
فَلَمَّا أَصْبَحتُ، سرتُ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَلَمْ
أَحْلُلْ عَنِّي حَتَّى دَخَلتُ عَلَى الشَّيْخ أَبِي
عَمْرٍو، فَقرَأْتُهُ عَلَيْهِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ
القَطَّان، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، وَدَفَعَ إِلَيَّ
ثَلاَثَةَ أَرغفَةٍ وَكُمَّثْرَاتَيْنِ، فَمَا كَانَ لِي
قوتٌ تِلْكَ اللَّيْلَة غَيْره، ثُمَّ لَزِمتُهُ إِلَى
أَنْ حصَّلت مَا أُرِيْدُ، ثُمَّ خَرَجتُ إِلَى بَغْدَادَ،
فَلَمَّا عُدْتُ، كَانَ قَدْ تُوُفِّيَ.
__________
(1) في " صحيحه " (2739) في الرقاق: باب أكثر أهل الجنة
الفقراء...فقال: حدثنا عبيد الله بن عبد الكريم أبو زرعة،
حدثنا ابن بكير، حدثني يعقوب بن عبد الرحمن، عن موسى بن
عقبة، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، قال: كان
من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم إني أعوذ
بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك
".
(19/366)
قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ:كُنْت يَوْماً أَقرَأُ
عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ الحَبَّالِ جُزْءاً، فَجَاءنِي
رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَلَدِي، وَأَسَرَّ إِلَيَّ كَلاَماً
قَالَ فِيْهِ:إِن أَخَاك قَدْ وَصل مِنَ الشَّام، وَذَلِكَ
بَعْدَ دُخُوْل التّرْك بَيْتَ المَقْدِسِ، وَقتلَ النَّاس
بِهَا، فَأَخَذتُ فِي القِرَاءةِ، فَاختلطت عليَّ
السُّطورُ، وَلَمْ يُمكنِي أَقرَأُ، فَقَالَ أَبُو
إِسْحَاقَ:مَا لَكَ؟
قُلْتُ:خَيْر.
قَالَ:لاَ بُدَّ أَنْ تُخبرنِي، فَأَخْبَرتُه.
فَقَالَ:وَكم لَكَ لَمْ تَرَ أَخَاك؟
قُلْتُ:سِنِيْنَ.
قَالَ:وَلِمَ لاَ تَذْهَبُ إِلَيْهِ؟
قُلْتُ:حَتَّى أُتِمَّ الجُزْء.
قَالَ:مَا أَعْظَم حرصَكم يَا أَهْلَ الحَدِيْث، قَدْ
تَمَّ المَجْلِس، وَصَلَّى الله عَلَى مُحَمَّدٍ،
وَانْصَرَفَ.
وَأَقَمْتُ بِتنِّيسَ مُدَّةً عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ
الحَدَّادِ وَنُظَرَائِهِ، فَضَاق بِي، فَلَمْ يَبْقَ
مَعِي غَيْرُ دِرْهَمٍ، وَكُنْت أَحتَاج إِلَى حبرٍ
وَكَاغَدَ، فَترددت فِي صرفه فِي الحَبْر أَوِ الكَاغد
أَوِ الْخبز، وَمَضَى عَلَى هَذَا ثَلاَثَةُ أَيَّام لَمْ
أَطْعَمْ فِيْهَا، فَلَمَّا كَانَ بكرَةَ اليَوْم
الرَّابع، قُلْتُ فِي نَفْسِي:لَوْ كَانَ لِي اليَوْم
كَاغَدَ، لَمْ يُمكنِي أَنْ أَكْتُب مِنَ الجُوع، فَجَعَلت
الدِّرْهَم فِي فَمِي، وَخَرَجتُ لأَشْتَرِي خُبزاً،
فَبلعتُهُ، وَوَقَعَ عليّ الضَّحكُ، فَلقينِي صَدِيْقٌ
وَأَنَا أَضحك، فَقَالَ:مَا أَضحكك؟
قُلْتُ:خَيْر.
فَأَلَحَّ عَلِيَّ، وَأَبِيْتُ أَنْ أُخْبِرَهُ، فَحَلَفَ
بِالطَّلاَق لَتَصْدُقَنِّي، فَأَخْبَرتُهُ، فَأَدخلنِي
مَنْزِلَه، وَتَكَلَّفَ أَطعمَةً، فَلَمَّا خَرَجْنَا
لِصَلاَةِ الظُّهْرِ، اجْتَمَع بِهِ بَعْضُ وُكلاَء عَامِل
تِنِّيس ابْن قَادوس، فَسَأَلَهُ عَنِّي، فَقَالَ:هُوَ
هَذَا، قَالَ:إِنَّ صَاحِبِي مُنْذُ شَهرٍ أَمر بِي أَنْ
أُوصِلَ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ عَشْرَةَ دَرَاهمَ
قِيمتُهَا ربعُ دِيْنَار، وَسهوتُ عَنْهُ، فَأَخَذَ مِنْهُ
ثَلاَث مائَة، وَجَاءَ بِهَا.
وَقَالَ:وَكُنْت بِبَغْدَادَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ
وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَتُوُفِّيَ القَائِم
بِأَمر الله، وَبُوْيِع لِلمقتدي بِأَمر الله، فَلَمَّا
كَانَ عَشِيَّة اليَوْم، دخلنَا عَلَى أَبِي
(19/367)
إِسْحَاق الشِّيرَازِي، وَسَأَلْنَاهُ عَنِ
البَيْعَة، كَيْفَ كَانَتْ؟فَحكَى لَنَا مَا جرَى، وَنظر
إِلَيَّ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ مُخْتَطٌّ، فَقَالَ:هُوَ
أَشْبَه النَّاس بِهَذَا، وَكَانَ مَوْلِدُ الْمُقْتَدِي
فِي عَام مَوْلِدي، وَأَنَا أَصْغَرُ مِنْهُ بِأَرْبَعَة
أَشْهُرٍ، وَأَوّلُ مَا سَمِعْتُ مِنَ الفَقِيْه نَصْر فِي
سَنَةِ سِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَرحلتُ إِلَى
بَغْدَادَ سَنَة سبعٍ، ثُمَّ رَجَعتُ، وَأَحرمتُ مِنْ
بَيْت المَقْدِسِ إِلَى مَكَّةَ.
قُلْتُ:قَدْ كتب ابْنُ طَاهِر عَنِ ابْنِ هَزَارْمَرْدَ
الصَّرِيفِيْنِي، وَبِيْبَى الهَرْثَمِيَّة، وَهَذِهِ
الطَّبَقَة، ثُمَّ كتب عَنْ أَصْحَابِ هِلاَل الحَفَّار،
ثُمَّ نَزل إِلَى أَصْحَاب أَبِي نُعَيْمٍ، إِلَى أَنْ كتب
عَنْ أَصْحَابِ الجَوْهَرِيّ، بِحَيْثُ إِنَّهُ كتب عَنْ
تِلْمِيْذه أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيّ، وَسَمِعَ وَلده
أَبَا زُرْعَةَ المَقْدِسِيّ مِنْ أَبِي مَنْصُوْرٍ
المقومِي، وَعبدوس بن عَبْدِ اللهِ، وَالدُّوْنِي،
وَخَلْق، وَطَال عُمُرُ أَبِي زُرْعَةَ، وَرَوَى
الكَثِيْرَ وَبَعُد صِيتُه.
أُنْبِئتُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّرَسُوسِيّ، عَنِ ابْنِ
طَاهِر، قَالَ:
لَوْ أَنَّ مُحَدِّثاً مِنْ سَائِر الفِرَق أَرَادَ أَنْ
يَرْوِيَ حَدِيْثاً وَاحِداً بِإِسْنَاد إِلَى رَسُوْلِ
اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوَافِقهُ
الكُلُّ فِي عَقده، لَمْ يَسلم لَهُ ذَلِكَ، وَأَدَّى
إِلَى انْقطَاع الزوَائِد رَأْساً، فَكَانَ اعتِمَادُهُم
فِي العَدَالَة عَلَى صِحَّة السَّمَاع وَالثِّقَة مِنَ
الَّذِي يُرْوَى عَنْهُ، وَأَنْ يَكُوْنَ عَاقِلاً
مُمَيِّزاً.
قُلْتُ:العُمدَةُ فِي ذَلِكَ صِدقُ المُسْلِم الرَّاوِي،
فَإِنْ كَانَ ذَا بدعَةٍ أُخِذَ عَنْهُ، وَالإِعرَاضُ
عَنْهُ أَوْلَى، وَلاَ يَنْبَغِي الأَخذُ عَنْ مَعْرُوف
بِكَبِيْرَة - وَاللهُ أَعْلَمُ - .
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ فِي كِتَابِهِ، عَنْ
مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الطَّرَسُوسِيّ، عَنْ
مُحَمَّدِ بنِ طَاهِر، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بِمَكَّةَ،
(19/368)
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ
بنِ فِرَاس، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الرَّبِيْعِ
الجِيْزِي، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي رُومَانَ
بِالإِسْكَنْدَرِيَّة، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
أَخْبَرَنِي عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ(ح).
قَالَ ابْنُ طَاهِر:وَأَخْبَرَنَا الفَضْلُ بنُ عَبْدِ
اللهِ المُفَسِّرُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ
الخَفَّاف، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ،
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الحَنْظَلِيّ، أَخْبَرَنَا عِيْسَى
بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ المُعَلِّم، عَنْ بُديل
بن مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِي الجَوْزَاءِ، عَنْ عَائِشَةَ،
قَالَتْ:
كَانَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- يَسْتَفْتِحُ صَلاَتَهُ بِالتَّكْبِيْرِ وَالقِرَاءة
بِالحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالِمِين، وَكَانَ إِذَا رَكَعَ
لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْهُ، وَكَانَ
إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوْع، اسْتَوَى
قَائِماً، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ
السَّجْدَةِ، لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِساً،
وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عَقِبِ الشَّيْطَانِ، وَكَانَ
يَفْرُشُ رِجْلَهُ اليُسْرَى، وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ
اليُمْنَى، وَكَانَ يَكره أَنْ يَفترشَ ذِرَاعَيْه
افْترَاشَ الكَلْبِ، وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلاَة
بِالتَّسْلِيمِ، وَكَانَ يَقرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ
التَّحِيَّةَ (1) .
وَقَرَأْنَاهُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ، عَنِ
القَاسِمِ بنِ أَبِي سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا وَجيهُ بن
طَاهِر، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ القُشَيْرِيّ،
أَخْبَرَنَا الخَفَّاف...، فَذَكَرهُ.
__________
(1) رجاله ثقات إلا أن أبا الجوزاء - واسمه أوس بن عبد
الله الربعي - ذكره ابن عدي في " الكامل "، وحكى عن
البخاري أنه قال: في إسناده نظر، ويختلفون فيه، على أن
للحديث شواهد تقويه.
ثم شرح ابن عدي مراد البخاري، فقال: يريد أنه لم يسمع من
مثل ابن مسعود وعائشة، وغيرهما، لا أنه ضعيف عنده.
وذكر ابن عبد البر في " التمهيد " أيضا أنه لم يسمع منها،
وهذا الحديث أخرجه مسلم في " صحيحه " (498) في الصلاة: باب
ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به... من طريق إسحاق الحنظلي
بهذا الإسناد.
قال الحافظ ابن حجر في " التهذيب ": 1 / 384: وقال جعفر
الفريابي في كتاب " الصلاة ": حدثنا مزاحم بن سعيد، حدثنا
ابن المبارك، حدثنا إبراهيم بن طهمان، حدثنا بديل العقيلي،
عن أبي الجوزاء قال: أرسلت رسولا إلى عائشة يسألها فذكر
الحديث...فهذا ظاهره أنه لم يشافهها، لكن لا مانع من جواز
كونه توجه إليها بعد ذلك فشافهها على مذهب مسلم في إمكان
اللقاء والله أعلم.
(19/369)
أَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِق،
وَصَالِحٌ الفَرَضِيّ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ
بنُ إِسْمَاعِيْلَ الحَنْبَلِيّ(ح).
وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ
مُحَمَّدٍ هَذَا، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ
الحَافِظُ سَنَة سِتٍّ وَخَمْس مائَة، أَخْبَرَنَا قَاسم
بن أَحْمَدَ بآمِد، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ
أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جِشْنِس، حَدَّثَنَا الحَسَنُ
بنُ عَلِيٍّ العَدَوِيّ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بنُ
فَرُّوْخٍ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَبُو هُرْمُز، عَنْ أَنَسِ
بنِ مَالِكٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- :(عَلَيْكُم بِرَكْعَتَي الفَجْرِ، فَإِنَّ فِيْهِمَا
الرَّغَائِبَ (1)).
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ:أَنشدنَا وَالِدي لِنَفْسِهِ:
يَا مَنْ يُدِلُّ بِقَدِّهِ ... وَبِخَدِّهِ
وَالمُقْلَتَيْنِ
وَيَصُوْلُ بِالصُّدْغِ المُعَقْ* ـ ... ـرَبِ شِبْهَ
لاَمٍ فَوْقَ عَيْنِ
ارْحَمْ - فَدَيْتُكَ - مُدْنِفاً ... وَسْطَ الفَلاَةِ
صَرِيْعَ بَيْنِ
قَتَلَتْهُ أَسْهُمُكَ الَّتِي ... مِنْ تَحْتِ قَوْسِ
الحَاجِبَيْنِ
اللهُ مَا بَيْنَ الفِرَا ... قِ وَبَيْنَ مَنْ أَهوَى
وَبَيْنِي
__________
(1) نافع أبو هرمز - وسماه العقيلي نافع بن عبد الواحد -
قال المؤلف في " الميزان ": 4 / 243: ضعفه أحمد، وجماعة،
وكذبه ابن معين مرة، وقال أبو حاتم: متروك، ذاهب الحديث،
وقال النسائي: ليس بثقة.
وأورده الحافظ في " المطالب العالية " 1 / 149، ونسبه
للحارث بن أبي أسامة، وقال محققه: فيه عبد الحكم، وهو عندي
(القسملي) منكر الحديث، والحديث في: 1 / 66 من " مسند
الحارث " المخطوط.
وفي الباب عن ابن عمر عند أحمد: 2 / 82، وفي سنده مجهول،
ورواه الطبراني في " الكبير " من طريق آخر، وفيه محمد بن
البيلماني وهو ضعيف، ورواه الطبراني أيضا وأبو يعلى، ورجال
أبي يعلى ثقات، " مجمع الزوائد ": 2 / 217 - 218.
وأورده الحافظ المنذري في " الترغيب والترهيب ": 1 / 398،
من طريق أبي يعلى، ولمسلم (725) من حديث عائشة مرفوعا "
ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها "، وللبخاري: 3 / 37،
ومسلم (724) (94) عنها قالت: ما كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم على شيء من النوافل أشد معاهدة منه على الركعتين
أمام الصبح.
(19/370)
وَلَهُ:
أَضْحَى العَذُوْلُ يَلُوْمُنِي فِي حُبِّهِم ...
فَأَجَبْتُهُ وَالنَّارُ حَشْوُ فُؤَادِي
يَا عَاذلِي لَوْ بِتُّ مُحْتَرِقَ الحَشَا ... لَعَرَفْتَ
كَيْفَ تَفَتَّتُ الأَكْبَادِ
صَدَّ الحَبِيْبُ وَغَابَ عَنْ عَيْنِي الكَرَى ...
فَكَأَنَّمَا كَانَا عَلَى مِيْعَادِ
وَلَهُ:
سَارُوا بِهَا كَالبَدْرِ فِي هَوْدَجٍ ... يَمِيسُ
مَحْفُوَفاً بِأَتْرَابِهِ
فَاسْتَعْبَرَتْ تَبْكِي فَعَاتَبْتُهَا ... خَوَفاً مِنَ
الوَاشِي وَأَصْحَابِهِ
فَقُلْتُ:لاَ تَبْكِي عَلَى هَالِكٍ ... بَعْدَكِ لَنْ
يَبْقَى عَلَى مَا بِهِ
لِلْمَوْتِ أَبْوَابٌ وَكُلُّ الوَرَى ... لاَ بُدَّ أَنْ
يَدْخُلَ مِنْ بَابِهِ
وَأَحْسَنُ المَوْتِ بِأَهْلِ الهَوَى ... مَنْ مَاتَ مِنْ
فُرْقَةِ أَحْبَابِهِ
ابْنُ النَّجَّار:أَنْبَأَنَا ذَاكر، عَنْ شُجَاع
الذُّهْلِيّ، قَالَ:
مَاتَ ابْنُ طَاهِر عِنْد قدرمه مِنَ الحَجّ، فِي يَوْمَ
الجُمُعَةِ، لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيتَا مِنْ شهر رَبِيْعٍ
الأَوّل، سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ:وَقَرَأْتُ فِي كِتَاب عَبْدِ اللهِ بن أَبِي بَكْرٍ
بنِ الخَاضِبَة أَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي ضُحَى يَوْمَ
الخَمِيْسِ، العِشْرِيْنَ مِنَ الشَّهْر، وَلَهُ حجَات
كَثِيْرَة عَلَى قَدَمَيْهِ، وَكَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ
بِعِلْم التَّصَوُّف وَأَنْوَاعه، متفنناً فِيْهِ (1) ،
ظرِيفاً مطبوعاً، لَهُ تَصَانِيْفُ حَسَنَةٌ مُفِيدَةٌ فِي
علم الحَدِيْثِ - رَحِمَهُ اللهُ -.
214 - تَاجُ الإِسْلاَم أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ
مَنْصُوْرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ *
العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ الأَوحدُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ
ابْنُ الإِمَامِ الكَبِيْرِ أَبِي المُظَفَّر
__________
(1) قال سبط ابن الجوزي في " مرآة الزمان " 8 / 30: وصنف
كتابا سماه " صفوة التصوف " يضحك منه من يراه، ويعجب من
استشهاده على مذاهب الصوفية التي لا تناسب.
(*) الأنساب: 7 / 140 - 141، المنتظم: 9 / 188، اللباب: 2
/ 139، الكامل =
(19/371)
مَنْصُوْر بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْد
الجَبَّارِ التَّمِيْمِيّ، السَّمْعَانِيّ،
الخُرَاسَانِيّ، المَرْوَزِيّ، وَالِد سَيِّدِ الحُفَّاظ
أَبِي سَعْدٍ.
مَوْلِدُهُ:فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ
مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ:أَبِي الخَيْرِ مُحَمَّد بن أَبِي عِمْرَانَ
الصَّفَّار(صَحِيْح البُخَارِيِّ)حُضُوْراً، وَسَمِعَ
مِنْ:أَبِيْهِ، وَأَبِي القَاسِمِ الزَّاهرِي، وَعَبْدِ
اللهِ بن أَحْمَدَ الطَّاهرِي، وَأَبِي الفَتْحِ عُبيد
الله الهَاشِمِيّ، وَارْتَحَلَ، فَسَمِعَ بِنَيْسَابُوْرَ
مِنْ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ الأَخْرَم، وَنَصْرِ اللهِ
بن أَحْمَدَ الخُشنَامِي، وَعبدِ الوَاحِد بن أَبِي
القَاسِمِ القُشَيْرِيّ، وَطَائِفَة، وَدَخَلَ بَغْدَادَ
سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ، فَسَمِعَ مِنْ ثَابِت بن
بُنْدَار، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْد السَّلاَمِ
الأَنْصَارِيّ، وَعِدَّة.
وَبِالكُوْفَةِ مِنْ:أَبِي البقَاء الحبَّال، وَبِمَكَّةَ،
وَالمَدِيْنَة، وَوعظ بِبَغْدَادَ مُدَّةً
بِالنِّظَامِيَة، وَقرَأَ(تَارِيخَ الخَطِيْب)عَلَى أَبِي
مُحَمَّدٍ بنِ الآبَنُوْسِي، وَسَمِعَ بِهَمَذَانَ مِنْ
أَبِي غَالِبٍ العَدْل، وَبِأَصْبَهَانَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ
حَفِيْدِ ابْنِ مَرْدَوَيْه، وَأَبِي الفَتْحِ الحَدَّادِ.
قَالَ وَلَدُهُ:ثُمَّ ارْتَحَلَ سَنَة تِسْعٍ وَخَمْس
مائَة بِي وَبِأَخِي، فَأَسْمَعَنَا مِنَ الشِّيروِي،
وَغَيْرهِ، وَأَملَى مائَة وَأَرْبَعِيْنَ مَجْلِساً
بِجَامِعِ مَرْوَ، كُلُّ مَنْ رَآهَا، اعتَرَفَ أَنَّهُ
لَمْ يُسْبَقْ إِلَى مِثْلِهَا (1) ، وَكَانَ يَرْوِي فِي
الوَعظِ الأَحَادِيْثَ
__________
= لابن الأثير: 10 / 524، طبقات ابن الصلاح: 25 / ب، إنباه
الرواة: 3 / 216 - 217، وفيات الأعيان: 3 / 210 - 211،
تاريخ الإسلام: 4 / 199 / 1، دول الإسلام: 2 / 38، العبر:
4 / 22 - 23، تذكرة الحفاظ: 4 / 1266 - 1269، تلخيص ابن
مكتوم: 233، الوافي بالوفيات: 5 / 75، مرآة الجنان: 3 /
200، طبقات السبكي: 7 / 5 - 11، طبقات الاسنوي: 2 / 31 -
32، البداية: 12 / 180، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة: 1
/ 329 - 331، طبقات المفسرين للداوودي: 2 / 257 - 261،
طبقات ابن هداية الله: 72، شذرات الذهب: 4 / 29 - 30.
(1) في " الأنساب ": 7 / 140: وأما والدي الامام أبو بكر
محمد بن منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني رحمه الله
ابن أبيه، وكان والده يفتخر به، ويقول على =
(19/372)
بِأَسَانِيْدِهِ، وَقَدْ طلب مرَّةً
لِلَّذِيْن يَقْرَؤُونَ فِي مَجْلِسِهِ، فَجَاءَه لَهُم
أَلفُ دِيْنَارٍ مِنْ أَهْلِ المَجْلِس.
تُوُفِّيَ:فِي صَفَرٍ، سَنَةَ عَشْرٍ وَخَمْس مائَة، عَنْ
ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
حَدَّثَ عَنْهُ:السِّلَفِيّ (1) ، وَأَبُو الفُتُوْح
الطَّائِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّنْجِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
215 - ابْنُ اللَّبَّانَةِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ
عِيْسَى بنِ مُحَمَّدٍ *
شَاعِرُ الأَنْدَلُسِ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى
بنِ مُحَمَّدٍ اللَّخْمِيّ، الدَّانِي،
__________
= رؤوس الاشهاد في مجلس الاملاء: محمد ابني أعلم مني،
وأفضل مني.
تفقه عليه، وبرع في الفقه، وقرأ الأدب على جماعة، وفاق
أقرانه، وقرض الشعر المليح، وغسله في آخر أيامه، وشرع في
عدة مصنفات ما تتم شيئا منها، لأنه لم يمتع بعمره، واستأثر
الله تعالى بروحه، وقد جاوز الأربعين بقليل، سافر إلى
العراق والحجاز، ورحل إلى أصبهان لسماع الحديث، وأدرك
الشيوخ والاسانيد العالية، وحصل النسخ والكتب، وأملى مئة
وأربعين مجلسا في الحديث من طالعها عرف أن أحدا لم يسبقه
إلى مثلها.
وفي " طبقات السبكي ": 7 / 8: وكان والده الامام أبو
المظفر إذا جرى شيء يتعلق بالادب أو اللغة، أو سئل عن شيء
من ذلك يقول: سلوا أبني محمدا، فإنه أعرف باللغة مني.
(1) وفي أبي بكر يقول السلفي: هو المزني إبان الفتاوى *
وفي علم الحديث الترمذي وجاحظ عصره في النثر صادقا * وفي
وقت التشاعر بحتري وفي النحو الخليل بلا خلاف * وفي حفظ
اللغات الاصمعي
قال السبكي في " الطبقات ": 7 / 9: تعليقا على قول السلفي:
وفي وقت التشاعر بحتري: وددت لو قال: وفي الشعر الأديب
البحتري.
وسلم من لفظ التشاعر، ومن تنكير البحتري.
(*) قلائد العقيان: 245 - 252، الذخيرة: ق 3 م 2 / 666 -
702، الخريدة (قسم المغرب والاندلس): 2 / 107 - 147، بغية
الملتمس: رقم: 213، المطرب: 178، المعجب: 208 - 224،
التكملة لابن الابار: 410، تكملة الصلة: 145، المغرب: 2 /
409 - 416، وفيات الأعيان: 5 / 39، تاريخ الإسلام / 4:
ورقة 187 / 1، العبر: 4 / 15، فوات الوفيات: 4 / 27 - 31،
الوافي بالوفيات: 4 / 297 - 300، عيون التواريخ: 13 /
لوحة: 294 - 302، مرآة الجنان: 3 / 197، كشف الظنون: 993،
شذرات الذهب: 4 / 20، إيضاح المكنون: 1 / 98، هدية
العارفين: 2 / 83.
(19/373)
صَاحِبُ(الدِّيْوَان)، وَالتَّصَانِيْف
الأَدبيَة، مدح الْملك ابْنَ عَبَّادٍ (1) ، وَابْنَ
صُمَادِح، وَكَانَ مُحْتَشِماً، كَبِيْرَ القَدْرِ.
تُوُفِّيَ:بِمَيُورقَة (2) ، سَنَة سَبْعٍ وَخَمْس مائَة
(3) .
216 - مَحْمُوْدُ بنُ الفَضْلِ بنِ مَحْمُوْدِ بنِ عَبْدِ
الوَاحِدِ الأَصْبَهَانِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، مُفِيدُ الطَّلبَةِ بِبَغْدَادَ،
أَبُو نَصْرٍ الأَصْبَهَانِيّ، الصَّبَّاغُ.
سَمِعَ:عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن مَنْدَه، وَأَخَاهُ عَبْد
الوَهَّابِ ابْنَيْ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ مَنْدَه،
وَأَبَا الفَضْل البُزَانِي، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ مَاجَه،
وَعَائِشَة بِنْتَ الحَسَنِ الوَرْكَانِيَة، وَبِبَغْدَادَ
رزق الله التَّمِيْمِيّ، وَطِرَاداً الزَّيْنَبِيَّ،
وَخَلْقاً كَثِيْراً، حَتَّى إِنَّهُ كتب عَنْ أَصْحَابِ
الصَّرِيفِيْنِي، وَعَلِيِّ بنِ البُسْرِيِّ.
رَوَى عَنْهُ:ابْنُ نَاصر، وَأَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ
عَلِيِّ بنِ عَبْد السَّلاَمِ، وَالمُبَارَكُ بنُ كَامِلٍ،
وَالسِّلَفِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
__________
(1) وكان منقطعا إلى بني عباد، وفيهم أجود مدائحه ومراثيه،
ولهم أبدع ما نظم من شعره في مختلف الفنون، وقد ألف كتابين
في أخبار بني عباد، أحدهما " السلوك في وعظ الملوك "، وقد
ضمنه عدة مقطعات وقصائد في البكاء على أيامهم، وما انتشر
من نظامهم، والآخر " الاعتماد في أخبار بني عباد " فصل في
تاريخهم منذ كانوا حتى مضوا. وانظر المختار من شعره في
الذخيرة وغيرها.
(2) ميورقة، بالفتح ثم الضم، وسكون الواو والراء: جزيرة في
شرقي الأندلس، بالقرب منها جزيرة يقال لها: منورقة، وهما
أكبر جزيرتين في مجموعة جزائر البليار في البحر المتوسط،
وكانتا في عصر ملوك الطوائف تحت حكم مجاهد العامري،
وميورقة فتحها المسلمون سنة تسعين ومئتين.
(3) وكذا أرخ وفاته ابن الابار في " التكملة ": 410.
(*) المنتظم: 9 / 202 - 203، مختصر طبقات علماء الحديث
لابن عبد الهادي: الورقة: 224، تاريخ الإسلام: 4 / لوحة:
208 / 2 - 209 / 1، تذكرة الحفاظ: 4 / 1252 - 1253.
(19/374)
قَالَ شِيْرَوَيْه الدَّيلمِي:قَدِمَ
عَلَيْنَا هَمَذَان سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْس مائَة،
وَكَانَ حَافِظاً ثِقَة، يُحْسِنُ هَذَا الشَّأْنَ، حسنَ
السِّيْرَةِ، عَارِفاً بِالأَسْمَاء وَالنَّسَبِ، مُفِيداً
لِطلبَة العِلْم.
وَقَالَ السِّلَفِيّ:كَانَ (1) رفِيقنَا مَحْمُوْدُ بنُ
الفَضْلِ يَطلُب الحَدِيْث، وَيَكْتُبُ العَالِي
وَالنَّازِلَ، فَعَاتَبتُهُ فِي كَتْبِهِ النَّازِلَ،
فَقَالَ:وَاللهِ إِذَا رَأَيْتُ سَمَاعَ هَؤُلاَءِ لاَ
أَقْدِرُ أَنْ أَترُكَه.
قَالَ:فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ مَوْتِه، فَقُلْتُ:مَا فَعَلَ
اللهُ بِكَ؟
قَالَ:غَفَر لِي بِهَذَا، وَأَخْرَج مِنْ كُمِّه جُزْءاً.
قُلْتُ:مَاتَ بِبَغْدَادَ، فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ
اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، مِنْ أَبْنَاءِ
السِّتِّيْنَ.
217 - ظَرِيفُ بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ
أَحْمَدَ بنِ شَاذَانَ *
العَالِمُ، الرّحَالُ، أَبُو الحَسَنِ الحِيْرِيّ،
النَّيْسَابُوْرِيّ.
سَمِعَ:أَبَاهُ، وَأَبَا حَفْصٍ بنَ مَسْرُوْر، وَأَبَا
عُثْمَانَ الصَّابونِي، وَأَبَا عَامِرٍ الحَسَنَ بنَ
مُحَمَّدٍ، وَأَبَا مَسْعُوْد أَحْمَدَ بن مُحَمَّدٍ
البَجَلِيّ، وَأَبَا سَعْد الطَّبِيْب.
حَدَّثَ عَنْهُ:أَبُو شُجَاعٍ البِسْطَامِي، وَأَبُو
المُعَمَّر الأَزَجِي، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ،
وَشُهْدَةُ الكَاتِبَة، وَعَبدُ المُنْعِم بن الفُرَاوِي،
وَأَبُو الحَسَنِ بنُ الْخلّ، وَآخَرُوْنَ.
__________
(1) ما بين حاصرتين سقط من الأصل، واستدرك من " تذكرة
المؤلف ": 4 / 1252، 1253، ومختصر طبقات علماء الحديث.
(*) التحبير: 1 / 359 - 360، المنتخب / الورقة: 78 / 1،
تاريخ الإسلام: 4 / لوحة: 229 / 2 - 230 / 1.
(19/375)
قَدِمَ بَغْدَاد لِلْحَجِّ، وَحَدَّثَ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ (1) :كَانَ ثِقَةً، مَأْمُوْناً،
حَسَنَ السِّيْرَةِ، جَمِيْلَ الطّرِيقَة، مِنْ أَوْلاَد
المُحَدِّثِيْنَ.
وَقَالَ عبدُ الغَافِر:ثِقَةٌ، أَمِيْن، عِنْدَهُ
سَمَاعُ(الإِكليلِ)لِلْحَاكِمِ، وَ(المُسْتَدرَكِ).
تُوُفِّيَ:فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ
وَخَمْس مائَة، بِنَيْسَابُوْرَ، وَلَهُ ثَمَانٌ
وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
218 - ابْنُ سُكَّرَةَ أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ فِيرّه *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، القَاضِي، أَبُو
عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ فِيرّه بن حَيُّونَ
بن سُكَّرَة الصَّدفِي، الأَنْدَلُسِيّ، السَّرَقُسْطِي.
رَوَى عَنْ:أَبِي الوَلِيْدِ البَاجِي، وَمُحَمَّدِ بنِ
سَعدُوْنَ القَروِي، وَحَجَّ فِي سَنَةِ إِحْدَى
وَثَمَانِيْنَ، وَدَخَلَ عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ الحَبَّال
(2) ، وَهُوَ
__________
(1) في التحبير: 1 / 359، وفيه أنه كتب للسمعاني الاجازة
بجميع مسموعاته سنة تسع وخمس مئة.
(*) الصلة: 1 / 144 - 146، بغية الملتمس: 269، الغنية ص
192 - 201، تاريخ الإسلام: 4 / 214 / 1، العبر: 4 / 32 -
33، تذكرة الحفاظ: 4 / 1253 - 1255، عيون التواريخ: 13 /
لوحة: 389 - 390، الديباج المذهب: 1 / 330 - 332، غاية
النهاية: 1 / 250 - 251، طبقات الحفاظ: 455، أزهار الرياض:
3 / 51، نفح الطيب: 2 / 90 - 93، شذرات الذهب: 4 / 43،
تهذيب ابن عساكر: 4 / 362، شجرة النور الزكية: 1 / 128 -
129.
(2) في تاريخ الإسلام: وحج سنة إحدى وثمانين، ودخل بمصر
على أبي إسحاق الحبال، وقد منعه العبيدي الرافضي من
التحديث، قال: فأول ما فاتحته الكلام أجابني على غير سؤالي
حذرا أن أكون مدسوسا عليه حتى بسطته وأعلمته أنني من أهل
الأندلس أريد الحج، فأجاز لي لفظا، وامتنع من غير ذلك.
(19/376)
مَمْنُوْعٌ مِنَ التَّحْدِيْثِ كَمَا مرّ.
وَسَمِعَ بِالبَصْرَةِ:مِنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ شَغَبَة،
وَجَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ العبَّادَانِي.
وَبَالأَنبارِ مِنْ:خَطيبِهَا أَبِي الحَسَنِ.
وَبِبَغْدَادَ مِنْ:عَلِيِّ بنِ قُرَيْش، وَعَاصِم
الأَدِيْب، وَمَالِك البَانِيَاسِيّ.
وَبِوَاسِط مِنْ:مُحَمَّدِ بنِ عبد السَّلاَّم بن
أُحمولَةَ، وَحَمَلَ(التَّعليقَة)عَنْ أَبِي بَكْرٍ
الشَّاشِيّ (1) .
وَأَخَذَ بِدِمَشْقَ عَنِ:الفَقِيْه نَصْر (2) ، وَرَجَعَ
بِعِلْمٍ جَمٍ، وَبَرَعَ فِي الحَدِيْثِ مَتْناً
وَإِسْنَاداً مَعَ حُسن الخطّ وَالضَّبط، وَحُسنِ
التَّأْلِيف، وَالفِقْه وَالأَدب مَعَ الدّين وَالخَيْر
وَالتَّوَاضع.
قَالَ ابْنُ بَشْكُوَال:هُوَ أَجْلُّ مَنْ كَتَبَ إِلَيَّ
بِالإِجَازَةِ (3) .
وَخَرَّج لَهُ القَاضِي عِيَاض(مشيخَةً)، وَأَكْثَرَ
عَنْهُ.
وَأُكْرِهَ عَلَى القَضَاءِ، فَوَلِيَهُ بِمُرسيَة، ثُمَّ
اخْتفَى حَتَّى أُعفِي.
وَتَلاَ بِالرِّوَايَات عَلَى:ابْنِ خَيْرُوْنَ، وَرِزقِ
الله، كتب عَنْهُ شَيْخُهُ الفَقِيْه نَصْرٌ ثَلاَثَةَ
أَحَادِيْثَ، وَرَوَى عَنْهُ:ابْنُ صَابر، وَالقَاضِي
مُحَمَّد بن يَحْيَى الزَّكوِي، وَالقَاضِي عِيَاض،
فَرَوَى عَنْهُ(صَحِيْح مُسْلِم)، أَخْبَرَنَا بِهِ
أَحْمَد بن دِلْهَاث العُذْرِيّ.
__________
(1) سيذكر بعد قليل أنه أقام ببغداد خمس سنين حتى علق عنه
تعليقته الكبرى في مسائل الخلاف.
(2) هو نصر بن إبراهيم النابلسي المقدسي الشافعي المتوفى
سنة 490 ه تقدمت ترجمته برقم (72).
(3) " الصلة ": 1 / 145: وذكر تاريخ الاجازة في ذي الحجة
سنة اثنتي عشرة وخمس مئة، وروى عنه بها لأبي عبد الله محمد
بن علي الصوري قوله:
قل لمن أنكر الحديث وأضحى * عائبا أهله ومن يدعيه
أبعلم تقول هذا أبن لي * أم بجهل، فالجهل خلق السفيه
أيعاب الذين هم حفظوا الد * ين من الترهات والتمويه
وإلى قولهم وما قد رووه * راجع كل عالم وفقيه
(19/377)
استُشْهِدَ أَبُو عَلِيٍّ فِي ملحمَة
قُتَنْدَة (1) ، فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعَ
عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، وَهُوَ مِنْ أَبْنَاءِ
السِّتِّيْنَ، وَكَانَتْ معيشتُهُ مِنْ بضَاعَة لَهُ مَعَ
ثِقَات إِخْوَانِهِ، وَخَلَّفَ كُتُباً نَفِيْسَةً،
وَأُصُوْلاً مُتْقَنَةً تَدُلُّ عَلَى حِفْظِهِ
وَبَرَاعَتِهِ.
وَتَلاَ أَيْضاً عَلَى:الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
مُبَشِّرٍ صَاحِب أَبِي عَمْرٍو الدَّانِي، وَمَوْلِدُهُ
فِي نَحْو سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ
مائَةٍ، وَكَانَ ذَا دِينٍ وَورعٍ وَصُوْنٍ، وَإِكبَابٍ
عَلَى العِلْم، وَيدٍ طُولَى فِي الفِقْه، لاَزم أَبَا
بَكْرٍ الشَّاشِيّ خَمْس سِنِيْنَ حَتَّى عَلَّق
عَنْهُ(تَعلِيقَته)الكُبْرَى فِي مَسَائِل الخلاَف، ثُمَّ
اسْتَوْطَنَ مُرسيَة، وَتَصدَّر لنشر الكِتَاب وَالسّنَة،
وَتَنَافس الأَئِمَّةُ فِي الإِكثَار عَنْهُ، وَبَعُدَ
صِيتُه، وَلَمَّا عَزلَ نَفْسَه مِنَ القَضَاءِ، وَردتْ
كُتُبُ السُّلْطَانِ عَلِيّ بن يُوْسُفَ بنِ تَاشفِيْن
بِرُجُوْعه إِلَى القَضَاء، وَهُوَ يَأْبَى، وَبَقِيَ
ذَلِكَ أَشْهُراً حَتَّى كتب الطُّلاَب وَالرَّحَّالُوْنَ
كِتَاباً يَشكُوْن فِيْهِ إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ
ابْن تَاشفِيْن حَالَهُم وَنفَادَ نَفقَاتِهِم، وَانقطَاعَ
أَمْوَالِهِم، فَسعَى لَهُ قَاضِي الجَمَاعَة عِنْدَ
أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَبَيَّنَ لَهُ وَجْهَ عُذْرِهِ،
فَسَكَتَ عَنْهُ.
قَالَ القَاضِي عِيَاض:لَقَدْ حَدَّثَنِي الفَقِيْهُ أَبُو
إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ جَعْفَرٍ أَنَّ أَبَا عَلِيٍّ
الحَافِظ قَالَ لَهُ:خُذِ الصَّحِيحَ، فَاذكُرْ أَيَّ
مَتْنٍ شِئْتَ مِنْهُ، أَذْكُرْ لَكَ سَنَدَه، أَوْ أَيَّ
سَنَدٍ، أَذْكُرْ لَكَ مَتْنَه.
219 - النُّهَاوَنديُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ
نَصْرِ بنِ المُرهفِ *
القَاضِي، العَلاَّمَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ
بنُ نَصْرِ بن المُرهف النُّهَاوَنديُّ، ثُمَّ
الأَيْدَبْنِيُّ - وَأَيْدَبْنُ:مِنْ قُرَى دِيَار بكر -
الشَّافِعِيّ، قَاضِي
__________
(1) قال ياقوت: قتندة: بلد بالاندلس ثغر سرقسطة كانت بها
وقعة بين المسلمين والافرنج، قال المؤلف في تاريخه: وكانت
هذه الوقعة على المسلمين.
(*) تاريخ الإسلام: 4 / 192 / 1، طبقات السبكي: 7 / 80.
(19/378)
نُهَاوَنْد مُدَّةً طَوِيْلَة.
سَمِعَ مِنْ:أَبِي طَاهِر مُحَمَّد بن هِبَةِ اللهِ
المَوْصِلِيّ بآمِد، ثُمَّ قَدِمَ بَغْدَاد، وَبَرَعَ فِي
الفِقْه عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِي، وَأَحكم
الأُصُوْلَ، وَسَمِعَ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ،
وَالقَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَأَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب.
حَدَّثَ عَنْهُ:الحُسَيْنُ بن خُسْرو، وَأَبُو طَاهِرٍ
السِّلَفِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ
البَاجِسْرَائِي، وَغَيْرهُم.
قَالَ السِّلَفِيّ:قَالَ لِي:إِنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ
اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَكَانَ
مِنْ كِبَارِ أَصْحَاب أَبِي إِسْحَاقَ، وَوَلِيَ قَضَاءَ
نُهَاوَنْد مُدَّةً مديدَةً، وَلَمْ يَكُنْ يُقيم بِهَا.
وَقَالَ المُبَارَكُ بنُ كَامِلٍ الخَفَّاف:مَاتَ
بِنَهَاوَنْد، فِي مُحرَّمٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْس مائَة.
220 - ابْنُ مَرْزُوْقٍ أَبُو الخَيْرِ عَبْدُ اللهِ بنُ
مَرْزُوْقٍ الأَصَمُّ *
الحَافِظُ، المُفِيْدُ، الرّحَالُ، أَبُو الخَيْرِ عَبْدُ
اللهِ بنُ مَرْزُوْق الأَصَمّ، الهَرَوِيّ، مَوْلَى شَيْخِ
الإِسْلاَمِ.
سَمِعَ:أَبَا عُمَر المَلِيْحِيَّ، وَأَحْمَدَ بنَ أَبِي
نَصْرٍ الكُوْفَانِي، وَأَبَا القَاسِمِ ابْن البُسْرِيّ،
وَعبدَ الرَّحْمَن بن مَنْدَه، وَطَبَقَتَهُم، وَجَمَعَ،
فَأَوعَى.
أَخَذَ عَنْهُ:هِبَةُ اللهِ السَّقَطِيّ، وَأَبُو مُوْسَى
المَدِيْنِيّ، وَجَمَاعَة.
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ التَّيْمِيُّ:هُوَ حَافظ مُتْقِن.
__________
(*) تاريخ الإسلام: 4 / لوحة: 181 / 1، تذكرة الحفاظ: 4 /
1246، شذرات الذهب: 4 / 16.
(19/379)
قُلْتُ:مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ،
سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْس مائَة، عَنْ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ
سَنَةً.
221 - ابْنُ بَدْرَانَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ
بنِ بَدْرَانَ بنِ عَلِيٍّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُقْرِئُ، المُسْنِدُ، أَبُو
بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ بَدْرَانَ بنِ عَلِيٍّ
الحُلْوَانِيّ، البَغْدَادِيّ، المُقْرِئ، عُرِفَ
بِخَالَوْه، شَيْخٌ صَالِح، دَيِّنٌ، عَارِف بِالقِرَاءات،
عَالِي الرِّوَايَة.
تَلاَ بِالسَّبْع عَلَى:أَبِي عَلِيٍّ الحَسَن بن غَالِبٍ،
وَعَلِيّ بن فَارِس الخَيَّاط.
تَلاَ عَلَيْهِ جَمَاعَة، مِنْهُم:أَبُو الْكَرم
الشَّهْرُزُورِي، وَقَدْ سَمِعَ مِنْ أَبِي الطَّيِّب
الطَّبَرِيّ، وَالقَاضِي أَبِي الحَسَنِ المَاوردي،
وَمُحَمَّدِ بن عَلِيِّ بنِ شبَانَة الدِّيْنَوَرِيّ،
وَأَبِي مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، وَانتقَى عَلَيْهِ
الحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيّ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ:إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي،
وَابْنُ نَاصر، وَالسِّلَفِيّ، وَأَبُو طَالِبٍ بنُ
خُضَيْرٍ، وَخطيب المَوْصِل أَبُو الفَضْلِ، وَعَبدُ
المُنْعِمِ بنُ كُلَيْبٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ نَاصِرٍ:شَيْخٌ، صَالِح، ضَعِيْف، لاَ
يُحْتَجُّ بِحَدِيْثِهِ، لَمْ تَكُنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ
بِالحَدِيْثِ (1) .
__________
(*) المنتظم: 9 / 175، تاريخ الإسلام: 4 / الورقة: 180 /
2، العبر: 4 / 12، ميزان الاعتدال: 1 / 122، معرفة القراء:
(406) وذكره المؤلف في تذكرة الحفاظ: 4 / 1441، طبقات
السبكي 6 / 28 طبقات القراء: 1 / 84، لسان الميزان: 1 /
227، طبقات الشافعية لابن هداية 71، شذرات الذهب 4 / 16.
(1) قال الحافظ في " اللسان ": 1 / 227: والسبب الذي ضعفه
ابن ناصر به لا ذنب له فيه، فإن بعض الطلبة نقل له على
كتاب الترغيب لابن شاهين، فحدث به، ثم ظهر أنه باطل، فرجع
عنه، حكى ذلك ابن النجار في " تاريخه "، ونقل كلام ابن
ناصر فيه، قال: =
(19/380)
وُلِدَ:فِي حُدُوْدِ سَنَةِ عِشْرِيْنَ
وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَقَالَ السِّلَفِيّ:كَانَ ثِقَةً زَاهِداً.
قَالَ ابْنُ نَاصر:مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ
سَبْعٍ وَخَمْس مائَة، وَأَوْصَى أَنْ يُدْفَنَ إِلَى
جَانب إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ.
قُلْتُ:وَمِمَّنْ تَلاَ عَلَيْهِ:أَبُو مُحَمَّدٍ سِبْطُ
الخَيَّاط، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بن مُحَمَّدٍ الصَّابونِي.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:تلوتُ عَلَيْهِ
بِكِتَابِ(الجَامِع)لأَبِي الحَسَن الخَيَّاط (1) ،
وَتَلاَ بِهِ عَلَى المصَنّف.
222 - ابْنُ مَلَّةَ أَبُو عُثْمَانَ إِسْمَاعِيْل بن
مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُحَدِّثُ، الوَاعِظُ، أَبُو
عُثْمَانَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ
مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرِ بنِ أَبِي سَعِيْدٍ بنِ مَلَّةَ
الأَصْبَهَانِيّ، المُحْتَسِب، صَاحِبُ تِلْكَ المَجَالِسِ
المَشْهُوْرَة.
سَمِعَ:أَبَا بَكْرٍ بنَ رِيْذَةَ صَاحِبَ
الطَّبَرَانِيِّ، وَأَبَا طَاهِرٍ بنَ عَبْدِ الرَّحِيْمِ،
__________
= كان شيخنا ليس له معرفة بطريق الحديث، روى كتاب الترغيب
لابن شاهين عن العشاري من نسخة طرية مستجدة، وهو شيخ صالح
فيه ضعف لا يحتج بحديثه.
(1) كتاب الجامع في القراءات العشر، وقراءة الأعمش، وأبو
الحسن هذا هو علي بن محمد بن علي بن فارس الخياط البغدادي،
قال المؤلف: أظنه بقي إلى عام خمسين وأربع مئة. انظر "
النشر ": 1 / 84، و" غاية النهاية ": 1 / 573.
(*) الكامل لابن الأثير: 10 / 515، تاريخ الإسلام: 4 / 192
/ 1، العبر: 4 / 18، ميزان الاعتدال: 1 / 248، المستفاد من
ذيل تاريخ بغداد: 90، عيون التواريخ: 13 / 324 - 325،
البداية: 12 / 179، لسان الميزان: 1 / 434، شذرات الذهب: 4
/ 22.
(19/381)
وَأَبَا مَنْصُوْرٍ عَبْدَ الرَّزَّاقِ بن
أَحْمَدَ الخَطِيْب، وَأَبَا القَاسِمِ عَبْدَ العَزِيْزِ
بن أَحْمَدَ، وَعَلِيَّ بنَ شُجَاعٍ المَصْقَلِي (1) ،
وَأَبَا العَبَّاسِ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ النُّعْمَانِ
الصَّائِغ، وَأَملَى بِبَغْدَادَ.
حَدَّثَ عَنْهُ:ابْنُ نَاصر، وَظَاعِن بنُ مُحَمَّدٍ
الزُّبَيْرِيّ الخَيَّاط، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ،
وَقَوْمٌ، آخِرهُم عبدُ المُنْعِم بن كُلَيْبٍ.
قَالَ ابْنُ نَاصر:وَضَع حَدِيْثاً (2) ، وَأَملاَهُ،
وَكَانَ يُخَلِّط.
قُلْتُ:ثُمَّ رِوَايَتُه عَنِ ابْنِ رِيْذَه حُضُوْر،
فَإِنَّ مَوْلِده - فِيمَا ذكر - سَنَةَ سِتٍّ
وَثَلاَثِيْنَ، فِي رَجَبِهَا، وَمَاتَ ابْنُ رِيذه سَنَة
أَرْبَعِيْنَ.
وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ اليُونَارتِي فِي(مُعْجَمه):كَانَ
ابْنُ ملَّة مِنَ الأَئِمَّةِ الْمَرضِيِّينَ، يَرْجِعُ
فِي كُلِّ فَنٍّ مِنَ العِلْمِ إِلَى حظٍّ وَافِرٍ (3) .
وَقَالَ السِّلَفِيّ:هُوَ مِنَ المُكْثِرِيْنَ، يَرْوِي
عَنْ:عَبْدِ العَزِيْزِ بن فَادويه، وَأَبِي القَاسِمِ
عَبْد الرَّحْمَنِ بن الذَّكوَانِي، وَكَانَ أَبُوْهُ
يَرْوِي عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ البَيِّع صَاحِبِ
المَحَامِلِيّ.
مَاتَ أَبُو عُثْمَانَ:فِي ثَانِي رَبِيْع الأَوّلِ،
سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْس مائَة، بِأَصْبَهَانَ.
__________
(1) المصقلي بفتح الميم وسكون الصاد وفتح القاف، هذه
النسبة إلى الجد وهو مصقلة بن هبيرة " الأنساب ".
(2) قال الحافظ في " اللسان ": 1 / 434: ولو ذكر ابن ناصر
الحديث لافاد.
(3) قال الحافظ في " اللسان ": وقد وثقه أبو منصور اليزدي،
وقال ابن النجار: قد وصفه شيرويه الحافظ بالصدق، ولا أعلم
لأحد فيه طعنا إلا ما حكي عن ابن ناصر والله أعلم بحقيقة
الحال.
(19/382)
223 - أَحْمَديلُ صَاحِبُ مَرَاغَةَ *
أَحَدُ الأَبْطَال، كَانَ إِقطَاعُه يُغِلُّ فِي السَّنَةِ
أَرْبَع مائَة أَلْفِ دِيْنَار، وَعَسْكَرُه خَمْسَةُ
آلاَفِ فَارِسٍ، كَانَ فِي مَجْلِس السُّلْطَان مُحَمَّد
بن مَلِكْشَاه، فَأَتَاهُ مِسْكِيْن، فَتضرَّع إِلَيْهِ
فِي قِصَّة يقدِّمُهَا، فَيَضْرِبُهُ بِسكِّين، فَبَرَكَ
أَحْمَديل فَوْقه، فَوَثَبَ باطنِي آخر فَوْقَ أَحْمَديل،
فَجرحه، فَأَضرتهُمَا السُّيوفُ، فَوَثَبَ ثَالِث، وَضرب
أَحْمَديل أَثخنه، وَذَلِكَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ عَشْرٍ
وَخَمْس مائَة، وَكَانَ أَحْمَديل إِلَى جَانب أَمِيْر
دِمَشْق طُغْتِكِين قَدْ قَدِمَا بَغْدَاد إِلَى خدمَة
مُحَمَّد.
224 - أَبُو العِزِّ مُحَمَّدُ بنُ المُخْتَارِ بنِ
مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ **
ابْنِ عَبْدِ اللهِ بن المُؤَيَّدِ بِاللهِ الهَاشِمِيّ،
العَبَّاسِيّ، البَغْدَادِيّ، وَالِد المُعَمَّر أَبِي
تَمَّام أَحْمَدَ بن مُحَمَّدٍ، وَيُعْرَفُ:بِابْنِ الخُص.
كَانَ ثِقَةً صَالِحاً ديناً، جَلِيْلاً محترماً، مِنْ
أَهْلِ الْحرم الطَّاهرِي.
سَمِعَ الكَثِيْر مِنْ:عَبْدِ العَزِيْزِ بن عَلِيٍّ
الأَزَجِي، وَأَبِي الحَسَنِ القَزْوِيْنِيّ، وَأَبِي
إِسْحَاقَ البَرْمَكِيّ، وَأَبِي عَلِيٍّ بنِ المُذْهِب.
رَوَى عَنْهُ:أَبُو عَلِيٍّ الرَّحَبِيّ، وَأَحْمَدُ بنُ
السَّدنك، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَنَصْرُ اللهِ
القَزَّاز، وَعبدُ المُنْعِم بن كُلَيْبٍ، وَآخَرُوْنَ.
__________
(*) تاريخ القلانسي: 176، المنتظم: 9 / 185، الكامل في
التاريخ لابن الأثير: 10 / 516، تاريخ الإسلام: 4 / 130 /
2، دول الإسلام: 2 / 36، العبر: 4 / 15، وفيه وفاته 508 ه،
عيون التواريخ: 13 / لوحة: 325 - 326، مرآة الزمان: 8 /
32، النجوم الزاهرة: 5 / 208، شذرات الذهب: 4 / 21.
(* *) المنتظم: 9 / 182، تاريخ الإسلام: 4 / 191 / 1.
(19/383)
تُوُفِّيَ:فِي يَوْم عَاشُورَاءَ، مِنْ
سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْس مائَة، وَعَاشَ ثَمَانِيْنَ
عَاماً.
225 - ابْنُ المُطَّلِبِ أَبُو المَعَالِي هِبَةُ اللهِ
بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ *
الوَزِيْرُ الكَبِيْر، أَبُو المَعَالِي هِبَة اللهِ بن
مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بن المُطَّلِبِ الكِرْمَانِيّ،
الفَقِيْه، الشَّافِعِيّ.
كَانَ مِنْ كِبَارِ الأَعيَان، رَأْساً فِي حسَاب
الدِّيْوَان، سَاد وَعظم، وَوَزَرَ لِلمُسْتظهِر بِاللهِ
سنتَيْن وَنِصْفاً، ثُمَّ عُزِلَ.
رَوَى عَنْ:عَبْدِ الصَّمَدِ بن المَأْمُوْن وَطَبَقَته،
وَكَانَ ذَا مَعْرُوف وَبِرٍّ، يُلَقَّبُ بِمُجيرِ
الدِّين، لَهُ خِبْرَة وَفضِيْلَة وَذكَاء، صُرِفَ فِي
سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَخَمْس مائَة، وَلَزِمَ بَيْتَه إِلَى
أَنْ تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْس مائَة.
226 - البَاقَرْحِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ **
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، المُسْنِدُ، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ
بن مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَخْلَدٍ
البَاقَرْحِي، ثُمَّ البَغْدَادِيّ، رَجُل مَسْتُوْرٌ،
مِنْ بَيْت الرِّوَايَة (1) ، سَمِعَ الكَثِيْر.
