سير أعلام
النبلاء، ط الحديث عِيْسَى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ،
حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ وَهْبٍ أَنَّ عَمَّاراً قَالَ
لِعُثْمَانَ: حَمَلْتَ قُرَيْشاً عَلَى رِقَابِ النَّاسِ
عَدَوْا عليَّ فَضَرَبُوْنِي فَغَضِبَ عُثْمَانُ ثُمَّ
قَالَ: مَا لِي وَلِقُرَيْشٍ? عَدَوْا عَلَى رَجُلٍ مِنْ
أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَضَرَبُوْهُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ لِعَمَّارٍ: "تَقْتُلُكَ
الفِئَةُ البَاغِيَةُ وقاتله في النَّارِ" 1.
وَأَخْرَجَ أَبُو عَوَانَةَ أَيْضاً مِثْلَهُ مِنْ
حَدِيْثِ القَاسِمِ الحُدَانِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ
سَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْد، عَنْ عَبْدِ الله بن محمد بن
الحَنَفِيَّةِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عُثْمَانَ.
وَأَخْرَجَ أَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيْقِ حَمَّادِ بنِ
سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ
أَبِي الهُذَيْلِ، عَنْ عَمَّارٍ قَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَقْتُلُكَ الفِئَةُ
البَاغِيَةُ" 1.
وَفِي البَابِ، عَنْ عِدَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فَهُوَ
مُتَوَاتِرٌ.
قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ
حَنْبَلٍ سُئِلَ، عَنْ هَذَا فَقَالَ: فِيْهِ غَيْرُ
حَدِيْثٍ صَحِيْحٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَرِهَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي هَذَا
بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا.
الثَّوْرِيُّ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي لَيْلَى
الكِنْدِيِّ قَالَ: جَاءَ خَبَّابٌ إِلَى عُمَرَ فَقَالَ:
ادْنُ فَمَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِهَذَا المَجْلِسِ مِنْكَ
إلَّا عَمَّارٌ.
الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بنِ
مُضَرِّبٍ قَالَ: قرئ علينا كتاب عُمَرَ أَمَّا بَعْدُ
فَإِنِّي بَعَثْتُ إِلَيْكُم عَمَّارَ بنَ يَاسِرٍ
أَمِيْراً وَابْنَ مَسْعُوْدٍ مُعَلِّماً وَوَزِيْراً
وَإِنَّهُمَا لَمِنَ النُّجَبَاءِ مِنْ أَصْحَابِ
مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ
أَهْلِ بَدْرٍ فَاسْمَعُوا لَهُمَا وَأَطِيْعُوا
وَاقْتَدُوا بِهِمَا وَقَدْ آثَرْتُكُم بِابْنِ أُمِّ
عَبْدٍ عَلَى نَفْسِي رَوَاهُ شَرِيْكٌ فَقَالَ:
آثَرْتُكُم بِهِمَا عَلَى نَفْسِي.
وَيُرْوَى: أَنَّ عُمَرَ جَعَلَ عَطَاءَ عَمَّارٍ سِتَّةَ
آلاَفٍ.
مُغِيْرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ أَنَّ عَمَّاراً كَانَ
يَقْرَأُ يَوْم الجُمُعَةِ عَلَى المِنْبَرِ بِيَاسِيْنَ.
وَقَالَ زِرٌّ: رَأَيْتُ عَمَّاراً قرأ {إِذَا السَّمَاءُ
انْشَقَّتْ} [الإنشقاق: 1] وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ
فَنَزَلَ فَسَجَدَ.
شُعْبَةُ، عَنْ قَيْسٍ سَمِعَ طَارِقَ بنَ شِهَابٍ
يَقُوْلُ: إِنَّ أهل البصرة غزوا نهاوند فأمدهم
__________
1 صحيح: راجع تخريجنا السابق رقم "566". وقد خرجت الحديث
عن عدة من الصحابة -رضي الله عنهم- في كتاب "منهاج السنة
النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية" الجزء الرابع ط/ دار
الحديث بتعليق رقم "198، 205، 215، 221، 214، 218، 276".
(3/255)
أَهْلُ الكُوْفَةِ وَعَلَيْهِم عَمَّارٌ
فَظَفِرُوا فَأَرَادَ أَهْلُ البَصْرَةِ أَنْ لاَ
يَقْسِمُوا لأَهْلِ الكُوْفَةِ شَيْئاً فَقَالَ رَجُلٌ
تَمِيْمِيٌّ: أَيُّهَا الأَجْدَعُ! تُرِيْدُ أَنْ
تُشَارِكَنَا فِي غَنَائِمِنَا? فَقَالَ عَمَّارٌ: خَيْرُ
أُذُنَيَّ سَبَبْتَ فَإِنَّهَا أُصِيْبَتْ مَعَ رَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فَكَتَبَ
فِي ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ فَكَتَبَ عُمَرُ إِنَّ
الغَنِيْمَةَ لِمَنْ شَهِدَ الوَقْعَةَ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ نَافِعٍ،
عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: رَأَيْتُ
عَمَّاراً يَوْمَ اليَمَامَةِ عَلَى صَخْرَةٍ وَقَدْ
أَشْرَفَ يَصِيْحُ يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِيْنَ أَمِنَ
الجَنَّةِ تَفِرُّوْنَ? أَنَا عَمَّارُ بنُ يَاسِرٍ
هَلُمُّوا إِلَيَّ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى أُذُنِهِ قَدْ
قُطِعَتْ فهي تذبذب وهو يقاتل أشد القتال.
قَالَ الشَّعْبِيُّ: سُئِلَ عَمَّارٌ، عَنْ مَسْأَلَةٍ
فَقَالَ: هَلْ كَانَ هَذَا بَعْدُ? قَالُوا: لاَ، قَالَ
فَدَعُوْنَا حَتَّى يَكُوْنَ فَإِذَا كَانَ تَجَشَّمْنَاهُ
لَكُم.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي الهُذَيْلِ: رَأَيْتُ
عَمَّاراً اشْتَرَى قَتّاً بِدِرْهَمٍ وَحَمَلَهُ عَلَى
ظَهْرِهِ وَهُوَ أَمِيْرُ الكُوْفَةِ.
الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، عَنِ
الحَارِثِ بنِ سُوَيْدٍ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الكُوْفَةِ
وَشَى بِعَمَّارٍ إِلَى عُمَرَ فَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ:
إِنْ كُنْتَ كَاذِباً فَأَكْثَرَ اللهُ مَالَكَ وَوَلَدَكَ
وَجَعَلَكَ مُوَطَّأَ العَقِبَيْنِ.
وَيُقَالُ: سَعَوْا بِعَمَّارٍ إِلَى عُمَرَ فِي أَشْيَاءَ
كَرِهَهَا لَهُ فَعَزَلَهُ وَلَمْ يُؤَنِّبْهُ.
وَقِيْلَ: إِنَّ جَرِيْراً سَأَلَهُ عُمَرُ، عَنْ عَمَّارٍ
فَقَالَ: هُوَ غَيْرُ كَافٍ وَلاَ عَالِمٍ بِالسِّيَاسَةِ.
الأَعْمَشُ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ:
سَأَلَهُمْ عُمَرُ، عَنْ عَمَّارٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ
وَقَالُوا: وَاللهِ مَا أَنْتَ أَمَّرْتَهُ عَلَيْنَا
وَلَكِنَّ اللهَ أَمَّرَهُ فَقَالَ عُمَرُ: اتَّقُوا اللهَ
وَقُوْلُوا كَمَا يُقَالُ فَوَاللهِ لأَنَا أَمَّرْتُهُ
عَلَيْكُم فَإِنْ كَانَ صَوَاباً فَمِنَ قِبَلِ اللهِ
وَإِنْ كَانَ خَطَأً إِنَّهُ مِنْ قِبَلِي.
دَاوْدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ عُمَرُ
لِعَمَّارٍ: أَسَاءكَ عَزْلُنَا إِيَّاكَ? قَالَ: لَئِنْ
قُلْتَ ذَاكَ لَقَدْ سَاءنِي حِيْنَ اسْتَعْمَلْتَنِي
وَسَاءنِي حِيْنَ عَزَلْتَنِي.
رَوَى البَهِيُّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَا أَعْلَمُ
أَحَداً خَرَجَ فِي الفِتْنَةِ يُرِيْدُ اللهَ إلَّا
عَمَّاراً وَمَا أَدْرِي مَا صَنَعَ.
الأَسْوَدُ بنُ شَيْبَانَ: حَدَّثَنَا أَبُو نَوْفَلٍ بنُ
أَبِي عَقْرَبٍ قَالَ: كَانَ عَمَّارُ بنُ يَاسِرٍ
قَلِيْلَ الكَلاَمِ طَوِيْلَ السُّكُوْتِ وَكَانَ عَامَّةُ
قَوْلِهِ عَائِذٌ بِالرَّحْمَنِ مِنْ فِتْنَةٍ عَائِذٌ
بِالرَّحْمَنِ مِنْ فِتْنَةٍ فَعَرَضَتْ لَهُ فِتْنَةٌ
عَظِيْمَةٌ.
(3/256)
الأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ زِيَادٍ
قَالَ عَمَّارٌ: إِنَّ أُمَّنَا يَعْنِي عَائِشَةَ قَدْ
مَضَتْ لِسَبِيْلِهَا وَإِنَّهَا لَزَوْجَتُهُ فِي
الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَكِنَّ اللهَ ابْتَلاَنَا بِهَا
لِيَعْلَمَ إِيَّاهُ نُطِيْعُ أَوْ إِيَّاهَا1.
وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ: البُخَارِيُّ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي
وَائِلٍ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ: قَالَ عَمَّارٌ
لِعَلِيٍّ: مَا تَقُوْلُ فِي أَبْنَاءِ مَنْ قَتَلْنَا?
قَالَ: لاَ سَبِيْلَ عَلَيْهِم قَالَ: لَوْ قُلْتَ غَيْرَ
ذَا خَالَفْنَاكَ.
الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ
حُمَيْدٍ قَالَ عَمَّارٌ لِعَلِيٍّ يَوْمَ الجَمَلِ: مَا
تُرِيْدُ أَنْ تَصْنَعَ بِهَؤُلاَءِ? فَقَالَ لَهُ
عَلِيٌّ: حَتَّى نَنْظُرَ لِمَنْ تَصِيْرُ عَائِشَةُ
فَقَالَ عَمَّارٌ: وَنَقْسِمُ عَائِشَةَ? قَالَ: فَكَيْفَ
نَقْسِمُ هَؤُلاَءِ? قَالَ: لَوْ قُلْتَ غَيْرَ ذَا ما
بايعناك.
الثَّوْرِيُّ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ
أَبِي البَخْتَرِيِّ قَالَ: قَالَ عَمَّارٌ يَوْمَ
صِفِّيْنَ: ائْتُوْنِي بِشُرْبَةِ لَبَنٍ، قَالَ: فَشَرِبَ
ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم: "إِنَّ آخِرَ شَرْبَةٍ تَشْرَبُهَا مِنَ
الدُّنْيَا شَرْبَةُ لَبَنٍ" ثُمَّ تَقَدَّمَ فَقُتِلَ2.
سَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ
عَمَّنْ حَدَّثَهُ سَمِعَ عَمَّاراً بِصِفِّيْنَ يَقُوْلُ:
أَزِفَتِ الجِنَانُ وَزُوِّجْتُ الحُوْرَ العِيْنَ
اليَوْمَ نَلْقَى حَبِيْبَنَا مُحَمَّداً -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم3.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "4/ 265"، والبخاري "3772" من طريق
شعبة، عن الحاكم سمعت أبا وائل قال: "لما بعث علي عمارا
والحسن إلى الكوفة ليستنفرهم، خطب عمار فقال: إني لأعلم
أنها زوجته في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه
أو إياها".
2 حسن لغيره: أخرجه أحمد "4/ 319"، وابن سعد "3/ 588"،
والحاكم "3/ 389" من طريق سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي
ثابت، به.
قلت: إسناده ضعيف، حبيب بن أبي ثابت، مدلس، مشهور
بالتدليس، وقد عنعنه.
لكن له شاهد من حديث عبد الرحمن بن عوف قال: "سمعت عمار بن
ياسر بصفين في اليوم الذي قتل فيه وهو ينادي أزلفت الجنة
وَزُوِّجْتُ الحُوْرَ العِيْنَ، اليَوْمَ نَلْقَى
حَبِيْبَنَا مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم عهد إلي أن آخر
زادك من الدنيا صيح من لبن".
أخرجه الحاكم "3/ 389" من طريق حرملة بن يحيى، حدثنا عبد
الله بن وهب أخبرني إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جده سمعت
عمار بن ياسر بصفين....." فذكره.
قلت: إسناده حسن، حرملة بن يحيى، صدوق، وإبراهيم بن سعد،
هو ابن إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ
الزُّهْرِيُّ، أبو إسحاق المدني.
3 حسن: راجع تخريجنا السابق.
(3/257)
مُسلمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: حَدَّثَنَا
رَبِيْعَةُ بنُ كُلْثُوْمٍ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ:
كُنْتُ بِوَاسِطٍ فَجَاءَ أَبُو الغَادِيَةِ عَلَيْهِ
مُقَطَّعَاتٌ وَهُوَ طُوَالٌ فَلَمَّا قَعَدَ قَالَ:
كُنَّا نَعُدُّ عَمَّاراً مِنْ خِيَارِنَا فَإِنِّي لَفِي
مَسْجِدِ قُبَاءَ إِذْ هُوَ يَقُوْلُ -وَذَكَرَ كَلِمَةً:
لَوْ وَجَدْتُ عَلَيْهِ أَعْوَاناً لَوَطِئْتُهُ فَلَمَّا
كَانَ يَوْمُ صِفِّيْنَ أَقْبَلَ يَمْشِي أَوَّلَ
الكَتِيْبَةِ فَطَعَنَهُ رَجُلٌ فَانْكَشَفَ المِغْفَرُ
عَنْهُ فَأَضْرُبُهُ فَإِذَا رَأْسُ عَمَّارٍ قَالَ
يَقُوْلُ مَوْلَىً لَنَا لَمْ أَرَ أَبْيَنَ ضَلاَلَةً
مِنْهُ.
عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا كُلْثُوْمُ بنُ
جَبْرٍ، عَنْ أَبِي الغَادِيَةِ قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّاراً
يَقَعُ فِي عُثْمَانَ يَشْتِمُهُ فَتَوَعَّدْتُهُ
بِالقَتْلِ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ صِفِّيْنَ جَعَلَ
عَمَّارٌ يَحْمِلُ عَلَى النَّاسِ فَقِيْلَ هَذَا عَمَّارٌ
فَطَعَنْتُهُ فِي رُكْبَتِهِ فَوَقَعَ فَقَتَلْتُهُ
فَقِيْلَ: قُتِلَ عَمَّارٌ وَأُخْبِرَ عَمْرُو بنُ العَاصِ
فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "إِنَّ قاتله وسالبه في
النار" 1.
ليث بن أبي سليم، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ
عَمْرٍو مَرْفُوْعاً "قَاتِلُ عَمَّارٍ وَسَالِبُهُ فِي
النَّارِ" 2.
قَالَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ: عَنْ قَيْس أَوْ غَيْرِهِ
قَالَ عَمَّارٌ: ادْفِنُوْنِي فِي ثِيَابِي فَإِنِّي
رَجُلٌ مُخَاصِمٌ.
وَعَنْ عَاصِمِ بنِ ضَمْرَةَ: أَنَّ عَلِيّاً صَلَّى عَلَى
عَمَّارٍ، وَلَمْ يَغْسِلْهُ.
قَالَ أَبُو عَاصِمٍ: عَاشَ عَمَّارٌ ثَلاَثاً
وَتِسْعِيْنَ سَنَةً وَكَانَ لاَ يَرْكَبُ عَلَى سَرْجٍ
وَيَرْكَبُ رَاحِلَتَهُ.
عَبْدُ اللهِ بنُ طَاوُوْسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ
قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عَمَّارٌ دَخَلَ عَمْرُو بنُ حَزْمٍ
عَلَى عَمْرِو بنِ العَاصِ فَقَالَ: قُتِلَ عَمَّارٌ
وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ"
فَقَامَ عَمْرٌو فَزِعاً إِلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: مَا
شَأْنُكَ? قَالَ: قُتِلَ عمار. قال: قتل عمار،
__________
1 حسن: أخرجه أحمد "4/ 198"، وابن سعد "3/ 260-261" من
طريق عفان، قال: حدثنا حماد بن سلمة، به.
قلت: إسناده حسن، كلثوم بن جبر، هو البصري، صدوق يخطئ كما
قال الحافظ في "التقريب". وأبو الغادية الجهني، ويقال
المزني، له صحبة.
2 حسن: أورده الهيثمي في "المجمع" "9/ 297" وقال: "رواه
الطبراني، وقد صرح ليث بالتحديث، ورجاله من رجال الصحيح".
قلت: إذا كان ليث قد صرح بالتحديث كما قال الهيثمي، فإن
التدليس ينتفي، ولم يصبح علة الإسناد، وليث صدوق كما ذكر
الحافظ في "التقريب".
(3/258)
فَكَانَ مَاذَا? قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ:
"تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ" قَالَ: أَنَحْنُ
قَتَلْنَاهُ? وَإِنَّمَا قَتَلَهُ عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ
جَاؤُوا بِهِ حَتَّى أَلْقَوْهُ بَيْنَ رِمَاحِنَا أَوْ
قَالَ: بَيْنَ سُيُوْفِنَا.
قُلْتُ: كَانَتْ صِفِّيْنُ فِي صَفَرٍ وَبَعْضِ رَبِيْعٍ
الأَوَّلِ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ.
قَرَأْتُ عَلَى الحَافِظِ عَبْدِ المُؤْمِنِ بنِ خَلَفٍ:
أَخْبَرَكُم يَحْيَى بنُ أَبِي السُّعُوْدِ أَخْبَرَتْنَا
شُهْدَةُ، أَنْبَأَنَا ابْنُ طَلْحَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو
عُمَرَ الفَارِسِيُّ، حدثنا محمد بن أَحْمَدَ بنِ
يَعْقُوْبَ، حَدَّثَنَا جَدِّي، حَدَّثَنَا خَلَفُ بنُ
سَالِمٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بنُ جَرِيْرٍ، حَدَّثَنَا
جُوَيْرِيَةُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ
عَمِّهِ قَالَ: لَمَّا كَانَ اليَوْمُ الَّذِي أُصِيْبَ
فِيْهِ عَمَّارٌ إِذَا رَجُلٌ قَدْ بَرَزَ بَيْنَ
الصَّفَّيْنِ جَسِيْمٌ عَلَى فَرَسٍ جَسِيْمٍ ضَخْمٌ عَلَى
ضَخْمٍ يُنَادِي يَا عِبَادَ اللهِ بِصَوْتٍ مُوْجَعٍ
رُوْحُوا إِلَى الجَنَّةِ ثَلاَثَ مِرَارٍ الجَنَّةُ
تَحْتَ ظِلاَلِ الأَسْلِ فَثَارَ النَّاسُ فَإِذَا هُوَ
عَمَّارٌ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ قُتِلَ.
وَبِهِ، حَدَّثَنَا جَدِّي يَعْقُوْبُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ
بنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، عَنْ
أَبِي البَخْتَرِيِّ الطَّائِيِّ قَالَ: قَاوَلَ عَمَّارٌ
رَجُلاً فَاسْتَطَالَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ فَقَالَ
عَمَّارٌ: أَنَا إِذاً كَمَنْ لاَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ
الجُمُعَةِ فَعَادَ الرَّجُلُ فَاسْتَطَالَ عَلَيْهِ
فَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ: إِنْ كُنْتَ كَاذِباً فَأَكْثَرَ
اللهُ مَالَكَ وَوَلَدَكَ وَجَعَلَكَ يُوْطَأُ عَقِبُكَ.
وَبِهِ، حَدَّثَنَا جَدِّي، حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بنُ
جَرِيْرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،
عَنْ صِلَةَ بنِ زُفَرَ، عَنْ عَمَّارٍ أَنَّهُ قَالَ:
ثَلاَثَةٌ مَنْ كُنَّ فِيْهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ
الإِيْمَانَ أَوْ قَالَ: مِنْ كَمَالِ الإِيْمَانِ
الإِنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَارِ وَالإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ
وَبَذْلُ السلام للعالم1.
__________
1 علقه البخاري في كتاب "الايمان". باب إفشاء السلام من
الإسلام.
وقد وصله غير واحد. قال الحافظ في "الفتح" "1/ 82": قوله:
"قال عمار" هو ابن ياسر، أحد السابقين الأولين، وأثره هذا
أخرجه أحمد بن حنبل في كتاب "الإيمان" من طريق سفيان
الثوري، ورواه يعقوب بن شيبة في "مسنده" من طريق شعبة
وزهير بن معاوية وغيرهما كلهم عن أبي إسحاق السبيعي، عن
صلة بن زفر، عن عمار، ولفظ شعبة: "ثلاث من كن فيه فقد
استكمل الإيمان" وهو بالمعنى، وهكذا رويناه في جامع معمر
عن أبي إسحاق، وكذا حدث به عبد الرزاق في "مصنفه" عن
معمر"10/ 19439"، وحدث به عبد الرزاق بأخرة فَرَفَعَهُ
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
كَذَا أخرجه البزار في مسنده، وابن أبي حاتم في "العلل"
كلاهما عن الحسن بن عبد الله الكوفي، وكذا رواه البغوي في
"شرح السنة" من طريق أحمد بن كعب الواسطي، وكذا أخرجه ابن
الأعرابي في "معجمه" عن محمد بن الصباح الصنعاني ثلاثتهم
عن عبد الرزاق مرفوعا. واستغربه البزار وقال أبو زرعة: هو
خطأ. قلت: أي الحافظ في الفتح، وهو معلول من حيث صناعة
الإسناد؛ لأن عبد الرزاق تغير بأخرة، وسماع هؤلاء منه في
حال تغيره، إلا أن مثله لا يقال بالرأي فهو في حكم
المرفوع. وقد رويناه مرفوعا من وجه آخر عن عمار، أخرجه
الطبراني في "الكبير" وفي إسناده ضعف، وله شواهد أخرى
بينتها في "تغليق التعليق".
(3/259)
قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ،
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الفَتْحِ وَالفَتْحُ بنُ
عَبْدِ اللهِ قَالاَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ
الأُرْمَوِيُّ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ،
أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ عُمَرَ السُّكَّرِيُّ، حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى
بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُجَالِدٍ،
عَنْ بَيَانٍ، عَنْ وَبَرَةَ، عَنْ هَمَّامٍ قَالَ: قَالَ
عَمَّارٌ: رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا مَعَهُ إلَّا خَمْسَةُ أَعْبُدٍ
وَامْرَأَتَانِ وَأَبُو بَكْرٍ1.
أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ شَيْخٌ لَهُ
يُقَالُ: هُوَ ابْنُ حَمَّادٍ الآمِلِيُّ وَقِيْلَ: عَبْدُ
اللهِ بنُ أَبِي الخُوَارِزْمِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ
مَعِيْنٍ وَهُوَ فَرْدٌ غَرِيْبٌ مَا أَعْلَمُ رَوَاهُ،
عَنْ بَيَانِ بنِ بِشْرٍ سِوَى إِسْمَاعِيْلُ وَلَمْ
يُخْرِجْهُ سِوَى البُخَارِيُّ.
الأَعْمَشُ، وَغَيْرُهُ: عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: رَأَى
أَبُو مَيْسَرَةَ عَمْرَو بنَ شُرَحْبِيْلَ ذَا الكَلاَعِ
وَعَمَّاراً فِي قِبَابٍ بِيْضٍ بِفِنَاءِ الجَنَّةِ
فَقَالَ: أَلَمْ يَقْتُلْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً? قَالَ:
بَلَى وَلَكِنْ وَجَدْنَا اللهَ وَاسِعَ المَغْفِرَةِ آخر
الترجمة والحمد لله.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3660، 3857" من طريق إسماعيل بن
أبي مُجَالِدٍ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ وَبَرَةَ، عَنْ
هَمَّامٍ بن الحارث قال: قال عمار بن ياسر: فذكره.
(3/260)
90- أخبار
النجاشي 1:
وَاسْمُهُ أَصْحَمَةُ مَلِكُ الحَبَشَةِ مَعْدُوْدٌ فِي
الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- وَكَانَ مِمَّنْ
حَسُنَ إِسْلاَمُهُ وَلَمْ يُهَاجِرْ وَلاَ لَهُ رُؤْيَةٌ
فَهُوَ تَابِعِيٌّ مِنْ وَجْهٍ صَاحِبٌ مِنْ وَجْهٍ وَقَدْ
تُوُفِّيَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فصلى عليه بالناس صلاة الغائب2،
وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ صَلَّى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم- على غائب
__________
1 صحيح: فقد ورد عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ -رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم: "إن أخا لكم قد مات، فقوموا فصلوا عليه"،
يعني النجاشي أخرجه ابن أبي شيبة "3/ 362"، وأحمد "4/ 431،
433، 439، 446"، ومسلم "953"، والنسائي "4/ 57"، وابن ماجه
"1535"، والطبراني "18/ 460، 461"، والبيهقي "4/ 50" من
طريق أبي المهلب، عن عمران بن حصين، به.
وورد عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: "إن أخا لكم قد مات فقوموا
فصلوا"، قال: "فقمنا فصفنا صفين". أخرج أحمد "3/ 355"،
ومسلم "952" "66"، والنسائي "4/ 70" من طريق ايوب عن أبي
الزبير، عن جابر، به.
وورد عند مسلم "952" "65" عن جابر بن عبد الله مرفوعا
بلفظ: "مات اليوم عبد الله صالح أصحمة"، فقام فأمنا وصلى
عليه.
2 ترجمته في "الإصابة" "1/ ترجمة 473"، أصحمة بن أبحر
النجاشي، وفي الإصابة أيضا "3/ ترجمة 8852".
(3/260)
سِوَاهُ وَسَبَبُ ذَلِكَ: أَنَّهُ مَاتَ
بَيْنَ قَوْمٍ نَصَارَى وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَنْ
يُصَلِّي عَلَيْهِ لأَنَّ الصَّحَابَةَ الَّذِيْنَ كَانُوا
مُهَاجِرِيْنَ عِنْدَهُ خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ
مُهَاجِرِيْنَ إِلَى المَدِيْنَةِ عَامَ خَيْبَرَ.
ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثْتُ
عُرْوَةَ بنَ الزُّبَيْرِ بِحَدِيْثِ أَبِي بَكْرٍ بنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بِقِصَّةِ
النَّجَاشِيِّ وَقَوْلِهِ لِعَمْرِو بنِ العَاصِ:
فَوَاللهِ مَا أَخَذَ اللهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِيْنَ
رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي وَمَا أَطَاعَ النَّاسُ فِيَّ
فَأُطِيْعُ النَّاسَ فِيْهِ فَقَالَ عُرْوَةُ: أَتَدْرِي
مَا مَعْنَاهُ? قُلْتُ: لاَ قَالَ: إِنَّ عَائِشَةَ
حَدَّثَتْنِي أَنَّ أَبَاهُ كَانَ مَلِكَ قَوْمِهِ وَلَمْ
يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ إلَّا النَّجَاشِيُّ وَكَانَ
لِلنَّجَاشِيِّ عَمٌّ لَهُ مِنْ صُلْبِهِ اثْنَا عَشَرَ
رَجُلاً وَكَانُوا أَهْلَ بَيْتِ مَمْلَكَةِ الحَبَشَةِ
فَقَالَتِ الحَبَشَةُ بَيْنَهَا: لَوْ أَنَّا قَتَلْنَا
أَبَا النَّجَاشِيِّ وَمَلَّكْنَا أَخَاهُ فَإِنَّهُ لاَ
وَلَدَ لَهُ غَيْرَ هَذَا الغُلاَمِ وَإِنَّ لأَخِيْهِ
اثْنَيْ عَشْرَةَ وَلَداً فَتَوَارَثُوا مُلْكَهُ مِنْ
بَعْدِهِ فَبَقِيَتِ الحَبَشَةُ بَعْدَهُ دَهْراً.
فَعَدَوْا عَلَى أَبِي النَّجَاشِيِّ فَقَتَلُوْهُ
وَمَلَّكُوا أَخَاهُ فَمَكَثُوا عَلَى ذَلِكَ وَنَشَأَ
النَّجَاشِيُّ مَعَ عَمِّهِ وَكَانَ لَبِيْباً حَازِماً
مِنَ الرِّجَالِ فَغَلَبَ عَلَى أَمْرِ عَمِّهِ وَنَزَلَ
مِنْهُ بِكُلِّ مَنْزِلَةٍ فَلَمَّا رَأَتِ الحَبَشَةُ
مَكَانَهُ مِنْهُ قَالَتْ بَيْنهَا: وَاللهِ إِنَّا
لَنَتَخَوَّفُ أَنْ يَمْلِكَهُ وَلَئِنْ مَلَكَهُ
عَلَيْنَا لَيَقْتُلُنَا أَجْمَعِيْنَ لَقَدْ عَرَفَ
أَنَّا نحن قتلنا أباه فمشوا إلى عَمِّهِ فَقَالُوا لَهُ:
إِمَّا أَنْ تَقْتُلَ هَذَا الفَتَى وَإِمَّا أَنْ
تُخْرِجَهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا فَإِنَّا قَدْ خِفْنَا
عَلَى أَنْفُسِنَا مِنْهُ قَالَ: وَيْلَكُم! قَتَلْتُمْ
أَبَاهُ بِالأَمْسِ وَأَقْتُلُهُ اليَوْمَ بَلْ
أَخْرِجُوْهُ مِنْ بِلاَدِكُم فَخَرَجُوا بِهِ فَبَاعُوْهُ
مِنْ رجل تاجر بست مئة دِرْهَمٍ ثُمَّ قَذَفَهُ فِي
سَفِيْنَةٍ فَانْطَلَقَ بِهِ حَتَّى إِذَا المَسَاءُ مِنْ
ذَلِكَ اليَوْمِ هَاجَتْ سَحَابَةٌ مِنْ سَحَابِ
الخَرِيْفِ فَخَرَجَ عَمُّهُ يَسْتَمْطِرُ تَحْتَهَا
فَأَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ فَقَتَلَتْهُ.
