سير أعلام النبلاء، ط الرسالة

الطَّبَقَةُ التَّاسِعَةُ وَالعِشْرُونَ
93 - سَعْدُ الخَيْرِ أَبُو الحَسَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَهْلٍ الأَنْصَارِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، المُتْقِنُ، الجَوَّالُ، الرَّحَّالُ، أَبُو الحَسَنِ سَعْدُ الخَيْرِ بنُ (1) مُحَمَّدِ بنِ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ الأَنْصَارِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، البَلَنْسِيُّ (2) ، التَّاجِرُ.
سَارَ مِنَ الأَنْدَلُسِ إِلَى إِقْلِيْمِ الصِّيْنِ، فَترَاهُ يَكتُبُ: سَعْدُ الخَيْرِ الأَنْدَلُسِيُّ، الصِّينِيُّ.
وَكَانَ مِنَ الفُقَهَاءِ العُلَمَاءِ.
سَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ: طِرَادٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَابْنِ طَلْحَةَ النِّعَالِيِّ، وَابْنِ البَطِرِ (3) ،
__________
(*) الأنساب 2 / 297، 298 (البلنسي)، المنتظم 10 / 121، معجم البلدان 1 / 491، اللباب 1 / 176، مرآة الزمان 8 / 116، العبر 4 / 112، 113، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد، 1 / 120 - 121، الوافي بالوفيات 15 / 189، 190، طبقات السبكي 7 / 90، البداية والنهاية 12 / 221، 222، شذرات الذهب 4 / 128.
(1) سقط لفظ " بن " من " البداية " 12 / 321.
(2) نسبة إلى بلنسية: بلدة بشرق الأندلس من بلاد المغرب.
(3) تصحف في " المنتظم " 10 / 121 إلى " النظر ".

(20/158)


وَطَبَقَتِهِم.
وَبِأَصْبَهَانَ: أَبَا سَعْدٍ المَطَرِّزَ، وَطَائِفَةً.
وَبِالدُّوْنِ (1) مِنْ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَمْدٍ.
ثُمَّ سَمَّعَ بِنْتَهُ فَاطِمَةَ مِنْ: فَاطِمَةَ الجُوْزْدَانِيَّةِ كَثِيْراً، وَهِيَ حَاضِرَةٌ، وَسَمَّعَهَا بِبَغْدَادَ مِنْ أَصْحَابِ الجَوْهَرِيِّ، وَحصَّلَ الكُتُبَ الجيِّدَةَ، ثُمَّ اسْتَقرَّ بِبَغْدَادَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ (2) ، وَالسِّلَفِيُّ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَالمَدِيْنِيُّ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَسَدٍ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَالكِنْدِيُّ، وَابْنتُهُ فَاطِمَةُ، وَزوجُهَا عَلِيُّ بنُ نَجَا الوَاعِظُ.
وَتَفَقَّهَ عَلَى: الغَزَّالِيِّ.
وَقرَأَ الأَدبَ عَلَى: أَبِي زَكَرِيَّا التِّبْرِيزِيِّ.
مَاتَ: يَوْمَ عَاشُورَاءَ، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَثَّقَهُ: ابْنُ الجَوْزِيِّ (3) ، وَغَيْرُهُ.
ذَكَرَ السَّمْعَانِيَّ (4) أَنَّهُ حُمِلَ إِلَى قَاضِي المرستَان (5) يَسِيرَ عُوْدٍ، فَدَفَعَهُ إِلَى جَارِيَةِ القَاضِي، فَلَمْ تَعرِفْهُ بِهِ لقلَّتِهِ.
قَالَ: فَجَاءَ وَقَالَ: يَا سيِّدَنَا، وَصلَ العُوْدُ؟
قَالَ: لاَ.
قَالَ: دفَعْتُهُ إِلَى الجَارِيَةِ.
فَسَأَلهَا عَنْهُ، فَاعْتلَّتْ بقِلَّتِهِ، وَأَحَضَرَتْهُ، فَرمَاهُ القَاضِي، وَقَالَ: لاَ حَاجَةَ لَنَا فِيْهِ.
ثُمَّ إِنَّ سَعْدَ الخَيْرِ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُسَمِّعَ وَلدَهُ جَابِراً (جُزءَ الأَنْصَارِيِّ)، فَحَلَفَ أَنْ لاَ يُحَدِّثهُ بِهِ
__________
(1) دون: قرية من أعمال الدينور.
وقد مرت ترجمة عبد الرحمن الدوني في الجزء التاسع عشر برقم (147).
(2) انظر " مشيخة " ابن عساكر: 70 / 2.
(3) في " المنتظم " 10 / 121 فقال: كان ثقة صحيح السماع.
(4) في " الأنساب " 2 / 297.
(5) تقدمت ترجمته برقم (12).

(20/159)


إِلاَّ بِخَمْسَةِ أَمْنَاء (1) عُوْداً، فَبقِي يُلِحُّ عَلَى القَاضِي أَنْ يُكَفِّرَ يَمِيْنَهُ فَمَا فَعلَ، وَلاَ هُوَ حمل شَيْئاً.

94 - ابْنُ الإِخْوَةِ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الإِخْوَةِ البَغْدَادِيُّ، العَطَّارُ، الوَكِيْلُ، جدُّ المُؤَيَّدِ بنِ الإِخْوَةِ.
سَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ بنَ البُسْرِيِّ وَغَيْرَهُ، وَتَفَرَّدَ بِـ (المُجْتَنَى) لابْنِ دُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي مَنْصُوْرٍ العُكْبَرِيِّ.
رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَطَائِفَةٌ، خَاتِمَتُهُم الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ.
وَعَاشَ سِتّاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: شَيْخٌ بَهِيٌّ، حَسَنُ المَنْظَرِ، خَيِّرٌ، مُتقَرِّبٌ إِلَى أَهْلِ الخَيْرِ، وَهُوَ أَبُو شَيْخَيْنَا عَبْدِ الرَّحِيْمِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ.
تُوُفِّيَ: فِي خَامِسِ رَمَضَانَ، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

95 - شَيْخُ الشُّيُوْخِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ دُوْسْتَ **
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، أَبُو البَرَكَاتِ إِسْمَاعِيْلُ ابنُ أَبِي سَعْدٍ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ (2) بنِ دُوْسْتَ النَّيْسَابُوْرِيُّ.
__________
(1) الامناء جمع المنا، وهو كيل أو ميزان يوزن به. " القاموس "
(*) لم نعثر له على مصدر ترجمة.
(* *) المنتظم 10 / 121، الكامل 11 / 118، مرآة الزمان 8 / 114 العبر 4 / 111، الوافي بالوفيات 9 / 85، النجوم الزاهرة 5 / 280، شذرات الذهب 4 / 128، تهذيب تاريخ دمشق 3 / 15.
(2) في " المنتظم " و" مرآة الزمان ": محمود بدل محمد.

(20/160)


وُلِدَ: سَنَةَ 465، بِبَغْدَادَ.
فَسَمِعَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَلِيٍّ الأَنْمَاطِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ البُسْرِيِّ، وَأَبِي نَصْرٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَرِزْقِ اللهِ، وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: ابْنَاهُ عَبْدُ الرَّحِيْمِ وَعَبْدُ اللَّطِيْفِ، وَأَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ (1) ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَسَدٍ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ سُكَيْنَةَ - وَهُوَ سِبْطُهُ - وَسُلَيْمَانُ المَوْصِلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ العَاقُوْلِيّ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: وَقورٌ، مَهيبٌ، عَلَى شَاكلَةٍ حَمِيدَةٍ، مَا عَرَفْتُ لَهُ هَفْوَةً، قَرَأْتُ عَلَيْهِ الكَثِيْرَ، وَكُنْتُ نَازِلاً بِرِباطِهِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْتُ ابْنَ سُكَيْنَةَ يَقُوْلُ: كُنْتُ حَاضِراً لَمَّا احتُضِرَ، فَقَالَتْ لَهُ أُمِّي: يَا سيِّدِي مَا تَجِدُ؟
فَمَا قَدِرَ عَلَى النُّطْقِ، فَكَتَبَ عَلَى يَدِهَا، رَوْحٌ وَرَيْحَانٌ، وَجنَّةُ نَعيمٍ، ثُمَّ مَاتَ.
قُلْتُ: مَاتَ فِي عَاشرِ جُمَادَى الآخِرَةَ، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَعَمِلُوا لِمَوْتِهِ وَليمَةً بنَحْوِ ثَلاَثِ مائَةِ دِيْنَارٍ.

96 - شَافِعُ بنُ عَبْدِ الرَّشِيْدِ أَبُو عَبْدِ اللهِ الجِيْلِيُّ * (2)
العَلاَّمَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الجِيْلِيُّ، ثُمَّ الكَرْخِيُّ، مِنْ كِبَارِ أَئِمَّةِ الشَّافعيَّةِ.
__________
(1) انظر " مشيخة " ابن عساكر: 27 / 1.
(*) المنتظم 10 / 121، 122، طبقات السبكي 7 / 101، طبقات الاسنوي 1 / 329، البداية والنهاية 12 / 222.
(2) في " طبقات " الاسنوي: " عبد الله " بدل " عبد الرشيد ".

(20/161)


رَحَلَ وَتَفَقَّهَ عَلَى الغَزَّالِيِّ وَإِلْكِيَا (1) .
وَسَمِعَ بِالبَصْرَةِ مِنَ: القَاضِي أَبِي عُمَرَ النُّهَاوَنْدِيِّ.
وَتَصدَّرَ لِلْعِلْمِ بِبَغْدَادَ.
رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ.
مَاتَ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَهُوَ فِي عَشْرِ الثَّمَانِيْنَ.

97 - ابْنُ الآبَنُوْسِيِّ أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ *
الفَقِيْهُ، المُفْتِي، العَابِدُ، أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ ابْنُ الإِمَامِ المُحَدِّثِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيِّ بنِ الآبَنُوْسِيِّ البَغْدَادِيُّ، الشَّافِعِيُّ، الوَكِيْلُ.
وُلِدَ: سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ بنَ البُسْرِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ مَسْعَدَةَ، وَأَبَا نَصْرٍ الزَّيْنَبِيَّ، وَعِدَّةً.
وَتَفَقَّهَ عَلَى قَاضِي القُضَاةِ الحَمَوِيِّ (2) .
وَنَظَرَ فِي الكَلاَمِ وَالاعتزَالِ، ثُمَّ لَطَفَ اللهُ بِهِ، وَصَارَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالمُتَابعَةِ، وَكَانَ يَدْرِي المَذْهَبَ وَالفَرَائِضَ وَالخلاَفَ وَالشُّروطَ، ثِقَةً، زَاهِداً، مُصَنِّفاً، ذكَّاراً، مُتَأَلِّهاً، مُؤْثِراً لِلانقطَاعِ.
__________
(1) وهو الامام علي بن محمد بن علي الطبرستاني أبو الحسن إلكيا الهراسي، المتوفى سنة 504 ه، مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (207).
(*) المنتظم 10 / 126، العبر 4 / 114، تذكرة الحفاظ 4 / 1294، الوافي بالوفيات 7 / 114، طبقات السبكي 6 / 21، طبقات الاسنوي 1 / 109، شذرات الذهب 4 / 130.
(2) هو أبو بكر محمد بن المظفر الشامي الشافعي المتوفى سنة 488 ه، مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (47).

(20/162)


رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ (1) ، وَالكِنْدِيُّ، وَسُلَيْمَانُ المَوْصِلِيُّ.
وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ: بِنْتُهُ شرفُ النِّسَاءِ.
مَاتَ: فِي ثَامنِ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَمَاتَ أَبُوْهُ (2) بَعْدَ الخَمْسِ مائَةٍ.

98 - ابْنُ الأَشْقَرِ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ *
الدَّلاَّلُ، البَغْدَادِيُّ، ابْنُ الأَشْقَرِ.
سَمِعَ: أَبَا الحُسَيْنِ بنَ المُهْتَدِي بِاللهِ، وَابْنَ هَزَارْمَرْدَ الصَّرِيْفِيْنِيَّ.
وَعَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَأَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، وَتُرْكُ بنُ مُحَمَّدٍ العَطَّارُ، وَأَحْمَدُ بنُ الأَصْفَرِ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي الفَتْحِ، وَعِدَّةٌ.
صَالِحٌ، خَيِّرٌ، صَحِيْحُ السَّمَاعِ.
مَاتَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

99 - ابْنُ أُخْتِ الطَّوِيْلِ أَبُو بَكْرٍ هِبَةُ اللهِ بنُ الفَرَجِ الهَمَذَانِيُّ **
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ هَمَذَانَ، أَبُو بَكْرٍ هِبَةُ اللهِ بنُ الفَرَجِ الهَمَذَانِيُّ، ابْنُ أُخْتِ الطَّوِيْلِ.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ يُوْسُفَ بنِ مُحَمَّدٍ الخَطِيْبِ، وَأَبِي الفَضْلِ
__________
(1) انظر " مشيخة " ابن عساكر 7 / 2.
(2) وقد مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (176).
(*) المنتظم 10 / 126، العبر 4 / 115، شذرات الذهب 4 / 131.
(* *) التحبير 2 / 362 - 364.

(20/163)


القُوْمَسَانِيِّ الإِمَامِ، وَأَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ البَجَلِيِّ الجَرَيْرِيِّ، وَبَكْرِ بنِ حَيْدٍ، وَسُفْيَانَ بنِ الحُسَيْنِ بنِ فَنْجَوَيه، وَعَبْدُوسِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَطَائِفَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: الحَافِظُ أَبُو العَلاَءِ العَطَّارُ، وَأَوْلاَدُهُ؛ أَحْمَدُ وَعَبْدُ الغَنِيِّ وَوَاثِلَةُ، وَالمُؤَيَّدُ بنُ الإِخْوَةِ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ (1) ، وَعِدَّةٌ.
وَأَجَازَ - فِيْمَا قِيْلَ -: لِعَبْدِ الخَالِقِ النِّشْتَبْرِيّ (2) .
وَكَانَ مِنْ خيَارِ الشُّيُوْخِ.
كَانَ الحَافِظُ أَبُو العَلاَءِ يَقُوْلُ: هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْخٍ بِهَمَذَانَ (3) .
وَأَثْنَى عَلَيْهِ السَّمْعَانِيُّ فِي (تَحْبيرِهِ (4))، وَذَكَرَ مَوْلِدَهُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ، وَقَالَ لأَبِي العَلاَءِ: إِنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ (5) ، فَمِنْ مَسْمُوْعَاتِهِ (السُّنَن) مِنَ البَجَلِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ لاَلَ، عَنِ ابْنِ دَاسَةَ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، وَحَدَّثَ بِهِ، فَسَمِعَهُ مِنْهُ أَحْمَدُ وَعَاتِكَةُ وَلدَا الحَافِظِ أَبِي العَلاَءِ، وَمِنْ سَمَاعَاتِهِ (مَكَارِم الأَخلاَقِ) لابْنِ لاَلَ، سَمِعَهُ مِنَ البَجَلِيِّ عَنْهُ (6) .
تُوُفِّيَ: فِي شَعْبَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، عَنْ تِسْعِيْنَ سَنَةً.
__________
(1) انظر " مشيخة " ابن عساكر 237 / 1.
(2) ضبط في الأصل بكسر النون وضبطها ياقوت بالفتح ثم السكون وتاء مثناة فوقية ثم باء موحدة، نسبة إلى نشتبرى: قرية كبيرة ذات نخل وبساتين، تختلط بساتينها ببساتين شهرابان من طريق خراسان من نواحي بغداد.
انظر " معجم البلدان " 5 / 286، و" المشتبه " ص 380.
وعبد الخالق هذا متوفى سنة 649، ستأتي ترجمته في الجزء الثاني والعشرين.
(3) انظر " التحبير " 2 / 362. وأبو العلاء الهمذاني الحافظ ستأتي ترجمته في الجزء الحادي والعشرين برقم (2).
(4) 2 / 362.
(5) " التحبير " 2 / 364.
(6) " التحبير " 2 / 363، 364.

(20/164)


100 - الدُّومِيُّ أَبُو الفَتْحِ مُفلِحُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، أَبُو الفَتْحِ مُفْلِحُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ الدُّوْمِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الوَرَّاقُ.
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ الخَطِيْبَ، وَابْنَ هَزَارْمَرْدَ الصَّرِيْفِيْنِيَّ، وَأَبَا الحُسَيْنِ بنَ النَّقُّوْرِ، وَعَلِيَّ بنَ البُسْرِيِّ.
وَعَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ (1) ، وَأَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، وَعُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، وَيُوْسُفُ بنُ المُبَارَكِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ السَّاوِي، وَتُرْكُ بنُ مُحَمَّدٍ العَطَّارُ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَتَبْتُ عَنْهُ الكَثِيْرَ، وَكَانَ شَيْخاً لاَ بَأْسَ بِهِ، كَانَ يَعقدُ فِي قطيعَةِ الفُقَهَاءِ بِالكَرْخِ، وَيَكْتُبُ الرِّقَاعَ بِالأُجْرَةِ، وَسَمِعْتُ أَنَّهُ جَمَعَ مَالاً كَثِيْراً وَدفنَهُ، فَورثَهُ وَلدُهُ مُنجحٌ، كَانَ حرِيصاً، تُوُفِّيَ فِي ثَانِي عشرَ المحرَّمِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: وَوَلَدُهُ مُنجحُ (2) بنُ مُفلِحٍ يَرْوِي عَنِ ابْنِ البَطِرِ وَنَحْوِهِ، تُوُفِّيَ بَعْدَ سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (3) .
وَحَفِيْدُهُ مُصلحُ (4) بنُ مُنجحِ بنِ مفلحٍ، سَمِعَ هِبَةَ اللهِ بنَ الطّبرِ، وَغَيْرَهُ.
__________
(*) الاستدراك: ورقة 178، العبر 4 / 103، النجوم الزاهرة 5 / 273، شذرات الذهب 4 / 116، حاشية الإكمال 3 / 370، 371.
والدومي بالدال المهملة المضمومة، نسبة إلى دومة الجندل، وقد تحرف في " العبر " و" النجوم " و" الشذرات " إلى الرومي بالراء.
(1) انظر " مشيخة " ابن عساكر: ق 245 / 1.
(2) مترجم في " الاستدراك ": باب الدومي والرومي.
ونقله المعلمي في حاشية " الإكمال " 3 / 371.
(3) سيذكره المؤلف عقب الترجمة (232) على أنه متوفى سنة 554 ه.
(4) مترجم في " الاستدراك " باب الدومي والرومي. ونقله المعلمي في حاشية " الإكمال " 3 / 371.

(20/165)


رَوَى عَنْهُ: إِلْيَاسُ بنُ جَامِعٍ.
وَمَاتَ مَعَ مفلحٍ: أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ سِبْطُ الخَيَّاطِ (1) ، وَأَبُو الفَتْحِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ البيضَاوِيِّ (2) ، وَأَبُو طَالِبٍ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصُّوْرِيُّ (3) ، وَأَمِيْرُ المُسْلِمِينَ عَلِيُّ (4) بنُ يُوْسُفَ بنِ تَاشفِيْنَ، وَالعَلاَّمَةُ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ لُقْمَانَ النَّسَفِيُّ (5) ، وَكوخَانُ (6) طَاغِيَةُ التُّرْكِ وَالخَطَا، وَالخَطِيْبُ أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ المُهْتَدِي بِاللهِ (7) ، وَالقَاضِي المُنتجبُ أَبُو المَعَالِي مُحَمَّدُ ابنُ الزَّكِيِّ يَحْيَى القُرَشِيُّ (8) بِدِمَشْقَ.

101 - الشَّرِيكُ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ البَلْخِيُّ *
الإِمَامُ، المُسْنِدُ، أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ البَلْخِيُّ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ الوَرَّاقَ، وَالحَافِظَ أَبَا عليٍّ الوَخْشِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ المَاسكَانِيَّ، وَأَبَا سَعِيْدٍ الخَلِيْلَ بنَ أَحْمَدَ السِّجْزِيَّ، وَطَائِفَةً.
قَالَ السَّمْعَانِيَّ (9) : كَانَ فَاضِلاً، حَسَنَ السِّيْرَةِ، مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، مُكْثِراً
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (79).
(2) سترد ترجمته برقم (117).
(3) تقدمت ترجمته برقم (66).
(4) تقدمت ترجمته برقم (75).
(5) تقدمت ترجمته برقم (76).
(6) تقدمت ترجمته برقم (77).
(7) تقدمت ترجمته برقم (70).
(8) تقدمت ترجمته برقم (82).
(*) التحبير 1 / 552 - 559.
(9) في " التحبير " 1 / 552 وما بعدها.

(20/166)


مِنَ الحَدِيْثِ، مُعَمَّراً، كَتَبَ إِلَيَّ بِمَرْوِيَّاتِهِ، يَرْوِي (المُوَطَّأَ) عَنْ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ أَحْمَدَ الحَدِيْثيِّ، عَنْ زَاهِرِ بنِ أَحْمَدَ السَّرْخَسِيِّ، وَيَرْوِي (تَفْسِيْرَ أَبِي اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْديِّ)، عَنِ الوَخْشِيِّ، عَنْ تَمِيْمِ بنِ زُرْعَةَ، عَنْهُ.
وَرَوَى عَنِ الوَخْشِيِّ (سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ)، وَعِدَّةَ تَفَاسير.
إِلَى أَنْ قَالَ (1) : تُوُفِّيَ بِبَلْخَ، فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

102 - ابْنُ الصَّبَّاغِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ السَّيِّدِ بنِ مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ *
العَدْلُ، الصَّدُوْقُ، العَالِمُ، أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ ابنُ العَلاَّمَةِ شَيْخِ الشَّافعيَّةِ أَبِي نَصْرٍ عَبْدِ السَّيِّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ الصَّبَّاغِ البَغْدَادِيُّ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الصَّرِيْفِيْنِيَّ، وَطِرَاداً الزَّيْنَبِيَّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ (2) ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَحَمْزَةُ بنُ القُبَّيْطِيِّ، وَعَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ أَبِي النَّجِيْبِ، وَزَاهِرُ بنُ رُسْتُمَ، وَيُوْسُفُ بنُ الخَفَّافِ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ العَاقُوْلِيّ، وَسُلَيْمَانُ المَوْصِلِيُّ، وَأَخُوْهُ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، وَعَبْدُ المَجِيْدِ بنُ العَلاَءِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ مِنَ الْمُعَدلين بِبَغْدَادَ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: شَيْخٌ، ثِقَةٌ، صَالِحٌ، صَدُوْقٌ، حَسَنُ السِّيْرَةِ، قَالَ لِي: وُلِدْتُ فِي آخِرِ سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ.
__________
(1) " التحبير " 1 / 559.
(*) العبر 4 / 115، شذرات الذهب 4 / 131.
(2) انظر " مشيخة " ابن عساكر: ق 145 / 1.

(20/167)


وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ الجِيْلِيُّ: تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَتَبِعَهُ خلقٌ عَظِيْمٌ، وَكَانَ شَيْخَ الوَقْتِ، بَقِيَ نَيِّفاً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً شَاهِداً، وَهُوَ آخِرُ مَنْ رَوَى بِبَغْدَادَ كِتَابَ (ابْنِ مُجَاهِدٍ) فِي القِرَاءاتِ.
قَالَ: وَكَانَ شَيْخاً حَسَناً، فَاضِلاً، مُحترماً، مُقَدَّماً لدِينِهِ وَعلمِهِ وَبَيْتِهِ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيِّ بنِ الآبَنُوْسِيّ (1) ، وَأَبُو جَعْفَرٍ البِطْرَوْجِيُّ (2) ، وَأَبُو جَعْفَرٍ بنُ البَاذش (3) المُقْرِئُ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الأَشْقَرِ (4) ، وَدعوَانُ بنُ عَلِيٍّ المُقْرِئُ (5) ، وَعُمَرُ بنُ ظَفَرٍ المَغَازلِيُّ (6) ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي الفَتْحِ الطَّرَائِفِيُّ (7) ، وَالقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الجُلاَّبِيُّ (8) ، وَالفَقِيْهُ نَصْرُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ المَصِّيْصِيُّ (9) ، وَهِبَةُ اللهِ بنُ الفَرَجِ ابْن أُخْتِ الطَّوِيْلِ (10) ، وَأَبُو السَّعَادَاتِ هِبَةُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ الشَّجرِيِّ، النَّحْوِيُّ (11) .
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (97).
(2) تقدمت ترجمته برقم (71).
(3) له ترجمة في " غاية النهاية " لابن الجزري 1 / 83.
(4) تقدمت ترجمته برقم (98).
(5) مترجم في " المنتظم " 10 / 127، 128، و" العبر " 4 / 115، و" شذرات الذهب " 4 / 131 وتحرف اسمه فيه إلى " عوان ".
(6) سترد ترجمته برقم (105).
(7) سترد ترجمته برقم (109).
(8) سترد ترجمته برقم (107).
(9) تقدمت ترجمته برقم (72).
(10) تقدمت ترجمته برقم (99)، وفي الأصل: ابن أخي الطويل، والتصويب من ترجمته المتقدمة.
(11) سترد ترجمته برقم (126).

(20/168)


103 - ابْنُ الرَّزَّازِ أَبُو مَنْصُوْرٍ سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ *
شَيْخُ الشَّافعيَّةِ، أَبُو مَنْصُوْرٍ سَعِيْدُ (1) بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ بنِ الرَّزَّازِ الشَّافِعِيُّ، البَغْدَادِيُّ، مُدَرِّسُ النِّظَامِيَّةِ.
تَفقَّهَ: بِالغزَالِيِّ، وَأَبِي سَعْدٍ المُتولِّي، وَإِلْكِيَا الهرَاسِي، وَأَبِي بَكْرٍ الشَّاشِيِّ، وَأَسْعَدَ المِيْهَنِيِّ.
وَسَمِعَ مِنْ: رزقِ اللهِ التَّمِيْمِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
وَتَصدَّرَ، وَأَفَادَ، وَكَانَ ذَا وَقَارٍ، وَسَمْتٍ، وَحُرْمَةٍ تَامَّةٍ، وَلِيَ تدرِيسَ النّظَامِيَّةِ مُدَّةً، ثُمَّ عُزِلَ، وَتَخَرَّجَ بِهِ الأَصْحَابُ.
رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَسَدٍ، وَطَائِفَةٌ.
مَاتَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَصَلَّى عَلَيْهِ وَلدُهُ أَبُو سَعْدٍ، وَعَاشَ سَبْعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.

104 - الدَّهَّانُ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي الفَضْلِ **
المُحَدِّثُ الصَّالِحُ، أَبُو نَصْرٍ عُبَيْدُ اللهِ ابنُ أَبِي عَاصِمٍ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي الفَضْلِ الهَرَوِيُّ، الصُّوْفِيُّ، الدَّهَّانُ، صَاحِبُ شَيْخِ الإِسْلاَمِ (2) .
__________
(*) المنتظم 10 / 113، الكامل في التاريخ 11 / 103، العبر 4 / 107، المشتبه: 312، دول الإسلام 2 / 57، طبقات السبكي 7 / 93، البداية والنهاية 12 / 219، النجوم الزاهرة 5 / 276، شذرات الذهب 4 / 122.
(1) تحرف اسمه في " البداية " إلى " سعد ".
(* *) لم أعثر على مصدر ترجمه.
(2) أبي إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي الهروي، المتوفى سنة 481، مرت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (260).

(20/169)


سَمِعَ: أَبَا عَاصِمٍ الفُضَيْلَ بنَ يَحْيَى، وَمُحَمَّدَ بنَ أَبِي مَسْعُوْدٍ الفَارِسِيَّ، وَلاَزَمَ شَيْخَ الإِسْلاَمِ مُدَّةً.
رَوَى عَنْهُ: سِبْطُهُ أَبُو رَوْحٍ الهَرَوِيُّ، وَهُوَ الَّذِي حرص عَلَيْهِ، وَسَمَّعَهُ الكَثِيْرَ.
وَرَوَى عَنْهُ: ابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَبِالإِجَازَةِ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحِيْمِ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَابْنُ بَوْشٍ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقَدْ قَاربَ الثَّمَانِيْنَ.

105 - عُمَرُ بنُ ظفَرِ بنِ أَحْمَدَ أَبُو حَفْصٍ الشَّيْبَانِيُّ *
الإِمَامُ، مُفِيْدُ بَغْدَادَ، أَبُو (1) حَفْصٍ الشَّيْبَانِيُّ، المَغَازلِيُّ، المُقْرِئُ.
تَلاَ بِالرِّوَايَاتِ الكَثِيْرَةِ عَلَى: أَحْمَدَ بنِ أَبِي الأَشْعَثِ السَّمَرْقَنْديِّ وَغَيْرِهِ.
تَلاَ عَلَيْهِ: يَحْيَى بنُ أَحْمَدَ الأَوَانِيُّ بِالسَّبْعِ.
وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ عَلِيِّ بنِ البُسْرِيِّ، وَمَالِكٍ البَانِيَاسِيِّ، وَطِرَادٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَالنِّعَالِيِّ، وَخَلْقٍ، حَتَّى كَتَبَ عَنِ ابْنِ الحُصَيْنِ وَذَوِيْهِ.
وَرَوَى عَنْهُ: ابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ (2) ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَأَبُو
__________
(*) معرفة القراء الكبار 2 / 407، العبر 4 / 115، غاية النهاية 1 / 593، شذرات الذهب 4 / 131.
(1) تحرف لفظ " أبو " في " معرفة القراء " إلى " ابن ".
(2) انظر " مشيخة " ابن عساكر: ق 311 / 2.

(20/170)


اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، وَابْنُ سُكَيْنَةَ، وَيُوْسُفُ بنُ كَامِلٍ، وَعَلِيُّ بنُ مَحْمُوْدٍ القَطَّانُ، وَآخَرُوْنَ.
وَنَسَخَ شَيْئاً كَثِيْراً، وَعنِي بِالرِّوَايَةِ مَعَ الخَيْرِ وَالصَّلاَحِ وَالعِلْمِ، وَقَدْ خَتَمَ عَلَيْهِ بِمسجدِهِ خَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: هُوَ شَيْخٌ صَالِحٌ، حَسَنُ السِّيْرَةِ، صَحِبَ الأَكَابِرَ وَخدَمَهُم، قَيِّمٌ بِكِتَابِ اللهِ، خَتَمَ عَلَيْهِ خَلْقٌ، كَتَبْتُ عَنْهُ الكَثِيْرَ، وَأَظهرَ المُبَارَكُ بنُ كَامِلٍ سَمَاعَهُ فِي السَّادِسِ مِنِ انتقَاءِ ابْنِ أَبِي الفَوَارِسِ عَلَى المُخَلِّص عَلَى وَرقَةٍ عَتِيْقَةٍ مِنْ عَلِيِّ بنِ البُسْرِيِّ، فَشنَّعَ أَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْديِّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: مَا سَمِعَ مِنَ البُسْرِيِّ شَيْئاً، وَسِنُّ عُمَرَ مُحْتَمِلٌ.
تُوُفِّيَ: فِي حَادِي عشرَ شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

106 - ظَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ أَبُو القَاسِمِ البَغْدَادِيُّ المَسَامِيْرِيُّ *
البَزَّازُ، الرَّجُلُ الصَّالِحُ.
سَمِعَ: رزقَ اللهِ التَّمِيْمِيَّ، وَطِرَاداً الزَّيْنَبِيَّ، وَابْنَ البَطِرِ.
وَعَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَيُوْسُفُ بنُ المُبَارَكِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ القُبَّيْطِيُّ.
تُوُفِّيَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

107 - الجُلاَّبِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ **
القَاضِي، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الطَّيِّبِ
__________
(*) لم أعثر على مصدر ترجمه.
(* *) الأنساب 3 / 400، الاستدراك: باب الجلابي والجلابي، العبر 4 / 115، المشتبه: 195، توضيح المشتبه 1 / ق 167 / 2، لسان الميزان 5 / 293 وتحرف فيه إلى =

(20/171)


بنِ الجُلاَّبِيِّ - بِالضَّمِّ - الوَاسِطِيُّ، المَالِكِيُّ، المَغَازلِيُّ (1) ، المُعَدَّلُ، الشُّرُوطِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمَّعَهُ أَبُوْهُ مِنْ: أَبِي الحَسَنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مخلدٍ الأَزْدِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ الغَنْدَجَانِيِّ، وَأَبِي عَلِيٍّ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ كُمَارِي، وَأَبِي يَعْلَى عَلِيِّ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ العَلاَّفِ، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ العُكْبَرِيِّ لَمَّا قَدِمَ وَاسطاً، وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنَ الحُمَيْدِيِّ، وَلَهُ إِجَازَةٌ مِنْ أَبِي غَالِبٍ بنِ الخَالَةِ اللُّغَوِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ الخَطِيْبِ، وَأَبِي تَمَّامٍ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ صَاحِبِ ابْنِ المُظَفَّرِ، وَتَفَرَّدَ بِأَشيَاءَ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: شَيْخٌ مُتَوَدِّدٌ، حَسَنُ المُجَالَسَةِ، يَنوبُ عَنْ قَاضِي وَاسِطَ، انحدرْتُ إِلَيْهِ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ الكَثِيْرَ، مِنْ ذَلِكَ: (مُسْنَدُ الخُلَفَاءِ الرَّاشدينَ) لأَحْمَدَ بنِ سِنَانٍ، وَ(البِرُّ وَالصّلَةُ) لابْنِ المُبَارَكِ، وَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ بَعْدَ سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَكَانَ شَيْخُنَا أَحْمَدُ بنُ الأَغْلاَقِيِّ يَرمِيه بِأَنَّهُ ادَّعَى سَمَاعَ شَيْءٍ لَمْ يَسْمَعْهُ، وَأَمَّا ظَاهِرُهُ فَالصِّدْقُ وَالأَمَانَةُ، وَهُوَ صَحِيْحُ السَّمَاعِ وَالأُصُوْلِ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: الحَسَنُ بنُ مَكِّيٍّ المَرَنْدِيُّ (2) ، وَأَبُو المُظَفَّرِ عَلِيُّ بنُ نَغُوبَا (3) ، وَيَحْيَى بنُ الرَّبِيْعِ الفَقِيْهُ، وَيَحْيَى بنُ الحُسَيْنِ الأَوَانِيُّ، وَأَبُو المَكَارِمِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الجَلَخْتِ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ صَدَقَةَ الغَرَّافِيُّ،
__________
= " الحلاي "، تبصير المنتبه 1 / 380، شذرات الذهب 4 / 131، وتحرفت النسبة فيه إلى الحداني ".
(1) تحرف في " لسان الميزان " 5 / 293 إلى " المغازي ".
(2) بفتح أوله وثانيه ونون ساكنة، نسبة إلى مرند: من مدن أذربيجان.
(3) المتوفى سنة 611 ه، ستأتي ترجمته في الجزء الحادي والعشرين برقم (280).

(20/172)


وَأَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ المَنْدَائِيُّ (1) .
وَكَانَ أَبُو الفَتْحِ يَغْلَطُ وَيَقُوْلُ: الجَلاَّبِيُّ بِالفَتْحِ، فَأَنَا رَأَيْتُهُ بِالضَّمِّ بِخَطِّ وَالِدِهِ فِي (تَارِيخِ وَاسِطَ)، وَكَذَا قيَّدَهُ ابْنُ نُقْطَةَ (2) وَغَيْرُهُ.
مَاتَ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ 542.

108 - ابْنُ المُخْتَارِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُخْتَارِ العَبَّاسِيُّ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، مُسْنِدُ وَقتِهِ، أَبُو تَمَّامٍ أَحْمَدُ ابنُ الشَّيْخِ أَبِي العِزِّ مُحَمَّدِ بنِ المُخْتَارِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ ابنِ المُؤَيَّدِ بِاللهِ العَبَّاسِيُّ، البَغْدَادِيُّ، التَّاجِرُ، الجَوَّالُ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ الخُصِّ (3) .
وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا جَعْفَرٍ بنَ المُسْلِمَةِ، فَكَانَ آخِرَ مَنْ رَوَى بِخُرَاسَانَ (صِفَةَ المُنَافِقِ) لِلْفِرْيَابِيِّ عَنْهُ، وَسَمِعَ أَيْضاً أَبَا نَصْرٍ الزَّيْنَبِيَّ.
رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَابْنُهُ عَبْدُ الرَّحِيْمِ، وَالقَاسِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، وَإِسْمَاعِيْلُ القَارِّيُّ، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ: بِنَيْسَابُوْرَ، بَعْدَ أَنْ أَكْثَرَ مِنَ التِّجَارَةِ بِالبِحَارِ وَالهِنْدِ وَالتُّرْكِ، فِي خَامِسِ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ. .
__________
(1) المتوفى سنة 605 ه، ستأتي ترجمته في الجزء الحادي والعشرين برقم (231)، وسيذكر المؤلف فيها معنى نسبته " المندائي ".
(2) في " الاستدراك " باب الجلابي والجلابي.
(*) المنتظم 10 / 134، العبر 4 / 119، شذرات الذهب 4 / 135.
(3) كذا في الأصل، وفي " المنتظم ": ابن الخضر.

(20/173)


109 - الطَّرَائِفِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ *
المُعَمَّرُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ ابنِ أَبِي الفَتْحِ الحَسَنِ البَغْدَادِيُّ، الطَّرَائِفِيُّ.
سَمِعَ (صفَةَ المُنَافِقِ) مِنِ ابْنِ المُسْلِمَةِ، وَأَجَازَ لَهُ هُوَ وَالخَطِيْبُ وَعَبْدُ الصَّمَدِ بنُ المَأْمُوْنِ.
آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ: الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ.
مَاتَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، عَنْ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
رَوَى عَنْهُ: حَمْزَةُ بنُ القُبَّيْطِيِّ، وَأَخُوْهُ، وَزَاهِرُ بنُ رُسْتُمَ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ العَاقُوْلِيّ.

110 - ابْنُ الدَّايَةِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ البَغْدَادِيُّ **
ابْنُ الدَّايَةِ البَغْدَادِيُّ.
سَمِعَ مِنْهُ الفَتْحُ (صفَةَ المُنَافِقِ) بَعْدَ الأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ بِسَمَاعِهِ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ بنِ المُسْلِمَةِ.
يُكْنَى: أَبَا غَالِبٍ، عَاشَ سَبْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وحَمْزَةُ وَمُحَمَّدٌ ابْنَا عَلِيِّ بنِ القُبَّيْطِيِّ، وَسُلَيْمَانُ المَوْصِلِيُّ.
تُوُفِّيَ: فِي مُحرَّمٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
(*) المنتظم 10 / 129.
(* *) المنتظم 10 / 136، تذكرة الحفاظ 4 / 1297.

(20/174)


قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: هُوَ أَبُو غَالِبٍ، لاَ يُعْرَفُ اسْمُ جَدِّهِ، كَانَ أَبُوْهُ فَرَّاشاً فِي بَيْتِ رَئِيْسِ الرُّؤسَاءِ (1) ، أُمُّهُ دَايَةٌ لَهُم، فَرُبِّيَ مَعَهُم، وَسَمِعَ مَعَ الأَوْلاَدِ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ بنِ المُسْلِمَةِ، وَعُمِّرَ، وَسَمِعَ مِنْهُ الحُفَّاظُ وَالكِبَارُ، وَكَانَ يُكَبِّرُ فِي الجَامِعِ خلفَ الخَطِيْبِ، وَكَانَ سَمَاعُهُ صَحِيْحاً.

111 - ابْنُ الرَّمَّاكِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ الأُمَوِيُّ *
إِمَامُ النَّحْوِ، أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عِيْسَى الأُمَوِيُّ، الإِشبيلِيُّ، قَلَّ أَنْ تَرَى العُيُونُ مِثْلَهُ.
أَقرَأَ كِتَابَ سِيبَوَيْهٍ، وَتَخَرَّجَ بِهِ أَئِمَّةٌ.
أَخَذَ عَنْ: أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي العَافِيَة، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ الأَخْضَرِ.
حملَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ خَيْرٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ بنُ مَلْكُوْنَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ طَاهِرٍ الخِدَبُّ.
تُوُفِّيَ: كَهْلاً، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

112 - الغَنَوِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحْرِزٍ **
الإِمَامُ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحْرِزٍ (2) الغَنَوِيُّ،
__________
(1) وهو أبو القاسم علي بن الحسن بن أبي الفرج بن مسلمة، المتوفى سنة 450 ه. مرت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (104).
(*) بغية الوعاة 2 / 86.
(* *) المنتظم 10 / 134، الكامل في التاريخ 11 / 137، تذكرة الحفاظ 4 / 1297، العبر 4 / 119، الوافي بالوفيات 6 / 118، طبقات السبكي 7 / 36، البداية والنهاية 12 / 224، شذرات الذهب 4 / 135.
والغنوي: نسبة إلى غني بن أعصر.
(2) في " المنتظم " و" الوافي " و" طبقات السبكي زيادة اسم " نبهان " بين " محمد " و" محرز " وقد تحرف في " البداية " إلى " نهار ".

(20/175)


الرَّقِّيُّ، الفَقِيْهُ، الشَّافِعِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ: رزقَ اللهِ التَّمِيْمِيَّ، وَعَبْدَ المُحْسِنِ الشِّيْحِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ بَكْرَان الشَّامِيَّ، وَالحُمَيْدِيَّ، وَعِدَّةً.
وَقَدِمَ الخَطِيْبُ أَبُو القَاسِمِ يَحْيَى بنُ طَاهِرِ بنِ مُحَمَّدِ ابنِ سَيِّدِ الخُطَبَاءِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ نُبَاتَة فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَافداً عَلَى النِّظَامِ الوَزِيْرِ، فَقَالَ: إِنَّ دِيْوَانَ الخُطَبِ سَمَاعِي مِنْ أَبِي، عَنْ جَدِّي، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ نُسْخَةٌ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ الغَنَوِيُّ مِنْ نُسْخَةٍ جديدَةٍ لاَ سَمَاعَ عَلَيْهَا.
وَقَدْ تَفَقَّهَ عَلَى: الغزَالِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ الشَّاشِيِّ.
وَكَتَبَ كَثِيْراً.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (1) : رَأَيْتُهُ وَلَهُ سَمْتٌ، وَصَمْتٌ، وَعَلَيْهِ وَقَارٌ (2) وَخشوعٌ.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَأَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، وَأَبُو حَفْصٍ بنُ طَبَرْزَدَ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ: بِبَغْدَادَ، فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَكَانَ صَدُوْقاً.
__________
(1) في " المنتظم " 10 / 134.
(2) في مطبوعة " المنتظم ": ووقار، بدون لفظ " عليه ".

(20/176)


113 - ابْنُ الوَزِيْرِ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مَسْعُوْدٍ الدِّمَشْقِيُّ *
الحَافِظُ المُفِيْدُ، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مَسْعُوْدٍ، ابْنُ الوَزِيْرِ الدِّمَشْقِيُّ.
وَزَرَ جدُّهُ حَسَنٌ (1) الخُوَارِزْمِيُّ لِتُتُش (2) صَاحِبِ دِمَشْقَ.
وَهَذَا طلبَ العِلْمَ، وَرَحَلَ فِي الحَدِيْثِ.
وَتَفَقَّهَ لأَبِي حَنِيْفَةَ، وَسَكَنَ مَرْو، وَسَمِعَ الكَثِيْرَ، وَأَكْثَرَ عَنْ فَاطِمَةَ الجُوْزْدَانِيَّةِ (3) .
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: حَافِظٌ فَطِنٌ، لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالحَدِيْثِ وَالأَنسَابِ.
قَالَ لِي: إِنَّهُ وُلِدَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَمَاتَ بِمَرْوَ، فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: وَلَهُ نَظْمٌ جَيِّدٌ وَفَضَائِلُ.

114 - الجَوْرقَانِيُّ الحُسَيْنُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الحُسَيْنِ بنِ جَعْفَرٍ **
الإِمَامُ، الحَافِظُ، النَّاقِدُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الحُسَيْنِ
__________
(*) خريدة القصر (قسم شعراء الشام) 1 / 284، تذكرة الحفاظ 4 / 1297، ميزان الاعتدال 1 / 523، الوافي بالوفيات 12 / 269، 270، الجواهر المضية 2 / 91، لسان الميزان 2 / 256، الطبقات السنية رقم (732)، تهذيب تاريخ دمشق لبدران 4 / 253.
(1) تحرف في " لسان الميزان " إلى حسين.
(2) ابن ألب أرسلان السلجوقي، المتوفى سنة 488 ه، مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (46).
(3) المتوفاة سنة 524، مرت ترجمتها في الجزء التاسع عشر برقم (292).
(4) انظر بعض نظمه في " تهذيب تاريخ دمشق " 4 / 253.
(* *) معجم البلدان 2 / 184، الاستدراك: باب الجورقاني والجورقاني والخوزياني، اللباب 1 / 307، تذكرة الحفاظ 4 / 1308، 1309، الوافي بالوفيات 12 / 315، لسان الميزان =

(20/177)


بنِ جَعْفَرٍ الهَمَذَانِيُّ، الجَوْرَقَانِيُّ.
وَجَوْرَقَانُ: مِنْ قُرَى هَمَذَان.
لَهُ مصَنَّفٌ فِي (المَوْضُوْعَاتِ)، يَسوقهَا بِأَسَانِيْدِهِ.
يَرْوِي عَنْ: أَبِي مُحَمَّدٍ الدُّوْنِيِّ فَمَنْ بَعْدَهُ.
وَعَلَى كِتَابِهِ بَنَى أَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ كِتَابَ (المَوْضُوْعَات) لَهُ.
قَالَ ابْنُ شَافعٍ: أَدْرَكَهُ أَجَلُهُ فِي السَّفَرِ، فَبَلَغَنَا فِي رَجَبٍ خَبَرَهُ مِنْ سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَتَبَ وَحصَّلَ وَصَنَّفَ، وَأَجَادَ تَصنِيفَ كِتَاب (المَوْضُوْعَات)، حَدَّثَنَا عَنْهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ الجِيْلِيُّ (1) .
قُلْتُ: وَرَوَى عَنِ: ابْنِ طَاهِرٍ المَقْدِسِيِّ، وَيَحْيَى بنِ أَحْمَدَ الغضَائِرِيِّ، وَشِيْرَوَيْه الدَّيْلَمِيِّ، وَحمدِ بنِ نَصْرٍ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ بنجير، وَيَحْيَى بنِ مَندَةَ، وَأَحْمَدَ بنِ عَبَّادٍ البُرُوْجِرْدِي، وَيَنْزِلُ إِلَى عَبْدِ الخَالِقِ اليُوسفِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ بِالكِتَابِ: ابْنُ أُخْتِهِ نَجيبُ بنُ غَانِمٍ الطَّيَّانُ، فِي سَنَةِ 582.
قَالَ ابْنُ مَشِّقَ: تُوُفِّيَ فِي سَادس عشرَ رَجَبٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
= 2 / 269 - 271، طبقات الحفاظ، شذرات الذهب 4 / 136، إيضاح المكنون 2 / 261، هدية العارفين 1 / 313، الرسالة المستطرفة 111 وفيه الجوزقي.
والجورقاني ضبط في الأصل كما ضبطه ابن نقطة بفتح الجيم والراء، وضبطه ابن الأثير بضم الجيم وسكون الواو والراء، أما ياقوت فضبطه بالزاي المفتوحة، ولم يضبط الجيم، وضبطت بالضم ضبط القلم، وضبطه ابن حجر في " لسان الميزان " فقال: جوزقان: بضم الجيم وسكون الواو بعدها زاي ثم قاف..ضبطه السمعاني وذكر من أهلها واحدا، ولم يذكر صاحب الترجمة، وقد ذكره ابن النجار في " الذيل " اه.
وقد ورد في " تذكرة الحفاظ " و" شذرات الذهب " بالزاي.
وانظر تعليق المعلمي على " الأنساب " 3 / 356، 357.
(1) انظر " تذكرة الحفاظ " 4 / 1308، 1309.

(20/178)


115 - أَبُو الدُّرِّ يَاقُوْتٌ الرُّوْمِيُّ التَّاجِرُ السَّفَّارُ *
مَوْلَى عُبَيْدِ اللهِ بنِ البُخَارِيِّ.
سَمَّعَهُ مَوْلاَهُ مِنْ: أَبِي مُحَمَّدٍ الصَّرِيْفِيْنِيِّ سَبْعَةَ مَجَالِسِ المُخَلِّصِ، وَكِتَابَ (المزَاح) لِلزُّبَيرِ بنِ بَكَّارٍ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ شَيْخاً ظَاهِرُهُ الصَّلاَحُ وَالسَّدَادُ، لاَ بَأْسَ بِهِ، حَدَّثَ بِمِصْرَ وَدِمَشْقَ وَبَغْدَادَ (1) .
وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: قَدِمَ مِصْرَ وَدِمَشْقَ مَرَّاتٍ لِلتِّجَارَةِ، وَلَمْ يَكُنْ يَفْهَمُ شَيْئاً، وَمَاتَ بِدِمَشْقَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ (2) ، وَابْنُهُ بهَاءُ الدِّينِ القَاسِمُ، وَأَبُو المَوَاهِبِ بنُ صَصْرَى، وَمُحَمَّدُ بنُ الزَّنْفِ (3) ، وَالخَضِرُ بنُ كَامِلٍ العَابرُ، وَعَقِيْلُ بنُ أَبِي الجِنِّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سُلْطَانٍ القُرَشِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الجَنْزَوِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ هِلاَلٍ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ بنُ جَوْشَن التَّنُوخِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو تَمَّامٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُخْتَارِ بنِ المُؤَيَّدِ بِاللهِ التَّاجِرُ (4) بِنَيْسَابُوْرَ، وَالفَقِيْهُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ نَبهَانَ
__________
(*) الأنساب 6 / 188، العبر 4 / 120، النجوم الزاهرة 5 / 283، شذرات الذهب 4 / 136.
(1) انظر " الأنساب " 6 / 188.
(2) انظر " مشيخة " ابن عساكر: ق 239 / 2.
(3) بفتح الزاي وسكون النون وآخره فاء، كما ضبطه ابن نقطة في " الاستدراك " باب الدنف والزنف، وهو أبو المعالي محمد بن وهب بن سلمان بن الزنف الدمشقي، المتوفى سنة 606 ه، ستأتي ترجمته في الجزء الحادي والعشرين برقم (263).
(4) تقدمت ترجمته برقم (108).

(20/179)


الرَّقِّيُّ (1) ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مَسْعُوْدٍ ابْنُ الوَزِيْرِ الدِّمَشْقِيُّ (2) بِمَرْوَ، وَأَبُو القَاسِمِ الخَضِرُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَبْدَانَ الأَزْدِيُّ (3) ، وَأَبُو عَلِيٍّ سَهْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الحَاجِي بِأَصْبَهَانَ، وَعَبَّادُ بنُ سَرْحَانَ الشَّاطبِيُّ بِالعُدْوَةِ - لَقِي رزقَ اللهِ - وَقَاضِي القُضَاة أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ نورِ الهدَى أَبِي طَالِبٍ الزَّيْنَبِيّ (4) ، وَالقَاضِي أَبُو بَكْرٍ بنُ العربِيِّ (5) ، وَأَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ ابْنُ الدَّايَةِ (6) ، وَالمُبَارَكُ بنُ كَامِلٍ الخَفَّافُ (7) ، وَالفَقِيْهُ أَبُو الحجَّاجِ يُوْسُفُ بنُ دونَاسَ الفِنْدَلاَوِيُّ (8) المَالِكِيُّ، وَالقُدْوَةُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الحَلْحُوْلِيُّ (9) .

116 - هبَةُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ القُشَيْرِيُّ النَّيْسَابُوْرِيُّ *
ابْنِ شَيْخِ الإِسْلاَمِ أَبِي القَاسِمِ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ هَوَازِن، الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَالِمُ، الخَطِيْبُ، مُسْنِدُ خُرَاسَانَ، أَبُو الأَسْعَدِ القُشَيْرِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ، خطيبُ نَيْسَابُوْرَ، وَكَبِيْرُ أَهْلِ بَيْتِهِ فِي عصرِهِ.
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (112).
(2) تقدمت ترجمته برقم (113).
(3) سترد ترجمته برقم (140).
(4) سترد ترجمته برقم (131).
(5) سترد ترجمته برقم (128).
(6) تقدمت ترجمته برقم (110).
(7) سترد ترجمته برقم (203).
(8) سترد ترجمته برقم (133).
(9) نسبة إلى حلحول: قرية بين بيت المقدس وقبر إبراهيم الخليل، وبها قبر يونس بن متى عليهما السلام.
وعبد الرحمن مترجم في " معجم البلدان " 2 / 290، و" توضيح المشتبه " 1 / ق 144 / أ، وانظر تعليق المعلمي على " الأنساب " 4 / 191.
(*) الأنساب 10 / 156، التحبير 2 / 368 - 371، دول الإسلام 2 / 61، العبر 4 / 125، 126، تذكرة الحفاظ 4 / 1309، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 251 - 253، مرآة الجنان 3 / 284، طبقات السبكي 7 / 329، لسان الميزان 6 / 187، شذرات الذهب 4 / 140، 141.

(20/180)


مَوْلِدُهُ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ سِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: جدِّهِ أَبِي القَاسِمِ فِي الخَامِسَةِ، وَمِنْ جَدَّتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الدَّقَّاقِ، وَمِنْ أَبِيْهِ، وَعَمَّيْهِ؛ أَبِي سَعْدٍ وَأَبِي مَنْصُوْرٍ، وَمِنْ أَبِي سهلٍ الحفصيِّ صَاحِبِ الكُشْمِيْهَنِيِّ، سَمِعَ مِنْهُ فِي سَنَةِ 465 (صَحِيْحَ البُخَارِيِّ).
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي صَالِحٍ المُؤَذِّنِ، وَأَبِي نَصْرٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَلِيٍّ التَّاجِرِ، وَيَعْقُوْبَ بنِ أَحْمَدَ الصَّيْرَفِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ مَسْعَدَةَ، وَنَصْرِ بنِ عَلِيٍّ الحَاكمِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الصَّفَّارِ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ يَحْيَى بنِ إِبْرَاهِيْمَ المُزَكِّي، وَعِدَّةٍ.
وَسَمِعَ مِنَ الحَاكمِيِّ (سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ)، وَمِنْ عَبْدِ الحَمِيْدِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ البَحِيْرِي (مُسْنَدَ أَبِي عوَانَةَ).
وَرَوَى الكَثِيْرَ، وَبَعُدَ صيتُهُ، وَارتحلُوا إِلَيْهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ (1) ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَالمُؤَيَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيُّ، وَالقَاسِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، وَالمُؤَيَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ القُشَيْرِيُّ، وَالمُطَهِّرُ بنُ أَبِي بَكْرٍ البَيْهَقِيُّ، وَأَبُو الفُتُوْحِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَكْرِيُّ، وَأَبُو المُظَفَّرِ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ السَّمْعَانِيِّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
أَملَى مَجَالِسَ كَثِيْرَةً، وَلَهُ أَرْبَعُوْنَ حَدِيْثاً، وَأُخْرَى حيَاتِهِ (2) ظَهَرَ بِهِ صَمَمٌ يَسْمَعُ مَعَهُ إِذَا رَفَعَ القَارِئُ صَوْتَهُ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ: إِنَّهُ ادَّعَى سَمَاعَ الرِّسَالَةِ مِنْ جدِّهِ وَمَا ظهرَ لَهُ عَنْ جَدِّهِ إِلاَّ أَجزَاء أَبِي العَبَّاسِ السَّرَّاجِ،
__________
(1) انظر " مشيخة " ابن عساكر: ق 238.
(2) ما بين حاصرتين مستدرك لتوضيح المراد، فقد ورد في " التحبير " 2 / 369: وحدث به طرش سنين في أواخر عمره.
وفي " اللسان " أنه يقال: جاء في أخرى القوم، أي في أواخرهم.

(20/181)


وَمَجَالِس أَملاَهَا أَبُو القَاسِمِ، وَكِتَاب (عُيونِ الأَجوبَة فِي فُنُوْن الأَسولَةِ (1)).
وَقَدْ رَوَى بِالإِجَازَةِ عَنْ: أَبِي نَصْرٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَغَيْرِهِ.
تُوُفِّيَ: فِي ثَالِثَ عشرَ شَوَّال، سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

117 - البَيْضَاوِيُّ أَبُو الفَتْحِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الإِمَامُ، القَاضِي، أَبُو الفَتْحِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ البَيْضَاوِيِّ الفَارِسِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الحَنَفِيُّ، أَخُو قَاضِي القُضَاةِ أَبِي القَاسِمِ (2) الزَّيْنَبِيِّ لأُمِّهِ.
سَمِعَ: أَبَا جَعْفَرٍ بنَ المُسْلِمَةِ، وَأَبَا الغَنَائِمِ بنَ المَأْمُوْنِ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الصَّرِيْفِيْنِيَّ، وَطَائِفَةً.
وَعَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ (3) ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَالكِنْدِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: شَيْخٌ صَالِحٌ، مُتَوَاضِعٌ، متَحَرٍّ (4) فِي قضَائِهِ الخَيْرَ، متثبِّتٌ.
تُوُفِّيَ: فِي نِصْفِ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
(1) وهو من جمع أبي القاسم القشيري أيضا.
انظر " التحبير " 2 / 369.
(*) الأنساب 2 / 368، المنتظم 10 / 104، 105، العبر 4 / 102، مرآة الجنان 3 / 268، الجواهر المضية 2 / 343، 344، النجوم الزاهرة 5 / 273، الطبقات السنية رقم (1105)، شذرات الذهب 4 / 115.
والبيضاوي: نسبة إلى بلدة من بلاد فارس، تدعى: بيضاء.
(2) سترد ترجمته برقم (131).
(3) انظر " مشيخة " ابن عساكر: ق 93 / 2.
(4) في الأصل: متحري وله وجه في اللغة والجادة ما أثبتناه.

(20/182)


118 - السِّمِّذِيُّ أَبُو المَكَارِمِ المُبَارَكُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ *
البَغْدَادِيُّ، الهُمَانِيُّ (1) ، السِّمِّذِيُّ.
سَمِعَ: أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ حُمَّدُوْه، وَأَبَا مُحَمَّدٍ بنَ هَزَارْمَرْدَ، وَأَبَا القَاسِمِ بنَ البُسْرِيِّ.
وَعَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ طَبَرْزَدَ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ جَمَّازٍ (2) القَلْعِيُّ.
وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ (3) عُفَيْجَةَ.
تُوُفِّيَ: يَوْم عَاشُورَاءَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ (4) وَخَمْسِ مائَةٍ، فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ.

119 - الأُرْمَوِيُّ أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ يُوْسُفَ **
الشَّيْخُ، الفَقِيْهُ، الإِمَامُ، المُعَمَّرُ، القَاضِي، مُسْنِدُ العِرَاقِ، أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ
__________
(*) الأنساب 7 / 135، 136، المنتظم 10 / 118، اللباب 2 / 137، العبر 4 / 109، النجوم الزاهرة 5 / 276، شذرات الذهب 4 / 125.
والسمذي بكسر السين المهملة وكسر الميم المشددة وقيل بفتحها وفي آخرها الذال المعجمة، نسبة إلى السمذ، وهو نوع من الخبز الابيض يعمل لخواص الناس.
(1) نسبة إلى همان: قال السمعاني: وظني أنها قرية بالعراق من سواد بغداد. انظر " اللباب " 3 / 391.
(2) كذا ضبط في الأصل بالجيم والزاي، وضبطه المؤلف في " المشتبه " 170 بالحاء والراء المهملتين، وتابعه ابن حجر في " التبصير " 1 / 260، وقد رد عليه ابن ناصر الدين في " توضيح المشتبه " 1 / ق 147 بقوله: هذا تصحيف، إنما هو ابن جماز بجيم وزاي.
وذكر وفاته سنة 594 ه.
(3) سقط لفظ " بن " من الأصل، وأبو منصور هذا يعرف بابن عفيجة، تقدم التعريف به في حواشي الترجمة رقم (55).
(4) أورده ابن الجوزي في " المنتظم " في وفيات سنة 540.
(* *) الأنساب 1 / 191، 192، المنتظم 10 / 149، معجم البلدان 1 / 159، الكامل في التاريخ 11 / 175، دول الإسلام 2 / 62، العبر 4 / 127، تاريخ الإسلام (وفيات =

(20/183)


بنُ عُمَرَ بنِ يُوْسُفَ بنِ مُحَمَّدٍ الأُرْمَوِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ: بِبَغْدَادَ، فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ بِاعتنَاء أَبِيْهِ مِنْ: أَبِي جَعْفَرٍ بنِ المُسْلِمَةِ، وَعَبْدِ الصَّمَدِ بنِ المَأْمُوْنِ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ المُهْتَدِي بِاللهِ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ النَّقُّوْرِ، وَأَبِي بَكْرٍ الخَطِيْبِ، وَجَابِرِ بنِ يَاسينَ، وَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الخَيَّاطِ المُقْرِئ، وَأَبِي نَصْرٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَطَائِفَةٍ.
وَعَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ (1) ، وَالسِّلَفِيُّ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَسَدٍ، وَعُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ البُتَيْتِ، وَالقَاضِي أَسَعْدُ بنُ المُنَجَّى، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الطَّرَّاحِ، وَمُبَارَكُ بنُ صَدَقَةَ الحَاسِبُ، وَيُوْنُسُ بنُ يَحْيَى الهَاشِمِيُّ، وَعُمَرُ بنُ مَسْعُوْدٍ البَزَّازُ الزَّاهِدُ، وَزَاهِرُ بنُ رُسْتُمَ، وَعُثْمَانُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ فَارِسٍ السِّيْبِيُّ، وَأَخُوْهُ إِسْمَاعِيْلُ الخَبَّازُ، وَشُجَاعُ بنُ سَالِمٍ البيطَارُ، وَالتَّاجُ الكِنْدِيُّ، وَدَاوُدُ بنُ مُلاعبٍ، وَأُخْتُهُ حَفْصَةُ بِنْتُ مُلاعبٍ، وَسِبْطُهُ يُوْسُفُ بنُ مُحَمَّدٍ الأُرْمَوِيُّ، وَمُوْسَى بنُ الصَّيْقَلِ الهَاشِمِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ سَعْدِ اللهِ بنِ حَمْدِي، وَمُظَفَّرُ بنُ غَيْلاَنَ الدَّقَّاقُ، وَسَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّزَّازُ، وَمِسْمَارُ بنُ عُوَيْسٍ النَّيَّارُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ المُبَارَكِ بنِ المُشترِي، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ صِرْمَا، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ فَقِيْهاً، منَاظراً، متكُلَّماً، صَالِحاً، كَبِيْرَ القَدْرِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: فَقِيْهٌ، إِمَامٌ، مُتَدَيِّنٌ، ثِقَةٌ، صَالِحٌ، حَسَنُ الكَلاَمِ، كَثِيْرُ
__________
= 547)، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 33، 34، الوافي بالوفيات 4 / 245، طبقات السبكي 6 / 165، 166، طبقات الاسنوي 1 / 112، 113، النجوم الزاهرة 5 / 303، شذرات الذهب 4 / 145، والارموي نسبة إلى أرمية، وهي من بلاد أذربيجان.
(1) انظر " مشيخة " ابن عساكر: ق 204 / 1.

(20/184)


التِّلاَوَةِ، تَفَقَّهَ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ (1) .
وَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (2) : سَمِعْتُ مِنْهُ بقِرَاءةِ الحَافِظِ ابْنِ نَاصرٍ، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ كَثِيْراً، وَكَانَ ثِقَةً، دَيِّناً، تَالياً، وَكَانَ شَاهِداً فَعُزِلَ، تُوُفِّيَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: وَقَدْ وَلِيَ قَضَاءَ دَيْرِ العَاقولِ (3) .
مَاتَ: فِي رَابعِ رَجَبٍ، وَلَهُ ثَمَانٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو الخَيْرِ جَامِعُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ النَّيْسَابُوْرِيُّ (4) ، وَأَبُو القَاسِمِ الجُنَيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ القَاينِي (5) بِهَرَاةَ، وَالمُحَدِّثُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الحَسَنِ الشَّعرِيُّ الصُّوْفِيُّ وَالِدُ زَيْنَبَ، وَالفَقِيْهُ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي صَالِحٍ المُؤَذِّنُ (6) ، وَشيخُ القُرَّاءِ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ ابْنُ غُلاَمِ الفرسِ الدَّانِي (7) ، وَأَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ الحُرْضِيُّ النَّيْسَابُوْرِيُّ (8) ، وَأَبُو عَامِرٍ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ يَنق الشَّاطبِيُّ الأَدِيْبُ الطَّبِيْبُ (9) ، وَالسُّلْطَانُ مَسْعُوْدُ بنُ مُحَمَّدٍ السَّلْجُوْقِيُّ (10) ، وَالوَاعِظُ الشَّهِيْرُ أَبُو
__________
(1) انظر " المستفاد من ذيل تاريخ بغداد ": 24، و" الوافي " 4 / 245.
(2) في " المنتظم " 10 / 149.
(3) وهي مدينة في العراق جنوب شرقي بغداد.
(4) مترجم في " الوافي " 11 / 40، 41، وفيه: جامع بن عبد الرحمن.
(5) سترد ترجمته برقم (181).
(6) مترجم في " المنتظم " 10 / 149.
(7) مترجم في " معرفة القراء الكبار " 2 / 411، 412، و" غاية النهاية " 2 / 121، 122.
(8) سترد ترجمته برقم (174).
(9) مترجم في " الوافي " 5 / 196، و" بغية الوعاة " 1 / 261 وفيهما: " نيق " بتقديم النون، و" التكملة ": 198.
(10) سترد ترجمته برقم (259).

(20/185)


مَنْصُوْرٍ مُظَفَّرُ بنُ أَردشيرَ العَبَّادِيُّ (1).

120 - الأُمَوِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ سَعِيْدِ بنِ أَحْمَدَ *
العَلاَّمَةُ، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ سَعِيْدِ بنِ أَحْمَدَ القُرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ، الجَزَرِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
قَدِمَ فَتفقَّهَ بِبَغْدَادَ وَبَرَعَ.
وَسَمِعَ مِنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَلِيٍّ الأَنْمَاطِيِّ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ البُسْرِيِّ.
وَوَلِيَ قَضَاءَ جَزِيْرَةِ ابْنِ عُمَرَ مُدَّةً، ثُمَّ عُزِلَ فَتحَوَّلَ إِلَى آمِدَ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: سَأَلتُهُ عَنْ مَوْلِدِهِ، فَقَالَ: سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَقَالَ يُوْسُفُ بنُ مُقلِّدٍ: سَمِعْتُ مِنْهُ، وَمَاتَ بِفَنَكَ (2) ، فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ 544.

121 - الأُنْديُّ أَبُو الحجَّاجِ يُوْسُفُ بنُ عَلِيٍّ القُضَاعِيُّ **
المُحَدِّثُ، الجَوَّالُ، أَبُو الحجَّاجِ يُوْسُفُ بنُ عَلِيٍّ القُضَاعِيُّ، الأُنْدِيُّ، الحَدَّادُ، القَفَّالُ.
__________
(1) سترد ترجمته برقم (150).
(*) الوافي بالوفيات 12 / 27، وطبقات السبكي 7 / 60، 61.
(2) بفتح أوله وثانيه، قرية بينها وبين سمرقند نصف فرسخ، وفنك أيضا: قلعة حصينة منيعة للاكراد البشنوية قرب جزيرة ابن عمر، بينهما نحو الفرسخين. " معجم البلدان " 4 / 278.
(* *) معجم البلدان 1 / 264، الاستدراك لابن نقطة: باب الاندي والابدي.
والاندي: بضم الهمز وسكون النون، نسبة إلى أندة، وهي مدينة من أعمال بلنيسة بالاندلس.

(20/186)


ارْتَحَلَ وَحَجَّ.
وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ بنِ بيَانٍ، وَأَبِي طَالِبٍ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَأَبِي الغَنَائِمِ النَّرْسِيِّ، وَسَمِعَ (صَحِيْحَ مُسْلِمٍ) مِنْ إِسْمَاعِيْلَ وَلدِ عَبْدِ الغَافِرِ الفَارِسِيِّ، وَسَمِعَ (المَقَامَات) مِنَ الحَرِيْرِيِّ.
وَرجعَ ثُمَّ ارْتَحَلَ مرَّةً ثَانِيَةً، وَسكنَ المَرِيَّةَ، وَرَوَى الكَثِيْرَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: المُحَدِّثُ رَزِيْنٌ العَبْدَرِيُّ - وَمَاتَ قَبْلَهُ - وَأَبُو مُحَمَّدٍ العُثْمَانِيُّ، وَأَبُو الوَلِيْدِ بنُ الدَّبَّاغِ، وَخطيبُ المَوْصِلِ أَبُو الفَضْلِ، وَابْنُ بَشْكُوَال، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ حُبَيْشٍ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَعِدَّةٌ.
وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَبَّارُ: كَانَ صَدُوْقاً، صَحِيْحَ السَّمَاعِ، لَيْسَ عِنْدَهُ كَبِيْرُ عِلْمٍ، اسْتُشْهِدَ يَوْمَ غلبَةِ العَدُوِّ عَلَى المَرِيَّةِ، فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ خَلْقٌ كَثِيْرٌ، وَيُقَالُ: عَاشَ خَمْساً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ-.

122 - المُرَادِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ أَحْمَدَ *
العَلاَّمَةُ، الفَقِيْهُ، المُحَدِّثُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ أَحْمَدَ المُرَادِيُّ، القُرْطُبِيُّ، الشَّقُّورِيُّ (1) ، الشَّافِعِيُّ.
__________
(*) الأنساب 7 / 367 (الشقوري) و9 / 278 (الفرغليطي)، معجم البلدان 4 / 254، اللباب 2 / 303 و423، طبقات السبكي 7 / 224، 225، طبقات الاسنوي 2 / 433.
(1) بفتح الشين وضم القاف، نسبة إلى شقورة: ناحية بقرطبة.
وترجمه السمعاني أيضا عند نسبة الفرغليطي، نسبة إلى قرية من نواحي شقورة، وقد ضبطها بالظاء المعجمة آخره، وضبطها ياقوت بالطاء المهملة.

(20/187)


مَوْلِدُهُ: قَبْلَ الخَمْسِ مائَةٍ.
وَارْتَحَلَ إِلَى خُرَاسَانَ، فَتفقَّهَ بِمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، وَسَمِعَ (صَحِيْحَ مُسْلِمٍ) وَتوَالِيفَ البَيْهَقِيِّ مِنْ: أَبِي عَبْدِ اللهِ الفَرَاوِيِّ، وَعَبْدِ المنعمِ القُشَيْرِيِّ، وَهِبَةِ اللهِ السَّيِّدِيِّ، وَأَقَامَ هُنَاكَ مُدَّةً، ثُمَّ قَدِمَ بَغْدَادَ، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، ثُمَّ قَدِمَ دِمَشْقَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ بِكُتُبِهِ، فَنَزَلَ عَلَى الحَافِظِ ابْنِ عَسَاكِرَ، فَسُرَّ بقدومِهِ، لأَنَّه كَانَ اتَّكَلَ عَلَيْهِ فِي كَثِيْرٍ مِمَّا سمِعَا، فَحَدَّثَ فِي دِمَشْقَ بـ (الصَّحِيْحَيْنِ).
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كُنْتُ آنَسُ بِهِ كَثِيْراً، وَكَانَ أَحَدَ العُبَّادِ، خَرَجْنَا مَعاً إِلَى نُوقَانَ لِسَمَاعِ (تَفْسِيْرِ الثَّعْلَبِيِّ (1))، فَلمحتُ مِنْهُ أَخلاَقاً وَأَحْوَالاً قَلَّمَا تَجتمعُ فِي وَرِعٍ، وَعلَّقْتُ عَنْهُ (2) .
وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: نُدِبَ لِلتَّدْرِيسِ بِحَمَاةَ، فَمَضَى إِلَيْهَا، ثُمَّ نُدِبَ إِلَى التَّدرِيسِ بِحَلَبَ، فَدرَّسَ بِمَدْرَسَةِ ابْنِ العَجَمِيِّ، وَكَانَ ثَبْتاً، صَلْباً فِي السُّنَّةِ (3) .
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: القَاسِمُ ابنُ عَسَاكِرَ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ الحَرَسْتَانِيِّ، وَيَحْيَى بنُ مَنْصُوْرٍ اليُخْلُفِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ: بِحَلَبَ، فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
أَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِقٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ العُقَيْلِيُّ، وَابْنُ عَمِّهِ يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ مَنْصُوْرٍ،
__________
(1) المتوفى سنة 427، مرت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (291).
(2) انظر " الأنساب " 9 / 278، و" طبقات " السبكي 7 / 225.
(3) انظر " طبقات " السبكي 7 / 225.

(20/188)


أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا زَاهِرٌ، أَخْبَرَنَا البَيْهَقِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الحَسَنِ العَلَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ بَالُوْيَه، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ يُطِعِ الأَمِيْرَ فَقَدْ أَطَاعنِي، وَمَنْ يَعصِ الأَمِيْرَ فَقَدْ عصَانِي) (1) .

123 - الأَتَابَكُ عِمَادُ الدِّينِ زَنْكِي بنُ آقْسُنْقُرَ التُّرْكِيُّ *
المَلِكُ، عِمَادُ الدِّينِ، الأَتَابَكُ (2) زَنْكِي ابنُ الحَاجِبِ قَسِيمِ الدَّوْلَةِ آقْسُنْقُرَ بنِ عَبْدِ اللهِ التُّرْكِيُّ، صَاحِبُ حَلَبَ.
فَوَّضَ إِلَيْهِ السُّلْطَانُ مَحْمُوْدُ بنُ مَلِكْشَاه شِحْنَكِيَّة (3) بَغْدَاد، فِي سَنَةِ إِحْدَى
__________
(1) أخرجه مسلم (1835) (33) من طريق محمد بن رافع، عن عبد الرزاق بهذا الإسناد، وأخرجه البخاري (2957) و(7137)، ومسلم (1835) (33) من طريقين عن يونس، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، وأخرجه النسائي 7 / 154، عن زياد بن سعد عن الزهري به وأخرجه البخاري (2956) ومسلم (1835) من طريقين عن أبي الزناد، عن الاعرج، عن أبي هريرة.
(*) المنتظم 10 / 121، الكامل في التاريخ 11 / 110 - 112، التاريخ الباهر 3 / 26 و55 و56 و66، 74 - 84، مرآة الزمان 8 / 114، 115، الروضتين 1 / 27 - 46، وفيات الأعيان 2 / 327 - 329، المختصر 3 / 12 و14 و16 و18، العبر 4 / 112، دول الإسلام 2 / 57، تتمة المختصر 2 / 72، 73، البداية والنهاية 12 / 221، تاريخ ابن خلدون 5 / 52 و55 و67 و158 و223 و224 و234 و236 و237، النجوم الزاهرة 5 / 278، 279، شذرات الذهب 4 / 128، تهذيب تاريخ دمشق لبدران 5 / 388.
(2) قال ابن خلكان: " الاتا " بالتركية هو الاب، و" بك " هو الأمير، والاتابك مركب من هذين المعنيين. " وفيات الأعيان " 1 / 365.
وقال: لما تقلد زنكي الموصل سلم إليه السلطان محمود ولديه ألب أرسلان وفروخ شاه المعروف بالخفاجي ليربيهما، فلهذا قيل له: أتابك، لان الاتابك هو الذي يربي أولاد الملوك. " وفيات الأعيان " 2 / 328.
(3) يقصد بها رئاسة أو إدارة الشحنة، والشحنة: من فيهم الكفاية لضبط البلد من جهة السلطان. ويسمون في وقتنا الشرطة.

(20/189)


عَشْرَةَ (1) وَخَمْس مائَةٍ فِي العَامِ الَّذِي وُلِدَ لَهُ فِيْهِ ابْنُهُ الملكُ العَادلُ نورُ الدِّينِ الشَّهِيْدُ (2) ، ثُمَّ إِنَّهُ حَوَّلَهُ إِلَى مدينَةِ المَوْصِلِ، فَجَعَله أَتَابَكاً لولدِهِ المُلَقَّبِ بِالخفَاجِيِّ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
ثُمَّ اسْتولَى عَلَى البِلاَدِ، وَعَظُمَ أَمرُهُ، وَافتَتَحَ الرُّهَا، وَتَملَّكَ حلبَ وَالمَوْصِلَ وَحَمَاةَ وَحِمْصَ وَبَعْلَبَكَّ وَبَانِيَاسَ وَحَاصَرَ دِمَشْقَ وَصَالَحهُم عَلَى أَنْ خطبُوا لَهُ بِهَا بَعْدَ حُرُوْبٍ يَطولُ شرحهَا، وَاسْتنقذَ مِنَ الفِرَنْجِ كَفرطَابَ وَالمَعَرَّةَ وَدَوَّخَهُم، وَشغلهُم بِأَنْفُسِهِم، وَدَانت لَهُ البِلاَدُ (3) .
وَكَانَ بَطَلاً، شُجَاعاً، مِقْدَاماً كَأَبِيْهِ، عَظِيْمَ الهيبَةِ، مليحَ الصُّوْرَةِ، أَسْمَرَ، جَمِيْلاً، قَدْ وَخَطَهُ الشَّيْبُ، وَكَانَ يُضْرَبُ بِشَجَاعَتِهِ المَثَلُ، لاَ يَقرُّ وَلاَ يَنَامُ، فِيْهِ غَيْرَةٌ حَتَّى عَلَى نسَاءِ جندِهِ، عَمَرَ البِلاَدَ.
قَصَدَ حلبَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ، وَكَانَتْ لِلبُرْسُقِيِّ (4) ، قَدِ انتزعهَا مِنْ بَنِي أُرْتُق، ثُمَّ وَلِيهَا ابْنُهُ مَسْعُوْدٌ، وَالنَّائِبُ بِهَا قَيمَاز، ثُمَّ بَعْدُ قتلغ، فَنَازلهَا جوسلين ملك الفِرَنْج، فَبذلُوا لَهُ مَالاً، فَترحَّلَ، وَجَاءَ التَّقليدُ مِنَ السُّلْطَانِ مَحْمُوْدٍ بِحَلَبَ لزَنْكِي، فَدَخَلهَا، وَرتَّبَ أُمُوْرَهَا، وَافتَتَحَ مَدَائِنَ عِدَّةً، وَدوَّخَ
__________
(1) كذا ذكر المؤلف، وذكر ابن خلكان وابن الأثير وابن كثير أنه ولي شحنكية بغداد سنة إحدى وعشرين وخمس مئة انظر " وفيات الأعيان " 2 / 327 و" الكامل " 10 / 641، و" البداية والنهاية " 12 / 196، وانظر " الروضتين " 1 / 29.
(2) سترد ترجمته برقم (340).
(3) انظر تفصيل ذلك في " الكامل " 10 / 643 - 647 و649 - 651 و658، 659 و662 - 664 و11 / 21، 22 و40 و50، 51 و55 و68 - 70 و73 - 75 و98 - 102، و" الروضتين " 1 / 27 - 42.
(4) نسبة إلى برسق: مملوك الوزير نظام الدين أبي علي الحسن، وهو أبو سعيد آقسنقر البرسقي المقتول سنة 520، مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (295).

(20/190)


الفِرَنْج، وَكَانَ أَعدَاؤُهُ مُحيطينَ بِهِ مِنَ الجهَاتِ، وَهُوَ يَنْتصفُ مِنْهُم، وَيستولِي عَلَى بلادِهِم (1) .
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: لَمْ يُخلِّفْ قسيمُ الدَّوْلَةِ مَمْلُوْكُ السُّلْطَانِ أَلب آرسلاَن وَلداً غَيْر زَنكِي، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ عشر سِنِيْنَ، فَالْتَفَّ عَلَيْهِ غلمَانُ أَبِيْهِ، وَربَّاهُ كربوقَا، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ (2) .
قُلْتُ: نَازلَ زَنْكِي قَلْعَةَ جَعْبَر (3) ، وَحَاصَرَ ملكَهَا عَلِيَّ بنَ مَالِكٍ، وَأَشرفَ عَلَى أَخْذِهَا، فَأَصْبَحَ مَقْتُولاً، وَفَرَّ قَاتلُهُ خَادمُهُ إِلَى جَعْبَر، وَذَلِكَ فِي خَامِسِ رَبِيْعٍ الآخر، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (4) ، فَتَمَلَّكَ ابْنُهُ نورُ الدِّينِ بِالشَّامِ، وَابْنُهُ غَازِي بِالمَوْصِلِ (5) .
وَقَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ (6) : وَثَبَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ مَمَاليكِهِ فِي اللَّيْلِ، وَهَرَبُوا إِلَى جَعْبَر، فَصَاحَ أَهْلُهَا وَفَرِحُوا.
زَادَ عُمُرُ زَنكِي -رَحِمَهُ اللهُ- عَلَى السِّتِّيْنَ.
__________
(1) انظر " الكامل " 10 / 649 - 651.
(2) انظر " الروضتين " 1 / 27.
(3) انظر " الكامل " 11 / 109، 110، و" وفيات الأعيان " 2 / 328، و" المختصر " 3 / 18، و" تتمة المختصر " 2 / 72.
وقلعة جعبر تقع في بر الجزيرة الفراتية بالقرب من صفين بينهما مقدار فراسخ أو أقل.
انظر " معجم البلدان " 4 / 310.
(4) وقد أخطأ في " مختصر تنبيه الطالب وإرشاد الدارس " ص 18، 19، نذكر أن الذي قتل في هذا التاريخ وهو يحاصر قلعة جعبر هو آقسنقر والد عماد الدين، وهو غلط واضح، ويخالف ما في المصادر التاريخية جميعها، فوالد عماد الدين آقسنقر قتل سنة سبع وثمانين وأربع مئة، وقد مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر.
(5) انظر " الكامل " 11 / 112، 113.
(6) في " الكامل " 11 / 110.

(20/191)


124 - غَازِي سَيْفُ الدِّيْنِ بنُ زَنْكِي *
الملكُ، سَيْفُ الدِّينِ غَازِي بنُ زَنكِي.
تَملَّكَ المَوْصِلَ بَعْدَ أَبِيْهِ، وَاعْتَقَلَ أَلب آرسلاَن السَّلْجُوقِيَّ (1) .
وَكَانَ عَاقِلاً، حَازِماً، شُجَاعاً، جَوَاداً، مُحِبّاً فِي أَهْلِ الخَيْرِ.
لَم تَطُلْ مُدّتُهُ، وَعَاشَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
وَكَانَ أَحْسَنَ المُلُوْكِ شكلاً، وَكَانَ لَهُ مائَةُ رَأْسٍ كُلَّ يَوْمٍ لسِمَاطِهِ.
وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ ركبَ بِالسَّنَاجق (2) فِي الإِقَامَةِ، وَأَلزمَ الأُمَرَاءَ أَنْ يَرْكَبُوا بِالسَّيْفِ وَالدَّبُّوسِ (3) .
وَلَهُ مَدْرَسَةٌ كَبِيْرَةٌ بِالمَوْصِلِ (4) .
وَقَدْ مدحَهُ الحَيْص بَيصَ (5) ، فَأَجَازَهُ بِأَلفِ دِيْنَارٍ.
__________
(*) الكامل في التاريخ 11 / 138، 139، التاريخ الباهر: 86 - 93، مرآة الزمان 8 / 123، 124، الروضتين 1 / 46 و65، 66، وفيات الأعيان 4 / 3، 4، مفرج الكروب لابن واصل 1 / 116، العبر 4 / 123، دول الإسلام 2 / 60، تتمة المختصر 2 / 75، 76، البداية والنهاية 12 / 227، تاريخ ابن خلدون 5 / 238 - 240 وغيرها، النجوم الزاهرة 5 / 286، اللمعات البرقية في النكت التاريخية لابن طولون: 12، شذرات الذهب 4 / 139.
(1) انظر تفصيل ذلك في " الكامل " 11 / 112، 113، و" وفيات الأعيان " 4 / 3، 4.
(2) السنجق: هو الراية التي تحمل خلف السلطان عند ركوبه، وهي من شعار الملك القديمة، والسنجق بالفارسية: اللواء.
وقال في " صبح الاعشى " 2 / 134: السنجق باللغة التركية معناه الطعن، سميت الراية بذلك لأنها تكون في أعلى الرمح. اه. وحامله يسمى " سنجقدار ".
(3) انظر " الكامل " 11 / 138، و" الروضتين " 1 / 65، و" البداية " 12 / 227.
والدبوس: المقمعة، وهي من عمود من حديد أو كالمحجن.
(4) وهي المدرسة الاتابكية العتيقة، قال ابن الأثير: وهي من أحسن المدارس، وقفها على الفقهاء الحنفية والشافعية.
انظر " الكامل " 11 / 138، 139، و" الروضتين " 1 / 65.
(5) بقصيدة مطلعها:

(20/192)


تُوُفِّيَ وَلَمْ يَتركْ سِوَى وَلدٍ مَاتَ شَابّاً، وَلَمْ يُعقِبْ.
تُوُفِّيَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَتملَّكَ بَعْدَهُ المَوْصِلَ أَخُوْهُ الملِكُ قطبُ الدِّينِ مَوْدُوْد (1) ، وَالِدُ مُلُوْكِ المَوْصِلِ، وَدُفِنَ بِمدرستِهِ، وَكَانَ سِمَاطُهُ فِي العِيْدِ أَلفَ رَأْسِ غنمٍ سِوَى الْخَيل وَالبقر، وَلَمَّا حَاصرَتِ الفِرَنْجُ دِمَشْقَ بَادرَ غَازِي وَكشفَ عَنْهَا، وَخلَّفَ وَلداً شَابّاً، فَمَاتَ بَعْدَهُ بِقَلِيْلٍ، وَانقطع عقِبُهُ.
125 - أَبُو بَكْرٍ* يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ البَقَوِيُّ
القُرْطُبِيُّ، الشَّاعِرُ الْمُفْلَقِ، مِنْ ذُرِّيَّة بَقِيِّ بنِ مَخْلَدٍ الحَافِظِ.
لَهُ موشحَات بَدِيْعَة (2) .
وَكَانَ رَافِع رَايَة القرِيض، وَصَاحِب آيَة التَّصرِيح فِيْهِ وَالتعرِيض (3) .
__________
= إلام يراك المجد في زي شاعر * وقد نحلت شوقا فروع المنابر
وهي في " ديوانه " 2 / 316 بتحقيق مكي السيد جاسم وشاكر هادي شكر.
(1) سترد ترجمته برقم (335).
(*) قلائد العقيان: 279، الذخيرة: القسم الثاني، المجلد الثاني 615 - 636، الخريدة 2 / 308، معجم الأدباء 20 / 21، المطرب: 198، تكملة الصلة: 2042، المغرب في حلي المغرب 2 / 19، وفيات الأعيان 6 / 202 - 205، مسالك الابصار 11 / ق 280، نفح الطيب 4 / 236 - 240 وغيرها (انظر الفهرس)، أزهار الرياض 2 / 208.
(2) انظر بعضها في " معجم الأدباء " 20 / 24، 25، و" نفح الطيب " 4 / 237 - 240، وانظر جملة من شعره في أوصاف شتى في " الذخيرة " ق 2 / م 616 2 - 636.
(3) قال ذلك ابن خاقان في " قلائد العقيان "، ونقله عنه ابن خلكان في " الوفيات 6 / 203.

(20/193)


وَهُوَ القَائِلُ:
يَا أَقتل النَّاس أَلحَاظاً وَأَطيبهُم ... رِيقاً مَتَى كَانَ فِيك الصَّاب وَالعَسَلُ
فِي صحْن خَدك وَهُوَ الشَّمْس طَالعَة ... وَرد يَزِيدك فِيْهِ الرَّاح وَالخجلُ
إِيْمَان حُبّك فِي قَلْبِي يُجدده(1) ... مِنْ خَدك الكُتْبُ أَوْ مِنْ لحظك الرُّسُلُ
لَوِ اطَّلعت عَلَى قَلْبِي وَجَدْت بِهِ ... مِنْ فِعل عَيْنَيْك جُرحاً (2) لَيْسَ يَندملُ (3)
تُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

126 - ابْنُ الشَّجَرِيِّ هِبَةُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ الهَاشِمِيُّ *
العَلاَّمَةُ، شَيْخ النُّحَاة، أَبُو السَّعَادَاتِ هِبَةُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَمْزَةَ بنِ عَلِيٍّ الهَاشِمِيُّ، العَلَوِيُّ، الحَسَنِيّ، البَغْدَادِيّ، مِنْ ذُرِّيَّة جَعْفَر بن الحَسَنِ بنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ.
__________
(1) في الأصل: مجددة، والتصويب من " الوفيات ".
(2) في الأصل: جرح، وهو خطأ.
(3) الابيات في " قلائد العقيان "، و" وفيات الأعيان " 6 / 204، وفيه قبل البيت الأخير قوله:
إن كنت تجهل أني عبد مملكة * مرني بما شئت آتيه وأمتثل
(*) نزهة الالبا: 404 - 406، المنتظم 10 / 130، معجم الأدباء 19 / 282 - 284، الاستدرك لابن نقطة: باب السجزي والشجري، إنباه الرواة 3 / 356، 357، وفيات الأعيان 6 / 45 - 50، إشارة التعيين: 57، البدر السافر: ق 219، العبر 4 / 116، تلخيص ابن مكتوم: 407، 408، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 248، 249، مسالك الابصار ج 4 م 2 / 309 - 311، مرآة الجنان 3 / 275 - 277، البداية والنهاية 12 / 223، طبقات ابن قاضي شهبة 2 / 280 - 282، النجوم الزاهرة 5 / 281، بغية الوعاة 2 / 324، كشف الظنون 162 174، شذرات الذهب 4 / 132 - 134، روضات الجنات: 231، هدية العارفين 2 / 505، معجم المطبوعات: 134، تاريخ بروكلمان 5 / 165.
وفي نسبته قال السيوطي في " لب اللباب ": أما ابن الشجري النحوي فإلى شجرة كانت في دارهم ليس في البلد غيرها.
وقال ياقوت في " معجم الأدباء ": نسب إلى بيت الشجري من قبل أمه.

(20/194)


قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: ابْن الشَّجرِيِّ شَيْخ وَقته فِي مَعْرِفَةِ النَّحْو، دَرَّسَ الأَدب طول عُمُرِهِ، وَكثر تَلاَمِذته، وَطَالَ عُمُرُهُ، وَكَانَ حَسَنَ الخُلُقِ، رفِيقاً.
رَوَى عَنْ: أَبِي الحُسَيْنِ المُبَارَك بن الطُّيُوْرِيّ كِتَاب (المَغَازِي) لِسَعِيْدِ بنِ يَحْيَى الأُمَوِيّ.
قرَأَ عَلَيْهِ: ابْن الخَشَّاب، وَابْن عَبْدَةَ، وَالتَّاج الكِنْدِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ بن الزَّاهِدَة.
وَرَوَى عَنْهُ أَيْضاً: عَبْد المَلِكِ بن المُبَارَكِ القَاضِي، وَأَحْمَد بن يَحْيَى بنِ الدَّبِيْقِيّ، وَسُلَيْمَان بن مُحَمَّدٍ المَوْصِلِيّ، وَعَبْد اللهِ بن عُثْمَانَ البَيِّع، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ نَقيب الطَّالبيين بِالكَرْخ نِيَابَة عَنْ وَلد الطَّاهِر، وَكَانَ أَحَدَ أَئِمَّة النُّحَاة، لَهُ مَعْرِفَةٌ تَامَة بِاللُّغَةِ وَالنَّحْو، وَلَهُ تَصَانِيْف، وَكَانَ فَصِيْحاً، حُلْو الكَلاَم، حسن البيَان وَالإِفهَام، قرَأَ الحَدِيْث عَلَى جَمَاعَة مِنَ المُتَأَخِّرِيْنَ مِثْل أَبِي الحُسَيْنِ بنِ الطُّيُوْرِيِّ، وَأَبِي عَلِيٍّ بنِ نَبْهَانَ، كَتَبْتُ عَنْهُ.
(1) وَقَالَ الكَمَال عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدٍ الأَنْبَارِيّ (2) : شَيْخنَا أَبُو السَّعَادَاتِ كَانَ فَرِيْد عصره، وَوحيد دَهْره فِي علم النَّحْو، أَنحَى مَنْ رَأَينَا، وَآخِرَ مَنْ شَاهِدنَا مِنْ حُذَاقهِم وَأَكَابِرهِم، وَعَنْهُ أَخذت النَّحْو، وَكَانَ تَامّ المَعْرِفَة بِاللُّغَةِ، أَخَذَ عَنْ أَبِي المُعَمَّر بن طَبَاطَبَا، وَصَنَّفَ، وَأَملَى كِتَاب
__________
(1) انظر " المستفاد من ذيل تاريخ بغداد " 249.
(2) في " نزهة الالبا " 404، 405.

(20/195)


(الأَمَالِي)، وَهُوَ كِتَاب نَفِيْس يَشتمل عَلَى فُنُوْنٍ، وَكَانَ فَصِيْحاً، حُلْو الكَلاَم، وَقُوْراً، ذَا سَمتٍ، لاَ يَكَاد يَتَكَلَّم فِي مَجْلِسِهِ بكلمَة إِلاَّ وَتتضمن أَدب نَفْس أَوْ أَدب درس، وَلَقَدِ اخْتصم إِلَيْهِ علويَان، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: قَالَ لِي: كَذَا وَكَذَا.
قَالَ: يَا بُنَيَّ احْتمل، فَإِنَّ الاحْتِمَال قَبْر المعَايب.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (1) : لمَا فَرغ ابْن الشَّجَرِيِّ مِنْ كِتَاب (الأَمَالِي (2))، أَتَاهُ ابْن الخَشَّاب لِيَسْمَعَهُ، فَامْتَنَعَ، فَعَادَاهُ، وَرد عَلَيْهِ فِي أَمَاكن مِنَ الكِتَاب، وَخَطَّأَه، فَوَقَفَ ابْن الشَّجَرِيِّ عَلَى رده، فَأَلف كِتَاب (الانتصَارِ) فِي ذَلِكَ.
قَالَ: وُلِدَتْ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
تُوُفِّيَ: فِي السَّادِس وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَدُفِنَ بدَاره، وَإِنَّمَا سَمِعَ الحَدِيْث فِي كُهُولَته.

127 - المِيْهَنِيُّ أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ طَاهِرِ بنِ سَعِيْدٍ *
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ طَاهِرِ بنِ سَعِيْدِ ابنِ القُدْوَةِ أَبِي سَعِيْدٍ فَضْلِ اللهِ بنِ أَبِي الخَيْرِ المِيْهَنِيُّ، الخُرَاسَانِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
وَمِيْهَنَةُ: قَرْيَة مَعْرُوْفَة (3) .
__________
(1) في " وفيات الأعيان " 6 / 45.
(2) وهو مطبوع في حيدر آباد سنة 1349 ه، وطبع من مؤلفاته " الحماسة الشجرية " في جزأين، بتحقيق عبد المعين ملوحي وأسماء الحمصي في دمشق سنة 1970 م، وطبع له أيضا " ديوان مختارات الشعراء " نشره محمود حسن الزناتي بالقاهرة سنة 1926 م.
وله من المصنفات: شرح " اللمع " وشرح " التصريف الملوكي " كلاهما لابن جني، وانظر النسخ الخطية لبعض كتبه في " تاريخ " بروكلمان 5 / 165، 166.
(*) لم أعثر على مصادر ترجمته.
(3) من قرى خابران، وهي ناحية بين أبيورد وسرخس. " معجم البلدان " 5 / 247 و" اللباب " 3 / 285.

(20/196)


وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ بِقَرْيتِه مِنْ: أَبِي الفَضْلِ مُحَمَّد بن أَحْمَدَ العَارِف، وَبِنَيْسَابُوْرَ مُوْسَى بن عِمْرَانَ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ خَلَف، وَالحَافِظ الحَسَن بن أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِي، وَجَمَاعَة.
وَلَهُ إِجَازَة مِنَ المُفَسِّرِ أَبِي الحَسَنِ الوَاحِدِيّ رَوَى بِهَا تَفَاسيره.
اسْتَوْطَنَ بَغْدَاد، وَرَوَى الكَثِيْر.
رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيّ، وَغَيْرهُ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ سُكَيْنَةَ، وَأَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، وَالفَتْح عَبْد السَّلاَمِ، وَطَائِفَة، وَتَفَرَّد أَبُو الحَسَنِ ابْن المُقَيَّرِ بِإِجَازته.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: سَافر الكَثِيْر، وَرَأَى المَشَايِخ، وَخدم الصُّوْفِيَّة وَالأَكَابِر، وَهُوَ ظرِيف الجُمْلَة مَطْبُوْع، حسن الشَّمَائِل، مُتَوَاضِع، مَاتَ فِي ثَامن رَمَضَان، سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَدفن عَلَى دكَة الجُنَيْد -رَحِمَهُ اللهُ- سَمِعَ مِنْهُ الفَتْحُ (الأَرْبَعِيْنَ) لِلْحَاكِمِ.

128 - ابْنُ العَرَبِيِّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْدَلُسِيُّ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، القَاضِي، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ
__________
(*) مطمح الانفس: 71 - 73، الصلة 2 / 590، 591، بغية الملتمس رقم (179)، المغرب في حلي المغرب 1 / 254، 255، وفيات الأعيان 4 / 296، 297، العبر 4 / 125، تذكرة الحفاظ 4 / 1294 - 1298، دول الإسلام 2 / 61، الوافي بالوفيات 3 / 330، مرآة الجنان 3 / 279، 280، البداية والنهاية 12 / 228، 229، المرقبة العليا: 105 - 107، الديباج المذهب 2 / 252 - 256، النجوم الزاهرة 5 / 302، طبقات المفسرين للسيوطي 34، 35، طبقات المفسرين للداوودي 2 / 162 - 166، جذوة الاقتباس: 160، أزهار الرياض 3 / 62 و86 - 95، نفح الطيب 2 / 25 - 43، طبقات المفسرين للادنه وي: ق 43 / ب، =

(20/197)


مُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ، ابْنُ العَرَبِيِّ الأَنْدَلُسِيّ، الإِشْبِيْلِيّ، المَالِكِيّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
سَأَله ابْن بَشْكُوَال (1) عَنْ مَوْلِده، فَقَالَ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ مِنْ: خَاله الحَسَن بن عُمَرَ الهَوْزَنِيّ، وَطَائِفَة بِالأَنْدَلُسِ.
وَكَانَ أَبُوْهُ أَبُو مُحَمَّدٍ (2) مِنْ كِبَارِ أَصْحَاب أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ حَزْم الظَّاهِرِي بِخلاَف ابْنه القَاضِي أَبِي بَكْرٍ، فَإِنَّهُ منَافر لابْنِ حَزْم، مُحِطٌّ عَلَيْهِ بنَفْس ثَائِرَة.
ارْتَحَلَ مَعَ أَبِيْهِ، وَسَمِعَا بِبَغْدَادَ مِنْ: طِرَاد بن مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ النِّعَالِيّ، وَأَبِي الخَطَّابِ ابْن البَطِرِ، وَجَعْفَر السَّرَّاج، وَابْن الطُّيُوْرِيّ، وَخَلْق.
وَبِدِمَشْقَ مِنَ: الفَقِيْه نَصْر بن إِبْرَاهِيْمَ المَقْدِسِيّ، وَأَبِي الفَضْلِ بنِ الفُرَاتِ، وَطَائِفَة.
وَببَيْت المَقْدِسِ مِنْ: مَكِّيّ بن عَبْدِ السَّلاَمِ الرُّمَيْلِيّ.
وَبِالحرم الشَّرِيْف مِنَ: الحُسَيْن بن عَلِيٍّ الفَقِيْه الطَّبَرِيّ.
وَبِمِصْرَ مِنَ: القَاضِي أَبِي الحَسَنِ الخِلَعِيّ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ بنِ دَاوُدَ الفَارِسِيّ، وَغَيْرِهِمَا.
وَتَفَقَّهَ: بِالإِمَام أَبِي حَامِد الغَزَّالِيّ، وَالفَقِيْه أَبِي بَكْرٍ الشَّاشِيّ، وَالعَلاَّمَة
__________
= كشف الظنون 553، 559، شذرات الذهب 4 / 141، هدية العارفين 2 / 90، إيضاح المكنون 1 / 105، 145، 224، 279، سلوة الانفاس 3 / 198، معجم المطبوعات: 174، 175، شجرة النور 1 / 136 - 138، تاريخ بروكلمان 6 / 275، 276، برنامج القرويين 1 / 173 و188، وانظر كتاب " آراء أبي بكر بن العربي الكلامية " لعمار الطالبي، طبع الشركة الوطنية للنشر والتوزيع في الجزائر سنة 1974.
(1) انظر " الصلة " 2 / 591.
(2) الذي مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (68).

(20/198)


الأَدِيْب أَبِي زَكَرِيَّا التِّبْرِيْزِيّ، وَجَمَاعَة.
وَذَكَرَ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ: أَنَّهُ سَمِعَ بِدِمَشْقَ أَيْضاً مِنْ: أَبِي البَرَكَات بن طَاوُوْسٍ، وَالشَّرِيْف النَسِيْب، وَأَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ: عَبْد الرَّحْمَنِ بن صَابر، وَأَخُوْهُ، وَأَحْمَد بن سَلاَمَةَ الأَبَّار، وَرجع إِلَى الأَنْدَلُسِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قُلْتُ: رَجَعَ إِلَى الأَنْدَلُسِ بَعْدَ أَنْ دفن أَبَاهُ فِي رحلته - أَظُنّ بِبَيْتِ المَقْدِس - وَصَنَّفَ، وَجَمَعَ، وَفِي فُنُوْن العِلْم بَرَعَ، وَكَانَ فَصِيْحاً، بَلِيْغاً، خَطِيْباً.
صَنّف كِتَاب (عَارِضَةِ الأَحْوَذِيِّ فِي شَرْحِ جَامِع أَبِي عِيْسَى التِّرْمِذِيِّ (1))، وَفسر القُرْآن الْمجِيد، فَأَتَى بِكُلِّ بَدِيْع، وَلَهُ كِتَاب (كَوْكَب الحَدِيْث وَالمسلسلاَت (2))، وَكِتَاب (الأَصْنَاف) فِي الفِقْه، وَكِتَاب (أُمَّهَات المَسَائِل)، وَكِتَاب (نُزْهَة النَّاظر (3))، وَكِتَاب (ستر العورَة)، وَ(المَحْصُوْل) فِي الأُصُوْل، وَ(حسم الدَّاء، فِي الكَلاَمِ عَلَى حَدِيْث السَّوْدَاء)، كِتَاب فِي الرَّسَائِل وَغوَامض النَحْويين، وَكِتَاب (تَرْتِيْب الرّحلَة، لِلتَّرغِيب فِي المِلَّة)، وَ(الفِقْه الأَصْغَر المُعَلَّب الأَصْغَر (4))، وَأَشيَاء سِوَى ذَلِكَ لَمْ نشَاهِدهَا (5) .
__________
(1) طبع في مصر في (13) مجلدا سنة 1931 م، وطبع في الهند سنة 1299 ه ضمن مجموعة فيها أربعة شروح على " جامع " الترمذي.
انظر " معجم المطبوعات ": 1977.
(2) في الأصل: السلسلات.
(3) في كتابه " العواصم من القواصم " ص 16 تحقيق عمار الطالبي: " نزهة المناظر وتحفة الخواطر ".
(4) كذا الأصل، وفي " نفح الطيب " و" إيضاح المكنون " و" هدية العارفين ": العقد الأكبر للقلب الاصفر.
وفي " شجرة النور ": العقل الأكبر للقلب الاصغر.
(5) انظر " نفح الطيب " 2 / 35، 36، و" شجرة النور " 1 / 136، و" هدية العارفين " =

(20/199)


وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ، وَكَانَ رَئِيْساً مُحْتَشِماً، وَافر الأَمْوَال، بِحَيْثُ أَنشَأَ عَلَى إِشْبِيْلِيَة سُوراً مِنْ مَالِهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَحْمَدَ اليُوْسُفِيّ الحَافِظ، وَأَحْمَد بن خَلَفٍ الإِشْبِيْلِيّ القَاضِي، وَالحَسَن بن عَلِيٍّ القُرْطُبِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الفِهْرِيّ، وَالحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الخَثْعَمِي السُّهَيْلِي، وَمُحَمَّد بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ الفَخَّارِ، وَمُحَمَّد بن يُوْسُفَ بنِ سَعَادَةَ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الكُتَامِيّ، وَمُحَمَّد بن جَابِرٍ الثَّعْلَبِيّ، وَنَجَبَة بن يَحْيَى الرُّعَيْنِيّ، وَعَبْد المُنْعِمِ بن يَحْيَى بنِ الخَلُوْف الغَرْنَاطِي، وَعَلِيّ بن أَحْمَدَ بنِ لبَّال الشَّرِيْشِيّ، وَعَدَد كَثِيْر، وَتَخَرَّجَ بِهِ أَئِمَّة، وَآخِرُ مَنْ حَدَّثَ فِي الأَنْدَلُس عَنْهُ بِالإِجَازَةِ فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ: أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الشَّقُوْرِيّ، وَأَحْمَد بن عُمَرَ الخَزْرَجِيّ التَّاجِر، أَدخل الأَنْدَلُس إِسْنَاداً عَالِياً، وَعلماً جَمّاً.
وَكَانَ ثَاقب الذّهن، عذب الْمنطق، كَرِيْم الشَّمَائِل، كَامِل السُّؤْدُد، وَلِيَ قَضَاءَ إِشْبِيْلِيَة، فَحُمدت سيَاسته، وَكَانَ ذَا شِدَّة وَسطوَة، فَعزل، وَأَقْبَلَ عَلَى نشر العِلْم وَتَدوينه.
__________
= 2 / 90، وقد سرد مؤلفاته مع ذكر النسخ الخطية لبعضها الأستاذ عمار الطالبي في كتابه " آراء أبي بكر بن العربي الكلامية " 1 / 65 - 82.
وقد طبع من مؤلفاته أيضا كتاب " أحكام القرآن " عدة مرات، آخرها التي حققها علي محمد البجاوي.
وكتابه " العواصم من القواصم " نشره عبد الحميد بن باديس سنة 1927 م، في جزأين ثم نشر محب الدين الخطيب قسما منه وهو مبحث الصحابة، سنة 1954 م، وحسب الناس أن هذا القسم هو الكتاب بتمامه، ثم نشره كاملا الأستاذ عمار طالبي بتحقيقه سنة 1974 م في الجزائر معتمدا على أربع مخطوطات.

(20/200)


وَصفه ابْن بَشْكُوَال بِأَكْثَر مِنْ هَذَا، وَقَالَ (1) : أَخْبَرَنِي أَنَّهُ ارْتَحَلَ إِلَى المَشْرِق فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ بقُرْطُبَة وَبإِشْبِيْلِيَة كَثِيْراً.
وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ أَبُوْهُ رَئِيْساً، وَزِيْراً، عَالِماً، أَدِيْباً، شَاعِراً، مَاهراً، اتَّفَقَ مَوْته بِمِصْرَ، فِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ، فَرَجَعَ ابْنه إِلَى الأَنْدَلُسِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ طَرْخَانَ: قَالَ لِي أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ العَرَبِيِّ:
صَحِبت ابْن حَزْمٍ سَبْعَة أَعْوَام، وَسَمِعْتُ مِنْهُ جَمِيْع مُصَنّفَاته سِوَى المُجَلَّد الأَخِيْر مِنْ كِتَاب (الفِصَلِ)، وَقَرَأْنَا مِنْ كِتَاب (الإِيصَال) لَهُ أَرْبَعَ مُجَلَّدَاتٍ (2) ، وَلَمْ يَفُتْنِي شَيْء مِنْ تَوَالِيْفِهِ سِوَى هَذَا.
كَانَ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ مِمَّنْ يُقَالَ: إِنَّهُ بلغَ رُتْبَة الاجْتِهَاد.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: حَدَّثَ بِبَغْدَادَ بِيَسِيْرٍ، وَصَنَّفَ فِي الحَدِيْثِ وَالفِقْه وَالأُصُوْل وَعُلُوْم القُرْآن وَالأَدب وَالنَّحْو وَالتَّوَارِيخ، وَاتَّسَع حَاله، وَكثر إِفضَاله، وَمدحته الشُّعَرَاء، وَعَلَى بَلَده سور أَنشَأَه مِنْ مَاله (3) .
وَقَدْ ذَكَرَهُ الأَدِيْب أَبُو يَحْيَى اليَسع بن حَزْم، فَبَالغ فِي تَقرِيظه، وَقَالَ:
وَلِيَ القَضَاءَ فَمَحنَ، وَجَرَى فِي أَعْرَاض الإِمَارَة فَلحن (4) ، وَأَصْبَح تَتحرك بآثَاره الأَلسِنَة، وَيَأْتِي بِمَا أَجرَاهُ عَلَيْهِ الْقدر النَّومُ وَالسِّنَةُ، وَمَا أَرَادَ إِلاَّ خَيراً، نصب السُّلْطَان (5) عَلَيْهِ شبَاكه، وَسكَّنَ الإِدبار حرَاكه، فَأَبَدَاهُ لِلنَّاسِ صُوْرَة
__________
(1) في " الصلة " 2 / 590، 591.
(2) انظر " تذكرة الحفاظ " 3 / 1151، وفيه " سبع " بدل " أربع ".
(3) انظر " تذكرة الحفاظ " 4 / 1296.
(4) تحرف في " تذكرة الحفاظ " إلى " فلحق " بالقاف آخره.
(5) في " تذكرة الحفاظ ": الشيطان.

(20/201)


تُذمُّ، وَسُوْرَة تَتلَى (1) ، لِكَوْنِهِ تَعلّق بِأَذْيَال المُلك، وَلَمْ يَجر مجرَى العُلَمَاء فِي مُجَاهِرَة السَّلاَطِيْن وَحِزْبِهِم (2) ، بَلْ دَاهن، ثُمَّ انْتقل إِلَى قُرْطُبَة مُعَظَّماً مُكرَّماً حَتَّى حُوِّلَ إِلَى العُدوَة، فَقَضَى نَحْبَه (3) .
قَرَأْت بِخَطِّ ابْنِ مَسدِي فِي (مُعْجَمِهِ): أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُفرج النَّبَاتِيّ (4) ، سَمِعْتُ ابْنَ الجَدِّ الحَافِظَ وَغَيْرَه يَقُوْلُوْنَ:
حضَر فُقَهَاء إِشْبِيْلِيَة: أَبُو بَكْرٍ بن المُرَجَّى وَفُلاَن، وَفُلاَن، وَحضر مَعَهُم ابْن العَرَبِيِّ، فَتذَاكرُوا حَدِيْث الْمِغْفَر، فَقَالَ ابْنُ المُرَجَّى: لاَ يُعرفُ إِلاَّ مِنْ حَدِيْثِ مَالِك، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
فَقَالَ ابْنُ العَرَبِيّ: قَدْ رويته مِنْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ طرِيقاً غَيْر طَرِيْق مَالِك.
فَقَالُوا: أَفدنَا هَذَا.
فَوَعَدهُم، وَلَمْ يُخْرِجْ لَهُم شَيْئاً، وَفِي ذَلِكَ يَقُوْلُ خَلَف بن خَيْر الأَدِيْب:
يَا أَهْل حِمْصَ وَمِنْ بِهَا أُوصيكُم ... بِالبر وَالتَّقْوَى وَصيَة مُشْفِقِ
فَخذُوا عَنِ العربِي أَسمَار الدجَى ... وَخذُوا الرِّوَايَة عَنْ إِمَام متقِ
إِنَّ الفَتَى حُلْو الكَلاَم مُهَذب ... إِنْ لَمْ يَجِدْ خَبَراً صَحِيْحاً يَخلقِ (5)
قُلْتُ: هَذِهِ حِكَايَة سَاذجَة لاَ تَدُلُّ عَلَى تَعمد، وَلَعَلَّ القَاضِي -رَحِمَهُ اللهُ- وَهِم، وَسرَى ذِهْنه إِلَى حَدِيْث آخر، وَالشَّاعِر يَخلق الإِفك، وَلَمْ أَنقُمْ عَلَى القَاضِي -رَحِمَهُ اللهُ- إِلاَّ إِقذَاعَه فِي ذَمّ ابْن حَزْمٍ وَاسْتجهَالَه لَهُ، وَابْن حَزْمٍ أَوسع
__________
(1) في " تذكرة الحفاظ ": وسوءة تبلى.
(2) في " تذكرة الحفاظ ": وحربهم، بالراء.
(3) انظر " تذكرة الحفاظ " 4 / 1296.
(4) نسب كذلك لمعرفته بالنباتات وحشائش الطب: انظر " المشتبه " 1 / 93.
وقد تصحفت النسبة في " تذكرة الحفاظ " 4 / 1296 إلى " البناني " بباء موحدة ونونين.
(5) انظر " تذكرة الحفاظ " 4 / 1296، 1297، ويقصد بحمص هنا إشبيلية، إذ كانت تدعى حمص أيضا.
انظر " معجم البلدان " 1 / 195 و" نفح الطيب " 1 / 156 - 159.

(20/202)


دَائِرَة مِنْ أَبِي بَكْرٍ فِي العُلُوْم، وَأَحْفَظ بِكَثِيْر، وَقَدْ أَصَاب فِي أَشيَاء وَأَجَاد، وَزلق فِي مضَايق كغَيْره مِنَ الأَئِمَّةِ، وَالإِنصَافُ عزِيز.
قَالَ أَبُو القَاسِمِ بنُ بَشْكُوَال (1) : تُوُفِّيَ ابْنُ العَرَبِيّ بفَاس، فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ (2) وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا وَرخه: الحَافِظُ أَبُو الحَسَنِ بنُ المُفَضَّلِ، وَابْن خَلِّكَانَ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: المُسْنِدُ الكَبِيْر أَبُو الدُّرّ يَاقُوْت الرُّوْمِيّ (3) السَّفَّار صَاحِب ابْن هَزَارْمَرْدَ، وَالمُعَمَّرُ أَبُو تَمَّام أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ المُخْتَارِ بن المُؤَيَّدِ بِاللهِ الهَاشِمِيّ السَّفَّار (4) صَاحِب ابْن المُسْلِمَةِ بِنَيْسَابُوْرَ، وَالفَقِيْهُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ نبهَان الغَنَوِيّ الرَّقِّيّ الَّذِي يَرْوِي الْخطب (5) ، وَالحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مَسْعُوْدٍ ابْن الوَزِيْر الدِّمَشْقِيّ (6) كَهْلاً بِمَرْوَ، وَقَاضِي القُضَاة أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ نور الهدَى الحُسَيْن بنِ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيّ (7) ، وَالمُعَمَّرُ أَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ ابْنُ الدَّايَة (8) ، وَمُسْنِد دِمَشْق أَبُو القَاسِمِ الخَضِرُ (9) بن الحُسَيْنِ بنِ عَبْدَان، وَمُفِيْد بَغْدَاد أَبُو بَكْرٍ المُبَارَك بن كَامِلٍ الظَّفَرِيّ
__________
(1) في " الصلة " 2 / 591، وانظر " وفيات الأعيان " 4 / 297.
(2) ذكره المؤلف في " العبر " وفيات ست وأربعين نقلا عن " تاريخ " ابن النجار.
وذكر في " تذكرة الحفاظ " 4 / 1297 أن الصحيح سنة ثلاث، وأورده ابن كثير في وفيات سنة خمس وأربعين.
(3) تقدمت ترجمته برقم (115).
(4) تقدمت ترجمته برقم (108).
(5) تقدمت ترجمته برقم (112).
(6) تقدمت ترجمته برقم (113).
(7) سترد ترجمته برقم (131).
(8) تقدمت ترجمته برقم (110).
(9) سترد ترجمته برقم (140).