مَوْلِده:سَنَة سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ:أَبَا الحَسَنِ بنَ القَزْوِيْنِيّ، وَأَبَا بَكْرٍ
بنَ بِشْرَان، وَأَبَا الفَتْح بن
__________
(*) تاريخ الإسلام: 4 / 195 / 1.
(* *) المنتظم: 9 / 238، تاريخ الإسلام: 4 / 222 / 2،
العبر: 4 / 36، مرآة الزمان: 8 / 64، شذرات الذهب: 4 / 48.
(1) قال سبط ابن الجوزي في " مرآة الزمان ": 8 / 64: هو
محدث، ابن محدث، ابن محدث، ابن محدث،...وكان ثقة صدوقا.
(19/384)
شِيطَا، وَأَبَا طَاهِر مُحَمَّد بن
عَلِيِّ بنِ العَلاَّف، وَأَبَا إِسْحَاقَ البَرْمَكِيّ،
وَأَبَا القَاسِمِ التَّنُوخِي.
حَدَّثَ عَنْهُ:السِّلَفِيّ، وَجَمَاعَة، وَآخر مَنْ رَوَى
عَنْهُ:ذَاكرُ بن كَامِلٍ، وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ أَبُو
نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحِيْمِ اليُوسفِي.
مَاتَ:فِي رَجَب، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ:صَاحِبُ مَاردين، وَأَبُو مُلُوْكهَا،
نَجْمُ الدِّيْنِ أَيل غَازِي بن أَرتُق التُّركمَانِي،
وَمُحيِي السّنَة أَبُو مُحَمَّدٍ البَغَوِيّ (1) ،
وَالحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ
السَّمَرْقَنْدي أَخُو إِسْمَاعِيْل، وَشيخُ القُرَّاء
أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ
الفَحَّام الصَّقَلِّي (2) ، مُصَنّف(التَّجرِيْدِ)،
وَصَاحِبُ(المقَامَات)أَبُو مُحَمَّدٍ القَاسِم بن عَلِيٍّ
الحَرِيْرِيّ البَصْرِيُّ (3) ، وَأَبُو عَدْنَانَ
مُحَمَّدُ بن أَحْمَدَ بنِ المُطَهِّر بن أَبِي نِزَارٍ
الرَّبعِي الأَصْبَهَانِيّ (4) ، وَالحَافِظُ مُحَمَّد بن
عبد الوَاحِد الدَّقَّاق (5) ، وَأَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ
بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ مَمِيْل الشِّيرَازِي مُعِيد
النّظَامِيَة.
227 - الشَّقَّاقُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ
أَحْمَدَ البَغْدَادِيُّ *
العَلاَّمَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ
البَغْدَادِيّ، ابْن الشِّقَاق الفَرَضِيّ،
__________
(1) سترد ترجمته برقم (258).
(2) سترد ترجمته برقم (229).
(3) سترد ترجمته برقم (268).
(4) سترد ترجمته برقم (265).
(5) سترد ترجمته برقم (277).
(*) المنتظم: 9 / 194 وفيه الحسن، الكامل في التاريخ: 10 /
532 وفيه الحسن، تاريخ الإسلام: 4 / 201 / 2، المختصر
المحتاج إليه من تاريخ الدبيثي للذهبي: 2 / 31، الوافي
بالوفيات: 12 / 325 - 326، طبقات الشافعية للسبكي: 7 / 73.
(19/385)
لِشق قُرُوْنِ القسِي (1) .
أَخَذَ الفَرَائِضَ وَالحسَابَ عَنِ الخَبْرِيِّ (2) ،
وَعَبْدِ المَلِكِ الهَمْدَانِيِّ، وَبَقِيَ بِلاَ
نَظِيرٍ، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ.
قَالَ السِّلَفِيّ:كَانَ آيَةً مِنْ آيَاتِ الزَّمَانِ فِي
الفَرَائِضِ وَالحسَابِ، يُقرِئ ذَلِكَ.
وَحَدَّثَ عَنْ:أَبِي الحُسَيْنِ بن الْمُهْتَدي بِاللهِ،
وَسَمِعَ مِنْهُ ابْن نَاصر، وَالسِّلَفِيّ، وَخَطِيبُ
المَوْصِل.
مَاتَ:فِي آخِرِ سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة،
وَلَهُ نَيِّفٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً - رَحِمَهُ اللهُ - .
228 - أَبُو طَالِبٍ اليُوسفِيُّ عَبْدُ القَادِر بنُ
مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ القَادِرِ *
الشَّيْخُ، الأَمِيْنُ، الثِّقَةُ، العَالِمُ، المُسْنِدُ،
أَبُو طَالِبٍ عَبْدُ القَادِر بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ
القَادِرِ بن مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ البَغْدَادِيّ،
اليُوسفِي، ابْن أَبِي بَكْرٍ.
وُلِدَ:سَنَةَ نَيِّفٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
__________
(1) يعني سمي الشقاق، لأنه كان يشق القرون لعمل القسي، وقد
تصحف " الشقاق " في " طبقات السبكي ": 7 / 73 إلى " الشقاف
" بالفاء.
(2) نسبة إلى خبر: قرية بنواحي شيراز من فارس، وقد تحرف في
" المنتظم ": 9 / 194 إلى " الطبري " وهو أبو حكيم عبد
الله بن إبراهيم الخبري الفقيه الشافعي الفرضي، حدث عن أبي
محمد الحسن بن علي الجوهري، والمتوفى 496 ه تقدمت ترجمته
في الجزء الثامن عشر رقم (287).
(*) المنتظم: 9 / 239، تاريخ الإسلام: 4 / 224 / 1، العبر:
4 / 38، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 415، شذرات الذهب: 4 /
49.
(19/386)
وَسَمِعَ المُصَنَّفَات الكِبَارَ
مِنْ:أَبِي عَلِيٍّ بنِ المُذْهِبِ، وَأَبِي إِسْحَاقَ
البَرْمَكِيّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ بِشْرَان، وَأَبِي
مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، وَعِدَّة، وَتَفَرَّد فِي وَقته.
حَدَّثَ عَنْهُ:السِّلَفِيُّ، وَأَبُو العَلاَءِ
العَطَّارُ، وَهِبَةُ اللهِ الصَّائِن، وَأَبُو بَكْرٍ
ابْن النَّقُّوْرِ، وَالشَّيْخُ عبدُ القَادِر، وَعَبْدُ
الحَقِّ اليُوسفِي، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ
أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، وَيَحْيَى بن بَوْش، وَعَدَدٌ
كَثِيْر.
قَالَ السَّمْعَانِيّ:شَيْخٌ صَالِحٌ، ثِقَةٌ، ديِّنٌ،
متحرٍّ فِي الرِّوَايَة، كَثِيْرُ السَّمَاع، انْتَشَرت
عَنْهُ الرِّوَايَة فِي البُلْدَان، وَحُمِلَ عَنْهُ
الكَثِيْر.
وَقَالَ السِّلَفِيّ:تربَى أَبُو طَالِبٍ عَلَى طرِيقَةِ
وَالِدِهِ فِي الاحْتِيَاطِ التَّام فِي الدِّين فِي
التَّدَيُّنِ مِنْ غَيْرِ تَكلف، وَكَانَ كَامِلَ الفَضْل،
حسنَ الجُمْلَة، ثِقَةً متحرِياً، إِلَى غَايَةٍ مَا
عَلَيْهَا مزِيدٌ، قَلَّ مَنْ رَأَيْتُ مِثْله، وَكَانَ
أَبُوْهُ أَبُو بَكْرٍ أَزْهَدَ خلق الله.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَطَّافٍ:تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ فِي
آخِرِ يَوْمِ الجُمُعَةِ، ثَامنَ عشرَ ذِي الحِجَّةِ،
سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
229 - ابْنُ الفَحَّامِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَتِيْقِ
بنِ خَلَفٍ القُرَشِيُّ *
الإِمَامُ، شَيْخُ القُرَّاءِ، أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي بَكْرٍ عَتِيْقِ بنِ خَلَفٍ
__________
(*) معجم السفر للسلفي: 1 / 157 - 158، إنباه الرواة: 2 /
164 - 165، تاريخ الإسلام: 4 / 224 / 1، دول الإسلام: 2 /
43، العبر: 4 / 37 - 38، تلخيص ابن مكتوم: 105، عيون
التواريخ: 13 / 415، مرآة الجنان: 3 / 213، النشر في
القراءات العشر: 1 / 75، 76، طبقات القراء: 1 / 374 - 375،
طبقات ابن قاضي شهبة: 2 / 74 - 75، النجوم الزاهرة: 5 /
225، حسن المحاضرة: 1 / 495، كشف الظنون: 354 وغيرها،
شذرات الذهب: 4 / 49، هدية العارفين: 1 / 518.
(19/387)
القُرَشِيّ، الصَّقَلِّي، المُقْرِئ،
النَّحْوِيّ، ابْن الفَحَّام، نَزِيْلُ
الإِسْكَنْدَرِيَّة، وَمُؤلف(التَّجرِيْد فِي القِرَاءات
(1)).
تَلاَ بِالسَّبْعِ عَلَى:أَبِي العَبَّاسِ بن نَفِيْس،
وَأَبِي الحُسَيْنِ نَصْر بن عَبْدِ العَزِيْزِ
الفَارِسِيّ، وَعبد البَاقِي بن فَارِس، وَإِبْرَاهِيْمَ
بنِ إِسْمَاعِيْلَ المَالِكِيّ بِمِصْرَ، وَطَالَ
عُمُرُهُ، وَتَفَرَّد، وَتزَاحم عَلَيْهِ القُرَّاء.
تَلاَ عَلَيْهِ:أَبُو العَبَّاسِ بنُ الحطيَة، وَابْنُ
سَعدُوْنَ القُرْطُبِيّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بن خَلَفِ
الله، وَعِدَّة.
وَتلوتُ كِتَابَ اللهِ مِنْ طرِيقه بِعُلُوّ وَبِغَيْر
عُلُوٍّ.
أَخَذَ النَّحْوَ عَنِ ابْنِ بَابْشَاذ،
وَعَمِلَ(شرحاً)لِمُقَدِّمَتِهِ.
قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ
الأَنْدَلُسِيّ:مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ
بِالقِرَاءات مِنِ ابْنِ الفَحَّامِ، لاَ بِالمَشْرِقِ
وَلاَ بِالمَغْرِبِ، وَرَوَى عَنْهُ:السِّلَفِيّ، وَأَبُو
مُحَمَّدٍ العُثْمَانِيّ، وَغَيْرهُمَا، وَثَّقَهُ
السِّلَفِيّ وَابْن المُفَضَّلِ.
وُلِدَ:سَنَةَ اثْنَتَيْنِ - أَوْ خَمْسٍ - وَعِشْرِيْنَ
وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَهُوَ يَشُكُّ.
وَتُوُفِّيَ:فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ
وَخَمْس مائَة، بِالثَّغْرِ (2) ، وَلَهُ نَيِّفٌ
وَتِسْعُوْنَ سَنَةً، وَآخرُ أَصْحَابه فِي الدُّنْيَا
بِالإِجَازَةِ أَبُو طَاهِرٍ الخُشُوْعِيّ.
وَقَدْ ذَكَرَهُ السِّلَفِيّ، فَقَالَ:هُوَ مِنْ خيَار
القُرَّاء، رحلَ سَنَةَ ثَمَانٍ
__________
(1) قال ابن الجزري في " الطبقات ": 1 / 374: وهو من أشكل
كتب القراءات حلا ومعرفة، ولكني أوضحته في كتابي " التقييد
في الخلف بين الشاطبية والتجريد " من وقف عليه أحاط
بالكتاب علما بينا.
(2) أي: في الإسكندرية: والثغر: الموضع الذي يكون حدا
فاصلا بين بلاد الكفار وهو موضع المخافة من أطراف البلاد.
(19/388)
وَثَلاَثِيْنَ، فَأَدْرَكَ ابْنَ هُشَيْم،
وَابْن نَفِيْس، علَّقت عَنْهُ فَوَائِدَ، وَكَانَ
حَافِظاً لِلْقِرَاءات، صَدُوْقاً، مُتْقِناً، عَالِماً،
كَبِيْرَ السِّنّ، وَقِيْلَ:كَانَ يَحفظ القِرَاءات
كَالفَاتِحَة (1) .
230 - غَيْثُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ أَبُو
الفَرَجِ الأَرْمَنَازِيُّ *
المُحَدِّثُ، المُفِيْدُ، أَبُو الفَرَجِ الأَرْمَنَازِي،
ثُمَّ الصُّوْرِيّ، خطيبُ صُوْر وَمُحَدِّثُهَا.
سَمِعَ:أَبَا بَكْرٍ الخَطِيْب، وَعَلِيَّ بن عُبَيْد
اللهِ الهَاشِمِيّ، وَبِدِمَشْقَ أَبَا نَصْرٍ بن طَلاَّب،
وَطَائِفَة، وَبِتِنِّيس مِنْ رَمَضَانَ بن عَلِيٍّ،
وَبِمِصر، وَالثَّغْرِ، وَكَتَبَ الكَثِيْر،
وَسَوَّد(تَارِيخاً)لصُوْر، وَكَانَ ثِقَةً، حسنَ الخطّ.
رَوَى عَنْهُ:شَيْخُهُ؛الخَطِيْبُ، وَأَبُو القَاسِمِ ابنُ
عَسَاكِرَ، وَذَلِكَ مِنْ نَمط(السَّابِق وَاللاَّحِق)،
فَبَيْنَ الحَافِظَيْن فِي المَوْت مائَة سَنَةٍ وَثَمَانُ
سِنِيْنَ.
مَاتَ غَيْثٌ:بِدِمَشْقَ، فِي صَفَرٍ، سَنَةَ تِسْعٍ
وَخَمْسِ مائَة، عَنْ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
231 - عِيْسَى بنُ شُعَيْبِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ
السِّجْزِيُّ **
المُحَدِّثُ، العَالِمُ، الزَّاهِدُ، شَيْخُ
المُعَمَّرِيْنَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ السِّجْزِيّ،
الصُّوْفِيّ، نَزِيْلُ هَرَاةَ، وَوَالِد الشَّيْخ أَبِي
الوَقْت.
__________
(1) كرر المؤلف هنا ما كتبه في نهاية ترجمة الباقرحي برقم
(226) فذكر من توفي في سنة (516) وزاد عليهم الباقرحي وعبد
القادر اليوسفي، وكتائب بن علي الفارقي.
(*) الأنساب: 1 / 189، تاريخ ابن عساكر، تاريخ الإسلام: 4
/ 193 / 1، العبر: 4 / 18، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 325،
شذرات الذهب: 4 / 24.
(* *) التحبير: 1 / 611 - 613، معجم شيوخ السمعاني /
الورقة: 187 / ب، تاريخ الإسلام: 4 / 207 / 2، عيون
التواريخ: 13 / لوحة: 352.
(19/389)
مَوْلِدُهُ:بسِجِسْتَان، فِي سَنَةِ عَشْرٍ
وَأَرْبَع مائَة.
فَسَمِعَ مِنْ:عَلِيِّ بنِ بُشرَى اللَّيْثِيّ الحَافِظ
جُمْلَةً، وَسَمِعَ بِهَرَاةَ مِنْ عَبْدِ الوَهَّابِ بن
مُحَمَّدٍ الخَطَّابِيّ، وَبِغَزْنَةَ مِنَ الخَلِيْلِ بنِ
أَبِي يَعْلَى، وَطَائِفَة، وَحَمَلَ ابْنه عبدَ الأَوّل
عَلَى ظَهْرِهِ مِنْ هَرَاة إِلَى بُوشَنْج مَرْحَلَةً،
فَسمِعَا(الصَّحِيحَ (1))مِنْ جَمَالِ الإِسْلاَمِ
الدَّاوُودِيّ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ:هُوَ صَحِيْح صَالِح،
حرِيصٌ عَلَى السَّمَاعِ، أَجَازَ لِي مَرْوِيَّاته، ثُمَّ
ذَكَرَ مَوْلِدَه، قَالَ:وَتُوُفِّيَ بِمَالِينَ مِنْ
هَرَاة، فِي ثَانِي عَشَرَ شَوَّالٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْ
عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، وَلَهُ مائَة وَسَنتَانِ (2) .
وَفِيْهَا مَاتَ:أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ المُسْتظهر
بِاللهِ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ ابنُ الْمُقْتَدِي
بِاللهِ عَبْد اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ القَائِم
العَبَّاسِيّ (3) ، وَلَهُ اثنتَانِ وَأَرْبَعُوْنَ
سَنَةً، وَكَانَتْ دَوْلَتُه خَمْساً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً،
وَمُفْتِي بُخَارَى شَمْسُ الأَئِمَّة الجَابِرِي، وَنُورُ
الهدَى الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيّ (4) ،
وَالعَلاَّمَةُ أَبُو القَاسِمِ سَلْمَانُ بن نَاصر
الأَنْصَارِيّ النَّيْسَابُوْرِيّ (5) الأُصُوْلِي صَاحِبُ
إِمَام الحَرَمَيْنِ، وَالمُعَمَّرُ أَبُو العَلاَءِ
عُبَيْد بن مُحَمَّدٍ القُشَيْرِيّ (6) ، وَشَيخُ الكَلاَم
أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَتِيق بن أَبِي كُديَّة
القَيْرَوَانِي الأَشْعَرِيّ (7) بِبَغْدَادَ عَنْ سِنٍّ
عَالِيَة، وَالحَافِظُ مَحْمُوْد بن نَصْرٍ
الأَصْبَهَانِيّ الصَّبَّاغ بِبَغْدَادَ.
__________
(1) و" مسند الدارمي "، و" المنتخب " لعبد بن حميد كما في
" التحبير ": 1 / 612.
(2) " التحبير " 1 / 613.
(3) سترد ترجمته برقم (236).
(4) تقدمت ترجمته برقم (209).
(5) سترد ترجمته برقم (237).
(6) تقدمت ترجمته برقم (185).
(7) سترد ترجمته برقم (241).
(19/390)
232 - أَبُو الفَتْحِ الهَرَوِيُّ نَصْرُ
بنُ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الحَنَفِيُّ *
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الزَّاهِدُ، العَابِدُ،
المُعَمَّرُ، أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ
إِبْرَاهِيْمَ الحَنَفِيّ، الهَرَوِيّ.
سَمِعَ مِنْ:جَدِّه لأُمِّهِ أَبِي المُظَفَّر مَنْصُوْر
بن إِسْمَاعِيْلَ الهَرَوِيّ، الرَّاوِي عَنْ أَبِي
الفَضْلِ بنِ خَمِيْرُوَيْه.
وَسَمِعَ مِنْ:أَبِي يَعْقُوْبَ القرَّاب الحَافِظ،
وَأَبِي الحَسَنِ الدَّبَّاس، وَجَمَاعَة.
وَخَرَّج لَهُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ
الأَنْصَارِيّ(فَوَائِدَ)فِي ثَلاَثِ مُجلَّدَاتٍ، وَكَانَ
أَسندَ مَنْ بَقِيَ بِبلده وَأَزْهَدَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ:جَمَاعَةٌ بِهَرَاةَ وَمرو وَبُوشَنْج مِنْ
مَشَايِخ السَّمْعَانِيّ.
تُوُفِّيَ:سَنَةَ عَشْرٍ وَخَمْسِ مائَة، لاَ بَلْ
تُوُفِّيَ فِي سَابع شَعْبَانَ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ
وَخَمْس مائَة.
قَالَ السَّمْعَانِيّ (1) :هُوَ نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ
إِبْرَاهِيْمَ بن أَسَدِ بنِ أَحْمَدَ، مِنْ وَلد حنِيفَة
بن لُجَيم بن صَعب بن عَلِيِّ بنِ بَكْر بن وَائِلٍ.
قَالَ:وَهُوَ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ وَالسَّدَاد
وَالصَّلاَح، أَفنَى عُمُرَه فِي كِتَابَةِ العِلْم،
وَتَفَرَّد بِالرِّوَايَة الكَثِيْرَة.
سَمِعَ:أَبَاهُ، وَجدَّه، وَجدّه لأُمِّهِ، وَأَبَا
عُثْمَانَ سَعِيْد بن العَبَّاسِ القُرَشِيّ، وَإِسْحَاقَ
بنَ أَبِي إِسْحَاقَ القرَاب، وَعَبْدَ الوَهَّابِ بن
مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى، وَمُحَمَّد بن الفُضَيْل.
وَمَوْلِدُهُ:سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَع مائَة.
قُلْتُ:عَاشَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
__________
(*) التحبير: 2 / 341 - 342، تاريخ الإسلام: 4 / 199 / 2،
معجم شيوخ الذهبي: الورقة: 273 أ - 274 أ، وذكره المؤلف في
تذكرة الحفاظ: 4 / 1262، الجواهر المضية: 2 / 192، هدية
العارفين: 2 / 491.
(1) في التحبير: 2 / 341.
(19/391)
233 - أَبُو يَعْلَى بنُ الهَبَّارِيَّةِ
مُحَمَّدُ بنُ صَالِحٍ العَبَّاسِيُّ *
الشَّرِيْفُ، كَبِيْرُ الشُّعَرَاءِ، مُحَمَّدُ بن صَالِحِ
بنِ حَمْزَةَ العَبَّاسِيّ، مِنْ ذُرِّيَّة وَلِي العَهْد
عِيْسَى بنِ مُوْسَى، وَلقبُهُ نِظَام الدّين
البَغْدَادِيّ، رَأْس فِي الهَجْو وَالخلاعَة، وَشِعْرُهُ
فَائِق (1) ، خدم نِظَامَ المُلك، وَسُعِدَ بِهِ، وَقَدْ
نَظم كِتَاب(كَلِيْلَةَ وَدِمْنَةَ (2))جَوَّده وَحرره.
قيل:مَاتَ بِكَرمَان، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْس مائَة.
__________
(*) وفيات الأعيان: 4 / 453 - 457، تاريخ الإسلام: 4 / 171
/ 2، الوافي بالوفيات: 1 / 130، عيون التواريخ: 13 / 315،
مرآة الزمان: 8 / 58، لسان الميزان: 5 / 367، النجوم
الزاهرة: 5 / 210، شذرات الذهب: 4 / 24 - 26 وفيه وفاته
سنة 509.
(1) ومن شعره ما ذكره الكتبي في " عيون التواريخ ":
كم ليلة بت مطويا على حرق * أشكو إلى النجم حتى كاد يشكوني
والصبح قد مطل الشرق العيون به * كأنه حاجة في نفس مسكين
وقوله:
بي مثل ما بك يا حمام البان * أنا بالقدود وأنت بالاغصان
أعد الترنم كيف شئت فإننا * فيما نحن من الهوى سيان
لي ما رويت من النسيب وإنما * لك فيه حق الشدو والالحان
(2) في " وفيات الأعيان ": 4 / 456: ومن غرائب نظمه كتاب "
الصادح والباغم " نظمه على أسلوب كليلة ودمنة، وهو أراجيز،
وعدد بيوته ألفا بيت أهداه إلى الأمير أبي الحسن صدقة بن
منصور صاحب الحلة، وفتحه بهذه الابيات:
هذا كتاب حسن * تحار فيه الفطن
أنفقت فيه مده * عشر سنين عده
منذ سمعت باسمكا * وضعته برسمكا
بيوته ألفان * جميعها مغاني
لو ظل كل شاعر * وناظم وناثر
كعمر نوح التالد * في نظم بيت واحد
من مثله لما قدر * ما كل من قال شعر
(19/392)
234 - الشَّاشِيُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ
بنُ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الشَّافعيَة، فَقِيْهُ
الْعَصْر، فَخرُ الإِسْلاَم، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ
أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ بنِ عُمَرَ الشَّاشِيّ (1) ،
التُّركِي، مصَنّف(المُسْتظهرِي)فِي المَذْهَب، وَغَيْر
ذَلِكَ.
مَوْلِدُهُ:بِمَيَّافَارقين، فِي سَنَةِ تِسْعٍ
وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَتَفَقَّهَ بِهَا عَلَى
قَاضِيهَا أَبِي مَنْصُوْرٍ الطُّوْسِيّ، وَالإِمَامِ
مُحَمَّد بن بَيَانٍ الكَازْرُوْنِي، ثُمَّ قَدِمَ
بَغْدَاد، وَلاَزَمَ أَبَا إِسْحَاقَ، وَصَارَ مُعيدَه،
وَقرَأَ كِتَاب(الشَّامِلِ)عَلَى مُؤلفه (2) .
وَرَوَى عَنِ الكَازْرُوْنِي - شَيْخِهِ - وَعَنْ ثَابِتِ
بنِ أَبِي القَاسِمِ الخَيَّاطِ، وَأَبِي بَكْرٍ
الخَطِيْب، وَهَيَّاجِ بنِ عُبيدٍ المُجَاورِ، وَعِدَّة.
__________
(*) تبين كذب المفتري: 306 - 307، المنتطم: 9 / 179،
الكامل لابن الأثير: 10 / 500، طبقات ابن الصلاح: الورقة:
2، وفيات الأعيان: 4 / 219 - 221، المختصر في أخبار البشر:
2 / 22، تاريخ الإسلام: 4 / 181 / 2، دول الإسلام: 2 / 36،
العبر: 4 / 13، وذكره المؤلف في تذكرة الحفاظ: 4 / 1241،
المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 3 - 4، تتمة المختصر: 2 /
37، الوافي بالوفيات: 2 / 73 - 74، عيون التواريخ: 13 /
285 - 286، مرآة الجنان: 3 / 194 - 195، طبقات السبكي: 6 /
70 - 78، طبقات الاسنوي: 2 / 86 - 87، البداية: 12 / 177 -
178، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة: 1 / 323، النجوم
الزاهرة: 5 / 206، أسماء الرجال لابن هداية الله: 64 / 2،
طبقات ابن هداية الله: 72، كشف الظنون: 401، 690، 1025،
شذرات الذهب: 4 / 16 - 17، هدية العارفين: 2 / 81.
(1) نسبة إلى الشاش، وهي مدينة إسلامية جليلة من عمل
سمرقند وراء نهر سيحون متاخمة لبلاد الترك، ولها عمل وقرى،
وهي في أرض سهلة مستوية لا جبل فيها، ولا أرض مرتفعة،
وبساتينها ومتنزهاتها كثيرة، وهي اليوم ضمن نفوذ الاتحاد
السوفييتي.
(2) هو أبو نصر عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد
بن جعفر المعروف بابن الصباغ المتوفي سنة 477 ه، مترجم في
الثامن عشر رقم (238) وكتابه الشامل يقول فيه ابن خلكان: 3
/ 217: هو من أجود كتب أصحابنا، وأصحها نقلا، وأثبتها
أدلة.
(19/393)
وَانتهت إِلَيْهِ رِيَاسَةُ المَذْهَب،
وَتَخَرَّج بِهِ الأَصْحَاب بِبَغْدَادَ، وَصَنَّفَ.
وَكِتَابه(الحليَة (1))فِيْهِ اخْتِلاَف العُلَمَاء،
وَهُوَ الكِتَابُ المُلَقَّب بِالمُسْتظهرِي، لأَنَّه صنفه
لِلْخَلِيْفَة المُسْتظهِر بِاللهِ (2) ، وَوَلِيَ
تَدْرِيْسَ النّظَامِيَة بَعْد الغَزَّالِي (3) ،
وَصُرِفَ، ثُمَّ وَلِيَهَا بَعْدَ إِلْكِيَا الهَرَّاسِي
سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْس مائَة، وَدرَّس أَيْضاً بِمَدرسَة
تَاجِ الْملك وَزِيْر السُّلْطَان مَلِكْشَاه.
حَدَّثَ عَنْهُ:أَبُو المُعَمَّر الأَزَجِي، وَعَلِيُّ بنُ
أَحْمَدَ اليَزْدِي، وَأَبُو بَكْرٍ ابْن النَّقُّوْرِ،
وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَفخرُ النِّسَاءِ شُهْدَة.
مَاتَ:فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْس مائَة،
وَدُفِنَ إِلَى جَنْبِ شَيْخِهِ أَبِي إِسْحَاقَ
الشِّيرَازِي، وَقِيْلَ:دُفِنَ مَعَهُ.
وَقَعَ لِي مِنْ حَدِيْثِهِ.
قَالَ أَبُو القَاسِمِ يُوْسُفُ الزَّنْجَانِي:كَانَ أَبُو
بَكْرٍ الشَّاشِيّ يَتَفَقَّه مَعَنَا، وَكَانَ يُسَمَّى
الجُنَيْدَ لِدِينِهِ وَوَرَعِهِ وَزُهْدِهِ - رَحِمَهُ
اللهُ تَعَالَى - .
__________
(1) نشرت منه مؤسسة الرسالة، ودار الارقم قسم العبادات سنة
1980 وذل في ثلاثة أجزاء لطيفة، بتحقيق د.
ياسين درادكة، بعنوان " حلية العلماء في معرفة مذاهب
الفقهاء ".
(2) هو أبو العباس أحمد بن المقتدي بأمر الله عبد الله بن
الأمير محمد العباسي المتوفى سنة 512 ه.
وسترد ترجمته عند المؤلف برقم (237).
(3) قال ابن خلكان: 4 / 220: وحكى لي بعض المشايخ من علماء
المذهب أنه يوم ذكر الدرس، وضع منديله على عينيه، وبكى
كثيرا وهو جالس على السدة التي جرت عادة المدرسين بالجلوس
عليها، وكان ينشد: خلت الديار فسدت غير مسود * ومن البلاء
تفردي بالسؤدد وجعل يردد هذا البيت ويبكي، وهذا إنصاف منه،
واعتراف لمن تقدمه بالفضل والرجحان عليه، قلت: الذين تولوا
تدريس النظامية قبل أبي بكر الشاشي الشيخ أبو إسحاق
الشيرازي، وأبو نصر بن الصباغ صاحب الشامل، وأبو سعد
المتولي صاحب تتمة الابانة، وأبو حامد الغزالي.
(19/394)
235 - ابْنُ مَنْدَه أَبُو زَكَرِيَّا
يَحْيَى بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُحَدِّثُ، أَبُو
زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ أَبِي عَمْرٍو عَبْدِ الوهَّابِ
ابْنِ الحَافِظِ الكَبِيْرِ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ
بنِ إِسْحَاقَ ابْنِ الحَافِظِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ
مَنده العَبْدِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ.
وُلِدَ:فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ
وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَبَكَّر بِهِ وَالِدُهُ، فَسَمَّعَهُ الكَثِيْرَ مِنْ
أَبِي بَكْرٍ بنِ رِيْذَه، وَأَبِي طَاهِرٍ بنِ عَبْدِ
الرَّحِيْمِ، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الفضَاض.
وَطلب هَذَا الشَّأْن، فَسَمِعَ مِنْ أَحْمَد بن
مَحْمُوْدٍ الثَّقَفِيّ، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ
الجَصَّاصِ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مَنْصُوْرٍ سِبْط بحرويه،
وَأَبِي الفَضْلِ عَبْد الرَّحْمَنِ بن أَحْمَدَ
الرَّازِيّ، وَأَبِي بَكْرٍ البَيْهَقِيِّ الحَافِظ،
وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ، وَأَكْثَرَ عَنْ أَبِيْهِ، وَعَمِّه
أَبِي القَاسِمِ، وَأَجَازَ لَهُ مِنْ بَغْدَادَ أَبُو
طَالِبٍ بنُ غَيْلاَنَ، وَطَائِفَةٌ، وَأَملَى، وَصَنَّفَ،
وَجَمَعَ.
رَوَى عَنْهُ:عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ، وَابْنُ
نَاصر، وَعَلِيُّ بن أَبِي تُرَاب، وَأَبُو طَاهِرٍ
السِّلَفِيُّ، وَعَبْدُ الحَقِّ اليُوسفِي، وَأَبُو
مُحَمَّدٍ بنُ الخَشَّاب النَّحْوِيّ، وَمُحَمَّدُ بن
إِسْمَاعِيْلَ الطَّرَسُوسِيّ، وَأَبُو مُوْسَى
المَدِيْنِيّ، وَخَلْق.
قَالَ السَّمْعَانِيّ:شَيْخٌ جَلِيْلُ الْقدر، وَافرُ
الفَضْل، وَاسِعُ الرِّوَايَة، ثِقَة
__________
(*) التحبير: 2 / 378 - 382، المنتظم: 9 / 204، منتخب
السياق: الورقة: 43 أ، التقييد: الورقة: 223 أ - 223 ب،
الكامل لابن الأثير: 10 / 546، وفيات الأعيان: 6 / 168 -
171، العبر: 4 / 25 - 26، تذكرة الحفاظ: 4 / 1250 - 1252،
المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 256 - 257، عيون التواريخ:
13 / لوحة: 343 - 344، مرآة الجنان: 3 / 202 - 203، ذيل
طبقات الحنابلة: 1 / 127 - 137، غاية النهاية: 2 / 374،
النجوم الزاهرة: 5 / 214، طبقات الحفاظ: 454، كشف الظنون:
282، 1464، شذرات الذهب: 4 / 32، هدية العارفين: 2 / 520.
(19/395)
حَافظ، مُكْثِر صَدُوْقٌ، كَثِيْرُ
التَّصَانِيْف، حَسْنُ السِّيْرَةِ، بَعِيدٌ مِنَ
التَّكلف، أَوحد بَيْته فِي عصره، أَجَازَ لِي (1) .
وَسَأَلت إِسْمَاعِيْلَ الحَافِظَ عَنْهُ، فَأَثْنَى
عَلَيْهِ، وَوَصَفَه بِالحِفْظِ وَالمَعْرِفَةِ
وَالدِّرَايَة، وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي نَصْرٍ
اللَّفْتُوَانِي الحَافِظ يَقُوْلُ:بَيْتُ بَنِي مَنده
بُدِئَ بِيَحْيَى، وَخُتِمَ بِيَحْيَى (2) .
مَاتَ:فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْس
مائَة (3) .
236 - المُسْتظهِرُ بِاللهِ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ
الْمُقْتَدِي بِأَمر الله *
الإِمَامُ، أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، أَبُو العَبَّاسِ
أَحْمَدُ ابنُ الْمُقْتَدِي بِأَمر الله أَبِي القَاسِمِ
عَبْدِ اللهِ ابْن الذّخيرَة مُحَمَّد ابنِ القَائِم
بِأَمر الله عَبْد اللهِ بن القَادِر الهَاشِمِيّ،
العَبَّاسِيّ، البَغْدَادِيّ.
مَوْلِدُهُ:فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ
مائَةٍ، وَاسْتُخْلِفَ عِنْد وَفَاة أَبِيْهِ فِي تَاسع
عشر المُحَرَّم، وَلَهُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً وَثَلاَثَةُ
أَشْهُرٍ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ.
__________
(1) التحبير: 2 / 379.
(2) قال السمعاني فيما نقله ابن رجب في " الذيل ": 1 /
128: يريد في معرفة الحديث والفضل والعلم، وتحرف "
اللفتواني " في " تذكرة الحفاظ ": 1251 و" طبقات الحفاظ ":
425 إلى " الفتواني ".
(3) كذا نقله ابن النجار عن أبي موسى الحافظ، وذكر ابن
السمعاني عن بعض الاصبهانيين أنه توفي في ذي الحجة سنة
اثنتي عشرة وخمس مئة بأصبهان، وتابعه على ذلك ابن الأثير
في " الكامل ": 10 / 544.
(*) المنتظم: 9 / 200، الكامل لابن الأثير: 10 / 534 -
536، النبراس: 145، تاريخ الإسلام: 4 / 205 / 1 - 205 / 2،
دول الإسلام: 2 / 39، العبر: 4 / 26، تتمة المختصر: 2 / 40
- 41، مرآة الزمان: 8 / 45، البداية: 12 / 182، النجوم
الزاهرة: 5 / 215 - 216، تاريخ الخلفاء: 426 - 431، تاريخ
خميس: 2 / 360، شذرات الذهب: 4 / 33، معجم الاسرات: 4 و9.
(19/396)
قَالَ ابْنُ النَّجَّار:كَانَ مَوْصُوَفاً
بِالسَّخَاء وَالجُود، وَمَحبَّةِ العُلَمَاء، وَأَهْلِ
الدِّين، وَالتفقد لِلمسَاكينِ، مَعَ الفَضْل وَالنُّبلِ
وَالبَلاغَةِ، وَعُلوِّ الهِمَّة، وَحُسْنِ السِّيْرَةِ،
وَكَانَ رَضِيَّ الأَفعَالِ، سَدِيدَ الأَقْوَال.
وَحَكَى أَبُو طَالِبٍ بنُ عبد السَّمِيْع، عَنْ
أَبِيْهِ:أَنَّ المُسْتظهرَ بِاللهِ طلب مَنْ يُصَلِّي
بِهِ، وَيُلقِّن أَوْلاَدَه، وَأَنْ يَكُوْنَ ضرِيراً،
فَوَقَعَ اخْتيَارُهُ عَلَى القَاضِي أَبِي الحَسَنِ
المُبَارَك بن مُحَمَّدِ بنِ الدَّوَاس مُقْرِئ وَاسِط
قَبْل القلاَنسِي، فَكَانَ مُكرِماً لَهُ، حَتَّى إِنَّهُ
مِنْ كَثْرَةِ إِعجَابه بِهِ كَانَ أَوّل رَمَضَان قَدْ
شَرَعَ فِي التَّرَاويح، فَقَرَأَ فِي الرَّكعتين
الأُوليين آيَةً آيَةً، فَلَمَّا سلَّم، قَالَ لَهُ
المُسْتظهر:زِدْنَا مِنَ التِّلاَوَةِ.
فَتَلاَ آيتينِ آيتينِ، فَقَالَ لَهُ:زِدْنَا.
فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى كَانَ يَقومُ كُلَّ لَيْلَةٍ بِجُزء،
وَإِنَّهُ لَيْلَةً عَطِشَ، فَنَاوله الخَلِيْفَةُ
الكُوزَ، فَقَالَ خَادم:ادْعُ لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ،
فَإِنَّهُ شَرَّفَكَ بِمُنَاولته إِيَّاكَ.
فَقَالَ:جَزَى العَمَى عَنِّي خَيْراً.
ثُمَّ نَهَضَ إِلَى الصَّلاَةِ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى
ذَلِكَ.
وَقَالَ السِّلَفِيّ:قَالَ لِي أَبُو الخَطَّابِ ابْن
الجَرَّاح:صَلَّيْتُ بِالمُسْتظهِرِ فِي رَمَضَانَ،
فَقَرَأْتُ :{إِنَّ ابْنَكَ سُرِّقَ(1) }[يُوْسُف:81]،
رِوَايَةً روينَاهَا عَنِ الكِسَائِيّ، فَلَمَّا سلمتُ،
قَالَ:هَذِهِ قِرَاءة حَسَنَة، فِيْهِ تَنزِيه أَوْلاَد
الأَنْبِيَاء عَنِ الْكَذِب.
قُلْتُ:كَيْفَ بِقَوْلِهِم :{فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ }،
{وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيْصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ }؟!
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ:، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ
شَاتيل المُقْرِئ، حَدَّثَنِي أَبُو
__________
(1) بتشديد الراء مبنيا للمفعول أي: نسب للسرقة، وهي قراءة
ابن عباس وأبي رزين، والكسائي، قال الفراء في " معاني
القرآن " 2 / 53: ويقرأ " سرق " ولا أشتهيها لأنها شاذة.
(19/397)
سَعْد بن أَبِي عِمَامَة، قَالَ:
كُنْتُ لَيْلَة جَالِساً فِي بَيْتِي، وَقَدْ نَامَ
النَّاسُ، فَدُقَّ البَابُ، فَإِذَا بفَرَّاشٍ وَخَادمٍ
مَعَهُ شَمعَة، فَقَالَ:بِسْمِ اللهِ، فَأُدْخِلْتُ عَلَى
المُسْتظهر، وَعَلَيْهِ أَثَرُ غَمٍّ، فَأَخَذتُ فِي
الحِكَايَات وَالموَاعِظِ وَتَصْغِيْرِ الدُّنْيَا، وَهُوَ
لاَ يَتَغَيَّرُ، وَأَخَذتُ فِي حِكَايَات الكِرَام
وَغَيْر ذَلِكَ، فَقُلْتُ:هَذَا لاَ يَنَامُ، وَلاَ
يَدعُنِي أَنَامُ.
فَقُلْتُ:يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، لِي مَسْأَلَةٌ.
قَالَ:قُلْ.
قُلْتُ:وَلاَ تَكْتُمنِي؟
قَالَ:لاَ.
قُلْتُ:بِاللهِ حَلَّ عَلَيْك نَقدَةٌ لِلبَائِع، أَوِ
انكسَرَ زورقُكَ، أَوْ وَقعُوا عَلَى قَافلَةٍ لَكَ،
وَضَاق وَقْتُكَ؟عِنْدِي طبقُ خِلاَفٍ أَنَا أُقرِضه لَكَ،
وَتبقَى بَارزِياً فِي الدُّروب وَمَا يُخلِي الله مِنْ
رِزق، فَهَذَا هَمٌّ عَظِيْم، وَقَدْ مرستَنِي اللَّيْلَة.
فَضَحِكَ حَتَّى اسْتلقَى، وَقَالَ:قُمْ، فَعلَ اللهُ بِكَ
وَصنع.
فَقُمْتُ، وَتبعنِي الخَادِم بِدَنَانِيْرَ وَتَختِ
ثِيَاب.
قِيْلَ:إِنَّ ابْنَ مُقَلد العَوَّاد غَنَّى المُسْتظهر،
فَسَرَّه، فَأَعْطَاهُ مائَتَيْ دِيْنَار، وَقطعَةَ
كَافُوْر زِنَةَ ثَلاَثَةِ أَرطَالٍ مُقَمَّعَة بِذَهَبٍ.
قَالَ أَبُو طَالِبٍ بنُ عبد السمِيْع:كَانَ مِنْ أَلْفَاظ
المُسْتظهر:
خيرُ ذَخَائِرِ المَرْءِ لِدنِيَاهُ ذِكرٌ جَمِيْلٌ،
وَلآخِرَتِهِ ثَوَابٌ جَزِيل.
شُحُّ المَرْءِ بِفَلْسِهِ مِنْ دَنَاءةِ نَفْسِهِ.
الصَّبْرُ عَلَى الشَّدَائِدِ يُنْتج الفَوَائِد.
أَدبُ السَّائِلِ أَنفعُ مِنَ الوَسَائِل.
بضَاعَة العَاقِلِ لاَ تَخْسَرُ، وَرِبْحُهَا يَظْهَرُ فِي
المَحْشَرِ.
وَلَهُ نَظْمٌ حسن.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ
الهَمَذَانِيّ:تُوُفِّيَ المُسْتظهر بِاللهِ سحر لَيْلَة
(19/398)
الخَمِيْس، سَادسَ (1) عِشْرِيْنَ رَبِيْعٍ
الآخرِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة،
وَمَرِضَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ يَوْماً مِنْ تَرَاقِي (2)
ظَهَرَ بِهِ، وَبَلَغَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً
وَسِتَّةَ أَيَّامٍ، وَكَانَ لَيِّنَ الجَانبِ، كَرِيْمَ
الخَلاَئِقِ، مشكورَ المسَاعِي، إِذَا سُئِلَ مكرُمَةً،
أَجَابَ إِلَيْهَا، وَإِذَا ذُكِّرَ بِمَثُوْبَةٍ تَشوَّف
نَحْوهَا.
وَقِيْلَ:إِنَّهُ أَنْشَدَ قَبْل مَوْته بِقَلِيْلٍ،
وَبَكَى:
يَا كَوْكَباً مَا كَانَ أَقَصَرَ عُمْرَهُ ! ...
وَكَذَاكَ عُمْرُ كَوَاكِبِ الأَسْحَارِ (3)
وَفِي أَوّل خِلاَفَته (4) ، جهَّز السُّلْطَان بَرْكْيَا
رُوْق بن مَلِكْشَاه جَيْشاً مَعَ قسيم الدَّوْلَة جدِّ
نور الدّين وَبُوزبَان، فَالتقَاهُم تَاجُ الدَّوْلَة
تُتُش بِظَاهِرِ حلبَ، فَأَسر قَسيمَ الدَّوْلَة،
وَذَبَحَه تُتُش، وَأَخَذ حلب بَعْد حِصَار، وَذَبَحَ
بُوزبَانَ،
__________
(1) وكذا أرخ وفاته ابن الأثير في " الكامل ": 10 / 435،
وجاء في هامش الأصل ما نصه: " ثالث " خ.
(2) في " مرآة الزمان ": وهو دمل يطلع في الحلق، وفي "
الشذرات ": 4 / 33: توفي بالخوانيق.
(3) البيت لأبي الحسن علي بن محمد التهامي المقتول 416 ه
من قصيدة غاية في الجودة يرثي بها ولده، ومطلعها:
حكم المنية في البرية جار * ما هذه الدنيا بدار قرار
إني وترت بصارم ذي رونق * أعددته لطلابة الاوتار
يا كوكبا ما كان أقصر عمره * وكذاك عمر كواكب الاسحار
وهلال أيام مضى لم يستدر * بدرا ولم يمهل لوقت سرار
عجل الخسوف عليه قبل أوانه * فمحاه قبل مظنة الابدار
واستل من أترابه ولداته * كالمقلة استلت من الاشفار
فكأن قلبي قبره وكأنه * في طيه سر من الاسرار
أشكو بعادك لي وأنت بموضع * لولا الردى لسمعت فيه سراري
والشرق نحو الغرب أقرب شقة * من بعد تلك الخمسة الاشبار
جاورت أعدائي وجاور ربه * شتان بين جواره وجواري
(4) انظر " الكامل ": 10 / 232، 234، 239، 243، 262، 263،
264، 265، 268.
(19/399)
وَسَجَن كَرْبوقَا، وَسَارَ، فَتملَّك
الجَزِيْرَةَ، ثُمَّ خِلاَطَ (1) ، ثُمَّ أَذْرَبِيْجَانَ
كُلَّهَا، وَاسْتفحل أَمره، وَكبس عَسْكَره بَرْكيَارُوْق،
فَانْهَزَم، وَرَاحت خَزَائِنُهُ، وَذَهَبَ إِلَى
أَصْبَهَانَ، فَفَتحُوا لَهُ خديعَةً، فَأَمسكوهُ، فَمَاتَ
أَخُوْهُ صَاحِبُ أَصْبَهَان مَحْمُوْد، وَلَهُ سَبْعُ
سِنِيْنَ بِالجُدَرِيّ، فَملَّكُوا بَرْكْيَارُوْق،
وَوَزَرَ لَهُ المُؤَيَّدُ بنُ نِظَام الْملك، وَجَمَعَ
وَحَشَدَ، وَمَاتَ صَاحِبُ مِصْر المُسْتَنْصِر،
وَأَمِيْرُ الجُيُوْش بدرٌ، وَوَالِي مَكَّة مُحَمَّدُ بنُ
أَبِي هَاشِمٍ الَّذِي نهب الوَفْدَ، ثُمَّ التَقَى
بَرْكْيَارُوْق وَعَمُّه تُتُش، فَقُتِلَ فِي المعركَة
تُتُش، وَتَملَّك بَعْدَهُ دِمَشْق ابْنُهُ دُقَاقُ شَمْسُ
المُلُوْك، وَقُتِلَ صَاحِبُ سَمَرْقَنْد أَحْمَد خَان،
وَكَانَ قَدْ حَسَّنُوا لَهُ الإِباحَة، وَتزندق، فَقَبَضَ
عَلَيْهِ الأُمَرَاءُ، وَشَهِدُوا عَلَيْهِ، فَأَفتَى
العُلَمَاءُ بِقَتْلِهِ، وَمَلَّكُوا ابْن عَمِّهِ.
وَقُتِلَ سَنَةَ تِسْعِيْنَ صَاحِبُ مَرْوَ أَرغون أَخُو
السُّلْطَان مَلِكْشَاه، وَكَانَ ظَلُوْماً جَبَّاراً،
قَتله مَمْلُوْكٌ لَهُ، وَكَانَ حَاكماً عَلَى
نَيْسَابُوْر، وَبلخ أَيْضاً، تَمرَّدَ وَخَرَّبَ أَسوَارَ
بِلاَدِهِ.
وَعصَى نَائِبُ العُبَيْدِيَّةِ بِصُوْرَ، فَجَاءَ
عَسْكَرٌ، وَحَاصَرُوهَا وَافْتَتَحُوهَا، وَقَتَلُوا
بِهَا خَلْقاً، مِنْهُم نَائِبُهَا.
وَجَهَّزَ السُّلْطَانُ بَرْكْيَا رُوْق جَيْشاً مَعَ
أَخِيْهِ سَنْجَر، فَبَلَغَهُم قتل أَرغون، فَلحقهُم
السُّلْطَانُ، فَتَمَلَّك جَمِيْعَ خُرَاسَانَ، وَخُطِبَ
لَهُ بِسَمَرْقَنْدَ، وَدَانت لَهُ الأُمَمُ، فَاسْتنَابَ
أَخَاهُ سَنْجرَ بِخُرَاسَانَ، وَكَانَ حَدَثاً، وَأَمَّر
بَرْكْيَا رُوْق عَلَى خُوَارزم مُحَمَّد بن نُوشْتِكِين
مَوْلَى السَّلجوقيَة، وَكَانَ فَاضِلاً أَدِيباً
عَادِلاً، ثُمَّ قَامَ بَعْدَهُ وَلَدُهُ خُوَارزم شَاه
أَتسِز وَالِدُ خُوَارزم شَاهُ عَلاَء الدِّيْنِ.
__________
(1) خلاط: بلدة عامرة مشهورة، وهي قصبة أرمينية الوسطى.
(19/400)
وَفِي سَنَةِ تِسْع كَانَ أَوّل ظُهُوْرِ
الفِرَنْج بِالشَّامِ قَدِمُوا فِي بَحرِ
القُسْطَنْطِيْنِيَّة فِي جَمعٍ كَثِيْر، وَانزعجتِ
المُلُوْكُ، وَعَظُمَ الخطبُ، لاَ سِيَّمَا ابْن قُتُلمش
صَاحِبُ الرُّوْمِ، فَالتقَاهُم، فَطَحَنُوهُ.
وَأَمَّا ابْنُ الأَثِيْرِ (1) ، فَقَالَ:ابْتِدَاءُ
دَوْلَتِهِم فِي سَنَةِ(478)، فَأَخذُوا طُلَيْطُلَة
وَغَيْرهَا، ثُمَّ صَقِلِّيَّة، وَأَخَذُوا بَعْض
أَفْرِيْقِيَة، وَجَمَعَ ملكهُم بَغْدَوِين جَمعاً،
وَبَعَثَ يَقُوْلُ لرُجَّار صَاحِب صَقِلِّيَّة:أَنَا
وَاصِلٌ إِلَيْك لِنَفتَحَ أَفْرِيْقِيَة، فَبَعَثَ
يَقُوْلُ:الأَوْلَى فَتْحُ القُدْس، فَقَصَدُوا الشَّام.
وَقِيْلَ:إِنَّ صَاحِبَ مِصْر لَمَّا رَأَى قُوَّةَ آلِ
سَلْجُوق وَاسْتيلاَءهُم عَلَى المَمَالِك، كَاتَبَ
الفِرَنْجَ، فَمرُوا بَسِيس، وَنَازلُوا أَنطَاكيَة،
فَخَافَ صَاحِبُهَا يَاغِي بَسَان (2) ، فَأَخْرَجَ
النَّصَارَى إِلَى الخَنْدَق وَحبسهُم بِهِ، فَدَام
حصَارُهَا تِسْعَةَ أَشهر، وَفنِيَ الفِرَنْجُ قتلاً
وَمَوتاً، ثُمَّ إِنَّهُم عَاملُوا الزَرَّاد المقدَّم،
وَبَذلُوا لَهُ مَالاً، فَكَاشرَ لَهُم عَنْ بدنه (3) ،
فَفَتحُوا شُبَّاكاً، وَطلعُوا مِنْهُ خَمْس مائَة فِي
اللَّيْلِ، فَفَتح يَاغِي بَسَان، وَهَرَبَ، وَاسْتُبيح
الْبَلَد - فَإِنَّا للهِ - فِي سَنَةِ إِحْدَى
وَتِسْعِيْنَ، وَسَقَطَت قوَة يَاغِي بَسَان أَسفاً،
وَانْهَزَم غِلمَانه، فَذَبَحَه حَطَّاب أَرْمَنِيّ (4) .
ثُمَّ أَخَذُوا المَعَرَّةَ، فَقَتَلُوا وَسَبَوْا،
وَتَجَمَّعتْ عَسَاكِرُ المَوْصِلِ وَغَيْرُهَا،
فَالتَقَوْا، فَانْهَزَم المُسْلِمُوْنَ، وَاسْتُشْهِدَ
أُلوفٌ،
__________
(1) 10 / 142.
(2) في " الكامل ": 10 / 274: باغي سيان.
(3) في كامل ابن الأثير: 10 / 274: فلما طال مقام الفرنج
على أنطاكية، راسلوا أحد المستحفظين للابراج، وهو زراد
يعرف بروزبه، وبذلوا له مالا وأقطاعا، وكان يتولى حفظ برج
يلي الوادي، وهو مبني على شباك في الوادي، فلما تقرر الامر
بينهم وبين هذا الملعون الزراد، جاؤوا إلى الشباك ففتحوه.
(4) انظر " الكامل ": 10 / 272 - 275 لابن الأثير.
(19/401)
وَصَالَحَهُم صَاحِبُ حِمْصَ، وَأَقْبَلَ
ابْنُ أَمِيْرِ الجُيُوْشِ، فَأَخَذَ القُدْسَ مِنِ ابْنِ
أَرتُقَ، وَانتشرت البَاطِنِيَّةُ بِأَصْبَهَانَ،
وَتَمَّتْ حُرُوْبٌ مُزعِجَة بَيْنَ مُلُوْكِ الْعَجم،
وَأَخَذتِ الفِرَنْجُ بَيْتَ المَقْدِسِ، نَصَبُوا
عَلَيْهِ أَرْبَعِيْنَ منجنِيقاً، وَهَدُّوا سُورَه،
وَجَدُّوا فِي الحصَار شَهراً وَنِصْفاً، ثُمَّ مَلَكُوهُ
مِنْ شَمَاليِّه فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
وَتِسْعِيْنَ، وَقتلُوا بِهِ نَحْواً مِنْ سَبْعِيْنَ
أَلْفاً (1) .
قَالَ يُوْسُفُ ابنُ الجَوْزِيِّ وَالعهدَة
عَلَيْهِ:سَارَتِ الفِرَنْجُ، وَمقدَّمهم كُندفرِي (2) فِي
أَلفِ أَلفٍ، مِنْهُم خَمْسُ مائَة أَلْفِ مقَاتل،
وَعَمِلُوا بُرجاً مِنْ خشب أَلصقوهُ بِالسُّور، حكمُوا
بِهِ عَلَى الْبَلَد، وَسَارَ الأَفْضَلُ أَمِيْرُ
الجُيُوْش مِنْ مِصْرَ فِي عِشْرِيْنَ أَلْفاً نَجدَةً،
فَقَدِمَ عَسْقَلاَن وَقَدِ اسْتُبيحت القُدْسُ، ثُمَّ
كبست الفِرَنْجُ المِصْرِيّين، فَهَزموهُم، وَانحَاز
الأَفْضَلُ إِلَى عَسْقَلاَن، وَتَمَزَّقَ جَيْشه،
وَحُوْصِرَ، فَبذلَ لَهُم أَمْوَالاً، فَتَرَحَّلُوا
عَنْهُ (3) .