فَفَزِعَتِ الحَبَشَةُ إِلَى وَلَدِهِ فَإِذَا هُمْ
حَمْقَى لَيْسَ فِي وَلَدِهِ خَيْرٌ فَمَرَجَ عَلَى
الحَبَشَةِ أَمْرُهُم فَلَمَّا ضَاقَ عَلَيْهِم مَا هُمْ
فِيْهِ مِنْ ذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُم لِبَعْضٍ:
تَعْلَمُوْنَ وَاللهِ أَنَّ مَلِكَكُمُ الَّذِي لاَ
يُقِيْمُ أَمْرَكُمْ غَيْرُهُ الَّذِي بِعْتُمُوْهُ
غُدْوَةً فَإِنْ كَانَ لَكُم بِأَمْرِ الحَبَشَةِ حَاجَةٌ
فَأَدْرِكُوْهُ قَالَ: فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ حَتَّى
أَدْرَكُوْهُ فَأَخَذُوْهُ من التاجر ثم جاءوا بِهِ
فَعَقَدُوا عَلَيْهِ التَّاجَ وَأَقْعَدُوْهُ عَلَى
سَرِيْرِ الملك وملكوه فجائهم التَّاجِرُ فَقَالَ: إِمَّا
أَنْ تُعْطُوْنِي مَالِي وَإِمَّا أَنْ أُكَلِّمَهُ فِي
ذَلِكَ فَقَالُوا لاَ نُعْطِيْكَ شَيْئاً قَالَ: إِذَنْ
وَاللهِ لأُكَلِّمَنَّهُ قَالُوا: فَدُوْنَكَ فَجَاءهُ
فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: أَيُّهَا المَلِكُ
ابْتَعْتُ غُلاَماً مِنْ قَوْمٍ بِالسُّوْقِ بِسِتِّ
مَائَةِ دِرْهَمٍ فَأَسْلَمُوْهُ إِلَيَّ وَأَخَذُوا
دَرَاهِمِي حَتَّى إِذَا سِرْتُ بِغُلاَمِي أَدْرَكُوْنِي
فَأَخَذُوا غُلاَمِي وَمَنَعُوْنِي دَرَاهِمِي فَقَالَ
لَهُمُ النَّجَاشِيُّ: لَتَعْطُنَّهُ دَرَاهِمَهُ أَوْ
لَيُسَلَّمَنَّ غُلاَمَهُ فِي يَدَيْهِ فَلَيَذْهَبَنَّ
بِهِ حَيْثُ يَشَاءُ قَالُوا: بَلْ نُعْطِيْهِ دَرَاهِمَهُ
قَالَتْ: فَلِذَلِكَ يَقُوْلُ: مَا أَخَذَ اللهُ مِنِّي
الرِّشْوَةَ حِيْنَ رَدَّ عليَّ مُلْكِي فَآخُذَ
الرِّشْوَةَ فِيْهِ. وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا خُبِرَ
مِنْ صَلاَبَتِهِ فِي دِيْنِهِ وَعَدْلِهِ فِي حُكْمِهِ
ثُمَّ قَالَتْ: لَمَّا مَاتَ النَّجَاشِيُّ كُنَّا
نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ لاَ يَزَالُ يُرَى عَلَى قَبْرِهِ
نُوْرٌ.
(3/261)
"المُسْنَدُ" لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ،
حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا
أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ،
عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ
بنِ هِشَامٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: لَمَّا
نَزَلْنَا أَرْضَ الحَبَشَةِ جَاوَرْنَا بِهَا خَيْرَ
جَارٍ النَّجَاشِيَّ أَمِنَّا عَلَى دِيْنِنَا وَعَبَدْنَا
اللهَ تَعَالَى لاَ نُؤْذَى وَلاَ نَسْمَعُ شَيْئاً
نَكْرُهُهُ فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشاً ائْتَمَرُوا
أَنْ يَبْعَثُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ فِيْنَا رَجُلَيْنِ
جَلْدَيْنِ وَأَنْ يُهْدُوا لِلنَّجَاشِيِّ هَدَايَا
مِمَّا يُسْتَطْرَفُ مِنْ مَتَاعِ مَكَّةَ وَكَانَ مِنْ
أَعْجَبِ مَا يَأْتِيْهِ مِنْهَا إِلَيْهِ الأَدَمُ
فَجَمَعُوا لَهُ أَدَماً كَثِيْراً وَلَمْ يَتْرُكُوا مِنْ
بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيْقاً إلَّا أَهْدُوا إِلَيْهِ
هَدِيَّةً ثُمَّ بَعَثُوا بِذَلِكَ عَبْدَ اللهِ بنَ أَبِي
رَبِيْعَةَ بنِ المُغِيْرَةِ المَخْزُوْمِيَّ وَعَمْرَو
بنَ العَاصِ السَّهْمِيَّ وَأَمَّرُوْهُمَا أَمْرَهُم
وَقَالُوا لَهُمَا: ادْفَعُوا إِلَى كُلِّ بِطْرِيْقٍ
هَدِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمُوا النَّجَاشِيَّ
فِيْهِم ثُمَّ قَدِّمُوا لَهُ هَدَايَاهُ ثُمَّ سَلُوْهُ
أَنْ يُسْلِمَهُم إِلَيْكُم قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهُم
قَالَتْ: فَخَرَجَا فَقَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ
وَنَحْنُ عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ عِنْدَ خَيْرِ جَارٍ
فَلَمْ يَبْقَ مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيْقٌ إلَّا
دَفَعَا إِلَيْهِ هَدِيَّتَهُ وَقَالاَ لَهُ إِنَّهُ قَدْ
ضَوَى إِلَى بَلَدِ المَلِكِ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ
فَارَقُوا دِيْنَ قَوْمِهِم وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي
دِيْنِكُم وجاءوا بِدِيْنٍ مُبْتَدَعٍ لاَ نَعْرِفُهُ
نَحْنُ وَلاَ أَنْتُم وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَى المَلِكِ
فِيْهِم أَشْرَافُ قَوْمِهِم لِيَرُدَّهُمْ إِلَيْهِم
فَإِذَا كَلَّمْنَا المَلِكَ فِيْهِم فَأَشِيْرُوا
عَلَيْهِ بِأَنْ يُسْلِمَهُم إِلَيْنَا وَلاَ
يُكَلِّمَهُمْ فَإِنَّ قَوْمَهُم أَعْلَى بِهِم عَيْناً
وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِم فَقَالُوا لَهُم:
نَعَمْ ثُمَّ إِنَّهُمَا قَرَّبَا هَدَايَا النَّجَاشِيِّ
فَقَبِلَهَا مِنْهُم ثُمَّ كَلَّمَاهُ فَقَالاَ لَهُ:
أَيُّهَا المَلِكُ إِنَّهُ ضَوَى إِلَى بَلَدِكَ مِنَّا
غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ فَارَقُوا دِيْنَ قَوْمِهِم وَلَمْ
يدخلوا في دينك وجاءوا بِدِيْنٍ مُبْتَدَعٍ لاَ نَعْرِفُهُ
نَحْنُ وَلاَ أَنْتَ وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَيْكَ أَشْرَافُ
قَوْمِهِم مِنْ آبَائِهِم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليه
فَهُمْ أَعْلَى بِهِم عَيْناً وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا
عَلَيْهِم فِيْهِ. قَالَتْ: وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ
إلى عبد الله وعمرو من أن تسمع النَّجَاشِيُّ كَلاَمَهُم
فَقَالَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ صَدَقُوا أَيُّهَا
المَلِكُ فَأَسْلِمْهُمْ إِلَيْهِمَا فَغَضِبَ
النَّجَاشِيُّ ثُمَّ قَالَ لاَ هَا اللهِ إِذاً لاَ
أُسْلِمُهُمْ إِلَيْهِمَا وَلاَ أُكَادُ1 قَوْماً
جَاوَرُوْنِي وَنَزَلُوا بِلاَدِي وَاخْتَارُوْنِي عَلَى
مَنْ سِوَايَ حَتَّى أَدْعُوَهُم فَأَسْأَلَهُم ثُمَّ
أَرْسَلَ إِلَى أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ فَدَعَاهُمْ
فَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُوْلُهُ اجْتَمَعُوا ثُمَّ قَالَ
بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا تَقُوْلُوْنَ لِلرَّجُلِ إِذَا
جِئْتُمُوْهُ? قَالُوا: نَقُوْلُ -وَاللهِ- مَا عَلِمْنَا
وَمَا أَمَرَنَا بِهِ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كَائِناً فِي ذَلِكَ ما كان فلما جاءوه وَقَدْ
دَعَا النَّجَاشِيُّ أَسَاقِفَتَهُ فَنَشَرُوا
مَصَاحِفَهُمْ حَوْلَهُ سَأَلَهُمْ فَقَالَ: مَا هَذَا
الدِّيْنُ الَّذِي فَارَقْتُمْ فِيْهِ قَوْمَكُم وَلَمْ
تَدْخُلُوا فِي دِيْنِي وَلاَ في دين أحد من هذه الأمم?
__________
1 لا أُكاد: أي لا يكيدني.
(3/262)
قَالَتْ: وَكَانَ الَّذِي يُكَلِّمُهُ
جَعْفَرُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا
المَلِكُ! إِنَّا كُنَّا قَوْماً أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ
نَعْبُدُ الأَصْنَامَ وَنَأْكُلُ المَيْتَةَ وَنَأْتِي
الفَوَاحِشَ وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ وَنُسِيْءُ الجِوَارَ
وَيَأْكُلُ القَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيْفَ فَكُنَّا عَلَى
ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللهُ إِلَيْنَا رَسُوْلاً مِنَّا
نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ
فَدَعَانَا إِلَى اللهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ
وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُوْنِهِ
مِنَ الحِجَارَةِ وَالأَوْثَانِ وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ
الحَدِيْثِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ
وَحُسْنِ الجِوَارِ وَالكَفِّ، عَنِ المَحَارِمِ
وَالدِّمَاءِ وَنَهَانَا، عَنِ الفَوَاحِشِ وَقَوْلِ
الزُّوْرِ وَأَكْلِ مَالِ اليَتِيْمِ وَقَذْفِ
المُحْصَنَةِ وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللهَ لاَ
نُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً وَأَمَرَنَا بِالصَّلاَةِ
وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ قَالَتْ: فَعَدَّدَ لَهُ
أُمُوْرَ الإِسْلاَمِ فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ
وَاتَّبَعْنَاهُ فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا
فَعَذَّبُوْنَا وَفَتَنُوْنَا، عَنْ دِيْنِنَا
لِيَرُدُّوْنَا إلى عبادة الأوثان وأن نستحيل ما كنا
نَسْتَحِلُّ مِنَ الخَبَائِثِ فَلَمَّا قَهَرُوْنَا
وَظَلَمُوْنَا وَشَقُّوا عَلَيْنَا وَحَالُوا بَيْنَنَا
وَبَيْنَ دِيْنِنَا خَرَجْنَا إِلَى بَلَدِكَ
وَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ وَرَغِبْنَا فِي
جِوَارِكَ وَرَجَوْنَا أَنْ لاَ نُظْلَمَ عِنْدَكَ
أَيُّهَا المَلِكُ.
قَالَتْ: فَقَالَ: هَلْ مَعَكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، عَنِ
اللهِ مِنْ شَيْءٍ? قَالَ نَعَمْ قَالَ فَاقْرَأْهُ
عَلَيَّ فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدْراً مِنْ {كهيعص} ، فبكى
والله النجاشي حتى أخضل لحيته وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ
حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُم حِيْنَ سَمِعُوا مَا
تُلِيَ عَلَيْهِم ثُمَّ قَالَ النَّجَاشِيُّ إِنَّ هَذَا
وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوْسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ
وَاحِدَةٍ انْطَلِقَا فَوَاللهِ لاَ أُسْلِمُهُم إِلَيْكُم
أَبَداً وَلاَ أُكَادُ.
فَلَمَّا خَرَجَا قَالَ عَمْرٌو: وَاللهِ لأُنَبِّئَنَّهُ
غَداً عَيْبَهُم ثُمَّ أَسْتَأْصِلُ خَضْرَاءهُم.
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي رَبِيْعَةَ وَكَانَ
أَتْقَى الرَّجُلَيْنِ فِيْنَا لاَ تَفْعَلْ فَإِنَّ لَهُم
أَرْحَاماً وَإِنْ كَانُوا قَدْ خَالَفُوْنَا قَالَ
وَاللهِ لأُخْبِرَنَّهُ أَنَّهُم يَزْعُمُوْنَ أَنَّ
عِيْسَى عَبْدٌ.
ثُمَّ غَدَا عَلَيْهِ فَقَالَ أَيُّهَا المَلِكُ! إِنَّهُم
يقولون في عيسى بن مَرْيَمَ قَوْلاً عَظِيْماً فَأَرْسِلْ
إِلَيْهِم فَسَلْهُمْ عَمَّا يَقُوْلُوْنَ فِيْهِ.
فَأَرْسَلَ يَسْأَلُهُم.
قَالَتْ: وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهَا، فَاجْتَمَعَ
القَوْمُ ثُمَّ قَالُوا: نَقُوْل وَاللهِ فِيْهِ مَا قَالَ
اللهُ تَعَالَى كَائِناً مَا كَانَ فَلَمَّا دَخَلُوا
عَلَيْهِ قَالَ لَهُم: مَا تَقُوْلُوْنَ فِي عِيْسَى?
فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: نَقُوْلُ فِيْهِ الَّذِي جَاءَ
بِهِ نَبِيُّنَا هُوَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُوْلُهُ
وَرُوْحُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ
العَذْرَاءِ البَتُوْلِ. فَضَرَبَ النَّجَاشِيُّ يَدَهُ
إِلَى الأَرْضِ فَأَخَذَ عُوْداً ثُمَّ قَالَ: مَا عَدَا
عِيْسَى مَا قُلْتَ هَذَا العُوْدَ فَتَنَاخَرَتِ
بَطَارِقَتُهُ حوله فَقَالَ وَإِنْ نَخَرْتُمْ وَاللهِ
اذْهَبُوا فَأَنْتُم سُيُوْمٌ بِأَرْضِي -وَالسُّيُوْمُ:
الآمِنُوْنَ- مَنْ سَبَّكُمْ غُرِّمَ ثُمَّ مَنْ سَبَّكُمْ
غُرِّمَ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي دَبْرَى ذَهَباً وَأَنِّي
آذَيْتُ رَجُلاً مِنْكُم - وَالدَّبْرُ بِلِسَانِهِم
الجَبَلُ - رُدُّوا عَلَيْهِمَا هَدَايَاهُمَا فَوَاللهِ
مَا أَخَذَ اللهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِيْنَ رَدَّ عليَّ
مُلْكِي فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيْهِ وَمَا أَطَاعَ
النَّاسُ فِيَّ فَأُطِيْعَهُم فِيْهِ. فَخَرَجَا
(3/263)
مَقْبُوْحَيْنِ، مَرْدُوْداً عَلَيْهِمَا
مَا جَاءا بِهِ وَأَقَمْنَا عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ مَعَ
خَيْرِ جَارٍ فَوَاللهِ إِنَّا عَلَى ذَلِكَ إِذْ نَزَلَ
بِهِ يَعْنِي مَنْ يُنَازِعُهُ فِي مُلْكِهِ فَوَاللهِ مَا
عَلِمْنَا حَرْباً قَطُّ كَانَ أَشَدَّ مِنْ حَرْبٍ
حَرِبْنَاهُ تَخُوُّفاً أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ عَلَى
النَّجَاشِيِّ فَيَأْتِي رَجُلٌ لاَ يَعْرِفُ مِنْ
حَقِّنَا مَا كَانَ النَّجَاشِيُّ يَعْرِفُ مِنْهُ وَسَارَ
النَّجَاشِيُّ وَبَيْنَهُمَا عَرْضُ النِّيْلِ. فَقَالَ
أَصْحَابُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ حَتَّى يَحْضُرَ وَقْعَةَ
القَوْمِ ثُمَّ يَأْتِيْنَا بِالخَبَرِ? فَقَالَ
الزُّبَيْرُ: أَنَا وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِ القَوْمِ
سِنّاً. فَنَفَخُوا لَهُ قِرْبَةً فَجَعَلَهَا فِي
صَدْرِهِ ثُمَّ سَبَحَ عَلَيْهَا حَتَّى خَرَجَ إِلَى
مَكَانِ المُلْتَقَى وَحَضَرَ فَدَعَوْنَا اللهَ
لِلنَّجَاشِيِّ بِالظُّهُوْرِ عَلَى عَدُوِّهِ
وَالتَّمْكِيْنِ لَهُ فِي بِلاَدِهِ وَاسْتَوْسَقَ لَهُ
أَمْرُ الحَبَشَةِ فَكُنَّا عِنْدَهُ فِي خَيْرِ مَنْزِلٍ
حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو بمكة1.
سليمان بن بِنْتِ شُرَحْبِيْلَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بنِ بَشِيْرٍ وعبد الملك بن هِشَامٍ، عَنْ زِيَادٍ
البِكَالِيِّ وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَيُّوْبَ،
عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ جَمِيْعاً، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ جَعْفَرِ
بنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ النَّجَاشِيَّ سَأَلَهُ مَا
دِيْنُكُم? قَالَ: بَعَثَ اللهُ فِيْنَا رَسُوْلاً
وَذَكَرَ بَعْضَ مَا تَقَدَّمَ.
تَفَرَّدَ بِوَصْلِهِ ابْنُ إِسْحَاقَ وَأَمَّا عُقَيْلٌ
وَيُوْنُسُ وَغَيْرُهُمَا فَأَرْسَلُوْهُ.
وَرَوَاهُ ابْنُ إِدْرِيْسَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ
فَقَالَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ وَعُرْوَةَ وَعُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أُمِّ
سَلَمَةَ.
وَيُرْوَى هَذَا الخَبَرُ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بنِ أَبِي
مُوْسَى، عَنْ أَبِيْهِ.
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ
أَبِيْهِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ شَابُوْرٍ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ عَطَاءٍ،
عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِطُوْلِهِ.
أَعْلَى بِهِم عَيْناً أَبْصَرَ بِهِم لاَهَا اللهِ قَسَمٌ
وَأَهْلُ العَرَبِيَّةِ يَقُوْلُوْنَ: لاَهَا اللهِ ذَا.
وَالهَاءُ بَدَلٌ مِنْ وَاوِ القَسَمِ أَيْ لاَ وَاللهِ
لاَ يَكُوْنَ ذَا وَقِيْلَ: بَلْ حُذِفَتْ وَاوُ القَسَمِ
وَفُصِلَتْ هَا مِنْ هَذَا فَتَوَسَّطَتِ الجَلاَلَةَ
وَنُصِبَتْ لأَجْلِ حَذْفِ وَاوِ القَسَمِ.
وَتَنَاخَرَتْ: فَالنَّخِيْرُ: صَوْتٌ مِنَ الأَنْفِ.
وَقِيْلَ: النَّخِيْرُ ضَرْبٌ مِنَ الكَلاَمِ وَجَاءَ فِي
رِوَايَةٍ مِنْ حزنٍ حَزِنَّاهُ.
__________
1 صحيح: أخرج أحمد "1/ 201-203" والبيهقي في "الدلائل" "2/
301-306".
(3/264)
وَقَوْلُهَا: حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِمَكَّةَ: عَنَتْ نَفْسَهَا وَزَوْجَهَا.
وَكَذَا قَدِمَ الزُّبَيْرُ، وَابْنُ مَسْعُوْدٍ،
وَطَائِفَةٌ مِنْ مُهَاجِرَةِ الحَبَشَةِ مَكَّةَ
وَمَلُّوا مِنْ سُكْنَى الحَبَشَةِ ثُمَّ قَدِمَ طَائِفَةٌ
عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لَمَّا عَرَفُوا بِأَنَّهُ هَاجَرَ إلى المَدِيْنَةِ ثُمَّ
قَدِمَ جَعْفَرٌ بِمَنْ بَقِيَ لَيَالِيَ خَيْبَرَ.
قَالَ أَبُو مُوْسَى الأَصْبَهَانِيُّ الحَافِظُ اسْمُ
النَّجَاشِيِّ أَصْحَمَةُ وَقِيْلَ: أَصْحَمُ بنُ بُجْرَى
كَانَ لَهُ وَلَدٌ يُسَمَّى أُرْمَى فَبَعَثَهُ إِلَى
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَمَاتَ فِي الطَّرِيْقِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ الَّذِي كَانَ رَفِيْقَ عَمْرِو بنِ
العَاصِ عُمَارَةُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ المُغِيْرَةِ
المَخْزُوْمِيُّ.
فَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ وَمُحَمَّدُ بنُ آدَمَ
المِصِّيْصِيُّ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بنُ عَمْرٍو،
حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ، عن الشعبي، عن عبد الله بن جعفر،
عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: بَعَثَتْ قُرَيْشٌ عَمْرَو بنَ
العَاصِ وَعُمَارَةَ بنَ الوَلِيْدِ بِهَدِيَّةٍ مِنْ
أَبِي سُفْيَانَ إِلَى النَّجَاشِيِّ فَقَالُوا لَهُ
وَنَحْنُ عِنْدَهُ قَدْ جَاءَ إِلَيْكَ نَاسٌ مِنْ
سَفِلَتِنَا وَسُفَهَائِنَا فَادْفَعْهُمْ إِلَيْنَا
قَالَ: لاَ حَتَّى أَسْمَعَ كَلاَمَهُمْ وَذَكَرَ نَحْوَهُ
إِلَى أَنْ قَالَ: فَأَمَرَ مُنَادِياً فَنَادَى مَنْ آذَى
أَحَداً مِنْهُم فَأَغْرِمُوْهُ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمٍ
ثُمَّ قَالَ: يَكْفِيْكُم? قُلْنَا: لاَ فَأَضْعَفَهَا
فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إِلَى المَدِيْنَةِ وَظَهَرَ بِهَا قُلْنَا
لَهُ: إِنَّ صَاحِبَنَا قَدْ خَرَجَ إِلَى المَدِيْنَةِ
وَهَاجَرَ وَقُتِلَ الَّذِي كُنَّا حَدَّثْنَاكَ عَنْهُمْ
وَقَدْ أَرَدْنَا الرَّحِيْلَ إِلَيْهِ فَزَوِّدْنَا
قَالَ: نَعَمْ فَحَمَّلَنَا وَزَوَّدَنَا وَأَعْطَانَا
ثُمَّ قَالَ: أَخْبِرْ صَاحِبَكَ بِمَا صَنَعْتُ إِلَيْكُم
وَهَذَا رَسُوْلِي مَعَكَ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لاَ
إِلَهَ إلَّا اللهَ وَأَنَّهُ رَسُوْلُ اللهِ فَقُلْ لَهُ
يَسْتَغْفِرْ لِي.
قَالَ جَعْفَرٌ: فَخَرَجْنَا حَتَّى أَتَيْنَا
المَدِيْنَةَ فَتَلَقَّانِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى الله
عليه وسلم- فاعتنقني فَقَالَ: "مَا أَدْرِي أَنَا بِفَتْحِ
خَيْبَرَ أَفْرَحُ أَوْ بِقُدُوْمِ جَعْفَرٍ" ثُمَّ جَلَسَ
فَقَامَ رَسُوْلُ النَّجَاشِيِّ فَقَالَ: هُوَ ذَا
جَعْفَرٌ فَسَلْهُ مَا صَنَعَ بِهِ صَاحِبُنَا فَقُلْتُ
نَعَمْ يَعْنِي ذَكَرْتُهُ له فقام رسول الله فَتَوَضَّأَ
ثُمَّ دَعَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ "اللَّهُمَّ اغْفِرْ
لِلنَّجَاشِيِّ" فَقَالَ المُسْلِمُوْنَ آمِيْن فَقُلْتُ
لِلرَّسُوْلِ انْطَلِقْ فَأَخْبِرْ صَاحِبَكَ مَا
رَأَيْتَ1.
ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ وَمُعَاذٌ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ
عُمَيْرِ بنِ إِسْحَاقَ أَنَّ جَعْفَراً قَالَ: يَا
رَسُوْلَ اللهِ ائْذَنْ لِي حَتَّى أَصِيْرَ إِلَى أَرْضٍ
أَعْبُدُ الله فيها. فأذن له، فأتى النجاشي. حدثنا عَمْرُو
بنُ العَاصِ قَالَ: لَمَّا رَأَيْتُ جَعْفَراً آمِناً
بِهَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ حَسَدْتُهُ فَأَتَيْتُ
النَّجَاشِيَّ فَقُلْتُ: إِنَّ بِأَرْضِكَ رَجُلاً ابْنُ
عَمِّهِ بِأَرْضِنَا يَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلنَّاسِ
إلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وإنك إن لم تقتله وأصحابه
__________
1 ضعيف: في إسناده مجالد، وهو ابن سعيد، ضعيف.
(3/265)
لاَ أَقْطَعُ إِلَيْكَ هَذِهِ النُّطْفَةَ
أَبَداً وَلاَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي قَالَ: اذْهَبْ
إِلَيْهِ فَادْعُهُ قُلْتُ: إِنَّهُ لاَ يَجِيْءُ مَعِي
فَأَرْسِلْ مَعِي رَسُوْلاً فَأَتَيْنَاهُ وَهُوَ بَيْنَ
ظِهْرِيِّ أَصْحَابِهِ يُحَدِّثُهُم قَالَ لَهُ: أَجِبْ
فَلَمَّا أَتَيْنَا البَابَ نَادَيْتُ ائْذَنْ لِعَمْرِو
بنِ العَاصِ وَنَادَى جَعْفَرٌ ائْذَنْ لِحِزْبِ اللهِ
فَسَمِعَ صَوْتَهُ فَأَذِنَ لَهُ قَبْلِي ... الحَدِيْثَ.
إِسْرَائِيْلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي
بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نَنْطَلِقَ مَعَ
جَعْفَرٍ إِلَى أَرْضِ النَّجَاشِيِّ فَبَلَغَ ذَلِكَ
قُرَيْشاً فَبَعَثُوا عَمْراً وَعُمَارَةَ بنَ الوَلِيْدِ
وَجَمَعُوا لِلنَّجَاشِيِّ هدية فقدما عليه وأتياه بالهدية
فَقَبِلَهَا وَسَجَدَا لَهُ ثُمَّ قَالَ عَمْرٌو: إِنَّ
نَاساً مِنْ أَرْضِنَا رَغِبُوا، عَنْ دِيْنِنَا وَهُمْ
فِي أَرْضِكَ قَالَ: فِي أَرْضِي? قَالَ: نَعَمْ.
فَبَعَثَ إِلَيْنَا فَقَالَ لَنَا جَعْفَر: لاَ
يَتَكَلَّمْ مِنْكُم أَحَدٌ أَنَا خَطِيْبُكُمُ اليَوْمَ
فَانْتَهَيْنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ وَهُوَ جَالِسٌ فِي
مَجْلِسٍ عَظِيْمٍ وَعَمْرٌو، عَنْ يَمِيْنِهِ
وَعُمَارَةُ، عَنْ يَسَارِهِ وَالقِسِّيْسُوْنَ
وَالرُّهْبَانُ جُلُوْسٌ سِمَاطَيْنِ وَقَدْ قَالَ لَهُ
عَمْرٌو إِنَّهُم لاَ يَسْجُدُوْنَ لَكَ فَلَمَّا
انْتَهَيْنَا بَدَرَنَا مَنْ عِنْدَهُ أَنِ اسْجُدُوا
قُلْنَا: لاَ نَسْجُدُ إلَّا لِلِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-
فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ قَالَ: مَا
مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ? قَالَ: لاَ نَسْجُدُ إلَّا
لِلِّهِ. قَالَ: وَمَا ذَاكَ? قَالَ: إِنَّ اللهَ بَعَثَ
فِيْنَا رَسُوْلاً وَهُوَ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِيْسَى
فَقَالَ: {يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:
6] فَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ
شَيْئاً وَنُقِيْمَ الصَّلاَةَ وَنُؤْتِيَ الزَّكَاةَ
وَأَمَرَنَا بِالمَعْرُوْفِ وَنَهَانَا، عَنِ المُنْكَرِ.
فَأَعْجَبَ النَّجَاشِيَّ قَوْلُهُ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ
عَمْرٌو، قَالَ: أَصْلَحَ اللهُ المَلِكَ إِنَّهُم
يُخَالِفُوْنَكَ فِي ابْنِ مَرْيَمَ.
فَقَالَ النَّجَاشِيُّ لِجَعْفَرٍ: مَا يَقُوْلُ
صَاحِبُكُم فِي ابْنِ مَرْيَمَ?
قَالَ: يَقُوْلُ فِيْهِ قَوْلَ اللهِ: هُوَ رُوْحُ اللهِ
وَكَلِمَتُهُ أَخْرَجَهُ مِنَ البَتُوْلِ العَذْرَاءِ
الَّتِي لَمْ يَقْرَبْهَا بَشَرٌ وَلَمْ يَفْرِضْهَا
وَلَدٌ.
فَتَنَاوَلَ عُوْداً، فَرَفَعَهُ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ
القِسِّيْسِيْنَ وَالرُّهْبَانِ! مَا يَزِيْدُ عَلَى مَا
تَقُوْلُوْنَ فِي ابْنِ مَرْيَمَ مَا تَزِنُ هَذِهِ.
مَرْحَباً بِكُمْ وَبِمَنْ جِئْتُم مِنْ عِنْدِهِ فَأَنَا
أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُوْلُ اللهِ وَأَنَّهُ الَّذِي
بَشَّرَ بِهِ عِيْسَى وَلَوْلاَ مَا أَنَا فِيْهِ مِنَ
المُلْكِ لأَتَيْتُهُ حَتَّى أُقَبِّلَ نَعْلَهُ امْكُثُوا
فِي أَرْضِي مَا شِئْتُم وَأَمَرَ لَنَا بِطَعَامٍ
وَكُسْوَةٍ وَقَالَ: رُدُّوا عَلَى هَذَيْنِ
هَدِيَّتَهُمَا.