(20/203)


الخَفَّاف (1) ، وَالشَّهِيْد شَيْخ المَالِكِيَّة أَبُو الحَجَّاجِ يُوْسُف بن دُوْنَاسَ الفَنْدَلاَوِيّ (2) بِدِمَشْقَ.
قُتل بِأَيدِي الفِرَنْج -رَحِمَهُ اللهُ-.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَابِرٍ القَيْسِيّ المُقْرِئ، أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ القَاضِي بِتُوْنُسَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الرَّبِيْعِ بن سَالِمٍ الحَافِظ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حُبَيْش الحَافِظ، حَدَّثَنَا القَاضِي أَبُو بَكْرٍ بنُ العَرَبِيِّ، حَدَّثَنَا طِرَادٌ الزَّيْنَبِيّ، حَدَّثَنَا هِلاَلُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْعَثِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا جَبَلَة بن سُحَيْمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (مَنْ جَرَّ ثَوْباً مِنْ ثِيَابِهِ مِنْ مَخِيْلَةٍ، فَإِنَّ اللهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ (3)).
وَأَخْبَرْنَاهُ عَالِياً بِدَرَجَتَيْنِ: إِسْمَاعِيْل بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ، وَطَائِفَةٌ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا طِرَادٌ النَّقِيْب...، فَذَكَرهُ.

129 - رَزِيْنُ بنُ مُعَاوِيَةَ بنِ عَمَّارٍ أَبُو الحَسَنِ العَبْدَرِيُّ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ الشَّهِيْرُ، أَبُو الحَسَنِ العَبْدَرِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ،
__________
(1) سترد ترجمته برقم (203).
(2) سترد ترجمته برقم (133).
(3) وأخرجه النسائي في الكبري كما في " تحفة الاشراف " 5 / 326 من طريق أبي الاشعث أحمد بن المقدام العجلي بهذا الإسناد، وأخرجه مسلم (2085) من طريق شعبة عن محارب بن دثار وجبلة بن سحيم جميعا عن ابن عمر ولم يسق لفظه، وهو من طرق أخرى في البخاري (3665) و(5782) و(5784) و(5791) و(6062)، ومسلم (2085) والنسائي 8 / 206، ومالك 2 / 914، وأبي داود (4085).
(*) الصلة 1 / 186، 187، بغية الملتمس: 293، مقدمة جامع الأصول 1 / 48، العبر 4 / 95، دول الإسلام 2 / 55، تذكرة الحفاظ 4 / 1281، مرآة الجنان 3 / 263، الديباج المذهب 1 / 366، 367، صفة الجزيرة: 96، العقد الثمين 4 / 398، 399، النجوم الزاهرة =

(20/204)


السَّرَقُسْطِيُّ، صَاحِبُ كِتَابِ (تَجرِيْدِ الصِّحَاحِ (1)).
جَاورَ بِمَكَّةَ دَهْراً، وَسَمِعَ بِهَا (صَحِيْحَ البُخَارِيِّ) مِنْ عِيْسَى بنِ أَبِي ذَرٍّ، وَ(صَحِيْحَ مُسْلِمٍ) مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الطَّبَرِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: قَاضِي الحَرَمِ أَبُو المُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ، وَالزَّاهِد أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ قُدَامَةَ وَالِد الشَّيْخ أَبِي عُمَرَ، وَالحَافِظُ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، وَالحَافِظ ابْن عَسَاكِرَ (2) ، وَقَالَ: كَانَ إِمَامَ المَالِكيين بِالحرم.
قُلْتُ: أَدخل كِتَابهُ زِيَادَات وَاهيَة، لَوْ تَنَزَّه عَنْهَا لأَجَاد.
تُوُفِّيَ: بِمَكَّةَ، فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (3) ، وَقَدْ شَاخَ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا أَبِي؛ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا رَزِيْن بن مُعَاوِيَةَ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الغَافِرِ بن مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرْنَا ابْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِم، حَدَّثَنَا ابْنُ قَعْنَب، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ وَقَاص، عَنْ عُمَرَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لامْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ
__________
= 5 / 267، كشف الظنون: 345، شذرات الذهب 4 / 106، روضات الجنات: 286، 287، الرسالة المستطرفة: 130، شجرة النور 1 / 133، تاريخ بروكلمان 6 / 266 (النسخة العربية).
(1) جمع فيه بين " الموطأ " والصحاح الخمسة، وعليه اعتمد ابن الأثير في تصنيف كتابه " جامع الأصول "، انظر كلام ابن الأثير عن هذا الكتاب في مقدمة " جامع الأصول " 1 / 49 - 51.
وله أيضا كتاب في أخبار مكة.
انظر " العقد الثمين " 4 / 399.
(2) انظر " مشيخة " ابن عساكر: ق 65 / 1.
(3) أورد ابن بشكوال والضبي وفاته سنة 524، ونقله التقى الفاسي ان وفاته سنة 525.

(20/205)


وَرَسُوْلِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيْبُهَا أَوِ امْرَأَةٌ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ) (1) .

130 - الكَرْمَانِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَمِيْرَوَيْه *
شَيْخُ الحَنَفِيَّةِ، مُفْتِي خُرَاسَانَ، أَبُو الفَضْلِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَمِيْرَوَيْه بنِ مُحَمَّدٍ الكَرْمَانِيُّ.
تَفقَّه بِمَرْوَ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ القَاضِي، وَبَرَعَ، وَأَخَذَ عَنْهُ الأَصْحَاب، وَانتشرت تَلاَمِذته، وَبعد صِيْتُهُ.
وَرَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي الفَتْحِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَردشير الهِشَامِي.
سَمِعَ مِنْهُ السَّمْعَانِيّ، وَبَالَغَ فِي وَصْفِهِ، وَقَالَ (2) : وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَمَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة 543.
__________
(1) وأخرجه البغوي في ص 197 شرح السنة (1) من طريق القعنبي عن مالك وهو في " الموطأ " أيضا ص 341، برواية الامام محمد بن الحسن الشيباني، وفي هذا بيان خطأ الحافظ ابن حجر في " الفتح " و" التلخيص " في دعواه أنه ليس في " الموطأ " وهو في البخاري (1) و(54) و(2529) و(3898) و(5070) و(6689) و(6953)، ومسلم (1907) وأبو داود (2201) والترمذي (1647) وابن ماجه (2447) والنسائي 1 / 58 - 60.
(*) الأنساب 10 / 401، التحبير 1 / 405، 406، اللباب 3 / 93، الكامل 11 / 137، الجواهر المضية 2 / 388، 390، تاج التراجم: 33، طبقات المفسرين للسيوطي: 18، طبقات المفسرين للداوودي 1 / 281، 282، مفتاح السعادة 2 / 283، 284، الطبقات السنية رقم (1191)، طبقات المفسرين للادنه وي: ق 44 / 1، كشف الظنون: 96، 211، 345، الفوائد البهية: 91، 92، هدية العارفين 5 / 519، تاريخ بروكلمان 6 / 298، 299، (2) في " التحبير " 1 / 406.
(3) ذكر السمعاني في " الأنساب " وفاته بمرو سنة 544، وتابعه ابن الأثير في " اللباب ".
وقد ذكر صاحب " الجواهر المضية " 2 / 389 من تصانيفه " الجامع الكبير " وهو خطأ، بل له " شرح الجامع الكبير " لمحمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة، بعنوان " نكت الجامع الكبير " أو " إشارات الجامع الكبير "، وانظر نسخه الخطية في " تاريخ " بروكلمان 3 / 250 =

(20/206)


131 - الزَّيْنَبِيُّ أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الصَّدْرُ الأَكملُ، قَاضِي القُضَاةِ، أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ ابنُ نُورِ الهُدَى أَبِي طَالِبٍ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ، الزَّيْنَبِيُّ، البَغْدَادِيُّ، الحَنَفِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ، وَعَمّه؛ النَّقِيْب طِرَاد، وَابْن البَطِرِ، وَجَمَاعَة.
رَوَى عَنْهُ جَمَاعَة، آخرهُم: الفَتْح بن عَبْدِ السَّلاَمِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ غزِيْر الفَضْل، وَافر العَقْلِ، لَهُ وَقَار وَسُكُوْن وَرزَانَة وَثبَات، وَلِيَ قَضَاءَ العِرَاق سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ، قَرَأْت عَلَيْهِ جُزأَيْنِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ شَافِعٍ: كَانَ يَسْتَدعِي الشُّيُوْخ كَابْنِ الحُصَيْن وَابْن كَادش، فَيُقرَأُ لَهُ عَلَيْهِم، وَقَدْ سَارَ إِلَى المَوْصِل، وَلَمَّا خَلَعُوا الرَّاشد - وَكَانَ أَيْضاً بِالمَوْصِل - فَطَلبَ مِنَ الزَّيْنَبِيّ إِبطَال عَزله وَصحَة إِمَامته، فَامْتَنَعَ، فَنَاله (1) زِنْكِي بن آقْسُنْقُر بِشَيْءٍ مِنَ العَذَاب، وَأَرَادَ قَتلَه، فَدَفَعَ الله، وَسُجِنَ مديدَة، ثُمَّ عَادَ إِلَى بَغْدَادَ، وَتَمَكَّنَ.
قَالَ أَبُو شُجَاعٍ مُحَمَّد بن الدّهَان: قِيْلَ: إِنَّ الزَّيْنَبِيّ مُنْذُ وَلِيَ القَضَاءَ مَا
__________
= ومن مصنفاته أيضا " التجريد " في الفقه، وشرحه في ثلاث مجلدات، وسماه " الايضاح ".
انظر " مفتاح السعادة " 2 / 283 و" الفوائد البهية " 91، والنسخة الخطية في بروكلمان 6 / 299.
(*) المنتظم 10 / 135، 136، الكامل 11 / 146، تذكرة الحفاظ 4 / 1297، العبر 4 / 119، دول الإسلام 2 / 59، البداية والنهاية 12 / 225، الجواهر المضية 2 / 568، النجوم الزاهرة 5 / 282، الطبقات السنية رقم (1484)، شذرات الذهب 4 / 135.
والزينبي: نسبة إلى زينب بنت سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس.
قال السمعاني: وظني أنها زوجة إبراهيم الامام بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس.
(1) في الأصل زيادة لفظ " من " بعد " فناله ".

(20/207)


رَآهُ أَحَد إِلاَّ بِطَرحَةٍ (1) وَخُفٍّ حَتَّى زوجتُه، وَلَقَدْ دَخَلت عَلَيْهِ فِي مرض مَوْتِهِ وَهُوَ نَائِم بِالطَّرحَةِ.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (2) : كَانَ رَأْساً، مَا رَأَينَا وَزِيْراً وَلاَ صَاحِب منصب أَوقرَ مِنْهُ، وَلاَ أَحْسَنَ هَيْئَة وَسَمتاً، قلَّ أَنْ يُسْمَع مِنْهُ كلمَةٌ نَاقِصَّة، طَالت وِلاَيته، فَأَحكمه الزَّمَان، وَخدمَ الرَّاشد، وَنَاب فِي الوزَارَة لِلمُقْتَفِي، ثُمَّ إِنَّ المُقْتَفِي أَعرض عَنْهُ...
ثُمَّ ذَكَرَ أَشيَاء تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ فِي القَضَاءِ إِلاَّ الاسْم، فَمَرِضَ.
تُوُفِّيَ: يَوْم الأَضحَى، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

132 - أَبُو جَعْفَرَكَ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي جَعْفَرٍ البَيْهَقِيُّ *
العَلاَّمَةُ، المُفَسِّرُ، ذُو الفُنُوْنِ، أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي جَعْفَرٍ البَيْهَقِيُّ، عَالِمُ نَيْسَابُوْرَ، وَصَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، مِنْهَا (تَاجُ المَصَادِرِ) (3).
__________
(1) الطرحة: ضرب من الاكسية، تشبه الطيلسان، كان المدرسون يضعونها فوق العمامة. والطيلسان: شبه رداء يوضع على الكتفين والظهر.
انظر كتاب " معجم مفصل في أسماء الالبسة عند العرب " لدوزي 254 - 262، و" مشارق الانوار " 1 / 324، و" معجم متن اللغة " طرح وطلس.
(2) في " المنتظم " 10 / 153.
(*) معجم الأدباء 4 / 49 - 51، إنباه الرواة 1 / 89، 90، تذكرة الحفاظ 4 / 1306، الوافي بالوفيات 7 / 214، 215، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة: 188، طبقات المفسرين للسيوطي: 4، بغية الوعاة 1 / 346، طبقات المفسرين للداوودي 1 / 54، 55، كشف الظنون وفيه جعفرك 269، 1619، 2052، روضات الجنات: 71، هدية العارفين 1 / 84 وفيه جعفرك، تاريخ بروكلمان 5 / 239، وأبو جعفرك: هذه الكاف هي التصغير في الفارسية.
(3) قال في " كشف الظنون " 269: جمع فيه مصادر القرآن ومصادر الأحاديث وجردها عن الأمثال والاشعار، وأتبعها الافعال التي تكثر في دواوين العرب.
وقد طبع بالحجر في بومباي سنة 1301، 1302 ه.
ومن مصنفاته أيضا كتاب " ينابيع اللغة " جرد فيه " صحاح " اللغة من الشواهد، ضم إليه =

(20/208)


وَخَرَّجَ لَهُ تَلاَمِذَةٌ نُجبَاءُ.
وَكَانَ ذَا تَأَلُّهٍ وَعِبَادَةٍ، يُزَارُ وَيُتَبَرَّكُ بِهِ.
مَاتَ: فَجْأَةً، فِي آخِرِ رَمَضَان، سَنَةَ أَرْبَع وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

133 - الفَنْدَلاَوِيُّ أَبُو الحَجَّاجِ يُوْسُفُ بنُ دُوْنَاسَ المَغْرِبِيُّ *
الإِمَامُ، أَبُو الحَجَّاجِ يُوْسُفُ بنُ دُوْنَاسَ (1) المَغْرِبِيُّ، الفَنْدَلاَوِيُّ، المَالِكِيُّ، خَطيبُ بَانِيَاسَ، ثُمَّ مُدَرِّسُ المَالِكِيَّةِ بِدِمَشْقَ.
رَوَى (المُوَطَّأ) بِنُزولٍ.
رَوَى عَنْهُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَقَالَ: كَانَ حَسَنَ المُفَاكهَة، حُلو المحَاضِرَة، شَدِيد التَّعَصُّب لِمَذْهَب أَهْل السُّنَّةِ، كَرِيْماً، مُطَّرِحاً لِلتَّكَلُّفِ، قوِيّ القَلْب، سَمِعْتُ أَبَا تُرَاب بن قَيْسٍ يذكر أَنَّهُ كَانَ يَعتقد اعْتِقَاد الحَشَوِيَّةِ، وَيُبغض الفَنْدَلاَوِيّ لردِّه عَلَيْهِم، وَأَنَّهُ خَرَجَ إِلَى الحَجِّ، وَأُسِرَ، وَأُلقِي فِي جُبٍّ، وَغُطِّي بصخرَةٍ، وَبَقِيَ كَذَلِكَ مُدَّة يُلقِي إِلَيْهِ مَا يَأْكُل، وَأَنَّهُ أَحس لَيْلَة بِحسٍّ يَقُوْلُ: نَاولنِي يَدَكَ.
فَنَاوله، فَأَخْرَجَهُ.
قَالَ: فَإِذَا هُوَ الفَنْدَلاَوِيّ، فَقَالَ: تُب مِمَّا كُنْت عَلَيْهِ.
فَتَاب، وَكَانَ يَخطُبُ لَيْلَة الْخَتْم فِي رَمَضَانَ رَجُل
__________
= فوائد من " تهذيب اللغة " و" الشامل " لأبي منصور الجبان و" المقاييس " لابن فارس، فجاء في حجم " الصحاح ".
انظر " الوافي " 7 / 214، و" معجم الأدباء " 4 / 50.
ومنه نسخة خطية انظر " تاريخ " بروكلمان 5 / 239.
(*) تاريخ ابن القلانسي: 464، معجم البلدان 4 / 277، 278، اللباب 2 / 442، مرآة الزمان 8 / 121، العبر 4 / 120، البداية والنهاية 12 / 224 و225، النجوم الزاهرة 5 / 282، شذرات الذهب 4 / 136، والفندلاوي: ضبط في الأصل بفتح الفاء، وضبطه ابن الأثير بكسرها وتسكين النون وفتح الدال المهملة، نسبة إلى فندلاو: قال ياقوت: أظنه موضعا بالمغرب، وقد تصحفت في " شذرات الذهب " إلى القندلاوي، بالقاف.
(1) تحرف في " معجم البلدان " و" البداية " و" النجوم " إلى درناس، بالراء، وتصحف
في " الشذرات " إلى دوباس، بالباء الموحدة.

(20/209)


فِي حَلْقَة الفَنْدَلاَوِيّ وَعِنْدَهُ أَبُو الحَسَنِ بنُ المُسْلِمِ الفَقِيْه، فَرمَاهُم وَاحِد بِحَجَرٍ، فَلَمْ يُعرف.
فَقَالَ الفَنْدَلاَوِيّ: اللَّهُمَّ اقْطَعْ يَده.
فَمَا مَضَى إِلاَّ يَسير حَتَّى أُخِذَ خُضير مِنْ حَلْقَة الحَنَابِلَة، وَوُجِدَ فِي صُنْدُوْقه مفَاتيحُ كَثِيْرَة لِلسرقَة، فَأَمر شَمْسُ المُلُوْك بِقطع يَدَيْهِ، فَمَاتَ مِنْ قَطعِهِمَا.
قُتِلَ الفَنْدَلاَوِيّ وَزَاهِدُ دِمَشْق عَبْد الرَّحْمَنِ الحُلْحُوْلِي (1) يَوْم السَّبْت، فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، بِالنَّيربِ (2) ، فِي حَرْب الفِرَنْج وَمُنَازَلَتِهِم دِمَشْق (3) ، فَقُبِر الفَنْدَلاَوِيّ بِظَاهِر بَاب الصَّغِيْر، وَقُبِرَ الحلحُوْلِي بِالجبل - رَحِمَهُمَا الله -.

134 - الأَرَّجَانِيُّ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ *
الإِمَامُ الأَوْحَدُ، شَاعِرُ زَمَانِهِ، قَاضِي تُسْتَرَ (4) ، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ
__________
(1) تقدم ذكر مصادر ترجمته والتعريف بنسبته في نهاية حواشي الترجمة (115).
وقد تصحف في " البداية " 12 / 225 إلى " الجلجولي " بجيمين.
(2) النيرب: محلة تلي الربوة من جهة دمشق، وهي كلمة سريانية معناها الوادي، ولكن يراد بها سفح قاسيون مما يلي الربوة.
انظر كتاب " في رحاب دمشق " للشيخ محمد دهمان: 27 - 29.
(3) انظر تفصيل ذلك في " مرآة الزمان " 8 / 121، و" معجم البلدان " 4 / 277، 278، والبداية 12 / 224.
وللفندلاوي رسالة صغيرة طبعها الأستاذ جواد المرابط بعنوان: " فتوى الفندلاوي " فيها تنبيه إلى غايات الدين وتذكير ببعض الاحكام والمواعظ.
(*) الأنساب 1 / 174، المنتظم 10 / 139، 140، معجم البلدان 1 / 144، الكامل 11 / 147، وفيات الأعيان 1 / 151 - 155، المختصر 2 / 49، تذكرة الحفاظ 4 / 1306، دول الإسلام 2 / 60، العبر 4 / 121، تتمة المختصر 2 / 77، 78، الوافي بالوفيات 7 / 373 - 378، مرآة الجنان 3 / 281، البداية 12 / 226، 227، طبقات السبكي 6 / 52 - 57، طبقات الاسنوي 1 / 110 - 112، النجوم الزاهرة 5 / 285، معاهد التنصيص 3 / 41 - 46، شذرات الذهب 4 / 137، تاريخ بروكلمان 5 / 33، 34، (النسخة العربية).
(4) مدينة مشهورة بخوزستان.
" معجم البلدان " 2 / 29، و" وفيات الأعيان " 1 / 155.

(20/210)


مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ، نَاصِحُ الدِّيْنِ الأَرَّجَانِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
رَوَى (جُزءَ لُوَيْنٍ (1)) عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ مَاجَه (2) .
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الخَشَّاب، وَمنوجهر بنُ تُركَانشَاه، وَالمنشِئ يَحْيَى بن زِيَادَة، وَآخَرُوْنَ.
وَنَاب فِي القَضَاءِ بِعَسْكَر مُكْرَمٍ (3) .
وَالَّذِي دُوِّنَ مِنْ شِعْرِهِ لاَ يَكُوْن العُشر، وَقَدْ بلغَ فِي النَّظم الغَايَةَ، سقتُ مِنْهُ جُمْلَةً فِي (تَارِيخ الإِسْلاَم (4)).
مَاتَ: بِتُسْتَرَ، فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَأَرَّجَانُ: مُثَقَّلَة الرَّاء، قَيَّده صَاحِب (الصِّحَاح)، وَاسْتَعْمَلهَا المُتَنَبِّي مُخَفَّفَةً مُحرّكَة فِي شِعْرِهِ (5) ، وَهِيَ بُليدَةٌ مِنْ كُورِ الأَهواز.
عَاشَ: أَرْبَعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
__________
(1) هو الحافظ أبو جعفر محمد بن سليمان بن حبيب الأسدي، المتوفى سنة 246 ه، يعرف ب " لوين "، مرت ترجمته في الجزء الحادي عشر برقم (136).
(2) المتوفى سنة 481 ه، تفرد في الدنيا بجزء لوين، مرت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (302).
(3) بلد مشهور من نواحي خوزستان.
" معجم البلدان " 4 / 123 و" وفيات الأعيان " 1 / 155.
(4) و" ديوانه " جمعه ابنه، ومعظمه قصائد مدح طويلة في السلاجقة وعمالهم، وقد طبع في بيروت سنة 1307 ه بتصحيح أحمد عباس الازهري وسنة 1317 ه عبد الباسط الانسي.
وللديوان رواية مخطوطة انظر بروكلمان 5 / 34.
(5) في قوله: أرجان أيتها الجياد فإنه * عزمي الذي يذر الوشيج مكسرا أي: اقصدي أيتها الجياد أرجان، والوشيج: شجر الرماح، وهو من قصيدة يمدح بها أبا الفضل محمد بن العميد، ومطلعها: باد هواك صبرت أم لم تصبرا * وبكاك إن لم يجر دمعك أو جرى انظر " ديوان المتنبي " بشرح عبد الرحمن البرقوقي 2 / 264 - 280.

(20/211)


135 - الزِّيَادِيُّ أَبُو المَحَاسِنِ أَسَعْدُ بنُ عَلِيِّ بنِ المُوَفَّقِ *
الرَّئِيْسُ، المُسْنِدُ، أَبُو المَحَاسِنِ أَسَعْدُ بنُ عَلِيِّ بنِ المُوَفَّقِ الزِّيَادِيُّ، الهَرَوِيُّ، الحَنَفِيُّ، العَابِدُ، نَزِيْلُ قَرْيَةِ مَالِيْنَ (1) .
سَمِعَ مِنَ الدَّاوُوْدِيّ (2) (صَحِيْح البُخَارِيِّ)، وَالدَّارِمِيِّ، وَعَبْدِ بنِ حُمَيْدٍ.
رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ (3) ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الفَامِيُّ، وَعَبْدُ الجَامِع بنُ عَلِيٍّ خَخَّةُ، وَأَبُو رَوْحٍ، وَآخَرُوْنَ.
ذَكَرَ السَّمْعَانِيُّ: أَنَّهُ ثِقَة، صَالِح، عَابِد، دَائِم الأَورَادِ، مُسْتغرقُ الأَوقَاتِ، يَسردُ الصَّوْمَِ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ خَمْس وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.

136 - القَاضِي عِيَاضٌ بنُ مُوْسَى بنِ عِيَاضٍ اليَحْصَبِيُّ **
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ الأَوْحَدُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، القَاضِي، أَبُو الفَضْلِ
__________
(*) العبر 4 / 121، مرآة الجنان 3 / 282، الجواهر المضية 1 / 385، الطبقات السنية رقم (471)، شذرات الذهب 4 / 138.
(1) على فرسخين من هراة. " معجم البلدان " 5 / 44.
(2) المتوفى سنة 467 ه، مرت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (108).
(3) انظر " مشيخة " ابن عساكر: ق 26 / 1.
(* *) قلائد العقيان: 222، الصلة 2 / 453، 454، الخريدة في 12 / 173 - 175، بغية الملتمس رقم (1269)، إنباه الرواة 2 / 363، 364، التكملة لابن الابار: 694، معجم ابن الابار: 306 - 310، تهذيب الأسماء واللغات 2 / 43، 44، وفيات الأعيان 3 / 483 - 485، المختصر 3 / 22، تاريخ الإسلام: وفيات 544، دول الإسلام 2 / 61، العبر 4 / 122، 123، تذكرة الحفاظ 4 / 1304 - 1307، معجم الوادي آشي: 211 - 214، تتمة المختصر 2 / 78، البداية والنهاية 12 / 225، الاحاطة في أخبار غرناطة 4 / 222 - 230، المرقبة العليا للنباهي: 101، الديباج المذهب 2 / 46 - 51، طبقات ابن قنفذ: 280، النجوم =

(20/212)


عِيَاضُ بنُ مُوْسَى بنِ عِيَاضِ بنِ عَمْرِو (1) بنِ مُوْسَى بنِ عِيَاضٍ اليَحْصَبيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، ثُمَّ السَّبْتِيُّ، المَالِكِيُّ.
وُلِدَ: فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
تَحَوَّل جَدّهُم (2) مِنَ الأَنْدَلُس إِلَى فَاس، ثُمَّ سَكَنَ سَبْتَة.
لَمْ يَحمل القَاضِي العِلْم فِي الحدَاثَة، وَأَوّل شَيْء أَخَذَ عَنِ الحَافِظ أَبِي عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ إِجَازَة مُجرَّدَة، وَكَانَ يُمكِنُه السَّمَاعُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ لحق مِنْ حَيَاته اثْنَيْنِ وَعِشْرِيْنَ عَاماً.
رَحل إِلَى الأَنْدَلُسِ سَنَة بِضْع وَخَمْس مائَة، وَرَوَى عَنِ القَاضِي أَبِي عَلِيٍّ بنِ سُكَّرَةَ الصَّدَفِيّ وَلاَزمه، وَعَنْ أَبِي بَحْر بن العَاصِ، وَمُحَمَّد بن حَمْدِينَ، وَأَبِي الحُسَيْنِ سرَاج الصَّغِيْر، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ عَتَّابٍ، وَهِشَامِ بنِ أَحْمَدَ، وَعِدَّةٍ (3) .
__________
= الزاهرة 5 / 285، طبقات الحفاظ للسيوطي: 480، مفتاح السعادة 2 / 149، جذوة الاقتباس: 277، أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض للمقري، نفح الطيب 7 / 333 - 335، كشف الظنون 127، 158، 248، 395، 577، 1052، 1186، 1211، 1779، 1961، شذرات الذهب 4 / 138، 139، تاج العروس 1 / 216 (حصب)، أجلى المساند: 31، روضات الجنات 506، 507، هدية العارفين 1 / 805، إيضاح المكنون 2 / 243، 244، سلوة الانفاس 1 / 51، فهرس الفهارس 2 / 183 - 189، معجم المطبوعات: 1397، شجرة النور الزكية 1 / 140، 141، الفهرس التمهيدي: 386، تاريخ الفكر الأندلسي: 283، تاريخ بروكلمان 6 / 266 - 275 (النسخة العربية).
(1) كذا في الأصل، ومثله في " تذكرة الحفاظ " و" معجم " ابن الابار و" وفيات الأعيان "، وفي ترجمة القاضي عياض لابنه محمد: " عمرون " ومثله في " الديباج المذهب ".
(2) أي " عمرون " كما ذكر محمد ابن القاضي عياض. انظر تفصيل ذلك في مقدمة الالماع " للسيد أحمد صقر ص 3.
(3) انظر كتابه " الغنية " في فهرست شيوخه، وهو مطبوع بتحقيق الدكتور محمد بن عبد الكريم، نشر الدار العربية للكتاب في تونس سنة 1979 م.

(20/213)


وَتَفَقَّهَ بِأَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى التَّمِيْمِيِّ، وَالقَاضِي مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ المَسِيْلِيِّ.
وَاستبحر مِنَ العُلُوْم، وَجَمَعَ، وَأَلَّفَ، وَسَارَتْ بِتَصَانِيْفِهِ الرُّكبَانُ، وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ فِي الآفَاق.
قَالَ خَلَفُ بنُ بَشْكُوَال (1) : هُوَ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ وَالتفنن وَالذّكَاء وَالفَهْمِ، اسْتُقضِي بِسَبْتَةَ مُدَّة طَوِيْلَة، حُمدت سيرتُه فِيْهَا، ثُمَّ نُقِلَ عَنْهَا إِلَى قَضَاء غَرْنَاطَةَ، فَلَمْ يُطَوِّلْ بِهَا، وَقَدِمَ عَلَيْنَا قُرْطُبَة، فَأَخذنَا عَنْهُ.
وَقَالَ الفَقِيْه مُحَمَّد بن حَمَّاده السَّبْتِيُّ: جلس القَاضِي لِلمُنَاظَرَةِ وَلَهُ نَحْوٌ مِنْ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَوَلِيَ القَضَاءَ وَلَهُ خَمْس وَثَلاَثُوْنَ سَنَةً، كَانَ هَيِّناً مِنْ غَيْرِ ضَعفٍ، صَلِيْباً فِي الحَقِّ، تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ التَّمِيْمِيِّ، وَصَحِبَ أَبَا إِسْحَاقَ بنَ جَعْفَرٍ الفَقِيْه، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ بِسَبْتَةَ فِي عصرٍ أَكْثَرَ تَوَالِيفَ مِنْ تَوَالِيْفِهِ، لَهُ كِتَاب (الشفَا فِي شرف المُصْطَفَى) مُجَلَّد (2) ، وَكِتَاب (تَرْتِيْب المدَارك وَتَقْرِيْب المسَالك فِي ذكرِ فُقَهَاء مَذْهَب مَالِك) فِي مُجَلَّدَات (3) ، وَكِتَاب (العقيدَة)، وَكِتَاب (شرح حَدِيْث أُمِّ زرع (4))، وَكِتَاب (جَامِع
__________
(1) في " الصلة " 2 / 453.
(2) وهو مطبوع عدة مرات، آخرها التي بتحقيق الأستاذ جمال السيروان وصحبه سنة 1972 م نشر مكتبة الفارابي، وقد شغف العلماء بهذا الكتاب، فوضعوا له الشروح والحواشي، وخرجوا أحاديثه، وحرروا ألفاظه.
انظر ذلك في " كشف الظنون " 2 / 1052 - 1055، وانظر ما طبع منها والنسخ الخطية لما لم يطبع في " تاريخ " بروكلمان 6 / 269 - 273.
(3) وهو مطبوع بتحقيق الدكتور أحمد بكير محمود، نشر دار مكتبة الفكر في ليبيا ودار مكتبة الحياة في بيروت سنة 1965 م.
(4) واسمه " بغية الرائد فيما في حديث أم زرع من الفوائد " ذكر فيه طرق الحديث وما يتعلق بها، ثم ذكر على طريق الاجمال فيه من العربية والفقه والغريب، ثم ذكر ما اشتمل عليه من ضروب الفصاحة وفنون البلاغة والابواب الملقبة بالبديع في هذه الصناعة.
ويعد هذا الشرح من =

(20/214)


التَّارِيْخ) الَّذِي أَربَى عَلَى جَمِيْع المُؤلفَات، جَمعَ فِيْهِ أَخْبَار مُلُوْك الأَنْدَلُس وَالمَغْرِب، وَاسْتَوْعَبَ فِيْهِ أَخْبَار سَبتَةَ وَعُلَمَاءهَا، وَلَهُ كِتَاب (مشَارقِ الأَنوَار فِي اقتفَاء صَحِيْح الآثَارِ (1)): (المُوَطَّأ) وَ(الصَّحِيْحَيْنِ)...
إِلَى أَنْ قَالَ: وَحَاز مِنَ الرِّئَاسَة فِي بلدِه وَالرّفعَة مَا لَمْ يَصل إِلَيْهِ أَحَد قَطُّ مِنْ أَهْلِ بَلَده، وَمَا زَاده ذَلِكَ إِلاَّ تَوَاضعاً وَخَشْيَة للهِ -تَعَالَى- وَلَهُ مِنَ المُؤلفَات الصّغَار أَشيَاءُ لَمْ نَذكرهَا (2) .
قَالَ القَاضِي شَمْس الدِّيْنِ فِي (وَفِيَات الأَعيَان (3)): هُوَ إِمَام الحَدِيْث فِي وَقْتِهِ، وَأَعْرفُ النَّاس بِعُلُوْمِهِ، وَبِالنَّحْوِ، وَاللُّغَةِ، وَكَلاَمِ العَرَبِ، وَأَيَّامهِم، وَأَنسَابِهِم.
قَالَ: وَمِنْ تَصَانِيْفِهِ كِتَابُ (الإِكمَالِ فِي شَرحِ صَحِيْحِ مُسْلِمٍ (4)) كَمَّل بِهِ كِتَاب (المُعْلَم) لِلمَازَرِي، وَكِتَاب (مشَارق الأَنوَار) فِي تَفْسِيْر غَرِيْب الحَدِيْث، وَكِتَاب (التَّنبيهَات) فِيْهِ فَوَائِد وَغَرَائِب، وَكُلّ تَوَالِيْفِهِ بَدِيْعَة (5) ، وَلَهُ شعر حسن.
__________
= أعظم كتب البلاغة التطبيقية في الكتب العربية، وهو أجمع الشروح وأوسعها كما قال ابن حجر.
وقد طبع في المغرب سنة 1975 م بتحقيق صلاح الدين الادلبي ومحمد الشرقاوي ومحمد الحسن أجانف.
(1) في تفسير غريب الحديث وضبط ألفاظه، رتب فيه الكلمات على ترتيب حروف المعجم المعروف بالمغرب بحسب حرفها الأول ثم الثاني ثم الثالث، وهو مطبوع في جزأين ضمن مجلد واحد سنة 1333 ه، نشر المكتبة العتيقة ودار التراث بعنوان " مشارق الانوار على صحاح الآثار "، وقد اختصره ابن قرقول المتوفى سنة 569 وسماه " مطالع الانوار على صحاح الآثار " انظر " كشف الظنون " 2 / 1687 و1715.
(2) انظر " هدية العارفين " 1 / 805، و" شجرة النور " 1 / 141.
(3) / 483.
(4) تقدم في حواشي ترجمة المازري رقم (64) أن الابي ضمن هذا الشرح في كتابه " إكمال اكمال المعلم " فانظر ثم.
(5) طبع منها بالاضافة إلى ما ذكر كتاب " الالماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع " =

(20/215)


قُلْتُ: تَوَالِيفه نَفِيْسَة، وَأَجَلهَا وَأَشرفهَا كِتَاب (الشفَا) لَوْلاَ مَا قَدْ حشَاه بِالأَحَادِيْث المفتعلَة، عَمَلَ إِمَامٍ لاَ نَقد لَهُ فِي فَن الحَدِيْث وَلاَ ذَوْق، وَاللهُ يُثيبه عَلَى حسن قصدهِ، وَيَنْفَع بِـ (شِفَائِهِ) وَقَدْ فَعَلَ، وَكَذَا فِيْهِ مِنَ التَّأْوِيْلاَت البعيدَة أَلوَان، وَنبينَا - صَلَوَاتُ اللهُ عَلَيْهِ وَسلاَمه - غنِيٌّ بِمدحَة التنزِيل عَنِ الأَحَادِيْث، وَبِمَا تَوَاتر مِنَ الأَخْبَار عَنِ الآحَاد، وَبِالآحَاد النّظيفَة الأَسَانِيْد عَنِ الوَاهيَات، فَلِمَاذَا يَا قَوْم نَتشبع بِالمَوْضُوْعَات؟ فَيتطرق إِلَيْنَا مَقَالُ ذَوِي الْغل وَالحسد، وَلَكِن مَنْ لاَ يَعلم مَعْذُور، فَعَلَيْك يَا أَخِي بِكِتَاب (دَلاَئِل النُّبُوَّة) لِلْبَيْهَقِيّ، فَإِنَّهُ شفَاء لمَا فِي الصُّدُوْر وَهدَى وَنور (1) .
وَقَدْ حَدَّثَ عَنِ القَاضِي خلق مِنَ العُلَمَاءِ، مِنْهُم: الإِمَام عَبْد اللهِ بن مُحَمَّدٍ الأَشِيْرِيّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ بنُ القَصِيْر الغَرْنَاطِي، وَالحَافِظ خَلَف بن بَشْكُوَال، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ عُبَيْدِ اللهِ الحَجْرِيّ، وَمُحَمَّد بن الحَسَنِ الجَابِرِي، وَوَلَده القَاضِي مُحَمَّد بن عِيَاضٍ قَاضِي دَانِيَة.
وَمِنْ شِعْرِهِ:
انْظُر إِلَى الزَّرْع وَخَامَاته ... تَحكِي وَقَدْ مَاست (2) أَمَام الرِّيَاحْ
كتيبَةً خَضْرَاءَ مهزومَة ... شقَائِقُ النُّعْمَان فِيْهَا جرَاحْ (3)
__________
= بتحقيق السيد صقر، نشر دار التراث في القاهرة والمكتبة العتيقة بتونس، وكتاب " الاعلام بحدود قواعد الإسلام " بتحقيق محمد بن تاويت الطنجي، نشر المطبعة الملكية في الرباط.
وانظر النسخ الخطية لبعض مصنفاته في " تاريخ " بروكلمان 6 / 274، 275.
(1) وهو أيضا كسابقه فيه أحاديث واهية، وعذره فيها أنه ساقها بأسانيدها.
(2) في " النجوم الزاهرة ": هبت.
(3) البيتان في " وفيات الأعيان " 3 / 484، و" تذكرة الحفاظ " 4 / 1306، و" الديباج المذهب " 2 / 50، 51، و" النجوم الزاهرة " 5 / 286، و" شذرات الذهب " 4 / 134.

(20/216)


قَالَ القَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ (1) : شُيُوْخ القَاضِي يُقَاربُوْنَ المائَة (2) ، تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فِي رَمَضَانهَا - وَقِيْلَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ مِنْهَا - بِمَرَّاكُشَ، وَمَاتَ ابْنه فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ بَشْكُوَال (3) : تُوُفِّيَ القَاضِي مُغَرَّباً عَنْ وَطَنه، فِي وَسط سَنَةِ أَرْبَعٍ.
وَقَالَ وَلده القَاضِي مُحَمَّد: تُوُفِّيَ فِي لَيْلَة الجُمُعَة، نِصْف اللَّيْلَة التَّاسعَة مِنْ جُمَادَى الآخِرَة، وَدُفِنَ بِمَرَّاكُش، سَنَةَ أَرْبَعٍ (4) .
قُلْتُ: بَلَغَنِي أَنَّهُ قُتل بِالرمَاح، لِكَوْنِهِ أَنْكَر عِصْمَة ابْن تُوْمَرْت.
وَفِيْهَا مَاتَ: شَاعِر زَمَانِهِ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنٍ الأَرَّجَانِيّ (5) قَاضِي تُسْتَر، وَالعَلاَّمَة المُصَنِّف أَبُو جعفَرَكَ أَحْمَد بن عَلِيِّ بنِ
__________
(1) في " وفيات الأعيان " 3 / 485.
(2) انظر تراجمهم في كتابه " الغنية ".
(3) في " الصلة " 2 / 454.
(4) أي: وخمس مئة " التعريف بالقاضي عياض " ص 13 بتحقيق د.
محمد بن شريفة طبع المغرب سنة 1982 م وجاء في حاشية الأصل بخط مغاير ما نصه: أخبرني الشيخ الامام أبو عمرو بن حماج أن قبر القاضي عياض بناحية باب أغمات من مراكش بإزاء كنيسة كانت هناك، وكان لا يعرف لدروسه واستيلاء النصارى على مدفنه وما حوله حين أباحه لهم بعض الملوك، وأن في سنة اثنتي عشرة وسبع مئة أو قبلها أو بعدها بقليل أراد الله تعالى إظهار قبره، فغضب أبو يعقوب المريني على نصارى مراكش، وأباح أموالهم للمسلمين، فنهبت ديارهم، وتخيلوا أن النصارى يدفنون الحلي التي لهم مع موتاهم، فحملهم ذلك على نبش القبور التي حول الكنيسة، فبيناهم كذلك إذ ظهرت علامة قبر القاضي وتاريخه، ففرح الفقهاء بذلك، وأمر القاضي أبو إسحاق بن الصباغ بتسوية ما حول القبر وإشهاره وإظهاره، وبنى عليه قبة عظيمة ذات أربعة أوجه، وألزم الفقهاء بالتردد إلى هناك لتلاوة القرآن ليشتهر القبر.
قال لي أبو عمرو: أنا جئت إلى القبة المذكورة، ودعوت الله تعالى، فاستجاب لي.
والله أعلم.
(5) تقدمت ترجمته برقم (134).

(20/217)


أَبِي جَعْفَرٍ البَيْهَقِيّ (1) ، وَالمُسْنِدُ بِهَرَاةَ أَبُو المَحَاسِنِ أَسَعْد (2) بن عَلِيِّ بنِ المُوَفَّق، وَمُحَدِّث حلب أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ سُلَيْمَانَ المُرَادِيّ القُرْطُبِيّ (3) .
أَخْبَرَنَا القَاضِي مُعِيْن الدِّيْنِ عَلِيّ بن أَبِي العَبَّاسِ المَالِكِيّ بِالإِسْكَنْدَرِيَّة، قَالَ:
قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بن الجِرْجِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الحَافِظ، وَأَخْبَرَنِي أَبُو القَاسِمِ مُحَمَّدُ بنُ عِمْرَانَ الحَضْرَمِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الغَافِقِيّ غَيْرَ مَرَّةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَزْدِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَطِيَّةَ الجَابِرِي، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا عيَاض بن مُوْسَى القَاضِي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى التَّمِيْمِيّ، وَهِشَام بن أَحْمَدَ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ النَّمِرِيّ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ المُؤْمِنِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ التَّمَّار، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ حَيْوَة، وَابْنِ لَهِيْعَةَ، وَسَعِيْدِ بن أَبِي أَيُّوْبَ، عَنْ كعبِ بن عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو:
سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (إِذَا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ، فَقُوْلُوا مَا يَقُوْلُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَشْراً، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الوَسِيْلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الجَنَّةِ لاَ تَنَبْغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُوْنَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ اللهَ لِيَ الوَسِيْلَةَ، حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ). رَوَاهُ: مُسْلِمٌ (4) .
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (132).
(2) تقدمت ترجمته برقم (135)، وفي الأصل " سعد " والمثبت من الترجمة المتقدمة.
(3) تقدمت ترجمته برقم (122).
(4) برقم (384) وأخرجه أبو داود (523) والترمذي (3614) والنسائي 2 / 25، وأبو عوانة 1 / 337، وأحمد 2 / 168، والطحاوي 1 / 143، وابن السني (91)، والبيهقي 1 / 409.

(20/218)


وَمِنْ سُلاَلَتِهِ العَلاَّمَةُ:

137 - أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عِيَاضٍ
ابْنِ القَاضِي عِيَاضِ بنِ مُوْسَى اليَحْصَبيُّ، السَّبْتِيُّ، النَّحْوِيُّ.
قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ (1) : وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَأَخَذَ عَنْ أَيُّوْبَ بنِ عَبْدِ اللهِ الفِهْرِيِّ، وَأَخَذَ بِالجَزِيْرَةِ الخَضْرَاءِ كِتَابَ سِيْبَوَيْه تَفَقُّهاً عَنْ أَبِي القَاسِمِ عَبْد الرَّحْمَنِ بن عَلِيٍّ النَّحْوِيّ، وَأَخَذَ بِهَا (الإِيضَاح) لأَبِي عَلِيٍّ الفَارِسِيّ، عَنْ أَبِي الحَجَّاج بن مَعزُوز (2) ، وَأَجَازَ لَهُ مِنْ أَصْبَهَان أَبُو جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيّ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ، وَوَلِيَ قَضَاءَ الجَمَاعَة بغَرْنَاطَة إِلَى أَنْ مَاتَ.
وَكَانَ مِنْ سرَاة القُضَاة، وَأَهْل النزَاهَة، شَدِيد التّحرِي، صَابراً عَلَى الضَعِيْف، شدِيداً عَلَى أَهْلِ الجَاهِ، فَاضِلاً، وَقُوْراً، يُعرب كَلاَمه دَائِماً، وَكَانَ يُكرم الطلبَة، وَأَجَازَ لَهُ أَيْضاً مِنْ دِمَشْقَ الخُشُوْعِيّ (3) .
أَجَازَ لِي، وَمَاتَ فِي جُمَادَى الأُخْرَى، سَنَة خَمْسٍ (4) وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ- وَتُوُفِّيَ أَبُوْهُ عيَاض (5) الفَقِيْه فِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، بِمَالَقَة.
__________
(*) الوافي بالوفيات 4 / 294، الاحاطة في أخبار غرناطة 2 / 226 - 229، الديباج المذهب 2 / 266، 267.
(1) انظر " الاحاطة في أخبار غرناطة " 2 / 227 - 229.
(2) بزايين كما في الأصل و" الديباج المذهب "، وفي " الاحاطة " 2 / 228: " مغرور " بالغين المعجمة وراءين.
(3) أبو طاهر بركات بن إبراهيم الدمشقي المتوفى سنة 598 ه، ستأتي ترجمته في الجزء الحادي والعشرين برقم (186).
(4) في " الاحاطة ": سنة أربع.
(5) مترجم في " شجرة النور " 1 / 179.

(20/219)


138 - ابْنُ الدَّبَّاغِ يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ يُوْسُفَ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُتْقِن الأَوْحَدُ، أَبُو الوَلِيْدِ يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ يُوْسُفَ بنِ عُمَرَ (1) بنِ فِيْرُّه (2) اللَّخْمِيُّ، الأُنْدِيُّ (3) ، المَالِكِيُّ، نَزِيْلُ مُرْسِيَةَ.
أَكْثَر عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الصَّدَفِيّ وَلاَزمه، وَسَمِعَ (المُوَطَّأَ) مِنْ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ الخَوْلاَنِيّ، وَأَخَذَ أَيْضاً عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ عتَاب، وَطَائِفَة.
وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ بَشْكُوَال، وَأَبُو عَبْدِ المَلِكِ مَرْوَان بن عَبْدِ العَزِيْزِ الوَزِيْر، وَأَحْمَد بن أَبِي المُطَرِّفِ البَلَنْسِيّ، وَأَحْمَد بن سَلَمَةَ اللُّوْرَقِي، وَمُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ هُذَيْل، وَآخَرُوْنَ.
رَأَيْت (برنَامَجَه)، وَقَدْ سَمِعَ كتباً كِبَاراً، وَلَهُ تَأْلِيْف صَغِيْر فِي تسمِيَة الحُفَّاظ.
قَالَ ابْنُ بَشْكُوَال (4) : كَانَ مِنْ أَنبل أَصْحَابنَا، وَأعرفهِم بِطرِيقَة الحَدِيْث وَأَسْمَاء الرِّجَال وَأَزْمَانِهِم وَثِقَاتِهِم وَضُعفَائِهِم وَأَعمَارهِم وَآثَارهِم، وَمِنْ أَهْلِ العنَايَة الكَامِلَة بِتَقْيِيد العِلْم، وَشُوور فِي الأَحكَام بِبلده، ثُمَّ خطبَ
__________
(*) الصلة 2 / 682، 683، بغية الملتمس: 491، 492، معجم البلدان 1 / 264، الاستدراك لابن نقطة: باب الاندي والابدي، تاريخ الإسلام (وفيات 546)، العبر 4 / 126، تذكرة الحفاظ 4 / 1310 - 1312، النجوم الزاهرة 5 / 302، طبقات الحفاظ: 485، شذرات الذهب 4 / 142، هدية العارفين 2 / 552، فهرس الفهارس 1 / 308.
(1) قال المؤلف في " التذكرة ": وقيل: إبراهيم بدل عمر. وورد اسمه في " معجم البلدان ": يوسف بن عبد العزيز بن إبراهيم الاندي.
(2) بكسر الفاء وسكون الياء وضم الراء المشددة آخره هاء. انظر " المشتبه " 2 / 514.
(3) نسبة إلى أندة بالضم ثم السكون، وهي مدينة من أعمال بلنسية بالاندلس.
(4) في " الصلة " 2 / 682.

(20/220)


بِهِ وَقتاً، قَالَ لِي: مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَمِنْ مَشَايِخه: خَلَف بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ النَّخَّاس، وَعَبْد القَادِر الصَّدَفِيّ.
قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: هُوَ أَحَدُ الأَئِمَّةِ المهرَة المُتْقِنِيْنَ، وَمِنْ جهَابذَة النقَاد، اعْتَمدهُ النَّاس فِيمَا قَيَّده، وَكَانَ سَمحاً، مُؤثراً عَلَى قلّةِ ذَات يَده، نَزِهَ النَّفْس، وَلِي خطَابَة مُرْسِيَة، ثُمَّ قَضَاء دَانِيَة (1) .
قُلْتُ: أَنْبَأَنَا بِـ (المُوَطَّأ) أَحْمَد بن سَلاَمَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ القُرْطُبِيّ، بِسَمَاعِه مِنْهُ.

139 - البَيِّعُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَلِيٍّ الزُّهْرِيُّ *
الشَّيْخُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ الزُّهْرِيُّ، الوَقَّاصِيُّ، الدِّيْنَوَرِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، المَرَاتِبِيُّ، البَيِّعُ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَأَبَا نَصْرٍ الزَّيْنَبِيّ، وَعَاصِمَ بنَ الحَسَنِ، وَرِزْقَ اللهِ التَّمِيْمِيَّ.
وَعَنْهُ: ابْنُ أَخِيْهِ؛ مُحَمَّد بن هِبَةِ اللهِ مِنْ (مَشْيَخَةِ الأَبَرْقُوْهِيّ) شَيْخنَا.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ مِنْ أَوْلاَد المَيَاسير، وَكَانَ شَيْخاً متودداً، كيساً، مَطْبُوْعاً، غَيْر أَنَّهُ يَلعب بِالحَمَّامِ.
قَالَ لِي: إِنَّهُ وُلِدَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
__________
(1) انظر " تذكرة الحفاظ " 4 / 1310.
(*) العبر 4 / 124، النجوم الزاهرة 5 / 300، شذرات الذهب 4 / 140.

(20/221)


مَاتَ: فِي الثَّالِث وَالعِشْرِيْنَ مِنَ المُحَرَّم، سَنَة خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْن بن عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ النَّيْسَابُوْرِيّ الشَّحَّامِيّ (1) - مُكْثِرٌ سَمِعَ مِنِ ابْنِ المُحِبّ - وَأَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ بنِ رِضَى خطيب قُرْطُبَة، وَأَبُو مُحَمَّدٍ المُبَارَك بن أَحْمَدَ بنِ بركَة الكِنْدِيّ الخَبَّاز (2) ، وَأَبُو البَرَكَاتِ مَحْفُوْظ بن الحَسَنِ بنِ صَصْرَى التَّغْلِبِيّ عَنْ ثَمَانِيْنَ سَنَةً.

140 - ابْنُ عَبْدَانَ الخَضِرُ بنُ حُسَيْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَزْدِيُّ *
الشَّيْخُ، أَبُو القَاسِمِ الخَضِرُ بنُ حُسَيْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ عُبَيْدِ (3) اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدَانَ الأَزْدِيّ، الدِّمَشْقِيّ، الصَّفَّار.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَأَبَا القَاسِمِ بنَ أَبِي العَلاَءِ، وَسَهْل بن بِشْرٍ، وَالفَقِيْه نَصْر بن إِبْرَاهِيْمَ، وَالحَسَن بن أَبِي الحَدِيْد، وَلَهُ إِجَازَة مِنْ عَبْدِ العَزِيْزِ الكَتَّانِيّ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَابْنه القَاسِم، وَأَبُو المَحَاسِنِ بن أَبِي لُقْمَةَ، وَغَيْرهُم.
مَاتَ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

141 - مُوَفَّقٌ أَبُو السَّدَادِ الحَبَشِيُّ **
الخَادِم، الأُسْتَاذ، أَبُو السَّدَادِ الحَبَشِيُّ، مَوْلَى الوَزِيْرِ نِظَامِ المُلْكِ.
__________
(1) سترد ترجمته برقم (142).
(2) انظر " النجوم الزاهرة " 5 / 300 وقد تصحف فيه إلى " الحبار " بالحاء المهملة والراء.
(*) تهذيب تاريخ دمشق لبدران 5 / 164.
(3) في " تهذيب " ابن عساكر: " عبد ".
(* *) لم نقف على مصدر ترجمه.

(20/222)


سَمِعَ: أَبَا نَصْرٍ الزَّيْنَبِيّ، وَالقَاضِي الخِلَعِيَّ بِمِصْرَ، وَقرَّرَ بِرِباطِ الزَّوْزَنِيّ.
رَوَى عَنْهُ: السِّلَفِيّ - وَأَثْنَى عَلَيْهِ - وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الخَشَّاب.
بَقِيَ إِلَى سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

142 - الشَّحَّامِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ *
الرَّئِيْس الأَوْحَدُ، أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ (1) بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الشَّحَّامِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ.
كَانَ يَخدُمُ الخَاتُوْنَ.
وَكَانَ سَمِعَ الكَثِيْر مِنَ الفَضْل بن المُحِبِّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ خَلَفٍ، وَالصرَام، وَمُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْلَ التفليسِي.
رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيّ، وَابْنه عَبْد الرَّحِيْمِ.
تُوُفِّيَ: لَيْلَة نِصْف شَعْبَان، سَنَة خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

143 - الرَّفَّاءُ أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ مُنِيْرِ بنِ أَحْمَدَ **
شَاعِرُ الشَّامِ، أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ مُنَيْرِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُفلحٍ
__________
(*) العبر 4 / 123، 124، شذرات الذهب 4 / 139، 140.
(1) في " العبر ": الحسن.
(* *) الخريدة (قسم الشام) 1 / 76 - 95، مرآة الزمان 8 / 132، 133، الروضتين 1 / 91، وفيات الأعيان 1 / 156 - 160، الاعلاق الخطيرة 343 - 344، تذكرة الحفاظ 4 / 1313، العبر 4 / 130، تتمة المختصر 2 / 85، الوافي بالوفيات 8 / 193 - 197، مرآة الجنان: 3 / 287، البداية 12 / 231، النجوم الزاهرة 5 / 299 (وفيات سنة 545)، كشف الظنون: 769، شذرات الذهب 4 / 146، 147، روضات الجنات: 72، 73، تهذيب تاريخ دمشق لبدران 2 / 100 - 102، أعيان الشيعة 10 / 228 - 248، تاريخ بروكلمان 5 / 47، =

(20/223)


الأَطَرَابُلُسِيُّ، الرّفَّاءُ، صَاحِبُ (الدِّيْوَانِ) المَشْهُوْرِ (1) .
لَهُ نَظْمٌ بَدِيْع.
وَكَانَ يُلَقَّبُ: بِمُهذَّب الدِّيْنِ، وَيُقَالُ لَهُ: عين الزَّمَان.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ (2) : رَأَيْتهُ مَرَّات، وَكَانَ رَافِضِيّاً، خَبِيْث الهَجْو وَالفحش، سجنه بُورِي مُدَّة، وَهَمَّ بِقطع لِسَانه، ثُمَّ تسْحَب، فَلَمَّا وَلِي شَمْس المُلُوْك (3) ، عَادَ إِلَى دِمَشْقَ، فَبَلَغَ شَمْس المُلُوْك عَنْهُ أَمر، وَأَرَادَ صلبه، فَاخْتَفَى، وَهَرَبَ، ثُمَّ قَدِمَ فِي صُحْبَة الْملك نُوْر الدِّيْنِ، وَتُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَة ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ (4) وَخَمْسِ مائَةٍ، بِحَلَبَ.
وَكَانَ هُوَ وَالقَيْسَرَانِيّ كفرسَيْ رهَانٍ، لَكِنَّ القَيْسَرَانِيّ سُنِّيٌّ دَيِّنٌ.

144 - القَيْسَرَانِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ نَصْرِ بنِ صَغِيْرٍ *
سَيِّدُ الشُّعَرَاءِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ نَصْرِ بنِ صَغِيْرِ بنِ خَالِدٍ القَيْسَرَانِيُّ.
__________
= 48. وانظر كتاب " شعر الجهاد في الحروب الصليبية في بلاد الشام " للدكتور محمد علي الهرفي: 255 - 288.
(1) ومنه القصيدة التترية، وهي عبارة عن (91) بيتا في عبده تتر، أرسله بهدايا إلى الشريف الموسوي، فأبقاه عنده، وهي مذكورة في " ثمرات الأوراق " لابن حجة الحموي على هامش " محاضرات الأدباء " طبعة القاهرة 1 / 287، 329 - 335، وفي " تزيين الاسواق " لداود الانطاكي ص 347.
وله قصيدة في " مجموع مزدوجات " مطبوعة في القاهرة 1299 ه طبعة حجر.
وله شعر كثير في " الروضتين " وفي " الخريدة " (قسم الشام).
(2) انظر " تهذيب تاريخ دمشق " لبدران 2 / 100، 101.
(3) إسماعيل بن تاج الملوك بوري، مترجم بعد أبيه في الجزء التاسع عشر برقم (329).
(4) أورده في " النجوم الزاهرة " في وفيات سنة 545.
(*) ذيل ابن القلانسي: 322، الأنساب 10 / 291، التحبير 2 / 242 - 244، الخريدة =

(20/224)


وُلِدَ بعكَا، وَنَشَأَ بقيسَارِيَة (1) ، وَسَكَنَ دِمَشْق، وَامْتَدَح المُلُوْك، وَوَلِيَ إِدَارَة السَّاعَات عَلَى بَابِ الجَامِع (2) فِي أَيَّامِ تَاج المُلُوْك، ثُمَّ سَكَنَ حلب، وَوَلِيَ بِهَا خزَانَة الكُتُب.
قرَأَ الأَدب، وَأَتقن علم الهَيْئَة وَالهَنْدَسَة، وَصَحِبَ الشَّاعِر أَبَا عَبْدِ اللهِ ابْن الخَيَّاط (3) .
وَمِنْ نَظمه:
يَا هِلاَلاً لاَح فِي شَفق ... أَعف أَجفَانِي مِنَ الأَرقِ
فُكَّ قَلْبِي يَا مُعذِّبَهُ ... فَهُوَ مِنْ صَدغَيكَ فِي حَنَقِ (4)
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: هُوَ أَشعر مَنْ رَأَيْتهُ بِالشَّامِ، وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ
__________
= (قسم الشام) 1 / 96 - 160، معجم الأدباء 19 / 64 - 81، مختصر تاريخ دولة آل سلجوق: 223، مرآة الزمان 8 / 133، الروضتين 1 / 91، وفيات الأعيان 4 / 458 - 461، دول الإسلام 2 / 64، العبر 4 / 133، تذكرة الحفاظ 4 / 1313، تتمة المختصر 2 / 84، 85، الوافي بالوفيات 5 / 112 - 121، مرآة الجنان 3 / 287 - 288، البداية والنهاية 12 / 231، العسجد المسبوك: ق 68 / 1، كشف الظنون 768، شذرات الذهب 4 / 150، النجوم الزاهرة 5 / 302 (وفيات 547)، الدارس 2 / 388، الفهرس التمهيدي 301، تاريخ بروكلمان 5 / 48 (النسخة العربية).
وانظر كتاب " شعر الجهاد في الحروب الصليبية في بلاد الشام " للدكتور محمد علي الهرفي: 224 - 254، وكتاب " صدى الغزو الصليبي في شعر ابن القيسراني " للدكتور محمود إبراهيم، نشر المكتب الإسلامي بدمشق ومكتبة الاقصى في عمان سنة 1971 م، وكتاب " محمد بن نصر القيسراني حياته وشعره " لفاروق أنيس جرار، نشر دار الثقافة والفنون في عمان سنة 1974 م.
(1) وهي بلد على ساحل البحر، تعد من أعمال فلسطين، بينها وبين طبرية ثلاثة أيام. " معجم البلدان " 4 / 421.
(2) يعني الجامع الأموي بدمشق.
(3) وهو الشاعر المجيد أبو عبد الله أحمد بن محمد بن علي التغلبي، المتوفي سنة 517 ه. مترجم في الجزء التاسع عشر برقم (279).
(4) ولابن القيسراني شعر عظيم في الجهاد ومناهضة الصليبيين ومدح عماد الدين ونور الدين، وفي الكتب التي خصصت لدراسته كثير من شعره، ولم يعثر له إلا على " ديوان " صغير، ذكر فيه بعض قصائدة في الغزل والمديح، وهو مخطوط في دار الكتب المصرية.
انظر " فهرس المخطوطات المصورة " 1 / 453.

(20/225)


وَأَرْبَع مائَة، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ (1) وَخَمْسِ مائَةٍ.

145 - الإِسْفَرَايِيْنِيُّ أَبُو المَعَالِي الفَضْلُ بنُ سَهْلِ بنِ بِشْرٍ *
الشَّيْخُ، أَبُو المَعَالِي الفَضْلُ بنُ سَهْلِ بنِ بِشْرٍ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، وَيُلَقَّبُ: بِالأَثِيْرِ (2) الحَلَبِيِّ.
وُلِدَ بِمِصْرَ، وَنَشَأَ بِبَيْتِ المَقْدِس، وَسَافَرَ فِي التجَارَة إِلَى خُرَاسَانَ وَغَيْرهَا، وَوعظ مُدَّة بِحَلَبَ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَأَبَا القَاسِمِ بنَ أَبِي العَلاَءِ، وَلَهُ إِجَازَة مِنْ أَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب، وَعِنْدَهُ عَنْ أَبِيْهِ (السُّنَن الكَبِيْر (3)) لِلنسَائِي.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: يُتَّهَمُ بِالكَذِبِ فِي لَهجَتِهِ، وَسَمَاعه صَحِيْح (4) .
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيّ، وَابْن عَسَاكِرَ (5) ، وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: ابْن المُقَيَّرِ.
مَاتَ: بِبَغْدَادَ، فِي رَجَبٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
(1) قال في " التحبير ": توفي سنة خمسين وخمس مئة.
وأورده في " النجوم الزاهرة " في وفيات سنة 547.
(*) المنتظم 10 / 155، تذكرة الحفاظ 4 / 1313، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 215 - 217، كشف الظنون 1189، هدية العارفين 1 / 819.
(2) في " المستفاد ": كان يعرف بالامير.
(3) ولم يطبع سوى جزء صغير منه بتحقيق عبد الصمد شرف الدين، والمطبوع المتداول إنما هو اختصار أبي بكر بن السني تلميذ النسائي كما بينته في التعليق على " تهذيب الكمال " 1 / 328.
(4) انظر " المستفاد " ص 216.
(5) انظر " مشيخة " ابن عساكر: ق 163 / 2.

(20/226)


146 - ابْنُ الفُرَاوِيِّ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ *
الشَّيْخُ، الفَقِيْهُ، العَالِم، المُسْنِدُ، الثِّقَةُ، أَبُو البَرَكَاتِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الفُرَاوِيِّ الصَّاعدِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ، صَفِيُّ الدِّيْنِ، المُعَدَّلُ.
سَمِعَ مِنْ: جدّه لأُمِّهِ طَاهِر الشَّحَّامِيّ، وَمُحَمَّد بن عُبَيْدِ اللهِ الصَّرَّام، وَعُثْمَان بن مُحَمَّدٍ المَحْمِيّ، وَأَبِي نَصْرٍ مُحَمَّد بن سَهْلٍ السَّرَّاج، وَمُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْلَ التفليسِي، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بن أَحْمَدَ الوَاحِدِيّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ خَلَفٍ الشِّيْرَازِيّ، وَفَاطِمَة بِنْت الدَّقَّاق، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ (1) ، وَالسَّمْعَانِيّ، وَوَلَده عَبْد الرَّحِيْمِ، وَالمُؤَيَّد الطُّوْسِيّ، وَمَنْصُوْر بن عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ الفُرَاوِيّ حَفِيْده، وَالصَّفَّار قَاسم بن عَبْدِ اللهِ، وَزَيْنَب بِنْت عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّعْرِيَّة، وَجَمَاعَة.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: هُوَ إِمَام، فَاضِل، ثِقَة، صَدُوْقٌ، دين، حسن الأَخلاَق، لَهُ بَاعَ طَوِيْل فِي الشُّرُوط وَكتبِ السِّجِلاَّت، لاَ يَجرِي أَحَد مَجرَاهُ فِي هَذَا الْفَنّ، وَهُوَ إِمَام مَسْجِد المُطَرز.
وَقَدْ سَمِعَ أَبُو المُظَفَّرِ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ السَّمْعَانِيّ مِنْ لَفظه (مَعْرِفَة عُلُوْم الحَدِيْث) لِلْحَاكِمِ بِسَمَاعه مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ خَلَفٍ عَنْهُ، وَسَمِعَ أَبُو المُظَفَّرِ مِنْهُ جَمِيْع (مُسْنَد أَبِي عوَانَة الإِسْفَرَايِيْنِي) بِسَمَاعه مِنْ أَوله إِلَى فَضَائِل المَدِيْنَة مِنْ عُثْمَانَ المَحْمِيّ، وَمِنْ ثَمَّ إِلَى كِتَاب فَضَائِل القُرْآن مِنَ الصَّرَّام، وَمِنْ ثَمَّ إِلَى
__________
(*) العبر 4 / 136، 137، دول الإسلام 2 / 66، شذرات الذهب 4 / 153.
والفراوي نسبة إلى فراوة، وهي بليدة من أعمال نسا بينها وبين دهستان وخوارزم.
وقد ضبطت في الأصل بفتح الفاء وهو الموافق لما ضبطه ياقوت، وضبطها السمعاني بالضم وتابعه ابن الأثير.
(1) انظر " مشيخة " ابن عساكر: ق 93 / 2.

(20/227)


آخِر الكِتَاب مِنْ فَاطِمَة بِنْت أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاق بِسَمَاعِهِم مِنْ أَبِي نُعَيْمٍ الإِسْفَرَايِيْنِي عَنْهُ.
مَاتَ: فِي جَائِحَة الغُزّ جوعاً وَبرداً بِنَيْسَابُوْرَ، فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَهَلَكَ خلق مِنَ الْجُوع وَالعَذَاب وَالنهب، فَالأَمْر للهِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ سَنَة سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ، عَنْ أَبِي المُظَفَّرِ بن عَبْدِ الرَّحِيْمِ بن أَبِي سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الفُرَاوِيّ، أَخْبَرَنَا عُثْمَان بن مُحَمَّدٍ المَحْمِيّ (ح).
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ، عَنِ القَاسِمِ بن عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الأَسَعْد بن القُشَيْرِيّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ البَحِيْرِيّ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ الحَسَنِ سَنَة تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَاقَ الحَافِظ سَنَة سِتَّ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ إِسْحَاقَ القوَاس، حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالاَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاس حَتَّى يَقُوْلُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءهُم وَأَمْوَالَهُم إِلاَّ بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُم عَلَى اللهِ).

147 - السُّلْطَانُ أَبُو سَعْدٍ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بنِ سَهْلٍ الدَّامَغَانِيُّ *
شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ، أَبُو سَعْدٍ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بنِ سَهْلٍ الدَّامَغَانِيُّ، وَيُلَقَّبُ: بِالسُّلْطَانِ.
__________
(1) اسناده صحيح، وأخرجه البخاري (1399) و(6924) و(7285)، ومسلم (21) والترمذي (2610) وأبو داود (2640) والنسائي 5 / 14، وفي الباب عن ابن عمر، وأنس بن مالك، وعن جابر والنعمان بن بشير، وأوس بن حذيفة، وطارق بن أشيم وغيرهم وهي مخرجة في شرح الطحاوية 1 / 14 بتحقيقنا.
(*) التحبير 1 / 525، طبقات السبكي 7 / 254، طبقات الاسنوي 2 / 51، 52.

(20/228)


ذكره أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ فِي شُيُوْخه.
فَقَالَ: كَانَ إِمَاماً حسن الكَلاَم، رَقِيق القَلْب، سرِيع الدمعَة، سَمِعَ مِنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ خَلَفٍ الشِّيْرَازِيّ، وَأَحْمَد بن إِسْمَاعِيْلَ الشُّجَاعِيّ، وَالحَسَن بن أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِي (1) .
وَكَانَتْ وَفَاتُهُ سَنَة ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقَالَ تَاج الدِّيْنِ عَلِيّ بن أَنْجَب فِي كِتَابِ (الاقتفَاء فِي طَبَقَات الفُقَهَاء): كَانَ إِمَاماً فَاضِلاً، مُنَاظراً، وَكَانَ يُعرف بِالسُّلْطَان، تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي حَامِد الغَزَّالِيّ.
قُلْتُ: ذَكَرَ الْقطْب النَّيْسَابُوْرِيّ (2) أَنَّهُ تَفَقَّهَ بعُمر السُّلْطَان، وَبِمُحَمَّد بن يَحْيَى، وَتَفَقَّهَا بِالغَزَّالِيّ.

148 - أَنُرُ مُعِيْنُ الدِّيْنِ الطُّغْتِكِيْنِيُّ *
مَلِكُ الأُمَرَاءِ بِدِمَشْقَ، مُعِيْنُ الدِّيْنِ الطُّغْتِكِيْنِيُّ.
أَمِيْر سَائِس، رَئِيْس شُجَاع، مَهِيب، فَحل الرَّأْي، دبر دَوْلَة أَوْلاَد أُسْتَاذه.
وَكَانَ يُحبّ العُلَمَاء وَالصُّلَحَاء، وَيبذل المَال، وَلَهُ مَوَاقِف مَشْهُوْدَة
__________
(1) انظر " التحبير " 1 / 525.
(2) ستأتي ترجمته في الجزء الحادي والعشرين.
(*) تاريخ ابن القلانسي (انظر الفهرس)، الكامل في التاريخ 11 / 147، مرآة الزمان 8 / 122، الروضتين 1 / 64، العبر 4 / 121، 122، دول الإسلام 2 / 60، تتمة المختصر 2 / 77، الوافي بالوفيات 9 / 410، 411، النجوم الزاهرة 5 / 286، مختصر تنبيه الطالب: 107، وأنر: ضبطه الصفدي فقال: بفتح الهمزة وضم النون وبعدها راء.
وقد ضبط في " النجوم " ضبط قلم بضمتين، وقال محققه: كذا وجد مضبوطا بالقلم في هامش الأصل و" تاريخ " ابن القلانسي.

(20/229)


وَغزو كَثِيْر، وَكَانَ حَسَنَ الدّيَانَة، لَهُ المَدْرَسَة المُعِيْنِيَّةُ (1) وَقُبَّةٌ عَلَى قَبْرِهِ وَرَاء دَار بِطِّيخ، وَكَانَتِ الفِرَنْجُ تَخَافه.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَبِنْته: هِيَ عِصْمَة الدِّيْنِ الخَاتُوْنُ (2) ، وَاقفَة المَدْرَسَة الخَاتُونِيَّة (3) ، تَزَوَّجَ بِهَا الْملك نُوْر الدِّيْنِ مَحْمُوْد بن زِنْكِي.
تُوُفِّيَ أَنُرُ: فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخِرِ -رَحِمَهُ اللهُ- وَإِلَيه يُنسب قُصَيْر مُعِيْن الدِّيْنِ بِالغَور، وَكَانَ مَمْلُوْكاً لِلملك طُغْتِكِيْنَ.
وَطُغْتِكِيْنُ مِنْ غلمَان السُّلْطَان تُتُش السَّلْجُوْقِيّ، وَتتش هُوَ أَخُو السُّلْطَان مَلِكْشَاه (4) .

149 - السَّنْجَبَسْتِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ السَّنْجَبَسْتِيُّ، شَيْخٌ عَالِمٌ صَالِحٌ.
سَمِعَ مِنْ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدٍ كُلاَر، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ خَلَفٍ، وَقَارب التِّسْعِيْنَ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، وَابْنُه عَبْد الرَّحِيْمِ.
__________
(1) وهي من مدارس الأئمة الحنفية، انظر " مختصر تنبيه الطالب " ص 107، وقد تصحف اسمه فيه إلى " أتز " بالمثناة الفوقية والزاي.
(2) تحرف اسم أبيها صاحب الترجمة في " أعلام النساء " 1 / 309 إلى سعيد الدين أتستر.
(3) من مدارس الأئمة الحنفية.
انظر " مختصر تنبيه الطالب " ص 77، 78، وقد تصحف اسم صاحب الترجمة فيه إلى " أتز ".
(4) طغتكين وتتش وملكشاه مرت تراجمهم في الجزء التاسع عشر برقم (302)، (46)، (34).
(*) الأنساب 7 / 163، معجم البلدان 3 / 263.

(20/230)


مَاتَ: بِنَيْسَابُوْرَ، سَنَةَ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِيْنَ (1) وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَنْجَبَسْتُ (2) : مَنْزِلَةٌ مَعْرُوْفَة بَيْنَ نَيْسَابُوْرَ وَسَرَخْسَ، مِثْلُ قَرْيَةٍ.

150 - العَبَّادِيُّ أَبُو مَنْصُوْرٍ المُظَفَّرُ بنُ أَرْدَشِيْرَ المَرْوَزِيُّ *
الوَاعِظُ المَشْهُوْرُ، المُطْربُ، أَبُو مَنْصُوْرٍ المُظَفَّرُ بنُ أَرْدَشِيْرَ المَرْوَزِيُّ، العَبَّادِيُّ، وَيُلَقَّبُ بِالأَمِيْرِ.
وَاعِظ بَاهِر، حُلْو الإِشَارَة، رَشِيق العبَارَة، إِلاَّ أَنَّهُ قَلِيْل الدِّيْنِ.
سَمِعَ مِنْ: نَصْر اللهِ الخُشْنَامِيّ، وَعَبْد الغَفَّارِ الشيروِي، وَجَمَاعَة.
قَدِمَ رَسُوْلاً إِلَى بَغْدَادَ مِنَ السُّلْطَان سَنْجَر (3) سَنَة إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ، فَأَقَامَ ثَلاَثَة أَعْوَام يَعظ بِجَامِع القَصْر، وَبِدَارِ السَّلطنَةِ، وَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ المُقْتَفِي وَالكُبَرَاءُ، وَأَملَى بِجَامِعِ القَصْرِ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ الأَخْضَرِ، وَحَمْزَةُ بنُ القُبَّيْطِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُكَرَّمِ، وَكَانَ يُضْرَبُ بِحُسنِ وَعظِه المَثَلُ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: لَمْ يَكُنْ بِثِقَةٍ، رَأَيْت رِسَالَةً بِخَطِّهِ جَمَعهَا فِي إِباحَة شُرْبِ الخَمْر (4) .
__________
(1) ذكر ياقوت وفاته سنة 548 نقلا عن السمعاني في " التحبير "، ولكن لم أجد ترجمته فيه.
(2) ضبطت في الأصل بفتح السين وكذا ضبطها السمعاني، وضبطها ياقوت بكسرها.
(*) الأنساب 8 / 337، 338، المنتظم 10 / 150، 151، اللباب 2 / 310، البداية والنهاية 12 / 230، النجوم الزاهرة 5 / 303، والعبادي نسبة إلى بعض أجداده.
(3) سترد ترجمته برقم (252).
(4) انظر " الأنساب " 8 / 337، 338.

(20/231)


قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (1) : لَهُ كَلِمَات جيدَة، وَكتبُوا عَنْهُ مِنْ وَعظِهِ مُجَلَّدَاتٍ، ذَهبَ لِيُصلِحَ بَيْنَ ملكٍ كَبِيْرٍ، فَحصل لَهُ مِنْهُمَا مَالٌ كَثِيْر، وَمَاتَ بِعَسْكَر مُكْرَمٍ سَنَة سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقِيْلَ: كَانَ يُخِلُّ بِالصَّلاَة لَيْلَةَ حُضُوْرِهِ السَّمَاع، وَذَكَرَ لَيْلَةً مَنَاقِب عليّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَأَنَّ الشَّمْس رُدَّت لَهُ، فَاتَّفَقَ أَنَّ الشَّمْس غَابَت بِالغَيمِ، فَعَمِلَ أَبيَاتاً وَهِيَ:
لاَ تَغْرُبِي يَا شَمْسُ حَتَّى يَنْتَهِي ... مَدْحِي لآلِ المُصْطَفَى وَلِنَجْلِهِ
وَاثْنِيْ عِنَانَكِ إِن أَردتِ ثَنَاءهُم ... أَنَسِيتِ إِذْ كَانَ الوُقُوْف لأَجْلِهِ؟
إِنْ كَانَ الوُقُوْف لِلمَوْلَى وُقُوفُكِ فَلْيكُنْ ... هَذَا الوُقُوْف لِخَيْلِهِ وَلرَجْلِهِ
قَالَ: فَطَلعت الشَّمْس مِنْ تَحْتَ الغَيمِ، فَلاَ يُدْرَى مَا رُمِي عَلَيْهِ مِنَ الثِّيَابِ وَالأَمْوَالِ.
عَاشَ: سِتّاً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً - الله يُسَامِحُه -.

151 - أَبُو عَبْدِ اللهِ مَرْدَنِيْشُ مُحَمَّدٌ الجُذَامِيُّ المَغْرِبِيُّ *
الزَّاهِدُ، المُجَاهِدُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدٌ الجُذَامِيُّ، المَغْرِبِيُّ.
كَانَ مَعَهُ عِدَّة رِجَال أَبْطَال يُغِيرُ بِهِم يَمنَة وَيسرَة، وَكَانُوا يَحرِثُونَ عَلَى خَيلهِم كَمَا يَحرُثُ أَهْلُ الثَّغْر، وَكَانَ أَمِيْرُ المُسْلِمِيْنَ ابْنُ تَاشفِيْنَ يَمدُّهُم بِالمَالِ وَالآلاَتِ، وَيبرُّهُم.
وَلِمَرْدَنِيْشَ مَغَازِي وَمَوَاقِفُ مَشْهُوْدَةٌ وَفَضَائِلُ، وَهُوَ جد الْملك مُحَمَّد (2)
__________
(1) في " المنتظم " 10 / 151.
(*) لم نقف على مصدر ترجمه.
(2) سترد ترجمته برقم (156).

(20/232)


بن سَعْدِ بنِ مُحَمَّدٍ صَاحِب شَرق الأَنْدَلُس.
فَمِنْ عَجِيْبِ مَا صَحَّ عِنْدِي مِنْ مَغَازِيه - يَقُوْلُ ذَلِكَ اليَسعُ بنُ حَزْم -:
أَنَّهُ أَغَارَ يَوْماً، فَغنِمَ غَنِيْمَةً كَثِيْرَةً، وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ مِنَ الرُّوْمِ أَكْثَرُ مِنْ أَلفِ فَارِسٍ، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ وَكَانُوا ثَلاَثَ مائَةِ فَارِسٍ: مَا تَرَوْنَ؟
فَقَالُوا (1) : نَشغَلهُم بِتَركِ الغَنِيْمَةِ.
فَقَالَ: أَلَمْ يَقُلِ القَائِلُ: (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُوْنَ صَابِرُوْنَ يَغْلِبُوا مائَتَيْنِ}؟ [الأَنْفَالُ: 65]
فَقَالَ لَهُ ابْنُ مُوْرِيْنَ: يَا رَئِيْسُ! اللهُ قَالَ هَذَا.
فَقَالَ: اللهُ يَقُوْلُ هَذَا، وَتَقعدُوْنَ عَنْ لِقَائِهِم؟!
قَالَ: فَثَبَتُوا، فَهَزمُوا الرُّوْم.
وَمِنْ غَرِيْب أَمرِهِ: أَنَّهُ نَزل ملك الرُّوْم ابْن رُذمِيْرَ، فَأَفسدُوا الزُّروعَ، فَبَعَثَ يَقُوْلُ لَهُ: مِثْلُكَ لاَ يَرْضَى بِالفَسَادِ، وَلاَ بُدَّ لَكَ مِنَ الانْصِرَافِ، فَأُفسِدُ فِي بَلَدك فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مَا لاَ تُفسده فِي جُمُعَة.
فَأَمر اللَّعِين أَصْحَابه بِالكَفّ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ يَرغب فِي رُؤيتِه لسُمْعَتِهِ عِنْدَهُم.
قَالَ ابْنُ مُوْرِيْنَ: فَجِئْنَا مَعَ الرَّئِيْس، فَقَدَّمنَاهُ، فَأَكْرَمَه، وَأَجْلَسَهُ إِلَى جَنْبِهِ، وَجَعَلَ يَطَّلَّعُ إِلَيْهِ، وَيَقُوْلُ بِلِسَانِهِ: اسْمُكَ عَظِيْمٌ، وَطلعتُكَ دُوْنَ اسْمِكَ، وَمَا شَخْصُك بِشخصِ فَارِس.
وَكَانَ قَصِيْراً، وَأَرَادَ مُمَازحَتَه، وَكَذَا وَجَّه إِلَيْهِ أَمِيْرُ المُسْلِمِيْنَ عَلِيُّ بنُ يُوْسُفَ، فَمَضَى وَاجْتَمَعَ بِهِ، وَاسْتَنَابَ مَوْضِعَه وَلدَه سَعْداً إِلَى أَنْ رَجَعَ.
وَفِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ: سَارَ ابْن رُذمِيْر، فَنَازل مدينَة إِفرَاغَة (2) وَبِهَا ابْن مَرْدَنِيْش، وَطَال الحصَار، فَكَتَبُوا إِلَى أَمِيْرِ المُسْلِمِيْنَ ابْن تَاشفِيْن لِيُغِيثَهُم، فَكَتَبَ إِلَى ابْنِهِ تَاشفِيْن بنِ عَلِيٍّ، وَإِلَى الأَمِيْرِ يَحْيَى بنِ غَانِيَة بِإِغَاثَتِهِم، وَإِدخَالِ المِيْرَةِ إِلَيْهِم، فَتَهَيَّأَ لِنَجدَتِهِم أَرْبَعَةُ آلاَف، فَمَا
__________
(1) في الأصل: فقال.
(2) بكسر الهمزة والغين معجمة، مدينة بالاندلس من أعمال ماردة كثيرة الزيتون. " معجم " ياقوت 1 / 227.

(20/233)


وَصلُوا إِلَى إِفرَاغَة إِلاَّ وَقَدْ فَنِي مَا بِهَا، وَلَمْ يَبْقَ لابْنِ مَرْدَنِيْشَ سِوَى حِصَانٍ، فَذَبَحَهُ لَهُم، فَحَصَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أُوقيَة أُوقيَة.
قَالَ اليَسع: فَحَدَّثَنِي المَلِكُ المُجَاهِد ابْنُ عِيَاضٍ (1) حَدِيْث هَذِهِ الغَزَاة، قَالَ:
لَمَّا وَصلَ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ غَانِيَة مدينَة زَيْتونَة، خَرَجتُ إِلَيْهِ مِنْ لاردَة مَعَ فُرْسَانِي، فَقَالَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ.
فَقُلْتُ: الصَّوَابُ جَمعُ جُنْدِ الأَنْدَلُس تَحْتَ رَايَة وَاحِدَة، وَهِلاَل وَسُلَيم تَحْتَ رَايَة أُخْرَى، وَيَتقدم الزُّبَيْرُ بن عُمَرَ بِأَهْلِ المَغْرِب وَبِالدوَاب الَّتِي تحمل الأَقوَات، مَعَهُم الطّبول وَالرَّايَات، وَنبقَى نَحْنُ وَالعرب كَمِيناً عَنْ يَمِيْن الجَيْش وَيسَاره، فَإِذَا أَبصر اللَّعِين الرَّايَات وَالطبول وَالزمر حَمل عَلَيْهِ، فَنكر عَلَيْهِ مِنَ الجِهَتَيْنِ.
قَالَ: فَصَلَّينَا الصُّبْحَ فِي لَيْلَة سَبْع وَعِشْرِيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَأَبصر اللَّعِين الجَيْشَ وَقَدِ اسْتَرَاحَ مِنْ جِرَاحَاتِهِ، وَكَانَ عَسْكَرُهُ إِذْ ذَاكَ أَرْبَعَة وَعِشْرِيْنَ أَلْفَ فَارِسٍ سِوَى أَتْبَاعهِم، فَقصدُوا الطّبول، فَانكسرُوا، وَتَفَرَّقُوا -يَعْنِي المُسْلِمِيْنَ- فَأَتينَا الرُّوْم عَنْ أَيْمَانِهِم، وَنَزَلَ النَّصْرُ وَعَمِلَ السَّيْفَ فِي الرُّوْم حَتَّى بَقِيَ ابْنُ رُذمِيْرَ فِي نَحْوِ أَرْبَعِ مائَةِ فَارِسٍ، فَلجؤُوا إِلَى حصن لَهُم، وَبَات المُسْلِمُوْنَ عَلَيْهِ، ثُمَّ هَلَكَ غَمّاً، وَأَصَابه مرض، مَاتَ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً مِنْ هَزِيمتِهِ - فَلاَ رَحِمَهُ اللهُ -.

152 - ابْنُ مُسْهِرٍ عَلِيُّ بنُ سَعْدِ بنِ عَلِيٍّ المَوْصِلِيُّ *
الأَدِيْب البَارع، مُهَذَّبُ الدِّيْنِ، عَلِيُّ ابنُ أَبِي الوَفَاءِ سَعْدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ المَوْصِلِيُّ، الشَّاعِرُ، وَ(دِيْوَانُه) فِي مُجَلَّدين.
__________
(1) سترد ترجمته برقم (154).
(*) خريدة القصر (قسم الشام) 2 / 271، وفيات الأعيان 3 / 391 - 395.

(20/234)


مدح الخُلَفَاء وَالمُلُوْك، وَتنقل فِي الولاَيَات بِبلده.
وُلِدَ: بآمد، وَمَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقَالَ العمَاد: سَنَة سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَلَهُ مِنْ أَبْيَات يَصف الْفَهد:
مِنْ كُلِّ (1) أَهْرَتَ بَادِي السُّخطِ مُطَّرِح الـ ... ـحَيَاءِ جَهْمِ المُحَيَّا سَيِّئ الخُلُقِ
وَالشَّمْس مُذْ لقَّبُوْهَا بِالغزَالَة أَعـ ... ـطته الرَّشَا جَسَداً مِنْ لَونِهَا اليَقَقِ (2)
وَنقَّطَتْهُ حِبَاءً (3) مِنْ تَسَالُمِهَا(4) ... عَلَى المنَايَا نِعَاجُ الرَّمل بِالحَدَقِ
هَذَا وَلَمْ تَبْرُزَا مَعَ سِلمِ جَانبه ... يَوْماً لِنَاظره إِلاَّ عَلَى فَرَقِ (5)
وَعَمِلَ فِي عصره الصُّوْرِيّ السَّرَّاج مُحَمَّد بن أَحْمَدَ:
شَثْنُ البرَاثِنِ (6) فِي فِيْهِ وَفِي يَدِهِ ... فَتكُ الصوَارم (7) وَالعسَّالَة الذُّبُلِ
تَنَافَسَ اللَّيْل فِيْهِ وَالنَّهَار مَعاً ... فَقمَّصَاهُ بِجِلبَابٍ مِنَ المُقَلِ
وَالشَّمْسُ مُذْ لقَّبُوْهَا (8) بِالغزَالَةِ لَمْ ... تَبرزْ لنَاظره إِلاَّ عَلَى وَجَلِ (9)
__________
(1) في " وفيات الأعيان ": وكل.
والاهرت: الواسع الشدقين.
(2) يقال: أبيض يقق محركة وككتف: شديد البياض.
وقوله " جسدا " وردت في " وفيات الأعيان ": " حسدا " بالحاء المهملة.
(3) في الأصل: حياء، والتصويب من الوفيات.
(4) في " وفيات الأعيان ": كي يسالمها.
ونعاج الرمل: البقر الوحشي.
(5) الابيات في " وفيات الأعيان " 3 / 392.
وقال ابن خلكان: وهي من قصيدة بديعة وأولها:
هي الموارد بين السحر والحدق * فرد دنان المنايا مورد الانق
وأطيب العيش ما تجنيه من تعب * وأعذب الشرب ما يصفو من الرنق
(6) في الأصل: البراثين والتصويب من الوفيات.
(7) في " وفيات الأعيان ": ما في الصوارم.
والعسالة جمع عسال، يقال: رمح عسال: مضطرب لدن. والذبل جمع ذابل، يقال: قنا ذابل: دقيق لاصق الليط.
(8) في " وفيات الأعيان ": دعوها.
(9) الابيات في " وفيات الأعيان " 3 / 393.

(20/235)


153 - ابْنُ نِظَامِ المُلْكِ أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الطُّوْسِيُّ *
الوَزِيْر الكَامِلُ، أَبُو نَصْرٍ (1) أَحْمَدُ ابْنُ رَأْسِ الوُزَرَاءِ نِظَامِ المُلْكِ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ الطُّوْسِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
وَزَرَ لِلْخَلِيْفَةِ وَللسُّلْطَانِ (2) ، وَآخرُ مَا وَزر لِلمُسْترشد بِاللهِ، ثُمَّ عُزل بَعْدَ سَنَةٍ وَشهر، وَلَزِمَ دَارَهُ.
وَكَانَ صدراً مُحْتَشِماً، يَملأُ الْعين.
رَوَى عَنْ: عَبْدِ الرَّزَّاقِ الحَسْنَبَاذِيّ، وَابْنه.
وَعَنْهُ: السَّمْعَانِيّ، وَحَفِيْده؛ دَاوُد بن سُلَيْمَانَ.
مَاتَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَدُفِنَ بدَارِه.
وَمَاتَ قَبْلَهُ فِي رَمَضَانَ: ابْنُ أُخْت الإِمَامِ أَبُو الفَضْلِ نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ نِظَام المُلْكِ، وَكَانَ مِنْ أَقْرَانِهِ، قَاربَ الثَّمَانِيْنَ.
وَرَوَى عَنِ: الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيْرَازِيِّ.
وَعَنْهُ: عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ السَّمْعَانِيِّ.
مَاتَ هَذَا: بِطُوْسَ.
__________
(*) المنتظم 10 / 138، 139، الكامل في التاريخ 11 / 147، الفخري: 306، الوافي بالوفيات 6 / 321، البداية والنهاية 12 / 226.
(1) تحرف في " البداية " إلى: أبو الحسن علي بن نصر.
(2) محمد بن ملكشاه في نصف ذي القعدة سنة خمس مئة، كما في " الوافي " 6 / 321 و" المنتظم " 10 / 138.
وفي " البداية " محمود بدل محمد.

(20/236)


154 - أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنُ عِيَاضٍ المُجَاهِدُ عَبْدُ اللهِ *
وَقِيْلَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ، المُجَاهِدُ فِي سَبِيْلِ اللهِ، فَارِسُ الأَنْدَلُسِ وَبطلُهَا المَشْهُوْرُ، اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ شرقِ الأَنْدَلُسِ.
قَالَ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ عَلِيٍّ المَرَّاكُشِيُّ (1) : كَانَ مِنَ الصَّالِحِيْنَ الكِبَارِ، بَلَغَنِي عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّهُ كَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، سَرِيعَ الدَّمعَةِ، رقيقاً، فَإِذَا ركبَ الخيلَ لاَ يَقومُ لَهُ أَحَدٌ، كَانَ النَّصَارَى يَعدُّوْنَهُ بِمائَة فَارِسٍ، فَحمَى اللهُ بِهِ النَّاحيَةَ مُدَّةً، إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ - وَلاَ أَتَحقّقُ تَارِيخَ مَوْتِهِ.
وَقَالَ اليَسعُ بنُ حَزْمٍ فِي (أَخْبَار المَغْرِب): حَدَّثَنِي الأَمِيْرُ الملكُ المُجَاهِدُ فِي سَبِيْلِ اللهِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عيَاضٍ أَشجعُ مَنْ ركبَ الخيلَ، وَأَفرسُ مَنْ سَامَ الرُّوْمَ الويلَ، قَالَ:
نَزلتُ محلَّةَ الفِرَنْجِ عَلَيْنَا، فَكَانُوا إِذَا رَمَونَا بِالنَّبلِ صَارَ حَائِلاً بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّمْسِ كَالجَرَادِ، وَالَّذِي صَحَّ عِنْدنَا أَنَّ عددَ خيلهِم مائَةُ أَلْفِ فَارِسٍ، وَمِنَ الرَّجْلِ مائَتَا أَلْفٍ أَوْ أَزْيَدَ، وَكُنَّا نَعدُّ عَلَى مَقرُبَةٍ مِنْ سُورنَا أَرْبَعَ مائَةِ خيمَةٍ ديباجٍ أَوْ نَحْوِهَا نُحقّقُ هَذَا، فَاشتدَّ عَلَيْنَا الحصَارُ، فَخَرَجْنَا فِي مائَتَيْ فَارِسٍ، فَشققنَا الرُّوْمَ نَقتلُ فِيهِم، وَلجَأْنَا إِلَى حصنِ الزَّيْتونَةِ قَاصدينَ بَلَنْسِيَةَ.
قَالَ اليَسعُ: قَالَ لِي مَسْعُوْدُ بنُ عزِّ النَّاسِ: أَبْصَرتُ ابْنَ عِيَاضٍ وَهُوَ شَابٌّ حَدَثٌ، وَقَدْ صَارعَ رُومِيّاً غَلبَ جَمِيْعَ مَنْ فِي بِلاَدِ الأَنْدَلُسِ، فَجَاءهُ الرُّوْمِيُّ، فَدَفَعَهُ ابْنُ عِيَاضٍ عَنْ نَفْسِهِ دفعَةً حسبتُ أَنَّ الرُّوْمِيَّ انْتَفَضَتْ
__________
(*) المعجب: 305، الحلة السيراء 2 / 251، المغرب في حلي المغرب 20 / 250، أعمال الاعلام 204 و299، الاحاطة 2 / 121، تاريخ ابن خلدون 4 / 166، وفيه وفاته 542 ه، نفح الطيب 4 / 456.
(1) في " المعجب ": 305.

(20/237)


أَوْصَالُهُ، ثُمَّ أَمسكَ بِخَاصرَةِ الرُّوْمِيِّ، حَتَّى رَأَيْتُ الدَّمَ تَحْتَ أَصَابعِ ابْنِ عِيَاضٍ، ثُمَّ رفعَهُ وَأَلقَى بِهِ الأَرْضَ، فَطَارَ دِمَاغَهُ.
وَلَهُ قِصَّةٌ أُخْرَى: وَذَلِكَ أَنَّهُ وَقَفَ فَارِسٌ مِنْ جُمْلَةِ خيَّالَةِ الرُّوْمِ عَلَى لاردَةَ، وَطلبَ المبَارزَةَ، فَخَرَجَ ابْنُ عِيَاضٍ عَلَيْهِ قَمِيْصٌ طَوِيْلُ الكُمِّ، قَدْ أَدخلَ فِيْهِ حجراً مُدَحْرَجاً، وَربطَ رَأْسَ الكُمِّ، وَتَقلَّدَ سَيْفَهُ، وَالرُّوْمِيُّ شَاكٍ فِي سلاَحِهِ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ ابْنُ عِيَاضٍ، فَطَعَنَهُ الرُّوْمِيُّ فِي الطَّارقَةِ، فَنَشَبَ الرُّمْحُ، فَأَطلقهَا ابْنُ عِيَاضٍ مَنْ يَدِهِ، وَبَادرَ فَضَرَبَ الرُّوْمِيَّ بِكُمِّهِ، فَنَثَرَ دِمَاغَهُ، فَعَجِبْنَا وَكَبَّرنَا، فَاشْتُهِرَ ذِكْرُهُ عَلَى صِغَرِ سنِّهِ.
وَأَمَّا أَنَا، فَحَضَرتُ مَعَهُ أَيَّامَ مَمْلَكتِهِ حُرُوْباً، كَانَ حجر لاَ يُؤثّر فِيْهِ، وَكَانَ فِي هَيئَتِهِ كَأَنَّهُ بُرجٌ غَرِيْبُ الخِلْقَةِ.
قَالَ مَسْعُوْدٌ: وَلَمَّا وَصلْنَا الزَّيْتونَةَ بَعْدَ قَضَاءِ حَوَائِجنَا، جِئْنَا لاَرِدَةَ فِي السَّحَرِ، فَوَقَعنَا فِي خيَامِ العَدُوِّ المحيطِ بِالبَلَدِ، فَجَعَلنَا نَضربُ عَلَى الطَّوَارقِ، وَنَصِيحُ، فَنفرَتِ الخيلُ، وَنَحْنُ نَقتلُ مَنْ لَقِينَاهُ، فَدَخَلْنَا البلدَ سَالِمِينَ.
قُلْتُ: وَلابْنِ عيَاضٍ مَوَاقِفُ مَشْهُوْدَةٌ، وَكَانَ فَارِسَ الإِسْلاَمِ فِي زَمَانِهِ، لَعَلَّهُ بَقِيَ إِلَى بَعْدَ الأَرْبَعِيْنَ (1) وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقَامَ بَعْدَهُ خَادمُهُ مُحَمَّدُ (2) بنُ سَعْدِ بنِ مَرْدَنِيْش، اسْتخلفَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ عَلَى النَّاسِ، فَدَامَتْ أَيَّامُهُ إِلَى سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ اليَسعُ فِي (تَارِيخ المَغْرِبِ): وَقَدْ خدَمَ ابْنَ عِيَاضٍ، وَصَارَ كَاتِباً
__________
(1) ذكر ابن خلدون وفاته سنة 542.
(2) سترد ترجمته برقم (156).

(20/238)


لَهُ، فَذَكَرَ أَنَّ ابْنَ عِيَاضٍ الْتَقَى البَرْشَلُوْنِيّ، وَانتصرَ المُسْلِمُوْنَ، فَلَمَّا انفصلَ المَصَافُّ، قصدَ المُسْلِمُوْنَ المَاءَ ليشربُوا، وَتَجرَّدَ ابْنُ عِيَاضٍ مِنْ درعِهِ وَنَحْو الخَمْسِ مائَةٍ مِنَ الرُّوْمِ فِي غَابَةٍ عِنْدَ المَاءِ، فَالْتَفَتَ ابْنُ عِيَاضٍ إِلَى أَصْحَابِهِ أَنِ ارمُوا الرُّوْمَ بِالنَّبْلِ، فَجَاءهُ سَهْمٌ فِي فَقَارِ ظَهْرِهِ، فَأُخْرِجَ مِنْهُ بَعْدَ قتلِ أُوْلَئِكَ الخَمْس مائَةٍ، وَإِذَا بِالسهْمِ قَدْ أَصَابَ النُّخَاعَ، فَوَصَلَ مُرْسِيَةَ، وَتُوُفِّيَ بَعْدَ وِلاَيتِهِ إِيَّاهَا أَرْبَعَ سِنِيْنَ، وَوَجَدَ المُسْلِمُوْنَ لفقدِهِ.

155 - ابْنُ أَبِي رُكَبٍ مُحَمَّدُ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الخُشَنِيُّ *
نَحْوِيُّ الأَنْدَلُسِ، الأُسْتَاذُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الخُشَنِيُّ، الجيَانِيُّ (1) .
أَخَذَ القِرَاءاتِ: عَنِ ابْنِ شفِيعٍ (2) ، وَجَمَاعَةٍ.
وَالعَرَبِيَّةَ: عَنِ ابْنِ أَبِي العَافِيَةِ (3) ، وَابْنِ الأَخْضَرِ (4) .
وَرَوَى عَنْ: أَبِي الحَسَنِ بنِ سرَاجٍ، وَعِدَّةٍ.
شرحَ كِتَابَ سِيبَوَيْهٍ، وَلَمْ يُتِمَّهُ.
وَكَانَ رَأْساً فِي الآدَابِ مَعَ الدِّينِ وَالصَّلاَحِ.
__________
(*) معجم الأدباء 19 / 54، 55، الاستدراك: باب الخشني والحسني، تكملة الصلة: 188، 189، المعجم لابن الابار 162، 163، الوافي بالوفيات 5 / 22، 23، بغية الوعاة 1 / 244، تاج العروس 9 / 192 (خشن)، روضات الجنات 185، 186، إيضاح المكنون 2 / 304.
(1) نسبة إلى جيان: بلدة كبيرة من بلاد الأندلس.
(2) وهو عبد العزيز بن عبد الملك بن شفيع الأندلسي، المتوفى سنة 514 ه، مترجم في " غاية النهاية " 1 / 394.
(3) مترجم في " بغية الوعاة " 1 / 154، 155.
(4) مترجم في " بغية الوعاة " 2 / 174.

(20/239)


أَخَذَ عَنْهُ: ابْنُهُ أَبُو ذَرٍّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ حَمِيْدٍ.
وَعَاشَ ثَلاَثاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً، مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

156 - مُحَمَّدُ بنُ سَعْدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَرْدَنِيْشَ الجُذَامِيُّ *
الأَنْدَلُسِيُّ، الملكُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، صَاحِبُ مُرْسِيَةَ وَبَلَنْسِيَةَ.
كَانَ صهراً لِلملكِ المُجَاهِدِ الوَرِعِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ بنِ عِيَاضٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ ابْنُ عيَاضٍ، اتَّفَقَ رَأْيُ أَجنَادِهِ عَلَى تَقَدِيْمِ ابْنِ مَرْدَنِيْش هَذَا عَلَيْهِم، وَكَانَ صَغِيْرَ السِّنِّ شَابّاً، لَكنَّهُ كَانَ مِمَّنْ يُضْرَبُ بِشَجَاعَتِهِ المَثَلُ، وَابتُلِيَ بِجَيْشِ عَبْدِ المُؤْمِنِ يُحَارِبُونَهُ، فَاضطرَّ إِلَى الاسْتعَانَةِ بِالفِرَنْجِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ الخَلِيْفَةُ عَبْدُ المُؤْمِنِ، تَمَكَّنَ ابْنُ مَرْدَنِيْش، وَقوِيَ سُلْطَانُهُ، وَجَرَتْ لَهُ حُرُوْبٌ وَخُطُوبٌ.
ذَكَرَهُ اليَسعُ فِي (تَارِيْخِهِ)، وَقَالَ: نَازَلَتِ الرُّوْمُ المَرِيَّةَ عِنْدَ عِلمهِم بِمَوْتِ ابْنِ عِيَاضٍ، وَلِكَوْنِ ابْنِ مَرْدَنِيْش شَابّاً، وَلَكِنْ عِنْدَهُ مِنَ الإِقدَامِ مَا لاَ يُوجدُ فِي أَحَدٍ، حَتَّى أَضرَّ بِهِ فِي مَوَاضِعَ شَاهَدنَاهَا مَعَهُ، وَالرَّأْيُ قَبْلَ الشَّجَاعَةِ، وَإِلاَّ فَهُوَ فِي القوَّةِ وَالشَّجَاعَةِ فِي مَحلٍّ لاَ يَتمكَّنُ مِنْهُ أَحَدٌ فِي عصرِهِ، مَا اسْتَتمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ عَاماً حَتَّى ظهرَتْ شَجَاعَتُهُ، فَإِنَّ العَدُوَّ نَازلَ إِفرَاغَةَ، فَقَرُبَ فَارِسٌ مِنْهُم إِلَى السُّوْرِ، فَخَرَجَ مُحَمَّدٌ، وَأَبُوْهُ سَعْدٌ لاَ
__________
(*) زاد المسافر: 33، المعجب: 305، 306 و360، 363، المغرب 2 / 250، 251، وفيات الأعيان 7 / 131، الوافي بالوفيات 3 / 89، الاحاطة في أخبار غرناطة 2 / 121 - 127، أعمال الاعلام: 298، تاريخ ابن خلدون 4 / 166، نفح الطيب (انظر الفهرس).

(20/240)


يَعرِفُ، فَالتقيَا عَلَى حَافَّةِ النَّهْرِ، فَضَرَبَهُ مُحَمَّدٌ، أَلقَاهُ مَعَ حِصَانِهِ فِي المَاءِ.
فَلَمَّا كَانَ الغَدُ، طَلَبَ فَارِسٌ مِنَ الرُّوْمِ مُبَارَزَتَهُ، وَقَالَ: أَيْنَ قَاتَلُ فَارِسنَا بِالأَمسِ؟
فَامْتَنَعَ وَالِدُهُ مِنْ إِخرَاجِهِ لَهُ، فَلَمَّا كَانَ وَقتُ القَائِلَةِ وَقَدْ نَامَ أَبُوْهُ، رَكِبَ حصَانَهُ وَخَرَجَ حَتَّى وَصلَ إِلَى خيَامِ العَدُوِّ، فَقِيْلَ لِلملكِ: هَذَا ابْنُ سَعْدٍ.
فَأَحضرَهُ مَجْلِسَهُ، وَأَكْرَمَهُ، وَقَالَ: مَا تُرِيْدُ؟
قَالَ: مَنَعَنِي أَبِي مِنَ المُبَارزَةِ، فَأَيْنَ الَّذِي يُبَارِزُ؟
فَقَالَ: لاَ تَعصِ أَبَاكَ.
فَقَالَ لَهُ: لاَ بُدَّ.
فَحَضَرَ المبَارِزُ، فَالتقيَا، فَضَرَبَ العِلْجُ مُحَمَّداً فِي طَارِقتِهِ، وَضربَ هُوَ العِلْجَ أَلقَاهُ، ثُمَّ أَومَأَ إِلَيْهِ بِالرُّمْحِ لِيَقْتُلَهُ، فَحَالَتِ الرُّوْمُ بَيْنهُمَا، وَأَعْطَاهُ الملكُ جَائِزَةً.
وَمِنْ شَجَاعَتِهِ يَوْمَ نِوَلَه (1) : كَانَ فِي مائَةِ فَارِسٍ، وَالرُّوْمُ فِي أَلْفٍ، فَحَمَلَ بِنَفْسِهِ، فَاجتمعَتْ فِيْهِ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِيْنَ رُمْحاً، فَمَا قَلَبُوهُ، وَلَوْلاَ حَصَانَةُ عُدَّتِهِ لَهَلَكَ، فَكشفَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَانْهَزَمَ الرُّوْمُ، فَاتَّبَعَهُم مِنَ الظُّهْرِ إِلَى اللَّيْلِ، ثُمَّ هَادَنَ الرُّوْمَ عشرَ سِنِيْنَ.
قُلْتُ: وَلليسعِ بنِ حَزْمٍ فِي ابْنِ مَرْدَنِيْش عِدَّةُ تَوَارِيخ.
وَقَالَ لَهُ: فِي المَمْلَكَةِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُوْنَ عَاماً إِلَى تَارِيخنَا هَذَا.
قُلْتُ: أَحْسِبُهُ تَملَّكَ بُعَيْدَ الأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ: وَلَمْ تَزلِ الأَيَّامُ تخدمُهُ، وَقَدِ اهتمَّ بِجمعِ الصُّنَّاعِ لآلاَتِ الحُرُوْبِ، وَلِلبنَاءِ وَالتَّرْخِيمِ، وَاشْتَغَلَ بِبنَاءِ القُصُوْرِ العَجِيْبَةِ، وَالنُّزَهِ، وَالبسَاتينِ العَظِيْمَةِ، وَصَاهرَ الرَّئِيْسَ القَائِدَ أَبَا إِسْحَاقَ بنَ هَمُشْك (2) .
__________
(1) بكسر أوله وفتح ثانيه: حصن من أعمال مرسية بالاندلس. " معجم البلدان " 5 / 312.
(2) هو إبراهيم بن محمد بن مفرج بن همشك، مترجم في " المغرب " 2 / 52، =

(20/241)


قُلْتُ: هَذَا كَانَ فِي أَيَّامِ الملكِ نُورِ الدِّينِ، وَلاَ أَذْكُرُ مَتَى تُوُفِّيَ، فَلَعَلَّهُ بَعْدَ السِّتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (1) .
نَعَمْ، قَدْ مرَّ فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ عِيَاضٍ (2) أَنَّ ابْنَ مَرْدَنِيْش بَقِيَ إِلَى سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ.

157 - حَيْدَرَةُ بنُ مُفَرِّجِ بنِ حَسَنٍ ابْنُ الصُّوْفِيِّ الدِّمَشْقِيُّ *
الوَزِيْرُ، ابْنُ الصُّوْفِيِّ الدِّمَشْقِيُّ، زَينُ الدَّوْلَةِ، وَزِيْرُ صَاحِبِ دِمَشْقَ مُجيرِ الدِّينِ أَبَقَ، وَأَخُو الوَزِيْرِ المُسيَّبِ بنِ الصُّوْفِيِّ.
عمِلَ عَلَى أَخِيْهِ المُسَيَّبِ حَتَّى خلعَهُ مِنَ الوزَارَةِ، وَوَلِيَ مَكَانَهُ، فَظلَمَ وَتَمَرَّدَ، وَعسف وَارتَشَى، فَعَلِمَ بِذَلِكَ مَخدُومُهُ مُجِيرُ الدِّينِ، فَانزعجَ، وَطَلَبَهُ إِلَى القَلْعَةِ، فَعَدَلَ بِهِ الجَنْدَارِيَّةُ (3) إِلَى حَمَّامِ القَلْعَةِ، فَذَبَحوهُ صَبْراً، وَنُصِبَ رَأْسُهُ عَلَى خَنْدَقهَا، فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (4) .
أَخُوْهُ :

158 - الوَزِيْرُ العَمِيدُ أَبُو الذّوَّادِ المُسيَّبُ **
كَانَ قَدِ امْتَنَعَ بِدِمَشْقَ، وَحشدَ
__________
= و" الاحاطة " 1 / 296 - 302، وفيه: همشك: معناه: ترى المقطوع الاذن، إذ " ها " عندهم قريب مما هي في اللغة العربية.
و" المشك ": المقطوع الاذن، في لغتهم.
(1) في " الاحاطة " و" الوافي " أنه توفي سنة 567 ه، وفي " المعجب " أنه توفي سنة 568 ه.
(2) برقم (154).
(*) تاريخ ابن القلانسي: 476 وما بعدها، 500، 501.
(3) الجندار والجاندار: حارس ذات الملك. مركب من " جان "، أي: روح ونفس. و" دار " أي حافظ. " معجم الألفاظ الفارسية المعربة " لادي شير 46.
(4) انظر " تاريخ ابن القلانسي: 500، 501.
(* *) البداية والنهاية 12 / 232 واسمه فيه علي بن الصوفي.

(20/242)


وَجَيَّشَ، وَاسْتخدمَ الأَحدَاثَ، فَلاَطفَهُ مَلِكُ دِمَشْقَ، ثُمَّ عَزَلَهُ وَنَفَاهُ إِلَى صَرْخَد، فَلَمَّا تَملَّكَ نورُ الدِّينَ رَجَعَ إِلَى دِمَشْقَ متمرِّضاً، ثُمَّ مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَكَانَ جَبَّاراً، عَسُوفاً، لقَبُهُ: مُؤيَّدُ الدَّوْلَةِ، وَدُفِنَ بِدَارِهِ بِدِمَشْقَ.

159 - ابْنُ حَمْدِينَ حَمْدِيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ *
مِنْ أَكَابِرِ أَهْلِ قُرْطُبَةَ، تَسَمَّى بِأَمِيْرِ المُسْلِمِيْنَ بَعْدَ هَلاَكِ ابْن تَاشفِيْنَ، وَشنَّ الغَارَاتِ عَلَى بِلاَدِ عَبْدِ اللهِ بنِ عِيَاضٍ، وَتركَ الجِهَادَ لسوءِ رَأْي وُزرَائِهِ، فَاشتعلَتِ الفِتْنَةُ وَالمُرَابِطونَ بغَرْنَاطَةَ فِي أَلْفَي فَارِسٍ، ثُمَّ إِنَّ ابْنَ حَمْدِين الْتَقَى هُوَ وَيَحْيَى بنُ غَانِيَةَ (1) ، فَانْتصرَ ابْنُ غَانِيَةَ، وَانْهَزَمَ ابْنُ حَمْدِين إِلَى قُرْطُبَةَ، وَخذلَهُ أَصْحَابُهُ، فَاتَّبعَهُ ابْنُ غَانِيَةَ، وَأَحسَّ ابْنُ حَمْدِين بِالعجْزِ، فَفَرَّ إِلَى فرنجَوَاش، وَاسْتنجدَ بِالسُّليْطِين طَاغِيَةِ الرُّوْمِ، وَاشترَطَ لَهُ أَمْوَالاً، وَابْنُ غَانِيَةَ مُضَايقٌ لابْنِ حَمْدِين، فَجَاءَ الطَّاغِيَةُ فِي مائَةِ أَلْفٍ، فَفَرَّ ابْنُ غَانِيَةَ، وَدَخَلَ قُرْطُبَةَ، فَنَازلَ اللَّعِينُ وَابْنُ حَمْدِين قُرْطُبَةَ، فَتَقَدَّمَ ابْنُ حَمْدِين إِلَى أَهْلِهَا، فَمَالَ إِلَيْهِ خلقٌ، وَدَخَلَتْهَا الرُّوْمُ لعظَمِ شَوَارِعهَا، فَقتلُوا مَنْ وَجَدُوْهُ، وَتَفَرَّقتِ الكَلِمَةُ، مَعَ أَنَّ أَهْلَهَا يَنِيفُوْنَ (2) عَلَى أَرْبَعِ مائَةِ أَلْفِ مقَاتلٍ (3) .
قَالَ ابْنُ اليَسعِ الغَافِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا مَرْوَانَ بنَ مَسرَّةَ وَقَدْ سَأَلَهُ عَبْدُ المُؤْمِنِ عَنْ عِدَّةِ مُقَاتِلَةِ أَهْلِ قُرْطُبَةَ، فَقَالَ: أَحصينَا فِيْهَا مِمَّنْ يَحضرُ المَسَاجِدَ أَرْبَعَ مائَةِ أَلْفِ مقَاتلٍ.
وَلَمَّا تَمَكَّنَ العَدُوُّ مِنْهَا زَحَفَ إِلَى القَصْرِ،
__________
(*) الحلة السيراء (انظر الفهرس)، الاحاطة 4 / 345، 346، نفح الطيب 3 / 537.
(1) مترجم في " المعجب " 385، 386 و397، 398.
(2) في الأصل: يفيقون.
(3) انظر " الاحاطة " 4 / 345، 346.