وَتَمَلَّكَ مُحَمَّدُ بنُ مَلِكْشَاه، فَهَزم أَخَاهُ
بَرْكْيَارُوْق، ثُمَّ حَارب عَسْكَر المَوْصِل، وَجَرَتْ
عَجَائِب، ثُمَّ فَرَّ بَرْكْيَارُوْقُ إِلَى خُرَاسَانَ،
وَعَسَفَ، وَعَمِلَ مَصَافّاً مَعَ أَخِيْهِ سَنْجر،
فَانْهَزَم كُلٌّ مِنْهُمَا، ثُمَّ سَارَ بَرْكْيَارُوْق
عَلَى جُرْجَانَ طَالباً أَصْبَهَان (4) .
وَالْتَقَى ابْن الدَّانشهد (5) جَيْشَ الفِرَنْج فَنقل
ابْنُ الأَثِيْرِ أَنَّهُم كَانُوا ثَلاَثَ
__________
(1) انظر " الكامل ": 10 / 282 - 286.
(2) في الأصل: كندهري، وما أثبتناه من " الكامل " وسيرد
كذلك في الأصل قريبا.
(3) انظر " الكامل ": 10 / 286.
(4) انظر " الكامل ": 10 / 294 - 298.
(5) في " الكامل ": 10 / 300: ابن الدانشمند: وفيه: وإنما
قيل له الدانشمند لان أباه كان معلما للتركمان، وتقلبت به
الأحوال حتى ملك، وهو صاحب ملطية وسيواس وغيرهما.
(19/402)
مائَةِ أَلْف، فَلَمْ يُفْلِتْ أَحَدٌ
مِنْهُم سِوَى ثَلاَثَة آلاَف.
وَكَانَتْ وَقْعَة بَيْنَ المِصْرِيِّينَ وَالفِرَنْج (1)
عَلَى عَسْقَلاَنَ، فَقُتِلَ مُقَدَّم المِصْرِيّينَ
سَعْدُ الدَّوْلَة، لَكِنِ انتَصَرَ المُسْلِمُوْنَ.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ:فَيُقَالُ:قُتِلَ مِنَ الفِرَنْجِ
ثَلاَثُ مائَةِ أَلْفٍ.
قُلْتُ:هَذِهِ مُجَازفَة عَظِيْمَة.
وَالْتَقَى السُّلْطَان مُحَمَّدُ بنُ مَلِكْشَاه
وَأَخُوْهُ بَرْكْيَارُوْق مَرَّات، وَغَلَتِ الأَقطَارُ
بِالبَاطِنِيَّةِ، وَطَاغُوتُهُم الحَسَن بن الصَّبَّاحِ
المَرْوَزِيّ الكَاتِب، كَانَ دَاعِيَةً لِبَنِي عُبَيْدٍ،
وَتَعَانَوْا شُغْلَ السِّكِّين، وَقَتَلُوا غِيلَةً
عِدَّةً مِنَ العُلَمَاءِ وَالأُمَرَاء، وَأَخَذُوا
القِلاعَ، وَحَاربُوا، وَقَطعُوا الطُّرقَ، وَظهرُوا
أَيْضاً بِالشَّامِ، وَالتفَّ عَلَيْهِم كُلُّ شَيطَانٍ
وَمَارِق، وَكُلُّ مَاكِرٍ وَمُتَحَيِّل.
قَالَ الغَزَّالِي فِي(سِرِّ العَالمين):شَاهَدتُ قِصَّة
الحَسَن بنِ الصَّبَّاحِ لَمَّا تَزَهَّد تَحْتَ حِصن
الأَلَموت، فَكَانَ أَهْلُ الْحصن يَتمنَّوْنَ صُعُوْدَه،
وَيَتَمَنَّعُ وَيَقُوْلُ:أَمَا تَرَوْنَ المُنْكَرَ
كَيْفَ فَشَا، وَفَسَدَ النَّاسُ، فَصَبَا إِلَيْهِ خلق،
وَذَهَبَ أَمِيْرُ الحِصن يَتَصَيَّدُ، فَوَثَبَ عَلَى
الْحصن فَتملَّكَه، وَبَعَثَ إِلَى الأَمِيْرِ مَنْ
قَتَلَهُ، وَكثرت قِلاعُهُم، وَاشْتَغَل عَنْهُم أَوْلاَدُ
مَلِكْشَاه بِاخْتِلاَفِهِم.
وَلابْنِ البَاقِلاَّنِي، وَالغزَالِي، وَعَبْدِ
الجَبَّارِ المُعْتَزِلِي كُتُبٌ فِي فَضَائِح هَؤُلاَءِ
(2) .
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ:وَفِي سَنَةِ (494) أَمر
السُّلْطَانُ بَرْكْيَارُوْق بِقَتْلِ
__________
(1) انظر " الكامل ": 10 / 286 و364 و394.
(2) وانظر أيضا " المنتظم ": 5 / 110 - 119 لابن الجوزي.
(19/403)
البَاطِنِيَّة، وَهُمُ
الإِسْمَاعِيْليَّةُ، وَهُمُ الَّذِيْنَ كَانُوا قديماً
يُسَمَّوْنَ القرَامِطَةَ (1) .
قَالَ:وَتَجرد بِأَصْبَهَانَ لِلانتقَامِ مِنْهُم
الخُجَنْدِيُّ (2) ، وَجَمَعَ الجمَّ الغفِيرَ
بِالأَسلحَة، وَأَمر بِحفرِ أَخَادِيدَ أُوقِدَتْ فِيْهَا
النِّيرَانُ، وَجَعَلُوا يَأْتُوْنَ بِهِم، وَيُلقُونَهُم
فِي النَّارِ، إِلَى أَنْ قتلُوا مِنْهُم خَلقاً
كَثِيْراً.
قَالَ:وَكَانَ ابْنُ صَبَّاح شَهْماً، عَالِماً بِالهندسَة
وَالنُّجُوْم وَالسّحر، مِنْ تلاَمذَة ابْنِ غَطَّاشٍ
الطَّبِيْب الَّذِي تَملَّك قَلْعَة أَصْبَهَان، وَمِمَّنْ
دَخَلَ بِمِصْرَ عَلَى المُسْتَنْصِر، فَأَعْطَاهُ مَالاً،
وَأَمره بِالدعوَة لابْنِهِ نِزَار، وَهُوَ الَّذِي بَعَثَ
مَنْ قتل نِظَام الْملك، وَقَدْ قتل صَاحِبُ كِرْمَان
أَرْبَعَة آلاَف لِكَوْنِهِم سُنَّةً، وَاسْمُهُ
تيرَانشَاه السَّلْجُوْقِي، حَسَّن لَهُ رَأْيَ
البَاطِنِيَّة أَبُو زُرْعَةَ الكَاتِب، فَانسلخَ مِنَ
الدِّينِ، وَقَتَلَ أَحْمَد بن الحُسَيْنِ البَلْخِيّ
شَيْخُ الحَنَفِيَّة، فَقَامَ عَلَيْهِ جندُه وَحَاربوهُ،
فَذلَّ، وَتَبِعَهُ عَسْكَر، فَقتلُوْهُ، وَقتلُوا أَبَا
زُرْعَةَ، وَصَارَت الأُمَرَاءُ يُلاَزمُوْنَ لُبْس
الدُّرُوْع تَحْتَ الثِّيَاب خوَفاً مِنْ فَتكِ هَؤُلاَءِ
الملاَحدَةِ، وَركب السُّلْطَان بَرْكْيَارُوْق فِي
تَطلُّبِهِم، وَدَوَّخهُم، حَتَّى قتلَ جَمَاعَةً بُرَآء،
سَعَى بِهِم الأَعْدَاءُ، وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ أَهْل
عَانَة، وَاتُّهم إِلكيَا الهَرَّاسِي بِأَنَّهُ مِنْهُم -
وَحَاشَاهُ - فَأَمر السُّلْطَانُ مُحَمَّد بن مَلِكْشَاه
بِأَنْ يُؤْخَذَ، حَتَّى شَهِدُوا لَهُ بِالخَيْرِ،
فَأُطلق (3) .
وَفِيْهَا كَسَرَ دُقَاق صَاحِبُ دِمَشْق الفِرَنْجَ،
وَحَاصَرَ صَاحِبُ القُدْس كندفرِي عكَّا، فَقُتِلَ
بِسَهمٍ، وَتَملَّكَ أَخُوْهُ بغدوين، وَأَخَذتِ
الفِرَنْجُ سَرُوجَ
__________
(1) الكامل 10 / 313، والزيادة منه.
(2) هو أبو القاسم مسعود بن محمد الخجندي الفقيه الشافعي.
انظر " الكامل ": 10 / 315.
(3) انظر " الكامل ": 10 / 313 - 323 لابن الأثير،
والمنتظم: 9 / 120، 123.
(19/404)
بِالسَّيْف، وَأَرْسُوفَ وَحَيْفَا
بِالأَمَان، وَقَيْسَارِيَّةَ عَنْوَةً (1) .
وَفِي سَنَةِ(495)مَاتَ المُسْتعلِي صَاحِبُ مِصْر،
وَوَلِيَ الآمِرُ، وَكَانَتْ حُرُوْبٌ بَيْنَ الأَخوينِ
بَرْكْيَارُوْق وَمُحَمَّد، وَبلاَءٌ وَحصَار، وَنَازلت
الفِرَنْجُ طَرَابُلُس، فَسَارَ لِلْكشف عَنْهَا جُنْدُ
دِمَشْقَ وَحِمْصَ، فَانكسرُوا، ثُمَّ التَقَى العَسْكَر،
وَبغدوين، فَهَزمُوْهُ، وَقَلَّ مَنْ نَجَا مِنْ
أَبْطَاله، وَظَفِرَ ثَلاَثَةٌ مِنَ البَاطِنِيَّة عَلَى
جَنَاحِ الدَّوْلَة صَاحِب حِمْص، فَقَتَلُوْهُ فِي
الجَامِع، فَنَازلتهَا الفِرَنْجُ، فَصُولحُوا عَلَى مَال،
وَتَسَلَّمهَا شَمْسُ المُلُوْك، وَقَتلَتْ البَاطِنِيَّة
الأَعزَّ، وَزِيْر بَرْكْيَارُوْق، وَمَاتَ كُربوقَا
صَاحِبُ المَوْصِلِ بِخَوَيّ، وَقَدِ اسْتولَى عَلَى
أَكْثَر أَذْرَبِيْجَانَ.
وَخَطَبَ سَنْجَرُ بِخُرَاسَانَ لأَخِيه مُحَمَّد،
وَحَارَبَ قدرْخَان صَاحِبَ مَا وَرَاء النَّهْر، فَأَسره
سَنْجَر وَقتله، وَملَّكَ ابْنَ بغرَاجَان سَمَرْقَنْدَ،
وَنَازل المُسْلِمُوْنَ بَلَنْسِيَةَ، وَاسْتَرجَعُوهَا
مِنَ الفِرَنْجِ بَعْدَ أَنْ تَمَلَّكُوهَا ثَمَانِيَة
أَعْوَامٍ، ثُمَّ رَاحت مِنَ المُسْلِمِينَ فِي سَنَةِ
(636) (2) .
وَفِي سَنَة سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ سَارَ شَمْسُ المُلُوْك،
فَحَاصَر الرَّحْبَة، وَأَخَذَهَا، وَجَاءَ عَسْكَرُ
مِصْر، فَالتَقَوا الفِرَنْجَ بِيَافَا، وَخُذِلَتْ
الفِرَنْجُ، وَتَصَالَحَ بَرْكْيَارُوْقُ وَأَخُوْهُ،
وَملُّوا مِنَ الحَرْب، وَتَحَالفُوا، وَطَال حِصَارُ
الفِرَنْج لِطَرَابُلُس، وَأَخَذُوا جُبيلَ، وَأَخَذُوا
عكَّا، وَنَازلُوا حَرَّانَ، فَجَاءَ العَسْكَر، وَوَقَعَ
المَصَافُّ، وَنَزَلَ النَّصْرُ، وَأُبيدتِ الملاعِينُ،
وَبلغت
__________
(1) انظر " الكامل ": 10 / 324، 325، وسروج بلدة قريبة من
حران من بلاد الجزيرة، وأرسوف: مدينة على ساحل بحر الشام
بين قيسارية ويافا.
(2) انظر " الكامل لابن الأثير ": 10 / 328 - 344.
(19/405)
قَتْلاَهُم اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً (1) ،
وَمَاتَ شَمْسُ المُلُوْك دُقَاقُ، وَتَملَّكَ وَلدُهُ
بِدِمَشْقَ، وَأَتَابِكُهُ طُغْتِكِين (2) .
وَفِي سَنَة ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ مَاتَ بَرْكْيَارُوْق،
وَسلطنُوا ابْنه ملكشَاه وَهُوَ صَبِيّ (3) ، وَالتقَى
المُسْلِمُوْنَ وَالفِرَنْج، فَأُصِيْب المُسْلِمُوْنَ،
ثُمَّ قَدِمَ عَسْكَر مِصْر، وَانضمَّ إِلَيْهِم عَسْكَر
دِمَشْق، فَكَانَ المَصَافّ مَعَ بغدوين عِنْد عَسْقَلاَن،
وَثبت الفَرِيقَان، وَقُتِلَ مِنَ الفِرَنْج فَوْقَ
الأَلف، وَمِنَ المُسْلِمِين مِثْلُهُم، ثُمَّ تَحَاجزُوا،
وَفِيْهَا تَمَكَّنَ السُّلْطَان مُحَمَّد وَبسط العَدْل.
وَفِي سَنَةِ(496)كبس الأَتَابك طُغْتِكِين الفِرَنْج
بِالأُرْدُنّ، فَقتل وَأَسَرَ، وَزُيِّنت دِمَشْق،
وَأَخَذَ مِنَ الفِرَنْج حِصْنَيْنِ (4) .
وَاستَولَتِ الإِسْمَاعِيْليَّة عَلَى فَامِيَة، وَقتلُوا
صَاحِبَهَا ابْنَ مُلاَعِبٍ، وَكَانَ جَبَّاراً يَقطع
الطَّرِيْق (5) .
وَفِي سَنَةِ خَمْسِ مائَةٍ مَاتَ صَاحِبُ المَغْرِب
وَالأَنْدَلُس يُوْسُفُ بن تَاشفِيْن، وَتَملَّكَ بَعْدَهُ
ابْنُهُ عَلِيّ، وَكَانَ يَخطُب لِبَنِي العَبَّاسِ،
وَجَاءته خِلَع السَّلطنَة وَالأَلْويَةِ، وَكَانَ أَنشَأَ
مَرَّاكُشَ (6) .
وَقُتِلَ وَاحِدٌ مِنَ الإِسْمَاعِيْليَّة فَخرَ المُلك
بنَ نِظَام الْملك، وَزَرَ لِبَرْكْيَارُوْق، ثُمَّ
لِسَنْجَر (7) .
__________
(1) الكامل لابن الأثير: 10 / 373 - 375.
(2) الكامل لابن الأثير: 10 / 375 - 376.
(3) في الكامل لابن الأثير: 10 / 380: وعمره حينئذ أربع
سنين وثمانية أشهر.
(4) الكامل: 10 / 399 - 400.
(5) الكامل لابن الأثير: 10 / 408 - 410.
(6) في حدود سنة 470 ه، وانظر " الكامل ": 10 / 417، 418.
(7) الكامل في التاريخ: 10 / 418.
(19/406)
وَقبض مُحَمَّد عَلَى وَزِيْرِهِ سَعْدِ
المُلك، وَصَلَبَه بِأَصْبَهَانَ، وَاسْتَوْزَرَ أَحْمَد
بن نظَامِ المُلك.
وَقُتِلَ مُقدَّم الإِسْمَاعِيْليَّة بِقَلْعَةِ
أَصْبَهَان أَحْمَدُ بنُ غطَّاش، قَالَ ابْنُ
الأَثِيْرِ:قَتَلَ أَتْبَاعُهُ خلقاً لاَ يُمْكِنُ
إِحْصَاؤهُم...، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَخرَّب السُّلْطَانُ مُحَمَّد القَلْعَةَ، وَكَانَ
أَبُوْهُ مَلِكْشَاه أَنشَأَهَا عَلَى جبل، يُقَال:غَرِمَ
عَلَيْهَا أَلفَيْ أَلف دِيْنَار وَزِيَادَة، فَتَحَيَّلَ
ابْنُ غَطَّاش حَتَّى تَمَلَّكهَا، وَبَقِيَ بِهَا
اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً (1) .
وَعَزَلَ المُسْتظهرُ وَزِيْرَه أَبَا القَاسِمِ بن جَهير،
وَوَزَرَ هِبَة اللهِ بن المُطَّلِبِ (2) .
وَغَرِقَ ملكُ قُوْنِيَة قلج رسلاَن بن سُلَيْمَانَ بن
قتلمش السَّلْجُوْقِي (3) .
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِ مائَة مَاتَ صَاحِبُ
الحِلَّة سَيْفُ الدَّوْلَة صَدَقَةُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ
دُبَيْسٍ الأَسَدِيّ مَلِك الْعَرَب الَّذِي أَنشَأَ
الحِلَّة عَلَى الرَّفض، قُتِلَ فِي وَقْعَةٍ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ السُّلْطَانِ مُحَمَّد بنِ مَلِكْشَاه (4) .
وَفِيْهَا سَارَ طُغْتِكِين فِي جُنْدِ دِمَشْقَ، فَهَزمَ
الفِرَنْجَ، وَأَسَرَ صَاحِبَ طَبَرَيَّة جرمَاس،
وَحَاصَرَ بغدوين الكلبُ صُوْرَ، وَبَنَى بِإِزَائِهَا
حِصناً، ثُمَّ بَذَلَ لَهُ
__________
(1) الكامل في التاريخ: 10 / 430 - 434.
(2) الكامل في التاريخ: 10 / 438.
(3) الكامل في التاريخ: 10 / 428 - 430، وفيه: فلما رأى
قلج أرسلان انهزام عسكره، علم أنه إن أسر فعل به فعل من لم
يترك للصلح موضعا، لا سيما وقد نازع السلطان في بلاده،
واسم السلطنة، فألقى نفسه في الخابور، وحمى نفسه من أصحاب
جاولي بالنشاب، فانحدر به الفرس إلى ماء عميق فغرق.
(4) انظر التفصيل في " الكامل ": 10 / 440 - 449 لابن
الأثير.
(19/407)
أَهْلُهَا سَبْعَة آلاَف دِيْنَار،
فَتَرحَّلَ عَنْهُم (1) .
وَفِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ سَارَ طُغْتِكِين فِي
أَلْفَيْنِ، فَالتَقَى الفِرَنْجَ، فَانْهَزَم جَمعُه،
وَثبتَ هُوَ، ثُمَّ تَرَاجعُوا إِلَيْهِ، وَنُصِرُوا،
وَأَسَرُوا قَوْمصاً، بَذَلَ فِي نَفْسِهِ جُمْلَةً،
فَأَبَى طُغْتِكِين وَذَبحه، ثُمَّ هَادن بغدوين
أَرْبَعَةَ أَعْوَام (2) .
وَفِيْهَا تَزَوَّجَ المُسْتظهر بِأُختِ السُّلْطَان
مُحَمَّد عَلَى مائَة أَلْف دِيْنَار (3) .
وَفِيْهَا أَخذت الإِسْمَاعِيْليَّةُ شَيْزَر بِحيلَةٍ،
فَرَجَعَ صَاحِبُهَا مِنْ مَوْكِبه، فَوَجَد بلدَه قَدْ
رَاح مِنْهُ، فَيَعمد نِسَاؤُه مِنَ القُلَّة فَدَلَّوْا
حِبالاً، وَاسْتقَوهُ وَأَجنَاده، فَوَقَعَ القِتَالُ،
وَاسْتَحَرَّ القتلُ بِالملاَحدَةِ، وَكَانُوا مائَةً،
قَدْ خدم أَكْثَرُهُم حَلاَّجِينَ فِي شَيْزَرَ، فَمَا
نَجَا مِنْهُم أَحَدٌ، وَقُتِلَ مِنَ الأَجْنَادِ عِدَّة
(4) .
وَفِي سَنَةِ ثَلاَثٍ أُخِذَتْ طَرَابُلُس فِي آخِر
السّنَةِ بَعْد حِصَارِ سِتّ سِنِيْنَ أَخَذُوهَا
بِأَبرَاجٍ خَشَبٍ صُنِعَتْ وَأُلْصِقَتْ بِسُورِهَا،
وَأَخَذُوا بَانِيَاسَ وَجُبيلَ بِالأَمَان، ثُمَّ
طَرَسُوْس، وَحِصنَ الأَكرَادِ (5) .
وَفِي سَنَةِ خَمْسٍ تَنَاحَب (6) عَسَاكِرُ العِرَاق
وَالجَزِيْرَة، وَأَقْبَلُوا لِغزو الفِرَنْج، وَعدَّوا
الفُرَات، فَقل مَا نَفعُوا، ثُمَّ رَجَعُوا وَالأَعْدَاءُ
تَجولُ فِي الشَّام (7) .
__________
(1) انظر الكامل لابن الأثير: 10 / 455.
(2) انظر الكامل لابن الأثير: 10 / 467.
(3) الكامل: 10 / 471.
(4) الكامل: 10 / 472.
(5) الكامل: 10 / 475 - 477.
(6) يقال: تناحب القوم: إذا تواعدوا للقتال أي وقت.
(7) الكامل: 10 / 485 - 488.
(19/408)
وَتَمَّت بِالأَنْدَلُسِ غَزْوَةٌ كُبْرَى
- نَصْر اللهِ - وَانحطمتِ الفِرَنْج، وَقُتِلَ ابْنُ
مَلِكِهِم (1) .
وَفِي سَنَةِ سِتٍّ مَاتَ بَسِيْلٌ مَلِكُ الأَرمَنِ،
فَسَارَ صَاحِبُ أَنطَاكيَة تَنكرِي لِيَتَمَلَّك سِيسَ،
فَمَرِضَ، وَمَاتَ (2) .
وَمَاتَ قرَاجَا صَاحِبُ حِمْص، فَتَمَلَّكَ ابْنُه
خَيْرخَان (3) .
وَفِي أَوّل سَنَةِ سبعٍ أَقْبَلَ عَسْكَرُ الجَزِيْرَة
نَجدَةً لِطُغتِكِين، فَالتَقَوُا الفِرَنْجَ
بِالأُرْدُنّ، وَصبر الفرِيقَانِ، ثُمَّ اسْتَحَرَّ القتلُ
بِالفِرَنْج، وَأُسِرَ طَاغِيتُهُم بغدوين، لَكِن أَسَاء
الَّذِي أَسره، فَشلَّحه، وَأَطلقَه جَرِيحاً، ثُمَّ
تَرَاجعَ العَدُوّ، وَجَاءتْهُم نَجدَةٌ، فَعملُوا
المَصَافَّ مِنَ الغَدِ، وَحَمِي القِتَالُ، وَطَاب
المَوْتُ، وَتَحَصَّنَ الكِلاَبُ بِجبلٍ، فَرَابط الجَيْشُ
بِإِزَائِهِم يَترَامَوْنَ بِالنُّشَاب وَيَقْتتلُوْنَ،
فَدَام ذَلِكَ كَذَلِكَ سِتَّةً وَعِشْرِيْنَ صَبَاحاً
حَتَّى عُدِمَتِ الأَقْوَاتُ، وَتَحَاجَزَ الجَمْعَانِ (4)
.
وَفِيْهَا وَثَبَ بَاطِنِيٌّ بِجَامِعِ دِمَشْقَ عَلَى
صَاحِبِ المَوْصِلِ مَوْدُوْدِ بنِ
__________
(1) الكامل: 10 / 490 - 491 ونصه: وفي هذه السنة خرج
أذفونش الفرنجي، صاحب طليطلة بالاندلس إلى بلاد الإسلام
بها، يطلب ملكها والاستيلاء عليها، وجمع فحشد فأكثر، وكان
قوي طمعه فيها بسبب موت أمير المسلمين يوسف بن تاشفين،
فسمع أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين الخبر، فسار
إليه في عساكره وجموعه فلقيه، فاقتتلوا، واشتد القتال،
وكان الظفر للمسلمين، وانهزم الفرنج، وقتلوا قتلا ذريعا،
وأسر منهم بشر كثير، وسبى منهم، وغنم من أموالهم ما يخرج
من الاحصاء: فخافه الفرنج بعد ذلك، وامتنعوا من قصد بلاده،
وذل أذفونش حينئذ وعلم أن في البلاد حاميا لها، وذابا
عنها.
(2) الكامل: 10 / 493.
(3) الكامل: 10 / 493.
(4) الكامل: 10 / 495، 496.
(19/409)
أَلتونتِكِين فَقَتَلَهُ، وَهُوَ قَدْ
صَلَّى الجُمُعَة مَعَ طُغْتِكِين، وَأُحْرِقَ البَاطِنِي
(1) .
قَالَ ابْنُ الفُلاَنسِي فِي(تَارِيْخِهِ (2)):قَامَ هُوَ
وَطُغْتِكِين حَوْلَهُمَا التُّركُ وَالأَحدَاثُ
بِأَنْوَاع السِّلاَح مِنَ الصوَارم وَالصمصَامَات
وَالخنَاجِر المُجَرَّدَة، كَالأَجمَة المشتبكَة، فَوَثَبَ
رَجُل لاَ يُؤْبَهُ لَهُ، وَدَعَا لِمَوْدُوْد، وَشحذ
مِنْهُ، وَقَبضَ بَنْدَ قَبَائِهِ، وَضَرَبَه تَحْتَ
سُرَّتِه ضَربتَينِ، وَالسُّيوفُ تَنْزِلُ عَلَيْهِ،
وَدُفِنَ بِخَانقَاه الطّوَاويس، ثُمَّ نُقِلَ، وَكَانَ
بِطَبَرِيَّةَ مُصحفٌ أَرْسَله عُثْمَانُ - رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ - إِلَيْهَا، فَنَقَلَهُ طُغْتِكِين إِلَى جَامِعِ
دِمَشْقَ.
وَفِيْهَا تَملَّكَ حلبَ أَرْسَلاَنُ بنُ رِضوَان
السَّلْجُوْقِي بَعْدَ أَبِيْهِ، وَقَتَلَ أَخويه،
وَرَأْسَ الإِسْمَاعِيْليَّة أَبَا طَاهِر الصَّائِغ،
وَعِدَّةً مِنْهُم (3) .
وَفِي سَنَة ثَمَانٍ وَخَمْسِ مائَةٍ هَلَكَ بغدوين مِنْ
جُرحه (4) .
وَقَتَلَتِ البَاطِنِيَّةُ صَاحِبَ مَرَاغَة أَحْمَديل (5)
.
وَتَخَنْزَرتِ الفِرَنْجُ فِي سَنَةِ تِسْعٍ، وَعَاثُوا
بِالشَّامِ، وَأَخَذُوا رَفَنِيَّةَ (6) ، فَسَاق
طُغْتِكِين، وَاسْتنقذهَا، وَكَانَ قَدْ عصَى عَلَى
السُّلْطَان، وَحَارَبَ بَعْضَ عَسْكَره، فَنَدِمَ،
وَسَارَ بِنَفْسِهِ إِلَى العِرَاقِ بِتُحَفٍ سَنِيَّةٍ،
فَرَأَى مِنَ الاحْتِرَام
__________
(1) الكامل: 10 / 496، 497.
(2) ص 298.
(3) الكامل: 10 / 499.
(4) الذي في " الكامل ": 10 / 543 أنه هلك سنة 511.
(5) الصواب سنة (510) كما تقدم في ترجمته (223)، وكما في "
الكامل ": 10 / 516.
(6) ضبطه ياقوت بفتح أوله وثانيه، وكسر النون، وتشديد
الياء المنقوطة من تحت باثنتين، وقال: كورة ومدينة من
أعمال حمص، يقال لها: رفنية تدمر، وقال قوم: رفنية بلدة
عند طرابلس من سواحل الشام، وانظر " الكامل ": 10 / 512.
(19/410)
فَوْقَ آمَالِهِ، وَكَتبُوا لَهُ تَقليداً
بِإِمْرَة الشَّام كُلِّه.
وَفِي سَنَةِ عَشْرٍ قَدِمَ البُرسُقِي صَاحِبُ المَوْصِل
إِلَى الشَّامِ غَازِياً، وَسَارَ مَعَهُ طُغْتِكِين،
فَكَبَسُوا الفِرَنْجَ، وَنَزَلَ النَّصْرُ، فَقُتِلَ
أُلُوْفٌ مِنَ الفِرَنْج، وَاسْتحكمت المَوَدَّةُ بَيْنَ
البُرسُقِي وَبَيْنَ صَاحِب دِمَشْق.
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ كَبَسَتِ الفِرَنْجُ
حَمَاة، وَقتلُوا مائَة وَعِشْرِيْنَ رَجُلاً (1) ،
وَبدَّعُوا، وَجَاءَ سَيْلٌ هدم سُورَ سِنجَار، وَغرَّق
خَلاَئِقَ، وَأَخَذَ بَابَ المَدِيْنَة، ثُمَّ ظهر تَحْتَ
الرملِ بَعْد سِنِيْنَ عَلَى مَسِيرَة بَرِيْد، وَسَلِمَ
مَوْلُوْدٌ فِي سَرِيْرِهِ عَامَ بِهِ، وَتَعَلَّق فِي
زَيْتونَةٍ.
وَفِيْهَا تَسَلَّطن السُّلْطَانُ مَحْمُوْدٌ بَعْدَ
أَبِيْهِ مُحَمَّد، وَأُنفقت خَزَائِنُ أَبِيْهِ فِي
العَسَاكِر، فَقِيْلَ:كَانَتْ أَحَدَ عشرَ أَلفَ أَلفِ
دِيْنَارٍ (2) .
وَتُوُفِّيَ المُسْتظهر بِاللهِ عَنْ سَبْعَة بَنِيْنَ،
وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُه المُسْترشد بِاللهِ (3) .
__________
(1) الكامل في التاريخ: 10 / 532.
(2) الكامل في التاريخ: 10 / 525.
(3) وصفه ابن الأثير في " الكامل ": 10 / 535 بلين الجانب،
وكرم الاخلاق، وحب اصطناع الناس، وفعل الخير، والمسارعة
إلى أعمال البر والمثوبات، وأنه لا يرد مكرمة تطلب منه،
وأنه كثير الوثوق بمن يوليه لا يصغي إلى سعاية ساع، ولا
يلتفت إلى قوله، وما عهد عليه تلون وانحلال عزم بأقوال
أصحاب الاغراض، وقال:
كانت أيامه أيام سرور للرعية، فكأنها من حسنها أعياد، وكان
إذا بلغه ذلك فرح به وسره، وإذا تعرض سلطان، أو نائب له
لاذى أحد، بالغ في إنكار ذلك والزجر عنه، وذكر له من شعره
قوله:
أذاب حر الهوى في القلب ما جمدا * لما مددت إلى رسم الوداع
يدا
وكيف أسلك نهج الاصطبار وقد * أرى طرائق في مهوى الهوى
قددا
قد أخلف الوعد بدر قد شغفت به * من بعد ما قد وفى دهري بما
وعدا
إن كنت أنقض عهد الحب في خلدي * من بعد هذا فلا عاينته
أبدا
(19/411)
وَبعدَه مَاتَتْ جَدَّتُه لأَبِيْهِ
أَرْجُوَانُ (1) الأَرمنِيَةُ، وَقَدْ رَأَتِ ابْنهَا
خَلِيْفَةً، وَابْنَ ابْنِهَا، وَابْنَ ابْنِ ابْنِهَا،
وَمَا اتَّفَقَ هَذَا لِسِوَاهَا.
237 - أَبُو القَاسِمِ الأَنْصَارِيُّ سَلْمَانُ بنُ
نَاصِرِ بنِ عِمْرَانَ *
إِمَامُ المُتَكَلِّمِين، سَيْفُ النَّظَر، سَلْمَانُ بنُ
نَاصر بن عِمْرَانَ النَّيْسَابُوْرِيّ، الصُّوْفِيّ،
الشَّافِعِيّ، تِلْمِيْذُ إِمَامِ الحَرَمَيْنِ.
رَوَى عَنْ:فَضلِ الله المِيهَنِي، وَعَبْدِ الغَافِرِ
الفَارِسِيّ، وَكَانَ يَتوَقَّدُ ذكَاءً، لَهُ تَصَانِيْفُ
وَشُهرَةٌ وَزُهْدٌ وَتعبُّدٌ، شرح كِتَاب(الإِرشَادِ
(2))وَغَيْر ذَلِكَ.
مَاتَ:سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة.
238 - صَاحِبُ إِفْرِيْقِيَةَ أَبُو طَاهِرٍ يَحْيَى بنُ
تَمِيمِ بنِ المُعِزِّ الحِمْيَرِيُّ **
الملكُ، أَبُو طَاهِرٍ يَحْيَى ابنُ الْملك تَمِيمِ بن
المُعزِّ بن بَادِيس الحِمْيَرِيّ،
__________
(1) في " المنتظم ": 9 / 200: أرجوان جارية الذخيرة أم
المقتدي بأمر الله تدعى قرة العين، كانت جارية أرمنية،
وكان لها بر ومعروف، وحجت ثلاث حجج، أدركت خلافة ابنها
المقتدي، وخلافة ابنه المسترشد، ورأت للمسترشد ولدا.
(*) السياق: الورقة: 72، تاريخ دمشق لابن عساكر: 7: 221 /
2 - 222 / 1، 12 / 179، ابن خلدون: 6 / 106، شذرات الذهب:
4 / 26.
وفيه 512، الوافي بالوفيات: م 13 / 107، مرآة الجنان: 3 /
203، طبقات السبكي: 7 / 96 - 99، طبقات الاسنوي: 1 / 64 -
65، طبقات المفسرين للسيوطي: 13، طبقات المفسرين للداوودي:
1 / 193 - 194، طبقات ابن هداية الله: 73، كشف الظنون: 1 /
68، 2 / 1212، شذرات الذهب: 4 / 34، تهذيب ابن عساكر: 6 /
213، 214.
(2) واسمه الكامل " الارشاد إلى قواطع الأدلة في أصول
الاعتقاد " تأليف شيخه أبي المعالي الجويني إمام الحرمين،
المتوفى سنة 478 ه، وقد تقدمت ترجمته برقم (240) في الثامن
عشر.
(* *) الكامل لابن الأثير: 10 / 512 - 513، وفيات الأعيان:
6 / 211 - 219، البيان المغرب: 1 / 304، تاريخ الإسلام: 4
/ 195 / 1 - 2، العبر: 4 / 19، تتمة =
(19/412)
قَامَ فِي المُلك بَعْد أَبِيْهِ، وَخلعَ
عَلَى قُوَّاده وَعَدَلَ، وَافتَتَحَ حُصُوْناً مَا قَدَرَ
أَبُوْهُ عَلَيْهَا، وَكَانَ عَالِماً، كَثِيْرَ
المُطَالَعَةِ، جَوَاداً مُمَدَّحاً، مُقرِّباً
لِلْعُلَمَاء، وَفِيْهِ يَقُوْلُ أَبُو الصَّلْتِ
أُمَيَّةُ الشَّاعِر (1) :
فَارْغَبْ بِنَفْسِكَ إِلاَّ عَنْ نَدَى وَوَغَى ...
فَالمَجْدُ أَجْمَعُ بَيْنَ البَأْسِ وَالجُودِ
كَدَأْبِ يَحْيَى الَّذِي أَحْيَتْ مَوَاهِبُهُ ... مَيْتَ
الرَّجَاءِ بِإِنْجَازِ المَوَاعِيدِ
مُعْطِي الصَّوَارِمِ وَالهِيْفِ النَّوَاعمِ وَالـ ...
ـجُرْدِ الصُّلاَدِمِ وَالبُزْلِ الجَلاَمِيدِ (2)
إِذَا بَدَا بِسَرِيرِ المُلْكِ مُحْتَبِياً ... رَأَيْتَ
يُوْسُفَ فِي مِحْرَابِ دَاوُدِ (3)
مَاتَ يَحْيَى:يَوْم النَّحْر فَجْأَةً، فَكَانَ مَوْتُهُ
وَسطَ النَّهَار، سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِ مائَة، فَكَانَتْ
دَوْلَتُهُ ثَمَانِيَ سِنِيْنَ، وَخلَّف لِصُلبِه
ثَلاَثِيْنَ ابْناً، فَتَمَلَّك مِنْهُم ابْنُهُ عليّ،
فَقَامَ سِتَّةَ أَعْوَام، وَمَاتَ فَملَّكُوا وَلده
الحَسَنَ بن عَلِيٍّ صَبِيّاً مُرَاهِقاً،
__________
= المختصر: 2 / 39، عيون التواريخ: 13 / 311 - 313، مرآة
الجنان: 3 / 198، البداية: 12 / 179، ابن خلدون: 6 / 106،
شذرات الذهب: 4 / 26.
(1) هو أبو الصلت أمية بن عبد العزيز الأندلسي الداني
المتوفى سنة 529 ه سترد ترجمته برقم (375) من هذا الجزء.
(2) الجرد: جمع أجرد، يقال: فرس أجرد: إذا كان قصير الشعر،
وقد جرد وانجرد وكذلك غيره من الحيوان، وذلك من علامات
العتق والكرم، والصلادم: الشديد، والبزل: جمع البازل وهو
البعير الذي فطر نابه، أي انشق، وذلك حين يبلغ التاسعة أو
الثامنة، والجلاميد: الابل القوية، وفي الوفيات: الجلاعيد.
(3) الابيات في " الوفيات ": 6 / 214، وزاد الابيات
التالية:
من أسرة تخذوا الماذي لبسهم * واستوطنوا صهوات الضمر القود
محسدون على أن لا نظير لهم * وهل رأيت عظيما غير محسود
وإن تكن جمعتكم أسرة كرمت * فليس في كل عود نفحة العود
أقول للراكب المزجي مطيته * يطوي بها الأرض من بيد إلى بيد
لا تترك الماء عدا في مشارعه * وتطلب الري من صم الجلاميد
هذي موارد يحيى غير ناضبة * وذا الطريق إليها غير مسدود
حكم سيوفك فيما أنت طالبه * فللسيوف قضاء غير مردود
(19/413)
فَامتدَّتْ أَيَّامُه، إِلَى أَنْ أَخذت
الفِرَنْج طَرَابُلُسَ المَغْرِب بِالسَّيْف، سَنَةَ
إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ، فَهَرَبَ الحَسَنَ مِنَ
المَهديَّةِ (1) هُوَ وَأَكْثَر أَهْلهَا، ثُمَّ انضمَّ
إِلَى السُّلْطَان عبد المُؤْمِن.
وَقَدْ وَقَفَ ليَحْيَى ثَلاَثَةُ غربَاء، وَزعمُوا
أَنَّهُم يَعملُوْنَ الكيمِيَاء، فَأَحضرَهُم لِيَتَفَرَّج
وَأَخلاَهُم، وَعِنْدَهُ قَائِدُ عَسْكَره إِبْرَاهِيْم،
وَالشَّرِيْف أَبُو الحَسَنِ، فَسلَّ أَحَدهُم سِكِّيناً،
وَضرب المَلِكَ، فَمَا صَنَعَ شَيْئاً، وَرَفَسَه الْملك
دَحرَجَهُ، وَدَخَلَ مَجْلِساً وَأَغلقه، وَقُتِلَ الآخِر
الشَّرِيْف، وَشدَّ إِبْرَاهِيْم بِسَيفِهِ عَلَيْهِم،
وَدَخَلَ المَمَالِيْكُ، وَقتلُوا الثَّلاَثَة، وَكَانُوا
باطنِيَة، أَظُنُّ الآمْر العبُيدي نَدَبَهُم لِذَلِكَ.
239 - الدَّرْزِيْجَانِيُّ أَبُو الفَضْلِ جَعْفَرُ بنُ
الحَسَنِ *
الإِمَامُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو الفَضْلِ جَعْفَرُ
بنُ الحَسَنِ الفَقِيْهُ، الحَنْبَلِيّ، المُقْرِئ،
صَاحِبُ القَاضِي أَبِي يَعْلَى.
سَمِعَ:مِنْهُ، وَمِنْ:أَبِي عَلِيٍّ بنِ البَنَّاء،
وَلَقَّن خلقاً كَثِيْراً، وَكَانَ قَوَّالاً بِالْحَقِّ،
أَمَّاراً بِالعُرف، كَبِيْرَ الشَّأْنِ، عَظِيْمَ
الهيبَة.
أَثْنَى عَلَيْهِ ابْنُ النَّجَّار، وَبَالَغَ فِي
تَعْظِيْمِهِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يَخْتِمُ كُلَّ
يَوْم فِي رَكْعَة وَاحِدَة، وَأَنَّهُ تَفَقَّهَ بِأَبِي
يَعْلَى.
__________
(1) المهدية: مدينة بساحل إفريقية بناها عبيد الله المهدي
الخارج على بني الأغلب، قال صاحب " الروض المعطار " ص:
562: وكان ابتداء بنيانها في سنة ثلاث مئة، وبينها وبين
القيروان ستون ميلا، وقد أحاط بها البحر من جهاتها الثلاث،
وإنما يدخل إليها من الجانب الغربي.
(*) تاريخ الإسلام: 4 / 178 / 1، ذيل طبقات الحنابلة: 1 /
110، شذرات الذهب: 4 / 15 - 16.
(19/414)
وَقَالَ أَحْمَدُ الجِيْلِيُّ:جَعْفَر ذُو
المقَامَاتَ المَشْهُوْرَة، وَالمَهِيبُ بِنُوْرِ
الإِيْمَان وَاليَقِينَ لَدَى المُلُوْك
وَالمُتَصَرِّفِيْن.
مَاتَ:فِي الصَّلاَةِ سَاجِداً، فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ،
فَدُفِنَ بدَاره بِدَرْزِيْجَانَ (1) - رَحِمَهُ اللهُ -
مِنْ سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْس مائَة.
240 - شَمْسُ الأَئِمَّةِ أَبُو الفَضْلِ بَكْرُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بن الفَضْلِ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الحَنَفِيَّةِ، مُفْتِي
بُخَارَى، شَمْسُ الأَئِمَّةِ، أَبُو الفَضْلِ بَكْر بن
مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بن الفَضْلِ الأَنْصَارِيّ،
الخَزْرَجِيّ، السَّلَمِيّ، الجَابِرِي، البُخَارِيّ،
الزَّرَنْجَرِي.
وَزَرَنْجَرُ:مِنْ قرَى بُخَارَى.
كَانَ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي حِفْظِ المَذْهَبِ،
قَالَ لِي الحَافِظُ أَبُو العَلاَءِ الفَرَضِيّ:كَانَ
الإِمَامَ عَلَى الإِطلاَق، وَالمَوفُودَ إِلَيْهِ مِنَ
الآفَاقِ، رَافَقَ فِي أَوّل أَمرِهِ برهَانَ الأَئِمَّة
المَاضِي عَبْد العَزِيْزِ بن مَازه، وَتَفَقَّهَا مَعاً
عَلَى شَمْس الأَئِمَّة مُحَمَّد بن أَبِي سَهْل
السَّرْخَسيّ.
مَوْلِده:سَنَة سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ،
وَتَفَقَّهَ أَيْضاً عَلَى شَمْس الأَئِمَّة عَبْدِ
__________
(1) درزيجان، بفتح الدال، وسكون الراء، وكسر الزاي: قرية
على ثلاثة فراسخ من بغداد، قال السمعاني: وهي من مشاهير
القرى، اجتزت بها منصرفي من البصرة.
(*) الأنساب: 6 / 270 - 271، التحبير: 1 / 136 - 139،
المنتظم: 9 / 200 - 201، معجم البلدان: 3 / 138، الكامل في
التاريخ: 10 / 545، تاريخ الإسلام: 4 / 205 / 2 - 206 / 1،
دول الإسلام: 2 / 39، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 350، مرآة
الزمان: 8 / 46، البداية: 12 / 183، الجواهر المضية 1 /
465 - 467، لسان الميزان: 2 / 58 - 59، النجوم الزاهرة: 5
/ 216 - 217، كتائب أعلام الاخيار رقم: 284، الطبقات
السنية: رقم: 573، كشف الظنون: 1 / 164، شذرات الذهب: 4 /
33 - 35، الفوائد البهية: 56.
(19/415)
العَزِيْز بن أَحْمَدَ الحَلْوَائِيّ (1) .
وَسَمِعَ:أَبَاهُ، وَعُمَرَ بنَ مَنْصُوْرِ بنِ خنْب،
وَالحَافِظ أَبَا مَسْعُوْد أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ
البَجَلِيّ، وَمَيْمُوْنَ بنَ عَلِيٍّ المَيْمُوْنِيّ،
وَأَبَا سهل أَحْمَد بنَ عَلِيٍّ الأَبِيْوَرْديَّ،
فَسَمِعَ مِنْهُ الصَّحِيح بِسمَاعِه مِنِ ابْنِ حَاجِبٍ
الكُشَانِي.
وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ:إِبْرَاهِيْم بن عَلِيٍّ
الطَّبَرِيّ، وَالحَافِظ يُوْسُفَ بنِ مَنْصُوْرٍ،
وَمُحَمَّدِ بن سُلَيْمَانَ الكَاخُسْتُوَانِي (2) .
وَتَفَرَّد، وَعَلاَ سَنَدُه (3) ، وَعَظُمَ قَدرُه،
حَتَّى كَانَ يُقَالُ لَهُ:أَبُو حَنِيفَة الأَصْغَرُ،
وَكَانَ يَدْرِي التَّارِيْخَ وَالأَنسَابَ، سَأَلُوْهُ
مرَّة عَنْ مَسْأَلَة غَرِيبَةٍ، فَقَالَ:كَرَّرتُ
عَلَيْهَا أَرْبَعَ مائَةِ مَرَّة (4) .
حَدَّثَ عَنْهُ:عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ طَاهِرٍ
الفَرْغَانِي، وَأَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ
__________
(1) بفتح الحاء وسكون اللام: نسبة إلى عمل الحلوى وبيعها،
وعبد العزيز هذا تقدمت ترجمته برقم (94) في الثامن عشر.
(2) كذا الأصل: الكاخستواني بالسين المهملة، وفي " الأنساب
" و" اللباب "، و" معجم البلدان " الكاخشتواني بالشين
المعجمة.
(3) في " التحبير ": 1 / 137: اشتغل بسماع الحديث في صغره،
وسمع الحديث الكثير، وتفرد بالرواية في وقته عن جماعة لم
يحدث عنهم سواه، وأملى الكثير، وكتبوا عنه...، كتب إلي
الاجازة في سنة ثمان وخمس مئة حصلها لي أبو عبد الله محمد
بن عبد الواحد الدقاق الحافظ، روى لي عنه جماعة كبيرة
بخراسان وما وراء النهر، وكانت عنده كتب عالية ما وقعت
إلينا إلا من روايته، قال صاحب " الجواهر المضية ": 1 /
172: فمن جملتها " الجامع الصحيح " للبخاري بروايته عن أبي
سهل الابيوردي سنة 446 ه، وكتاب " اللؤلؤيات " لأبي مطيع
النسفي بروايته عن أبي القاسم الميموني، عن أبي بكر أحمد
بن محمد البخاري الاسماعيلي المصنف.
(4) في " المنتظم ": 9 / 200، و" مرآة الزمان ": 8 / 46:
وسئل يوما عن مسألة، فقال: كررت هذه المسألة ليلة في برج
من حصن بخارى أربع مئة مرة، وفيهما أيضا: ومتى طلب المتفقه
منه الدرس ألقى عليه من أي موضع أراد من غير مطالعة، ولا
مراجعة لكتاب، وكان الفقهاء إذا أشكل عليهم شيء رجعوا
إليه، وحكموا بقوله ونقله.
(19/416)
مُحَمَّد الخُلْمِي (1) البَلْخِيّ،
وَمُحَمَّد بن يَعْقُوْبَ نَزِيْلُ سَرْخَس، وَعبدُ
الحَلِيْم بن مُحَمَّدٍ البُخَارِيّ، وَعِدَّة،
وَتَفَقَّهَ عَلَيْهِ وَلَدُه عُمَرُ، وَشَيخُ الإِسْلاَم،
برْهَان الدِّين عَلِيّ بن أَبِي بَكْرٍ الفَرْغَانِي،
وَطَائِفَة.
مَاتَ:فِي تَاسِعَ عَشَرَ شَعْبَان، سَنَةَ اثْنَتَيْ
عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة.
وَتُوُفِّيَ وَلَدُه العَلاَّمَة عمَادُ الدّين عُمَر:فِي
سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
241 - القَيْرَوَانِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ
عَتِيقِ بنِ مُحَمَّدٍ *
العَلاَّمَةُ، الأُصُوْلِي، شَيْخُ القُرَّاءِ، أَبُو
عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَتِيقِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
هِبَة اللهِ بنِ مَالِكٍ التَّمِيْمِيُّ،
القَيْرَوَانِيُّ، المَعْرُوف بِابْنِ أَبِي كُديَّة.
درس الكَلاَمَ بِالقَيْرَوَان عَلَى الحُسَيْنِ بنِ
حَاتِمٍ صَاحِبِ ابْنِ البَاقِلاَّنِيِّ.
وَسَمِعَ مِنِ:ابْنِ عَبْدِ البَرِّ، وَمِنَ القَاضِي
مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمَةَ القُضَاعِيِّ، وَتَلاَ
بِالروَايَات عَلَى أَبِي العَبَّاسِ بنِ نَفِيْسٍ،
وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ عَبدِ البَاقِي بنِ مُحَمَّدٍ
العَطَّارِ.
وَحَدَّثَ بِصُوْرَ، فَسَمِعَ مِنْهُ الفَقِيْه نَصْرٌ
المَقْدِسِيّ، وَرَوَى عَنْهُ:أَبُو عَامِرٍ العبدرِي،
وَعبد الحَقّ اليُوسفِي، وَالسِّلَفِيُّ، وَآخَرُوْنَ،
وَتَصدَّرَ لإِقْرَاء الأُصُوْلِ، وَكَانَ مُتَعَصِّباً
لِمَذْهَبِ الأَشْعَرِيِّ.
تَلاَ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَات أَبُو الْكَرم
الشَّهْرُزُورِي.
__________
(1) بضم الخاء وسكون اللام: نسبة إلى خلم: بلدة على عشرة
فراسخ من بلخ.
(*) طبقات القراء: 2 / 195 - 196، تاريخ الإسلام: 4 / 208
/ 1 - 2، معرفة القراء: 1 / 379، عيون التواريخ: 13 /
لوحة: 348 - 350، مرآة الزمان: 8 / 46 - 47، النجوم
الزاهرة: 5 / 217.
(19/417)
قَالَ ابْنُ عَقِيْلٍ:هُوَ شَيْخ هَشٌّ،
حَسَنُ العَارضَةِ، جَارِي العِبَارَةِ، حُفَظَةٌ
مُتَدَيِّنٌ صَلِفٌ، تَذَاكرنَا، فَرَأَيْتُهُ مَمْلُوْءاً
عِلْماً وَحِفظاً (1) .
قُلْتُ:تُوُفِّيَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ
عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة، عَنْ نَحْوٍ مِنْ تِسْعِيْنَ
سَنَةً.
وَقَالَ السِّلَفِيّ:كَانَ مُشَاراً إِلَيْهِ فِي
الكَلاَمِ، قَالَ لِي:أَنَا أَدْرُسُ الكَلاَمَ مِنْ
سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ، جَرَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
الحنَابلَة فِتَنٌ، وَأُوذِيَ غَايَةَ الإِيذَاءِ،
سَأَلتُهُ عَنْ مَسْأَلَةِ الاسْتِوَاءِ، فَقَالَ:أَحَدُ
الوَجهَيْنِ لِلأَشعرِي أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى مَا وَرد
وَلاَ يُفَسَّر.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ شَافعٍ:قَالَ ابْنُ نَاصرٍ
وَجَمَاعَةٌ:
كَانَ أَصْحَابُ القَيْرَوَانِيِّ يَشهدُوْنَ عَلَيْهِ
أَنَّهُ لاَ يُصَلِّي وَلاَ يَغْتَسِلُ مِنْ جنَابَة فِي
أَكْثَرِ أَحْوَاله، وَيُرمَى بِالفِسْقِ مَعَ المُرْدِ،
وَاشْتُهِرَ بِذَلِكَ، وَادَّعَى قِرَاءة القُرْآن عَلَى
ابْنِ نَفِيْس.
قُلْتُ:هَذَا كَلاَم بِهوَىً.
__________
(1) ونقل صاحب عيون التواريخ عن سبط ابن الجوزي في " مرآة
الزمان " أنه كان يحفظ كتاب سيبويه.
وقال الحافظ ابن عساكر في " تاريخه ": سمع يوما قائلا ينشد
قول أبي العلاء المعري:
ضحكنا وكان الضحك منا سفاهة * وحق لسكان البسيطة أن يبكوا
تحطمنا الايام حتى كأننا * زجاج ولكن لا يعاد لنا سبك
فقال ابن أبي كدية يجيبه:
كذبت وبيت الله حلفة صادق * سيسبكها بعد النوى من له الملك
وترجع أجسام صحاحا سليمة * تعارف في الفردوس ما عندنا شك
وانظر " عيون التواريخ ": 13 / 349، و" مرآة الزمان ": 8 /
46، 47.
(19/418)
242 - خُوْروَسْتَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ
بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، المُقْرِئُ الصَّالِحُ، بَقِيَّةُ
المَشْيَخَة، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ
مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنِ بنِ الحَارِثِ الأَصْبَهَانِيّ،
المُجَلّد، يُعرف بِخُوْروَسْتَ، وَيُكْنَى أَيْضاً أَبَا
الفَتْح.
وُلِدَ:فِي حُدُوْدِ سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ
وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ:أَبَا الحُسَيْنِ بنَ فَاذشَاه، وَأَبَا القَاسِمِ
عَبْدَ اللهِ بن مُحَمَّدٍ العَطَّار المُقْرِئ، وَأَبَا
بَكْرٍ بنَ رِيذه، وَأَحْمَدَ بنَ حَسَنِ بنِ فُوْرَكَ
الأَدِيْب، وَهَارُوْن بن مُحَمَّدٍ النَّانِي، وَعَبْد
الْملك بن الحُسَيْنِ بنِ عبد رَبّه، وَأَبَا طَاهِر بن
عَبْدِ الرَّحِيْمِ، وَعِدَّةٍ، وَعِنْدَهُ(المُسْتخرجُ
عَلَى صَحِيْح مُسْلِمٍ)لأَبِي الشَّيْخِ يَرْوِيْهِ عَنْ
أَبِي سَعِيْدٍ القُرقُوبِي (1) عَنْهُ،
وَعِنْدَهُ(مَغَازِي ابْنِ إِسْحَاقَ)سَمِعَهُ مِنِ ابْنِ
عَبْدِ الرَّحِيْمِ.
__________
(*) معجم شيوخ السمعاني الورقة: 216 / ب - 217 / أ،
التحبير: 2 / 140 - 142، تارخ الإسلام: 4 / 212 / 1،
العبر: 4 / 30، عيون التواريخ: 13 / لوحة: 366، شذرات
الذهب: 4 / 41.