وَكَانَ عَمْرٌو رَجُلاً قَصِيْراً، وَكَانَ عُمَارَةُ
رَجُلاً جَمِيْلاً وَكَانَا أَقْبَلاَ فِي البَحْرِ إِلَى
النَّجَاشِيِّ فَشَرِبَ مَعَ عَمْرٍو وَامْرَأَتِهِ
فَلَمَّا شَرِبُوا مِنَ الخَمْرِ قَالَ عُمَارَةُ
لِعَمْرٍو: مُرْ امْرَأَتَكَ فَلْتُقَبِّلْنِي. قَالَ:
إلَّا تَسْتَحْيِي? فَأَخَذَ عُمَارَةُ عَمْراً يَرْمِي
بِهِ فِي البَحْرِ فَجَعَلَ عَمْرٌو يناشده حتى
(3/266)
تَرَكَهُ. فَحَقَدَ عَلَيْهِ عَمْرٌو،
فَقَالَ لِلنَّجَاشِيِّ: إِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ خَلَفَكَ
عُمَارَةُ فِي أَهْلِكَ. فَدَعَا بِعُمَارَةَ، فَنَفَخَ
فِي إِحْلِيْلِهِ، فَطَارَ مَعَ الوَحْشِ.
وَعَنْ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ:
مَكَرَ عَمْرٌو بِعُمَارَةَ فَقَالَ: يَا عُمَارَةُ
إِنَّكَ رَجُلٌ جَمِيْلٌ فَاذْهَبْ إِلَى امْرَأَةِ
النَّجَاشِيِّ فَتَحَدَّثْ عِنْدَهَا إِذَا خَرَجَ
زَوْجُهَا فَإِنَّ ذَلِكَ عَوْنٌ لَنَا فِي حَاجَتِنَا
فَرَاسَلَهَا عُمَارَةُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا
فَانْطَلَقَ عَمْرٌو إِلَى النَّجَاشِيِّ فَقَالَ: إِنَّ
صَاحِبِي صَاحِبُ نِسَاءٍ وَإِنَّهُ يُرِيْدُ أَهْلَكَ
فَبَعَثَ النَّجَاشِيُّ إِلَى بَيْتِهِ فَإِذَا هُوَ
عِنْدَ أَهْلِهِ فَأَمَرَ بِهِ فَنُفِخَ فِي إِحْلِيْلِهِ
سَحَرَهُ ثُمَّ أَلْقَاهُ فِي جَزِيْرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ
البَحْرِ فَجُنَّ وَاسْتَوْحَشَ مَعَ الوَحْشِ.
ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة
قَالَتْ: لَمَّا مَاتَ النَّجَاشِيُّ كُنَّا نَتَحَدَّثُ
أَنَّهُ لاَ يَزَالُ يُرَى عَلَى قَبْرِهِ نُوْرٌ.
فَأَمَّا عُمَارَةُ فَإِنَّهُ بَقِيَ إِلَى خِلاَفَةِ
عُمَرَ مَعَ الوُحُوْشِ، فَدُلَّ عَلَيْهِ أَخُوْهُ
فَسَارَ إِلَيْهِ وَتَحَيَّنَ وَقْتَ وُرُوْدِهِ المَاءَ
فَلَمَّا رَأَى أَخَاهُ فَرَّ فَوَثَبَ وَأَمْسَكَهُ
فَبَقِيَ يَصِيْحُ أَرْسِلْنِي يَا أَخِي! فَلَمْ
يُرْسِلْهُ فَخَارَتْ قُوَّتُهُ مِنَ الخَوْفِ وَمَاتَ فِي
الحَالِ فَعِدَادُهُ فِي المَجَانِيْنَ الَّذِيْنَ
يُبْعَثُوْنَ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ ذَهَابِ
العَقْلِ فَيُبْعَثُ هَذَا المُعَثَّرُ عَلَى الكُفْرِ
وَالعَدَاوَةِ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- نَسْأَلُ اللهَ المَغْفِرَةَ.
وَحَدَّثَنِي جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ
قَالَ: اجْتَمَعَتِ الحَبَشَةُ فَقَالُوا لِلنَّجَاشِيِّ:
فَارَقْتَ دِيْنَنَا وَخَرَجُوا عَلَيْهِ فَأَرْسَلَ إِلَى
جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ فَهَيَّأَ لَهُم سُفُناً وَقَالَ:
ارْكَبُوا فَإِنْ هُزِمْتُ فَامْضُوا وَإِنْ ظَفِرْتُ
فَاثْبُتُوا ثُمَّ عَمَدَ إِلَى كِتَابٍ فَكَتَبَ فِيْهِ
هُوَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلَّا اللهَ وَأَنَّ
مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ وَيَشْهَدُ أَنَّ
عِيْسَى عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ وَرُوْحُهُ وَكَلِمَتُهُ
أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ثُمَّ جَعَلَهُ فِي قُبَائِهِ
وَخَرَجَ إِلَى الحَبَشَةِ وَصَفُّوا لَهُ فَقَالَ: يَا
مَعْشَرَ الحَبَشَةِ أَلَسْتُ أَحَقَّ النَّاسِ بِكُمْ?
قَالُوا: بَلَى قَالَ: فَكَيْفَ رَأَيْتُمْ سِيْرَتِي
فِيْكُم? قَالُوا: خَيْرَ سِيْرَةٍ قَالَ: فَمَا بَالُكُم?
قَالُوا: فَارَقْتَ دِيْنَنَا وَزَعَمْتَ أَنَّ عِيْسَى
عَبْدٌ، قَالَ: فَمَا تَقُوْلُوْنَ فِيْهِ قَالُوا: هُوَ
ابْنُ اللهِ فَقَالَ -وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ
عَلَى قُبَائِهِ: هُوَ يَشْهَدُ أَنَّ عِيْسَى لَمْ يَزِدْ
عَلَى هَذَا شَيْئاً وَإِنَّمَا عَنَى عَلَى مَا كَتَبَ
فَرَضُوا وَانْصَرَفُوا.
فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فلما مات النجاشي صلى عليه واستغفر لَهُ.
وَمِنْ مَحَاسِنِ النَّجَاشِيِّ: أَنَّ أُمَّ حَبِيْبَةَ
رَمْلَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ بنِ حَرْبٍ الأُمَوِيَّةَ
أُمَّ المُؤْمِنِيْنَ أَسْلَمَتْ مَعَ زَوْجِهَا عُبَيْدِ
اللهِ بنِ جَحْشٍ الأَسَدِيِّ قَدِيْماً فَهَاجَرَ بِهَا
زَوْجُهَا فَانْمَلَسَ بِهَا إِلَى أَرْضِ الحَبَشَةِ،
فَوَلَدَتْ لَهُ حَبِيْبَةَ رَبِيْبَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ إِنَّهُ أَدْرَكَهُ
الشَّقَاءُ فَأَعْجَبَهُ دِيْنُ النَّصْرَانِيَّةِ،
(3/267)
فَتَنَصَّرَ فَلَمْ يَنْشَبْ أَن مَاتَ
بِالحَبَشَةِ فَلَمَّا وَفَتِ العِدَّةَ بَعَثَ رَسُوْلُ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطِبُهَا
فَأَجَابَتْ فَنَهَضَ فِي ذَلِكَ النَّجَاشِيُّ وَشَهِدَ
زَوَاجَهَا بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَأَعْطَاهَا الصَّدَاقَ، عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ عنده أربع مئة
دِيْنَارٍ فَحَصَلَ لَهَا شَيْءٌ لَمْ يَحْصَلْ
لِغَيْرِهَا مِنْ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ ثُمَّ
جَهَّزَهَا النَّجَاشِيُّ.
وَكَانَ الَّذِي وَفَدَ عَلَى النَّجَاشِيِّ
بِخِطْبَتِهَا: عَمْرُو بنُ أمية الضمري فِيْمَا نَقَلَهُ
الوَاقِدِيُّ بِإِسْنَادٍ مُرْسَلٍ ثُمَّ قَالَ:
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ عَاصِمِ بنِ
عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بَكْرٍ
قَالاَ: كَانَ الَّذِي زَوَّجَهَا وَخَطَبَ إِلَيْهِ
النَّجَاشِيُّ خَالِدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ
الأُمَوِيُّ وَكَانَ عُمُرُهَا لَمَّا قَدِمَتِ
المَدِيْنَةَ بِضْعاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً.
مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُمِّ
حَبِيْبَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عُبَيْدِ اللهِ بنِ
جَحْشٍ وَكَانَ رَحَلَ إِلَى النَّجَاشِيِّ وَأَنَّ
رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
تَزَوَّجَهَا بالحبشة زَوَّجَهُ إِيَّاهَا النَّجَاشِيُّ
وَمَهَرَهَا أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ مِنْ عِنْدِهِ
وَبَعَثَ بِهَا مَعَ شُرَحْبِيْلَ بنِ حَسَنَةَ
وَجَهَازُهَا كُلُّهُ مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ1.
وَأَمَّا ابْنُ لَهِيْعَةَ: فَنَقَلَ عَنْ أَبِي
الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: أَنْكَحَهُ إِيَّاهَا
بِالحَبَشَةِ عُثْمَانُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَهَذَا
خَطَأٌ فَإِنَّ عُثْمَانَ كَانَ بِالمَدِيْنَةِ مَعَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ
يَغِبْ عَنْهُ إلَّا يَوْمَ بَدْرٍ أَمَرَهُ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُقِيْمَ
فَيُمَرِّضَ زَوْجَتَهُ بِنْتَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ،
أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ زُهَيْرٍ، عَنْ
إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَمْرِو بنِ سَعِيْدِ بنِ العَاصِ
قَالَ: قَالَتْ أُمُّ حَبِيْبَةَ: رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ
كَأَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بنَ جَحْشٍ بِأَسْوَأِ صُوْرَةٍ
وَأَشْوَهِهِ فَفَزِعْتُ فَإِذَا هُوَ يَقُوْلُ حِيْنَ
أَصْبَحَ: يَا أُمَّ حَبِيْبَةَ إِنِّي نَظَرْتُ فِي
الدِّيْنِ فَلَمْ أَرَ دِيْناً خَيْراً مِنَ
النَّصْرَانِيَّةِ وَكُنْتُ قَدْ دِنْتُ بِهَا ثُمَّ
دَخَلتُ فِي دِيْنِ مُحَمَّدٍ فَقَدْ رَجَعْتُ إِلَيْهَا
فَأَخْبَرَتْهُ بِالرُّؤْيَا فَلَمْ يَحْفَلْ بِهَا
وَأَكَبَّ عَلَى الخَمْرِ حَتَّى مَاتَ فَأَرَى فِي
النَّوْمِ كَأَنَّ آتِياً يَقُوْلُ لِي: يَا أُمَّ
المُؤْمِنِيْنَ! فَفَزِعْتُ فَأَوَّلْتُهَا أَنَّ رَسُوْلَ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَزَوَّجُنِي
فَمَا هُوَ إلَّا أَنْ انْقَضَتِ عِدَّتِي فَمَا شَعَرْتُ
إلَّا وَرَسُوْلُ النَّجَاشِيِّ عَلَى بَابِي
يَسْتَأْذِنُ! فَإِذَا جَارِيَةٌ لَهُ يُقَالُ لَهَا:
أبرهة كَانَت تَقُوْمُ عَلَى ثِيَابِهِ وَدُهْنِهِ
فَدَخَلَتْ عَلَيَّ فَقَالَتْ: إِنَّ المَلِكَ يَقُوْلُ
لَكِ: إِنَّ رَسُوْلَ الله كتب إلي أن أزوجكه فَقُلْتُ:
بَشَّرَكِ اللهُ بِخَيْرٍ، قَالَتْ: يَقُوْلُ المَلِكُ
وَكِّلِي مَنْ يُزَوِّجُكِ فَأَرْسَلَتْ إِلَى خَالِدِ بنِ
سعيد فوكلته وأعطت أبرهة سوارين من فضة وخواتيم كانت في
__________
1 صحيح: أخرجه أبو داود "2107".
(3/268)
أَصَابِعِ رِجْلَيْهَا، وَخَدَمَتَيْنِ
كَانَتَا فِي رِجْلَيْهَا فَلَمَّا كان العشي أَمَرَ
النَّجَاشِيُّ جَعْفَرَ بنَ أَبِي طَالِبٍ وَمَنْ هُنَاكَ
مِنَ المُسْلِمِيْنَ فَحَضَرُوا فَخَطَبَ النَّجَاشِيُّ
فَقَالَ: الحمد لِلِّهِ المَلِكِ القُدُّوْسِ السَّلاَمِ
أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً
عبده ورسوله وَأَنَّهُ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِيْسَى
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ خَطَبَ خَالِدُ
بنُ سَعِيْدٍ وَزَوَّجَهَا وَقَبَضَ أَرْبَعَ مَائَةِ
دِيْنَارٍ ثُمَّ دَعَا بِطَعَامٍ فَأَكَلُوا. قَالَتْ:
فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيَّ المَالُ عزلت خمسين دينارًا
لأبرهة فَأَبَتْ وَأَخْرَجَتْ حُقّاً فِيْهِ كُلُّ مَا
أَعْطَيْتُهَا فَرَدَّتْهُ، وَقَالَتْ: عَزَمَ عَلَيَّ
المَلِكُ أَنْ لاَ أَرْزَأَكِ شَيْئاً وَقَدْ أَسْلَمْتُ
لِلِّهِ وَحَاجَتِي إِلَيْكِ أَنْ تُقْرِئِي رَسُوْلَ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنِّي
السَّلاَمَ ثُمَّ جَاءتْنِي مِنْ عِنْدِ نساء الملك بعود
وعنبر وزباد كَثِيْرٍ1.
فَقِيْلَ: بَنَى بِهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَنَةَ سِتٍّ وَقَالَ خَلِيْفَةُ:
دَخَلَ بِهَا سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الهِجْرَةِ.
وَأَصْحَمَةُ بِالعَرَبِيِّ: عَطِيَّة وَلَمَّا تُوُفِّيَ
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لِلنَّاسِ: "إِنَّ أَخاً لَكُم قَدْ مَاتَ بِأَرْضِ
الحَبَشَةِ" فَخَرَجَ بِهِم إِلَى الصَّحْرَاءِ وَصَفَّهُم
صُفُوْفاً ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ2 فَنَقَلَ بَعْضُ
العُلَمَاءِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي شَهْرِ رجب سنة تسع من
الهجرة.
__________
1 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "8/ 97-98"، وآفته الواقدي، وهو
متروك.
2 صحيح: سبق تخريجنا له قريبا بتعليق رقم "595".
(3/269)
91- معاذ بن
جبل 1:
ابن عمرو بن أوس بن عَائِذِ بنِ عَدِيِّ بنِ كَعْبِ بنِ
عَمْرِو بن أدي بن سَعْدِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَسَدِ بنِ
سَارِدَةَ بنِ يَزِيْدَ بنِ جُشَمَ بنِ الخَزْرَجِ.
السَّيِّدُ الإِمَامُ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الأَنْصَارِيُّ الخَزْرَجِيُّ المَدَنِيُّ البَدْرِيُّ
شَهِدَ العَقَبَةَ شَابّاً أَمْرَدَ وَلَهُ عِدَّةُ
أَحَادِيْثَ.