(20/243)


فَقَاتَلَ ابْنُ غَانِيَةَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَكَانَ عِنْدَهُ نَمطٌ مِنَ الرُّوْمِ، فَأَخْرَجَهُ إِلَى ملكِ الرُّوْمِ طَالباً عَهْدَهُ عَلَى مَالٍ جَعَلَهُ لَهُ، فَحلَّ عَنْ قِتَالِهِ، وَخَرَجَ إِلَيْهِ بِمَالِهِ، وَذَكَّرَ الملكَ بِأَحْوَالِ المَصَامِدَةِ، وَخوَّفَهُ مِنْ عَبْدِ المُؤْمِنِ بنِ عَلِيٍّ، وَقَالَ لَهُ: إِنِّيْ خَادمُكَ فِي هَذَا البَلَدِ، وَحَائِلٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَ عَبْدِ المُؤْمِنِ، وَكَانَ لِلمصَامِدَةِ إِذْ ذَاكَ وَقْعٌ فِي النُّفُوْسِ، فَاسْتنَابَهُ عَلَيْهَا، وَخَرَجَ السُّليْطِينُ بِجملتِهِ عَنْهَا.
وَخَرَجَ عَنْهَا أَيْضاً ابْنُ غَانِيَةَ يُرِيْدُ إِشبيليَّةَ، فَدَخَلَ قُرْطُبَةَ أَبُو الغَمْرِ نَائِباً عَنْ عَبْدِ المُؤْمِنِ، وَهُوَ أَبُو الغمرِ بنُ غَلبُوْنَ، أَحَدُ الأَبْطَالِ، وَصَاحِبُ رُنْدَةَ.
وَثَارَ بِإِشْبِيْلِيَةَ وَبلاَدِهَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ، وَثَارَ بِكُلِّ نَاحِيَةٍ رَئِيْسٌ، ثُمَّ اتَّفَقَ رَأْيُ الجَمِيْعِ عَلَى تَجويزِ المصَامِدَةِ الَّذِيْنَ تلَقَّبُوا بِالموحِّدِين مِنْ سَبْتَةَ إِلَى الجَزِيْرَةِ الخَضْرَاء، وَجَرَتْ فِتَنٌ كِبَارٌ، وَزَالَتْ دَوْلَةُ المُرَابِطِيْنَ، وَأَقْبَلَتْ دَوْلَةُ المُوَحِّدِيْنَ.
وُلِدَ ابْنُ حَمْدِين قَبْلَ الخَمْسِ مائَةٍ بقُرْطُبَةَ.
وَهُوَ القَاضِي أَبُو جَعْفَرٍ حَمْدِين بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ حَمْدِين الثَّعْلَبِيُّ، قَاضِي الجَمَاعَةِ بقُرْطُبَةَ.
وَلِيَ القَضَاءَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، بَعْدَ مَقْتَلِ الشَّهِيْدِ القَاضِي أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ الحَاجِّ.
وَكَانَ مِنْ بَيْتِ حِشْمَةٍ وَجَلاَلَةٍ، صَارَت إِلَيْهِ رِئَاسَةُ قُرْطُبَةَ عِنْدَ اخْتلاَلِ أَمرِ المُلثَّمِيْنَ، وَقيَامِ ابْنِ قسِي عَلَيْهِم بِقُرْبِ الأَنْدَلُسِ، فَلُقِّبَ ابْنُ حَمْدِين بِأَمِيْرِ المُسْلِمِيْنَ المَنْصُوْرِ بِاللهِ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَدُعِيَ لَهُ فِي الخطبَةِ عَلَى أَكْثَرِ مَنَابِرِ الأَنْدَلُسِ، وَلَكِنْ لَمْ يَطُلْ ذَلِكَ، ثُمَّ تَعَاوَرَتْهُ المِحَنُ فِي قصصٍ يَطولُ شرحُهَا، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى مَالَقَةَ، وَأَقَامَ بِهَا خَامِلاً إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

(20/244)


160 - خَيَّاطُ الصُّوفِ مُحَمَّدُ بنُ جَامِعِ بنِ أَبِي نَصْرٍ *
الصَّالِحُ، المُكْثِرُ، أَبُو سَعْدٍ (1) مُحَمَّدُ بنُ جَامِعِ بنِ أَبِي نَصْرٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، الصَّيْرَفِيُّ.
سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ بنَ خَلَفٍ، وَمُوْسَى بنَ عِمْرَانَ، وَفَاطِمَةَ بِنْتَ الدَّقَّاقِ، وَمُحَمَّدَ بنَ سَهْلٍ السَّرَّاجَ، وَمُحَمَّدَ بنَ عُبَيْدِ اللهِ الصَّرَّامَ، وَطَبَقَتَهُم.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَابْنُهُ عَبْدُ الرَّحِيْمِ.
وَقَدْ حَجَّ وَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ.
مَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.

161 - الحَمَّامِيُّ أَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ **
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ الوَقْتِ، أَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ أَبِي نَصْرٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، ثُمَّ الأَصْبَهَانِيُّ، الصُّوْفِيُّ، المَشْهُوْرُ بِالحمَّامِيِّ.
وُلِدَ: فِي حُدُوْدِ الخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَبَكَّرَ بِهِ أَبُوْهُ بِالسَّمَاعِ، فَسَمِعَ مِنْ: أَبِي مُسْلِمٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ مِهْرَبْزُد (2) صَاحِبِ أَبِي بَكْرٍ بنِ المُقْرِئِ، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ بَكْرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
__________
(*) التحبير 2 / 103، 104، العبر 4 / 137، النجوم الزاهرة 5 / 319.
(1) في " العبر ": أبو سعيد.
(* *) دول الإسلام 2 / 68، العبر 4 / 143، النجوم الزاهرة 5 / 324، شذرات الذهب 4 / 158.
(2) انظر ضبطه في ترجمة أبي مسلم محمد هذا في الجزء الثامن عشر برقم (79).

(20/245)


حِيْدٍ، وَالحَافِظِ مَسْعُوْدِ بنِ نَاصرٍ السِّجْزِيِّ، وَعَبْدِ الجَبَّارِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ برزَةَ الوَاعِظِ، وَأَبِي (1) سهلٍ حَمْدِ بنِ وَلْكِيْزَ، وَأَبِي (1) بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ العَطَّارِ المُسْتَمْلِي، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ الكَرَوْنِي، وَأَبِي (1) طَاهِرٍ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ النَّقَّاشِ، وَالحَسَنِ بنِ عُمَرَ بنِ يُوْنُسَ، وَعَائِشَةَ بِنْتِ الحَسَنِ الوَرْكَانِيَّةِ، وَانْفَرَدَ فِي الدُّنْيَا عَنْهُم.
وَأَوّلُ سَمَاعِهِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ (2) ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ الشِّيْرَازِيُّ، وَزَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ الثَّقَفِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مَاشَاذه، وَيُوْسُفُ وَخضرٌ ابْنَا مَعْمَرِ بنِ الفَاخرِ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَحْمُوْدِ بنِ خُمَارتَاش الوَاعِظُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَحْمُوْدٍ الصَّبَّاغُ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَارقَانِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، آخرُهُم مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ المَدِيْنِيُّ.
وَهُوَ رَاوِي نُسْخَةِ مَأْمُوْنٍ.
عُمِّرَ دَهْراً، مُمَتَّعاً بِحَوَاسِّهِ.
مَاتَ: فِي سَابعِ صفرٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

162 - ابْنُ البُنِّ الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَسَدِيُّ *
الشَّيْخُ، الفَقِيْهُ، العَالِمُ، المُسْنِدُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو القَاسِمِ الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَسَدِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، الشَّافِعِيُّ، ابْنُ البُنِّ.
__________
(1) في الأصل: وأبا.
(2) انظر " مشيخة " ابن عساكر: ق 28 / 2.
(*) التحبير 1 / 227، 228، المشتبه: 95 و649، العبر 4 / 143، دول الإسلام 2 / 68، طبقات الاسنوي 1 / 255، النجوم الزاهرة 5 / 324، الدارس 1 / 182، شذرات الذهب 4 / 158، تهذيب تاريخ دمشق لبدران 4 / 294.

(20/246)


مَوْلِدُهُ: فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ 466.
سَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ بنَ أَبِي العَلاَءِ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ الحَسَنَ بنَ أَبِي الحَدِيْدِ، وَالفَقِيْهَ نَصْرَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ المَقْدِسِيَّ - وَبِهِ تَفَقَّهَ - وَأَبَا البَرَكَاتِ ابْنَ طَاوُوْسٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ وَابْنُهُ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَأَبُو المَوَاهِبِ بنُ صَصْرَى، وَأَخُوْهُ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ صَصْرَى، وَالقَاضِي أَبُو القَاسِمِ بنُ الحَرَسْتَانِيِّ، وَحَفِيْدُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ البُنِّ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ كَثِيْرَ الرِّوَايَةِ.
ذَكَرَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ، فَقَالَ: خَلَطَ عَلَى نَفْسِهِ، لَكنَّهُ تَابَ تَوبَةً نصوحاً، وَكَانَ حَسَنَ الظَّنِّ بِاللهِ (1) .
مَاتَ: فِي نِصْفِ رَبِيْعٍ الآخر، سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَدُفِنَ بِمَقْبُرَةِ بَابِ الفَرَادِيْس.
وَفِيْهَا مَاتَ: إِسْمَاعِيْلُ الحمَّامِيُّ المُعَمَّرُ (2) ، وَأَتسزُ بنُ مُحَمَّدٍ صَاحِبُ خُوَارِزْم (3) ، وَسَلْمَانُ بنُ مَسْعُوْدٍ الشَّحَّامُ (4) ، وَعَتِيْقُ بنُ أَحْمَدَ الأَزْدِيُّ الأَنْدَلُسِيُّ (5) ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَحْمُوية الأَزْدِيُّ الفَقِيْهُ (6) ، وَالوَاعِظُ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ الغَزْنوِيُّ (7) ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ سلاَمَةَ
__________
(1) انظر " تهذيب تاريخ دمشق " لبدران 4 / 294.
(2) تقدمت ترجمته برقم (161).
(3) سترد ترجمته برقم (215).
(4) سترد ترجمته برقم (216).
(5) مترجم في " العبر " 4 / 143 و" شذرات الذهب " 4 / 158.
(6) سترد ترجمته برقم (227).
(7) سترد ترجمته برقم (217).

(20/247)


الرُّطَبِيُّ (1) ، وَالقُدْوَةُ أَبُو البَيَانِ نَبَأُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَحْفُوْظٍ بِدِمَشْقَ (2) ، وَالمعينُ يَحْيَى بنُ سَلاَمَةَ الحَصْكَفِيُّ (3) ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ البَاقِي الغَزَّالُ (4) .

163 - ابْنُ مَطْكُودٍ أَبُو القَاسِمِ نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ السُّوْسِيُّ *
الشَّيْخُ، أَبُو القَاسِمِ نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُقَاتِلِ بنِ مَطْكُوْدٍ السُّوسِيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ.
سَمِعَ مِنْ: جدِّهِ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ أَبِي العَلاَءِ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي الحَدِيْدِ، وَسَهْلِ بنِ بِشْرٍ.
وَعَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ (5) وَابْنُهُ، وَأَبُو المَوَاهِبِ، وَأَخُوْهُ أَبُو القَاسِمِ، وَطَرْخَان الشَّاغورِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: شَيْخٌ مَسْتُوْرٌ، لَمْ يَكُنِ الحَدِيْثُ مِنْ شَأْنِهِ، مَاتَ فِي تَاسِعَ عَشَرَ رَبِيْعٍ الأَوّلِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
أَخُوْهُ:

164 - عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُقَاتلٍ **
يَرْوِي عَنْ: أَبِي القَاسِمِ بنِ أَبِي العَلاَءِ، فَكَانَ آخِرَ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ بِـ (جُزْءِ الصِّفَةِ) لابْنِ هَارُوْنَ.
__________
(1) سترد ترجمته برقم (185).
(2) سترد ترجمته برقم (219).
(3) سترد ترجمته برقم (213).
(4) مترجم في " المنتظم " 10 / 168.
(*) العبر 4 / 134، شذرات الذهب 4 / 151.
(5) انظر " مشيخة " ابن عساكر: ق 232 / 1.
(* *) لم نعثر على مصدر ترجمة له.

(20/248)


رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ وَابْنُهُ، وَالحُسَيْنُ بنُ صَصْرَى، وَزَينُ الأُمنَاءِ، وَمُكْرَمُ بنُ أَبِي الصَّقْرِ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ: سَنَةَ سِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

165 - ابْنُ أَبِي مَرْوَانَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الأَنْصَارِيُّ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو عُمَرَ، وَأَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ ابنُ أَبِي مَرْوَانَ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، الإِشْبِيْلِيُّ.
قَالَ الأَبَّارُ: سَمِعَ مِنْ: شُرَيحِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَأَبِي الحَكَمِ بنِ حَجَّاجٍ، وَمفرِّجِ بنِ سعَادَةَ، وَكَانَ حَافِظاً مُحَدِّثاً، فَقِيْهاً ظَاهِرِيّاً، لَهُ كِتَابُ (الْمُنْتَخب المنتقَى) فِي الحَدِيْثِ، وَعَلَيْهِ بَنَى عَبْدُ الحَقِّ (1) (أَحكَامَهُ)، تَلْمَذَ لَهُ عَبْدُ الحَقِّ.
اسْتُشْهِدَ فِي كَائِنَةِ لَبْلَةَ (2) ، فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

166 - حَامِدُ بنُ أَبِي الفَتْحِ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ المَدِيْنِيُّ **
أَبُو عَبْدِ اللهِ المَدِيْنِيُّ، الحَافِظُ، مِنْ أَعْيَانِ الطَّلبَةِ.
سَمِعَ: أَبَا عليٍّ الحَدَّادَ، وَيَحْيَى بنَ مَنْدَةَ، وَهِبَةَ اللهِ بنَ الحُصَيْنِ، وَطَبَقَتَهُم.
__________
(*) أعلام الزركلي 1 / 164.
(1) وهو الحافظ عبد الحق بن عبد الرحمن الأزدي الاشبيلي، المتوفى سنة 581 ه، ستأتي ترجمته في الجزء الحادي والعشرين برقم (99).
وقد صنف في الاحكام كتابين هما " الاحكام الكبرى " و" الاحكام الصغرى " انظر " تذكرة الحفاظ " 4 / 1350، 1351، و" كشف الظنون " 1 / 19 و20.
(2) لبلة: قصبة كورة بالاندلس كبيرة إلى الغرب من قرطبة، وتعرف بالحمراء. انظر " معجم البلدان " 2 / 301 و5 / 10.
(* *) لم نعثر على مصدر ترجمه، وسيكرر المؤلف ترجمته بعد الترجمة رقم (198).

(20/249)


وَعَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَسَدٍ، وَعَبْدُ الرَّحِيْمِ وَلَدُ السَّمْعَانِيِّ.
وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ العُبَّادِ الزُّهَّادِ.
قَالَ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ: مَاتَ بِيَزْدَ (1) ، فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

167 - حَمْزَةُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بحسول أَبُو الفَتْحِ الهَمَذَانِيُّ *
الإِمَامُ المُفِيْدُ، أَبُو الفَتْحِ الهَمَذَانِيُّ، نَزِيْلُ هَرَاةَ، ثُمَّ بَلْخَ.
ذَكَرَهُ السَّمْعَانِيُّ، فَقَالَ: عَارِفٌ بِطُرُقِ الحَدِيْثِ، سَافرَ الكَثِيْرَ، وَدَخَلَ بَغْدَادَ، وَسَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ بنَ بيَانٍ، وَابْنَ نَبْهَانَ، وَغَانِماً البُرجِيَّ، وَالحَدَّادَ، وَخَلْقاً.
وَعَقَدَ مَجْلِسَ الإِملاَءِ بِبَلْخَ، سَمِعُوا بِهَرَاةَ الكَثِيْرَ بقِرَاءاتِهِ، تُوُفِّيَ بِبَلْخَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

168 - عَلِيُّ بنُ حَيْدَرَةَ بنِ جَعْفَرٍ أَبُو طَالِبٍ الحُسَيْنِيُّ **
نَقيبُ الأَشْرَافِ، أَبُو طَالِبٍ الحُسَيْنِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ.
سَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ بنَ أَبِي العَلاَءِ، وَالفَقِيْهَ نَصْرَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ.
وَعَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ (2) ، وَابْنُهُ، وَأَبُو المَوَاهِبِ بنُ صَصْرَى، وَأَخُوْهُ الحُسَيْنُ.
__________
(1) وهي مدينة متوسطة بين نيسابور وشيراز وأصبهان. " معجم البلدان " 5 / 435.
(*) لم نعثر على مصدر ترجمة له.
(* *) لم نعثر على مصدر ترجمة له.
(2) انظر " مشيخة " ابن عساكر: ق 143 / 1.

(20/250)


مَاتَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعنَا مِنْ طرِيقِهِ السَّابِعِ مِنْ (فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ) لِخَيْثَمَةَ (1) .

169 - ابْنُ دَادَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ حُسَيْنٍ الجَرْبَاذْقَانِيُّ *
العَلاَّمَةُ، القُدْوَةُ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ حُسَيْنٍ الجَرْبَاذْقَانِيُّ.
سَمِعَ: غَانِماً الجُلُودِيَّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ مُحَمَّدٍ الحَافِظَ، وَفَاطِمَةَ بِنْتَ البَغْدَادِيِّ، وَبِبَغْدَادَ الأُرْمَوِيَّ، وَابْنَ نَاصرٍ، وَلاَزَمَهُ.
وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَكَانَ ثِقَةً، مُتْقِناً، مُتَثَبِّتاً، صَاحِبَ فِقهٍ وَفنُوْنٍ، مَعَ الزُّهْدِ وَالقنَاعَةِ.
عَظَّمَ قدرَهُ ابْنُ الأَخْضَرِ، وَأَطنبَ فِي وَصْفِهِ.
وَقَالَ المُحَدِّثُ أَبُو الفَضْلِ بنُ شَافعٍ: هَذَا الشَّخْصُ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ زُهْداً وَعلماً وَتَفنُّناً فِي العُلُوْمِ، تَحقّقَ بِعُلُوْمٍ، وَصَارَ فِيْهَا مُنْتَهياً، يُشَارُ إِلَيْهِ فِي جُلِّ غَوَامِضِهَا، وَكَانَ شَافِعِيّاً، لَوْ عَاشَ لَكَانَتِ الرِّحلَةُ إِلَيْهِ مِنَ الآفَاقِ.
تُوُفِّيَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، عَنِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً وَأَيَّامٍ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.

170 - الكُشْمِيْهَنِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدٍ **
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الخَطِيْب، الزَّاهِد، شَيْخ الصُّوْفِيَّة، أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ
__________
(1) ابن سليمان بن حيدرة القرشي الشامي، المتوفى سنة 343 ه، مرت ترجمته في الجزء الخامس عشر برقم (230).
(*) الاستدراك: باب دادا ودارا، توضيح المشتبه 2 / ق 2، شذرات الذهب 4 / 154.
(* *) التحبير 2 / 150 - 152، العبر 4 / 133، تذكرة الحفاظ 4 / 1313، مرآة الجنان =

(20/251)


عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدِ بنِ أَبِي تَوبَةَ الكُشْمِيْهَنِيّ، المَرْوَزِيّ.
سَمِعَ (صَحِيْح البُخَارِيِّ) بقِرَاءة أَبِي جَعْفَرٍ الهَمَذَانِيِّ عَلَى المُعَمَّر أَبِي الخَيْرِ مُحَمَّدِ بن أَبِي عِمْرَانَ الصَّفَّار فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَسَمِعَ مِنَ: الإِمَام أَبِي المُظَفَّرِ بن السَّمْعَانِيّ، وَمِنْ أَبِي الفَضْلِ مُحَمَّد بن أَحْمَدَ المِيْهَنِيِّ العَارِف، وَهِبَة اللهِ بن عَبْدِ الوَارِثِ.
وَكَانَ مَوْلِدُهُ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ، وَشَرِيْفَة بِنْت أَحْمَد الغَازِي، وَمَسْعُوْدُ بنُ مَحْمُوْدٍ المَنِيْعِيّ، وَعَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ أَبِي سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحِيْمِ: سَمِعْتُ مِنْهُ (الصَّحِيْح) مرَّتين.
وَقَالَ أَبُو سَعْدٍ (1) : كَانَ شَيْخَ مَرْوَ فِي عَصرِهِ، تَفَقَّهَ عَلَى جَدِّي وَصَاهره، وَكَانَ لِي مِثْلُ الوَالِد، وَكَانَ حَسَنَ السيرَة، عَالِماً سخياً، مُكرماً لِلْغربَاء.
مَاتَ: فِي الثَّالِث وَالعِشْرِيْنَ مِنْ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَمَاتَ فِيْهَا: ابْن الطَّلاَّيَةِ (2) ، وَأَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ مُنَيْرٍ الرّفَاء شَاعِر
__________
= 3 / 291، 292، طبقات السبكي 6 / 124، 125، طبقات الاسنوي 2 / 351، الجواهر المضية 2 / 76، 77، النجوم الزاهرة 5 / 305، شذرات الذهب 4 / 150.
والكشميهني: نسبة إلى إحدى قرى مرو، ضبطها السمعاني بكسر الميم، وضبطها ياقوت بفتحها.
(1) انظر " التحبير " 2 / 150، 151.
(2) سترد ترجمته برقم (177).

(20/252)


الوَقْت (1) ، وَقَاضِي الجَمَاعَة أَبُو جَعْفَرٍ حَمدين بن مُحَمَّدِ بنِ حَمدين القُرْطُبِيّ (2) ، وَطَاغِيَة الرُّوْم رُجَّار الْمُتَغَلب عَلَى صَقِلِّيَّة (3) ، وَمُحَدِّث بَغْدَاد أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الخَالِقِ (4) بنُ أَحْمَدَ بنِ يُوْسُفَ، وَأَبُو الفَضْلِ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الإِخْوَةِ (5) ، وَأَبُو الفَتْحِ الكَرُوْخِي المُجَاوِر (6) ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ البَلْخِيّ مُدَرِّس الصَّادرِيَة (7) ، وَالعَادل عَلِيّ بن السَّلاَّرِ صَاحِب مِصْر (8) ، قِيْلَ: وَالفَضْل بن سَهْلِ بنِ بِشْرٍ الإِسْفَرَايِيْنِي (9) ، وَأَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكَنْجَرُوْذِيّ، وَالأَفْضَل مُحَمَّد بن الكَرِيْم (10) بن أَحْمَدَ الشَّهْرَستَانِي صَاحِب (الْملَل وَالنحل)، وَالحَافِظ مُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ السِّنْجِيّ (11) خطيب مَرْو، وَشَاعِر زَمَانِهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ القَيْسَرَانِيّ (12) ، وَشيخ الشَّافِعِيَّة مُحَمَّد بن يَحْيَى النَّيْسَابُوْرِيّ (13) ، وَنَصْر بن أَحْمَدَ بنِ مقَاتل السُّوْسِيّ (14) ، وَهِبَة اللهِ الحَاسِب (15) ، وَالقُدْوَة أَبُو الحُسَيْنِ المَقْدِسِيّ الزَّاهِد (16) .
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (143).
(2) تقدمت ترجمته برقم (159).
(3) مترجم في المختصر 3 / 27، العبر 4 / 130، تتمة المختصر 2 / 84، وشذرات الذهب 4 / 147.
(4) سترد ترجمته برقم (187).
(5) سترد ترجمته برقم (188).
(6) سترد ترجمته برقم (183).
(7) سترد ترجمته برقم (184).
(8) سترد ترجمته برقم (189).
(9) تقدمت ترجمته برقم (145).
(10) في الأصل: عبد الرحيم، وهو خطأ، وسترد ترجمته برقم (194).
(11) سترد ترجمته برقم (192).
(12) تقدمت ترجمته برقم (144).
(13) سترد ترجمته برقم (208).
(15) تقدمت ترجمته برقم (163).
(14) سترد ترجمته برقم (173).
(16) سترد ترجمته برقم (258).

(20/253)


171 - عَبْدُ الخَالِقِ بنُ زَاهِرِ بنِ طَاهِرِ بنِ مُحَمَّدٍ الشَّحَّامِيُّ *
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الثِّقَة، المُحَدِّثُ، أَبُو مَنْصُوْرٍ النَّيْسَابُوْرِيّ، الشَّحَّامِيّ.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: جدّه، وَعُثْمَان بن مُحَمَّدٍ المَحْمِيّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ خَلَفٍ، وَأَبِي القَاسِمِ عَبْد الرَّحْمَنِ بن أَحْمَدَ الوَاحِدِيّ، وَالفَضْل بن أَبِي حَرْب، وَمُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْلَ التفليسِي، وَمُحَمَّد بن سَهْلٍ السَّرَّاج، وَعَبْد المَلِكِ بن عَبْدِ اللهِ الدَّشْتِي، وَأَبِي المُظَفَّرِ مُوْسَى بن عِمْرَانَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الصَّرَّام، وَهِبَةِ اللهِ بنِ أَبِي الصَّهْبَاءِ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ حَسَّانٍ البُسْتِيِّ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ (1) ، وَالسَّمْعَانِيّ، وَابْنه؛ عَبْد الرَّحِيْمِ بن أَبِي سَعْدٍ، وَالمُؤَيَّد الطُّوْسِيّ، وَالصَّفَّار قَاسم بن عَبْدِ اللهِ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ ثِقَةً، صَدُوْقاً، حَسَنَ السِّيْرَةِ وَالمُعَاشَرَة، لَطيفَ الطَّبعِ، مُكْثِراً مِنَ الحَدِيْثِ، وَلَمَّا كبر كَانَ يَسْتَملِي لِلشُّيُوْخ وَالأَئِمَّة كَأَبِيْهِ وَجده، وَلَمَّا شَاخَ أَملَى بِمَوْضِع أَبِيْهِ وَجده بِالجَامِع المَنِيْعِيّ (2) ، وَفُقد فِي كَائِنَة الغُزِّ، فَلاَ يُدْرَى قُتِلَ أَوْ هَلَكَ مِنَ الْبرد؟ ثُمَّ سَمِعْتُ بَعْدُ أَنَّهُ أُحرق.
كَتَبَ إِلَيْنَا أَبُو العَلاَءِ الفَرَضِيّ: أَن عَبْد الخَالِقِ مَاتَ فِي العقوبَة وَالمطَالبَة
__________
(*) التقييد: ق 163 ب، العبر 4 / 137، دول الإسلام 2 / 66، النجوم الزاهرة 5 / 319، شذرات الذهب 4 / 153، 154.
(1) انظر " مشيخة " ابن عساكر: ق 104 / 2.
(2) انظر " معجم البلدان " 5 / 217.

(20/254)


فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: وَكَانَ مُتمَيِّزاً فِي الشُّرُوط.
وَمَاتَ مَعَهُ فِي سَنَةِ تِسْع: أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ طَاهِرِ بن سَعِيْدِ ابْنِ الإِمَامِ القُدْوَةِ فَضْلِ اللهِ المِيْهَنِيّ عَنْ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً (1) ، وَالحَافِظُ أَبُو عُمَرَ أَحْمَد بن أَبِي مَرْوَانَ عَبْد المَلِكِ بن مُحَمَّدٍ الإِشْبِيْلِيّ (2) ، وَالظَّافر إِسْمَاعِيْل ابْن الحَافِظ مِنْ خُلَفَاء مِصْر (3) ، وَالمُحَدِّث حَمْزَة بن مُحَمَّدِ بنِ بحسول الهَمَذَانِيّ (4) ، وَأَبُو الفَتْحِ سَالِم بن عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ العُمَرِيّ الهَرَوِيّ، وَعَائِشَة (5) بِنْت أَحْمَد بن مَنْصُوْرٍ الصَّفَّار، وَالعَبَّاس بن مُحَمَّدِ بنِ أَبِي مَنْصُوْرٍ العَصَّارِيّ عَبَّاسَةُ الوَاعِظ (6) ، وَأَبُو البَرَكَاتِ بن الفُرَاوِيّ (7) ، وَأَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ جَامِع الصَّيْرَفِيّ خَيَّاط الصُّوف (8) ، وَأَبُو العَشَائِرِ مُحَمَّدُ بنُ خَلِيْلِ القَيْسِيّ (9) ، وَالقَاضِي فَخْر الدِّيْنِ مُحَمَّد بن عَبْدِ الصَّمَدِ بن الطَّرَسُوْسِيِّ الحَلَبِيّ نَاظر الوُقُوْف، وَأَبُو المُعَمَّر المُبَارَك بن أَحْمَدَ الأَزجِي المُحَدِّث (10) ، وَوزِيْر دِمَشْق الْمسيب بن الصُّوْفِيّ (11) ، وَنَاصر بن مَحْمُوْدٍ الصَّائِغ بِدِمَشْقَ،
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (127).
(2) تقدمت ترجمته برقم (165).
(3) مرت ترجمته في الجزء الخامس عشر برقم (76).
(4) تقدمت ترجمته برقم (167).
(5) انظر " أعلام النساء " لكحالة 3 / 7.
(6) سترد ترجمته برقم (195).
(7) تقدمت ترجمته برقم (146).
(8) تقدمت ترجمته برقم (160).
(9) سترد ترجمته برقم (198).
(10) سترد ترجمته برقم (176).
(11) تقدمت ترجمته برقم (158).

(20/255)


وَالفَقِيْه وَهْب بن سَلْمَانَ بن الزَّنفِ (1) ، وَأَبُو المَحَاسِنِ نَصْرُ بنُ المُظَفَّرِ البَرْمَكِيُّ (2) .

172 - عَبْدَانُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ زَرِّيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ الدُّوِيْنِيُّ *
المُقْرِئُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدَانُ بنُ زَرِّيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ الدُّوِيْنِيُّ (3) ، الضَّرِيرُ، نَزل دِمَشْقَ.
وَرَوَى عَنِ: الفَقِيْه نَصْرٍ، وَأَبِي البَرَكَاتِ بنِ طَاوُوْسٍ.
وَعَنْهُ: الحَافِظ وَابْنه القَاسِم، وَأَبُو المَحَاسِنِ بن أَبِي لُقْمَةَ.
مَاتَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو جعفَرَك أَحْمَد بن عَلِيٍّ البَيْهَقِيّ المُفَسِّرُ صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ (4) ، وَالقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ الأَرَّجَانِيّ قَاضِي تُسْتَر، وَكَانَ شَاعِر الْعَصْر (5) ، وَأَسَعْد بن عَلِيِّ بنِ المُوَفَّق بِهَرَاةَ (6) ، وَنَائِب دِمَشْق مُعِيْن الدِّيْنِ أَنُر الطُّغْتِكِيْنِيّ (7) ، وَأَبُو الفُتُوْحِ عَبْد اللهِ بن عَلِيٍّ الخركوشِي، وَالحَافِظ لِدِيْنِ اللهِ العُبَيْدِي (8) ، وَأَبُو الحَسَنِ المُرَادِيّ
__________
(1) تقدم ضبطه في حواشي الترجمة (115) ص: 179.
(2) سترد ترجمته برقم (178).
(*) المشتبه: 316، تبصير المنتبه 2 / 602.
(3) سيضبط المؤلف هذه النسبة مع تعريفها في الترجمة الواردة برقم (369).
(4) تقدمت ترجمته برقم (132).
(5) تقدمت ترجمته برقم (134).
(6) تقدمت ترجمته برقم (135).
(7) تقدمت ترجمته برقم (148).
(8) مرت ترجمته في الجزء الخامس عشر برقم (75).

(20/256)


بِحَلَبَ (1) ، وَالقَاضِي عِيَاض بِسَبتَةَ (2) ، وَالنَّحْوِيُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مَسْعُوْدٍ ابْن أَبِي رُكَبٍ الخُشَنِيّ (3) .

173 - هِبَةُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ المُعَمَّرُ، المُسْنِدُ، أَبُو القَاسِمِ بنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي شَرِيْكٍ البَغْدَادِيّ الحَاسِب.
قَالَ: وُلِدَتْ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَأَبَا الحُسَيْنِ بنَ النَّقُّوْرِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَتَبْتُ عَنْهُ، وَكَانَ عَلَى التركَاتِ، وَكَانَتِ الأَلسَنَة مُجمعَةً عَلَى الثَّنَاء السَّيِّئ عَلَيْهِ، وَكَانُوا يَقُوْلُوْنَ: إِنَّهُ لَيْسَتْ لَهُ طرِيقَة مَحْمُوْدَة، مَاتَ فِي صَفَرٍ - أَوْ أَوَائِل رَبِيْعٍ الأَوّلِ - سَنَة ثَمَانٍ (4) وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: وَرَوَى عَنْهُ: أَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ، وَأَبُو الفُتُوْحِ مُحَمَّد بن عَلِيٍّ الجُلاَجِلِيّ، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَآخَرُوْنَ، وَأَجَازَ لِمُحَمَّدِ بنِ عِمَادٍ الحَرَّانِيّ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ الكَاتِبُ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ أَبِي شَرِيْكٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (122).
(2) تقدمت ترجمته برقم (136).
(3) تقدمت ترجمته برقم (155).
(*) الأنساب 4 / 19، العبر 4 / 134، شذرات الذهب 4 / 158، ميزان الاعتدال 4 / 292.
(4) ذكر السمعاني وفاته في " الأنساب " سنة سبع.

(20/257)


عليّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ العَلاَءِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ خَالِدٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ جَهَّزَ غَازِياً أَوْ حَاجّاً أَوْ مُعْتَمِراً أَوْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ، فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ).

174 - الحُرْضِيُّ مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ *
المُعَمَّرُ، الصَّالِحُ، أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ الحُرْضِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ، مِنْ بَيْتِ حِشْمَةٍ، نَزلَ بِهِ الزَّمَانُ.
سَمِعَ: القُشَيْرِيّ، وَيَعْقُوْبَ بنَ أَحْمَدَ الصَّيْرَفِيَّ، وَالفَضْل بن المُحِبِّ، وَعُثْمَان المَحْمِيّ.
وَعَنْهُ: عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ السَّمْعَانِيّ، وَأَبُوْهُ.
تُوُفِّيَ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ تِسْعُوْنَ سَنَةً.

175 - الرُّشَاطِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ **
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُتْقِن، النَسَّابَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ
__________
(1) إسناده ضعيف لتدليس ابن جريج، وأورده السيوطي في " الجامع الكبير " ص 770 ونسبه للبيهقي في " الشعب " وأخرجه دون قوله " أو حاجا أو معتمرا " من حديث زيد بن خالد البخاري (2843)، ومسلم (1895) وأبو داود (2509) والترمذي (1628) و(1631) والنسائي 6 / 46، وأحمد 4 / 115، و116، و5 / 192، والدارمي 2 / 209، وابن ماجه (2759).
(*) المشتبه 1 / 225، العبر 4 / 127، تبصير المنتبه 2 / 494، النجوم الزاهرة 5 / 303، شذرات الذهب 4 / 145.
(* *) الصلة 1 / 297، بغية الملتمس: 349، معجم البلدان 3 / 45، المطرب: 61 و120، معجم ابن الابار: 227 - 233، وفيات الأعيان 3 / 106، 107، تذكرة الحفاظ 4 / 1307، 1308، البداية والنهاية 12 / 223، نفح الطيب 4 / 462، كشف الظنون: 134، تاج العروس 5 / 143 (رشط)، هدية العارفين 1 / 456، والرشاطي: قال ياقوت: رشاطة: أظنها بلدة بالعدوة.
وفي شرح القاموس (رشط): الرشاطي ضبطوه بالفتح وبالضم، =

(20/258)


عَبْد اللهِ بن عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ اللَّخْمِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، المَرِيِّيُّ، الرُّشَاطِيُّ.
يَرْوِي عَنْ: أَبِي عَلِيٍّ الغَسَّانِيِّ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ الدُّش، وَأَبِي عَلِيٍّ بنِ سُكَّرَةَ، وَابْنِ فَتحُوْنَ، وَجَمَاعَة.
وَصَنَّفَ - فِيمَا ذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ بنُ الزُّبَيْرِ - كِتَابَهُ الحَافل المُسَمَّى بِـ (اقتبَاسِ الأَنوَارِ، وَالتمَاسِ الأَزهَارِ، فِي أَنسَابِ رُوَاةِ الآثَارِ (1))، وَكِتَابَ (الإِعلاَم بِمَا فِي كِتَابِ المُخْتَلِف وَالمُؤتَلِفِ لِلدرَاقطنِي مِنَ الأَوهَام)، وَكِتَابَ انتصَاره مِنَ القَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ عَطِيَّةَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ.
وَكَانَ ضَابطاً، مُحَدِّثاً، مُتْقِناً، إِمَاماً، ذَاكراً لِلرِجَال، حَافِظاً لِلتَّارِيخ وَالأَنسَاب، فَقِيْهاً، بارعاً، أَحَدَ الجلَّة المُشَار إِلَيْهِم.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ (2) عُبَيْدِ اللهِ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ خَيْر (3) ، وَابْن مَضَاء، وَأَبُو خَالِدٍ (4) بنُ رِفَاعَةَ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ (2) عَبْدِ الرَّحِيْمِ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي جَمْرَةَ (5) ...
__________
= فمن قال بالفتح يقول: أحد أجداده اسمه رشاطة، فنسب إليه، ومن قال بالضم يقول: نسب إلى حاضنة له كانت أعجمية تدعى برشاطة، أو كانت تلاعبه فتقول رشاطة، فنسب إليها.
أما ابن خلكان فقال: هذه النسبة ليست إلى قبيلة ولا إلى بلد، بل ذكر (أي صاحب الترجمة) في كتابه المذكور أن أحد أجداده كانت في جسمة شامة كبيرة، وكانت له حاضنة أعجمية، فإذا لاعبته قالت له: رشطالة، وكثر ذلك منها، فقيل له: الرشاطي.
(1) في " الصلة " و" الوفيات " و" كشف الظنون ":..في أنساب الصحابة ورواة الآثار.
وهو أحد الكتب التي اعتمدها الحافظ ابن حجر في كتابه " تبصير المنتبه " كما ذكر في مقدمته 1 / 2.
وانظر " كشف الظنون " 1 / 134.
(2) سقط لفظ " بن " من " تذكرة الحفاظ ".
(3) في " تذكرة الحفاظ ": حبر.
(4) في " تذكرة الحفاظ ": وابن خالد.
(5) بالجيم والراء، كما ضبطه المؤلف في " المشتبه " 247، وقد تصحف في الأصل إلى حمزة بالحاء والزاي.
وانظر ترجمته في " غاية النهاية " برقم (2747).

(20/259)


إِلَى أَنْ قَالَ: اسْتُشْهِدَ عِنْد دُخُوْلِ العَدُوِّ المرِيَة، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ (1) ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (2) ، وَقَدْ قَارب التِّسْعِيْنَ -رَحِمَهُ اللهُ-.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ وُلِدَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَة سِتٍّ وَسِتِّيْنَ (3) وَأَرْبَعِ مائَةٍ.

176 - الأَزَجِيُّ أَبُو المُعَمَّرِ المُبَارَكُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُفِيْد، أَبُو المُعَمَّرِ المُبَارَكُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الأَنْصَارِيُّ، الأَزَجِيُّ.
سَمِعَ: النِّعَالِيّ، وَابْن البَطِرِ، فَمَنْ بَعْدهَا.
وَعَمِلَ (المُعْجَم) فِي مُجَلَّدٍ.
وَعَنْهُ: السَّمْعَانِيّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ (4) ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَالكِنْدِيُّ.
وَثَّقَهُ: ابْنُ نُقْطَة.
مَاتَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، عَنْ أَرْبَع وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.

177 - ابْنُ الطَّلاَّيَةِ أَحْمَدُ بنُ أَبِي غَالِبٍ بنِ أَحْمَدَ الكَاغَدِيُّ **
الشَّيْخُ الصَّادِقُ، الزَّاهِد، القُدْوَة، بَركَة المُسْلِمِيْنَ، أَبُو
__________
(1) في " معجم " ابن الابار و" وفيات الأعيان ": جمادى الأولى.
(2) في " كشف الظنون " 1 / 134 أن وفاته سنة 466 وهو خطأ، فهذه سنة ولادته كما سيذكر المؤلف. وفي " الصلة ": توفي نحو سنة أربعين.
(3) سقط لفظ " وستين " من " تذكرة الحفاظ ".
(*) المنتظم 10 / 160، العبر 4 / 138، النجوم الزاهرة 5 / 319، كشف الظنون: 2019، شذرات الذهب 4 / 154.
(4) انظر " مشيخة " ابن عساكر: ق 221 / 1.
(* *) الأنساب 8 / 37 (العتابي)، مناقب الامام أحمد: 531، المنتظم 10 / 153، الكامل في التاريخ 11 / 190، مرآة الزمان 8 / 131، 132، العبر 4 / 129، 130، دول =

(20/260)


العَبَّاس (1) أَحْمَد بنُ أَبِي غَالِبٍ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ، عُرِفَ بِابْنِ الطَّلاَّيَةِ الكَاغَدِيُّ، البَغْدَادِيّ.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
رَوَى جُزْءاً عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَلِيٍّ الأَنْمَاطِيّ، وَتَفَرَّد بِهِ، وَهُوَ التَّاسع مِنَ (المُخَلِّصِيَّات) انتقَاء ابْنِ البَقَّال (2) ، وَحفظ القُرْآن.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: شَيْخ كَبِيْر، أَفنَى عُمُره فِي العِبَادَةِ وَالقِيَام وَالصيَام، لَعَلَّهُ مَا صرف سَاعَة مِنْ عُمُره إِلاَّ فِي عبَادَةٍ، وَانْحَنَى حَتَّى لاَ يُتَبَيَّنَ قيَامُهُ مِنْ رُكُوْعِهِ إِلاَّ بِيَسِيْرٍ، وَكَانَ حَافِظاً لِلْقُرْآنِ، لاَ يَقبل مِنْ أَحَدٍ شَيْئاً، وَلَهُ كفَايَةٌ يَتقنَّعُ بِهَا، دَخَلتُ عَلَيْهِ فِي مسجِدِه مَرَّاتٍ بِالعَتَّابِيِّين (3) ، وَسَأَلتُهُ: هَلْ سَمِعْتُ شَيْئاً؟
فَقَالَ: سَمِعْتُ مِنْ أَبِي القَاسِمِ عَبْدِ العَزِيْزِ الأَنْمَاطِيِّ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: مَا ظَفِرْنَا بِذَلِكَ، لَكِن قَرَأْتُ عَلَيْهِ (الرَّد عَلَى الجَهْمِيَّة) لنِفْطَوَيْه، سَمِعَهُ مِنْ أَبِي العَبَّاسِ بن قُرَيْش، وَحضر سَمَاعه مَعَنَا شَيْخنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْدِي.
قُلْتُ: ظهر سَمَاعُه مِنَ الأَنْمَاطِيّ بَعْد فِرَاق الحَافِظ أَبِي سَعْدٍ بَغْدَاد، فَرَوَى عَنْهُ الجُزْءَ: يُوْنُس بن يَحْيَى الهَاشِمِيّ، وَأَحْمَد بن الحَسَنِ العَاقُوْلِيّ،
__________
= الإسلام 2 / 64، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 65، الوافي بالوفيات 7 / 277، ذيل طبقات الحنابلة 1 / 224، النجوم الزاهرة 5 / 304، شذرات الذهب 4 / 145، 146، وذكر في " الوافي " و" المستفاد " أن والدته كانت تطلي الورق عند عمله بالدقيق المعجون بالماء رقيقا قبل صقله، فاشتهرت بذلك.
وقد تصحف في " مناقب الامام أحمد " إلى " الطلابة " بالباء الموحدة.
(1) في " الأنساب ": أبو الخير.
(2) راجع الصفحة (134) ت رقم (3) من حواشي الترجمة رقم (81).
(3) محلة ببغداد.
انظر " المشتبه " 441، و" الأنساب " 8 / 37.

(20/261)


وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ السِّمِّذِيُّ، وَعَلِيّ بن أَحْمَدَ بنِ العُرَيْبِيِّ، وَشُجَاع البَيْطَار، وَمُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ البَلِّ، وَسَعِيْد بن المُبَارَكِ بن كَمُّونَة، وَعُبَيْد اللهِ بنُ أَحْمَدَ المَنْصُوْرِيُّ، وَعُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، وَأَحْمَدُ بنُ الأَصْفَرِ، وَرَيْحَانُ بنُ تيكَانَ الضّرِيرُ، وَمُظَفَّر بن أَبِي يَعْلَى بن جَحْشويه، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بن تُمَيْرَةَ، وَعَبْد اللهِ بن مَحَاسِنَ بن أَبِي شَرِيْكٍ، وَعَبْد الخَالِقِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصيَّادُ، وَعَبْد السَّلاَمِ بن المُبَارَكِ البَردَغُولِيُّ، وَأَحْمَد بن يُوْسُفَ بنِ صِرْمَا، وَالمُبَارَك بن عَلِيِّ بنِ أَبِي الجُوْدِ شَيْخُ الأَبَرْقُوْهِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو المُظَفَّرِ ابنُ الجَوْزِيّ (1) : سَمِعْتُ مَشَايِخ الحَرْبِيَّة (2) يَحكُوْن عَنْ آبَائِهِم وَأَجدَادهِم: أَنَّ السُّلْطَان مسعُوْداً (3) لَمَّا أَتَى بَغْدَاد، كَانَ يُحبّ زِيَارَة العُلَمَاء وَالصَّالِحِيْنَ، فَالتمسَ حُضُوْر ابْنِ الطَّلاَّيَةِ، فَقَالَ لِلرَّسُوْلِ: أَنَا فِي هَذَا المَسْجَد أنْتَظر دَاعِي الله فِي النَّهَار خَمْس مَرَّات.
فَذَهَبَ الرَّسُولُ، فَقَالَ السُّلْطَان: أَنَا أَوْلَى بِالمَشْي إِلَيْهِ.
فَزَاره، فَرَآهُ يُصَلِّي الضُّحَى، وَكَانَ يُطَوِّلُهَا يُصلِّيهَا بِثَمَانِيَة أَجزَاء، فَصَلَّى مَعَهُ بَعْضهَا، فَقَالَ لَهُ الخَادِم: السُّلْطَان قَائِم عَلَى رَأْسك.
فَقَالَ: أَيْنَ مَسْعُوْد؟
قَالَ: هَا أَنَا.
قَالَ: يَا مَسْعُوْد! اعْدِلْ، وَادعُ لِي، الله أَكْبَر.
ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ، فَبَكَى السُّلْطَان، وَكَتَبَ وَرقَةً بِخَطِّهِ بِإِزَالَة المُكُوْس وَالضّرَائِب، وَتَاب تَوبَة صَادِقَة.
مَاتَ ابْنُ الطَّلاَّيَةِ: فِي حَادِي عشر رَمَضَان، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَحُمِلَ عَلَى الرُّؤُوس، وَكَانَتْ جِنَازَته كَجَنَازَة أَبِي الحَسَنِ بنِ
__________
(1) في " مرآة الزمان " 8 / 132 بأطول مما هنا.
(2) انظر ص 58 ت رقم (3) من حواشي الترجمة (38).
(3) في الأصل: مسعود، والصواب ما أثبتناه.

(20/262)


القَزْوِيْنِيّ (1) ، وَمَا خَلَّف بَعْدَهُ مِثْلَه، دفن إِلَى جَانب أَبِي الحُسَيْنِ بنِ سَمْعُوْنَ (2) - رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى -.

178 - نَصْرُ بنُ المُظَفَّرِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ أَحْمَدَ البَرْمَكِيُّ *
ابْنِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ خَالِدِ بنِ بَرْمَكَ بنِ آذَرْوَندَارَ المَوْلَى، الرَّئِيْس، أَبُو المَحَاسِنِ البَرْمَكِيُّ، الجُرْجَانِيُّ، ثُمَّ الهَمَذَانِيُّ، المُلَقَّب بِالشَّخْص العَزِيْز، أَخُو أَبِي الفُتُوْح الفَتْح.
مَوْلِدُهُ: بِبَغْدَادَ، بَعْد الخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فَإِنَّهُ قَالَ لِلسمِعَانِي: بلغت فِي سَنَةِ الْغَرق سَنَة 466، ثُمَّ اسْتَوْطَنَ هَمَذَان.
سَمِعَ: أَبَا الحُسَيْنِ بنَ النَّقُّوْرِ، وَإِسْمَاعِيْل بن مَسْعَدَةَ بِبَغْدَادَ، وَأَبَا عَمْرٍو عَبْدَ الوَهَّابِ بنَ مَنْدَةَ، وَأَبَا عِيْسَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ زِيَادٍ، وَسُلَيْمَانَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ الحَافِظ بِأَصْبَهَانَ.
وَانْفَرَدَ بِأَكْثَر مَسْمُوْعَاتِهِ، وَعُمِّرَ دَهْراً، وَقَصَدَهُ الطَّلبَةُ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: هُوَ شَيْخٌ مُسِنٌّ، كَانَ يُصَلِّي بِبَعْض الأَترَاكِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ بِشَخصٍ، قَرَأْت عَلَيْهِ كِتَاب (الاسْتِئذَان) لابْنِ المُبَارَكِ.
وَقال ابْن النَّجَّار: أَكْثَر الأَسفَار، وَدَخَلَ خُرَاسَان، وَبُخَارَى، وَسَمَرْقَنْد، وَكَاشغر، وَالسند، وَدِمَشْق.
__________
(1) وهو أبو الحسن علي بن عمر الحربي القزويني، المتوفي سنة 442 ه، مرت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (409).
(2) راجع ص 79 تعليق رقم (1) من حواشي الترجمة (48).
(*) العبر 4 / 138، النجوم الزاهرة 5 / 319، شذرات الذهب 4 / 154.

(20/263)


قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيّ، وَأَبُو العَلاَءِ العَطَّار، وَابْنه عَبْد البِرّ، وَدَاوُد بن مَعْمَرٍ، وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ الرُّوذرَاورِي، وَأَحْمَد بن شَهْرَيَار، وَعَبْد الهَادِي بن عَلِيٍّ الوَاعِظ، وَوَكِيْع بن مَانكديم، وَعَبْدُ الجَلِيْل بن مندويَة، وَعِدَّة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: تُوُفِّيَ لَيْلَة القَدْرِ، سَنَة تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ، فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ.

179 - ابْنُ البَنَّا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، الخَيِّرُ، الصَّدُوْق، مُسْند بَغْدَادَ، أَبُو القَاسِمِ سَعِيْدُ ابْنُ الشَّيْخِ أَبِي غَالِبٍ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ البَنَّا البَغْدَادِيُّ، الحَنْبَلِيّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ بنَ البُسْرِيِّ، وَأَبَا نَصْرٍ الزَّيْنَبِيّ، وَعَاصِمَ بنَ الحَسَنِ، وَجَمَاعَةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ (1) ، وَأَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ بنِ الغَزَّالِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مَحَاسِنَ، وَعَلِيُّ بنُ مُبَارَكٍ الصَّائِغُ، وَرَيْحَان بن تيكَانَ الضّرِير، وَمُوْسَى ابْن الشَّيْخِ عَبْد القَادِر، وَأَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الرَّشِيْدِيّ، وَعَلِيّ بن مُحَمَّدٍ السَّقَّاءُ، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بنُ المُبَارَكِ المُشترِي، وَثَابِتُ بنُ مُشَرِّفٍ، وَصَالِحُ بنُ القَاسِمِ بن كوّر، وَظَفَرُ بنُ سَالِمٍ البَيْطَارُ، وَمِسْمَارُ بن العُويس، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ
__________
(*) المنتظم 10 / 162، العبر 4 / 139، 140، دول الإسلام 2 / 67، النجوم الزاهرة 5 / 321، شذرات الذهب 4 / 155.
(1) انظر " مشيخة " ابن عساكر: ق 71 / 1.

(20/264)


السَّلاَم، وَأَبُو المُنَجَّى عَبْد اللهِ بن اللَّتِّيِّ، خَاتِمَةُ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ، وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: أَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُقَيَّرِ.
تُوُفِّيَ: فِي رَابِعَ عَشَرَ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَمَاتَ أَبُوْهُ (1) : سَنَة بِضْع وَعِشْرِيْنَ.
وَمَاتَ جدّه (2) : سَنَة سَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَمَاتَ وَلده: أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَن بن أَبِي القَاسِمِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ نَحْوٌ مِنْ ثَمَانِيْنَ سَنَةً، يَرْوِي عَنْ: جَعْفَرَ السَّرَّاج، وَأَبِي غَالِبٍ بن البَاقِلاَّنِي.

180 - ابْنُ نَاصِرٍ مُحَمَّدُ بنُ نَاصِرِ بنِ مُحَمَّدٍ السَّلاَمِيُّ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، مُفِيْد العِرَاق، أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ نَاصرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عُمَرَ السَّلاَمِيُّ، البَغْدَادِيُّ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَرُبِّي يَتِيماً فِي كفَالَة جدّه لأُمِّهِ الفَقِيْه أَبِي حِكِيْمٍ الخُبْرِيّ (3) .
__________
(1) أبو غالب أحمد بن الحسن، مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (352).
(2) الحسن بن أحمد، مرت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (182).
(*) الأنساب 7 / 209 (السلامي)، المنتظم 10 / 162، 163، مناقب الامام أحمد: 530، 531، الكامل في التاريخ 11 / 202، اللباب 2 / 161، مرآة الزمان 8 / 138، وفيات الأعيان 4 / 293، 294، دول الإسلام 2 / 67، العبر 4 / 140، تذكرة الحفاظ 4 / 1289 - 1293، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 38 - 40، الوافي بالوفيات 5 / 104 - 106، البداية والنهاية 12 / 233، ذيل طبقات الحنابلة 1 / 225 - 229، النجوم الزاهرة 5 / 320، كشف الظنون: 163، شذرات الذهب 4 / 155، 156، هدية العارفين 2 / 92، إيضاح المكنون 2 / 560، الرسالة المستطرفة: 160.
(3) مرت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (287).

(20/265)


تُوُفِّيَ أَبُوْهُ المُحَدِّث نَاصر شَابّاً، فَلقَّنَهُ جدُّه أَبُو حَكِيْمٍ القُرْآنَ، وَسَمَّعَهُ مِنْ أَبِي القَاسِمِ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ البُسْرِيِّ، وَأَبِي طَاهِرٍ بن أَبِي الصَّقْرِ الأَنْبَارِيّ.
ثُمَّ طلب، وَسَمِعَ مِنْ: عَاصِم بنِ الحَسَنِ، وَمَالِك بن أَحْمَدَ البَانِيَاسِيّ، وَأَبِي الغَنَائِمِ بن أَبِي عُثْمَانَ، وَرِزْق اللهِ التَّمِيْمِيّ، وَطِرَادٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَابْنِ طَلْحَةَ النِّعَالِيّ، وَنَصْرِ بنِ البَطِرِ، وَأَبِي بَكْرٍ الطُّرَيْثِيْثِيّ، وَأَحْمَد بن عَبْدِ القَادِرِ اليُوْسُفِيِّ، وَالحُسَيْنِ بنِ عَلِيِّ بنِ البُسْرِيِّ، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ الخَيَّاط، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ السَّلاَمِ الأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي الفَضْلِ بنِ خَيْرُوْنَ، وَجَعْفَرٍ السَّرَّاج، وَالمُبَارَك بن عَبْدِ الجَبَّارِ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، إِلَى أَنْ يَنْزِل إِلَى أَبِي طَالِبٍ بن يُوْسُفَ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ الحُصَيْنِ، وَالقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَإِسْمَاعِيْل ابْنِ السَّمَرْقَنْدِي.
وَقرَأَ مَا لاَ يُوْصَف كَثْرَةً، وَحصَّل الأُصُوْل، وَجَمَعَ وَأَلَّف، وَبعد صِيْتُهُ، وَلَمْ يَبرع فِي الرِّجَالِ وَالعلل.
وَكَانَ فَصِيْحاً، مليح القِرَاءة، قَوِيّ العَرَبِيَّة، بارعاً فِي اللُّغَة، جمَّ الفَضَائِل.
تَفَرَّد بِإِجَازَات عَالِيَة، فَأَجَازَ لَهُ فِي سَنَةِ بِضْع وَسِتِّيْنَ فِي قرب وِلاَدته الحَافِظُ أَبُو صَالِحٍ أَحْمَد بن عَبْدِ المَلِكِ المُؤَذِّن، وَأَبُو القَاسِمِ الفَضْل بن عَبْدِ اللهِ بنِ المُحِبّ، وَفَاطِمَة بِنْت أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاق، وَالحَافِظُ أَبُو إِسْحَاقَ المِصْرِيّ الحَبَّالُ، وَالحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ بنُ مَاكُوْلاَ، وَأَبُو الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ، وَالخَطِيْب أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ هَزَارْمَرْدَ الصَّرِيْفِيْنِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَلِيَّكَ النَّيْسَابُوْرِيّ، وَعدد سِوَاهُم، بَادر لَهُ أَبُوْهُ -رَحِمَهُ اللهُ- بِالاستجَازَةِ، وَأَخَذَهَا لَهُ مِنَ البِلاَد ابْنُ مَاكُوْلاَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ طَاهِر، وَأَبُو عَامِرٍ العَبْدَرِيّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو

(20/266)


مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، وَأَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، وَأَبُو العَلاَءِ العَطَّارُ، وَأَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ (1) ، وَأَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ سُكَيْنَةَ، وَعَبْد العَزِيْزِ بن الأَخْضَر، وَعَبْد الرَّزَّاقِ بن الجيلِي، وَيَحْيَى بن الرَّبِيْعِ الفَقِيْه، وَالتَّاج الكِنْدِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ البَنَّاءِ الصُّوْفِيُّ، وَالفَقِيْهُ مُحَمَّد بن غَنِيَة، وَدَاوُد بن ملَاعِب، وَعَبْد العَزِيْزِ بن النَّاقِدِ، وَأَحْمَد بن ظَفَرِ بنِ هُبَيْرَةَ، وَمُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، وَأَحْمَد بنُ صِرْمَا، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُفَيجَةَ، وَالحَسَنُ بنُ السَّيِّدِ، وَآخَرُوْنَ، خَاتِمَتُهُم بِالإِجَازَةِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ المُقَيَّرِ.
وَمِمَّا أَخْطَأَ فِيْهِ الحَافِظ ابْن مَسْدِي المُجَاوِر أَنَّهُ قرَأَ فِي (الجَعْدِيَّاتِ (2)) أَوْ كُلّهَا عَلَى ابْنِ المُقَيَّرِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أَحْمَدَ المَلِيْحِيّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ أَبِي شُرَيْح، أَخْبَرَنَا البَغَوِيُّ.
وَلاَ رَيْب أَنَّ المَلِيْحِيّ سَمِعَ الكِتَاب، وَالنُّسْخَة عِنْدِي مَكْتُوبَة عَنِ المَلِيْحِيّ، لَكنه مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُولد ابْن نَاصر بِأَرْبَع سِنِيْنَ.
قَالَ الشَّيْخُ جَمَال الدِّيْنِ ابْن الجَوْزِيِّ (3) : كَانَ شَيْخُنَا ثِقَةً، حَافِظاً، ضَابطاً مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، لاَ مَغْمَز فِيْهِ، تَولَى تسمِيْعِي، سَمِعْتُ بقِرَاءته (مُسْنَد أَحْمَدَ) وَالكُتُب الكِبَار، وَعَنْهُ أَخذتُ علمَ الحَدِيْث، وَكَانَ كَثِيْرَ الذّكرِ، سَرِيع الدمعَةِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ يُحبّ أَنْ يَقع فِي النَّاسِ. فَردَّ ابْن الجَوْزِيِّ
__________
(1) انظر " مشيخة " ابن عساكر: ق 217 / 1.
(2) هي اثنا عشر جزءا جمع أبي القاسم عبد الله بن محمد البغوي لحديث شيخ بغداد أبي الحسن علي بن الجعد بن عبيد الهاشمي مولاهم، المتوفى سنة 230 ه عن شيوخة مع تراجمهم وتراجم شيوخهم.
(3) في " المنتظم " 10 / 163.

(20/267)


هَذَا، وَقبَّحه، وَقَالَ (1) : صَاحِبُ الحَدِيْث يَجرحُ وَيُعَدِّلُ، أَفَلاَ تُفرِّقُ يَا هَذَا بَيْنَ الْجرْح وَالغِيبَة؟!
ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ قَدِ احْتَجَّ بكَلاَم ابْن نَاصر فِي كَثِيْر مِنَ الترَاجم فِي (الذّيل) لَهُ.
ثُمَّ بَالغ ابْن الجَوْزِيِّ فِي الْحَط عَلَى أَبِي سَعْدٍ، وَنسبه إِلَى التَّعَصُّب البَارِد عَلَى الحَنَابِلَة، وَأَنَا فَمَا رَأَيْتُ أَبَا سَعْد كَذَلِكَ، وَلاَ رَيْب أَنَّ ابْنَ نَاصرٍ يَتعسف فِي الْحَط عَلَى جَمَاعَة مِنَ الشُّيُوْخ، وَأَبُو سَعْدٍ أَعْلَم بِالتَّارِيْخ، وَأَحْفَظ مِنِ ابْنِ الجَوْزِيّ وَمِنِ ابْنِ نَاصر، وَهَذَا قَوْله فِي ابْن نَاصر فِي (الذّيل).
قَالَ: هُوَ ثِقَةٌ، حَافِظ، ديِّن، مُتْقِن، ثَبْتٌ، لُغوِي، عَارِف بِالمُتُوْنِ وَالأَسَانِيْد، كَثِيْرُ الصَّلاَة وَالتِّلاَوَة، غَيْر أَنَّهُ يُحِبّ أَنْ يَقع فِي النَّاسِ، وَهُوَ صَحِيْح القِرَاءة وَالنقل، وَأَوّل سَمَاعه فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ مِنْ أَبِي طَاهِرٍ الأَنْبَارِيّ (2) .
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ فِي (تَارِيْخِهِ): كَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً، حسنَ الطّرِيقَة، مُتَدَيِّناً، فَقِيراً، مُتَعَفِّفاً، نَظِيفاً، نَزِهاً، وَقَفَ كُتُبَهُ، وَخلَّف ثِيَاباً خَلِيعاً وَثَلاَثَةَ دَنَانِيْرَ وَلَمْ يُعقِب، سَمِعْتُ ابْنَ سُكَيْنَة وَابْن الأَخْضَرِ وَغَيْرَهُمَا يُكثرُوْنَ الثَّنَاء عَلَيْهِ، وَيَصِفُوْنَهُ بِالحِفْظ، وَالإِتْقَان، وَالدِّيَانَة، وَالمحَافِظَة عَلَى السُّنَن وَالنوَافل، وَسَمِعْتُ جَمَاعَة مِنْ شُيُوْخِي يذكرُوْنَ أَنَّهُ وَابْنَ الجَوَالِيْقِيّ كَانَا يَقْرَآن الأَدب عَلَى أَبِي زَكَرِيَّا التِّبْرِيْزِيّ، وَيطلبَان الحَدِيْث، فَكَانَ النَّاسُ يَقُوْلُوْنَ: يَخْرُج ابْن نَاصر لغوِي بَغْدَاد، وَيَخْرُج أَبُو مَنْصُوْرٍ بن الجَوَالِيْقِيّ مُحَدِّثهَا، فَانعكس الأَمْر، وَانقَلْب (3) ...
قُلْتُ: قَدْ كَانَ ابْنُ نَاصِرٍ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَة أَيْضاً.
__________
(1) في " المنتظم " 10 / 163.
(2) انظر " المستفاد من ذيل تاريخ بغداد ": 39، 40.
(3) انظر " تذكرة الحفاظ " 4 / 1291.

(20/268)


قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْتُ ابْنَ سُكَيْنَة يَقُوْلُ:
قُلْتُ لابْنِ نَاصر: أُرِيْد أَنْ أَقرَأَ عَلَيْك (دِيْوَان المُتَنَبِّي)، وَ(شَرحه) لأَبِي زَكَرِيَّا التِّبْرِيْزِيِّ.
فَقَالَ: إِنَّك دَائِماً تَقرَأُ عَلَيَّ الحَدِيْثَ مَجَّاناً، وَهَذَا شعر، وَنَحْنُ نَحتَاج إِلَى نَفَقَة.
قَالَ: فَأَعْطَانِي أَبِي خَمْسَة دَنَانِيْر، فَدَفَعتُهَا إِلَيْهِ، وَقَرَأْت الكِتَاب (1) .
وَقَالَ أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ: سَمِعَ ابْنُ نَاصر مَعَنَا كَثِيْراً، وَهُوَ شَافعِي أَشعرِي، ثُمَّ انْتقل إِلَى مَذْهَب أَحْمَد فِي الأُصُوْل وَالفُرُوْع، وَمَاتَ عَلَيْهِ، وَلَهُ جُوْدَة حَفِظ وَإِتْقَان، وَحُسنُ مَعْرِفَةٍ، وَهُوَ ثَبْتٌ إِمَامٌ (2) .
وَقَالَ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ: هُوَ مقدمُ أَصْحَابِ الحَدِيْث فِي وَقْتِهِ بِبَغْدَادَ.
أَنْبَؤُوْنَا عَنِ ابْنِ النَّجَّار، قَالَ: قَرَأْت بِخَطِّ ابْنِ نَاصرٍ وَأَخْبَرَنِيه عَنْهُ سَمَاعاً يَحْيَى بن الحُسَيْنِ، قَالَ:
بقيت سِنِيْنَ لاَ أَدخل مَسْجِد أَبِي مَنْصُوْرٍ الخَيَّاط، وَاشْتَغَلت بِالأَدب عَلَى التِّبْرِيْزِيّ، فَجِئْت يَوْماً لأَقرَأَ الحَدِيْث عَلَى الخَيَّاط، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ! تركت قِرَاءة القُرْآن، وَاشْتَغَلت بِغَيْره؟! عد، وَاقرَأْ عَلَيَّ ليَكُوْن لَكَ إِسْنَاد.
فَعدتُ إِلَيْهِ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ، وَكُنْت أَقُوْل كَثِيْراً: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لِي أَيَّ المَذَاهِبِ خَيْرٌ.
وَكُنْت مرَاراً قَدْ مضيتُ إِلَى القَيْرَوَانِي المُتَكَلِّم فِي كِتَابِ (التَّمهيد) لِلباقلاَنِي، وَكَأَنَّ مَنْ يَردنِي عَنْ ذَلِكَ.
قَالَ: فَرَأَيْت فِي المَنَامِ كَأَنِّيْ قَدْ دَخَلت المَسْجَد إِلَى الشَّيْخ أَبِي مَنْصُوْرٍ، وَبِجَنبه رَجُل عَلَيْهِ ثِيَاب بِيضٌ وَرِدَاء عَلَى عِمَامَتِهِ يُشبِهُ الثِّيَابَ الرِّيفِيَّةَ، دُرِّيَّ اللَّوْنِ، عَلَيْهِ نُورٌ وَبَهَاءٌ، فَسَلَّمتُ، وَجلَسْت بَيْنَ أَيدِيهِمَا، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي لِلرَّجُلِ هَيْبَة وَأَنَّهُ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا جلَسْت الْتَفَتَ إِلَيَّ، فَقَالَ لِي: عَلَيْكَ بِمَذْهَبِ هَذَا الشَّيْخِ، عَلَيْكَ بِمَذْهَبِ هَذَا الشَّيْخ - ثَلاَثَ مَرَّاتٍ -.
فَانْتبهت
__________
(1) انظر " تذكرة الحفاظ " 4 / 1290.
(2) انظر " تذكرة الحفاظ " 4 / 1291.

(20/269)


مَرْعُوْباً، وَجِسْمِي يَرجف، فَقصصت ذَلِكَ عَلَى وَالِدتِي، وَبكرتُ إِلَى الشَّيْخ لأَقرَأَ عَلَيْهِ، فَقصصت عَلَيْهِ الرُّؤيَا، فَقَالَ: يَا وَلدِي، مَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ إِلاَّ حسنٌ، وَلاَ أَقُوْل لَكَ: اتْرُكْهُ، وَلَكِن لاَ تَعتقدْ اعْتِقَادَ الأَشْعَرِيِّ.
فَقُلْتُ: مَا أُرِيْدُ أَنْ أَكُوْن نِصْفَيْن، وَأَنَا أُشْهِدك، وَأُشْهِد الجَمَاعَة أَنَّنِي مُنْذُ اليَوْم عَلَى مَذْهَب أَحْمَد بن حَنْبَلٍ فِي الأُصُوْل وَالفُرُوْع.
فَقَالَ لِي: وَفقك الله.
ثُمَّ أَخذت فِي سَمَاع كتب أَحْمَد وَمَسَائِله وَالتَّفَقُّه عَلَى مَذْهَبه، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ (1) .
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ، وَغَيْرهُ: تُوُفِّيَ ابْنُ نَاصِرٍ فِي ثَامِنَ عَشَرَ شَعْبَان، سَنَة خَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: حَدَّثَنِي الفَقِيْهُ أَبُو بَكْرٍ بنُ الحُصرِي، قَالَ:
رَأَيْتُ ابْنَ نَاصر فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟
قَالَ: غَفَر لِي، وَقَالَ لِي: قَدْ غَفَرتُ لعَشْرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ فِي زَمَانِكَ؛ لأَنَّك رَئِيْسَهُم وَسيِّدهُم (2) .
قُلْتُ: وَمَاتَ مَعَهُ فِي السَّنَةِ: الخَطِيْب المُعَمَّرُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المُشْكَانِي (3) رَاوِي (تَارِيخ البُخَارِيّ الصَّغِيْر)، وَمُقْرِئ العِرَاق أَبُو الكَرَمِ المُبَارَك بن الحَسَنِ الشَّهْرُزُوْرِيّ (4) ، وَمُفْتِي خُرَاسَان الفَقِيْه مُحَمَّد (5) بن يَحْيَى صَاحِب الغَزَّالِيّ، وَقَاضِي مِصْرَ وَعَالِمهَا أَبُو المَعَالِي مُجلِّي بن جُمَيْعٍ القُرَشِيّ (6) صَاحِب كِتَاب (الذّخَائِر) فِي المَذْهَبِ، وَالوَاعِظ الكَبِيْر أَبُو زَكَرِيَّا
__________
(1) انظر " تذكرة الحفاظ " 4 / 1291.
(2) " المنتظم " 10 / 163.
(3) سترد ترجمته برقم (207).
(4) تقدمت ترجمته برقم (169).
(5) سترد ترجمته برقم (208).
(6) سترد ترجمته برقم (218).

(20/270)


يَحْيَى بن إِبْرَاهِيْمَ السّلمَاسِي (1) ، وَمُسْنَد نَيْسَابُوْر أَبُو عُثْمَانَ إِسْمَاعِيْل بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ العصَائِدِي (2) عَنْ بِضْع وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَالشَّيْخ أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ الكَاتِب (3) جد الفَتْح بن عَبْدِ اللهِ بِبَغْدَادَ.
أَخْبَرَتْنَا أُمُّ مُحَمَّدٍ زَيْنَبُ بِنْت عُمَر بن كِندِي بِبَعْلَبَكَّ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ، عَنْ أَبِي الفَتْحِ أَحْمَدَ بنِ ظفر بن يَحْيَى بنِ الوَزِيْر، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ نَاصر الحَافِظ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي الصَّقْرِ الخَطِيْب فِي سَنَةِ 473، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ الفَرَّاء بِمِصْرَ بِقِرَاءتِي، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَرُوْف إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا طَاهِر بن عِيْسَى، حَدَّثَنَا أَصْبَغ بن الفَرَجِ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ خَالِدِ بنِ كُرَيْبٍ (4) ، عَنْ مَالِكِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ (5) ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ غَنْم، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيّ:
عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: (لَيَشْرَبُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الخَمْرَ يُسَمُّوْنَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، وَيُضْرَبُ عَلَى رُؤُوْسِهِم بِالمَعَازِفِ، يَخْسِفُ اللهُ بِهِمُ الأَرْضَ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيْرَ) (6) .
__________
(1) مترجم في " المنتظم " 10 / 164.
(2) مترجم في " العبر " 4 / 139، و" شذرات الذهب " 4 / 155 وتحرف فيه إلى الفضائري.
(3) مترجم في " العبر " 4 / 140، و" شذرات الذهب " 4 / 155.
(4) لا يعرف في الرواة أحد بهذا الاسم، ولعل الصواب " حدير بن كريب " فانه من رجال " التهذيب " وقد ذكر في الرواة عنه معاوية بن صالح، ومصادر التخريج متفقة على أنه حاتم بن حريث وهو الصواب.
(5) كذا الأصل " بن إبراهيم " والمذكور في عامة المصادر " بن أبي مريم ".
(6) أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " 1 / 305 و7 / 322، وأبو داود (3688) وابن ماجه (4020) وابن حبان (1384) وأحمد 5 / 342، والطبراني في " المعجم الكبير " (3419) البيهقي 8 / 295 و10 / 231 من طرق عن معاوية بن صالح، عن حاتم بن حريث، عن مالك بن أبي مريم، عن عبد الرحمن بن غنم، عن أبي مالك الأشعري، ومالك بن أبي مريم لم يوثقه إلا ابن حبان، وباقي رجاله ثقات، وله شاهد من حديث عبادة بن الصامت أو رجل من =

(20/271)


181 - الجُنَيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ أَبُو القَاسِمِ القَايِنِيُّ *
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، المُحَدِّثُ، أَبُو القَاسِمِ القَايِنِيُّ (1) ، نَزِيْلُ هَرَاةَ، وَشَيْخُ الصُّوْفِيَّةِ.
سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ بنَ مَاجَه، وَسُلَيْمَان الحَافِظ بِأَصْبَهَانَ، وَأَبَا الفَضْل (2) مُحَمَّد بن أَحْمَدَ العَارِف وَغَيْرهُ بِطَبَسَ، وَسَمِعَ بِهَرَاة: مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ العمِيْرِي، وَنَجِيْب بن مَيْمُوْنٍ، وَبِمرو مِنْ: أَبِي المُظَفَّرِ السَّمْعَانِيّ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: سَمِعْتُ جَمَاعَةَ كُتبٍ مِنْهُ، مَوْلِده سَنَة سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَمَاتَ فِي رَابِعَ عَشَرَ شَوَّالٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (3) .
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ فَقِيْهاً، فَاضِلاً، مُحَدِّثاً، صَدُوْقاً، مَوْصُوَفاً بِالعِبَادَة، تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي المُظَفَّرِ، وَحصل الأُصُوْل، وَسَمِعَ بِقَايِنَ مِنَ: الحَسَنِ بن إِسْحَاقَ التُّوْنِيِّ (4) .
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ نَاصِرٍ، وَابْن عَسَاكِرَ (5) .
__________
= أصحاب النبي عند أحمد 5 / 318 و4 / 237، وابن ماجه (3385) والنسائي 8 / 313 - 314، وآخر من حديث أبي أمامة الباهلي أخرجه ابن ماجه (3384) وأبو نعيم في " الحلية " 6 / 97، وثالث من حديث ابن عباس عند الطبراني في الكبير فالحديث صحيح بها.
(*) الأنساب 10 / 37 (القايني)، التحبير 1 / 167 - 171، طبقات ابن الصلاح: ق 44، الوافي بالوفيات 11 / 203، 204، طبقات السبكي 7 / 54 - 56، طبقات الاسنوي 1 / 365، 366.
(1) نسبة إلى قاين، وهي بلدة قريبة من طبس، بين نيسابور وأصبهان.
(2) في الأصل: أبا جعفر، وهو خطأ، وهو الامام أبو الفضل محمد بن أحمد الطبسي، المتوفى سنة 482 ه.
مرت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (309).
(3) انظر " التحبير " 1 / 170، 171.
(4) نسبة إلى تون: بليدة عند قاين.
(5) انظر " مشيخة " ابن عساكر: ق 39 / م.

(20/272)


قُلْتُ: وَزِنْكِي بنُ أَبِي الوَفَاءِ المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو رَوْحٍ الهَرَوِيّ، وَعَبْد الرَّحِيْمِ بن السَّمْعَانِيُّ، وَطَائِفَة.

182 - حَنْبَلُ بنُ عَلِيٍّ أَبُو جَعْفَرٍ البُخَارِيُّ ثُمَّ السِّجِسْتَانِيُّ *
الصُّوْفِيُّ، نَزِيْلُ هَرَاة.
رَوَى عَنْ: شَيْخُ الإِسْلاَمِ (1) ، وَأَبِي عَامِرٍ الأَزْدِيّ، وَنَجِيْب الوَاسِطِيّ، وَأَبِي نَصْرٍ التِّرْيَاقِيّ، وَابْن طَلْحَةَ النِّعَالِيّ، وَأَبِي الخَطَّابِ بن البَطِرِ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: السَّمْعَانِيّ، وَابْن عَسَاكِرَ (2) ، وَأَبُو رَوْحٍ عَبْد المُعِزِّ، وَجَمَاعَةٍ.
وَكَانَ كَيِّساً، ظَرِيفاً.
تُوُفِّيَ: بِهَرَاة، فِي شَوَّالٍ، سَنَة إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ سَبْعٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً، رَحل وَهُوَ أَمرد.

183 - الكَرُوْخِيُّ عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي سَهْلٍ **
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو الفَتْحِ عَبْدُ المَلِكِ ابنُ أَبِي القَاسِمِ عَبْدِ اللهِ بنِ
__________
(*) الأنساب 7 / 47، العبر 4 / 112، شذرات الذهب 4 / 128.
(1) أبي إسماعيل الأنصاري الهروي، مرت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (260).
(2) انظر " مشيخة " ابن عساكر: ق 49 / 2.
(* *) الأنساب 10 / 409، 410، المنتظم 10 / 154، 155، معجم البلدان 5 / 458، الاستدراك لابن نقطة: باب ماح وماخ، الكامل في التاريخ 11 / 190، اللباب 3 / 95، ذيل تاريخ بغداد لابن النجار 1 / 81 - 85، العبر 4 / 131، تذكرة الحفاظ 4 / 1313 وتصحف فيه إلى الكروجي بالجيم، دول الإسلام 2 / 64، مرآة الجنان 3 / 288، العقد الثمين 5 / 501، 502، شذرات الذهب 4 / 148.

(20/273)


أَبِي سَهْلٍ بنِ القَاسِمِ بنِ أَبِي مَنْصُوْرٍ بنِ مَاح (1) الكَرُوْخِيُّ، الهَرَوِيُّ.
قَالَ: وَلدت بِهَرَاةَ، فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَكَرُوْخُ: عَلَى يَوْمٍ مِنْ هَرَاةَ.
حَدَّثَ بِـ (جَامِع أَبِي عِيْسَى) عَنِ: القَاضِي أَبِي عَامِرٍ الأَزْدِيّ، وَأَحْمَد بن عَبْدِ الصَّمَدِ الغُوْرَجِيّ، وَعَبْد العَزِيْزِ بن مُحَمَّد أَبِي نَصْرٍ التِّرْيَاقِيّ سِوَى الجُزْءِ الآخرِ فَلَيْسَ عِنْد التِّرْيَاقِيِّ، فَسَمِعَهُ مِنْ أَبِي المُظَفَّرِ عُبَيْد اللهِ بن عَلِيٍّ الدّهَان بِسَمَاعِهِم مِنَ الجَرَّاحِيّ، وَأَوّل الجُزْء المَذْكُوْر مَنَاقِبُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ العُمَيْرِي (2) ، وَحَكِيْم بن أَحْمَدَ الإِسْفَرَايِيْنِي، وَأَبِي عَطَاءٍ المَلِيْحِيّ، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: خلق كَثِيْر، مِنْهُم: السَّمْعَانِيّ، وَابْن عَسَاكِرَ (3) ، وَابْن الجَوْزِيِّ، وَخطيب دِمَشْق عَبْد المَلِكِ بن يَاسِيْنَ الدَّوْلَعِيّ، وَزَاهِر بن رُسْتُمَ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ سُكَيْنَةَ، وَابْنُ الأَخْضَر، وَابْن طَبَرْزَدَ، وَأَحْمَد بن عَلِيٍّ الغَزْنَوِيّ، وَعَلِيّ بن أَبِي الْكَرم المَكِّيّ البَنَّاء، وَأَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، وَعَبْدُ السَّلاَمِ بن أَبِي مَكِّيّ القَيَّارِيّ، وَأَحْمَد بن يَحْيَى بنِ الدَّبِيْقِيّ، وَمُبَارَك بن صَدَقَةَ البَاخَرْزِيّ، وَالفَقِيْه مُحَمَّد بن مَعَالِي الحَلاَوِيّ، وَثَابِت بنُ مُشَرِّفٍ البنَاء.
__________
(1) بالحاء المهملة كما ضبط في الأصل وعند ابن نقطة في " الاستدراك " باب ماح وماخ، وقد تصحف في الأنساب " 10 / 409 إلى ماخ بالخاء المعجمة، فتابعه محقق " ذيل تاريخ بغداد " وأثبتها بالمعجمة مع أن النسخ الخطية الثلاثة التي اعتمدها هي بالمهملة كما ذكر في الحاشية.
(2) نسبة إلى عمير أحد أجداده، مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (38)، وقد تحرفت نسبته في " الأنساب " 7 / 409 إلى العمري، وفي " ذيل تاريخ بغداد " 1 / 82 إلى النميري.
(3) انظر " مشيخة " ابن عساكر: ق 127 / 1.

(20/274)


قَالَ السَّمْعَانِيُّ: هُوَ شَيْخ صَالِح، ديِّن، خَيِّر، حَسَن السِّيْرَةِ، صَدُوْقٌ، ثِقَةٌ، قَرَأْت عَلَيْهِ (جَامِعَ التِّرْمِذِيِّ)، وَقُرِئَ عَلَيْهِ عِدَّة نوب بِبَغْدَادَ، وَكَتَبَ بِهِ نُسْخَة بِخَطِّهِ، وَوقفهَا، وَوجدُوا سَمَاعه فِي أُصُوْل المُؤتَمَنِ السَّاجِيّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَكُنْت أَقرَأُ عَلَيْهِ، فَمَرِضَ، فَنفذ لَهُ بَعْض السَّامعين شَيْئاً مِنَ الذَّهَبِ، فَمَا قَبِلَه، وَقَالَ: بَعْد السَّبْعِيْنَ وَاقْتِرَاب الأَجَلِ آخُذ عَلَى حَدِيْث رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئاً!
وَرده مَعَ الاحْتِيَاج إِلَيْهِ، ثُمَّ جَاوَرَ بِمَكَّةَ حَتَّى تُوُفِّيَ، وَكَانَ يَنسخ كِتَابَ أَبِي عِيْسَى بِالأُجرَةِ، وَيَتَقَوَّتُ (1) .
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ (2) : كَانَ صُوْفِيّاً مِنْ جُمْلَةِ مَنْ لَحِقَتْهُ بَرَكَةُ شَيْخِ الإِسْلاَمِ، لاَزمَ الفَقْرَ وَالوَرَعَ، إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ، فِي الخَامِسِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، بَعْد رَحِيلِ الحَاجِّ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ -رَحِمَهُ اللهُ-.
قُلْتُ: وَهُوَ مِمَّنْ أَجَازَ فِي إِجَازَة النِّشْتِبْرِيّ (3) .
مَاتَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَقَرَأَ شَيْخُنَا ابْنُ الظَّاهِرِيِّ عَلَى النِّشْتِبْرِيّ (جَامِع أَبِي عِيْسَى) كُلَّه عَلَيْهِ، عَنِ الكَرُوْخِيّ، وَحَدَّثَ أَيْضاً بِـ (الجَامِعِ) عُمَرُ بنُ كَرَمٍ بِإِجَازتِه مِنَ الكَرُوْخِيّ، فَالكَرُوْخِيّ فِي طَبَقَةِ شَيْخِ الحَافِظِ أَبِي عَلِيٍّ بنِ سُكَّرَةَ الصدفِيِّ، فِي رِوَايَة الكِتَابِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.
__________
(1) انظر " الأنساب " 10 / 409 و410، و" ذيل تاريخ بغداد " 1 / 83، 84.
(2) في " التقييد " كما نقله التقي الفاسي في " العقد الثمين " 5 / 502.
(3) عبد الخالق، متوفى سنة 649 ه، ستأتي ترجمته في الجزء الثاني والعشرين.

(20/275)


184 - البَلْخِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الَّذِي تُنسب إِلَيْهِ المَدْرَسَةُ البَلخِيَّةُ (1) بِبَابِ البَرِيْد، هُوَ الإِمَامُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ البَلْخِيّ، الحَنَفِيّ، نَزِيْلُ دِمَشْقَ، وَمُدَرِّس الصَّادرِيَّةِ (2) .
وَعظ وَأَقرَأَ وَجُعِلتْ لَهُ دَار الأَمِيْر طَرْخَان مَدْرَسَةً (3)، وَثَارَت عَلَيْهِ الحَنَابِلَة لأَنَّه نَال مِنْهُم، وَكَانَ ذَا جَلاَلَة وَوجَاهَة، وَيُلَقَّبُ بِالبُرْهَان البَلْخِيّ.
درس أَيْضاً بِمَسجِدِ خَاتُوْنَ (4) ، وَأَبطلَ مِنْ حلب الأَذَانَ بِحَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَل.
اشْتَغَل بِبُخَارَى عَلَى البُرْهَان بنِ مَازه، وَنَاظَرَ فِي الخلاَفِ، ثُمَّ حَجَّ وَجَاور، وَكَثُر أَصْحَابه.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي المُعين المَكْحُوْلِيِّ، وَغَيْرهِ.
وَعلق عَنْهُ: أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ.
تُوُفِّيَ: بِدِمَشْقَ، سَنَة ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فِي شَعْبَانَ،
وَكَانَ كَرِيْماً لاَ يَدخر شَيْئاً
__________
(*) الروضتين 1 / 91، دول الإسلام، 2 / 64، العبر 4 / 131، عيون التواريخ خ 12 / 474، مرآة الجنان 3 / 288، الجواهر المضية 2 / 560 - 562، الدارس 1 / 481، طبقات الفقهاء لطاش كبري: 94، كتائب أعلام الاخيار رقم (345)، الطبقات السنية رقم (1475)، مختصر تنبيه الطالب: 80، 87، 94، 95، شذرات الذهب 4 / 148، الفوائد البهية: 120، 121.
(1) انظر " مختصر تنبيه الطالب ": 80.
(2) وهي أول مدرسة أنشئت بدمشق سنة 491 ه.
ولم يبق لها اليوم أي أثر.
(3) انظر عنها " مختصر تنبيه الطالب ": 94، 95.
(4) ويسمى المدرسة الخاتونية البرانية، أوقفته زمرد خاتون أم شمس الملوك أخت الملك دقاق.
انظر " مختصر تنبيه الطالب ": 86، 87.

(20/276)


185 - الرُّطَبِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ سلاَمَة *
الشَّيْخُ الجَلِيْل، العَدْل، المُسْنِدُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ سَلاَّمَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مَخْلَد الكَرْخِيُّ؛ مِنْ كَرْخِ جَدَّانَ، لاَ كَرخِ بَغْدَادَ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، ابْنُ الرُّطبِيِّ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي القَاضِي أَحْمَد بن سَلاَمَةَ ابْنِ الرُّطَبِيِّ (1) .
وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ.
وَسَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ بنَ البُسْرِيِّ، وَأَبَا نَصْرٍ الزَّيْنَبِيّ، وَعَاصِمَ بنَ الحَسَنِ، وَجَمَاعَة.
وَكَانَ جَمِيْل الأَمْر، لاَزماً لِبَيْته.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيّ، وَعَبْد الخَالِقِ بن أَسَدٍ، وَعَبْد العَزِيْزِ بن الأَخْضَر، وَعُمَر بن أَحْمَدَ بنِ بكرُوْنَ، وَمُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ الطَّرَّاحِ، وَدَاوُد بن ملَاعِب، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَة إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: نَاب فِي الحِسبَة، عَنْ عَمِّهِ أَحْمَدَ، وَكَانَ عَفِيْفاً مُتَدَيِّناً، حسنَ الطّرِيقَة، شَهِدَ عِنْد قَاضِي القُضَاة عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ الزَّيْنَبِيِّ (2) .
__________
(*) الأنساب 10 / 392 (الكرخي)، مشيخة ابن عساكر: ق 191 / 2، المشتبه: 319، العبر 4 / 144، دول الإسلام 2 / 68، القاموس المحيط: (الرطب)، تبصير المنتبه 2 / 629، النجوم الزاهرة 5 / 324، شذرات الذهب 4 / 159، تاج العروس 1 / 271.
(1) المتوفى سنة 527 ه، مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (357).
(2) قد تقدمت ترجمته برقم (131).

(20/277)


186 - ابْنُ الزَّاغُوْنِيِّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ نَصْرٍ *
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ الكَبِيْر، الصَّدُوْق، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ نَصْرِ بن السَّرِيّ البَغْدَادِيّ، ابْنُ الزَّاغُونِيِّ المُجَلِّدُ.
سَمَّعَهُ أَخُوْهُ الإِمَامُ أَبُو الحَسَنِ (1) مِنْ: أَبِي القَاسِمِ عَلِيّ بن البُسْرِيِّ، وَأَبِي نَصْرٍ الزَّيْنَبِيّ، وَعَاصِمِ بنِ الحَسَنِ، وَرِزْق اللهِ، وَمَالِك البَانِيَاسِيّ، وَطِرَاد النَّقِيْبِ، وَأَبِي الفَضْلِ بنِ خَيْرُوْنَ، وَعِدَّةٍ.
وَطَالَ عُمُرُهُ، وَعلاَ إِسْنَادُه، وَتَفَرَّد.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ (2) ، وَالسَّمْعَانِيّ، وَابْن الجَوْزِيِّ، وَابْن طَبَرْزَدَ، وَالكِنْدِيّ، وَابْن ملَاعِب، وَمُحَمَّد بن أَبِي المَعَالِي بن البَنَّاءِ، وَعَبْد السَّلاَمِ بن يُوْسُفَ العَبَرْتِيّ، وَمَحَاسِنُ الخَزَائِنِي، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ الجَوَالِيْقِيّ، وَعَبْد السَّلاَمِ بن عَبْدِ اللهِ الدَّاهِرِيّ، وَأَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَطِيْعِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَآخر أَصْحَابه بِالإِجَازَةِ: أَبُو الحَسَنِ بنُ المُقَيَّرِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: شَيْخ صَالِح مُتَدَيِّن، مرضِي الطّرِيقَة، قَرَأْت عَلَيْهِ أَجزَاء، وَكَانَ لَهُ دُكَّانَ يُجلِّدُ فِيْهَا.
قُلْتُ: كَانَ غَايَة فِي حُسن التَّجْلِيد، قَرَّرَهُ المُقْتَفِي لأَمر اللهِ لِتَجلِيدِ خِزَانَة كتبه.
__________
(*) المنتظم 10 / 179، معجم البلدان 3 / 127، العبر 4 / 150، النجوم الزاهرة 5 / 327، شذرات الذهب 4 / 164، تاج العروس 9 / 226، والزاغوني نسبة إلى زاغوني، قال ياقوت: قرية ما أظنها إلا من قرى بغداد.
(1) علي بن عبيد الله، المتوفى سنة 527، مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (354).
(2) انظر " مشيخة " ابن عساكر: ق 191 / 2.

(20/278)


مَاتَ: فِي الثَّالِث وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْع الآخر، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.

187 - عَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ القَادِرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ المُفِيْد، أَبُو الفَرَجِ، مُحَدِّثُ بَغْدَاد مَعَ ابْنِ نَاصرٍ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَأَبَا نَصْرٍ مُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيّ، وَعَاصِمَ بنَ الحَسَنِ، وَرِزْقَ اللهِ التَّمِيْمِيَّ، وَنَصْرَ بنَ البَطِرِ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ النِّعَالِيَّ، وَطِرَاداً الزَّيْنَبِيَّ، وَخَلْقاً كَثِيْراً، وَارْتَحَلَ، وَسَمِعَ بِأَصْبَهَانَ وَالأَهواز، وَأَلف وَجَمَعَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَابْن عَسَاكِرَ (1) ، وَالسَّمْعَانِيّ، وَابْن الجَوْزِيِّ، وَالتَّاج الكِنْدِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُبَادر، وَعَبْد الوَهَّابِ بن عَلِيِّ بنِ الإِخْوَةِ، وَعَبْد السَّلاَمِ البَرْدَغُولِي، وَعَبْد العَزِيْزِ بن الأَخْضَر، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ مِنْ أَعيَانِ المُسْلِمِيْنَ فَضْلاً وَدِيْناً وَثبتاً وَمُروءةً، سَمِعَ مَعِي كَثِيْراً، وَبِهِ كَانَ أنسِي بِبَغْدَادَ، وَلَمَّا حججتُ أَودعتُ كُتُبِي عِنْدَهُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ مُحَدِّث حَسنُ الخطَّ، كَثِيْر الضَّبْط، خَيِّرٌ مُتَوَاضِع متودد، مُحتَاط فِي قِرَاءة الحَدِيْث، كتب وَحصَّل، وَخَرَّجَ لِنَفْسِهِ.
وَصفه بِهَذَا وَبِأَكْثَرَ مِنْهُ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ.
__________
(*) المنتظم 10 / 154، العبر 4 / 130، 131، تذكرة الحفاظ 4 / 1313، النجوم الزاهرة 5 / 305، شذرات الذهب 4 / 148.
(1) انظر " مشيخة " ابن عساكر: ق 104 / 1.

(20/279)


وَتُوُفِّيَ فِي الرَّابِع وَالعِشْرِيْنَ مِنَ المُحَرَّم، سَنَة ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: رَوَى الكَثِيْر، وَجَمَعَ لِنَفْسِهِ (مَشْيَخَة) فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ جُزْءاً، وَكَانَ صَدُوْقاً فَاضِلاً مُتَدَيِّناً، كتب بِخَطِّهِ كَثِيْراً، وَلَمْ يَزَلْ يَطلُب وَيُفِيد إِلَى حِيْنَ وَفَاته.
رَوَى عَنْهُ الحُفَّاظ.
أَحْسَن ابْن نَاصر الثَّنَاءَ عَلَيْهِ وَعَلَى بَيْتِهِ (1) .

188 - ابْنُ الإِخْوَةِ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الأَدِيْب، أَبُو الفَضْلِ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الإِخْوَةِ البَغْدَادِيُّ، اللُؤْلُؤَيُّ، أَخُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقَدْ مَرَّ وَالِدهُمَا مِنْ أَعْوَامٍ (2) .
سَمِعَ بِإِفَادَة خَاله الإِمَامِ أَبِي الحَسَنِ بنِ الزَّاغُونِي مِنْ: أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ طَلْحَةَ النِّعَالِيّ، وَأَبِي الخَطَّابِ بن البَطِرِ، وَعِدَّةٍ.
وَارْتَحَلَ، فَسَمِعَ مِنْ: عَبْدِ الغفَار الشيروِي، وَأَبِي عَلِيٍّ الحَدَّادِ، وَخَلْقٍ.
وَاسْتَوْطَنَ أَصْبَهَان، وَسَمَّعَ أَوْلاَده.
وُلِدَ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: شَيْخ فَاضِل، يَعرف الأَدبَ، لَهُ شعر رَقِيق، صَحِيْح القِرَاءة وَالنقل، قرَأَ الكَثِيْر بِنَفْسِهِ، وَنَسَخَ بِخَطِّهِ مَا لاَ يَدخُلُ تَحْتَ الحدِّ،
__________
(1) سترد ترجمة ولده عبد الحق برقم (353).
(*) خريدة القصر (قسم العراق) 1 / 126، ميزان الاعتدال 2 / 603، فوات الوفيات 2 / 309 - 310، لسان الميزان 4 / 3 وتحرف فيه إلى ابن الافوه بالفاء الزركشي: 172.
(2) تقدمت ترجمته برقم (94).

(20/280)


مَلِيْحُ الخَطِّ سَرِيعُه، سَافر إِلَى خُرَاسَانَ، وَسَمِعَ بِهَا، كتب لِي بِخَطِّهِ جُزْءاً بِأَصْبَهَانَ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ.
سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ عَبْدِ المَلِكِ المَكِّيّ وَكَانَ شَابّاً صَالِحاً يَقُوْلُ:
أَفسد عليّ عَبْد الرَّحِيْمِ بن الإِخْوَة سَمَاع (مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ)، كَانَ يَقْرَؤُهُ عَلَى فَاطِمَة، فَكَانَ يَقرَأُ فِي سَاعَة جُزْءاً أَوْ جُزأَيْنِ،
فَقُلْتُ: لَعَلَّهُ يُقَلِّب وَرقتين.
فَقَعَدت قَرِيْباً مِنْهُ، وَكُنْت أُسَارقه النَّظَر، فَعمل كَمَا وَقَعَ لِي مِنْ ترك حَدِيْث وَحَدِيْثين، وَتَصفُّح وَرقتين، فَأَحَضَرتُ نُسْخَة، وَعَارضتُ، فَمَا قرَأَ يَوْمَئِذٍ إِلاَّ يَسيراً، وَظهر ذَلِكَ لِلْحَاضِرِيْنَ، فَانقطعتُ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: أَنَا مَا رَأَيْتُ مِنْهُ إِلاَّ الخَيْر.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كتب مَا لاَ يُحدُّ، وَكَانَ مَلِيْحَ الخَطِّ، سرِيع القِرَاءة، رَأَيْت بِخَطِّهِ (التَّنبِيهَ) لأَبِي إِسْحَاقَ، فَذَكَر فِي آخِره أَنَّهُ كَتَبَه فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَكَانَتْ لَهُ مَعْرِفَةٌ، مَاتَ بَشِيْرَاز، فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (1) .

189 - ابْنُ السَّلاَّرِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ السَّلاَّرِ الكُرْدِيُّ *
الوَزِيْر، الْملك العَادل، سَيْف الدِّيْنِ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ السَّلاَّرِ الكُرْدِي، وَزِيْر الظَّافر بِاللهِ العُبيدِي بِمِصْرَ.
نشَأَ فِي القَصْر بِالقَاهِرَةِ، وَتَنَقَّلَتْ بِهِ الأَحْوَال، وَوَلِيَ الصّعيد وَغَيْرهُ، وَكَانَ الظَّافر قَدِ اسْتوزر نَجم الدِّيْنِ سَلِيْم بنَ مصَال أَحَدَ رُؤُوْس الأُمَرَاءِ، فَعظُم
__________
(1) انظر " فوات الوفيات " 2 / 309 وفيه بعض شعره.
(*) الاعتبار لاسامة: 7، 18، الكامل في التاريخ 11 / 184، 185، مرآة الزمان 8 / 130، الروضتين 1 / 90، 91، وفيات الأعيان 3 / 416 - 419، المختصر 3 / 27، الدرة المضية: 552، دول الإسلام 2 / 63، العبر 4 / 131، 132، تتمة المختصر 2 / 84، البداية والنهاية 12 / 231، اتعاظ الحنفا للمقريزي: 324، النجوم الزاهرة 5 / 299 (وفيات 545) حسن المحاضرة 2 / 205، شذرات الذهب 4 / 149.

(20/281)


مُتَوَلِّي الإِسْكَنْدَرِيَّةِ ابْنُ السَّلاَّر هَذَا، وَأَقْبَلَ يَطلُبُ الوزَارَة، فَعدَّى ابْنُ مصَال إِلَى نَحْو الجِيْزَةِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ لَمَّا سَمِعَ بِمَجِيْءِ ابْن السَّلاَّر، وَدَخَلَ ابْنُ السَّلاَّر، وَعَلاَ شَأْنه، وَاسْتَوْلَى عَلَى المَمَالِك بِلاَ ضربَة وَلاَ طعنَة، وَلقب بِالملك العَادل أَمِيْر الجُيُوْش، فَحشد ابْنُ مصَال، وَجَمَعَ، وَأَقْبَلَ، فَأَبرز ابْنُ السَّلاَّر لِمُحَارِبته أُمَرَاء، فَالتَقَوْا، فَكُسِرَ ابْنُ مصَال بِدَلاَص (1) ، وَقُتِلَ، وَدُخِلَ بِرَأْسِهِ عَلَى رمح، فِي ذِي القَعْدَةِ مِنَ السّنَة، وَاسْتوسق الدَّسْت لِلْعَادل (2) .
وَكَانَ بَطَلاً شُجَاعاً، مِقْدَاماً مَهِيْباً شَافِعِياً سُنِّياً، لَيْسَ عَلَى دين العُبَيْدِيَّة، احْتَفَلَ بِالسِّلَفِيّ، وَبَنَى لَهُ المَدْرَسَة، لَكِنَّهُ فِيْهِ ظلم وَعسف وَجبروت.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (3) : كَانَ جندياً فَدَخَلَ عَلَى المُوَفَّق التِّنِّيْسِيّ، فَشَكَا إِلَيْهِ غرَامَة، فَقَالَ: إِنَّ كَلاَمك مَا يَدخل فِي أُذنِي.
فَلَمَّا وَزر اخْتفَى المُوَفَّق، فَنُوْدِيَ فِي البَلَد: مَنْ أَخفَاهُ فَدمُهُ هَدَرٌ. فَخَرَجَ فِي زِيِّ امْرَأَة، فَأُخِذَ، فَأَمر العَادل بِلَوْح وَمِسْمَار، وَسُمِّر فِي أُذُنِهِ إِلَى اللَّوْح، وَلَمَّا صرخَ، قَالَ: دَخَلَ كَلاَمِي فِي أُذُنِكَ أَمْ لاَ؟
وَجَاءَ مِنْ إِفْرِيْقِيَة عَبَّاس بن أَبِي الفُتُوْح ابْن الأَمِيْر يَحْيَى بن بَادِيس صَبِيّاً مَعَ أُمّه، فَتَزَوَّجَهَا العَادل قَبْل الوزَارَة، ثُمَّ تَزَوَّجَ عَبَّاس، وَجَاءهُ ابْنٌ سَمَّاهُ نصراً، فَأَحَبّه العَادل، ثُمَّ جهَّز عبَاساً إِلَى الشَّامِ لِلْجِهَاد، فَكَرِه السَّفَر،
__________
(1) بفتح أوله وآخره صاد مهملة: كورة بصعيد مصر على غربي النيل، تشتمل على قرى وولاية واسعة. " معجم البلدان " 2 / 459.
(2) انظر " وفيات الأعيان " 3 / 416.
(3) في " وفيات الأعيان " 3 / 417.

(20/282)


فَأَشَارَ عَلَيْهِ أُسَامَة بن مُنْقِذ - فِيْمَا قِيْلَ -: بِقَتْلِ العَادلِ، وَأَخْذِ مَنصِبِه، فَقتلَ نَصْرٌ العَادلَ عَلَى فِرَاشه غِيلَة، فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ (1) وَخَمْسِ مائَةٍ، بِالقَاهِرَةِ، وَنَصْرٌ هَذَا هُوَ الَّذِي قَتَلَ الظَّافرَ (2) .

190 - ابْنُ جَهِيْرٍ مُظَفَّرُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الوَزِيْر الأَكملُ، أَبُو نَصْرٍ مُظَفَّر ابْنُ الوَزِيْرِ عَلِيٍّ ابْنِ الوَزِيْرِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جَهِيْرٍ.
كَانَ معرفاً فِي الوزَارَة، وَلِي أُسْتَاذ دَارِيَة الخَلِيْفَة المُسْترشد، ثُمَّ وَزَرَ لِلمُقْتَفِي سَبْعَة أَعْوَام، وَعُزِلَ سَنَة ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَحَدَّثَ عَنِ: الحُسَيْنِ بنِ البُسْرِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ السَّمْعَانِيّ، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ الدُّوْرِيُّ.
مَاتَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، عَنْ بِضْعٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً.

191 - البُسْتِيُّ أَبُو العِزِّ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ **
الإِمَامُ، الزَّاهِدُ، أَبُو العِزِّ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ البُسْتِيُّ، الصُّوْفِيُّ، الجَوَّالُ.
سَمِعَ: مُوْسَى بنَ عِمْرَانَ الأَنْصَارِيّ، وَأَبَا المُظَفَّر السَّمْعَانِيّ، وَالمُبَارَك
__________
(1) أورده في " النجوم الزاهرة " في وفيات سنة 545.
(2) " وفيات الأعيان " 3 / 417، 418.
(*) المنتظم 10 / 160، العبر 4 / 138، النجوم الزاهرة 5 / 318، شذرات الذهب 4 / 154.
(* *) لم نعثر على مصدر ترجمه.

(20/283)


ابْن الطُّيُوْرِيّ، وَسَمِعَ مِنَ السِّلَفِيِّ بِمَيَّافَارقِيْنَ.
وَأَخذَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَأَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ.
وَكَانَ فَقيراً مُجرَّداً يَسْأَلُ، وَمَنْ أَعْطَاهُ أَكْثَر مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ رَدَّهُ.
وَيُقَالُ: سَاءت سيرتُهُ بِأَخَرَةٍ - سَامَحَهُ اللهُ -.
مَاتَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، بِمَرْوَ الرُّوْذِ، وَلَهُ اثْنَتَانِ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
وَكَانَ شَيْخَ فُقَرَاء.

192 - السِّنْجِيُّ أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الخَطِيْبُ، مُحَدِّثُ مَرْوَ وَخَطِيبُهَا وَعَالِمُهَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ ابنُ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي سَهْلٍ بنِ أَبِي طَلْحَةَ المَرْوَزِيُّ، السِّنْجِيُّ، الشَّافِعِيُّ، المُؤَذِّنُ، الخَطِيْبُ.
وُلِدَ: بقَرْيَة سِنْجَ العُظْمَى، فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَوْ قَبْلهَا.
وَسَمِعَ: إِسْمَاعِيْل بن مُحَمَّدٍ الزَّاهرِي، وَأَبَا بَكْرٍ مُحَمَّد بن عَلِيٍّ الشَّاشِيّ الشَّافِعِيّ، وَعَلِيّ بن أَحْمَدَ بنِ الأَخْرَم، وَنَصْر اللهِ بن أَحْمَدَ الخُشْنَامِيّ، وَفَيْدَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّعرَانِي، وَالشَّرِيْفَ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَثَابِتَ بنَ بُنْدَارَ، وَأَبَا البقَاء الحَبَّال، وَجَعْفَر بن أَحْمَدَ السَّرَّاج، وَأَبَا الحُسَيْنِ بنَ
__________
(*) الأنساب 7 / 166، المنتظم 10 / 155، المشتبه 1 / 349، العبر 4 / 132، 133، تذكرة الحفاظ 4 / 1312 - 1314، طبقات السبكي 6 / 187، 188، شذرات الذهب 4 / 150.
والسنجي بالسين المهملة والنون الساكنة والجيم، وقد ضبطت في الأصل بفتح السين، وضبطها المؤلف في " المشتبه " والسمعاني وياقوت وابن الأثير وابن العماد وابن حجر بكسرها، وقد تصحفت في " تذكرة الحفاظ " إلى " السبحي " بالباء الموحدة والحاء المهملة.

(20/284)


الطُّيُوْرِيّ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَحْمَدَ (1) الدُّونِي، وَخَلْقاً كَثِيْراً بِخُرَاسَانَ وَالعِرَاق وَأَصْبَهَانَ وَالحِجَازِ، وَقَدْ سَمِعَ بِأَصْبَهَانَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مَرْدَوَيْه، وَطَبَقَتِهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، وَعَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ السَّمْعَانِيّ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ: تَفَقَّهَ أَوَّلاً عَلَى جَدِّي أَبِي المُظَفَّرِ، وَعَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرَّزَّاز، وَكَتَبَ الكَثِيْر، وَحصَّل وَأَلَّف، وَكَانَ إِمَاماً وَرِعاً مُتَهَجِّداً مُتَوَاضِعاً، سرِيع الدمعَة، وَكَانَ مِنْ أَخصِّ أَصْحَاب وَالِدِي حضَراً وَسفراً، سَمِعَ الكَثِيْر مَعَهُ، وَنسخ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْره، وَلَهُ مَعْرِفَةٌ بِالحَدِيْثِ، وَهُوَ ثِقَةٌ دَيِّنٌ قَانِع، كَثِيْر التِّلاَوَة، كَانَ يَتولَّى أُمُوْرِي بَعْد وَالِدِي، وَسَمِعْتُ مِنْ لفظِهِ الكَثِيْر، وَكَانَ يَلِي الخطَابَةَ بِمَرْوَ فِي الجَامِع الأَقدم، تُوُفِّيَ فِي التَّاسع وَالعِشْرِيْنَ مِنْ شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ السَّمْعَانِيّ (سُنَنَ النَّسَائِيِّ) عَنِ الدُّونِي، وَ(صَحِيْح مُسْلِم) بِرِوَايَتِهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ صَاحِب عَبْد الغَافِر الفَارِسِيّ، وَكِتَاب (الحِلْيَة) لأَبِي نُعَيْمٍ، وَكِتَاب (الرِّقَاق) لابْنِ المُبَارَكِ.
قَالَ: أَخْبَرَنَا الزَّاهرِي، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ يَنَال المَحْبُوبِيّ.
أَمَّا:
__________
(1) تحرف في " تذكرة الحفاظ " 4 / 1312 إلى أحمد.
وقد مرت ترجمة عبد الرحمن بن حمد في الجزء التاسع عشر برقم (147).

(20/285)


193 - السَّبَخِيُّ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ عُثْمَانَ *
فَالشَّيْخُ، الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، الزَّاهِدُ، المُسْنِدُ، أَبُو طَاهِرٍ (1) مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ عُثْمَانَ بنِ مُحَمَّدٍ السَّبَخِيُّ، البَزْدَوِيُّ، البُخَارِيُّ، الصَّابُوْنِيُّ، الحَنَفِيُّ.
سَمِعَ فِي صِبَاهُ مِنَ المُعَمَّر عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّبَيْرِيِّ الوَرْكِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
وَصحب الزَّاهِد يُوْسُف بن أَيُّوْبَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيّ، وَابْنه أَبُو المُظَفَّرِ.
مَاتَ: بِبُخَارَى، فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ (2) وَخَمْسِ مائَةٍ.
كَتَبته لِلتَّمْيِيْزِ، فُكُلٌّ مِنَ السِّنْجِيِّ وَالسَّبَخِي مِنْ مَشَايِخ أَبِي المُظَفَّرِ السَّمْعَانِيّ وَوَالِده.

194 - الشَّهْرَسْتَانِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ أَحْمَدَ **
الأَفْضَلُ، مُحَمَّد بن عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ أَحْمَدَ الشَّهْرَسْتَانِيُّ، أَبُو الفَتْحِ،
__________
(*) التحبير 2 / 258، 259، الأنساب 7 / 28، معجم البلدان 3 / 183، اللباب 2 / 99، المشتبه 1 / 348، طبقات السبكي 6 / 188، الجواهر المضية 2 / 35، تبصير المنتبه 2 / 719.
والسبخي هذه بالسين المهملة والباء الموحدة المفتوحتين والخاء المعجمة كما ضبط في الأصل و" الأنساب " و" اللباب " و" الجواهر المضية " و" تبصير المنتبه "، وقد ضبطها المؤلف في " المشتبه " 348: (السبحي) بضم السين المهملة وفتح الباء الموحدة وبالحاء المهملة، فرد عليه ابن حجر بقوله: ضبطه السمعاني بفتحتين وخاء معجمة، وهو أعرف بشيخه اه.
وهي نسبة إلى الدباغة بالسبخة، وهي التراب المالح الذي لا ينبت فيه النبات.
وقد تصحفت في " طبقات " السبكي إلى " السنجي " بالنون والجيم.
(1) في " التحبير ": وقيل: أبو عبد الله. وهو الذي ذكره في " الأنساب ".
(2) سقط لفظ " وخمسين " في " التحبير " 2 / 259 فجاءت وفاته سنة خمس وخمس مئة.
وذكرت محققة الكتاب أن وفاته في " الجواهر المضية " كما " التحبير "، وليس كذلك، بل هي مطابقة لما هنا.
(* *) تاريخ حكماء الإسلام: 141 - 144، التحبير 2 / 160، 162، معجم البلدان =

(20/286)


شَيْخ أَهْل الكَلاَم وَالحِكْمَة، وَصَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
بَرَعَ فِي الفِقْه عَلَى الإِمَامِ أَحْمَد الخوَافِي (1) الشَّافِعِيّ، وَقرَأَ الأُصُوْل عَلَى أَبِي نَصْرٍ بنِ القُشَيْرِيّ، وَعَلَى أَبِي القَاسِمِ الأَنْصَارِيّ.
وَصَنَّفَ كِتَاب (نِهَايَة الإِقدَام)، وَكِتَاب (المِلَلِ وَالنِّحَلِ (2)).
وَكَانَ كَثِيْرَ المَحْفُوْظ، قَوِيّ الفَهْم، مليح الْوَعْظ.
سَمِعَ بِنَيْسَابُوْرَ مِنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ الأَخْرَم.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَتَبْتُ عَنْهُ بِمَرْوَ، وَحَدَّثَنِي أَنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَمَاتَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
ثُمَّ قَالَ: غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ مُتَّهَماً بِالمَيْلِ إِلَى أَهْلِ القِلاعِ وَالدّعوَة إِلَيْهِم، وَالنُّصرَةِ لطَامَّاتِهِم (3) .
__________
= 3 / 377، طبقات ابن الصلاح: ق 17، وفيات الأعيان 4 / 273 - 275، المختصر 3 / 27، العبر 4 / 132، دول الإسلام 2 / 64، تذكرة الحفاظ 4 / 1313، تتمة المختصر 2 / 85 - 86، الوافي بالوفيات 3 / 278، 279، مرآة الجنان 3 / 289، 290، طبقات السبكي 6 / 128 - 130، طبقات الاسنوي 2 / 106، 107، العسجد المسبوك: ق 68 / 1، لسان الميزان 5 / 263، 264، النجوم الزاهرة 5 / 305، مفتاح السعادة 1 / 323، 324، كشف الظنون: 57، 291، شذرات الذهب 4 / 149، روضات الجنات: 186 - 188، هدية العارفين 2 / 91.
والشهرستاني: نسبة إلى شهرستان، وسماها السمعاني شهرستانة، وهي بليدة بخراسان قرب نسا مما يلي خوارزم.
وقال ابن خلكان: وهي مركبة، فمعنى شهر: مدينة، ومعنى استان: الناحية، فكأنه قال: مدينة الناحية.
(1) نسبة إلى خواف، ناحية من نواحي نيسابور، وقد تحرفت في " لسان الميزان " إلى " الجواني " وتصحفت في " مفتاح السعادة " إلى " الحوافي " بالحاء المهملة.
وأحمد الخوافي هذا متوفى سنة 500 ه، وهو مترجم في الأنساب 5 / 220، تبيين كذب المفتري 288، وفيات الأعيان 1 / 96، العبر 3 / 355، الوافي 8 / 127، طبقات السبكي 6 / 63، والبداية والنهاية 12 / 168.
(2) وكلاهما مطبوع ومشهور. وانظر بقية تصانيفه في " هدية العارفين " 2 / 91.
(3) انظر تعليق السبكي على هذا النص في " طبقاته " 6 / 130، وتعليق ابن حجر في " لسان الميزان " 5 / 264.

(20/287)


وَقَالَ فِي (التّحبِير (1)): هُوَ مِنْ أَهْلِ شَهْرَسْتَانَه، كَانَ إِمَاماً أُصُوْلياً، عَارِفاً بِالأَدب وَبِالعُلُوْم المهجورَة.
قَالَ: وَهُوَ مُتَّهَم بِالإِلْحَاد، غَالٍ فِي التَّشَيُّع.
وَقَالَ ابْنُ أَرْسَلاَن فِي (تَارِيخ خُوَارِزْم): عَالِم كيس مُتَفَنِّن، وَلَوْلاَ مَيْلُهُ إِلَى أَهْلِ الإِلْحَادِ وَتَخَبُّطُهُ فِي الاعْتِقَاد، لَكَانَ هُوَ الإِمَامَ، وَكَثِيْراً مَا كُنَّا نَتعجب مِنْ وُفور فَضله كَيْفَ مَالَ إِلَى شَيْءٍ لاَ أَصل لَهُ؟! نَعُوذ بِاللهِ مِنَ الخذلاَن، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلاَّ لإِعرَاضه عَنْ علم الشَّرْع، وَاشتغَاله بظُلُمَاتِ الفَلْسَفَة، وَقَدْ كَانَتْ بَيْنَنَا مُحَاورَات، فَكَيْفَ يُبَالِغ فِي نُصْرَة مَذَاهِب الفَلاَسِفَة وَالذَّبّ عَنْهُم، حضَرتُ وَعظَه مَرَّات، فَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ قَالَ اللهُ وَلاَ قَالَ رَسُوْله، سَأَله يَوْماً سَائِل، فَقَالَ: سَائِر العُلَمَاء يذكرُوْنَ فِي مَجَالِسِهِم المَسَائِلَ الشرعيَة، وَيُجِيبُوْنَ عَنْهَا بِقَوْلِ أَبِي حَنِيْفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَأَنْت لاَ تَفْعَل ذَلِكَ؟!
فَقَالَ: مَثَلِي وَمَثَلُكُم كَمثلِ بَنِي إِسْرَائِيْلَ يَأْتيهُم المَنُّ وَالسلوَى، فَسَأَلُوا الثُّومَ وَالبصل (2) ...
إِلَى أَنْ قَالَ ابْنُ أَرْسَلاَن: مَاتَ بِشَهْرَسْتَانَةَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ (3) وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ: وَقَدْ حَجَّ سَنَة عَشْرٍ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَوعظ بِبَغْدَادَ.