(1) في الأصل القونوي وهو تحريف، والتصويب من " تاريخ
الإسلام " والقرقوبي بضم القافين: نسبة إلى قرقوب: بلدة
قريبة من الطيب بين واسط وكور الاهواز، وأبو سعيد هذا هو -
كما في " الأنساب ": 10 / 108 - الحسن بن علي بن سهلان
القرقوبي نزيل أصبهان من أهل الخير والصلاح، سمع عبد الله
بن محمد بن الصائغ، وعبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان
(بالياء وتصحف في المطبوع إلى حبان بالباء) وغيرهما، سمع
منه أبو محمد عبد العزيز بن محمد النخشبي، وذكره في " معجم
شيوخه " فقال: أبو سعيد القرقوبي نزيل أصبهان، شيخ صالح،
محب للسنة، سمع من أبي الشيخ كتابه المخرج على الصحيح،
ومات بأصبهان وأنا بها بعد، قبل أن أخرج منها يوم الجمعة
وقت الصلاة، السادس والعشرين من شعبان سنة أربع وثلاثين
وأربع مئة.
(2) في " التحبير ": 2 / 142: وكتاب المغازي لمحمد بن
إسحاق بن يسار عن أبي طاهر بن عبد الرحيم، عن أبي الشيخ،
عن محمد بن الحسين الطبركي، عن محمد بن =
(19/419)
حَدَّثَ عَنْهُ:الحَافِظُ أَبُو مُوْسَى،
وَالحَافِظُ أَبُو العَلاَءِ العَطَّار، وَأَبُو جَعْفَرٍ
مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ نَصْر الصَّيْدَلاَنِيّ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ (1) :كَانَ شَيْخاً
صَالِحاً يُلَقِّنُ الصِّبْيَانَ...، ثُمَّ سَرَدَ
شُيُوْخه.
مَاتَ:فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ
وَخَمْس مائَة، وَعَاشَ أَخُوْهُ أَبُو المُظَفَّرِ
أَحْمَدُ بَعْدَهُ سَنَوَاتٍ، وَشيخُهُ ابْنُ فُورك
مِمَّنْ سَمِعَ مِنَ الطَّبَرَانِيّ.
وَمَاتَ فِيْهَا:شَيْخُ الحنَابلَة أَبُو الوَفَاء عَلِيُّ
بن عَقِيْل (2) ، وَقَاضِي القُضَاة عَلِيّ ابْن قَاضِي
القُضَاة مُحَمَّد بن عَلِيٍّ الدَّامغَانِي، وَأَبُو
الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ السُّلَمِيّ ابْن
الموَازِينِي (3) ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ طرخَان
التُّركِي (4) ، وَالعَلاَّمَة أَبُو سَعْدٍ المُبَارَك بن
عَلِيٍّ المُخَرِّمِيّ الحَنْبَلِيّ (5) ، وَأَبُو عَبْدِ
اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عبد البَاقِي الدُّوْرِيّ (6) .
وَفِيْهَا كشفت الفِرَنْجُ عَنْ مَغَارَةِ الخَلِيْل -
عَلَيْهِ السَّلاَمُ - وَفَتَحُوا عَلَيْهِ، وَشُوهِدَ
هُوَ وَابْنُه إِسْحَاق وَحَفِيْدُهُ يَعْقُوْب لَمْ
يَبْلُوا، وَوُجِدَ عِنْدَهُم قَنَادِيْلُ الذَّهَبِ
وَالفِضَّةِ، نَقَلَهُ حَمْزَةُ بنُ أَسَدٍ (7)
فِي(تَارِيْخِهِ).
__________
= عيسى الدامغاني، عنه. وذكر له أيضا من رواياته كتاب "
المعجم الصغير " للطبراني، و" المواعظ " لأبي عبيد القاسم
بن سلام، و" التاريخ " لأبي بكر بن أبي شيبة، و" كتب النبي
صلى الله عليه وسلم " للطبراني، و" التوكل " لابن خزيمة.
(1) في التحبير: 2 / 141.
(2) سترد ترجمته برقم (259).
(3) سترد ترجمته برقم (257).
(4) سترد ترجمته برقم (245).
(5) سترد ترجمته برقم (249).
(6) سترد ترجمته برقم (248).
(7) حمزة بن أسد بن علي بن محمد التميمي المعروف بابن
القلانسي المتوفى سنة 555 ه. سترد ترجمته في الجزء العشرين
رقم (262) والنص في تاريخه ص 321.
(19/420)
243 - ابْنُ مُفَوَّزٍ أَبُو بَكْرٍ
مُحَمَّدُ بنُ حيدرَةَ المَعَافِرِيُّ *
الحَافِظُ، البَارعُ، المُجَوِّدُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ
بنُ حيدرَةَ بن مفوَّز بن أَحْمَدَ بنِ مفوَّز
المَعَافِرِيّ، الشَّاطبِي.
وُلِدَ:فِي عَام مَوْت أَبِي عُمَرَ بن عَبْد البَرِّ
سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَأَجَازَ
لَهُ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ بنُ الحَذَّاء، وَالقَاضِي
أَبُو الوَلِيْدِ البَاجِي.
وَسَمِعَ مِنْ:عَمّه طَاهِر بن مُفوَّز، وَأَبِي عَلِيٍّ
الجَيَّانِي، فَأَكْثَر، وَأَبِي مَرْوَانَ بنِ سِرَاجٍ،
وَمُحَمَّد بن الفَرَجِ الطلاَّعِي، وَخَلَفَ شَيْخه أَبَا
عَلِيٍّ فِي حَلْقَتِهِ.
وَلَهُ رَدٌّ عَلَى ابْنِ حَزْمٍ (1) ، وَكَانَ حَافِظاً
لِلْحَدِيْثِ، وَعِلله، عَالِماً بِالرِّجَالِ، مُتْقِناً
أَدِيباً شَاعِراً (2) ، فَصِيْحاً نَبِيلاً، أَسْمَعَ
النَّاسَ بِقُرْطُبَةَ، وَفجئه المَوْتُ قَبْل أَوَانِ
الرِّوَايَة (3) ، وَعَاشَ نَيِّفاً وَأَرْبَعِيْنَ
سَنَةً.
تُوُفِّيَ:سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِ مائَة.
__________
(*) الصلة: 2 / 567، 568، مختصر طبقات علماء الحديث:
الورقة: 225، تاريخ الإسلام: 4 / ؟ 17 / 1، تذكرة الحفاظ:
4 / 1255، طبقات الحفاظ، ص: 456.
(1) وصفه ابن عبد الهادي في " مختصر طبقات علماء الحديث "
الورقة 225: بأنه رد حسن، وقال: كتبته، وهو يدل على تبحره
وإمامته.
(2) وفي ابن حزم يقول كما في " نفح الطيب ": 2 / 84 و375:
يا من تعاني أمورا لن تعانيها * خل التعاني وأعط القوس
باريها
تروي الأحاديث عن كل مسامحة * وإنما لمعانيها معانيها
(3) في الصلة: 2 / 568: وأسمع الناس بالمسجد الجامع
بقرطبة، وأخذوا عنه، ولم يزل مفيدا لهم إلى أن توفي في
ربيع الآخر سنة خمس وخمس مئة، ودفن بالربض.
(19/421)
244 - ابْنُ حَمْدِيْنَ مُحَمَّدُ بنُ
عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ *
العَلاَّمَةُ، قَاضِي الجَمَاعَةِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ
مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ
العَزِيْزِ بنِ حَمْدِيْنَ الأَنْدَلُسِيّ، المَالِكِيُّ،
صَاحِبُ فُنُوْنٍ وَمَعَارِفَ وَتَصَانِيفَ.
وَلِيَ القَضَاءَ ليُوْسُفَ بنِ تَاشفِيْن الْملك، فَسَارَ
أَحْسَنَ سِيرَةٍ، وَحَمَلَ عَنْ أَبِيْهِ.
رَوَى عَنْهُ:القَاضِي عِيَاضٌ وَعظَّمه، وَقَالَ:
تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِ مائَة، وَلِيَ قَضَاءَ
قُرْطُبَة، وَلَهُ إِجَازَةٌ مِنْ أَبِي عُمَرَ بن عَبْد
البَرِّ، وَأَبِي العَبَّاسِ بن دِلْهَاث، وَتَفَقَّهَ
بِأَبِيْهِ، وَبِمُحَمَّدِ بنِ عَتَّابٍ، وَحَاتِمِ بنِ
مُحَمَّدٍ، وَكَانَ ذَكِيّاً، بارعاً فِي العِلْمِ،
مُتَفنِّناً أُصُوْلياً، لُغويّاً، شَاعِراً (1) ،
حَمِيْدَ الأَحكَامِ.
مَاتَ:فِي المُحَرَّمِ، لِثَلاَثٍ بَقِيْنَ مِنْهُ، عَنْ
تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
وَكَانَ يَحُطُّ عَلَى الإِمَامِ أَبِي حَامِدٍ فِي
طَرِيقَة التَّصَوُّفِ، وَأَلَّف فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ.
__________
(*) الصلة لابن بشكوال: 2 / 570، تاريخ الإسلام: 4 / 191 /
1، نفح الطيب: 3 / 537، 539، الغنية: 116، 117.
(1) في " نفح الطيب ": 4 / 76: وقال أبوعمران بن سعيد:
أخبرني والدي أنه زار ابن حمدين بقرطبة في مدة يحيى بن
غانية، قال: فوجدته في هالة من العلماء والأدباء، فقام
وتلقاني، ثم قال: يا أبا عبد الله ما هذا الجفاء ؟ فاعتذرت
بأني أخشى التثقيل، وأعلم أن سيدي مشغول بما هو مكب عليه،
فأطرق قليلا، ثم قال: لو كنت تهوانا طلبت لقاءنا * ليس
المحب عن الحبيب بصابر فدع المعاذر إنما هو جنة * لمخادع
فيها ولست بعاذر فقلت: تصديق سيدي عندي أحب إلي وإن ترتبت
علي فيه الملامة من منازعته منتصرا لحقي، فاستحسن جوابي،
وقال لي: كرره فإنه والله ماح لكل ذنب...
(19/422)
245 - مُحَمَّدُ بنُ طَرَخَانَ بنِ
بَلْتكِيْنَ بنِ مُبَارِزِ بن بُجْكَمَ *
الإِمَامُ، الفَاضِلُ، المُحَدِّثُ المُتْقِنُ،
النَّحْوِيُّ، أَبُو بَكْرٍ التُّركِي، البَغْدَادِيّ.
سَمِعَ:أَبَا جَعْفَرٍ بن المُسْلِمَة، وَعبدَ الصَّمدِ بن
المَأْمُوْن، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الصرِيفِيْنِي، وَأَبَا
الحُسَيْنِ بن الغرِيق، وَابْن النَّقُّوْرِ، وَمَنْ
بَعْدَهُم، وَصَحِبَ الحُمَيْدِيّ وَلاَزمه.
وَكَتَبَ بِخطِّه الكَثِيْرَ، وَسَمِعَ
كِتَاب(الإِكمَال)مِنَ الأَمِيْرِ أَبِي نَصْرٍ،
وَتَفَقَّهَ عَلَى الشَّيْخ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَخَذَ
الكَلاَمَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ القَيْرَوَانِي،
وَكَانَ يُورِّق لِلنَّاسِ، وَخَطُّه جَيِّدٌ مُعرب،
وَكَانَ ذَا حَظٍّ مِنْ تَأَلُّه وَعِبَادَة وَأَورَاد،
وَزُهْدٍ وَصدق، يُذْكَرُ بِإِجَابَة الدعوَة.
حَدَّثَ عَنْهُ:القَاضِي أَبُو بَكْرٍ بنُ العربِي،
وَعَبدُ الجَلِيْل كُوتَاهُ (1) ، وَأَبُو طَاهِرٍ
السِّلَفِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ:ابْنُ نَاصر (2) .
تُوُفِّيَ:فِي ثَامنَ عَشَرَ صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلاَثَ
عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة، عَنْ سَبْع وَسِتِّيْنَ سَنَةً،
وَكَانَ يَفْهَمُ وَيَحْفَظُ - رَحِمَهُ اللهُ - .
246 - ابْنُ صَابِرٍ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ **
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، مُفِيدُ دِمَشْقَ، أَبُو
مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ بنِ
__________
(*) المنتظم: 9 / 215، تاريخ الإسلام: 4 / 211 / 2، العبر:
4 / 30، الوافي بالوفيات: 3 / 169 - 170، عيون التواريخ:
13 / لوحة: 366، طبقات الشافعية للسبكي: 6 / 106، 107،
شذرات الذهب: 4 / 41.
(1) في الأصل: كوباه بالباء الموحدة وهو تصحيف، وكوتاه لفظ
فارسي معناه: القصير، وسترد ترجمته في الجزء العشرين برقم
(223).
(2) في " المنتظم ": 9 / 215: وروى عنه أشياخنا، ووثقوه.
(* *) تاريخ دمشق لابن عساكر، تاريخ الإسلام: 4 / 201 / 1.
(19/423)
عَلِيّ بن صَابِرٍ السُّلَمِيّ،
الدِّمَشْقِيّ، المَعْرُوفُ بِابْنِ سَيِّده.
سَمِعَ:أَبَا القَاسِمِ بن أَبِي العَلاَءِ
المَصِّيْصِيِّ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ أَبِي
الحَدِيدِ، وَالفَقِيْه نصراً، وَطَبَقَتَهُم.
وَعَنْهُ:السِّلَفِيّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، وَابْنُهُ أَبُو
المَعَالِي عَبْدُ اللهِ بنُ صَابِرٍ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِر:سَمِعْنَا بِقِرَاءتِهِ الكَثِيْرَ،
وَكَانَ ثِقَةً مُتحرزاً، عَاشَ خَمْسِيْنَ سَنَةً،
تُوُفِّيَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْس
مائَة.
وَقَالَ السِّلَفِيُّ:بَخيلٌ بِالإِفَادَة، وَكَانَ
جَسَداً مُلِئَ حَسَداً.
247 - ابْنُ القُشَيْرِيِّ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ عَبْدِ
الكَرِيْمِ بنِ هَوَازِن *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُفَسِّرُ، العَلاَّمَة، أَبُو
نَصْرٍ عَبْد الرَّحِيْمِ ابْنُ الإِمَامِ شَيْخِ
الصُّوْفِيَّةِ أَبِي القَاسِمِ عَبدِ الكَرِيْمِ بنِ
هَوَازِنَ القُشَيْرِيّ، النَّيْسَابُوْرِيّ، النَّحْوِيّ،
المُتَكَلِّم، وَهُوَ الوَلَدُ الرَّابع مِنْ أَوْلاَد
الشَّيْخ.
اعْتَنَى بِهِ أَبُوْهُ، وَأَسْمَعَهُ، وَأَقرَأَه حَتَّى
بَرَعَ فِي العَرَبِيَّة وَالنَّظم وَالنَّثر
وَالتَّأْوِيْل، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ بِأَسرعِ خطّ،
وَكَانَ أَحَدَ الأَذكيَاءِ، لاَزم إِمَامَ
__________
(*) السياق: الورقة: 45 ب، وذكره صاحب الأنساب في كتابه:
10 / 156، تبيين كذب المفتري: 308، المنتظم: 9 / 220 -
221، تاريخ ابن الأثير: 10 / 587، طبقات ابن الصلاح:
الورقة: 59 / 1، وفيات الأعيان: 3 / 207 - 208 مع ترجمة
أبيه، تاريخ الإسلام: 4 / 214 / 2، 215 / 1، العبر: 4 /
33، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 158 - 159، تتمة
المختصر: 2 / 45، فوات الوفيات: 2 / 310 - 312، عيون
التواريخ: 13 / الورقة: 387 - 389، مرآة الجنان: 3 / 210،
طبقات السبكي: 7 / 159 - 166، طبقات الاسنوي: 2 / 302 -
303، البداية: 12 / 187 وفيه ابن عبد الكبير، طبقات ابن
قاضي شهبة: 30 / 1، طبقات المفسرين للداوودي: 1 / 291 -
293، طبقات ابن هداية الله: 73، شذرات الذهب: 4 / 45،
إيضاح المكنون: 2 / 606، هدية العارفين: 1 / 559.
(19/424)
الحَرَمَيْنِ، وَحصل طرِيقَة المَذْهَب
وَالخلاَف، وَسَاد، وَعَظُمَ قَدْرُهُ، وَاشْتُهِرَ
ذِكْرُهُ.
وَحَجَّ، فَوَعَظ بِبَغْدَادَ، وَبَالَغَ فِي التَّعَصُّبِ
لِلأَشَاعِرَة (1) ، وَالغضِّ مِنَ الحنَابلَةِ، فَقَامَتِ
الفِتْنَةُ عَلَى سَاقٍ، وَاشتَدَّ الخطبُ، وَشَمَّرَ
لِذَلِكَ أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الصُّوْفِيّ
عَنْ سَاق الجدّ، وَبَلغَ الأَمْرُ إِلَى السَّيْفِ،
وَاختَبَطَتْ بَغْدَادُ، وَظَهَرَ مُبَادرُ البَلاَء،
ثُمَّ حَجَّ ثَانِياً، وَجَلَسَ، وَالفِتْنَةُ تَغلِي
مَرَاجِلُهَا، وَكَتَبَ وُلاَةُ الأَمْرِ إِلَى نِظَامِ
المُلك لِيَطلُبَ أَبَا نَصْرٍ بنَ القُشَيْرِيِّ إِلَى
الحضرَةِ إِطفَاءً لِلنَّائِرَةِ، فَلَمَّا وَفَدَ
عَلَيْهِ، أَكرمه وَعَظَّمه، وَأَشَارَ عَلَيْهِ
بِالرُّجُوْعِ إِلَى نَيْسَابُوْرَ، فَرَجَعَ، وَلَزِمَ
الطَّرِيْقَ المُسْتَقِيمَ، ثُمَّ نُدِبَ إِلَى الوَعظِ
وَالتَّدرِيسِ، فَأَجَابَ، ثُمَّ فَتَرَ أَمرُه، وَضَعُفَ
بَدَنُه، وَأَصَابَهُ فَالِج، فَاعْتُقِلَ لِسَانُه إِلاَّ
عَنِ الذِّكر نَحْواً مِنْ شهر، وَمَاتَ.
سَمِعَ:أَبَا حَفْصٍ بنَ مَسْرُوْر، وَأَبَا عُثْمَانَ
الصَّابونِي، وَعبدَ الغَافِر الفَارِسِيّ، وَأَبَا
الحُسَيْنِ بن النَّقُّوْرِ، وَسَعْدَ بن عَلِيٍّ
الزَّنجَانِي، وَأَبَا القَاسِمِ المهروَانِي، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ:سِبْطُهُ أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ
عُمَرَ بنِ الصَّفَّار، وَأَبُو الفُتُوْح الطَّائِيّ،
وَخطيبُ المَوْصِل أَبُو الفَضْلِ الطُّوْسِيّ، وَعبدُ
الصَّمد بن عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيّ، وَعِدَّة.
وَبِالإِجَازَة:أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَأَبُو
سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ.
__________
(1) وهو القائل كما في " طبقات السبكي ": 7 / 163:
شيئان من يعذلني فيهما * فهو على التحقيق مني بري
حب أبي بكر إمام التقى * ثم اعتقادي مذهب الأشعري
(19/425)
ذكره عَبْد الغَافِرِ فِي(سيَاقه (1))،
فَقَالَ:هُوَ زَينُ الإِسْلاَم أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ
الرَّحِيْمِ، إِمَامُ الأَئِمَّة، وَحَبْرُ الأُمَّة،
وَبحرُ العُلُوْم، وَصَدْرُ القُروم، أَشْبَههُم
بِأَبِيْهِ خلقاً، حَتَّى كَأَنَّهُ شُقَّ مِنْهُ شَقاً،
كَمُلَ فِي النَّظم (2) وَالنَّثر، وَحَاز فِيْهِمَا
قَصَبَ السَّبق، ثُمَّ لَزِمَ إِمَام الحَرَمَيْنِ،
فَأَحكم المَذْهَبَ وَالأُصُوْل وَالخلاَفَ، وَلاَزمه
يَقْتَدِي بِهِ، ثُمَّ خَرَجَ حَاجّاً، وَرَأَى أَهْلُ
بَغْدَادَ فَضلَه وَكمَالَه، وَوجد مِنَ الْقبُول مَا لَمْ
يُعْهَدْ لأَحدٍ، وَحضر مَجْلِسَه الخَوَاصُّ، وَأَطبقُوا
عَلَى أَنَّهُم مَا رَأَوْا مِثْلَه فِي تَبحره...، إِلَى
أَنْ قَالَ:
وَبلغ الأَمْرُ فِي التَّعصُّب لَهُ مَبْلَغاً كَادَ أَنْ
يُؤَدِّي إِلَى الفِتْنَة (3) .
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو بنُ الصَّلاَح (4) :قَالَ شيخنَا
أَبُو بَكْرٍ القَاسِم بن الصَّفَّار:
وُلِدَ أَبِي أَبُو سَعْدٍ سَنَة ثَمَانٍ وَخَمْسِ مائَة،
وَسَمِعَ مِنْ جَدِّه وَهُوَ ابْنُ أَرْبَع سِنِيْنَ أَوْ
أَزْيَد، وَالعجبُ أَنَّهُ كتب بِخَطِّهِ الطَّبَقَة،
وَحَيِي إِلَى سَنَةِ سِتّ مائَة.
مَاتَ أَبُو نَصْرٍ:فِي الثَّامن وَالعِشْرِيْنَ مِنْ
جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ
مائَة، فِي عَشْرِ الثَّمَانِيْنَ.
__________
(1) الورقة: 45 / ب.
(2) ومن نظمه قوله:
ليالي وصال قد مضين كأنها * لآلي عقود في نحور الكواعب
وأيام هجر أعقبتها كأنها * بياض مشيب في سواد الذوائب
(3) وقد تعرض لشئ من أخبار هذه الفتنة ابن الجوزي في "
المنتظم ": 9 / 3، 4، و221، وفي " تبيين كذب المفتري " ص:
310 - 317 محضر بخط بعض أصحاب الامام أبي نصر هذا، وفيه
خطوط كبار أئمة المذهب الشافعي ببغداد في ذلك العهد بتصحيح
مقاله، وموافقته في اعتقاده، على الوجه المذكور فيه،
فانظره.
(4) في طبقاته: الورقة: 59 / 1.
(19/426)
248 - الدُّوْرِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الثِّقَةُ، الصَّالِحُ، المُسْنِدُ،
أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي بنِ
مُحَمَّدِ بنِ يُسر الدُّوْرِيّ، ثُمَّ البَغْدَادِيّ،
السِّمْسَار.
وُلِدَ:سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ:أَبَا بَكْرٍ بنَ بِشْرَان، وَأَبَا طَالب
العُشَارِي، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، وَطَائِفَة.
حَدَّثَ عَنْهُ:أَبُو عَامِرٍ العَبْدَرِي، وَابْنُ نَاصر،
وَالسِّلَفِيّ، وَالصَّائِنُ هِبَةُ اللهِ، وَذَاكرُ بن
كَامِلٍ، وَعِدَّةٌ.
وَبِالإِجَازَة:عبدُ المُنْعِم بن كُلَيْبٍ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ:كَانَ شَيْخاً
صَالِحاً ثِقَةً خَيراً.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ:هُوَ مُحَمَّدُ بنُ عبد البَاقِي
بن مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الْيُسْر.
قُلْتُ:تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ
وَخَمْسِ مائَة.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ:ابْنُ عَقِيْلٍ الحَنْبَلِيّ (1) ،
وَقَاضِي القُضَاة عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بن
الدَّامغَانِي، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ الموَازِينِي
(2) ، وَمُحَمَّد بن طَرخَان (3) ، وَمُحَمَّد بنُ عَبْدِ
اللهِ خُوروست (4) ، وَأَبُو سَعْدٍ المُبَارَك بن عَلِيٍّ
المُخَرِّمِيّ الحَنْبَلِيّ.
__________
(*) تاريخ الإسلام: 4 / 212 / 1، العبر: 4 / 31، عيون
التواريخ: 13 / 366 - 367، شذرات الذهب: 4 / 41.
(1) سترد ترجمته برقم (259).
(2) سترد ترجمته برقم (257).
(3) تقدمت ترجمته برقم (245).
(4) تقدمت ترجمته برقم (242).
(19/427)
249 - المُخَرِّمِيّ أَبُو سَعْدٍ
المُبَارَكُ بنُ عَلِيٍّ *
العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الحنَابلَة، أَبُو سَعْدٍ
المُبَارَكُ بنُ عَلِيٍّ المُخَرِّمِيّ (1) ،
البَغْدَادِيّ.
تَفقَّه بِالقَاضِي أَبِي يَعْلَى، ثُمَّ بِأَبِي جَعْفَرٍ
بنِ أَبِي مُوْسَى، وَيَعْقُوْب بن سُطورَا البَرْزبينِي،
وَلاَزمهُمَا حَتَّى سَاد، وَبَنَى مدرسَةً بِبَابِ
الأَزَج، درَّس بَعْدَهُ بِهَا تِلْمِيْذُه الشَّيْخُ
عَبْدُ القَادِرِ وَكبَّرهَا (2) .
وَكَانَ نَزهاً عَفِيْفاً، نَاب فِي القَضَاءِ، وَحَصَّل
كُتُباً عَظِيْمَةً، وَفتحت عَلَيْهِ الدُّنْيَا، وَبَنَى
دَاراً وَحَمَّاماً وَبُستَاناً.
وَحَدَّثَ عَنْ:أَبِي جَعْفَرٍ بن المُسْلِمَة، وَأَبِي
الغنَائِمِ بنِ المَأْمُوْنِ، وَتَفَقَّهَ بِهِ خلق.
رَوَى عَنْهُ:المُبَارَكُ بنُ كَامِلٍ.
مَاتَ:فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ
مائَة، وَقَدْ شَاخَ.
250 - الأَشْقَرُ أَبُو مَنْصُوْرٍ مَحْمُوْدُ بنُ
إِسْمَاعِيْلَ بن مُحَمَّد **
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، الثِّقَةُ، أَبُو مَنْصُوْرٍ
مَحْمُوْدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
__________
(*) طبقات الحنابلة: 2 / 258 - 259، المنتظم: 9 / 215،
تاريخ الإسلام: 4 / 212 / 2، العبر: 4 / 31، مرآة الزمان:
8 / 54، البداية: 12 / 185، ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 166 -
171، شذرات الذهب: 4 / 40 - 41.
(1) المخرمي، بكسر الراء: نسبة إلى المخرم: محلة بشرقي
بغداد نزلها بعض ولد يزيد ابن المخرم فسميت به.
(2) في " ذيل الطبقات ": 2 / 167: والمدرسة المذكورة التي
بناها: هي المنسوبة الآن إلى تلميذه الشيخ عبد القادر
الجيلي الحنبلي، لأنه وسعها وسكن بها، فعرفت به.
(* *) التحبير: 2 / 275 - 277، مشيخة ابن عساكر: 236 / 2،
التقييد: 199 / 2 - =
(19/428)
مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ
الأَصْبَهَانِيُّ، الصَّيْرَفِيُّ، الأَشْقَرُ، رَاوِي
كِتَاب(المُعْجَمِ الكَبِيْرِ (1))لِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ
أَبِي الحُسَيْنِ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ فَاذشَاه.
وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ:أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ
اللهِ بنِ شَاذَانَ الأَعْرَجِ.
حَدَّثَ عَنْهُ:إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ فِي
كِتَابِ(التَّرْغِيْبِ)، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ،
وَأَبُو العَلاَءِ الهَمْدَانِيُّ، وَأَبُو مُوْسَى
المَدِيْنِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ
المَهَّادُ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ
الطَّرَسُوسِيُّ، وَمُحَمَّد بن أَبِي زَيْدٍ الكَرَّانِيّ
الخَبَّازُ، وَبَالحُضُوْرِ أَبُو جَعْفَرٍ
الصَّيْدَلاَنِيّ، وَهُوَ مَحْمُوْدُ بن أَبِي العَلاَءِ.
__________
= 200 / 1، تاريخ الإسلام: 4 / 216 / 1، العبر: 4 / 34،
عيون التواريخ: 13 / 390، النجوم الزاهرة: 5 / 221، شذرات
الذهب: 4 / 46.
(1) وفي آخر المجلد الأول من معجم الطبراني الكبير الموجود
في دار الكتب الظاهرية بدمشق سماع للمعجم، وهذا نصه: بلغ
من أول الكتاب سماعا على الشيخ الصالح أبي رشيد حبيب بن
إبراهيم بن عبد الله بن يعقوب الصوفي حاطه الله بحق سماعه
عن الشيخ أبي منصور محمود بن إسماعيل بن محمد الاشقر
الصيرفي وقد نقل من أصل سماعه، وعورض به عن أبي الحسين
أحمد بن محمد بن الحسين بن فاذشاه، عن مصنفه الامام الكبير
سيف السنة أبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير
اللخمي الطبراني الحافظ رحمهم اله بقراءة صاحبه الامام
الحافظ الورع المتقن تقي الدين، ضياء السنة، جمال الإسلام،
زين المحدثين، نادرة الزمان أبي محمد عبد الغني بن عبد
الله بن أحمد بن علي بن سرور المقدسي الحنبلي، أكثر الله
في أهل العلم أمثاله، وجزاه خيرا: الفتى العفيف أبو المطهر
محمد بن أبي المطهر بن أحمد الخباز، وأخوه من قبل الام أبو
القاسم جامع بن أحمد بن محمد المديني، ومحمد بن علي بن
محمد بن علي اللنجالي حضر، وأبو الخير عبيد الله ابن محمد
بن أبي الخير القاضي، وأبو الكرم محمد بن أبي رشيد بن أبي
القاسم بن محمد الأنصاري السكري، ومحمد بن محمد بن محمد بن
غانم بن أبي زيد المقرئ محرر السماع، ومثبت أسامي القوم،
وصح لهم ذلك ببلد أهل السنة أصبهان بمجالس آخرها في صفر
سنة خمس وسبعين وخمس مئة، جعلهم الله تعالى من الصالحين
بحق النبي محمد وآله وصحبه عليه الصلاة والسلام.
وللمترجم مسموعات كثيرة غير المعجم ذكرها السمعاني في "
التحبير ": 2 / 276. فانظرها.
(19/429)
مَوْلِدُهُ:فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ
إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَمَاتَ - عَلَى مَا أَرَّخَهُ أَبُو مُوْسَى - :فِي ذِي
القَعْدَةِ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
قَالَ السِّلَفِيّ:كَانَ رَجُلاً صَالِحاً، لَهُ اتِّصَال
بِبَنِي مَنْدَه، وَبإِفَادَتِهِم سَمِعَ الحَدِيْث.
وَفِيْهَا مَاتَ:أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ
بنِ عَلِيِّ بنِ البُخَارِيّ، وَهُوَ المُبَخِّر أَخُو
هِبَة اللهِ، وَمُقْرِئ الثَّغْرِ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَن
بن خَلَف بن بَلِّيمَة القروِي، وَرَئِيْس البُلغَاء
مُؤيَّد الدّين أَبُو إِسْمَاعِيْلَ بنُ عَلِيٍّ
الطُّغْرَائِي الأَصْبَهَانِيّ (1) ، وَالحَافِظُ أَبُو
عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة الصَّدفِي، وَأَبُو نَصْرٍ عَبْدُ
الرَّحِيْمِ بن أَبِي القَاسِمِ القُشَيْرِيّ (2) ،
وَمُقْرِئ المرِيَّة أَبُو الحَسَنِ بنُ شفِيع،
وَالمُسْنِدُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ
الموَازِينِي (3) ، وَأَبُو نَصْرٍ المُعَمَّرُ بن
مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ البيِّع، وَقَاضِي سَمَرْقَنْد
العَلاَّمَة أَبُو بَكْرٍ مَحْمُوْد بن مَسْعُوْدٍ
الشُّعيبِي.
251 - أَبُو عَلِيٍّ بنُ المَهْدِيِّ مُحَمَّدُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الخَطِيْبُ، الثِّقَةُ،
الشَّرِيْفُ، أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ ابْنُ الشَّيْخِ
أَبِي الفَضْلِ مُحَمَّد بن عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ
العَبَّاسِ بنِ المَهْدِيِّ بِاللهِ الهَاشِمِيّ،
البَغْدَادِيّ، الحَرِيْمِيّ.
__________
(1) سترد ترجمته برقم (262).
(2) تقدمت ترجمته برقم (247).
(3) سترد ترجمته برقم (256).
(*) المنتظم: 9 / 230 - 231، تاريخ الإسلام: 4 / 221 / 2،
العبر: 4 / 35، الوافي بالوفيات: 1 / 166، مرآة الزمان: 8
/ 61، النجوم الزاهرة: 5 / 222، شذرات الذهب: 4 / 48.
(19/430)
سَمِعَ:أَبَاهُ، وَأَبَا طَالبِ بنَ
غَيْلاَنَ، وَعبيدَ الله بنَ شَاهِيْن، وَأَبَا الحَسَنِ
أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ العَتِيْقِيّ، وَأَبَا إِسْحَاقَ
البَرْمَكِيّ، وَأَبَا القَاسِمِ التَّنُوْخِي، وَعِدَّة.
وَكَانَ ثِقَةً مُكْثِراً معمَّراً.
رَوَى عَنْهُ:السِّلَفِيّ، وَأَبُو العَلاَءِ العَطَّار،
وَابْنُ نَاصر، وَدَهْبَلُ بنُ كَاره، وَأَخُوْهُ لاَحِق،
وَأَحْمَد بن مَوْهُوْبِ بنِ السَّدنك، وَأَخُوْهُ
يَحْيَى، وَذَاكرُ بنُ كَامِلٍ، وَالمُبَارَكُ بن
الْمَعْطُوشِ، وَآخَرُوْنَ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ
عَنْ أَبِي مَنْصُوْرٍ مُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ
السَّوَّاق، وَتَفَرَّد بِإِجَازَة مُحَمَّد بن عبد
الوَاحِد بن رِزمَة.
مَوْلِدُهُ:سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ.
قَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ:ثِقَةٌ صَالِحٌ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّار:ثِقَةٌ نَبِيل مِنْ ظِرَاف
البَغْدَادِيِّيْنَ.
قَالَ الأَنْمَاطِيّ:دَخَلت عَلَيْهِ، فَقَالَ:اليَوْمَ
كَانَ عِنْدِي رَسُوْلاَنِ مِنْ رسل مَلَك المَوْتِ.
فَتَبَسَّمتُ، وَقُلْتُ:كَيْفَ؟
قَالَ:جَاءَ جَمَاعَةٌ حَتَّى أشْهدتُهُم عَلَى شهَادَةٍ
عِنْدِي، وَجَاءَ المُحَدِّثُونَ لِيَسْمَعُوا مِنِّي
حَتَّى يَروُوا (1) عَنِّي.
ثُمَّ قَالَ:دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الحُسَيْنِ بن
الْمُهْتَدي بِاللهِ، وَاتَّفَقَ لَهُ مِثْل هَذَا،
فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ.
قَالَ الأَنْمَاطِيّ:تُوُفِّيَ لَيْلَةَ السَّبْتِ، سَادسَ
عَشرَ شَوَّالٍ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنْ شُهُودِ القَائِمِ بِأَمرِ
اللهِ.
__________
(1) في الأصل يروون بإثبات النون، وقد كتب فوقها " كذا "
والجادة ما أثبت.
(19/431)
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ:مُسْنِدُ الوَقْت
أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّاد بِأَصْبَهَانَ (1) ، وَأَمِيْرُ
الجُيُوْش الأَفْضَلُ ابْن أَمِيْر الجُيُوْش بدر
الجمَالِي (2) ، وَالوَزِيْرُ أَبُو طَالِبٍ عَلِيُّ بنُ
حَرْبٍ السُّمَيْرمِي، وَأَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ
جَعْفَرِ بنِ القطَاع اللُّغَوِيّ، وَهزَارسب بن عوض
الهَرَوِيّ المُحَدِّث.
252 - السُّمَيْرمِي أَبُو طَالِبٍ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ
بنِ عَلِيٍّ *
الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو طَالِبٍ عَلِيُّ بنُ
أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ السُّمَيْرمِي (3) ، وَزِيْرُ
السُّلْطَانِ مَحْمُوْد السَّلْجُوْقِي، صَدْرٌ مُعظَّمٌ،
كَبِيْرُ الشَّأْنِ، شَدِيدُ الوَطْأَة، ذُو عَسْفٍ
وَظُلْمٍ، وَسُوءِ سِيرَة، وَقَفَ مدرسَةً بِأَصْبَهَانَ،
وَعَمِلَ بِهَا خِزَانَةَ كتبٍ نَفِيْسَةٍ، وَكَانَ
يَقُوْلُ:قَدِ اسْتحييت مِنْ كَثْرَةِ الظُّلم وَالتَّعدي،
وَلَمَّا عزم علَى السَّفَر، أَخَذَ الطَّالع (4) ، وَركب
فِي مَوْكِب عَظِيْم، وَبَيْنَ يَدَيْهِ عِدَّةٌ
بِالسُّيوف وَالحرَاب وَالدَّبَابيس.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار:فَمَرَّ بِمضيقٍ، وَتَقدَّمه
الكُلُّ، وَبَقِيَ منفرداً، فَوَثَبَ عَلَيْهِ باطنِي مِنْ
دكَة، فَضَرَبَه بِسكين، فَوَقَعت فِي البَغْلَة،
وَهَرَبَ، فَتبعه كُلُّ الأَعْوَان، فَوَثَبَ
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (193).
(2) تقدمت ترجمته برقم (294).
(*) المنتظم: 9 / 239، الكامل في التاريخ: 10 / 601 - 602،
تاريخ الإسلام: 4 / 225 / 1، العبر: 4 / 38، عيون
التواريخ: 13 / 404 - 405، مرآة الزمان: 8 / 66، البداية:
12 / 191، شذرات الذهب: 4 / 50.
(3) السميرمي: بضم السين المهملة، وفتح الميم، وسكون الياء
المثناة من تحتها وبعدها راء ثم ميم - نسبة إلى سميرم بلدة
بين أصبهان وشيراز، وهي آخر حدود أصبهان. وقد تحرف في "
مرآة الزمان " 8 / 66 إلى " السميرقي ".
(4) وكان المنجمون الخراصون يأخذون له الطالع ليخرج
فقالوا: هذا وقت جيد، وإن تأخرت يفت طالع السعد، فأسرج
وركب، وأراد أن يأكل طعاما، فمنعوه لاجل الطالع، فقتل ولم
ينفعه قولهم. " الكامل في التاريخ ": 10 / 601.
(19/432)
عَلَيْهِ آخَرُ، فَيَضربه (1) فِي خَاصرته،
وَجَذَبه رمَاهُ عَنِ البَغْلَة إِلَى الأَرْضِ وَجرحه فِي
أَمَاكن، فَرد الأَعْوَان، فَوَثَبَ اثْنَانِ
فَحَملاَهُمَا وَالقَاتِلُ عَلَيْهِم، فَانْهَزَم الجَمعُ،
وَبَقِيَ الوَزِيْر، فَكرَّ قَاتِلُه، وَجرَّه،
وَالوَزِيْر يَسْتَعطِفُه وَيَتضرع لَهُ، فَمَا أَقلع
حَتَّى ذبحه، وَهُوَ يُكبِّر وَيَصيح:أَنَا مُسْلِم
موحِّد، فَقُتِلَ هُوَ وَالثَّلاَثَة، وَحُمِلَ الوَزِيْر
إِلَى دَار أَخِيْهِ النَّصِيْر، ثُمَّ دُفِنَ، وَذَلِكَ
فِي سلخ صَفَرٍ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة (2)
.
وَقِيْلَ:إِنَّ الَّذِي قَتله عَبْدٌ كَانَ لِلمُؤيد
الطُّغْرَائِي (3) وَزِيْرِ السُّلْطَان مَسْعُوْد،
فَإِنَّ السُّمَيْرمِي قَتَلَ أُسْتَاذَه ظلماً، وَنبزه
بِأَنَّهُ فَاسِد الاعتقَاد (4) ، وَكُلُّ قَاتِلَ
مَقْتُول.
253 - ابْنُ القَطَّاعِ أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ
جَعْفَرِ بنِ عَلِيٍّ *
العَلاَّمَةُ، شَيْخُ اللُّغَة، أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ
بنُ جَعْفَرِ بنِ عَلِيٍّ السَّعْدِيّ،
__________
(1) في تاريخ الإسلام: فضربه.
(2) قال ابن كثير في " البداية ": 12 / 191: ورجع نساؤه
بعد أن ذهبن بين يديه على مراكب الذهب حاسرات عن وجوههن قد
أبدلهن الله الذل بعد العز، والخوف بعد الامن، والحزن بعد
السرور، والفرح جزاء وفاقا، وما أشبه حالهن بقول أبي
العتاهية في الخيرزان وجواريها حين مات المهدي.
رحن في الوشـ * ي عليهن المسوح
كل بطاح من النا * س له يوم يطوح
لتموتن ولو عمر * ت ما عمر نوح
فعلى نفسك نح إن * كنت لا بد تنوح
(3) هو العميد فخر الكتاب أبو إسماعيل الحسين بن علي بن
محمد بن عبد الصمد الملقب مؤيد الدين الأصبهاني المقتول
سنة 514 ه، وسترد ترجمته برقم (262).
(4) انظر " وفيات الأعيان ": 2 / 190، و" مرآة الزمان ": 8
/ 66.
(*) معجم الأدباء: 12 / 279 - 283، إنباه الرواة: 2 / 236،
وفيات الأعيان: 3 / 322 - 324، المختصر في أخبار البشر: 2
/ 247، تاريخ الإسلام: 4 / 220 / 1، العبر: 4 / 35، تتمة
المختصر: 2 / 50، الوافي بالوفيات: م 12 / 18، مرآة
الجنان: =
(19/433)
الصَّقَلِي (1) ، ابْن القطَّاع، نَزِيْلُ
مِصْر، وَمُصَنِّف كِتَاب(الأَفعَال)، وَمَا أَغْزَر
فَوَائِدَه (2) ! وَلَهُ كِتَاب(أَبنِيَة الأَسْمَاء)،
وَلَهُ مُؤلَّفٌ فِي العَروض، وَكِتَاب فِي أَخْبَار
الشُّعَرَاء (3) .
أَخَذَ بصَقَلّيَة عَنِ ابْنِ البِرِّ (4) اللُّغَوِيّ
وَغَيْرهِ، وَأَحكم النَّحْو، وَتَحوَّل مِنْ صَقَلِّية،
ثُمَّ اسْتولت النَّصَارَى عَلَيْهَا بَعْدَ السِّتِّيْنَ
وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فَاحتفل المِصْرِيّون لِقدومه
وَصُدُوْره، وَسَمِعُوا مِنْهُ(صِحَاحَ)الجَوْهَرِيّ،
وَلَمْ يَكُنْ بِالمُتْقِن لِلرِّوَايَةِ (5) ، وَلَهُ
نَظْمٌ جَيِّد (6) وَفضَائِل.
__________
= 13 / 212، 213، البداية: 12 / 188، لسان الميزان: 4 /
209، حسن المحاضرة: 1 / 532 - 533، بغية الوعاة: 2 / 153 -
154، شذرات الذهب: 4 / 45، 46.
(1) بفتح الصاد والقاف هكذا ضبطها شيخ المترجم النحوي
الكبير ابن البر فيما نقله عنه ابن دحية في " المطرب ": ص
59، وقال: هكذا عربتها العرب، واسمها باللسان الرومي: سيكه
بكسر السين وفتح الكاف، وسكون الهاء، وكيليه بكسر الكاف
واللام وتشديد الياء وسكون الهاء، وتفسير هاتين: التين
والزيتون...، وكان فتح صقلية في سنة 212 ه.
(2) هذب فيه أفعال ابن القوطية وأفعال بن طريف وغيرهما،
قال ابن خلكان:
3 / 323: أحسن فيه كل الاحسان، وهو أجود من " الافعال "
لابن القوطية، وإن كان ذلك سبقه إليه، وقال عن كتاب "
أبنية الأسماء " جمع فيه فأوعب وفيه دلالة على كثرة
اطلاعه.
(3) واسمه " الدرة الخطيرة في المختار من شعراء الجزيرة "
وهو خاص بتراجم شعراء جزيرة صقلية، وقد بقيت منه نقول
متفرقة في المصادر.
(4) هو أبو بكر محمد بن علي بن الحسن التميمي من أكبر
علماء اللغة والنحو بصقلية.
أنظر " بغية الوعاة " 1 / 178، وإنباه الرواة.
(5) قال الصلاح الصفدي: وكان نقاد المصريين ينسبونه إلى
التساهل في الرواية، وذلك أنه لما قدم مصر سألوه عن
الصحاح، فذكر أنه لم يصل إليهم، ثم إنه لما رأى اشتغالهم
به ركب له إسنادا، وأخذه الناس عنه، مقلدين له.
وله عليه حواش نفيسة اعتمد عليها أبو محمد بن بري المصري
فيما تكلم عليه من حواشي الصحاح.
قلت: وقد نثر معظمها ابن منظور في " لسان العرب ".
(6) من ذلك قوله في غلام اسمه حمزة:
يا من رمى النار في فؤادي * وأنبط العين بالبكاء =
(19/434)
تُوُفِّيَ:سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ
مائَة، عَنِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
254 - إِيلغَازِي نَجْمُ الدِّيْنِ بنُ أَرتُق بن أَكسَبَ
التّركمَانِي *
الْملك، نَجْمُ الدِّيْنِ ابْنُ الأَمِيْرِ أَرتُق بن
أَكسب التّركمَانِي، صَاحِبُ مَاردين، كَانَ هُوَ
وَأَخُوْهُ الأَمِيْرُ سُقمَان مِنْ أُمَرَاءِ تَاج
الدَّوْلَة تُتُش صَاحِبِ الشَّام، فَأَقطعهُمَا القُدْسَ،
وَجَرَتْ لَهُمَا سِيَرٌ، ثُمَّ اسْتولَى إِيلغَازِي عَلَى
مَاردين.
وَكَانَ ذَا شجَاعَةٍ، وَرَأْي، وَهَيْبَة وَصِيت، حَارب
الفِرَنْجَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَأَخَذَ حلبَ بَعْدَ أَوْلاَد
رضوَان بن تُتُش، وَاسْتَوْلَى عَلَى مَيَّافَارِقين
وَغَيْرهَا قَبْلَ مَوْته بِسَنَةٍ، ثُمَّ سَارَ منجداً
لأَهْل تَفْلِيْسَ (1) هُوَ وَزوجُ بِنْته ملكُ الْعَرَب
دُبيس الأَسَدِيّ، وَانضمَّ إِلَيهُمَا طُغَان صَاحِبُ
أَرزن، وَطغرِيل أَخُو السُّلْطَان مَحْمُوْد
السَّلْجُوْقِي، وَسَارُوا عَلَى غَيْر تَعبِئَة، فَانحدر
عَلَيْهِم دَاوُدُ طَاغِيَةُ الكُرْجِ (2) ، فَكبسهُم،
فَهَزمهُم، وَنَازل اللعينُ تَفلَيْسَ وَأَخَذَهَا
__________
= اسمك تصحيفه بقلبي * وفي ثناياك برء دائي
اردد سلامي فإن نفسي * لم يبق منها سوى الذماء
وارفق بصب أتى ذليلا * قد مزج اليأس بالرجاء
أنهكه في الهوى التجني * فصار في رقة الهواء
(*) الكامل في التاريخ: 10 / 604 و592 و531 وانظر الفهرس،
تاريخ الإسلام: 4 / 222 / 1، دول الإسلام: 2 / 43، العبر:
4 / 36، تتمة المختصر: 2 / 50، عيون التواريخ: 13 / 416،
مرآة الزمان: 8 / 56 و63، النجوم الزاهرة: 5 / 223، شذرات
الذهب: 4 / 48.
(1) تفليس: بلد في أول حدود أرمينية، وهي قصبة ناحية جرزان
قرب باب الابواب، افتتحها المسلمون في أيام عثمان رضي الله
عنه، ولم تزل بأيديهم إلى سنة 515 ه.
(2) قال ياقوت: الكرج: جيل من الناس نصارى كانوا يسكنون في
جبال القبق فقويت شوكتهم حتى ملكوا مدينة تفليس، ولهم
ولاية تنسب إليهم وملك ولغة برأسها وشوكة وقوة وكثرة عدد.
(19/435)
بِالسَّيْفِ، وَبدَّع، ثُمَّ جَعَلهُم
رَعِيَةً لَهُ، وَعدل وَمكَّنهُم مِنْ شِعَار الإِسْلاَم،
وَأَمر أَنْ لاَ يُذبح فِيْهَا خِنْزِيْرٌ، وَبَقِيَ
يَجِيْء وَيسَمِعُ الخطبَة، وَيُعْطِي الخَطِيْبَ
وَالمُؤذِّنِيْنَ الذّهبَ، وَعَمَّر رُبطاً لِلصَّوَفَةِ،
وَكَانَ جَوَاداً مُحترماً لِلمُسْلِمِين.
وَأَمَّا إِيلغَازِي، فَتُوُفِّيَ فِي رَمَضَانَ،
بِمَيَّافَارقين، سَنَة سِتَّ عَشْرَةَ، فَهَذَا أَوَّلُ
مَنْ تَملَّك مَاردين، وَاسْتمرت فِي يَدِ ذُرِّيَته إِلَى
السَّاعَة، فَأَخَذَ مَيَّافَارقين ابْنُهُ شَمْسُ
الدَّوْلَة سُلَيْمَان، وَاسْتَوْلَى ابْنه حُسَام الدّين
تَمرتَاش عَلَى مَارْدِين، وَاسْتَوْلَى عَلَى حلب ابْنُ
أَخِيْهِ الأَمِيْرُ سُلَيْمَانُ بن عَبْد الجَبَّارِ بن
أَرْتُق، إِلَى أَنْ أَخَذَهَا مِنْهُ ابْنُ عَمِّهِ بلَك
بن بَهْرَامَ.
وَقَالَ سِبْطُ ابْنِ الجَوْزِيّ:تُوُفِّيَ إِيلغَازِي
سَنَة خَمْسَ عَشْرَةَ (1) ، وَكَانَ تَحْتَه بِنْتُ
صَاحِب دِمَشْق طُغْتِكِين، وَتَزَوَّجَ ابْنُه
سُلَيْمَانُ بِبنتِ صَاحِب الرُّوْم، فَمَاتَ سَنَةَ
ثَمَانِي عَشْرَةَ، فَتسلَّم تَمرتَاش مَيَّافَارِقِيْنَ.
255 - الحِنَّائِيُّ أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ
الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، الثِّقَةُ، أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ
بنُ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ
الحِنَّائِي، الدِّمَشْقِيّ، مِنْ أَهْلِ بَيْت حَدِيْثٍ
وَعَدَالَةٍ، وَسُنَّةٍ وَصدق.
سَمِعَ:أَبَاهُ أَبَا القَاسِمِ الحِنَّائِي، وَأَبَا
الحُسَيْنِ مُحَمَّدَ ابنَ العَفِيْف عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بن أَبِي نَصْرٍ، وَأَخَاهُ أَبَا عَلِيٍّ أَحْمَدَ،
وَمُحَمَّدَ بن يَحْيَى بنِ
__________
(1) ذكره سبط ابن الجوزي في " المرآة ": 8 / 63 فيمن توفي
سنة 516 ه، وهذا هو المعتمد عنده، ثم ذكر بصيغة التمريض
أنه مات سنة 515 ه.
(*) الأنساب: 4 / 245، تاريخ الإسلام: 4 / 198 / 1، العبر:
4 / 21 - 22، وذكره المؤلف في تذكرة الحفاظ: 4 / 1262،
شذرات الذهب: 4 / 29.
(19/436)
سُلْوَان، وَمُحَمَّد بن عبد الوَاحِد
الدَّارِمِيّ، وَابْن سختَام، وَأَبَا عَلِيٍّ
الأَهْوَازِيّ، وَرشَأَ بن نَظيف، وَمُحَمَّدَ بنَ عبد
السَّلام بن سعدَان، وَالحَسَنَ بنَ عَلِيِّ بنِ شوَاش،
وَعِدَّة، وَتَفَرَّد بِأَجزَاء كَثِيْرَة.
حَدَّثَ عَنْهُ:السِّلَفِيّ، وَالصَّائِن بنُ عَسَاكِرَ،
وَأَخُوْهُ الحَافِظُ، وَالخَضِر بن شِبْل الحَارِثِيّ،
وَأَبُو طَاهِرٍ بنُ الحصنِي، وَالخَضِرُ بن طَاوُوْس،
وَالفَضْلُ بن البَانِيَاسِيِّ، وَأَبُو المَعَالِي بنُ
صَابر، وَآخَرُوْنَ.
وَاعْتَنَى بِهِ وَالِدُه، وَأَوَّلُ سَمَاعِه كَانَ فِي
سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَلَهُ
سِتّ سِنِيْنَ.
مَاتَ:فِي ثَالِث جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ عَشْرٍ
وَخَمْسِ مائَة، وَلَهُ سَبْعٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
256 - ابْنُ المَوَازِينِيِّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ
الحَسَنِ بنِ الحُسَيْنِ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُسْنِدُ، المُقْرِئُ، الثِّقَةُ،
شَيْخُ دِمَشْق، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ
الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ السُّلَمِيّ، الدِّمَشْقِيّ، ابْنُ
الموَازِينِي.
مَوْلِدُهُ:فِي رَجَب، سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ
مائَةٍ.
وَسَمِعَ:أَبَا عَلِيٍّ أَحْمَد، وَأَبَا الحُسَيْنِ
مُحَمَّداً:ابْنَيْ عَبْد الرَّحْمَنِ بن أَبِي نَصْرٍ،
وَرشَأَ بن نَظيف، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ سُلْوَانَ،
وَمُحَمَّد بن عَبْدِ السَّلام بن سعدَان، وَأَبَا
القَاسِمِ بنَ الفُرَاتِ، وَأَبَا عَلِيٍّ الأَهْوَازِيّ،
وَعَبْد اللهِ بن عَلِيِّ بنِ أَبِي عَقيل، وَعِدَّةً،
وَتَفَرَّد وَعلاَ إِسْنَادُه.
__________
(*) تاريخ الإسلام: 4 / 215 / 2، دول الإسلام: 4 / 42،
العبر: 4 / 33، النجوم الزاهرة: 5 / 221، شذرات الذهب: 4 /
46.
(19/437)
حَدَّثَ عَنْهُ:السِّلَفِيُّ، وَمُحَمَّدُ
بنُ حَمْزَةَ، وَأَبُو القَاسِمِ ابنُ عَسَاكِرَ،
وَحَفِيْدُه أَحْمَد بن حَمْزَةَ بن الموَازِينِي،
وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بن نَصْرٍ النَّجَّار، وَعبدُ
الرَّحْمَن بن عَلِيِّ بنِ الخرقِي، وَالفَضْلُ بن
الحُسَيْنِ البَانِيَاسِيّ، وَخَلْق.
قَالَ السِّلَفِيّ:كَانَ حَسَنَ الأَخلاَقِ، مَرضِيَّ
الطّرِيقَةِ، شُيُوْخُه هُم شُيُوْخُ أَبِي طَاهِر
الحِنَّائِي، سَمِعَا مَعاً الكَثِيْرَ.
وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِر:شَيْخٌ مَسْتُوْر ثِقَة، حَافظٌ
لِلْقُرْآن، سَمِعْتُ مِنْهُ أَجزَاءً يَسِيْرَة.
مَاتَ:سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
أَخُوْهُ:
257 - مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ أَبُو الفَضْلِ ابْنُ
المَوَازِينِيِّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الفَرَضِيّ، الفَقِيْهُ، العَابِدُ،
أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ ابْن الموَازِينِي.