رَوَى عَنْهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ
وَأَنَسٌ وَأَبُو أُمَامَةَ وَأَبُو ثَعْلَبَةَ
الخُشَنِيُّ وَمَالِكُ بنُ يَخَامِرَ وَأَبُو مُسلمٍ
الخَوْلاَنِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ غَنْمٍ
وَجُنَادَةُ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ وَأَبُو بَحْرِيَّةَ
عَبْدُ اللهِ بنُ قَيْسٍ وَيَزِيْدُ بنُ عُمَيْرَةَ
وَأَبُو الأَسْوَدِ الدِّيْلِيُّ وَكَثِيْرُ بن مرة وأبو
وائل،
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 583-590"، "7/ 387-389"،
وتاريخ البخاري الكبير "4/ 1/ 359-360"، والجرح والتعديل
"4/ ق1/ 244"، وحلية الأولياء "1/ 228"، وتهذيب التهذيب
"10/ 186-188"، وتقريب التهذيب "2/ 55"، والإصابة "3/
ترجمة 8037"، خلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7048".
(3/269)
وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَعَمْرُو بنُ
مَيْمُوْنٍ الأَوْدِيُّ وَالأَسْوَدُ بنُ هِلاَلٍ
وَمَسْرُوْقٌ وَأَبُو ظَبْيَةَ الكَلاَعِيُّ وآخرون.
روى أبو إسحاق السبعي، عَنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ، عَنْ
مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ قَالَ: كُنْتُ رَدِيْفَ رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى حِمَارٍ
يُقَالُ لَهُ: عُفَيْرٌ1.
قَالَ شَبَابٌ: أُمُّهُ هِيَ هِنْدُ بِنْتُ سَهْلٍ مِنْ
بَنِي رِفَاعَةَ ثُمَّ مِنْ جُهَيْنَةَ ولأمه ولد من الجد
ابن قَيْسٍ.
وَرَوَى الوَاقِدِيُّ، عَنْ رِجَالِهِ أَنَّ مُعَاذاً
شَهِدَ بَدْراً وَلَهُ عِشْرُوْنَ سَنَةً أَوْ إِحْدَى
وَعِشْرُوْنَ قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: شَهِدَ العَقَبَةَ فِي
روايتهم جميعًا مع السبعين.
وَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ سَعِيْدٍ: نَزَلَ حِمْصَ
وَكَانَ طَوِيْلاً حَسَناً جَمِيْلاً.
وَقَالَ الجَمَاعَةُ: كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ
إلَّا أَبَا أَحْمَدَ الحَاكِمَ فَقَالَ: كُنْيَتُهُ أَبُو
عَبْدِ اللهِ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المَدَائِنِيُّ: مُعَاذٌ لَمْ
يُوْلَدْ لَهُ قَطُّ طُوَالٌ حَسَنُ الثَّغْرِ عَظِيْمُ
العَيْنَيْنِ أَبْيَضُ جَعْدٌ قَطَطٌ.
وَأَمَّا ابْنُ سَعْدٍ فَقَالَ: لَهُ ابْنَانِ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ وَآخَرُ.
قَالَ عَطَاءٌ: أَسْلَمَ مُعَاذٌ وَلَهُ ثَمَانِ عَشْرَةَ
سَنَةً.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَمِنَ السَّبْعِيْنَ مِنْ بَنِي
جُشَمَ بنِ الخَزْرَجِ: مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ.
وَرَوَى قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَمَعَ القُرْآنَ
عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أربعة كلهم مِنَ الأَنْصَارِ أُبَيُّ بنُ
كَعْبٍ وَزَيْدٌ وَمُعَاذُ بنُ جَبَلٍ وَأَبُو زَيْدٍ
أَحَدُ عُمُوْمَتِي.
قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا
الأَعْمَشُ، عَنْ شقيق، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ عَبْدِ
اللهِ بنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خُذُوا القُرْآنَ مِنْ
أَرْبَعَةٍ: مِنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، وأُبي، وَمُعَاذِ بنِ
جَبَلٍ، وَسَالِمٍ مولى أبي حذيفة" 2.
تابعه إبراهيم النخعي، عن مسروق.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "2856".
2 صحيح على شرط الشيخين: أخرجه ابن أبي شيبة "10/ 518"،
وأحمد "2/ 163، 190، 191"، وفي "فضائل الصحابة" "1549"،
والبخاري "3760"، ومسلم "2464" "117"، والترمذي "3810"،
والطبراني في "الكبير" "8410-8412" من طرق عن الأعمش، به.
(3/270)
الثَّوْرِيُّ، عَنْ خَالِدٍ وَعَاصِمٍ،
عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوْعاً "أَرْحَمُ
أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ وَأَشَدُّهَا فِي دِيْنِ
اللهِ عُمَرُ وَأَصْدَقُهَا حَيَاءً عُثْمَانُ
وَأَعْلَمُهُم بِالحَلاَلِ وَالحَرَامِ مُعَاذٌ
وَأَفْرَضُهُم زَيْدٌ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِيْنٌ
وَأَمِيْنُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عبيدة" 1.
ورواه وهيب، عن خالد الحداء.
وَفِي "فَوَائِدِ سَمَّوَيْه": حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ
يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا سَلاَّمُ بنُ سُلَيْمَانَ،
حَدَّثَنَا زَيْدٌ العَمِّيُّ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيْقِ،
عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ أَعْلَمُ
النَّاسِ بِحَرَامِ اللهِ وَحَلاَلِهِ" 2 إِسْنَادُهُ
وَاهٍ.
رَوَى ضَمْرَةُ، عَنْ يَحْيَى السَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي
العَجْفَاءِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَوْ أَدْرَكْتُ
مُعَاذاً ثُمَّ وَلَّيْتُهُ ثُمَّ لَقِيْتُ رَبِّي
فَقَالَ: مَنِ اسْتَخْلَفْتَ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ?
لَقُلْتُ: سَمِعْتُ نَبِيَّكَ وَعَبْدَكَ يَقُوْلُ:
"يَأْتِي مُعَاذُ بن جبل بين يدي العلماء برتوة" 3.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ
قَالَ: قَالَ عُمَرُ: فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَذَكَرَ مَعَهُ
أَبَا عُبَيْدَةَ وَسَالِماً مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ.
وَرَوَى أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ
بنِ عُبَيْدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَجِيْءُ مُعَاذٌ
يَوْمَ القِيَامَةِ أَمَامَ العُلَمَاءِ بَيْنَ يَدَي
العُلَمَاءِ" 4. وَلَهُ إِسْنَادٌ آخر ضعيف.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "3/ 184"، وابن ماجه "155"، وأبو نعيم
في "الحلية" "3/ 122"، والبيهقي "6/ 210"، والبغوي "3930"
من طريق سفيان الثوري، عن خالد الحذاء، به.
2 صحيح لغيره: في إسناده زيد بن الحواري العمي، أبو
الحواري البصري.
قال أبو حاتم: ضعيف يكتب حديثه. وقال النسائي: ضعيف. لكن
الحديث يصح بما قبله.
3 حسن لغيره: أخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" "3/
418" من طريق يعقوب بن كعب، عن ضمرة بن ربيعة، به.
والرتوة: رمية سهم. وقيل: ميل. وقيل: مدى البصر.
وأخرجه ابن أبي شيبة "12/ 135"، ومن طريقه ابن أبي عاصم في
"الآحاد والمثاني" "3/ 419"، من طريق أبي معاوية، عن
الشيباني، عن محمد بن عبد الله الثقفي، قَالَ: قَالَ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "معاذ بين
يدي العلماء رتوة"، وأخرجه الطبراني في "الكبير" "20/ 41"،
وأبو نعيم في "الحلية" "1/ 229" من طريق عمارة بن غزية، عن
محمد بن عبد الله بن أزهر الأنصاري، عن محمد بن كعب القرظي
قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم: "معاذ بن جبل إمام العلماء برتوة".
4 حسن: راجع تخريجنا السابق. وهو عند ابن أبي شيبة "12/
135"، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" "3/ 419".
(3/271)
هِشَامٌ: عَنِ الحَسَنِ مَرْفُوْعاً
مُعَاذٌ لَهُ نَبْذَةٌ بَيْنَ يَدَي العُلَمَاءِ يَوْمَ
القِيَامَةِ".
تَابَعَهُ: ثَابِتٌ، عَنِ الحَسَنِ.
ابْنُ سَعْدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ،
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ:
لَمَّا فَتَحَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مَكَّةَ اسْتَخْلَفَ عَلَيْهَا عَتَّابَ بنَ
أَسِيْدٍ يُصَلِّي بِهِم وَخَلَّفَ مُعَاذاً يُقْرِئُهُم
وَيُفَقِّهُهُم1.
أَبُو أُسَامَةَ: عَنْ دَاوُدَ بنِ يَزِيْدَ، عَنِ
المُغِيْرَةِ بنِ شُبَيْلٍ، عَنْ قَيْسِ بنِ أَبِي
حَازِمٍ، عَنْ مُعَاذٍ بَعَثَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى اليَمَنِ فَلَمَّا
سِرْتُ أَرْسَلَ فِي إِثْرِي فَرُدِدْتُ فَقَالَ:
"أَتَدْرِي لِمَ بَعَثْتُ إِلَيْكَ? لاَ تُصِيْبَنَّ
شَيْئاً بِغَيْرِ عِلْمٍ فَإِنَّهُ غُلُوْلٌ {وَمَنْ
يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آلُ
عِمْرَانَ: 161] ، لَقَدْ أُذْعِرْتَ فَامْضِ لعملك"2.
رواه الروياني في "مسنده".
شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنِ
الحَارِثِ بنِ عَمْرٍو الثَّقَفِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَصْحَابُنَا، عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: لَمَّا بَعَثَنِي
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى
اليَمَنِ قَالَ لِي: "كَيْفَ تَقْضِي إِنْ عَرَضَ
قَضَاءٌ?" قَالَ: قُلْتُ: أَقْضِي بِمَا فِي كِتَابِ اللهِ
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَبِمَا قَضَى بِهِ رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "فَإِنْ لَمْ
يَكُنْ فِيْمَا قَضَى بِهِ الرَّسُوْلُ" قَالَ: أَجْتَهِدُ
رَأْيِي وَلاَ آلُوْ فَضَرَبَ صَدْرِي وَقَالَ: الحَمْدُ
للهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُوْلَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا يرضي رسول الله3.
__________
1 ضعيف جدا: فيه محمد بن عمر الواقدي، متروك مع إرساله.
2 ضعيف: أخرجه الترمذي "1335" حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ،
حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ داود بن يزيد الأودي،
به. وقال الترمذي: حديث غريب.
قلت: أي ضعيف، وهذا معروف في اصطلاح الترمذي، وقد نبهنا
على ذلك كثيرا في كتابنا "الأرائك المصنوعة في الأحاديث
الضعيفة والموضوعة"، وفي إسناد الحديث داود بن يزيد
الأودي، الكوفي، ضعفه أحمد، وابن معين، وأبو داود، وقال
النسائي: ليس بثقة.
3 منكر: أخرجه ابن أبي شيبة "7/ 239"، "10/ 177"، وأحمد
"5/ 236، 242"، وابن سعد "3/ 584"، والطيالسي "559"، وأبو
داود "3592، 3593"، والترمذي "1327، 1328"، والدارمي "1/
60"، والبيهقي "10/ 114"، والخطيب في "الفقيه والمتفقه"
"1/ 154-155، 188، 189"، من طرق عن شعبة، عن محمد بن عبيد
الله، أبي عون الثقفي، به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه علتان، الأولى: الحارث بن عمرو
الثقفي، مجهول، كما قال الحافظ في "التقريب".
الثانية: الحديث مرسل وليس بمتصل، قال البخاري في "تاريخه"
"1/ 1/ 275": "لا يصح، ولا يعرف إلا بهذا، مرسل"، أي أنه
عن أصحاب معاذ بن جبل، ليس فيه "عن معاذ".
وللحديث طرق لا تخلو من كذاب أو متهم.
(3/272)
أَبُو اليَمَانِ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بنُ
عَمْرٍو، عَنْ رَاشِدِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ عَاصِمِ بنِ
حُمَيْدٍ السَّكُوْنِيِّ أَنَّ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ لَمَّا
بَعَثَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إِلَى اليمن خَرَجَ يُوْصِيْهِ وَمُعَاذٌ رَاكِبٌ
وَرَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَمْشِي تَحْتَ رَاحِلَتِهِ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: "يَا
مُعَاذُ! إِنَّكَ عَسَى أَنْ لاَ تَلْقَانِي بَعْدَ عَامِي
هَذَا وَلَعَلَّكَ أَنْ تَمُرَّ بِمَسْجِدِي وَقَبْرِي".
فَبَكَى مُعَاذٌ جَشَعاً لِفِرَاقِ رَسُوْلِ اللهِ قَالَ:
" لاَ تَبْكِ يَا مُعَاذُ أَوْ إِنَّ البُكَاءَ مِنَ
الشَّيْطَانِ" 1.
قَالَ سَيْفُ بنُ عُمَرَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بنُ يُوْسُفَ،
عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ صَخْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِيْنَ وَدَّعَهُ
مُعَاذٌ قَالَ: "حَفِظَكَ اللهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْكَ
وَمِنْ خلفك ودرأ عَنْكَ شَرَّ الإِنْسِ وَالجِنِّ"
فَسَارَ فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "يُبْعَثُ لَهُ رَتْوَةٌ فَوْقَ العُلَمَاءِ"2.
وَقَالَ سَيْفٌ: حَدَّثَنَا جَابِرُ بنُ يَزِيْدَ
الجُعْفِيُّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوْسَى
بَعَثَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
خَامِسَ خَمْسَةٍ عَلَى أَصْنَافِ اليَمَنِ أَنَا
وَمُعَاذٌ وَخَالِدُ بنُ سَعِيْدٍ وَطَاهِرُ بنُ أَبِي
هَالَةَ وَعُكَّاشَةُ بنُ ثَوْرٍ وَأَمَرَنَا أَنْ
نُيَسِّرَ وَلاَ نُعَسِّرَ3.
شُعْبَةُ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ
أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي مُوْسَى أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا بَعَثَهُ وَمُعَاذاً
إِلَى اليَمَنِ قَالَ لَهُمَا: "يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا
وَتَطَاوَعَا وَلاَ تُنَفِّرَا" فَقَالَ لَهُ أَبُو
مُوْسَى: إِنَّ لَنَا بِأَرْضِنَا شَرَاباً يُصْنَعُ مِنَ
العَسَلِ يُقَالُ لَهُ: البِتْعُ وَمِنَ الشَّعِيْر
يُقَالُ لَهُ: المِزْرُ قَالَ: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ"
فَقَالَ لي معاذ: كيف تقرأ القرآن قلت: أقره فِي صَلاَتِي
وَعَلَى رَاحِلَتِي وَقَائِماً وَقَاعِداً أَتَفَوَّقُهُ
تَفَوُّقاً يَعْنِي شَيْئاً بَعْدَ شَيْءٍ قَالَ: فَقَالَ
مُعَاذٌ: لَكِنِّي أَنَامُ ثُمَّ أَقُوْمُ فَأَحْتَسِبُ
نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي قَالَ: وَكَأَنَّ
مُعَاذاً فُضِّلَ عَلَيْهِ4.