195 - عَبَّاسَةُ أَبُو مُحَمَّدٍ العَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي مَنْصُوْرٍ *
الوَاعِظُ، العَالِمُ، أَبُو مُحَمَّدٍ العَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي مَنْصُوْرٍ
__________
(1) 2 / 160، 161.
(2) انظر " معجم البلدان " 3 / 377.
(3) في " التحبير " أنه مات سنة ثمان وأربعين، وفيها جاءت ترجمته في " العبر " و" المختصر " و" تتمة المختصر " و" الشذرات "، وكذا ذكر ابن خلكان والسبكي والصفدي نقلا عن " الذيل " للسمعاني.
(*) لم نعثر على مصادر ترجمته.

(20/288)


الطَّابَرَانِيُّ، الطُّوْسِيُّ، العَصَّارِيُّ، رَاوِي (الكَشفِ وَالبَيَانِ) فِي التَّفْسِيْرِ لِلثَّعْلَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدٍ الفُرْخرَادِي، عَنْ مُؤلِّفه.
وَسَمِعَ: أَبَا الحَسَنِ بنَ الأَخْرَم.
وَعَنْهُ: المُؤَيَّد الطُّوْسِيّ، وَعَبْد الرَّحِيْمِ السَّمْعَانِيّ، وَأَبُو سَعْدٍ الصَّفَّار.
هلك فِي دُخُوْل الغُزّ نَيْسَابُوْر، سَنَة تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

196 - الشَّهْرُزُوْرِيُّ أَبُو الكَرَمِ المُبَارَكُ بنُ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ *
الإِمَامُ، المُقْرِئُ، المُجَوِّدُ الأَوْحَدُ، شَيْخُ القُرَّاءِ، أَبُو الكَرَمِ المُبَارَكُ بنُ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ فَتحَانَ الشَّهْرُزُوْرِيُّ، البَغْدَادِيُّ، مُصَنِّفُ كِتَابِ (المِصْبَاحِ الزَّاهِرِ فِي العَشْرَةِ البَوَاهِرِ (1)).
وُلِدَ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: إِسْمَاعِيْل بنِ مَسْعَدَةَ الإِسْمَاعِيْلِيِّ، وَرِزْق اللهِ التَّمِيْمِيِّ، وَأَبِي الفَضْلِ بنِ خَيْرُوْنَ، وَطِرَادٍ الزَّيْنَبِيّ.
وَأَجَازَ لَهُ: أَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُهْتَدِي بِاللهِ، وَعَبْد الصَّمَدِ بن المَأْمُوْنِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ هَزَارْمَرْدَ، وَأَبُو الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ، قَالَهُ السَّمْعَانِيّ.
__________
(*) الأنساب 7 / 420، المنتظم 10 / 164، معجم الأدباء 17 / 52، 53، دول الإسلام 2 / 67، تذكرة الحفاظ 4 / 1292، معرفة القراء الكبار 2 / 413، 414، العبر 4 / 141، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 222، 223، مرآة الجنان 3 / 296، غاية النهاية 2 / 38 - 40، النشر 1 / 90، كشف الظنون: 822 - شذرات الذهب 4 / 157، هدية العارفين 2 / 2.
والشهرزوري نسبة إلى شهرزور، وهي بلدة بين الموصل وزنجان، ضبطها السمعاني وابن الأثير والسيوطي وابن خلكان 4 / 70 بضم الراء، وضبطها ياقوت بفتحها، فتابعه الأستاذ أحمد تيمور باشا في " ضبط الاعلام " ص 84.
(1) انظر " النشر " 1 / 90.

(20/289)


وَقَالَ: شَيْخ صَالِح دين خَيِّر، قَيِّم بِكِتَابِ اللهِ، عَارِف بِاخْتِلاَف الرِّوَايَات وَالقِرَاءات، حَسَن السِّيْرَةِ، جَيِّد الأَخْذَ عَلَى الطُلاَّب، عَالِي الرِّوَايَات.
قُلْتُ: تَلاَ عَلَى رِزْق اللهِ، وَعَبْد السَّيِّد بن عَتَّابٍ، وَيَحْيَى بن أَحْمَدَ السِّيْبِيّ، وَالشَّرِيْف عَبْد القَاهِرِ المَكِّيّ، وَمُحَمَّد بن أَبِي بَكْرٍ القَيْرَوَانِي، وَأَبِي البَرَكَات الوَكِيْل، وَأَحْمَد بن مُبَارَك الأَكْفَانِي، وَأَبِي عَلِيٍّ الحَسَن بن مُحَمَّدٍ الكَرْمَانِيّ الزَّاهِد صَاحِب الحُسَيْن بن عَلِيِّ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الرُّهَاوِيّ، وَالحَسَن الشَّهْرُزُوْرِيّ وَالِدِهِ.
قرَأَ عَلَيْهِ خلق، مِنْهُم: عُمَر بن بكرُوْنَ النَّهْرَوَانِي، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ الكَال (1) الحِلِّيّ، وَصَالِح بن عَلِيٍّ الصرصرِي، وَأَبُو يَعْلَى حَمْزَةُ بنُ القُبَّيْطِيّ، وَعَبْد الوَاحِدِ بن سُلْطَان، وَيَحْيَى بن الحُسَيْنِ الأَوَانِي، وَأَحْمَد بن الحَسَنِ العَاقُوْلِيّ، وَزَاهِر بن رُسْتُمَ إِمَام المقَام، وَعَبْد العَزِيْزِ بن أَحْمَدَ بنِ النَّاقِد، وَمشرف بن عَلِيٍّ الخَالصي الضّرِير، وَعَلِيّ بن أَحْمَدَ الوَاسِطِيّ الدَّبَّاس، وَأَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الرَّاشيدِي الضّرِير، وَعِدَّة.
وَحَدَّثَ عَنْهُ كَثِيْر مِنْ هَؤُلاَءِ، وَمُحَمَّد بن أَبِي المَعَالِي بن البَنَّاءِ، وَأَسَعْدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَلِيِّ بنِ صُعلوك، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَآخَرُوْنَ، وَأَجَازَ لأَبِي الحَسَن ابْن المُقَيَّرِ.
انْتَهَى إِلَيْهِ علو الإِسْنَاد فِي القِرَاءات، فَإِنَّهُ قرَأَ ختمَة لِقَالُوْنَ عَلَى رِزْق اللهِ، عَنْ قِرَاءته عَلَى الحَمَّامِيِّ، وَتَلاَ لِوَرْشٍ عَلَى أَحْمَدَ بنِ مُبَارَك، قَالَ:
__________
(1) تحرف في " معرفة القراء " 2 / 413 إلى " الكيال " وفي " تبصير المنتبه " 1 / 148 إلى " الكمال "، وتحرفت نسبة " الحلي " في " غاية النهاية " 2 / 38 إلى الحلبي.
انظر " المشتبه " 168 و540 و" معرفة القراء " 2 / 453، و" غاية النهاية " 2 / 256، 257.

(20/290)


قَرَأْت بِهَا إِلَى (سَبَأَ) عَلَى الحَمَّامِيّ، وَتَلاَ لِلدُّورِي عَلَى يَحْيَى السِّيْبِيّ، وَرِزْق اللهِ، وَأَبِي نَصْرٍ أَحْمَد بن عَلِيٍّ الهَاشِمِيّ، عَنْ تِلاَوَتِهِم عَلَى الحَمَّامِيّ.
مَاتَ: فِي الثَّانِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَدُفن إِلَى جَانب الحَافِظ أَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب.
وَفِيْهَا مَاتَ: ابْنُ نَاصِرٍ (1) ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العصَائِدِيُّ (2) ، وَسَعِيْدُ بنُ البَنَّاءِ (3) ، وَسَعِيْدُ بنُ الحُسَيْنِ الجَوْهَرِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ حَمْزَةَ العَلَوِيُّ الهَرَوِيُّ، وَالخَطِيْبُ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ المُشْكَانِيُّ (4) ، وَأَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ الكَاتِبُ، وَالقَاضِي مُجَلِّي بنُ جُمَيْعٍ المَخْزُوْمِيُّ المِصْرِيُّ مُصَنِّفُ كِتَابِ (الذَّخَائِرِ (5))، وَيَحْيَى بنُ إِبْرَاهِيْمَ السَّلَمَاسِيُّ الوَاعِظُ (6).

197 - ابْنُ خَمِيْسٍ الحُسَيْنُ بنُ نَصْرِ بنِ مُحَمَّدٍ الجُهَنِيُّ *
الفَقِيْهُ، الإِمَامُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ نَصْرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنِ بنِ
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (180).
(2) ذكرت مصادر ترجمته في حواشي الترجمة (180).
(3) تقدمت ترجمته برقم (179).
(4) سترد ترجمته برقم (207).
(5) سترد ترجمته برقم (218).
(6) انظر نهاية الترجمة (180).
(*) معجم البلدان 2 / 194 (جهينة)، اللباب 1 / 318، وفيات الأعيان 2 / 139، 140، الوافي بالوفيات خ 11 / 113، 114، مرآة الجنان 3 / 302، 303، طبقات السبكي 7 / 81، طبقات الاسنوي 1 / 488، 489، كشف الظنون 30، 359، شذرات الذهب 4 / 162، إيضاح المكنون 2 / 557، هدية العارفين 1 / 313، الفهرس التمهيدي: 448، فهرس الظاهرية (قسم التاريخ): 695.

(20/291)


مُحَمَّدِ بنِ خَمِيْسٍ الجُهَنِيُّ (1) ، الكَعْبِيُّ، المَوْصِلِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، ضبطَهُ عَنْهُ السَّمْعَانِيُّ.
قَدِمَ بَغْدَادَ وَهُوَ حَدَثٌ، فَتفقَّهَ عَلَى الغزَالِيِّ، وَسَمِعَ مِنْ: طِرَادٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَابْنِ طَلْحَةَ النِّعَالِيِّ، وَالقَاضِي مُحَمَّدِ بنِ المُظَفَّرِ الشَّامِيِّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيِّ، وَعِدَّةٍ.
وَسَمِعَ بِالمَوْصِلِ مِنْ: أَبِي نَصْرٍ بنِ وَدْعَانَ.
وَوَلِيَ قَضَاءَ الرّحبَةِ (2) مُدَّةً، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بلدِهِ.
وَقَدْ قَدِمَ بَغْدَادَ بَعْدَ الأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَحَدَّثَ بِهَا، فَرَوَى عَنْهُ: سُلَيْمَانُ وَعلِيُّ ابْنَا مُحَمَّدٍ المَوْصِلِيِّ، وَجَمَاعَةٌ.
وَمَا وَقَعَ لَنَا حَدِيْثُهُ بِالعلوِّ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: قَرَأْتُ عَلَيْهِ أَحَادِيْثَ، وَهُوَ إِمَامٌ فَاضِلٌ، بَهِيُّ المَنْظَرِ، حَسَنُ الأَخلاَقِ، مليحُ الشَّيْبَةِ، كَثِيْرُ المَحْفُوْظِ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: أَنْبَأَنِي الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَمَّارٍ الوَاعِظُ، قَالَ: تُوُفِّيَ ابْنُ خَمِيْسٍ فِي تَاسعِ رَبِيْعٍ الآخَرِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ: وَلَهُ مُصَنّفَاتٌ: (مَنْهجُ التَّوحيدِ)، (تَحْرِيْمُ الغِيبَةِ)، (أَخْبَارُ المَنَامَاتِ)، (لُؤْلُؤةُ المَنَاسِكِ)، (مَنَاقِبُ الأَبرَارِ) (فَرح المُوَضّح عَلَى مَذْهَبِ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ)، (مَنْهجُ المرِيْدِ).
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ الخرَّازِ الحَرِيْمِيُّ (3) ،
__________
(1) نسبة إلى جهينة: قرية من قرى الموصل على دجلة. انظر " معجم البلدان " 2 / 194 و" اللباب " 1 / 318 و" وفيات الأعيان " 2 / 139.
(2) يعني رحبة مالك بن طوق، كما صرح ياقوت والاسنوي.
(3) سترد ترجمته برقم (220).

(20/292)


وَقَاضِي وَاسِطَ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ بختيَارِ بنِ عَلِيٍّ المَنْدَائِيُّ (1) ، وَصَاحِبُ نصِيْبينَ شَمْسُ المُلُوْكِ إِبْرَاهِيْمُ ابنُ الملكِ رِضْوَانِ ابْنِ السُّلْطَانِ تُتُشَ السَّلْجُوْقِيُّ (2) ، وَشيخُ مَا وَرَاء النَّهْرِ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ الحُسَيْنِ الأَنْدَقِيُّ (3) الزَّاهِدُ، وَالسُّلْطَانُ الكَبِيْرُ سَنْجَر بنُ مَلِكْشَاه بِمَرْوَ، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ عَبْدُ البَاقِي بنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ بِدِمَشْقَ، وَعَبْدُ الصَّبُورِ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الهَرَوِيُّ (5) ، وَأَبُو مَرْوَانَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَسرَّةَ اليَحْصُبِيُّ القُرْطُبِيُّ (6) ، وَأَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بنُ عَلِيٍّ البِيْكَنْدِيُّ (7) بِبُخَارَى، وَأَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَرْبِيُّ المُقْرِئُ (8) ، وَالإِمَامُ صَدرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللَّطِيْفِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ ثَابِتٍ الخُجَنْدِيُّ (9) ، وَالمُسْنِدُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ الزَّاغُونِيِّ (10) ، وَالفَقِيْهُ أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الخلِّ الشَّافِعِيُّ (11) ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ الشَّدَنكِ أَبُو الغَنَائِمِ (12) - يَرْوِي عَنْ عَاصِمِ بنِ الحَسَنِ -
__________
(1) مترجم في المنتظم 10 / 177، 178، المشتبه: 624، تبصير المنتبه 4 / 1399، البداية والنهاية 12 / 236 والمندائي ويقال الماندائي تحرفت في " البداية " إلى المارداني.
(2) سترد ترجمته برقم (221).
(3) نسبة إلى أندقي - وفي " معجم البلدان " أندق - وهي قرية من قرى بخارى، وأبو علي هذا ترجمه السمعاني في " الأنساب " 1 / 363، 364، وكناه أبا محمد.
(4) سترد ترجمته برقم (252).
(5) سترد ترجمته برقم (222).
(6) مترجم في الصلة 2 / 366، 367، بغية الملتمس: 382، العبر 4 / 148، وشذرات الذهب 4 / 162.
(7) سترد ترجمته برقم (228).
(8) مترجم في معرفة القراء الكبار 2 / 415 وتحرفت كنيته إلى أبي جعفر، العبر 4 / 149، غاية النهاية 1 / 593، 594، وشذرات الذهب 4 / 162.
(9) سترد ترجمته برقم (260).
(10) تقدمت ترجمته برقم (186).
(11) سترد ترجمته برقم (204).
(12) مترجم في الوافي بالوفيات 5 / 21.

(20/293)


وَقَاضِي نَيْسَابُوْرَ بُرْهَانُ الدِّينِ مَنْصُوْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الصَّاعدِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ نَصْرُ بنُ نَصْرٍ العُكْبَرِيُّ الوَاعِظُ.

198 - القَيْسِيُّ أَبُو العَشَائِرِ مُحَمَّدُ بنُ الخَلِيْلِ بنِ فَارِسٍ *
الشَّيْخُ، أَبُو العَشَائِرِ مُحَمَّدُ بنُ الخَلِيْلِ بنِ فَارِسٍ القَيْسِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، المَعْرُوفُ بِالكُرْدِيِّ.
سَمِعَ مِنَ: الفَقِيْهِ نَصْرٍ وَصَحِبَهُ، وَمِنْ أَبِي القَاسِمِ بنِ أَبِي العَلاَءِ، وَالحَسَنِ بنِ أَبِي الحَدِيْدِ.
وَسَكَنَ بَعْلَبَكَّ، وَخَدَمَ مُتَوَلِّيهَا، ثُمَّ قَدِمَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ (2) ، وَابْنُهُ القَاسِمُ، وَابْنُ أَخِيْهِ زَينُ الأُمَنَاءِ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ: بِبَعْلَبَكَّ، فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

166 - حَامِدُ بنُ أَبِي الفَتْحِ أَبُو عَبْدِ اللهِ المَدِيْنِيُّ ** (تَقَدَّم)
الحَافِظُ، الزَّاهِدُ، الوَرِعُ، الإِمَامُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ المَدِيْنِيُّ.
سَمِعَ: أَبَا عليٍّ الحَدَّادَ، وَيَحْيَى بنَ مَنْدَةَ، وَارْتَحَلَ، فَسَمِعَ بَشِيْرَازَ مِنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَبِبَغْدَادَ مِنْ هِبَةِ اللهِ بنِ الحُصَيْنِ، وَأَبِي العزِّ بنِ كَادِشٍ.
__________
(1) سترد ترجمته برقم (200).
(*) العبر 4 / 137، النجوم الزاهرة 5 / 319، شذرات الذهب 4 / 154.
(2) انظر " مشيخة " ابن عساكر: 187 / 1.
(* *) تقدمت ترجمته برقم (166).

(20/294)


رَوَى عَنْهُ: أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، وَابْنُهُ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ السَّمْعَانِيِّ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَسَدٍ فِي (مُعْجَمِهِ).
وَكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ الحَدِيْثِ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قَالَ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ: تُوُفِّيَ الشَّيْخُ الزَّاهِدُ الحَافِظُ حَامِدٌ المَدِيْنِيُّ بِيَزْدَشير كِرْمَان، فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

199 - الخَطِيْرُ خَطِيْرُ الدَّوْلَةِ أَبُو عَبْدِ اللهِ *
الكَاتِبُ، الصَّدْرُ، المُنْشِئُ البَاهرُ، خَطِيْرُ الدَّوْلَةِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، صَاحِبُ الخَبَرِ بدِيْوَانِ الزِّمَامِ (1) ، وَلَهُ بَاعٌ مَدِيدٌ فِي النَّثرِ (2) وَالنَّظمِ (3) .
وَصَنَّفَ خَمْسِيْنَ مقَامَةً (4) .
وَرَوَى عَنْ: أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ القَادِرِ اليُوْسُفِيِّ.
وَأَخَذَ عَنْ: أَبِي زَكَرِيَّا التِّبْرِيْزِيِّ.
سَمِعَ مِنْهُ: ابْنُ الخَشَّابِ، وَأَحْمَدُ بنُ طَارِقٍ.
__________
(*) الوافي بالوفيات 12 / 316، لسان الميزان 2 / 272.
(1) انظر " تكملة المعاجم العربية " لدوزي 1 / 601 (الطبعة الفرنسية) ففيه المقصود من " ديوان الزمام " ويمكن تلخيص ذلك بأنه الديوان المسؤول عن النواحي المالية المدنية والعسكرية، والمشرف على الاجهزة الادارية في الدولة، وفيه تحفظ السجلات والوثائق العامة لهذه الاجهزة.
(2) ذكر الصفدي أنه كان يتحدى بإنشاء الرسالة من آخرها إلى أولها، ولهذا قال يفتخر: ألست الذي أنشا الرسائل عاكسا
(3) انظر بعض نظمه في " الوافي " 12 / 316.
(4) قال الصفدي: سلك فيها طريق البديع الهمذاني، وصنف كتاب " جوامع الانشاء " ونبذا من أخبار الوزراء.

(20/295)


وَكَانَ غَالياً فِي الرَّفضِ، مُتَّهَماً فِي الرِّوَايَةِ.
مَاتَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ النَّجَّارِ وَغَيْرُهُ.
وَاسْمُهُ الحُسَيْنُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ خطَابٍ.

200 - العُكْبَرِيُّ أَبُو القَاسِمِ نَصْرُ بنُ نَصْرِ بنِ عَلِيٍّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الوَاعِظُ، أَبُو القَاسِمِ نَصْرُ بنُ نَصْرِ بنِ عَلِيِّ بنِ يُوْنُسَ العُكْبَرِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ بنَ البُسْرِيِّ، وَعَاصِمَ بنَ الحَسَنِ، وَأَبَا الغَنَائِمِ بنَ أَبِي عُثْمَانَ، وَنِظَامَ المُلْكِ، وَأَبَا اللَّيْثِ التُّنْكَتِيَّ (1) .
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ سُكَيْنَةَ، وَابْنُ الأَخْضَرِ، وَحَفِيْدُهُ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ نَصْرٍ، وَعَبْدُ السَّلاَمِ الدَّاهِرِيُّ، وَعُمَرُ بنُ كَرَمٍ، وَدَاوُدُ بنُ مُلاعبٍ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ الجَوَالِيْقِيِّ، وَأَبُو الحَسَنِ ابْنُ القَطِيْعِيِّ، وَسَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّزَّازُ، وَآخَرُوْنَ.
وَأَجَازَ لأَبِي الحَسَنِ ابْن المُقَيَّرِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: شَيْخٌ، وَاعِظٌ، متودِّدٌ، مُتَوَاضِعٌ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ يَتَكَلَّمُ فِي الأَعزِيَةِ.
وَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (2) : كَانَ ظَاهِرَ الكِيَاسَةِ، يَعِظُ وَعْظَ المَشَايِخِ،
__________
(*) المنتظم 10 / 180، دول الإسلام 2 / 69، العبر 4 / 150، طبقات السبكي 7 / 320، النجوم الزاهرة 5 / 327، شذرات الذهب 4 / 166، وتحرف فيه إلى " الطبري ".
(1) نسبة إلى تنكت - بضم التاء وسكون النون وفتح الكاف بعدها تاء أخرى - وهي مدينة من مدن الشاش وراء نهر جيحون وسيحون.
وانظر ترجمته في " الأنساب " 3 / 88.
(2) في " المنتظم " 10 / 180.

(20/296)


وَيَتَخَيَّرُهُ النَّاسُ لِعَملِ الأَعَزِّيَّةِ، وَنَشَأَ وَلدُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَى طَرِيقَتِهِ.
مَاتَ أَبُو القَاسِمِ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

201 - الشِّلْبِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ عِيْسَى بنِ عَبْدِ اللهِ *
العَلاَّمَةُ، ذُو الفُنُوْنِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عِيْسَى بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدٍ الأَنْدَلُسِيُّ، مِنْ بَيْتِ عِلْمٍ وَوِزَارَةٍ وَقَضَاءٍ.
حَجَّ وَجَاوَرَ، ثُمَّ قَدِمَ بَغْدَادَ وَخُرَاسَانَ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: اجْتَمَعْتُ بِهِ بِهَرَاةَ، فَوَجَدتُهُ بَحْراً لاَ يُنْزَفُ مِنَ الحَدِيْثِ وَالفِقْهِ وَالنَّحْوِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
سَمِعَ: أَبَا بَحْرٍ بنَ العَاصِ، وَالحَسَنَ بنَ عُمَرَ الهَوْزَنِيَّ، وَأَبَا غَالِبٍ بنَ البَنَّاءِ، وَزَاهِراً الشَّحَّامِيَّ، وَكَانَ ذَا زُهْدٍ، وَتعبُّدٍ وَجَلاَلَةٍ، تُوُفِّيَ بِهَرَاةَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (1) ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَسِتُّوْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ أَبُو المُظَفَّرِ بنُ السَّمْعَانِيِّ.

202 - الفَامِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ بنِ عُثْمَانَ **
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، أَبُو النَّضْرِ (2) عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ
__________
(*) المنتظم 10 / 154، معجم ابن الابار: 235، تكملة الصلة: 834، نفح الطيب 2 / 650.
والشلبي نسبة إلى شلب، وهي مدينة من غرب الأندلس، وهي اليوم في البرتغال.
انظر نفح الطيب 1 / 167 و184، 185 و4 / 380.
(1) ذكر ابن الابار وفاته سنة 551، وأورد القولين المقري في " نفح الطيب ".
(* *) الأنساب 9 / 234، 235، تذكرة الحفاظ 4 / 1309، 1310، العبر 4 / 124، النجوم الزاهرة 5 / 310، طبقات الحفاظ: 483، شذرات الذهب 4 / 140، هدية العارفين 1 / 518.
والفامي: قال السمعاني: هذه النسبة إلى الحرفة، وهي لمن يبيع الاشياء من الفواكه اليابسة، ويقال له: البقال.
(2) كذا في الأصل بالضاد المعجمة، وفي " تذكرة الحفاظ " و" العبر " و" الشذرات ": أبو النصر، بالصاد المهملة.

(20/297)


الجَبَّارِ بنِ عُثْمَانَ بنِ مَنْصُوْرٍ الهَرَوِيُّ، الفَامِيُّ، الشُّرُوطِيُّ، العَدْلُ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ: أَبَا إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ العُمَرِيَّ، وَنَجِيْبَ بنَ مَيْمُوْنٍ الوَاسِطِيَّ، وَالقَاضِي أَبَا عَامِرٍ الأَزْدِيَّ، وَطَبَقَتَهُم.
وَارْتَحَلَ فِي كُهُولَتِهِ لِلْحَجِّ فِيمَا أُرَى، فَسَمِعَ مِنْ: هِبَةِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ البُخَارِيِّ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ الحُصَيْنِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ (1) ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَأَبُو رَوْحٍ عَبْدُ المُعِزِّ البَزَّازُ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ حَسَنَ السِّيرَةِ، جَمِيْلَ الطّرِيقَةِ، دَمِثَ الأَخلاَقِ، كَثِيْرَ الصَّدَقَةِ وَالصِّيَامِ، دَائِمَ الذِّكْرِ، متودِّداً، مُتَوَاضِعاً، لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالحَدِيْثِ وَالأَدبِ، يُكرِمُ الغُربَاءَ وَيُفِيدُهُم عَنِ الشُّيُوْخِ، وَكَانَ ثِقَةً، مَأْمُوْناً، كَتَبْتُ عَنْهُ بِهَرَاةَ وَنوَاحيهَا، مَاتَ فِي الخَامِسِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (2) .
قُلْتُ: وَلقَبُهُ ثِقَةُ الدِّينِ، وَلَهُ (تَارِيخٌ) صَغِيْرٌ (3) .
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا أَبُو رَوْحٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ الفَضْلِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الرَّفَّاءُ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
__________
(1) انظر " مشيخة " ابن عساكر: ق 107 / 2.
(2) انظر " تذكرة الحفاظ " 4 / 1309.
(3) في " تاريخ هراة ". انظر " هدية العارفين 1 / 518.

(20/298)


أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الدُّبَّاءِ وَالمُزَفَّتِ أَنْ يُنْتَبَذَ فِيْهِ (1) .

203 - المُبَارَكُ بنُ كَامِلِ بنُ أَبِي غَالِبٍ الخَفَّافُ البَغْدَادِيُّ
الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُحَدِّثُ، مُفِيْدُ العِرَاقِ، أَبُو بَكْرٍ البَغْدَادِيُّ، الظَّفَرِيُّ (2) .
مَوْلِدُهُ: سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ بنَ بَيَانٍ، وَأَبَا عَلِيٍّ بنَ نَبْهَانَ (3) ، وَابْنَ فَتحَان الشَّهرُزُورِيَّ، وَأَبَا طَالبٍ بنَ يُوْسُفَ، وَابْنَ الحُصَيْنِ، وَأُمَماً لاَ يُحصَوْنَ.
أَفنَى عُمُرَهُ فِي الطَّلَبِ، وَكَتَبَ عَمَّنْ دَبَّ وَدَرَجَ، وَسَمِعَ العَالِي وَالنَّازلَ، لاَ يَسْمَعُ بِمَنْ يَقدَمُ إِلاَّ وَيُبَادرُ إِلَى السَّمَاعِ مِنْهُ.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (4) : أَبُو بَكْرٍ المُفِيْدُ يُعْرَفُ أَبُوْهُ بِالخَفَّافِ، سَمِعَ خلقاً كَثِيْراً، وَمَا زَالَ يَسْمَعُ، وَيَتبعُ الأَشيَاخَ فِي الزَّوَايَا، وَيَنْقلُ السَّمَاعَاتِ، فَلَو قِيْلَ: إِنَّهُ سَمِعَ مِنْ ثَلاَثَةِ آلاَفِ شَيْخٍ، لَمَا رُدَّ قَوْلُ القَائِلِ، وَانتهَتْ إِلَيْهِ مَعْرِفَةُ
__________
(1) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (1992) (31) في الاشربة من طريق عمرو الناقد، عن سفيان بهذا الإسناد، وأخرجه مسلم (1992) والنسائي 8 / 305 في الاشربة من طريق قتيبة عن الليث، عن الزهري، عن أنس، وأخرجه البخاري (5587) من طريق أبي اليمان عن شعيب، عن الزهري، عن أنس.
(*) المنتظم 10 / 137، الكامل في التاريخ 11 / 136، العبر 4 / 119، 120، ذيل طبقات الحنابلة 1 / 214، 215، لسان الميزان 5 / 11، 12، كشف الظنون: 999، شذرات الذهب 4 / 135، 136، هدية العارفين 2 / 2.
(2) نسبة إلى محلة شرقي بغداد يقال لها: الظفرية، وقد تصحفت هذه النسبة في " شذرات الذهب " 4 / 135 إلى الطغري بالطاء المهملة والغين المعجمة.
(3) تحرف في " ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 214 إلى شهاب. وقد مرت ترجمة أبي علي هذا في الجزء التاسع عشر برقم (158).
(4) في " المنتظم " 10 / 137.

(20/299)


المَشَايِخِ وَمِقْدَارُ مَا سَمِعُوا، وَعِلمُ الإِجَازَاتِ لِكَثْرَةِ دُرْبَتِهِ، صَحِبَ هزَارسب (1) بنَ عَوَضٍ، وَمَحْمُوْداً الأَصْبَهَانِيَّ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ قَلِيْلَ التَّحقِيقِ فِيمَا يَنقُلُ، لِكَوْنِهِ كَانَ يَأْخذُ عَنْ ذَلِكَ ثَمناً، كَانَ فَقِيراً، كَثِيْرَ الأَوْلاَدِ وَالتَّزوُّجِ (2) .
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: سرِيعُ القِرَاءةِ وَالخطِّ، يُشبِهُ بَعْضُهُ بَعْضاً فِي الرَّدَاءةِ، سَمِعَ مِنِّي، وَسَمِعْتُ مِنْهُ، تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: جمعَ كِتَابَ (سلوَة الأَحزَان) نَحْو ثَلاَث مائَة جُزءٍ، أَوْ أَكْثَر، رَوَى لَنَا عَنْهُ وَلدَاهُ يُوْسُفُ وَلاَمعَةُ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الغَرَّادُ، وَكَانَ صَدُوْقاً مَعَ قلَّةِ فَهمِهِ وَمَعْرِفَتِهِ (3) .

204 - ابْنُ الخَلِّ مُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُفْتِي، شَيْخُ الشَّافعيَّةِ، أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ ابنُ أَبِي البقَاءِ المُبَارَكِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الخَلِّ البَغْدَادِيُّ.
تَفقَّهَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الشَّاشِيِّ المُسْتظهرِيِّ، وَدرَّسَ وَأَفتَى، وَصَنَّفَ وَأَفَادَ،
__________
(1) المتوفى سنة 515 ه، مترجم في المنتظم 9 / 231، العبر 4 / 36، والشذرات 4 / 48، وتحرف اسمه فيه إلى هزاراست، وتحرف في " ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 214 إلى: هذا رست.
(2) في الأصل: التزويج.
(3) انظر " ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 215.
(*) المنتظم 10 / 179، 180، الكامل في التاريخ 11 / 217، طبقات ابن الصلاح: ق 21، وفيات الأعيان 4 / 227، 228، العبر 4 / 150، دول الإسلام 2 / 69، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 36، الوافي بالوفيات 4 / 381، طبقات السبكي 6 / 176، 177، طبقات الاسنوي 1 / 486، 487، البداية والنهاية 12 / 237، النجوم الزاهرة 5 / 327، كشف الظنون 1 / 489، شذرات الذهب 4 / 164، 165، هدية العارفين 2 / 93.

(20/300)


وَتَفَرَّدَ بِبَغْدَادَ فِي الفَتْوَى فِي مَسْأَلَةِ الدَّوْرِ لابْنِ سُرَيْجٍ (1) .
وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ عَلَّقَ عَلَى كِتَابِ (التَّنْبِيهِ) شرحاً (2) ، وَلَهُ كِتَابٌ فِي أُصُوْلِ الفِقْهِ.
وَقَدْ سَمِعَ مِنِ: ابْنِ طَلْحَةَ النِّعَالِيِّ، وَنَصْرِ بنِ البَطِرِ، وَثَابِتِ بنِ بُنْدَارَ، وَالحُسَيْنِ بنِ عَلِيِّ بنِ البُسْرِيِّ، وَجَعْفَرٍ السَّرَّاجِ، وَأَبِي بَكْرٍ الطُّرَيْثِيْثِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ الأَنْصَارِيِّ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَسَدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ طَارِقٍ الكَرْكِيُّ، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَأَبُو الحَسَنِ القَطِيْعِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ مُقَدَّماً فِي كِتَابَةِ المَنْسُوْبِ (3) ، فَقِيْلَ: كَانُوا يَأْخذُوْنَ خَطَّهُ فِي الفَتَاوَى لِمُجَرَّدِ خَطِّهِ البَدِيْعِ فِي بَعْضِ الوَقْتِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: هُوَ أَحَدُ الأَئِمَّةِ الشَّافِعيَّةِ بِبَغْدَادَ، مُصِيْبٌ فِي فَتَاوِيْهِ،
__________
(1) وهو الامام الكبير أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج البغدادي، المتوفى سنة 306 ه، مرت ترجمته في الجزء الرابع عشر برقم (114).
ومسألة الدور هذه وتسمى المسألة السريجية هي مسألة في الطلاق مشهورة عند الشافعية، وصورتها أن يقول لزوجته: " متى وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا "، فوجه الدور أنه متى طلقها الآن وقع قبله ثلاثا، ومتى وقع قبله ثلاثا لم يقع، فيؤدي إثباته إلى نفيه، فانتفى.
وقد كثرت في هذه المسألة المؤلفات، وكثر فيها الرد والنقد، وممن ألف فيها أبو حامد الغزالي، انظر " كشف الظنون " 1662، وانظر " طبقات " السبكي 9 / 245، 246 (ترجمة ابن دقيق العيد).
وقد استوعب ردها وتفنيدها ابن حجر المكي في كتابه " تحفة المحتاج في شرح المنهاج " 8 / 114 - 116.
(2) سماه " توجيه التنبيه ". قال حاجي خليفة: وليس في شرحه تصوير المسألة، لكنه عللها بعبارة مختصرة.
" كشف الظنون " 1 / 489.
(3) يعني الخط المنسوب، ويقال: وضع قواعده وبرع فيه ابن مقلة المترجم في الجزء الخامس عشر برقم (86)، وأتم تنسيقه وتهذيبه علي بن هلال ابن البواب المترجم في الجزء السابع عشر برقم (192).

(20/301)


وَلَهُ السِّيرَةُ الحَسَنَةُ، وَالطَّرِيقَةُ الحَمِيدَةُ، خَشِنُ العَيْشِ، تَارِكٌ لِلتَّكَلُّفِ عَلَى طَرِيقَةِ السَّلَفِ، حِلْسُ (1) مَسجِدِهِ الَّذِي بِالرَّحْبَةِ، وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَمَاتَ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقَعَ لِي الجُزْءُ الأَوَّلُ مَنْ (مشيخَتِهِ).
وَمَاتَ مَعَهُ فِي العَامِ: أَخُوْهُ أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ (2) الشَّاعِرُ المَشْهُوْرُ عَنْ سبعينَ سَنَةً.
وَقِيْلَ: اسْمُ أَبِي الحُسَيْنِ الحَسَنُ، كَذَا سَمَّاهُ ابْن النَّجَّارِ.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ المُؤَرِّخُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ الفَقِيْهُ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى السُّكَّرِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بنُ عَبْدِ اللهِ التَّرْقُفِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الإِيْمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّوْنَ أَوْ بِضْعٌ وَسَبْعُوْنَ بَاباً، أَفْضَلُهَا شهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَدنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيْقِ، وَالحيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيْمَانِ). هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، عَالٍ (4) .
__________
(1) أي ملازم له، وقد تحرفت في " طبقات " السبكي 6 / 177 إلى " جليس ".
(2) مترجم في وفيات الأعيان 4 / 227، 228، الوافي 7 / 303، طبقات الاسنوي 1 / 488، وشذرات الذهب 4 / 165.
(3) وأخرجه البخاري (9) ومسلم (35) وأبو داود (4676) والترمذي (2614) والنسائي 8 / 110، وابن ماجه (57).

(20/302)


205 - بَكْبَرَةُ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ أَحْمَدَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الهَرَوِيُّ *
الشَّيْخُ الفَاضِلُ، العَابِدُ، الخَيِّرُ، أَبُو الفَتْحِ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ أَحْمَدَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الهَرَوِيُّ، الإِسكَافِيُّ، المُقْرِئُ.
سَمِعَ: أَبَا عَاصِمٍ الفُضَيْلَ بنَ يَحْيَى، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ الفَارِسِيَّ، وَشَيْخَ الإِسْلاَمِ، وَرَوَى (جَامِعَ أَبِي عِيْسَى) عَنْ أَبِي الظَّفَرِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَطَاءٍ.
وَعَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَابْنُهُ عَبْدُ الرَّحِيْمِ، وَأَبُو الضّوءِ شِهَابٌ الشَّذَبَانِيُّ (1) ، وَعَبْدُ المُعِزِّ الصُّوْفِيُّ، وَحَمَّادٌ الحَرَّانِيُّ، وَنَصْرُ بنُ عَبْدِ الجَامِعِ الفَامِيُّ.
وَطَالَ عُمُرُهُ، وَتَفَرَّدَ، وَبَقِيَ إِلَى قَرِيْبِ سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.

206 - أَبُو الوَقْتِ عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى بنِ شُعَيْبٍ السِّجْزِيُّ **
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الزَّاهِدُ، الخَيِّرُ، الصُّوْفِيُّ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، مُسْنِدُ الآفَاقِ، أَبُو الوَقْتِ عَبْدُ الأَوّلِ ابنُ الشَّيْخِ المُحَدِّثِ المُعَمَّرِ أَبِي عَبْدِ اللهِ عِيْسَى بنُ شُعَيْبِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ إِسْحَاقَ السِّجْزِيُّ، ثُمَّ الهَرَوِيُّ، المَالِيْنِيُّ.
__________
(*) التحبير 1 / 447، 448، الاستدراك لابن نقطة: باب بكبرة وبليزة وتليزة، المشتبه 1 / 90، تبصير المنتبه 1 / 102.
(1) لم أعرف هذه النسبة.
(* *) الأنساب 7 / 47، المنتظم 10 / 182، 183، الاستدراك لابن نقطة: باب السجزي والشجري، الكامل في التاريخ 11 / 239، اللباب 2 / 105، وفيات الأعيان 3 / 226، 227، دول الإسلام 2 / 70، العبر 4 / 151، 152، تذكرة الحفاظ 4 / 1315، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 150 - 152، مرآة الجنان 3 / 304، البداية والنهاية 12 / 238، النجوم الزاهرة 5 / 328، شذرات الذهب 4 / 166.

(20/303)


مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ مِنْ جَمَالِ الإِسْلاَمِ أَبِي الحَسَنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدٍ الدَّاوُوْدِيِّ (الصَّحِيْحَ)، وَ(كِتَابَ الدَّارِمِيِّ) وَ(مُنتخب مُسْنَدِ عَبْدِ بنِ حُمَيْدٍ) بِبُوشَنْج.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي عَاصِمٍ الفُضَيْلِ بنِ يَحْيَى، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي مَسْعُوْدٍ الفَارِسِيِّ، وَأَبِي يَعْلَى صَاعِدِ بنِ هِبَةِ اللهِ، وَبِيْبَى بِنْتِ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَفِيْفٍ، حَدَّثوهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي شُرَيحٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَحْمَدَ بنِ أَبِي نَصْرٍ كَاكُو، وَعَبْدِ الوَهَّابِ بنِ أَحْمَدَ الثَّقَفِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ العَاصِمِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ الفَضْلُويِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي عَاصِمٍ الجَوْهَرِيِّ، وَشيخِ الإِسْلاَمِ أَبِي إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيِّ - وَكَانَ مِنْ مُرِيْدِيهِ - وَأَبِي عَامِرٍ مَحْمُوْدِ بنِ القَاسِمِ الأَزْدِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَطَاءٍ البغَاوردَانِيِّ، وَحَكِيْمِ بنِ أَحْمَدَ الإِسْفَرَايِيْنِيِّ، وَأَبِي عَدْنَانَ القَاسِمِ بنِ عَلِيٍّ القُرَشِيِّ، وَأَبِي القَاسِمِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ الكَلْوَذَانِيِّ، وَنَصْرِ بنِ أَحْمَدَ الحَنَفِيِّ، وَطَائِفَةٍ.
وَحَدَّثَ بِخُرَاسَانَ وَأَصْبَهَانَ وَكَرْمَانَ وَهَمَذَانَ وَبَغْدَادَ، وَتَكَاثرَ عَلَيْهِ الطَّلَبَةُ، وَاشْتُهِرَ حَدِيْثُهُ، وَبَعُدَ صِيتُهُ، وَانْتَهَى إِلَيْهِ عُلُوُّ الإِسْنَادِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ (1) ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ الشِّيْرَازِيُّ، وَارْتَحَلَ إِلَيْهِ إِلَى كِرْمَانَ، وَسُفْيَانُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَنْدَةَ، وَأَبُو ذَرٍّ سُهَيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ البُوْشَنْجِيُّ، وَأَبُو الضّوءِ شِهَابٌ الشَّذَبَانِيُّ، وَعَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيُّ، وَالقَاضِي عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ بُنْدَارَ الهَمَذَانِيُّ، وَعَبْدُ الجَلِيْلِ بنُ مَنْدَوَيْه، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ السُّلَمِيُّ العَطَّارُ، وَعُثْمَانُ بنُ عَلِيٍّ
__________
(1) انظر " مشيخة " ابن عساكر: ق 98 / 1.

(20/304)


الوَرْكَانِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ مَحْمُوْدٍ الأَصْبَهَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الفَتَّاحُ البُوْشَنْجِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَطِيَّةَ اللهِ الهَمَذَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَرَايَا المَوْصِلِيُّ، وَمَحْمُوْدُ بنُ وَاثقٍ البَيْهَقِيُّ، وَمُقَرّبُ بنُ عَلِيٍّ الهَمَذَانِيُّ، وَالفَقِيْهُ يَحْيَى بنُ سَعْدٍ الرّزَايُّ، وَيُوْسُفُ بنُ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ نِظَامِ المُلْكِ، وَحَمَّادُ بنُ هِبَةِ اللهِ الحَرَّانِيُّ، وَعُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، وَسَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الدِّيْنَوَرِيُّ الصُّوْفِيُّ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ السُّهْرَوَرْدِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ الرُّوذَرَاورِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ ظَفَرِ بنِ هُبَيْرَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ مُكرَّمٍ، وَمُظَفَّرُ بنُ حَرِّكْهَا، وَعَلِيُّ بنُ يُوْسُفَ بنِ صَبُوخَا، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ صِرْمَا، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ المَيْنُدِيُّ، وَزَيْدُ بنُ يَحْيَى البَيِّعُ، وَعَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ عَسْكَرٍ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الرَّيَّانِ، وَأَسَعْدُ بنُ صُعْلُوكٍ، وَالنَّفِيْسُ بنُ كَرَمٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ شَرِيْفِ الرَّحْبَةِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ خَلِيْفَةَ الرُّوبَانِيُّ - بِمُوَحَّدَةٍ - وَمُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ البَيِّعُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الهَمَذَانِيُّ الخَطِيْبُ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ بُورْندَازَ (1) ، وَعُمَرُ بنُ أَعزَّ السُّهْرَوَرْدِيُّ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ مُحَمَّدُ بنُ لَيْثٍ الوسْطَانِيُّ، وَصَاعِدُ بنُ عَلِيٍّ الوَاعِظُ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ المُسْتعمِلُ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ الجَوَالِيْقِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ النَّفِيْسِ بنِ عَطَاءٍ، وَالمهَذَّبُ بنُ قُنَيْدَةَ، وَعَبْدُ السَّلاَمِ بنُ سُكَيْنَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَتِيقِ بنِ صيلاَ، وَأَبُو الرِّضَى مُحَمَّدُ بنُ عَصيَّةَ، وَعَبْدُ السَّلاَمِ الدَّاهِرِيُّ، وَأَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ النَّرْسِيُّ، وَعُمَرُ بنُ كَرَمٍ، وَالحُسَيْنُ بنُ الزُّبَيْدِيِّ، وَأَخُوْهُ الحَسَنُ، وَظَفَرُ بنُ سَالِمٍ البيطَارُ، وَعَبْدُ البَرِّ بنُ أَبِي العَلاَءِ العَطَّارُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَطِيْعِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مَوْلَى ابْنِ باقَا، وَزَكَرِيَّا العُلَبِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ رُوزبه،
__________
(1) ستأتي ترجمته في الجزء الثاني والعشرين. وفي الأصل: نورنداز، مجودة.

(20/305)


وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ المَدِيْنِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَطِيْعِيُّ، وَأَبُو المُنَجّى عَبْدُ اللهِ بنُ اللَّتِّيِّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ بَهْرُوْزَ، وَأَبُو سَعْدٍ ثَابِتُ بنُ أَحْمَدَ الخُجَنْدِيُّ نَزِيْلُ شيرَاز وَهُوَ آخِرُ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ مَوْتاً، بَقِيَ إِلَى سَنَةِ 637، وَسَمَاعُهُ فِي الخَامِسَةِ.
وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: أَبُو الكَرَمِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ المُتَوَكِّلِيُّ، وَكَرِيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الوَهَّابِ القُرَشِيَّةُ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: شَيْخٌ صَالِحٌ، حَسَنُ السَّمْتِ وَالأَخلاَقِ، مُتودِّدٌ، مُتَوَاضِعٌ، سلِيمُ الجَانبِ، اسْتَسْعَدَ بصحبَةِ الإِمَامِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ، وَخَدَمَهُ مُدَّةً، وَسَافَرَ إِلَى العِرَاقِ وَخُوزستَانَ وَالبَصْرَةَ، نَزلَ بَغْدَادَ بِرِباطِ البِسْطَامِيِّ فِيمَا حَكَاهُ لِي، وَسَمِعْتُ مِنْهُ بِهَرَاةَ وَمَالِيْنَ، وَكَانَ صَبُوْراً عَلَى القِرَاءةِ، مُحِبّاً لِلرِّوَايَةِ، حَدَّثَ بِـ (الصَّحِيْحِ)، وَ(مُسْنَدِ عَبْدٍ)، وَ(الدَّارِمِيِّ) عِدَّةَ نُوَبٍ، وَسَمِعْتُ أَنَّ أَبَاهُ سَمَّاهُ مُحَمَّداً، فَسَمَّاهُ عَبْدُ اللهِ الأَنْصَارِيُّ عَبْدَ الأَوّلِ، وَكَنَّاهُ بِأَبِي الوَقْتِ، ثُمَّ قَالَ: الصُّوْفِيُّ ابْنُ وَقتِهِ.
وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ فِي (التَّحبِيرِ (1)): إِنَّ وَالِدَ أَبِي الوَقْتِ أَجَازَ لَهُ، وَإِنَّ مَوْلِدَهُ (2) بسِجِسْتَانَ، سَنَةَ عَشْرٍ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَإِنَّهُ سَمِعَ مِنْ عَلِيِّ بنِ بُشرَى اللَّيْثِيِّ (مَنَاقِبَ الشَّافِعِيَّ) لِلآبرِيِّ بِفَوتٍ، ثُمَّ سَكَنَ هَرَاةَ، وَإِنَّهُ شَيْخٌ صَالِحٌ مُعَمَّرٌ، حرصَ عَلَى سَمَاعِ الحَدِيْثِ، وَحَمَلَ وَلدَهُ أَبَا الوَقْتِ عَلَى عَاتقِهِ إِلَى بُوشَنْجَ، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ الأَنْصَارِيُّ يُكرِمُهُ وَيُرَاعِيْه، مَاتَ بِمَالِيْن، فِي شَوَّالٍ، سَنَة اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، عَاشَ مائَة وَثَلاَث سِنِيْنَ.
__________
(1) 1 / 611، 613 في ترجمة والد أبي الوقت، وقد ترجمه المؤلف الذهبي في الجزء التاسع عشر برقم (231).
(2) يعني مولد والد أبي الوقت.

(20/306)


وَقَالَ زكِيُّ الدّينِ البِرزَالِيُّ (1) : طَافَ أَبُو الوَقْتِ العِرَاقَ وَخُوزستَانَ، وَحَدَّثَ بِهَرَاةَ، وَمَالِيْن، وَبُوشَنْج، وَكِرمَانَ، وَيَزْدَ، وَأَصْبَهَانَ، وَالكَرْجِ، وَفَارِسٍ، وَهَمَذَانَ، وَقَعَدَ بَيْنَ يَدَيْهِ الحُفَّاظُ وَالوُزَرَاءُ، وَكَانَ عِنْدَهُ كُتُبٌ وَأَجزَاءُ، سَمِعَ عَلَيْهِ مَنْ لاَ يُحصَى وَلاَ يُحصرُ.
وَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (2) : كَانَ صَبُوْراً عَلَى القِرَاءةِ، وَكَانَ صَالِحاً، كَثِيْرَ الذِّكْرِ وَالتَّهَجُّدِ وَالبُكَاءِ، عَلَى سَمْتِ السَّلَفِ، وَعَزَمَ عَامَ مَوْتِهِ عَلَى الحَجِّ، وَهَيَّأَ مَا يَحتَاجُ إِلَيْهِ، فَمَاتَ.
وَقَالَ يُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ الشِّيْرَازِيُّ فِي (أَرْبَعِيْنَ البُلْدَانِ) لَهُ: لَمَّا رَحَلْتُ إِلَى شَيْخنَا رحلَةِ الدُّنْيَا وَمُسْنِدِ العصرِ أَبِي الوَقْت، قَدَّرَ اللهُ لِي الوُصُوْلَ إِلَيْهِ فِي آخِرِ بِلاَدِ كِرْمَانَ، فَسَلَّمتُ عَلَيْهِ، وَقَبَّلْتُهُ، وَجلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ.
فَقَالَ لِي: مَا أَقدَمَكَ هَذِهِ البِلاَدَ.
قُلْتُ: كَانَ قَصدِي إِلَيْكَ، وَمُعَوَّلِي بَعْدَ اللهِ عَلَيْكَ، وَقَدْ كَتَبتُ مَا وَقَعَ إِلَيَّ مِنْ حَدِيْثِكَ بِقَلَمِي، وَسَعَيْتُ إِلَيْكَ بِقَدَمِي، لأُدْرِكَ بَرَكَةَ أَنْفَاسِكَ، وَأَحظَى بِعُلُوِّ إِسْنَادِكَ.
فَقَالَ: وَفَّقَكَ اللهُ وَإِيَّانَا لِمَرضَاتِهِ، وَجَعَلَ سَعْيَنَا لَهُ، وَقَصْدَنَا إِلَيْهِ، لَوْ كُنْتَ عَرَفْتَنِي حقَّ مَعْرِفَتِي لَمَّا سلَّمْتَ عَلَيَّ، وَلاَ جلَسْتَ بَيْنَ يَدَيَّ.
ثُمَّ بَكَى بُكَاءً طَوِيْلاً، وَأَبَكَى مَنْ حضَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اسْتُرْنَا بِسَتْرِكَ الجَمِيْلِ، وَاجعَلْ تَحْتَ السَّتْرِ مَا تَرضَى بِهِ عَنَّا، يَا وَلَدِي تَعْلَم أَنِّي رَحَلْتُ أَيْضاً لِسَمَاعِ الصَّحِيْحِ مَاشِياً مَعَ وَالِدِي مِنْ هَرَاةَ إِلَى الدَّاوُوْدِيِّ بِبوشَنْجَ، وَلِي دُوْنَ عشرِ سِنِيْنَ، فَكَانَ وَالِدِي يَضعُ عَلَى يَدَيَّ حَجَرَيْنِ وَيَقُوْلُ: احْمِلْهُمَا.
فَكُنْتُ مِنْ خوفِهِ أَحْفَظهُمَا بِيَدَيَّ، وَأَمْشِي وهُوَ يَتَأَمَّلُنِي، فَإِذَا رَآنِي قَدْ عَيِيْتُ، أَمرنِي أَنْ أُلْقِيَ حجراً وَاحِداً، فَأُلْقِي، وَيَخِفُّ
__________
(1) في الأصل: الرزالي، والصواب ما أثبتناه.
(2) في " المنتظم " 10 / 183.

(20/307)


عَنِّي، فَأَمْشِي إِلَى أَنْ يَتبيَّنَ لَهُ تَعَبِي، فَيَقُوْلُ لِي: هَلْ عَيِيْتَ؟
فَأَخَافُهُ وَأَقُوْلُ: لاَ.
فَيَقُوْلُ: لِمَ تُقَصِّرُ فِي المَشْي؟
فَأُسْرِعُ بَيْنَ يَدَيْهِ سَاعَةً، ثُمَّ أَعجَزُ، فَيَأْخذُ الآخرَ فَيُلْقِيهِ، فَأَمْشِي حَتَّى أَعْطَبَ، فَحِيْنَئِذٍ كَانَ يَأْخُذُنِي وَيَحْمِلُنِي.
وَكُنَّا نَلْتَقِي جَمَاعَةَ الفَلاَّحِينَ، وَغَيْرَهُم، فَيَقُوْلُوْنَ: يَا شَيْخ عِيْسَى، ادْفَعْ إِلَيْنَا هَذَا الطِّفْلَ نُرْكِبْه وَإِيَّاكَ إِلَى بُوشَنْج.
فَيَقُوْلُ: مَعَاذَ اللهِ أَنْ نَركَبَ فِي طَلَبِ أَحَادِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَلْ نَمْشِي، وَإِذَا عجزَ أَركبتُهُ عَلَى رَأْسِي إِجلاَلاً لِحَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ، وَرَجَاءَ ثوَابِهِ.
فَكَانَ ثمَرَةَ ذَلِكَ مِنْ حُسْنِ نِيَّتِهِ أَنِّي انتفعتُ بِسَمَاعِ هَذَا الكِتَابِ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ أَقرَانِي أَحَدٌ سِوَايَ، حَتَّى صَارَتِ الوُفُوْدُ تَرْحَلُ إِلَيَّ مِنَ الأَمصَارِ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَى صَاحِبِنَا عَبْدِ البَاقِي بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ الهَرَوِيِّ أَنْ يُقَدِّمَ لِي حَلْوَاء.
فَقُلْتُ: يَا سيِّدِي، قِرَاءتِي لِـ (جزءِ أَبِي الجَهْمِ) أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَكْلِ الحلوَاء.
فَتبسَّمَ، وَقَالَ: إِذَا دَخَلَ الطَّعَامُ، خَرَجَ الكَلاَمُ.
وَقَدَّمَ لَنَا صَحْناً فِيْهِ حَلوَاء الفَانِيْدِ، فَأَكَلْنَا، وَأَخْرَجتُ الجُزْءَ، وَسَأَلتُهُ إِحضَارَ الأَصْلِ، فَأَحضرَهُ، وَقَالَ: لاَ تَخفْ وَلاَ تَحرِص، فَإِنِّي قَدْ قَبَرْتُ مِمَّنْ سَمِعَ عَلَيَّ خَلْقاً كَثِيْراً، فَسَلِ اللهَ السَّلاَمَةَ.
فَقَرَأْت الجُزْءَ، وَسُرِرْتُ بِهِ، وَيَسَّرَ اللهُ سَمَاعَ (الصَّحِيْحِ) وَغَيْرِهِ مرَاراً، وَلَمْ أَزَلْ فِي صُحْبَتِهِ وَخِدْمَتِهِ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ، فِي لَيْلَةِ الثُّلاَثَاءِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ (1) - قُلْتُ: وَبَيَّضَ لِليَوْمِ، وَهُوَ سَادس الشَّهْرِ -.
قَالَ: وَدَفَنَّاهُ بِالشُّونِيزِيَّةِ.
قَالَ لِي: تدْفُنُنِي تَحْتَ أَقدَامِ مَشَايِخنَا بِالشُّونِيزِيَّةِ.
وَلَمَّا احتُضِرَ سنَدْتُهُ إِلَى صَدْرِي، وَكَانَ مُسْتَهْتَراً (2) بِالذِّكْرِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ الصُّوْفِيُّ، وَأَكبَّ
__________
(1) سيذكر المؤلف قولا آخر في وفاته، وهو سادس ذي القعدة، وهو المذكور في " العبر " و" وفيات الأعيان " و" ذيل تاريخ بغداد " لابن النجار.
(2) أي: مولع به، يقال: أهتر فلان بكذا، واستهتر، فهو مهتر ومستهتر، أي: مولع به لا يتحدث بغيره، ولا يفعل غيره، وفي سنن الترمذي (3596) من حديث أبي هريرة " سبق =

(20/308)


عَلَيْهِ، وَقَالَ: يَا سيِّدِي، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ كَانَ آخِرَ كَلاَمِهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، دَخَلَ الجَنَّةَ (1))، فَرَفَعَ طَرْفَهُ إِلَيْهِ، وَتَلاَ: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعلَمُوْنَ، بِمَا غَفَر لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ المُكْرَمِينَ} [يس: 26 و27] فَدهش إِلَيْهِ هُوَ وَمَنْ حضَرَ مِنَ الأَصْحَابِ، وَلَمْ يَزَلْ يَقرَأُ حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ، وَقَالَ: الله الله الله.
وَتُوُفِّيَ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى السَّجَّادَةِ.
وَقَالَ أَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ (2) : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ التَّكرِيتِيُّ الصُّوْفِيُّ، قَالَ:
أَسندتُهُ إِلَيَّ، وَكَانَ آخِرَ كَلمَةٍ قَالَهَا: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعلمُوْنَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلنِي مِنَ المُكْرَمِينَ}، وَمَاتَ.
قُلْتُ: قَدِمَ بَغْدَادَ فِي شَوَّالٍ، فَأَقَامَ بِهَا سَنَةً وَشهراً، وَكَانَ مَعَهُ أُصُوْلُهُ، فَحَدَّثَ مِنْهَا.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ الوَزِيْرُ أَبُو المُظَفَّرِ بنُ هُبَيْرَةَ قَدِ اسْتَدْعَاهُ، وَنَفَّذَ إِلَيْهِ نَفَقَةً، ثُمَّ أَنْزَلَهُ عِنْدَهُ، وَأَكْرَمَهُ، وَأَحضرَهُ فِي مَجْلِسِهِ، وَسَمِعَ عَلَيْهِ (الصَّحِيْحَ) فِي مَجْلِسٍ عَامٍّ، أَذِنَ فِيْهِ لِلنَّاسِ، فَكَانَ الجمعُ يَفوتُ الإِحصَاءَ، ثُمَّ قرَأَهُ عَلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الخَشَّابِ بِالنِّظَامِيَّةِ، وَحضرَ خَلقٌ كَثِيْرٌ دُوْنَ هَؤُلاَءِ،
__________
= المفردون " قالوا: وما المفردون يا رسول الله ؟ قال: المستهترون في ذكر الله يضع الذكر عنهم أثقالهم، فيأتون يوم القيامة خفافا " وصححه الحاكم 1 / 495، ووافقه الذهبي، من طريق آخر بلفظ " سبق المفردون قالوا يا رسول الله: ومن المفردون ؟ قال الذين يهترون في ذكر الله عز وجل " ورواه مسلم (2676).
من طريق آخر عنه بلفظ " سبق المفردون "، قالوا: وما المفردون يا رسول الله قال: الذاكرون الله كثيرا والذاكرات ".
(1) أخرجه أبو داود (3116) وأحمد 5 / 233 من حديث معاذ بن حنبل، وصححه الحاكم 1 / 351، ووافقه الذهبي وله شاهد من حديث أبي هريرة عند ابن حبان (719) ولفظه " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله عند الموت دخل الجنة يوما من الدهر وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه ".
(2) في " المنتظم " 10 / 183.

(20/309)


وَقُرِئَ عَلَيْهِ بِجَامِعِ المَنْصُوْرِ، وَسَمِعَهُ جَمعٌ جمٌّ، وَآخِرُ مَنْ قرَأَهُ عَلَيْهِ شَيْخُنَا ابْنُ الأَخْضَرِ، وَكَانَ شَيْخاً صَدُوْقاً أَمِيناً، مِنْ مَشَايِخِ الصُّوْفِيَّةِ وَمَحَاسِنِهِم، ذَا وَرَعٍ وَعِبَادَةٍ، مَعَ عُلوِّ سِنِّهِ، وَلَهُ أُصُوْلٌ حَسَنَةٌ، وَسَمَاعَاتٌ صَحِيْحَةٌ (1) .
ثُمَّ قَالَ: قَرَأْتُ فِي كِتَابِ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ الجِيْلِيِّ:
تُوُفِّيَ شَيْخنَا أَبُو الوَقْتِ لَيْلَةَ الأَحَدِ، سَادسَ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، نِصْفَ اللَّيْلِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ ضَاحِي نَهَارِ اليَوْمِ، بِرِباطِ فَيْرُوْزٍ الَّذِي كَانَ نَازلاً فِيْهِ، ثُمَّ صُلِّيَ عَلَيْهِ بِالجَامِعِ، وَأَمَّنَا الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِرِ الجِيْلِيُّ (2) ، وَكَانَ الجمعُ مُتَوَفِّراً، وَكُنْت يَوْمَ خَامِسِ الشَّهْرِ عِنْدَهُ، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ الحَدِيْثَ إِلَى وَقتِ الظُّهْرِ، وَكَانَ مُسْتقيمَ الرَّأْيِ، حَاضِرَ الذّهنِ، وَلَمْ نَرَ فِي سنِّهِ مِثْلَ سنَدِهِ، وَكَانَ شَيْخاً صَالِحاً سُنِّيّاً، قَارِئاً لِلْقُرْآنِ، وَقَدْ صَحِبَ الأَشيَاخَ، وَعَاشَ حَتَّى أَلْحَقَ الصّغَارَ بِالكِبَارِ، وَرَأَى مِنْ رِئَاسَةِ التَّحْدِيْثِ مَا لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنْ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ، وَسَمِعَ مِنْهُ مَنْ لَمْ يَرغبْ فِي الرِّوَايَةِ قَبْلَهُ، وَكَانَ آخِرَ مَنْ رَوَى فِي الدُّنْيَا عَنِ الدَّاوُوْدِيِّ وَبَقِيَّةِ أَشيَاخِهِ، وَقُرِئَتِ الكُتُبُ الَّتِي مَعَهُ كُلّهَا عَلَيْهِ وَالأَجزَاءُ مَرَّاتٍ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ، وَسَمِعَهَا مِنْهُ أُلُوفٌ مِنَ النَّاسِ، وَصلَ بَغْدَادَ فِي حَادِي عشرَ شَوَّالٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ، صَحِبَ شَيْخَ الإِسْلاَمِ نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً.
أَنْبَأَنَا طَائِفَةٌ، عَنِ ابْنِ النَّجَّار، قَالَ:
أَنشدنَا دَاوُدُ بنُ مُعَمَّرٍ بِأَصْبَهَانَ، أَنشدَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ العُقَيْلِيُّ لِنَفْسِهِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ:
أَتَاكُمُ الشَّيْخُ أَبُو الوَقْتِ ... بِأَحْسَنِ الأَحْبَارِ عَنْ ثَبْتِ
__________
(1) انظر " المستفاد من ذيل تاريخ بغداد " 151.
(2) سترد ترجمته برقم (286).

(20/310)


طَوَى إِلَيْكُمْ نَاشراً عِلْمَهُ ... مَرَاحِلَ الأَبْرَقِ وَالخَبْتِ (1)
أَلْحَقَ بِالأَشيَاخِ أَطفَالَكُم ... وَقَدْ رَمَى الحَاسدَ بِالكَبْتِ
فَمِنَّةُ الشَّيْخِ بِمَا قَدْ رَوَى ... كَمِنَّةِ الغَيْثِ عَلَى النَّبْتِ
بَارَكَ فِيْهِ اللهُ مِنْ حَامِلٍ ... خُلاَصَةَ الفِقْهِ إِلَى المُفْتِي
انْتَهِزُوا الفُرْصَةَ يَا سَادَتِي ... وَحَصِّلُوا الإِسْنَادَ فِي الوَقْتِ
فَإِنَّ مَنْ فَوَّتَ مَا عِنْدَهُ ... يَصِيْرُ ذَا الحَسْرَةِ وَالمَقْتِ
وَفِيْهَا مَاتَ: الحَافِظُ عَبْدُ الجَلِيْلِ بنُ مُحَمَّدٍ كُوتَاه الأَصْبَهَانِيُّ (2) ، وَعَلِيُّ بنُ عَسَاكِرَ بنِ سرُوْرٍ الخَشَّابُ (3) بِدِمَشْقَ، وَالإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الصَّفَّارِ النَّيْسَابُوْرِيُّ (4) ، وَأَبُو الفَتْحِ المُبَارَكُ بنُ أَحْمَدَ بنِ زُرَيْقٍ الوَاسِطِيُّ الحَدَّادُ المُقْرِئُ (5) ، وَأَبُو المَحَاسِنِ مَسْعُوْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الغَانِمِيُّ الهَرَوِيُّ (6) .

207 - المُشْكَانِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الخَطِيْبُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الرُّوذْرَاورِيُّ، المُشْكَانِيُّ، الشَّافِعِيُّ، خطيبُ مُشْكَانَ، وَهِيَ قَرْيَةٌ مِنْ عَمَلِ رُوذْرَاورَ، عَلَى سِتِّ فَرَاسخَ مِنْ هَمَذَانَ.
وُلِدَ: سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، بِمُشْكَانَ.
__________
(1) الابرق: الأرض المتسعة الغليظة مختلطة بحجارة ورمل.
والخبت: ما اطمأن من الأرض واتسع، وقيل: هو الوادي العميق الوطئ.
(2) سترد ترجمته برقم (223).
(3) سترد ترجمته برقم (245).
(4) سترد ترجمته برقم (229).
(5) مترجم في " معرفة القراء الكبار " 2 / 432، و" غاية النهاية " 2 / 37، 38.
(6) سترد ترجمته برقم (250).
(*) الأنساب: (المشكاني)، اللباب 3 / 217، 218.

(20/311)


فَقَدِمَ عَلَيْهِمُ الشَّيْخُ المُعَمَّرُ أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْنُسَ النُّهَاوندِيُّ سَنَةَ نَيِّفٍ وَسَبْعِيْنَ، فَسَمِعَ هَذَا مِنْهُ (التَّارِيْخَ الصَّغِيْرَ) لِلْبُخَارِيِّ، بِسَمَاعِهِ مِنَ القَاضِي أَبِي العَبَّاسِ بنِ زَنْبِيلٍ النُّهَاوندِيِّ، عَنِ القَاضِي عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الأَشْقَرِ، عَنِ البُخَارِيِّ، فَتَفَرَّدَ الخَطِيْبُ بِعُلُوِّ هَذَا الكِتَابِ مُدَّةً، وَلَكِنْ قَلَّ مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ؛ لِبُعْدِ الدِّيَارِ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: قَدِمَ هَذَا بَغْدَادَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ، فَقَصَدتُهُ وَهُوَ مَرِيْض، فَأَخْرَجَ إِلَيَّ (التَّارِيْخَ) وَقَدْ سَمِعَهُ بقِرَاءةِ الحَافِظِ حَمْزَةَ الرُّوذْرَاورِيِّ، وَقَدْ قرَأَه عَلَيْهِ أَبُو العَلاَءِ العَطَّارُ المُقْرِئُ، فَفَرحِتُ بِهِ لِعُلُوِّ السَّنَدِ، وَعِزَّةِ الكِتَابِ، فَأَعْلَمتُ جَمَاعَةً، وَقَرَأْتُهُ عَلَيْهِ، وَرد إِلَى بلدِهِ، وَرَحَلَ الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ إِلَى مُشْكَانَ، فَسَمِعَهُ مِنْهُ، وَكَانَ شَيْخاً بَهِيّاً، حَسَنَ المَنْظَرِ، مَطْبُوْعاً، متودِّداً، صَدُوْقاً.
قُلْتُ: وَرَوَى عَنْهُ هَذَا الكِتَابَ بِالإِجَازَةِ قَاضِي دِمَشْقَ أَبُو القَاسِمِ بنُ الحَرَسْتَانِيِّ، وَطَالَ عُمُرُ أَبِي الحَسَنِ هَذَا إِلَى أَنْ أَدْركَهُ الحَافِظُ يُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ الشِّيْرَازِيُّ، فَارْتَحَلَ إِلَى مُشْكَانَ، وَسَمِعَ مِنْهُ فِي سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ: وَفِي هَذِهِ السّنَةِ تُوُفِّيَ، وَتَارِيخُ سَمَاعِهِ لِلتَّارِيخِ كَانَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قُلْتُ: آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالسَّمَاعِ: عَبْدُ البَرِّ بنُ أَبِي العَلاَءِ، وَعَاشَ أَرْبَعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.

208 - مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ مَنْصُوْرٍ أَبُو سَعْدٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ، أَبُو
__________
(*) تهذيب الأسماء واللغات 1 / 95، وفيات الأعيان 4 / 223، 224، العبر 4 / 133، =

(20/312)


سَعْدٍ (1) النَّيْسَابُوْرِيُّ.
صَاحِبُ الغَزَّالِيِّ، وَأَبِي المُظَفَّرِ أَحْمَدِ بنِ مُحَمَّدٍ الخَوَافِي (2) ، تَفَقَّهَ بِهِمَا، وَبَرَعَ فِي المَذْهَبِ، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ فِي الفِقْهِ وَالخِلاَفِ، وَتَخَرَّجَ بِهِ الأَصْحَابُ، وَانتَهَتْ إِلَيْهِ رِئَاسَةُ المَذْهَبِ بِنَيْسَابُوْرَ، وَقَصَدهُ الفُقَهَاءُ مِنَ النَّوَاحِي، وَبَعُدَ صِيتُهُ.
أَلَّفَ كِتَابَ (المُحيطِ فِي شَرحِ الوَسِيطِ (3))، وَلَهُ كِتَابُ (الانتصَافُ فِي مَسَائِلِ الخلاَفِ).
وَدرَّسَ بِنظَامِيَّةِ بَلَدِهِ، وَهُوَ أُسْتَاذُ الفُقَهَاءِ المُتَأَخِّرِيْنَ مَعَ الزُّهْدِ وَالدِّيَانَةِ، وَسَعَةِ العِلْمِ.
مَوْلِدُهُ: بِطُرَيْثِيثَ مِنْ خُرَاسَانَ، فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: نَصْرِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ الخُشْنَامِيّ، وَعَبْدِ الغَفَّارِ بنِ مُحَمَّدٍ الشِّيروِي، وَأَبِي حَامِدٍ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدُوسٍ الحَذَّاءِ، وَالحَافِظِ أَبِي الفِتْيَانِ عُمَرَ بنِ أَبِي الحَسَنِ الرَّوَّاسِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ البَحِيْرِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَوَلَدُهُ، وَمَنْصُوْرُ بنُ أَبِي الحَسَنِ الطَّبَرِيُّ، وَالفَقِيْهُ يَحْيَى بنُ الرَّبِيْعِ بنِ سُلَيْمَانَ الوَاسِطِيُّ، وَغَيْرُهُم.
__________
= 134، دول الإسلام 2 / 64، الوافي 5 / 197، مرآة الجنان 3 / 290، طبقات السبكي 7 / 25 - 28، طبقات الاسنوي 2 / 559، 560، النجوم الزاهرة 5 / 305، طبقات ابن هداية الله: 205، 206، كشف الظنون 1 / 174 و2 / 2008، شذرات الذهب 4 / 151، روضات الجنات: 186، هدية العارفين 2 / 91.
(1) في " تهذيب الأسماء واللغات " و" طبقات " السبكي و" كشف الظنون " 174: أبو سعيد.
(2) انظر حواشي الترجمة (194) ص: 287.
(3) و" الوسيط " لشيخه أبي حامد الغزالي.

(20/313)


أَخْبَرَنَا (1) يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ الصَّيْقَلِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ الرَّبِيْعِ سَنَةَ سِتِّ مائَةٍ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيْدٍ بنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُلْقَابَاذِيُّ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا أَبُو حَسَّانٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ مَطَرٍ، أَخْبَرَنَا حَامِدُ بنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيْدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي مُوْسَى:
أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي بَعِيرٍ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً، فَجَعَلَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ (2) .
قَتَلَتْهُ الغُزُّ - لاَ بُورِكَ فِيهِم - حِيْنَ فَتكُوا بِنَيْسَابُوْرَ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَرثَاهُ عَلِيُّ بنُ أَبِي القَاسِمِ البَيْهَقِيُّ، فَقَالَ:
يَا سَافكاً دَمَ عَالِمٍ مُتَبَحِّرٍ ... قَدْ طَارَ فِي أَقْصَى المَمَالِكِ صيتُهُ
بِاللهِ قُلْ لِي يَا ظلُوْمُ وَلاَ تَخَفْ : ... مَنْ كَانَ مُحْيِي الدِّينِ كَيْفَ تُمِيتُهُ (3) ؟
وَقَالَ آخرُ فِي مُحِيي الدّينِ بنِ يَحْيَى -رَحِمَهُ اللهُ-:
رُفَاتُ (4) الدِّينِ وَالإِسْلاَمِ تُحْيَى ... بِمُحيِي الدِّينِ مَوْلاَنَا ابْنِ يَحْيَى
كَأَنَّ اللهُ رَبَّ العرشِ يُلقِي ... عَلَيْهِ حِيْنَ يُلقِي الدَّرْسَ وَحْيَا (5)
__________
(1) في الأصل: أخبر.
(2) صحيح وأخرجه أبو داود (3613) و(3614) والنسائي 8 / 248 من طرق عن سعيد ابن أبي عروبة بهذا الإسناد، وأخرجه أبو داود (3615) من طريق محمد بن بشار، حدثنا حجاج بن منهال، حدثنا همام، عن قتادة به.
(3) البيتان في " وفيات الأعيان " 4 / 224، و" الوافي " 5 / 197، و" طبقات " السبكي 7 / 27، و" شذرات الذهب " 4 / 151.
(4) في الأصل: وفاة، والمثبت من مصادر الترجمة.
(5) البيتان في " وفيات الأعيان " 4 / 223، و" الوافي " 5 / 197، و" طبقات " السبكي 7 / 27.

(20/314)


وَمِمَّا قِيْلَ إِنَّهُ لابْنِ يَحْيَى (1) :
وَقَالُوا: يَصِيْرُ الشَّعْرُ فِي المَاءِ حَيَّةً ... إِذَا الشَّمْسُ لاَقَتْهُ فَمَا خِلْتُهُ حَقَّا (2)
فَلَمَّا الْتَوَى صُدْغَاهُ فِي مَاءِ وَجْهِهِ ... وَقَدْ لَسَعَا قَلْبِي تَيَقَّنْتُهُ صِدْقَا

209 - ابْنُ نَاجِيَةَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ بَرَكَةَ الحَرْبِيُّ *
العَلاَّمَةُ، أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ ابنُ أَبِي المَعَالِي (3) عَبْدِ اللهِ بنِ بَرَكَةَ الحَرْبِيُّ، الفَقِيْهُ، الوَاعِظُ، عُرِفَ بِابْنِ نَاجِيَةَ، وَهِيَ أُمُّهُ (4) .
سَمِعَ: أَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ البُسْرِيِّ، وَأَبَا الحُسَيْنِ بنَ الطُّيُوْرِيِّ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ سُكَيْنَةَ، وَابْنُ الأَخْضَرِ، وَأَحْمَدُ بنُ يَحْيَى بنِ هِبَةِ اللهِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: فَقِيْهٌ، دَيِّنٌ، حُلوُ الوَعْظِ، تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي الخَطَّابِ، ثُمَّ تَحَوَّلَ حَنَفِيّاً ثُمَّ شَافِعِيّاً، وَقَالَ لِي: أَنَا اليَوْمُ مُتَّبِعٌ لِلدَّلِيْلِ، مَا أُقَلِّدُ أَحَداً، كَتَبْتُ عَنْهُ.
مَاتَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ تِسْعٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
__________
(1) البيتان في " وفيات الأعيان " 4 / 224، و" الوافي " 5 / 197، و" طبقات " السبكي 7 / 26، و" شذرات الذهب " 4 / 151.
(2) في " الوفيات " و" الوافي " والشذرات ": فما خلته صدقا.
وجاءت كلمة " حقا " فيها في نهاية البيت الثاني بدل كلمة " صدقا ".
(*) المنتظم 10 / 190، الوافي 7 / 112 وتصحف فيه إلى باجيه بالباء الموحدة، البداية والنهاية 12 / 240، ذيل طبقات الحنابلة 1 / 232، 233.
(3) في " المنتظم " و" ذيل طبقات الحنابلة " و" البداية ": أحمد بن معالي. وفي " الوافي ": أبو القاسم أحمد ابن أبي المعالي ثم قال: يعرف بأحمد بن معالي بن ناجية.
(4) في " الوافي ": وهي أم والده.

(20/315)


210 - أَحْمَدُ بنُ وَقْشِيٍّ *
مُؤَلِّفُ كِتَابِ (خَلعِ النَّعْلَيْنِ (1)) فِيْهِ مَصَائِبُ وَبِدَعٌ.
وَكَانَ أَوَّلاً يَدَّعِي الوِلاَيَةَ، وَكَانَ ذَا مَكْرٍ وَفَصَاحَةٍ وَبَلاغَةٍ وَحِيَلٍ وَشَعْبَذَةٍ، فَالْتَفَّ عَلَيْهِ خلقٌ، ثُمَّ خَرَجَ بِحصنِ مَارْتُلة (2) ، وَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ، وَبَايعُوْهُ، ثُمَّ اخْتلف عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ، وَدسَّ عَلَيْهِ الدَّوْلَةُ مَنْ أَخْرَجَهُ مِنَ الحِصنِ بِحيلَةٍ، فَقَبَضَ عَلَيْهِ أَعْوَانُ عَبْدِ المُؤْمِنِ، وَأَتَوهُ بِهِ، فَقَالَ لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّهُ دَعَوْتَ إِلَى الهدَايَةِ؟!
فَكَانَ مِنْ جَوَابِهِ أَنْ قَالَ: أَلَيْسَ الفَجْرُ فَجْرَيْنِ كَاذِبٌ وَصَادِقٌ؟
قَالَ: بَلَى.
قَالَ: فَأَنَا كُنْتُ الفَجْرَ الكَاذِبَ، فَضَحِكَ، وَعَفَا عَنْهُ، وَبَقِيَ فِي حَضْرَةِ السُّلْطَانِ عَبْدِ المُؤْمِنِ، ثُمَّ لَمْ يَنشَبْ أَن قَتَلَهُ صَاحِبٌ لَهُ عَلَى شَيْءٍ رَآهُ مِنْهُ (3).

211 - الزَّبِيْدِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ عَلِيٍّ **
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، العَابِدُ، الوَاعِظُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ عَلِيِّ بنِ مُسْلِمِ (4) بنِ مُوْسَى بنِ عِمْرَانَ القُرَشِيُّ، اليَمنِيُّ، الزَّبِيْدِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ، وَجَدُّ المَشَايِخِ الرُّوَاةِ.
__________
(*) المعجب: 309، كشف الظنون 1 / 722 واسمه فيهما: أحمد بن قسي.
(1) في الوصول إلى حضرة الجمعين كما في " كشف الظنون ": 722.
(2) وهو من حصون باجة، وهو معقل جليل. " المغرب " 1 / 406.
(3) انظر " المعجب ": 309.
(* *) الأنساب 6 / 247، 248، المنتظم 10 / 197، 198، معجم الأدباء 19 / 106، 108، الكامل في التاريخ 11 / 264، مرآة الزمان 8 / 144، 145، الوافي بالوفيات 5 / 198، البداية والنهاية 12 / 243، الجواهر المضية 2 / 142، تبصير المنتبه 2 / 654، بغية الوعاة 1 / 263، 264، هدية العارفين 2 / 93، بروكلمان الذيل 1 / 764.
(4) في " الجواهر المضية " مسلمة.

(20/316)


مَوْلِدُهُ: سَنَةَ سِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَقَدِمَ دِمَشْقَ بَعْدَ الخَمْسِ مائَةٍ، فَوَعَظَ بِهَا، وَأَخَذَ يَأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ، فَلَمْ يَحْتَمِلْ لَهُ المَلِكُ طُغْتِكين، وَكَانَ نَحْويّاً فَقيراً، قَانِعاً، مُتَأَلِّهاً، ثُمَّ قَدِمَ دِمَشْقَ رَسُوْلاً مِنَ المُسْترشدِ فِي شَأْنِ البَاطِنِيَّةِ، وَكَانَ حَنَفِيّاً سَلَفِيّاً.
قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: جلَسْتُ مَعَهُ بُكرَةً إِلَى قَرِيْبِ الظُّهْرِ، وَهُوَ يَلُوكُ شَيْئاً، فَسَأَلتُهُ، فَقَالَ: نَوَاةٌ أَتَعَلَّلُ بِهَا، لَمْ أَجِدْ شَيْئاً (1) .
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (2) : كَانَ يَقُوْلُ الحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرّاً، لاَ تَأْخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ.
قِيْلَ: دَخَلَ عَلَى الوَزِيْرِ الزَّيْنَبِيِّ، وَعَلَيْهِ خِلْعَةُ الوزَارَةُ، وَهُم يُهَنِّئونَهُ.
فَقَالَ: هُوَ ذَا يَوْمُ عزَاءٍ لاَ يَوْمَ هنَاءٍ.
فَقِيْلَ: وَلِمَ.
قَالَ: أُهَنِّئُ عَلَى لُبْسِ الحَرِيْرِ؟!
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (3) : حَدَّثَنِي الفَقِيْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عِيْسَى، سَمِعْتُ الزَّبِيْدِيُّ، قَالَ:
خَرَجْتُ إِلَى المَدِيْنَةِ عَلَى الوَحْدَةِ، فآوَانِي اللَّيْلُ إِلَى جبلٍ، فَصعدتُ وَنَادَيتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اللَّيْلَةَ ضَيْفُكَ، ثُمَّ نُوْدِيْتُ مَرْحَباً بضيفِ اللهِ، إِنَّكَ مَعَ طُلُوْعِ الشَّمْسِ تَمُرُّ بِقَوْمٍ عَلَى بِئرٍ يَأْكلُوْنَ خُبزاً وَتَمراً، فَإِذَا دَعَوْكَ فَأَجِبْ.
فَسِرْتُ مِنَ الغَدِ، فَلاَحَتْ لِي أَهدَافُ بِئرٍ، فَجِئْتُهَا، فَوَجَدْتُ عِنْدَهَا قَوْماً يَأْكلُوْنَ خُبزاً وَتَمراً، فَدعُوْنِي، فَأَجبتُ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ يَعْرِفُ النَّحْوَ، وَيَعظُ، وَيسْمَعُ مَعَنَا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ مِنَ القَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ، وَكَانَ فَنّاً عَجِيْباً، وَكَانَ فِي أَيَّامِ المُسْترشِدِ،
__________
(1) انظر " المنتظم " 10 / 198 و" معجم الأدباء " 19 / 107 و" بغية الوعاة " 1 / 263.
(2) في " المنتظم " 10 / 198.
(3) في " المنتظم " 10 / 198.

(20/317)


يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ، وَيَرْكُبُ حِمَاراً مَخْضُوْباً بِالحِنَّاءِ، وَكَانَ يَجلسُ وَيَجْتَمِعُ عِنْدَهُ العوَامُّ، ثُمَّ فَتَرَ سُوقُهُ، ثُمَّ إِنَّ الوَزِيْرَ ابْنَ هُبَيْرَةَ رَغِبَ فِيْهِ، وَنَفَقَ عَلَيْهِ، وَسَمِعْتُ جَمَاعَةً يَحكُوْنَ عَنْهُ أَشيَاءَ، السُّكُوتُ عَنْهَا أَوْلَى.
وَقِيْلَ: كَانَ يَذْهَبُ إِلَى مَذْهَبِ السَّالمِيَّةِ، وَيَقُوْلُ:
إِنَّ الأَمْوَاتَ يَأْكلُوْنَ وَيَشربُوْنَ وَيَنكِحُوْنَ فِي قُبُوْرِهِم، وَإِنَّ الشَّارِبَ وَالزَّانِي لاَ يُلاَمُ، لأَنَّه يَفعلُ بقَضَاءِ اللهِ وَقدرِهِ (1) .
قُلْتُ: يَحْتَجُّ بقِصَّةِ آدَمَ وَمُوْسَى عَلَيْهِمَا السَّلاَم، وَبقولِ آدَمَ:
وَأَنَّهُ حَجَّ مُوْسَى (2) ، وَلَوْ سَلَّمنَا أَنَّ الزَّانِي لاَ يُلاَم، فَعَلَيْنَا أَن نَحدَّهُ وَنُغَرِّبَهُ، وَنذمَّ فَعلَهُ، وَنَرُدَّ شَهَادَتَهُ، وَنكرِهَهُ، فَإِنْ تَابَ وَاتَّقَى أَحببنَاهُ، وَاحْتَرَمنَاهُ، فَالنِّزَاعُ لفظِيٌّ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عَبْدِ المَلِكِ يَقُوْلُ:
زَادَ الزَّبِيْدِيُّ فِي أَسْمَاءِ الله أَسَامِي: الزَّارِعُ، وَالمُتَمِّمُ، وَالمُبهمُ، وَالمُظهِرُ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: قَالَ وَلدُهُ إِسْمَاعِيْلُ: كَانَ أَبِي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَليلَةٍ مِنْ أَيَّامِ مرضِهِ يَقُوْلُ: الله الله، نَحْواً مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ مرَّةً، فَمَا زَالَ يَقولُهَا حَتَّى طُفِئَ (3) .
وَقَالَ ابْنُ شَافِعٍ: كَانَ لَهُ فِي علمِ العَرَبِيَّةِ وَالأُصُوْلِ حظٌّ وَافرٌ، وَصَنَّفَ فِي فُنُوْنِ العِلْمِ نَحْواً مِنْ مائَةِ مصَنَّفٍ (4) ، وَلَمْ يُضَيِّعْ شَيْئاً مِنْ عُمُرِهِ، وَكَانَ
__________
(1) انظر " الوافي " 5 / 198.
(2) أخرجه من حديث أبي هريرة البخاري (3409) و(4736) و(4738) و(6614) و(7515)، ومسلم (2652) وقد أفاض الحافظ ابن حجر في " الفتح " 11 / 505 - 512 في شرح هذا الحديث، فراجعه.
(3) وانظر " الجواهر المضية " 2 / 142.
(4) انظر " الوافي " 5 / 198 و" الجواهر المضية " 2 / 142 و" بغية الوعاة " 1 / 264 و" هدية العارفين " 2 / 93.

(20/318)


يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ، وَيَعتَمُّ مُلْتَحِياً دَائِماً، حُكِيَتْ لِي عَنْهُ مِنْ جهَاتٍ صَحِيْحَةٍ غَيْرُ كرَامَةٍ، مِنْهَا رُؤيتُهُ لِلْخضِرِ.
تُوُفِّيَ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وخَمْسِ مائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ-.

212 - البُرُوْجِرْدِيُّ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ العَلاَءِ *
الحَافِظُ المُفِيْدُ، أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ العَلاَءِ البُرُوْجِرْدِيُّ، تِلْمِيْذُ ابْنِ طَاهِرٍ (1) .
سَمِعَ: أَبَا مُحَمَّدٍ الدُّونِيَّ، وَمَكِيَّ بنَ بنجير، وَيَحْيَى بنَ مَنْدَةَ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ (2) : كُنْتُ أَنسخُ بِجَامِعِ بُرُوْجِرْدَ.
فَقَالَ شَيْخٌ رَثُّ الهَيْئَةِ: مَا تَكتبُ؟
فَكَرِهتُ جَوَابَهُ، وَقُلْتُ: الحَدِيْثَ.
فَقَالَ: كَأَنَّكَ طَالبٌ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟
قُلْتُ: مِنْ مَرْو.
قَالَ: عَمَّنْ رَوَى البُخَارِيُّ مِنْ أَهْلِ مَرْو؟
قُلْتُ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُثْمَانَ، وَصَدَقَةَ بنِ الفَضْلِ.
قَالَ: لِمَ لُقِّبَ عَبْدُ اللهِ بِعَبْدَانَ؟
فَتَوَقَّفْتُ، فَتَبَسَّمَ، فَنَظَرتُ إِلَيْهِ بِعَيْنٍ أُخْرَى، وَقُلْتُ: يُفِيدُ الشَّيْخُ؟
قَالَ: كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللهِ، فَاجْتَمَعَ فِيْهِ العَبْدَانِ، فَقِيْلَ: عَبْدَانُ.
فَقُلْتُ: عَمَّنْ هَذَا؟
قَالَ: سَمِعتُهُ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ طَاهِر (3) .
__________
(*) التحبير 2 / 247 - 249، معجم البلدان 1 / 404، 405، والبروجردي بضم الباء كما في الأصل و" الأنساب " وبفتحها عند ياقوت وضم الراء بعدها الواو وكسر الجيم وسكون الراء في آخرها الدال المهملة، نسبة إلى بروجرد، وهي بلدة حسنة كثيرة الاشجار والانهار من بلاد الجبل على ثمانية عشر فرسخا من همذان.
(1) المقدسي المتوفى سنة 507 ه، مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (213).
(2) في " التحبير " 2 / 248، 249، ونقلها ياقوت في " معجم البلدان " 1 / 404، 405.
(3) أورد المؤلف هذه القصة في ترجمة " عبدان " في الجزء العاشر برقم (71)، وسيوردها أيضا في هذا الجزء في ترجمة السمعاني برقم (292).

(20/319)


213 - الحَصْكَفِيُّ أَبُو الفَضْلِ يَحْيَى بنُ سَلاَمَةَ بنِ حُسَيْنٍ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الخَطِيْبُ، ذُو الفُنُوْنِ، معينُ الدِّينِ، أَبُو الفَضْلِ يَحْيَى بنُ سَلاَمَةَ بنِ حُسَيْنِ ابنِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ الدِّيَارَبكرِيُّ، الطَّنْزِيُّ، الحَصْكَفِيُّ، نَزِيْلُ مَيَّافَارِقِيْنَ.
تَأَدَّبَ بِبَغْدَادَ عَلَى الخَطِيْبِ أَبِي زَكَرِيَّا التِّبْرِيْزِيِّ، وَبَرَعَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَفِي الفَضَائِلِ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ سِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ تَقْرِيْباً.
وَوَلِيَ خطَابَةَ ميَّافَارقينَ، وَتَصدَّرَ لِلْفَتْوَى، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ، وَلَهُ (دِيْوَانُ) خُطَبٍ، وَ(دِيْوَانُ) نَظْمٍ وَتَرَسُّلٍ.
ذَكرَهُ العمَادُ فِي (الخَرِيْدَةِ)، فَقَالَ: كَانَ عَلاَّمَةَ الزَّمَانِ فِي علمِهِ، وَمَعَرِّيَّ العصرِ فِي نثرِهِ وَنظمِهِ، لَهُ التَّرصيعُ البَدِيْعُ، وَالتَّجنِيسُ النَّفِيْسُ، وَالتَّطبيقُ وَالتَّحْقِيْقُ، وَاللَّفْظُ الجَزْلُ الرَّقيقُ، وَالمَعْنَى السَّهلُ العَمِيْقُ، وَالتَّقسيمُ المُسْتقيمُ (1) .
قُلْتُ: مَوْلِدُهُ بِطَنْزَةَ - بُلَيْدَةٌ مِنْ ديَارِ بكرٍ، بِقُرْبٍ مِنْ جَزِيْرَةِ ابْنِ عُمَرَ -
__________
(*) الأنساب 4 / 154 (الحصكفي) و8 / 256، 257 (الطنزي)، خريدة القصر (قسم الشام) 2 / 471 - 540، المنتظم 10 / 183 - 188 (وفيات 553)، معجم البلدان 4 / 44، معجم الأدباء 20 / 18، 19، اللباب 1 / 369 و2 / 286، الكامل في التاريخ 11 / 239، مرآة الزمان 8 / 142، وفيات الأعيان 6 / 205 - 210، المختصر 3 / 34، البدر السافر: ق 222، تتمة المختصر 2 / 93، 94، طبقات السبكي 7 / 330 - 332، طبقات الاسنوي 1 / 438، 439، البداية والنهاية 12 / 238 - 240، النجوم الزاهرة 5 / 328، شذرات الذهب 4 / 168، 169.
والحصكفي: نسبة إلى حصن كيفا، وهي قلعة حصينة شاهقة بين جزيرة ابن عمر وميافارقين.
(1) ونقله عن العماد ابن خلكان في " وفيات الأعيان " 6 / 205، 206.

(20/320)


وَكَانَ مُفْتِي تِلْكَ البِلاَد فِي عَصرِهِ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (1) .
وَقِيْلَ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ (2) .
وَهُوَ القَائِلُ:
وَخَلِيْعٍ بِتُّ أَعْذُلُهُ ... وَيَرَى عَذْلِي مِنَ العَبَثِ
وَذَكَرَ الأَبيَاتَ السَّائِرَةَ (3) .

214 - عَلِيُّ بنُ مَهْدِيٍّ الزَّبِيْدِيُّ *
كَانَ أَبُوْهُ مِنْ قَرْيَةٍ بِزَبِيْدٍ مِنَ الصُّلَحَاءِ، فَنشَأَ عَلِيٌّ فِي تَزَهُّدٍ، وَحَجَّ، وَلَقِيَ العُلَمَاءَ، وَحَصَّلَ، ثُمَّ وَعَظَ، وَذَمَّ الجُنْدَ.
وَكَانَ فَصِيْحاً، صَبِيْحاً، طَوِيْلاً، أَخضرَ اللَّوْنِ، طيِّبَ الصَّوتِ، غزِيْرَ المَحْفُوْظِ، متصوِّفاً، خبيثَ السَّرِيرَةَ، دَاهِيَةً، يَتَكَلَّمُ عَلَى الخوَاطِرِ، فَربطَ الخلقَ، وَكَانَ يَعِظُ وَيَنتحبُ.
قَالَ عُمَارَةُ اليَمنِيُّ: لاَزَمْتُهُ سَنَةً، وَتَرَكتُ التَّفَقُّهَ، وَنَسَكْتُ، فَأَعَادَنِي أَبِي إِلَى المَدْرَسَةِ، فَكُنْتُ أَزُورُهُ فِي الشَّهْرِ، فَلَمَّا اسْتفحَلَ أَمرُهُ تَركتُهُ، وَلَمْ يَزَلْ مِنْ سَنَةِ 530 يَعِظُ وَيُخَوِّفُ فِي القُرَى، وَيَحُجُّ عَلَى نَجيبٍ، وَأَطلَقَتْ لَهُ
__________
(1) في الأصل: وأربع مئة، وهو خطأ.
(2) وفيها أورده في " المنتظم " و" المختصر " و" تتمة المختصر " و" النجوم " و" الشذرات " و" البداية والنهاية ".
(3) أوردها السمعاني في " الأنساب " 8 / 257 وابن الأثير في " اللباب " 2 / 286 وياقوت في " معجم الأدباء " 20 / 19، وابن خلكان في " وفيات الأعيان " 6 / 206.
وقد أورد ابن الجوزي له أبياتا أخرى كثيرة في " المنتظم " 10 / 184 - 188.
(*) تاريخ اليمن لعمارة: 120، المختصر 3 / 35، 36، تتمة المختصر 2 / 95، 96، بلوغ المرام فيمن تولى ملك اليمن من ملك وإمام للعرشي: 17.

(20/321)


السَّيِّدَةُ أُمُّ فَاتِكٍ وَلأَقَارِبِهِ خَرَاجَ أَملاَكِهِم، فَتموَّلُوا إِلَى أَنْ صَارَ جَمعُهُ نَحْوَ أَرْبَعِيْنَ أَلْفَ مقَاتِلٍ، وَحَارَبَ، وَكَانَ يَقُوْلُ: دَنَا الوَقْتُ، أَزِفَ الأَمْرُ، كَأَنَّكُم بِمَا أَقُوْلُ لَكُم عَيَاناً.
ثُمَّ ثَار بِبلاَدِ خَوْلاَنَ، وَعَاثَ وَسبَى، وَأَهْلكَ النَّاسَ، ثُمَّ لَقِيْتُهُ عِنْدَ الدَّاعِي بِجبلَةَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ، يَسْتَنجدُ بِهِ، فَأَبَى، ثُمَّ دبَّرَ عَلَى قتلِ وَزِيْرِ آلِ فَاتِكٍ، ثُمَّ زَحَفَ إِلَى زَبِيْدٍ، فَقَاتلَهُ أَهْلُهَا نَيِّفاً وَسَبْعِيْنَ زَحْفاً، وَقُتِلَ خَلاَئِقُ مِنَ الفَرِيْقَيْنِ، ثُمَّ قُتِلَ فَاتِكٌ مُتَوَلِّي زَبِيْدٍ، وَأَخَذَهَا ابْنُ مَهْدِيٍّ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَمَا مُتِّعَ، وَهَلَكَ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ، وَقَامَ بَعْدَهُ ابْنُهُ عَبْدُ النَّبِيِّ (1) ، وَعَظُمَ، حَتَّى اسْتَولَى عَلَى سَائِرِ اليَمَنِ، وَجَمَعَ أَمْوَالاً لاَ تُحصَى، وَكَانَ حَنَفِيَّ المَذْهَبِ - أَعنِي الأَبَ - يَرَى التَّكْفِيرَ بِالمَعَاصِي (2) ، وَيَستِحلُّ وَطْءَ سَبَايَا مَنْ خَالفَهُ، وَيَعتَقِدُ فِيْهِ قَوْمُهُ فَوْقَ اعْتِقَادِ الخَلْقِ فِي نَبِيِّهِم.
قَالَ: وَحُكِيَ لِي عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَثِقْ بِيَمِيْنِ مَنْ يَصحبُهُ حَتَّى يَذْبَحَ وَلَدَهُ أَوْ أَخَاهُ، وَكَانَ يَقتُلُ بِالتَّعذِيبِ فِي الشَّمْسِ، وَلاَ يَشفعُ أَحَدٌ عِنْدَهُ، وَلَيْسَ لأَحدٍ مِنْ عَسْكَرِهِ فَرَسٌ يَملكُهُ، وَلاَ سلاَحٌ، بَلِ الكُلُّ عِنْدَهُ إِلَى وَقتِ الحَرْبِ، وَالمنهزمُ مِنْهُم يُقتَلُ جَزْماً، وَالسَّكرَانُ يُقتلُ، وَمَنْ زنَى أَوْ سَمِعَ غنَاءً يُقتلُ، وَمَنْ تَأَخَّرَ عَنْ صَلاَةِ الجَمَاعَةِ قُتِلَ.

215 - خُوَارِزْمْشَاه أُتْسِزُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ نُوشْتِكِيْنَ *
صَاحِبُ خُوَارِزْم، الملكُ أَتسِزُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ نُوشتِكِين.
__________
(1) سترد ترجمته برقم (364).
(2) وهو رأي الخوارج.
(*) الكامل في التاريخ 11 / 209، المختصر 3 / 30، العبر 4 / 142، دول الإسلام 2 / 67، تتمة المختصر 2 / 88، الوافي بالوفيات 6 / 195.

(20/322)


مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ تِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَتَمَلَّكَ مُدَّةً طَوِيْلَةً، وَكَانَ مُطِيعاً لِلسُّلْطَانِ سَنْجَرَ، تَعَلَّلَ مُدَّةً بِالفَالِجِ، فَأُعْطِيَ حَرَارَاتٍ بِلاَ أَمْرِ الطِّبِّ، فَاشتدَّ الأَلَمُ، وَضَعُفَتِ القوَّةُ، وَتُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَكَانَ يَتَأَسَّفُ وَيَقُوْلُ: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَه، هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَه [الحاقَّةُ: 28 و29]، فَتَمَلَّكَ بَعْدَهُ ابْنُهُ خُوَارِزْمشَاه بنُ أَرْسَلاَن، فَقَتَلَ جَمَاعَةً مِنْ أَعمَامِهِ (1) .
وَكَانَ أَتسِزُ عَادِلاً، مُحَبَّباً إِلَى رَعيتِهِ.
وَمَاتَ ابْنُهُ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (2) ، وَكَانَ بَطَلاً شُجَاعاً، حَاربَ الخَطَا، وَهُوَ وَالِدُ تَكِشّ.

216 - الشَّحَّامُ أَبُو مُحَمَّدٍ سَلْمَانُ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ حَسَنٍ *
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، أَبُو مُحَمَّدٍ سَلْمَانُ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ حَسَنٍ البَغْدَادِيُّ، الشَّحَّامُ، مِمَّنْ سَمِعَ الكَثِيْرَ.
وَكَانَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالصِّدْقِ، خَرَّجَ لَهُ اليُوْنَارَتِيُّ (3) الحَافِظُ خَمْسَةَ أَجزَاءٍ مِنْ سَمَاعِهِ عَلَى ثَابِتِ بنِ بُنْدَارَ، وَجَعْفَرٍ السَّرَّاجِ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ الطُّيُوْرِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَسَدٍ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَأَبُو
__________
(1) انظر " الكامل " 11 / 209.
(2) ستأتي ترجمته في الجزء الحادي والعشرين برقم (11).
(*) المنتظم 10 / 166.
(3) هو الحافظ أبو نصر الحسن بن محمد بن إبراهيم اليونارتي، متوفى سنة 527 ه. مرت ترجمته في الجزء 19 برقم (365).

(20/323)


الحَسَنِ القَطِيْعِيُّ، وَطَائِفَةٌ.
وَبِالإِجَازَةِ: أَبُو الحَسَنِ بنُ المُقَيَّرِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: شَيْخٌ صَالِحٌ، مُشْتَغِلٌ بِكسبِهِ، وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ، وَمَاتَ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
كَذَا وَرَّخَهُ السَّمْعَانِيُّ.
وَقَالَ القَطِيْعِيُّ: هَذَا سَهْوٌ، لأَنَّه أَجَازَ فِي ذِي القَعْدَةِ مِنْ سَنَةِ إِحْدَى، وَقرَأَ عَلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الخَشَّابِ جُزْءاً فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ مِنَ السَّنَةِ.
قُلْتُ: الظَّاهِرُ مَوْتُهُ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ (1) .

217 - الغَزْنَوِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ *
الوَاعِظُ، المُحسنُ الشَّهيرُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ الغَزْنَوِيُّ.
سَمِعَ بِغَزْنَةَ (الصَّحِيْحَ) مِنْ: حَمْزَةَ القَايِنِيّ بِسَمَاعِهِ مِنْ سَعِيْدٍ العَيَّارِ.
وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ: أَبِي سَعْدٍ الطُّيُوْرِيِّ، وَغَيْرِهِ.
وَسَمَّعَ وَلدَهُ المُعَمَّرَ أَحْمَدَ (جَامِعَ أَبِي عِيْسَى) مِنَ الكَرُوْخِيّ (2) .
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (3) : كَانَ مليحَ الإِيرَادِ، لَطِيفَ الحَرَكَاتِ، بَنَتْ لَهُ زَوْجَةُ الخَلِيْفَةِ (4) رِباطاً، وَصَارَ لَهُ جَاهٌ عَظِيْمٌ لِمَيْلِ العجمِ، كَانَ السُّلْطَانُ يَزورُهُ وَالأُمَرَاء، وَكثُرَتْ عِنْدَهُ المُحتَشِمُوْنَ، وَاسْتعبدَ طوَائِفَ بِنَوَالِهِ وَعطَائِهِ، وكَانَ مَحْفُوْظُهُ قَلِيْلاً، فَحَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ مِنَ القُرَّاءِ أَنَّهُ كَانَ يُعيِّنُ لَهُم مَا
__________
(1) أورده ابن الجوزي في وفيات سنة 551.
(*) المنتظم 10 / 166 - 168، الكامل 11 / 216، 217، البداية والنهاية 12 / 234، 235، النجوم الزاهرة 5 / 323، 324، شذرات الذهب 4 / 159.
(2) الذي تقدمت ترجمته برقم (183).
(3) في " المنتظم " 10 / 166.
(4) وهي خاتون زوجة المستظهري، كما في " المنتظم ".

(20/324)


يَقْرَؤُونَهُ، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: حُزمَةُ حُزنٍ خَيْرٌ مِنْ أَعدَالِ أَعْمَالٍ.
وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: رُبَّ طَالبٍ غَيْرُ وَاجدٍ، وَوَاجدٍ غَيْرُ طَالبٍ.
وَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (1) : كَانَ يَمِيْلُ إِلَى التَّشَيُّعُ، وَلَمَّا مَاتَ السُّلْطَانُ أُهينَ، وَكَانَتْ بِيَدِهِ قَرْيَة فَأُخِذتْ، وَطولِبَ بِغَلِّهَا، وَحُبسَ، ثُمَّ أُخرجَ وَمُنِعَ مِنَ الوَعظِ، لأَنَّه كَانَ لاَ يُعظِّمُ الخِلاَفَةَ كَمَا يَنْبَغِي، ثُمَّ ذَاقَ ذُلاًّ.
مَاتَ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

218 - مُجَلِّي أَبُو المَعَالِي مُجَلِّي بنُ جُمَيْعِ بنِ نَجَا القُرَشِيُّ *
شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ بِمِصْرَ، أَبُو المَعَالِي مُجَلِّي بنُ جُمَيْعِ بنِ نَجَا القُرَشِيُّ، المَخْزُوْمِيُّ، الأُرسُوفِيُّ (2) ، الشَّامِيُّ، ثُمَّ المِصْرِيُّ، مُصَنِّفُ كِتَابِ (الذَّخَائِرِ)، وَهُوَ مِنْ كُتُبِ المَذْهَبِ المُعتَبَرَةِ (3) .
وَلِيَ قَضَاءَ مِصْرَ بتفويضٍ مِنَ العَادلِ بنِ السَّلاَّرِ (4) ، سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ، ثُمَّ عُزِلَ بَعْدَ سنتَيْن.
__________
(1) في " المنتظم " 10 / 167.
(*) وفيات الأعيان 4 / 154، العبر 4 / 141، مرآة الجنان 3 / 297، طبقات السبكي 7 / 277 - 284، طبقات الاسنوي 1 / 511، 512، البداية والنهاية 12 / 233، حسن المحاضرة 1 / 405، طبقات ابن هداية الله: 206، 207، كشف الظنون: 47، 822، شذرات الذهب 4 / 157، هدية العارفين 2 / 4، 5.
ومجلي ضبطه الاسنوي بجيم مفتوحة ولام مشددة مكسورة.
وقد تصحف في " الشذرات " إلى محلي، بالحاء المهملة.
(2) بضم الهمزة عند السمعاني وابن خلكان وفتحها عند ياقوت، نسبة إلى أرسوف: مدينة على ساحل بحر الشام بين يافا وقيسارية.
(3) قال الاسنوي: وهو كثير الفروع والغرائب، إلا أن ترتيبه ترتيب غير معهود، صعب لمن يريد استخراج المسائل منه، وفيه أيضا أوهام.
" الطبقات " 1 / 512. ومن تصانيفه أيضا: " أدب القاضي " و" الجهر بالبسملة ".
(4) الذي تقدمت ترجمته برقم (189).

(20/325)


مَاتَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة خَمْسِيْنَ (1) وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِي كِتَابِهِ مُخبّآت، لاَ تُوجدُ فِي غَيْرِهِ.

219 - أَبُو البَيَانِ نَبَأُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَحْفُوْظٍ القُرَشِيُّ *
الشَّيْخُ القُدْوَةُ الكَبِيْرُ، أَبُو البَيَانِ نبأُ (2) بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَحْفُوْظٍ القُرَشِيُّ، الحَوْرَانِيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، الشَّافِعِيُّ، اللُّغَوِيُّ، الأَثرِيُّ، الزَّاهِدُ، شَيْخُ البيَانِيَّةِ، وَصَاحِبُ الأَذكَارِ المسجوعَةِ.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي الحَسَنِ بنِ الموَازِينِيِّ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ قُبَيْسٍ المَالِكِيِّ.
رَوَى عَنْهُ: يُوْسُفُ بنُ وَفَاءٍ السُّلَمِيُّ، وَالفَقِيْهُ أَحْمَدُ العِرَاقِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَبْدَانَ، وَالقَاضِي أَسَعْدُ بنُ المُنَجَّا.
وَكَانَ حَسَنَ الطَّرِيقَةِ، صَيِّناً، دَيِّناً، تَقيّاً، مُحِبّاً لِلسُّنَّةِ وَالعِلْمِ وَالأَدبِ، لَهُ أَتْبَاعٌ وَمُحبُّوْنَ، أَنشَأَ الملكُ نورُ الدِّينِ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ رِباطاً كَبِيْراً عِنْدَ دربِ
__________
(1) في " طبقات " ابن هداية الله: سنة 549.
(*) تاريخ ابن القلانسي: 512، معجم الأدباء 19 / 213، 214، مرآة الزمان 8 / 139، المشتبه: ص 122، العبر 4 / 144، 145، مرآة الجنان 3 / 298، طبقات السبكي 7 / 318 - 320، طبقات الاسنوي 1 / 234، البداية والنهاية 12 / 235، تبصير المنتبه 1 / 221، بغية الوعاة 2 / 312، مختصر تنبيه الطالب: 160، 161، شذرات الذهب 4 / 160، تاج العروس 9 / 152 (ب ي ن) و10 / 355 (ن ب و)، هدية العارفين 2 / 489، منتخبات التواريخ: 481.
(2) بنون بعدها موحدة، كما في " المشتبه ": 122، و" تبصير المنتبه " 1 / 221، وقد تصحف في " طبقات " الاسنوي و" البداية " إلى " بنا " بتقديم الباء الموحدة، وتحرف في " مرآة الزمان " إلى " بيان ".
وقد أورده في " معجم المؤلفين " 13 / 75 على الصواب، لكنه أورده أيضا مصحفا إلى بنا ". 3 / 79 على أنه آخر، وهما واحد، فليتنبه.

(20/326)


الحجرِ (1) ، وَكَانَ صديقاً لِلشَّيْخِ رسلاَن الزَّاهِدِ (2) .
تُوُفِّيَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ- (3) .

220 - الخَرَّازُ أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ الحَرِيْمِيُّ *
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ الحَرِيْمِيُّ، البَغْدَادِيُّ، ابْنُ الخَرَّازِ.
وُلِدَ: سَنَةَ 457.
سَمِعَ: أَبَا الغَنَائِمِ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي عُثْمَانَ، وَمُحَمَّدَ بنَ الجَبَّانِ، وَمَالِكاً البَانِيَاسِيَّ، وَطِرَاداً الزَّيْنَبِيَّ.
وَعَنْهُ: عَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَسَدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ المُسْتعمِلِ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ الزَّبِيْدِيِّ، وَابْنُ طَبَرْزَدَ، وَآخَرُوْنَ.
وَبِالإِجَازَةِ: ابْنُ المُقَيَّرِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: شَيْخٌ صَالِحٌ، مُتَديِّنٌ، لاَزِمٌ لِمَسجدِهِ، مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ خَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ-.
__________
(1) داخل باب شرقي بدمشق. انظر " مختصر تنبيه الطالب ": 160.
(2) سترد ترجمته برقم (257).
(3) انظر مصنفاته في " معجم الأدباء " 9 / 214، و" طبقات " السبكي 7 / 319.
(*) العبر 4 / 147، المشتبه: 161، تبصير المنتبه 1 / 331، شذرات الذهب 4 / 161، وقد اختلطت ترجمته فيه بترجمة شمس الملوك إبراهيم بن رضوان بعد أن سقط من هذه الترجمة المنقولة من " العبر " 4 / 147 من قوله: وشمس الملوك.
إلى قوله زنكي.
والخراز: نسبة إلى خرز الجلود كما في " المشتبه ".

(20/327)


221 - صَاحِبُ نَصِيْبِيْنَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ رِضْوَانَ بنِ تُتُشَ السَّلْجُوْقِيُّ *
شَمْسُ المُلُوْكِ، أَبُو نَصْرٍ إِبْرَاهِيْمُ ابنُ صَاحِبِ حلبَ رِضْوَانَ ابْنِ السُّلْطَانِ تَاجِ الدَّوْلَةِ تُتُشَ بنِ أَلبِ أَرْسَلاَنَ السَّلْجُوْقِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَمَاتَ أَبُوْهُ وَهُوَ صَبِيٌّ.
ثُمَّ أَقْبَلَ مَعَهُ صَاحِبُ الحِلَّةِ دُبَيْسٌ وَبغدوينُ الفِرَنْجِيُّ مُحَاصرِيْنَ لِحَلبَ، فِي سَنَةِ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَجَرَتْ أُمُوْرٌ، ثُمَّ إِنَّهُ تَملَّكَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ حلبَ، وَفرحُوا بِهِ، فَأَقْبَلَ صَاحِبُ أَنطَاكيَةَ، فَنَازلَ حلبَ، فَتردَّدَتِ الرُّسُلُ فِي صُلْحٍ وَهُدْنَةٍ، فَعُقِدَتْ هُدنَةٌ فِيْهَا وَهَنٌ عَلَى أَهْلِ حلبَ، وَحِمْلُ ذَهَبٍ فِي العَامِ، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ أَخَذَ الأَتَابِكُ زِنْكِي مِنْ شَمْسِ المُلُوْكِ حلبَ، وَأَعْطَاهُ نَصِيْبِيْن، فَمَا زَالَ بِهَا إِلَى أَنْ مَاتَ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

222 - عَبْدُ الصَّبُورِ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ أَبُو صَابِرٍ الهَرَوِيُّ **
الشَّيْخُ الصَّادِقُ الجَلِيْلُ، أَبُو صَابرٍ الهَرَوِيُّ، الفَامِي، التَّاجِرُ، السَّفَّارُ، صَالِحٌ خَيِّرٌ مُسمّتٌ أَمِيْنٌ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ (الجَامِعَ) مِنْ: أَبِي عَامِرٍ الأَزْدِيِّ.
وَسَمِعَ مِنْ: شَيْخِ الإِسْلاَمِ،
__________
(*) العبر: 4 / 147، الوافي بالوفيات: 5 / 347، شذرات اذهب: 4 / 161، وقد سقط من ترجمته فيه، وهي منقولة عن العبر من بداية الترجمة: وشمس الملوك، إلى قوله: ثم أخذها منه زنكي واتصلت العبارة وعوضه نصيبين. بالترجمة التي قبله، وهي ترجمة أبي علي الخراز.
(* *) العبر 4 / 148، النجوم الزاهرة 5 / 327، شذرات الذهب 4 / 162.