سَمِعَ:ابْنَ سُلْوَان، وَأَبَا القَاسِمِ بن الفُرَاتِ،
وَأَبَا الحُسَيْنِ مُحَمَّد بن مَكِّيّ، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ:السِّلَفِيّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ،
وَالفَضْلُ بن البَانِيَاسِيّ، وَجَمَاعَة.
وُلِدَ:سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَمَاتَ:فِي رَجَب، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ
مائَة.
__________
(*) تاريخ الإسلام: 4 / 211 / 2، العبر: 4 / 30، عيون
التواريخ: 13 / 366، شذرات الذهب: 4 / 41.
(19/438)
258 - البَغَوِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ
الحُسَيْن بن مَسْعُوْدِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، القُدْوَةُ،
الحَافِظُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، مُحْيِي السُّنَّة، أَبُو
مُحَمَّدٍ الحُسَيْن بن مَسْعُوْدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
الفَرَّاء البَغَوِيّ، الشَّافِعِيّ، المُفَسِّرُ، صَاحِبُ
التَّصَانِيْفِ، كَـ(شرح السُّنَّةِ (1))وَ(مَعَالِم
__________
(*) التحبير: 1 / 213 - 214، الاستدراك: 57 / 2 - 58 / 1،
وفيات الأعيان: 2 / 136 - 137، المختصر في أخبار البشر: 2
/ 240، تاريخ الإسلام: 4 / 222 / 2 - 223 / 1، دول
الإسلام: 2 / 43، العبر: 4 / 37، تذكرة الحفاظ: 4 / 1257 -
1259، الوافي بالوفيات: 13 / 26، عيون التواريخ: 13 / 327
- 328، مرآة الجنان: 3 / 213، طبقات السبكي: 7 / 75 - 80،
طبقات الاسنوي: 1 / 205 - 206، البداية: 12 / 193، النجوم
الزاهرة: 5 / 223، 224، مفتاح السعادة: 1 / 435، 2 / 18،
طبقات المفسرين للسيوطي: 12 - 13، طبقات الحفاظ: 400 وفيه
الحسين بن محمد بن مسعود، طبقات المفسرين للداوودي: 1 /
157 - 159، طبقات ابن هداية الله: 74، أسماء الرجال لابن
هداية الله: 65 / 1، كشف الظنون: 195، 517، 1697، شذرات
الذهب: 4 / 48 - 49، روضات الجنات: 246 - 248، تهذيب تاريخ
ابن عساكر: 4 / 348 ذكره استطرادا في ترجمة الحسين بن علي
البغوي، مقدمة شرح السنة: 1 / 19 - 31، " البغوي ومنهجه في
التفسير " للسيدة الفاضلة عفاف عبد الغفور حميد، تولى نشره
دار الفرقان 1982، دائرة المعارف الإسلامية: 4 / 27.
(1) قال شعيب - كان الله له -: وهو كتاب عظيم في بابه لا
يستغني عنه طالب علم، فإنه من أجل كتب السنة التي انتهت
إلينا من تراث السلف ترتيبا وتنقيحا، وتوثقا وإحكاما،
وإحاطة بجوانب ما ألف فيه، وأنشئ من أجله، وهو يبين عن سعة
اطلاع مؤلفه رحمه الله على الحديث الشريف ونقلته، ودرايته
بالروايات وعللها، ومعرفة مذاهب الصحابة والتابعين، وأئمة
الأمصار والمجتهدين، ولا أعلم كتابا من كتب السنة يغني
غناءه، وكان من توفيق الله علي أن قمت بتحقيقه، ومقابلة
أصوله، والتقديم له، وتخريج أحاديثه، والابانة عن درجة كل
حديث مما لم يرد في " الصحيحين " أو في أحدهما، وشرح ما
أغفله المصنف من الغريب، وتنقيد المسائل التي يظن أنه أخطأ
فيها، وتقوية بعض الآراء التي يعرض لها بأدلة لم ترد عنده،
وغير ذلك من الفوائد بحيث ضاعفت حجم الكتاب، وقد تم طبع
خمسة أجزاء منه في دمشق سنة 1391 ه، ثم طبعت بعد ذلك بقية
الاجزاء، وهي تسعة بدمشق سنة 1399 ه، والنية متجهة إن شاء
الله تعالى إلى إعادة نشره بمزيد من التحقيق والتخريج،
وجمال الاخراج.
(19/439)
التَّنْزِيل (1))وَ(المصَابيح (2))،
وَكِتَاب(التَّهْذِيب (3))فِي المَذْهَب، وَ(الْجمع بَيْنَ
الصَّحِيْحَيْنِ)، وَ(الأَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً)،
وَأَشيَاء.
تَفقَّه عَلَى شَيْخِ الشَّافعيَة القَاضِي حُسَيْن بن
مُحَمَّدٍ المَرْوَرُّوْذِيّ صَاحِب(التَّعليقَةِ)قَبْل
السِّتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْهُ، وَمِنْ:أَبِي عُمَرَ عبد الوَاحِد بن
أَحْمَدَ المَلِيْحِي، وَأَبِي الحَسَنِ مُحَمَّد بن
مُحَمَّدٍ الشِّيرزِي، وَجَمَالِ الإِسْلاَمِ أَبِي
الحَسَنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدٍ الدَّاوُودِيّ،
وَيَعْقُوْبَ بنِ أَحْمَدَ الصَّيْرَفِيّ، وَأَبِي
الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ يُوْسُفَ الجُوَيْنِيّ، وَأَبِي
الفَضْلِ زِيَادِ بن مُحَمَّدٍ الحَنَفِيّ، وَأَحْمَدَ بنِ
أَبِي نَصْرٍ الكُوَفَانِي، وَحَسَّان المَنِيْعِيّ،
وَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الهَيْثَمِ
التُّرَابِي، وَعِدَّةٍ.
وَعَامَّةُ سَمَاعَاته فِي حُدُوْدِ السِّتِّيْنَ
وَأَرْبَعِ مائَةٍ،
__________
(1) في التفسير، وهو تفسير متوسط جامع لاقاويل السلف في
تفسير الآي، محلى بالاحاديث النبوية التي جاءت على وفاق
آية، أو بيان حكم، وقد تجنب فيه إيراد كل ما ليس له صلة
بالتفسير، وقد سئل شيخ الإسلام رحمه الله كما في " الفتاوي
": 2 / 193، فقال: وأما التفاسير الثلاثة المسؤول عنها،
فأسلمها من البدعة والأحاديث الضعيفة البغوي.
وقد طبع أكثر من مرة، وجميع طبعاته لا تخلو من تحريف
وتصحيف وسوء إخراج، وهو جدير بأن يعنى به، ويطبع طبعة
علمية محررة موثقة تيسر الانتفاع به، والإفادة منه.
(2) جمع فيه طائفة من الأحاديث مما أورده الأئمة في كتبهم
محذوفة الأسانيد، وقسمها إلى صحاح وحسان، وعني بالصحاح ما
أخرجه الشيخان أو أحدهما، وبالحسان ما أخرجه أصحاب السنن.
طبع عدة طبعات، وقد اعتمده الخطيب التبريزي، وزاد عليه،
وهذبه في كتابه " مشكاة المصابيح ".
(3) وهو تأليف محرر مهذب، مجرد من الأدلة غالبا، لخصه من
تعليقة شيخه القاضي حسين، وزاد فيه، ونقص، وهو مشهور
متداول عند الشافعية يفيدون منه، وينقلون عنه، ويعتمدونه
في كثير من المسائل، والامام النووي رحمه يكثر النقل عنه
في " روضة الطالبين " الذي حققته مع زميلي الفاضل الشيخ
عبد القادر الأرنؤوط، وقد صدر في اثني عشر مجلدا، وكتاب
التهذيب يقع في أربع مجلدات ضخام يوجد منه المجلد الرابع
في ظاهرية دمشق تحت رقم (292) فقه شافعي يرجع تاريخ نسخه
إلى سنة 599 ه.
(19/440)
وَمَا علمتُ أَنَّهُ حَجَّ.
حَدَّثَ عَنْهُ:أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَسْعَد
العطَّارِي عُرِفَ بِحفدَة، وَأَبُو الفُتُوْح مُحَمَّدُ
بنُ مُحَمَّدٍ الطَّائِيّ، وَجَمَاعَةٌ.
وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ:أَبُو
المَكَارِمِ فَضلُ الله بن مُحَمَّدٍ النَّوقَانِي،
الَّذِي عَاشَ إِلَى سَنَةِ سِتّ مائَة، وَأَجَازَ
لِشيخنَا الفَخْرِ بنِ عَلِيٍّ البُخَارِيّ (1) .
وَكَانَ البَغَوِيُّ يُلَقَّبُ بِمُحْيِي السُّنَّةِ
وَبِرُكْنِ الدِّين، وَكَانَ سَيِّداً إِمَاماً، عَالِماً
علاَّمَة، زَاهِداً قَانِعاً بِاليَسِيْرِ، كَانَ يَأْكُلُ
الْخبز وَحْدَه، فَعُذِلَ فِي ذَلِكَ، فَصَارَ يَأْتَدِمُ
بزَيْت، وَكَانَ أَبُوْهُ يَعمل الفِرَاء وَيبيعُهَا،
بُورِكَ لَهُ فِي تَصَانِيْفه، وَرُزِقَ فِيْهَا القبولَ
التَّام، لِحُسن قَصده، وَصِدق نِيَّتِه، وَتنَافس
العُلَمَاءُ فِي تَحصيلهَا، وَكَانَ لاَ يُلقِي الدّرسَ
إِلاَّ عَلَى طهَارَةٍ، وَكَانَ مقتصداً فِي لِبَاسه، لَهُ
ثَوْب خَام، وَعِمَامَةٌ صغِيرَة عَلَى مِنْهَاج السَّلَف
حَالاً وَعقداً، وَلَهُ القدمُ الرَّاسخ فِي التَّفْسِيْر،
وَالبَاعُ الْمَدِيد فِي الفِقْه (2) - رَحِمَهُ اللهُ - .
__________
(1) هو علي بن أحمد بن عبد الواحد بن أحمد الامام العابد
مسند العصر فخر الدين أبو الحسن المقدسي الصالحاني
الحنبلي، ترجم له المؤلف في " مشيخته ": الورقة: 94، وأرخ
وفاته سنة 690 ه.
(2) البغوي رحمه الله نشأ شافعي المذهب بحكم البيئة التي
عاش فيها والعلماء الذين التقى بهم، وأخذ عنهم، وكانت له
يد مشكورة في المذهب الشافعي، فقد ألف فيه كتابه " التهذيب
" نحى فيه منحى أهل الترجيح والاختيار والتصحيح إلا أنه
رحمه الله لم يكن يتعصب لامامه، ولا يندد بغيره، بل كان
ينظر في جميع المذاهب وآراء الأئمة، ويطلع على حججهم
ودلائلهم، ويأخذ غالبا في كل باب ما يراه أبلغ في الحجة،
وأوفق للنصح على أنه حين استوت له المعرفة، وبلغ مرحلة
النضج، كان يدعو إلى الاعتصام بالكتاب والسنة اللذين هما
أصل الدين، وملاكه، وإليهما المرجع في المسائل الشرعية،
ويؤلف في نشر علومهما، وبث معارفهما، وإحياء مآثرهما
التآليف النافعة الماتعة حتى استحق بحق لقب " محيي السنة "
من أهل عصره وممن جاء بعده.
(19/441)
تُوُفِّيَ:بِمَرْو الرُّوذ (1) - مدينَةٍ
مِنْ مَدَائِن خُرَاسَانَ - فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ سِتَّ
عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة، وَدُفِنَ بِجنب شَيْخه القَاضِي
حُسَيْن، وَعَاشَ بِضْعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً - رَحِمَهُ
اللهُ - .
وَمَاتَ أَخُوْهُ العَلاَّمَةُ المُفْتِي أَبُو عَلِيٍّ
الحَسَنُ بن مَسْعُوْدِ بنِ الفَرَّاء سَنَة تِسْعٍ
وَعِشْرِيْنَ، وَلَهُ إِحْدَى وَسَبْعُوْنَ سَنَةً، رَوَى
عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ خَلَفٍ الأَدِيْبِ وَجَمَاعَة.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الأَدِيْب، وَعبدُ
الخَالِق بن عُلْوَانَ القَاضِي، وَأَحْمَدُ بن مُحَمَّدِ
بنِ سَعْدٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بن عَمِيْرَةَ، وَأَحْمَدُ
بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ القُدَامِي، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الصُّوْرِيّ، وَخَدِيْجَةُ بِنْتُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ (2) ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ بَهْرَامَ
الصُّوْفِيّ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ
مائَةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَسْعَد الفَقِيْه
سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا
مُحْيِي السُّنَّة حُسَيْنُ بن مَسْعُوْدٍ، أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرزِي، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ
بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ
عَبْدِ الصَّمد، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ،
عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ،
__________
(1) وتعرف بمرو الصغرى تمييزا لها عن مرو الشاهجان التي
تقع على بعد (160) ميلا عنها، وهي تقع على نهر مرغاب داخلة
الآن في حدود تركستان شمال بلاد الافغان.
ولمرو شهرة عظيمة في التاريخ الإسلامي بما أنجبت من علماء
عظام من القرن الأول للهجرة وحتى نهاية القرن السادس
الهجري.
(2) في مشيخة المؤلف الورقة: 46 أربع شيخات اسمهن خديجة
واسم والدهن عبد الرحمن، الأولى: خديجة بنت عبد الرحمن بن
أحمد بن عبد الملك أم فاطمة المقدسية، توفيت في حدود سنة
707 ه، والثانية: خديجة بنت عبد الرحمن بن عمر المقدسية
توفيت سنة 720 ه، والثالثة: خديجة بنت أبي بكر عبد الرحمن
بن محمد بن إبراهيم المقدسية أم محمد توفيت سنة 702 ه،
والرابعة: خديجة بنت الرضى عبد الرحمن بن محمد بن عبد
الجبار أم محمد، توفيت سنة 701 ه.
(19/442)
عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا
قَالَتْ:
إِنْ كَانَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لَيُصَلِّي الصُّبْحَ، فَيَنْصَرِفُ
النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوْطِهِنَّ، مَا
يُعْرَفْنَ مِنَ الغَلَسِ (1) .
259 - ابْنُ عَقِيْلٍ أَبُو الوَفَاءِ عَلِيُّ بنُ
عَقِيْلِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، البَحْرُ، شَيْخُ الحنَابلَة،
أَبُو الوَفَاء عَلِيُّ بنُ عَقِيْل بن مُحَمَّدِ بنِ
عَقِيْلِ بنِ عَبْدِ اللهِ البَغْدَادِيّ، الظَّفَرِيّ،
الحَنْبَلِيّ، المُتَكَلِّم، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ،
كَانَ يَسكن الظَّفَرِيَة (2) ، وَمَسجِدُه بِهَا
مَشْهُوْر.
__________
(1) هو في " شرح السنة ": 2 / 195 رقم الحديث (353)، وهو
في " الموطأ ": 1 / 5 في وقوت الصلاة، ومن طريق مالك أخرجه
البخاري برقم (867) في الاذان: باب انتظار الناس قيام
الامام العالم، ومسلم (645)، (232) في المساجد: باب
استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها وهو التغليس، وأبو
داود (423)، والترمذي (153)، والنسائي: 1 / 271 في
المواقيت: باب التغليس في الحضر، وأخرجه البخاري (372)
و(578) ومسلم (645) (230) و(231) من طرق عن الزهري عن
عروة، عن عائشة، وأخرجه البخاري (872) من طريق يحيى بن
موسى عن سعيد بن منصور، عن فليح، عن عبد الرحمن بن القاسم،
عن أبيه، عن عائشة...وقوله: " متلفعات بمروطهن " أي:
متجلللات بأكسيتهن، والتلفع بالثوب: الاشتمال به، والمروط:
الاردية الواسعة، واحدها: مرط، والغلس: ظلمة آخر الليل إذا
اختلطت بضوء الصباح...
(*) طبقات الحنابلة: 2 / 259، مناقب الامام أحمد: 526 -
527، المنتظم: 9 / 212، الكامل في التاريخ: 10 / 561،
تاريخ الإسلام: 4 / 209 / 2 - 210 / 2، دول الإسلام: 2 /
41، العبر: 4 / 29، معرفة القراء الكبار: 1 / 380، ميزان
الاعتدال: 3 / 146، الوافي بالوفيات: م 12 / 121، عيون
التواريخ: 13 / 353 - 355، مرآة الزمان: 8 / 51 - 54، مرآة
الجنان 3 / 204، البداية: 12 / 184، ذيل طبقات الحنابلة: 1
/ 142 - 165، غاية النهاية في طبقات القراء: 1 / 556 -
557، لسان الميزان: 4 / 243 - 244، النجوم الزاهرة: 5 /
219، المنهج الاحمد: 2 / 252 - 270، كشف الظنون: 71، 1447،
شذرات الذهب: 4 / 35 - 40، جلاء العينين: 99، إيضاح
المكنون: 1 / 85، 130، هدية العارفين: 1 / 695.
(2) في معجم ياقوت: 4 / 60: الظفرية: محلة بشرقي بغداد
كبيرة، وإلى جانبها محلة أخرى كبيرة يقال لها: قراح ظفر،
وهي في قبلي باب أبرز، والظفرية في غربيه، أظنهما منسوبتين
إلى ظفر أحد خدم دار الخلافة.
(19/443)
وُلِدَ:سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ
وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ:أَبَا بَكْرٍ بنَ بِشْرَان، وَأَبَا الفَتْح بن
شيطَا، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، وَالحَسَنَ بنَ
غَالِبٍ المُقْرِئ، وَالقَاضِي أَبَا يَعْلَى بنَ
الفَرَّاءِ، وَتَفَقَّهَ عَلَيْهِ.
وَتَلاَ بِالعَشرِ عَلَى:أَبِي الفَتْحِ بن شِيطَا.
وَأَخَذَ العَرَبِيَّة عَنْ:أَبِي القَاسِمِ بنِ بَرْهَان.
وَأَخَذَ عِلْمَ العَقْلِيَّات عَنْ شَيْخَي
الاعتزَال:أَبِي عَلِيٍّ بنِ الوَلِيْدِ، وَأَبِي
القَاسِمِ بنِ التَّبَّانِ صَاحِبَي أَبِي الحُسَيْنِ
البَصْرِيِّ، فَانْحَرَفَ عَنِ السُّنَّةِ (1) .
__________
(1) قال المؤلف في " معرفة القراء ": 1 / 380: وأخذ علم
الكلام عن أبي علي بن الوليد، وأبي القاسم بن التبان، ومن
ثم حصل فيه شائبة تجهم واعتزال وانحرافات.
وقال في " الميزان ": 3 / 146: أحد الاعلام، وفرد زمانه
علما ونقلا وذكاء وتفننا...إلا أنه خالف السلف، ووافق
المعتزلة في عدة بدع نسأل الله السلامة، فإن كثرة التبحر
في علم الكلام ربما أضر بصاحبه، ومن حسن إسلام المرء تركه
ما لا يعنيه.
وقد بين شيخ الإسلام في " درء تعارض العقل والنقل ": 8 /
60 - 61 نوع الخطأ الذي وقع فيه، فقال: ولابن عقيل أنواع
من الكلام، فإنه كان من أذكياء العالم كثير الفكر والنظر
في كلام الناس، فتارة يسلك مسلك نفاة الصفات الحبرية وينكر
على من يسميها صفات ويقول: إنما هي إضافات موافقة للمعتزلة
كما فعله في كتابه " ذم التشبيه وإثبات التنزيه " وغيره من
كتبه، واتبعه على ذلك أبو الفرج ابن الجوزي في " كف
التشبيه بكف التنزيه " وفي كتابه " منهاج الوصول ".
وتارة يثبت الصفات الخبرية ويرد على النفاة والمعتزلة
بأنواع من الأدلة الواضحات، وتارة يوجب التأويل كما فعله
في كتابه " الواضح " وغيره.
وتارة يحرم التأويل ويذمه وينهى عنه كما فعله في كتابه "
الانتصار لأصحاب الحديث " فيوجد في كلامه من الكلام الحسن
البليغ ما هو معظم مشكور، ومن الكلام المخالف للسنة والحق
ما هو مذموم ومدحور...ولابن عقيل من الكلام في ذم من خرج
عن الشريعة من أهل الكلام والتصوف ما هو معروف كما قال في
" الفنون " ومن خطه نقلت ثم ذكر فصلا مطولا استوعب سبع
صفحات من الكتاب فراجعه.
وجاء فيه أيضا: 1 / 270: وكان الأشعري أقرب إلى مذهب أحمد
وأهل السنة من كثير من المتأخرين المنتسبين إلى أحمد الذين
مالوا إلى بعض كلام المعتزلة كابن عقيل، وصدقة ابن الحسين،
وابن الجوزي، وأمثالهم.
وفيه أيضا: 7 / 263: وفي هذا الباب، باب المضافات إلى الله
إضافة خلق وملك، =
(19/444)
وَكَانَ يَتوَقَّدُ ذكَاءً، وَكَانَ بحرَ
معَارِفَ، وَكنزَ فَضَائِل، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي
زَمَانِهِ نَظير عَلَى بدعته، وَعَلَّق
كِتَاب(الفُنُوْنِ)، وَهُوَ أَزْيَدُ مِنْ أَرْبَع مائَة
مُجلَّد، حشد فِيْهِ كُلَّ مَا كَانَ يَجرِي لَهُ مَعَ
الفُضَلاَء وَالتَّلاَمذَة، وَمَا يَسْنَحُ لَهُ مِنَ
الدَّقَائِق وَالغَوَامِضِ، وَمَا يَسْمَعُهُ مِنَ
العَجَائِب وَالحوَادِثِ (1) .
__________
= كإضافة البيت، والناقة، وهذا قول نفاة الصفات من
الجهمية، والمعتزلة، ومن وافقهم، حتى ابن عقيل، وابن
الجوزي وأمثالهما إذا مالوا إلى قول المعتزلة سلكوا هذا
المسلك، وقالوا: هذه آيات الإضافات لا آيات الصفات، كما
ذكر ذلك ابن عقيل في كتابه المسمى " نفي التشبيه وإثبات
التنزيه " وذكره ابن الجوزي في " منهاج الوصول " وغيره،
وهذا قول بن حزم وأمثاله ممن وافقوا الجهمية على نفي
الصفات وإن كانوا من المنتسبين إلى الحديث والسنة.
وقال الحافظ ابن رجب في " ذيل الطبقات ": 1 / 144: إن
أصحابنا كانوا ينقمون على ابن عقيل تردده إلى ابن الوليد
وابن التبان شيخي المعتزلة، وكان يقرأ عليهما في السر علم
الكلام، ويظهر منه في بعض الأحيان نوع انحراف عن السنة
وتأول لبعض الصفات، ولم يزل فيه بعض ذلك إلى أن مات رحمه
الله.
وقال الحافظ ابن كثير في " البداية ": 12 / 184: وكان
يجتمع بجميع العلماء من كل مذهب، فربما لامه أصحابه، فلا
يلوي عليهم، فلهذا برز على أقرانه، وساد أهل زمانه،
في فنون كثيرة، مع صيانة وديانة، وحسن صورة، وكثرة اشتغال.
وقال الحافظ ابن حجر في " اللسان ": 4 / 243: وهذا الرجل
من كبار الأئمة، نعم كان معتزليا، ثم أشهد على نفسه أنه
تاب عن ذلك، وصحت توبته، ثم صنف في الرد عليهم، وقد أثنى
عليه أهل عصره ومن بعدهم، وأطراه ابن الجوزي، وعول على
كلامه في أكثر تصانيفه.
(1) قال الحافظ ابن رجب: وأكبر تصانيفه الفنون، وهو كتاب
كبير جدا، فيه فوائد كثيرة جليلة، في الوعظ، والتفسير،
والفقه، والاصلين، والنحو، واللغة، والشعر، والتاريخ،
والحكايات، وفيه مناظراته ومجالسه التي وقعت له، وخواطره،
ونتائج فكره قيدها فيه.
وقال ابن الجوزي: وهذا الكتاب مئتا مجلد، وقع لي منه نحو
من مئة وخمسين مجلدا، وقال سبطه في مرآة الزمان: 8 / 151:
واختصر منه جدي عشر مجلدات فرقها في تصانيفه، وقد طالعت
منه في بغداد في وقف المأمونية نحوا من سبعين، وفيه حكايات
ومناظرات، وغرائب وعجائب وأشعار.
وقال عبد الرزاق الرسعني في تفسيره: قال لي أبو البقاء
اللغوي: سمعت الشيخ أبا حكيم النهرواني يقول: وقفت على
السفر الرابع بعد الثلاث مئة من كتاب الفنون، وقال الامام
الذهبي في " تاريخ الإسلام ": حدثني من رأى منه =
(19/445)
حَدَّثَ عَنْهُ:أَبُو حَفْصٍ المغَازلِي،
وَأَبُو المُعَمَّر الأَنْصَارِيّ، وَمُحَمَّدُ بن أَبِي
بَكْرٍ السِّنْجِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيّ،
وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو الفَضْلِ خطيبُ
المَوْصِل، وَابْنُ نَاصر، وَآخَرُوْنَ.
أَنبؤونَا عَنْ حَمَّادٍ الحَرَّانِيّ، سَمِعَ السِّلَفِيّ
يَقُوْلُ:
مَا رَأَتْ عَيْنِي مِثْلَ أَبِي الوَفَاء بن عَقِيْل
الفَقِيْه، مَا كَانَ أَحَدٌ يَقدِرُ أَنْ يَتَكَلَّم
مَعَهُ لِغزَارَة عِلْمه، وَحُسن إِيرَاده، وَبَلاغَةِ
كَلاَمِه، وَقُوَّة حجَّته، تَكَلَّمَ يَوْماً مَعَ شيخنَا
إِلْكِيَا أَبِي الحَسَنِ، فَقَالَ لَهُ إِلكيَا:هَذَا
لَيْسَ مَذْهَبك.
فَقَالَ:أَكُوْنُ مِثْل أَبِي عَلِيٍّ الجُبَّائِي،
وَفُلاَن وَفُلاَن لاَ أَعْلَمُ شَيْئاً؟!أَنَا لِي
اجْتِهَاد مَتَى مَا طَالبنِي خصمٌ بِالحُجَّة، كَانَ
عِنْدِي مَا أَدفع بِهِ عَنْ نَفْسِي وَأَقومُ لَهُ
بِحجتِي.
فَقَالَ إِلكيَا:كَذَاكَ الظَّنُّ بِكَ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيْلٍ:عصمنِي اللهُ فِي شبَابِي
بِأَنْوَاعٍ مِنَ العِصْمَة، وَقَصَرَ مَحَبَّتِي عَلَى
العِلْم، وَمَا خَالطتُ لَعَّاباً قَطُّ، وَلاَ عَاشرتُ
إِلاَّ أَمثَالِي مِنْ طَلبَةِ العِلْم، وَأَنَا فِي
عَشْرِ الثَّمَانِيْنَ أَجِدُ مِنَ الحِرْصِ عَلَى العِلْم
أَشدّ مِمَّا كُنْتُ أَجده وَأَنَا ابْنُ عِشْرِيْنَ،
وَبلغتُ لاِثْنَتَيْ عَشْرَة سَنَةً، وَأَنَا اليَوْمَ لاَ
أَرَى نَقصاً فِي الخَاطر وَالفِكرِ وَالحِفْظ، وَحدَّةِ
النَّظَر بِالعين لرُؤْيَة الأَهلَةِ الخفِيَة إِلاَّ
أَنَّ القوَّة ضَعِيْفَة.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ:كَانَ ابْنُ عَقِيْلٍ ديناً،
حَافِظاً لِلْحُدُوْدِ، تُوُفِّيَ لَهُ ابْنَانِ، فَظَهَرَ
مِنْهُ مِنَ الصَّبْر مَا يُتَعَجَّب مِنْهُ، وَكَانَ
كَرِيْماً يُنفِق مَا يَجد، وَمَا خلَّف سِوَى كتبِه
وَثِيَابِ بدنه، وَكَانَتْ بِمِقْدَار، تُوُفِّيَ بُكرَة
الجُمُعَة، ثَانِي
__________
= المجلد الفلاني بعد الأربع مئة. وقد طبع منه جزء في دار
المشرق لبنان سنة 1969، وقع لمحققه تحريفات فاضحة.
(19/446)
عشر جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَلاَثَ
عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة، وَكَانَ الجمعُ يَفوت
الإِحصَاءُ، قَالَ ابْنُ نَاصر شَيْخُنَا:حزرتُهُم
بِثَلاَثِ مائَةِ أَلْف.
قَالَ المُبَارَكُ بنُ كَامِلٍ:صُلِّي عَلَى شَيخنَا
بِجَامِع القَصْر، فَأَمَّهُم ابْنُ شَافع، وَكَانَ الجمعُ
مَا لاَ يُحصَى، وَحُمِلَ إِلَى جَامِع المَنْصُوْر،
فَصُلِّي عَلَيْهِ، وَجَرَتْ فِتْنَةً، وَتَجَارَحُوا،
وَنَال الشَّيْخُ تَقطيع كفن، وَدُفِنَ قَرِيْباً مِنَ
الإِمَام أَحْمَد.
وَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ أَيْضاً فِيْهِ:هُوَ فَرِيْدُ
فَنِّه، وَإِمَامُ عصره، كَانَ حَسَنَ الصُوْرَة، ظَاهِرَ
المَحَاسِن.
قَالَ:قَرَأْتُ عَلَى القَاضِي أَبِي يَعْلَى مِنْ سَنَةِ
سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَإِلَى أَنْ تُوُفِّيَ، وَحظيتُ
مِنْ قُربه بِمَا لَمْ يَحظ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ
مَعَ حدَاثَة سِنِّي، وَكَانَ أَبُو الحَسَنِ الشِّيرَازِي
إِمَامَ الدُّنْيَا وَزَاهِدَهَا، وَفَارِسَ المنَاظرَة
وَواحدَهَا، يعلمنِي المنَاظرَة، وَانتفعتُ
بِمُصَنّفَاته...، ثُمَّ سَمَّى جَمَاعَة مِنْ شُيُوْخِهِ
(1) .
ثُمَّ قَالَ:وَكَانَ أَصْحَابُنَا الحنَابلَة يُرِيْدُوْنَ
مِنِّي هِجرَان جَمَاعَةٍ مِنَ العُلَمَاءِ، وَكَانَ
ذَلِكَ يَحرِمنِي عِلْماً نَافِعاً.
قُلْتُ:كَانُوا يَنهونه عَنْ مُجَالَسَةِ المُعْتَزِلَة،
وَيَأْبَى حَتَّى وَقَعَ فِي حَبَائِلهِم، وَتَجسَّر عَلَى
تَأْويلِ النُّصُوص - نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ - .
قَالَ:وَأَقْبَلَ عَليَّ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُوْرٍ بنُ
يُوْسُفَ، وَقَدَّمنِي عَلَى الفتَاوِي، وَأَجلَسَنِي فِي
حَلْقَةِ البَرَامِكَةِ بِجَامِعِ المَنْصُوْر لَمَّا
مَاتَ شَيخُنَا فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ
وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَقَامَ بِكُلِّ مُؤنتِي وَتَجَمُّلِي.
__________
(1) انظر " المنتظم ": 9 / 212، 213، و" ذيل طبقات
الحنابلة ": 1 / 142، 143.
(19/447)
وَأَمَّا أَهْلُ بَيْتِي، فَإِنَّهُم
أَربَابُ أَقلاَم وَكِتَابَة وَأَدب، وَعَانَيْتُ مِنَ
الفَقْر وَالنسخ بِالأُجرَة مَعَ عِفَّةٍ وَتُقَى، وَلَمْ
أُزَاحم فَقِيْهاً فِي حَلْقَة، وَلاَ تَطلب نَفْسِي
رُتْبَةً مِنْ رتب أَهْل العِلْمِ القَاطعَة عَنِ
الفَائِدَة، وَأُوْذِيت مِنْ أَصْحَابِي، حَتَّى طُلب
الدَّمُ، وَأُوْذِيت فِي دَوْلَةِ النِّظَام بِالطلب
وَالحَبْس.
وَفِي(تَارِيخ ابْن الأَثِيْرِ (1))قَالَ:كَانَ قَدِ
اشْتَغَل بِمَذْهَب المُعْتَزِلَةِ فِي حَدَاثَتِهِ عَلَى
ابْنِ الوَلِيْدِ، فَأَرَادَ الحَنَابِلَةُ قَتْلَه،
فَاسْتجَارَ بِبَابِ المَرَاتِب عِدَّة سِنِيْنَ، ثُمَّ
أَظهر التَّوبَة (2) .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيْلٍ فِي(الفُنُوْنِ):الأَصْلحُ
لاعتقَاد العوَامِّ ظوَاهر الْآي، لأَنَّهُم يَأْنسُوْنَ
بِالإِثْبَات، فَمتَى مَحَونَا ذَلِكَ مِنْ قلوبهِم، زَالت
الحِشْمَة.
قَالَ:فَتهَافُتهُم فِي التَّشبيه أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ
إِغرَاقِهِم فِي التَّنْزِيه، لأَنَّ التَّشبيه
يَغْمِسُهُم فِي الإِثْبَات، فَيخَافُوْنَ وَيَرجُوْنَ،
وَالتَّنْزِيه يَرمِي بِهِم إِلَى النَّفْي، فَلاَ طَمَعَ
وَلاَ مَخَافَة فِي النَّفْي، وَمنْ تدبَّر الشَّرِيعَة،
رَآهَا غَامسَة لِلمُكلفين فِي التَّشبيه بِالأَلْفَاظ
الظَّاهِرَة الَّتِي لاَ يُعطِي ظَاهِرهَا سِوَاهُ،
كَقَوْل الأَعْرَابِيّ:أَوَ يَضحكُ رَبُّنَا؟
قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
:(نَعَمْ (3))، فَلَمْ يَكفهِرَّ لِقَوْلِهِ، تَركه وَمَا
وَقَعَ لَهُ.
__________
(1) 10 / 561.
(2) انظر نص التوبة في " ذيل الطبقات ": 1 / 144، 145.
(3) في " المسند ": 4 / 11، وسنن ابن ماجة: 181، من طريق
يزيد بن هارون، حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء، عن وكيع بن
عدس، عن عمه أبي رزين، قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " ضحك ربنا من قنوط عبد وقرب غيره " قال: قلت: يا
رسول الله، أو يضحك الرب ؟ قال: " نعم "، قلت: لن نعدم من
رب يضحك خيرا.
وكيع بن عدس لم يوثقه غير ابن حبان على عادته في توثيق
المجاهيل، وقال ابن القطان: مجهول الحال، وباقي رجاله
ثقات.
وانظر: " الأسماء والصفات ": ص: 467 وما بعدها للبيهقي.
(19/448)
قُلْتُ:قَدْ صَارَ الظَّاهِرُ اليَوْم
ظَاهِرَيْنِ:أَحَدُهُمَا حقّ، وَالثَّانِي بَاطِل،
فَالحَقّ أَنْ يَقُوْلَ:إِنَّهُ سمِيْع بَصِيْر، مُرِيْدٌ
متكلّم، حَيٌّ عَلِيْم، كُلّ شَيْء هَالك إِلاَّ وَجهَهُ،
خلق آدَمَ بِيَدِهِ، وَكلَّم مُوْسَى تَكليماً، وَاتَّخَذَ
إِبْرَاهِيْمَ خَلِيْلاً، وَأَمثَال ذَلِكَ، فَنُمِرُّه
عَلَى مَا جَاءَ، وَنَفهَمُ مِنْهُ دلاَلَةَ الخِطَابِ
كَمَا يَليق بِهِ تَعَالَى، وَلاَ نَقُوْلُ:لَهُ تَأْويلٌ
يُخَالِفُ ذَلِكَ.
وَالظَّاهِرُ الآخر وَهُوَ البَاطِل، وَالضَّلاَل:أَنْ
تَعتَقِدَ قيَاس الغَائِب عَلَى الشَّاهد، وَتُمَثِّلَ
البَارِئ بِخلقه، تَعَالَى الله عَنْ ذَلِكَ، بَلْ
صفَاتُهُ كَذَاته، فَلاَ عِدْلَ لَهُ، وَلاَ ضِدَّ لَهُ،
وَلاَ نَظيرَ لَهُ، وَلاَ مِثْل لَهُ، وَلاَ شبيهَ لَهُ،
وَلَيْسَ كَمثله شَيْء، لاَ فِي ذَاته، وَلاَ فِي صفَاته،
وَهَذَا أَمرٌ يَسْتَوِي فِيْهِ الفَقِيْهُ وَالعَامِيُّ -
وَاللهُ أَعْلَمُ - .
قَالَ السِّلَفِيّ:سَمِعْتُ ابْنَ عَقِيْل يَقُوْلُ:
كَانَ جَدِّي كَاتِبَ بهَاءِ الدَّوْلَة بن بُويه، وَهُوَ
الَّذِي كتب نُسخَة عزل الطَّائِع، وَتوليَة القَادِر،
وَهِيَ عِنْدِي بِخَطِّ جَدِّي.
وَقَالَ أَبُو المُظَفَّرِ سِبْطُ ابْن الجَوْزِيّ:حَكَى
ابْنُ عَقِيْل عَنْ نَفْسِهِ قَالَ:
حججتُ، فَالتقطتُ عقد لُؤْلُؤٍ فِي خيط أَحْمَرَ، فَإِذَا
شَيْخٌ أَعْمَى يَنشُدُه، وَيبذُلُ لِمُلْتَقِطِهِ مائَة
دِيْنَارٍ، فَرددتُهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ:خُذِ
الدَّنَانِيْر.
فَامتنعتُ، وَخَرَجتُ إِلَى الشَّامِ، وَزُرْتُ القُدْس،
وَقصدتُ بَغْدَادَ، فَأَويتُ بِحَلَبَ إِلَى مَسْجِد
وَأَنَا بردَانُ جَائِع، فَقَدَّمُوْنِي، فَصَلَّيْتُ
بِهِم، فَأَطعمُوْنِي، وَكَانَ أَوَّلَ رَمَضَان،
فَقَالُوا:إِمَامُنَا تُوُفِّيَ، فَصَلِّ بِنَا هَذَا
الشَّهْرَ.
فَفَعَلتُ، فَقَالُوا:لإِمَامِنَا بِنْتٌ.
فَزُوِّجْتُ بِهَا، فَأَقَمْتُ مَعَهَا سَنَة،
وَأَوْلَدْتُهَا وَلداً ذكراً، فَمَرِضَتْ فِي نَفَاسهَا،
فَتَأَمَّلتُهَا يَوْماً فَإِذَا فِي عُنُقِهَا العقدُ
بِعَيْنِهِ بِخَيطِهِ الأَحْمَر، فَقُلْتُ لَهَا:لِهَذَا
قِصَّة. وَحكيتُ لَهَا،
(19/449)
فَبكت، وَقَالَتْ:أَنْتَ هُوَ وَاللهِ،
لَقَدْ كَانَ أَبِي يَبْكِي، وَيَقُوْلُ:اللَّهُمَّ ارزُقْ
بِنْتِي مِثْل الَّذِي رَدَّ العقدَ عَلِيَّ، وَقَدِ
اسْتَجَاب اللهُ مِنْهُ.
ثُمَّ مَاتَتْ، فَأَخَذتُ العِقدَ وَالمِيْرَاثَ، وَعُدْتُ
إِلَى بَغْدَادَ (1) .
وَحَكَى عَنْ نَفْسِهِ، قَالَ:كَانَ عِنْدَنَا
بِالظَّفَرِيَة دَارٌ، كلَمَّا سكنهَا نَاسٌ أَصْبَحُوا
مَوْتَى، فَجَاءَ مرَّة رَجُلٌ مُقْرِئ، فَاكترَاهَا،
وَارتضَى بِهَا، فَبَاتَ بِهَا وَأَصْبَح سَالِماً، فَعجبَ
الجيرَانُ، وَأَقَامَ مُدَّةً، ثُمَّ انْتقل، فَسُئِلَ،
فَقَالَ:لَمَّا بِتُّ بِهَا، صَلَّيْتُ العشَاء،
وَقَرَأْتُ شَيْئاً، وَإِذَا شَابّ قَدْ صَعِدَ مِنَ
البِئْر، فَسَلَّمَ عليَّ، فَبُهِتُّ، فَقَالَ:لاَ بَأْسَ
عَلَيْك، عَلِّمنِي شَيْئاً مِنَ القُرْآن.
فَشرعتُ أُعَلِّمُه، ثُمَّ قُلْتُ:هَذِهِ الدَّار، كَيْفَ
حَدِيْثُهَا؟
قَالَ:نَحْنُ جِنٌّ مُسْلِمُوْنَ، نَقرَأُ وَنُصلِي،
وَهَذِهِ الدَّار مَا يَكترِيهَا إِلاَّ الفُسَّاقُ،
فَيَجْتَمِعُوْنَ عَلَى الخَمْر، فَنخنقهُم.
قُلْتُ:فَفِي اللَّيْلِ أَخَافُك، فَجِئ نَهَاراً.
قَالَ:نَعَمْ.
فَكَانَ يَصْعَدُ مِنَ البِئْر فِي النَّهَار،
وَأَلِفْتُه، فَبَيْنَمَا هُوَ يَقرَأُ، إِذَا بِمعزم فِي
الدَّرب، يَقُوْلُ:المُرقِي مِنَ الدَّبِيْب، وَمِنَ
العَينِ، وَمِنَ الجِنِّ.
فَقَالَ:أَيشٍ هَذَا؟
قُلْتُ:مُعَزِّم.
قَالَ:اطلبْه.
فَقُمْتُ وَأَدَخَلتُهُ، فَإِذَا بِالجنِّي قَدْ صَارَ
ثُعبَاناً فِي السَّقف، فَعزَّمَ الرَّجُل، فَمَا زَالَ
الثُّعبَانُ يَتدلَى حَتَّى سقط فِي وَسط المَنْدَل،
فَقَامَ لِيَأْخذه وَيَضعَه فِي الزِّنْبِيل، فَمنعتُهُ،
فَقَالَ:أَتَمنَعُنِي مِنْ صيدي؟!
فَأَعْطيتُهُ دِيْنَاراً وَرَاح، فَانْتفض الثُّعبَان،
وَخَرَجَ الجِنِّي، وَقَدْ ضَعُفَ وَاصْفَرَّ وَذَاب،
فَقُلْتُ:مَا لَكَ؟
قَالَ:قتلنِي هَذَا بِهَذِهِ الأَسَامِي، وَمَا أَظننِي
أُفْلِحُ، فَاجعل بَالك اللَّيْلَة، مَتَى سَمِعْتَ فِي
البِئْر صُرَاخاً، فَانْهَزِمْ.
قَالَ:فَسَمِعْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ
__________
(1) مرآة الزمان: 8 / 52، 53، وقد رواها الذهبي رحمه الله
بتصرف.
(19/450)
النّعِيَّ، فَانْهَزَمتُ.
قَالَ ابْنُ عَقِيْلٍ:وَامْتَنَعَ أَحَدٌ أَنْ يَسكن
تِلْكَ الدَّار بَعْدهَا (1) .
أَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِقٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو
البَقَاءِ يَعيش، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بن أَحْمَدَ
الخَطِيْب، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَقِيْلٍ الفَقِيْه،
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا
القَطِيْعِيّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا
هَوْذَةُ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي
الحَسَنِ، قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ،
فَقَالَ:إِنَّمَا معيشتِي مِنَ التَّصَاوير.
فَقَالَ:سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ:(مَنْ صَوَّرَ صُوْرَةً،
عَذَّبَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يَنْفُخَ
فِيْهَا، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيْهَا أَبَداً) (2) .
260 - ابْنُ أَبِي عِمَامَةَ أَبُو سَعْدٍ المُعَمَّرُ بنُ
عَلِيِّ بنِ المُعَمَّرِ *
المُفْتِي، الوَاعِظُ الكَبِيْرُ، أَبُو سَعْدٍ
المُعَمَّرُ بنِ عَلِيِّ بنِ المُعَمَّر بن أَبِي
__________
(1) مرآة الزمان: 8 / 53، 54.
(2) بشر بن موسى هو الأسدي ثقة حافظ مترجم في الجزء الثالث
عشر من " السير " رقم (170) وهوذة: هو ابن خليفة الثقفي
البكراوي صدوق، وعوف: هو ابن أبي جميلة الاعرابي روى له
الجماعة، وسعيد بن أبي الحسن هو أخو الحسن البصري ثقة روي
له الجماعة، وأخرجه أحمد 1 / 360 من طريقين عن عوف بهذا
الإسناد، وأخرجه مسلم (2110) من طريق نصر بن علي الجهضمي
عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن يحيى بن أبي إسحاق، عن
سعيد ابن أبي الحسن، عن ابن عباس، وأخرجه البخاري (2225)
من طريق عبد الله بن عبد الوهاب، حدثنا يزيد بن زريع،
أخبرنا عوف به، وفيه عندهما: فربا الرجل ربوة شديدة واصفر
وجهه، فقال له ابن عباس: ويحك إن أبيت إلا أن تصنع، فعليك
بهذا الشجر، وكل شيء ليس فيه روح.
وأخرجه هو (5963) في اللباس، ومسلم (2110) (100) في اللباس
والزينة، والنسائي: 8 / 215، وأحمد: 1 / 241 من طريق سعيد
بن أبي عروبة، عن النضر بن أنس بن مالك، عن ابن عباس.
(*) المنتظم: 9 / 173 - 174، تاريخ الإسلام: 4: 179 / 2 -
180، العبر: 4 / 11، عيون التواريخ: 13 / 281، البداية: 12
/ 175، ذيل طبقات الحنابلة: 1 / 107 - 110، النجوم
الزاهرة: 5 / 205، شذرات الذهب: 4 / 14 - 15.
(19/451)
عِمَامَة البَغْدَادِيّ، الحَنْبَلِيّ.
وُلِدَ:سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنِ:ابْنِ غَيْلاَنَ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ
المقتدِر، وَالحَسَن بنِ مُحَمَّدٍ الخَلاَّل، وَعَبْدِ
العَزِيْزِ بن عَلِيٍّ الأَزَجِي، وَأَبِي القَاسِمِ
التَّنُوخِي، وَرَوَى اليَسِيْرَ.
حَدَّثَ عَنْهُ:ابْنُ نَاصر، وَأَبُو المُعَمَّر
الأَنْصَارِيّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار:درسَ الفِقْهَ عَلَى شُيُوْخِ
زَمَانه، وَأَفتَى وَنَاظر، وَحَفِظَ مِنَ الآدَاب
وَالشِّعر وَالنوَادِرِ فِي الجدِّ وَالهَزْلِ مَا لَمْ
يَحفظْه غَيْرُه، وَانْفَرَدَ بِالوعظِ (1) ، وَانتفعُوا
بِمَجَالِسه، فَكَانَ يُبْكِي النَّاسَ وَيُضْحِكهُم،
وَلَهُ قبولٌ عَظِيْم عِنْد الخَاصِّ وَالعَامِّ، وَكَانَ
لَهُ مِنْ حِدَّة الخَاطر، وَخِفَّةِ الرُّوح مَا شَاع
وَذَاع وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الإِجْمَاعُ، وَكَانَ يَؤُمُّ
بِالإِمَامِ الْمُقْتَدِي بِأَمرِ الله فِي التَّرَاويح
وَيُنَادِمُهُ.
مَاتَ:فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْس
مائَة، وَشيَّعه خلق كَثِيْر، وَسَاقَ ابْنُ النَّجَّار
نَوَادِرَ وَطِيبَ مُزَاحٍ لَهُ.
__________
(1) ذكر له ابن الجوزي في " المنتظم ": 9 / 173، 174،
والحافظ ابن رجب في " ذيل طبقات الحنابلة ": 1 / 107، 109،
مجلس وعظ بجامع المهدي نصح به نظام الملك الوزير نصيحة
تلمح فيها العلم الأصيل، وعزة المؤمن، ونزاهة القصد، وكمال
الشفقة للمنصوح.
أكثر الله في المسلمين من أمثاله في عصرنا هذا...الذي شاع
فيه المداهنون الذين يبتغون بنصحهم حطام الدنيا، والتزلف
لأصحاب النفوذ، والمتطرفون الذين ينزعون إلى الغلو
والتنطع، وسوء الظن والتهور، وكلاهما بمنأى عن صراط الله
السوي، ونهجه الحكيم.
(19/452)
أَخُوْهُ:
261 - عُثْمَانُ بنُ عَلِيِّ بنِ المُعَمَّرِ بنِ أَبِي
عِمَامَةَ *
الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، أَبُو المَعَالِي عُثْمَانُ بنُ
عَلِيِّ بنِ المُعَمَّر بن أَبِي عِمَامَة البَغْدَادِيّ،
البَقَّال.
سَمِعَ مِنْ:أَبِي طَالِبٍ بن غَيْلاَنَ، وَعُمَرَ بن
عَبْدِ المَلِكِ الرزَّان، وَقرَأَ الأَدبَ عَلَى عبدِ
الوَاحِد بن بَرْهَان، وَالحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ
الدَّهَّان، وَرَوَى قليلاً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار:كَانَ عَسِراً، غَيْرَ مرضِي
السِّيرَة، يُخِلُّ بِالصَّلَوَات، وَيَرتكِبُ المحظورَات،
رَوَى عَنْهُ ابْنُ الإِخْوَة، وَالسِّلَفِيّ.
قَالَ السِّلَفِيّ:قرَأَ اللُّغَةَ عَلَى ابْنِ بَرْهَان
إِلاَّ أَنَّ فِي عَقْله خللاً، وَهُوَ حَسَنُ
الطّرِيقَةِ.
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ:سَمِعْتُ عَبْدَ الوَهَّابِ
الأَنْمَاطِيّ يَقُوْلُ:
رَأَينَا أَبَا المعَالِي ابْنَ أَبِي عِمَامَة فِي
جَامِعِ المَنْصُوْر، وَمَعَنَا جُزْءٌ، فَأَردنَا أَن
نَقرَأَه عَلَيْهِ، فَسَأَلنَاهُ، فَأَبَى، فَأَلححنَا
عَلَيْهِ، فَرَفَعَ صَوْتَه،
وَقَالَ:أَيُّهَا النَّاس، اشْهَدُوا أَنِّي كَذَّاب.
ثُمَّ قَالَ:لاَ يَحلُّ لَكُم أَنْ تَسْمَعُوا مِنْ
كَذَّاب، قُوْمُوا.
قَالَ:وَكَانَ شَاعِراً هَجَّاءً، خَبِيثَ اللِّسَان.
مَاتَ:فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ
وَخَمْسِ مائَة، وَلَهُ إِحْدَى تِسْعُوْنَ سَنَةً.
__________
(*) المنتظم: 9 / 248، تاريخ الإسلام: 4 / 231 / 1، ميزان
الاعتدال: 2 / 49، لسان الميزان: 4 / 148، 149.
(19/453)
262 - الطُّغْرَائِيُّ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ
الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ *
العَمِيدُ، فَخرُ الكُتَّاب، مُؤَيَّدُ الدِّينِ أَبُو
إِسْمَاعِيْلَ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
عَبْدِ الصَّمَدِ الأَصْبَهَانِيّ، المُنْشِئ، الشَّاعِر،
ذُو بَاعٍ مَدِيد فِي الصِّنَاعَتَينِ، وَلَهُ لاَمِيَّةُ
الْعَجم بَدِيعَة (1) ، وَمَا أَملح قَوْلَه:
يَا قَلْبُ مَالَكَ وَالهَوَى مِنْ بَعْدِ مَا ... طَابَ
السُّلُوُّ وَأَقْصَرَ العُشَّاقُ
أَوَ مَا بَدَا لَكَ فِي الإِفَاقَةِ وَالأُلَى ...
نَازَعْتَهُم كَأْسَ (2) الغَرَامِ أَفَاقُوا
__________
(*) الأنساب: لوحة: 543، معجم الأدباء: 10 / 56 - 79،
اللباب: 3 / 262 - 263، وفيات الأعيان: 2 / 185 - 190،
تاريخ الإسلام: 4 / 213 / 2، العبر: 4 / 32، تتمة المختصر:
2 / 49 - 50، الوافي بالوفيات: 14 / 431 - 439، عيون
التواريخ: لوحة: 357 - 366، مرآة الزمان: 8 / 56 - 58،
مرآة الجنان: 3 / 210، البداية: 12 / 190، النجوم الزاهرة:
5 / 220، مفتاح السعادة: 1 / 197 - 198، كشف الظنون: 68،
شذرات الذهب: 4 / 41 - 43، النزهة للموسوي: 2 / 73، روضات
الجنات: 248، أعيان الشيعة: 27 / 76 - 88.
(1) ومطلعها: أصالة الرأي صانتني عن الخطل * وحلية الفضل
زانتني لدى العطل
وهي طويلة تنيف على ستين بيتا، وقالوا فيها: إنها من غرر
القصائد، ودرر الفوائد، لما اشتملت عليه من لطيف الغزل،
واحتوت عليه من الحكم والامثال، ومما يستجاد منها قوله:
أعلل النفس بالآمال أرقبها * ما أضيق العيش لولا فسحة
الامل
وقوله:
يا واردا سؤر عيش كله كدر * أنفقت صفوك في أيامك الأول
فيم اقتحامك لج البحر تركبه * وأنت يكفيك منه مصة الوشل
ملك القناعة لا يخشى عليه ولا * يحتاج فيه إلى الانصار
والخول
ترجو البقاء بدار لا ثبات لها * فهل سمعت بظل غير منتقل
ويا خبيرا على الاسرار مطلعا * اصمت ففي الصمت منجاة من
الزلل
قد رشحوك لامر لو فطنت له * فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
وقد أقام عليها الصلاح الصفدي شرحا مطولا، وهو مطبوع في
مجلدين ضخمين.
(2) في الأصل: كان وهو خطأ.
(19/454)
مَرِضَ النَّسِيْمُ وَصَحَّ وَالدَّاءُ
الَّذِي ... تَشْكُوهُ لاَ يُرْجَى لَهُ إِفْرَاقُ
وَهَذَا خُفُوْقُ البَرْق وَالقَلْبُ (1) الَّذِي ...
تُطْوَى عَلَيْهِ أَضَالِعِي خَفَّاقُ
قُتِلَ:سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
263 - السَّعِيْدِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ
بَرَكَاتِ بنِ هِلاَلٍ *
الشَّيْخُ، العَلاَّمَةُ، البَارعُ، المُعَمَّرُ، شَيْخُ
العَرَبِيَّة وَاللُّغَة، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ
بنُ بَرَكَاتِ بنِ هِلاَلِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ
السَّعيدي، المِصْرِيّ، الأَدِيْب.
مَوْلِدُهُ:فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ
مائَةٍ.
وَلَوْ سَمِعَ فِي صِبَاهُ، لَسَمِعَ مِنْ مُسْنِدِ مِصْرَ
أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ نَظيف الفَرَّاء.
وَقَدْ سَمِعَ فِي الكِبَرِ مِنَ:القَاضِي أَبِي عَبْدِ
اللهِ القُضَاعِي، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بن الحَسَنِ
الضَّرَاب، وَكَرِيْمَةَ المَرْوَزِيَّة، فَجَاور،
وَسَمِعَ مِنْهَا(صَحِيْح البُخَارِيِّ).