سَيْفٌ: حَدَّثَنَا جَابِرٌ الجُعْفِيُّ، عَنْ أُمِّ
جُهَيْشٍ خَالَتِهِ قَالَتْ: بَيْنَا نَحْنُ بِدَثِيْنَةَ
بَيْنَ الجَنَدِ وَعَدَنَ إِذْ قِيْلَ: هَذَا رَسُوْلُ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَوَافَيْنَا القَرْيَةَ فَإِذَا رَجُلٌ مُتَوَكِّئٌ عَلَى
رُمْحِهِ مُتَقَلِّدٌ السَّيْفَ متعلق حجفةً متنكب قوسًا
وجعبة فتكلم، وقال: إني رسول رسول
__________
1 حسن: أخرجه أحمد "5/ 235"، عاصم بن حميد السكوني، صدوق
كما قال الحافظ في "التقريب".
2 ضعيف: فيه سيف بن عمر الضبي الأسيدي، قال يحيى: ضعيف.
وقال أبو داود: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: متروك. وقال ابن
عدي: عامة حديثه منكر.
3 ضعيف: فيه سيف بن عمر الضبي، وقد علمت حاله في التعليق
السابق.
4 صحيح: أخرجه البخاري "4344، 4345"، ومسلم "1732".
(3/273)
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إِلَيْكُم اتَّقُوا اللهَ وَاعْمَلُوا فَإِنَّمَا هِيَ
الجَنَّةُ وَالنَّارُ خُلُوْدٌ فَلاَ مَوْتَ وَإِقَامَةٌ
فَلاَ ظَعْنَ كُلُّ امْرِئٍ عَمِلَ بِهِ عَامِلٌ
فَعَلَيْهِ وَلاَ لَهُ إلَّا مَا ابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ
اللهِ وَكُلُّ صَاحِبٍ اسْتَصْحَبَهُ أَحَدٌ خَاذِلُهُ
وَخَائِنُهُ إلَّا العَمَلَ الصَّالِحَ انْظُرُوا
لأَنْفُسِكُم وَاصْبِرُوا لَهَا بِكُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا
رَجُلٌ مُوْفَرُ الرَّأْسِ أَدْعَجُ أَبْيَضُ بَرَّاقٌ
وَضَّاحٌ1.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَامِلُهُ عَلَى الجَنَدِ
مُعَاذٌ.
وَرَوَى سُهَيْل، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"نعم الرَّجُلُ أَبُو بَكْرٍ نِعْمَ الرَّجُلُ عُمَرُ
نِعْمَ الرَّجُلُ مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ" 2.
وَرَوَى نَحْوَهُ: ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ
المُنْكَدِرِ مُرْسَلاً.
حَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ: عَنْ عُقْبَةَ بنِ مُسلمٍ، عَنْ
أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيِّ، عَنِ
الصُّنَابِحِيِّ، عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: لَقِيَنِي
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
"يَا مُعَاذُ! إِنِّي لأُحِبُّكَ فِي اللهِ" قُلْتُ:
وَأَنَا وَاللهِ يَا رَسُوْلَ اللهِ! أُحِبُّكَ فِي اللهِ
قَالَ: "أَفَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ تَقُوْلُهُنَّ
دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ: رَبِّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ
وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ" 3.
مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي
نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ أَنَّ معاذًا دخل
المَسْجِدَ وَرَسُوْلُ اللهِ سَاجِدٌ فَسَجَدَ مَعَهُ
فَلَمَّا سَلَّمَ قَضَى مُعَاذٌ مَا سَبَقَهُ فَقَالَ لَهُ
رَجُلٌ: كَيْفَ صَنَعْتَ? سَجَدْتَ وَلَمْ تَعْتَدَّ
بِالرَّكْعَةِ قَالَ: لَمْ أَكُنْ لأَرَى رَسُوْلَ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى حَالٍ إلَّا
أَحْبَبْتُ أَنْ أَكُوْنَ مَعَهُ فِيْهَا فَذُكِرَ ذَلِكَ
لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَسَرَّهُ وَقَالَ: "هَذِهِ سنة لكم"4.
__________
1 ضعيف: في إسناده ثلاث علل: الأولى: سيف بن عمرالضبي،
أجمعوا على ضعفه كما بينا في التعليقات السابقة. الثانية:
جابر الجعفي، ضعيف. الثالثة: أم جهيش لم أجد من ترجم لها.
2 صحيح: أخرجه أحمد "2/ 419"، والترمذي "3795"، والحاكم
"3/ 289، 425" من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن
سهيل، به، وأخرجه النسائي في "فضائل الصحابة" "126"،
والحاكم "3/ 233"، 268" من طريق عبد العزيز بن أبي حازم،
عن سهيل، به.
3 صحيح: أخرجه أحمد "5/ 244-245، 247"، وأبو داود "1522"،
والنسائي "3/ 53" وفي "عمل اليوم والليلة" له "109، 117"،
والحاكم "3/ 273-274"، والطبراني في "الكبير" "20/ 110" من
طرق عن حيوة بن شريح، به.
4 موضوع: في إسناده عطاء، وهو ابن عجلان الحنفي البصري،
قال ابن معين: ليس بشيء، كذاب وقال مرة: كان يوضع له
الحديث فيحدث به. وقال الفلاس: كذاب. وَقَالَ
البُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ
والنسائي: متروك.
(3/274)
ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنِ
الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَرَأَ عَبْدُ اللهِ إِنَّ مُعَاذاً
كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلِّهِ حَنِيْفاً فَقَالَ لَهُ
فَرْوَةُ بنُ نَوْفَلٍ: إِنَّ إِبْرَاهِيْمَ فَأَعَادَهَا
ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الأُمَّةَ مُعَلِّمُ الخَيْرِ
وَالقَانِتَ المُطِيْعُ وَإِنَّ مُعَاذاً -رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ- كَانَ كَذَلِكَ.
وَرَوَى: حَيَّانُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ نَحْوَهَا فَقِيْلَ
لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَسِيْتَهَا قَالَ:
لاَ وَلَكِنَّا كُنَّا نُشَبِّهُهُ بِإِبْرَاهِيْمَ
وَرَوَاهُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ مَنْصُوْرِ بنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، حَدَّثَنِي فَرْوَةُ بنُ
نَوْفَلٍ الأَشْجَعِيُّ بِنَحْوِهِ وَرَوَاهُ فِرَاسٌ
وَمُجَالِدٌ وَغَيْرُهُمَا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ
مَسْرُوْقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ وَرَوَاهُ عَبْدُ المَلِكِ
بنُ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ قَالَ: بَيْنَمَا
عَبْدُ اللهِ يُحَدِّثُهُم إِذْ قَالَ إِنَّ مُعَاذاً
كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلِّهِ حَنِيْفاً وَلَمْ يَكُ
مِنَ المُشْرِكِيْنَ.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ سَهْلِ بنِ أَبِي حَثْمَةَ، عَنْ
أبيه قال: كان الذين يفتون عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثَةٌ مِنَ
المُهَاجِرِيْنَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَثَلاَثَةٌ
مِنَ الأَنْصَارِ أُبي بنُ كَعْبٍ وَمُعَاذٌ وَزَيْدٌ.
وَعَنْ نِيَارٍ الأَسْلَمِيِّ أَنَّ عُمَرَ كَانَ
يَسْتَشِيْرُ هَؤُلاَءِ فَذَكَرَ مِنْهُم مُعَاذاً.
وَرَوَى مُوْسَى بنُ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِيْهِ
قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ النَّاسَ بِالجَابِيَةِ فَقَالَ:
مَنْ أَرَادَ الفِقْهَ فَلْيَأْتِ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ.
وَرَوَى الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ:
حَدَّثَنِي أَشْيَاخٌ مِنَّا أَنَّ رَجُلاً غَابَ، عَنِ
امْرَأَتِهِ سَنَتَيْنِ فَجَاءَ وَهِيَ حُبْلَى فَأَتَى
عُمَرَ فَهَمَّ بِرَجْمِهَا فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ إِنْ
يَكُ لَكَ عَلَيْهَا سَبِيْلٌ فَلَيْسَ لَكَ عَلَى مَا فِي
بَطْنِهَا سَبِيْلٌ فَتَرَكَهَا فَوَضَعَتْ غُلاَماً بَانَ
أَنَّهُ يُشْبِهُ أَبَاهُ قَدْ خَرَجَتْ ثَنِيَّتَاهُ
فَقَالَ الرَّجُلُ: هَذَا ابْنِي فَقَالَ عُمَرُ: عَجِزَتِ
النِّسَاءُ أَنْ يَلِدْنَ مِثْلَ مُعَاذٍ لَوْلاَ مُعَاذٌ
لَهَلَكَ عُمَرُ.
الوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنَا أَيُّوْبُ بنُ النُّعْمَانِ بنِ
عَبْدِ اللهِ بنِ كَعْبِ بنِ مالك، عن أبيه، عن جده قَالَ:
كَانَ عُمَرُ يَقُوْلُ حِيْنَ خَرَجَ مُعَاذٌ إِلَى
الشَّامِ لَقَدْ أَخَلَّ خُرُوْجُهُ بِالمَدِيْنَةِ
وَأَهْلِهَا فِي الفِقْهِ وَفِيْمَا كَانَ يُفْتِيْهِم
بِهِ وَلَقَدْ كُنْتُ كَلَّمْتُ أَبَا بَكْرٍ أَنْ
يَحْبِسَهُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهِ فَأَبَى عَلَيَّ
وَقَالَ: رَجُلٌ أَرَادَ وَجْهاً يَعْنِي الشَّهَادَةَ
فَلاَ أَحْبِسُهُ.
قُلْتُ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيُرْزَقُ الشَّهَادَةَ وَهُوَ
عَلَى فِرَاشِهِ.
الأَعْمَشُ: عَنْ شِمْرِ بنِ عَطِيَّةَ، عَنْ شَهْرِ بنِ
حوشب قال: كان أصحاب مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إِذَا تَحَدَّثُوا وَفِيْهِم مُعَاذٌ نَظَرُوا
إِلَيْهِ هَيْبَةً لَهُ.
(3/275)
جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ: حَدَّثَنَا
حَبِيْبُ بنُ أَبِي مَرْزُوْقٍ، عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي
رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ الخَوْلاَنِيِّ قَالَ:
دَخَلْتُ مَسْجِدَ حِمْصَ فَإِذَا فِيْهِ نَحْوٌ مِنْ
ثَلاَثِيْنَ كَهْلاً مِنَ الصَّحَابَةِ فَإِذَا فِيْهِم
شَابٌّ أَكْحَلُ العَيْنَيْنِ بَرَّاقُ الثَّنَايَا
سَاكِتٌ فَإِذَا امْتَرَى القَوْمُ أَقْبَلُوا عَلَيْهِ
فَسَألُوْهُ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا? قِيْلَ: مُعَاذُ بنُ
جَبَلٍ فَوَقَعَتْ مَحَبَّتُهُ فِي قَلْبِي.
مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
كَعْبٍ قَالَ: كَانَ مُعَاذٌ شَابّاً جَمِيْلاً سَمْحاً
مِنْ خَيْرِ شَبَابِ قَوْمِهِ لاَ يُسْأَلُ شَيْئاً إلَّا
أَعْطَاهُ حَتَّى كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَغْلَقَ مَالَهُ
كُلَّهُ فَسَأَلَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنْ يُكَلِّمَ لَهُ غُرَمَاءهُ فَفَعَلَ
فَلَمْ يَضَعُوا لَهُ شَيْئاً فَلَوْ تَرَكَ أَحَدٌ
لِكَلاَمِ أَحَدٍ لَتُرِكَ لِمُعَاذٍ لِكَلاَمِ رَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَعَاهُ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ
يَبْرَحْ حَتَّى بَاعَ مَالَهُ وَقَسَمَهُ بَيْنَهُم
فَقَامَ مُعَاذٌ وَلاَ مَالَ لَهُ ثُمَّ بَعَثَهُ عَلَى
اليَمَنِ لِيَجْبُرَهُ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ تَجَرَ فِي
هَذَا المَالِ فَقَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ
عُمَرُ: هَلْ لَكَ يَا مُعَاذُ أَنْ تُطِيْعَنِي? تَدْفَعُ
هَذَا المَالَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَإِنْ أَعْطَاكَهُ
فَاقْبَلْهُ فَقَالَ: لاَ أَدْفَعُهُ إِلَيْهِ وَإِنَّمَا
بَعَثَنِي نَبِيُّ اللهِ لِيَجْبُرَنِي فَانْطَلَقَ عُمَرُ
إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: خُذْ مِنْهُ وَدَعْ لَهُ
قَالَ: مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ وَإِنَّمَا بَعَثَهُ رَسُوْلُ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَجْبُرَهُ
فَلَمَّا أَصْبَحَ مُعَاذٌ انْطَلَقَ إِلَى عُمَرَ
فَقَالَ: مَا أَرَانِي إلَّا فَاعِلَ الَّذِي قُلْتَ
لَقَدْ رَأَيْتُنِي البَارِحَةَ أَظُنُّهُ قَالَ أُجَرُّ
إِلَى النَّارِ وَأَنْتَ آخِذٌ بِحُجْزَتِي فَانْطَلَقَ
إِلَى أَبِي بَكْرٍ بِكُلِّ مَا جَاءَ بِهِ حَتَّى جاءه
بسوطه قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ لَكَ لاَ آخُذُ مِنْهُ
شَيْئاً وَفِي لَفْظٍ قَدْ وَهَبْتُهُ لَكَ، فَقَالَ
عُمَرُ: هَذَا حِيْنَ حَلَّ وَطَابَ وَخَرَجَ مُعَاذٌ
عِنْدَ ذَلِكَ إِلَى الشَّامِ.
وَرَوَاهُ الذُّهْلِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ
مَعْمَرٍ فَقَالَ بَدَلَ أُجَرُّ إِلَى النَّارِ كَأَنِّي
فِي مَاءٍ قَدْ خَشِيْتُ الغَرَقَ فَخَلَّصْتَنِي.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ النُّعْمَانِ، عَنْ
مُعَاذِ بنِ رِفَاعَةَ، عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ
قَالَ: كَانَ مُعَاذٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهاً
وَأَحْسَنِهِ خُلُقاً وَأَسْمَحِهِ كَفّاً فَادَّانَ
فَلَزِمَهُ غُرَمَاؤُهُ حَتَّى تَغَيَّبَ أَيَّاماً ...
وَذَكَرَ الحَدِيْثَ وَقَالَ فِيْهِ: فَقَدِمَ
بِغِلْمَانَ.
الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيْقٍ قَدِمَ مُعَاذٌ مِنَ اليَمَنِ
بِرَقِيْقٍ فَلَقِيَ عُمَرَ بِمَكَّةَ فَقَالَ: مَا
هَؤُلاَءِ? قَالَ: أُهْدُوا لِي، قَالَ: ادْفَعْهُمْ إِلَى
أَبِي بَكْرٍ فَأَبَى فَبَاتَ فَرَأَى كَأَنَّهُ يُجَرُّ
إِلَى النَّارِ وَأَنَّ عمر يجذبه فلما أصبح قال: يابن
الخَطَّابِ مَا أَرَانِي إلَّا مُطِيْعُكَ إِلَى أَنْ
قَالَ: فَدَفَعَهُمْ أَبُو بَكْرٍ إِلَيْهِ ثُمَّ أَصْبَحَ
فَرَآهُمْ يُصَلُّوْنَ، قَالَ: لِمَنْ تُصَلُّوْنَ?