(20/328)


وَنَجِيْبٍ الوَاسِطِيِّ، وَإِلْيَاسَ بنِ مُضَرَ.
حَدَّثَ بِهَمَذَانَ وَبِبَغْدَادَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ لَمَّا حَجَّ بِالجَامِعِ.
رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَابْنُهُ عَبْدُ الرَّحِيْمِ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ نَجَا الوَاعِظُ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ العَاقُوْلِيُّ.
تُوُفِّيَ: بِهَرَاةَ، فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

223 - كُوْتَاه عَبْدُ الجَلِيْلِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُتْقِنُ، مُحَدِّثُ أَصْبَهَانَ، أَبُو مَسْعُوْدٍ عَبْدُ الجَلِيْلِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيُّ، كُوْتَاه.
وُلِدَ: سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: رِزْقَ اللهِ التَّمِيْمِيَّ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ مَاجَه الأَبْهَرِيَّ، وَالقَاسِمَ بنَ الفَضْلِ الثَّقَفِيَّ، وَأَحْمَدَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الذَّكْوَانِيَّ، وَابْنَ أَشْتَةَ، وَعدداً كَثِيْراً مِنْ أَصْحَابِ أَبِي سَعِيْدٍ النَّقَاشِ وَأَبِي نُعَيْمٍ، ثُمَّ أَصْحَابِ أَبِي طَاهِرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو مُوْسَى: هُوَ أَوْحَدُ وَقتِهِ فِي علمِهِ، مَعَ حُسْنِ طَرِيقتِهِ، وَتوَاضعِهِ، حَدَّثَنَا لفظاً وَحفظاً عَلَى مِنْبَرِ وَعظِهِ، فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ (1) وَخَمْسِ مائَةٍ...، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
__________
(*) الأنساب 3 / 341، 342 (الجوباري)، التحبير 1 / 432 - 434، المنتظم 10 / 182، معجم البلدان 2 / 176 (جوبار)، اللباب 1 / 302، العبر 4 / 152، تذكرة الحفاظ 4 / 1314، 1315، مرآة الجنان 3 / 304، النجوم الزاهرة 5 / 329، طبقات الحفاظ (471)، شذرات الذهب 4 / 167، وكوتاه بالفارسية، معناه: القصير.
(1) في " تذكرة الحفاظ " 4 / 1314: سنة سبع عشرة.

(20/329)


وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ (1) : مِنْ أَوْلاَدِ المُحَدِّثِيْنَ، حَسَنُ السِّيْرَةِ، مُكْرِمٌ لِلْغربَاءِ، فَقِيْرٌ، قَنُوعٌ، صَحِبَ أَبِي مُدَّةَ مُقَامِهِ بِأَصْبَهَانَ، وَسَمِعَ بقِرَاءتِهِ الكَثِيْرَ، وَلَهُ مَعْرِفَةٌ تَامَّةٌ بِالحَدِيْثِ، وَهُوَ مِنْ مُقَدَّمِي أَصْحَابِ شَيْخِنَا إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدٍ الحَافِظِ (2) ، حضَرْتُ مَجْلِسَ إِملاَئِهِ، وَكَتَبتُ عَنْهُ، سَمِعْتُ أَبَا القَاسِمِ الحَافِظَ بِدِمَشْقَ يُثْنِي عَلَيْهِ ثَنَاءً حَسَناً، وَيُفخِّمُ أَمرَهُ، وَيَصِفُهُ بِالحِفْظِ وَالإِتْقَانِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: لَمَّا وَردْتُ أَصْبَهَانَ، كَانَ مَا يَخْرُجُ مِنْ دَارِهِ إِلاَّ لِحَاجَةٍ مُهمَّةٍ، كَانَ شَيْخُهُ إِسْمَاعِيْلُ الحَافِظُ هَجَرَهُ، وَمَنَعَهُ مِنْ حُضُوْرِ مَجْلِسِهِ لِمَسْأَلَةٍ جَرَتْ فِي النُّزَولِ، وَكَانَ كُوتَاهُ يَقُوْلُ: النُّزُولُ بِالذَّاتِ، فَأَنْكَرَ إِسْمَاعِيْلُ هَذَا، وَأَمرَهُ بِالرُّجُوْعِ عَنْهُ، فَمَا فَعلَ (3) .
قُلْتُ: وَقَدِ ارْتَحَلَ إِلَى نَيْسَابُوْرَ، وَسَمِعَ مِنْ عَبْدِ الغَفَّارِ (4) الشِّيرَوِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ الشِّيْرَازِيُّ، وَطَائِفَةٌ.
وَرَوَتْ عَنْهُ: كَرِيْمَةُ الدِّمَشْقيَّةُ بِالإِجَازَةِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ أَبُو سَعْدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الخَالِقِ الشَّحَّامِيُّ، حَدَّثَنَا صَاعِدُ بنُ سَيَّارٍ الحَافِظُ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا عَبْدُ الجَلِيْل بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بِالمَدِيْنَةِ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الخَرجَانِيُّ (5) ، أَخْبَرَنَا
__________
(1) انظر " التحبير " 1 / 432، 433.
(2) تقدمت ترجمته برقم (49).
(3) انظر " التحبير " 1 / 433.
(4) تبدل في " تذكرة الحفاظ " 4 / 1314 إلى " عبد القاهر " وقد مرت ترجمة عبد الغفار هذا في الجزء التاسع عشر برقم (153).
(5) بالخاء المعجمة ثم راء ثم جيم، نسبة إلى خرجان: بلدة بأصبهان، وهو أبو الحسن علي بن أحمد الخرجاني المتوفى سنة 420 ه، تصحفت نسبته في " تذكرة الحفاظ " 4 / 1315 إلى " الجرجاني " بجيمين، انظر " المشتبه ": 147.

(20/330)


ابْنُ خُرَّزَادَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ رَوْحَانَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، سَمِعْتُ شَيْبَانَ بنَ يَحْيَى يَقُوْلُ:
مَا أَعْلَمُ طرِيقاً إِلَى الجَنَّةِ أَقصَدَ مِمَّنْ يَسلُكُ طَرِيْقَ الحَدِيْثِ.
مَاتَ كُوْتَاه: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَهُوَ مِنْ رُوَاةِ نُسْخَةِ لُوَيْنٍ، عَنِ ابْنِ مَاجَه الأَبْهَرِيِّ (1) .
وَمَسْأَلَةُ النُّزَولِ فَالإِيْمَانُ بِهِ وَاجِبٌ، وَتَرْكُ الخوضِ فِي لوازِمِهِ أَوْلَى، وَهُوَ سَبِيْلُ السَّلَفِ، فَمَا قَالَ هَذَا: نُزُولُهُ بِذَاتِهِ، إِلاَّ إِرغَاماً لِمَنْ تَأَوَّلَهُ، وَقَالَ: نُزولُهُ إِلَى السَّمَاءِ بِالعِلْمِ فَقَطْ، نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ المِرَاءِ فِي الدِّينِ.
وَكَذَا قَوْلُهُ: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجرُ: 22]، وَنَحْوُهُ، فَنَقُوْلُ: جَاءَ، وَيَنْزِلُ وَننَهَى عَنِ القَوْلِ: يَنْزِلُ بِذَاتِهِ، كَمَا لاَ نَقُوْلُ: يَنْزِلُ بِعِلْمِهِ، بَلْ نَسكتُ، وَلاَ نَتفَاصَحُ عَلَى الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعبَارَاتٍ مُبْتَدَعَةٍ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.

224 - العَبَّاسِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الصَّالِحُ، العَابِدُ، المُسْنِدُ، أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَلِيِّ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَلِيِّ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ يَعْقُوْبَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ ابنِ الأَمِيْرِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ العَبَّاسِيُّ، المَكِّيُّ، نَقِيبُ الهَاشِمِيِّينَ بِمَكَّةَ.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
__________
(1) راجع الصفحة 211 تعليق رقم (1) و(2).
(*) المنتظم 10 / 191، العبر 4 / 155، العقد الثمين 3 / 148، 149، النجوم الزاهرة 5 / 331، شذرات الذهب 4 / 170.

(20/331)


وَسَمَّعَ جَمَاعَةَ أَجزَاءٍ مِنْ أَبِي عَلِيٍّ الحَسَنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيِّ، تَفَرَّدَ بِعُلُوِّهَا.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: شَيْخٌ، ثِقَةٌ، صَالِحٌ، مُتَوَاضِعٌ، مَا رَأَيْتُ فِي الأَشْرَافِ مِثْلَهُ، قَدِمَ عَلَيْنَا أَصْبَهَانَ لِدَينٍ رَكِبَهُ (1) ، وَمَعَهُ خَمْسَةُ أَجزَاءٍ، فَسَمِعْتُ مِنْهُ، وَقَدْ سَمِعَ فِي الكُهُوْلَةِ، وَنَسَخَ الكَثِيْرَ، ثُمَّ قَدِمَ أَصْبَهَانَ رَاجِعاً مِنْ كِرْمَانَ، فِي سَنَةِ 547.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ صَدُوْقاً، زَاهِداً، عَابِداً، قَرَأْتُ بِخَطِّهِ.
قَالَ: سَمِعْتُ الحَدِيْثَ مِنْ أَبِي عَلِيٍّ الشَّافِعِيِّ، وَعُمُرِي سَبْعُ سِنِيْنَ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَالقَاضِي أَسَعْدُ بنُ مُنَجَّا، وَثَابِتُ بنُ مُشَرِّفٍ، وَعَبْدُ السَّلاَمِ الدَّاهِرِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَطِيْعِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ عُلْوَانَ الحَلَبِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَتَفَرَّدَ عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: أَبُو الحَسَنِ بنُ المُقَيَّرِ.
تُوُفِّيَ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَهُوَ جدُّ المُحَدِّثِ الحَافِظِ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ العَبَّاسِيِّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعَ: أَبَا عليٍّ الشَّافِعِيَّ، وَعَبْدَ القَاهِرِ العَبَّاسِيَّ المُقْرِئَ، وَعِيْسَى بنَ أَبِي ذَرٍّ، وَعَبْدَ السَّاتِرِ بنَ عَبْدِ اللهِ الزِّيَادِيَّ.
وَبِبَغْدَادَ مِنِ: ابْنِ الحُصَيْنِ، وَأَبِي غَالِبٍ ابْنِ البَنَّاءِ.
وَكَتَبَ بِخَطِّهِ كَثِيْراً، كتبَ عَنْهُ ابْنُ نَاصرٍ.
حَدَّثَنَا عَنْهُ: ابْنُ سُكَيْنَةَ، وَابْنُ الأَخْضَرِ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَمْدُوْنَ، وَتُرْكُ بنُ مُحَمَّدٍ الكَاتِبُ.
سَمِعْتُ عَامَّةَ شُيُوْخِنَا يُثنُوْنَ عَلَيْهِ، وَيَصفُوْنَهُ بِالزُّهْدِ، وَالعِبَادَةِ، وَالوَرَعِ، وَالنَّزَاهَةِ.
__________
(1) تحرفت العبارة في مطبوعة " العقد الثمين " 3 / 148 إلى قوله: فأتى بهاء الدين ركبه:

(20/332)


225 - ابْنُ غَبْرَةَ أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الهَاشِمِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ الجَلِيْلُ، المُسْنِدُ، أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ عَلَوِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدِ بنِ غَبرَةَ الهَاشِمِيُّ، الحَارِثِيُّ، الكُوْفِيُّ، المُعَدَّلُ، وَيُعْرَفُ قَدِيْماً: بِابْنِ المُعَلِّمِ، وَهُوَ مِنْ ذُرِّيَّةِ ابْنِ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَبِيْعَةَ بنِ الحَارِثِ.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ سَنَة خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ مِنْ: أَبِي الفَرَجِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عِلاَّنَ المُعَدَّلِ، وَأَبِي غَالِبٍ بنِ المَنْثُوْرِ الجُهَنِيِّ، وَأَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَمْدَانَ، وَالحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ الدِّهْقَانِ، وَجَمَاعَةٍ.
وَتَفَرَّدَ بِأَجزَاءَ عَالِيَةٍ، وَرُحِلَ إِلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: رَوَى لَنَا عَنْهُ جَمَاعَةٌ سَمِعُوا مِنْهُ بِالكُوْفَةِ.
وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ: أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ الجِيْلِيُّ، وَأَبُو الفَرَجِ بنُ النَّقُّوْرِ.
حَدَّثَ بِبَغْدَادَ قَدِيْماً.
قُلْتُ: آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: كَرِيْمَةُ القُرَشِيَّةُ.
قَالَ مَسْعُوْدُ بنُ النَّادِرِ: مَاتَ ابْنُ غَبرَةَ فِي سَلْخِ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ: كَانَ ثِقَةً فِي رِوَايَتِهِ، سَمِعْتُ عَلَيْهِ بِقِرَاءتِي الأَجزَاءَ الَّتِي ظَهرَتْ لَهُ، وَمَاتَ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: مَا وَقَعَ لَنَا حَدِيْثَهُ إِلاَّ وَفِي الطَّرِيْقِ إِجَازَةٌ.
__________
(*) المشتبه: 482، تبصير المنتبه 3 / 1038.

(20/333)


226 - ابْنُ مَحْمُويه أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ اليَزْدِيُّ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الفَقِيْهُ، المُقْرِئُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ (1) بنِ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ بنِ مَحْمُويه اليَزدِيُّ، الشَّافِعِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
موُلِدُهُ: بِيَزْدَ (2) ، فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ - أَوْ أَرْبَعٍ -.
وَسَمِعَ مِنَ: الحُسَيْنِ بنِ الحَسَنِ بنِ جُوَانشير، وَأَبِي المَكَارِمِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ الفَسَوِيِّ (3) المُقْرِئِ، وَمُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ بَلُّوكٍ الصُّوْفِيِّ، وَغِيَاثِ بنِ أَبِي مُضَرَ الأَصْبَهَانِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ مَحْمُوْدٍ الثَّقَفِيِّ.
وَتَلاَ بِالرِّوَايَاتِ فِي أَصْبَهَانَ عَلَى: أَبِي الفَتْحِ الحَدَّادِ.
وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنِ: ابْنِ الطُّيُوْرِيِّ، وَابْنِ خُشَيْشٍ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ العَلاَّفِ، وَأَبِي القَاسِمِ الرَّبَعِيِّ، وَعِدَّةٍ.
وَسَمِعَ بِالدُّوْن (سُنَنَ النَّسَائِيِّ) مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَمْدٍ.
وَبِهَمَذَانَ مِنْ: نَاصرِ بنِ مَهْدِيٍّ.
وَبِأَصْبَهَانَ أَيْضاً مِنْ: أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَرْدُويه.
وَتَفَقَّهَ بِوَاسِطَ عَلَى: أَبِي عَلِيٍّ الفَارقِيِّ.
وَبِبَغْدَادَ عَلَى: أَبِي بَكْرٍ الشَّاشِيِّ.
وَسَمِعَ: بِالبَصْرَةِ، وَالكُوْفَةِ، وَمَكَّةَ.
__________
(*) معرفة القراء الكبار 2 / 425، 426، العبر 4 / 143، 144، طبقات السبكي 7 / 211، طبقات الاسنوي 2 / 564، 565، مرآة الجنان 3 / 298، غاية النهاية 1 / 517، النجوم الزاهرة 5 / 324، شذرات الذهب 4 / 159، هدية العارفين 1 / 698.
(1) في " طبقات " الاسنوي: علي بن الحسين بن أحمد. وهو مخالف لسائر مصادر ترجمته.
(2) انظر ص 240 تعليق رقم (3).
(3) تحرف في " طبقات " السبكي 7 / 211 إلى الفوي. وانظر ترجمته في " غاية النهاية " 2 / 201.

(20/334)


وَكَانَ يَسكنُ بقَرَاح ظَفَرٍ (1) ، وَصَنَّفَ كُتُباً نَافِعَةً فِي الفِقْهِ وَالحَدِيْثِ وَالزُّهْدِ، وَحَدَّثَ بِهَا، وَبِـ (سُنَنِ النَّسَائِيِّ).
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ مِنْ أَعيَانِ الفُقَهَاءِ، وَمَشْهُوْرِي الزُّهَّادِ وَالعُبَّادِ، وَأَهْلِ الوَرَعِ، وَالاجْتِهَادِ.
رَوَى لَنَا عَنْهُ: أَبُو أَحْمَدَ بنُ سُكَيْنَةَ، وَابْنُ الأَخْضَرِ.
وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ: نَزلَ بَغْدَادَ، فَقِيْهٌ فَاضِلٌ زَاهِدٌ، حَسَنُ السِّيْرَةِ، جَمِيْلُ الطّرِيقَةِ، عَزِيزُ النَّفْسِ، سَخِيُّ الطَّبعِ بِمَا يَملكُهُ، قَانِعٌ بِمَا هُوَ فِيْهِ، كَثِيْرُ الصَّوْمِ وَالعِبَادَةِ، صَنَّفَ تَصَانِيْفَ فِي الفِقْهِ، وَأَوْرَدَ فِيْهَا أَحَادِيْثَ مُسْنَدَةً عَنْ شُيُوْخِهِ، سَمِعْتُ مِنْهُ، وَسَمِعَ مِنِّي، وَكَانَ دَائِمَ البِشْرِ، مُتَوَاضِعاً، كَثِيْرَ المَحْفُوْظِ، وَكَانَ لَهُ عِمَامَةٌ وَقَمِيْصٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيْهِ، إِذَا خَرَجَ ذَاكَ قَعَدَ هَذَا فِي البَيْتِ، وَدَخَلتُ عَلَيْهِ مَعَ الوَاعِظِ الغَزنوِيِّ (2) ، فَوَجَدنَاهُ عُرْيَاناً، مُتَّزِراً، فَاعْتذرَ، وَقَالَ: نَحْنُ كَمَا قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ:
قَوْمٌ إِذَا غَسَلُوا ثِيَابَ جَمَالِهِم ... لَبِسُوا البُيُوْتَ إِلَى فَرَاغِ الغَاسِلِ (3)
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْتُ حَمْزَةَ بنَ عَلِيٍّ الحَرَّانِيَّ يَقُوْلُ:
كَانَ شَيْخُنَا عَليٌّ اليَزدِيُّ يَقُوْلُ لَنَا: إِذَا مُتُّ فَلاَ تَدْفِنُوْنِي إِلاَّ بَعْدَ ثَلاَثٍ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُوْنَ بِي سَكتَةٌ.
قَالَ: وَكَانَ جَثيثاً، صَاحِبَ بَلْغَمٍ، وَكَانَ يَصُوْمُ شَهْرَ رَجَبٍ، فَقَبْلَ أَيَّامٍ مِنْهُ قَالَ لَنَا: قَدْ رَجَعتُ عَنْ قَوْلِي، فَإِذَا مُتُّ فَادْفِنُوْنِي فِي الحَالِ، فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ يَقُوْلُ: يَا عليُّ، صُمْ رَجَباً عِنْدنَا.
قَالَ: فَمَاتَ لَيْلَةَ رَجَبٍ.
__________
(1) قال ياقوت: المراد بالقراح ههنا اصطلاح بغدادي، فإنهم يسمون البستان قراحا، وفي بغداد عدة محال عامرة آهلة، يقال لكل واحدة منها: قراح، إلا أنها تضاف إلى رجل تعرف باسمه، ثم ذكر ياقوت هذه المحال، ومنها قراح ظفر هذا. انظر " معجم البلدان " 4 / 315.
(2) الذي تقدمت ترجمته برقم (217).
(3) أورده السبكي في " طبقاته الكبرى " 7 / 211.

(20/335)


قَالَ ابْنُ شَافِعٍ: مَاتَ فِي تَاسعٍ وَعِشْرِيْنَ (1) ، سَنَةً إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ (السُّنَنَ) الخَطِيْبُ الدَّوْلَعِيّ.
وَتَلاَ عَلَيْهِ: حَمْزَةُ بنُ القُبَّيْطِيِّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ النَّاقِدِ، وَعَلِيُّ بنُ الدَّبَّاسِ.

227 - الأَغرجِيُّ أَبُو الفَرَجِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي سَعِيْدٍ *
الإِمَامُ، ذُو الفُنُوْنِ، شَيْخُ العُلَمَاءِ بِخُوَارِزْمَ، أَبُو الفَرَجِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي سَعِيْدٍ.
رَوَى عَنْ: أَبِي عَلِيٍّ إِسْمَاعِيْلَ بنِ البَيْهَقِيِّ، وَالزَّمَخْشَرِيِّ.
وَكَانَ ثِقَةً، عَدلاً، وَاعِظاً، مُنَاظِراً، مُفْتِياً، مُحِبّاً لِلْحَدِيْثِ، جَاوَزَ ثَمَانِيْنَ سَنَةً.
مَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَازْدَحَمُوا عَلَى نَعْشِهِ -رَحِمَهُ اللهُ-.
ذكرَهُ ابْنُ أَرْسَلاَنَ فِي (تَارِيْخِهِ).

228 - البِيْكَنْدِيُّ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ **
الشَّيْخُ الفَاضِلُ، العَابِدُ، المُسْنِدُ، أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ البُخَارِيُّ، البِيْكَنْدِيُّ.
__________
(1) في " غاية النهاية ": تاسع عشر.
(*) لم نعثر على مصدر ترجمه.
(* *) العبر 4 / 149، النجوم الزاهرة 5 / 327، شذرات الذهب 4 / 162، والبيكندي نسبة إلى بيكند: بلدة كبيرة قريبة من بخارى.
وقد تحرفت في " شذرات الذهب " إلى السكندري.

(20/336)


مَوْلِدُهُ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ: عَبْدَ الوَاحِدِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الوَرْكِيَّ (1) المُعَمَّرَ، وَأَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ خُواهِرْزَادَه، وَالقَاضِي أَبَا الخَطَّابِ الطَّبَرِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ أَبِي سَهْلٍ الفَقِيْهَ، وَعِدَّةً.
وَتَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عَنِ الإِمَامِ أَبِي المُظَفَّرِ عَبْدِ الكَرِيْمِ الأَنْدقِيِّ (2) .
رَوَى عَنْهُ: أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، وَابْنُهُ أَبُو المُظَفَّرِ عَبْدُ الرَّحِيْمِ، وَغَيْرُهُمَا.
وَلَمَّا حَانَ وَقتُ رِوَايَةِ الرُّوَاةِ عَنْهُ، أَخذَتِ التَّتَارُ البِلاَدَ بِالسَّيْفِ، وَانسَدَّ بَابُ الرِّوَايَةِ بِخُرَاسَانَ، أَقَاصيهَا وَأَدَانِيْهَا.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ: هُوَ إِمَامٌ فَاضِلٌ، وَرِعٌ، عَفِيْفٌ، نَزِهٌ، عَابِدٌ، قَانِعٌ بِاليَسِيْرِ، ثِقَةٌ، صَالِحٌ.
تُوُفِّيَ: فِي تَاسعِ شَهْرِ شَوَّالٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَشيَّعَهُ أُمَمٌ.

229 - ابْنُ الصَّفَّارِ عُمَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَنْصُوْرٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، القُدْوَةُ، أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَنْصُوْرِ ابْنِ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ بنِ حَبِيْبٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، الشَّافِعِيُّ، زَوجُ بِنْتِ الإِمَامِ أَبِي نَصْرٍ القُشَيْرِيِّ (3) .
__________
(1) نسبة إلى وركة: من قرى بخارى.
(2) نسبة إلى " أندقا ": من قرى بخارى، وقد تحرفت في " الشذرات " 4 / 162 إلى " الابرقي " بالباء والراء.
(*) العبر 4 / 153، طبقات السبكي 7 / 240، 241، طبقات الاسنوي 2 / 142، 143، النجوم الزاهرة 5 / 329، شذرات الذهب 4 / 168.
(3) المتوفى سنة 514 ه، مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (247).

(20/337)


وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ بقِرَاءةِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَبْدِ الغَافِرِ الفَارِسِيِّ مِنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ خَلَفٍ الأَدِيْبِ، وَأَبِي المُظَفَّرِ مُوْسَى بنِ عِمْرَانَ، وَأَبِي تُرَابٍ عَبْدِ البَاقِي المَرَاغِيِّ (1) ، وَأَبِي القَاسِمِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَحْمَدَ الوَاحِدِيِّ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ الأَخْرَمِ، وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ الصَّفَّارِ، وَحَفِيْدُهُ القَاسِمُ بنُ أَبِي سَعْدٍ، وَالمُؤَيَّدُ الطُّوْسِيُّ، وَمَنْصُوْرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، وَيَحْيَى بنُ الرَّبِيْعِ الوَاسِطِيُّ الفَقِيْهُ، وَسُلَيْمَانُ بنُ مُحَمَّدٍ المَوْصِلِيُّ، وَأَخُوْهُ عَلِيٌّ، وَزَيْنَبُ الشَّعْرِيَّةُ، وَأَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ الرَّافِعِيُّ وَالِدُ صَاحِبِ الشَّرْحِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ بِعِصَامِ الدِّينِ.
قَالَ حَفِيْدُهُ القَاسِمُ: كَانَ جَدِّي نَظيراً لِمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الفَقِيْهِ (2) ، وَكَانَ يَزِيْدُ عَلَيْهِ بِمَعْرِفَةِ الأَصْلَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: هُوَ إِمَامٌ بارِعٌ مُبَرِّزٌ، جَامِعٌ لأَنْوَاعِ الفَضْلِ مِنَ العُلُوْمِ، وَكَانَ سديدَ السِّيرَةِ، مُكْثِراً مِنَ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ عَبْدُ الغَافِرِ فِي (تَارِيْخِهِ): شَابٌّ فَاضِلٌ، دَيِّنٌ، وَرِعٌ، أَحَدُ وُجُوهِ الفُقَهَاءِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: تُوُفِّيَ يَوْمَ النَّحْرِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
(1) نسبة إلى مراغة: مدينة مشهورة من بلاد أذربيجان. انظر " اللباب " 3 / 190 وفيه ترجمته.
(2) تقدمت ترجمته برقم (208).

(20/338)


230 - الكَرْمَانِيُّ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ الحَسَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ *
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، المُعَمَّرُ، أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ الحَسَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ الكَرْمَانِيُّ، ثُمَّ النَّيْسَابُوْرِيُّ.
وُلِدَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ خَلَفٍ، وَمُوْسَى بنِ عِمْرَانَ الأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي سهلٍ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عَبْدِ اللهِ الدَّشْتِيِّ، وَتَفَرَّدَ فِي وَقتِهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَوَلَدُهُ عَبْدُ الرَّحِيْمِ، وَمُحَمَّدُ بنُ نَاصرِ بنِ سَلْمَانَ، وَجَمَاعَةٌ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

231 - ابْنُ القَطَّانِ هِبَةُ اللهِ بنُ الفَضْلِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ **
الشَّيْخُ الأَدِيْبُ، البَارعُ، شَاعِرُ بَغْدَادَ، أَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ الفَضْلِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ، المَتُّوثِي (1) ، ابْنُ القَطَّانِ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَأَبَا الفَضْلِ بنَ خَيْرُوْنَ، وَأَبَا طَاهِرٍ أَحْمَدَ بنَ الحَسَنِ البَاقِلاَّنِيَّ، وَابْنَ طَلْحَةَ النِّعَالِيَّ.
وَلَهُ هِجَاءٌ مُقْذِعٌ، وَمديحٌ فَائِقٌ (2) .
__________
(*) العبر 4 / 168، النجوم الزاهرة 5 / 366، شذرات الذهب 4 / 187.
(* *) الخريدة (قسم العراق) 2 / 270، المنتظم 10 / 207، أخبار الدولة السلجوقية: 120، عيون الانباء في طبقات الاطباء: 380 - 389، وفيات الأعيان 6 / 53 - 61، مرآة الجنان 3 / 315، لسان الميزان 6 / 189.
(1) نسبة إلى متون: بلدة بين قرقوب وكور الاهواز. " اللباب " 3 / 162.
(2) انظر بعض نظمه في " المنتظم " 10 / 207، و" وطبقات الاطباء ": 382 - 389.

(20/339)


رَوَى عَنْهُ السَّمْعَانِيُّ، وَقَالَ: سَأَلتُهُ عَنْ مَوْلِدِهِ، فَقَالَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الفِطْرِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَ(دِيْوَانُهُ) مَشْهُوْرٌ، وَقَدْ هجَا الْحَيْصُ بَيْص (1) .
وَجدُّهُ هُوَ شَيْخُ الخَطِيْبِ، المُحَدِّثُ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ الفَضْلِ القَطَّانُ (2) ، وَكَانَ فِيْهِ دُعَابَةٌ، وَانطبَاعٌ، وَمِمَّنْ يُتَّقَى لِسَانُهُ.

232 - جَعْفَرُ بنُ زَيْدِ بنِ جَامِعِ بنِ حُسَيْنٍ الطَّائِيُّ *
الإِمَامُ الفَاضِلُ، أَبُو الفَضْلِ الطَّائِيُّ، الشَّامِيُّ، الحَمَوِيُّ، وَيُلَقَّبُ بِأَبِي زَيْدٍ.
سَكَنَ بَغْدَادَ بِقَطُفْتَا (3) .
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعَ الكَثِيْرَ مِنْ: أَبِي الحُسَيْنِ المُبَارَكِ وَأَبِي سَعْدٍ أَحْمَدَ ابْنَيْ عَبْدِ الجَبَّارِ الصَّيْرَفِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ، وَأَبِي طَالِبٍ اليُوْسُفِيِّ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ الحُصَيْنِ، وَأَبِي العِزِّ بنِ كَادشٍ، وَكَتَبَ بِخَطِّهِ كَثِيْراً، وَخَطُّهُ مَضْبُوْطٌ، وَخَرَّجَ تَخَارِيجَ، وَسَمِعَ مِنْهُ القُدَمَاءُ، وَكَانَ مَشْهُوْراً بِالدِّينِ وَالصَّلاَحِ وَحُسْنِ الطَّرِيقَةِ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ الزَّبِيْدِيِّ.
__________
(1) انظر بعض هجائه له في " وفيات الأعيان " 2 / 363، 364 و6 / 55، و" طبقات الاطباء ": 387.
وذكر ابن أبي أصيبعة أن صاحب الترجمة هو الذي ألصق بحيص بيص لقبه هذا.
انظر " طبقات الاطباء ": 380، و" وفيات الأعيان " 2 / 365.
(2) مرت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (202).
(*) المنتظم 10 / 191، العبر 4 / 155، الوافي 11 / 105، مرآة الجنان 3 / 307، النجوم الزاهرة 5 / 331، كشف الظنون: 850، شذرات الذهب 4 / 171، هدية العارفين 1 / 253.
(3) وهي محلة كبيرة ذات أسواق بالجانب الغربي من بغداد. " معجم البلدان " 4 / 374.

(20/340)


وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ: أَبُو زَيْدٍ الحَمَوِيُّ شَيْخٌ صَالِحٌ، خَيِّرٌ، كَثِيْرُ العِبَادَةِ، دَائِمُ التِّلاَوَةِ، مُشْتَغِلٌ بِنَفْسِهِ، لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ مِنْ جُمُعَةٍ إِلَى جُمُعَةٍ، كَتَبْتُ عَنْهُ.
قُلْتُ: مَا أُرَاهُ أَدْرَكَ أَبَا الحُسَيْنِ بنَ الطُّيُوْرِيِّ، بَلَى سَمِعَ مِنْ أَخِيْهِ.
قَالَ: وُلِدْتُ سَنَةَ ثَلاَثٍ - أَوْ خَمْس - وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَمَاتَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: لَهُ: كِتَابُ (البُرْهَانِ (1)) فِي السُّنَّةِ، سَمِعْنَاهُ، وَعَلَيْهِ فِيْهِ مَآخذُ -رَحِمَهُ اللهُ-.
أَخْبَرْنَا ابْنُ مُؤْمِنٍ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ زَيْدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ العُكْبَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ الحَرْبِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ مَرْدَكَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
نُثْبِتُ هَذِهِ الصِّفَاتِ الَّتِي جَاءَ بِهَا القُرْآنُ، وَوَرَدَتْ بِهَا السُّنَّةُ، وَننفِي التَّشبيهَ عَنْهُ كَمَا نَفَى عَنْ نَفْسِهِ، فَقَالَ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشُّورى: 11].
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو سَعْدٍ مُنجحُ بنُ مفلِحٍ (2) الدُّومِيُّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ النَّيْسَابُوْرِيُّ سِبْطُ القُشَيْرِيِّ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ جَعْفَرِ بنِ
__________
(1) قال الصفدي: ينتصر فيه لقدم القرآن، ويرد على المخالفين. " الوافي " 11 / 105.
(2) في الأصل: مفلح بن منجح، وهو خطأ.
ومنجح هذا ترجمه المؤلف ترجمة وجيزة في نهاية ترجمة أبيه مفلح التي تقدمت برقم (100).

(20/341)


المُتَوَكِّلِ (1) ، وَأَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ بنُ قَفَرْجَلَ (2) ، وَأَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ العَبَّاسِيُّ (3) .

233 - أَبُو مُحَمَّدٍ عَدِيُّ بنُ صَخْرٍ الشَّامِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الصَّالِحُ، القُدْوَةُ، زَاهِدُ وَقتِهِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَدِيُّ بنُ صَخرٍ الشَّامِيُّ.
وَقِيْلَ: عَدِيُّ بنُ مُسَافِرِ - وَهَذَا أَشهرُ - ابْنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُوْسَى الشَّامِيُّ، ثُمَّ الهَكَّارِيُّ (4) مَسْكَناً.
قَالَ الحَافِظُ عَبْدُ القَادِرِ: سَاح سِنِيْنَ كَثِيْرَةً، وَصَحِبَ المَشَايِخَ، وَجَاهدَ أَنْوَاعاً مِنَ المُجَاهِدَاتِ، ثُمَّ إِنَّهُ سَكَنَ بَعْضَ جبالِ الموصلِ فِي مَوْضِع لَيْسَ بِهِ أَنِيسٌ، ثُمَّ آنسَ اللهُ تِلْكَ المَوَاضِعَ بِهِ، وَعمَّرهَا بِبَرَكَاتِهِ، حَتَّى صَارَ لاَ يَخَافُ أَحَدٌ بِهَا بَعْدَ قطْعِ السُّبُلِ، وَارتدَّ جَمَاعَةٌ مِنْ مفسدِي الأَكرَادِ بِبَرَكَاتِهِ، وَعُمِّرَ حَتَّى انتفعَ بِهِ خَلْقٌ، وَانتشرَ ذِكْرُهُ، وَكَانَ مُعَلِّماً لِلْخيرِ، نَاصحاً، متشرِّعاً، شدِيداً فِي اللهِ، لاَ تَأْخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ، عَاشَ قَرِيْباً مِنْ ثَمَانِيْنَ سَنَةً، مَا بَلَغَنَا أَنَّهُ بَاعَ شَيْئاً وَلاَ اشْتَرَى، وَلاَ تلَبَّسَ بِشَيْءٍ مِنْ أَمرِ الدُّنْيَا، كَانَتْ لَهُ غُلَيْلَةٌ يَزْرَعُهَا بِالقَدُومِ فِي الجبلِ، وَيَحصدُهَا، وَيَتقَوَّتُ، وَكَانَ يَزرَعُ
__________
(1) سترد ترجمته برقم (261).
(2) سترد ترجمته برقم (246).
(3) سترد ترجمته برقم (224).
(*) الكامل في التاريخ 11 / 190 - 289، تاريخ إربل 1 / 114، 115، وفيات الأعيان 3 / 254، 255، الحوادث الجامعة: 271 - 274، بهجة الاسرار: 10، 150، المختصر 3 / 40، دول الإسلام 2 / 72، العبر 4 / 163، تتمة المختصر 2 / 100 - 103، مرآة الجنان 3 / 39، البداية والنهاية 12 / 243، روضة المناظر 12 / 68، الكواكب الدرية 2 / 93، النجوم الزاهرة 5 / 261، طبقات الشعراني 1 / 81، شذرات الذهب 4 / 179، جامع كرامات الأولياء 2 / 147، تاريخ العراق 3 / 36 - 38.
(4) نسبة إلى جبل الهكارية من أعمال الموصل.

(20/342)


القطنَ وَيَكْتَسِي مِنْهُ، وَلاَ يَأْكُلُ مِنْ مَالِ أَحَدٍ شَيْئاً.
وَكَانَتْ لَهُ أَوقَاتٌ لاَ يُرَى فِيْهَا مُحَافظَةً عَلَى أَورَادِهِ، وَقَدْ طُفْتُ مَعَهُ أَيَّاماً فِي سوَادِ المَوْصِلِ، فَكَانَ يُصَلِّي مَعَنَا العشَاءَ، ثُمَّ لاَ نَرَاهُ إِلَى الصُّبْحِ.
وَرَأَيْتُهُ إِذَا أَقْبَلَ إِلَى قَرْيَةٍ، يَتلقَّاهُ أَهْلُهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَسْمَعُوا كَلاَمَهُ تَائِبينَ، رِجَالُهُم وَنِسَاؤُهُم، إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللهُ مِنْهُم.
وَلَقَدْ أَتَيْنَا مَعَهُ عَلَى دَيرِ رُهبَانٍ، فَتَلَقَّانَا مِنْهُم رَاهِبَانِ، فَكشفَا رَأْسَيْهِمَا، وَقَبَّلاَ رِجْلَيْهِ، وَقَالاَ: ادْعُ لَنَا، فَمَا نَحْنُ إِلاَّ فِي بَرَكَاتِكَ.
وَأَخْرَجَا طبقاً فِيْهِ خُبْزٌ وَعَسَلٌ، فَأَكَلَ الجَمَاعَةُ.
وَخَرَجتُ إِلَى زِيَارَةِ الشَّيْخِ أَوّلَ مرَّةٍ، فَأَخَذَ يُحَدِّثُنَا، وَيَسْأَلُ الجَمَاعَةَ وَيُوَانِسهُم، وَقَالَ: رَأَيْتُ البَارِحَةَ فِي النَّوْمِ كَأَنَّنَا فِي الجَنَّةِ، وَنَحْنُ يَنْزِلُ عَلَيْنَا شَيْء كَالبَرَدِ، ثُمَّ قَالَ: الرَّحْمَةُ، فَنظرتُ إِلَى فَوْقَ رَأْسِي فَرَأَيْتُ نَاساً، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاَءِ؟
فَقِيْلَ: أَهْلُ السُّنَّةِ، وَالصِّيتُ لِلْحَنَابِلَةِ.
وَسَمِعْتُ شَخْصاً يَقُوْلُ لَهُ: يَا شَيْخ! لاَ بَأْسَ بِمُدَارَاةِ الفَاسِقِ؟
فَقَالَ: لاَ يَا أَخِي! دِينٌ مكتُوْمٌ، دِينٌ ميشومٌ.
وَكَانَ يُوَاصِلُ الأَيَّامَ الكَثِيْرَةَ عَلَى مَا اشْتُهِرَ عَنْهُ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ كَانَ يَعتقدُ أَنَّهُ لاَ يَأْكُلُ شَيْئاً قَطُّ، فَلَمَّا بلَغَهُ ذَلِكَ، أَخَذَ شَيْئاً وَأَكَلَهُ بِحضرَةِ النَّاسِ، وَاشْتُهِرَ عَنْهُ مِنَ الرِّيَاضَاتِ وَالسِّيَرِ وَالكَرَامَاتِ وَالانتِفَاعِ بِهِ مَا لَوْ كَانَ فِي الزَّمَانِ القَدِيْمِ، لَكَانَ أُحْدُوثَةً.
وَرَأَيْتُهُ قَدْ جَاءَ إِلَى المَوْصِلِ فِي السَّنَةِ الَّتِي مَاتَ فِيْهَا، فَنَزَلَ فِي مَشْهدٍ خَارِجَ المَوْصِلِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ السُّلْطَانُ وَأَصْحَابُ الولاَيَاتِ وَالمَشَايِخُ وَالعوَامُّ، حَتَّى آذوهُ مِمَّا يُقبِّلُوْنَ يَدَهُ، فَأُجْلِسَ فِي مَوْضِعٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ شُبَّاكٌ بِحَيْثُ لاَ يَصلُ إِلَيْهِ أَحَدٌ إِلاَّ رُؤْيَةً، فَكَانُوا يُسلِّمُوْنَ عَلَيْهِ وَيَنصرفُوْنَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى زَاوِيَتِهِ.
وَقَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (1) : أَصلُهُ مِنْ بَيْتِ فَار مِنْ بِلاَدِ بَعْلَبَكَّ، وَتوجَّهَ إِلَى
__________
(1) في " وفيات الأعيان " 3 / 254.

(20/343)


جبلِ الهَكَّارِيَّةِ، وَانقطعَ، وَبَنَى لَهُ زَاويَةً، وَمَال إِلَيْهِ أَهْلُ البِلاَدِ مَيْلاً لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ، وَسَارَ ذِكْرُهُ فِي الآفَاقِ، وَتَبِعَهُ خَلْقٌ، جَاوَزَ اعْتِقَادُهُم فِيْهِ الحدَّ، حَتَّى جَعَلُوْهُ قِبْلَتَهُم الَّتِي يُصلُّوْنَ إِلَيْهَا، وَذَخيرتَهُم فِي الآخِرَةِ، صَحِبَ الشَّيْخَ عَقِيلاً المَنْبِجِيَّ، وَالشَّيْخَ حَمَّاداً الدَّبَّاسَ، وَغَيْرَهُمَا، وَعَاشَ تِسْعِيْنَ سَنَةً، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ (1) وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ مُظَفَّرُ الدِّينِ صَاحِبُ إِرْبِل: رَأَيْتُ الشَّيْخَ عَدِيَّ بنَ مُسَافِرٍ وَأَنَا صَغِيْرٌ بِالمَوْصِلِ، وَهُوَ شَيْخٌ رَبْعَةٌ أَسْمَرُ اللَّوْنِ -رَحِمَهُ اللهُ (2) -.
قُلْتُ: نَقلَ الحَافِظُ الضِّيَاءُ، عَنْ شَيْخٍ لَهُ: أَنَّ وَفَاتَهُ كَانَتْ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ مِنَ السَّنَةِ.

234 - ابْنُ الحُطَيْئَةِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ اللَّخْمِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ هِشَامٍ اللَّخْمِيُّ، المَغْرِبِيُّ، الفَاسِيُّ، المُقْرِئُ، النَّاسخُ، ابْنُ الحُطَيْئَةِ.
مَوْلِدُهُ: بِفَاسٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
__________
(1) في " تاريخ إربل " أنه توفي سنة 555 ه، وفيها أورده في " البداية والنهاية ".
(2) انظر " تاريخ إربل " 1 / 115، و" وفيات الأعيان " 3 / 254، 255.
(*) إنباه الرواة 1 / 39، وفيات الأعيان 1 / 170، 171، معرفة القراء الكبار 2 / 422، 423، العبر 4 / 169، تلخيص ابن مكتوم: 11، الوافي بالوفيات 7 / 121، 122، غاية النهاية 1 / 71، النجوم الزاهرة 5 / 370، حسن المحاضرة 1 / 453، سلم الوصول: 89،
شذرات الذهب 4 / 188.
والحطيئة ضبطه ابن خلكان بضم الحاء المهملة وفتح الطاء المهملة وسكون الياء المثناة التحتية وبعد الهمزة هاء.
وقد ورد في بعض المصادر: " الحطية " بياء مشددة، وذكر محقق " العبر " 4 / 169 أنه ضبط في الأصل: " الحطئة "، وأن ما ورد في " النجوم الزاهرة " وهو " الحطيئة " غلط، بل هو الصواب.

(20/344)


وَحَجَّ، وَلَقِيَ الكِبَارَ، وَتَلاَ بِالسَّبْعِ عَلَى: أَبِي القَاسِمِ بنِ الفَحَّامِ الصَّقَلِّيِّ، وَغَيْرِهِ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الحَسَنِ بنُ مُشَرِّفٍ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الحَضْرَمِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَصَنِيعَةُ المُلْكِ ابْنُ حَيْدَرَةَ، وَشُجَاعُ بنُ مُحَمَّدٍ المُدْلِجِيّ، وَالأَثيرُ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بِنَانٍ - وَقرَأَ عَلَيْهِ - وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ اللَّمْطِيُّ (1) ، وَالنَّفِيْسُ أَسَعْدُ بنُ قَادوسٍ خَاتمَةُ أَصْحَابِهِ.
وَقَدْ دَخَلَ الشَّامَ، وَزَارَ وَسَكَنَ مِصْرَ، وَتَزَوَّجَ، وَكَانَ يَعيشُ مِنَ الوِرَاقَةِ، وَعلَّمَ زوجتَهُ وَبِنْتَهُ الكِتَابَةَ، فَكَتَبتَا مِثْلَهُ، فَكَانَ يَأْخذُ الكِتابَ، وَيَقسِمُهُ بَيْنَهُ وَبينهُمَا، فَيْنسخُ كُلٌّ مِنْهُمَا طَائِفَةً مِنَ الكِتَابِ، فَلاَ يُفرَّقُ بَيْنَ الخُطُوطِ إِلاَّ فِي شَيْءٍ نَادِرٍ، وَكَانَ مُقيماً بِجَامِعِ رَاشِدَةَ خَارِجَ الفُسْطَاطِ، وَلأَهْلِ مِصْرَ حَتَّى أُمرَائِهَا العُبَيْدِيَّةُ فِيْهِ اعْتِقَادٌ كَبِيْرٌ، كَانَ لاَ يَقبلُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئاً، مَعَ العِلْمِ وَالعملِ وَالخوفِ وَالإِخْلاَصِ (2) .
وَتَلاَ أَيْضاً بِالسَّبْعِ عَلَى أَبِي عَلِيٍّ بنِ بَلِّيمَةَ، وَعَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الحَضْرَمِيِّ.
وَأَحكَمَ العَرَبِيَّةَ وَالفِقْهَ، وَخَطُّهُ مرغوبٌ فِيْهِ، لإِتقَانِهِ وَبَرَكتِهِ.
وَقَدْ كَانَ حَصَلَ قَحطٌ بِمِصْرَ، فَبذلَ لَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَطَاءً، فَأَبَى وَقنِعَ،
__________
(1) نسبة إلى لمطة، بفتح اللام وسكون الميم، وهي أرض لقبيلة من البربر بأقصى المغرب. انظر " تاج العروس " 5 / 218.
(2) انظر " إنباه الرواة " 1 / 39، و" الوافي " 7 / 121، 122.

(20/345)


فَخطبَ الفَضْلُ بنُ يَحْيَى الطَّوِيْلُ إِلَيْهِ بِنْتَهُ، فَزوَّجَهُ، ثُمَّ طلبَ مِنْهُ أُمَّهَا لِتُؤنِسَهَا، فَفَعَل، فَمَا أَجْمَلَ تلطُّفَ هَذَا المَرْء فِي بِرِّ أَبِي العَبَّاسِ (1) ؟
قَالَ السِّلَفِيُّ: كَانَ ابْنُ الحطيئَةِ رَأْساً فِي القِرَاءاتِ، وَقَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي الطَّاهِرِ بنِ الأَنْمَاطِيِّ، قَالَ:
سَمِعْتُ شَيْخنَا شُجَاعاً المُدْلِجِيّ - وَكَانَ مِنْ خيَارِ عُبَّادِ اللهِ - يَقُوْلُ: كَانَ شَيْخُنَا ابْنُ الحطيئَةِ شدِيداً فِي دِينِ اللهِ، فَظّاً غليظاً عَلَى أَعْدَاءِ اللهِ، لَقَدْ كَانَ يَحضُرُ مَجْلِسَهُ دَاعِي الدُّعَاةِ (2) ، مَعَ عِظَمِ سُلْطَانِهِ، وَنُفوذِ أَمرِهِ، فَمَا يَحتشمُهُ وَلاَ يُكرِمُهُ، وَيَقُوْلُ: أَحْمَقُ النَّاسِ فِي مَسْأَلَةِ كَذَا وَكَذَا الرَّوَافضُ، خَالفُوا الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَكفرُوا بِاللهِ.
وَكُنْتُ عِنْدَهُ يَوْماً فِي مسجدِهِ بشرَفِ مِصْرَ، وَقَدْ حضَرَهُ بَعْضُ وُزرَاءِ المِصْرِيّينَ، أَظنُّهُ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَاسْتسقَى فِي مَجْلِسِهِ، فَأَتَاهُ بَعْضُ غِلمَانِهِ بِإِنَاء فِضَّةٍ، فَلَمَّا رَآهُ ابْنُ الحطيئَةِ، وَضَعَ يَدَهُ عَلَى فُؤَادِهِ، وَصرَخَ صرخَةً ملأَتِ المَسْجَدَ، وَقَالَ: وَاحرَّهَا عَلَى كبدِي! أَتَشْرَبُ فِي مَجْلِسٍ يُقرَأُ فِيْهِ حَدِيْثُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي آنِيَةِ الفِضَّةِ؟! لاَ وَاللهِ لاَ تَفْعَلْ.
وَطَردَ الغُلاَمَ، فَخَرَجَ وَطلبَ الشَّيْخُ كُوزاً، فَجِيْءَ بِكُوزٍ قَدْ تَثَلَّمَ، فَشرِبَ وَاسْتَحيَى مِنَ الشَّيْخِ، فَرَأَيْتُهُ -وَاللهِ- كَمَا قَالَ اللهُ: {يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيْغُهُ} [إِبراهِيمُ: 17].
قَالَ: وَأَتَى رَجُلٌ إِلَى شَيْخِنَا ابْنِ الحطيئَةِ بِمِئْزَرٍ، وَحَلَفَ بِالطَّلاَقِ ثَلاَثاً لاَ بُدَّ أَنْ يَقبَلَهُ.
فَوبَّخَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ: عَلِّقْهُ عَلَى ذَاكَ الوتَدِ.
فَلَمْ يَزَلْ عَلَى الوتدِ حَتَّى أَكَلَهُ العُثُّ، وَتَسَاقَطَ، وَكَانَ يَنسخُ بِالأُجْرَةِ، وَكَانَ لَهُ عَلَى
__________
(1) انظر " إنباه الرواة " 1 / 39، و" وفيات الأعيان " 1 / 170، و" الوافي " 7 / 122.
(2) وهو أبو القاسم هبة الله بن كامل المصري التنوخي، قاضي الخليفة العاضد، متوفى سنة 569، مترجم في الخريدة (قسم مصر) 1 / 186، والروضتين 1 / 224، و" العبر " 4 / 209، و" شذرات الذهب " 4 / 235.

(20/346)


الجِزْيَةِ فِي السَّنَةِ ثَلاَثَةُ دَنَانِيْرَ، وَلَقَدْ عرضَ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الأُمَرَاءِ أَنْ يَزِيْدَ جَامِكيَّتَهُ (1) فَمَا قَبِلَ، وَكَانَ لَهُ مِنَ الموقِعِ فِي قُلُوْبِهِم مَعَ كَثْرَةِ مَا يُهِينُهُم مَا لَمْ يَكُنْ لأَحدٍ سِوَاهُ، وَعَرَضُوا عَلَيْهِ القَضَاءَ بِمِصْرَ، فَقَالَ: وَاللهِ لاَ أَقضِي لَهُم ...
إِلَى أَنْ قَالَ شُجَاعٌ: وَكَتَبَ (صَحِيْحَ مُسْلِمٍ) كُلَّهُ بِقَلَمٍ وَاحِدٍ، وَسَمِعتُهُ وقِيْلَ لَهُ: فُلاَنٌ رُزِقَ نِعمَةً وَمَعدَةً، فَقَالَ: حَسَدُوْهُ عَلَى التَّردُّدِ إِلَى الخلاَءِ.
وَسَمِعته كَثِيْراً إِذَا ذُكِرَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُوْلُ: طُوِيَتْ سَعَادَةُ المُسْلِمِيْنَ فِي أَكْفَانِ عُمَرَ (2) .
وَذَكرنَا فِي (طَبَقَاتِ القُرَّاءِ (3)): أَنَّ النَّاسَ بَقُوا بِمِصْرَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ بِلاَ قَاضٍ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ، فَوَقَعَ اخْتيَارُ الدَّوْلَةِ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي العَبَّاسِ، فَاشترَطَ عَلَيْهِم شُرُوطاً صعبَةً، مِنْهَا: أَنَّهُ لاَ يَقضِي بِمَذْهَبِهِم، يَعْنِي: الرَّفْضَ، فَلَمْ يُجيبُوا إِلاَّ أَنْ يَقضِيَ عَلَى مَذْهَبِ الإِمَامِيَّةِ.
تلوتُ بِالسَّبْعِ مِنْ طرِيقِهِ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرٍ النَّحْوِيِّ، عَنِ الكَمَالِ العَبَّاسِيِّ، عَنْ شُجَاعٍ المُدْلِجِيّ، عَنْهُ.
وَقَرَأْتُ بِخَطِّ ابْنِ الأَنْمَاطِيِّ: قَالَ لِي شَيْخُنَا شُجَاعٌ:
كَانَ الشَّيْخُ أَبُو العَبَّاسِ قَدْ أَخَذَ نَفْسَهُ بِتقَلِيْلِ الأَكلِ، بِحَيْثُ بَلَغَ فِي ذَلِكَ إِلَى الغَايَةِ، وَكَانَ يَتَعَجَّبُ مِمَّنْ يَأْكُلُ ثَلاَثِيْنَ لُقْمَةً، وَيَقُوْلُ: لَوْ أَكلَ النَّاسُ مِنَ الضَّارِ مَا آكُلُ أَنَا مِنَ النَّافِعِ، مَا اعتلُّوا.
قَالَ: وَحَكَى لَنَا شُجَاعٌ: أَنَّ أَبَا العَبَّاسِ وُلِدَتْ لَهُ بِنْتٌ، فَلَمَّا كَبُرَتْ، أَقرَأَهَا بِالسَّبْعِ، وَقَرَأْتْ عَلَيْهِ (الصَّحِيْحَيْنِ) وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَكَتَبتِ
__________
(1) الجامكية: رواتب خدام الدولة. تعريب جامكي، وهو مركب من " جامه " أي قيمة، ومن " كي " وهو أداة النسبة.
أنظر " معجم الألفاظ الفارسية المعربة " لادي شير، ص 45.
(2) انظر " وفيات الأعيان " 1 / 171 و" الوافي " 7 / 122.
(3) 2 / 423.
وانظر " وفيات الأعيان " 1 / 171.

(20/347)


الكَثِيْرَ، وَتَعلَّمَتْ عَلَيْهِ كَثِيْراً مِنَ العِلْمِ، وَلَمْ يَنْظُرْ إِلَيْهَا قَطُّ، فَسَأَلتُ شُجَاعاً: أَكَانَ ذَلِكَ عَنْ قَصْدٍ؟
فَقَالَ: كَانَ فِي أَوِّلِ العمرِ اتِّفَاقاً؛ لأَنَّه كَانَ يَشتغلُ بِالإِقْرَاءِ إِلَى المَغْرِبِ، ثُمَّ يَدخلُ بَيْتَهُ وَهِيَ فِي مَهْدِهَا، وَتَمَادَى الحَالُ إِلَى أَنْ كَبُرَتْ، فَصَارَت عَادَةً، وَزَوَّجَهَا، وَدَخَلَتْ بَيْتهَا، وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَنْظُرْ إِلَيْهَا قَطُّ.
قُلْتُ: لاَ مدحَ فِي مِثْلِ هَذَا، بَلِ السُّنَّةُ بِخلاَفِهِ، فَقَدْ كَانَ سَيِّدُ البَشَرِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحملُ أُمَامَةَ بِنْتَ ابْنتِهِ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ (1) .
تُوُفِّيَ ابْنُ الحطيئَةِ -رَحِمَهُ اللهُ-: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ سِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقَبرُهُ بِالقَرَافَةِ ظَاهِرٌ يُزَارُ.

235 - الدَّارَانِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الحَسَنِ *
ابْنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ الكِنَانِيُّ، الدَّارَانِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ.
سَمَّعَهُ خَالُهُ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ النَّسَائِيُّ مِنْ: سَهْلِ بنِ بِشْرٍ الإِسْفَرَايِيْنِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَبِي الفَضْلِ بنِ الفُرَاتِ.
وَعَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَابْنُهُ، وَالمُسَلَّمُ المَازِنِيُّ، وَمُكْرمٌ، وَكَرِيْمَةُ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: لَمْ يَكُنِ الحَدِيْثُ مِنْ صنعَتِهِ.
تُوُفِّيَ: فِي جُمَادَى
__________
(1) أخرجه البخاري (516) و(5996) ومسلم (543) ومالك في " الموطأ " 1 / 170، وابن خزيمة (868) وأبو داود (917) و(918) و(919) و(920) والنسائي 2 / 45، و3 / 10.
(*) مشيخة ابن عساكر: ق 106 / 2.

(20/348)


الأُوْلَى، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
رَوَى كَثِيْراً مِنْ (سُنَنِ النَّسَائِيِّ الكَبِيْرِ) عَنِ الإِسْفَرَايِيْنِيِّ.

236 - الجَوَادُ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي مَنْصُوْرٍ الأَصْبَهَانِيُّ *
الوَزِيْرُ، الصَّاحبُ، المُلَقَّبُ بِالجَوَادِ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي مَنْصُوْرٍ الأَصْبَهَانِيُّ، وَزِيْرُ صَاحِبِ المَوْصِلِ زِنْكِي الأَتَابَكِ (1) .
وَلاَّهُ زِنْكِي نِيَابَةَ الرَّحبَةِ، وَنَصِيْبِيْن، وَاعتمدَ عَلَيْهِ.
وَكَانَ كَرِيْماً، نَبِيلاً، مُحبَّباً إِلَى الرَّعِيَّةِ، دَمِثَ الأَخلاَقِ، كَامِلَ الرِّئَاسَةِ، امْتَدَحَهُ القَيْسَرَانِيُّ بِهَذِهِ الكَلِمَةِ:
سَقَى اللهُ بِالزَّوْرَاءِ مِنْ جَانبِ الغَرْبِ ... مَهاً وَرَدَتْ مَاءَ الحَيَاةِ مِنَ القَلْبِ (2)
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (3) : كَانَ يُنفِّذُ فِي السَّنَةِ إِلَى الحَرَمَيْنِ مَا يَكفِي الفُقَرَاءَ، وَوَاسَى النَّاسَ فِي قَحطٍ حَتَّى افْتَقَرَ، وَبَاعَ بَقْيَارَهُ (4) ، وَأَجرَى المَاءَ إِلَى عرفَاتَ أَيَّامَ المَوْسِمِ، وَأَنشَأَ مَدْرَسَةً بِالمَدِيْنَةِ، ثُمَّ وَزَرَ لغَازِي بنِ زِنْكِي،
__________
(*) المنتظم 10 / 209، الكامل 11 / 306 - 310، مختصر تاريخ دولة آل سلجوق: 193 - 195، مرآة الزمان 8 / 153 - 156، وفيات الأعيان 5 / 143 - 147، المختصر 3 / 41 - 42، العبر 4 / 166، تتمة المختصر 2 / 105، الوافي بالوفيات 4 / 159 - 161، البداية والنهاية 12 / 248، 249، النجوم الزاهرة 5 / 365، شذرات الذهب 4 / 185.
(1) تقدمت ترجمته برقم (123).
(2) البيت في " الخريدة " 1 / 124 (قسم شعراء الشام)، و" وفيات الأعيان " 5 / 144 و" الوافي " 4 / 160 وفيها: " عين الحياة " بدل " ماء الحياة ".
(3) في " وفيات الأعيان " 5 / 144، 145.
(4) بقيار: كلمة فارسية، وهي عمامة كبيرة يعتمرها الوزراء والقضاة والكتاب.
انظر " تكملة المعاجم العربية " 1 / 407، و" معجم اسماء الالبسة " 84، 85 لدوزي.

(20/349)


ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ لأَخِيهِ مَوْدُوْدٍ، ثُمَّ إِنَّهُ اسْتكثَرَ إِقطَاعَهُ، وَثقُلَ عَلَيْهِ، فَسَجَنَهُ فِي سَنَةِ 558، فَمَاتَ مُضَيَّقاً عَلَيْهِ، فِي سَنَةِ تِسْعٍ، وَكَانَتْ جِنَازَتُهُ مَشْهُوْدَةً مِنْ ضجيجِ الضُّعَفَاءِ وَالأَيْتَامِ، وَدُفِنَ بِالمَوْصِلِ، ثُمَّ نُقِلَ بَعْدَ عَامٍ، فَدُفِنَ بِالمَدِيْنَةِ النَّبَوِيَّةِ.
ابْنُهُ:

237 - جَلاَلُ الدِّينِ عَلِيٌّ *
وَكَانَ ابْنُهُ جَلاَلٌ عَلِيٌّ أَحَدَ البُلَغَاءِ، دُوِّنَتْ رَسَائِلُهُ.
وَعَنْهُ: أَخَذَ مَجدُ الدِّينِ المُبَارَكُ بنُ الأَثِيْرِ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقَدْ وَزَرَ أَيْضاً.

238 - سَدِيدُ الدَّوْلَةِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ الشَّيْبَانِيُّ **
كَاتِبُ السِّرِّ لِلْخِلاَفَةِ، سَدِيدُ الدَّوْلَةِ، مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ رِفَاعَةَ الشَّيْبَانِيُّ، ابْنُ الأَنْبَارِيِّ.
أَقَامَ فِي كِتَابَةِ الإِنشَاءِ خَمْسِيْنَ سَنَةً، وَنَابَ فِي الوزَارَةِ، وَنُفِّذَ رَسُوْلاً إِلَى الشَّامِ، وَإِلَى خُرَاسَانَ.
وَكَانَ مِنْ نُبَلاَءِ الرِّجَالِ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الحَرِيْرِيِّ مُرَاسلاَتٌ قَدْ دُوِّنَتْ.
حَدَّثَ عَنْ: هِبَةِ اللهِ بنِ الحُصَيْنِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ.
أَخَذَ عَنْهُ: المُبَارَكُ بنُ النَّقُّوْرِ، وَغَيْرُهُ.
__________
(*) وفيات الأعيان 5 / 146.
(* *) المنتظم 10 / 206، الكامل 11 / 297، المختصر 3 / 41، العبر 5 / 165، 166، تتمة المختصر 2 / 104، الوافي بالوفيات 3 / 279، 280، البداية والنهاية 12 / 247، النجوم الزاهرة 5 / 364، شذرات الذهب 4 / 184.

(20/350)


وَعَاشَ: نَيِّفاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
حكَى أَنَّ الحَرِيْرِيَّ كَتَبَ إِلَيْهِ رُقعَةً، قَالَ: فَأَجبتُهُ:
أَهْلاً بِمَنْ أَهدَى إِلَيَّ صَحِيْفَةً ... صَافَحْتُهَا بِالرُّوحِ لاَ بِالرَّاحِ
وَتَبَلَّجَتْ فَتَأَرَّجَتْ نَفحَاتُهَا ... كَالمِسْكِ شِيْبَ نَسِيْمُهُ بِالرَّاحِ
فَكَتَبَ إِلَى جَوَابِ هَذِهِ: لَقَدْ صَدَقَتْ رُوَاةُ الأَخْبَارِ: أَنَّ معدِنَ الكِتَابَةِ الأَنبارُ.

239 - اللَّبَّادُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، أَبُو الحَسَنِ (1) عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي العَبَّاسِ الأَصْبَهَانِيُّ، اللَّبَّادُ.
سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ مَاجَه، وَرِزْقَ اللهِ التَّمِيْمِيَّ، وَرَجَاءَ بنَ قَوْلويه، وَالرَّئِيْسَ الثَّقَفِيَّ، وَأَبَا نَصْرٍ السِّمْسَارَ، وَلَهُ إِجَازَةٌ صَحِيْحَةٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ خَلَفٍ الأَدِيْبِ.
انتخبَ عَلَيْهِ مَعْمَرُ بنُ الفَاخرِ (جُزْءاً).
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ مَكِّيٍّ، وَأَهْلُ تِلْكَ الدِّيَارِ.
وَلَمْ يَقعْ لَنَا حَدِيْثُهُ مُتَّصِلاً.
وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: ابْنُ اللَّتِّيِّ، وَكَرِيْمَةُ، وَغَيْرُهُمَا.
تُوُفِّيَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ سِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ.
__________
(*) العبر 4 / 171، النجوم الزاهرة 5 / 370، شذرات الذهب 4 / 189.
(1) في " الشذرات ": أبو الحسين.

(20/351)


240 - البَزْرِيُّ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عِكْرِمَةَ *
الإِمَامُ، عَالِمُ أَهْلِ الجَزِيْرَةِ، أَبُو القَاسِمِ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عِكْرِمَةَ، ابْنُ البَزْرِيِّ الجَزَرِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
ارْتَحَلَ، وَأَخَذَ المَذْهَبَ عَنِ الغَزَالِيِّ، وَإِلْكِيَا (1) ، وَطَائِفَةٍ.
وَبَرَعَ فِي غَوَامضِ الفِقْهِ، وَتَخَرَّجَ بِهِ أَئِمَّةٌ.
وَلَهُ مُصَنَّفٌ كَبِيْرٌ، شرحَ فِيْهِ إِشكَالاَتِ (المُهَذَّبِ (2)).
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (3) : كَانَ أَحْفَظَ مَنْ بَقِيَ فِي الدُّنْيَا - عَلَى مَا يُقَالُ - لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَكَانَ يُلَقَّبُ بِزَيْنِ الدِّينِ جَمَالِ الإِسْلاَمِ، لَمْ يَدَعْ بِالجَزِيْرَةِ نَظيرَهُ.
تُوُفِّيَ: فِي أَحَدِ الرَّبِيْعَيْنِ، سَنَةَ سِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ تِسْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
وَهذه نِسبَةٌ إِلَى عَمَلِ البَزْرِ وَبيعِهِ، وَهُوَ اسْتخرَاجُ زَيْتِ الكَتَّانِ.

241 - الحَرَّانِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ **
العَدْلُ، الجَلِيْلُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ
__________
(*) معجم البلدان 2 / 138 (جزيرة ابن عمر)، الاستدراك لابن نقطة: باب البزري والبرزي، الكامل في التاريخ 11 / 321، وفيات الأعيان 3 / 444، 445، المختصر 3 / 42، 43، العبر 4 / 171، تتمة المختصر 2 / 106، مرآة الجنان 3 / 344، طبقات السبكي 7 / 251 - 253، طبقات الاسنوي 1 / 257، 258، النجوم الزاهرة 5 / 370، كشف الظنون، 2 / 1913، شذرات الذهب 4 / 189، هدية العارفين 1 / 784.
(1) هو بكسر الكاف وفتح الياء لفظ أعجمي يلقب به ومعناه: الكبير القدر، المقدم بين الناس، وهو لقب علي بن محمد بن علي الطبري الهراسي الشافعي المتوفى سنة 504 ه. تقدمت ترجمته في الجزء 19 برقم (207).
(2) للشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وشرح غريب ألفاظه وأسماء رجاله، سماه: " الاسامي والعلل من كتاب المهذب " انظر " وفيات الأعيان " 3 / 445.
(3) في " وفيات الأعيان " 3 / 445.
(* *) المنتظم 10 / 212، 213، العبر 4 / 171، الوافي بالوفيات 3 / 330 و340، =

(20/352)


الحَمِيْدِ الحَرَّانِيُّ، البَغْدَادِيُّ.
سَمِعَ: رِزْقَ اللهِ التَّمِيْمِيَّ، وَهِبَةَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الأَنْصَارِيَّ، وَطِرَاداً الزَّيْنَبِيَّ، وَبِأَصْبَهَانَ أَبَا الفَتْحِ الحَدَّادَ، وَجَمَاعَةً.
رَوَى عَنْهُ: بِنْتُهُ خَدِيْجَةُ، وَعَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ القُبَّيْطِيِّ، وَأَجَازَ لِلرَّشِيْدِ بنِ مَسْلَمَةَ.
وَلَهُ نَظْمٌ حَسَنٌ، أَلَّفَ كِتَاباً سَمَّاهُ (رَوْضَةَ الأُدبَاءِ).
وَكَانَ آخرَ مَنْ مَاتَ مِنْ شُهُوْدِ القَاضِي أَبِي الحَسَنِ بنِ الدَّامَغَانِيّ.
تُوُفِّيَ: فِي ثَانِي عشرَ جُمَادَى الأُوْلَى (1) ، سَنَةَ سِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

242 - ابْنُ الفَرَّاءِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي يَعْلَى البَغْدَادِيُّ *
شَيْخُ الحَنَابِلَةِ، المُفْتِي، القَاضِي، أَبُو يَعْلَى الصَّغِيْرُ، مُحَمَّدُ ابنُ أَبِي خَازِمٍ مُحَمَّدِ ابْنِ القَاضِي الكَبِيْرِ أَبِي يَعْلَى بنِ الفَرَّاءِ البَغْدَادِيُّ، مِنْ أَنْبَلِ الفُقَهَاءِ وَأَنْظَرِهِم.
تَخَرَّجَ بِهِ خَلْقٌ.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي الحَسَنِ بنِ العَلاَّفِ، وَالحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ التِّككيِّ، وَطَائِفَةٍ.
__________
= 341، البداية والنهاية 12 / 249، 250، النجوم الزاهرة 5 / 368، 369، كشف الظنون: 916، شذرات الذهب 4 / 189، هدية العارفين 2 / 94.
(1) في " المنتظم ": جمادى الآخرة.
(*) المنتظم 10 / 213، العبر 4 / 171، 172، ذيل طبقات الحنابلة 1 / 244 - 250، النجوم الزاهرة 5 / 370، الدر المنضد في رجال أحمد: ق 71 / 1، شذرات الذهب 4 / 190، هدية العارفين 2 / 94.

(20/353)


وَلِيَ قَضَاءَ وَاسِطَ مُدَّةً، ثُمَّ عُزِلَ، وَلَزِمَ الإِفَادَةَ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الفَتْحِ المَنْدَائِيُّ، وَابْنُ الأَخْضَرِ.
تُوُفِّيَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ سِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ سِتٌّ وَسِتُّوْنَ سَنَةً.
تَفقَّهَ: بِأَبِيْهِ، وَبعَمِّهِ أَبِي الحُسَيْنِ مُحَمَّدٍ.
وَقَدْ أَضَرَّ بِأَخَرَةٍ، وَكَانَ أَحَدَ الأَذكيَاءِ (1) .

243 - ابْنُ التِّلْمِيْذِ أَبُو الحَسَنِ هِبَةُ اللهِ بنُ صَاعِدٍ المَسِيْحِيُّ *
قِسِّيسُ النَّصَارَى، وَبُقرَاطُ وَقتِهِ، أَمِيْنُ الدَّوْلَةِ، أَبُو الحَسَنِ هِبَةُ اللهِ بنُ صَاعِدٍ المَسِيْحِيُّ، الطَّبِيْبُ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ (2) .
كَانَ كَثِيْرَ الأَمْوَالِ وَالتَّجَمُّلِ، وَعَاشَ أَرْبَعاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
مَاتَ: سَنَةَ سِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

244 - ابْنُ الصَّابُوْنِيِّ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ مُحَمَّدٍ المَالِكِيُّ **
المُقْرِئُ، الإِمَامُ، أَبُو الفَتْحِ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ
__________
(1) انظر مصنفاته في " ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 246، و" هدية العارفين " 2 / 94.
(*) معجم الأدباء 19 / 276 - 282، اخبار العلماء بأخبار الحكماء: 222 - 224، طبقات الاطباء لابن أبي أصيبعة 1 / 349 - 371، وفيات الأعيان 6 / 69 - 77، المختصر 3 / 45، العبر 4 / 172، تتمة المختصر 2 / 106، 107، الوافي خ 27 / 115 - 118، البداية والنهاية 12 / 250، شذرات الذهب 4 / 190، 191، هدية العارفين 2 / 505.
(2) انظرها في " معجم الأدباء " 19 / 278، 279، و" طبقات الاطباء " 2 / 371، و" هدية العارفين " 2 / 505.
وانظر بعض شعره في " وفيات الأعيان " و" طبقات الاطباء ".
(* *) الأنساب: (المالكي)، معجم البلدان 5 / 43، 44، اللباب 3 / 152، معرفة القراء الكبار 2 / 420، العبر 4 / 160، 161، غاية النهاية 1 / 481، النجوم الزاهرة 5 / 361، شذرات الذهب 4 / 177.

(20/354)


المَالِكِيُّ - مِنْ قَرْيَة المَالِكِيَّةِ (1) - البَغْدَادِيُّ، الصَّابُوْنِيُّ، أَبُوْهُ الخَفَّافُ الحَنْبَلِيُّ.
قرَأَ بِالعَشْرِ عَلَى: ابْنِ بَدْرَانَ، وَأَبِي العِزِّ القَلاَنسِيِّ.
وَسَمِعَ الكَثِيْرَ مِنَ: النِّعَالِيِّ، وَابْنِ البَطِرِ، وَثَابِتِ بنِ بُنْدَارَ، وَابْنِ الطُّيُوْرِيِّ.
رَوَى عَنْهُ: سِبْطُهُ عُمَرُ بنُ كَرَمٍ تِلْكَ (الأَرْبَعِيْنَ) المخرَّجَةِ لَهُ، وَابْنُ الأَخْضَرِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ ثَبْتاً، صَدُوْقاً، قَيِّماً بِمَعْرِفَةِ القِرَاءاتِ.
وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ: صَدُوْقٌ، صَالِحٌ، حَسَنُ السِّيْرَةِ بِكِتَابِ اللهِ، يَأْكُلُ مِنْ كَدِّ يَدِهِ، كَتَبْتُ عَنْهُ.
وَقَالَ لِي: وُلِدْتُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَكَانَ يَصنعُ خِفَافَ النِّسَاءِ.

245 - عَلِيُّ بنُ عَسَاكِرَ بنِ سُرُوْرٍ أَبُو الحَسَنِ المَقْدِسِيُّ *
الشَّيْخُ الأَمِيْنُ، المُعَمَّرُ، أَبُو الحَسَنِ المَقْدِسِيُّ، الخَشَّابُ، نَزِيْلُ دِمَشْقَ.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ فِي سَنَةِ سَبْعِيْنَ مِنَ: الفَقِيْهِ نَصْرٍ المَقْدِسِيِّ.
وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنْ: أَبِي عَبْدِ اللهِ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَبِي الحَدِيْدِ.
__________
(1) على الفرات بالعراق.
(*) مشيخة ابن عساكر: ق 147 / 1، العبر 4 / 152، 153، النجوم الزاهرة 5 / 329، شذرات الذهب 4 / 167، 168.

(20/355)


وَقَدِمَ دِمَشْقَ فِي تِجَارَةٍ، ثُمَّ سَكَنَهَا بَعْدَ اسْتيلاَءِ النَّصَارَى عَلَى بَيْتِ المَقْدِسِ.
وَكَانَ يَصحبُ الفَقِيْهَ نَصْرَ اللهِ المَصِّيْصِيَّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَابْنُهُ القَاسِمُ، وَأَبُو المَوَاهِبِ بنُ صَصْرَى، وَأَخُوْهُ أَبُو القَاسِمِ بنُ الحُسَيْنِ، وَجَمَاعَةٌ.
مَاتَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقَعَ لِي جُزءٌ مِنْ عَوَالِيْهِ.

246 - ابْنُ قَفَرْجَلٍ أَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ بنُ عَبْدِ البَاقِي البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ الثِّقَةُ، المُسْنِدُ، أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ عَبْدِ البَاقِي بنِ مُحَمَّدِ بنِ قَفَرْجَلَ البَغْدَادِيُّ، الذَّهَبِيُّ، القَطَّانُ، المُقْرِئُ، أَخُو الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَحْمَدَ بنِ المُبَارَكِ الَّذِي يَرْوِي عَنْ طِرَادٍ، وَمَاتَ قَبْلَ أَبِي القَاسِمِ بِعَشْرِ سِنِيْنَ.
وَأَبُو القَاسِمِ هَذَا سَمِعَ: عَاصِمَ بنَ الحَسَنِ، وَطِرَادَ بنَ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيَّ، وَرِزْقَ اللهِ التَّمِيْمِيَّ، وَالفَضْلَ بنَ أَبِي حربٍ الجُرْجَانِيَّ، وَأَبَا الغَنَائِمِ بنَ أَبِي عُثْمَانَ، وَأَبَا الفَضْلِ بنَ خَيْرُوْنَ، وَأَبَا طَاهِرٍ البَاقِلاَّنِيَّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَسَعْدُ بنُ طَاهِرٍ البَلْخِيُّ، وَزَيْدُ بنُ يَحْيَى البَيِّعُ، وَمُحَمَّدُ بنُ لَيْثٍ الوسْطَانِيُّ، وَعِدَّةٌ.
وَأَجَازَ لأَبِي الحَسَنِ بنِ المُقَيَّرِ.
وَكَانَ شَيْخاً مَسْتُوْراً، لاَ بَأْسَ بِهِ.
مَاتَ: فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَهُوَ فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ.
__________
(*) لم نعثر له على مصدر ترجمه.

(20/356)


وَقَعَ لِي مِنْ (المَحَامِلِيَّاتِ) مِنْ طرِيقِهِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: رَوَى لَنَا عَنْهُ: ابْنُ سُكَيْنَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ الأَخْضَرِ، وَثَابِتُ بنُ مُشَرِّفٍ، مَوْلِدُهُ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَمَاتَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ.

247 - ابْنُ الحُبُوبِيِّ حَمْزَةُ بنُ عَلِيِّ بنِ هِبَةِ اللهِ الثَّعْلَبِيُّ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، المُسْنِدُ، أَبُو يَعْلَى حَمْزَةُ بنُ عَلِيِّ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ حَسَنِ بنِ عَلِيٍّ الثَّعْلَبِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، البَزَّازُ، ابْنُ الحُبُوبِيِّ.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ بنَ أَبِي العَلاَءِ، وَأَبَا الفَتْحِ نَصْرَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ المَقْدِسِيَّ، وَسَهْلَ بنَ بِشْرٍ الإِسْفَرَايِيْنِيَّ.
سَمَّعَهُ عَمُّهُ أَبُو المَجْدِ مَعَالِي بنُ الحُبُوبِيِّ.
وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: لاَ بَأْسَ بِهِ (1) .
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَابْنُهُ، وَأَبُو المَوَاهِبِ بنُ صَصْرَى، وَأَخُوْهُ الحُسَيْنُ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَسَدٍ، وَابْنُهُ غَالِبٌ، وَحَمْزَةُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، وَابْنُهُ أَحْمَدُ بنُ حَمْزَةَ ابْنُ الحُبُوبِيِّ، وَمُكْرَمُ بنُ أَبِي الصَّقْرِ، وَأَبُو نَصْرٍ ابْنُ الشِّيْرَازِيِّ، وَكَرِيْمَةُ الزُّبَيْرِيَّةُ، وَهِيَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ.
__________
(*) مشيخة ابن عساكر: ق 58 / 2، الاستدراك لابن نقطة: باب الحبوبي والحني، المشتبه: 256، العبر 4 / 156، 157، النجوم الزاهرة 5 / 333، شذرات الذهب 4 / 174، تهذيب تاريخ دمشق لبدران 4 / 449.
والحبوبي بحاء مهملة مضمومة وموحدتين بينهما واو، تحرفت في " الشذرات " و" تهذيب تاريخ دمشق " إلى " الجبري ".
(1) انظر " تهذيب ابن عساكر " 4 / 449.

(20/357)


مَاتَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَدُفِنَ بِسَفْحِ قَاسيونَ.

248 - الأُقْلِيْشِيُّ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مَعَدِّ بنِ عِيْسَى *
العَلاَّمَةُ، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مَعَدِّ (1) بنِ عِيْسَى بنِ وَكيلٍ التُّجِيْبِيُّ، الأُقْلِيشِيُّ، الدَّانِي.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَتَفَقَّهَ بِأَبِي العَبَّاسِ بنِ عِيْسَى.
وَسَمِعَ مِنْ: صِهْرِهِ؛ طَارِقِ بنِ يَعيشَ، وَابْنِ الدَّبَّاغِ، وَبِمَكَّةَ مِنْ أَبِي الفَتْحِ الكَرُوْخِيّ، وَبِالثَّغْرِ مِنَ السِّلَفِيِّ.
وَلَهُ تَصَانِيْفُ مُمتعَةٌ (2) ، وَشعرٌ (3) ، وَفَضَائِلُ، وَيدٌ فِي اللُّغَةِ.
مَاتَ: بِقُوْصٍ (4) ، بَعْدَ الخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
(*) معجم البلدان 1 / 237، إنباه الرواة 1 / 136، 137، تكملة الصلة: 60 - 62، العبر 4 / 139، تلخيص ابن مكتوم: 23، الوافي بالوفيات 8 / 183، 184، الديباج المذهب 1 / 246، 247، النجوم الزاهرة 5 / 321، بغية الوعاة 1 / 392، نفح الطيب 2 / 598 - 600، سلم الوصل: 152، كشف الظنون: 171، 988، شذرات الذهب 4 / 154،
155، تاج العروس 4 / 340 (قلش)، إيضاح المكنون 1 / 451، 452، و2 / 316، هدية العارفين 1 / 85، معجم المطبوعات: 628، 629، شجرة النور الزكية 1 / 142، 143، تاريخ بروكلمان 6 / 276، 277 (النسخة العربية).
والاقليشي: نسبة إلى أقليش، وهي بلدة من أعمال طليطلة بالاندلس.
(1) في " معجم البلدان ": معروف.
(2) طبع منها كتاب " النجم من كلام سيد العرب والعجم " بالقاهرة سنة 1302 ه.
وانظر بقية تصانيفه في " الديباج المذهب " و" نفح الطيب " و" هدية العارفين " وانظر النسخ الخطية لبعضها في " تاريخ بروكلمان " 6 / 276، 277.
(3) انظر " إنباه الرواة " 1 / 137، و" نفح الطيب " 2 / 599، 600.
(4) وقيل: مات بمكة، كما في " إنباه الرواة " وقوص: مدينة كبيرة في صعيد مصر.

(20/358)


249 - ابْنُ التُّرَيْكِيِّ أَبُو المُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُسْنِدُ، العَدْلُ، خَطِيبُ جَامِعِ المَهْدِيِّ، أَبُو المُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ، المَعْرُوفُ: بِابْنِ التُّرَيْكِيِّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي نَصْرٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَعَاصِمِ بنِ الحَسَنِ، وَرِزْقِ اللهِ التَّمِيْمِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ هَارُوْنَ الحِلِّيِّ، وَأَبُو الفَرَجِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الوَاسِطِيُّ التَّاجِرُ، وَعَبْدُ السَّلاَمِ بنُ سُكَيْنَةَ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي المُظَفَّرِ الحَنَفِيُّ، مُدَرِّسُ النَّفِيْسِيَّةِ، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ: فِي نِصْفِ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

250 - الغَانِمِيُّ أَبُو المَحَاسِنِ مَسْعُوْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَانِمٍ **
الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، العَابِدُ، الأَدِيْبُ، أَبُو المَحَاسِنِ مَسْعُوْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَانِمِ بنِ مُحَمَّدٍ الغَانِمِيُّ، الهَرَوِيُّ.
__________
(*) الأنساب 3 / 51، المنتظم 10 / 197، اللباب 1 / 215، المشتبه: 69، العبر 4 / 159، ذيل طبقات الحنابلة 1 / 238، تبصير المنتبه 1 / 145، النجوم الزاهرة 5 / 333، الدر المنضد في رجال أحمد: ق 70 / 2، شذرات الذهب 4 / 175.
والتريكي بلفظ تصغير الترك، تحرفت في " الشذرات " إلى " النويلي "، وفي " طبقات " ابن رجب إلى " البرمكي ".
(* *) الأنساب 9 / 120، التحبير 2 / 301، 302، الاستدراك لابن نقطة: باب الغانمي والقائمي، اللباب: 2 / 374، الجواهر المضية 2 / 170، 171.

(20/359)


وُلِدَ: بِطُوْسَ (1) ، فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ (2) وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَأَجَازَ لَهُ: الإِمَامَانِ أَبُو القَاسِمِ القُشَيْرِيُّ، وَأَبُو صَالِحٍ المُؤَذِّنُ.
وَسَمِعَ: أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيَّ، وَطَائِفَةً.
وَسَمِعَ (مُسْنَدَ الهَيْثَمِ الشَّاشِيِّ) مِنْ أَبِي القَاسِمِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الخَلِيْلِيّ.
وَعَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَالتَّاجُ المَسْعُوْدِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ السَّمْعَانِيِّ.
سَمِعَ مِنْهُ عَبْدُ الرَّحِيْمِ: (مُسْنَدَ الشَّاشِيِّ)، وَ(رِسَالَةَ القُشَيْرِيِّ).
قَالَ أَبُو سَعْدٍ (3) : كَانَ إِمَاماً، وَرِعاً، كَثِيْرَ العِبَادَةِ، تَورَّعَ عَنْ طَعَامِ وَالِدِهِ لاختلاَطِهِ بِالدَّوْلَةِ، وَعُمِّرَ فِي الطَّاعَةِ، وَكَانَ سَرِيعَ النَّظْمِ، مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

251 - الطَّائِيُّ أَبُو الفُتُوْحِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الصَّالِحُ، الوَاعِظُ، المُحَدِّثُ، أَبُو الفُتُوْحِ مُحَمَّدُ ابنُ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ الطَّائِيُّ، الهَمَذَانِيُّ، صَاحِبُ (الأَرْبَعِيْنَ) المَشْهُوْرَةِ (4) .
__________
(1) في " الأنساب ": ولد بنيسابور ونشأ بطوس، وفي " التحبير " على العكس: ولد بطوس ونشأ بنيسابور.
(2) في " الجواهر المضية ": أربع وعشرين.
(3) في " التحبير " 2 / 301.
(*) العبر 4 / 159، الوافي بالوفيات 1 / 144، مرآة الجنان 3 / 310، طبقات السبكي 6 / 188، 189، طبقات الاسنوي 2 / 172، 173، النجوم الزاهرة 5 / 333، كشف الظنون: 56، شذرات الذهب 4 / 175، هدية العارفين 2 / 93، تاريخ بروكلمان 6 / 247.
(4) قال حاجي خليفة: ذكر فيه أنه أملى أربعين حديثا من مسموعاته عن أربعين شيخا، كل حديث عن واحد من الصحابة، فذكر ترجمته وفضائله، وأورد عقيب كل حديث بعض ما =

(20/360)


وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، بِهَمَذَانَ.
سَمِعَ: فَيْدَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّعرَانِيَّ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ حَمْدٍ الدُّونِيَّ، وَظرِيفَ بنَ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُوْرِيَّ، وَالأَدِيْبَ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي العَبَّاسِ الأَبيوردِيَّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ الحَسَنِ السَّنْجَبَسْتِيَّ، وَعَبْدَ الغَفَّارِ بنَ مُحَمَّدٍ الشِّيرَوِيَّ، وَالعَلاَّمَةَ أَبَا المَحَاسِنِ الرُّويَانِيَّ، وَأَبَا القَاسِمِ بنَ بيَانٍ الرَّزَّازَ، وَشِيرويه الدَّيلمِيَّ، وَابْنَ طَاهِرٍ المَقْدِسِيَّ، وَمُحْيِي السُّنَّةِ البَغَوِيَّ، وَتَاجَ الإِسْلاَمِ أَبَا بَكْرٍ السَّمْعَانِيَّ، وَتَفَقَّهَ عَلَيْهِمَا بِمَرْوَ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ يَرْجِعُ إِلَى نَصِيْبٍ مِنَ العُلُوْمِ؛ فِقهٍ، وَحَدِيْثٍ، وَأَدبٍ، وَوَعظٍ، حضَرْتُ وَعظَهُ بِهَمَذَانَ، فَاسْتحسنْتُهُ (1) .
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ البَنَّاءِ الصُّوْفِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ الزَّبِيْدِيِّ (2) ، وَأَخُوْهُ الحَسَنُ، وَأَبُو المُنَجَّا بنُ اللَّتِّيِّ، وَجَمَاعَةٌ سَمِعُوا مِنْهُ بِبَغْدَادَ.
تُوُفِّيَ: بِهَمَذَانَ، فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: مُؤرِّخُ دِمَشْقَ العَمِيدُ حَمْزَةُ بنُ أَسَدٍ التَّمِيمِيُّ ابْنُ القَلاَنسِيِّ (3) ، وَحَمْزَةُ بنُ عَلِيِّ ابْنُ الحُبُوبِيِّ (4) ، وَالفَائِزُ عِيْسَى بنُ الظَّافرِ خَلِيْفَةُ العُبَيْدِيَّةِ وَلَهُ عشرُ سِنِيْنَ (5) ، وَأَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ المُقْتَفِي (6) ، وَالشَّيْخُ
__________
= اشتمل عليه من الفوائد، وشرح غريبه، وسماه " الأربعين في إرشاد السائرين إلى منازل اليقين ".
" كشف الظنون " 1 / 56.
(1) انظر نص السمعاني في " طبقات " السبكي 6 / 189.
(2) بفتح الزاي كما في " تبصير المنتبه " 2 / 654.
(3) سترد ترجمته برقم (262).
(4) تقدمت ترجمته برقم (247).
(5) مرت ترجمته في الجزء الخامس عشر برقم (77).
(6) سترد ترجمته برقم (273).

(20/361)


مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الزَّبِيْدِيُّ الوَاعِظُ (1) ، وَأَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ البُخَارِيُّ الصَّابُوْنِيُّ (2) ، وَمَسْعُوْدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ الحُصَيْنِ الشَّيْبَانِيُّ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّوْسِيُّ ابْنُ تَاجِ القُرَّاءِ، وَأَبُو المُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ ابْنُ التُّرَيْكِيِّ (3) .

252 - سَنْجَرُ بنُ مَلِكْشَاه بنِ أَلْبَ أَرْسَلاَنَ الغُزِّيُّ *
السُّلْطَانُ، مَلِكُ خُرَاسَانَ، مُعِزُّ الدِّيْنِ سَنْجَرُ ابْنُ السُّلْطَانِ مَلِكْشَاه بنِ أَلب أَرْسَلاَن بنِ جغرِيبَك بنِ مِيكَائِيْلَ بنِ سَلْجُوْقٍ الغُزِّيّ، التركِي، السَّلْجُوْقِيّ، صَاحِب خُرَاسَانَ وَغَزْنَة وَبَعْض مَا وَرَاء النَّهْر.
خُطِب لَهُ بِالعِرَاقِ وَأَذْرَبِيْجَانَ وَالشَّامِ وَالجَزِيْرَةِ وَديَارِ بكر وَأَرَّان وَالحَرَمَيْنِ.
وَاسْمُهُ بِالعربِي: أَبُو الحَارِثِ أَحْمَد بن حَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ.
كَذَا قَالَ السَّمْعَانِيُّ، لَكِن قَالَ فِي أَبِيْهِ: حسن - إِنْ شَاءَ اللهُ -.
وُلِدَ: بِسِنْجَارَ (4) مِنَ الجَزِيْرَة، فِي رَجَبٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، إِذْ
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (211).
(2) تقدمت ترجمته برقم (193).
(3) تقدمت ترجمته برقم (249).
(*) الأنساب 7 / 159 (السنجاري)، المنتظم 10 / 178، مختصر تاريخ دولة آل سلجوق: 236 - 259، الكامل 11 / 222، 223، وفيات الأعيان 2 / 427، 428، المختصر 3 / 33، العبر 4 / 147، 148، دول الإسلام 2 / 69، تتمة المختصر 2 / 92، الوافي بالوفيات 15 / 471، 472، البداية والنهاية 12 / 237، تاريخ ابن خلدون 5 / 56 و64 و70 و74 73، تبصير المنتبه 2 / 697، النجوم الزاهرة 5 / 326، 327، شذرات الذهب 4 / 161، 162، تاج العروس 3 / 280 (سنجار)، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 333.
(4) فقيل له: سنجر باسم هذا البلد على ما جرت به عادة الاتراك، فإنهم يسمون أولادهم بأسماء المواضع.
انظر " الأنساب " 7 / 159 و" وفيات الأعيان " 2 / 428.

(20/362)


تَوجّه أَبُوْهُ لِغزوِ الرُّوْم، وَنَشَأَ بِبلاَد الخوزِ، ثُمَّ سَكَنَ خُرَاسَانَ، وَتَديَّر مَرْو.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (1) : وَلِي نِيَابَةً عَنْ أَخِيْهِ السُّلْطَان بَرْكِيَارُوْق سَنَة تِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، ثُمَّ اسْتَقلَّ بِالملك فِي سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ فِي أَيَّامِ أَخِيْهِ يُلَقَّبُ بِالملك المُظَفَّر إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ أَخُوْهُ مُحَمَّد (2) بِالعِرَاقِ، فِي آخِرِ سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ، فَتسلطن، وَرِثَ الْملك عَنْ آبَائِهِ، وَزَادَ عَلَيْهِم، وَملك البِلاَد، وَقهر العبَاد، وَخُطِبَ لَهُ عَلَى أَكْثَر مَنَابِر الإِسْلاَم.
وَكَانَ وَقُوْراً حَيِيّاً، كَرِيْماً سخياً، مُشفِقاً، نَاصحاً لِرَعيَّتِهِ، كَثِيْر الصَّفْحِ، جَلَسَ عَلَى سَرِيرِ الْملك قَرِيْباً مِنْ سِتِّيْنَ سَنَةً.
قَال: وحكَى وَأَنَّهُ دَخَلَ مَعَ أَخِيْهِ مُحَمَّد عَلَى المُسْتظهر بِاللهِ، قَالَ: فَلَمَّا وَقفنَا ظَنَّنِي السُّلْطَان، فَافْتَتَحَ كَلاَمه مَعِي، فَخَدَمْتُ، وَقُلْتُ: يَا مَوْلاَنَا، هُوَ السُّلْطَان، وَأَشرتُ إِلَى أَخِي، فَفَوض إِلَيْهِ السّلطنَة، وَجَعَلنِي وَلِيّ عَهْدِهِ (3) .
أَجَازَ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ المَدِيْنِيّ لسَنْجَر مَسْمُوْعَاته، فَقَرَأْت عَلَيْهِ بِهَا أَحَادِيْث، وَقَدْ ثقل سَمْعُهُ.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (4) : حَارب سَنْجَر الغُزَّ -يَعْنِي: قَبْلَ سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ- فَأَسَرُوهُ، ثُمَّ تَخَلَّص بَعْد مُدَّة.
وَقَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (5) : كَانَ مِنْ أَعْظَمِ المُلُوْكِ هِمَّة، وَأَكْثَرهِم عَطَاء،
__________
(1) في " وفيات الأعيان " 2 / 428.
(2) مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (293).
(3) انظر " المنتظم " 10 / 178.
(4) في " المنتظم " 10 / 178.
(5) في " وفيات الأعيان " 2 / 427.

(20/363)


ذكر أَنَّهُ اصْطَبَحَ خَمْسَة أَيَّام مُتوَالِيَة، ذهب بِهَا فِي الجُود كُلَّ مَذْهَبٍ، فَبَلَغَ مَا وَهب مِنَ العَيْنِ سَبْع مائَة أَلْف دِيْنَار سِوَى الْخلْع وَالخيل.
قَالَ (1) : وَقَالَ خَازِنُهُ: اجْتَمَع فِي خَزَائِنه مِنَ الأَمْوَال مَا لَمْ يُسْمَعْ أَنَّهُ اجْتَمَع فِي خَزَائِن ملك، قُلْتُ لَهُ يَوْماً: حَصَلَ فِي خَزَائِنك أَلف ثَوْب دِيبَاج أَطلس، وَأُحبُّ أَنْ تَرَاهَا.
فَسَكَتَ، فَأَبرزت جَمِيْعهَا، فَحَمِدَ الله، ثُمَّ قَالَ: يَقبح بِمثلِي أَنْ يُقَالَ: مَال إِلَى المَال.
وَأَذِنَ لِلأُمَرَاء فِي الدّخول، وَفرَّق عَلَيْهِم الثِّيَاب.
قَالَ: وَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ مِنَ الجَوَاهِر أَلف رَطْل وَنَيِّف، وَلَمْ يُسْمَعْ عِنْد ملك مَا يُقَارب هَذَا.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (2) : لَمْ فِي يَزل فِي ازديَادٍ إِلَى أَنْ ظَهرت عَلَيْهِ الغُزّ فِي سَنَةِ 548، وَهِيَ وَقْعَة مَشْهُوْرَة، اسْتُشْهِدَ فِيْهَا الفَقِيْه مُحَمَّد بن يَحْيَى، فَكسروهُ، وَانحل نِظَام ملكه، وَملكُوا نَيْسَابُوْر، وَقتلُوا خلقاً كَثِيْراً، وَأخذُوا السُّلْطَان (3) ، وَضَرَبُوا رقَاب عِدَّة مِنْ أُمَرَائِهِ، ثُمَّ قَبَّلُوا الأَرْض، وَقَالُوا: أَنْتَ سُلْطَاننَا.
وَبَقِيَ مَعَهُم مِثْل جندِي يَرْكُب اكديشاً، وَيَجوع وَقتاً، وَأَتَوْا بِهِ، فَدَخَلُوا مَعَهُ مَرْوَ، فَطَلَبَهَا مِنْهُ أَمِيْرُهُم بختيَار إِقطَاعاً، فَقَالَ: كَيْفَ يَصِيْر هَذَا؟! هَذِهِ دَار الْملك.
فَصفَى لَهُ، وَضحكُوا، فَنَزَلَ عَنِ الْملك، وَدَخَلَ إِلَى خَانْقَاه مَرْو، وَعملت الغُزّ مَا لاَ تَعْمَلُه الكُفَّارُ مِنَ العظَائِم، وَانضمت العَسَاكِر، فَمَلَّكُوا مَمْلُوْك سَنْجَرَ أَيَبَه، وَجَرَتْ مصَائِب عَلَى خُرَاسَانَ، فَبقِي فِي أَسرهِم ثَلاَث سِنِيْنَ وَأَرْبَعَة أَشْهُرٍ، ثُمَّ أُفلت مِنْهُم، وَعَاد إِلَى خُرَاسَانَ،
__________
(1) في " وفيات الأعيان " 2 / 427، 428، وانظر " مختصر تاريخ دولة آل سلجوق ": 251، 252.
(2) في " وفيات الأعيان " 2 / 428.
(3) إلى هنا ينتهي النص في " وفيات الأعيان " 2 / 428.

(20/364)


وَزَال بِمَوْتِهِ مُلْكُ بَنِي سَلْجُوْق عَنْ خُرَاسَان، وَاسْتَوْلَى عَلَى أَكْثَر مَمْلَكته خُوَارِزْم شَاه أُتْسِزُ (1) بن مُحَمَّدِ بنِ نوشتكين، وَمَاتَ أُتْسِز قَبْل سَنْجَر.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: مَاتَ فِي الرَّابِع وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَدُفِنَ فِي قُبَّةٍ بَنَاهَا، وَسَمَّاهَا دَار الآخِرَة.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (2) : لَمَّا جَاءَ خَبَرُ مَوْتِهِ إِلَى بَغْدَادَ، قُطِعَت خُطبته، وَلَمْ يُعقد لَهُ عَزَاء.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: تَسَلَّطن بَعْدَهُ ابْن أُخْته الخَاقَان مَحْمُوْد بن مُحَمَّدِ بنِ بغرَاجَان.
قُلْتُ: وَقَدْ عَمِلَ فِي أَثْنَاءِ دَوْلَته مَصَافّاً مَا سُمِعَ بِمِثْلِهِ أَبَداً مَعَ كَافِر ترك، انْكَسَرَ سَنْجَرُ فِيْهَا، وَقُتِلَ مِنْ جُنْده سَبْعُوْنَ أَلْفاً.

253 - أَبَقُ المَلِكُ المُظَفَّرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بُوْرِي بنِ طُغْتِكِيْنَ *
المَلِكُ المُظَفَّرُ، مُجِيْرُ الدِّيْنِ، أَبُو سَعِيْدٍ أَبَقُ، صَاحِبُ دِمَشْقَ وَابْنُ صَاحِبهَا جَمَالِ الدِّيْنِ مُحَمَّدِ بنِ تَاجِ المُلُوْكِ بُورِي بنِ طُغْتِكِيْنَ البَعْلَبَكِّيُّ المَوْلِد.
تَملك بَعْد أَبِيْهِ وَهُوَ حَدَثٌ، وَدبر الدَّوْلَة أَنُر الطُّغْتِكِيْنِيّ (3) وَالوَزِيْرُ ابْنُ
__________
(1) الذي تقدمت ترجمته برقم (215).
(2) في " المنتظم " 10 / 428.
(*) تاريخ ابن القلانسي: 306 - 328، الكامل 11 / 197، 198، مرآة الزمان 8 / 172، وفيات الأعيان 5 / 188، 189، العبر 4 / 185، 186، أمراء دمشق: 4، الوافي بالوفيات 6 / 188، النجوم الزاهرة 5 / 381، شذرات الذهب 4 / 211، 212، تهذيب تاريخ دمشق لبدران 2 / 320، معجم الأنساب: 46.
(3) الذي تقدمت ترجمته برقم (148).

(20/365)


الصُّوْفِيّ (1) ، فَلَمَّا مَاتَ أَنُر اسْتَقلَّ بِالملك مُجِيرُ الدِّيْنِ، ثُمَّ نَفَى الوَزِيْرَ إِلَى صَرْخَد، وَاسْتَوْزَرَ أَخَاهُ حَيْدَرَة مُدَّة، ثُمَّ قَتَلَهُ، وَقَدَّمَ عَلَى الجَيْش عَطَاء البَعْلَبَكِّيّ، ثُمَّ قَتَلَهُ، فَقصد نُوْر الدِّيْنِ دِمَشْق، وَعَامله أَهْلهَا، فَأَخَذَهَا بِالأَمَان، وَعوض مُجِيْر الدِّيْنِ بِحِمْصَ، فَأَقَامَ بِهَا، ثُمَّ أَمره نُوْر الدِّيْنِ بِالتَّحَوُّل إِلَى بَالِسَ، فَسَارَ إِلَيْهَا، ثُمَّ تركهَا، وَقَدِمَ عَلَى الخَلِيْفَة، فَأَعْطَاهُ خُبْز سَبْعِيْنَ فَارِساً إِلَى أَنْ مَاتَ بِبَغْدَادَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، كَهْلاً.

254 - عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ عَلِيِّ بنِ عَلَوِيٍّ الكُوْمِيُّ *
سُلْطَان المَغْرِبِ، الَّذِي يُلَقَّبُ بِأَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ، الكُوْمِيُّ، القَيْسِيُّ، المَغْرِبِيُّ.
مَوْلِدُهُ: بِأَعْمَال تِلِمْسَان، وَكَانَ أَبُوْهُ يَصنع الفخَار.
قِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ - أَعنِي عَبْد المُؤْمِنِ -: إِنَّمَا نَحْنُ مِنْ قَيْس غَيْلاَن بن مُضَرَ بن نِزَارٍ، وَلكُومِيَة (2) عَلَيْنَا حقُّ الولاَدَة، وَالمنشَأُ فِيهِم، وَهُم أَخوَالِي (3) .
__________
(1) الذي تقدمت ترجمته برقم (158).
(*) الكامل 11 / 291، 292، المعجب: 284 - 303 و327 - 344، مرآة الزمان 8 / 151، 152، وفيات الأعيان 3 / 237 - 241، المختصر 3 / 40، دول الإسلام 2 / 73، العبر 4 / 165، تتمة المختصر 2 / 104، البداية والنهاية 12 / 246، 247، الحلل الموشية: 107 - 119، بغية الرواد 1 / 87، تاريخ ابن خلدون 6 / 229، النجوم الزاهرة 5 / 363، 364، جذوة الاقتباس: 272، نفح الطيب 1 / 442، شذرات الذهب 4 / 183، الخلاصة النقية: 55، الاستقصا 2 / 99 - 145، معجم الأنساب: 113، أخبار المهدي: 21.
(2) وهي قبيلة صغيرة نازلة بساحل البحر من أعمال تلمسان.
انظر " وفيات الأعيان " 3 / 240، وانظر نسبها في " الاستقصا " 2 / 99.
(3) انظر " المعجب " 288.

(20/366)


وَكَانَ الخُطَبَاء إِذَا دَعَوا لَهُ بَعْد ابْنِ تُوْمَرْت، قَالُوا: قَسِيمه فِي النَّسَبِ الكَرِيْم (1) .
مَوْلِده: سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ (2) .
وَكَانَ أَبْيَضَ جَمِيْلاً، ذَا جِسْم عَمَمٍ (3) ، تَعلُوْهُ حُمْرَة، أَسود الشّعر، مُعْتَدِل القَامَة، جَهورِي الصَّوْت، فَصِيْحاً جزل الْمنطق، لاَ يَرَاهُ أَحَد إِلاَّ أَحَبّه بَدِيهَة، وَكَانَ فِي كِبَرِهِ شَيْخاً وَقُوْراً، أَبيض الشّعر، كَثّ اللِّحْيَة، وَاضِح بيَاضِ الأَسْنَان، وَكَانَ عَظِيْمَ الهَامَة، طَوِيْل القعدَة، شَثن الكَفّ، أَشهل الْعين، عَلَى خَدّه الأَيْمَن خَالٌ.
يُقَالُ: كَانَ فِي صِبَاهُ نَائِماً، فَسَمِعَ أَبُوْهُ دوياً، فَإِذَا سَحَابَة سَمْرَاء مِنَ النَّحْل قَدْ أَهوت مُطْبِقَةً عَلَى بَيْتِهِ، فَنَزَلت كُلّهَا عَلَى الصَّبيّ، فَمَا اسْتيقظ، فَصَاحت أُمّه، فَسكنهَا أَبُوْهُ، وَقَالَ: لاَ بَأْسَ، لَكِنِّي مُتَعَجب مِمَّا تدل عَلَيْهِ، ثُمَّ طَارت عَنْهُ، وَقَعَدَ الصَّبيّ سَالِماً، فَذَهَبَ أَبُوْهُ إِلَى زَاجر، فَذَكَر لَهُ مَا جرَى، فَقَالَ: يُوشك أَنْ يَكُوْنَ لابنِكَ شَأْن، يَجتمع عَلَيْهِ طَاعَة أَهْل المَغْرِب (4) .
وَكَانَ مُحَمَّدُ بنُ تُوْمَرْت (5) قَدْ سَافر فِي حُدُوْدِ الخَمْس مائَة إِلَى المَشْرِق، وَجَالَس العُلَمَاء، وَتزَهَّد، وَأَقْبَلَ عَلَى الإِنْكَار عَلَى الدَّوْلَة بِالإِسْكَنْدَرِيَّة وَغَيْرهَا، فَكَانَ يُنفَى وَيُؤذَى، فَفِي رَجْعته إِلَى إِفْرِيْقِيَة هُوَ وَرفِيقُه
__________
(1) " المعجب " 288.
(2) قال ابن خلكان: وقيل: إن ولادته سنة خمس مئة. وقيل: سنة تسعين وأربع مئة. " وفيات الأعيان " 3 / 239.
(3) في " القاموس ": العمم محركة: عظم الخلق في الناس وغيرهم.
(4) انظر " وفيات الأعيان، 3 / 237، 238، و" الاستقصا " 2 / 99.
(5) الذي مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (318).

(20/367)


الشَّيْخ عُمَر الهِنْتَاتِيّ (1) صَادفَ عَبْد المُؤْمِنِ، فَحَدثه وَوَانسه، وَقَالَ: إِلَى أَيْنَ تُسَافر؟
قَالَ: أَطلب العِلْم.
قَالَ: قَدْ وَجَدْتَ طَلِبَتَكَ.
فَفَقهه، وَصحبه، وَأَحَبّه، وَأَفضَى إِلَيْهِ بِأَسرَاره لِمَا رَأَى فِيْهِ مِنْ سِمَاتَ النّبل، فَوَجَد همَّته كَمَا فِي النَّفْس.
فَقَالَ ابْنُ تُوْمَرْتَ يَوْماً لخوَاصه: هَذَا غَلاَّب الدُّول.
وَمَضَوا إِلَى جبل تِيْنمَلّ (2) بِأَقْصَى المَغْرِب، فَأَقْبَل عَلَيْهِم البَرْبَر، وَكثرُوا، وَعَسْكَرُوا، وَشَقُّوا العصَا عَلَى ابْنِ تَاشفِيْن، وَحَاربوهُ مَرَّات، وَعظم أَمرهُم، وَكثرت جُمُوْعهُم، وَاسْتفحل أَمرهُم، وَخَافتهُم المُلُوْك، وَآل بِهِم الحَال إِلَى الاسْتيلاَء عَلَى المَمَالِك، وَلَكِن مَاتَ ابْنُ تُوْمَرْتَ قَبْل تَمكُّنِهِم فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَكَانَتْ وَقْعَة البُحَيْرَة بِظَاهِر مَرَّاكُش بَيْنَ ابْن تَاشفِيْن صَاحِب المَغْرِب وَبَيْنَ أَصْحَاب ابْن تُوْمَرْت فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ، فَانْهَزَم فِيْهَا الموحدُوْنَ، وَاسْتَحَرَّ بِهِم الْقَتْل، وَلَمْ يَنج مِنْهُم إِلاَّ نَحْو مِنْ أَرْبَع مائَة مقَاتل، وَلَمَّا تُوُفِّيَ ابْنُ تُوْمَرْتَ، كتمُوا مَوْتَه، وَجَعَلُوا يَخْرُجُوْنَ مِنَ البَيْت، وَيَقُوْلُوْنَ: قَالَ المَهْدِيّ كَذَا، وَأَمر بِكَذَا، وَبَقِيَ عَبْد المُؤْمِنِ يُغِير فِي عَسْكَره عَلَى القرَى، وَيَعيشُوْنَ مِنَ النّهب، وَضَعف أَمرهُم، وَكَذَلِكَ اخْتلف جَيْش ابْن تَاشفِيْن الَّذِيْنَ يُقَالُ لَهُم: المُرَابِطُوْنَ، وَيُقَالُ: لَهُم الملثمُوْنَ، فَخَامر مِنْهُم الفلاَكِيُّ مِنْ كِبَارهِم، وَسَارَ إِلَى عَبْدِ المُؤْمِنِ، فَتلقَّاهُ بِالاحْتِرَامِ، وَاعتضد بِهِ، فَلَمَّا كَانَ بَعْد خَمْسَة أَعْوَام، أَفصحُوا بِمَوْتِ ابْنِ تُوْمَرْت، وَلَقَّبُوا عَبْدَ المُؤْمِنِ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، وَصَارَت حُصُوْنُ الفلاَكِي لِلموحِّدين، وَأَغَارُوا عَلَى نوَاحِي أَغمَات وَالسوس الأَقْصَى، وَاسْتفحل بِهِم البَلاَء.
__________
(1) بكسر الهاء وسكون النون وبعد الالف تاء ثانية، نسبة إلى قبيلة كبيرة من البربر يقال لها: هنتاتة. " اللباب " 3 / 393.
(2) انظر " وفيات الأعيان " 5 / 55، و" معجم البلدان " 2 / 69.

(20/368)


وَقَالَ صَاحِب (الْمُعْجب) عَبْد الوَاحِدِ المَرَّاكُشِيُّ (1) : اسْتدعَى ابْن تُوْمَرْت قَبْل مَوْته الرِّجَال المُسَمَّين بِالجَمَاعَة وَأَهْلَ الخَمْسِيْنَ (2) وَالثَّلاَثَةَ عُمَر أَرتَاج (3) ، وَعُمَر إِيْنْتِي، وَعَبْدَ اللهِ بنَ سُلَيْمَانَ، فَحَمِدَ الله، ثُمَّ قَالَ:
إِنَّ اللهَ - سُبْحَانَهُ، وَلَهُ الْحَمد - مَنَّ عَلَيْكُم أَيَّتُهَا الطَّائِفَة بتَأْيِيْدِه، وَخصكم بِحقيقَةِ تَوحيدِه، وَقيض لَكُم منْ أَلفَاكُم ضُلاَّلاً لاَ تَهتدُوْنَ، وَعُمياً لاَ تُبصرُوْنَ، قَدْ فَشت فِيْكُم البِدَع، وَاسْتهوتكُم الأَبَاطيل، فَهدَاكُم الله بِهِ وَنَصَركُم، وَجَمَعكُم بَعْد الفُرقَة، وَرَفَعَ عَنْكُم سُلْطَان هَؤُلاَءِ المَارقينَ، وَسَيُورِّثُكُم أَرْضَهُم وَدِيَارَهُم، ذَلِكَ بِمَا كسبت أَيدِيهِم، فَجَدَّدُوا للهِ خَالِصَ نِيَّاتِكُم، وَأَرُوهُ مِنَ الشّكر قَوْلاً وَفعلاً مِمَّا يُزكِي بِهِ سعيكُم، وَاحذرُوا الفرقَة، وَكونُوا يَداً وَاحِدَة عَلَى عَدُوّكُم، فَإِنَّكُم إِنْ فَعَلتُم ذَلِكَ، هَابكُمُ النَّاس، وَأَسرعُوا إِلَى طَاعتكُم، وَإِنْ لاَ تَفْعَلُوا شَمَلكُم الذُّلّ، وَاحتقرتكُم العَامَّة، وَعليكُم بِمَزجِ الرَّأْفَة بِالغلظَة، وَاللينِ بِالعُنفِ، وَقَدِ اخْترنَا لَكُم رَجُلاً مِنْكُم، وَجَعَلْنَاهُ أَمِيْراً بَعْدَ أَنْ بلونَاهُ، فَرَأَينَاهُ ثَبْتاً فِي دِيْنِهِ، مُتَبَصِّراً فِي أَمره، وَهُوَ هَذَا - وَأَشَارَ إِلَى عَبْدِ المُؤْمِنِ - فَاسْمَعُوا لَهُ، وَأَطيعُوا مَا أَطَاع رَبّهُ، فَإِنْ بدل فَفِي المُوَحِّدِيْن بركَة وَخير، وَالأَمْر أَمر الله يُقلده مَنْ يَشَاء.
فَبَايَع القَوْمُ عَبْد المُؤْمِنِ، وَدَعَا لَهُم ابْن تُوْمَرْت.
وَقَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (4) : مَا اسْتَخلَفَه، بَلْ أَشَارَ بِهِ. قَالَ: فَأَوّل مَا أَخَذَ مِنَ
__________
(1) " المعجب ": 285 - 287.
(2) قال في " المعجب ": وهم كما ذكرنا من قبائل متفرقة لا يجمعهم إلا اسم المصامدة.
وانظر في " الاستقصا " 2 / 95، 96 كيف رتب ابن تومرت قومه، فمنهم أهل الدار، وأهل الجماعة، وأهل خمسين..الخ ووظيفة كل قسم منهم.
(3) كذا ضبط في الأصل بالراء المهملة والتا المثناة الفوقية. وفي " المعجب ": أزناج، بالزاي والنون.
(4) في " وفيات الأعيان " 3 / 239.