حَدَّثَ عَنْهُ:السِّلَفِيّ، وَالشَّرِيْفُ أَبُو
الفُتُوْح الخَطِيْب، وَإِسْمَاعِيْلُ بن عَلِيٍّ
النَّحْوِيّ، وَمُنْجِبٌ المُرشدي، وَأَبُو القَاسِمِ
هِبَةُ اللهِ البُوصِيْرِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
__________
(1) في تاريخ الإسلام: والبرق.
(*) خريدة القصر: 2 / 156، معجم الأدباء: 18 / 39 - 40،
إنباء الرواة: 3 / 78 - 79، أخبار المحمدين: الورقة: 59،
تاريخ الإسلام: 4 / 243 / 1، العبر: 4 / 47، وذكره المؤلف
في تذكرة الحفاظ: 4 / 1271، الوافي بالوفيات: 2 / 247،
مرآة الجنان: 3 / 225، طبقات ابن قاضي شهبة: 1 / 28 - 29،
حسن المحاضرة: 1 / 532، بغية الوعاة: 1 / 59 - 61، كشف
الظنون: 715، شذرات الذهب: 4 / 62.
(19/455)
أَرَّخ السِّلَفِيُّ مَوْلِدَهُ،
وَقَالَ:كَانَ شَيْخَ مِصْرَ فِي عصره فِي اللُّغَة (1) .
تُوُفِّيَ:فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ مائَةُ سَنَةٍ وَثَلاَثَة
أَشْهُرٍ.
ذكره العمَاد الكَاتِب، فَقَالَ:عمل فِي مُسَافِر
العَطَّار:
يَا عُنُقَ الإِبرِيْقِ مِنْ فِضَّةٍ ... وَيَا قَوَامَ
الغُصْنِ الرَّطْبِ
هَبْكَ تَجَافَيْتَ وَأَقْصَيْتَنِي ... تَقْدِرُ أَنْ
تَخْرُجَ مِنْ قَلْبِي
264 - ابْنُ بَرْهَانَ أَبُو الفَتْحِ أَحْمَدُ بنُ
عَلِيِّ بنِ بَرْهَانَ *
العَلاَّمَةُ، الفَقِيْهُ، أَبُو الفَتْحِ أَحْمَدُ بنُ
عَلِيِّ بنِ بَرْهَان (2) بن الحمَّامِي البَغْدَادِيّ،
الشَّافِعِيّ.
كَانَ أَحَدَ الأَذكيَاء، بارعاً فِي المَذْهَب
وَأُصُوْله، مِنْ أَصْحَابِ ابْن
__________
(1) وقال ياقوت في معجم الأدباء: وله من الكتب كتاب " خطط
مصر " أجاد فيه، وله عدة تصانيف في النحو، وله " الناسخ
والمنسوخ "، ووصفه الصلاح الصفدي في " الوافي بالوفيات ":
2 / 247 بأنه عالي المحل في النحو والأدب وسائر فنون
الأدب، منحط الشعر.
(*) المنتظم: 9 / 250 - 251، الكامل في التاربخ: 10 / 625،
وفيات الأعيان: 1 / 99، تاريخ الإسلام: 4: 232 / 2 - 233 /
1، المستفاد: 62، الوافي بالوفيات: 7 / 207 - 208، عيون
التواريخ: 13 / 445 - 446، مرآة الجنان: 3 / 25، طبقات
السبكي: 6 / 30 - 31، طبقات الاسنوي: 1 / 207، طبقات
الشافعية لابن قاضي شهبة: 1 / 307 البداية والنهاية: 12 /
194، 196، المزهر في علوم اللغة: 1 / 20، 61، 298، طبقات
ابن هداية الله: 201، كشف الظنون: 201، 2001، شذرات الذهب:
4 / 61، روضات الجنات: 71، هدية العارفين: 1 / 82.
(2) بفتح الباء كما في الأصل، وكما ضبطه غير واحد، ومنهم
المؤلف في: " المشتبه ": 1 / 80.
(19/456)
عقيل (1) ، ثُمَّ تَحَوَّلَ شَافعيّاً،
وَدَرَّس بِالنِّظَامِيَّةِ.
تَفقَّهَ بِالشَّاشِيّ، وَالغزَالِي.
وَسَمِعَ:مِنَ النِّعَالِيّ، وَابْن البَطِرِ، وَبقِرَاءته
سَمِعَ ابْنُ كُلَيْب(الصَّحِيحَ)مِنْ أَبِي طَالِبٍ
الزَّيْنَبِيّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار:كَانَ خَارقَ الذَّكَاء، لاَ
يَكَادُ يَسْمَع شَيْئاً إِلاَّ حَفِظَهُ، حَلاَّلاً
لِلمشكلاَت، يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي تَبَحُّرِهِ،
تَصدَّر لِلإِفَادَة مُدَّةً (2) ، وَصَارَ مِنْ أَعْلاَم
الدّين، مَاتَ كَهْلاً، سَنَة ثَمَانِي عَشْرَةَ وَخَمْسِ
مائَة.
265 - أَبُو عَدْنَانَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ
المطهَّر الرَّبعِيُّ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، المُعَمَّر النَّبِيْلُ، أَبُو
عَدْنَان مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ ابْنِ الشَّيْخِ أَبِي
عُمَرَ المُطَهَّر بن أَبِي نِزَارٍ مُحَمَّد بن عَلِيِّ
بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ بُجَيْرٍ الرَّبعِيُّ،
الأَصْبَهَانِيُّ.
وُلِدَ:سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ:(المُعْجَمَ الصَّغِيْرَ)مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ
رِيْذَةَ، وَسَمِعَ مِنْ جَدِّهِ المُطَهَّر، وَجَعْفَرِ
بنِ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ، وَسَمِعَ كِتَابَ(الرُّهبَان)
__________
(1) الحنبلي وقد تقدمت ترجمته برقم (259).
(2) وكان الطلبة يقصدونه من البلدان إلى أن صار جميع
نهاره، وقطعة من ليله مستوعبا للاشتغال والقاء الدروس، وله
مصنفات في أصول الفقه، منها " الأوسط "، و" الوجيز "، وغير
ذلك. انظر " طبقات السبكي ": 6 / 31.
(*) معجم الشيوخ للسمعاني: الورقة: 202 ب - 203 أ،
التحبير: 2 / 81 - 84، تاريخ الإسلام: 4 / 226 / 2.
(19/457)
لِلأَسَلِي (1) مِنْ أَبِي القَاسِمِ عَبْد
الرَّحْمَنِ بن أَبِي بَكْرٍ الذَّكوَانِي،
وَكِتَابَ(شُيُوْخ شُعْبَة)لِلطَّيَالسِي مِنْهُ عَنْ
أَبِي الشَّيْخِ، وَكِتَاب(العِيْد)لأَبِي الشَّيْخِ،
وَكِتَاب(الأَطعمَة)لابْنِ أَبِي عَاصِمٍ،
وَكِتَاب(السّنَة (2))ليَعْقُوْب الفَسَوِيّ،
وَكِتَابَ(المِحنَةِ)جَمع صَالِح بن أَحْمَدَ.
حَدَّثَ عَنْهُ:أَبُو العَلاَءِ العَطَّار، وَأَبُو
مُوْسَى المَدِيْنِيّ، وَيَحْيَى بنُ مَحْمُوْدٍ
الثَّقَفِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ:هُوَ شَيْخٌ، سديدٌ، صَالِحٌ، هُوَ
أَبُو شَيْخَيْنَا عَبْدِ المُغِيْث (3) وَعبدِ الجَلِيْل
(4) .
قَالَ أَبُو مُوْسَى:تُوُفِّيَ فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ
الأَوَّلِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
266 - العَلَوِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ حَمْزَةُ بنُ
العَبَّاسِ بنِ عَلِيٍّ *
الشَّيْخُ الكَبِيْرُ، شَيْخُ الصُّوْفِيَّة
بِأَصْبَهَانَ، السَّيِّدُ، أَبُو مُحَمَّدٍ حَمْزَةُ بنُ
العَبَّاسِ بنِ عَلِيٍّ العَلَوِيّ، الحُسَيْنِيّ،
الأَصْبَهَانِيّ، الصُّوْفِيّ، مُكْثِر عَنْ أَبِي طَاهِر
بن عَبْدِ الرَّحِيْمِ، وَكَانَ مُقَدَّم الطَّائِفَة،
وَيُعْرَفُ بِبُرطلَة (5) .
__________
(1) انظر هامش " الأنساب ": 1 / 249، و" التحبير ": 2 /
82.
(2) اسمه الكامل كما في " التحبير ": 2 / 83: " السنة
ومجانبة أهل البدع ".
(3) ترجم له السمعاني في " التحبير ": 1 / 485، فقال: من
بيت الحديث وأهله، كان شيخا صالحا، ثقة صدوقا، من أهل
الخير، وأرخ وفاته سنة 548 ه.
(4) في " التحبير ": 1 / 431: شيخ صالح مستور من بيت
الحديث، وكانت ولادته في حدود سنة سبعين وأربع مئة تقديرا.
(*) معجم الشيوخ للسمعاني: الورقة: 98 أ - 98 ب، التحبير:
1 / 253 - 255، تاريخ الإسلام: 4 / 229 / 2، العبر: 4 /
40، شذرات الذهب: 4 / 55.
(5) وقال السمعاني في " التحبير ": 1 / 253: سيد حسن
السيرة، ورع، جميل =
(19/458)
رَوَى عَنْهُ:السِّلَفِيّ، وَأَبُو سَعْدٍ
الصَّائِغ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ
عَبدِ الخَالِق بن أَبِي شكر الجَوْهَرِيّ، وَعَفِيفَةُ
الفَارفَانِيَة (1) خاتمَة أَصْحَابِهِ، وَذَكَرَهُ
السَّمْعَانِيُّ فِي شُيُوْخِهِ بِالإِجَازَةِ (2) .
تُوُفِّيَ:فِي سَادس عَشَر جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ
سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
267 - ابْنُ سَارَةَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ
مُحَمَّدٍ *
شَاعِرُ الأَنْدَلُسِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ صَارَة - وَيُقَالُ:سَارَة - اللُّغَوِيّ،
الشَّنْتَرِينِي (3) ، نَزِيْلُ إِشبِيليَة.
__________
= الأمر، مشهور في بلده عند الخواص والعوام، عفيف، وكان
شيخ الصوفية، ومقدمهم، عمر العمر الطويل حتى حدث، وسمع منه
الناس، ورحلوا إليه.
(1) في الأصل: الفارقانية بالقاف وهو تصحيف، وقد ضبط
السمعاني والمنذري الراء بالسكون، وضبطها ياقوت بالكسر،
وفارفان: قرية من قرى أصبهان، وعفيفة هذه هي الشيخة
الصالحة المسندة أم هانئ عفيفة بنت أحمد بن عبد الله
الفارفانية الاصبهانية، توفيت سنة 606 ه وسترد ترجمتها عند
المؤلف في هذا الكتاب.
(2) في " التحبير ": 1 / 254، ونص كلامه: كتب إلي الاجازة
بجميع مسموعاته ورواياته، ومن جملتها كتاب " العلل " لعلي
ابن المديني، و" الفوائد " لأبي علي ابن منجويه...، وكتاب
" التوحيد والرد على من خالف السنة " تصنيف أبي الحسن علي
بن أحمد البوشنجي...، وكتاب " الهادي " لأبي عبد الله بن
منده الحافظ...
(*) قلائد العقبان: 260، الذخيرة: 2 ق / 2 م / 834 - 850،
معجم السلفي: الورقة: 212، الخريدة: 2 / 315، بغية
الملتمس: رقم 896، بدائع البدائه: 376، المطرب: 78، 138،
تكملة الصلة: 462، المغرب: 1 / 419، وفيات الأعيان: 3 / 93
- 95، تاريخ الإسلام: 4 / 230 / 1، العبر: 4 / 40،
المسالك: 11 / 383، الاحاطة: 3 / 439 - 441، بغية الوعاة:
2 / 57، أخباره في نفح الطيب: 1 / 499، 2 / 30 و652، 3 /
216 و438 و441 و449 و458 و567 و600 و، 4 / 301 و325 و345،
كشف الظنون: 795، شذرات الذهب: 4 / 55 - 56، هدية
العارفين: 1 / 454.
(3) بفتح الشين المعجمة، وسكون النون، وفتح التاء، وكسر
الراء: نسبة إلى شنترين بلدة في غرب جزيرة الأندلس، انظر
معجم البلدان: 3 / 367.
(19/459)
نَسَخَ بِخطِّه المَلِيْحِ لِلنَّاسِ
كَثِيْراً (1) ، وَمَدَحَ الأُمَرَاء، وَكَتَبَ
لِبَعْضِهِم، وَلَهُ(دِيْوَانٌ)مَشْهُوْر (2) .
تُوُفِّيَ:سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
268 - الحَرِيْرِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ القَاسِمُ بنُ
عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ *
العَلاَّمَةُ، البَارعُ، ذُو البلاغتين، أَبُو مُحَمَّدٍ
القَاسِم بن عَلِيِّ بنِ
__________
(1) وصفه ابن خلكان: 3 / 93 بأنه كان قليل الحظ إلا من
الحرمان، لم يسعه
مكان، ولا اشتمل عليه سلطان، وذكر ابن بسام في " الذخيرة
": 2 / 2 / 835 أنه كان يتبلغ بالوارقه وله منها جانب،
وبها بصر ثاقب، فانتحلها على كساد سوقها، وخلو طريقها،
وفيها يقول:
أما الوراقة فهي أيكة حرفة * أوراقها وثمارها الحرمان
شبهت صاحبها بصاحب إبرة * تكسو العراة وجسمها عريان
(2) وقد أورد طائفة من شعره في " الذخيرة ": و" نفح الطيب
"، و" قلائد العقيان "، و" الخريدة "، وغيرها من المصادر
التي ترجمت له، ومما أنشده له المقري في " نفح الطيب ": 4
/ 345 قوله:
بنو الدنيا بجهل عظموها * فجلت عندهم وهي الحقيره
يهارش بعضهم بعضا عليها * مهارشة الكلاب على العقيره
وقوله:
أي عذر يكون لا أي عذر * لابن سبعين مولع بالصبابه
وهو ماء لم تبق منه الليالي * في إناء الحياة إلا صبابه
وقوله:
ولقد طلبت رضى البرية جاهدا * فإذا رضاهم غاية لا تدرك
وأرى القناعة للفتى كنزا له * والبر أفضل ما به يتمسك
وقوله:
يا من تعرض دونه شحط النوى * فاستشرفت لحديثه أسماعي
إني لمن يحظى بقربك حاسد * ونواظري يحسدن فيك رقاعي
لم تطوك الايام عني إنما * نقلتك من عيني إلى أضلاعي
(*) الأنساب: 4 / 95 و121، نزهة الالباء 379 - 381،
المنتطم: 9 / 241، شرح الشريشي: 1 / 3، معجم البلدان: 2 /
235، معجم الأدباء: 16 / 261 - 293، =
(19/460)
مُحَمَّد بن عُثْمَانَ البَصْرِيّ،
الحرَامِي (1) ، الحَرِيْرِيّ، صَاحِبُ(المقَامَات).
وُلِدَ:بقَرْيَة المَشَانِ، مِنْ عمل البَصْرَة.
وَسَمِعَ مِنْ:أَبِي تَمَام مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ
مُوْسَى، وَأَبِي القَاسِمِ الفَضْلِ القصَبَانِي،
وَتَخَرَّجَ بِهِ فِي الأَدب.
قَالَ ابْنُ افْتخَارٍ:قَدِمَ الحَرِيْرِيُّ بَغْدَاد،
وَقرَأَ عَلَى عَلِيِّ بنِ فَضَال المُجَاشِعِيّ،
وَتَفَقَّهَ عَلَى ابْنِ الصَّبَّاغ، وَأَبِي إِسْحَاقَ
الشِّيرَازِي، وَقرَأَ الفَرَائِضَ عَلَى الخَبْرِيِّ،
ثُمَّ قَدِمَ بَغْدَادَ سَنَةَ خَمْس مائَة، وَحَدَّثَ
بِهَا بِجُزْءٍ مِنْ حَدِيْثِهِ وَبِمقَامَاتِهِ، وَقَدْ
أَخَذَ عَلَيْهِ فِيْهَا ابْنُ الخَشَّابِ (2) أَوْهَاماً
يَسِيْرَة
__________
= اللباب: 352 - 353 - 360، الكامل في التاريخ: 10 / 596،
طبقات ابن الصلاح: الورقة: 74، إنباه الرواة: 3 / 23 - 27،
وفيات الأعيان: 4 / 63 - 68، مختصر دول الإسلام لابن
العبري: 2 / 30، المختصر في أخبار البشر: 2 / 235 - 236،
تاريخ الإسلام: 4: 225 / 1 - 226 / 2، دول الإسلام: 2 /
43، العبر: 4 / 38، تذكرة الحفاظ: 4 / 1257، تتمة المختصر:
2 / 47 - 49، تلخيص ابن مكتوم: 194، عيون التواريخ: 13 /
406 - 414، مرآة الجنان: 3 / 213 - 221، مرآة الزمان: 8 /
67، طبقات السبكي: 7 / 266 - 270، طبقات الاسنوي: 1 / 429
- 432، البداية والنهاية: 12 / 191، 192، وفيات ابن قنفذ:
269 - 270، طبقات ابن قاضي شهبة: الورقة: 479، النجوم
الزاهرة: 5 / 235، بغية الوعاة: 2 / 257 - 259، مفتاح
السعادة: 1 / 223، معاهد التنصيص: 3 / 270 - 277، كشف
الظنون: 507 - 789، شذرات الذهب: 4 / 50 - 53، خزانة
الأدب: 3 / 117، نزهة الجليس: 2 / 2 - 5، الفلاكة
والمفلوكون: 118 - 119، روضات الجنات: 527 - 528، هدية
العارفين: 1 / 827، كنوز الاجداد: 282 - 290، دائرة
المعارف الإسلامية: 7 / 365 - 367.
(1) نسبة إلى محلة بالبصرة، وبنو حرام قبيلة من العرب
سكنوا في هذه المحلة، فنسبت إليهم.
(2) هو عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن عبد الله بن
نصر البغدادي النحوي اللغوي المتوفى سنة 567 ه، وسترد
ترجمته برقم (337) في الجزء العشرين.
(19/461)
اعْتذر عَنْهَا ابْنُ بَرِّي (1) .
قُلْتُ:وَأَملَى بِالبَصْرَةِ مَجَالِسَ، وَعَمِلَ
(دُرَّةَ الغَوَّاصِ فِي وَهْمِ الخَوَاصِ) (2) ،
وَ(المُلْحَةَ) وَشَرَحَهَا (3) ، وَ(دِيْوَاناً)فِي
الترسُّل، وَغَيْر ذَلِكَ، وَخَضَعَ لنثره وَنظمه
البُلغَاءُ.
رَوَى عَنْهُ:ابْنُهُ؛أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ،
وَالوَزِيْرُ عَلِيّ بن طِرَاد، وَقِوَامُ الدّين عَلِيُّ
بن صَدَقَةَ، وَالحَافِظُ ابْنُ نَاصر، وَأَبُو العَبَّاسِ
المَنْدَائِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ النَّقُّوْرِ،
وَمُحَمَّدُ بنُ أَسْعَد العِرَاقِي، وَالمُبَارَكُ بن
أَحْمَدَ الأَزَجِي، وَعَلِيُّ بنُ المُظَفَّر الظهيرِي،
وَأَحْمَد بن النَّاعم، وَمَنُوجَهر بن تُركَانشَاه،
وَأَبُو الْكَرم الكَرَابِيسِي، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ
المُتَوَكِّل، وَآخَرُوْنَ.
وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ:أَبُو طَاهِرٍ
الخُشُوْعِيّ الَّذِي أَجَازَ لِشُيُوْخنَا، فَعن
الحَرِيْرِيِّ قَالَ:كَانَ أَبُو زَيْد السَّرُوجِي
شَيْخاً شَحَّاذاً بَلِيْغاً، وَمُكْدِياً (4) فَصِيْحاً،
وَرَدَ البَصْرَةَ عَلَيْنَا، فَوَقَفَ فِي مَسْجِدِ بَنِي
حَرَام، فَسَلَّمَ، ثُمَّ سَأَلَ، وَكَانَ الوَالِي
حَاضِراً، وَالمَسْجَدُ غَاصٌّ بِالفُضَلاَء،
فَأَعْجَبتهُم فَصَاحَتُهُ، وَذَكَرَ أَسْرَ الرُّوْم
وَلدَه كَمَا ذكرنَا فِي(المقَامَة الحرَامِيَة)فَاجتمع
عِنْدِي جَمَاعَةٌ، فَحكيتُ أَمرَه، فَحكَى لِي كُلُّ
وَاحِدٍ أَنَّهُ شَاهَدَ مِنْهُ فِي مَسْجِدٍ مِثْل مَا
شَاهدتُ، وَأَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ مَعْنَى
__________
(1) هو أبو محمد عبد الله بن بري المقدسي المصري، أحد أئمة
اللغة والنحو،
المتوفى سنة 576 أو 582 ه.
وسترد ترجمته عند المؤلف.
(2) ولها شروح كثيرة اجتمع منها عند البغدادي صاحب
الخزانة: 3 / 117 خمسة شروح.
(3) في الاعراب، قال البغدادي: وهو عند العلماء يعد ضعيفا
في النحو.
(4) من الكدية، وهو سؤال الناس، يقال: أكدى: ألح في
المسألة.
(19/462)
فِي فَصل، وَكَانَ يُغَيِّر شكلَه،
فَتَعجَّبُوا مِنْ جَرَيَانه فِي مَيدَانه، وَتَصرُّفِهِ
فِي تَلُوُّنِهِ، وَإِحسَانه، وَعَلَيْهِ بَنَيْتُ هَذِهِ
المقَامَات.
نَقل هَذِهِ القِصَّة التَّاج المَسْعُوْدِيّ، عَنِ ابْنِ
النَّقُّوْرِ، عَنْهُ.
قُلْتُ:اشتهرتِ المقَامَاتُ، وَأَعْجَبت وَزِيْرَ
المُسْترشد شرفَ الدّين أَنوشِروَان القَاشَانِي (1) ،
فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِإِتمَامهَا، وَهُوَ القَائِلُ فِي
الخطبَة:فَأَشَارَ مَنْ إِشَارته حُكْمٌ، وَطَاعته غُنْمٌ.
وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ الرَّاوِي لَهَا بِالحَارِثِ بنِ
هَمَّامٍ، فَعَنَى بِهَا نَفْسَه أَخْذاً بِمَا وَرَدَ فِي
الحَدِيْثِ:(كُلُّكُمْ حَارِثٌ، وَكُلُّكُم هَمَّامٌ
(2))فَالحَارِثُ:الكَاسب، وَالهمَّام:الكَثِيْرُ
الاهتمَامِ، فَقصَدَ الصِّفَة فِيْهِمَا، لاَ
العَلَمِيَّة.
وَبنُو حَرَام:بِحَاء مَفْتُوْحَة وَرَاءٍ، وَالمشَان
بِالفَتْح:بُليدَة فَوْقَ البَصْرَة مَعْرُوْفَة بِالوخم.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَان (3) :وَجَدْت فِي عِدَّة تَوَارِيخَ
أَنَّ الحَرِيْرِيَّ صَنَّفَ
__________
(1) مترجم في " المنتظم ": 10 / 77، و" البداية والنهاية
": 12 / 191، وشذرات الذهب: 4 / 101.
(2) لا يعرف بهذا اللفظ، ويقرب منه ما أخرجه أحمد: 4 /
345، وأبو داوود (495) في الأدب: باب تغيير الأسماء،
والنسائي: 6 / 218، 219 في الخيل: باب ما يستحب من شية
الخيل، والبخاري في " الأدب المفرد ": 2 / 277 من طريق
عقيل بن شبيب، عن أبي وهب الجشمي وكانت له صحبة، قال: قال
رسول صلى الله عليه وسلم: " تسموا بأسماء الأنبياء، وأحب
الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمان، وأصدقها حارث
وهمام، وأقبحها حرب ومرة " وعقيل بن شبيب لم يوثقه غير ابن
حبان، وباقي رجاله ثقات، وله شواهد من حديث المغيرة بن
شعبة عند مسلم (2135)، ومن حديث ابن عمر عند مسلم (2132)
أيضا، ومن حديث عبد الله بن عمر اليحصبي مرسلا عند ابن وهب
في " الجامع ": ص: 7، وسنده صحيح.
(3) في " وفيات الأعيان ": 4 / 64.
(19/463)
(المقَامَاتِ)بِإِشَارَة أَنو شروَان،
إِلَى أَنْ رَأَيْتُ بِالقَاهِرَةِ نسخَةً بِخَطِّ
المصَنّف، وَقَدْ كتب أَنَّهُ صنفهَا لِلوزِيْر جلاَل
الدّين أَبِي عَلِيٍّ بنِ صَدَقَةَ وَزِيْرِ المُسْترشدِ،
فَهَذَا أَصَحُّ، لأَنَّه بِخَطِّ المُصَنِّفِ.
وَفِي(تَارِيخ النُّحَاةِ (1))لِلْقِفطِيِّ:أَنَّ أَبَا
زَيْدٍ السَّروجِي اسْمُهُ مُطهَّر بن سلاَّر، وَكَانَ
بَصْرِيّاً لغوياً، صَحِبَ الحَرِيْرِيّ، وَتَخَرَّج بِهِ،
وَتُوُفِّيَ بَعْد عَامِ أَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ،
سَمِعَ أَبُو الفَتْحِ المَنْدَائِيُّ
مِنْهُ(المُلحَة)بِسمَاعه مِنَ الحَرِيْرِيّ.
وَقِيْلَ:إِنَّ الحَرِيْرِيّ عَمِلَ المقَامَات
أَرْبَعِيْنَ وَأَتَى بِهَا إِلَى بَغْدَادَ، فَقَالَ
بَعْضُ الأَدبَاء:هَذِهِ لِرَجُلٍ مَغْرِبِي مَاتَ
بِالبَصْرَةِ، فَادَّعَاهَا الحَرِيْرِيُّ، فَسَأَلَهُ
الوَزِيْرُ عَنْ صنَاعته، فَقَالَ:الأَدبُ، فَاقترح
عَلَيْهِ إِنشَاءَ رِسَالَةٍ فِي وَاقعَةٍ عَيَّنهَا،
فَانْفرد وَقَعَدَ زَمَاناً لَمْ يُفْتَحْ عَلَيْهِ بِمَا
يَكتُبُه، فَقَامَ خجلاً.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ أَفلح الشَّاعِر:
شَيْخٌ لَنَا مِنْ رَبِيْعَةَ الفَرَسِ ... يَنْتِفُ
عُثْنُونَه مِنَ الهَوَسِ
أَنْطَقَهُ اللهُ بِالمَشَانِ كَمَا ... رَمَاهُ وَسْطَ
الدِّيْوَانِ بِالخَرَسِ
وَكَانَ يذكر أَنَّهُ مِنْ رَبِيْعَة الفَرَس، وَكَانَ
يَعْبَثُ بِلحيته، فَلَمَّا ردَّ إِلَى بَلَده، كَمَّلَهَا
خَمْسِيْنَ وَنفَّذهَا، وَاعْتَذَرَ عَنْ عِيِّهِ
بِالهَيْبَةِ (2) .
وَقِيْلَ:بَلْ كَرِهَ المُقَامَة بِبَغْدَادَ،
فَتَجَاهَلَ، وَقَبَّل صغِيراً بحَلْقَة،
__________
(1) 3 / 276 في ترجمة المطهر بن سلار.
(2) " وفيات الأعيان ": 4 / 65، 66، والعثنون: طرف اللحية،
والهوس محركة: طرف من الجنون وخفة العقل.
وقال البغدادي في " خزانة الأدب ": 3 / 117 عن مقامات
الحريري: اشتملت على شيء كثير من كلام العرب من لغاتها
وأمثالها، ورموز أسرار كلامها، ومن عرفها حق معرفتها،
استدل بها على فضله، وكثرة اطلاعه، وغزارة مادته.
(19/464)
وَكَانَ غنِيّاً لَهُ ثَمَانِيَةَ عشرَ
أَلفَ نَخلَةٍ.
وَقِيْلَ:كَانَ عفشاً زَرِيَّ اللِّباس (1) فِيْهِ بخل،
فَنَهَاهُ الأَمِيْرُ عَنْ نَتف لِحْيته، وَتوعَّده،
فَتكلّم يَوْماً بِشَيْءٍ أَعْجَبَ الأَمِيْرَ،
فَقَالَ:سَلْنِي مَا شِئْت.
قَالَ:أَقطعنِي لحيتِي.
فَضَحِكَ، وَقَالَ:قَدْ فَعَلْتُ.
تُوُفِّيَ الحَرِيْرِيّ:فِي سَادِس رَجَب، سَنَةَ سِتَّ
عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، بِالبَصْرَةِ، وَخلَّف
ابْنِيْنَ:نَجم الدّين عَبْد اللهِ، وَقَاضِي البَصْرَةِ
ضيَاء الإِسْلاَم عُبيد الله، وَعُمُرُهُ سَبْعُوْنَ
سَنَةً.
269 - ابْنُ السَّمَرْقَنْديِّ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ
بنِ عُمَرَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ المُتْقِنُ، أَبُو
مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ ابنُ المُقْرِئِ المُحَقِّقِ
أَحْمَد بن عُمَرَ بنِ أَبِي الأَشْعَثِ بن
السَّمَرْقَنْدي الدِّمَشْقِيُّ المَوْلِد، البَغْدَادِيُّ
الدَّارِ، اللُّغَوِيّ، أَخُو المُحَدِّث إِسْمَاعِيْل.
سَمِعَ:أَبَا بَكْرٍ الخَطِيْب، وَعَبْدَ العَزِيْزِ
الكَتَانِي، وَأَبَا نَصْرٍ بنَ طَلاَّب، وَعبدَ الدَّائِم
الهِلاَلِي بِدِمَشْقَ، وَأَبَا الحُسَيْنِ بن
النَّقُّوْرِ، وَالصَّرِيفِيْنِي، وَعِدَّةً بِبَغْدَادَ،
وَعبدَ الرَّحْمَن بن مُحَمَّدِ بنِ عَفِيْفٍ بِبُوشنج،
وَعَلِيُّ بنَ مُوْسَى الموسوِي بِمَرْوَ، وَكَامِلَ بن
إِبْرَاهِيْمَ الخَنْدَقِي بِجُرْجَان،
__________
(1) ذكروا أنه جاء غريب يزوره، ويأخذ عنه شيئا، فلما رآه
استقبح منظره، واستزراه، ففهم ذلك الحريري منه، فأملى عليه
قوله:
ما أنت أول سار غره قمر * ورائد أعجبته خضرة الدمن
فاختر لنفسك غيري إنني رجل * مثل المعيدي فأسمع بي ولا
ترني
(*) المنتظم: 9 / 238 - 239، الكامل في التاريخ: 10 / 605،
تاريخ الإسلام: 4 / 223 / 2، دول الإسلام: 2 /، العبر: 4 /
37، تذكرة الحفاظ: 4 / 1263، المستفاد: 137 - 138، البداية
والنهاية: 12 / 191، النجوم الزاهرة: 5 / 223، شذرات
الذهب: 4 / 49.
(19/465)
وَالفَضْلَ بنَ المُحِبِّ، وَعِدَّةً
بِنَيْسَابُوْرَ، وَأَبَا مَنْصُوْرٍ بن شكرويه
وَطَبَقَتَهُ بِأَصْبَهَانَ.
وَعُنِيَ بِالحَدِيْثِ، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَكَانَ
يَفهَم وَيَدْرِي، مَعَ الإِتْقَان وَالتَّحرِّي
وَالدِّيْنِ، وَسَعَةِ الأَدبِ، وَكَانَ يَقرَأُ لنِظَام
المُلك عَلَى الشُّيُوْخِ، وَيُفِيدُهُ.
خَرَّجَ لِنَفْسِهِ(المُعْجَمَ).
مَوْلِدُهُ:سَنَةَ(444).
حَدَّثَ عَنْهُ السِّلَفِيّ، وَقَالَ:كَانَ فَاضِلاً
عَالِماً، ثِقَةً، ذَا لَسَنٍ وَعَرَبِيَّةٍ، إِذَا قرَأَ
أَعربَ وَأَغرب.
قُلْتُ:مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ
وَخَمْس مائَة، وَكَانَ أَبُوْهُ مِنْ كِبَارِ تَلاَمذَةِ
أَبِي عَلِيٍّ الأَهْوَازِيّ فِي القِرَاءات، وَسيَأْتِي
أَخُوْهُ إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار:كَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ يَكتُب
مَلِيحاً، وَيَضْبِطُ صَحِيْحاً، كَانَ مَوْصُوَفاً
بِالحِفْظ وَالثِّقَة.
رَوَى عَنْهُ:أَخُوْهُ، وَبِنْتُه كَمَال (1) ، وَابْنُ
نَاصر، وَهِبَةُ اللهِ بن مُكرَّم، وَشَيْخَانَا ذَاكرُ
بنُ كَامِلٍ، وَيَحْيَى بنُ بَوشٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الغَافِرِ فِي(السِّيَاق):أَبُو مُحَمَّدٍ
السَّمَرْقَنْدي شَابّ،
__________
(1) هي المحدثة أم الحسن كمال بنت عبد الله بن أحمد
السمرقندي، حدثت عن النعالي وطراد الزينبي، وقرئ عليها
الجزء الثاني من أمالي إسماعيل المحاملي، وسمع عليها الجزء
السادس والسابع والثامن من حديث المحاملي بسماعها من عمر
بن علي الطوسي، وتوفيت سنة 558 سترد ترجمتها في الجزء
العشرين برقم (276).
(19/466)
فَاضِلٌ، حَافظٌ، حديدُ الخَاطرِ، خَفِيفُ
الرُّوح...، إِلَى أَنْ قَالَ:كَانَ حَافِظَ وَقْتِهِ (1)
.
270 - أَبُو سَعْدٍ بنُ الطُّيُورِيِّ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ
الجَبَّارِ *
الشَّيْخُ، الصَّدُوْقُ، المُسْنِدُ، أَبُو سَعْدٍ
أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ بن أَحْمَدَ بنِ القَاسِمِ
الصَّيْرَفِيِّ، ابنُ الطيورِي البَغْدَادِيُّ،
المُقْرِئُ، الدَّلاَّلُ فِي الكُتُبِ، أَخُو المُحَدِّث
أَبِي الحُسَيْنِ.
كَانَ صَالِحاً، مُقْرِئاً، مُكْثِراً.
سَمِعَ:أَبَا طَالب بن غَيْلاَنَ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ
الخَلاَّل، وَأَبَا الطَّيِّب الطَّبَرِيّ،
وَالجَوْهَرِيّ، وَالعُشَارِي، وَعِدَّةً.
وَأَجَازَ لَهُ:أَبُو عَلِيٍّ الأَهْوَازِيّ، وَالحَافِظُ
مُحَمَّد بن عَلِيٍّ الصُّوْرِيّ، وَالحَسَنُ بنُ
مُحَمَّدٍ الخَلاَّل، وَطَائِفَة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار:قرَأَ بِالروَايَاتِ عَلَى أَبِي
بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الخَيَّاط، وَأَبِي عَلِيٍّ
بنِ البَنَّاء.
__________
(1) في منتظم ابن الجوزي: 9 / 239: أن المترجم قصد أبا
عثمان بن الورقاء في بيت المقدس، فطلب منه جزءا، فوعده به،
ونسي أن يخرجه، فتقاضاه، فوعده مرارا، فقال له: أيها
الشيخ، لا تنظر إلي بعين الصبوة، فإن الله قد رزقني من هذا
الشأن ما لم يرزق أبا زرعة الرازي، فقال له الشيخ: الحمد
لله، ثم رجع إليه يطلب الجزء، فقال الشيخ: أيها الشاب إني
طلبت البارحة الاجزاء، فلم أجد فيها جزءا لأبي زرعة
الرازي، فخجل وقام.
(*) المنتظم: 9 / 247، تاريخ الإسلام: 4 / 228 / 1، العبر:
4 / 39، تذكرة الحفاظ، 4 / 1265، الوافي بالوفيات: 7 / 14،
عيون التواريخ: 13 / 430، غاية النهاية: 1 / 65، شذرات
الذهب: 4 / 53 - 54.
(19/467)
قَالَ:وَأَجَازَ لَهُ عَبْدُ العَزِيْزِ بن
عَلِيٍّ الأَزَجِي وَغَيْرهُ.
حَدَّثَ عَنْهُ:أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَالصَّائِنُ
بنُ عَسَاكِرَ، وَابْن بَوش، وَذَاكرُ بنُ كَامِلٍ،
وَعِدَّة.
وَتَفَرَّد بِإِجَازته:يَحْيَى بن بَوش، وَعفِيفَةُ
الفَارفَانِيَة.
تُوُفِّيَ:فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ
مائَة.
وَكَانَ مَوْلِدُهُ:فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ
وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار:صَدُوْقٌ، صَحِيْحُ السَّمَاع،
دَلاَّلٌ فِي الكُتُبِ.
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، أَنْبَأَنَا يَحْيَى
بنُ بَوش، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ
قِرَاءةً عَلَيْهِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ،
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا
الحَارِثُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ،
أَخْبَرْنَا ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ حَكِيْمٍ بنِ
جَابِرٍ، عَنْ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ:(الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، مِثْلاً
بِمِثْلٍ، يَداً بِيَدٍ.....)وَذَكَرَ الحَدِيْثَ (1) .
__________
(1) إسناده صحيح، الحارث بن محمد هو ابن أبي أسامة التميمي
البغدادي الحافظ صاحب المسند، ويزيد: هو ابن هارون
الواسطي، وابن أبي خالد: هو إسماعيل بن أبي خالد الاحمسي،
وأخرجه النسائي: 7 / 277، والبيهقي: 5 / 278 من طريقين، عن
إسماعيل بن أبي خالد بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد: 5 / 320، ومسلم (1587)، وأبو داود (3350)،
والترمذي (1240)، وابن الجارود (650)، والدارمي: 2 / 258،
259، والدارقطني: 3 / 24، والطحاوي: 4 / 66، والبيهقي: 5 /
278 و284 من طريق أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي، عن
أبي الاشعث الصنعاني، عن عبادة بن الصامت، قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " الذهب بالذهب، والفضة بالفضة،
والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح
بالملح مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد
فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء ".
وقد تابع أبا قلابة عليه مسلم بن يسار المكي، عن أبي
الاشعث به، عند أبي داود (3349)، والنسائي: 7 / 274 - 277،
وابن ماجة (2254)، والطحاوي: 4 / 66، والبيهقي: 5 / 277.
(19/468)
271 - ابْنُ الْمُهْتَدي بِاللهِ مُحَمَّدُ
بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، الصَّالِحُ، العَدْلُ، الصَّادِقُ،
أَبُو الغَنَائِمِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ
بنِ مُحَمَّدِ بنِ الْمُهْتَدي بِاللهِ الهَاشِمِيُّ،
العَبَّاسِيُّ، البَغْدَادِيُّ، الحَرِيْمِيُّ (1) ،
الخَطِيْبُ، مِنْ بَقَايَا المُسْنِدِينَ بِبَغْدَادَ.
سَمِعَ:أَبَا القَاسِمِ بنَ لُؤْلُؤ، وَأَبَا الحَسَنِ
القَزْوِيْنِيّ، وَأَبَا إِسْحَاقَ البَرْمَكِيّ، وَأَبَا
مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ.
حَدَّثَ عَنْهُ:ابْنُ نَاصر، وَالسِّلَفِيّ، وَذَاكرُ بنُ
كَامِلٍ، وَأَبُو طَاهِرٍ المُبَارَك بن الْمَعْطُوشِ،
وَآخَرُوْنَ.
وَأَجَازَ لِلْخُشوعِي (2) .
مَوْلِدُهُ:فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ
مائَةٍ.
وَمَاتَ:فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ(517).
272 - الفَرَضِيُّ أَبُو المَعَالِي هِبَةُ اللهِ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ **
الشَّيْخُ، أَبُو المَعَالِي هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ
بنِ أَحْمَدَ بنِ مُسْلِمٍ البَغْدَادِيّ (3) ،
الفَرَضِيّ، أَخُو نَصْرِ اللهِ.
سَمِعَ:أَبَا طَالب بن غَيْلاَنَ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ بنَ
الخَلاَّل، وَالجَوْهَرِيّ.
__________
(*) المنتظم: 9 / 248، تاريخ الإسلام: 4 / 231 / 2 - 232 /
1، العبر: 4 / 41، الوافي بالوفيات: 1 / 153 - 154، شذرات
الذهب: 4 / 57.
(1) نسبة إلى الحريم الطاهري: محلة كبيرة ببغداد بالجانب
الغربي منها.
(2) قال ابن الجوزي في " المنتظم ": 9 / 248: وكان شيخا ذا
هيئة جميلة، وصلاح ظاهر، وسماعه صحيح، وكان شيخنا عبد
الوهاب يثني عليه، ويصفه بالصدق، والصلاح، وعاش مئة
وثلاثين سنة وكسرا ممتعا بجميع جوارحه.
(* *) تاريخ الإسلام: 4 / 232 / 1.
(3) في تاريخ الإسلام: بغدادي ثقة.
(19/469)
رَوَى عَنْهُ:المُبَارَكُ بنُ كَامِلٍ،
وَيَحْيَى بن بَوش، وَغَيْرهُمَا.
ذكره ابْن النَّجَّار.
مَاتَ:فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ
مائَة، وَلَهُ تِسْعُوْنَ سَنَةً - رَحِمَهُ اللهُ - .
273 - النُّوحِيُّ أَبُو إِبْرَاهِيْمَ إِسْحَاقُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الفَقِيْهُ، الخَطِيْبُ
الكَبِيْرُ، أَبُو إِبْرَاهِيْمَ إِسْحَاق بن مُحَمَّدِ
بنِ إِبْرَاهِيْمَ بن مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ نُوْح
النُّوحِي، النَّسفِي، الحَنَفِيّ، شَيْخُ الحَنَفِيَّة،
رَاوِي كِتَاب(تَنبيه الغَافلين)عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ نَافلَةِ مُحَمَّد بن عَلِيٍّ التِّرْمِذِيّ
صَاحِبِ المُؤلف أَبِي اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدي.
وَرَوَى أَيْضاً عَنْ:عُمَرَ بنِ أَحْمَدَ بنِ شَاهِيْنٍ
السَّمَرْقَنْدي، وَعَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ السَّعْدِيّ،
وَعَلِيِّ بن حَسَنِ بنِ مَكِّيّ النَّسفِي، وَالعَلاَّمَة
عَبْدِ العَزِيْزِ بن أَحْمَدَ الحَلوَائِي، وَالحَافِظ
أَبِي مَسْعُوْدٍ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ البَجَلِيّ.
حَدَّثَ عَنْهُ:عُمَرُ بنُ حَسَن الدَّرْغِي،
وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ يَعْقُوْبَ الوَاعِظ، وَمُحَمَّدُ بنُ
مُحَمَّدٍ السَّعْدِيّ المُؤَدِّب، وَمُحَمَّد بن يُوْسُفَ
النُّجَانِيكثي (1) ، وَأَسَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ
القَطَوَانِي، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
__________
(*) الأنساب: الورقة: 570 أ، اللباب: 3 / 329، الجواهر
المضية: 1 / 370 - 371، الطبقات السنية رقم: 458.
(1) النجانيكثي ضبطه السمعاني بضم النون وفتح الجيم وبعدها
ألف ثم نون أخرى مكسورة وياء ساكنة وكاف مفتوحة، وفي آخرها
الثاء المثلثة، وقال: هذه النسبة إلى نجانيكث، وهي بليدة
بنواحي سمرقند فيما أظن عند إسروشنة، وذكر منها محمد بن
يوسف هذا وقال: كان فقيها صالحا ساكنا، سمع أبا الحسن علي
بن عثمان الخراط وغيره، كتبت عنه بسمرقند، وذكر أنه حدث عن
المترجم.
(19/470)
فَارِس الهَاشِمِيّ، وَمَحْمُوْدُ بنُ
عَلِيٍّ النَّسفِي، وَعَلِيّ بن عبد الخَالِق اليَشْكُرِيّ
مشيخَةِ أَبِي المُظَفَّر السَّمْعَانِيّ، وَعِدَّة.
أَملَى مُدَّة بِسَمَرْقَنْدَ مِنْ أُصُوْله، وَكَانَ مِنْ
كِبَارِ الأَئِمَّة.
مَاتَ:فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ
وَخَمْسِ مائَة، وَلَهُ خَمْسٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
274 - الزَّعْفَرَانِيُّ مُحَمَّدُ بنُ مَرْزُوْقِ بنِ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، العَلاَّمَةُ،
المُحَدِّثُ، الثَّبْتُ، الصَّالِحُ، أَبُو الحَسَنِ
مُحَمَّدُ بنُ مَرْزُوْق بن عَبْدِ الرَّزَّاقِ بن
مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيّ، الزَّعْفَرَانِيّ، الجَلاَّب،
الشَّافِعِيّ.
مَوْلِدُهُ:فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ
وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَكَانَ تَاجِراً جَوَّالاً.
سَمِعَ:أَبَا بَكْرٍ الخَطِيْب فَأَكْثَر، وَأَبَا
جَعْفَرٍ بن المُسْلِمَة، وَعَبْدَ الصَّمَدِ بن
المَأْمُوْن، وَأَبَا الحُسَيْنِ بن الْمُهْتَدي بِاللهِ،
وَابْن النَّقُّوْرِ.
وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ:أَبَا نَصْرٍ بن طَلاَّب.
وَبِالبَصْرَةِ:مُحَمَّد بن عَلِيٍّ السِّيرَافِي، وَأَبَا
عَلِيٍّ التُّسْتَرِيّ.
وَبِأَصْبَهَانَ:أَبَا مَنْصُوْرٍ بن شكرويه، وَطَائِفَة.
وَبمصر مِنْ:صَالِح بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ رِشْدِيْنَ،
وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَحرَّر، وَقيَّدَ وَجَمَعَ
وَصَنَّفَ، وَتَفَقَّهَ عَلَى الشَّيْخ أَبِي إِسْحَاقَ،
فَبرع فِي المَذْهَب (1) .
__________
(*) المنتظم: 9 / 249، الكامل في التاريخ: 10 / 625، طبقات
الشافعية من تاريخ الإسلام: 196 / 1، تاريخ الإسلام: 4 /
232 / 1، العبر: 4 / 41، تذكرة الحفاظ: 4 / 1265، كشف
الظنون: 355، 1831، شذرات الذهب: 4 / 57، هدية العارفين: 2
/ 84.
(1) وقال ابن الجوزي في " المنتظم ": 9 / 249: وسمع
بالبصرة، وخوزستان، وأصبهان، والشام، ومصر، وكان سماعه
صحيحا، وكان ثقة له فهم جيد، وكتب تصانيف الخطيب وسمعها
منه.
(19/471)
حَدَّثَ عَنْهُ:يُوْسُفُ بنُ مَكِّيٍّ،
وَأَبُو طَاهِرٍ بنُ الحِصْنِي، وَهِبَةُ اللهِ بنُ
الحَسَنِ الصَّائِنُ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ،
وَعَبْدُ الحَقِّ اليُوسُفِيُّ، وَأَخُوْهُ عَبْدُ
الرَّحِيْمِ، وَيَحْيَى بن بَوشٍ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ:بِبَغْدَادَ، فِي صَفَرٍ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ
وَخَمْسِ مائَة.
وَفِيْهَا مَاتَ:أَبُو سَعْدٍ (1) بنُ الطُّيورِي، وَأَبُو
عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ
الخَيَّاط التَّغْلِبِيّ شَاعِر الشَّام، وَأَبُو
مُحَمَّدٍ حَمْزَةُ بنُ العَبَّاسِ العَلَوِيّ (2) ،
وَظرِيفُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُوْرِيّ (3) ، وَأَبُو
نَهْشَل عبدُ الصَّمد بن أَحْمَدَ العَنْبَرِيُّ (4) ،
وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ الْمُهْتَدي بِاللهِ، وَأَبُو
صَادِق مرشدُ بن يَحْيَى المَدِيْنِيُّ (5) ، وَأَبُو
عِمْرَانَ مُوْسَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي تليد
الشَّاطبِي (6) .
275 - الدَّشتجُ أَبُو طَاهِرٍ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ الوَقْت، أَبُو طَاهِرٍ
عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ
الهَيْثَمِ الأَصْبَهَانِيّ، الذَّهَبِيّ، الصَّبَّاغ،
الدَّشتِي، وَيُقَالُ:الدَّشتج.
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (270).
(2) تقدمت ترجمته برقم (266).
(3) تقدمت ترجمته برقم (217).
(4) سترد ترجمته برقم (281).
(5) سترد ترجمته برقم (278).
(6) سترد ترجمته برقم (229).
(*) التحبير: 1 / 497 - 498، معجم شيوخ السمعاني: الورقة /
163 أ، تاريخ الإسلام: 2 / 234 / 2، العبر: 4 / 43، عيون
التواريخ: 13 / 447.
(19/472)
خَاتمَةُ مَنْ رَوَى عَنْ:أَبِي نُعَيْمٍ
الحَافِظ، وَعبدِ الرَّحْمَن بن أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ
الصَّفَّار.
وَقَدْ سَمِعَ أَيْضاً مِنْ:أَبِي بَكْرٍ بنِ رِيذه،
وَأَبِي الوَفَاء مَهْدِيّ بن مُحَمَّدٍ، وَعبيدِ الله بن
المُعتز، وَغَيْرِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ:السِّلَفِيّ، وَأَبُو مُوْسَى
المَدِيْنِيّ، وَأَحْمَدُ بنُ الفَضْلِ الكَرَّانِيّ،
وَعفِيفَةُ الفَارفَانِيَة، وَعبدُ الوَاحِد بن أَبِي
المطهَّر، وَآخَرُوْنَ، وَبَالحُضُوْر يَحْيَى الثَّقفِي،
وَأَبُو جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيّ، وَسمَاعُهُ مِنْ أَبِي
نُعَيْمٍ حُضُوْر (1) .
مَاتَ:فِي ثَانِي عشر رَبِيْعٍ الأَوّلِ، سَنَةَ ثَمَانَ
عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة، وَلَهُ نَيِّفٌ وَتِسْعُوْنَ
سَنَةً.
276 - المُرَتِّب أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ
مُحَمَّدٍ *
الإِمَامُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ ابنُ أَبِي القَاسِمِ
أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيّ، الدَّهَّان،
المُرتِّب، كَانَ مُرتِّباً لِلصُّفوف بِجَامِعِ
المَنْصُوْر، وَكَانَ يُؤرِّخُ، وَيُذَاكر، لَكنَّه
أُمِّي.
سَمِعَ:أَبَا الغنَائِم بنَ المَأْمُوْن، وَابْنَ المُهتدي
بِاللهِ، وَصَحِبَ أَبَا عَلِيٍّ بن الشِّبْل.
__________
(1) وقال السمعاني في " التحبير ": 1 / 497 بعد أن وصفه
بأنه شيخ صالح: كتب إلي الاجازة بجميع مسموعاته، ومن
جملتها كتاب " التوكل " لابن خزيمة، وأحاديث علي ابن حجر،
و" طبقات الصوفية " لأبي عبد الرحمان السلمي.
(*) الأنساب: الورقة 520، اللباب: 3 / 193، تاريخ الإسلام:
4 / 235 / 1.
(19/473)
رَوَى عَنْهُ:السِّلَفِيّ، وَخطيبُ
المَوْصِل، وَمُحَمَّد بن درمَا الصِّلحِي (1) ،
وَطَائِفَة.
تُوُفِّيَ:سَنَةَ ثَمَان عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ:سَمِعَ المُرَتِّب لِنَفْسِهِ فِي
جزءٍ عَلَى الخَطِيْب، وَأَرَّخَهُ سَنَةَ خَمْسٍ
وَسِتِّيْنَ، فَافْتُضِحَ.
277 - الدَّقَّاقُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ
مُحَمَّدٍ *
الحَافِظُ الأَوحدُ، المُفِيْدُ، الرَّحَّال، أَبُو عَبْدِ
اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ مُحَمَّدٍ
الأَصْبَهَانِيّ، الدَّقَّاق.
كَانَ يَقُوْلُ:عُرِفْتُ بَيْنَ الطَّلبَةِ بِالدَّقَّاق
بِصديقِي أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاق، وَوُلِدْتُ بِمحلَة
جُروَاءان (2) سَنَةَ بِضْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ
مائَةٍ، وَسَمِعْتُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ مِنَ
الخَطِيْب عَبْدِ اللهِ بنِ شَبِيْبٍ الضَّبِّيّ،
وَأَحْمَد بنِ الفَضْلِ البَاطِرْقَانِي، وَسَعِيْد
العيَّار، وَأَبِي الفَضْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن
أَحْمَدَ الرَّازِيّ، وَأَصْحَابِ ابْنِ المُقْرِئ،
وَشيخنَا أَبِي القَاسِمِ ابْن مَنْدَه، وَأَوَّلُ رِحلتِي
كَانَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ، وَسَمِعْتُ
بِنَيْسَابُوْرَ وَطُوسَ، وَسَرْخَسَ، وَمَرْوَ،
وَهَرَاةَ، وَبَلْخَ، وَجُرْجَانَ، وَبُخَارَى،
وَسَمَرْقَنْد، وَكِرْمَان،
__________
(1) نسبة إلى فم الصلح: بلدة على دجلة بأعلى واسط بينهما
خمسة فراسخ.
(*) مختصر طبقات علماء الحديث: الورقة 225، تاريخ الإسلام:
4 / 227 / 1، العبر: 4 / 38 - 39، تذكرة الحفاظ: 4 / 1255
- 1256، عيون التواريخ: 13 / 415، طبقات الحفاظ: 456،
شذرات الذهب: 4 / 56.
(2) محلة كبيرة بأصبهان.
(19/474)
وَلَمْ نَصِلْ إِلَى العِرَاقِ.
إِلَى أَنْ قَالَ:فَأَمَّا الَّذِيْنَ كَتَبتُ عَنْهُم
بِأَصْبَهَانَ، فَأَكْثَر مِنْ أَلفِ شَيْخ، وَكَتَبتُ فِي
الرّحلَة عَنْ أَكْثَر مِنْ أَلفٍ أُخْرَى، فَقَدْ
سَمِعْتُ بِهَرَاةَ وَنِيسَابُوْر مِنْ سِتِّ مائَة.
قُلْتُ:كَانَ الدَّقَّاق مُحَدِّثاً مُكْثِراً، أَثرِيّاً
متبعاً، فَقيراً متعففاً، ديِّناً (1) .
حَدَّثَ عَنْهُ:السِّلَفِيُّ، وَأَبُو سَعْدٍ الصَّائِغ،
وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيّ، وَخَلِيْلُ بنُ بَدْرٍ
الرَّارَانِيّ، وَعِدَّة.
مَاتَ:فِي شَوَّال، فِي سَادِسِهِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ
وَخَمْسِ مائَة.
278 - أَبُو صَادِقٍ المَدِيْنِيُّ مُرشِدُ بنُ يَحْيَى
بنِ القَاسِمِ *
المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، العَالِمُ، أَبُو صَادِق مرشدُ
بنُ يَحْيَى بنِ القَاسِمِ المَدِيْنِيّ، ثُمَّ
المِصْرِيّ.
سَمِعَ:أَبَا الحَسَنِ عَلِيّ بن حِمِّصَة، وَعَلِيَّ بنَ
رَبِيْعَةَ، وَأَبَا القَاسِمِ عَلِيَّ بنَ مُحَمَّدٍ
الفَارِسِيّ، وَمُحَمَّدَ بنَ الحُسَيْنِ الطَّفَال،
وَدَاجِناً السَّدُوْسِيَّ، وَالحكيمِي، وَعِدَّة.
__________
(1) زاد المؤلف في " الطبقات ": 4 / 1256: إلا أنه كان
يبالغ في تعظيم عبد الرحمان شيخه، ويؤذي الأشعرية.
وعبد الرحمان شيخه هو أبو القاسم عبد الرحمان بن محمد بن
إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده العبدي الأصبهاني المتوفى
سنة (470) ه.
تقدمت ترجمته في الثامن عشر برقم (168)، وأنظر ما قاله
الدقاق في شيخه هذا في " تذكرة الحفاظ ": 3 / 1165 للمؤلف.
(*) تاريخ الإسلام: 4 / 232 / 1، دول الإسلام: 2 / 44،
العبر: 4 / 41، عيون التواريخ: 13 / 431، شذرات الذهب: 4 /
57.
(19/475)
وَأَجَازَ لَهُ:عَلِيُّ بنُ مُنِيْر
الخَلاَّل، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ صَخْر، وَطَائِفَة.
قَالَ السِّلَفِيّ:كَانَ ثِقَةً، صَحِيْحَ الأُصُوْل (1) ،
أَكْثَرُهَا بِخَطِّ ابْنِ بقَاء وَبقِرَاءته.
حَدَّثَ عَنْهُ:السِّلَفِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ
الرَّحَبِيّ، وَعشيرُ بن عَلِيٍّ المزَارع، وَعَلِيُّ بنُ
هِبَةِ اللهِ الكَامِلِي، وَعَبْد اللهِ بن برِّي
النَّحْوِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ
البُوصِيْرِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ:فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ
وَخَمْسِ مائَة.
279 - ابْنُ الخَيَّاط أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ *
شَاعِرُ عَصْرِهِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بن يَحْيَى بنِ صَدَقَة
التَّغْلِبِيّ، الدِّمَشْقِيّ، الكَاتِبُ، مِنْ كِبَارِ
الأَدبَاء، وَنظمُهُ فِي الذِّرْوَةِ،
وَ(دِيْوَانُهُ)شَائِع، عَاشَ سَبْعاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
وَتُوُفِّيَ:سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
__________
(1) ومن أصوله الصحيحة بخط علي بن بقاء مسند أبي بكر
الصديق تصنيف أبي بكر أحمد بن علي بن سعيد الأموي المروزي
المتوفى 292 ه، وهو من محفوظات المكتبة الظاهرية بدمشق
المحروسة ضمن مجموع (56) ق (62 - 106)، وقد قمت بتحقيقه
وتخريج أحاديثه ونشر في دمشق سنة 1390 ه.
(*) تاريخ ابن القلاني: 234، تاريخ ابن عساكر: 2: 101 / 2
- 102 / 1، وفيات الأعيان: 1 / 145 - 147، تاريخ الإسلام:
4: 228 / 1 - 229 / 1، العبر: 4 / 39 - 40، تتمة المختصر:
2 / 51 - 52، الوافي بالوفيات: 8 / 67 - 70، عيون
التواريخ: 13 / 417، البداية والنهاية: 12 / 193 - 194،
النجوم الزاهرة: 5 / 226، شذرات الذهب: 4 / 54 - 58،
منتخبات التواريخ: 476، تهذيب ابن عساكر: 2 / 70 - 71،
مجلة المجمع: 34 / 127 - 133، الشعراء الشاميون: 209 -
244، وديوانه مطبوع بدمشق بتحقيق خليل مردم سنة 1958.
(19/476)
وَلَهُ:
أَوَ مَا تَرَى قَلَقَ الغَدِيْرِ كَأَنَّهُ ... يَبْدُو
لِعَيْنِكَ مِنْهُ حَلْيُ مَنَاطِقِ
مُتَرَقْرِقٍ لَعِبَ الشُّعَاعُ بِمَائِهِ ... فَارْتَجَّ
يَخْفِقُ مِثْلَ ثَلْبِ العَاشِقِ (1)
فَابْن الخَيَّاط الدِّمَشْقِيّ، هُوَ أَحْمَد بن سنِي
الدَّوْلَة أَبِي الكَتَائِب الكَاتِب ابْنِ عَلِيٍّ،
وَهُوَ مِنْ طَرَابُلُس، وَكَتَبَ أَبُو عَبْدِ اللهِ
بحَمَاة لأَبِي الفوَارس بن مَانك، وَخدمه مُدَّةً، ثُمَّ
اشْتُهِرَ بِالشّعر، وَمدحَ المُلُوْكَ وَالأُمَرَاءَ،
وَاجتمع بِحَلَبَ بِالأَمِيْر أَبِي الفِتيَان بن حيُّوس،
وَرَوَى عَنْهُ، وَعَنِ:السَّابِق مُحَمَّد بن الخَضِر بن
أَبِي مَهْزُول المعرِي، وَحَسَّان بن الحُبَابِ، وَأَبِي
نَصْرٍ بن الخيسِي، وَعَبْد اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ
الدويدَة.
رَوَى عَنْهُ:أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الطُّليطُلِيُّ،
وَمُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ القَيْسَرَانِيّ الشَّاعِر،
وَتَخَرَّج بِهِ.
وَقَالَ السِّلَفِيّ:كَانَ ابْنُ الخَيَّاط شَاعِرَ
الشَّام.
وَقَالَ لِي أَبُو الفوَارس نَجَاءُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ
العُمَرِيّ بِدِمَشْقَ سَنَة عَشْرٍ - وَكَانَ شَاعِراً
مُفلقاً - :ابْنُ الخَيَّاط فِي عصره أَشعرُ الشَّامِيّين
بِلاَ خِلاَف.
قَالَ السِّلَفِيّ:وَقَدِ اخْترتُ مِنْ
شِعْرِهِ(مجلدَة)لطيفَة، وَسَمِعتُهَا مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ الخَيَّاط:دَخَلتُ فِي الصِّبَا عَلَى
الأَمِيْرِ ابْن حيُّوس بِحَلَبَ وَهُوَ مُسِنٌّ،
فَأَنشدتُهُ لِي:
لَمْ يَبْقَ عِنْدِي مَا يُبَاعُ بِدِرْهَمٍ ... وَكَفَاكَ
عَيْنُ (2) مَنْظَرِي عَنْ مَخْبَرِي
__________
(1) زاد ابن عساكر: 2 / 172 / 1 بيتا ثالثا هو: فإذا نظرت
إليه راعك لمعه * وعللت طرفك من شارب صادق
(2) في الديوان: مني، وفي " الوفيات ": وكفاك علما منظري،
وفي " الوافي ": وكفاك شاهد.
(19/477)
إِلاَّ صُبَابَةَ مَاءِ وَجْهٍ صُنْتُهَا
... مِنْ أَنْ تُبَاعَ وَأَيْنَ أَيْنَ المُشْتَرِي (1) ؟
فَقَالَ لَهُ ابْنُ حيوس:لَوْ قُلْتُ:وَأَنْتَ نِعْمَ
المُشْتَرِي، لَكَانَ أَحْسَنَ.
ثُمَّ قَالَ:كَرُمْتَ عِنْدِي، وَنعيتَ إِلَيَّ نَفْسِي،
فَإِنَّ الشَّام لاَ يَخلو مِنْ شَاعِر مُجيد، فَأَنْت
وَارثي، فَاقصِدْ بنِي عَمَّار بِطَرَابُلُس، فَإِنَّهُم
يُحبُّوْنَ هَذَا الفنَّ، ثُمَّ وَصَلَه بِثِيَابٍ،
وَدَنَانِيْر، وَمَضَى إِلَى بنِي عَمَّار، فَوصلُوْهُ،
وَمدحهُم.
قَالَ العمَادُ الكَاتِب:ابْنُ حيُّوس أَصْنَعُ مِنِ ابْنِ
الخَيَّاط، لَكِن لِشعر ابْنِ الخَيَّاط طَلاَوَةٌ
لَيْسَتْ لَهُ، وَمَنْ كَانَ يَنظر إِلَى ابْنِ الخَيَّاط،
يَعتقِدُه جَمَّالاً أَوْ حَمَّالاً، لِبزَّته وَشكله
وَعرضه.
فَمَنْ قَوْله فِي عضد الدَّوْلَة أبق بن عَبْدِ
الرَّزَّاقِ الأَمِيْر بِدِمَشْقَ قَصِيدَته المَشْهُوْرَة
الفَائِقَة، وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعِيْنَ بَيْتاً،
أَوَّلُهَا:
خُذَا مِنْ صَبَا نَجْدٍ أَمَاناً لِقَلْبِهِ ... فَقَدْ
كَانَ رَيَّاهَا يَطِيْرُ بِلُبِّهِ (2)
__________
(1) البيتان في دوانه: 278، ووفيات الأعيان: 1 / 145،
والوافي: 8 / 68.
(2) ديوانه: 170 وبعده: وأياكما ذاك النسيم فإنه * متى هب
كان الوجد أيسر خطبه خليلي لو أحببتما لعلمتما * محل الهوى
من مغرم القلب صبه تذكر والذكرى تشوق وذو الهوى * يتوق ومن
يعلق به الحب يصبه غرام على يأس الهوى ورجائه * وشوق على
بعد المزار وقربه وللحسام الحاجري على وزنها قصيدة مطلعها:
لوى جيده كالظبي عن لسربه * وأقسم منها لا يرق لصبه
حبيب له عند العتاب تعزز ال * برئ ولي ذل المقر بذنبه
أوردها ابن شاكر الكتبي في عيون التواريخ: 13 / لوحة 421.
(19/478)
وَمدح القَاضِي فَخر الْملك أَبَا عَلِيٍّ
بن مُحَمَّدِ بنِ عَمَّارٍ بِطَرَابُلس بِهَذِهِ:
هَبُوا طَيْفَكُمْ أَعْدَى عَلَى النَّاسِ مَسْرَاهُ ...
فَمَنْ لِمُشَوِّقٍ إِنْ تَهَوَّمَ جَفْنَاهُ (1)
وَهِيَ طَوِيْلَة.
وَلَهُ فِي الرَّئِيْس وَجيهِ المُلْكِ أَبِي الذّوَاد
مُفَرَج بن الحَسَنِ الصُّوْفِيّ:
لَوْ كُنْتَ شَاهِدَ عَبْرَتِي يَوْمَ النَّقَا ...
لَمَنَعْتَ قَلْبَكَ بَعْدَهَا أَنْ يَعْشَقَا
وَعَذَرْتَ فِي أَنْ لاَ أُطِيْقَ تَجَلُّداً ...
وَعَجِبْتَ مِنْ أَنْ لاَ أَذُوْبَ تَحَرُّقَا
إِنَّ الظِّبَاءَ غَدَاةَ رَامَةَ لَمْ تَدَعْ ... إِلاَّ
حَشَىً قَلِقاً وَقَلْباً شَيِّقَا
سَنَحَتْ وَمَا مَنَحَتْ وَكَمْ مِنْ عَارِضٍ ... قَدْ
مَرَّ مُجْتَازاً عَلَيْكَ وَمَا سَقَى (2)
وَهِيَ طَوِيْلَة.
وَلَهُ فِي أَبق الأَمِيْرِ المَذْكُور قصيدتُهُ
المَشْهُوْرَة:
سَلُوْا سَيْفَ أَلْحَاظِهِ المُمْتَشَقْ ... أَعِنْدَ
القُلُوْبِ دَمٌ لِلْحَدَقْ؟
أَمَا مِنْ مُعِيْنٍ وَلاَ عَاذِرٍ ... إِذَا عَنَّفَ
الشَّوْقُ يَوْماً رَفَقْ
تَجَلَّى لَنَا صَارِمُ المُقْلَتَيْـ ... ـنِ مَاضِي
المُوَشَّحِ وَالمُنْتَطَقْ
مِنَ التُّرْكِ مَا سَهْمُهُ إِذْ رَمَى ... بِأَفْتَكَ
مِنْ طَرْفِهِ إِذْ رَمَقْ
وَليْلَةَ وَافَيْتُهُ زَائِراً ... سَمِيْرَ السُّهَادِ
ضَجِيْعَ القَلَقْ
وَقَدْ رَاضَتِ الكَأْسُ أَخْلاَقَهُ ... وَوَقَّرَ
بِالسُّكْرِ مِنْهُ النَّزَقْ
وَخَفَّ العِنَاقُ فَقَبَّلْتُهُ ... شَهِيَّ المُقبَّلِ
وَالمُعْتَنَقْ
__________
(1) ديوانه: 71، وخريدة القصر: 154.
(2) ديوانه: 254، وخريدة القصر: 164.
(19/479)
وَبِتُّ أُخَالِجُ شَكِّي بِهِ ...
أَزَوْرٌ طَرَا أَمْ خَيَالٌ طَرَقْ؟
أُفَكِّرُ فِي الهَجْرِ كَيْفَ انْقَضَى ... وَأَعْجَبُ
لِلوَصْلِ كَيْفَ اتَّفَقْ
فَلِلْحُبِّ مَا عَزَّ مِنِّي وَهَان ... وَلِلْحُسْنِ مَا
جَلَّ مِنْهُ وَدَقْ
لَقَدْ أَبَقَ الدَّمْعُ مِنْ رَاحَتَـ ... ـيَّ لَمَّا
أَحَسَّ بِنُعْمَى أَبَقْ (1)
تَطَاوَحَ يَهْرُبُ مِنْ جُوْدِهِ ... وَمَنْ أَمَّهُ
السَّيْلُ خَافَ الغَرَقْ (2)
وَلَهُ فِي أَبِي النّجم هِبَة اللهِ بن بَدِيع
الأَصْبَهَانِيّ وَزِيْر الْملك تُتُش، مِنْهَا:
وَخَيْلٍ تَمَطَّتْ بِي وَلَيْلٍ كَأَنَّهُ ... تَرَادُفُ
وَفْدِ الهَمِّ أَوْ زَاخِرُ اليَمِّ
شَقَقْتُ دُجَاهُ وَالنُّجُوْمُ كَأَنَّهَا ... قلاَئِدُ
نَظْمِي أَوْ مَسَاعِي أَبِي النَّجْمِ (3)
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ الطُّليطلِي:كَانَ
ابْنُ الخَيَّاط أَوّل مَا دَخَلَ طَرَابُلُس وَهُوَ شَابّ
يغشَانِي فِي حَلقتِي، وَيُنشدنِي مَا أَسْتكثرُهُ لَهُ،
فَأَتَّهِمُهُ لأَنَّنِي كُنْتُ إِذَا سَأَلتُهُ عَنْ
شَيْءٍ مِنَ الأَدب، لاَ يَقومُ بِهِ، فَوبَّختُهُ يَوْماً
عَلَى قِطعَة عملهَا، وَقُلْتُ:أَنْتَ لاَ تَقُوْم بنَحْو
وَلاَ لُغَة، فَمِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا الشِّعر؟
فَقَامَ إِلَى زَاويَة، فَفَكَّر، ثُمَّ قَالَ:اسَمِع:
وَفَاضِلٍ قَالَ إِذْ أَنْشَدْتُهُ نُخَباً ... مِنْ
بَعْضِ شِعْرِي وَشِعْرِي كُلُّهُ نُخَبُ:
لاَ شَيْءَ عِنْدَكَ مِمَّا يَسْتَعِيْنُ بِهِ ... مَنْ
شَأْنُهُ مُعْجِزَاتُ النَّظْمِ وَالخُطَبُ
فَلاَ عَرُوْضٌ وَلاَ نَحْوٌ وَلاَ لُغَةٌ ... قُلْ
لِي:فَمِنْ أَيْنَ هَذَا الفَضْلُ وَالأَدَبُ؟
فَقُلْتُ قَوْلَ امْرِئٍ صَحَّتْ قَرِيْحَتُهُ : ... إِنَّ
القَرِيحَةَ عِلْمٌ لَيْسَ يُكْتَسَبُ
__________
(1) أبق: اسم عضد الدولة.
(2) ديوانه: 221، وخريدة القصر: 170.
(3) ديوانه: 147، وخريدة القصر: 194.
(19/480)
ذَوْقِي عَرُوضِي وَلَفْظِي جُلُّهُ
لُغَتِي ... وَالنَّحْو طَبْعِي فَهَلْ يَعْتَاقُنِي
سَبَبُ (1) ؟
فَقُلْتُ:حسبُك، وَاللهِ لاَ اسْتَعظمتُ لَكَ بَعْدَهَا
عَظِيْماً، وَلزَمَنِي بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَفَاد مِنَ
الأَدب مَا اسْتَقلَّ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ القَيْسَرَانِيّ:وَقَّعَ هِبَةُ اللهِ بن
بَدِيع أَبُو النّجم لابْنِ الخَيَّاط بِأَلفِ دِيْنَار،
وَهُوَ آخِرُ شَاعِر فِي زَمَانِنَا وَقَّعَ بِأَلف
دِيْنَار.
وَلَهُ فِي سديدِ المُلْكِ أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ
مُقَلِّد بن نَصْرِ بن مُنْقِذ (2) بِشَيْزَرَ:
يَقينِي يَقينِي حَادِثَاتِ النَّوَائِب ... وَحزمِي
حَزْمِي فِي ظُهُوْرِ النَّجَائِبِ
سَيُنْجِدُنِي جَيْشٌ مِنَ العَزْمِ طَالَمَا ... غَلَبْتُ
بِهِ الخَطْبَ الَّذِي هُوَ غَالِبِي
وَمَنْ كَانَ حَرْبَ الدَّهْرِ عَوَّدَ نَفْسَهُ ...
قِرَاعَ اللَّيَالِي لاَ قِرَاعَ الكَتَائِبِ
وَمَا كُلُّ دَانٍ مِنْ مَرَامٍ بِظَافِرٍ ... وَلاَ كُلُّ
نَاءٍ عَنْ رَجَاءٍ بِخَائِبِ
وَإِنَّ الغِنَى مِنِّي لأَدْنَى مَسَافَةً ... وَأَقْرَبُ
مِمَّا بَيْنَ عَيْنِي وَحَاجِبِي
__________
(1) لم ترد في الديوان، وأثبنها محقق الديوان من هنا.
(2) بنو منقذ أسرة مجيدة نشأ فيها رجال كبار، جلهم فارس
شجاع، وشاعر أديب، وكان حصن شيزر - وهو في شمال حماة -
يتوارثونه من أيام صالح بن مرداس الذي ملك حلب سنة (417) ه
وقتل سنة (419) ه ثم خرج من أيديهم بعد ذلك إلى الصليبيين،
واسترده منهم سديد الملك أبو الحسن علي بن مقلد سنة (474)
ه، وبقي في أيديهم حتى خرب بالزلزال في سنة 552 ه، وقتل كل
من فيه من بني منقذ تحت أنقاضه، ولم ينج منه سوى أسامة بن
منقذ وإخوته الذين كانوا خارجه، وقد ترك هذا الحدث الفاجع
في نفس أسامة أثرا بالغا حفزه على تأليف كتاب " المنازل
والديار " الذي استغرق في صنعه ست عشرة سنة وضمنه نماذج
متخيرة من شعر الجاهليين فمن بعدهم حتى أيامه، مما قيل في
المنازل والديار والاوطان والمغاني والاطلال والآثار
والمدن والاهل والاحباب وما إلى ذلك، وقد خلله مقاطيع من
نظمه لم يرد لاكثرها ذكر في ديوانه المطبوع. وقد يسر الله
لي تحقيق هذا الكتاب والتعليق عليه، وتم نشره في دمشق سنة
1965.
(19/481)
سَأَصحَبُ آمَالِي إِلَى ابْنِ مُقَلَّدٍ
... فَتُنْجِحُ مَا أَلوَى الزَّمَانُ بِصَاحِبِ
فِي أَبيَات.
280 - ابْنُ الخَازِنِ أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ الفَضْل *
الأَدِيْبُ، أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
الفَضْل، ابْن الخَازن الدِّيْنَوَرِيّ، ثُمَّ
البَغْدَادِيّ، الشَّاعِرُ، صَاحِبُ الخطِّ الفَائِقِ،
وَالنَّظْمِ الرَّائِقِ (1) .
تُوُفِّيَ:سَنَةَ ثَمَان عَشْرَةَ.
وَخطُّه يُقَارِبُ خَطَّ الكَاتِب أَبِي الفوَارس ابْن
الخَازن.
وَلَهُ وَلَدٌ نسخ المقَامَاتِ كَثِيْراً، وَهُوَ أَبُو
الفَتْحِ نَصْرُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ الخَازن.
وَكَانَ أَبُو الفوَارس يَرْوِي عَنِ الجَوْهَرِيّ.
قَالَ فِيْهِ (2) السِّلَفِيّ:كَانَ أَحْسَن النَّاسِ
خطّاً.
__________
(*) المنتظم: 9 / 204، وفيات الأعيان: 1 / 149 - 151،
تاريخ الإسلام: 4 / 233، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 79
- 80، عيون التواريخ: 13 / 432 - 445، الوافي بالوفيات: 8
/ 78 - 80، البداية والنهاية: 183، النجوم الزاهرة: 5 /
229، كشف الظنون: 765، شذرات الذهب: 4 / 57 - 58.
(1) ومن نظمه ما أنشده ابن خلكان: 1 / 150، والصلاح
الصفدي: 8 / 79.
وأهيف ينميه إلى العرب لفظه * وناظره الفتان يعزى إلى
الهند
تجرعت كأس الصبر من رقبائه * لساعة وصل منه أحلى من الشهد
وهادنت أعماما له وخؤولة * سوى واحد منهم غيور على الخد
كنقطة مسك أودعت جلنارة * رأيت بها غرس البنفسج في الورد
(2) أي: في أبي الفوارس.
(19/482)
قُلْتُ:قِيْلَ:نسخَ خَمْسَ مائَة ختمَة،
وَلَهُ نَظْمٌ أَيْضاً.
تُوُفِّيَ:سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِ مائَة، وَاسْمُهُ
حُسَيْن بن عَلِيِّ بنِ حُسَيْنٍ الدَّيلمِي، ثُمَّ
البَغْدَادِيّ (1) .
281 - أَبُو نَهْشَل عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ أَحْمَدَ بنِ
الفَضْلِ العَنْبَرِيّ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، المُعَمَّرُ، أَبُو نَهْشَل عَبْدُ
الصَّمَدِ بنُ أَبِي الفوَارس أَحْمَد بن الفَضْلِ
العَنْبَرِيّ، التَّمِيْمِيّ، الأَصْبَهَانِيّ.
وُلِدَ:سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
أَجَازَ لَهُ:أَبُو الحُسَيْنِ بنُ فَاذشَاه، وَقَدْ
سَمِعَ مِنْهُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ
وَثَلاَثِيْنَ(جُزْءَ الزُّهْد)لأَسَد بن مُوْسَى (2) ،
شَاهَدتُ الأَصْلَ بِذَلِكَ، فَهُوَ خَاتِمَة مَنْ حَدَّثَ
عَنْهُ، وَرَوَى أَيْضاً عَنْ:هَارُوْنَ بنِ مُحَمَّدٍ،
وَأَبِي بَكْرٍ بنِ شَاذَانَ الأَعْرَج، وَابْن
رِيذه؛سَمِعَ مِنْهُ(مُعْجَمِي الطَّبَرَانِيّ)الأَكْبَر
وَالأَصْغَر، وَسَمِعَ(فَضَائِل القُرْآن)لِعَبْدِ
الرَّزَّاقِ مِنْ هَارُوْنَ عَنِ الطَّبَرَانِيّ،
وَسَمِعَ(برِّ الوَالِدّين)لأَبِي الشَّيْخِ، وَأَشيَاء
تَفَرَّد بِهَا.
__________
(1) له ترجمة في " وفيات الأعيان ": 2 / 191، وأنشد له
قوله:
عنت الدنيا لطالبها * واستراح الزاهد الفطن
كل ملك نال زخرفها * حسبه مما حوى كفن
يقتني مالا ويتركه * في كلا الحالين مفتتن
أملي كوني على ثقة * من لقاء الله مرتهن
(*) معجم شيوخ السمعاني: الورقة / 153 ب، التحبير: 1 / 455
- 457، تاريخ الإسلام: 4 / 230 / 1 - 2.
(2) هو أسد بن موسى بن إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك
القرشي الأموي المرواني المصري المعروف بأسد السنة المتوفى
سنة 212 ه، وقد تقدمت ترجمته في الجزء العاشر الصفحة 162.
(19/483)
حَدَّثَ عَنْهُ:السِّلَفِيّ، وَأَبُو
مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ
إِسْمَاعِيْلَ الطَّرَسُوسِيّ، وَمَسْعُوْدُ بنُ أَبِي
مَنْصُوْرٍ الجمَّال، وَمَسْعُوْدُ بنُ مَحْمُوْدٍ
العِجْلِيّ، وَعبدُ الوَاحِد بنُ أَبِي الْمُطهر
الصَّيْدَلاَنِيّ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ:أَجَازَ لِي، وَكَانَ
مُكْثِراً مُعَمَّراً، وَكَانَ أَبُوْهُ مِنْ فُضلاَءِ
الأُدبَاءِ، وَكَانَ عبدُ الصَّمد مِنْ غُلاَة العَبْد
الرّحمَانِيَة (1) ، وَمِنْ مَرْوِيَّاته
بِعُلُوٍّ(فَضَائِل القُرْآن)لإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَمْرٍو
البَجَلِيّ (2) .
قُلْتُ:تُوُفِّيَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سَبْعَ
عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
أَنْبَأَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ الفَقِيْه،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ سَنَة ثَمَانٍ
وَسِتِّ مائَةٍ(ح).
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ
يَحْيَى، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا مَسْعُوْدٌ الجمَال - زَادَ ابْنُ عَبْد
الغَنِيِّ، فَقَالَ - :وَأَخْبَرَنَا مَسْعُوْدُ بنُ
مَحْمُوْدِ بن خَلَفٍ، وَعبدُ الوَاحِد بن أَبِي المطهَّر
قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عبدُ الصَّمد بن أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ سَنَة(432)،
أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا
يُوْسُفُ بنُ يَزِيْدَ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بنُ مُوْسَى،
حَدَّثَنَا إِسْرَائِيْلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ
النُّعْمَانِ بن بَشِيْرٍ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ:(إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ
عَذَاباً يَوْمَ القِيَامَةِ رَجُلٌ فِي أَخْمَصِ
قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ،
كَمَا يَغْلِي المِرْجَلُ أَوِ القُمْقُمُ).
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ:شُعْبَةُ، وَالأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ.
__________
(1) التحبير: 1 / 455.
(2) مولاهم الكوفي شيخ أصبهان ومسندها المتوفى سنة 227 ه.
تقدمت ترجمته في الجزء العاشر برقم 136.
(19/484)
أَخْرَجَهُ:البُخَارِيّ وَمُسْلِمٌ
بِطُرِقٍ (1) .
282 - ابْنُ الدَّنِفِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عُبَيْدِ
اللهِ البَغْدَادِيُّ *
الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، العَابِدُ، المُقْرِئُ، بَقِيَّةُ
السَّلَفِ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ
عُبَيْدِ اللهِ بنِ الدَّنِف (2) البَغْدَادِيّ،
الحَنْبَلِيّ، الإِسكَافُ.
تَفقَّه بِأَبِي جَعْفَرٍ بن أَبِي مُوْسَى.
وَسَمِعَ مِنْ:عَبْدِ الصَّمَدِ بن المَأْمُوْن، وَأَبِي
جَعْفَرٍ بن المُسْلِمَة، وَالصَّرِيفِيْنِي، وَعِدَّة.
أَخَذَ عَنْهُ:ابْنُ نَاصر، وَلاَحِق بن كَاره، وَذَاكرُ
بنُ كَامِلٍ، وَابْن بَوش، وَكَانَ مِنْ جِلَّةِ مَشَايِخ
العِلْم.
__________
(1) هو في البخاري (6561) و(6562) في الرقاق: باب صفة
الجنة والنار، ومسلم (213) في الايمان: باب أهون أهل النار
عذابا، وأخرجه أحمد: 4 / 274، والترمذي: 2604، وفي الباب
عن ابن عباس عند أحمد: 1 / 290، 296، ومسلم (212) وبين في
روايته الرجل المبهم في الرواية السابقة أنه أبو طالب، وعن
أبي سعيد الخدري عند أحمد: 3 / 13 و78، ومسلم (211)، وعن
أبي هريرة عند أحمد: 2 / 432، والدارمي: 2 / 340، والمرجل:
قدر من نحاس، ويقال أيضا لكل إناء يغلي فيه الماء من أي
صنف كان، والقمقم: ما يسخن فيه الماء من نحاس وغيره، ويكون
ضيق الرأس، ووقع في رواية البخاري " كما يغلي المرجل
بالقمقم "، قال ابن التين: في هذا التركيب نظر وقال عياض:
الصواب: " كما يغلي المرجل والقمقم " بواو العطف لا
بالباء، وجوز غيره أن تكون الباء بمعنى " مع " ووقع في
رواية الاسماعيلي " كما يغلي المرجل أو القمقم " كما جاء
في روايتنا هذه وهو أبين وأفصح.
(*) المنتظم: 9 / 230، تاريخ الإسلام: 4 / 221 / 2، ذيل
طبقات الحنابلة: 172 - 173، شذرات الذهب: 4 / 47 - 49.
(2) هو بفتح الدال المهملة، وكسر النون، وآخره فاء، كما
قيده ابن نقطة، ونقله عنه ابن رجب في " ذيل الطبقات ": 1 /
173.
(19/485)
قرَأَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، وَانتفعُوا بِهِ
(1) .
مَاتَ:فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ
مائَة، وَلَهُ بِضْعٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
ذكره ابْنُ النَّجَّار (2) .
283 - ابْنُ الحَدَّاد عُبَيْد اللهِ بن الحَسَنِ بنِ
أَحْمَدَ الأَصْبَهَانِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ المُتْقِنُ، الثِّقَةُ، العَابِدُ،
الخَيِّرُ، أَبُو نُعَيْمٍ عُبَيْد اللهِ ابْن الشَّيْخ
أَبِي عَلِيٍّ الحَسَن بن أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ
الأَصْبَهَانِيّ، الحَدَّاد، مفِيدُ أَصْبَهَان فِي
زَمَانِهِ.
وُلِدَ:سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ:أَبَا عَمْرٍو عَبْد الوَهَّابِ بن مَنده،
وَحَمْدَ بنَ وَلْكِيز، وَأَبَا طَاهِر أَحْمَدَ بنَ
مُحَمَّدٍ النقَاش، وَسُلَيْمَانَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ،
وَعِدَّةً بِأَصْبَهَانَ، وَأَبَا المُظَفَّر مُوْسَى بنَ
عِمْرَانَ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ خَلَفٍ الشِّيرَازِي،
وَخَلْقاً بِأَصْبَهَانَ، وَشيخَ الإِسْلاَمِ، وَأَبَا
عَبْدِ اللهِ العُمَيْرِي، وَنَجيبَ بنَ مَيْمُوْنٍ،
وَأَبَا عَامِرٍ الأَزْدِيّ بِهَرَاةَ، وَأَبَا الغنَائِم
بنَ أَبِي عُثْمَانَ، وَالنِّعَالِيّ، وَطِرَادَ بنَ
مُحَمَّد بِبَغْدَادَ.
__________
(1) في " المنتظم ": 9 / 230: وكان من الزهاد الاخيار، ومن
أهل السنة، وانتفع به خلق كثير، وحدث بشيء يسير.
(2) وقال: كان مشهورا بالصلاح والدين، وانتفع به جماعة
قرؤوا عليه، وعادت عليهم بركته.
(*) المنتظم: 9 / 247، طبقات علماء الحديث، تاريخ الإسلام:
4: 230 / 2 - 231 / 2، العبر: 4 / 41، تذكرة الحفاظ: 4 /
1265 - 1266، عيون التواريخ 13 / 430، مرآة الجنان: 3 /
221، طبقات الحفاظ: 459، شذرات الذهب: 4 / 56.
(19/486)
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عبد الوَاحِد:هُوَ
صَدِيْقٌ لِي، أَحَدُ العُلَمَاء فِي فُنُوْنٍ كَثِيْرَة،
بلغَ مَبْلَغَ الإِمَامَة بِلاَ مُدَافَعَةٍ، وَلَهُ
عِنْدِي أَيَادٍ كَثِيْرَة، سفراً وَحضراً، جمع مَا لَمْ
يَجْمَعْه أَحَدٌ مِنْ أَقْرَانِهِ مِنَ الكُتُب
وَالسَّمَاعَات الغزِيْرَة، صَدُوْقٌ فِي جمعه وَكتبه،
أَمِيْنٌ فِي قِرَاءته.
قُلْتُ:قَلَّ مَا رَوَى، وَقَدْ نسخ الكَثِيْرَ،
وَصَنَّفَ، وَكَانَ يُكْرِمُ الغربَاء وَيُفِيدهُم،
وَيهبُهُم الأَجزَاء، وَفِيْهِ دينٌ وَتَقوَى وَخَشْيَة،
وَمَحَاسِنُهُ جَمَّة، جمع أَطرَافَ(الصَّحِيْحَيْنِ)،
وَانتشرت عَنْهُ، وَاسْتحسنهَا الفُضَلاَءُ، وَانتقَى
عَلَيْهِ الشُّيُوْخُ، فَالثقفِيَّاتُ مِنْ تخرِيجه.
مَاتَ:فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ
وَخَمْسِ مائَة.
وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ:عفِيفَة
الفَارفَانِيَة.
أَنبؤونَا عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مَكِّيّ الحَنْبَلِيّ،
قَالَ:قِيْلَ:إِنَّ أَبَا نُعَيْمٍ بن الحَدَّاد نَاظر
شهردَار بن شِيْرَوَيْه - وَكَانَ قَدْ تَأَخر عَنْ أَبِي
عَلِيٍّ الحَدَّاد لأَجْل سَمَاع(صَحِيْح مُسْلِم)عَلَى
أَبِي الحَسَنِ النَّيْسَابُوْرِيّ - فَقَالَ
لَهُ:سُبْحَانَ اللهِ، تركتَ العَوَالِي عِنْد أَبِي،
وَاشْتَغَلتَ بِالنَّوازل؟!
فَقَالَ:لَيْسَ عِنْد أَبيك(صَحِيْح مُسْلِم)، وَهُوَ
عَالٍ.
قَالَ:نَعَمْ، وَلَكِن عِنْدَهُ المخرَّج عَلَيْهِ لأَبِي
نُعَيْمٍ الحَافِظ، وَفِيْهِ عَامَّةُ عَوَالِيه، فَإِذَا
سَمِعْتَ تِلْكَ مِنْ أَبِي، فَكَأَنَّك سمِعتهَا مِنْ
عَبْد الغَافِرِ الفَارِسِيّ، وَلَوْ شِئْتُ
لقُلْتُ:كَأَنَّك سَمِعْتَ بعْضَهَا مِنَ الجُلُودي،
وَإِنْ قُلْت:كَأَنَّك سَمِعتَهَا مِنِ ابْنِ سُفْيَان
لَمْ أَكْذِبْ، وَإِنْ شِئْتُ قُلْتُ:كَأَنَّك سمِعتهَا
مِنْ مُسْلِم.
ثُمَّ قَالَ:وَفِيْهِ أَحَادِيْثُ أَعْلَى مِنْ هَذَا،
إِذا سَمِعتهَا مِنْ أَبِي،
(19/487)
سَاويتَ البُخَارِيّ وَمسلماً، وَمِنْ
جُملتهَا حَدِيْثُ المِسْوَر:(إِنَّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ
مِنِّي (1)).
أَخْبَرَنَا طَائِفَةٌ إِجَازَة أَن عفِيفَة أَنبأَتهُم
عَنْ عُبيد الله بن الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ الوَاحِدي، أَخْبَرَنَا أَبُو
عَبْد الرَّحْمَنِ السُّلَمِيّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ
عَبْدِ اللهِ الأَصْبَهَانِيّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ
مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا ثَابِتُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ
جَابِرٍ:
عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ:(لاَ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ الكَشْرُ، وَلَكِن
يَقْطَعُهَا القَرْقَرَةُ (2)).
هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَثَابِت وَاهٍ (3) .
__________
(1) هو في البخاري (3714) و(3767) في فضائل الصحابة،
و(5230) في النكاح، ومسلم (2449) (95) في فضائل الصحابة،
وأخرجه أحمد: 4 / 326، وأبو داود (2069) و(2071)، والترمذي
(3867)، وابن ماجة (1998) و(1999) عن المسور بن
مخرمة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - وهو
على المنبر - إن بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن
ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، فلا آذن، ثم لا آذن، ثم لا
آذن إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم،
فإنما هي بضعة مني يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذها "
لفظ البخاري، وزاد مسلم " إني لست أحرم حلالا ولا أحل
حراما، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه
وسلم وبنت عدو الله مكانا واحدا أبدا ".
(2) وأخرجه الخطيب في " تاريخه ": 11 / 345، والطبراني في
" معجمه الصغير ": 2 / 84، وأبو نعيم في " تاريخ أصبهان ":
1 / 86، وابن عدي في " الكامل " ورقة: 46 / 2 من طريق عبد
الرزاق (3774) عن سفيان الثوري به موقوفا.
وقال الخطيب: تفرد بروايته أحمد بن مهدي، عن ثابت الزاهد،
عن الثوري موقوفا، ورفعه لا يثبت.
وأخرجه الدارقطني: 1 / 174، والبيهقي: 2 / 251، من طريقين
عن سفيان موقوفا، وقال الأخير: وقد رفعه ثابت بن محمد
الزاهد وهو وهم منه.
(3) وجاء في " مقدمة فتح الباري ": ص: 394: ثابت بن محمد
العبدي وثقه مطين، وصدقه أبو حاتم، وقال الدارقطني: ليس
بالقوي، وقال ابن عدي: هو عندي ممن لا يتعمد الكذب، ولعله
يخطئ، قال الحافظ: وقد روى عنه البخاري في " الصحيح "
حديثين في الهبة والتوحيد لم ينفرد بهما.
(19/488)
284 - المَيْدَانِيُّ أَبُو الفَضْلِ
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الأَدب، أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ المَيدَانِي (1)
، النَّيْسَابُوْرِيّ، الكَاتِبُ، اللُّغَوِيّ، تِلْمِيْذُ
الوَاحِدي المُفَسِّرُ، لَهُ كِتَاب فِي(الأَمثَال)لَمْ
يُعَمل مِثْلُهُ (2) ، وَكِتَاب(السَّامِي فِي
الأَسَامِي).
تُوُفِّيَ:سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة، فِي
رَمَضَانَ (3) .
__________
(*) الأنساب: 548 أ، نزهة الالباء: 390، معجم الأدباء: 5 /
45 - 51، اللباب: 3 / 281، إنباه الرواة: 1 / 121 - 124،
وفيات الأعيان: 1 / 148، تاريخ الإسلام: 4: 223 / 1 - 2،
تذكرة الحفاظ: 4 / 1276، تلخيص ابن مكتوم: 19، الوافي
بالوفيات: 7 / 326 - 328، مرآة الجنان: 4 / 223، البداية
والنهاية: 12 / 149، طبقات ابن قاضي شهبة: الورقة: 99،
بغية الوعاة: 1 / 356 - 357، مفتاح السعادة: 1 / 124 -
125، كشف الظنون: 974، 1597، شذرات الذهب: 4 / 58، الفلاكة
والمفلوكون: 99، روضات الجنات: 80، هدية العارفين: 1 /
175، ايضاح المكنون: 1 / 94، 2 / 45.
(1) نسبة إلى ميدان زياد بن عبد الرحمان وهي محلة في
نيسابور.
(2) قال الصفدي: وفيه ستة آلاف مثل، يقال: إنه لما وقف
عليه أبو القاسم الزمخشري، حسده على جودة تصنيفه، وأخذ
القلم، وزاد في لفطة " الميداني " نونا، فصار " النميداني
" ومعناه بالفارسية الذي لا يعرف شيئا، فلما وقف الميداني
على ذلك، عمد إلى تصنيف الزمخشري، فصير الميم نونا، فصار "
الزنخشري " وهو بالفارسية بائع زوجته.
(3) ومن شعره قوله:
تنفس صبح الشيب في ليل عارضي * فقلت عساه يكتفي بعذاري
فلما فشا عاتبته فأجابني * ألا هل يرى صبح بغير نهار
وقوله:
يا كاذبا أصبح أعجوبة * أعجوبة أية أعجوبه
وناطقا ينطق في لفظة * واحدة سبعين أكذوبه
شبهك الناس بعرقوبهم * لما رأوا أخذك أسلوبه
فقلت كلا إنه كاذب * عرقوب لا يبلغ عرقوبه
" معجم الأدباء " 5 / 48 - 50، و" الوافي " 7 / 327.
(19/489)
وَمَاتَ ابْنُهُ العَلاَّمَة أَبُو سَعْدٍ
سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
285 - الطُّرْطُوشِيُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ
الوَلِيْدِ بنِ خَلَفٍ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، القُدْوَةُ، الزَّاهِدُ، شَيْخُ
المَالِكِيَّة، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ
خَلَفِ بن سُلَيْمَانَ بن أَيُّوْبَ الفِهْرِيّ،
الأَنْدَلُسِيّ، الطُّرْطُوشِي، الفَقِيْه، عَالِمُ
الإِسْكَنْدَرِيَّة.
وَطُرْطُوشَة:هِيَ آخِرُ حَدِّ المُسْلِمِين مِنْ شِمَالِي
الأَنْدَلُس، ثُمَّ اسْتولَى العَدُوّ عَلَيْهَا مِنْ
دَهْرٍ (1) ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُعْرَفُ فِي وَقتِهِ
بِابْنِ أَبِي رَنْدَقَه (2) .
لاَزَمَ القَاضِي أَبَا الوَلِيْدِ البَاجِي
بِسَرقُسْطَةَ، وَأَخَذَ عَنْهُ مَسَائِلَ الخلاَفِ، ثُمَّ
حَجَّ، وَدَخَلَ العِرَاق.
وَسَمِعَ بِالبَصْرَةِ(سُنَن أَبِي دَاوُدَ)مِنْ أَبِي
عَلِيٍّ التُّسْتَرِيّ (3) ، وَسَمِعَ
__________
(*) الأنساب: 8 / 235، الصلة: 2 / 575 - 576، الخريدة: 12
/ 26 - 27، 65 - 67، بغية الملتمس: 135 - 139، معجم
البلدان: 4 / 30، المغرب: 2 / 242، وفيات الأعيان: 4 / 262
- 265، تاريخ الإسلام: 4: 243 / 2 - 244 / 1، دول الإسلام:
2 / 44، العبر: 4 / 48، الوافي: 5 / 175، عيون التواريخ:
13 / 462 - 464، مرآة الجنان: 3 / 225 - 227، الديباج
المذهب: 2 / 244 - 248، وفيات ابن قنفذ: 271 - 272،
الاعلام لابن قاضي شهبة: وفيات (520)، النجوم الزاهرة: 5 /
231 - 232، صفة جزيرة الأندلس: 125، حسن المحاضرة: 1 /
452، مفتاح السعادة: 1 / 412، أزهار الرياض: 3 / 162، نفح
الطيب: 2 / 85، كشف الظنون: 984، 1113، شذرات الذهب: 4 /
62، هدية العارفين: 2 / 85، شجرة النور الزكية: 124 - 125،
الذيل لبروكلمان: 1 / 829، تراجم أندلسية: 289 - 298،
دائرة المعارف الإسلامية: 1 / 77 - 78.
(1) وتم ذلك في سنة (543) ه كما في " معجم ياقوت ": 4 /
30.
(2) قال ابن خلكان: 4 / 265، رندقه بفتح الراء، وسكون
النون، وفتح الدال المهملة والقاف، وهي لفظة فرنجية، سألت
بعض الفرنج عنها، فقال: معناها: رد تعال.
(3) في " بغية الملتمس ": 138، 139: حدثني عنه أبو الطاهر
بن عوف، وأبو =
(19/490)
بِبَغْدَادَ مِنْ:قَاضِيهَا أَبِي عَبْدِ
اللهِ الدَّامغَانِي، وَرزقِ الله التَّمِيْمِيِّ، وَأَبِي
عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيّ، وَعِدَّة.
وَتَفَقَّهَ أَيْضاً عِنْد أَبِي بَكْرٍ الشَّاشِيّ،
وَنَزَلَ بَيْتَ المَقْدِسِ مُدَّة، وَتَحَوَّل إِلَى
الثَّغْر (1) ، وَتَخَرَّج بِهِ أَئِمَّة.
قَالَ ابْنُ بَشْكُوَال:كَانَ إِمَاماً عَالِماً، زَاهِداً
وَرِعاً، ديناً مُتَوَاضِعاً، متقشِّفاً متقلِّلاً مِنَ
الدُّنْيَا، رَاضياً بِاليسير، أَخْبَرَنَا عَنْهُ
القَاضِي أَبُو بَكْرٍ بنُ العربِي، وَوصفه بِالعِلْمِ،
وَالفَضْل، وَالزُّهْدِ، وَالإِقبالِ عَلَى مَا
يَعْنِيْهِ، قَالَ لِي:إِذَا عَرَضَ لَكَ أمرُ دُنْيَا
وَأَمرُ آخِرَة، فَبَادِرْ بِأَمرِ الآخِرَة، يَحْصُلْ
لَكَ أَمرُ الدُّنْيَا وَالأُخْرَى (2) .
__________
= الفضل عبد المجيد بن دليل بكتاب السنن لأبي داود، قراءة
عليهما أن أبا علي بن أحمد بن علي بن إبراهيم بن بحر
التستري بالبصرة قال: حدثنا أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد
الواحد الهاشمي، قال: حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن عمرو
اللؤلؤي، حدثنا أبو داود.
(1) يعني الإسكندرية، وكان سبب إقامته بها ما شاهده من
إقفار المساجد والمدارس من طلاب العلم والعلماء بسبب
ملاحقة العبيدية لعلماء السنة، وتشريدهم، وقتلهم،
وإيذائهم، فأقام بها رحمه الله إلى أن وافته المنية ينشر
العلم، ويفقه الناس بأمور دينهم، ويوثق صلتهم بكتاب الله
وسنة رسوله، وما كان عليه السلف الصالح المشهود لهم
بالخيرية على لسان خير البرية.
وكان يقول: إن سألني الله تعالى عن المقام بالإسكندرية -
لما كانت عليه في أيام العبيدية من ترك إقامة الجمعة ومن
غير ذلك من المناكر التي كانت في أيامهم - أقول له: وجدت
قوما ضلال فكنت سبب هدايتهم.
وكان رحمه الله قد أوذي من الأفضل الوزير العبيدي، فأخرج
من الإسكندرية، وألزم الاقامة بمصر، ومنع الناس من الاخذ
عنه، وبقي على ذلك إلى أن قتل الأفضل، وولي مكانه المأمون
بن البطائحي، فأكرم الشيخ إكراما كثيرا.
(2) " الصلة ": 2 / 575، وزاد: قال القاضي أبو بكر: وكان
كثيرا ما ينشدنا.
ان لله عبادا فطنا * طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
فكروا فيها فلما علموا * أنها ليست لحي وطنا
جعلوها لجة واتخذوا * صالح الاعمال فيها سفنا
(19/491)
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَهْدِيِّ بنِ
قليُنَا:كَانَ شيخُنَا أَبُو بَكْرٍ زُهْدُهُ وَعبَادتُهُ
أَكْثَرُ مِنْ عِلْمه، وَحَكَى بَعْضُ العُلَمَاء أَنَّ
أَبَا بَكْرٍ الطُّرطُوشِي أَنجبَ عَلَيْهِ نَحْوٌ مِنْ
مائَتَيْ فَقِيْهٍ مُفْتِي، وَكَانَ يَأْتِي إِلَى
الفُقَهَاء وَهُم نِيَام، فَيَضع فِي أَفوَاهِهِم
الدَّنَانِيْر، فَيَهُبُّوْن، فيرونهَا فِي أَفوَاهِهِم.
قَالَ القَاضِي شَمْسُ الدِّيْنِ ابْنُ خَلِّكَان:دَخَلَ
الطُّرطُوشِي عَلَى الأَفْضَلِ ابْن أَمِيْر الجُيُوْش
بِمِصْرَ، فَبسط تَحْته مِئْزَره، وَكَانَ إِلَى جَانبِ
الأَفضل نَصْرَانِي، فَوَعَظ الأَفْضَلَ حَتَّى أَبكَاهُ
(1) ، ثُمَّ أَنشده:
يَا ذَا الَّذِي طَاعَتُهُ قُرْبَةٌ ... وَحَقُّهُ
مُفْتَرَضٌ وَاجِبُ
إِنَّ الَّذِي شُرِّفْتَ مِنْ أَجْلِهِ ... يَزْعُمُ هَذَا
أَنَّهُ كَاذِبُ
وَأَشَارَ إِلَى ذَلِكَ النَّصْرَانِيّ، فَأَقَامَ
الأَفْضَلُ النَّصْرَانِيَّ مِنْ مَوْضِعه.
وَقَدْ صَنَّفَ أَبُو بَكْرٍ كِتَاب(سرَاج المُلُوْك
(2))لِلْمَأْمُوْنِ بنِ البطَائِحِي
__________
(1) فكان مما قال له كم في " نفح الطيب ": 2 / 87: إن
الامر الذي أصبحت فيه من
الملك إنما صار إليك بموت من كان قبلك، وهو خارج عنك بمثل
ما صار إليك، فاتق الله فيما خولك من هذه الأمة، فإن الله
عزوجل سائلك عن النقير والقطمير والفتيل، واعلم أن الله
عزوجل آتى سليمان بن داود ملك الدنيا بحذافيرها، فسخر له
الانس والجن والشياطين والطير والوحش والبهائم، وسخر له
الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب، ورفع عنه حساب ذلك أجمع،
فقال عز من قائل: (هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب)
فما عد ذلك نعمة كما عددتموها، ولا حسبها كرامة كما
حسبتموها، بل خاف أن يكون استدراجا من الله عز وجل، فقال:
(هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر) فافتح الباب، وسهل
الحجاب، وانصر المظلوم.
(2) وهو من أمتع الكتب، وأجودها في بابها، وكفى به دليلا
على فضله، يقال: إنه كتب على اللوحة الأولى منه هذان
البيتان: الناس يهدون على قدرهم * لكنني أهدي على قدري
يهدون ما يفنى وأهدي الذي * يبقى على الايام والدهر
(19/492)
الَّذِي وَزَرَ بِمِصْرَ بَعْدَ
الأَفْضَلِ، وَلَهُ مُؤلَّف فِي طرِيقَة الخلاَفِ، وَكَانَ
المَأْمُوْنُ قَدْ نَوَّه بِاسْمِهِ، وَبَالَغَ فِي
إِكْرَامِهِ.
قِيْلَ:كَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ
وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَدَخَلَ بَغْدَاد فِي حَيَاة أَبِي نَصْرٍ الزَّيْنَبِيّ،
وَأَظُنُّهُ سَمِعَ مِنْهُ، وَقَالَ:رَأَيْتُ بِهَا آيَةً
فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ بَعْدَ الْعَصْر،
فَسمِعنَا دوياً عَظِيْماً، وَأَقْبَلَ ظلاَمٌ، فَإِذَا
رِيحٌ لَمْ أَرَ مِثْلهَا، سَوْدَاءُ ثخينَةٌ، يَبينُ لَكَ
جِسْمُهَا، فَاسوَدَّ النَّهَارُ، وَذَهَبت آثَارُهُ،
وَذَهَبَ أَثَرُ الشَّمْس، وَبقينَا كَأَنَّنَا فِي
أَشَدِّ ظُلْمَةٍ، لاَ يُبْصِرُ أَحَدٌ يَدَهُ، وَمَاجَ
النَّاسُ، وَلَمْ نشكَّ أَنَّهَا القِيَامَة، أَوْ خسف،
أَوْ عَذَاب قَدْ نَزل، وَبَقِيَ الأَمْرُ كَذَلِكَ قدر
مَا يَنْضِجُ الْخبز، وَرجع السَّوَادُ حُمْرَةً كلهبِ
النَّار، أَوْ جمراً يَتَوَقَّدُ، فَلَمْ نَشُك حِيْنَئِذٍ
أَنَّهَا نَارٌ أَرْسَلهَا الله عَلَى العبَاد،
وَأَيِسْنَا مِنَ النَّجَاة، ثُمَّ مَكَثتْ أَقلَّ مِنْ
مُكْثِ الظَّلاَمِ، وَتَجَلَّتْ بِحَمْدِ اللهِ عَنْ
سلاَمَة، وَنَهبَ النَّاسُ بعضَهُم بعضاً فِي الأَسواقِ،
وَخطفُوا العَمَائِمَ وَالمَتَاع، ثُمَّ طَلَعتِ
الشَّمْسُ، وَبقيت سَاعَةً إِلَى الغُروب.
قُلْتُ:حَدَّثَ عَنْهُ:أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ،
وَالفَقِيْه سلاَّر بن الْمُقدم، وَجَوْهَرُ بن لُؤْلُؤ
المُقْرِئ، وَالفَقِيْهُ صَالِحُ ابْن بِنْت مُعَافَى
المَالِكِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بن عَطَّافٍ الأَزْدِيّ،
وَيُوْسُفُ بنُ مُحَمَّدٍ القروِي الفَرَضِيّ، وَعَلِيُّ
بن مَهْدِيِّ بن قلينَا، وَأَبُو طَالِبٍ أَحْمَد
المُسَلَّم اللَّخْمِيّ، وَظَافرُ بن عَطِيَّةَ، وَأَبُو
الطَّاهِرِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَوْف، وَأَبُو مُحَمَّدٍ
عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العُثْمَانِيّ،
وَعَبْدُ المَجِيد بن دُليل، وَآخَرُوْنَ (1) .
__________
(1) منهم أبو بكر بن العربي كما تقدم في الصفحة 491، وقد
اجتمع به في المسجد =
(19/493)
وَبِالإِجَازَة:أَبُو طَاهِرٍ الخُشُوْعِيّ
وَغَيْرهُ، وَلَهُ مُؤلَّف فِي تَحْرِيْم الغِنَاء،
وَكِتَاب فِي الزُّهْد، وَتعليقَة فِي الخلاَف، وَمُؤلَّف
فِي البِدَع وَالحوَادث، وَبرِّ الوَالِدّين (1) ،
وَالرَّدّ عَلَى اليَهُوْد، وَالعمد فِي الأُصُوْل،
وَأَشيَاء.
أَنْبَأَنَا ابْنُ عَلاَّن، عَنِ الخُشُوْعِيّ، عَنِ
الطُّرطُوشِي:
أَنَّهُ كتب هَذِهِ الرِّسَالَة جَوَاباً عَنْ سَائِلٍ
سَأَله مِنَ الأَنْدَلُس عَنْ حقيقَة أَمرِ
مُؤلف(الإِحيَاء)، فَكَتَبَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ
مُظَفَّر:سلاَمٌ عَلَيْكَ، فَإِنِّي رَأَيْتُ أَبَا
حَامِدٍ، وَكَلَّمتُهُ، فَوَجَدتُهُ امْرءاً وَافِرَ
الفَهْمِ وَالعقل، وَمُمَارسَةً لِلْعلُوْم، وَكَانَ
ذَلِكَ مُعْظَمَ زَمَانِهِ، ثُمَّ خَالَفَ عَنْ طَرِيْق
العُلَمَاء، وَدَخَلَ فِي غِمَار العُمَّال، ثُمَّ
تَصَوَّف، فَهَجَرَ العُلُوْمَ وَأَهْلَهَا، وَدَخَلَ فِي
عُلُوْم الخوَاطِرِ، وَأَربَابِ الْقُلُوب، وَوسَاوسِ
الشَّيْطَان، ثُمَّ سَابهَا، وَجَعَلَ يَطْعُنُ عَلَى
الفُقَهَاء بِمَذَاهِبِ الفَلاَسِفَة، وَرموزِ الحلاَّج،
وَجَعَلَ يَنْتحِي عَنِ الفُقَهَاء وَالمتكلمِين، وَلَقَدْ
كَادَ أَنْ يَنْسَلِخَ مِنَ الدّين.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ:إِن مُحَمَّدَ بنَ
الوَلِيْدِ هَذَا ذكر فِي غَيْر هَذِهِ
__________
= الأقصى، ووصفه بأنه شيخه، وتذاكرا في كيفية التوفيق بين
حديث " إن من ورائكم أياما للعامل فيها أجر خمسين منكم..."