(20/369)


البِلاَد وَهرَانَ، ثُمَّ تِلِمْسَان، ثُمَّ فَاس، ثُمَّ سَلاَ، ثُمَّ سَبتَة، ثُمَّ حَاصر مَرَّاكُش أَحَدَ عشرَ شَهْراً، فَأَخَذَهَا فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَامتدّ ملكه، وَافتَتَح كَثِيْراً مِنَ الأَنْدَلُس، وَقصدته الشُّعَرَاء، وَلَمَّا قَالَ فِيْهِ التِّيْفَاشِيّ (1) قَصيدَتَه:
مَا هَزَّ عِطْفَيْهِ بَيْنَ البِيضِ وَالأَسَلِ ... مِثْلُ الخَلِيْفَةِ عَبْدِ المُؤْمِنِ بنِ عَلِي (2)
أَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ يَقتصر عَلَى هَذَا الْمطلع، وَأَمَرَ لَهُ بِأَلف دِيْنَار، وَانقطعت الدعوَة العَبَّاسِيَّة بِمَوْت أَمِيْر المُسْلِمِيْنَ عَلِيّ بن تَاشفِيْن وَوَلَده تَاشفِيْن، وَكَانَتْ دَوْلَة تَاشفِيْن ثَلاَث سِنِيْنَ.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ فِي (المِرْآةِ (3)): اسْتولَى عَبْد المُؤْمِنِ عَلَى مَرَّاكُش، فَقتل المُقَاتلَة، وَكفّ عَنِ الرَّعِيَّةِ، وَأَحْضَرَ اليَهُوْدَ وَالنَّصَارَى (4) ، وَقَالَ: إِنَّ المَهْدِيّ أَمرنِي أَنْ لاَ أُقرَّ النَّاس إِلاَّ عَلَى مِلَّة الإِسْلاَم، وَأَنَا مُخيِّرُكُم بَيْنَ ثَلاَث: إِمَّا أَنْ تُسلمُوا، وَإِمَّا أَنْ تلحقُوا بِدَارِ الحَرْب، وَإِمَّا القتلُ.
فَأَسْلَمَ طَائِفَة، وَلحقت أُخْرَى بِدَارِ الحَرْب، وَخَرَّب كَنَائِسهُم، وَعملهَا مَسَاجِد، وَأَلغَى الجِزْيَة، فَعل ذَلِكَ فِي جَمِيْع مَدَائِنِهِ، وَأَنفق بيُوت الأَمْوَال، وَصَلَّى فِيْهَا اقتدَاء بعلِيٍّ، وَلِيُرِي النَّاس أَنَّهُ لاَ يَكنِزُ المَال، وَأَقَامَ كَثِيْراً مِنْ معَالِم الإِسْلاَم مَعَ سيَاسَة كَامِلَة، وَنَادَى: مَنْ تَركَ الصَّلاَة ثَلاَثاً، فَاقتلُوْهُ.
وَأَزَال المُنْكَر، وَكَانَ يؤم بِالنَّاسِ، وَيَتلو فِي اليَوْمِ سُبْعاً، وَيلبس
__________
(1) في الأصل: التيتاشي، والمثبت من " وفيات الأعيان " وهي نسبة إلى تيفاش: من قرى قفصته بإفريقية.
وانظر " معجم البلدان " 2 / 66 و" الروض المعطار ": 146.
(2) انظر " الكامل " 11 / 244.
(3) ص 118 حوادث سنة 542.
(4) ما بين حاصرتين من " مرآة الزمان ".

(20/370)


الصُّوف الفَاخر (1) ، وَيَصُوْمُ الاثْنَيْنَ وَالخَمِيْسَ، وَيَقسم الفَيْء بِالشرع، فَأَحَبّوهُ.
قَالَ عزِيز فِي كِتَابِ (الْجمع): كَانَ عَبْدُ المُؤْمِنِ يَأْخذ الحَقّ إِذَا وَجب عَلَى وَلَدِهِ، وَلَمْ يَدع مشركاً فِي بِلاَده لاَ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِياً، فَجَمِيْع رَعيته مُسْلِمُوْنَ.
وَقَالَ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ عَلِيٍّ (2) : وَزر لَهُ أَوَّلاً عُمَر أَرتَاج (3) ، ثُمَّ رَفعه عَنِ الوزَارَة، وَاسْتَوْزَرَ أَبَا جَعْفَرٍ أَحْمَد بن عَطِيَّةَ الكَاتِب، فَلَمَّا أَخَذَ بِجَايَة، اسْتكتب مِنْ أَهْلهَا أَبَا القَاسِمِ القَالمِي، ثُمَّ فِي سَنَةِ 53 قتل ابْنَ عَطِيَّةَ، وَأَخَذَ أَمْوَاله، وَاسْتَوْزَرَ عَبْد السَّلاَمِ الكُوْمِيّ، ثُمَّ قَتَلَهُ سَنَة سَبْعٍ، وَاسْتَوْزَرَ ابْنه عُمَر، وَوَلَّى قَضَاءهُ ابْن جَبَل الوهرَانِي، ثُمَّ عَبْد اللهِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَالقِي، وَأَسَرَ يَحْيَى الصِّنْهَاجِيّ صَاحِب بِجَايَة، وَكَانَ هُوَ وَآبَاؤُه مِنْ بَقَايَا نوَاب بنِي عبيد الرَّافِضَّة، ثُمَّ أَحْسَن إِلَى يَحْيَى، وَصَيَّرَهُ مِنْ قوَاده، وَكَانَ عَبْدُ المُؤْمِنِ مُؤثراً لأَهْل العِلْمِ، مُحِباً لَهُم، وَيُجزل صِلاَتِهِم، وَسُمِّيت المصَامُدَّة بِالمُوَحِّدِيْنَ؛ لأَجْل خَوْض المَهْدِيّ بِهِم فِي علم الاعْتِقَاد وَالكَلاَمِ (4) .
وَكَانَ عَبْدُ المُؤْمِنِ رَزِيناً، وَقُوْراً، كَامِل السُّؤْدُد، سَرِيّاً، عَالِي الهِمَّة، خليقاً لِلإِمَارَة، وَاختلت أَحْوَال الأَنْدَلُس، وَتَخَاذل المُرَابِطُوْنَ، وَآثرُوا الرَّاحَة، وَاجترَأَ عَلَيْهِم الفِرَنْجُ، وَانْفَرَدَ كُلّ قَائِد بِمدينَةٍ، وَهَاجتْ عَلَيْهِم
__________
(1) كلمة " الفاخر " لم ترد في النسخة التي عندنا من " المرآة ".
(2) في " المعجب ": 290 وما بعدها.
(3) في " المعجب ": أزناج.
(4) ولم يكن أحد منهم في تلك الجهة يخوض في شيء منه قبل ابن تومرت. " المعجب ": 293.

(20/371)


الفِرَنْجُ، وَطَمِعُوا.
فَجَهَّزَ عَبْد المُؤْمِنِ عُمَر إِينتِي، فَدَخَلَ إِلَى الأَنْدَلُسِ، فَأَخَذَ الجَزِيْرَة الخَضْرَاء، ثُمَّ رُندَة، ثُمَّ إِشْبِيْلِيَة وَقُرْطُبَة وَغَرْنَاطَة، ثُمَّ سَارَ عَبْد المُؤْمِنِ بِجُيُوْشه، وَعدَى البَحْر مِنْ زقَاق سَبْتَة، فَنَزَلَ جبل طَارِق، وَسَمَّاهُ جبل الفَتْحِ، فَأَقَامَ أَشْهُراً، وَبَنَى هُنَاكَ قُصُوْراً وَمدينَة، وَوَفَدَ إِلَيْهِ كُبَرَاء الأَنْدَلُس، وَقَامَ بَعْض الشُّعَرَاء مُنشداً:
مَا لِلْعدَى جُنَّةٌ أَوقَى مِنَ الهَرَبِ ... أَيْنَ المفرُّ وَخيل الله فِي الطَّلَبِ؟
وَأَيْنَ يَذْهَب مَنْ فِي رَأْس شَاهقَةٍ* ؟ ... وَقَدْ رَمَتْهُ سِهَام الله بِالشُّهب
حَدِّثْ عَنِ الرُّوْم فِي أَقطَار أَنْدَلُس ... وَالبَحْرُ قَدْ ملأَ البَرَّيْنِ بِالعرب (1)
فَأُعْجَب بِهَا عَبْد المُؤْمِنِ، وَقَالَ: بِمِثْلِ هَذَا يُمدح الخُلَفَاء.
ثُمَّ أَمَّر عَلَى إِشْبِيْلِيَة وَلده يُوْسُف، وَعَلَى قُرْطُبَة أَبَا حَفْصٍ عُمَر أَينتِي، وَعَلَى غَرْنَاطَة عُثْمَانَ وَلَدَه، وَقرر بِالأَنْدَلُسِ جَيْشاً كثيفاً مِنَ المصَامدَة وَالعرب وَقبَائِل بنِي هِلاَل، وَكَانَ قَدْ حَارَبَهُم مُدَّة، وَظَفِرَ بِهِم، وَأَذلهُم، ثُمَّ كَاتَبَهُم وَلاَطفهُم، فَخدمُوا مَعَهُ، وَخلعَ عَلَيْهِم، وَكَانَ دُخُوْله إِلَى الأَنْدَلُسِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ، وَمِمَّا لاَطف بِهِ العربَ وَاسْتمَالَهُم قصيدَةٌ لَهُ، وَهِيَ:
أَقيمُوا إِلَى العليَاءِ هُوْجَ الرَّوَاحِلِ ... وَقُودُوا إِلَى الهيجَاءِ جُرْدَ الصَّوَاهلِ
وَقُومُوا لِنَصْرِ الدِّيْنِ قَوْمَةَ ثَائِرٍ ... وَشُدُّوا عَلَى الأَعْدَاءِ شَدَّةَ صَائِلِ
فَمَا العِزُّ إِلاَّ ظَهرُ أَجردَ سَابحٍ ... وَأَبيضُ مَأْثُوْرٌ وَلَيْسَ بِسَائِلِ (2)
__________
(1) الابيات مع المناسبة في " المعجب " 314، 315 وفيه " العبرين " بدل " البرين " وهي للشاعر الأصم المرواني ابن الطليق.
انظر سبب تسميته بابن الطليق في " المعجب " 315، 316.
(2) ورد هذا البيت في " المعجب " 329 في بيتين: فما العز إلا ظهر أجرد سابح * يفوت الصبا في شده المتواصل وأبيض مأثور كأن فرنده * على الماء منسوج وليس بسائل =

(20/372)


بنِي الْعم مِنْ عَليَا هِلاَل بن عَامِرٍ ... وَمَا جَمَعتْ مِنْ باسِلٍ وَابْنِ باسلِ
تَعَالَوا فَقَدْ شُدت إِلَى الغَزْو نِيَّة ... عواقبُهَا مَنْصُوْرَة بِالأَوَائِل
هِيَ الغَزْوَة الغرَاء وَالموعدُ الَّذِي ... تَنَجَّزَ مِنْ بَعْدِ المدَى المتطَاولِ
بِهَا نَفتح الدُّنْيَا بِهَا نبلغُ المنَى ... بِهَا نُنْصِف التّحقيقَ مِنْ كُلِّ بَاطِلِ
فَلاَ تَتَوَانَوْا فَالبِدَارُ غَنِيْمَة ... وَللمُدلِجِ السَّارِي صفَاءُ المنَاهلِ (1)
قَالَ عَبْدُ الوَاحِدِ المَرَّاكُشِيُّ (2) : حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ:
أَن عَبْد المُؤْمِنِ لَمَّا نَزل سَلاَ (3) - وَهِيَ عَلَى البَحْر الْمُحِيط، يَنْصبُّ إِلَيْهَا نَهْر عَظِيْم، وَيَمرّ فِي البَحْر - عَبَرَ النَّهْرَ، وَضُربت لَهُ خيمَة، وَجَعَلت جُيُوْشه تَعبر قَبيلَةً قبيلَةً، فَخر سَاجِداً، ثُمَّ رفع وَقَدْ بَلَّ الدمعُ لِحْيتَهُ، فَقَالَ: أَعْرف ثَلاَثَة وَرَدُوا هَذِهِ المَدِيْنَة، لاَ شَيْء لَهُم إِلاَّ رَغِيْفٌ وَاحِد، فَرَامُوا عُبُور هَذَا النَّهْر، فَبذلُوا الرَّغِيْف لِصَاحِب القَاربِ عَلَى أَنْ يُعَدِّي بِهِم، فَقَالَ: لاَ آخذُه إِلاَّ عَلَى اثْنَيْنِ.
فَقَالَ أَحَدهُم - وَكَانَ شَابّاً -: تَأَخُذُ ثِيَابِي وَأَنَا أَسبح.
فَفَعَل، فَكَانَ الشَّابّ كُلَّمَا أَعيَا، دنَا مِنَ القَاربِ، وَوَضَعَ يَده عَلَيْهِ يَسْتَرِيحُ، فَيَضرِبُه بِالمِجذَافِ، فَمَا عَدَّى إِلاَّ بَعْد جُهدٍ.
فَمَا شكَّ السَّامعُوْنَ أَنَّهُ هُوَ السَّابِحُ، وَالآخرَانِ ابْن تُوْمَرْت، وَعَبْد الوَاحِدِ الشَّرْقِيّ.
قَالَ (4) : ثُمَّ نَزل عَبْد المُؤْمِنِ مَرَّاكُش، وَأَقْبَلَ عَلَى البنَاء وَالغرَاس وَتَرْتِيْب ملكه، وَبسط العَدْل، وَبَقِيَ ابْنه عَبْد اللهِ بِبجَايَة يَشن الغَارَات عَلَى
__________
= قال في " القاموس ": وسيف مأثور: في متنه أثر، أو متنه حديد أنيث وشفرته حديد ذكر، أو هو الذي يعمله الجن.
(1) الابيات في " المعجب " 329، 330، مع ثلاثة أبيات أخرى قبل البيت الأخير.
(2) في " المعجب ": 331 وما بعدها.
(3) انظر " معجم البلدان " 3 / 231.
(4) في " المعجب " 332 - 336.

(20/373)


نَوَاحِي إِفْرِيْقِيَةَ، وَضَايقَ تُوْنُس، ثُمَّ حَاصرهَا مُدَّة، وَأَفسد مِيَاههَا، وَقطع أَشجَارهَا، وَبِهَا ابْن خُرَاسَان نَائِب صَاحِب صَقِلِّيَّة لُوجَار (1) بن الدوقَة الرُّوْمِيِّ.
فَطَالَ عَلَى ابْنِ خُرَاسَان الحصَار، فَبَرَزَ، وَالتَقَى المُوَحِّدِيْن، فَهَزمهُم، وَقَتَلَ خلقاً مِنْهُم، فَبَعَثَ عَبْدُ اللهِ يَسْتَمد أَبَاهُ، فَتَهَيَّأَ فِي سَنَةِ 553 لِتُونس، وَأَقْبَلَ فِي جُيُوْشه حَتَّى نَازَلَهَا، فَأَخَذَهَا عَنْوَة، وَانْتَقَلَ إِلَى المهديَة وَهِيَ لِلنَّصَارَى لَكِن رعيَّتهَا مُسْلِمُوْنَ، فَطَالَ الحصَار لحصَانتهَا، يُقَالَ: عَرضُ سُورِهَا مَمَرُّ سِتَّة أَفرَاس، وَأَكْثَرهَا فِي البَحْر، فَكَانَتِ النّجدَات تَأْتِيهَا مِنْ صَقِلِّيَّة (2) .
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ (3) : نَازل عَبْد المُؤْمِنَ المهديَة، فَبَرَزَ شجعَان الفِرَنْج، فَنَالُوا مِنْ عَسْكَره، فَأَمر بِبنَاء سور عَلَيْهِم، وَصَابرهَا، وَأَخَذَ سَفَاقِس وَطَرَابُلُس وَقَابِسَ، وَجَرَتْ أُمُوْرٌ وَحُرُوْب يَطول شرحُهَا، وَجَهَّزَ مَنِ افْتَتَحَ تَوْزَرَ وَبِلاَدَ الجرِيْدِ، وَطرد عَنْهَا الفِرَنْج، وَطهر إِفْرِيْقِيَة مِنَ الكُفْر، وَتَكمَّل لَهُ ملك المَغْرِب مِنْ طَرَابُلُس إِلَى السوس الأَقْصَى وَأَكْثَر مَمْلَكَة الأَنْدَلُس، وَلَوْ قصد مِصْر لأَخَذَهَا، وَلَمَا صَعُبت عَلَيْهِ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ مرَّ بِقَريتِهِ ليصلَ بِهَا ذَوِي رَحِمِهِ، وَيزور قَبْر أُمّه، فَلَمَّا أَطل عَلَيْهَا وَجُيُوْشه قَدْ ملأَت الفضَاء، وَالرَّايَات وَالبنُوْدُ عَلَى رَأْسه، وَضرب نَحْو مِنْ مائَتَيْ طَبْل، وَطُبولهُم كِبَارِ جِدّاً تُزعج الأَرْض، فَقَالَتْ عَجُوْز مِنْهُم:
__________
(1) في " الكامل " 11 / 185: رجار.
(2) قال: ثم افتتحها بعد أن أمن النصارى الذين بها على أنفسهم، على أن يخرجوا له من البلد، ويلحقوا بصقلية بلدهم حيث مملكة صاحبهم، ففعلوا ذلك، ودخل عبد المؤمن وأصحابه المهدية، فملكوها. " المعجب " 336.
(3) انظر " الكامل " 11 / 241 - 245 حوادث سنة 554.

(20/374)


هَكَذَا يَعُوْد الغَرِيْبُ إِلَى بَلَدِهِ؟! وَصَاحَتْ بِذَلِكَ (1) .
وَلَمَّا دَخَلت سَنَة ثَمَانٍ (2) وَخَمْسِيْنَ، أَمر الجَيْش بِالجهَاز لجِهَاد الرُّوْم، وَاسْتنفر النَّاس عَاماً، ثُمَّ سَارَ حَتَّى نَزَلَ بِسلاَ، فَمَرِضَ، وَجَاءهُ الأَجَلُ بِهَا، فِي السَّابِع وَالعِشْرِيْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَة (3) ، وَارتجَّت المَغْرِب لِمَوْتِهِ، وَكَانَ قَدْ جَعَلَ وَلِيّ عَهْدِهِ ابْنه مُحَمَّداً، وَكَانَ لاَ يَصلح لطيشه وَجُذَامٍ بِهِ وَلِشُرْبِه الخَمْر، فَتَمَلَّكَ أَيَّاماً، وَخَلَعُوْهُ، وَاتَّفَقُوا عَلَى تَوليَة أَخِيْهِ يُوْسُف بن عَبْدِ المُؤْمِنِ، فَبقِي فِي الْملك اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَخلَّف عَبْدُ المُؤْمِنِ سِتَّةَ عَشَرَ وَلداً ذَكَراً (4) .
قَالَ صَاحِب كِتَاب (الْجمع): وَقفت عَلَى كِتَاب كَتَبَهُ عَنْ عَبْدِ المُؤْمِنِ بَعْضُ كُتَّابِهِ: مِنَ الخَلِيْفَة المَعْصُوْم الرضِي الزَّكِيّ، الَّذِي بشر بِهِ النَّبِيّ العربِي، القَامع لِكُلِّ مُجَسِّمٍ غَوِي، النَّاصِرُ لِدِيْنِ اللهِ العلِي، أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عَبْد المُؤْمِنِ بن عَلِيٍّ.
255 - شَهْرَدَارُ* بنُ شِيْرَوَيْه بنِ شَهْرَدَارَ بنِ شِيْرَوَيْه بنِ فَنَّاخُسْرُه الدَّيْلَمِيُّ
الإِمَامُ، العَالِمُ، المُحَدِّثُ، المُفِيْد، أَبُو مَنْصُوْرٍ ابْن الحَافِظِ المُؤَرِّخ أَبِي شُجَاع الدَّيْلَمِيّ، الهَمَذَانِيّ، مِنْ ذُرِّيَّة الضَّحَّاك بن فَيْرُوْز الدَّيْلَمِيّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
__________
(1) " المعجب " 339، 340.
(2) في " المعجب " 343 و" الاستقصا " 2 / 243: سنة سبع.
(3) من سنة 458 كما في " الكامل " و" الاستقصا " وبقية المصادر، عدا " المعجب " ففيه سنة 457.
(4) انظر أسماءهم في " المعجب ": 289.
(*) التحير 1 / 327 - 330، طبقات ابن الصلاح: ق 50 / أ، مجمع الاداب 3 / 1824،، شذرات الذهب 4 / 182، هدية العارفين 1 / 419.

(20/375)


أَجَازَ لَهُ عَامَ مَوْلِدِهِ بِاعْتنَاء وَالِدِهِ: أَبُو بَكْرٍ بنُ خَلَفٍ الشِّيْرَازِيّ، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ المُقومِيّ سَنَة 483.
وَسَمِعَ: أَبَاهُ، وَأَبَا الفَتْح عَبْدُوْس بن عَبْدِ اللهِ، وَمكِيَّ بن عَلاَّنَ السَّلاَّر، وَحَمْد بن نَصْرٍ الأَعْمَش، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الدُّوْنِي، وَفَيْد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبَا بَكْرٍ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ زَنْجَوَيْه فَقِيْه زَنْجَان ذكر أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ (مُسْنَد الإِمَام أَحْمَد) فِي سَنَةِ خَمْسِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ الفَلاَّكِيّ، أَخْبَرَنَا القَطِيْعِيّ، وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ أَبُو مُسْلِمٍ أَحْمَدُ، وَأَبُو سَهْلٍ عَبْد السَّلاَمِ بن فَتْحَةَ السَّرْفُوْلِيّ الَّذِي رَوَى عَنْهُ (الأَلقَاب) لِلشيرَازِي، وَأَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، وَقَالَ (1) : كَانَ حَافِظاً عَارِفاً بِالحَدِيْثِ، فَهماً، عَارِفاً بِالأَدب، ظرِيفاً خفِيفاً، لاَزِماً مَسْجده، متبعاً أَثر وَالِده فِي الحَدِيْثِ وَالسَّماع وَالطلب، رَحل مَعَ أَبِيْهِ سَنَة خَمْسٍ وَخَمْسِ مائَةٍ إِلَى أَصْبَهَانَ، كَتَبْتُ عَنْهُ، وَكَانَ يَجْمَع أَسَانِيْد كِتَابِ (الفِرْدَوْس) لِوَالِده، وَرتب ذَلِكَ تَرْتِيْباً حسناً عَجِيْباً، ثُمَّ رَأَيْت الكِتَابَ بِمَرْوَ سَنَة سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ فِي ثَلاَث مُجَلَّدَاتٍ ضَخْمَة وَقَدْ فَرغ مِنْهُ، وَهذَّبه، وَنقحه.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحِيْمِ الحَاجِيّ: تُوُفِّيَ شَهْرَدَار فِي رَجَبٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُؤَيَّدِ الزَّاهِدُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ السَّلاَمِ بن فَتْحَةَ سَنَة ثَمَانِ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ شَهْرَدَار بن شِيْرَوَيْه الدَّيْلَمِيّ سَنَة 554، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ البَيِّعُ، أَخْبَرَنَا حَمِيْدُ بنُ مَأْمُوْنٍ، أَخْبَرَنَا
__________
(1) انظر " التحبير " 1 / 328، 329.

(20/376)


أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشِّيْرَازِيّ الحَافِظ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيْدٍ هُوَ عَبْدُ اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ مَحْبُور التَّمِيْمِيّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ هُوَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بن مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لَمَّا قَضَى اللهُ الخَلْقَ، كَتَبَ كِتَاباً، فَهُوَ عِنْدَهُ عَلَى عَرْشِهِ: إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي).
أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ (1) ، عَنْ شُعَيْبِ بنِ شُعَيْبِ بنِ إِسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ قُدَامَة الزَّاهِد (2) وَالِدُ الشَّيْخ مُوَفَّق الدِّيْنِ، وَسَلاَمَة بن أَحْمَدَ بنِ الصَّدْر، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بن أَبِي الحَسَنِ الدَّارَانِيّ (3) بِدِمَشْقَ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ زَيْدِ بنِ الفَضْلِ الوَرَّاق، وَعَبْد المُؤْمِنِ صَاحِب المَغْرِب (4) ، وَكمَال (5) بِنْت المُحَدِّثِ عَبْد اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَصَاحِب الإِنشَاء سَدِيد الدَّوْلَة مُحَمَّد بن عَبْدِ الكَرِيْمِ ابْنُ الأَنْبَارِيّ عَنْ نَيِّف وَثَمَانِيْنَ سَنَةً (6) ، وَهِبَة اللهِ بن الفَضْلِ بنِ القَطَّان المَتُّوْثِيّ أَحَد الشُّعَرَاء وَلَهُ ثَمَانُوْنَ سَنَةً (7) ، وَشيخ الشَّافِعِيَّة بِاليَمَنِ أَبُو
__________
(1) في السنن الكبرى كما في " تحفة الاشراف " 10 / 193، وأخرجه من حديث أبي هريرة البخاري (3194) و(7404) و(7422) و(7453) و(7553) و(7553) و(7554)، ومسلم (2751) وأحمد 2 / 242 و258 و260 و313 و358 و381 و397 و466 وابن أبي عاصم في السنة (608) و(609).
(2) مترجم في العبر 4 / 164، والوافي بالوفيات 8 / 83، وشذرات الذهب 4 / 182.
(3) تقدمت ترجمته برقم (235).
(4) تقدمت ترجمته برقم (254).
(5) سترد ترجمتها برقم (276).
(6) تقدمت ترجمته برقم (238).
(7) تقدمت ترجمته برقم (231).

(20/377)


الخَيْر يَحْيَى بن سَالِمٍ العِمْرَانِيّ صَاحِب كِتَاب (البَيَانِ فِي المَذْهَب) (1) .

256 - البَاغْبَانُ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيُّ *
الشَّيْخُ المُعَمَّرُ، الثِّقَةُ الكَبِيْرُ، أَبُو الخَيْرِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ بنِ القَاسِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيِّ بنِ إِسْحَاقَ بنِ سندَارَ الأَصْبَهَانِيُّ، المُقَدِّرُ (2) ، المُهَنْدِسُ، المُؤَذِّنُ، الصُّوْفِيُّ، شُهِرَ بِالبَاغْبَانِ.
وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا عَمْرٍو عَبْدَ الوَهَّابِ بن مَنْدَةَ، وَأَبَا عِيْسَى بن زِيَادٍ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ مَاجَه، وَالمُطَهَّر البُزَانِيّ، وَأَبَا الطَّيِّبِ مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ سَلَّةَ صَاحِب أَبِي عَلِيٍّ بنِ البَغْدَادِيّ، وَالعَلاَّمَة أَبَا نَصْرٍ بن الصَّبَّاغ فِي الرسليَة، وَأَبَا مَنْصُوْرٍ بن شَكْرُوَيْه، وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ السِّمْسَار، وَإِبْرَاهِيْم بن مُحَمَّدٍ القَفَّال، وَحَكِيْم بن مُحَمَّدٍ الإِسْفَرَايِيْنِي، سَمِعَ مِنْهُ (مُسْنَد الشَّافِعِيّ)، أَخْبَرَنَا جَدِّي لأُمِّي عَلِيّ بن مُحَمَّدٍ السَّقَّاء.
وَحَدَّثَ بِحضرَة الحَافِظ أَبِي العَلاَءِ العَطَّار بِهَمَذَان وَبِأَصْبَهَانَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيّ، وَجَامِعُ بنُ خُمَارتَاش، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ
__________
(1) مترجم في طبقات فقهاء اليمن: 174، معجم البلدان 3 / 296 (سير)، تهذيب الأسماء واللغات 2 / 278، مرآة الجنان 3 / 318، طبقات السبكي 7 / 336 - 338، طبقات الاسنوي 1 / 212، 213، طبقات ابن هداية الله 210، 211، شذرات الذهب 4 / 185، وهدية العارفين 2 / 520.
(*) التحبير 2 / 77، الأنساب 2 / 44، العبر 4 / 168، الوافي بالوفيات 2 / 111، النجوم الزاهرة 5 / 366، شذرات الذهب 4 / 187. والباغبان: قال السمعاني: هذه النسبة إلى حفظ الباغ، وهو البستان.
(2) في " اللباب " 3 / 246: يقال هذا لمن يعلم الفرائض والمقدرات والحساب.

(20/378)


أَبِي الفَتْحِ النَّجَّار، وَمُحَمَّد بن مَكِّيّ الحَنْبَلِيّ، وَدَاوُد بن مَعْمَرٍ، وَعَبْدُ البَرِّ بنُ أَبِي العَلاَءِ، وَأَبُو الوَفَاءِ مَحْمُوْدُ بنُ مَنْدَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ المُعَلِّمُ، وَآخَرُوْنَ.
وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: كَرِيْمَةُ القُرَشِيَّةُ، وَعَجِيْبَةُ البَاقدَارِيَةُ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: هُوَ ثِقَةٌ، صَحِيْحُ السَّمَاعِ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحِيْمِ الحَاجِّي: مَاتَ فِي ثَانِيَ عَشَرَ شَوَّال، سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: المُسْنِدُ أَبُو سَعْدٍ عَبْد الوَهَّابِ بن الحَسَنِ الكَرْمَانِيّ (1) ، وَعَلِيّ بن حَمْزَةَ بن إِسْمَاعِيْلَ المُوْسَوِيّ الهَرَوِيُّ (2) ، وَأَبُو المَعَالِي عُمَر بن عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيّ الخَفَّاف، وَالحَافِظ مُحَمَّد بن الحُسَيْنِ الزَّاغُوْلِيّ (3) بِمَرْوَ.

257 - الشَّيْخُ رِسْلاَنُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجَعْبَرِيُّ *
هُوَ: الشَّيْخُ الزَّاهِدُ، العَابِدُ، بَقِيَّة المَشَايِخ، رِسْلاَن بن يَعْقُوْبَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجَعْبَرِيّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيّ، النَّشَّارُ، مِنْ أَوْلاَد الأَجْنَاد الَّذِيْنَ بِقَلْعَةِ جَعْبَرَ (4) .
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (230).
(2) سترد ترجمته برقم (268).
(3) سترد ترجمته برقم (311).
(*) ذكره في العبر 4 / 145، الوافي بالوفيات 8 / 345، 346، طبقات الشعراني 1 / 132، كشف الظنون 1 / 867، شذرات الذهب 4 / 160، هدية العارفين 5 / 367، منتخبات التواريخ: 473، 474، وانظر كتاب " الشيخ رسلان " لأحمد الحارون، الاعلام بفضائل الشام: 128.
وورد اسمه في بعض المصادر " أرسلان " بزيادة همز أوله
(4) وهي على الفرات بين بالس والرقة قرب صفين. " معجم البلدان " 2 / 142.

(20/379)


صَحِبَ الشَّيْخ أَبَا عَامِرٍ المُؤَدِّب الَّذِي هُوَ مَدْفُوْن مَعَ الشَّيْخ رسلاَن فِي قُبَّتِهِ بِظَاهِرِ بَابِ تُوْمَا - وَدُفِنَ عِنْدَهُمَا ثَالِثٌ وَهُوَ أَبُو المَجْدِ خَادم رسلاَن - وَكَانَ أَبُو عَامِرٍ قَدْ صَحِبَ الشَّيْخ يَاسين تِلْمِيْذَ الشَّيْخ مَسْلَمَة.
وَقِيْلَ: إِنَّ مَسْلَمَة الزَّاهِدَ صَحِبَ الشَّيْخَ عقيلاً (1) ، وَهُوَ صَحِبَ الشَّيْخَ عَلِيَّ بنَ عُلَيْمٍ صَاحِبَ أَبِي سَعِيْدٍ الخَرَّازِ.
كَانَ نَشَّاراً فِي الخَشَب، فَقِيْلَ: بَقِيَ سِنِيْنَ يَأْخذُ أُجرته، وَيدفعهَا لِشيخه أَبِي عَامِرٍ، وَشيخه يُطعمه.
وَقِيْلَ: بَلْ كَانَ يَقسم أُجرته، فَثلث يَتصدَّق بِهِ، وَثلث لقُوته، وَثلث لباقِي مصَالِحه.
وَكَانَ يَتعبد بِمسجدٍ دَاخِلَ بَابِ تُوْمَا جَوَارَ بَيْتِهِ، ثُمَّ انْتقل إِلَى مَسْجِد درب الْحجر، فَأَقَامَ بِجِهَتِهِ الشَّرْقِيَّة، وَكَانَ الشَّيْخ أَبُو البَيَانِ (2) فِي جَانِبِهِ الغَرْبِيِّ، فَتعبَّدَا مُدَّة، وَصَحِبَ كُلاًّ مِنْهُمَا جَمَاعَةٌ، ثُمَّ خَرَجَ الشَّيْخ بِأَصْحَابِهِ، فَأَقَامَ بِمسجد خَالِد بن الوَلِيْدِ الَّذِي تجَاهُ قُبَّتِهِ، وَعَبَدَ اللهَ إِلَى أَنْ أَن مَاتَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَقَدْ سقت مِنْ أَخْبَاره فِي (تَارِيخنَا الكَبِيْر).
وَكَانَ وَرِعاً قَانِتاً، صَاحِب أَحْوَال وَمَقَامَات، وَلَمْ تَبْلُغْنِي أَخْبَارُه كَمَا يَنْبَغِي، وَمَا عَلِمتُهُ كَانَ لَهُ اشتغَال فِي العِلْمِ.

258 - أَبُو الحُسَيْنِ الزَّاهِدُ بنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ حَمْزَةَ المَقْدِسِيُّ *
هُوَ: الزَّاهِد، القُدْوَة، الوَلِيُّ، أَبُو الحُسَيْنِ بن أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ حَمْزَةَ المَقْدِسِيُّ.
__________
(1) في الأصل عقيل.
(2) الذي تقدمت ترجمته برقم (219).
(*) تذكرة الحفاظ 4 / 1313، دول الإسلام 2 / 64، العبر 4 / 134، شذرات الذهب 4 / 152.

(20/380)


أَلف الحَافِظ الضِّيَاء سيرَته فِي جُزْء، أَنْبَأَنِي بِهِ الشَّيْخ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ الكَمَال وَغَيْرهُ بِسَمَاعِهِم مِنْهُ، فَقَالَ:
حَدَّثَنِي الإِمَام عَبْد اللهِ بن أَبِي الحَسَنِ الجُبَّائِيّ، قَالَ: مَضَيْت إِلَى زِيَارَة أَبِي الحُسَيْنِ الزَّاهِد بِحَلَبَ، وَلَمْ تَكن نِيَّتِي صَادِقَة، فَقَالَ: إِذَا جِئْت إِلَى المَشَايِخ، فَلتكن نِيَّتُك صَادِقَة فِي الزِّيَارَة.
سَأَلتُ خَالِي أَبَا عُمَرَ: هَلْ رَأَيْتَ أَبَا الحُسَيْنِ يَأْكُل شَيْئاً؟
فَقَالَ: رَأَيْتهُ يَأْكُل خَرُّوباً يَمُصُّه وَيَرمِي بِهِ، وَرَأَيْتُهُ يَأْكُل بقلاً مصلوقاً.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: سَمِعْتُ سِنَانَ بنَ مُشَيّعٍ الرَّقِّيّ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ أَبَا الحُسَيْنِ المَقْدِسِيّ بِرَأْس عين فِي مَوْضِعٍ عُرْيَاناً قَدِ اتَّزر بقمِيْصه وَمَعَهُ حِمَار، وَالنَّاس قَدْ تَكَابُّوا عَلَيْهِ، فَقَالَ: تَعَال.
فَتقدمتُ، فَأَخَذَ بِيَدِي، وَقَالَ: نَتواخَى؟
قُلْتُ: مَا لِي طَاقَة.
قَالَ: أَيش لَكَ فِي هَذَا؟
وَآخَانِي، وَقَالَ لوَاحِد مِنَ الجَمَاعَة: حِمَارِي يَحتَاج إِلَى رسن.
فَقَالُوا: ثمنه أَرْبَعَةُ فُلوس.
فَأَشَارَ إِلَى مَوْضِع فِي الْحَائِط: فإِني جزتُ هَا هُنَا، وخبأتُ ثَمَّ أَربع فُلُوس، اشتَرُوا لِي بِهَا حبلاً.
ثُمَّ قَالَ: أُرِيْد أَنْ تَشترِي لِي بدِيْنَار سمكاً.
قُلْتُ: كرَامَة، وَمِنْ أَيْنَ لَكَ ذهب؟
قَالَ: بَلَى مَعِي ذهب كَثِيْر.
قُلْتُ: الذّهب يَكُوْن أَحْمَر.
قَالَ: أَبصِرْ تَحْتَ الْحَشِيش.
فَأَخَذتُ الْحَشِيش، فَخَرَجَ دِيْنَار، فَاشْتَرَيْت لَهُ بِهِ سَمكاً، فَنظفه، وَشوَاهُ، ثُمَّ قَلاَهُ، ثُمَّ أَخرج مِنْهُ الْجلد وَالعِظَام، وَجَعَله أَقرَاصاً، وَجففه، وَتركه فِي جِرَابه، وَمَضَى وَلَهُ سنُوْنَ (1) مَا أَكل الْخبز.
وَكَانَ يَسكن جبالَ الشَّام، وَيَأْكُل البَلُّوْط وَالخرنوب.
قَالَ الضِّيَاء: قَرَأْت بِخَطِّ يُوْسُف بن مُحَمَّدِ بنِ مُقَلّد الدِّمَشْقِيّ: أَنَّهُ سَمِعَ
__________
(1) في الأصل: سنين والصواب ما أثبتناه.

(20/381)


مِنَ الشَّيْخ أَبِي الحُسَيْنِ أَبيَاتاً، ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ عَظِيْمَ الشَّأْن، يَقعد خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً لاَ يَأْكُل سِوَى أَكلَةٍ، وَيَتقوت مِنَ الخَرُّوبِ البُرِّي، وَيُجفِّفُ السّمك، وَحَدَّثَنِي يُوْسُفُ ابْنُ الشَّيْخِ أَبِي الحُسَيْنِ: أَنَّ الشَّيْخ اسْتفَّ مِنْ صُرَّةٍ، فَرَآهُ رَجُل، فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفَّ مِنْهُ، فَإِذَا هُوَ مُرٌّ، فَلَمَّا جَاءَ الشَّيْخ، قَالَ: يَا سَيِّدِي، مَا فِي الصُرَّةِ؟
فَنَاوله مِنْهَا كَفّاً، فَإِذَا هُوَ سُكّر وَقَلْبُ لَوْز.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو المُظَفَّرِ السَّمْعَانِيّ، عَنْ أَبِيْهِ: سَمِعْتُ عَبْدَ الوَاحِدِ بنَ عَبْدِ المَلِكِ الزَّاهِد بِالكَرَجِ، سَمِعْتُ أَبَا الحُسَيْنِ المَقْدِسِيّ - وَكَانَ صَاحِبَ آيَاتٍ وَكَرَامَاتٍ عَجِيْبَةٍ، وَكَانَ طَاف الدُّنْيَا - يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَعْجَمِياً بِخُرَاسَانَ يَعظُ، اسْمُهُ يُوْسُفُ بنُ أَيُّوْبَ (1) .
قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو تَمَّامٍ حَمْدُ بنُ تركِي بن مَاضِي، قَالَ:
حَدَّثَنِي جَدِّي، قَالَ: كُنَّا بِعَسْقَلاَنَ فِي يَوْم عِيدٍ، فَجَاءَ أَبُو الحُسَيْنِ الزَّاهِد إِلَى امْرَأَة مَعَهَا خُبْزٌ سُخْن، فَقَالَ: تَشتهِي لِزَوْجِك مِنْ هَذَا الْخبز - وَكَانَ فِي الحَجّ - فَنَاولَتْه رَغِيْفَيْنِ، فَلفَّهمَا فِي مِئْزَر، وَمَضَى إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ: خُذْ هَذَا مِنْ عِنْد أَهْلك.
وَأَخْرَجَهُ سُخناً، وَرجع، فَرَأَوهُ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ وَبعَسْقَلاَن، وَجَاءَ الرَّجُل، وَقَالَ: أَمَا أَعْطيتَنِي الرَّغِيْفَيْنِ؟
فَقَالَ: لاَ تَفْعَل، قَدِ اشتبهَ عَلَيْك.
فَحَدَّثَنِي جَدِّي مَاضِي، قَالَ: كَانَ أَبُو الحُسَيْنِ بِعَسْقَلاَنَ، فَوصَّوْا عَلَيْهِ البوَّابين، لاَ تُخَلُّوْهُ يَخْرُج خَوْفاً مِنَ الفِرَنْجِ، فَجَاءَ وَعَدَا وَقمِيْصُه فِي فَمِهِ، فَإِذَا هُوَ فِي جبلِ لُبْنَانَ، فَقَالَ لِنَفْسِهِ: وَيْلَكِ وَأَنْتِ مِمَّنْ بلغَ هَذِهِ الرُّتبَة؟!
وَعَنْ مَسْعُوْدٍ اليَمَنِيّ: قَالَتِ الفِرَنْج: لَوْ أَنَّ فِيْكُم آخرَ مِثْلَ أَبِي الحُسَيْنِ
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (41).

(20/382)


لاَتَّبَعْنَاكُم عَلَى دينكُم، مَرُّوا يَوْماً، فَرَأَوهُ رَاكِباً عَلَى سَبُعٍ وَفِي يَدِهِ حَيَّة، فَلَمَّا رَآهُم، نَزل وَمَضَى.
السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الوَاحِدِ بِالكَرَجِ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ الكُفَّار يَقُوْلُوْنَ: الأُسُوْد وَالنُّمور كَأَنَّهَا نَعَمُ أَبِي الحُسَيْنِ.
قَالَ الضِّيَاء: سَمِعْنَا لَهُ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَشْيِ الأَسَدِ مَعَهُ، وَقِيْلَ: عَمِلَ حَلاَوَةً مِنْ قُشُوْر الْبِطِّيخ، فَغرف حَلاَوَةً مِنْ أَحْسَن الحَلاَوَة.
وَحَدَّثَنِي عَنْهُ: المُحْسِنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الشَّيْخِ، حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ:
كَانَ وَالِدِي يَعملُ لَنَا الحَلاَوَةَ مِنْ قُشُوْر الْبِطِّيخ، وَيَسُوْطهَا بِيَدِهِ، فَعملْنَا بَعْدَهُ، فَلَمْ تَنعمل، فَقَالَتْ أُمِّي: بقيت تُعْوِزُ المِغْرفَة.
حَدَّثَنِي خَالِي أَبُو عُمَرَ، قَالَ: كَانَ أَبُو الحُسَيْنِ يَجِيْء إِلَيْنَا، وَكَانَ يَقطع الْبِطِّيخ وَيطبخه، وَاسْتعَار مِنِّي سكِّيناً، فَجرحَتْهُ، فَقَالَ: مَا سكِّينُك إِلاَّ حَمْقَى.
وَعَنِ امْرَأَةٍ: أَنَّ أَبَا الحُسَيْنِ دَخَلَ تَنُّوراً، وَخَرَجَ مِنْهُ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الإِمَامُ بِمَرْدَا (1) ، حَدَّثَنَا أَبُو يُوْسُفَ حسن، قَالَ:
كُنْتُ مَعَ أَبِي الحُسَيْنِ الزَّاهِد، فَقَالَ لِنَاسٍ: أَعْطُونِي مِنْ نَارِكُم.
فَمَلَؤُوا لَهُ قطعَة جرَّة، فَقَالَ: صُبُّوْهَا فِي مِلْحَفَتِي.
فَصَبُّوْهَا فِي مِلْحَفَتِهِ، فَأَخَذَهَا، وَمَضَى.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ رش مَاء عَلَى زَمِنَةٍ، فَمشت.
سَمِعْتُ خَالِي مُوَفَّق الدِّيْنِ يَقُوْلُ: حُكِي أَنَّ أَبَا الحُسَيْنِ أَرَادَ لِصٌّ أَنْ يَأْخذ حِمَاره، قَالَ: فَيبست يَدُه، فَلَمَّا أَبعد عَنْهُ، عَادت.
__________
(1) مردا: قرية قرب نابلس. " معجم البلدان " 5 / 104.

(20/383)


قَالَ الضِّيَاءُ: وَبَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُلبس سرَاويله حِمَارَه، وَيَقُوْلُ: نُوَارِي عَوْرَتَه، فَيَضْحَك النَّاس.
وَقِيْلَ: كَانَ إِذَا عُرف بِمَكَان سَافر، وَقَبْره يُزَار بِظَاهِر حلب.
مَاتَ - ظَنّاً -: سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقِيْلَ: أَعْطت زَوْجَةُ سُلْطَان حلب لزَوْجَة أَبِي الحُسَيْنِ شقَّةَ حَرِيْرٍ، فَعملهَا سرَاويلَ لحمَارِه، وَرَأَى حَمَّالاً قَدْ رَمَى قَفَصَ فَخَّار، فَتطحَّن، فَجمعه لَهُ، وَجَاءَ مَعَهُ إِلَى الفَاخُورَةِ، فَحطَّه، فَوَجَدهُ صِحَاحاً.

259 - مَسْعُوْدٌ أَبُو الفَتْحِ بن مُحَمَّدِ بنِ مَلِكْشَاه السَّلْجُوْقِيُّ *
السُّلْطَان الكَبِيْر، غِيَاث الدِّيْنِ، أَبُو الفَتْحِ مَسْعُوْدُ ابْنُ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ ابْنِ السُّلْطَانِ مَلِكْشَاه السَّلْجُوْقِيُّ.
نشَأَ بِالمَوْصِل مَعَ أَتَابَك مَوْدُوْد، وَرباهُ، ثُمَّ مَعَ آقْسُنْقُر البرسقِي، ثُمَّ مَعَ خُوش بِك صَاحِب المَوْصِل، فَلَمَّا مَاتَ وَالِده، حسن لَهُ خَوْش بك الخُرُوج عَلَى أَخِيْهِ مَحْمُوْد، فَالتقيَا، فَانْكَسَرَ مَسْعُوْد، ثُمَّ تَنقَّلَت بِهِ الأَحْوَال، وَاسْتقلَّ بِالسلطنَة فِي سَنَةِ 528، وَقَدِمَ بَغْدَادَ (1) .
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (2) : كَانَ عَادِلاً لَيِّناً، كَبِيْرَ النَّفْس، فَرَّق مَمْلَكته عَلَى
__________
(*) المنتظم 10 / 151، مختصر تاريخ دولة آل سلجوق: 152 و161 و196 و208، الكامل في التاريخ 11 / 160 - 163، مرآة الزمان 8 / 129، وفيات الأعيان 5 / 200 - 202، المختصر 3 / 23، 24، العبر 4 / 127، 128، تتمة المختصر 2 / 80، البداية والنهاية 12 / 230، تاريخ ابن خلدون 5 / 45، السلوك 1 / 34، النجوم الزاهرة 5 / 303، شذرات الذهب 4 / 145، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 73.
(1) انظر " وفيات الأعيان " 5 / 200.
(2) في " وفيات الأعيان " 5 / 201.

(20/384)


أَصْحَابه، وَمَا نَاوَأَهُ أَحَد إِلاَّ وَظَفِرَ بِهِ، وَقَتَلَ خلقاً مِنْ كِبَارِ الأُمَرَاء وَالخَلِيفَتَيْنِ الرَّاشد وَالمُسْترشد، لأَنَّه وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ المُسْترشد لاستطَالَة نوَاب مَسْعُوْد عَلَى العِرَاقِ، وَعَارضُوا الخَلِيْفَة فِي أَملاَكه، فَبَرَزَ لِحَرْبِهِ، فَجَيْش مَسْعُوْد بِهَمَذَان، فَالتقيَا، فَانْكَسَرَ جَيْش المُسْترشد، وَأُسِرَ فِي عِدَّة مِنْ أُمَرَائِهِ، وَطَافَ بِهِم مَسْعُوْد بِأَذْرَبِيْجَان، وَقُتِلَ الخَلِيْفَة بِمرَاغَة (1) ، وَأَقْبَلَ مَسْعُوْد عَلَى اللَّذَات وَالبطَالَة، وَحَدَّثَ لَهُ علَة الغثيَان مُدَّة، وَجَرَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَمّه سَنْجَر منَازعَة، ثُمَّ تَصَالَحَا.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ (2) : كَانَ كَثِيْرَ المزَاح، حَسَنَ الْخلق، كَرِيْماً، عَفِيْفاً عَنْ أَمْوَال الرَّعِيَّةِ، مِنْ أَحْسَن السَّلاَطِيْن سيرَة، وَأَليَنِهِم عرِيكَة.
قُلْتُ: أَبطل مُكوساً وَمظَالِم كَثِيْرَة، وَعدل، وَاتَّسَع ملكه، وَكَانَ يَمِيْل إِلَى العُلَمَاء وَالصَّالِحِيْنَ، وَيَتوَاضع لَهُم.
قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُوْرِيّ، أَخْبَرَنَا السُّلْطَان مَسْعُوْد، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ قَاضِي المَرَسْتَان، أَخْبَرَنَا البَرْمَكِيّ بِحَدِيْث مِنْ (جُزْءِ الأَنْصَارِيِّ).
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ بَطَلاً شُجَاعاً، ذَا رَأْي وَشَهَامَة، تلِيق بِهِ السّلطنَة، سَمِعَ مِنْهُ جَمَاعَة، مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَة سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: نُقل إِلَى أَصْبَهَانَ، فَدُفِنَ بِهَا، وَعَاشَ خَمْساً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ قَدْ أَحَبّ خَاص بَك التركمَانِي، فَرقَّاهُ، وَقدمه عَلَى جَمِيْع قُوَاده،
__________
(1) وهي أعظم وأشهر بلاد أذربيجان. " معجم " ياقوت 5 / 93.
(2) في " الكامل " 11 / 160، 161.

(20/385)


وَكثرت أَمْوَاله، فَلَمَّا مَاتَ السُّلْطَان، قَالَ خَاص بَك لوَلَده مَلِكْشَاه (1) : سَأَقبض عَلَيْك (2) صُوْرَة، وَأَطلب أَخَاك مُحَمَّداً لأُملكه، فَإِذَا جَاءَ أَمسكنَاهُ، وَتستقل أَنْتَ.
قَالَ: فَافْعَلْ.
فَمَا نَفق خُبثه عَلَى مُحَمَّدٍ، وَجَاءَ إِلَى هَمَذَان، فَبَادر العَسْكَر إِلَيْهِ، فَقَالَ: كَلاَمكُم مَعَ خَاص بَك فَهُوَ الوَالِد.
فَوَصَلَ هَذَا القَوْل إِلَى خَاص بَك، فَاطِمَأَنَّ، وَتلقَاهُ، وَقَدَّمَ لَهُ تُحَفاً، ثُمَّ قُتِلَ خَاص بِك، وَخلَّف أَمْوَالاً جَزِيْلَة مِنْ بَعْضهَا سَبْعُوْنَ أَلفَ ثَوْبِ أَطلس.
قَالَ المُؤَيَّد: بَدرهُ السُّلْطَان مُحَمَّد ثَانِي يَوْم مِنْ قُدومه، وَقَتَلَه، وَقَتَلَ مَعَهُ آخر.

260 - الخُجَنْدِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللَّطِيْفِ بنِ مُحَمَّدٍ *
العَلاَّمَةُ الأَكملُ، صَدْرُ الدِّيْنِ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللَّطِيْفِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ ثَابِتٍ الخُجَنْدِيُّ، ثُمَّ الأَصْبَهَانِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
سَمِعَ: أَبَا عَلِيٍّ الحَدَّادَ، وَغَيْرهُ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ صدر العِرَاق عَلَى الإِطلاَق، إِمَاماً فَحلاً، مُنَاظراً، مليح الْوَعْظ، جَوَاداً، مَهِيْباً، كَانَ السُّلْطَان مَحْمُوْد يَصدر عَنْ رَأْيه،
__________
(1) كذا ذكر الذهبي أن ملكشاه هو ولد السلطان مسعود، وليس كذلك، بل إن ملكشاه هو ابن أخيه السلطان محمود.
انظر " الكامل " 11 / 160 - 163، و" مختصر تاريخ دولة آل سلجوق " 208 - 211 و" المختصر " 3 / 23، 24، و" تتمة المختصر " 2 / 80.
(2) في الأصل: عليه.
(*) المنتظم 10 / 179، الكامل في التاريخ 11 / 228، المختصر 3 / 33، العبر 4 / 149، تتمة المختصر 2 / 92، الوافي بالوفيات 3 / 284، طبقات السبكي 6 / 133، 134، طبقات الاسنوي 1 / 490، البداية والنهاية 12 / 237، شذرات الذهب 4 / 163.
والخجندي نسبة إلى خجند، وهي بلدة كبيرة على طرف سيحون من بلاد المشرق، ويقال لها أيضا: خجندة، بزيادة التاء.
انظر " الأنساب " 5 / 52.

(20/386)


وَكَانَ بِالوُزَرَاء أَشْبَه مِنْهُ بِالعُلَمَاء، وَكَانَ يَرْوِي الحَدِيْث عَلَى المِنْبَرِ مِنْ حِفْظِهِ (1) .
وَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (2) : قَدِمَ وَوَلِيَ تدرِيس النِّظَامِيَّة، حضَرتُ مُنَاظرته.
وَهُوَ يَتَكَلَّم بكَلِمَات مَعْدُوْدَة كَأَنَّهَا الدُّرّ، وَوعظ بِجَامِع القَصْر، وَمَا كَانَ يَندَار فِي الْوَعْظ، وَكَانَ مَهِيْباً، وَحَوْلَهُ السُّيوف.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: ذهب إِلَى أَصْبَهَانَ، فَنَزَلَ قَرْيَة بِقُرْبِ هَمَذَان، فَنَام فِي عَافِيَة، وَأَصْبَح مَيتاً فِي شَوَّالٍ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ (3) : جرت لِمَوْتِهِ فِتْنَة، قُتلَ فِيْهَا خلق بِأَصْبَهَانَ.

261 - ابْنُ المُتَوَكِّلِ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ جَعْفَرٍ الهَاشِمِيُّ *
الشَّيْخُ، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ (4) بنُ جَعْفَرِ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ ابْنِ المُتَوَكِّل عَلَى اللهِ الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ.
سَمِعَ: أَبَا غَالِب البَاقِلاَّنِي، وَعَلِيّ بن مُحَمَّدٍ العَلاَّف، وَجَمَاعَة.
رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيّ، وَعَبْد المُغِيْث بن زُهَيْرٍ، وَأَبُو المُنَجَّا ابْن اللَّتِّيِّ، وَكَانَ يُلَقَّبُ بهَاء الشَّرَف.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالأَدب وَالشّعر، وَكَانَ صَالِحاً.
__________
(1) انظر " طبقات " السبكي 6 / 133.
(2) في " المنتظم " 10 / 179.
(3) في " الكامل " 11 / 228.
(*) المنتظم 10 / 191، العبر 4 / 155، الوافي بالوفيات 11 / 414، ذيل طبقات الحنابلة 1 / 233 - 236، شذرات الذهب 4 / 171، هدية العارفين 1 / 278.
(4) في " طبقات " ابن رجب: الحسين.

(20/387)


وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: لَهُ كِتَاب (سُرعَة الجَوَابِ) أَتَى فِيْهِ بِكُلِّ مَلِيْحٍ.
وَقِيْلَ: جَمَعَ (سيرَة) لِلمُقْتَفِي.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ (1) وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

262 - ابْنُ القَلاَنسِيِّ حَمْزَةُ بنُ أَسَدِ بنِ عَلِيٍّ التَّمِيْمِيُّ *
الصَّاحبُ، العَمِيدُ، أَبُو يَعْلَى حَمْزَةُ بنُ أَسَدِ بنِ عَلِيٍّ التَّمِيْمِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، ابْنُ القَلاَنسِيِّ الكَاتِبُ، صَاحِبُ (التَّارِيْخِ (2)).
رَوَى عَنْ: سَهْلِ بنِ بِشْرٍ الإِسْفَرَايِيْنِي، وَحَامِد بن يُوْسُفَ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: كَانَ كَاتِباً أَدِيْباً، تَولَى رِئَاسَة دِمَشْق مرَّتين، وَكَانَ يَكتب لَهُ فِي سَمَاعه أَبُو العَلاَءِ المُسَلَّمُ، فَذَكَر هُوَ أَنَّهُ هُوَ، وَأَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ يُسَمَّى، صَنّف (تَارِيخاً) لِلْحوَادث، تُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (3) .
قُلْتُ: نَيَّفَ عَلَى الثَّمَانِيْنَ، وَحَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو القَاسِمِ ابْنُ صَصْرَى،
__________
(1) في جميع مصادر ترجمته أنه توفي سنة أربع.
وانظر بعض شعره في " طبقات " ابن رجب 1 / 233 - 236.
(*) معجم الأدباء 10 / 278 - 280، تلخيص مجمع الآداب 1 / 912، العبر 4 / 156، مرآة الجنان: حوادث سنة 555، النجوم الزاهرة 332، شذرات الذهب 4 / 174، منتخبات التواريخ: 477، تهذيب تاريخ دمشق لبدران 4 / 443، معجم المطبوعات 218، 219، كنوز الاجداد: 295 - 298، تاريخ بروكلمان 6 / 68، 69.
(2) طبع في المطبعة الكاثوليكية في بيروت سنة 1908 م، ثم طبع سنة 1983 بدمشق بتحقيق الدكتور سهيل زكار، وهو " ذيل تاريخ دمشق " ابتدأ به من سنة 448 ه إلى سنة وفاته، ذيل به على " تاريخ " هلال بن المحسن الصابي المتوفى سنة 448 ه، وهو تكملة للتاريخ الذي صنفه خاله ثابت بن سنان المتوفى سنة 365 ه. انظر بروكلمان 6 / 36 و69.
(3) انظر " تهذيب ابن عساكر " 4 / 442، 443.

(20/388)


وَمُكْرَم بن أَبِي الصَّقْرِ، وَجَمَاعَة.
وَكَانَ مُتَمَيزاً فِي الكِتَابَتَينِ الإِنشَاء وَالِدِّيْوَان (1) ، وَحُمدت وِلاَيته، وَفِي عَقِبِهِ رُؤسَاءُ وَعُلَمَاء.

263 - صَاحِبُ غَزْنَةَ خُسْرُوْشَاه بنُ بَهْرَامَ شَاه بنِ مَسْعُوْدٍ *
السُّلْطَانُ خُسْرُوْشَاه ابْنُ السُّلْطَانِ بَهْرَامَ شَاه ابْنِ السُّلْطَانِ مَسْعُوْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَسْعُوْدِ ابنِ فَاتِح الهِنْد السُّلْطَانِ مَحْمُوْدِ بنِ سُبُكْتِكِيْنَ.
تَمَلَّك بَعْد أَبِيْهِ تِسْعَة أَعْوَام.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ (2) : كَانَ عَادِلاً، حَسَن السِّيْرَةِ، مُحِبّاً لِلْخير، مُقرِّباً لِلْعُلَمَاء، رَاجِعاً إِلَى قَوْلِهِم، تُوُفِّيَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقَامَ بَعْدَهُ ابْنه السُّلْطَان مَلِكْشَاه، فَقصدهُ ملك الغُوْر (3) عَلاَء الدِّيْنِ، وَحَاصَرَ غَزْنَة، فَنَزَلَ عَلَيْهِم ثَلج كَثِيْر، فَترحَّلُوا.
قَالَ المُؤَيَّد (4) : صَاهَرَ الأَمِيْر مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الغُوْرِيُّ لِلسُّلْطَانِ بَهْرَامَ شَاه بنِ مَسْعُوْدٍ، فَاسْتوحش السُّلْطَان مِنْ مُحَمَّد، فَأَمسكه، ثُمَّ ذَبَحَهُ، فَحشد أَخُوْهُ سورِي وَأَقْبَلَ، فَالتَقَوا، فَأَسره بَهْرَامَ شَاه، فَقَتَلَهُ أَيْضاً، فَأَقْبَل أَخُوْهُمَا الْملك عَلاَء الدِّيْنِ حُسَيْن بن حُسَيْنٍ، وَهَزَمَ بَهْرَامَ شَاه، وَاسْتَوْلَى
__________
(1) وله شعر، انظره في " معجم الأدباء " 1 / 278 - 280 و" تهذيب ابن عساكر " 4 / 442، 443.
(*) الكامل في التاريخ 11 / 262، المختصر 3 / 38، العبر 4 / 157، تتمة المختصر 2 / 98، البداية والنهاية 12 / 242، النجوم الزاهرة 5 / 333، شذرات الذهب 4 / 175، معجم الأنساب: 418.
(2) في " الكامل " 11 / 262.
(3) الغور بضم الغين: بلاد في الجبال قريبة من هراة بخراسان. " الأنساب " 9 / 190.
(4) انظر " الكامل " 11 / 135، 136، و164 - 168.

(20/389)


عَلَى غَزْنَةَ، وَاسْتنَاب عَلَيْهَا أَخَاهُ سَيْف الدِّيْنِ سَامَ بن الحُسَيْنِ، ثُمَّ التَقَى بَهْرَامَ شَاه هُوَ وَسَام، فَقُتلَ سَام، وَتَمَكَّنَ بَهْرَامَ شَاه إِلَى أَنْ مَاتَ، وَتَملَّكَ خُسرو، فَقَصَدهُ ملك الغُوْر عَلاَء الدِّيْنِ الْملك المُعَظَّم، فَهَرَبَ خُسرو إِلَى نهَاور، وَتَملَّك عَلاَءُ الدِّيْنِ حُسَيْن غَزْنَةَ، وَنَهَبَهَا، وَدَانَتْ لَهُ الأُمَمُ، وَاسْتَعْمَلَ وَلَدَي أَخِيْهِ غِيَاثَ الدِّيْنِ وَشِهَابَ الدِّيْنِ ابْنَيْ سَامَ اللَّذَيْنِ تَمكنَا وَتَملَّكَا، فَحَاربا عمهُمَا، فَهَزمَاهُ، وَقهرَاهُ، وَأَسرَاهُ، لَكِن أَكرمَاهُ، وَأَعَادَاهُ إِلَى مَمْلَكته، وَوقفَا فِي خِدْمَته، فَزوَّجَهُمَا بِابْنَتَيْهِ، وَجَعَلَهُمَا وَلِيَّي عَهْده، وَدَام ذَلِكَ إِلَى أَنْ مَاتَ هُوَ سَنَة سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

264 - الكَرْخِيُّ أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ *
القَاضِي، العَلاَّمَةُ، أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرِ بنِ الكَرْخِيِّ.
حَدَّثَ عَنْ: النِّعَالِيِّ، وَالحُسَيْنِ بنِ البُسْرِيِّ.
وَعَنْهُ: عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ الأَخْضَرِ، وَغَيْرُهُ.
وَوَلِيَ القَضَاءَ بِبَابِ الأَزجِ، وَبِوَاسِطَ (1) .
تَفَقَّه بِإِلْكِيَا الهَرَّاسِيّ، وَالشَّاشِيّ، وَشَهِدَ عَلَى أَبِي الحَسَنِ بنِ الدَّامَغَانِيِّ.
وَلَهُ فَضَائِلُ.
__________
(*) الأنساب 10 / 392، المنتظم 10 / 202، المشتبه: 547، الوافي بالوفيات 2 / 109، طبقات السبكي 6 / 86، تبصير المنتبه 3 / 1210.
والكرخي بالخاء المعجمة آخره نسبة إلى كرخ بغداد كما في " المشتبه "، وقد تصحفت في " طبقات " السبكي إلى الكرجي بالجيم.
(1) قال الصفدي: وهو الذي حكم بفسخ ولاية الراشد. " الوافي " 2 / 109.

(20/390)


مَاتَ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، بَعْدَ عِلَّةٍ طَوِيْلَةٍ، وَلَهُ ثَمَانُوْنَ سَنَةً.

265 - ابْنُ المَادِحِ أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ التَّمِيْمِيُّ *
الشَّيْخُ المُعَمَّرُ، الصَّدُوْقُ، أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ المَادِحِ التَّمِيْمِيُّ، البَغْدَادِيُّ.
شيخ مُعَمَّر، عِنْدَهُ نَحْوٌ مِنْ سِتَّة أَجزَاء عَالِيَةٍ.
سَمِعَ: أَبَا نَصْرٍ الزَّيْنَبِيّ، وَأَبَا الحَسَنِ عَلِيّ بن مُحَمَّدٍ الأَنْبَارِيّ، وَأَبَا الغَنَائِم بن أَبِي عُثْمَانَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّعَّار، وَأَحْمَد بن طَارِقٍ، وَعُمَر بن مُحَمَّدٍ الدِّيْنَوَرِيّ، وَأَحْمَد بن يَحْيَى بنِ هِبَةِ اللهِ، وَعَبْد الحَقّ بن المَقْرُوْنِ، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بن الغَزَّالِ، وَأَبُو الفُتُوْحِ نَصْر بن الحُصْرِيِّ، وَثَابِتُ بنُ مُشَرِّفٍ، وَعَلِيّ بن بُوْرندَازَ، وَعَبْد اللَّطِيْفِ بن عَبْدِ الوَهَّابِ الطَّبَرِيّ، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ أَبِي حَرْب النَّرْسِيّ.
وَكَانَ أَبُوْهُ نَوَّاحاً، مدَّاحاً لِلصحَابَة بِالقصَائِد فِي الموَاسم بِصَوْت مُطربٍ.
مَاتَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو حَكِيْم إِبْرَاهِيْم بن دِيْنَارٍ النَّهْرَوَانِيُّ الفَقِيْه الزَّاهِد (1) ، وَأَمِيْر
__________
(*) العبر 4 / 161، النجوم الزاهرة 5 / 361، شذرات الذهب 4 / 178، وتحرف فيه إلى " ابن المارح " بالراء.
(1) سترد ترجمته برقم (270).

(20/391)


مِصْرَ الصَّالِح طلاَئِع بن رُزِّيْكٍ (1) ، وَأَبُو الفَتْحِ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الصَّابُوْنِيِّ (2) ، وَمقبل بن أَحْمَدَ بنِ الصَّدْر الحَنْبَلِيّ، وَصَاحِبُ مَا وَرَاء النَّهْر مَحْمُوْدُ خَاقَانَ (3) بنُ مُحَمَّدٍ.

266 - ابْنُ كَرُّوْسٍ أَبُو يَعْلَى حَمْزَةُ بنُ أَحْمَدَ السُّلَمِيُّ *
الشَّيْخُ، المُحَدِّثُ، المُسْنِدُ، أَبُو يَعْلَى حَمْزَةُ بنُ أَحْمَدَ بنِ فَارِسِ بنِ المُنَجَّا بنِ كَرُّوْسٍ السُّلَمِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ.
مَوْلِده: يَوْم الأَضحَى، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ (مُوَطَّأَ يَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ)، عَنْ مَالِكٍ، مِنَ الفَقِيْه نَصْر بن إِبْرَاهِيْمَ المَقْدِسِيّ، وَسَمِعَ مِنْ: مَكِّيّ بن عَبْدِ السَّلاَمِ الرُّمَيْلِيّ، وَسَهْل بن بِشْرٍ الإِسْفَرَايِيْنِي.
وَطَلَبَ فِي وَقت بِنَفْسِهِ، وَنسخ بِخَطِّهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَابْنه القَاسِم، وَعُمَر بن عَلِيٍّ القُرَشِيّ، وَأَخُوْهُ؛ عَبْدُ الوَهَّابِ، وَالقَاضِي عَبْد الرَّحْمَنِ بن سُلْطَان، وَأَبُو القَاسِمِ ابْنُ صَصْرَى، وَمُكْرَم بن أَبِي الصَّقْرِ، وَإِسْحَاق بن طَرْخَانَ الشَّاغُوْرِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: كَتَبْتُ عَنْهُ بَعْد مَا تَابَ، وَكَانَ شَيْخاً حسن
__________
(1) سترد ترجمته برقم (272).
(2) تقدمت ترجمته برقم (244).
(3) مترجم في " العبر " 4 / 161 و" شذرات الذهب " 4 / 178.
(*) العبر 4 / 162، النجوم الزاهرة 5 / 362، شذرات الذهب 4 / 178، تهذيب ابن عساكر 4 / 442.

(20/392)


السَّمْت، تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ، سَنَة سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (1) .
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ نَاقَةَ (1) الكُوْفِيّ المُحَدِّث، وَزُمُرُّذ خَاتُوْنَ أُمُّ شَمْس المُلُوْك صَاحِبَةُ الخَاتُونِيَّةِ الَّتِي عَلَى الشَّرَف (2) ، وَصَدَقَةُ بنُ وَزِيْرٍ الوَاسِطِيّ الوَاعِظ (3) ، وَالوَاعِظ عَبْد الرَّحْمَنِ المَعَرِيّ (4) بِدِمَشْقَ، وَالشَّيْخ عَدِيّ بن مُسَافِرٍ الزَّاهِد (5) ، وَإِلْكِيَا الصَّبَّاحِيّ البَاطِنِي صَاحِبُ أَلموتَ (6) ، وَهِبَة اللهِ الشِّبْلِيُّ القَصَّار صَاحِبُ أَبِي نَصْرٍ الزَّيْنَبِيّ.

267 - الشِّبْلِيُّ أَبُو المُظَفَّرِ هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، بَقِيَّةُ المَشَايِخِ، خَاتِمَةُ مَنْ سَمِعَ مِنْ أَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيِّ، أَبُو المُظَفَّرِ هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الشِّبْلِيِّ البَغْدَادِيُّ، القَصَّارُ، الدَّقَّاقُ، المُؤَذِّنُ.
__________
(1) ترجمه ابن نقطة في " الاستدراك ": باب تافه وناقة، وهو أبو العباس أحمد بن يحيى ابن ناقة المسلي الكوفي، وترجمه ابن الأثير في " اللباب " 3 / 212 مادة (المسلي) وهي نسبة إلى مسلية: محلة بالكوفة، كان يسكنها أبو العباس، وابن حجر في " تبصير المنتبه " 4 / 1365 (المسلي)، وترجمه أيضا الصفدي في " الوافي " 8 / 231، والسيوطي في " بغية الوعاة " 1 / 395، وتحرف فيهما لفظ " ناقة " إلى " ناقد " بالدال، وتحرفت نسبة " المسلي " في " الوافي " إلى " المسكي " بالكاف، وفي " بغية الوعاة " إلى " المسيكي "، واتفقت هذه المصادر على أن وفاته سنة 559، لا كما ذكر المؤلف سنة 557.
(2) لها ترجمة في العبر 4 / 162، مختصر تنبيه الطالب: 86، وشذرات الذهب 4 / 178.
(3) له ترجمة في المنتظم 10 / 204.
(4) له ترجمة في شذرات الذهب 4 / 178، 179.
(5) تقدمت ترجمته برقم (233).
(6) انظر " الكامل " 11 / 288 و" اللباب " 3 / 234.
والصباحي نسبة إلى الحسن بن الصباح بتشديد الباء الموحدة.
(*) الاستدراك لابن نقطة: باب الشبلي والسلي، العبر 4 / 163، دول الإسلام 2 / 72، النجوم الزاهرة 5 / 362، شذرات الذهب 4 / 181.

(20/393)


وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ: أَبِي الغَنَائِمِ بنِ أَبِي عُثْمَانَ، وَطِرَادِ بنِ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَأَبِي نَصْرٍ بنِ المُجْلِي.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ الجِيْلِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ البَاقدرَائِي، وَأَبُو العَلاَءِ العَطَّار، وَعَبْد المُغِيْثِ بن زُهَيْرٍ، وَأَحْمَد بن طَارِقٍ، وَأَبُو طَالِبٍ بنُ عَبْدِ السَّمِيْعِ، وَعَلِيّ بن أَبِي سَعْدٍ بنِ تُمَيْرَةَ، وَأَبُو الفُتُوْحِ بنُ الحُصْرِيِّ، وَزَيْد بن يَحْيَى البَيِّعُ، وَظَفِرَ بن سَالِمٍ البَيْطَار، وَأُخْته يَاسمِينُ، وَالشَّيْخ شِهَاب الدِّيْنِ عُمَر السُّهْرَوَرْدِيّ، وَالنَّفِيْسُ بنُ كَرَمٍ، وَهِبَة اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ كَمَالٍ القَطَّانُ، وَعِدَّة.
وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: عَجِيْبَةُ البَاقدَارِيَة.
تُوُفِّيَ: فِي سَلْخِ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَمِنْ غَرِيْب الاتِّفَاق: أَنَّ فِيْهَا مَاتَ سَمِيُّه أَبُو بَكْرٍ هِبَة اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الحَفَّار (1) بِبَغْدَادَ، سَمِعَ مِنْ رِزْق اللهِ التَّمِيْمِيّ، وَأَجَازَ لِكَرِيْمَةَ.

268 - المُوْسَوِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ حَمْزَةَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ *
السَّيِّدُ، العَالِمُ، الزَّاهِدُ، الصَّالِحُ، شَيْخ هَرَاة، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ حَمْزَةَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ حَمْزَةَ الهَاشِمِيُّ، العَلَوِيُّ، المُوْسَوِيُّ، الهَرَوِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: مُحَمَّد بن عَلِيٍّ العُمَيْرِيّ، وَنَجِيْب بن مَيْمُوْنٍ، وَأَبِي عَامِرٍ الأَزْدِيّ، وَصَاعِد بن سَيَّار، وَالحَافِظ عَبْد اللهِ بن يُوْسُفَ الجُرْجَانِيّ، وَجَمَاعَة.
__________
(1) مترجم في العبر 4 / 163، وشذرات الذهب 4 / 181.
(*) التحبير 1 / 568، العبر 4 / 168، شذرات الذهب 4 / 187.

(20/394)


وَخَرَّجَ الحَافِظُ أَبُو النَّضْرِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الفَامِي (1) لَهُ (جُزْءاً) عَنْ مَشَايِخه.
وَمِنْ مَرْوِيَّاته كِتَاب (العَوَالِي) لابْنِ عَدِيّ.
وَسَمِعَ (جَامِع أَبِي عِيْسَى) مِنَ الأَزْدِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَوَلَده، وَعَبْد اللهِ بن عِيْسَى بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، وَحَفِيْده مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْلَ بن عَلِيٍّ، وَحَفِيْده الآخر عَلِيّ بن مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، وَيَحْيَى بن مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو رَوْحٍ عَبْد المُعِزِّ بن مُحَمَّدٍ البَزَّاز، وَآخَرُوْنَ.
وَعَاشَ: نَيِّفاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ (2) : عَلَوِي، حَسَن السِّيْرَةِ، مَرضِي، جَمِيْل الظَّاهِر وَالبَاطِن، كَثِيْر العِبَادَة وَالخَيْر، يَتفقد الفُقَرَاء، وَيُرَاعِيْهِم، مُحْتَرم عِنْد أَهْل بَلَده، مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

269 - الزِّيَادِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ البَغَوِيُّ *
الشَّيْخُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ البَغَوِيُّ، المُقْرِئُ، الصُّوْفِيُّ، بَقِيَّةُ الكِبَارِ.
سَمِعَ (جَامِع أَبِي عِيْسَى) مِنْ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي صَالِحٍ الدَّبَّاس، فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
ذَكَرَهُ ابْن نُقْطَة، وَأَنَّهُ تُوُفِّيَ بِهَرَاةَ، سَنَةَ سِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَلَو أَنَّهُ كَانَ
__________
(1) الذي تقدمت ترجمته برقم (202).
(2) في " التحبير " 1 / 568.
(*) لم نعثر على مصدر ترجمه.

(20/395)


بِبَغْدَادَ، لَبَقِي أَصْحَابه إِلَى بَعْد الأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
عَاشَ: أَكْثَر مِنْ تِسْعِيْنَ سَنَةً.

270 - أَبُو حَكِيْمٍ إِبْرَاهِيْمُ بنُ دِيْنَارٍ النُّهْرُوَانِيُّ *
العَلاَّمَةُ، القُدْوَةُ، أَبُو حَكِيْمٍ إِبْرَاهِيْمُ بنُ دِيْنَارٍ النُّهْرُوَانِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، أَحَدُ أَئِمَّةِ بَغْدَادَ.
إِمَام زَاهِد وَرع خَيِّرٌ حَلِيْمٌ، إِلَيْهِ المُنْتَهَى فِي عِلمِ الفَرَائِضِ.
أَنشَأَ بِبَابِ الأَزجِ مَدْرَسَةً، وَانقطع بِهَا يَتعبَّدُ (1) .
وَكَانَ يُؤثر الخُمُوْل وَالقُنوع، وَيَقتَاتُ مِنَ الخِيَاطَةِ، فَيَأْخُذ عَلَى القَمِيْص حَبَّتَيْنِ فَقَطْ (2) ، وَلَقَدْ جهد جَمَاعَةٌ فِي إِغضَابِهِ، فَعَجَزُوا، وَكَانَ يَخدُم الزَّمْنَى وَالعجَائِز بوجهٍ طَلْق، وَسَمَاعُه صَحِيْحٌ.
سَمِعَ: أَبَا الحَسَنِ بنَ العَلاَّفِ، وَأَبَا القَاسِمِ بنَ بَيَانٍ.
وَعَنْهُ: ابْنُ الجَوْزِيِّ، وَابْنُ الأَخْضَر، وَأَبُو نَصْرٍ عُمَر بن مُحَمَّد.
عَاشَ خَمْساً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَتُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَة سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (3) .
___________
(*) المنتظم 10 / 201، 202، العبر 4 / 159، الوافي بالوفيات 5 / 346، 347، البداية والنهاية 12 / 245، ذيل طبقات الحنابلة 1 / 239 - 241، النجوم الزاهرة 5 / 360، الدر المنضد في رجال أحمد للعليمي: ق 70 / 2، 71 / 1، شذرات الذهب 4 / 176، هدية العارفين 1 / 9.
(1) انظر " المنتظم " 10 / 201، و" طبقات " ابن رجب 1 / 239.
(2) انظر " طبقات " ابن رجب 1 / 239.
(3) وله تصانيف انظرها في " طبقات " ابن رجب 1 / 240، و" هدية العارفين " 1 / 9.

(20/396)


271 - الزَّيَّاتُ أَبُو النَّدَى حَسَّانُ بنُ تَمِيْمِ بنِ نَصْرٍ *
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، أَبُو النَّدَى حَسَّانُ بنُ تَمِيْمِ بنِ نَصْرٍ الدِّمَشْقِيُّ، الزَّيَّاتُ.
سَمِعَ مِنَ: الفَقِيْه نَصْر بن إِبْرَاهِيْمَ المَقْدِسِيّ مِنْ مَجَالِسه.
وَعَاشَ: بِضْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَابْنُهُ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَسَدٍ، وَأَبُو المَوَاهِب التَّغْلِبِيُّ، وَمُكْرمٌ القُرَشِيُّ، وَكَرِيْمَةُ بِنْتُ الحَبَقْبَقِ، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ: فِي تَاسِعَ عَشَرَ رَجَبٍ، سَنَة سِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ بَابِ الفَرَادِيْسِ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو الفَضْلِ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ القُزَّةِ الدِّمَشْقِيُّ (1) رَاوِي (الصَّحِيْح) عَنِ الفَقِيْه نَصْر، عَنِ ابْنِ السِّمْسَار.

272 - الصَّالِحُ أَبُو الغَارَاتِ طَلاَئِعُ بنُ رُزِّيْكٍ الأَرْمَنِيُّ **
وَزِيْرُ مِصْرَ، الْملك الصَّالِحُ، أَبُو الغَارَاتِ طَلاَئِعُ بنُ رُزِّيْكٍ الأَرْمَنِيّ، المِصْرِيّ، الرَّافضِي، وَاقف جَامِع الصَّالِح الَّذِي بِالشَّارع (2) .
__________
(*) العبر 4 / 170، شذرات الذهب 4 / 188، تهذيب تاريخ دمشق لبدران 4 / 127.
(1) مترجم في " المشتبه " 527 و" تبصير المنتبه " 3 / 1128.
(* *) النكت العصرية 1 / 32، خريدة القصر 1 / 173 - 185، الكامل 11 / 274 - 276، مرآة الزمان 8 / 146، الروضتين 1 / 124، وفيات الأعيان 2 / 526 - 530، العبر 4 / 160، دول الإسلام 2 / 72، المشتبه: 337، تتمة المختصر 2 / 99، البداية والنهاية 12 / 243، 244، الخطط المقريزية 2 / 293، اتعاظ الحنفا: 285، تبصير المنتبه 2 / 643، النجوم الزاهرة 5 / 345، 359، 360، حسن المحاضرة 2 / 205 - 215، شذرات الذهب 4 / 177، معجم الأنساب: 150.
(2) الذي على باب زويلة بظاهر القاهرة. " وفيات الأعيان " 2 / 529.

(20/397)


وَلِي نوَاحِي الصّعيد، فَلَمَّا قُتل الظَّافر، نَفَّذ آلُ الظَّافر وَحرمُهُ إِلَى ابْنِ رُزِّيك كُتُباً مُسخَّمَة فِي طَيِّهَا شُعورُ أَهْلِه مقصوصَةً، يَسْتَنفِرُوْنَهُ ليَأْخُذَ بِالثَّأْر، فَحشد وَجَمَعَ، وَأَقْبَلَ، وَاسْتَوْلَى عَلَى مِصْرَ (1) .
وَكَانَ أَدِيْباً عَالِماً شَاعِراً سَمحاً جَوَاداً مُمَدَّحاً شُجَاعاً سَائِساً.
وَلَهُ (دِيْوَان) صَغِيْر (2) .
وَلَمَّا مَاتَ الفَائِز، أَقَامَ العَاضد، فَتزوَّج العَاضد بِبنتِه، وَكَانَ الحلّ وَالعقد إِلَى الصَّالِح، وَكَانَ العَاضد مُحتجباً عَنِ الأُمُوْر لصبَاهُ، وَاغترَّ الصَّالِح بطول السَّلاَمَة، وَنقصَ أَرزَاقَ الأُمَرَاء، فَتعَاقدُوا عَلَى قَتلِهِ، وَوَافَقَهُم العَاضد، وَقرر قتلَه مَعَ أَوْلاَد الدَّاعِي (3) ، وَأَكمنهُم فِي القَصْر، فَشدُّوا عَلَيْهِ، وَجرحوهُ عِدَّة جرَاحَات، فَبَادَرَ مَمَالِيْكُهُ، فَقتلُوا أُوْلَئِك، وَحُمِلَ، فَمَاتَ ليَوْمِهِ فِي تَاسِعَ عَشَرَ رَمَضَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَخُلعَ عَلَى ابْنِهِ العَادِل رُزِّيْك، وَوَلِيَ الوزَارَة (4) .
قَالَ الشَّرِيْف الجوَانِي: كَانَ فِي نَصْر المَذْهَب كَالسِّكَّة المُحمَاة لاَ يُفرَى فَرِيُّه، وَلاَ يُبارَى عبقرِيُّه، وَكَانَ يَجْمَع العُلَمَاء، وَيُنَاظِرهُم عَلَى الإِمَامَة.
قُلْتُ: صَنّف فِي الرَّفْضِ وَالْقَدَرِ. وَلعُمَارَة اليَمَنِيِّ فِيْهِ مدَائِحُ وَمَرَاثِي (5) .
__________
(1) انظر " وفيات الأعيان " 2 / 526.
(2) جمعه محمد هادي الاميني، وطبع في النجف سنة 1964 م.
(3) في " وفيات الأعيان " و" الكامل ": الراعي، بالراء.
(4) انظر " الكامل " 11 / 274، و" وفيات الأعيان " 2 / 528.
(5) وقد رثاه بقصيدة أولها: أفي أهل ذا النادي عليم أسائله * فإني لما بي ذاهب اللب ذاهله وهي في " ديوانه " في 76 بيتا.

(20/398)


وَلَقَدْ قَالَ لِعَلِيِّ بنِ الزُّبْدِ لمَا ضجَّت الغوَغَاءُ يَوْم خِلاَفَة العَاضد وَهُوَ حَدَثٌ: يَا عَلِيُّ، تَرَى هَؤُلاَءِ القَوَّادِيْنَ دُعَاة الإِسْمَاعِيليَة يَقُوْلُوْنَ: مَا يَموت الإِمَام حَتَّى يَنُصَّهَا فِي آخَرَ، وَمَا عَلِمُوا أَنِّي مِنْ سَاعَةٍ كُنْت أَسْتعرضُ لَهُم خَلِيْفَةً كَمَا أَسْتعرضُ الْغنم (1) .

273 - المُقْتَفِي لأَمْرِ اللهِ مُحَمَّدُ ابنُ المُسْتَظْهِرِ بِاللهِ *
أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ ابنُ المُسْتَظْهِر بِاللهِ أَحْمَدَ ابْن المقتدِي بِاللهِ ابْن الذَّخيرَةِ مُحَمَّد ابنِ القَائِم بِأَمْرِ اللهِ عَبْدِ اللهِ ابْن القَادِر بِاللهِ عَبْد اللهِ أَحْمَد ابْن الأَمِيْر إِسْحَاق ابْن المُقْتَدِرِ الهَاشِمِيّ، العَبَّاسِيّ، البَغْدَادِيّ، الحَبَشِيّ الأُمُّ.
مَوْلِدُهُ: فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الحَسَنِ بنِ العَلاَّفِ، وَمِنْ مُؤَدِّبِهِ أَبِي البَرَكَات السِّيْبِيّ.
وَبُوْيِع بِالإِمَامَة فِي سَادِسَ عَشَرَ ذِي القَعْدَةِ، سَنَة ثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: وَأَظُنُّهُ سَمِعَ (جُزْءَ ابْنِ عَرَفَةَ) مِنِ ابْنِ بَيَانٍ، كَتَبتُ إِلَيْهِ قِصَّةً أَسْأَلُه الإِنعَامَ بِالإِذن فِي السَّمَاع مِنْهُ، فَأَنْعَم، وَفتش عَلَى الجُزْء، وَنفَّذه إِلَيَّ عَلَى يَدِ إِمَامِهِ ابْنِ الجَوَالِيْقِيّ، فَسمِعتُه مِنِ ابْنِ الجَوَالِيْقِيّ عَنْهُ،
__________
(1) انظر " الكامل " 11 / 275.
(*) المنتظم 10 / 197، الكامل 11 / 256، النبراس: 156، مرآة الزمان 8 / 144، الروضتين 1 / 124، مفرج الكروب 1 / 131، الفخري: 310، المختصر 3 / 37، العبر 4 / 158، دول الإسلام 2 / 71، تتمة المختصر 2 / 97، 98، الوافي بالوفيات 2 / 94، 95، البداية والنهاية 12 / 241، تاريخ ابن خلدون 3 / 522، معالم الانافة في مآثر الخلافة 2 / 35 - 44، النجوم الزاهرة 5 / 332، 333، تاريخ الخلفاء: 437 - 442، تاريخ الخميس 2 / 362، شذرات الذهب 4 / 172 - 174، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 4.

(20/399)


حَدَّثَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ بن الجَوَالِيْقِيّ، أَخْبَرَنَا المُقْتَفِي لأَمْرِ اللهِ...، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
قَرَأْته عَلَى الأَبَرْقُوْهِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ الجَوَالِيْقِيّ، أَخْبَرَنَا الوَزِيْر عَوْن الدِّيْنِ، أَخْبَرَنَا المُقْتَفِي، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الصَّرِيْفِيْنِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الوَرَّاق، حَدَّثَنَا حَفْصٌ الرَّبَالِيّ، حَدَّثَنَا أَبُو سُحَيْم، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يَزْدَادُ الأَمْرُ إِلاَّ شِدَّةً، وَلاَ النَّاسُ إِلاَّ شُحّاً، وَلاَ تَقُوْمُ السَّاعَةُ إِلاَّ عَلَى شِرَارِ النَّاسِ (1)).
وَأَنْبَأَنَاهُ جَمَاعَة سَمِعُوْهُ مِنْ أَبِي اليُمْنِ الكِنْدِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ البَيْضَاوِيّ، أَخْبَرَنَا الصَّرِيْفِيْنِيّ.
كَانَ المُقْتَفِي عَاقِلاً لَبِيْباً، عَامِلاً مَهِيْباً، صَارِماً، جَوَاداً، مُحِبّاً لِلْحَدِيْثِ وَالعِلْمِ، مُكْرماً لأَهْلِهِ، وَكَانَ حَمِيْدَ السيرَةِ، يَرْجِع إِلَى تديُّنٍ وَحُسنِ سِيَاسَةٍ، جدَّد معَالِمَ الخِلاَفَة، وَبَاشر المُهمَّاتِ بِنَفْسِهِ، وَغَزَا فِي جُيُوْشه.
قَالَ أَبُو طَالِبٍ بنُ عَبْدِ السَّمِيْعِ: كَانَتْ أَيَّامه نَضِرَةً بِالعَدْلِ زهرَة
__________
(1) إسناده ضعيف جدا أبو سحيم - واسمه المبارك بن سحيم، ويقال: ابن عبد الله البناني البصري مولى عبد العزيز بن صهيب - متروك اتفقوا على ضعفه، وفي الباب عن معاوية عند الطبراني في " الكبير " 19 / 357، والبيهقي في بيان خطأ من أخطأ على الشافعي ص 301، ورجاله ثقات، وأورده في المجمع 8 / 14، وقال: رجاله رجال الصحيح.
وعن أبي أمامة عند الحاكم 4 / 440 والطبراني (7757) والبيهقي في " بيان خطأ من أخطأ على الشافعي " ص 302، وفي سنده عندهم عبد الله كاتب الليث وهو سيء الحفظ لكن قال البيهقي: تابعه معن بن عيسى عن معاوية بن صالح وباقي رجاله ثقات وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وله طريق آخر عند الطبراني (7894) وانظر " المجمع " 7 / 285.
والفقرة الأخيرة من الحديث أخرجها مسلم في " صحيحه " (2949) من حديث ابن مسعود.

(20/400)


بِالخَيْرِ، وَكَانَ عَلَى قَدَمٍ مِنَ العِبَادَة قَبْل الخِلاَفَة وَمَعَهَا، وَلَمْ يُرَ مَعَ لينه بَعْد المُعْتَصِم فِي شهَامتِه مَعَ الزُّهْد وَالوَرَع، وَلَمْ تَزل جُيُوْشُه مَنْصُوْرَة.
قُلْتُ: وَكَانَ مِنْ حَسَنَاتِهِ وَزِيْرُهُ عَوْنُ الدِّينِ بنُ هُبَيْرَةَ (1) ، وَقِيْلَ: كَانَ لاَ يَجرِي فِي دَوْلَتِهِ شَيْءٌ إِلاَّ بِتَوقِيعِهِ، وَكَتَبَ فِي خِلاَفَتِهِ ثَلاَثَ رَبَعَاتٍ، وَوَزَرَ لَهُ عَلِيُّ بنُ طِرَادٍ (2) ، ثُمَّ أَبُو نَصْرٍ بنُ جَهِيرٍ (3) ، ثُمَّ عَلِيُّ بنُ صَدَقَةَ (4) ، ثُمَّ ابْنُ هُبَيْرَةَ، وَحجبَهُ أَبُو المَعَالِي بنُ الصَّاحبِ، ثُمَّ كَامِلُ بنُ مُسَافِرٍ، ثُمَّ ابْنُ المعوّجِ، ثُمَّ أَبُو الفَتْحِ بنُ الصَّيْقَلِ، ثُمَّ أَبُو القَاسِمِ بنُ الصَّاحبِ.
وَكَانَ أَسْمَرَ، آدَمَ، مَجْدُورَ الوَجْهِ، مليحَ الشَّيْبَةِ، أَقَامَ حِشْمَةَ الخِلاَفَةِ، وَقطعَ عَنْهَا أَطمَاعَ السَّلاَطِيْنِ السَّلْجُوْقيَّةِ وَغَيْرِهِم، وَكَانَ مِنْ سَلاَطِيْنِ خِلاَفَتِهِ صَاحِبُ خُرَاسَانَ سَنْجَرُ بنُ مَلِكْشَاه، وَالملكُ نورُ الدِّينِ صَاحِبُ الشَّامِ، وَأَبُوْهُ قسيمُ الدَّوْلَةِ.
أَنْبَؤُوْنَا عَنِ ابْنِ الجَوْزِيِّ، قَالَ: قَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي الفَرَجِ الحَدَّادِ، قَالَ:
حَدَّثَنِي مَنْ أَثقُ بِهِ: أَنَّ المُقْتَفِي رَأَى فِي مَنَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَخلَفَ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ لَهُ: سيصِلُ هَذَا الأَمْرُ إِلَيْكَ، فَاقتَفِ بِي؛ فَلِذَا لُقِّبَ المُقْتَفِي لأَمرِ اللهِ (5) .
وَكَانَ قَدْ قَدِمَ بَغْدَادَ السُّلْطَانُ مَسْعُوْدٌ السَّلْجُوْقِيُّ، وَذَهَبَ الرَّاشدُ مِنْ بَغْدَادَ، فَاجْتَمَعَ القُضَاةُ وَالكُبَرَاءُ، وَخلعُوا الرَّاشدَ - كَمَا ذكرنَا - لِعدَمِ أَهْليَّتِهِ،
__________
(1) سترد ترجمته برقم (282).
(2) تقدمت ترجمته برقم (90).
(3) تقدمت ترجمته برقم (190).
(4) مترجم في " المنتظم " 10 / 178.
(5) انظر " الكامل " 11 / 43 و" تاريخ الخلفاء ": 437.

(20/401)


وَحكمَ بِخلعِهِ ابْنُ الكَرْخِيِّ (1) القَاضِي، وَبَايَعُوا عَمَّهُ (2) .
قَالَ السَّديدُ بنُ الأَنْبَارِيِّ: نَفَّذَ السُّلْطَانُ إِلَى عَمِّهِ سَنْجَر: مَنْ نَستخلفُ؟
فَكَتَبَ إِلَيْهِ: لاَ تُوَلِّ إِلاَّ مَنْ يَضمنُهُ الوَزِيْرُ وَصَاحِبُ المخزنِ وَابْنُ الأَنْبَارِيِّ.
قَالَ: فَاجْتَمَعَ بِنَا مَسْعُوْدٌ، فَقَالَ الوَزِيْرُ: نُوَلِّي الدَّيِّنَ الزَّاهِدَ مُحَمَّدَ بنَ المُسْتظهِرِ.
قَالَ: تضمنُهُ.
قَالَ: نَعَمْ، وَكُنَّا صهراً لِلوزِيْرِ عَلَى بِنْتِهِ، تَزَوَّجَ بِهَا فِي دَوْلَةِ أَبِيْهِ.
وَأَخَذَ مَسْعُوْدٌ كُلَّ حَوَاصِلِ دَارِ الخِلاَفَةِ، بِحَيْثُ لَمْ يَدعْ فِي إِصطبلِ الخِلاَفَةِ سِوَى أَرْبَعَةِ أَفرَاسٍ وَثَمَانِيَةِ بغَالٍ.
فَقِيْلَ: بَايَعُوا مُحَمَّداً عَلَى أَنْ لاَ يَكُوْنَ عِنْدَهُ خيلٌ وَلاَ عِدَّةُ سفرٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ مِنْ سِنِيِّهِ صَادرَ مَسْعُوْدٌ أَهْلَ بَغْدَادَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ ابْنُ الكوَّازِ الزَّاهِدُ، وَوعظَهُ، فَتركَ، وَلَمْ يَدعْ لِلْخَلِيْفَةِ سِوَى العَقَار، ثُمَّ تَزَوَّجَ الخَلِيْفَةُ بِأُخْتِ مَسْعُوْدٍ.
وَفِيْهَا (3) اقتتلَ مَسْعُوْدٌ وَعَسَاكِرُ أَذْرَبِيْجَانَ وَالرَّاشدُ المخلوعُ، وَتَمَّتْ وَقْعَةٌ مَهُولَةٌ، وَكَتَبَ الخَلِيْفَةُ لِزِنْكِي بِعَشْرَةِ بِلاَدٍ، وَأَنْ لاَ يُعِينَ الرَّاشدَ، فَخُطِبَ بِالمَوْصِلِ لِلمُقْتَفِي، فَنَفَّذَ الرَّاشدُ يَقُوْلُ لِزِنْكِي: غدرتَ.
قَالَ: مَا لَنَا طَاقَةٌ بِمَسْعُوْدٍ.
وَفَارقَ الرَّاشدَ وَزِيْرُهُ ابْنُ صَدَقَة، وَقلَّ جَمعُهُ، وَتَحيَّزَ إِلَى مرَاغَةَ، وَبَكَى عِنْدَ قَبْرِ أَبِيْهِ، وَحَثَا عَلَى رَأْسِهِ التُّرَابَ، فَثَارَ مَعَهُ أَهْلُ مَرَاغَةَ، وَبذلُوا لَهُ الأَمْوَالَ، وَقَوِيَ بِالملكِ دَاوُدَ، وَعَمِلَ مَصَافّاً مَعَ مَسْعُوْدٍ فَاسْتظهَرَ دَاوُدَ.
وَفِيْهَا (4) هَرَبَ وَزِيْر مِصْر تَاج الدَّوْلَة بَهْرَامَ النَّصْرَانِيّ الأَرْمَنِيّ، وَكَانَ قَدْ
__________
(1) الذي تقدمت ترجمته برقم (264).
(2) انظر " الكامل " 11 / 42، 43.
(3) أي سنة 531، وأورد ابن الأثير ذلك في حوادث سنة 530.
(4) أي في سنة 531 كما في " الكامل " 11 / 48، 49.

(20/402)


تَمَكَّنَ، وَاسْتَعْمَلَ الأَرمن، فَظلم الرَّعِيَّة، فَجمعَ رِضْوَانُ الولخشِي جَيْشاً، وَقصد القَاهِرَةَ، فَسَارَ بَهْرَامُ فِي جَيْشِهِ إِلَى الصّعيد وَأَكْثَرهُم أَرمن نَصَارَى، فَمنعه أَمِيْر أُسْوَان مِنْ دُخُوْلهَا، فَاقْتَتَلُوا، وَقُتِلَ عِدَّةٌ مِنَ الأَرمن وَالسودَان، ثُمَّ بَعَثَ يَطلب أَمَاناً مِنَ الحَافِظِ العبيدِي، فَآمَنَهُ، فَعَاد وَحُبِس بِالقَاهِرَةِ، ثُمَّ ترهَّبَ، ثُمَّ أُطْلِقَ، وَوزر لِلْحَافِظ رِضْوَان، وَلُقب بِالملك الأَفْضَل، ثُمَّ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الحَافِظ بَعْد سنتَيْن، فَهَرَبَ إِلَى الشَّامِ، فَنَزَلَ عَلَى أَمِيْرِ الدَّوْلَة كَمشتِكين صَاحِب صَرْخَد، فَأَكْرَمَه، وَعظَّمه.
وَأُعِيْدت إِلَى المُقْتَفِي ضِيَاعه وَمعَامِلاَتُهُ، وَتَمَكَّنَ، وَنَصْر عَسْكَر دِمَشْق وَعَلَيْهِم بزوَاش عَلَى فِرْنَج طَرَابُلُس، وَالتَقَى زِنْكِي وَالفِرَنْج أَيْضاً فَهَزمهُم، وَاسْتَوْلَى عَلَى قَلْعَةٍ لَهُم، ثُمَّ سَارَ وَأَخَذَ بَعْلَبَكَّ، وَأَخَذتِ الرُّوْم بُزَاعَةَ (1) بِالأَمَانِ، وَتنصَّر قَاضِيهَا وَجَمَاعَة، فَلله الأَمْر (2) .
وَتَزَوَّجَ السُّلْطَان مَسْعُوْدٌ بِبنتِ دُبَيْسٍ الأَسَدِيِّ لِملاَحتهَا، وَأُغلقت بَغْدَاد لِلْعرس أُسْبُوْعاً فِي سَنَةِ 532.
وَفِيْهَا (3) : اسْتفحل أَمر الرَّاشد، وَالتف عَلَيْهِ عَسَاكِر، فَقتلته البَاطِنِيَّة، وَنَازلت عَسَاكِر الرُّوْم حلب، وَحمِي الحَرْب، وَقُتِلَ خَلْقٌ مِنَ النَّصَارَى، وَقُتِلَ بِطْرِيْقُهُم، ثُمَّ نَازلُوا شَيْزَر مُدَّة، وَعَاثُوا فِي الشَّام، وَمَا قحم عَلَيْهِم زِنْكِي، بَلْ ضَايقهُم، وَطلب النّجدَة مِنَ السُّلْطَان مَسْعُوْد، ثُمَّ قلعهُم الله.
وَفِي سَنَةِ 533: زلْزلت جَنْزَة.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (4) : فَأَهْلكت مائَتَيْ
__________
(1) بلدة بين منبج وحلب. " معجم البلدان " 1 / 409.
(2) انظر " الكامل " 11 / 56 - 60.
(3) أي سنة 532. انظر " الكامل " 11 / 60 - 63.
(4) في " المنتظم " 10 / 78 حوادث سنة 533.

(20/403)


أَلفٍ وَثَلاَثِيْنَ أَلْفاً، فَسَمِعْتُ شَيْخنَا ابْنَ نَاصِرٍ يَقُوْلُ:
جَاءَ الخَبَر أَنَّهُ خُسفت جَنْزَة، وَصَارَ مَكَان البَلَدِ مَاءٌ أَسودُ.
وَكَذَا عدهُم ابْن الأَثِيْرِ فِي (كَامِلِه (1))، لَكِن أَرَّخهَا فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ (2) .
وَفِيْهَا: حَاصر زِنْكِي دِمَشْق غَيْرَ مَرَّةٍ (3) ، وَعُزِلَ ابْنُ طِرَاد مِنَ الوِزَارَة، وَوَلِيهَا أُسْتَاذ الدَّار أَبُو نَصْرٍ بنُ جَهِيْرٍ، وَعَظُمَ الخطبُ بِالعَيَّارِيْنَ، وَأَخَذُوا الدُّور بِالشُّموع وَالثِّيَاب مِنَ الحمَامَات، وَأَعَانَهُم وَزِيْر السُّلْطَان، فَتَحَزَّب النَّاسُ لَهُم، وَأَذِنَ فِي ذَلِكَ السُّلْطَانُ، وَتَتَبَّعُوهُم.
وَفِيْهَا: كَانَتْ وَقْعَةٌ عُظْمَى بَيْنَ سَنْجَر السُّلْطَان وَبَيْنَ كَافِر ترك بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ، فَانْكَسَرَ المُسْلِمُوْنَ، وَنَجَا سَنْجَر فِي طَائِفَةٍ، فَتوصَّل إِلَى بَلْخَ فِي سِتَّة نَفرٍ، وَقُتِلَ خَلْقٌ كَثِيْرٌ مِنَ الجَيْش حَتَّى قِيْلَ: قُتل مائَةُ أَلْف، وَسَارَ اللعينُ فِي ثَلاَثِ مائَةِ أَلْفِ فَارِسٍ، وَأَحَاطُوا بِسَنْجَرَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ.
وَفِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ (4) : حَاصَرَ زِنْكِي الفِرَنْج بِالرُّهَا، وَافْتَتَحَهَا، ثُمَّ بَعْد سَنَوَات أَخَذَتهَا الفِرَنْج.
وَفِيهَا: افْتَتَحَ عَبْدُ المُؤْمِنِ مدينَة تِلِمْسَان، ثُمَّ فَاس.
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ: حَاصر زِنْكِي قَلْعَة جَعْبَرَ، فَوَثَبَ عَلَيْهِ ثَلاَثَةٌ مِنْ غِلمَانِه، فَقَتَلُوْهُ، وَعَارض شِحْنَةُ (5) مَسْعُوْدٍ المُقْتَفِي فِي دَارِ الضَّرب، فَأَمر بِحَبسِهِ، وَعظُم المُقْتَفِي، وَأَخَذتِ الفِرَنْجُ طَرَابُلُسَ المَغْرِبِ، وَاسْتفحلَ أَمرُ
__________
(1) 11 / 77.
(2) وكذا فعل المؤلف في ترجمة الموسوي التي تقدمت برقم (29) نقلا عن السمعاني.
(3) ذكر ابن الأثير ذلك في حوادث سنة 534.
(4) انظر " الكامل " 11 / 98.
(5) الشحنة أعوان الأمير الذين يضبطون أمور الدولة.

(20/404)


الْمَلِكِ عَبْدِ المُؤْمِنِ، وَغَلَبَ عَلَى مَمَالِكِ المَغْرِبِ (1) .
وَفِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ: وَلِي ابْن هُبَيْرَةَ دِيْوَانَ الزِّمَام (2) ، وَعُزل مِنِ ابْنِ جَهِيْر، وَوزر أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ صَدَقَةَ.
وَفِي سَنَةِ 543: جَاءت ثَلاَثَةُ مُلُوْكٍ مِنَ الفِرَنْجِ إِلَى القُدْسِ، مِنْهُم طَاغِيَةُ الأَلمَانِ، وَصَلَّوْا صَلاَة المَوْت، وَفَرَّقُوا عَلَى جُندهِم سَبْع مائَة أَلْف دِيْنَارٍ، فَلَمْ يَشعُر بِهِم أَهْل دِمَشْقَ إِلاَّ وَقَدْ صبَّحوهُم فِي عَشْرَة آلاَف فَارِس وَسِتِّيْنَ أَلْفَ رَجُلٍ، فَخَرَجَ المُسْلِمُوْنَ فَارِسُهُم وَرَاجِلُهُم، وَالتَقَوْا، فَاسْتُشْهِدَ نَحْوُ المائَتَيْنِ، مِنْهُم الفَنْدَلاَوِيّ (3) ، وَعَبْد الرَّحْمَنِ الحَلْحُوْلِيّ، ثُمَّ اقْتَتَلُوا مِنَ الغَدِ، وَقُتِلَ خَلْقٌ مِنَ الفِرَنْج، فَلَمَّا كَانَ خَامِس يَوْم، وَصل مِنَ الجَزِيْرَة غَازِي بنُ زِنْكِي فِي عِشْرِيْنَ أَلْفاً، وَتَبِعَهُ أَخُوْهُ نُور الدِّيْنِ، وَكَانَ الضَّجِيج وَالدُّعَاء وَالتَّضَرُّع بِدِمَشْقَ لاَ يُعَبَّرُ عَنْهُ، وَوَضَعُوا المُصْحَف العُثْمَانِيّ فِي صَحنِ الجَامِعِ، وَكَانَ قِسِّيسُ العَدُوّ قَالَ: وَعَدَنِي المَسِيْحُ بِأَخْذَ دِمَشْق.
فَحفُّوا بِهِ، وَرَكِبَ حِمَارَه وَفِي يَدِهِ الصَّليب، فَشدَّ عَلَيْهِ الدَّمَاشقَة، فَقتلُوْهُ، وَقتلُوا حِمَاره، وَجَاءت النّجدَات، فَانْهَزَمَ الفِرَنْجُ (4) .
وَقَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ (5) : سَارَ ملكُ الأَلمَان مِنْ بِلاَدِه لِقَصْدِ المُسْلِمِيْنَ، وَانضمَّ إِلَيْهِم فِرْنَجُ الشَّامِ، فَنَازلَ دِمَشْقَ، وَبِهَا الْملك مُجِيْرُ الدِّيْنِ أَبَقُ وَأَتَابَكُهُ مُعِيْنُ الدِّيْنِ أَنُر، فَنَجَدَه أَوْلاَدُ زِنْكِي، وَنَزَلَ ملكُ الأَلمَان بِالمَيْدَانِ الأَخْضَر،
__________
(1) انظر " الكامل " 11 / 108 و115.
(2) راجع ص 295 ت رقم (1) ترجمة رقم (199).
(3) تقدمت ترجمته برقم (133).
(4) انظر " تاريخ " ابن القلانسي 462 - 466، و" المنتظم " 8 / 130، 131، و" مرآة الزمان " 8 / 119، 120، والبداية 12 / 223، 224.
(5) في الكامل 11 / 129 وما بعدها.

(20/405)


وَأَيِسَ أَهْلُ دِمَشْقَ، وَوصل صَاحِبُ المَوْصِلِ إِلَى حِمْصَ، فَرَاسلَ أَنُر مُلُوْكَ فِرْنَجِ السَّاحِلِ يَقُوْلُ: بأَيِّ عقل تُسَاعِدُوْنَ الأَلمَان عَلَيْنَا؟! وَإِنْ ملكُوا أَخذُوا مِنْكُم السوَاحل، وَأَنَا إِذَا عجزت سلَّمت دِمَشْق إِلَى ابْنِ زِنْكِي، فَلاَ تَقُوْمُوْنَ بِهِ.
فَتخَاذلُوا، وَبَذَلَ لَهُم بَانِيَاس، فَخوَّفُوا ملك الأَلمَان مِنْ عَسَاكِر الشَّرْق، فَرد إِلَى بِلاَده، وَهِيَ وَرَاء قُسْطَنْطِيْنِيَّة.
وَفِيْهَا: ظُهُوْر الدَّوْلَة الغُورِيَة، فَقصد سُوْرِيُّ بنُ حُسَيْنٍ مَدينَةَ غَزْنَةَ، وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا، فَجرت بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَهْرَامَ شَاه وَقْعَةٌ، فَقُتلَ سُورِي، فَغضبت الغُوْر لِقَتلِهِ، وَحَشَدُوا، فَكَانَ خُرُوْجُهُم فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَالملكُ فِي بَقَايَاهُم إِلَى اليَوْمِ، وَافْتَتَحُوا إِقْلِيْم الهِنْد (1) .
وَاشتدَّ بِإِفْرِيْقِيَةَ القَحطُ، لاَ بَلْ كَانَ القَحطُ عَامّاً، فَقَالَ المُؤَيَّد عِمَادُ الدِّيْنِ: فِيْهَا كَانَ الغلاَءُ العَامُّ مِنْ خُرَاسَانَ إِلَى العِرَاقِ إِلَى الشَّامِ إِلَى بِلاَد المَغْرِبِ (2) .
وَفِي سَنَةِ 44: كسر نُوْر الدِّيْنِ مَحْمُوْد صَاحِبُ حلب الفِرَنْجَ، وَقَتَلَ صَاحِب أَنطَاكيَة فِي أَلف وَخَمْس مائَة مِنْهُم، وَأَسَرَ مِثْلهُم، ثُمَّ أَخَذَ مِنْهُم حصن فَامِيَة.
وَكَانَ جُوسلين طَاغِيَةُ تلّ باشِر (3) ، قَدْ أَلهبَ المُسْلِمِيْنَ بِالغَارَات، وَاسْتَوْلَى عَلَى إِلبيرَة وَبَهَسْنَا (4) وَمَرْعَش وَالرَّاوندَان وَعين تَابَ وَعَزَاز، فَحَارَبَهُ سلحدَار (5) نُوْرِ الدِّيْنِ، فَأَسره جُوسلين، فَدَسَّ نُوْر الدِّيْنِ
__________
(1) انظر " الكامل " 11 / 135، 136.
(2) " الكامل " 11 / 137.
(3) تل باشر: قلعة حصينة وكورة واسعة شمالي حلب. " معجم " ياقوت 2 / 40.
(4) بفتحتين وسكون السين ونون وألف: قلعة حصينة عجيبة بقرب مرعش وسميساط " معجم " ياقوت 1 / 516.
(5) السلحدار أو السلاح دار: هو لقب الذي يحمل سلاح السلطان أو الأمير، وهي إحدى =

(20/406)


جَمَاعَة مِنَ التُّركمَان، وَقَالَ: مَنْ جَاءنِي بِجُوسلين فَلَهُ مَا طلبَ.
فَنَزَلُوا بِنَاحيَة عين تَابَ، وَأَغَار عَلَيْهِم جُوسلين، وَأَخَذَ مِنْهُم امْرَأَة مليحَة، وَافتضَّهَا تَحْتَ شَجَرَة، فَكمن لَهُ التُّرُكْمَانُ، وَأَسروهُ، فَأَعْطَاهُم نُوْر الدِّيْنِ عَشْرَة آلاَف دِيْنَار، وَاسْتَوْلَى نُوْر الدِّيْنِ عَلَى بِلاَدِه (1) ، وَاشتدَّ القَحط بِالعِرَاقِ عَام أَوّل، وَزَال فِي العَامِ، وَوزر ابْن هُبَيْرَةَ، وَنكثتْ فِرْنَج السوَاحل، فَشن أَنُر الغَارَات عَلَيْهِم، وَفعل مِثْلَه العربُ وَالتُّرُكْمَان، حَتَّى طلبُوا تَجديد الهُدنَة، وَأَنْ يَتركُوا بَعْض القطيعَة.
وَالتَقَى نُوْر الدِّيْنِ الفِرَنْج، فَهَزمهُم، وَقَتَلَ قَائِدهُم البُرْنُس أَحَد الأَبْطَال، وَمَرِضَ أَنُر بِحَوْرَان وَمَاتَ، ثُمَّ دُفِنَ بِالمُعَيْنِيَّةِ (2) .
وَمَاتَ الحَافِظُ صَاحِب مِصْرَ، وَقَامَ وَلَدُهُ الظَّافرُ، وَوزر لَهُ ابْن مصَال، ثُمَّ اخْتلف المِصْرِيّون، وَقُتِلَ خَلْقٌ.
وَفِي سَنَةِ 545: ضَايق نُور الدِّيْنِ دِمَشْقَ، فَأَذْعَنُوا، وَخطبُوا لَهُ بِهَا بَعْد ملكهَا، فَخلع عَلَى ملكهَا، وَطوَّقه، وَردَّه إِلَى البَلَد، وَاسْتدعَى الرَّئِيْس مُؤَيَّد الدِّيْنِ إِلَى مُخيَّمه، وَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَردَّ إِلَى حلب.
وَفِيْهَا أُخِذَ ركبُ العِرَاق، وَقلَّ مَنْ نَجَا، وَقُتِلَ ابْنُ مصَال الوَزِيْر، وَغلبَ ابْنُ السَّلاَّر.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (3) : جَاءَ بِاليَمَنِ مَطَرٌ كُلُّه دَم.
__________
= الوظائف آنذاك، وأصحاب هذه الوظيفة يعبر عنهم لزيهم بالركابية، وهو مركب من لفظين: احدهما عربي وهو السلاح، والثاني فارسي وهو دار، ومعناه ممسك أو حامل.
انظر " صبح الاعشى " 2 / 480 و5 / 462.
(1) " الكامل " 11 / 154 - 156.
(2) من مدارس الحنفية بدمشق. انظر " مختصر تنبيه الطالب " 106، 107.
(3) في " المنتظم " 10 / 143.

(20/407)


وَفِي سَنَةِ 46: عَاود نُوْر الدِّيْنِ مُحَاصرَة دِمَشْق، وَرَاسلهُم نُوْر الدِّيْنِ: إِنِّيْ أُوْثِر إِصْلاَح الرَّعِيَّة وَجِهَاد الفِرَنْج، فَإِنْ أَعَاننِي عَسْكَركُم عَلَى الغَزْو، فَهُوَ المُرَاد.
فَنفرُوا، وَامتنعُوا، وَخربت الغُوْطَة، وَعَاث العَسْكَر، وَتحركت الفِرَنْج إِنجَاداً لملك دِمَشْق، فَضَاقت صُدُور الأَخيَار، وَجُرح خلق، ثُمَّ تَحَوَّلَ نُوْر الدِّيْنِ إِلَى البِقَاع لَمَّا جَاءت جُيُوْش الفِرَنْج نَجدَة، فَطَلبُوا مِنْ دِمَشْقَ مَال القطيعَة المَبْذُوْلَة لَهُم عَلَى تَرْحِيلُ نُوْر الدِّيْنِ، ثُمَّ عَادَ نُوْرُ الدِّيْنِ إِلَى دَارَيَّا، وَبَرَزَ عَسْكَر البَلَد، وَوقعت المنَاوشَة، وَتَصَالَحُوا، ثُمَّ سَارَ ملك دِمَشْق مُجِيْر الدِّيْنِ إِلَى خدمَة نُوْر الدِّيْنِ إِلَى حلب، فَأَكْرَمَه، وَبَقِيَ كَنَائِبٍ لِنُوْر الدِّيْنِ بِدِمَشْقَ، وَافتَتَح نُوْر الدِّيْنِ أَنطرطوس (1) وَتل بَاشر وَعِدَّة معَاقل لِلْفرنج، وَنَازلت أَرْبَعونَ أَلْفاً مِنَ الفِرَنْج قُرْطُبَة ثَلاَثَة أَشْهُرٍ، حَتَّى كَادُوا أَنْ يَأْخذوهَا، فَكشف عَنْهَا جَيْشُ عَبْد المُؤْمِنِ، وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً، وَقَدِمَ السُّلْطَان مَسْعُوْد بَغْدَاد.
وَفِي سَنَةِ 47: مَاتَ مَسْعُوْد، وَقَامَ بَعْدَهُ أَخُوْهُ مُحَمَّد، وَعظم شَأْن المُقْتَفِي، وَسَارَ إِلَى وَاسِط، فَمهدهَا، وَعطف إِلَى الكُوْفَةِ، ثُمَّ عَادَ مُؤيداً مَنْصُوْراً، فَعُملتْ لَهُ قِبَاب الزِّينَة.
وَفِي سَنَةِ 48: أَخذت الفِرَنْج عَسْقَلاَن، وَاشتدَّ الغلاَء بِدِمَشْقَ، وَمَاتَ الفُقَرَاء، فَطمع نُوْر الدِّيْنِ فِي أَخْذِهَا، فَفِي أَوَّلِ سَنَة تِسْع قَدِمَ شِيْركُوه رَسُوْلاً، فَنَزَلَ فِي أَلف فَارِس، فَلَمْ يَخْرُجُوا لِتلقيه، وَقَوِيت الوحشَة، وَأَقْبَلَ نُوْر الدِّيْنِ، فَنَزَلَ بِبَيْتِ الأَبَّار، وَزَحَفَ عَلَى البَلَد مَرَّتين، وَأَقْبَلَ عَسْكَره إِلَى بَاب كَيْسَان، فَإِذَا لَيْسَ عَلَى السُّوْر كَبِيْر أَحَد، فَتَقَدَّم رَاجل، فَرَأَتْه يَهُوْديَة، فَدلَّت لَهُ حبلاً، فَصَارَ عَلَى السُّوْر، وَتَبِعَهُ جَمَاعَة، فَنصبُوا
__________
(1) بلد من سواحل بحر الشام. " معجم " ياقوت 1 / 270.

(20/408)


سَنْجَقاً (1) ، وَصَاحُوا: نُوْر الدِّيْنِ يَا مَنْصُوْر.
وَفتر القِتَال، وَبَادر قطَّاع خشب بفَأْسه، فَكسر قفل بَاب شرقِي، وَدَخَلَ نُوْر الدِّيْنِ، وَفرحت بِهِ الرَّعِيَّة، فَتحصن الْملك مُجِيْر الدِّيْنِ بِالقَلْعَة طَالباً لِلأَمَان، ثُمَّ نَزل، فَطيب نُوْر الدِّيْنِ قَلْبه، وَخَرَجَ بِأَمْوَاله إِلَى الدَّارِ الأَتَابَكيَة، ثُمَّ ذهب إِلَى حِمْصَ، وَكُتِبَ لَهُ بِهَا مَنْشُوْر.
وَأَقْبَلت الغُزّ التُّرُكْمَان، فَنهبُوا نَيْسَابُوْر، وَعَذَّبُوا وَقتلُوا بِهَا أُلُوْفاً، وَخدمُوا السُّلْطَان سَنْجَر، وَأَخَذوهُ مَعَهُم، فَصَارَ فِي حَال زرِيَة بَعْد الْعِزّ وَالملك، يَرْكُب أَكدُشاً، وَرُبَّمَا جَاع.
وَفِيْهَا: يَوْمَ الجُمُعَةِ، ثَانِي شَوَّال، وَقعت صَاعِقَة عَظِيْمَة فِي التَّاج الَّذِي بِدَارِ الخِلاَفَة، فَتَأَججت فِيْهِ وَفِي القُبَّة وَالدَّار، فَبقيت النَّار تَعْمَل فِيْهِ تِسْعَة أَيَّام حَتَّى أُطْفِئَتْ بَعْدَ أَنْ صَيَّرته كَالحُمَمَة، وَكَانَتْ آيَة هَائِلَة وَكَائِنَة مدهشَة، وَكَانَ هَذَا التَّاج مِنْ مَحَاسِن الدُّنْيَا، أَنشَأَه المكتفِي فِي دَوْلَته، وَكَانَ شَاهقاً، بَدِيْع البنَاء، ثُمَّ رُمَّ شَعْثُه وَطُرِّي.
وَفِي سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ: سَارَ المُقْتَفِي إِلَى الكُوْفَةِ، وَاجتَاز بِسُوقهَا، وَقُتِلَ فِي العَامِ المَاضِي الظَّافرُ بِمِصْرَ، وَقَدِمَ طلاَئِع بن زُرِّيك مِنَ الصّعيد لِلأَخْذَ بِثَأْر الظَّافر مِنْ قَاتِلِه عَبَّاسٍ، فَفَرَّ عَبَّاس نَحْو الشَّام بِأَمْوَاله، فَأَخَذتْهُ فِرْنَجُ عَسْقَلاَن، فَقَتَلُوْهُ، وَبَاعُوا ابْنه نصرَا لِلمِصرِيِّينَ، وَاضْطَرَب أَمرُ مِصْر، وَعزمت الفِرَنْج عَلَى أَخْذِهَا، وَأَرست مَرَاكِب جَاءت مِنْ صَقِلِّيَّة عَلَى تِنِّيْسَ، فَهجموهَا، وَقتلُوا، وَسَبَوْا، وَافتَتَح نُوْر الدِّيْنِ قِلاعاً لِلْفرنج وَبَعْض بِلاَدِ الرُّوْم بِالأَمَانِ، وَاتَّسَعَ مُلكُه، فَبَعَثَ إِلَيْهِ المُقْتَفِي تَقلِيداً، وَلقَّبه بِالملك العَادل، وَأَمره بِقصد مِصْر.
__________
(1) السنجق تقدم التعريف به في حواشي الترجمة (124).

(20/409)


وَفِي سَنَةِ 551: سَارَ المُقْتَفِي وَالسُّلْطَان سُلَيْمَان بن مُحَمَّدِ بنِ مَلِكْشَاه إِلَى حُلْوَان، ثُمَّ نَفَّذ المُقْتَفِي العَسَاكِر مَعَ السُّلْطَان، وَفِي رَمَضَانهَا هَرَبَ سَنْجَر مِنَ الغُزّ فِي خوَاصه إِلَى تِرْمِذ، وَتَمنع بِهَا.
وَكَانَ أَتْسِز خُوَارِزْمشَاه وَابْن أُخْت سَنْجَر الخَاقَانُ مَحْمُوْد يُحَاربَان الغُزّ، وَالحَرْب بَيْنهُم سجَال، وَذلَّت الغُزّ بِمَوْت عليّ بِك، وَأَتَتِ الأَترَاك الفَارغليَة إِلَى خدمَة سَنْجَر، وَعظم حَاله، وَرجع إِلَى دَار ملكه مَرْو.
وَفِيْهَا: جَاءت الزَّلْزَلَة العُظْمَى بِالشَّامِ.
وَفِي سَنَةِ 52: وَرد كِتَاب السُّلْطَان سَنْجَر إِلَى الْملك نُوْر الدِّيْنِ يَتودد فِيْهِ، وَأَنَّهُ انْتَصر عَلَى الغُزّ بحيلَة، وَيَعده بِنصره عَلَى الفِرَنْج، فَزُيِّنَت دِمَشْق وَالقَلْعَة بِالمغَانِي، وَكسر عَسْكَر نُوْر الدِّيْنِ الفِرَنْج، وَأَخَذَ نُوْر الدِّيْنِ بَانِيَاس بِالسَّيْف، ثُمَّ التَقَى نُوْرُ الدِّيْنِ، وَنُصِرَ عَلَيْهِم - وَللهِ الحَمْدُ -.
وَفِيْهَا: نَازل مُحَمَّد شَاه بنُ مَحْمُوْدٍ وَعلِي كوجك بَغْدَاد فِي ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً، وَاقْتَتَلُوا أَيَّاماً، وَعظم الْخطب، وَقُتِلَ خَلْقٌ كَثِيْر، وَبَذَلَ المُقْتَفِي الأَمْوَال وَالغلاَل، ثُمَّ ترحلُوا، وَسَارَ المُقْتَفِي إِلَى أَوَانَا (1) ، وَتَصيد، وَمَاتَ سَنْجَر السُّلْطَان، وَهَزَمَ نُوْر الدِّيْنِ الفِرَنْج عَلَى صَفد، وَأُخِذت غزَة مِنَ الفِرَنْج.
وَفِي سَنَةِ 53: سَارَ المُقْتَفِي إِلَى وَاسِط، وَزَار مشْهد الحُسَيْن، وَرد، ثُمَّ سَارَ إِلَى المَدَائِن، وَشَهِدَ العِيْد فِي تَجمل بَاهِر.
__________
(1) بلدة كثيرة البساتين والشجر، من نواحي دجيل بغداد، بينها وبين بغداد عشرة فراسخ، وكثيرا ما يذكرها الشعراء الخلعاء في أشعارهم.
" معجم البلدان " 1 / 274.

(20/410)


قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ (1) : كَانَ مصرع الإِسْمَاعِيليَة الخُرَاسَانِيين، نَزلُوا وَكَانُوا أَلْفاً وَسَبْع مائَة، فَأَخذُوا زَوَّقَ تركمَان (2) ، فَتنَاخت التُّرُكْمَان، وَكَرُّوا عَلَيْهِم، وَوضعُوا فِيهِم السَّيْف، فَمَا نَجَا مِنْهُم إِلاَّ تِسْعَة أَنْفُس.
وَكَانَتْ ملحمَة كُبْرَى بَيْنَ الغُزّ وَبَيْنَ أُمَرَاء خُرَاسَان، وَدَام المَصَافّ يَوْمَيْنِ، وَانتصرت الغُزّ، وَاسْتَغْنَوْا، وَشرعُوا فِي العَدْل قَلِيْلاً.
وَفِيْهَا: التَقَى المِصْرِيّون وَالفِرَنْجُ بِفِلَسْطِيْن، فَاسْتُبيحت الفِرَنْج.
وَفِيْهَا: التَقَى نُوْر الدِّيْنِ وَالفِرَنْج، فَانْهَزَم عَسْكَرُهُ، وَنَجَا نُوْرُ الدِّيْنِ، وَانْهَزَمَ العَدُوُّ أَيْضاً.
وَفِيْهَا: أَقْبَل صَاحِب قُسْطَنْطِيْنِيَّة فِي جُيُوْش الرُّوْم، وَأَغَار أَوَائِلُهُم عَلَى بِلاَدِ أَنطَاكيَة (3) .
وَفِي سَنَةِ 554: مرض نُوْر الدِّيْنِ، وَعهد بِالمُلك بَعْدَهُ لأَخِيهِ مَوْدُوْدٍ، وَصَالَحَ صَاحِبَ القُسْطَنْطِيْنِيَّة، وَأَطلق لَهُ مُقدَّمين مِنْ أَسرَى الفِرَنْج، فَبَعَثَ هُوَ إِلَى نُوْر الدِّيْنِ هدَايَا وَتحفاً، وَسَارَ نُوْر الدِّيْنِ، فَتَمَلَّكَ حرَان، وَمد سِمَاطاً لأَخِيه مَوْدُوْد لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ.
وَفِي سَنَةِ 4: كَانَ الفَسَاد بِالغز عَمَّالاً، وَسَارَ الخَلِيْفَة إِلَى وَاسِط، وَسَارَ عَبْد المُؤْمِنِ سُلْطَان المَغْرِب، فَحَاصَر المهديَة سَبْعَة أَشهر، وَأَخَذَهَا بِالأَمَان، وَبِهَا خلق مِنَ النَّصَارَى، وَكَانَتْ بِأَيْدِيهِم مِنِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَافتَتَح أَيْضاً قَبْلهَا تُوْنُس.
__________
(1) في " الكامل " 11 / 238.
(2) في الكامل ": فأوقعوا بالتركمان، فلم يجدوا الرجال، وكانوا قد فارقوا بيوتهم، فنهبوا الاموال، وأخذوا النساء والاطفال، وأحرقوا ما لم يقدروا على حمله ...
(3) هي باللام، بلد كبير في تركيا اليوم.

(20/411)


وَفِي (كَامِل ابْن الأَثِيْرِ (1)): أَنَّ نَقيب العَلَوِيَّة بِنَيْسَابُوْرَ ذُخْرَ الدِّيْنِ قتل شَافعِيٌّ بَعْض أَصْحَابه، فَطَلَبَهُ مِنْ رَئِيْس الشَّافِعِيَّة المُوفَّقِي، فَحمَاهُ، فَاقْتَتَلُوا أَيَّاماً، وَعظم الْخطب، وَأُحرقت المدَارس وَالأَسواق، وَاسْتَحَرَّ الْقَتْل بِالشَّافِعِيَّة بِحَيْثُ اسْتُؤصل البَلَد - فَلله الأَمْر -.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (2) : مرض المُقْتَفِي بعلَة الترَاقِي، وَقِيْلَ: بِدُمَّل فِي عُنُقه، فَتُوُفِّيَ فِي ثَانِي رَبِيْع الأَوّل، سَنَة خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ سِتٌّ وَسِتُّوْنَ سَنَةً، سِوَى ثَمَانِيَة وَعِشْرِيْنَ يَوْماً، وَكَذَا مَاتَ أَبُوْهُ بعلَة الترَاقِي.

274 - المُسْتَنْجِدُ بِاللهِ يُوْسُفُ ابنُ المُقْتَفِي لأَمْرِ اللهِ *
الخَلِيْفَةُ، أَبُو المُظَفَّرِ يُوْسُف ابْن المُقْتَفِي لأَمْرِ اللهِ مُحَمَّد ابْن المُسْتَظْهِر ابْن المقتدِي العَبَّاسِيّ.
عَقَدَ لَهُ أَبُوْهُ بِوِلاَيَةِ العَهْد فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ، وَعمره يَوْمَئِذٍ تِسْع وَعِشْرُوْنَ سَنَةً.
فَلَمَّا احْتضرَ المُقْتَفِي، رَام طَائِفَة عزل المُسْتَنْجِد، وَبعثَت حَظِيَّةُ المُقْتَفِي أُمُّ عليّ إِلَى الأُمَرَاءِ تَعدِهُم وَتُمَنِّيهم ليُبَايعُوا ابْنهَا عَلِيّ بن المُقْتَفِي.
قَالُوا:
__________
(1) 11 / 250.
(2) في " المنتظم " 10 / 197.
(*) المنتظم 10 / 192 - 194 و236، الكامل 11 / 256 و360 - 362، مرآة الزمان 8 / 177، خلاصة الذهب المسبوك: 276، الروضتين 1 / 190، مفرج الكروب 1 / 193، الفخري: 316، العبر 4 / 194، دول الإسلام 2 / 79، تتمة المختصر 2 / 120، 121، فوات الوفيات 4 / 358 - 360، مرآة الجنان 3 / 379، البداية والنهاية 12 / 262، تاريخ ابن خلدون 3 / 525، معالم الانافة 2 / 44 - 49، النجوم الزاهرة 5 / 386، الضوء اللامع 10 / 329، حسن المحاضرة 2 / 91، 92، تاريخ الخلفاء: 442 - 444، تاريخ الخميس 2 / 363، شذرات الذهب 4 / 218، 219، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة: 4، الزركشي: 355.

(20/412)


كَيْفَ هَذَا مَعَ وُجُوْد وَلِي العَهْد يُوْسُف؟
قَالَتْ: أَنَا أَكفِيكمُوْهُ.
وَهَيَّأَتْ جَوَارِي بِسكَاكين ليثبن عَلَيْهِ، فَرَأَى خُويدم لِيُوْسُف الحَرَكَةَ، وَرَأَى بِيَدِ عَلِيّ وَأُمّه سَيْفَيْن، فَبَادر مذعوراً إِلَى سيِّده، وَبعثَت هِيَ إِلَى يُوْسُف: أَن احْضر مَوْت أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ.
فَطَلبَ أُسْتَاذَ الدَّار، وَلَبِسَ درعاً، وَشهر سَيْفه، وَأَخَذَ مَعَهُ جَمَاعَة مِنَ الحوَاشِي وَالفَرَّاشين، فَلَمَّا مرّ بِالجَوَارِي، ضَرَبَ جَارِيَةً بِالسَّيْفِ جَرَحَهَا، وَتَهَارب الجَوَارِي، وَأَخَذَ أَخَاهُ وَأُمّه، فَحَبَسَهُمَا، وَأَبَاد الجَوَارِي تَغرِيقاً وَقَتلاً، وَتَمَكَّنَ.
وَأُمّه كرجيَة اسْمهَا طَاوُوْس (1) .
قَالَ الدُّبَيْثِيّ: كَانَ يَقُوْلُ الشّعر، وَنقشُ خَاتِمه: مَنْ أَحَبّ نَفْسه عَمل لَهَا.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: حَكَى ابْن صَفِيَّة: أَنَّ المُقْتَفِي رَأَى ابْنه يُوْسُف فِي الْحر، فَقَالَ: أَيشٍ فِي فَمِك؟
قَالَ: خَاتم يَزْدَن عَلَيْهِ أَسْمَاء الاثْنَيْ عَشَرَ، وَذَلِكَ يُسكِّن الْعَطش.
قَالَ: وَيْلَك (2) ! يُرِيْد يَزْدَن أَنْ يُصَيِّرك رَافِضِيّاً، سَيِّدُ الاثْنَيْ عَشَرَ الحُسَيْن -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَمَاتَ عطشَان.
وَللمُسْتنجد:
عَيَّرَتْنِي بِالشَّيبِ وَهُوَ وَقَارُ ... لَيتَهَا عَيَّرتْ بِمَا هُوَ عَارُ
إِنْ تَكُنْ شَابَتِ الذَّوَائِب مِنِّي ... فَاللَّيَالِي تَزِينُهَا الأَقمَارُ (3)
نَبأَنِّي جَمَاعَة عَنِ ابْنِ الجَوْزِيّ، حَدَّثَنِي الوَزِيْر ابْن هُبَيْرَةَ، حَدَّثَنِي المُسْتَنْجِد، قَالَ:
رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ مُنْذُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَقَالَ
__________
(1) انظر " الكامل " 11 / 256، 257.
(2) في الأصل: والك.
(3) البيتان في " فوات الوفيات " 4 / 360 وفيه " تنيرها " بدل " تزينها ".

(20/413)


لِي: يَبْقَى أَبُوْك فِي الخِلاَفَة خَمْساً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً.
فَكَانَ كَمَا قَالَ، فَرَأَيْتهُ قَبْل مَوْت أَبِي بِأَرْبَعَة أَشْهُرٍ، فَدَخَلَ بِي مِنْ بَاب كَبِيْر، ثُمَّ ارْتفعنَا إِلَى رَأْس جبل، وَصَلَّى بِي رَكْعَتَيْنِ، وَأَلْبَسَنِي قمِيْصاً، ثُمَّ قَالَ لِي: قل: اللَّهُمَّ اهدنِي فِيْمَنْ هديت (1) .
ثُمَّ قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (2) : أَقر المُسْتَنْجِد أَربَاب الولاَيَات، وَأَزَال المُكُوْس وَالضّرَائِب.
وَنَقَلَ صَاحِب (الرَّوْضَتين (3)): أَنه كَانَ مَوْصُوَفاً بِالعَدْل وَالرّفق، وَأَطلق المُكُوْس، بِحَيْثُ إِنَّهُ لَمْ يَتركْ بِالعِرَاقِ مكساً، وَكَانَ شدِيداً عَلَى الْمُفْسدينَ، سجن عوَانِياً كَانَ يَسْعَى بِالنَّاسِ مُدَّة، فَبذل رَجُل فِيْهِ عَشْرَة آلاَف دِيْنَار.
قَالَ المُسْتَنْجِد: فَأَنَا أَبذل عَشْرَة آلاَف دِيْنَار لِتَأْتِينِي بآخر مِثْله أَحبسه.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ فِي (كَامِلِه (4)): كَانَ المُسْتَنْجِد أَسْمَر، تَامّ القَامَة، طَوِيْل اللِّحْيَة، اشتدَّ مَرضه، وَكَانَ قَدْ خَاف أُسْتَاذ الدَّار عضد الدَّوْلَة بن رَئِيْس الرُّؤسَاء، وَقَايمَاز المُقتَفَوِي كَبِيْرُ الأُمَرَاء، فَوَاضَعَا الطَّبِيْب عَلَى أَذِيَّته، فَوصف لَهُ الحَمَّام، فَامْتَنَعَ لضَعْفه، ثُمَّ أُدخل الحَمَّام، وَأُغلق عَلَيْهِ، فَتَلِفَ هَكَذَا، سَمِعْتُ غَيْر وَاحِد مِمَّنْ يَعلم الحَال.
قَالَ: وَقِيْلَ: إِنَّ الخَلِيْفَة كَتَبَ إِلَى وَزِيْره مَعَ ابْنِ صَفِيَّة الطَّبِيْب يَأْمره بِالقبض عَلَى قَايمَاز وَعضد الدَّوْلَة وَصَلْبهمَا، فَأَرَى ابْنُ صَفِيَّة الْخط لِعَضُدِ الدَّوْلَة، فَاجْتَمَعَ بقَايمَاز وَيَزْدَن،
__________
(1) " المنتظم " 10 / 193.
(2) في " المنتظم " 10 / 193.
(3) 190، 191، عن " الكامل " 11 / 362.
(4) 11 / 360، 361.

(20/414)


فَاتَّفَقُوا عَلَى قَتله، فَدَخَلَ إِلَيْهِ يَزدن وَآخر، فَحملاَهُ إِلَى الحَمَّام وَهُوَ يَسْتَغِيث، وَأَغلقَاهُ عَلَيْهِ.
قُلْتُ: أَوَّل مَنْ بَايَع المُسْتَنْجِد عَمُّه أَبُو طَالِبٍ، ثُمَّ أَخُوْهُ أَبُو جَعْفَرٍ، ثُمَّ ابْن هُبَيْرَةَ، وَقَاضِي القُضَاة الدَّامَغَانِيّ.
وَفِي سَنَةِ 55: قبض الأُمَرَاء بِهَمَذَان عَلَى سُلَيْمَانَ شَاه، وَملَّكُوا أَرْسَلاَن شَاه، وَمَاتَ بِمِصْرَ الفَائِز بِاللهِ، وَبَايعُوا العَاضد.
وَفِي سَنَةِ 56: قُتل بِمِصْرَ الصَّالِحُ وَزِيْرُهَا، وَاسْتَوْلَى شَاور، وَسَافَرَ لِلصيد المُسْتَنْجِد مَرَّات، وَالتَقَى صَاحِب أَذْرَبِيْجَان وَالكُرْج، فَنَصَرَ اللهُ، وَتَملك نَيْسَابُوْر المُؤَيَّد أَيَبَه، وَاسْتنَاب مَمْلُوْكَهُ يَنكز عَلَى بِسْطَامَ وَدَامَغَان، وَتَمَكَّنَ، وَهَزَمَ الجُيُوْش، وَهُوَ مِنْ تَحْتِ أَمر السُّلْطَان رسلاَن.
وَفِيْهَا: كسرت الفِرَنْج نُوْر الدِّيْنِ تَحْتَ حصن الأَكرَاد، وَنجَا هُوَ بِالجهد، وَنَزَلَ عَلَى بُحيرَة حِمْص، وَحَلَفَ لاَ يَسْتَظل بِسَقْف حَتَّى يَأْخذ بِالثَّأْر، ثُمَّ التقَاهُم فِي سَنَةِ 59، فَطحَنهُم، وَأَسَرَ ملوكهُم، وَقُتِلَ مِنْهُم عَشْرَة آلاَف بِحَارمَ (1) ، ثُمَّ جهَّز جُيُوْشه مَعَ أَسد الدِّيْنِ مُنجِد الشَّاور وَانتصر، وَقَتَلَ ضدَّه ضِرغَاماً، ثُمَّ اسْتنجد بِالفِرَنْج، فَأَقْبَلُوا، وَضَايقُوا أَسد الدِّيْنِ بِبَلْبِيْس، وَافتَتَح نُوْر الدِّيْنِ حَارم وَبَانِيَاس، وَضَاع مَنْ يَده خَاتم بِفَصٍّ يَاقُوْت يُسَمَّى الْجَبَل، ثُمَّ وَجَدُوْهُ.
وَفِيْهَا: أَقْبَل صَاحِب قُسْطَنْطِيْنِيَّة بجَيْشه مُحَارِباً لملك الرُّوْم قلج رسلاَن، فَنَصَرَ اللهُ، وَأَخَذَ المُسْلِمُوْنَ مِنْهُم حُصُوْناً.
__________
(1) حارم بكسر الراء: هي اليوم بلدة شمال سورية من محافظة إدلب.

(20/415)


وَفِي سَنَةِ 60: وُلدت بِبَغْدَادَ بِنْتُ أَبِي الْعِزّ الأَهْوَازِيّ أَرْبَعَ بنَات جُمْلَةً.
وَفِيْهَا: هَاجت فِتْنَةٌ صمَاء بِسَبَب العقَائِد بِأَصْبَهَانَ، وَدَام القِتَال بَيْنَ العُلَمَاء أَيَّاماً، وَقُتِلَ خَلْقٌ كَثِيْر، قَالَهُ ابْنُ الأَثِيْرِ (1) .
وَفِي سَنَةِ 561: عَملت الرَّافِضَّة مَأْتَم عَاشُورَاء، وَبَالغُوا، وَسبُّوا الصَّحَابَة، وَخَرَجت الكَرَج، وَبدَّعُوا فِي الإِسْلاَمِ، وَغَزَا نُوْر الدِّيْنِ مَرَّات.
وَفِي سَنَةِ 62: كَانَ مسير شِيْركُوه إِلَى مِصْرَ ثَانِي مرَّة فِي أَلْفَيْن، وَحَاصَرَ مِصْر شَهْرَيْنِ، وَاسْتنجد شَاور بِالفِرَنْج، فَدَخَلُوا مِنْ دِمْيَاط، وَحَارَبَهُم شِيْركُوه، وَانتصر، وَقتلت أُلُوف مِنَ الفِرَنْج، وَسَارَ شِيْركُوه، وَاسْتَوْلَى عَلَى الصّعيد، وَافتَتَح وَلد أَخِيْهِ صلاَح الدِّيْنِ الإِسْكَنْدَرِيَّة، ثُمَّ نَازلته الفِرَنْج، وَحَاصروهُ بِهَا أَشْهُراً حَتَّى ردّ شِيْركُوه، فَهَرَبت الفِرَنْج عَنْهَا، وَاسْتقر بِمِصْرَ لِلْفرنج شحنَة وَقطيعَةُ مائَةِ أَلْف دِيْنَار فِي العَامِ، وَقَدِمَ شِيْركُوه، وَأَعْطَاهُ نُوْر الدِّيْنِ حِمْص.
وَفِي سَنَةِ 564: غزوُ شِيْركُوه مِصْر ثَالِثَ مرَّة، وَملكت الفِرَنْج بَلْبِيْس، وَنَازلُوا القَاهِرَة، فَذل لَهُم شَاور، وَطلب الصُّلح عَلَى قطيعَة أَلف أَلف دِيْنَار فِي العَامِ، فَأَجَابَهُ الطَّاغِيَة مَرِّي إِلَى ذَلِكَ، فَعجل لَهُ مائَة أَلْف دِيْنَار، وَاسْتنجد بِنُوْرِ الدِّيْنِ، وَسود كِتَابهُ، وَجَعَلَ فِي طَيِّه ذوَائِب النِّسَاء، وَوَاصِل كتبه يَحُثُّه، وَكَانَ فِي حلب، فَجَهَّزَ عَسْكَره، وَاسْتخدم أَسد الدِّيْنِ حَتَّى قِيْلَ: كَانَ فِي سَبْعِيْنَ أَلْفاً مِنْ بَيْنِ فَارِس وَرَاجل.
فَتقهقر الفِرَنْج لقُدُومِهِ، وَذلُوا، وَدَخَلَ القَاهِرَة فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، وَجَلَسَ فِي دست المَمْلَكَة، وَخلعَ عَلَيْهِ العَاضد خلع السّلطنَة، وَكَتَبَ لَهُ التَّقْلِيد، وَعلاَمَة العَاضد بِخَطِّهِ: هَذَا عهد لَمْ يُعهد
__________
(1) في " الكامل " 11 / 319.

(20/416)


مِثْلُه لوزِيْر، فَتقلَّدْ أَمَانَةً رَآك أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ لَهَا أَهْلاً، وَالحُجَّةُ عَلَيْك عِنْد الله بِمَا أَوضحه لَكَ مِنْ مرَاشِد سُبُله، فَخذ كِتَاب أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ بِقُوَّة، وَاسحب ذَيل الفخَار بِأَنِ اعتزَّتْ بِك بُنُوَّةُ النُّبُوَّةِ، وَاتَّخِذْ لِلْفوزِ سَبِيلاً: {وَلاَ تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلتُمُ اللهَ عَلَيْكُم كَفِيلاً} [النحلُ (1) : 91].
وَقَام شَاور لضيَافَة الجَيْش، فَطَلبُوا مِنْهُ النفقَة، فَمَاطل، ثُمَّ شدَّ عَلَيْهِ أُمَرَاء، فَقبضُوا عَلَيْهِ، وَذُبحَ، وَحُمِلَ رَأْسه إِلَى العَاضد، وَمَاتَ شِيْركُوه بَعْد الوِلاَيَة بِشَهْرَيْنِ.
قَالَ العمَاد: أَحرق شَاور مِصْر، وَخَافَ عَلَيْهَا مِنَ الفِرَنْج، وَدَامت النَّار تَعْمَل فِيْهَا أَرْبَعَة وَخَمْسِيْنَ يَوْماً.
وَقلد العَاضد منصب شِيْركُوه لابْنِهِ أَخِيْهِ صلاَح الدِّيْنِ، فَغَضِبَ عَرَبُ مِصْر وَسودَانُهَا، وَتَأَلبُوا، وَأَقْبَلُوا فِي خَمْسِيْنَ أَلْفاً، فَكَانَ المَصَافّ بَيْنَ القَصْرَيْنَ يَوْمَيْن، وَرَاح كَثِيْر مِنْهُم تَحْتَ السَّيْف، وَكَانَتِ الزَّلْزَلَة العُظْمَى بصِقِلِّيَّةَ، أَهْلكت أُمَماً.
وَفِي سَنَة خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ: جَاءت زلاَزل عِظَام بِالشَّامِ، وَدكت الْقِلَاع، وَأَفنت خلقاً، وَحَاصرت الفِرَنْج دِمْيَاط خَمْسِيْنَ يَوْماً، فَعَجَزُوا، وَرحلُوا، وَأَخَذَ نُوْر الدِّيْنِ سِنْجَار، وَتوجّه إِلَى المَوْصِل، وَرَتَّبَ أُمُوْرهَا، وَبَنَى بِهَا الجَامِع الأَكْبَر، وَسَارَ فَحَاصَر الْكرْك، وَنصبَ عَلَيْهَا مِنجنِيقَينِ، وَجدَّ فِي حصَارهَا، فَأَقْبَلت نَجدَة الفِرَنْج، فَقصدهُم نُوْر الدِّيْنِ، وَحصدهُم، وَتَمَكَّنَ بِمِصْرَ صلاَح الدِّيْنِ، وَذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُوْهُ، فَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً، ركب العَاضد بِنَفْسِهِ لِتلقيه.
قَالَ صلاَح الدِّيْنِ: مَا رَأَيْتُ أَكرم مِنَ العَاضد! بَعَثَ
__________
(1) انظر " الكامل " 11 / 335 وما بعدها، و" تاريخ الخلفاء ": 444.

(20/417)


إِلَيَّ مُدَّة مُقَام الفِرَنْج عَلَى حِصَار دِمْيَاط أَلفَ أَلفِ دِيْنَار مِصرِيَة سِوَى الثِّيَاب وَغَيْرهَا.
وَقِيْلَ: إِنَّ المُسْتَنْجِد كَانَ فِيْهِ عدل وَرِفق، بطَّل مُكُوْساً كَثِيْرَة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ مَوْصُوَفاً بِالفَهْم الثَّاقب، وَالرَّأْي الصَّائِب، وَالذّكَاء الغَالِب، وَالفَضْل البَاهر، لَهُ نَظْمٌ، وَنثر، وَمَعْرِفَة بِالأَسْطُرْلاَب.
تُوُفِّيَ: فِي ثَامنِ رَبِيْع الآخر، سَنَة سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقَامَ بَعْدَهُ ابْنه المُسْتضيء.
قُلْتُ: الإِمَام إِذَا كَانَ لَهُ عقل جَيِّد، وَدين مَتِين، صلح بِهِ أَمر المَمَالِك، فَإِنْ ضعف عَقْله، وَحسنت ديَانتُه، حَمله الدِّيْنُ عَلَى مشَاورَة أَهْل الْحزم، فَتسددت أُمُوْرُه، وَمشت الأَحْوَال، وَإِنْ قلَّ دينُه، وَنَبُلَ رَأْيه، تَعبت بِهِ البِلاَد وَالعبَاد، وَقَدْ يَحمله نبل رَأْيه عَلَى إِصْلاَح ملكه وَرعيته لِلدُّنْيَا، لاَ لِلتَّقْوَى، فَإِنْ نَقص رَأْيه، وَقل دينه وَعَقْله، كثر الفسَاد، وَضَاعت الرَّعِيَّة، وَتعبُوا بِهِ، إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ فِيْهِ شجَاعَة، وَلَهُ سطوَة وَهَيْبَة فِي النُّفُوْس، فَيْنجبر الحَال، فَإِنْ كَانَ جَبَاناً، قَلِيْلَ الدِّيْنِ، عَدِيْمَ الرَّأْي، كَثِيْر الْعَسْف، فَقَدْ تَعرَّض لبلاَء عَاجِل، وَرُبَّمَا عُزل وَسُجن إِنْ لَمْ يُقتل، وَذَهَبت عَنْهُ الدُّنْيَا، وَأَحَاطت بِهِ خطَايَاهُ، وَنَدِمَ -وَاللهِ- حَيْثُ لاَ يُغنِي النّدم، وَنَحْنُ آيِسُوْنَ اليَوْمَ مِنْ وُجُوْد إِمَام رَاشِد مِنْ سَائِر الوُجُوه، فَإِنْ يَسَّر اللهُ لِلأَئِمَّةِ بِإِمَامٍ فِيْهِ كَثْرَةُ مَحَاسِن وَفِيْهِ مَسَاوِئ قَلِيْلَة، فَمَنْ لَنَا بِهِ، اللَّهُمَّ فَأَصلح الرَّاعِي وَالرَّعِيَّة، وَارحمْ عبَادَك، وَوَفِّقْهُم، وَأَيِّد سُلْطَانَهُم، وَأَعِنهُ بِتوفِيقِكَ.

(20/418)


275 - أَبُو البَرَكَاتِ هِبَةُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ ملكَا البَلَدِيُّ *
العَلاَّمَةُ، الفَيْلَسُوْف، شَيْخ الطِّبِّ، أَوحدُ الزَّمَانِ، أَبُو البَرَكَاتِ هِبَةُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ ملكَا البَلَدِيُّ، اليَهُوْدِيُّ كَانَ، ثُمَّ أَسْلَمَ فِي أَوَاخِرِ عُمُرِهِ، خدم الخَلِيْفَة المُسْتَنْجِد.
قَالَ المُوَفَّق بن أَبِي أَصِيْبعَة (1) : تَصَانِيْفُه فِي غَايَة الجَوْدَة، وَلَهُ فِطرَة فَائِقَة، أَضَرَّ بِأَخَرَةٍ، وَكَانَ يُمْلِي عَلَى الجمَال بن فَضْلاَن، وَابْن الدَّهَّان، وَالمُهذَّب ابْنِ النَّقَّاش، وَوَالِدِ المُوفَّق عَبْد اللَّطِيْفِ كِتَابهُ المُسَمَّى بِـ (المُعتبر).
قِيْلَ: سَبَب إِسلاَمه: أَنَّهُ دَخَلَ إِلَى الخَلِيْفَة، فَقَامَ لَهُ الكُلّ سِوَى القَاضِي، فَقَالَ: يَا أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ! إِنْ كَانَ القَاضِي لَمْ يَقُم لأَنِّي عَلَى غَيْر مِلَّتِه، فَأَنَا أُسْلِمُ، فَأَسْلَمَ.
خلف ثَلاَث بنَات، وَعَاشَ نَحْو الثَّمَانِيْنَ.
وَهُوَ صَاحِبُ تِريَاق برشعثَا، وَلَهُ (رِسَالَةٌ) فِي مَاهيَة العَقْل (2) .
وَمِنْ تَلاَمِذته: الْمُهَذّب عَلِيّ بنُ هبَل.
مَاتَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَبَرَعَ فِي علم الفَلْسَفَة إِلَى الغَايَة.
__________
(*) تاريخ حكماء الإسلام: 343 - 346، اخبار العلماء بأخبار الحكماء: 224، عيون الانباء في طبقات الاطباء: 374 - 376، تاريخ مختصر الدول لابن العبري: 364 - 366، المختصر 3 / 43، تتمة المختصر 2 / 107، نكت الهميان: 304، مطالع البدور 2 / 105، كشف الظنون: 1731، هدية العارفين 2 / 505، 506.
(1) في " طبقات الاطباء ": 374 - 376.
(2) انظر بقية تصانيفه في " عيون الانباء " 376.

(20/419)


276 - كَمَالُ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ أُمُّ الحَسَنِ *
كَمَالُ بِنْتُ المُحَدِّثِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ بنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، أُمُّ الحَسَنِ، صَالِحَةٌ، خَيِّرَةٌ، وَهِيَ زَوْجَةُ المُحَدِّثِ عَبْدِ الخَالِقِ اليُوْسُفِيِّ (1) .
سَمِعَتْ مِنْ: طِرَاد، وَابْن البَطِرِ، وَالنِّعَالِيّ.
وَعَنْهَا: إِبْرَاهِيْم بن بَرْهَان النسَاج، وَهِبَة اللهِ بن عُمَرَ بنِ كَمَال الحلاَّج.
تُوُفِّيَتْ: سَنَة ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

277 - أَخُوْهَا: أَبُو المُظَفَّرِ هِبَةُ اللهِ **
سَمِعَ: النِّعَالِيّ، وَجَعْفَراً السَّرَّاج.
رَوَى عَنْهُ: مُوَفَّق الدِّيْنِ المَقْدِسِيّ.
مَاتَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
278 - الخَزْرَجِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الحَقِّ بنِ أَحْمَدَ القُرْطُبِيُّ ***
الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الحَقِّ بن أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الحَقِّ الخَزْرَجِيّ، القُرْطُبِيّ، المَالِكِيّ.
سَمِعَ (المُوَطَّأَ) وَغَيْرَهُ مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ فَرجٍ الطَّلاَّعِيِّ، وَعُنِي بِالفِقْه.
__________
(*) انظر أعلام النساء 4 / 262.
(1) الذي تقدمت ترجمته برقم (187).
(* *) لم أعثر على مصدر ترجمه.
(* * *) لم اعثر على مصدر ترجمه.

(20/420)


وَسَمِعَ فِي كُهولته مِنْ: أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ عتَاب، وَطَائِفَة.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ القَاضِي عَبْد الحَقّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ بنُ بَقِيٍّ، وَغَيْرُهُمَا.
وَتُوُفِّيَ: قَرِيْباً مِنْ سَنَةِ سِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ هَارُوْنَ فِي كِتَابِهِ مِنْ تُوْنُس سَنَة سبعِ مائَة، قَالَ: سَمِعْتُ (المُوَطَّأ) مِنِ ابْنِ بَقِيٍّ، أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ الحَقِّ حَدَّثَهُ سَمَاعاً عَنِ الطَّلاَّعِيّ.

279 - الحَرَسْتَانِيُّ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ *
الشَّيْخُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ جَعْفَرٍ القُرَشِيُّ، الحَرَسْتَانِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، البُسْتَانِيُّ، رَاوِي (جُزْءِ الرَّافقِي (1)) سَمِعَهُ فِي سَنَةِ ثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي الحَدِيْد، وَهُوَ الَّذِي عرَّفهُم بِسَمَاعِه لَمَّا رَآهُم قَدْ خَرَجُوا يَسْمَعُوْنَ بِالقَرْيَة، فَقَالَ: مَا أَنسَى ابْن أَبِي الحَدِيْد وَقَدْ طلع، وَسَمِعنَا عَلَيْهِ، وَفَرطْتُ لَهُم مِنْ هَذِهِ الجَوزَة، فَدَخَلَ الطلبَة، فَنبشُوا سَمَاعَه.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَابْنه، وَمَحْمُوْد بن شُتَيّ، وَأَبُو القَاسِمِ ابْنُ صَصْرَى، وَابْنُ غَسَّانَ، وَمُكْرم، وَكَرِيْمَة.
تُوُفِّيَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَة إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، عَنْ نَيِّف وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
__________
(*) لم نعثر على مصدر ترجمه.
(1) وهو أبو الفضل العباس بن محمد بن نصر، المتوفى سنة 356، مرت ترجمته في الجزء السادس عشر برقم (30).

(20/421)


280 - الفَلَكِيُّ أَبُو المُظَفَّرِ سَعِيْدُ بنُ سَهْلِ بنِ مُحَمَّدٍ *
المَوْلَى، الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، الزَّاهِدُ، الصَّالِحُ، أَبُو المُظَفَّرِ سَعِيْدُ بنُ سَهْلِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ النَّيْسَابُوْرِيُّ الأَصْلِ، الخُوَارِزْمِيُّ، المَشْهُوْرُ بِالفَلَكِيِّ.
سَمِعَ مِنْ: نَصْر اللهِ بن أَحْمَدَ الخُشْنَامِيّ، وَعَلِيّ بن أَحْمَدَ بنِ الأَخْرَم المُؤَذِّن، وَاستوطن دِمَشْق بِالسُّمَيْسَاطيَة (1) .
حَدَّثَ عَنْهُ بِالجُزْء المَنْسُوْب إِلَيْهِ: ابْن عَسَاكِرَ، وَابْنه بَهَاء الدِّيْنِ، وَأَبُو المَوَاهِب بن صَصْرَى، وَأَخُوْهُ الحُسَيْن، وَمُحَمَّد بن الحُسَيْنِ المُجَاوِر، وَزَين الأُمَنَاءِ أَبُو البَرَكَاتِ، وَمُحَمَّد بن غَسَّانَ، وَمُكْرَم بن أَبِي الصَّقْرِ، وَطَائِفَة.
وَقَدْ كَانَ وَزر بِخُوَارِزْمَ لِصَاحِبهَا.
وَكَانَ ذَا هَيْبَة، وَشَهَامَة، وَنَهضَة بِأَعبَاء الأَمْر، وُجُوْدٍ وَبَذْلٍ، ثُمَّ إِنَّهُ خَاف مِنَ الْملك، فَحجَّ، وَتَصدَّق بِأَمْوَال ضَخْمَة، وَقَدِمَ دِمَشْق، وَنَزَلَ بِالخَانْقَاه، وَجدد بِهَا الصُّفَّةَ الغربيَة وَالبِركَة وَالقنَاةَ مِنْ مَالِه، وَبَاشر النَّظَر فِي وَقفهَا.
__________
(*) العبر 4 / 170، الوافي بالوفيات 15 / 224، النجوم الزاهرة 5 / 370، شذرات الذهب 4 / 188 وتحرفت نسبته فيه إلى " العلكي " بالعين بدل الفاء، تهذيب تاريخ دمشق لبدران 6 / 131، 132.
(1) وهي الخانقاه السميساطية، نسبة إلى السميساطي أبي القاسم علي بن محمد بن يحيى السلمي الدمشقي من أكابر رؤساء دمشق، متوفى سنة 453 ه، انظر عنها " مختصر تنبيه الطالب " 144 - 146، وتقع قريبة من الباب الشمالي للجامع الأموي لا يفصل بينها وبين الجامع غير الحائط
(2) انظر " الوافي " 15 / 224، و" تهذيب ابن عساكر " 6 / 132.

(20/422)


وَكَانَ ثِقَةً، مُتَوَاضِعاً، صَالِحاً، حسن الاعْتِقَاد، أَثْنَى عَلَيْهِ ابْن عَسَاكِرَ، وَغَيْرهُ.
مَاتَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَة سِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَدُفِنَ بِمقَابر الصُّوْفِيَّة.
وَفِيْهَا مَاتَ بِبَغْدَادَ: شَيْخ الطِّبّ، وَصَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، أَمِيْن الدَّوْلَة هِبَة اللهِ بن صَاعِد ابْن التِلْمِيْذ النَّصْرَانِيُّ الشقِيُّ (1) ، وَكَانَ قِسِّيس النَّصَارَى، عُمِّر أَرْبَعاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.

281 - العَلَوِيُّ أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ *
المَوْلَى الشَّرِيْفُ، أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي زَيْدٍ العَلَوِيُّ، الحَسَنِيُّ، البَصْرِيُّ، نَقيب الطَّالبيين بِبلده.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي عَلِيٍّ عَلِيّ بن أَحْمَدَ التُّسْتَرِيّ، فَحَدث عَنْهُ بِـ (سُنَن أَبِي دَاوُدَ) سَمَاعاً لِلْجزء الأَوّل، وَإِجَازَة لسَائِر الكِتَاب، إِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَاعاً.
وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ: جَعْفَر بن مُحَمَّدٍ العبَّادَانِي، وَأَبِي عُمَرَ الحَسَن بن غَسَّانَ النَّحْوِيِّ، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ المُؤَدِّب ابْنِ العَلاَّف.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: قَدِمَ بَغْدَادَ مَرَّاتٍ، وَانحدرتُ فِي صُحْبَتِه إِلَى البَصْرَةِ، وَكَانَ ظرِيفاً، مَطْبُوْعاً، كَانَ أَصْحَابُنَا البَصْرِيّون يَقُوْلُوْنَ: إِنَّهُ يَكْذِب كَثِيْراً فَاحشاً فِي أَحَادِيْث النَّاس.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَة: قَدِمَ بَغْدَادَ سَنَة 555، وَحَدَّثَ بِهَا بـ (سُنَن أَبِي
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (243).
(*) العبر 4 / 172، النجوم الزاهرة 5 / 370، شذرات الذهب 4 / 190.

(20/423)


دَاوُد)، حَدَّثَنَا عَنْهُ: أَبُو طَالِبٍ عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ السَّمِيْعِ، وَسَمَاعُهُ مِنَ التُّسْتَرِيِّ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ عَلِيٍّ القُرَشِيُّ: أَخْبَرَنَا الشَّرِيْفُ أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الحُسَيْنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيِّ بنِ باغِر بن عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنِ بن جَعْفَرِ بنِ الحَسَنِ بنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ العَلَوِيّ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ أَبِي زَيْدٍ، قَالَ لِي:
وُلِدَتْ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ: وَتُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَأَمَّا السَّمْعَانِيُّ، فَقَالَ: وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَأَلت النَّقِيْب أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ مُحَمَّدٍ عَنْ وَالِده: مَتَى وُلد؟
فَقَالَ: سَنَة تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ.
قُلْتُ: اسْتَقدمه الوَزِيْر ابْن هُبَيْرَةَ، وَسَمِعَ مِنْهُ (السُّنَن) لأَبِي دَاوُدَ، وَقَدْ حَدَّثَ بِهِ عَنْهُ: الحَافِظُ أَبُو الفُتُوْحِ نَصْر بن الحُصْرِيِّ بِالسَّمَاع المُتَّصِل، وَقَالَ: أُخْبِرتُ أَنَّ سَمَاعه لَهُ ظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ نُقْطَة: هَذَا القَوْلُ عِنْدِي فِيْهِ نَظَرٌ، لأَنَّا لَمْ نَسْمَع أَحَداً قَالَهُ غَيْرَ ابْنِ الحُصَرِيّ، وَالصَّحِيْح عِنْدِي مَا قَيده أَبُو المَحَاسِنِ القُرَشِيّ -يَعْنِي: الجُزْء الأَوّل فَقَطْ- وَآخرُه كرَاهيَةُ مسِّ الذَّكَرِ فِي الاسْتبرَاءِ.
قُلْتُ: قَدْ رَوَى الكِتَاب المِقْدَاد بن أَبِي القَاسِمِ القَيْسِيّ سَمَاعاً مِنِ ابْنِ الحُصَرِيّ مُتَّصِلاً، وَأَجَازَ لِي رِوَايَته.
وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ طَارِقٍ، أَنَّ أَبَا طَالبٍ العَلَوِيَّ أَنشَدَهُم لِنَفْسِهِ:

(20/424)


لاَ تَشكُوَنَّ دَهْراً سَطَا ... شَكْوَاكُهُ عَيْنُ الخَطَا
وَاصْبِرْ عَلَى حَدَثَانِه ... إِنْ جَارَ يَوْماً وَامْتَطَى
الدَّهْرُ دَهْرُ قُلَّبٌ ... يَوْمَاهُ بُؤسٌ أَوْ عَطَا
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو العَبَّاسِ بنُ الحُطَيْئَةِ (1) ، وَأَبُو النَّدَى حَسَّانُ بنُ تَمِيْمٍ الزَّيَّاتُ (2) ، وَخُزَيْفَةُ بنُ سَعْدِ بنِ الهَاطِرَا (3) ، وَالوَزِيْرُ سَعِيْدُ بنُ سَهْلٍ الخُوَارِزْمِيُّ الفَلَكِيُّ (4) بِدِمَشْقَ، وَأَبُو الفَضْلِ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ القُزَّةِ (5) ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيُّ اللَّبَّادُ (6) ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُقَاتِلٍ السُّوْسِيُّ (7) ، وَمُفْتِي الجَزِيْرَةِ أَبُو القَاسِمِ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ البَزْرِيِّ الشَّافِعِيُّ (8) عَنْ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَالعَدْلُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ الحَرَّانِيُّ بِبَغْدَادَ (9) ، وَأَبُو يَعْلَى الصَّغِيْرُ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَازِمٍ بنِ أَبِي يَعْلَى بنِ الفَرَّاءِ شَيْخُ الحَنَابِلَةِ (10) ، وَالوَزِيْرُ عَوْنُ الدِّيْنِ بنُ هُبَيْرَةَ (11) ، وَصَاحِبُ مَلَطْيَةَ يَاغِي أَرْسَلاَنَ بنُ دَانشمدَ (12) .
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (234).
(2) تقدمت ترجمته برقم (271).
(3) سترد ترجمته برقم (285).
(4) تقدمت ترجمته برقم (280).
(5) ذكرت مصادر ترجمته في نهاية الترجمة (271).
(6) تقدمت ترجمته برقم (239).
(7) تقدمت ترجمته برقم (164).
(8) تقدمت ترجمته برقم (240).
(9) تقدمت ترجمته برقم (241).
(10) تقدمت ترجمته برقم (242).
(11) وهو صاحب الترجمة التالية.
(12) مترجم في " العبر " 4 / 172 و" شذرات الذهب " 4 / 191.

(20/425)


282 - ابْنُ هُبَيْرَةَ أَبُو المُظَفَّرِ يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ الشَّيْبَانِيُّ *
الوَزِيْرُ الكَامِلُ، الإِمَامُ، العَالِمُ، العَادلُ، عَوْنُ الدِّينِ، يَمِيْنُ الخِلاَفَةِ، أَبُو المُظَفَّرِ يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ هُبَيْرَةَ بنِ سَعِيْدِ بنِ الحَسَنِ بنِ جَهْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، الدُّوْرِيُّ، العِرَاقِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
مَوْلِدُهُ: بِقَرْيَة بَنِي أَوْقرَ مِنَ الدُّورِ (1) - أَحَدِ أَعْمَالِ العِرَاقِ - فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَدَخَلَ بَغْدَادَ فِي صِبَاهُ، وَطَلَبَ العِلْمَ، وَجَالَسَ الفُقَهَاءَ، وَتَفَقَّهَ بِأَبِي الحُسَيْنِ ابْنِ القَاضِي أَبِي يَعْلَى وَالأُدبَاءِ، وَسَمِعَ الحَدِيْثَ، وَتَلاَ بِالسَّبْعِ، وَشَاركَ فِي عُلُوْمِ الإِسْلاَمِ، وَمَهَرَ فِي اللُّغَةِ، وَكَانَ يَعرفُ المَذْهَبَ وَالعَرَبِيَّةَ وَالعَرُوضَ، سَلَفِيّاً أَثرِيّاً، ثُمَّ إِنَّهُ أَمضَّهُ الفَقْرُ، فَتعرَّضَ لِلْكِتَابَةِ، وَتَقدَّمَ وَتَرقَّى، وَصَارَ مُشَارفُ الخزَانَةِ، ثُمَّ وَلِيَ دِيْوَانَ الزِّمَامِ (2) لِلمُقْتَفِي لأَمْرِ اللهِ، ثُمَّ وَزَرَ لَهُ فِي سَنَةِ 544، وَاسْتمرَّ، وَوَزَرَ مِنْ بَعْدِهِ لابْنِهِ المُسْتَنْجِدِ.
وَكَانَ دَيِّناً، خَيِّراً، مُتَعَبِّداً، عَاقِلاً، وَقُوْراً، مُتَوَاضِعاً، جزلَ الرَّأْي، بارّاً
__________
(*) الخريدة 1 / 96، المنتظم 10 / 214 - 217، الكامل 11 / 321، مرآة الزمان 8 / 159 - 163، الروضتين 1 / 141، وفيات الأعيان 6 / 230 - 244، مفرج الكروب 1 / 147، الفخري: 312 - 315، المختصر 3 / 42، تراجم ابن عبد الهادي خ 110 / 2، العبر 4 / 172، 173، دول الإسلام 2 / 74، 75، تتمة المختصر 2 / 106، مرآة الجنان 3 / 344 - 346، البداية والنهاية 12 / 251، ذيل طبقات الحنابلة 1 / 251 - 289، تاريخ ابن خلدون 3 / 524، مطالع البدور 2 / 114، النجوم الزاهرة 5 / 369، 370، الدر المنضد في رجال أحمد للعليمي ورقة 71 / 2، 72 / 1، كشف الظنون: 33، 103، 1462، شذرات الذهب 4 / 191 - 197، إيضاح المكنون 1 / 155 و2 / 77، هدية العارفين 8 / 159 - 163.
وقد ذكر ابن رجب في " طبقاته " 1 / 282 أن له ترجمة في " معجم الأدباء "، ولم أجدها فيه.
(1) انظر " معجم " البلدان " 2 / 481.
(2) انظر حواشي الترجمة (199).

(20/426)


بِالعُلَمَاءِ، مُكِبّاً مَعَ أَعبَاءِ الوزَارَةِ عَلَى العِلْمِ وَتَدوينِهِ، كَبِيْرَ الشَّأْنِ، حَسَنَةَ الزَّمَانِ.
سَمِعَ: أَبَا عُثْمَانَ بنَ ملَّةَ، وَهِبَةَ اللهِ بنَ الحُصَيْنِ، وَخَلْقاً بَعْدَهُمَا.
وَسَمِعَ الكَثِيْرَ فِي دَوْلَتِهِ، وَاسْتحضَرَ المَشَايِخَ، وَبَجَّلَهُم، وَبَذَلَ لَهُم.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (1) : كَانَ يَجتهِدُ فِي اتِّبَاعِ الصَّوَابِ، وَيَحذَرُ مِنَ الظُّلْمِ، وَلاَ يَلْبَسُ الحَرِيْرَ.
قَالَ لِي: لَمَّا رَجَعتُ مِنَ الحِلَّةِ، دَخَلتُ عَلَى المُقْتَفِي فَقَالَ لِي: ادْخُلْ هَذَا البَيْتَ، وَغَيِّرْ ثيَابَكَ.
فَدَخَلتُ، فَإِذَا خَادمٌ وَفَرَّاشٌ مَعَهُم خِلَعُ الحَرِيْرِ، فَقُلْتُ: وَاللهِ مَا أَلْبَسُهَا.
فَخَرَجَ الخَادِمُ، فَأَخبرَ الخَلِيْفَةَ، فَسَمِعْتُ صَوْتَهُ يَقُوْلُ: قَدْ -وَاللهِ- قُلْتُ: إِنَّهُ مَا يَلبَسُهُ.
وَكَانَ المُقْتَفِي مُعْجَباً بِهِ، وَلَمَّا اسْتُخْلِفَ المُسْتَنْجِدُ، دَخَلَ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَكفِي فِي إِخْلاَصي أَنِّي مَا حَابَيْتُكَ فِي زَمَنِ أَبِيكَ.
فَقَالَ: صَدَقتَ.
قَالَ (2) : وَقَالَ مُرجَانُ الخَادِمُ: سَمِعْتُ المُسْتَنْجِدَ بِاللهِ يُنْشِدُ وَزِيْرَهُ وَقَدْ قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي أَثْنَاءِ مُفَاوضَةٍ تَرجِعُ إِلَى تَقرِيرِ قوَاعدِ الدِّينِ وَالصَّلاَحِ، وَأَنشدَهُ لِنَفْسِهِ (3) :
ضَفَتْ نِعْمَتَانِ خَصَّتَاكَ وَعَمَّتَا ... فَذِكْرُهُمَا حَتَّى القِيَامَةِ يُذْكَرُ (4)
__________
(1) في " المنتظم " 10 / 214.
(2) المنتظم " 10 / 214.
(3) الاخيران منها لنفسه، والاولان لابن حيوس من قصيدة يمدح بها نصر بن محمود بن نصر بن صالح بن مرداس أمير حلب، قتلته التركمان سنة 468، ومطلع القصيدة: هل العدل إلا دون ما أنت مظهر * أو الخير إلا ما تذيع وتضمر وهي في " ديوانه " 1 / 269 - 275 بتحقيق خليل مردم بك.
(4) رواية " الديوان ": حديثهما حتى القيامة يؤثر.

(20/427)


وُجُوْدُكَ وَالدُّنْيَا إِلَيْكَ فَقِيْرَةٌ ... وَجُوْدُكَ وَالمَعْرُوفُ فِي النَّاسِ يُنْكَرُ (1)
فَلَو رَامَ يَا يَحْيَى مَكَانَكَ جَعْفَرٌ ... وَيَحْيَى لَكَفَّا عَنْهُ يَحْيَى وَجَعْفَرُ (2)
وَلَمْ أَرَ مَنْ يَنوِي لَكَ السُّوْءَ يَا أَبَا الـ ... ـمُظَفَّرِ إِلاَّ كُنْتَ أَنْتَ المُظَفَّرُ
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (3) : وَكَانَ مبَالِغاً فِي تَحصيلِ التَّعْظِيْمِ لِلدَّولَةِ، قَامِعاً لِلمخَالفِيْنَ بِأَنْوَاعِ الحِيَلِ، حَسَمَ أُمُوْرَ السَّلاَطِيْنِ السَّلْجُوْقيَّةِ، وَقَدْ كَانَ آذَاهُ شحنَةٌ فِي صِبَاهُ، فَلَمَّا وَزَرَ اسْتحضَرَهُ وَأَكْرَمَهُ، وَكَانَ يَتحدَّثُ بِنِعَمِ اللهِ، وَيذكرُ فِي منصبِهِ شِدَّةَ فَقرِهِ القَدِيْمِ.
وَقَالَ: نَزلتُ يَوْماً إِلَى دِجْلَةَ وَلَيْسَ مَعِي رَغِيْفٌ أَعبرُ بِهِ.
وَكَانَ يُكثِرُ مُجَالَسَةَ العُلَمَاءِ وَالفُقَرَاءِ، وَيبذلُ لَهُم الأَمْوَالَ، فَكَانَتِ السَّنَةُ تَدورُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ.
وَقَالَ: مَا وَجبَتْ عليَّ زَكَاةٌ قَطُّ، وَكَانَ إِذَا اسْتفَادَ شَيْئاً مِنَ العِلْمِ قَالَ: أَفَادَنِيْهِ فُلاَنٌ، وَقَدْ أَفدتُهُ مَعْنَى حَدِيْثٍ، فَكَانَ يَقُوْلُ: أَفَادَنِيهِ ابْنُ الجَوْزِيِّ، فَكُنْتُ أَسْتحيي، وَجَعَلَ لِي مَجْلِساً فِي دَارِهِ كُلَّ جُمُعَةٍ، وَيَأْذنُ لِلْعَامَّةِ فِي الحُضُوْرِ.
وَكَانَ بَعْضُ الفُقَرَاءِ يَقرَأُ عِنْدَهُ كَثِيْراً فَأَعْجَبَهُ، وَقَالَ لزوجتِهِ: أُرِيْدُ أَنْ أُزَوِّجَهُ بِابْنَتِي، فَغضبَتِ الأُمُّ، وَكَانَ يُقرَأُ عِنْدَهُ الحَدِيْثُ كُلَّ يَوْمٍ بَعْدَ العَصرِ، فَحضرَ فَقِيْهٌ مَالِكِيٌّ، فَذَكَرْتُ مَسْأَلَةً، فَخَالفَ فِيْهَا الجمعَ، وَأَصرَّ.
فَقَالَ الوَزِيْرُ: أَحِمَارٌ أَنْتَ؟! أَمَا تَرَى الكُلَّ يُخَالِفونَكَ؟
فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، قَالَ لِلْجَمَاعَةِ: إِنَّهُ جرَى مِنِّي بِالأَمسِ فِي حقِّ هَذَا الرَّجُلِ مَا لاَ يَليقُ، فَليَقُلْ لِي كَمَا قُلْتُ لَهُ، فَمَا أَنَا إِلاَّ كَأَحَدِكُم.
فَضجَّ المَجْلِسُ بِالبُكَاءِ، وَاعْتَذَرَ الفَقِيْهُ، قَالَ: أَنَا أَوْلَى بِالاعتذَارِ.
وَجَعَلَ يَقُوْلُ: القِصَاصَ القصَاصَ.
فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى قَالَ يُوْسُفُ الدِّمَشْقِيُّ: إِذْ أَبَى
__________
(1) في " الديوان ": وجودك والمعروف في الخلق منكر.
(2) يقصد بهما الوزيرين الكبيرين يحيى بن خالد البرمكي وابنه جعفر بن يحيى، وزرا لهارون الرشيد، مرت ترجمتها في الجزء التاسع برقمي (18) و(28)
(3) في " المنتظم " 10 / 214، 215.

(20/428)


القِصَاصَ فَالفِدَاءَ.
فَقَالَ الوَزِيْرُ: لَهُ حُكمُهُ.
فَقَالَ الفَقِيْهُ: نِعَمُكَ عَلَيَّ كَثِيْرَةٌ، فَأَيُّ حُكْمٍ بَقِيَ لِي؟
قَالَ: لاَ بُدَّ.
قَالَ: عَلَيَّ دَينٌ مائَةُ دِيْنَارٍ.
فَأَعْطَاهُ مائَتَيْ دِيْنَارٍ، وَقَالَ: مائَةٌ لإِبرَاءِ ذِمَّتِهِ، وَمائَةٌ لإِبرَاءِ ذِمَّتِي (1) .
وَمَا أَحلَى شِعْرَ الحَيْص بَيص فِيْهِ حَيْثُ يَقُوْلُ:
يَهُزُّ حَدِيْثُ الجُودِ سَاكِنَ عِطْفِهِ ... كَمَا هَزَّ شَرْبَ الحَيِّ صَهْبَاءُ قَرْقَفُ
إِذَا قِيْلَ: عَوْنُ الدِّينِ يَحْيَى تَأَلَّقَ الـ ... ـغَمَامُ وَمَاسَ السَّمْهَرِيُّ المُثَقَّفُ (2)
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (3) : كَانَ الوَزِيْرُ يَتَأَسَّفُ عَلَى مَا مَضَى، وَيَندمُ عَلَى مَا دَخَلَ فِيْهِ.
وَلَقَدْ قَالَ لِي: كَانَ عِنْدَنَا بِالقَرْيَة مَسْجِدٌ فِيْهِ نَخْلَةٌ تحملُ أَلْفَ رطلٍ، فَحَدَّثْتُ نَفْسِي أَنْ أُقيمَ فِي ذَلِكَ المَسْجَدِ، وَقُلْتُ لأَخِي مَجْدِ الدِّيْنِ: أَقعدُ أَنَا وَأَنْتَ وَحَاصِلُهَا يَكفِيْنَا، ثُمَّ انْظُرْ إِلَى مَا صرتُ.
ثُمَّ صَارَ يَسْأَلُ اللهَ الشَّهَادَةَ، وَيَتعرَّضُ لأَسبَابهَا، وَفِي لَيْلَةِ ثَالِثَ عشرَ جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ سِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ اسْتيقَظَ وَقتَ السَّحَرِ، فَقَاءَ، فَحضرَ طَبِيْبُهُ ابْنُ رشَادَةَ، فَسَقَاهُ شَيْئاً، فَيُقَالُ: إِنَّهُ سَمَّهُ فَمَاتَ.
وَسُقِيَ الطَّبِيْبُ بَعْدَهُ بنِصْفِ سَنَةٍ سُمّاً، فَكَانَ يَقُوْلُ: سَقَيتُ فَسُقِيتُ، فَمَاتَ.
وَرَأَيْتُ أَنَا وَقتَ الفَجْرِ كَأَنِّي فِي دَارِ الوَزِيْرِ وَهُوَ جَالِسٌ، فَدَخَلَ رَجُلٌ بِيَدِهِ حَرْبَةٌ فَضَرَبَهُ بِهَا، فَخَرَجَ الدَّمُ كَالفَوَّارَةِ، فَالْتَفَتَ، فَإِذَا خَاتمٌ ذَهَبٌ، فَأَخَذتُهُ وَقُلْتُ: لِمَنْ أُعْطيهِ؟ أَنْتظرُ خَادِماً يَخْرُجُ فَأُسلِّمُهُ إِلَيْهِ، فَانْتبهْتُ، فَأَخْبَرتُ مَنْ كَانَ مَعِي، فَمَا اسْتَتْمَمْتُ الحَدِيْثَ حَتَّى جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: مَاتَ الوَزِيْرُ.
فَقَالَ رَجُلٌ: هَذَا مُحَالٌ، أَنَا فَارقتُهُ فِي عَافِيَةٍ أَمسِ العصرَ.
فَنفَّذُوا إِلَيَّ، وَقَالَ لِي وَلدُهُ: لاَ بُدَّ أَنْ تُغَسِّلَهُ.
__________
(1) انظر ترجمة الاشيري التي سترد برقم (294).
(2) البيتان في " ديوانه ".
(3) في " المنتظم " 11 / 216.

(20/429)


فَغسَّلتُهُ، وَرفعتُ يَدَهُ ليدخُلَ المَاءُ فِي مَغَابِنِهِ، فَسَقَطَ الخَاتمُ مِنْ يَدِهِ، حَيْثُ رَأَيْتُ ذَلِكَ الخَاتمَ، وَرَأَيْتُ آثَاراً بِجَسَدِهِ وَوَجهِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَسْمُوْمٌ، وَحُمِلَتْ جِنَازَتُهُ إِلَى جَامِعِ القَصْرِ، وَخَرَجَ مَعَهُ جَمْعٌ لَمْ نَرَهُ لمَخْلُوْقٍ قَطُّ، وَكثُرَ البُكَاءُ عَلَيْهِ لِمَا كَانَ يَفعلُهُ مِنَ البِرِّ وَالعَدْلِ، وَرَثَتْهُ الشُّعَرَاءُ (1) .
قُلْتُ: لَهُ كِتَابُ (الإِفصَاحِ عَنْ مَعَانِي الصِّحَاحِ) شَرَحَ فِيْهِ (صَحِيْحَي البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ) فِي عَشْرِ مُجَلَّدَاتٍ (2) ، وَأَلَّفَ كِتَابَ (العِبَادَاتِ) عَلَى مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَلَهُ أُرْجُوزَةٌ فِي (المَقصُوْرِ وَالمَمْدُوْدِ)، وَأُخْرَى فِي (عِلمِ الخَطِّ)، وَاختصرَ كِتَابَ (إِصْلاَحِ المَنطِقِ) لابْنِ السِّكِّيتِ (3) .
وَقِيْلَ: إِنَّ الحَيْصَ بَيْصَ دَخَلَ عَلَى الوَزِيْرِ، فَقَالَ الوَزِيْرُ: قَدْ نَظمتُ بَيْتَيْنِ، فَعزِّزْهُمَا:
زَارَ الخَيَالُ نَحِيْلاً مِثْلَ مُرْسِلِهِ ... فَمَا شَفَانِي مِنْهُ الضَّمُّ وَالقُبَلُ
مَا زَارَنِي الطَّيْفُ (4) إِلاَّ كَي يُوَافِقَنِي ... عَلَى الرُّقَادِ فَيَنْفِيهِ وَيَرْتَحِلُ
__________
(1) انظر بعض رثائه في " المنتظم " 10 / 217 و" طبقات " ابن رجب 1 / 286، 287.
(2) قال ابن رجب: ولما بلغ فيه إلى حديث " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " شرحه، وتكلم على معنى الفقه، وآل به الكلام إلى ذكر مسائل الفقه المتفق عليها والمختلف فيها بين الأئمة الأربعة المشهورين، وقد أفرده الناس من الكتاب، وجعلوه بمفرده مجلدة، وسموه بكتاب " الافصاح " وهو قطعة منه. " ذيل طبقات الحنابلة " 1 / 252.
وقد طبع في حلب سنة 1928 م نشره العلامة الأستاذ محمد راغب الطباخ رحمه الله.
(3) انظر بقية تصانيفه في " طبقات " ابن رجب 1 / 252، 253، و" هدية العارفين " 2 / 521.
قال ابن رجب: وقد صنف ابن الجوزي كتاب " المقتبس من الفوائد العونية " ذكر فيه الفوائد التي سمعها من الوزير عون الدين، وأشار فيه إلى مقاماته في العلوم، وانتقى من زبد كلامه في " الافصاح " على الحديث كتابا سماه " محض المحض ".
وانظر بعض شعره في " طبقات " ابن رجب 1 / 280 - 282.
(4) في " وفيات الأعيان ": " قط " بدل " الطيف ".

(20/430)


فَقَالَ الحَيْص بَيْص بَدِيهاً:
وَمَا دَرَى أَنَّ نَوْمِي حِيْلَةٌ نُصِبَتْ ... لِوَصْلِهِ حِيْنَ أَعْيَا اليَقْظَةَ الحِيَلُ (1)
قَالَ أَبُو المُظَفَّرِ سِبْطُ ابْنِ الجَوْزِيِّ (2) : وَقَدِ اضطرَّ وَرثَةُ الوَزِيْرِ ابْنِ هُبَيْرَةَ إِلَى بَيْعِ ثِيَابِهِم وَأَثَاثِهِم، وَبِيعَتْ كُتُبُ الوَزِيْرِ المَوْقُوْفَةُ عَلَى مَدرَسَتِهِ، حَتَّى لَقَدْ أُبِيْعَ (البُسْتَانُ (3)) لأَبِي اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيِّ فِي الرَّقَائِقِ بِخَطِّ مَنْسُوْبٍ، وَكَانَ مُذَهَّباً بِدَانِقَيْنِ وَحَبَّةٍ، وَقيمَتُهُ عَشْرَةُ دَنَانِيْرَ، فَقَالَ وَاحِدٌ: مَا أَرخصَ هَذَا البُسْتَانَ!
فَقَالَ جَمَالُ الدِّيْنِ بنُ الحُصَيْنِ: لِثِقَلِ مَا عَلَيْهِ مِنَ الخَرَاجِ - يُشِيرُ إِلَى الوَقْفِيَّةِ - فَأُخِذَ وَضُرِبَ وَحُبِسَ.
قُلْتُ: وَزَرَ بَعْدَهُ الوَزِيْرُ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ البَلَدِيِّ (4) ، فَشرَعَ فِي تَتَبُّعِ بَنِي هُبَيْرَة، فَقَبَضَ عَلَى وَلَدَي عَوْنِ الدِّينِ مُحَمَّدٍ وَظَفرٍ (5) ، ثُمَّ قَتَلَهُمَا، وَجَرَى بَلاَءٌ عَظِيْمٌ - نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ بِمَنِّهِ -.
قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ بنِ الوَبْرِيِّ، أَخبركَ الحَسَنُ بنُ إِسْحَاقَ الكَاتِبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو المُظَفَّرِ يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ الوَزِيْرُ، قَالَ:
قَرَأْتُ عَلَى المُقْتَفِي لأَمْرِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ العَبَّاسِيِّ، حدَّثَكُم أَبُو البَرَكَاتِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ
__________
(1) أورد الابيات الثلاثة ابن خلكان في " وفيات الأعيان " 6 / 57 في ترجمة الشاعر ابن القطان البغدادي (الذي تقدمت ترجمته برقم 231) وذكر أنه - أي ابن القطان - هو الذي أنشد البيتين الأولين أمام الوزير علي بن طراد الزينبي، وطلب من الحيص بيص أن يعززهما بثالث، فأنشده البيت الأخير، وهو في " ديوانه " 2 / 16.
(2) في " مرآة الزمان " 8 / 163.
(3) وهو كتاب " بستان العارفين " في الأحاديث والآثار الواردة في الآداب الشرعية والخصال والاخلاق وبعض الاحكام الفرعية.
انظر " كشف الظنون " 1 / 243.
(4) سترد ترجمته برقم (368).
(5) في بعض نسخ " وفيات الأعيان ": " مظفر "، انظر 6 / 242.

(20/431)


الوَهَّابِ السِّيْبِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّرِيْفِيْنِيُّ (ح).
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ، أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بنُ أَبِي الجُوْدِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي غَالِبٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَلِيٍّ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ الحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ مُسَاوِرٍ، حَدَّثَنَا يَغْنَمُ بنُ سَالِمٍ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بنُ مَالِكٍ قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (طُوْبَى لِمَنْ رَآنِي وَآمَنَ بِي، وَمَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي، وَمَنْ رَأَى مَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي).
هَذَا الحَدِيْثُ تُسَاعِي لَنَا، لَكنَّهُ وَاهٍ لِضَعْفِ يَغْنَمَ، فَإِنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى تَرْكِهِ (1) .

283 - الرُّسْتُمِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَسَنُ بنُ العَبَّاسِ بنِ عَلِيٍّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُفْتِي، القُدْوَةُ، المُسْنِدُ، شَيْخُ أَصْبَهَانَ،
__________
(1) بل قال ابن حبان: كان يضع على أنس بن مالك، وقال ابن يونس: حدث عن أنس فكذب.
أخرجه الحاكم 3 / 86 من طريق جميع بن ثواب، حدثنا عبد الله بن بسر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " طوبى لمن رآني، وطوبى لمن رأى من رآني، ولمن رأى من رأى من رآني وآمن بي " وقال: هذا حديث قد روى بأسانيد قريبة عن أنس بن مالك، وأقرب هذه الروايات إلى الصحة ما ذكرنا " وتعقبه الامام الذهبي فقال: جميع واه.
قلت: لكنه لم ينفرد به، فقد توبع عليه، أخرجه الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " ورقة 113 / 2 من طريق أبي يعلى والطبراني بإسناديهما عن بقية، وقال الطبراني عنه: حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن عرق اليحصبي، عن عبد الله بن بسر..وهذا سند حسن في المتابعات، فيتقوى الحديث به، وانظر " المجمع " 10 / 67.
وفي الباب عن ابن عمر عند الطيالسي (1845) بلفظ " طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى لمن لم يرني وآمن بي ثلاثا " وفي سنده العمري وهو ضعيف، وله شاهد من حديث دراج عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري عند أحمد 3 / 71، وابن حبان (2302) والخطيب في " تاريخه " 4 / 91 وآخر من حديث أبي عبد الرحمن الجهني عند أحمد 4 / 152 وسنده حسن.
وثالث من حديث أبي أمامة عند أحمد 5 / 248 و257 و264، ومن حديث أنس عند أحمد 3 / 155 بلفظ " طوبى لمن آمن بي ورآني مرة، وطوبى لمن آمن بي ولم يرني سبع مرار، فالحديث صحيح بشواهده.
(*) الأنساب 6 / 115 - 117، المنتظم 10 / 219، الكامل 11 / 323، اللباب 2 / 52، =

(20/432)


أَبُو عَبْدِ اللهِ (1) الحَسَنُ بنُ العَبَّاسِ بنِ عَلِيِّ (2) بنِ حَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ رُسْتُمَ الرُّسْتُمِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ، الفَقِيْهُ، الشَّافِعِيُّ، الزَّاهِدُ.
مَوْلِدُهُ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا عَمْرٍو عَبْدَ الوَهَّابِ بنَ مَنْدَةَ، وَمَحْمُوْدَ بنَ جَعْفَرٍ الكَوْسَجَ، وَالمُطَهَّرَ بنَ عَبْدِ الوَاحِدِ البُزَانِيَّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدٍ الطَّيَّانَ، وَأَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ السِّمْسَارَ، وَالفَضْلَ بنَ عَبْدِ الوَاحِدِ، وَعَبْدَ الكَرِيْمِ بنَ عَبْدِ الوَاحِدِ الصَّحَّافَ، وَأَبَا عِيْسَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، وَأَبَا مَنْصُوْرٍ بنَ شَكْرُويه، وَسُلَيْمَانَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ الحَافِظَ، وَأَحْمَدَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الذَّكْوَانِيَّ، وَسَهْلَ بنَ عَبْدِ اللهِ الغَازِي، وَأَبَا الخَيْرِ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ رَرَا، وَرِزْقَ اللهِ التَّمِيْمِيَّ، وَالرَّئِيْسَ الثَّقَفِيَّ، وَطِرَاداً الزَّيْنَبِيَّ، وَطَائِفَةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، وَشَرَفُ بنُ أَبِي هَاشِمٍ البَغْدَادِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الخِرَقِيُّ، وَأَبُو الوَفَاءِ مَحْمُوْدُ بنُ مَنْدَةَ، وَعدَدٌ أَمثَالُهُم.
وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: أَبُو المُنَجَّا ابْنُ اللَّتِّيِّ، وَكَرِيْمَةُ وَصَفِيَّةُ بِنْتَا عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ الحَبَقْبَقِ، وَعَجِيْبَةُ بِنْتُ البَاقدَارِي.
__________
= مرآة الزمان 8 / 164، العبر 4 / 174، دول الإسلام 2 / 75، الوافي بالوفيات 12 / 61، طبقات السبكي 7 / 64 - 65، طبقات الاسنوي 1 / 587، 588، البداية والنهاية 12 / 251، النجوم الزاهرة 5 / 372، شذرات الذهب 4 / 198.
(1) في " الأنساب " و" اللباب ": أبو علي.
(2) في " الأنساب " و" اللباب "..بن العباس بن أبي الطيب بن علي، فالظاهر أن أبا الطيب هو علي، ولفظ " بن " بينهما زائد.

(20/433)


قَالَ السَّمْعَانِيُّ: إِمَامٌ فَاضِلٌ، مُفْتِي الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ عَلَى طَرِيقَةِ السَّلَفِ، لَهُ زَاويَةٌ بِجَامِعِ أَصْبَهَانَ، مُلاَزِمُهَا فِي أَكْثَرِ أَوقَاتِهِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ (1) الجُبَّائِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَكْثَرَ بُكَاءً مِنَ الرُّسْتُمِيِّ.
وَقَالَ الجُبَّائِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ سَالار، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ الرُّستمِيَّ يَقُوْلُ:
وَقفتُ عَلَى ابْنِ مَاشَاذَه وَهُوَ يَتَكَلَّمُ عَلَى النَّاسِ، فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلِ رَأَيْتُ رَبَّ العِزَّةِ فِي المَنَامِ وَهُوَ يَقُوْلُ لِي: يَا حسنُ، وَقفتَ عَلَى مُبْتَدِعٍ، وَنظرتَ إِلَيْهِ، وَسَمِعْتَ كَلاَمَهُ، لأَحرمَنَّكَ النَّظَرَ فِي الدُّنْيَا، فَاسْتيقظتُ كَمَا تَرَى (2) .
قَالَ الجُبَّائِيُّ: كَانَتْ عَينَاهُ مَفْتُوْحتَينِ وَهُوَ لاَ يَنظرُ بِهِمَا.
قُلْتُ: وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ: الحَافِظُ عَبْدُ القَادِر الرُّهَاوِيُّ، وَقَالَ فِيْهِ: كَانَ فَقِيْهاً، زَاهِداً، وَرِعاً، بَكَّاءً، عَاشَ نَيِّفاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، وَمَاتَ: سَنَةَ سِتِّيْنَ، كَذَا قَالَ.
ثُمَّ قَالَ: وَحَضَرْتُهُ يَوْمَ مَوْتِهِ، وَخَرَجَ النَّاسُ إِلَى قَبْرِهِ أَفوَاجاً، وَأَملَى شَيْخُنَا الحَافِظُ أَبُو مُوْسَى عِنْدَ قَبْرِهِ مَجْلِساً فِي مَنَاقِبِهِ، وَكَانَ عَامَّةُ فُقَهَاءِ أَصْبَهَانَ تَلاَمِذتَهُ، حَتَّى شَيْخُنَا أَبُو مُوْسَى عَلَيْهِ تَفَقَّهَ، وَكَانَ أَهْلُ أَصْبَهَانَ لاَ يَثِقُوْنَ إِلاَّ بِفَتوَاهُ، وَسَأَلنِي شَيْخُنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ عَنْ شُيُوْخِ أَصْبَهَانَ، فَذَكَرْتُهُ لَهُ، فَقَالَ: أَعْرفُهُ فَقِيْهاً مُتَنَسِّكاً.
__________
(1) في الأصل: أبو عبد الله، وهو خطأ، وهو أبو محمد عبد الله بن أبي الحسن بن أبي الفرج الجبالي بضم الجيم وفتح الباء المعجمة بواحدة وتشديدها، نسبة إلى الجبة من أعمال طرابلس، وقد تصحفت في " المنتظم " 10 / 219 إلى " الحياني " بالحاء المهملة بعدها ياء مثناة تحتية، انظر " المشتبه " 127، و" تبصير المنتبه " 1 / 288، وهو متوفى سنة 605 ه، ستأتي ترجمته في الجزء الحادي والعشرين 251.
(2) سيذكر المؤلف خبرا آخر فيه أنه ذهبت عيناه من كثرة بكائه.

(20/434)


وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ: إِمَامٌ، مُتَدَيِّنٌ، وَرعٌ، يُزجِي أَكْثَرَ أَوقَاتِهِ فِي نشرِ العِلْمِ وَالفُتْيَا.
وَقَالَ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ: أَقرَأَ الرُّستمِيُّ المَذْهَبَ كَذَا كَذَا سَنَةً، وَكَانَ مِنَ الشِّدَادِ فِي السُّنَّةِ.
قَالَ عَبْدُ القَادِرِ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا الأَصْبَهَانِيِّينَ يَحكِي عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ يَنْفَرِدُ يَبْكِي فِيْهِ، فَبَكَى حَتَّى ذَهَبَتْ عَينَاهُ، وَكُنَّا نَسْمَعُ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي رَثَاثَةٍ مِنَ المَلْبَسِ وَالمفرَشِ، لاَ يُسَاوِي طَائِلاً، وَكَذَلِكَ مَنْزِلُهُ، وَكَانَتِ الفِرَقُ مُجْتَمِعَةً عَلَى مَحَبَّتِهِ.
قَالَ أَبُو مُوْسَى: تُوُفِّيَ مسَاءَ يَوْمِ الأَرْبعَاءِ، ثَانِي صفرٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

284 - ابْنُ رِفَاعَةَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ رِفَاعَةَ السَّعْدِيُّ *
الشَّيْخُ، الفَقِيْهُ، العَالِمُ، الفَرَضِيُّ، الإِمَامُ، مُسْنِدُ وَقتِهِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ رِفَاعَةَ بنِ غَديرِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي عُمَرَ بنِ أَبِي الذَّيَّالِ بنِ ثَابِتِ بنِ نُعَيمٍ السَّعْدِيُّ، المِصْرِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
مَوْلِدُهُ (1) : فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَلاَزَمَ القَاضِي أَبَا الحَسَنِ الخِلَعِيَّ (2) ، وَأَكْثَرَ عَنْهُ، وَتَفَقَّهَ بِهِ، وَسَمِعَ مِنْهُ (السِّيرَةَ) الهِشَامِيَّةَ، وَ(الفَوَائِدَ العِشْرِيْنَ)، وَ(السُنَنَ) لأَبِي دَاوُدَ، وَغَيرَ
__________
(*) العبر 4 / 174، دول الإسلام 2 / 75، طبقات السبكي 7 / 124، طبقات الاسنوي 2 / 54، النجوم الزاهرة 5 / 372، حسن المحاضرة 1 / 406، شذرات الذهب 4 / 198.
(1) في الأصل مولى، والصواب ما أثبتناه.
(2) المتوفى سنة 492 ه، مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر برقم (42).

(20/435)


ذَلِكَ، فَكَانَ خَاتمَةَ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: التَّاجُ المَسْعُوْدِيُّ، وَأَبُو الجُودِ المُقْرِئُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ أَبِي الرَّدَّادِ، وَيَحْيَى بنُ عَقِيْلِ بنِ شَرِيْفِ بنِ رِفَاعَةَ، وَالقَاضِي عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُجَلِّي الشَّافِعِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَقِيْلٍ، وَأَبُو البَرَكَاتِ عَبْدُ القوِيِّ بنُ الجَبَّابِ، وَهِبَةُ اللهِ بنُ حَيْدَرَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عِمَادٍ، وَأَبُو صَادِقٍ بنُ صَبَّاحٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ مُقَدَّماً فِي الفَرَائِضِ وَالحسَابِ.
وَلِيَ قَضَاءَ الجِيْزَةِ مُدَّةً، ثُمَّ اسْتَعفَى، فَأُعْفِيَ، وَاشْتَغَلَ بِالعِبَادَةِ.
مَاتَ: فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ حَمَّادٌ الحَرَّانِيُّ: حَكَى لِي ابْنُ رِفَاعَةَ، قَالَ:
كُنْتُ يَتيماً، وَكَانَ الخِلَعِيُّ يُؤوينِي، فَمررتُ يَوْماً بِجَامِعِ مِصْرَ، فَجلَسْتُ فِي حَلْقَةِ حَدِيْثٍ، وَسَمِعْتُ جُزْءاً، فَسَأَلتُ: مَنْ ذَا الشَّيْخُ؟
فَقِيْلَ: هُوَ الحَبَّالُ.
فَعدتُ إِلَى الخِلَعِيِّ، فَأَخْبَرتُهُ فَعَنَّفَنِي، وَطردنِي، وَكَانَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ أَظنُّهُ مِنْ جِهَةِ الاعْتِقَادِ، فَلَمْ أَعُدْ إِلَى الحَبَّالِ، وَلَمْ أَظفَرْ بِمَا سَمِعْتُ مِنْهُ.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو الطَّاهِرِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ الأَنْمَاطِيِّ: سَمِعْتُ أَبِي - وَكَانَ قَدْ صَحِبَ ابْنَ رِفَاعَةَ كَثِيْراً، وَسَمِعَ مِنْهُ - يَقُوْلُ:
كَانَ ابْنُ رِفَاعَةَ قَدِ انْقَطَعَ فِي مَسْجِدٍ بقرَافَةِ مِصْرَ، وَكَانَتْ كُتُبُهُ عِنْدَهُ فِي عُلِّيَّةٍ، يُحيِي اللَّيْلَ كُلَّهُ فِيْهَا، وَكَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ صَالِحَةٌ، وَكَانَ يَمنعُهَا مِنَ المَبِيْتِ فِي العُلِّيَّةِ، فَسَأَلَتْهُ لَيْلَةً المَبِيْتَ بِهَا، فَأَجَابَهَا، فَجلَسَتْ وَقَامَ يُصَلِّي وِرْدَهُ، فَسَمِعَتْ صَوْتَ إِنْسَانٍ يُعَذَّبُ، فَغُشِيَ عَلَيْهَا، وَبَكَتْ، وَاضْطَرَبَتْ، وَأَصْبَحَتْ مَرِيْضةً، وَمَاتَتْ بَعْدَ أَيَّامٍ، وَأَرَانِي أَبِي قَبْرَهَا.

(20/436)


قَالَ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ العُلَيْمِيُّ: تَطلَّبْتُ سَمَاعَ ابْنِ رِفَاعَةَ لفَوَائِدِ الخِلَعِيِّ، وَهُوَ عِشْرُوْنَ جُزْءاً فِي يَدِهِ، فَإِذَا سَمَاعُهُ فِيْهَا سِوَى الأَوَّلِ وَالسَّادِسِ لَمْ أَجِدْ سَمَاعَهُ، وَالثَّانِي عشرَ قَدْ سَمِعَ مِنْهُ قِطعَةً، وَالجُزْءِ العِشْرِيْنَ لَمْ أَقفْ عَلَى الأَصْلِ بِهِ، بَلْ رَأَيْتُ بِيَدِ الشَّيْخِ بِهِ فَرْعاً.
قُلْتُ: هَذَا نَقلتُهُ مِنْ خطِّ ابْنِ سَامَةَ، عَنْ نَقلِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ الكَافِي، عَنْ أَبِي الحَسَنِ الحِصْنِيِّ، قَالَ: وَجَدْتُ ذَلِكَ بِخَطِّ الرَّشِيْدِ العَطَّارِ عَنِ الأَصْلِ، ثُمَّ كتبَ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ تَحْتَ خطِّ العُلَيْمِيِّ: لَقَدْ طلبَ وَاجتهدَ، وَلَكِنْ وَجدَ غَيْرُهُ مَا لَمْ يَجِدْ.
وَكَانَ ابْنُ رِفَاعَةَ صَادِقاً فِي ذِكْرِ سَمَاعِهِ، فَإِنَّهُ خدمَ الخِلَعِيَّ وَلزِمَهُ، وَكَانَ أَلزمَ النَّاسِ لَهُ، حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ:
مُذْ لَزِمْتُ الخِلَعِيَّ مَا انْقَطَعتُ عَنْهُ إِلاَّ يَوْماً وَاحِداً، حضَرتُ مَجْلِسَ الحبَّالِ...، فَذَكَرَ الحِكَايَةَ، ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ أَنقطع عَنْ شَيْءٍ قُرِئَ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ مَاتَ.
قَالَ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ: أَخرجَ إِلَيْنَا شَيْخُنَا حَمَّادٌ الحَرَّانِيُّ بِخَطِّهِ، وَحَدَّثَنِي، قَالَ:
رَأَيْتُ عَلَى ظَهْرِ الجُزْءِ الثَّانِي مِنْ حَدِيْثِ الزَّعْفَرَانِيِّ ثَبَتَ كُتُبٍ سَمِعَهَا شَيْخُنَا عَبْدُ اللهِ بنُ غَديرٍ السَّعْدِيُّ، وَالنُّسْخَةُ لِلمسعُوْدِيِّ، سَمِعَ جَمِيْعَ كِتَابِ (السُّنَنِ) لأَبِي دَاوُدَ عَلَى الخِلَعِيِّ، عَلَى مُحَمَّدٍ الرُّوحَانِيِّ بقِرَاءةِ أَبِي عَلِيٍّ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ الصَّدَفِيِّ، وَخَادمِ القَاضِي أَبِي (1) مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ بنِ رِفَاعَةَ بنِ غَديرٍ.
قَالَ: وَسَمِعُوا عَلَيْهِ (السِّيرَةَ) تَهْذِيْبَ ابْنِ هِشَامٍ، وَجَمِيْعَ (الفَوَائِدِ) عِشْرِيْنَ جُزْءاً لِلْخلعِيِّ، وَجَمِيْعَ أَحَادِيْثِ الزَّعْفَرَانِيِّ، وَأَحَادِيْثَ يُوْنُسَ، وَ(مُعْجَمَ ابْنِ الأَعْرَابِيِّ)، وَفَوَائِدَ أُخْرَى بقِرَاءةِ المَذْكُوْرِ، وَغَيْره، وَذَلِكَ فِي مُدَّةِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَنَةِ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ بِالقَرَافَةِ.
__________
(1) في الأصل: أبو.

(20/437)


قَالَ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ: ثُمَّ رَأَيْتُ أَصلَ الثَّبْتِ فِي ذَلِكَ، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ بقرَافَةِ مِصْرَ، وَسَمِعَ مَعَهُم عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ المُؤْمِنِ النَّحْوِيُّ، وَالخطُّ لَهُ، كَتَبَهُ تَذْكِرَةً لأَبِي الحَسَنِ الرُّوحَانِيِّ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ القُرَشِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِمَادٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ رِفَاعَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الخِلَعِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيْدٍ بنُ الأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (التَّسْبِيْحُ فِي الصَّلاَةِ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ) (1) .

285 - خُزَيفَةُ عَبْدُ اللهِ بنُ سَعْدِ بنِ الحُسَيْنِ البَغْدَادِيُّ *
الإِمَامُ، المُقْرِئُ، المُجَوِّدُ، أَبُو المُعَمَّرِ عَبْدُ اللهِ بنُ سَعْدِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ الهَاطِرِ (2) البَغْدَادِيُّ، العَطَّارُ، الوَزَّانُ، الأَزَجِيُّ، يُعْرَفُ بِخُزَيْفَةَ.
تَلاَ بِالرِّوَايَاتِ، وَتَفَقَّهَ عَلَى أَبِي الخَطَّابِ.
وَسَمِعَ الكَثِيْر مِنْ: نَصْرِ بنِ البَطِرِ، وَالنِّعَالِيِّ، وَأَبِي الفَضْلِ بنِ خَيْرُوْنَ، وَالحُسَيْنِ بنِ البُسْرِيِّ.
__________
(1) إسناده قوي، وأخرجه من طرق عن سفيان بن عيينة بهذا الإسناد البخاري (1203) ومسلم (422) وأبو داود (939) والنسائي 3 / 121، وابن ماجة (1034) وأخرجه مسلم (422) (107) والترمذي (369) والنسائي 3 / 11 - 12 من طرق عن الأعمش، عن أبي
صالح، عن أبي هريرة.
(*) الاستدراك لابن نقطة: باب حذيفة وخزيفة، العبر 4 / 170، ذيل طبقات الحنابلة 1 / 289، تبصير المنتبه 1 / 431، شذرات الذهب 4 / 189. وخزيفة بالخاء المعجمة والزاي، تحرف في " العبر " و" الشذرات " إلى حذيفة بالحاء المهملة والذال.
(2) في " الاستدراك " و" تبصير المنتبه ": الهاطرا، بزيادة ألف آخره، وأثبتها المؤلف إذ أورد وفاته في نهاية الترجمة (281).

(20/438)


وَكَانَ صَالِحاً، صَادِقاً، صَابراً عَلَى التَّحْدِيْثِ، حَسَنَ الأَخلاَقِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: حَدَّثَنَا عَنْهُ: ابْنُ الأَخْضَرِ، وَأَحْمَدُ بنُ البَنْدَنِيْجِيِّ، وَعُمَرُ بنُ السُّهْرَوَرْدِيِّ، وَطَاوُوْسُ بنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَمَاتَ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، بِبَغْدَادَ.

286 - الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِرِ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ عَبْدِ اللهِ الجِيْلِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَالِمُ، الزَّاهِدُ، العَارِفُ، القُدْوَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، عَلَمُ الأَوْلِيَاءِ، مُحْيِي الدِّينِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ القَادِرِ ابنُ أَبِي صَالِحٍ عَبْدِ اللهِ (1) بنِ جنكِي دَوَّسَتْ (2) الجِيْلِيُّ (3) ، الحَنْبَلِيُّ، شَيْخُ بَغْدَادَ.
مَوْلِدُهُ: بِجيلاَنَ (4) ، فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَقَدِمَ بَغْدَادَ شَابّاً، فَتفقَّهَ عَلَى أَبِي سَعْدٍ المُخَرِّمِيِّ (5) .
__________
(*) الأنساب 3 / 415، المنتظم 10 / 219، الكامل 11 / 323، مرآة الزمان 8 / 164 - 166 - بهجة الاسرار في مناقب سيدي عبد القادر للشطنوفي، المختصر 3 / 43، العبر 4 / 175، 176، دول الإسلام 2 / 75، تتمة المختصر 2 / 107 - 111، فوات الوفيات 2 / 373، 374، البداية والنهاية 12 / 252، ذيل الطبقات الحنابلة 1 / 290 - 310، النجوم الزاهرة 5 / 371، طبقات الشعراني 1 / 108، شذرات الذهب 4 / 1198 - 202، أعلام الزركلي 4 / 47.
(1) في " طبقات " ابن رجب: عبد القادر بن أبي صالح بن عبد الله، بزيادة لفظ " بن " وفي " تتمة المختصر ": عبد القادر بن أبي صالح موسى جنكي دوست.
وفي " أعلام " الزركلي: عبد القادر بن موسى بن عبد الله.
(2) في " فوات الوفيات ": ينتهي نسبه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب.
وأورد ابن رجب نسبه إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما.
وفي " معجم الشيوخ " 1 / 52: جنكي دوست: أي العظيم القدر.
وانظر " المعجم الفارسي " في معاني " دوست ".
(3) تحرفت في " مرآة الزمان " 8 / 164 إلى " الحلبي ".
(4) وهي بلاد متفرقة وراء طبرستان، ويقال لها: كيل وكيلان، والنسبة إليها جيلي وجيلاني وكيلاني. " الأنساب " 3 / 414.
(5) تحرفت نسبته في " طبقات " ابن رجب إلى " المخرامي "، وقد مرت ترجمته في الجزء التاسع عشر، متوفى سنة 513 ه برقم (249).

(20/439)


وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي غَالِبٍ البَاقِلاَّنِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ المُظَفَّرِ بنِ سُوسٍ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ بَيَانٍ، وَجَعْفَرِ بنِ أَحْمَدَ السَّرَّاجِ، وَأَبِي سَعْدٍ بنِ خُشَيْشٍ، وَأَبِي طَالِبٍ اليُوْسُفِيِّ، وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَعُمَرُ بنُ عَلِيٍّ القُرَشِيُّ، وَالحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ، وَالشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ بنُ قُدَامَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَمُوْسَى وَلَدَاهُ، وَالشَّيْخُ عَلِيُّ بنُ إِدْرِيْسَ، وَأَحْمَدُ بنُ مُطِيْعٍ البَاجِسْرَائِيُّ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ مُحَمَّدُ بنُ لَيْثٍ الوسْطَانِيُّ، وَأَكْمَلُ بنُ مَسْعُوْدٍ الهَاشِمِيُّ، وَأَبُو طَالِبٍ عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ القُبَّيْطِيِّ، وَخَلْقٌ.
وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: الرَّشِيْدُ أَحْمَدُ بنُ مَسْلَمَةَ.
أَخْبَرَنَا القَاضِي تَاجُ الدِّيْنِ عَبْدُ الخَالِقِ بنُ عُلْوَانَ بِبَعْلَبَكَّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا شَيْخُ الإِسْلاَمِ عَبْدُ القَادِرِ بنُ أَبِي صَالِحٍ الجِيْلِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُظَفَّرِ التَّمَّارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ بنِ نَجِيْحٍ، أَخْبَرَنَا يَعْقُوْبُ بنُ يُوْسُفَ القَزْوِيْنِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ:
إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيْلَ اسْتخلفُوا خَلِيْفَةً عَلَيْهِم بَعْدَ مُوْسَى، فَقَامَ يُصَلِّي فِي القَمَرِ فَوْقَ بَيْتِ المَقْدِسِ، فَذَكَرَ أُمُوْراً كَانَ صَنَعَهَا، فَخَرَجَ فَتَدَلَّى بِسَبَبٍ، فَأَصْبَحَ السَّبَبُ مُعلَّقاً فِي المَسْجَدِ، وَقَدْ ذَهَبَ، فَانْطَلقَ حَتَّى أَتَى قَوْماً عَلَى شطِّ البَحْرِ، فَوَجَدَهُم يَصنعُوْنَ لَبِناً، فَسَأَلَهُم: كَيْفَ تَأَخذُوْنَ هَذَا اللَّبِنَ؟
فَأَخبروهُ، فَلَبَّنَ مَعَهُم، وَكَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَملِ يَدِهِ، فَإِذَا كَانَ حِيْنَ الصَّلاَةِ، تَطهَّرَ فَصَلَّى، فَرَفَعَ ذَلِكَ العُمَّالُ إِلَى قَهْرَمَانِهِم، أنَّ فِيْنَا رَجُلاً يَفعلُ كَذَا وَكَذَا.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَأَبَى أَنْ يَأْتِيَهُ - ثَلاَثَ مَرَّاتٍ - ثُمَّ إِنَّهُ جَاءهُ بِنَفْسِهِ يَسِيرُ عَلَى دَابَّتِهِ، فَلَمَّا رَآهُ، فَرَّ وَاتَّبعَهُ، فَسَبَقَهُ، فَقَالَ: أَنظِرْنِي أُكلِّمْكَ.
قَالَ: فَقَامَ

(20/440)


حَتَّى كَلَّمَهُ، فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُ خَبَرَهُ وَأَنَّهُ كَانَ مَلِكاً، وَأَنَّهُ فَرَّ مِنْ رَهِبَةِ اللهِ، قَالَ: إِنِّيْ لأَظُنُّ أَنِّي لاَحِقٌ بِكَ.
فَلَحِقَهُ، فَعَبَدَا اللهَ حَتَّى مَاتَا برملَةِ مِصْرَ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ: لَوْ كُنْتُ ثَمَّ، لاَهتديتُ إِلَى قَبْرَيهِمَا مِنْ صفَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّتِي وَصفَ (1) .
هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ عَالٍ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ عَبْدُ القَادِرِ مِنْ أَهْلِ جيلاَنَ إِمَامَ الحَنَابِلَةِ، وَشيخَهُم فِي عصرِهِ، فَقِيْهٌ صَالِحٌ دَيِّنٌ خَيِّرٌ، كَثِيْرُ الذِّكْرِ، دَائِمُ الفِكْرِ، سرِيعُ الدَّمْعَةِ، تَفَقَّهَ عَلَى المُخَرِّمِيِّ، وَصَحِبَ الشَّيْخَ حَمَّاداً الدَّبَّاسَ، وَكَانَ يَسكنُ بِبَابِ الأَزَجِ فِي مَدْرَسَةٍ بُنِيَتْ لَهُ، مَضَيْنَا لزِيَارتِهِ، فَخَرَجَ وَقَعَدَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ، وَخَتمُوا القُرْآنَ، فَأَلقَى دَرْساً مَا فَهِمْتُ مِنْهُ شَيْئاً، وَأَعْجَبُ مِنْ ذَا أَنَّ أَصْحَابَهُ قَامُوا وَأَعَادُوا الدَّرسَ، فَلعلَّهُم فَهِمُوا لإِلفهِم بكَلاَمِهِ وَعبَارَتِهِ (2) .
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (3) : كَانَ أَبُو سَعْدٍ المُخَرِّمِيُّ قَدْ بَنى مَدْرَسَةً لطيفَةً بِبَابِ الأَزَجِ، فَفُوِّضَتْ إِلَى عَبْدِ القَادِرِ، فَتكلَّمَ عَلَى النَّاسِ بِلِسَانِ الوعظِ، وَظهرَ لَهُ صِيْتٌ بِالزُّهْدِ، وَكَانَ لَهُ سَمْتٌ وَصَمْتٌ، وَضَاقَتِ المَدْرَسَةُ بِالنَّاسِ، فَكَانَ يَجلسُ عِنْدَ سورِ بَغْدَادَ مُسْتَنِداً إِلَى الرِّباطِ، وَيَتوبُ عِنْدَهُ فِي المَجْلِسِ خَلْقٌ كَثِيْرٌ، فَعُمِّرَتِ المَدْرَسَةُ، وَوُسِّعَتْ، وَتعصَّبَ فِي ذَلِكَ العوَامُّ، وَأَقَامَ فِيْهَا يُدِرِّسُ وَيَعظُ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ.
__________
(1) عبد الرحمن بن يزيد لم أتبين وكذا أبوه، وربما يكون الصواب: عن عبد الرحمن بن عبد لله بن مسعود عن أبيه، فقد أخرجه الطبراني في " الكبير (10370) من طريق محمد بن جعفر بن أعين البغدادي، حدثنا عاصم بن علي، حدثنا قيس بن الربيع، عن سماك بن حرب، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه..فذكره، وأورده الهيثمي في " المجمع " 10 / 218، وزاد نسبته إلى الطبراني في " الأوسط " وقال: إسناده حسن.
(2) انظر " طبقات ابن رجب " 1 / 291.
(3) في " المنتظم " 10 / 219.

(20/441)


أَنبَأَنِي أَبُو بَكْرٍ بنُ طَرْخَانَ، أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، وَسُئِلَ عَنِ الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ، فَقَالَ:
أَدْرَكْنَاهُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، فَأَسْكَنَنَا فِي مدرستِهِ، وَكَانَ يُعنَى بِنَا، وَرُبَّمَا أَرْسَلَ إِلَيْنَا ابْنَهُ يَحْيَى، فَيُسْرِجَ لَنَا السِّرَاجَ، وَرُبَّمَا يُرْسِلُ إِلينَا طَعَاماً مِنْ مَنْزِلِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي الفرِيضَةَ بِنَا إِمَاماً، وَكُنْتُ أَقرَأُ عَلَيْهِ مِنْ حِفْظِي مِنْ كِتَابِ الخِرَقِيِّ غُدْوَةً، وَيَقرَأُ عَلَيْهِ الحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ مِنْ كِتَابِ الهِدَايَةِ فِي الكِتَابِ، وَمَا كَانَ أَحَدٌ يَقرَأُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ سِوَانَا، فَأَقمنَا عِنْدَهُ شَهْراً وَتِسْعَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ مَاتَ، وَصلَّيْنَا عَلَيْهِ ليلاً فِي مدرستِهِ، وَلَمْ أَسْمَعْ عَنْ أَحَدٍ يُحْكَى عَنْهُ مِنَ الكَرَامَاتِ أَكْثَرَ مِمَّا يُحَكَى عَنْهُ، وَلاَ رَأَيْتُ أَحَداً يُعَظِّمُهُ النَّاسُ لِلدِّينِ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَسَمِعنَا عَلَيْهِ أَجزَاءَ يَسِيْرَةً.
قَرَأْتُ بِخَطِّ الحَافِظِ سَيْفِ الدِّينِ ابْنِ المَجْدِ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مَحْمُوْدٍ المَرَاتِبِيَّ، سَمِعْتُ الشَّيْخَ أَبَا بَكْرٍ العمَادَ -رَحِمَهُ اللهُ- يَقُوْلُ:
كُنْتُ قَرَأْتُ فِي أُصُوْلِ الدِّينِ، فَأَوقع عِنْدِي شَكّاً، فَقُلْتُ: حَتَّى أَمضِي إِلَى مَجْلِسِ الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ، فَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ عَلَى الخوَاطِرِ.
فَمضَيْتُ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ: اعْتِقَادُنَا اعْتِقَادُ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَالصَّحَابَةِ.
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا قَالَهُ اتِّفَاقاً.
فَتكلَّمَ، ثُمَّ التَفَتَ إِلَى نَاحِيَتِي فَأَعَادَهُ، فَقُلْتُ: الوَاعِظُ قَدْ يَلتَفِتُ.
فَالْتَفَتَ إِلَيَّ ثَالِثَةً، وَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، فَأَعَادَ القَوْلَ، ثُمَّ قَالَ: قُمْ قَدْ جَاءَ أَبُوْكَ.
وَكَانَ غَائِباً، فَقُمْتُ مُبَادراً، وَإِذَا أَبِي قَدْ جَاءَ.
وَحَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، حَدَّثَنِي شَيْخُنَا جَمَالُ الدِّيْنِ يَحْيَى بنُ الصَّيْرَفِيِّ، سَمِعْتُ أَبَا البقَاءِ النَّحْوِيَّ، قَالَ:
حضَرتُ مَجْلِسَ الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ، فَقَرَؤُوا بَيْنَ يَدَيْهِ بِالأَلحَانِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: تُرَى لأَيِّ شَيْءٍ مَا يُنكِرُ الشَّيْخُ هَذَا؟
فَقَالَ: يَجِيْءُ وَاحِدٌ قَدْ قرَأَ أَبْوَاباً مِنَ الفِقْهِ يُنكِرُ.
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَعَلَّ أَنَّهُ قَصَدَ غَيْرِي.
فَقَالَ: إِيَّاك نَعنِي بِالقَوْلِ.
فَتُبْتُ فِي نَفْسِي

(20/442)


مِنْ اعترَاضِي، فَقَالَ: قَدْ قَبِلَ اللهُ تَوبَتَكَ.
وَسَمِعْتُ الإِمَامَ أَبَا العَبَّاسِ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ الحَلِيْمِ، سَمِعْتُ الشَّيْخَ عِزَّ الدِّيْنِ الفَارُوثِيَّ، سَمِعْتُ شَيْخَنَا شِهَابَ الدِّينِ السُّهْرَوَرْدِيَّ يَقُوْلُ:
عزمْتُ عَلَى الاشتغَالِ بِأُصُوْلِ الدِّينِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: أَسْتشيرُ الشَّيْخَ عَبْدَ القَادِرِ.
فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ قَبْلَ أَنْ أَنْطقَ: يَا عُمَرُ، مَا هُوَ مِنْ عُدَّةِ القَبْرِ، يَا عُمَرُ، مَا هُوَ مِنْ عُدَّةِ القَبْرِ (1) .
قَالَ الفَقِيْهُ مُحَمَّدُ بنُ مَحْمُوْدٍ المَرَاتِبِيُّ: قُلْتُ لِلشَّيْخِ الموفَّقِ: هَلْ رَأَيتُم مِنَ الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ كرَامَةً؟
قَالَ: لاَ أَظُنُّ، لكنْ كَانَ يَجلسُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَكُنَّا نَتْرُكُهُ وَنَمضِي لِسَمَاعِ الحَدِيْثِ عِنْدَ ابْنِ شَافعٍ، فُكُلُّ مَا سَمِعْنَاهُ لَمْ نَنتفِعْ بِهِ.
قَالَ الحَافِظُ السَّيْفُ: يَعْنِي لِنُزولِ ذَلِكَ.
قَالَ شَيْخُنَا الحَافِظُ أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ الشَّيْخَ عَبْدَ العَزِيْزِ بنَ عَبْدِ السَّلاَمِ الفَقِيْهَ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا نُقِلَتْ إِلَيْنَا كَرَامَاتُ أَحَدٍ بِالتَّوَاتُرِ إِلاَّ الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِرِ.
فَقِيْلَ لَهُ: هَذَا مَعَ اعْتِقَادِهِ: فَكَيْفَ هَذَا؟
فَقَالَ: لاَزِمُ المَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ.
قُلْتُ: يُشِيْرُ إِلَى إِثبَاتِهِ صِفَةَ العُلُوِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمَذْهَبُ الحَنَابِلَةِ فِي ذَلِكَ مَعْلُوْمٌ، يَمشُوْنَ خَلْفَ مَا ثَبَتَ عَنْ إِمَامِهِم -رَحِمَهُ اللهُ- إِلاَّ مَنْ يَشِذُّ مِنْهُم، وَتَوَسَّعَ فِي العِبَارَةِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ فِي (تَارِيْخِهِ): دَخَلَ الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِر بَغْدَادَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فَتفقَّهَ عَلَى: ابْنِ عَقِيْلٍ، وَأَبِي الخَطَّابِ، وَالمُخَرِّمِيِّ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ الفَرَّاءِ، حَتَّى أَحكَمَ الأُصُوْلَ وَالفُرُوْعَ
__________
(1) انظر " طبقات " ابن رجب 1 / 296، 297.

(20/443)


وَالخلاَفَ، وَسَمِعَ الحَدِيْثَ، وَقرَأَ الأَدبَ عَلَى أَبِي زَكَرِيَّا التِّبْرِيْزِيِّ، وَاشْتَغَلَ بِالوَعظِ إِلَى أَنْ برَّزَ فِيْهِ، ثُمَّ لاَزَمَ الخَلْوَةَ وَالرِّيَاضَةَ وَالمُجَاهِدَةَ وَالسِّيَاحَةَ وَالمقَامَ فِي الخرَابِ وَالصَّحرَاءِ، وَصَحِبَ الدَّبَّاسَ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ أَظَهْرَهُ لِلْخَلْقِ، وَأَوقَعَ لَهُ القبولَ العَظِيْمَ، فَعَقَدَ مَجْلِسَ الوعظِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ، وَأَظهرَ اللهُ الحِكْمَةَ عَلَى لِسَانِهِ، ثُمَّ دَرَّسَ، وَأَفتَى، وَصَارَ يُقصَدُ بِالزِّيَارَةِ وَالنُّذُورِ، وَصَنَّفَ فِي الأُصُوْلِ وَالفُرُوْعِ، وَلَهُ كَلاَمٌ عَلَى لِسَانِ أَهْلِ الطَّرِيقَةِ عَالٍ.
وَكَتَبَ إِلَيَّ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي الحَسَنِ الجُبَّائِيُّ: قَالَ لِي الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِرِ: طَالَبَتْنِي نَفْسِي يَوْماً بِشَهْوَةٍ، فَكُنْتُ أُضَاجِرُهَا، وَأَدخُلُ فِي دَرْبٍ، وأَخرُجُ مِنْ آخرَ أَطلُبُ الصَّحرَاءَ، فَرَأَيْتُ رُقعَةً مُلْقَاةً، فَإِذَا فِيْهَا: مَا لِلأَقْوِيَاءِ وَالشَّهوَاتِ، وَإِنَّمَا خُلِقَتِ الشَّهوَاتُ لِلضُّعَفَاءِ، فَخَرَجَتِ الشَّهْوَةُ مِنْ قَلْبِي.
قَالَ: وَكُنْتُ أَقتَاتُ بِخَرُّوبِ الشَّوْكِ، وَوَرَقِ الخَسِّ مِنْ جَانِبِ النَّهْرِ (1) .
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللهِ بنِ نَصْرِ بنِ حَمْزَةَ التَّيْمِيِّ، سَمِعْتُ الشَّيْخَ عَبْدَ القَادِرِ يَقُوْلُ: بَلغَتْ بِي الضَّائِقَةُ فِي الغِلاَءِ إِلَى أَنْ بَقِيْتُ أَيَّاماً لاَ آكُلُ طَعَاماً، بَلْ أَتَّبَّعُ المَنبُوذَاتِ، فَخَرَجتُ يَوْماً إِلَى الشَّطِّ، فَوَجَدْتُ قَدْ سَبَقَنِي الفُقَرَاءُ، فَضَعُفْتُ وَعَجَزْتُ عَنِ التَّمَاسُكِ، فَدَخَلتُ مَسْجِداً، وَقعدتُ، وَكِدْتُ أُصَافِحُ المَوْتَ، وَدَخَلَ شَابٌّ أَعْجَمِيٌّ وَمَعَهُ خُبْزٌ وَشِوَاءٌ، وَجَلَسَ يَأْكُلُ، فَكُنْتُ أَكَادُ كُلَّمَا رَفَعَ لُقْمَةً أَنْ أَفتحَ فَمِي، فَالْتَفَتَ فَرَآنِي، فَقَالَ: بِاسمِ اللهِ.
فَأَبَيْتُ، فَأَقسمَ عَلَيَّ، فَأَكَلتُ مُقَصِّراً، وَأَخَذَ يَسْأَلُنِي: مَا شُغْلُكَ؟ وَمِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟
فَقُلْتُ: متفقِّهٌ مِنْ جيلاَنَ.
قَالَ: وَأَنَا مِنْ جيلاَنَ، فَهَلْ تَعرفُ لِي شَابّاً جَيلاَنِيّاً اسْمُهُ عَبْدُ القَادِر، يُعرَفُ بِسِبْطِ أَبِي عَبْدِ اللهِ الصَّوْمعِيِّ الزَّاهِدِ؟
فَقُلْتُ: أَنَا هُوَ.
فَاضْطَّرَبَ لِذَلِكَ، وَتَغَيَّرَ
__________
(1) انظر " طبقات " ابن رجب 1 / 298، و" فوات الوفيات " 2 / 373، 374.