وبين حديث " لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم
ولا نصيفه " وقد دون المقري في " نفح الطيب ": 2 / 37، 38،
ما انتهيا إليه في تلك المذاكرة على لسان أبي بكر بن
العربي.
(1) ومن شعره في بر الوالدين ما أنشده ياقوت في " معجم
البلدان ": 4 / 30.
لو كان يدري الابن أية غصة * يتجرع الابوان عند فراقه
أم تهبح بوجده حيرانة * وأب يسح الدمع من آماقه
يتجرعان لبينه غصص الردى * ويبوح ما كتماه من أشواقه
لرثى لام سل من أحشائها * وبكى لشيخ هام في آفاقه
ولبدل الخلق الابي بعطفه * وجزاهما بالعذاب من أخلاقه
(19/494)
الرِّسَالَة كِتَابَ(الإِحيَاء).
قَالَ:وَهُوَ - لَعَمْرُو الله - أَشْبَهُ بِإِمَاتَةِ
عُلُوْم الدّين، ثُمَّ رَجَعنَا إِلَى تَمَام الرِّسَالَة.
قَالَ:فَلَمَّا عَمِلَ كِتَابهُ(الإِحيَاء)عَمَدَ فَتكلَّم
فِي عُلُوْم الأَحْوَال، وَمرَامزِ الصُّوْفِيَّة، وَكَانَ
غَيْرَ أَنِيسٍ بِهَا، وَلاَ خبِيرٍ بِمَعْرِفَتهَا،
فَسَقَطَ عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ، فَلاَ فِي عُلَمَاءِ
المُسْلِمِين قَرَّ، وَلاَ فِي أَحْوَال الزَّاهِدينَ
اسْتَقرَّ، ثُمَّ شَحَنَ كِتَابهُ بِالكَذِبِ عَلَى
رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَلاَ أَعْلَمُ كِتَاباً عَلَى وَجه بسيطِ الأَرْض أَكْثَر
كذباً عَلَى الرَّسُول مِنْهُ، ثُمَّ شبَّكه بِمَذَاهِبِ
الفَلاَسِفَة، وَرموزِ الْحَلَّاج، وَمعَانِي رَسَائِلِ
إِخْوَان الصَّفَا، وَهُم يَرَوْنَ النُّبُوَّة اكتسَاباً،
فَلَيْسَ النَّبِيُّ عِنْدَهُم أَكْثَرَ مِنْ شَخْص
فَاضِل، تخلَّق بِمَحَاسِنِ الأَخلاَق، وَجَانَبَ
سَفْسَافَهَا، وَسَاسَ نَفْسَه حَتَّى لاَ تغلِبه شَهْوَة،
ثُمَّ سَاق الخَلْقَ بِتِلْكَ الأَخلاَقِ، وَأَنْكَرُوا
أَنْ يَكُوْنَ اللهُ يَبعثُ إِلَى الْخلق رَسُوْلاً،
وَزعمُوا أَنَّ المعجزَاتٍ حِيَلٌ وَمخَارِيق، وَلَقَدْ
شرَّف اللهُ الإِسْلاَمَ، وَأَوضح حُجَجَه، وَقطعَ
العُذْرَ بِالأَدلَّة، وَمَا مَثَلُ مَنْ نَصَرَ
الإِسْلاَمَ بِمَذَاهِب الفَلاَسِفَةِ، وَالآرَاء
المنطقيَةِ، إِلاَّ كَمَنْ يغسِلُ الثَّوْب بِالبول، ثُمَّ
يَسُوْقُ الكَلاَم سوقاً يُرْعِدُ فِيْهِ وَيُبْرِقُ،
وَيُمنِّي وَيُشَوِّقُ، حَتَّى إِذَا تَشوَّفت لَهُ
النُّفُوْسُ، قَالَ:هَذَا مِنْ علم المعَامِلَة، وَمَا
وَرَاءَهُ مِنْ علم المكَاشفَة لاَ يَجُوْزُ تسطيرُه فِي
الكُتُبِ، وَيَقُوْلُ:هَذَا مِنْ سرِّ الصَّدْر الَّذِي
نُهينَا عَنْ إِفشَائِهِ.
وَهَذَا فِعْلُ البَاطِنِيَّة وَأَهْلِ الدَّغَلِ
وَالدَّخَلِ فِي الدّين يَسْتَقِلُّ المَوْجُوْدَ
وَيُعلِّقُ النُّفُوْسَ بِالمفقود، وَهُوَ تَشويشٌ
لعقَائِد الْقُلُوب، وَتوهينٌ لمَا عَلَيْهِ كلمَةُ
الجَمَاعَة، فَلَئِنْ كَانَ الرَّجُلُ يَعتقد مَا سطَّره،
لَمْ يَبْعُدْ تَكفِيرُهُ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَعتقِدُه،
فَمَا أَقْرَبَ تضليلَه.
وَأَمَّا مَا ذكرتَ مِنْ إِحرَاق الكِتَابِ، فَلعمرِي
إِذَا انْتَشَر بَيْنَ مَنْ لاَ
(19/495)
مَعْرِفَةَ لَهُ بِسُمومه القَاتِلَةِ،
خِيْفَ عَلَيْهِم أَنْ يَعتقدُوا إِذاً صِحَّة مَا فِيْهِ،
فَكَانَ تَحْرِيْقُه فِي مَعْنَى مَا حرَّقته الصَّحَابَة
مِنْ صُحف المَصَاحِفِ الَّتِي تُخَالِفُ المُصْحَفَ
العُثْمَانِيّ...، وَذَكَرَ تَمَامَ الرِّسَالَة.
قَالَ ابْنُ المُفَضَّلِ:تُوُفِّيَ بِالإِسْكَنْدَرِيَّة،
فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ - رَحِمَهُ اللهُ - .
وَفِيْهَا مَاتَ:أَبُو الوَلِيْدِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ
اللهِ بن طَرِيْفٍ القُرْطُبِيّ، وَأَبُو الفُتُوْح
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الغزَالِي الوَاعِظ
أَخُو الإِمَامِ أَبِي حَامِد، وَالأَمِيْرُ قسيمُ
الدَّوْلَة آقسُنْقُر البرسُقِي (1) الَّذِي اسْتولَى
عَلَى المَوْصِلِ وَعَلَى حلب، وَأَبُو بَحْرٍ سُفْيَانُ
بنُ العَاصِ الأَسَدِيّ (2) بقُرْطُبَة، وَصَاعِدُ بن
سَيَّار الهَرَوِيّ الحَافِظ (3) ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ
عتَاب القُرْطُبِيّ، وَقَاضِي الجَمَاعَة أَبُو الوَلِيْدِ
بنِ رشد، وَمُحَمَّد بن بَرَكَات السَّعِيدِي (4)
رَاوِي(صَحِيْح البُخَارِيِّ).
286 - القَلاَنسِيُّ أَبُو العِزِّ مُحَمَّدُ بنُ
الحُسَيْنِ بنِ بُنْدَارَ *
الإِمَامُ الكَبِيْرُ، شَيْخُ القُرَّاءِ، أَبُو العِزِّ
مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ بُنْدَار الوَاسِطِيّ،
القَلاَنسِي، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ فِي القِرَاءات.
__________
(1) سترد ترجمته برقم (295).
(2) سترد ترجمته برقم (298).
(3) سترد ترجمته برقم (339).
(4) تقدمت ترجمته برقم (263).
(*) سؤالات السلفي لخميس الحوزي: 51 - 52، المنتظم: 10 /
8، الخريدة: 4 / 1 / 352، طبقات الشافعية من تاريخ
الإسلام: 198 / 2 - 199 / 2، تاريخ الإسلام: 4: 249 / 1 -
2، العبر: 4 / 50، ميزان الاعتدال: 3 / 525، طبقات القراء
للذهبي: 1 / 384 - 386، الوافي بالوفيات: 3 / 4 - 5، عيون
التواريخ: 13 / 475، طبقات السبكي: 6 / 97 - 98، غاية
النهاية: 2 / 128 - 129، لسان الميزان: 5 / 144 - 145، كشف
الظنون: 66، 391، شذرات الذهب: 4 / 64، هدية العارفين: 2 /
85.
(19/496)
وُلِدَ:سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ
وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَتَلا بِالعشر عَلَى أَبِي عَلِيٍّ
غُلاَم الهرَّاس، وَأَخَذَ عَنْ أَبِي القَاسِمِ
الهُذَلِيّ صَاحِبِ الكَامِل، وَارْتَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ
سَنَة إِحْدَى وَسِتِّيْنَ، وَسَمِعَ مِنْ:أَبِي جَعْفَرٍ
بن المُسْلِمَة، وَعَبْدِ الصَّمَدِ بن المَأْمُوْن،
وَأَبِي الحُسَيْنِ بن الْمُهْتَدي بِاللهِ، وَعِدَّةٍ.
وَقرَأَ ختمَةً لأَبِي عَمْرٍو عَلَى الأَوَانِي (1)
صَاحِبِ أَبِي حَفْصٍ الكَتَّانِي.
قَالَ السَّمْعَانِيّ:قرَأَ عَلَيْهِ عَالَمٌ مِنَ
النَّاس، وَرُحِلَ إِلَيْهِ مِنَ الأَقطَار، وَسَمِعْتُ
عَبْدَ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ يُسيءُ الثَّنَاء
عَلَيْهِ، وَنسبَه إِلَى الرّفض (2) ، ثُمَّ وَجَدْتُ
لأَبِي الْعِزّ أَبيَاتاً فِي فَضِيْلَة الصَّحَابَة.
وَقَالَ ابْنُ نَاصر:أَلحق سَمَاعَه فِي جُزء مِنْ هَاءات
الكِنَايَة لِعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَبِي هَاشِمٍ مِنْ
أَبِي عَلِيٍّ بنِ البَنَّاء (3) .
__________
(1) نسبة إلى " أوانة " قرية على عشر فراسخ من بغداد عند
صريفين على الدجلة، وفي " معرفة القراء " للمصنف: 1 / 384:
أنه قرأ عليه ختمة لعاصم، وليس لأبي عمرو، وتابعه على ذلك
ابن الجزري في " غاية النهاية ": 2 / 128.
(2) قال المصنف في " الميزان ": 3 / 525 تعليقا على قول
السمعاني: أما الرفض، فلا، فله أبيات في تعظيم الأربعة
الراشدين إن لم يكن نظمها تقية.
وقال الحافظ في " اللسان ": 5 / 144: والابيات المذكورة
أوردها ابن السمعاني عن سعد الله بن محمد المقرئ أنه
أنشده، قال: أنشدني أبو العز القلانسي لنفسه: إن من لم
يقدم الصديقا * لم يكن لي حتى الممات صديقا والذي لا يقول
قولي في الفا * روق أهوى لشخصه تفريقا وبنار الجحيم باغض
عثما * ن ويهوي منها مكانا سحيقا من يوالي عندي عليا وعادا
* هم جميعا عددته زنديقا قال ابن السمعاني: كنت أعتقد في
أبي العز أنه يميل إلى الرفض حتى سمعت له هذه الابيات.
(3) قال المؤلف في " معرفة القراء ": 1 / 385 تعليقا على
هذا الخبر: بعض الناس
يترخص في مثل هذا إذا تيقن سماعه للجزء من ذلك الرجل،
ونقله عنه ابن الجزري، وزاد عليه قوله: والامر في ذا سهل
إذا كان أصل شيخه، ولكن أكثر ما رمي به أبو العز أنه كان
يأخذ ممن يقرأ عليه، وهذا قل من رأيته سلم منه.
(19/497)
قُلْتُ:كَانَ يَأْخُذُ الذّهبَ عَلَى
إِقْرَاء العَشْرَة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار:سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ
البَنْدَنِيجِي يَقُولُ:سَأَلتُ أَبَا جَعْفَرٍ أَحْمَدَ
بنَ القَاصّ:هَلْ قَرَأْتَ عَلَى أَبِي العزِّ؟
فَقَالَ:لَمَّا قَدِمَ بَغْدَاد، أَردتُ أَنْ أَقرَأَ
عَلَيْهِ، فَطَلبَ مِنِّي ذهباً، فَقُلْتُ:وَاللهِ إِنِّيْ
قَادِر، وَلَكِن لاَ أُعْطيك عَلَى القُرْآن أَجراً،
فَلَمْ أَقرَأْ عَلَيْهِ (1) .
قَالَ خَمِيْسٌ الحوزِي:هُوَ أَحَدُ الأَئِمَّةِ الأَعيَان
فِي عُلُوْم القُرْآن، بَرَعَ فِي القِرَاءات.
قُلْتُ:تَلاَ عَلَيْهِ:سِبْطُ الخَيَّاط، وَأَبُو الفَتْحِ
بنُ زُرَيْقٍ الحَدَّاد، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ البَاقلاَنِي،
وَعَلِيُّ بنُ عَسَاكِرَ البطَائِحِي، وَعَدَد كَثِيْر،
وَاشْتُهِرَ ذِكْرُهُ.
مَاتَ:فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ.
287 - المُتَوكِّلِي أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ
الوَاحِدِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّرِيْفُ، أَبُو السَّعَادَاتِ أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ
بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَحْمَدَ العَبَّاسِيّ.
رَوَى عَنِ:ابْنِ المُسْلِمَة، وَالخَطِيْب.
__________
(1) علق المؤلف في " الميزان " بعد إيراد هذا الخبر بقوله:
أبو العز عندنا مع ذلك ثقة في القراءات مرضي.
(*) المنتظم: 10 / 7، مشيخة ابن الجوزي ص: 66 - 67، تاريخ
الإسلام: 4: 247 / أ، العبر: 4 / 49، الوافي بالوفيات: 6 /
227، عيون التواريخ: 13 / 478، مرآة الزمان: 8 / 77 - 78،
النجوم الزاهرة: 5 / 232، شذرات الذهب: 4 / 64.
(19/498)
حَدَّثَ عَنْهُ:ابْنُ عَسَاكِرَ، وَابْن
الجَوْزِيّ (1) ، وَجَمَاعَة.
مَاتَ:شهيداً، بَعْدَ أَنْ صَلَّى التَّرَاويح، لَيْلَةَ
سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ، مِنْ سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقَعَ مِنَ السَّطح فَمَاتَ (2) -
رَحِمَهُ اللهُ - .
288 - ابْنُ أَبِي رَوْحٍ أَبُو الفَضْلِ أَسَعْدُ بنُ
أَحْمَدَ *
رَأْسُ الرّفض بِالشَّامِ، القَاضِي، أَبُو الفَضْلِ
أَسَعْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي رَوْح الأَطَرَابُلُسِي،
صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
أَخَذَ عَنِ:ابْنِ البرَاج، وَسَكَنَ صيدَا إِلَى أَنْ
أَخذتهَا الفِرَنْجُ، فَقُتِلَ بِهَا، وَكَانَ ذَا تَعبُّد
وَتهجُّد وَصمتٍ، نَاظرَ مَغْرِبيّاً فِي تَحْرِيْم
الفقَاع، فَقطعه، فَقَالَ المَغْرِبِيُّ
المَالِكِيُّ:كُلْنِي؟!
قَالَ:مَا أَنَا عَلَى مَذْهَبك، أَي:جَوَازِ أَكلِ
الْكَلْب.
قِيْلَ لَهُ:مَا الدَّلِيْل عَلَى حَدَثِ القُرْآن؟
قَالَ:النَّسخُ، فَالقَدِيْمُ لاَ يَتبدل (3) .
قِيْلَ لَهُ:مَا الدَّلِيْل عَلَى أَنَّا مُخَيَّرَوْنَ
فِي أَفعَالنَا، غَيْرُ مجبورِيْنَ؟
قَالَ:بِعْثَةُ الرُّسل.
__________
(1) قال في " المنتظم ": 10 / 7، و" المشيخة ": 66: وكان
سماعه صحيحا، وسمعت منه الحديث، وكتب لي إجازة بخطه.
(2) قال ابن الجوزي: ودفن بمقبرة باب الدير، وقد بلغ
ثمانين سنة.
(*) تاريخ الإسلام: 4: 245 / 1، ميزان الاعتدال: 1 / 210،
الوافي بالوفيات: 9 / 40، عيون التواريخ: 13 / 464 وفيه
وفاته سنة 520، لسان الميزان: 1 / 386 -
387، أعيان الشيعة: 11 / 187 - 188.
(3) علق الحافظ ابن حجر عليه في " اللسان ": 1 / 387،
فقال: هذا هذيان والنسخ إنما دخل على الحكم فقط.
(19/499)
وَلَهُ كِتَاب(عُيُون الأَدلَة)فِي
مَعْرِفَةِ الله، وَكَتَبَ فِي الخلاَف (1) ،
وَكِتَاب(حقيقَة الآدَمِيّ)، وَأَشيَاء ذكرهَا ابْن أَبِي
طيّ (2) فِي(تَارِيخ الإِمَامِيَة).
289 - الفَرَّاءُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ
بنِ عُمَرَ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الثِّقَةُ، المُحَدِّثُ، أَبُو
الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عُمَرَ بنِ الفَرَّاء
المَوْصِلِيّ، ثُمَّ المِصْرِيّ.
سَمِعَ مِنْ:عَبْدِ العَزِيْزِ بن الحَسَنِ بنِ الضّرَاب
كِتَاب(المُجَالَسَة)لِلدِّينَورِي.
وَسَمِعَ مِنْ:عبد البَاقِي بن فَارِس، وَالحَافِظ عَبْدِ
الرَّحِيْمِ بن أَحْمَدَ البُخَارِيّ، وَعَبْدِ اللهِ بن
المَحَامِلِيّ، وَأَبِي إِبْرَاهِيْمَ أَحْمَدَ بنِ
القَاسِمِ بن مَيْمُوْنٍ، وَأَبِي الحُسَيْنِ مُحَمَّد بن
مَكِّيّ الأَزْدِيّ، وَكَرِيْمَةَ المَرْوَزِيَّة؛لقيهَا
بِمَكَّةَ، وَابْن الغرَّاء بِالقُدْس، وَأَضعَافِهم.
حَدَّثَ عَنْهُ:السِّلَفِيّ، وَأَبُو القَاسِمِ
البُوصِيْرِي، وَجَمَاعَة.
__________
(1) هي ثلاثة، الأول: " التبصرة في خلاف الشافعي للامامية
"، والثاني: " المقتبس " في الخلاف بيننا وبين مالك بن أنس
"، والثالث: " البيان في الخلاف بيننا وبين النعمان ".
(2) هو يحيى بن حميدة بن ظافر بن علي بن عبد الله الغساني
الحلبي المتوفى سنة 630 ه: كان بارعا في الفقه على مذهب
الامامية، وله مشاركة في الأصول والقراءات، وتصانيف في
الأدب والتاريخ.
قال ابن حجر في " اللسان ": 6 / 264: وقد وقفت على تصانيفه
وهو كثير الاوهام، والسقط، والتصحيف، وكان سبب ذلك ما ذكره
ياقوت من أنه كان يقطع الطريق على تصانيف الناس بأخذ
الكتاب الذي أتعب جامعه خاطره فيه، فينسخه كما هو إلا أنه
يقدم فيه ويؤخر، ويزيد وينقص، ويخترع له اسما غريبا،
ويكتبه كتابة فائقة لمن يشبه عليه، ورزق من ذلك حظا.
قلت: وكثير من المتطفلين على موائد العلم يفعلون فعله في
زمننا هذا، فيتشبعون بما لم يعطوا، ويحرزون بذلك ألقابا
ضخمة فضفاضة لا يستحقون شيئا منها.
(*) تاريخ الإسلام: 4: 237 / 2، العبر: 4 / 44، شذرات
الذهب: 4 / 59.
(19/500)
وَبِالإِجَازَة:أَبُو عَبْدِ اللهِ
الأَرتَاحِي، وَسَمِعَ مِنْهُ البُخَارِيُّ.
قَالَ السِّلَفِيّ:هُوَ مِنْ ثِقَاتِ الرُّوَاة،
وَأَكْثَرُ شُيُوْخِنَا بِمِصْرَ سَمَاعاً، أُصُوْلُه
أُصُوْلُ أَهْلِ الصِّدْق، وَقَدِ انتخبتُ مِنْ أَجزَائِهِ
مائَة جُزء، وَقَالَ لِي:إِنَّهُ وُلِدَ فِي سَنَةِ
ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فِي أَوّل
يَوْمٍ مِنْهَا.
تُوُفِّيَ:فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ
وَخَمْسِ مائَة.
وَفِيْهَا مَاتَ:لُغوِي زَمَانِهِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ
بنُ عَبْد الجَبَّارِ بن عيذُوْنَ التُّوْنُسِيّ (1) ،
وَوزِيْرُ مِصْرَ المَأْمُوْن أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ
البطَائِحِي (2) ، وَأَبُو البَرَكَات هِبَةُ اللهِ بن
مُحَمَّدِ بنِ البُخَارِيّ المُعَدَّل (3) .
290 - ابْنُ رُشدٍ أَبُو الوَلِيْدِ مُحَمَّدُ بنُ
أَحْمَدَ بنِ أَحْمَدَ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ المَالِكِيَّة، قَاضِي
الجَمَاعَة بقُرْطُبَة، أَبُو الوَلِيْدِ مُحَمَّدُ بنُ
أَحْمَدَ بنِ أَحْمَدَ بنِ رشد القُرْطُبِيُّ،
المَالِكِيُّ.
تَفقَّه بِأَبِي جَعْفَرٍ أَحْمَدَ بنِ رزق.
وَحَدَّثَ:عَنْهُ، وَعَنْ:أَبِي مَرْوَانَ بن سرَاج،
وَمُحَمَّد بن خَيْرَة، وَمُحَمَّدِ بنِ فَرج الطلاعِي،
وَالحَافِظ أَبِي عليّ.
__________
(1) سترد ترجمته برقم (314).
(2) سترد ترجمته برقم (320).
(3) سترد ترجمته برقم (307).
(*) الصلة: 2 / 576 - 577، بغية الملتمس: 50، المغرب في
حلى المغرب: 162، تاريخ الإسلام: 4: 242 / 2 - 243 / 1،
العبر: 4 / 47، وذكره المؤلف في تذكرة الحفاظ: 4 / 1271،
عيون التواريخ: 13 / 469، مرآة الجنان: 3 / 225، المرقبة
العليا: 98 - 99، الديباج المذهب: 248 - 250، وفيات ابن
قنفذ: 270، أزهار الرياض: 3 / 59، كشف الظنون: 361، 1412،
شذرات الذهب: 4 / 62، هدية العارفين: 2 / 85، شجرة النور
الزكية: 1 / 129، الغنية: 122 - 125.
(19/501)
وَأَجَازَ لَهُ أَبُو العَبَّاسِ بنُ
دِلهَاث.
قَالَ ابْنُ بَشْكُوَال:كَانَ فَقِيْهاً عَالِماً،
حَافِظاً لِلْفقه، مقدَّماً فِيْهِ عَلَى جَمِيْع أَهْلِ
عصره، عَارِفاً بِالفَتْوَى، بَصِيْراً بِأَقْوَال
أَئِمَّة المَالِكيَة، نَافذاً فِي علم الفَرَائِض
وَالأُصُوْل، مِنْ أَهْلِ الرِّيَاسَة فِي العِلْمِ،
وَالبرَاعَة وَالفَهْمِ، مَعَ الدِّينِ وَالفَضْلِ،
وَالوَقَار وَالحِلْم، وَالسَّمتِ الحَسَن، وَالهَدْي
الصَّالِح، وَمِنْ تَصَانِيْفِهِ
كِتَابُ(المُقَدِّمَاتِ)لأَوَائِل كتب المدوَّنَة،
وَكِتَاب(البيَان وَالتحصيل لمَا فِي المُسْتخرجَة مِنَ
التَّوجيه وَالتَّعليل (1))، وَاختصَار(المبسَوْطَة)،
وَاختصَار(مُشكل الآثَار)لِلطَّحَاوِي، سَمِعْنَا عَلَيْهِ
بعضَهَا، وَسَارَ فِي القَضَاءِ بِأَحْسَنِ سِيرَة،
وَأَقومِ طرِيقَة، ثُمَّ اسْتَعفَى مِنْهُ، فَأُعْفِيَ،
وَنشر كتبَه، وَكَانَ النَّاسُ يُعَوِّلُوْنَ عَلَيْهِ
وَيلجؤون إِلَيْهِ، وَكَانَ حَسَنَ الخُلُقِ، سَهْلَ
اللِّقَاء، كَثِيْرَ النَّفع لِخَاصَّته، جَمِيْلَ
العَشْرَة لَهُم، بارّاً بِهِم (2) .
عَاشَ سَبْعِيْنَ سَنَةً.
وَمَاتَ:فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ، وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُه أَبُو القَاسِمِ.
وَرَوَى عَنْهُ أَبُو الوَلِيْدِ بنِ الدَّبَّاغ،
فَقَالَ:كَانَ أَفْقَهَ أَهْلِ الأَنْدَلُس، صَنَّفَ(شرح
العتبيَة)، فَبَلَغَ فِيْهِ الغَايَة.
قُلْتُ:وَحَفِيْدُهُ هُوَ فَيْلَسُوْفُ زَمَانِهِ (3) ،
وَللقَاضِي عيَاض(سُؤَالاَت لابْنِ رشد)، مُؤلَّف نَفِيْس.
__________
(1) قال ابن فرحون في " الديباج ": 1 / 248: وهو كتاب عظيم
نيف على عشرين مجلدا.
(2) " الصلة ": 2 / 577.
(3) هو محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد أبو الوليد
القرطبي المتوفى سنة (595) ه. وسترد ترجمته.
(19/502)
291 - حَفِيْدُ البَيْهَقِيِّ عُبَيْدُ
اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، أَبُو الحَسَنِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ
مُحَمَّدِ ابنِ شَيْخِ الإِسْلاَمِ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ
بنِ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ البَيْهَقِيُّ،
الخُسْرَوْجِرْدِي.
سَمِعَ الكُتُبَ مِنْ جَدِّهِ.
وَسَمِعَ مِنْ:أَبِي يَعْلَى بن الصَّابونِي، وَأَبِي
سَعْدٍ أَحْمَد بن إِبْرَاهِيْمَ المُقْرِئ، وَعِدَّة.
وَحَجَّ، فَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ.
رَوَى عَنْهُ:ابْنُ نَاصر، وَأَبُو المُعَمَّر
الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ ابنُ عَسَاكِرَ،
وَأَبُو الفَتْحِ المَنْدَائِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
وُلِدَ:سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِر:مَا كَانَ يَعْرِفُ شَيْئاً، وَكَانَ
يَتَغَالَى بِكِتَابَة الإِجَازَة، وَيَقُوْلُ:مَا
أُجِيْزُ إِلاَّ بِطَسُّوج (1) .
قَالَ:وَسَمَّعَ لِنَفْسِهِ فِي جُزء، وَكَانَ سَمَاعُهُ
فِيمَا عَدَاهُ صَحِيْحاً (2) .
قُلْتُ:سَمِعَ مِنْهُ أَبُو الفَتْحِ المَنْدَائِيُّ
كِتَاب جَدِّهِ فِي(الأَسْمَاء وَالصِّفَات).
قَالَ ابْنُ نَاصر:مَاتَ بِبَغْدَادَ، بَعْد مرضِ
ثَلاَثَةَ عَشَرَ يَوْماً، فِي ثَالِث
__________
(*) مشيخة ابن عساكر: الورقة: 193، تاريخ الإسلام: 4: 252
/ 2، العبر: 4 / 54، ميزان الاعتدال: 3 / 15، المستفاد:
177، عيون التواريخ: 13 / 490، لسان الميزان: 4 / 116،
شذرات الذهب: 4 / 67.
(1) الطسوج: مقدار من الوزن، وهو ربع دانق، ووزنه حبتان من
حب الحنطة، والكلمة معربة.
(2) كذا الأصل هنا، وفي " الميزان " سمع لنفسه في أجزاء
تسميعا طريا، وما عدا ذلك فصحيح، وتابعه عليه الحافظ في "
اللسان " وقال: وكذا نقله عنه السمعاني.
(19/503)
جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ:جَعْفَرُ بنُ عبد الوَاحِد الثَّقَفِيّ
(1) ، وَمَقْتَلُ وَزِيْر دِمَشْق كَمَال الدّين طَاهِر بن
سَعْدٍ المردقَانِي فِي أُلُوْفٍ مِنَ البَاطِنِيَّة
بِدِمَشْقَ، وَأَبُو الحجَاج يُوْسُفُ بن عَبْدِ
العَزِيْزِ المَيُورْقِي، وَحَمْزَة بن هِبَةِ اللهِ
العَلَوِيّ (2) بِنَيْسَابُوْرَ عَنْ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ
سَنَةً.
292 - فَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ
القَاسِمِ بنِ عَقِيْلٍ *
المعمَرَّة، الصَّالِحَةُ، مُسْنِدَةُ الوَقْت، أُمُّ
إِبْرَاهِيْم، وَأُمُّ الغَيْث، وَأُمُّ الخَيْر
الجُوْزْدَانِيَّة، الأَصْبَهَانِيَّة.
آخِر مَنْ رَوَى فِي الدُّنْيَا عَنِ ابْنِ رِيذه، وَهِيَ
مُكْثِرَةٌ عَنْهُ (3) .
حَدَّثَ عَنْهَا:أَبُو العَلاَءِ العَطَّار، وَأَبُو
مُوْسَى المَدِيْنِيّ، وَمَعْمَر بن
__________
(1) سترد ترجمته برقم (308).
(2) سترد ترجمته برقم (327).
(*) التحبير: 2 / 428 - 429، التقييد: الورقة: 130 ب - 131
أ، تاريخ الإسلام: 4: 257 / 2، دول الإسلام: 2 / 46،
العبر: 4 / 56، المشتبه: في جوزدان، مرآة الجنان: 3 / 232،
شذرات الذهب: 4 / 69 - 70.
(3) وقد تفردت في وقتها برواية كتاب " المعجم الكبير "
للطبراني، و" المعجم الصغير " للطبراني عنه، وقد سمع
الوادي آشي المعجم الصغير على الشيخ زين الدين أبي بكر بن
يوسف المزي بقراءة الحافظ الذهبي، حدث به عن الشيخين محمد
بن إسماعيل بن أحمد المقدسي، وأبي إسحاق إبراهيم بن خليل
الادمي بسماعهما من أبي الفرج يحيى بن محمود بن سعد
الثقفي، أخبرنا أبو عدنان محمد بن أحمد بن المطهر، وأم
إبراهيم فاطمة بنت عبد الله الجوزدانية، قالا: أخبرنا محمد
بن عبد الله بن ريذه الضبي، عن مؤلفه الطبراني.
وانظر السماعات المثبتة في الجزء الأول من " المعجم الكبير
" نسخة الظاهرية، ونسخة أحمد الثالث.
(19/504)
الفَاخر، وَأَبُو جَعْفَر
الصَّيْدَلاَنِيّ، وَأَبُو الفَخْر أَسَعْدُ بنُ رَوْحٍ،
وَعفِيفَةُ بِنْت أَحْمَد، وَأَبُو سَعِيْدٍ أَحْمَدُ بنُ
مُحَمَّدٍ الأَرَّجَانِي، وَدَاوُد بن نِظَام الْملك،
وَشُعَيْبُ بن الحَسَنِ السَّمَرْقَنْدي، وَعبدُ
الرَّحِيْم بن الإِخْوَة، وَعَائِشَةُ وَمُحَمَّدٌ وَلدا
مَعْمرٍ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيّ:قَدِمَتْ عَلَيْنَا مِنْ
قَرْيَة جُوْزْدَان، وَمَوْلِدُهَا نَحْو سَنَة خَمْسٍ
وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَسَمِعَتْ مِنْ أَبِي
بَكْرٍ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ.
أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَتْنَا
كَرِيْمَةُ القُرَشِيَّة، أَنْبَأَنَا أَبُو مَسْعُوْدٍ
عَبْدُ الرَّحِيْمِ الحَاجِي:أَنَّهَا تُوُفِّيَت فِي
غُرَّة شَعْبَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ.
وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ نُقْطَةَ:تُوُفِّيَت فِي رَابِعَ
عَشَرَ رَجَبٍ.
قُلْتُ:سَمِعَتْ
المُعْجَمَيْن(الكَبِيْرَ)وَ(الصَّغِيْر)لِلطَّبَرَانِيِّ،
وَكِتَاب(الْفِتَن)لِنُعيمٍ (1) مِنِ ابْنِ رِيذه.
__________
(1) هو نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث الخزاعي المروزي
نزيل مصر، مشهور من الحفاظ، لقيه البخاري، ولكنه لم يخرج
عنه في الصحيح سوى موضع أو موضعين، وعلق له أشياء أخر،
وروى له مسلم في " المقدمة " موضعا واحدا، وأصحاب السنن
إلا النسائي، وكان أحمد يوثقه، وكذا في رواية عن ابن معين،
وسئل عنه ابن معين، فقال: ليس في الحديث بشيء، ولكنه صاحب
سنة، وقال الآجري عن أبي داود: عند نعيم نحو عشرين حديثا
عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس لها أصل، وقال النسائي:
نعيم ضعيف، وقال في موضع آخر: ليس بثقة، وقال الحافظ أبو
علي النيسابوري: سمعت النسائي يذكر فضل نعيم بن حماد
وتقدمه في العلم والمعرفة بالسنن، فقيل له في قبول حديثه،
فقال: قد كثر تفرده عن الأئمة فصار في حد من لا يحتج به،
وقال ابن قاسم: كان صدوقا وهو كثير الخطأ، وله أحاديث
منكرة في الملاحم انفرد بها.
وقال الدارقطني: إمام في السنة كثير الوهم.
(19/505)
293 - السُّلْطَانُ مُحَمَّدُ بنُ
مَلِكْشَاه بنِ أَلب أَرْسَلاَن التُّركِيُّ *
صَاحِبُ العِرَاق، الْملك، غِيَاثُ الدّين، أَبُو شُجَاعٍ
مُحَمَّدُ ابنُ السُّلْطَان مَلِكْشَاه بنِ أَلب
أَرْسَلاَن التُّركِي، السَّلْجُوْقِي.
لَمَّا مَاتَ أَبُوْهُ فِي سَنَةِ(485)، اقتسمُوا
الأَقَالِيمَ، فَكَانَ بَرْكْيَارُوْق هُوَ المُشَارَ
إِلَيْهِ، ثُمَّ قَدِمَ أَخوَاهُ مُحَمَّد وَسَنجر،
فَجَلَسَ لَهُمَا المُسْتَظْهِرُ بِاللهِ، وَسَلَطَنَ
مُحَمَّداً، وَأُلبس سَبْعَ خِلَع، وَتَاجاً، وَطوقاً،
وَسوَارِيْنَ، وَعَقَدَ لَهُ لوَاءَ السّلطنَة بِيَدِهِ،
وَقلَّده سَيْفَيْنِ، ثُمَّ خلع عَلَى سَنجر قَرِيْباً
مِنْهُ، وَقَطَعَ خُطبَةَ أَخِيْهِمَا بَرْكْيَارُوْق فِي
سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ، فَتحرَّك بَرْكْيَارُوْقُ،
وَحَشَدَ وَجَمَعَ، وَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَمَّد
خَمْسُ مَصَافَّات، ثُمَّ عَظُمَ شَأْنُ مُحَمَّد،
وَتَفَرَّد بِالسلطنَة، وَدَانت لَهُ البِلاَدُ، وَكَانَ
أَخُوْهُ يَخطُبُ لَهُ بِخُرَاسَانَ، وَقَدْ كَانَ
مُحَمَّدٌ فَحلَ آل سَلْجُوق، وَلَهُ بِرٌّ فِي
الجُمْلَةِ، وَحُسْنُ سيرَة مشوبَة، فَمِنْ عدلِه أَنَّهُ
أَبطل بِبَغْدَادَ المَكْسَ وَالضَّرَائِب (1) ، وَمَنَع
مِنِ اسْتِخْدَام يَهُوْدي أَوْ نَصْرَانِي، وَكسَا فِي
نَهَارٍ
__________
(*) المنتظم: 9 / 196، الكامل في التاريخ: 10 / 525 - 527،
وفيات الأعيان: 5 / 71، تاريخ الإسلام: 4: 203 / 2، دول
الإسلام: 2 / 38، العبر: 4 / 23 - 24، تتمة المختصر: 2 /
39 - 40، الوافي بالوفيات: 5 / 62، عيون التواريخ: 13 /
341، مرآة الزمان: 8 / 43، البداية والنهاية: 12 / 180 -
181، النجوم الزاهرة: 5 / 214، تاريخ الخلفاء: 428، 430،
شذرات الذهب: 4 / 30، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 60 /
73، 337.
(1) ذكر ابن الأثير: 10 / 526 من عدله أنه اشترى مماليك من
بعض التجار، وأحالهم بالثمن على عامل خوزستان، فأعطاهم
البعض، ومطل بالباقي، فحضروا مجلس الحكم، وأخذوا معهم
غلمان القاضي، فلما رآهم السلطان قال لحاجبه: انظر ما حال
هؤلاء، فسألهم عن حالهم، فقالوا: لنا خصم يحضر معنا مجلس
الحكم، فقال: من هو ؟ قالوا: السلطان، وذكروا قصتهم فأعلمه
ذلك، فاشتد عليه وأكره، وأمر بإحضار =
(19/506)
أَرْبَعَ مائَة فَقير، وَكَانَ قَدْ كَفَّ
مَمَاليكَه عَنِ الظُّلْمِ، وَدَخَلَ يَوْماً إِلَى
قُبَّةِ أَبِي حَنِيْفَةَ، وَأَغلقَ عَلَى نَفْسِهِ
يُصَلِّي وَيَدعُو.
وَقِيْلَ:إِنَّهُ خَلَّف مِنَ الذَّهَبِ العِينِ أَحَدَ
عَشَرَ أَلفَ أَلفِ دِيْنَارٍ.
وَمَاتَ مَعَهُ فِي العَامِ:صَاحِبُ قُسْطَنْطِيْنِيَّة،
وَصَاحِبُ القُدْس بغدوين - لعنهُمَا الله - .
وَقَدْ حَارب الإِسْمَاعِيْليَّة، وَأَبَادَ مِنْهُم،
وَأَخَذَ مِنْهُم قَلْعَة أَصْبَهَان، وَقَتَلَ ابْنَ
غطَّاش مَلِكَهُم (1) ، ثُمَّ تَعلل مُدَّة، وَمَاتَ فِي
آخِرِ سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة،
بِأَصْبَهَانَ، وَدُفِنَ بِمدرسَة كَبِيْرَةٍ لَهُ،
وَخَلَّفَ أَمْوَالاً لاَ تُحصَى، وَقَدْ تَزَوَّجَ
المقتفِي بِابْنتِه فَاطِمَة (2) ، وَعَاشَ ثَمَانِياً
وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، وَتسلطن بَعْدَهُ ابْنُهُ
مَحْمُوْد.
294 - أَمِيْرُ الجُيُوْش الأَفْضَلُ شَاهنشَاه بنُ بَدْرٍ
الجمَالِيُّ *
الملكُ الأَفْضَلُ، أَبُو القَاسِمِ شَاهِنشَاهُ ابْنُ
الْملك أَمِيْر الجُيُوْش بَدْر الجمَالِي، الأَرمنِيُّ.
__________
= العامل، وأمره بإيصال أموالهم، والجعل الثقيل، ونكل به
حتى يمتنع غيره عن مثل فعله، ثم إنه كان يقول بعد ذلك: لقد
ندمت ندما عظيما حيث لم أحضر معهم مجلس الحكم، فيقتدي بي
غيري، ولا يمتنع أحد عن الحضور فيه وأداء الحق.
قال: وعلم الامراء سيرته، فلم يقدم أحد منهم على الظلم،
وكفوا عنه.
(1) انظر " الكامل في التاريخ ": 10 / 430 - 434.
(2) قال ابن خلكان: 5 / 73: وكان الوكيل في قبول النكاح
الوزير شرف الدين أبو القاسم علي بن طراد الزينبي، وذلك في
سنة إحدى وثلاثين وخمس مئة، وحضر أخوها مسعود العقد، ونقلت
إلى دار الخلافة للزفاف سنة أربع وثلاثين، ويقال: إنها
كانت تقرأ وتكتب، ولها التدبير الصائب، وتوفيت في عصمته
يوم السبت الثاني والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة اثنتين
وأربعين وخمس مئة.
(*) الإشارة إلى من نال الوزارة: 57، تاريخ ابن القلانسي:
323 الكامل في التاريخ: =
(19/507)
كَانَ أَبُوْهُ نَائِباً بِعَكَّا، فَسَارَ
فِي البَحْر فِي تَرمِيمِ دَوْلَةِ المُسْتَنْصِرِ
العُبيدي، فَاسْتولَى عَلَى الإِقْلِيْم، وَأَبَادَ عِدَّة
أُمَرَاء، وَدَانت لَهُ المَمَالِك إِلَى أَنْ مَاتَ،
فَقَامَ بَعْدَهُ ابْنُه هَذَا، وَعظم شَأْنُهُ، وَأَهْلك
نِزَاراً وَلَدَ المُسْتَنْصِرِ صَاحِبِ دَعْوَة
البَاطِنِيَّة وَأَتَابِكَه أَفتكين مُتَوَلِّي الثَّغْر،
وَكَانَ بَطَلاً شُجَاعاً، وَافِرَ الهيبَة، عَظِيْمَ
الرُّتبَة، فَلَمَّا هَلَكَ المُسْتعلِي، نصبَ فِي
الإِمَامَة ابْنَه الآمِرَ، وَحَجَرَ عَلَيْهِ وَقَمَعَه،
وَكَانَ الآمرُ طيَاشاً فَاسِقاً، فَعمِلَ عَلَى قتل
الأَفْضَل، فَرتب عِدَّة وَثبُوا عَلَيْهِ، فَأَثخنوهُ،
وَنَزَلَ إِلَيْهِ الآمِرُ، تَوَجَّع لَهُ، فَلَمَّا قضَى،
اسْتَأْصل أَمْوَالَه، وَبَقِيَ الْآمِر فِي دَارِهِ
أَرْبَعِيْنَ صَبَاحاً وَالكَتَبَة تَضْبِطُ تِلْكَ
الأَمْوَال وَالذَّخَائِر، وَحَبَسَ أَوْلاَدَه، وَكَانَتْ
أَيَّامُه ثَمَانِياً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَكَانَتِ
الأُمَرَاء تَكرهُهُ لِكَوْنِهِ سُنِّياً، فَكَانَ
يُؤذِيْهِم، وَكَانَ فِيْهِ عدل، فَظَهَرَ بَعْدَهُ
الظُّلمُ وَالبدعَةُ، وَوَلِيَ الوزَارَة بَعْدَهُ
المَأْمُوْن البطَائِحِي.
قتلُوْهُ:فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ
مائَة، وَلَهُ ثَمَانٌ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ فِي(تَارِيْخِهِ):قَالَ صَاحِبُ
الدُّول المُنْقَطِعَة:خلَّف الأَفْضَلُ سِتَّ مائَةِ
أَلْفِ أَلفِ دِيْنَار، وَمائتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ
إِردَبّاً مِنَ الدَّرَاهِم، وَخَمْسِيْنَ أَلفَ ثَوْبِ
دِيبَاج، وَعِشْرِيْنَ أَلْفَ ثَوْبِ حَرِيْر،
__________
= 10 / 589 - 591، وفيات الأعيان: 2 / 448 - 451، تاريخ
الإسلام: 4: 218 / 2 - 219 - 2، دول الإسلام: 2 / 42 - 43،
العبر: 34 - 35، تتمة المختصر: 2 / 46، عيون التواريخ: 13
/ 396 - 398، مرآة الزمان: 8 / 64، البداية والنهاية: 12 /
188 - 189، اتعاظ الحنفا: 281، النجوم الزاهرة: 5 / 222،
شذرات الذهب: 4 / 47، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 149.
(19/508)
وَثَلاَثِيْنَ رَاحِلَة كَذَا وَكَذَا،
وَدوَاةً مُجَوْهَرَة بِاثْنَيْ عشرَ أَلفَ دِيْنَار،
وَعَشْرَة مَجَالِس؛فِي المَجْلِسِ مَضْرُوب عَشْرَة
مسَامِيْر مِنَ الذّهب، عَلَى المسمَار منْدِيل مشدودٌ
فِيْهِ بدلَة ثِيَاب، وَخَمْس مائَة صُنْدُوق، فِيْهَا
كِسْوَة وَمَتَاع، سِوَى الدَّوَابّ وَالمَمَالِيْك
وَالبقر وَالغنم، وَلبن موَاشيه يُبَاع فِي السَّنَةِ
بِثَلاَثِيْنَ أَلف دِيْنَار (1) .
قُلْتُ:هَذِهِ الأَشيَاء مُمْكِنَة، سِوَى الدَّنَانِيْرِ
وَالَدّرَاهِم، فَلاَ أُجَوِّز ذَلِكَ، بَلْ أَسْتبعد
عُشره، وَلاَ رِيبَ أَنَّ جَمعه لهَذِهِ الأَمْوَال موجبٌ
لضعف جَيْشِ مِصْر، فَفِي أَيَّامِهِ اسْتولت الفِرَنْجُ
عَلَى القُدْس وَعكَّا، وَصُوْر وَطَرَابُلُس
وَالسَّوَاحل، فَلَو أَنفق ربعَ مَاله، لَجَمع جَيْشاً
يَملأُ الفضَاء، وَلأَبَاد الفِرَنْجَ، وَلَكِن ليقضِي
الله أَمراً كَانَ مَفْعُوْلاً.
قَالَ أَبُو يَعْلَى بن القلاَنسِي (2) :كَانَ الأَفْضَلُ
حسنَ الاعتقَاد، سُنِّياً، حَمِيْد السِّيرَة، كَرِيْمَ
الأَخلاَق، لَمْ يَأْت الزَّمَانُ بِمِثْلِهِ.
قُلْتُ:وصُلِبَ البطَائِحِي المُتولِّي بَعْدَهُ سَنَة
تِسْعَ عَشْرَةَ.
وَوزر بَعْد هَلاَكِ الآمرِ أَمِيْرُ الجُيُوْش أَبُو
عَلِيٍّ أَحْمَد بن الأَفْضَل، وَكَانَ شَهْماً مُطَاعاً،
وَبطلاً شُجَاعاً، سَائِساً سُنِّياً، كَأَبِيْهِ وَجدِّه،
فَحجر عَلَى الحَافِظ، وَمَنَعه مِنْ أَعبَاءِ الأُمُوْر،
فَشدَّ عَلَيْهِ مَمْلُوْكٌ لِلْحَافظ إِفرنجِي، فَطعنه
قَتَلَه، وَوَزَرَ ياَنس الحَافِظِي (3) ، وَكَانَ أَبُو
عَلِيٍّ أَحْمَد قَدْ بَالغ فِي الاحْتِجَار عَلَى
الحَافِظ، وَحَوَّل ذخَائِر القَصْر إِلَى دَارِهِ،
وَادَّعَى أَنَّهَا أَمْوَال أَبِيْهِ.
__________
(1) " وفيات الأعيان ": 2 / 451.
(2) ص 325.
(3) انظر " الكامل في التاريخ ": 10 / 672 - 673.
(19/509)
وَقِيْلَ:إِنَّهُ ترك مِنَ الخُطبَة اسمَ
الحَافِظ، وَخَطَبَ لِنَفْسِهِ، وَقطع الأَذَان بِحَيَّ
عَلَى خَيْرِ العَمَلِ، فَنفرتْ مِنْهُ الرَّعِيَّةُ،
وَغَالِبُهُم شيعَة، فَقُتِلَ وَهُوَ يَلعب بِالكُرَة،
سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (1) ،
وَجدَّدُوا البَيْعَة حِيْنَئِذٍ لِلْحَافظ، فَمَاتَ
الوَزِيْر يانس بَعْد ثَلاَث سِنِيْنَ، فَوزر وَلِيُّ
العَهْدِ حسنُ ابنُ الحَافِظ.
295 - البُرْسُقِيُّ قَسِيمُ الدَّوْلَة أَبُو سَعِيْدٍ
آقسُنْقُرُ *
الملكُ، قسيمُ الدَّوْلَة، أَبُو سَعِيْدٍ آقسُنْقُر
مَمْلُوْك بُرْسُق، غُلاَمُ السُّلْطَان طُغْرُلْبَك.
وَلِي المَوْصِل وَالرَّحبَة، وَقَدْ وَلِيَ شِحنكيَة (3)
بَغْدَاد، وَكَانَ بَلَك (4)
__________
(1) وكان مقتله على يد أبيه، وضع له من دس له السم، فمات
سنة 529، قال ابن الأثير في " الكامل ": 11 / 23، 24: وكان
حسن سيئ السيرة ظالما جريئا على سفك الدماء، وأخذ الاموال،
فهجاه الشعراء، فمن ذلك ما قاله المعتمد بن الأنصاري صاحب
الترسل المشهور:
لم تأت يا حسن بين الورى حسنا * ولم تر الحق في دنيا ولا
دين
قتل النفوس بلا جرم ولا سبب * والجور في أخذ أموال
المساكين
لقد جمعت بلا علم ولا أدب * تيه الملوك وأخلاق المجانين
(2) انظر " الكامل في التاريخ ": 10 / 673.
(*) المنتظم: 9 / 254، الكامل في التاريخ: 10 / 633 - 635،
وفيات الأعيان: 1 / 242 - 243، معجم الألقاب: 4 / 3: 588،
تاريخ الإسلام: 4 / 240 / 2، العبر: 4 / 46، تتمة المختصر:
2 / 53، عيون التواريخ: 13 / 449، البداية والنهاية: 12 /
195، النجوم الزاهرة: 5 / 230، شذرات الذهب: 4 / 61، معجم
الأنساب
والاسرات الحاكمة: 6، 46، 337.
(3) من الشحنة: وهم أعوان الأمير الذين يتولون ضبط أمور
البلد، وحفظ الرعية.
(4) هو بلك بن بهرام بن أرتق صاحب حلب، وقد تم قتله سنة
518 ه، انظر " الكامل في التاريخ ": 10 / 619.
(19/510)
قَدْ قتل بِمَنْبِج، فَتملَّك ابْنُ
عَمِّهِ تَمرتَاش بن إِيلغَازِي حلب (1) ، وَكَانَ بَلَك
قَدْ أَسر بغدوين صَاحِبَ القُدْس، فَاشْتَرَى نَفْسَه،
وَهَادَنَهُ، فَغَدَرَ بغدوين، وَحَاصَرَ حلبَ، هُوَ
وَدُبَيس الأَسَدِيّ (2) ، وَمَعَهُمَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ
صَاحِب حلب رضوَان بن تُتُش السَّلْجُوْقِي، فَهلك
أَهْلُهَا جُوعاً وَموتاً، فَخَرَجَ فِي اللَّيْلِ
قَاضيهَا أَبُو غَانم، وَالشَّرِيْفُ زُهْرَة، وَآخر إِلَى
تَمرتَاش بِمَاردين، وَفَاتُوا الفِرَنْجَ، فَأَخَذَ
يُمَاطِلُهُم تَمرتَاش، فَانْملسُوا مِنْهُ إِلَى
المَوْصِل، فَوَجَدُوا البُرْسُقِي مَرِيضاً،
فَقُلْنَا:عَاهدِ اللهَ إِن عَافَاك أَنْ تَنْصُرَنَا،
فَقَالَ:إِي وَاللهِ، فَعُوفِي بَعْدَ ثَلاَثٍ، فَنَادَى
الْغُزَاة، وَلَمَّا أَشْرَف عَلَى حلب، تَقهقرتِ
الفِرَنْجُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ مُقَاتِلتُهَا، وَحَملُوا
عَلَى العَدُوّ هزموهُم، وَرتَّبَ أُمُوْرَ الْبَلَد،
وَأَمدَّهُم بِالغلاَّت، فَبَادرُوا، وَبذرُوا فِي آذَار،
وَنقعُوا الْقَمْح وَالشَّعيرَ، فَرتب بِهَا ابْنَه وَرجع
(3) ، وَكَانَ قَدْ أَبَاد فِي الإِسْمَاعِيْليَّة، فَشدَّ
عَلَيْهِ عَشْرَةٌ بِالجَامِع، فَقَتَلَ بِيَدِهِ مِنْهُم
ثَلاَثَة، وَقُتِلَ - رَحِمَهُ اللهُ - فِي ذِي
القَعْدَةِ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، كَانُوا
بزِيِّ الصُّوْفِيَّة، نَجَا مِنْهُم وَاحِد (4) .
__________
(1) انظر " زبدة الحلب ": 2 / 220، " ونهر الذهب ": 3 /
86، و" تاريخ حلب ": 1 / 450 للطباخ.
(2) صاحب الحلة، وكان قد وصل إلى الصليبيين - حين ملكوا
مدينة صور، تشوفت أنفسهم إلى الاستيلاء على بلاد الشام -
فانضم إليهم وأطمعهم في حلب، وقال لهم: إن أهلها شيعة، وهم
يميلون إلى لاجل المذهب، فمتى رأوني سلموا البلد إلي، وبذل
لهم على مساعدته بذولا كثيرة، وقال: إنني أكون ها هنا
نائبا عنكم، ومطيعا لكم، فساروا معه..." الكامل في التاريخ
": 10 / 623.
(3) " الكامل في التاريخ ": 10 / 623، 624، " نهر الذهب ":
3 / 86، 87، " تاريخ حلب ": 1 / 455، 461 للطباخ، " زبدة
الحلب ": 2 / 230.
(4) " الكامل في التاريخ ": 10 / 633، 634.
(19/511)
وَكَانَ - رَحِمَهُ اللهُ - ديناً
عَادِلاً، حسنَ الأَخلاَق، وَصَّى قَاضِيَه بِالعَدْل،
بِحَيْثُ إِنَّهُ أَمرَ زَوجته أَنْ تدَّعِي عَلَيْهِ
بِصدَاقهَا، فَنَزَلَ إِلَى قَاضِيه، وَجَلَسَ بَيْنَ
يَدَيْهِ، فَتَأَدَّب كُلُّ أَحَد (1) .
__________
(1) ووصفه ابن الأثير في " الكامل ": 10 / 634، فقال: كان
خيرا يحب أهل العلم والصالحين، ويرى العدل ويفعله، وكان من
خير الولاة يحافظ على الصلوات في أوقاتها، ويصلي من الليل
متهجدا، حكى لي والدي رحمه الله عن بعض من كان يخدمه، قال:
كنت فراشا معه، فكان يصلي كل ليلة كثيرا، وكان يتوضأ هو
بنفسه، ولا يستعين بأحد...
(19/512)
|