(20/444)


وَجهُهُ، وَقَالَ: وَاللهِ يَا أَخِي! لَقَدْ وَصلتُ إِلَى بَغْدَادَ، وَمعِي بَقِيَّةُ نَفَقَةٍ لِي، فَسَأَلتُ عَنْكَ، فَلَمْ يُرْشِدُنِي أَحَدٌ إِلَى أَنْ نَفِذَتْ نَفَقَتِي، وَبقيتُ بَعْدهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لاَ أَجِدُ ثَمَنَ قُوتِي إِلاَّ مِنْ مَالِكَ، فَلَمَّا كَانَ هَذَا اليَوْمُ الرَّابِعُ، قُلْتُ: قَدْ تَجَاوَزَتْنِي ثَلاَثُ أَيَّامٍ، وَحَلَّتْ لِي المَيْتَةُ، فَأَخَذتُ مِنْ وَدِيعَتِكَ ثمنَ هَذَا الخبزِ وَالشِّوَاءِ، فُكُلْ طَيِّباً، فَإِنَّمَا هُوَ لَكَ، وَأَنَا ضَيفُكَ الآنَ.
فَقُلْتُ: وَمَا ذَاكَ؟
قَالَ: أُمُّكَ وَجَّهَتْ مَعِي ثَمَانِيَةَ دَنَانِيْرَ، وَاللهِ مَا خُنْتُكَ فِيْهَا إِلَى اليَوْمِ.
فَسَكَّنْتُهُ، وَطَيَّبْتُ نَفْسَهُ، وَدَفَعْتُ إِلَيْهِ شَيْئاً مِنْهَا (1) .
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَتَبَ إِلَيَّ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي الحَسَنِ الجُبَّائِيُّ، قَالَ: قَالَ لِي الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِرِ:
كُنْتُ فِي الصَّحرَاءِ أُكَرِّرُ فِي الفِقْهِ وَأَنَا فِي فَاقَةٍ، فَقَالَ لِي قَائِلٌ لَمْ أَرَ شَخْصَهُ: اقتَرِضْ مَا تَسْتعينُ بِهِ عَلَى طلبِ الفِقْهِ.
فَقُلْتُ: كَيْفَ أَقترِضُ وَأَنَا فَقيرٌ وَلاَ وَفَاءَ لِي؟
قَالَ: اقترِضْ وَعَلَيْنَا الوَفَاءُ.
فَأَتيتُ بَقَّالاً: فَقُلْتُ: تُعَامِلُنِي بِشَرْطٍ إِذَا سَهَّلَ اللهُ أَعْطيتُكَ، وَإِن مُتُّ تَجعَلْنِي فِي حِلٍّ، تُعطِيَنِي كُلَّ يَوْمٍ رَغِيْفاً وَرشَاداً.
فَبَكَى، وَقَالَ: أَنَا بِحُكْمِكَ.
فَأَخَذتُ مِنْهُ مُدَّةً، فَضَاقَ صَدْرِي، فَأَظُنُّ أَنَّهُ قَالَ: فَقِيْلَ لِي: امضِ إِلَى مَوْضِعِ كَذَا، فَأَيَّ شَيْءٍ رَأَيْتَ عَلَى الدِّكَّةِ، فَخُذْهُ، وَادفعْهُ إِلَى البَقَّالِ.
فَلَمَّا جِئْتُ، رَأَيْتُ قطعَةَ ذَهَبٍ كَبِيْرَةً، فَأَعْطيتُهَا البَقْلِي.
وَلَحِقَنِي الجُنُوْنُ مرَّةً، وَحُمِلْتُ إِلَى المَارستَان، فَطَرَقَتْنِي الأَحْوَالُ حَتَّى حَسِبُوا أَنِّي (2) مُتُّ، وَجَاؤُوا بِالكَفَنِ، وَجَعَلونِي عَلَى المُغْتَسَلِ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنِّي، وَقُمْتُ، ثُمَّ وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنْ أَخرجَ مِنْ بَغْدَادَ لِكَثْرَةِ الفِتَنِ،
__________
(1) انظر " طبقات " ابن رجب 1 / 298، 299.
(2) ما بين حاصرتين مستدرك من " طبقات " ابن رجب 1 / 299، والنص فيه: وكان ربما أغشي علي، فيغسلوني، ويحسبوني أني مت من الحال التي تطرقني.

(20/445)


فَخَرَجتُ إِلَى بَابِ الحَلَبَةِ، فَقَالَ لِي قَائِلٌ: إِلَى أَيْنَ تَمْشِي؟
وَدَفَعَنِي دفعَةً خَرَرْتُ مِنْهَا، وَقَالَ: ارْجِعْ، فَإِنَّ لِلنَّاسِ فِيكَ مَنْفعَةً.
قُلْتُ: أُرِيْدُ سَلاَمَةَ دِينِي.
قَالَ: لَكَ ذَاكَ.
وَلَمْ أَرَ شَخْصَهُ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ طَرَقَتْنِي الأَحْوَالُ، فَكُنْتُ أَتَمنَّى مَنْ يَكشِفُهَا لِي، فَاجتزْتُ بِالظَّفَرِيَّةِ (1) ، فَفَتَحَ رَجُلٌ دَارَهُ، وَقَالَ: يَا عَبْدَ القَادِرِ، أَيشٍ طلبتَ البَارِحَةَ؟
فَنَسيتُ، فَسَكَتُّ، فَاغتَاظَ، وَدفعَ البَابَ فِي وَجْهِي دفعَةً عَظِيْمَةً، فَلَمَّا مَشيتُ ذَكَرْتُ، فَرَجَعتُ أَطلبُ البَابَ، فَلَمْ أَجِدْهُ.
قَالَ: وَكَانَ حَمَّاداً الدَّبَّاسَ، ثُمَّ عَرَفْتُهُ بَعْدُ، وَكشفَ لِي جَمِيْعَ مَا كَانَ يُشكِلُ عَلَيَّ، وَكُنْتُ إِذَا غبتُ عَنْهُ لِطلبِ العِلْمِ، وَجِئْتُ يَقُوْلُ: أَيشٍ جَاءَ بِكَ إِلَيْنَا؟ أَنْتَ فَقِيْهٌ، مُرَّ إِلَى الفُقَهَاءِ، وَأَنَا أَسكتُ.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ جُمُعةٍ، خَرَجتُ مَعَ الجَمَاعَةِ فِي شِدَّةِ البَرْدِ، فَدَفَعنِي أَلقَانِي فِي المَاءِ، فَقُلْتُ: غُسْلُ الجُمُعَةِ، بِاسمِ اللهِ.
وَكَانَ عَلَيَّ جُبَّةٌ صُوْفُ، وَفِي كُمِّي أَجزَاءٌ، فَرفعتُ كُمِّي لِئَلاَّ تَهلِكَ الأَجزَاءُ، وَخَلَّوْنِي وَمَشَوا، فَعصَرْتُ الجُبَّةَ وَتَبِعْتُهُم، وَتَأَذَّيْتُ بِالبَردِ كَثِيْراً، وَكَانَ الشَّيْخُ يُؤذِينِي وَيَضربُنِي، وَإِذَا جِئْتُ يَقُوْلُ: جَاءنَا اليَوْمَ الخُبْزُ الكَثِيْرُ وَالفَالوذَجُ، وَأَكلنَا ومَا خَبَّأْنَا لَكَ وَحشَةً عَلَيْكَ.
فَطمِعَ فِيَّ أَصْحَابُهِ، وَقَالُوا: أَنْتَ فَقِيْهٌ، أَيشٍ تَعْمَلُ مَعَنَا؟
فَلَمَّا رَآهُم يُؤذُونَنِي، غَارَ لِي، وَقَالَ: يَا كِلاَبُ! لِمَ تُؤْذُونَهُ؟ وَاللهِ مَا فِيْكُم مِثْلُهُ، وَإِنَّمَا أُوذِيْهِ لأَمتحِنَهُ فَأَرَاهُ جبلاً لاَ يَتحرَّكُ.
ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ هَمَذَانَ يُقَالَ لَهُ: يُوْسُفُ الهَمَذَانِيُّ، وَكَانَ يُقَالُ: إِنَّهُ القُطْبُ، وَنَزَلَ فِي رِباطٍ، فَمشيتُ إِلَيْهِ وَلَمْ أَرَهُ، وَقِيْلَ لِي: هُوَ فِي السِّرْدَابِ.
فَنَزَلْتُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَآنِي قَامَ وَأَجلسنِي، فَفَرشنِي، وَذَكَرَ لِي جَمِيْعَ أَحْوَالِي، وَحلَّ لِي المُشْكِلَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ لِي: تَكَلَّمْ عَلَى النَّاسِ.
فَقُلْتُ: يَا سيِّدِي، أَنَا رَجُلٌ
__________
(1) محلة بشرقي بغداد كبيرة.

(20/446)


أَعْجَمِيٌّ قُحٌّ أَخرسُ، أَتكلَّمُ عَلَى فُصَحَاءِ بَغْدَادَ؟!
فَقَالَ لِي: أَنْتَ حَفِظتَ الفِقْهَ، وَأُصُوْلَهُ، وَالخلاَفَ، وَالنَّحْوَ، وَاللُّغَةَ، وَتَفسيرَ القُرْآنِ، لاَ يَصلُحُ لَكَ أَنْ تَتكلَّمَ؟! اصعَدْ عَلَى الكُرْسِيِّ، وَتَكلَّمْ، فَإِنِّي أَرَى فِيكَ عِذْقاً سيصِيْرُ نَخْلَةً.
قَالَ الجُبَّائِيُّ: وَقَالَ لِي الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِرِ:
كُنْتُ أُومَرُ وَأُنْهَى فِي النَّوْمِ وَاليقظَةِ، وَكَانَ يغلبُ عَلَيَّ الكَلاَمُ، وَيزدحِمُ عَلَى قَلْبِي إِنْ لَمْ أَتكلَّمْ بِهِ حَتَّى أَكَادُ أَخْتنقُ وَلاَ أَقدرُ أَسكتُ، وَكَانَ يَجلسُ عِنْدِي رَجُلاَنِ وَثَلاَثَةٌ، ثُمَّ تَسَامعَ النَّاسُ بِي، وَازدحَمَ عَلَيَّ الخَلْقُ، حَتَّى صَارَ يَحضرُ مَجْلِسِي نَحْوٌ مِنْ سَبْعِيْنَ أَلْفاً.
وَقَالَ: فَتَّشْتُ الأَعْمَالَ كُلَّهَا، فَمَا وَجَدْتُ فِيْهَا أَفْضَلُ مِنْ إِطعَامِ الطَّعَامِ، أَودُّ لَوْ أَنَّ الدُّنْيَا بِيَدِي فَأُطعِمَهَا الجيَاعَ، كَفِّي مثقوبَةٌ لاَ تضبطُ شَيْئاً، لَوْ جَاءنِي أَلفُ دِيْنَارٍ لَمْ أُبَيِّتْهَا.
وَكَانَ إِذَا جَاءهُ أَحَدٌ بِذَهَبٍ، يَقُوْلُ: ضَعْهُ تَحْتَ السَّجَّادَةِ.
وَقَالَ لِي: أَتَمَنَّى أَنْ أَكُوْنَ فِي الصَّحَارَى وَالبَرَارِي كَمَا كُنْتُ فِي الأَوّلِ، لاَ أَرَى الخَلْقَ وَلاَ يَرُوْنِي.
ثُمَّ قَالَ: أَرَادَ اللهُ مِنِّي مَنْفعَةَ الخلقِ، فَقَدْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيَّ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِ مائَةٍ، وَتَابَ عَلَى يَدَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مائَةِ أَلْفٍ، وَهَذَا خَيْرٌ كَثِيْرٌ، وَتَرِدُ عَلَيَّ الأَثقَالُ الَّتِي لَوْ وُضِعَتْ عَلَى الجِبَالِ تَفَسَّخَتْ، فَأَضعُ جَنْبِي عَلَى الأَرْضِ، وَأَقُوْلُ: إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً، إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً، ثُمَّ أَرْفَعُ رَأْسِي وَقَدِ انفرَجَتْ عَنِّي.
وَقَالَ: إِذَا وُلِدَ لِي وَلدٌ أَخذتُهُ عَلَى يَدِي، وَأَقُوْلُ هَذَا مَيِّتٌ، فَأُخْرِجُهُ مِنْ قَلْبِي، فَإِذَا مَاتَ لَمْ يُؤثِّرْ عِنْدِي مَوْتُهُ شَيْئاً.
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ابْنُ الشَّيْخِ: وُلِدَ لأَبِي تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُوْنَ وَلداً، سَبْعَةٌ وَعِشْرُوْنَ ذَكَراً، وَالبَاقِي إِنَاثٌ (1) .
__________
(1) انظر " فوات الوفيات " 2 / 374.

(20/447)


وَقَالَ الجُبَّائِيُّ: كُنْتُ أَسْمَعُ فِي (الحِلْيَةِ) عَلَى ابْنِ نَاصرٍ، فَرَقَّ قَلْبِي، وَقُلْتُ: اشتهيتُ لَوِ انْقَطَعْتُ، وَأَشتغلُ بِالعِبَادَةِ، وَمضيتُ فَصَلَّيْتُ خلفَ الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ، فَلَمَّا جَلَسْنَا، نَظَرَ إِلَيَّ، وَقَالَ: إِذَا أَردتَ الانقطَاعَ، فَلاَ تَنقطِعْ حَتَّى تَتَفَقَّهَ وَتُجَالِسَ الشُّيُوْخَ وَتتَأَدَّبَ، وَإِلاَّ فَتنقطِعُ وَأَنْتَ فُرَيخٌ مَا رَيَّشْتَ.
وَعَنْ أَبِي الثَّنَاءِ النَّهْرملكِي قَالَ: تَحدَّثْنَا أَنَّ الذُّبَابَ مَا يَقعُ عَلَى الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ، فَأَتَيْتُهُ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ، وَقَالَ: أَيشٍ يَعملُ عِنْدِي الذُّبَابُ؟! لاَ دِبْسَ الدُّنْيَا، وَلاَ عَسَلَ الآخِرَةِ.
قَالَ أَبُو البَقَاءِ العُكْبَرِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ نَجَاحٍ الأَدِيْبَ يَقُوْلُ:
قُلْتُ فِي نَفْسِي: أُرِيْدُ أنْ أُحصيَ كَمْ يَقصُّ الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِرِ شعرَ تَائِبٍ؟
فَحَضَرتُ المَجْلِسَ وَمعِي خَيْطٌ، فَلَمَّا قصَّ شَعْراً، عقدتُ عُقدَةً تَحْتَ ثِيَابِي مِنَ الخيطِ، وَأَنَا فِي آخِرِ النَّاسِ، وَإِذَا بِهِ يَقُوْلُ: أَنَا أَحلُّ وَأَنْتَ تَعقدُ؟!
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْتُ شَيْخَ الصُّوْفِيَّةِ عُمَرَ بنَ مُحَمَّدٍ السُّهْرَوَرْدِيَّ يَقُوْلُ:
كُنْتُ أَتفقَّهُ فِي صِبَايَ، فَخطرَ لِي أَنْ أَقرَأَ شَيْئاً مِنْ عِلمِ الكَلاَمِ، وَعزمتُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ أَتكلَّمَ بِهِ، فَصَلَّيْتُ مَعَ عَمِّي أَبِي النَّجِيْبِ، فَحضرَ عِنْدَهُ (1) الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِرِ مُسلِّماً، فَسَأَلَهُ عمِّي الدُّعَاءَ لِي، وَذَكَرَ لَهُ أَنِّي مُشْتَغِلٌ بِالفِقْهِ، وَقُمْتُ فَقبَّلْتُ يَدَهُ، فَأَخَذَ يَدِي، فَقَالَ: تُبْ مِمَّا عزَمْتَ عَلَيْهِ مِنَ الاشتغَالِ بِهِ، فَإِنَّكَ تُفْلِحُ.
ثُمَّ سكتَ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ عَزمِي عَنِ الاشتغَالِ بِالكَلاَمِ حَتَّى شُوِّشَتْ عَلَيَّ جَمِيْعُ أَحْوَالِي، وَتَكدَّرَ وَقتِي، فَعلمتُ أَنَّ ذَلِكَ بِمُخَالَفَةِ الشَّيْخِ (2) .
__________
(1) في الأصل عبده مجودة، والتصويب من طبقات ابن رجب.
(2) انظر طبقات ابن رجب: 1 / 297.

(20/448)


ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ بنَ الأَخْضَر يَقُوْلُ:
كُنْتُ أَدخل عَلَى الشَّيْخ عَبْد القَادِر فِي وَسط الشِّتَاء وَقُوَّةِ بَرْدِهِ وَعَلَيْهِ قَمِيْصٌ وَاحِد، وَعَلَى رَأْسه طَاقيَّة، وَحَوْلَهُ مَنْ يُروحهُ بِالمِرْوَحَة.
قَالَ: وَالعرق يَخْرُج مِنْ جَسَدِه كَمَا يَكُوْن فِي شِدَّةِ الحَرِّ (1) .
ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْتُ عَبْدَ العَزِيْز بن عَبْدِ المَلِكِ الشَّيْبَانِيّ، سَمِعْتُ الحَافِظُ عَبْد الغَنِيِّ، سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ بنَ الخَشَّاب النَّحْوِيّ يَقُوْلُ:
كُنْتُ وَأَنَا شَابّ أَقرَأُ النَّحْو، وَأَسْمَعُ النَّاس يَصفُوْنَ حسن كَلاَم الشَّيْخ عَبْد القَادِر، فَكُنْت أُرِيْد أَنْ أَسْمَعه وَلاَ يَتَّسِع وَقتِي، فَاتَّفَقَ أَنِّي حضَرت يَوْماً مَجْلِسه، فَلَمَّا تَكَلَّمَ لَمْ أَسْتحسن كَلاَمه، وَلَمْ أَفهمه، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: ضَاع اليَوْم مِنِّي.
فَالْتَفَت إِلَى نَاحِيَتِي، وَقَالَ: وَيْلَك! تُفضِّلُ النَّحْو عَلَى مَجَالِس الذِّكرِ، وَتَختَارُ ذَلِكَ؟! اصحَبْنَا نُصَيِّرْكَ سِيبَوَيْه.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ ظفر بن هُبَيْرَةَ: سَأَلت جَدِّي أَنْ أَزور الشَّيْخ عَبْد القَادِر، فَأَعْطَانِي مَبْلَغاً مِنَ الذَّهَبِ لأُعْطيه، فَلَمَّا نَزل عَلَى المِنْبَرِ، سلمت عَلَيْهِ، وَتحرجتُ مِنْ دفع الذَّهَبِ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْجمع، فَقَالَ: هَاتِ مَا مَعَكَ وَلاَ عَلَيْك مِنَ النَّاس، وَسلِّمْ عَلَى الوَزِيْرِ.
قَالَ صَاحِب (مِرْآة الزَّمَان (2)): كَانَ سكُوت الشَّيْخ عَبْد القَادِر أَكْثَرَ مِنْ كَلاَمه، وَكَانَ يَتَكَلَّم عَلَى الخوَاطر، وَظهر لَهُ صيت عَظِيْم وَقبول تَامّ، وَمَا كَانَ يَخْرُج مِنْ مَدْرَسَته إِلاَّ يَوْمَ الجُمُعَةِ أَوْ إِلَى الرِّبَاط، وَتَاب عَلَى يَده مُعْظَم أَهْل بَغْدَادَ، وَأَسْلَمَ خلق، وَكَانَ يَصدع بِالْحَقِّ عَلَى المِنْبَرِ، وَكَانَ لَهُ كَرَامَات ظَاهِرَة.
__________
(1) انظر طبقات ابن رجب 1 / 299.
(2) 8 / 165.

(20/449)


قُلْتُ: لَيْسَ فِي كِبَارِ المَشَايِخ مَنْ لَهُ أَحْوَالٌ وَكَرَامَاتٌ أَكْثَر مِنَ الشَّيْخ عَبْد القَادِر، لَكِن كَثِيْراً مِنْهَا لاَ يَصحُّ، وَفِي بَعْضِ ذَلِكَ أَشيَاءُ مُسْتحيلَة.
قَالَ الجُبَّائِيّ: كَانَ الشَّيْخ عَبْد القَادِر يَقُوْلُ: الخَلْقُ حِجَابُكَ عَنْ نَفْسِكَ، وَنَفْسُكَ حِجَابُكَ عَنْ رَبِّكَ.
عَاشَ الشَّيْخ عَبْد القَادِر تِسْعِيْنَ (1) سَنَةً، وَانْتَقَلَ إِلَى اللهِ فِي عَاشر رَبِيْع الآخر، سَنَة إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَشيَّعه خلق لاَ يُحصَوْنَ، وَدُفِنَ بِمَدرسَتِهِ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو المَحَاسِنِ إِسْمَاعِيْل بن عَلِيِّ بنِ زَيْدِ بنِ شَهْرَيَارَ الأَصْبَهَانِيّ - سَمِعَ مِنْ رِزْق اللهِ التَّمِيْمِيّ - وَالمُحَدِّثُ العَلاَّمَة أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَشِيْرِيّ (2) المَغْرِبِيّ - وَدُفِنَ بِظَاهِر بَعْلَبَكَّ - وَالإِمَام الرَّئِيْس أَبُو طَالِبٍ عَبْد الرَّحْمَنِ بن الحَسَنِ ابْن العَجَمِيّ (3) وَاقف المَدْرَسَة بِحَلَبَ، وَعَلِيّ بن أَحْمَدَ الحَرَسْتَانِيّ (4) رَاوِي (جُزْء الرَّافقِي)، وَأَبُو رَشِيْدٍ مُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ الأَصْبَهَانِيّ البَاغْبَانُ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الرُّسْتَمِيّ (5) ، وَأَبُو طَاهِرٍ إِبْرَاهِيْم بن الحَسَنِ ابْنُ الحصنِي الشَّافِعِيّ (6) بِدِمَشْقَ، وَالقَاضِي مُهَذَّب الدِّيْنِ الحَسَنُ بن عَلِيِّ بنِ الرَّشِيْد ابْنُ الزُّبَيْرِ الأُسْوَانِي الشَّاعِر أَخُو الرَّشِيْد أَحْمَدَ (7) ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ بنِ رَوَاحَةَ الأَنْصَارِيّ الحَمَوِيّ
__________
(1) في " مرآة الزمان ": اثنتين وتسعين.
(2) سترد ترجمته برقم (294).
(3) مترجم في مرآة الزمان 8 / 164، العبر 4 / 175، وشذرات الذهب 4 / 198.
(4) تقدمت ترجمته برقم (279).
(5) تقدمت ترجمته برقم (283).
(6) مترجم في الوافي بالوفيات 5 / 344، طبقات السبكي 7 / 32، 33، طبقات الاسنوي 1 / 439، والنجوم الزاهرة 5 / 372.
(7) سترد ترجمة الرشيد أحمد برقم (308) وضمنها ترجمة أخيه الحسن.

(20/450)


المُقْرِئ الشَّاعِر (1) ، وَالمُسْنِدُ ابْن رِفَاعَةَ (2) ، وَالفَقِيْه المُقْرِئ عَبْد الصَّمَدِ بن الحُسَيْنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ تَمِيْمٍ التَّمِيْمِيّ الدِّمَشْقِيّ، وَشيخ القُرَّاء أَبُو حُمَيْدٍ عَبْد العَزِيْزِ بن عَلِيٍّ السُّمَانِيّ الإِشْبِيْلِيّ (3) ، وَالشَّيْخ عَلِيّ بن أَحْمَدَ الحَرَسْتَانِيّ رَاوِي (جُزْء الرَّافقِي).
وَفِي الجُمْلَة: الشَّيْخ عَبْد القَادِر كَبِيْرُ الشَّأْنِ، وَعَلَيْهِ مَآخِذ فِي بَعْضِ أَقْوَالِه وَدَعَاويه، وَاللهُ المَوْعِدُ، وَبَعْضُ ذَلِكَ مَكْذُوْبٌ عَلَيْهِ.

287 - عَبْدُ الجَلِيْلِ بنُ أَبِي سَعْدٍ مَنْصُوْرِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الهَرَوِيُّ *
ابْنِ أَبِي سَعْدٍ بنِ أَبِي بِشْرٍ، العَدْلُ الجَلِيْلُ الصَّالِحُ، المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ هَرَاةَ، أَبُو مُحَمَّدٍ الهَرَوِيُّ، الفَامِيُّ.
آخِرُ مَنْ سَمِعَ فِي الدُّنْيَا مِنْ: بِيْبَى بِنْتِ عَبْدِ الصَّمَدِ الهَرْثَمِيَّةِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدٍ كُلاَر البُوْشَنْجِيّ.
وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ: شَيْخِ الإِسْلاَمِ عَبْد اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَوَلَدُهُ؛ أَبُو المُظَفَّرِ، وَعَبْد البَاقِي بن عَبْدِ الوَاسِع الأَزْدِيّ، وَالحَافِظ عَبْد القَادِر الرُّهَاوِيّ، وَهُوَ أَكْبَر شَيْخ لقِيه فِي سعَة رِحلتِه.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: هُوَ شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الخَيْر وَالصِّدْق، وُلِدَ فِي شَهْرِ شَعْبَانَ، سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قُلْتُ: وَتُوُفِّيَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَهُوَ آخِرُ مَنْ رَوَى حَدِيْثَ أَبِي القَاسِمِ البَغَوِيِّ عَالِياً.
__________
(1) مترجم في مرآة الزمان 8 / 164، ومعجم الأدباء 10 / 48 - 55.
(2) تقدمت ترجمته برقم (284).
(3) مترجم في معرفة القراء الكبار 2 / 440، وغاية النهاية 1 / 395.
(*) العبر 4 / 177، 178، دول الإسلام 2 / 76، شذرات الذهب 4 / 205.

(20/451)


288 - عَبْدُ الهَادِي بنُ أَبِي سَعِيْدٍ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ مَأْمُوْنٍ السِّجِسْتَانِيُّ *
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الزَّاهِدُ، العَابِدُ، أَبُو عَرُوْبَةَ السِّجِسْتَانِيُّ، الَّذِي ارْتَحَلَ إِلَيْهِ الحَافِظ عَبْد القَادِر الرُّهَاوِيّ، وَبَالَغَ فِي تَعْظِيْمِهِ، وَقَالَ:
سَمِعَ مِنْ جدّه فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَلَمَّا حَجَّ قَرَأَ عَلَيْهِ ابْن نَاصر (مُسلسلاَت ابْن حِبَّانَ).
وَقَالَ: عَاشَ تِسْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَمَا عَرَفْتُ لَهُ زَلَّة، وَكَانَ مُنْتَشِر الذّكر، وَلَهُ رِبَاط كَانَ يَعظ فِيْهِ وَمرِيْدُوْنَ.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ-.

289 - البَسْطَامِيُّ أَبُو شُجَاعٍ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ **
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، المُحَدِّثُ، أَبُو شُجَاعٍ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ نَصَرٍ - بِالتَّحرِيك - البَسْطَامِيُّ، ثُمَّ البَلْخِيُّ، إِمَام مَسْجِدِ رَاغُومَ (1) .
قَالَ: وُلِدْت سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَأَبَا القَاسِمِ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ الخَلِيْلِيّ، وَإِبْرَاهِيْم بن مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيّ، وَأَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ الحُسَيْنِ السِّمِنْجَانِي (2) ، وَتَفَقَّهَ عَلَيْهِ.
__________
(*) لم نعثر على مصدر ترجمه.
(* *) الأنساب 2 / 214، إنباه الرواة 2 / 102 (في ترجمة ابن الخشاب)، مرآة الزمان
8 / 209 (وفيات 570)، دول الإسلام 2 / 76، العبر 4 / 178، 179، تذكرة الحفاظ 4 / 1318، طبقات السبكي 7 / 248 - 250، طبقات الاسنوي 1 / 259، النجوم الزاهرة 5 / 376، طبقات المفسرين 2 / 8، شذرات الذهب 4 / 206، هدية العارفين 1 / 784.
(1) ضبط في الأصل بالراء المهملة والغين المعجمة، وضبط في " طبقات " السبكي بالراء والعين المهملتين، وهو ما ضبطه الاسنوي، ولكن ورد فيه " راعوام " بزيادة ألف بعد الواو.
(2) نسبة إلى سمنجان: بليدة وراء بلخ. " الأنساب " 7 / 150.

(20/452)


وَكَانَ طَلاَّبَةً لِلْعِلْمِ، صَاحِبَ فُنُوْنٍ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: هُوَ مَجْمُوْع حسن، وَجُملَة مليحَة، مُفتٍ، مُنَاظر، مُحَدِّث، مُفسر، وَاعِظ، أَدِيْب، شَاعِر، حَاسِب، وَمَعَ فَضَائِله كَانَ حَسَنَ السيرَةِ، مليح الأَخلاَق، مَأْمُوْنَ الصُّحْبَة، نَظيف الظَّاهِر وَالبَاطِن، لَطيف العُشْرَة، فَصيح العبَارَة، مليح الإِشَارَة، فِي وَعظه كَثِيْرُ النّكتِ وَالفَوَائِد، وَكَانَ عَلَى كِبَرِ السِّنّ حرِيصاً عَلَى طلب الحَدِيْث وَالعِلْمِ، مُقتبِساً مِنْ كُلِّ أَحَد، كَتَبْتُ عَنْهُ بِمَرْوَ وَهرَاة وَبُخَارَى وَسَمَرْقَنْد، وَكَتَبَ عَنِّي الكَثِيْر، وَحصَّل نُسْخَةً بِمَا ذَيَّلتُه عَلَى (تَارِيْخ الخَطِيْبِ)، وَكَتَبَ إِلَيَّ مِنْ بَلْخ:
يَا آلَ سَمْعَان مَا أَسنَى (1) فَضَائِلَكُم ! ... قَدْ صِرنَ فِي صُحُفِ الأَيَّام عُنوَانَا
مَعَاهداً أَلِفَتْهَا النَّازلُوْنَ بِهَا ... فَمَا وَهتْ بِمُرُوْر الدَّهْر أَرْكَانَا
حَتَّى أَتَاهَا أَبُو سَعْدٍ فَشيَّدهَا ... وَزَادهَا بِعُلُوّ الشَّأْن بُنْيَانَا
كَانُوا مَلاَذَ بَنِي الآمَالِ فَانقَرَضُوا ... مُخَلِّفِيْن بِهِ مِثْلَ الَّذِي كَانَا
لَوْلاَ مَكَانُ أَبِي سَعْدٍ لَمَا وَجَدُوا ... عَلَى مَفَاخرِهِم لِلنَّاسِ بُرْهَانَا
وَقَاهُ رَبِّي مِنْ عينِ الكَمَال فَمَا ... أَبْقَتْ عُلاَهُ لِرَدِّ العَيْنِ نُقْصَانَا (2)
قُلْتُ: سَمِعَ أَبُو شُجَاعٍ مِنَ الخَلِيْلِيِّ (مُسْنَدَ الهَيْثَمِ الشَّاشِيِّ)، وَ(غَرِيْبَ الحَدِيْثِ) لابْنِ قُتَيْبَةَ، وَكِتَابَ (الشَّمَائِلِ)، وَقَدْ صَنَّفَ كِتَاباً حَسَناً فِي أَدبِ المَرِيْضِ وَالعَائِدِ.
وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ فِي مَكَانٍ آخر: لاَ يُعرف أَجْمَع لِلْفَضَائِل مِنْهُ مَعَ الوَرَع التَّام، وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ: أَبِي حَامِد أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ الشُّجَاعِيّ، وَأَبِي نَصْرٍ
__________
(1) في " طبقات " السبكي: ما أنسى.
(2) الابيات عدا الأخير في " طبقات " السبكي 7 / 249، 250، و" طبقات المفسرين " 2 / 9، 10.

(20/453)


مُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ المَاهَانِي، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بن عَبْدِ الرَّحِيْمِ القَاضِي.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيّ، وَابْنه أَبُو المُظَفَّرِ، وَأَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ، وَالافتخَارُ عَبْدُ المُطَّلِبِ الهَاشِمِيّ، وَالتَّاجُ الكِنْدِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ سُكَيْنَةَ، وَأَبُو الفَتْحِ المَنْدَائِيُّ، وَأَبُو رَوْحٍ عَبْد المُعِزِّ الهَرَوِيّ، وَجَمَاعَة.
تُوُفِّيَ: بِبَلْخَ، فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ (1) وَخَمْسِ مائَةٍ، وَكَانَ مُحَدِّث تِلْكَ الدِّيَار وَمُسْنِدَهَا.
قَالَ عَلِيُّ بنُ مَحْمُوَيْه اليَزْدِيُّ الفَقِيْه: مَا رَأَيْتُ فِي مَشَايِخِ أَصْحَابِنَا مِثْلَ أَبِي شُجَاعٍ عَقْلاً، وَعِلماً، وَلطفاً، وَجِدّاً.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: تُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ.

290 - الكِيْزَانِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ ثَابِتٍ *
الإِمَامُ، المُقْرِئُ، الزَّاهِدُ، الأَثَرِيُّ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ ثَابِتٍ المِصْرِيُّ، الكِيْزَانِيُّ، الوَاعِظُ، لَهُ تَلاَمِذَةٌ وَأَصْحَابٌ، وَلَهُ شِعرٌ كَثِيْرٌ مُدَوَّنٌ، وَكَلاَمٌ فِي السُّنَّةِ.
قَالَ أَبُو المُظَفَّرِ سِبْطُ ابْنِ الجَوْزِيِّ (2) : كَانَ يَقُوْلُ: أَفعَال العبَادِ قَدِيْمَة، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْل بلدِهِ نِزَاعٌ، وَكَانَ قَدْ دُفن عِنْد ضرِيحِ الشَّافِعِيِّ، فَتعصَّبَ عَلَيْهِ الخُبُوْشَانِيّ، وَنَبَشَه، وَقَالَ: هَذَا حَشَوِيٌّ لاَ يَكُوْن عِنْد الإِمَام، وَدُفِنَ فِي مَوْضِع آخر.
__________
(1) في " مرآة الزمان " أنه توفي سنة سبعين.
(*) الخريدة (قسم مصر) 2 / 18، اللباب 3 / 125، مرآة الزمان 8 / 157، 158 (وفيات 560)، وفيات الأعيان 4 / 461، 462، الوافي بالوفيات 1 / 347 - 350، النجوم الزاهرة 5 / 367، 368 و376.
والكيزاني نسبة إلى عمل الكيزان وبيعها.
(2) في " مرآة الزمان " 8 / 158.

(20/454)


وَمِنْ شِعْرِهِ:
يَا مَنْ يَتِيه عَلَى الزَّمَان بِحُسنه ... اعْطِفْ عَلَى الصَّبِّ المَشُوق التَّائِهِ
أَضحَى يَخَاف عَلَى احترَاقِ فُؤَاده ... أَسفاً لأَنَّك مِنْهُ فِي سَودَائِهِ (1)
تُوُفِّيَ: فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (2) .

291 - القَنْطَرِيُّ أَبُو القَاسِمِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ *
العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، أَبُو القَاسِمِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مَسْعُوْدِ بنِ مُفَرّجٍ الأَنْدَلُسِيّ، الشِّلْبِيُّ (3) ، المَعْرُوفُ بِالقَنْطَرِيِّ.
سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ بنَ غَالِب، وَأَبَا الحُسَيْنِ بنَ صَاعِدٍ، وَبإِشْبِيْلِيَة أَبَا الحَكَم بن بَرَّجَانَ، وَالقَاضِي ابْنَ العَرَبِيّ، وَبقُرْطُبَةَ يُوْنُس بنَ مُغِيْث، وَابْنَ أَبِي الخِصَالِ، وَعِدَّة.
ذكره الأَبَّار، فَقَالَ: كَانَ مِنْ أَهْلِ المَعْرِفَةِ الكَامِلَةِ بصِنَاعَة الحَدِيْث، بعيد الصِّيْت فِي الحِفْظِ وَالإِتْقَانِ، جَمَّاعَةً لِلْكتبِ، وَقَدْ شُوْوِرَ فِي الأَحكَام، وَلَهُ زِيَادَة عَلَى ابْنِ بَشْكُوَال فِي (تَارِيْخِهِ)، رَوَى عَنْهُ يَعيشُ بن القَدِيْم، وَغَيْرهُ، تُوُفِّيَ بِمَرَّاكُش، فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
(1) البيتان في " مرآة الزمان " 8 / 158، و" الوافي " 1 / 348، و" النجوم الزاهرة " 5 / 368.
(2) أورد في " مرآة الزمان " في وفيات سنة 560، وكذا في " النجوم الزاهرة " لكنه أعاده في سنة 562.
(*) لم نعثر على مصدر ترجمه.
(3) راجع الترجمة (201).

(20/455)


292 - السَّمْعَانِيُّ عَبْدُ الكَرِيْم بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرٍ *
الإِمَامُ، الحَافِظُ الكَبِيْرُ، الأَوْحَدُ، الثِّقَةُ، مُحَدِّثُ خُرَاسَانَ، أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الكَرِيْمِ ابنُ الإِمَامِ الحَافِظِ النَّاقِدِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ ابنِ العَلاَّمَةِ مُفْتِي خُرَاسَانَ أَبِي المُظَفَّرِ مَنْصُوْرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ التَّمِيْمِيُّ، السَّمْعَانِيُّ، الخُرَاسَانِيُّ، المَرْوَزِيُّ، صَاحِبُ المُصَنَّفَاتِ الكَثِيْرَةِ.
وُلِدَ: بِمَرْوَ، فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِ مائَةٍ (1) .
وَحضَّره أَبُوْهُ فِي الرَّابِعَةِ عَلَى مُسْنِدِ زَمَانِهِ عَبْدِ الغَفَّارِ بن مُحَمَّدٍ الشِّيْرَوِيّ، وَعُبَيْدِ بنِ مُحَمَّدٍ القُشَيْرِيِّ، وَسَهْلِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ السُّبْعِيّ، وَطَائِفَة.
وَسَمِعَ بِاعْتنَاء أَبِيْهِ مِنْ: أَبِي مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ الكُرَاعِيِّ،
__________
(*) تاريخ ابن عساكر 10 / 117 / 2 - 218 / 1، المنتظم 10 / 224، الكامل في التاريخ 11 / 333 (سنة 563)، اللباب 1 / 13 - 16، العبر 4 / 178، تذكرة الحفاظ 4 / 1316 - 1318، دول الإسلام 2 / 76، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 172، 173، تتمة المختصر 3 / 112، 113 (سنة 563)، مرآة الجنان 3 / 371، 372، طبقات السبكي 7 / 180 - 185، طبقات الاسنوي 2 / 55، البداية والنهاية 12 / 175 (سنة 506) و(254 سنة 562)، النجوم الزاهرة 5 / 375 (سنة 562) و378 (سنة 563)، طبقات الحفاظ (471)، الانس الجليل: 268، مفتاح السعادة 1 / 206، كشف الظنون: 35، 49، 86، 131، 161، 162، 169، 179، 288، 303، 370، 374، 729، 756، 902، 998، 999، 1108، 1123، 1735 - 1737، شذرات الذهب 4 / 205، 206، روضات الجنات: 446، هدية العارفين 1 / 608، 609، إيضاح المكنون 2 / 30، فهرس الكتاني 2 / 373، 374، معجم المطبوعات: 1048، 1049، الفهرس التمهيدي: 361، تاريخ بروكلمان 6 / 63 - 66، مقدمة " الأنساب " للمعلمي اليماني.
والسمعاني نسبة إلى سمعان: بطن من تميم، كما ذكر هو في " أنسابه ".
قال ابن خلكان: سمعت بعض العلماء يقول: يجوز بكسر السين أيضا.
(1) أورد ابن كثير ترجمته في " البداية " في حوادث هذه السنة على أنه توفي فيها، وهو وهم منه.

(20/456)


وَالمُحَدِّثِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الدَّقَّاقِ.
وَتُوُفِّيَ الوَالِدُ (1) وَأَبُو سَعْدٍ صَغِيْرٌ، فَكَفَلَهُ عَمُّه وَأَهْلُه، وَحُبِّب إِلَيْهِ الحَدِيْث، وَلاَزَمَ الطَّلَبَ مِنَ الحدَاثَةِ.
وَرَحَلَ إِلَى نَيْسَابُوْرَ عَلَى رَأْسِ الثَّلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَأَكْثَر عَنْ: أَبِي عَبْدِ اللهِ الفُرَاوِيِّ، وَأَبِي المُظَفَّرِ بنِ القُشَيْرِيِّ، وَهِبَة اللهِ بنِ سَهْلٍ السَّيِّدِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي بَكْرٍ القَارِئِ، وَفَاطِمَةَ بِنْتِ زَعْبَل، وَزَاهِرِ بنِ طَاهِرٍ، وَأَخِيْهِ وَجِيهٍ، وَطَبَقَتِهِم.
وَتوجَّه إِلَى أَصْبَهَانَ، فَسَمِعَ: الحُسَيْن بنَ عَبْدِ المَلِكِ الخَلاَّل، وَسَعِيْدَ بنَ أَبِي الرَّجَاءِ، وَأُمَّ المُجْتَبَى فَاطِمَةَ، وَالمَوْجُوْدين، وَأَكْثَر عَنِ: الحَافِظِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيِّ.
وَبَادر إِلَى بَغْدَادَ، فَأَكْثَر عَنِ: القَاضِي أَبِي بَكْرٍ الأَنْصَارِيّ، وَإِسْمَاعِيْل بنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ الشَّيْبَانِيِّ، وَعَبْدِ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيِّ، وَأَبِي سَعْدٍ الزَّوْزَنِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
ثُمَّ حَجَّ، وَقَدِمَ دِمَشْق، فَسَمِعَ بِهَا مِنْ: أَبِي الفَتْحِ نَصْرِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ المَصِّيْصِيِّ، وَالقَاضِي أَبِي المَعَالِي مُحَمَّد بن يَحْيَى القُرَشِيّ، وَالمَوْجُوْدين.
وَلاَ يُوْصَف كَثْرَةُ البِلاَدِ وَالمَشَايِخِ الَّذِيْنَ أَخَذَ عَنْهُم.
وَقَدْ أَلَّف كِتَاب (التَّحْبِيْرِ فِي مُعْجَمِهِ الكَبِيْرِ)، يَكُوْن ثَلاَث مُجَلَّدَاتٍ (2) .
__________
(1) سنة 510 ه، انظر " العبر " 4 / 22، 23.
(2) طبع في مجلدين في بغداد سنة 1975 م بتحقيق منيرة ناجي سالم.

(20/457)


فَسَمِعَ بِآمُلِ طَبَرِسْتَانَ مِنْ: أَبِي نَصْرٍ الفَضْل بن أَحْمَدَ بنِ الفَضْلِ بنِ أَحْمَدَ البَصْرِيِّ، وَطَبَقَتِهِ.
وَبِأَبِيْوَرْدَ مِنْ: عَبْدِ المَلِكِ بنِ عَلِيٍّ الزُّهْرِيّ.
وَبإِسْفَرَايِيْنَ مِنْ: طَلْحَةَ بنِ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ القَاضِي، حَدَّثَهُ عَنْ جَدِّهِ.
وَبِالأَنْبَارِ مِنْ: يَحْيَى بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الأَخْضَر، حَدَّثَهُ عَنِ الخَطِيْب الحَافِظ.
وَببُخَارَى مِنْ: عُثْمَانَ بن عَلِيٍّ البِيْكَنْدِيّ، وَعِدَّة.
وَبِبَرُوْجِرْدَ مِنَ: القَاضِي أَبِي المُظَفَّرِ شَبِيْب بن الحُسَيْنِ، وَأَبِي تَمَّام إِبْرَاهِيْم بن أَحْمَدَ، حَدَّثَاهُ عَنْ يُوْسُفَ بنِ مُحَمَّدٍ الهَمَذَانِيّ.
وَببِسْطَامَ مِنَ: المُحَسِّنِ بنِ النُّعْمَانِ المُعَلِّم، حَدَّثَهُ عَنْ طَاهِر الشَّحَّامِيّ.
وَبِالبَصْرَةِ مِنْ: طَلْحَةَ بنِ عَلِيٍّ الشَّاهدِ، رَوَى لَهُ عَنْ جَعْفَرٍ العَبَّادَانِيّ.
وَبِبَغْشُوْرَ مِنْ: صَالِح بن أَحْمَدَ بنِ مَدُوْسَةَ المُقْرِئ وَغَيْرِهِ، مِنْ (جَامِع التِّرْمِذِيّ).
وَبِبَلْخَ مِنَ: القَاضِي عُمَرَ بنِ عَلِيٍّ المَحْمُوْدِيِّ صَاحِب الوَخْشِيّ.
وَبِتِرْمِذَ مِنْ: أَسَعْد بن عَلِيٍّ.
وَبِجُرْجَانَ مِنْ: أَبِي عَامِرٍ سَعْدِ بنِ عَلِيٍّ العَصَّارِيِّ، وَجَمَاعَةٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الوَاسِعِ الجُرْجَانِيِّ.
وَبِحَلَبَ مِنَ: الرَّئِيْسِ أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْطَاكِيِّ.

(20/458)


وَبِحَمَاةَ مِنْ: كَامِلِ بنِ عَلِيِّ بنِ سَالِمٍ السِّنْبِسِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ.
وَبِحِمْصَ مِنْ: قَاضِيهَا أَبِي البَيَانِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ التَّنُوْخِيِّ.
وَبِخَرْتَنْكَ عِنْد قَبْرِ البُخَارِيِّ مِنْ: أَبِي شُجَاع عُمَر بن مُحَمَّدٍ البِسْطَامِيِّ.
وَبِخُسْروجِرْدَ مِنْ: عَبْدِ الحَمِيْدِ بن مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الخُوَارِيّ صَاحِب البَيْهَقِيِّ.
وَبِخُوَارِ الرَّيِّ مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ مُحَمَّدٍ المَغَازِلِيّ، عَنْ أَبِي مَنْصُوْرٍ بن شَكْرُوَيْه.
وَبِالرَّحْبَةِ مِنَ: الحَافِظ أَبِي سَعْدٍ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ البَغْدَادِيّ.
وَبِالرَّيّ مِنَ: القَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ الحَسَن بن مُحَمَّدٍ الحَنَفِيّ، حَدَّثَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ كَثِيْرٍ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا ابْنُ الصَّلْت المُجْبِر.
وَبِسَاوَةَ مِنْ: أَبِي حَاتِمٍ مُحَمَّد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرَّازِيّ.
وَبِسَرَخْسَ مِنْ: أَبِي نَصْرٍ مُحَمَّد بن مَحْمُوْدٍ الشُّجَاعِيِّ، وَآخر، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ العَبَّاسِيِّ العَبْدُوْسِيّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ الحَجَّاجِيّ، حَدَّثَنَا الحَافِظُ أَبُو العَبَّاسِ الدَّغُوْلِيّ.
وَبِسَمَرْقَنْدَ مِنَ: الخَطِيْب أَبِي المَعَالِي مُحَمَّدِ بنِ نَصْرِ بنِ مَنْصُوْرٍ المَدِيْنِيّ، حَدَّثَهُ عَنِ السَّيِّد أَبِي المَعَالِي مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ الحَافِظ.
وَبِسِمْنَانَ مِنْ: أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ العَالِم المُضَرِيّ، عَنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ الأَخْرَم.
وَبِسِنْجَارَ مِنَ: القَاضِي أَبِي مَنْصُوْرٍ المُظَفَّرِ بنِ القَاسِمِ الشَّهْرُزُوْرِيِّ، سَمِعَ أَبَا نَصْرٍ الزَّيْنَبِيّ.

(20/459)


وَبِهَمَذَانَ وَهَرَاةَ وَالحَرَمَيْنِ وَالكُوْفَةِ وَطُوْسَ وَالكَرْخِ وَنَسَا وَوَاسِطَ وَالمَوْصِلِ وَنُهَاوَنْدَ وَالطَّالْقَانِ وَبُوْشَنْجَ وَالمَدَائِنِ، وَبِقَاعٍ يَطُول ذِكرُهَا، بِحَيْثُ إِنَّهُ زَار القُدْس وَالخَلِيْل وَهُمَا بِأَيدِي الفِرَنْج، تحيل، وَخَاطر فِي ذَلِكَ، وَمَا تَهَيَّأَ ذَلِكَ لِلسِّلَفِيِّ وَلاَ لابْنِ عَسَاكِر.
ذكره أَبُو القَاسِمِ الحَافِظُ فِي (تَارِيْخِ دِمَشْقَ)، فَقَالَ: أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ الفَقِيْه، الشَّافِعِيّ، الحَافِظ، الوَاعِظ، الخَطِيْب، ... إِلَى أَنْ قَالَ:
سَمِعَ بِبلاَدٍ كَثِيْرَة، اجْتَمَعتُ بِهِ بِنَيْسَابُوْرَ وَبَغْدَاد وَدِمَشْق، وَعَاد إِلَى خُرَاسَانَ، وَدَخَلَ هَرَاةَ وَبَلخَ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَهُوَ الآنَ شَيْخُ خُرَاسَان غَيْرَ مُدَافَعٍ، عَنْ صدقٍ وَمَعْرِفَةٍ وَكَثْرَةِ رِوَايَةٍ وَتَصَانِيفَ، سَمِعَ بِبلاَدٍ كَثِيْرَةٍ، وَحصَّل النُّسخ الكَثِيْرَة، وَكَتَبَ عَنِّي، وَكَتَبْتُ عَنْهُ، وَكَانَ مُتَصَوِّناً، عَفِيْفاً، حَسَنَ الأَخلاَقِ.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ بِدِمَشْقَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الغَفَّارِ الشِّيْرَوِيّ...، فَذَكَر مِنْ (جُزءِ ابْنِ عُيَيْنَةَ) حَدِيْثَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، مَتَى السَّاعَةُ (1) ؟ وَرَوَاهُ مَعَهُ ابْنُه أَبُو مُحَمَّدٍ القَاسِم، ثُمَّ ذَكَرَ وَفَاته.
حَدَّثَ أَيْضاً عَنْ أَبِي سَعْدٍ: وَلدَاهُ؛ أَبُو المُظَفَّرِ عَبْد الرَّحِيْمِ وَمُحَمَّدٌ، وَأَبُو رَوْحٍ عَبْد المُعِزِّ بن مُحَمَّدٍ الهَرَوِيُّ، وَأَبُو الضَّوْء شِهَابٌ الشذِيَانِي، وَالافتخَارُ أَبُو هَاشِمٍ عَبْد المُطَّلِبِ الحَلَبِيّ الحَنَفِيّ، وَعَبْد الوَهَّابِ بن سُكَيْنَة، وَأَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغ، وَعَبْد العَزِيْزِ بن مَنِيْنَا، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: نَقُلْتُ أَسْمَاء تَصَانِيْفه مِنْ خطِّه: (الذَّيل (2)) عَلَى (تَارِيْخ الخَطِيْبِ) أَرْبَع مائَة طَاقَةٍ، (تَارِيخ مَرْو) خَمْسُ مائَة طَاقَةٍ، (مُعْجَم
__________
(1) سيرد الحديث مع تخريجه في نهاية الترجمة.
(2) انظر " تاريخ " بروكلمان 6 / 63، 64.

(20/460)


البُلْدَانِ) خَمْسُوْنَ طَاقَةً، (مُعْجَم شُيُوْخِه (1)) ثَمَانُوْنَ طَاقَةً، (أَدب الطَّلَبِ) مائَة وَخَمْسُوْنَ طَاقَةً، (الإِسفَار عَنِ الأَسفَار (2)) خَمْس وَعِشْرُوْنَ طَاقَةً، (الإِملاَء وَالاستملاَءُ (3)) خَمْسَ عَشْرَةَ طَاقَةً، (تُحْفَة المُسَافِرِ) مائَة وَخَمْسُوْنَ طَاقَةً، (الهديَة) خَمْس وَعِشْرُوْنَ طَاقَةً، (عِزُّ العُزلَةِ) سَبْعُوْنَ طَاقَةً، (الأَدب وَاسْتعمَال الْحسب) خَمْس طَاقَاتٍ، (المَنَاسِكُ) سِتُّوْنَ طَاقَةً، (الدعوَات) أَرْبَعُوْنَ طَاقَةً، (الدعوَات النَّبَوِيَّةُ) خَمْسَ عَشْرَةَ طَاقَةً، (دُخُوْل الحَمَّامِ) خَمْسَ عَشْرَةَ طَاقَةً، (صَلاَة التّسبيح) عشر طَاقَاتٍ، (تُحْفَة العِيْد) ثَلاَثُوْنَ طَاقَةً، (التّحَايَا) سِتُّ طَاقَاتٍ، (فَضلُ الدِّيكِ) خَمْسُ طَاقَاتٍ، (الرَّسَائِل وَالوَسَائِلُ) خَمْسَ عَشْرَةَ طَاقَةًُ، (صَوْمُ الأَيَّامِ البِيْضِ) خَمْسَ عَشْرَةَ طَاقَةً، (سُلوَة الأَحبَابِ) خَمْس طَاقَاتٍ، (فَرطُ الغرَام إِلَى سَاكنِي الشَّامِ) خَمْسَ عَشْرَةَ طَاقَةً، (مقَام العُلَمَاء بَيْنَ يَدِي الأُمَرَاءِ) إِحْدَى عَشْرَةَ طَاقَةً، (المُسَاوَاة وَالمُصَافحَةُ) ثَلاَثَ عَشْرَةَ طَاقَةً، (ذِكرَى حَبِيْب رَحل، وَبُشرَى مَشيبٍ نَزَل) عِشْرُوْنَ طَاقَةً، (التَّحْبِيْر فِي المُعْجَم الكَبِيْر) (4) ثَلاَثُ مائَة طَاقَةٍ، (الأَمَالِي) لَهُ مائَتَا طَاقَةٍ، خَمْس مائَة مَجْلِسٍ، (فَوَائِد الموَائِد) مائَةُ طَاقَةٍ، (فَضل الهِرِّ) ثَلاَث طَاقَاتٍ، (رُكُوْب البَحْر) سَبْع طَاقَاتٍ، (الهرِيسَة) ثَلاَث طَاقَاتٍ، (وَفِيَّاتُ المُتَأَخِّرِيْنَ) خَمْسَ عَشْرَةَ طَاقَةً، كِتَاب (الأَنسَاب (5)) ثَلاَث مائَةٍ وَخَمْسُوْنَ طَاقَةً، (الأَمَالِي) سِتُّوْنَ طَاقَةً، (بُخَارُ
__________
(1) ذكرت محققة " التحبير " أنها أنجزت تحقيقه بمشاركة الدكتور ناجي معروف.
(2) انظر " تاريخ " بروكلمان 6 / 65.
(3) نشره مكس ويسويلر في ليدن سنة 1952 م.
(4) انظر ص 472 ت رقم (1).
(5) إحدى طبعاته نشرها السيد محمد أمين دمج سنة 1980 م في بيروت، وقد أصدر منه حتى تاريخ تحقيق هذا الجزء عشرة أجزاء، الستة الأولى بتحقيق المرحوم العلامة المعلمي اليماني، والاجزاء الأخرى بتحقيق بعض الفضلاء من الاساتذة، ويكتمل الكتاب بصدور =

(20/461)


بَخُورِ البُخَارِيّ) عِشْرُوْنَ طَاقَةً، (تَقَدِيْم الجِفَانِ إِلَى الضِّيفَانِ) سَبْعُوْنَ طَاقَةً، (صَلاَةُ الضُّحَى) عشرُ طَاقَاتٍ، (الصِّدْقُ فِي الصَّدَاقَةِ)، (الرِّبحُ فِي التِّجَارَةِ)، (رَفعُ الارتيَابِ عَنْ كِتَابَةِ الكِتَابِ) أَرْبَع طَاقَاتٍ، (النُزوعُ إِلَى الأَوطَانِ) خَمْس وَثلاَثُوْنَ طَاقَةً، (تَخفِيف الصَّلاَةِ) فِي طَاقَتَيْنِ، (لَفتَةُ المُشتَاق إِلَى سَاكنِي العِرَاقِ) أَرْبَع طَاقَاتٍ، (مَنْ كُنيَتُهُ أَبُو سَعْدٍ) ثلاَثُوْنَ طَاقَةً، (فَضلُ الشَّامِ (1)) فِي طَاقَتَيْنِ، (فَضل يس) فِي طَاقَتَيْنِ.
قُلْتُ: وَانتخبَ عَلَى غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ مَشَايِخِهِ، وَخَرَّجَ لِوَلَدِهِ (2) أَبِي المُظَفَّرِ (مُعْجَماً) فِي مُجَلَّدٍ كَبِيْرٍ.
وَكَانَ ظَرِيفَ الشَّمَائِل، حُلوَ المذَاكرَةِ، سَرِيعَ الفَهْمِ، قَوِيَّ الكِتَابَة سَرِيعَهَا، درَّس، وَأَفتَى، وَوعظ، وَسَاد أَهْل بَيْتِهِ، وَكَانُوا يُلَقِّبُونه بِلَقَب وَالِده تَاجِ الإِسْلاَمِ، وَكَانَ أَبُوْهُ يُلَقَّبُ أَيْضاً مُعِيْنَ الدِّيْنِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْتُ مَنْ يذكر أَن عدد شُيُوْخ أَبِي سَعْدٍ سَبْعَةُ آلاَف شَيْخ (3) .
قَالَ: وَهَذَا شَيْء لَمْ يَبلُغْه أَحَد، وَكَانَ مَليحَ التَّصَانِيْف، كَثِيْرَ النشوَارِ وَالأَنَاشيدِ، لَطيفَ المِزَاجِ، ظَرِيفاً، حَافِظاً، وَاسِعَ الرِّحلَةِ، ثِقَةً، صَدُوْقاً، دَيِّناً، سَمِعَ مِنْهُ مَشَايِخُهُ وَأَقرَانُهُ (4) .
قُلْتُ: حَكَى أَبُو سَعْدٍ فِي (الذَّيلِ) أَنَّ شَيْخه قَاضِي المَرَسْتَان رَأَى
__________
= الجزأين الحادي عشر والثاني عشر. وقد اختصره ابن الأثير في كتابه " اللباب " وهو مشهور واسع الانتشار، والسيوطي في كتابه " لب اللباب في تحرير الأنساب " وهو مطبوع أيضا. وله مختصرات أخرى. انظر " تاريخ بروكلمان " 6 / 64، 65.
(1) انظر " تاريخ " بروكلمان 6 / 65.
(2) في الأصل: لوالده، وهو خطأ.
(3) انظر " المستفاد من ذيل تاريخ بغداد ": 173.
(4) انظر " تذكرة الحفاظ " 4 / 1316.

(20/462)


مَعَهُ جُزْءاً قَدْ سَمِعَهُ مِنْ شَيْخِ الكُوْفَةِ عُمَر بن إِبْرَاهِيْمَ الزَّيْدِيّ.
قَالَ: فَأَخَذَهُ، وَنَسخَهُ، وَسَمِعَهُ مِنِّي.
قُلْتُ: رَأَيْتُ ذَلِكَ الجُزْء بِخَطِّ القَاضِي أَبِي بَكْرٍ.
وَالطَّاقَةُ يُخَالُ إِلَيَّ أَنَّهَا الطَّلحيَّةُ (1) .
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ تَاجِ الأُمَنَاءِ قِرَاءةً عَلَيْهِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بن مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الغَفَّارِ بن مُحَمَّد حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الحِيْرِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ الأَصَمّ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟
قَالَ: (وَمَا أَعددتَ لَهَا؟).
فَلَمْ يذكر كَبِيْراً إِلاَّ أَنَّهُ يُحبّ الله وَرَسُوْله.
قَالَ: (فَأَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ).
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (2) .
وَقَدْ مَرَّ: أَنَّ الحَافِظ أَبَا القَاسِمِ وَابْنه المُحَدِّث بَهَاء الدِّيْنِ رويَاهُ عَنْ أَبِي سَعْدٍ، وَقَدْ سَمِعْنَاهُ مِنْ جَمَاعَة سَمِعُوْهُ مِنْ جَمَاعَة، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بنُ عَلاَّنَ.
وَسَمِعنَاهُ مِنْ: عَائِشَةَ بِنْت عِيْسَى، عَنْ جَدِّهَا الفَقِيْه أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الكَامخِي، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا القَاضِي أَبُو بَكْرٍ الحِيْرِيُّ...، فَذَكَرَهُ.
مَاتَ الحَافِظُ أَبُو سَعْدٍ: فِي مُسْتهل رَبِيْع الأَوّل، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ (3)
__________
(1) قال في " القاموس ": والطليحة: للورقة من القرطاس، مولدة.
(2) أخرجه البخاري (3688) و(6167) و(6171) و(7153)، ومسلم (2639) و(2953) وأبو داود (5127) والترمذي (1386).
(3) أورده ابن الأثير وابن الوردي في وفيات سنة 563، وأورده في السنتين معا ابن تغري بردي، ووهم ابن كثير فأورده في سنة ولادته 506 على أنه توفي فيها، ثم ترجمه في سنة 562

(20/463)


وَخَمْس مائَة، بِمَرْوَ، وَلَهُ سِتٌّ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً.
وَمَاتَ مَعَهُ فِي السَّنَةِ: مُسْنِدُ وَقتِهِ عَبْد الجَلِيْل بن أَبِي سَعْدٍ المُعَدَّل بِهَرَاةَ (1) ، وَمُحَدِّثُ مَا ورَاء النَّهْر الإِمَامُ أَبُو شُجَاعٍ عُمَر بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ البِسْطَامِيُّ ثُمَّ البَلْخِيُّ (2) ، وَمُسْنِدُ بَغْدَادَ أَبُو المَعَالِي مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَيَّانِ اللَّحَّاسُ (3) ، وَمُسْنِدُ أَصْبَهَانَ بَلِ الدُّنْيَا الرَّئِيْس مَسْعُوْد بن الحَسَنِ ابنِ الرَّئِيْس أَبِي عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيّ عَنْ مائَة عَامٍ (4) ، وَمُسْنِدُ العِرَاق أَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ بنِ هِلاَلٍ الدَّقَّاقُ فِي عَشْرِ المائَةِ (5) ، وَعَالِمُ سِجِسْتَانَ أَبُو عَرُوْبَةَ عَبْدُ الهَادِي (6) بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ مَأْمُوْنٍ، وَعَالِمُ دِمَشْقَ جَمَالُ الأَئِمَّة عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ ابْنُ المَاسِحِ (7) ، وَخَطِيبُ دِمَشْق أَبُو البَرَكَاتِ الخَضِرُ بنُ شِبْلِ بنِ عَبْدٍ الحَارِثِيُّ (8) ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كُنْت أَنسخُ بِجَامِع بُرُوْجِرْدَ، فَدَخَلَ شَيْخٌ رَثُّ الهَيْئَة، ثُمَّ قَالَ: أَيشٍ تَكتب؟
فَكَرِهت جَوَابه، وَقُلْتُ: الحَدِيْثَ.
فَقَالَ: كَأَنَّك طَالب حَدِيْث؟
قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: مَنْ أَيْنَ أَنْتَ؟
قُلْتُ: مَنْ مَرْوَ.
قَالَ: عَمَّنْ يَرْوِي البُخَارِيُّ مِنْ أَهْلِهَا؟
قُلْتُ: عَنْ عَبْدَانَ، وَصَدَقَةَ بنِ الفَضْلِ، وَعَلِيِّ بنِ حُجْرٍ.
فَقَالَ: مَا اسْمُ عَبْدَان؟
فَقُلْتُ: عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ.
فَقَالَ: وَلِمَ قِيْلَ لَهُ: عَبْدَانُ؟
فَتوقفتُ، فَتبسَّمَ، وَنظرتُ إِلَيْهِ بعينٍ أُخْرَى، وَقُلْتُ:
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (287).
(2) تقدمت ترجمته برقم (289).
(3) سترد ترجمته برقم (293).
(4) سترد ترجمته برقم (297).
(5) سترد ترجمته برقم (298).
(6) تقدمت ترجمته برقم (288).
(7) سترد ترجمته برقم (295).
(8) سترد ترجمته برقم (372).

(20/464)


يَذْكُرُ الشَّيْخ؟
فَقَالَ: كُنْيَتُه أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَاجْتَمَعَ فِي اسْمِهِ وَفِي كُنْيَتِهِ العَبْدَانِ، فَقِيْلَ: عَبْدَانُ.
فَقُلْتُ: عَمَّنْ؟
قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ طَاهِرٍ يَقولُه.
وَإِذَا هُوَ الحَافِظُ أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ العَلاَءِ البُرُوْجِرْدِيُّ، فَرَوَى لَنَا عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الدُّوْنِيّ، وَطَائِفَة (1) .

293 - ابْنُ اللَّحَّاسِ أَبُو المَعَالِي مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ الثِّقَةُ، المُسْنِدُ، أَبُو المَعَالِي مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الحَرِيْمِيُّ، العَطَّارُ، عُرفَ بِابْنِ الجَبَّانِ (2) اللَّحَّاسِ.
سَمِعَ مِنْ: جدِّه مُحَمَّد فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ فِي أَيَّامِ أَبِي نَصْرٍ الزَّيْنِي، وَسَمِعَ مِنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ عَطَاءٍ الإِبْرَاهِيْمِيّ، وَالحُسَيْن بن مُحَمَّدٍ السَّرَّاجِ، وَطِرَاد بن مُحَمَّدٍ النَّقِيْب، وَرَوَى الكَثِيْر بِإِجَازَة أَبِي القَاسِمِ عَلِيّ بن أَحْمَدَ بنِ البُسْرِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ المُسْتعمل، وَمُحَمَّد بن أَبِي البَرَكَاتِ بنِ صَعْنِيْنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ البَوَّابِ، وَأَنْجَبُ بنُ أَبِي السَّعَادَاتِ الحَمَّامِيُّ، وَأَبُو المُنَجَّا عَبْدُ اللهِ بنُ اللَّتِّيِّ، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ السَّبَّاكِ، وَأَحْمَد بن يَعْقُوْبَ المَارستَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الدُّبَيْثِيُّ: ثِقَةٌ، صَحِيْحَ السَّمَاعِ.
__________
(1) أورد السمعاني هذه القصة في " التحبير " 2 / 248، 249، وأوردها المؤلف في ترجمة عبدان التي مرت في الجزء العاشر برقم (71) وفي ترجمة أبي الفضل البروجردي التي تقدمت في هذا الجزء برقم (212).
(*) الاستدراك لابن نقطة: باب الجنان والجبان، العبر 4 / 179، شذرات الذهب 4 / 206.
(2) بالجيم بعدها باء موحدة مشددة، كما في " الاستدراك ".

(20/465)


وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ شَيْخاً صَالِحاً عَفِيْفاً صَدُوْقاً، حسنَ الأَخلاَقِ، لَطِيفاً، رَوَى الكَثِيْرَ.
قُلْتُ: مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَتُوُفِّيَ: فِي تَاسِعَ عَشَرَ رَبِيْع الآخرِ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، عَنْ أَرْبَع وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.

294 - الأَشِيْرِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ *
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ الصِّنْهَاجِيُّ، الأَشِيْرِيُّ.
وَأَشِيْرُ: بُليدَةٌ آخرَ إِقْلِيْم إِفْرِيْقِيَة مِمَّا يَلِي الْغرب، وَهِيَ قَلْعَةٌ لِبَنِي حَمَّادٍ مُلُوْك إِفْرِيْقِيَةَ (1) .
سَمِعَ بِبَغْدَادَ مَعَ وَلده فِي أَيَّامِ ابْن هُبَيْرَةَ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ المَالِكِيَّة، فَحَدَّثَ عَنْ: أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ غَزْلُوْنَ، وَعَلِيّ بن عَبْدِ اللهِ بنِ مَوْهَبٍ الجُذَامِيِّ، وَالقَاضِي عِيَاضٍ، وَجَمَاعَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الفُتُوْحِ بنُ الحُصْرِيِّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ عَلُّوْنَ الأَسَدِيُّ.
قَالَ ابْنُ الحُصْرِيِّ: كَانَ إِمَاماً فِي الحَدِيْثِ، ذَا مَعْرِفَة بِفِقْهِهِ وَرِجَالِهِ،
__________
(*) معجم البلدان 1 / 202، 203 (أشير)، الاستدراك لابن نقطة: باب الاشيري والاشتري، اللباب 1 / 68، 69، إنباه الرواة 2 / 137 - 141، المشتبه 1 / 28، تاريخ الإسلام (وفيات 561) العبر 4 / 174، 175، تلخيص ابن مكتوم: 98، 99، مرآة الجنان 3 / 337، طبقات ابن قاضي شهبة 2 / 48، 49، تبصير المنتبه 1 / 46، النجوم الزاهرة 5 / 372، شذرات الذهب 4 / 198.
(1) ووهم صاحب " النجوم الزاهرة " فقال: أشير: بين حمص وبعلبك.

(20/466)


وَلَهُ يَد بَاسِطَة فِي النَّحْوِ وَاللُّغَة، وَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الوَزِيْر ابْن هُبَيْرَةَ كَلاَم فِي دُعَائِهِ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - يَوْم بَدْرٍ: (إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ العِصَابَةُ (1)) وَكَانَ الصَّوَابُ مَعَهُ.
قُلْتُ: نَازع الوَزِيْر بِعُنف، فَأَحرجَهُ، حَتَّى قَالَ لَهُ الوَزِيْر: تَهذِي! لَيْسَ كَلاَمُك بصَحِيْح.
وَانفض النَّاس، ثُمَّ اعْتذر إِلَيْهِ الوَزِيْر بِكُلِّ طَرِيْقٍ، وَوَصَلَهُ بِمَال، وَمَا وَدَعَهُ حَتَّى قَالَ لَهُ مِثْلَ قَوْلِهِ لَهُ (2) .
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: كَانَ يَكتُبُ لِصَاحِبِ المَغْرِبِ، فَلَمَّا مَاتَ، خَافَ وَنَزَحَ، وَقَرَّرَ لَهُ الملكُ نُوْرُ الدِّيْنِ بِحَلَبَ كِفَايَتَهُ، ثُمَّ حَجَّ.
اتَّفَقَ مَوْتُهُ بِاللَّبوَة، فِي شَوَّالٍ، سَنَة إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (3) .

295 - ابْنُ المَاسِحِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ الحَسَنِ الكِلاَبِيُّ *
العَلاَّمَةُ، جَمَالُ الأَئِمَّةِ، أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ ابنُ أَبِي الفَضَائِلِ الحَسَنِ
__________
(1) قطعة من حديث مطول أخرجه من حديث عمر مسلم (1763)، وأحمد 1 / 30 و32، والترمذي (3081) لما كان يوم بدر، نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثة مئة وتسعة عشر رجلا، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مد يديه، فجعل يهتف بربه: اللهم أنجز لي ما ودعتني اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض " فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه.
فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله: " إن تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين " فأمده الله بالملائكة...
(2) انظر " إنباه الرواة " 2 / 139. وانظر ترجمة ابن هبيرة التي تقدمت برقم (282).
(3) ودفن بظاهر باب حمص شمالي بعلبك. انظر " إنباه الرواة " 2 / 140، 141، قال القفطي: صنف كتابا هذب فيه " الاشتقاق " الذي صنفه المبرد، ورأيته فأحسن فيه، وهو عندي بخطه.
(*) إنباه الرواة 2 / 241، 242، تاريخ الإسلام (وفيات 562)، معرفة القراء الكبار =

(20/467)


بنِ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ الكِلاَبِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، الشَّافِعِيُّ، الفَرَضِيُّ، النَّحْوِيُّ، وَيُعْرَفُ: بِابْنِ المَاسِحِ، أَحَدُ أَئِمَّة المَذْهَبِ.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَتَلاَ لابْنِ عَامِرٍ عَلَى أَبِي الْوَحْش سُبَيْعٍ، وَسَمِعَ مِنْهُ، وَمِنْ أَبِي تُرَابٍ حَيْدَرَةَ، وَعَبْدِ المُنْعِمِ بن الْغمر.
وَتَفَقَّهَ: بِجَمَال الإِسْلاَمِ (1) ، وَنَصْر اللهِ المَصِّيْصِيّ.
وَكَانَتْ لَهُ حَلْقَة كَبِيْرَة بِالجَامِع لِلإِقْرَاءِ وَالفِقْه وَالنَّحْو، وَأَعَاد بِالأَمِينِيَّة (2) ، وَدرَّس بِالمُجَاهِديَّة (3) ، وَعَلَيْهِ العُمدَة فِي الفَتْوَى وَفِي القسمَة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو المَوَاهِب بنُ صَصْرَى، وَأَخُوْهُ أَبُو القَاسِمِ، وَجَمَاعَة.
مَاتَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

296 - البَارِزِيُّ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ *
الشَّيْخُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ البَارِزِيِّ البَغْدَادِيُّ، البَزَّازُ بِخَانِ الصُّفَّةِ.
__________
= 2 / 421، تلخيص ابن مكتوم: 132، طبقات السبكي 7 / 214، طبقات الاسنوي 2 / 438، 439، غاية النهاية 1 / 530، طبقات ابن قاضي شهبة 2 / 161، 162، النجوم الزاهرة 5 / 375، بغية الوعاة 2 / 155، الدارس: 203 وفيه: شهرته ابن المانح.
(1) علي بن المسلم السلمي، تقدمت ترجمته برقم (14).
(2) من مدارس الشافعية بدمشق، راجع ص 31، تعليق رقم (2) من حواشي الترجمة (14).
(3) من مدارس الشافعية بدمشق أيضا.
انظر " مختصر تنبيه الطالب " 71، 72.
(*) الاستدراك لابن نقطة: باب البارزي واليازدي والباوري، ذيل تاريخ بغداد 1 / 224 - حاشية الأنساب 2 / 29.

(20/468)


سَمِعَ: ابْنَ طَلْحَةَ، وَابْنَ البَطِرِ، وَثَابِتَ بنَ بُنْدَارَ، وَجَمَاعَةً.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ الأَخْضَرِ، وَالحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ، وَالشَّيْخُ المُوفَّقُ، وَعَلِيُّ بنُ رَشِيدٍ، وَجَمَاعَةٌ.
وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: الرَّشِيْد بن مَسْلَمَةَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ (1) : كَانَ صَالِحاً، مُتَدَيِّناً عَلَى طرِيقَة السَّلَف.
تُوُفِّيَ: فِي شَوَّالٍ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ اثْنَتَانِ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: يَقع لِي مِنْ عَوَالِيْهِ.

297 - مَسْعُوْدُ بنُ الحَسَنِ الثَّقَفِيُّ الأَصْبَهَانِيُّ *
ابْنِ الرَّئِيْسِ أَبِي عَبْدِ اللهِ القَاسِمِ بنِ الفَضْلِ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَحْمَدَ بنِ مَحْمُوْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، الشَّيْخُ المُعَمَّرُ، الفَاضِلُ، مُسْنِدُ العصرِ، أَبُو الفَرَجِ الثَّقَفِيُّ، الأَصْبَهَانِيُّ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ مِنْ: جَدِّهِ، وَمِنْ أَبِي عَمْرٍو عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ مَنْدَةَ، وَأَبِي عِيْسَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زِيَادٍ، وَالمُطَهِّرِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ البُزَانِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ السِّمْسَارِ، وَإِبْرَاهِيْم بن مُحَمَّدٍ الطَّيَّانِ، وَسَهْل بن عَبْدِ اللهِ الغَازِي، وَأَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ تَانَة (2) ، وَأَبِي الخَيْرِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ رَرَا، وَسُلَيْمَانَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَغَانِمِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ، وَعِدَّةٍ.
__________
(1) في " ذيل تاريخ بغداد ": 225، 226.
(*) التحبير 2 / 298، 299، العبر 4 / 179، 180، لسان الميزان 6 / 24 - 25، شذرات الذهب 4 / 206، 207.
(2) انظر " تبصير المنتبه " 1 / 58 و115، و" الأنساب " 3 / 43، 14، وفيه ترجمته.

(20/469)


وَخَرَجت لَهُ فَوَائِد فِي تِسْعَة أَجزَاء وَعَوَالِي.
وَعُمِّر، وَتَفَرَّد، وَأَلحق الأَبْنَاء بِالآبَاء.
وَقَدْ كَانَ رَوَى الكَثِيْر بِإِجَازَة أَبِي الغَنَائِمِ بن المَأْمُوْنِ، وَأَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ المُهْتَدِي بِاللهِ، وَجَمَاعَة مِنَ البغَاددَة اعتمَاداً مِنْهُ عَلَى مَا نَقل المُحَدِّثُ أَبُو الخَيْرِ عَبْد الرَّحِيْمِ بن مُوْسَى، فَقَامُوا عَلَى أَبِي الخَيْرِ، وَكَذَّبه الحَافِظُ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، فَطَالبوهُ بِالأَصْل، فَغَالطهُم (1) .
وَلَهُ إِجَازَة مِنْ أَبِي القَاسِمِ بنِ مَنْدَةَ، وَغَيْرِهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الآمُلِيّ، وَعَبْد اللهِ بن أَبِي الفَرَجِ الجُبَّائِيّ، وَالحُسَيْن بن مُحَمَّدٍ الجَرْبَاذْقَانِيّ، وَعَبْد الأَوّل بن ثَابِتٍ المَدِيْنِيّ، وَالحَافِظ عَبْد القَادِر الرُّهَاوِيّ، وَمُحَمَّد بن مَكِّيّ الحَنْبَلِيّ، وَمَحْمُوْد بن مُحَمَّدٍ الحَدَّاد، وَأَبُو الوَفَاء مَحْمُوْد بن مَنْدَةَ، وَآخَرُوْنَ، وَبِالإِجَازَة: أَبُو المُنَجَّا عَبْدُ اللهِ بنُ اللَّتِّيِّ، وَكَرِيْمَة القُرَشِيَّة، وَأُخْتهَا صَفِيَّة، وَعَجِيْبَة البَاقدَارِيَة.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ (2) : لَمْ يَتفق أَنْ أَسْمَع مِنْهُ لاشتغَالِي بِغَيْره، وَمَا كَانُوا يُحسِنُوْنَ الثَّنَاء عَلَيْهِ - وَاللهِ يَرحمه - وَكَتَبَ إِلَيَّ بِالإِجَازَةِ، وَقَدْ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفَيْجُ (3) أَنَّهُ قرَأَ عَلَى الرَّئِيْس أَبِي الفَرَجِ جميعَ (تَارِيْخِ الخَطِيْبِ) فِي سَنَةِ سِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: ثُمَّ تَبيَّنَ وَهنُ إِجَازَة الخَطِيْب لَهُ، وَامْتَنَعَ الرَّجُل مِنَ الرِّوَايَة بِالإِجَازَةِ عَنِ البَغْدَادِيِّيْنَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ فِي كَثْرَة سَمَاعَاته العَالِيَة شغلٌ
__________
(1) انظر " لسان الميزان " 6 / 25.
(2) في " التحبير " 2 / 298، 299.
(3) قال السمعاني: هذا اسم لمن يحمل الكتب بسرعة من بلد إلى بلد. " الأنساب " 9 / 357.

(20/470)


شَاغل، وَكَانَ ذَا حِشْمَة وَأَمْوَال، عَاشَ مائَةَ عَامٍ.
تُوُفِّيَ: يَوْم الاثْنَيْن، غُرَّةَ رَجَبٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

298 - الدَّقَّاقُ أَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ بنِ هِلاَلٍ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، مُسْنِدُ بَغْدَادَ، أَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ بنِ هِلاَلِ بنِ عَلِيِّ بنِ حِمْصَاءَ العِجْلِيُّ، السَّامَرِّيُّ، الكَاتِبُ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، ابْنُ الدَّقَّاقِ، شَيْخٌ مُعَمَّرٌ، صَحِيْحُ الرِّوَايَةِ، مِنْ أَهْلِ الظَّفرِيَّةِ.
وُلِدَ: سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا الحَسَنِ عَلِيّ بن مُحَمَّدٍ الأَنْبَارِيّ، وَعَاصِمَ بنَ الحَسَنِ، وَعَبْدَ اللهِ بن عَلِيِّ بنِ زِكْرِيّ، وَأَبَا الغَنَائِم مُحَمَّد بن أَبِي عُثْمَانَ، وَعَبْد الوَاحِدِ بن فَهْد العَلاَّف، وَعَبْد المَلِكِ بن أَحْمَدَ السُّيُوْرِيّ، وَتَفَرَّد بِأَجزَاء.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيّ، وَعَبْد الغَنِيِّ بن عَبْدِ الوَاحِدِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ قُدَامَة، وَمُحَمَّد بن عُمَرَ بنِ الذَّهَبِيّ، وَإِسْمَاعِيْل بن باتكين الجَوْهَرِيّ، وَعَبْد اللَّطِيْفِ بن مُحَمَّدٍ القُبَّيْطِيّ، وَعِدَّة.
وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ إِجَازَة: الرَّشِيْد أَحْمَد بن مَسْلَمَةَ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ شَيْخاً لاَ بَأْسَ بِهِ، ظَاهِره الخَيْر وَالصَّلاَح.
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: هُوَ - فِيمَا أَظُنُّ - أَقدمُ مَشَايِخِنَا سَمَاعاً.
وَقَالَ ابْنُ مَشِّق: تُوُفِّيَ فِي تَاسِعَ عَشَرَ المُحَرَّم، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
(*) العبر 4 / 180، دول الإسلام 2 / 76، شذرات الذهب 4 / 207.

(20/471)


أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الفَرَجِ الجُشَمِيّ، حَدَّثَنَا عَوْنُ بنُ عُمَارَةَ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ).
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1) مِنْ حَدِيْثِ حُمَيْد الطَّوِيْل وَغَيْرِهِ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ صَدُوْقاً، صَحِيْح السَّمَاع، هُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْ عَاصِمٍ، وَابْن أَبِي عُثْمَانَ.

299 - البَاجِسْرَائِيُّ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ *
الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَنِيفَةَ البَاجِسْرَائِيُّ، التَّانِئُ (2) ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
سَمِعَ مِنْ: نَصْر بن البَطِرِ، وَالنِّعَالِيّ، وَثَابِت بن بُنْدَار، وَالحُسَيْن بن عَلِيِّ بنِ البُسْرِيِّ، وَعِدَّةٍ، وَرَوَى الكَثِيْر.
وَقَدْ رَكبه دين، وَنزح إِلَى هَمَذَان، فَمَاتَ هُنَاكَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ، وَالشَّيْخ المُوَفَّق، وَمُحَمَّد بن عمَاد،
__________
(1) أخرجه البخاري (1548) و(1714) و(1715) و(2951) و(2986) ومسلم (1232) وأبو داود (1795)، والترمذي (821) والنسائي 5 / 150، وابن ماجة (2968) و(2969).
(*) المنتظم 10 / 223، مختصر ابن الدبيثي: 191، العبر 4 / 180، الوافي بالوفيات 7 / 72، النجوم الزاهرة 5 / 379، شذرات الذهب 4 / 207.
والباجسرائي بكسر الجيم وسكون السين المهملة، نسبة إلى باجسرا، وهي قرية كبيرة بنواحي بغداد على عشرة فراسخ منها.
(2) نسبة إلى التناءة، وهي الدهقنة، فيقال لصاحب الضياع والعقار: التانئ. " الأنساب " 3 / 13، و" القاموس " (تنأ).

(20/472)


وَعَبْد اللَّطِيْفِ بن القُبَّيْطِيّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الكَاشغرِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَبِالإِجَازَة: الرَّشِيْد بن مَسْلَمَةَ.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ (1) : كَانَ ثِقَةً.
وَقَالَ الدُّبَيْثِيّ: مَاتَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، بِهَمَذَان، وَلَمْ يُحَدِّث بِهَا، وَعَاشَ أَرْبَعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً وَشهراً.

300 - ابْنُ المُقَرِّبِ أَحْمَدُ بنُ المُقَرِّبِ بنِ الحُسَيْنِ الكَرْخِيُّ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، الثِّقَةُ، المُسْنِدُ، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ المُقَرِّبِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ الحَسَنِ البَغْدَادِيُّ، الكَرْخِيُّ.
شيخ، دَيِّن، كَيِّسٌ، مُتودِّد، صَحِيْح السَّمَاع.
سَمِعَ: طِرَاداً الزَّيْنَبِيَّ، وَابْنَ طَلْحَةَ النِّعَالِيَّ، وَابْنَ سَوَّارٍ.
وَعَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَعَبْدُ الغَنِيِّ، وَالمُوفَّقُ، وَعَبْدُ اللَّطِيْفِ القُبَّيْطِيُّ، وَابْنُ الخَازِنِ، وَالحُسَيْن بن رَئِيْس الرُّؤسَاء، وَخَلْق.
وَتَلاَ بِالسَّبْع، وَتَفَقَّهَ، وَنسخ الأَجزَاء، وَلَهُ أُصُوْل حَسَنَة.
مَاتَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

301 - الطَّامِذِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ **
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، المُقْرِئ، الزَّاهِد، المُعَمَّر، بَقِيَّة السَّلَف، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ
__________
(1) في " المنتظم " 10 / 223.
(*) المنتظم 10 / 224، مختصر ابن الدبيثي: 219، العبر 4 / 180، 181، الوافي بالوفيات 8 / 186، النجوم الزاهرة 5 / 379، شذرات الذهب 4 / 208.
(* *) العبر 4 / 181، غاية النهاية 1 / 437، النجوم الزاهرة 5 / 380، شذرات الذهب 4 / 208.

(20/473)


اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَصْبَهَانِيُّ، الطَّامِذِيُّ.
وَطَامِذُ: مَكَانٌ بِأَصْبَهَانَ.
سَمِعَ: أَبَا نَصْرٍ عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدٍ السِّمْسَار، وَعِدَّة.
وَارْتَحَلَ، فَسَمِعَ بِالبَصْرَةِ مِنْ: جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْل العَبَّادَانِيّ، وَبِبَغْدَادَ مِنْ: طِرَادِ بنِ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَابْنِ طَلْحَةَ النِّعَالِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
وَقرَأَ الحَدِيْث عَلَى المَشَايِخ، وَعُمِّرَ دَهْراً، خَرَّجُوا لَهُ ثَلاَثَة أَجزَاء.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ مَكِّيٍّ الحَنْبَلِيّ، وَعَبْد القَادِر بن عَبْدِ اللهِ الرُّهَاوِيّ، وَمُحَمَّد بن أَبِي غَالِبٍ شعرَانَة، وَمُحَمَّد بن مَحْمُوْدٍ الرُّوَيْدَشْتِيّ، وَجَمَاعَة.
وَبِالإِجَازَة: كَرِيْمَة الزُّبَيْرِيَّة.
وَقَدْ غلط أَبُو الفَتْحِ الأَبِيْوَرْدِي، فَقَرَأَ عَلَى الرَّشِيْد إِسْمَاعِيْل العِرَاقِي بِإِجَازته مِنَ الطَّامِذِيّ، وَلاَ يُمْكِن ذَلِكَ، فَإِنَّ الطَّامِذِيّ مَاتَ فِي العِشْرِيْنَ مِنْ شَعْبَانَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، عَنْ سنّ عَالِيَة، وَلَمْ يَكُنِ الرَّشِيْدُ وُلِدَ بَعْدُ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو المَعَالِي البَاجِسْرَائِيّ (1) ، وَأَبُو المُظَفَّرِ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الكَاغَدِي (2) ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ المُقَرِّبِ (3) ، وَقَاضِي القُضَاة جَعْفَر بن عَبْدِ الوَاحِدِ الثَّقَفِيُّ (4) ، وَأَبُو المَنَاقِب حَيْدَرَة بن عُمَرَ الزَّيْدِيّ (5) ، وَالخَضِرُ
__________
(1) تقدمت ترجمته برقم (299).
(2) انظر " النجوم الزاهرة " 5 / 379.
(3) تقدمت ترجمته برقم (300).
(4) مترجم في المنتظم 10 / 224، الكامل 11 / 333، العبر 4 / 181، مختصر ابن الدبيثي: 271، الوافي 11 / 111، مرآة الجنان 3 / 320، البداية والنهاية 12 / 254، شذرات الذهب 4 / 208.
(5) انظر " النجوم الزاهرة " 5 / 379.

(20/474)


بنُ الفَضْلِ الصَّفَّارُ الأَصْبَهَانِيُّ رَجُلٌ (1) ، وَشَاكِرُ بنُ عَلِيٍّ الأَسْوَارِيُّ (2) ، وَالشَّيْخ أَبُو النَّجِيْبِ السُّهْرَوَرْدِيُّ (3) ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنُ تَاج القُرَّاء (4) ، وَأَبُو المَعَالِي عُمَر بن بُنَيْمَانَ البَغْدَادِيّ (5) ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ نُمَارَةَ البَلَنْسِيّ، وَالشَّرِيْف نَاصر بن الحَسَنِ الزَّيْدِيّ الخَطِيْب (6) ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ يَاسِرٍ الجَيَّانِيّ (7) ، وَنَفِيسَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ (8) ، وَالصَّائِنُ هِبَةُ اللهِ بنُ عَسَاكِرَ (9) .

302 - أَبُو النَّجِيْبِ عَبْدُ القَاهِرِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، العَالِم، المُفْتِي، المُتَفَنِّنُ، الزَّاهِدُ، العَابِدُ، القُدْوَةُ، شَيْخ المَشَايِخ، أَبُو النَّجِيْب عَبْدُ القَاهِرِ بن عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمُّوْيَه (10) بن
__________
(1) كذا ضبط في الأصل بالراء المهملة والجيم، وكتب فوقه كلمة " صح "، وورد في " النجوم الزاهرة " 5 / 379، 380: زحل بالزاي والحاء المهملة.
(2) مترجم في العبر 4 / 181، والنجوم الزاهرة 5 / 380، وشذرات الذهب 4 / 208.
(3) وهو صاحب الترجمة التالية.
(4) سترد ترجمته برقم (304).
(5) ورد اسمه في " النجوم الزاهرة " 5 / 380: عمرو بن سمان البغدادي.
(6) مترجم في العبر 4 / 183، معرفة القراء الكبار 2 / 422، غاية النهاية 2 / 329، 330، النجوم الزاهرة 5 / 380، شذرات الذهب 4 / 210 وفيه: ابن الحسين.
(7) سترد ترجمته برقم (325).
(8) سترد ترجمتها برقم (307).
(9) سترد ترجمته برقم (314).
(*) الأنساب 7 / 197، المنتظم 10 / 225، معجم البلدان 3 / 289، الكامل 11 / 333، اللباب 2 / 157، وفيات الأعيان 3 / 204، 205، العبر 4 / 181، 182، مرآة الجنان 3 / 372، طبقات السبكي 7 / 173 - 175، طبقات الاسنوي 2 / 64، 65، البداية والنهاية 12 / 254، النجوم الزاهرة 5 / 380، طبقات الشعراني 1 / 140، شذرات الذهب 4 / 208، 209، هدية العارفين 1 / 606، 607.
(10) واسم عمويه هذا: عبد الله، كما ذكر ابن خلكان في " الوفيات " 3 / 204 وقيده بفتح العين المهملة وتشديد الميم المضمومة وسكون الواو وفتح الياء المثناة التحتية.

(20/475)


سَعْد بن الحَسَنِ (1) بنِ القَاسِمِ (2) بِنِ عَلْقَمَةَ بن النَّضْرِ بن مُعَاذِ ابْن الفَقِيْهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (3) بنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ القُرَشِيُّ، التَّيْمِيُّ، البَكْرِيُّ، السُّهْرَوَرْدِيّ، الشَّافِعِيّ، الصُّوْفِيّ، الوَاعِظ، شَيْخ بَغْدَاد.
وُلد تَقْرِيْباً: فِي سُهْرَوَرْدَ (4) ، فِي سَنَةِ تِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَقَدِمَ بَغْدَادَ نَحْو سَنَة عَشرٍ، فَسَمِعَ مِنْ: أَبِي عَلِيٍّ بنِ نَبْهَانَ كِتَاب (غَرِيْب الحَدِيْث)، وَسَمِعَ مِنْ: زَاهِر الشَّحَّامِيّ، وَأَبِي بَكْرٍ الأَنْصَارِيّ، وَجَمَاعَةٍ، فَأَكْثَر، وَحصَّل الأُصُوْل، وَكَانَ يَعظ النَّاس فِي مدرسَتِه.
أَثْنَى عَلَيْهِ السَّمْعَانِيّ كَثِيْراً، وَقَالَ: تَفَقَّهَ فِي النِّظَامِيَّة، ثُمَّ هبَّ لَهُ نَسِيمُ الإِقبال وَالتَّوفِيقِ، فَدلَّهُ عَلَى الطَّرِيْقِ، وَانقطعَ مُدَّةً، ثُمَّ رَجَعَ، وَدَعَا إِلَى اللهِ، وَتَزَهَّدَ بِهِ خلقٌ، وَبَنَى لَهُ رِباطاً عَلَى الشَّطِّ، حضَرتُ عِنْدَهُ مَرَّاتٍ، وَانتفعتُ بِكَلاَمِهِ، وَكَتَبتُ عَنْهُ (5) .
وَقَالَ عُمَرُ بنُ عَلِيٍّ القُرَشِيُّ: هُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ، وَعلمٌ مِنْ أَعْلاَم الصُّوْفِيَّةِ، ذكر لِي أَنَّهُ دَخَلَ بَغْدَاد سَنَة سَبْعٍ، وَسَمِعَ (غَرِيْبَ الحَدِيْث)، وَتَفَقَّهَ عَلَى أَسْعَدَ المِيْهَنِيّ، وَتَأَدَّبَ عَلَى الفَصِيْحِيّ، ثُمَّ آثر الانقطَاعَ، فَتَجرَّد، وَدَخَلَ البَرِيَّة حَافِياً، وَحَجّ، وَجَرَتْ لَهُ قصَص، وَسلك طرِيقاً وَعراً فِي المُجَاهِدَةِ، وَدَخَلَ أَصْبَهَان، وَجَالَ فِي الجِبَالِ، ثُمَّ صَحِبَ الشَّيْخَ
__________
(1) في " وفيات الأعيان " و" طبقات " السبكي: الحسين.
(2) اسم " القاسم " لم يرد في " طبقات " السبكي.
(3) في " وفيات الأعيان:...بن القاسم بن النضر بن سعد بن النضر بن عبد الرحمن
(4) بضم السين وسكون الهاء وفتح الراء والواو وسكون الراء الأخرى وفي آخرها الدال المهملة، وهي بلدة عند زنجان، وقد تصحفت نسبة صاحب الترجمة في " الكامل " 11 / 333 إلى الشهرزوري.
(5) انظر " الأنساب " 7 / 197 و" طبقات " السبكي 7 / 174 والاسنوي 64 2.

(20/476)


حَمَّاداً الدَّبَّاس، ثُمَّ شَرعَ فِي دُعَاءِ الخَلقِ إِلَى اللهِ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَصَارَ لَهُ قَبُولٌ عَظِيْمٌ، وَأَفلح بِسَبِبِهِ أُمَّةٌ صَارُوا سُرُجاً، وَبَنَى مَدْرَسَةً وَرِبَاطَيْنِ، وَدرَّس وَأَفتَى، وَوَلِيَ تَدرِيس النِّظَامِيَّةِ، وَلَمْ أَرَ لَهُ أَصلاً يُعتمدُ عَلَيْهِ بِـ (الغَرِيْبِ (1)).
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ مُطَّرحاً لِلتَّكَلُّفِ فِي وَعظِهِ بِلاَ سَجع، وَبَقِيَ سِنِيْنَ يَسْتَقِي بِالقِرْبَةِ بِالأُجْرَةِ، وَيَتَقَوَّتُ، وَيُؤثِرُ مَنْ عِنْدِهِ، وَكَانَتْ لَهُ خَرِبَةٌ يَأْوِي إِلَيْهَا هُوَ وَأَصْحَابُه، ثُمَّ اشْتَهَرَ، وَصَارَ لَهُ الْقبُول عِنْد المُلُوْك، وَزَاره السُّلْطَان، فَبنَى الخَرِبَةَ رِباطاً، وَبَنَى إِلَى جَانبه مَدْرَسَةً، فَصَارَ حِمَىً لِمَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ مِنَ الخَائِفِيْن يُجير مِنَ الخَلِيْفَة وَالسُّلْطَان، وَدرَّس بِالنِّظَامِيَّةِ سَنَة 45، ثُمَّ عُزل بَعْد سنتَيْن، أَملَى مَجَالِس، وَصَنَّفَ مُصَنَّفَات...، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَصَحِبَ الشَّيْخ أَحْمَدَ الغَزَّالِيّ الوَاعِظَ، وَسلَّكه (2) .
قُلْتُ: قَدْ أُوذِي عِنْدَ مَوْتِ السُّلْطَان مَسْعُوْد، وَأُحضر إِلَى بَابِ النُّوْبِي، فَأُهينَ، وَكُشِف رَأْسُه، وَضُرب خَمْسَ دُرَر، وَحُبس مُدَّةً، لأَنَّه درَّس بِجَاه مَسْعُوْد.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: وَأَنْبَأَنَا يَحْيَى بنُ القَاسِمِ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّجِيْبِ، قَالَ:
كُنْتُ أَدخلُ عَلَى الشَّيْخِ حَمَّادٍ وَفِيَّ فُتورٌ، فَيَقُوْلُ: دَخَلتَ عَلَيَّ وَعَلَيْكَ ظُلْمَةٌ، وَكُنْتُ أَبقَى اليَوْمَيْنِ وَالثَّلاَثَةَ لاَ أَسْتطعِمُ بزَادٍ، فَأَنْزِلُ فِي دِجْلَةَ أَتقَلَّبُ لِيسكُنَ جُوعِي، ثُمَّ اتَّخَذتُ قُربَةً أَسْتقِي بِهَا، فَمَنْ أَعْطَانِي شَيْئاً أَخذتُهُ، وَمَنْ لَمْ يُعْطنِي لَمْ أُطَالِبْهُ، وَلَمَّا تَعَذَّرَ ذَلِكَ فِي الشِّتَاءِ عَلَيَّ، خَرَجتُ إِلَى سُوقِ، فَوَجَدْتُ رَجُلاً بَيْنَ يَدَيْهِ طَبَرْزَدُ، وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ يَدقُّوْنَ الأَرزَّ، فَقُلْتُ:
__________
(1) انظر " وفيات الأعيان " 3 / 204.
(2) انظر " طبقات " السبكي 7 / 147، 175، والاسنوي 2 / 64، 65.

(20/477)


اسْتَعْمِلْنِي.
قَالَ: أَرِنِي يَدَكَ.
فَأَرَيتُه، قَالَ: هَذِهِ يَدٌ لاَ تَصلُحُ إِلاَّ لِلْقلمِ.
وَأَعْطَانِي وَرقَةً فِيْهَا ذَهبٌ، فَقُلْتُ: لاَ آخذُ إِلاَّ أُجرَةَ عَمَلِي، فَإِنْ شِئْتَ نَسختُ لَكَ بِالأُجرَةِ.
قَالَ: اصعدْ، وَقَالَ لِغُلاَمِه: نَاوِلْهُ المِدَقَّةَ.
فَدَقَقتُ مَعَهُم، وَهُوَ يَلحَظُنِي، فَلَمَّا عَمِلتُ سَاعَةً، قَالَ: تَعَالَ.
فَنَاوَلَنِي الذّهبَ، وَقَالَ: هَذِهِ أُجرتُكَ.
فَأَخَذتُهُ، ثُمَّ أَوقعَ اللهُ فِي قَلْبِي الاشتغَالَ بِالعِلْمِ، فَاشْتَغَلتُ حَتَّى أَتقنتُ المَذْهَبَ، وَقَرَأْتُ الأَصْلَينِ، وَحَفِظتُ (الوسيطَ) لِلوَاحِدِيِّ فِي التَّفْسِيْرِ، وَسَمِعْتُ كُتُبَ الحَدِيْثِ المَشْهُوْرَةَ (1) .
قَالَ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ: ذَكَرَ لِي أَبُو النَّجِيْبِ: أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ أَبِي عَلِيٍّ الحَدَّادِ، وَاشْتَغَل بِالمُجَاهِدَةِ، ثُمَّ اسْتَقَى بِالأُجرَةِ، ثُمَّ وَعظَ وَدرَّسَ بِالنِّظَامِيَّةِ، قَدِمَ دِمَشْقَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ لِزِيَارَةِ بَيْتِ المَقْدِسِ، فَلَمْ يَتفقْ لَهُ لانْفِسَاخِ الهُدنَةِ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: هُوَ، وَالقَاسِمُ ابْنُه، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ سُكَيْنَةَ، وَزَيْنُ الأُمَنَاءِ، وَأَبُو نَصْرٍ ابْنُ الشِّيْرَازِيِّ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّيْنِ عُمَرُ، وَخَلْقٌ.
مَاتَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَدُفِنَ بِمَدرَسَتِهِ (2) .

303 - ابْنُ تَاجِ القُرَّاءِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّوْسِيُّ *
الشَّيْخُ، الزَّاهِدُ، المُعَمَّرُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ
__________
(1) النص في " طبقات " السبكي 7 / 175.
(2) ذكر في " هدية العارفين " أنه صنف " آداب المريدين " في التصوف والاخلاق.
(*) العبر 4 / 182، النجوم الزاهرة 5 / 380، شذرات الذهب 4 / 209.

(20/478)


بنِ رَافِعٍ الطُّوْسِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، وَيُعْرَفُ: بِابْنِ تَاجِ القُرَّاءِ.
بَكَّرَ بِهِ وَالِدُهُ، فَسَمِعَ مِنْ: مَالِكِ بنِ أَحْمَدَ البَانِيَاسِيِّ، وَيَحْيَى بنِ أَحْمَدَ السِّيْبِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ الطُّرَيْثِيْثِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ الغَنِيِّ الحَافِظُ، وَالشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عُثْمَانَ الكَاشْغَرِيُّ، وَآخَرُوْنَ، وَبِالإِجَازَةِ: الرَّشِيْدُ بنُ مَسْلَمَةَ.
قَالَ الشَّيْخُ المُوَفَّقُ: سَمِعْنَا مِنْهُ جُزْأَيْنِ يَرْويهِمَا عَنِ البَانِيَاسِيِّ.
وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ صُوْفِياً، خَدَمَ المَشَايِخَ، وَتَخَلَّقَ بِأَخلاَقِهِم، طَلَبْتُهُ عِدَّةَ نُوَبٍ، فَمَا صَدَفْتُهُ.
قَالَ: وَهُوَ أَخُو شَيْخِنَا يَحْيَى.
وَقَالَ ابْنُ مَشِّقْ: تُوُفِّيَ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: هُوَ رَاوِي (جُزْءِ البَانِيَاسِيِّ).
وَمَاتَ مَعَهُ فِي العَامِ خَلْقٌ (1) ، مِنْهُم: أَبُو المَعَالِي عُمَرُ بنُ بُنَيْمَانَ - بَغْدَادِيٌّ، ثِقَةٌ سَمِعَ ثَابِتَ بنَ بُنْدَارَ وَطَبَقَتَهُ - وَأَبُو المُظَفَّرِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الكَاغَدِيُّ البَغْدَادِيُّ رَاوِي (مَشْيَخَةِ الفَسَوِيِّ)، وَأَبُو المَنَاقِبِ حَيْدَرَةُ ابنُ أَبِي البَرَكَاتِ عُمَرَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الحُسَيْنِيُّ الزَّيْدِيُّ - عِنْدَهُ مَجْلِسَانِ لِطِرَادٍ، وَأَبُو طَاهِرٍ الخَضِرُ بنُ الفَضْلِ الصَّفَّارُ الأَصْبَهَانِيُّ - عُرِفَ بِرَجُلٍ، تَفَرَّدَ بِإِجَازَةِ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ مَنْدَةَ - وَأَبُو الفَضْلِ شَاكِرُ بنُ عَلِيٍّ الأَسْوَارِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ
__________
(1) انظر نهاية الترجمة (301).

(20/479)


مُحَمَّدُ (1) بنُ إِسْحَاقَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ هِلاَلِ بنِ المُحَسِّنِ بنِ الصَّابَئِ الكَاتِبُ - سَمِعَ النِّعَالِيَّ - وَمُقْرِئُ مِصْرَ الشَّرِيْفُ نَاصرُ بنُ الحَسَنِ الحُسَيْنِيُّ الخَطِيْبُ، وَالإِمَامُ المُحَدِّثُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ يَاسِرٍ الجَيَّانِيُّ (2) ، وَنَفِيْسَةُ بِنْتُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ البَزَّازَةُ (3) - سَمِعَتْ مِنْ طِرَادٍ، فَأَكْثَرَتْ - وَهِبَةُ اللهِ ابنُ الحَافِظِ عَبْدِ اللهِ بنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ البَغْدَادِيُّ (4) - سَمِعَ مِنَ النِّعَالِيِّ - وَالعَلاَّمَةُ مُدَرِّسُ النِّظَامِيَّةِ يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ بُنْدَارَ الدِّمَشْقِيُّ الشَّافِعِيُّ (5) صَاحِب أَسْعَدَ المِيْهَنِيِّ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُعَدَّلُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ (6) بنِ رَافِعٍ الطُّوْسِيُّ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بنُ أَحْمَدَ الفَرَّاءُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى بنِ القَاسِمِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الهَاشِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
كُنَّا إِذَا بَايَعْنَا رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَايَعْنَاهُ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، يَقُوْلُ لَنَا: (فِيْمَا اسْتَطَعْتَ).
أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ (7) ، عَنِ ابْنِ يُوْسُفَ التِّنِّيْسِيِّ، عَنْ مَالِكٍ.
__________
(1) مترجم في العبر 4 / 182، 183، الوافي 2 / 191، شذرات الذهب 4 / 209.
(2) سترد ترجمته برقم (325).
(3) سترد ترجمتها برقم (307).
(4) تقدمت ترجمته برقم (277).
(5) سترد ترجمته برقم (328).
(6) لم يرد اسم " أحمد " في نسبه الذي تقدم في بداية الترجمة.
(7) برقم (7202)، وهو فيه أيضا برقم (7203) و(7205) و(7272) وفي " الموطأ " 212 / 982، ومسلم (1867).

(20/480)


304 - ابْنُ البَطِّيِّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي بنِ أَحْمَدَ البَغْدَادِيُّ *
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، العَالِمُ، الصَّدُوْقُ، مُسْنِدُ العِرَاقِ، أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي بنِ أَحْمَدَ بنِ سَلْمَانَ (1) البَغْدَادِيُّ، الحَاجِبُ، ابْنُ البَطِّيِّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
اعْتَنَى بِهِ وَالِدُهُ مِنَ الصِّغَرِ، أَجَازَ لَهُ: نَصْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ.
وَسَمِعَ مِنْ: عَاصِمِ بنِ الحَسَنِ العَاصِمِيِّ، وَمَالِكِ بنِ أَحْمَدَ البَانِيَاسِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَنْبَارِيِّ الخَطِيْبِ، وَرِزْقِ اللهِ التَّمِيْمِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيِّ بنِ زِكْرِيٍّ (2) الدَّقَّاقِ، وَطِرَادٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَالحُسَيْنِ بنِ طَلْحَةَ النِّعَالِيِّ، وَأَبِي الفَضْلِ بنِ خَيْرُوْنَ، وَعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَلِيِّ بنِ فَهْدٍ، وَثَابِتِ بنِ بُنْدَارَ، وَنَصْرِ بنِ البَطِرِ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيِّ، وَحَمْدِ بنِ أَحْمَدَ الحَدَّادِ - سَمِعَ مِنْهُ كِتَابَ (الحِلْيَةِ) كُلَّهُ - وَأَحْمَدَ بنِ عُمَرَ السَّمَرْقَنْدِيِّ المُقْرِئِ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ الخَاضِبَةِ - وَهُوَ الَّذِي حَرصَ عَلَيْهِ وَأَسْمَعَهُ - وَحَمْزَةَ بنِ مُحَمَّدٍ الزُّبَيْرِيِّ صَاحِبِ الحُرْفِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ عَبْدِ القَادِرِ بنِ يُوْسُفَ، وَأَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ أَيُّوْبَ، وَأَبِي بَكْرٍ الطُّرَيْثِيْثِيِّ، وَالحُسَيْنِ بنِ عَلِيِّ بنِ البُسْرِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ الرَّبَعِيِّ، وَأَبِي طَاهِرٍ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ الكَرْخِيِّ، وَعَبْدِ الجَلِيْلِ بنِ مُحَمَّدٍ السَّاوِيِّ، وَأَبِي سَعْدٍ مُحَمَّدِ بنِ
__________
(*) المنتظم 10 / 299، دول الإسلام 2 / 78، العبر 4 / 188، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 219، 20، الوافي بالوفيات 3 / 209، البداية والنهاية 12 / 260، النجوم الزاهرة 5 / 382، شذرات الذهب 4 / 213، 214.
(1) في " العبر " و" الشذرات ": سليمان. وتحرف نسب صاحب الترجمة في " البداية والنهاية " إلى: محمد بن عبد الله بن عبد الواحد بن سليمان.
(2) تحرف في " المستفاد " إلى ذكري، بالذال.

(20/481)


عَلِيِّ بنِ السّرْفَرْتَجِ الأَصْبَهَانِيِّ، وَجَعْفَرٍ السَّرَّاجِ، وَالحَسَنِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ اليُوْسُفِيِّ، وَجَمَاعَةٍ سِوَاهُم.
وَعُمِّرَ، وَتَفَرَّدَ، وَرُحِلَ إِلَيْهِ، وَرَوَى شَيْئاً كَثِيْراً.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ (1) ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَابْنُ الأَخْضَرِ، وَالحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ، وَأَبُو الفُتُوْحِ بنُ الحُصْرِيِّ، وَالشَّيْخُ المُوَفَّقُ، وَإِبْرَاهِيْمُ ابْنُ البَرْنِيِّ (2) ، وَالشَّيْخُ الفَخْرُ ابْنُ تَيْمِيَةَ، وَالشِّهَابُ أَبُو حَفْصٍ السُّهْرَوَرْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المَغَازِلِيُّ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الرَّيَّانِ، وَعَلِيُّ بنُ كُبَّةَ، وَتَامِرُ بنُ مُطْلِقٍ، وَزُهْرَةُ بِنْتُ حَاضِرٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ بَاتكِيْنَ، وَعَلِيُّ بنُ الجَوْزِيّ (3) ، وَسَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَاسِيْنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ السَّبَّاكِ، وَالأَنْجَبُ بنُ أَبِي السَّعَادَاتِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عِمَادٍ، وَالحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ ابْنِ رَئِيْسِ الرُّؤَسَاءِ، وَخَلِيْلٌ الجَوْسَقِيُّ (4) ، وَأَحْمَدُ بنُ يَحْيَى بنِ البَرَّاجِ، وَالمُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، وَدَاوُدُ بنُ الفَاخِرِ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ الجَوَالِيْقِيِّ، وَعَلِيُّ بنُ أَبِي الفَخَّارِ الهَاشِمِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ اللَّتِّيِّ، وَعَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ مُحَمَّدٍ القُبَّيْطِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَهْرُوْزَ الطَّبِيْبُ (5) ، وَأَحْمَدُ بنُ المُعِزِّ الحَرَّانِيُّ، وَجَمَالُ النِّسَاءِ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الغَرَّافِ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عُثْمَانَ الكَاشْغَرِيُّ.
وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: الرَّشِيْدُ بنُ مَسْلَمَةَ، وَعِيْسَى بنُ سَلاَمَةَ الحَرَّانِيُّ.
__________
(1) انظر " مشيخة " ابن عساكر: ق 193 / 1.
(2) بفتح الباء وسكون الراء بعدها نون، انظر حاشية " الإكمال " 1 / 411، 412 حيث ذكر المعلمي ترجمته نقلا عن " الاستدرك " لابن نقطة.
(3) وهو أبو القاسم علي بن الشيخ الامام أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، متوفى سنة 630 ه.
انظر " المشتبه " 189، وستأتي ترجمته في الجزء الثاني والعشرين.
(4) نسبة إلى جوسق: قرية من ناحية النهروان من أعمال بغداد. وانظر ترجمته في " الأنساب " 3 / 370.
(5) المتوفى سنة 635، ستأتي ترجمته في الجزء الثاني والعشرين.

(20/482)


قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: حَدَّثَ ابْنُ البَطِّيِّ بِـ (حِلْيَةِ الأَوْلِيَاءِ) عَنْ حَمْدٍ الحَدَّادِ، وَهُوَ ثِقَةٌ، صَحِيْحُ السَّمَاعِ، سَمِعَ مِنْهُ الأَئِمَّةُ وَالحُفَّاظُ.
وَقَالَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ: هُوَ شَيْخُنَا وَشَيخُ أَهْلِ بَغْدَادَ فِي وَقْتِهِ، وَأَكْثَرُ سَمَاعَاتِهِ عَلَى أَبِي الفَضْلِ بنِ خَيْرُوْنَ، وَمَا رَوَى لَنَا عَنْ رِزْقِ اللهِ وَالحُمَيْدِيِّ وَحَمْدٍ غَيْرُهُ، وَكَانَ ثِقَةً، سَهْلاً فِي السَّمَاعِ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ حَرِيصاً عَلَى نَشْرِ العِلْمِ، صَدُوْقاً، حصَّلَ أَكْثَرَ مَسْمُوْعَاتِه شِرَاءً وَنَسخاً، وَوَقَفَهَا، سَمِعَ مِنْهُ: الحَافِظُ ابْنُ نَاصِرٍ، وَسَعْدُ الخَيْرِ، وَالكِبَارُ.
قَالَ ابْنُ مَشِّقْ (1) : تُوُفِّيَ يَوْمَ الخَمِيْسِ، سَابِعَ وَعِشْرِيْنَ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ بَابِ أَبرز.
وَمَاتَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ (2) بنُ عَبْدِ البَاقِي أَخُو ابْنِ البَطِّيِّ بَعْدَهُ بِسَنَةٍ وَقَدْ شَاخَ، رَوَى عَنِ: ابْنِ طَلْحَةَ النِّعَالِيِّ، وَأَبِي القَاسِمِ الرَّبَعِيِّ.
وَمَاتَ مَعَ ابْنِ البَطِّيِّ: سَعْدُ اللهِ بنُ نَصْرٍ الدَّجَاجِيُّ (3) ، وَالمُظَفَّرُ مُجِيْرُ الدِّيْنِ أَبَقُ (4) بنُ مُحَمَّدِ بنِ تَاجِ المُلُوْكِ الَّذِي كَانَ صَاحِبَ دِمَشْقَ فَأَخَذَهَا مِنْهُ نُوْرُ الدِّيْنِ، وَوزِيْرُ مِصْرَ شَاورُ بنُ مُجِيْرٍ السَّعْدِيُّ (5) ، وَوَزِيْرُ مِصْرَ أَسَدُ الدِّيْنِ
__________
(1) وهو أبو بكر محمد بن المبارك بن محمد البغدادي البيع، متوفى سنة 605، ستأتي ترجمته في الجزء الحادي والعشرين برقم (232).
(2) مترجم في الوافي بالوفيات 7 / 13، مختصر الدبيثي: 192، لسان الميزان 1 / 210.
(3) مترجم في المنتظم 10 / 228، فوات الوفيات 2 / 46، الوافي بالوفيات 15 / 186.
البداية والنهاية 12 / 258، ذيل طبقات الحنابلة 1 / 302 - 305، غاية النهاية 1 / 303، شذرات الذهب 4 / 212، 213، الزركشي: 121.
(4) تقدمت ترجمته برقم (253).
(5) سترد ترجمته برقم (329).

(20/483)


شِيرْكُوْه بنُ شَاذِي (1) ، وَالمُحَدِّثُ عَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَسَدٍ الحَنَفِيُّ (2) ، وَأَبُو مَرْوَانَ بنُ قُزْمَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ القُرْطُبِيُّ الفَقِيْهُ (3) ، وَشَيْخُ القُرَّاءِ ابْنُ هُذَيْلٍ (4) ، وَقَاضِي دِمَشْقَ الزَّكِيُّ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى القُرَشِيُّ (5) ، وَمَعْمَرُ بنُ الفَاخِرِ (6) ، وَالشَّيْخُ عَلِيٌّ الهِيْتِيُّ (7) .
__________
(1) سترد ترجمته برقم (369).
(2) سترد ترجمته برقم (315).
(3) سترد ترجمته برقم (331).
(4) سترد ترجمته برقم (323).
(5) سترد ترجمته برقم (333).
(6) هو صاحب الترجمة التالية.
(7) نسبة إلى هيت: مدينة على الفرات فوق الانبار.
كذا ذكر ابن الأثير في " اللباب " 3 / 397، والشيخ على هذا مترجم في " تتمة المختصر " 2 / 113.

(20/484)