قَالُوا: لِلِّهِ، قَالَ: فَأَنْتُم لِلِّهِ.
ابْنُ جُرَيْجٍ: أَنْبَأَنَا ابْنُ أَبِي الأَبْيَضِ، عَنْ
أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ: أَنَّ
عُمَرَ بَعَثَ مُعَاذاً سَاعِياً عَلَى بَنِي كِلاَبٍ أَوْ
غَيْرِهِم فَقَسَمَ فِيْهِم فَيْئَهُم حَتَّى لَمْ يَدَعْ
شَيْئاً حَتَّى جَاءَ بحلسه
(3/276)
الذي خرج به على رقبته. وَعَنْ نَافِعٍ
قَالَ كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ وَمُعَاذٍ
انْظُرُوا رِجَالاً صَالِحِيْنَ فَاسْتَعْمِلُوْهُم عَلَى
القَضَاءِ وَارْزُقُوْهُم.
رَوَى أَيُّوْبُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، وَغَيْرِهِ: أَنَّ
فُلاَناً مَرَّ بِهِ أَصْحَابُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَوْصُوْنِي فَجَعَلُوا
يُوْصُوْنَهُ وَكَانَ مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ فِي آخِرِ
القَوْمِ فَقَالَ: أَوْصِنِي يَرْحَمْكَ اللهُ قَالَ: قَدْ
أَوْصَوْكَ فَلَمْ يَأْلُوا وَإِنِّي سَأَجْمَعُ لَكَ
أَمْرَكَ اعْلَمْ أَنَّهُ لاَ غِنَى بِكَ، عَنْ نَصِيْبِكَ
مِنَ الدُّنْيَا وَأَنْتَ إِلَى نَصِيْبِكَ إِلَى
الآخِرَةِ أَفْقَرُ فَابْدَأْ بِنَصِيْبِكَ مِنَ الآخِرَةِ
فَإِنَّهُ سَيَمُرُّ بِكَ عَلَى نَصِيْبِكَ مِنَ
الدُّنْيَا فَيَنْتَظِمَهُ ثُمَّ يَزُوْلُ مَعَكَ
أَيْنَمَا زِلْتَ.
رَوَى حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ
الصَّامِتِ، عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: مَا بَزَقْتُ عَلَى
يَمِيْنِي مُنْذُ أَسْلَمْتُ.
قَالَ أَيُّوْبُ بنُ سَيَّارٍ: عَنْ يَعْقُوْبَ بنِ
زَيْدٍ، عَنْ أَبِي بَحْرِيَّةَ قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ
حِمْصَ فَإِذَا بِفَتَىً حَوْلُهُ النَّاسُ جَعْدٌ قَطَطٌ
إِذَا تَكَلَّم كَأَنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ فِيْهِ نُوْرٌ
وَلُؤْلُؤٌ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا? قَالُوا: مُعَاذُ بنُ
جَبَلٍ.
حَرِيْزُ بنُ عُثْمَانَ: عَنِ المَشْيَخَةِ، عَنْ أَبِي
بَحْرِيَّةَ، عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ
عَمَلاً أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ مِنْ ذِكْرِ
اللهِ قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَلاَ
الجِهَادُ فِي سَبِيْلِ اللهِ? قَالَ: وَلاَ إلَّا أَنْ
يَضْرِبَ بِسَيْفِهِ حَتَّى ينقطع لأن الله تَعَالَى
يَقُوْلُ فِي كِتَابِهِ: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَر}
[العَنْكَبُوْتُ: 45] .
نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُطَرِّفٍ، حَدَّثَنَا أَبُو
حَازِمٍ، عن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع، عَنْ مَالِكِ
الدَّارِ أَنَّ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَخَذَ
أَرْبَعَ مَائَةِ دِيْنَارٍ فَقَالَ لِغُلاَمٍ: اذْهَبْ
بِهَا إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ ثُمَّ تَلَهَّ سَاعَةً فِي
البَيْتِ حَتَّى تَنْظُرَ مَا يَصْنَعُ قَالَ: فَذَهَبَ
بِهَا الغُلاَمُ فَقَالَ: يَقُوْلُ لَكَ أَمِيْرُ
المُؤْمِنِيْنَ خُذْ هَذِهِ فَقَالَ: وَصَلَهُ اللهُ
وَرَحِمَهُ ثُمَّ قَالَ: تَعَالَيْ يَا جَارِيَةُ اذْهَبِي
بِهَذِهِ السَّبْعَةِ إِلَى فُلاَنٍ وَبِهَذِهِ الخَمْسَةِ
إِلَى فُلاَنٍ حَتَّى أَنْفَذَهَا فَرَجَعَ الغُلاَمُ
إِلَى عُمَرَ وَأَخْبَرَهُ فَوَجَدَهُ قَدْ أَعَدَّ
مِثْلَهَا لِمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ فَأَرْسَلَهُ بِهَا
إِلَيْهِ فَقَالَ مُعَاذٌ: وَصَلَهُ اللهُ يَا جَارِيَةُ
اذْهَبِي إِلَى بَيْتِ فُلاَنٍ بِكَذَا وَلِبَيْتِ فُلاَنٍ
بِكَذَا فَاطَّلَعَتْ امْرَأَةُ مُعَاذٍ فَقَالَتْ:
وَنَحْنُ وَالله مَسَاكِيْنُ فَأَعْطِنَا وَلَمْ يَبْقَ
فِي الخِرْقَةِ إلَّا دِيْنَارَانِ فَدَحَا بِهِمَا
إِلَيْهَا وَرَجَعَ الغُلاَمُ فَأَخْبَرَ عُمَرَ فَسُرَّ
بِذَلِكَ وَقَالَ: إِنَّهُم إِخْوَةٌ بَعْضُهُمْ مِنْ
بَعْضٍ.
قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ أَبِي بَكْرٍ، أَخْبَرَكَ
يُوْسُفُ الحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ
اللَّبَّانُ، أَخْبَرَنَا
(3/277)
أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا
أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ،
حَدَّثَنَا ابن قتيبة وَأَنْبَأَنَا أَبُو المَعَالِي
الغَرَّافِيُّ، أَنْبَأَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ،
أَنْبَأَنَا الأُرْمَوِيُّ وَابْنُ الدَّايَةِ
وَالطَّرَائِفِيُّ قَالُوا: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ
أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ محمد قالا: حدثنا
يزيد بن موهب، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عَقِيْلٍ، عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ أَبَا إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيَّ
أَخْبَرَهُ أَنَّ يَزِيْدَ بنَ عُمَيْرَةَ وَكَانَ مِنْ
أَصْحَابِ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ قَالَ كَانَ لاَ يَجْلِسُ
مَجْلِساً إلَّا قَالَ: اللهُ حَكَمٌ قِسْطٌ تَبَارَكَ
اسْمُهُ هَلَكَ المُرْتَابُوْنَ ... فَذَكَرَ الحَدِيْثَ
وَفِيْهِ فَقُلْتُ لِمُعَاذٍ: مَا يُدْرِيْنِي أَنَّ
الحَكِيْمَ يَقُوْلُ كَلِمَةَ الضَّلاَلَةِ? قَالَ: بَلَى
اجْتَنِبْ مِنْ كَلاَمِ الحَكِيْمِ المُشْتَهَرَاتِ
الَّتِي يُقَالُ: مَا هَذِهِ وَلاَ يَثْنِيْكَ ذَلِكَ
عَنْهُ فَإِنَّهُ لَعَلَّهُ يَرْجِعُ وَيَتَّبِعُ الحَقَّ
إِذَا سَمِعَهُ فَإِنَّ عَلَى الحَقِّ نُوْراً.
اللَّفْظُ لابْنِ قُتَيْبَةَ.
سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ: عَنْ مُوْسَى بنِ عُبَيْدَةَ،
عَنْ أَيُّوْبَ بنِ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ
رَافِعٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ
لَمَّا أُصِيْبَ اسْتَخْلَفَ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ يَعْنِي
فِي طَاعُوْنِ عَمَوَاس اشْتَدَّ الوَجَعُ فَصَرَخَ
النَّاسُ إِلَى مُعَاذٍ ادْعُ اللهَ أَنْ يَرْفَعَ عَنَّا
هَذَا الرِّجْزَ قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِرِجْزٍ وَلَكِنْ
دَعْوَةُ نَبِيِّكُم وَمَوْتُ الصَّالِحِيْنَ قَبْلَكُم
وَشَهَادَةٌ يَخُصُّ اللهُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْكُم
أَيُّهَا النَّاسُ أَرْبَعُ خِلاَلٍ مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ
لاَ تُدْرِكَهُ قَالُوا: مَا هِيَ? قَالَ: يَأْتِي زَمَانٌ
يَظْهَرُ فِيْهِ البَاطِلُ وَيَأْتِي زَمَانٌ يَقُوْلُ
الرَّجُلُ: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَنَا لاَ يَعِيْشُ
عَلَى بَصِيْرَةٍ وَلاَ يَمُوْتُ عَلَى بَصِيْرَةٍ.
أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ فِي "مُسْنَدِهِ"، حَدَّثَنَا أَبُو
أَحْمَدَ الزبيري،حدثنا مسرة بن مَعْبَدٍ، عَنْ
إِسْمَاعِيْلَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ مُعَاذُ
بنُ جَبَلٍ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "سَتُهَاجِرُوْنَ إِلَى
الشَّامِ فَيُفْتَحُ لَكُم وَيَكُوْنُ فِيْهِ دَاءٌ
كَالدُّمَّلِ أَوْ كَالوَخْزَةِ يَأْخُذُ بِمَرَاقِّ
الرَّجُلِ فَيَشْهَدُ أَوْ فَيَسْتَشْهِدُ اللهُ بِكُمْ
أَنْفُسَكُم وَيُزَكِّي بِهَا أَعْمَالَكُم" اللَّهُمَّ
إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ مُعَاذاً سَمِعَهُ مِنْ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَأَعْطِهِ هُوَ وَأَهْلَ بَيْتِهِ الحَظَّ الأَوْفَرَ
مِنْهُ فَأَصَابَهُمُ الطَّاعُوْنُ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُم
أَحَدٌ فَطُعِنَ فِي أُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ فَكَانَ
يَقُوْلُ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهَا حُمُرَ
النَّعَمِ.
هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ وَمَطَرٌ، عَنْ شَهْرٍ،
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ غَنْمٍ قَالَ: وَقَعَ
الطَّاعُوْنُ بِالشَّامِ فَخَطَبَ النَّاسَ عَمْرُو بنُ
العَاصِ فَقَالَ: هَذَا الطَّاعُوْنُ رِجْزٌ فَفِرُّوا
مِنْهُ فِي الأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ فَبَلَغَ ذَلِكَ
شُرَحْبِيْلَ بنَ حَسَنَةَ فَغَضِبَ وَجَاءَ يَجُرُّ
ثَوْبَهُ وَنَعْلاَهُ فِي يَدِهِ فَقَالَ: صَحِبْتُ
رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَلَكِنَّهُ رَحْمَةُ رَبِّكُم وَدَعْوَةُ نَبِيِّكُم
وَوَفَاةُ الصَّالِحِيْنَ قَبْلَكُم فَبَلَغَ ذَلِكَ
مُعَاذاً فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ نَصِيْبَ آلِ
مُعَاذٍ الأَوْفَرَ فَمَاتَتْ ابْنَتَاهُ فَدَفَنَهُمَا
فِي قَبْرٍ واحد،
(3/278)
وَطُعِنَ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
فَقَالَ يَعْنِي لاِبْنِهِ لَمَّا سَأَلَهُ كَيْفَ
تَجِدُكَ? قَالَ: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ
مِنَ الْمُمْتَرِين} [آلُ عِمْرَانَ: 60] ، قَالَ:
{سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِين}
[الصَّافَّاتُ: 102] ، قَالَ: وَطُعِنَ مُعَاذٌ فِي
كَفِّهِ فَجَعَلَ يُقَلِّبُهَا وَيَقُوْلُ: هِيَ أَحَبُّ
إِلَيَّ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ فَإِذَا سُرِّيَ عَنْهُ
قَالَ: رَبِّ! غُمَّ غَمَّكَ فَإِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي
أُحِبُّكَ.
وَرَأَى رَجُلاً يَبْكِي قَالَ: مَا يُبْكِيْكَ? قَالَ:
مَا أَبْكِي عَلَى دُنْيَا كُنْتُ أَصَبْتُهَا مِنْكَ
وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَى العِلْمِ الَّذِي كُنْتُ
أُصِيْبُهُ مِنْكَ قَالَ ولا تبكه فإن إِبْرَاهِيْمَ
صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ كَانَ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ
بِهَا عِلْمٌ فَآتَاهُ اللهُ عِلْماً فَإِنْ أَنَا مِتُّ
فَاطْلُبِ العِلْمَ عِنْدَ أَرْبَعَةٍ عَبْدِ اللهِ بنِ
مَسْعُوْدٍ وَسَلْمَانَ الفَارِسِيِّ وَعَبْدِ اللهِ بنِ
سَلاَمٍ وَعُوَيْمِرٍ أَبِي الدَّرْدَاءِ.
ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ
قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- اسْتَخْلَفَ مُعَاذاً عَلَى مَكَّةَ حِيْنَ
خَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُمُ
القُرْآنَ وَالدِّيْنَ.
أَبُو قَحْذَمٍ النَّضْرُ بنُ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِي
قِلاَبَةَ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَرَّ عُمَرُ
بِمُعَاذٍ وَهُوَ يَبْكِي فَقَالَ: مَا يُبْكِيْكَ? قَالَ:
حَدِيْثٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "إِنَّ أَدْنَى الرِّيَاءِ
شِرْكٌ وَأَحَبُّ العَبِيْدِ إِلَى اللهِ الأَتْقِيَاءُ
الأَخْفِيَاءُ الَّذِيْنَ إِذَا غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا
وَإِذَا شَهِدُوا لَمْ يُعْرَفُوا أُوْلَئِكَ مَصَابِيْحُ
العِلْمِ وَأَئِمَّةُ الهُدَى"1.
أَخْرَجَهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَخُوْلِفَ، فَإِنَّ
النَّسَائِيَّ قَالَ: أَبُو قَحْذَمٍ لَيْسَ بِثِقَةٍ.
يُوْسُفُ بن مُسلمٍ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بنُ تميم، حدثنا
الأوزاعي، عن عبادة بن نُسَيٍّ، عَنِ ابْنِ غَنْمٍ قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ وَعُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ
يَقُوْلاَنِ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ أَعْلَمُ
الأَوَّلِيْنَ وَالآخِرِيْنَ بَعْد النَّبِيِّيْنَ
وَالمُرْسَلِيْنَ وَإِنَّ اللهَ يُبَاهِي بِهِ
المَلاَئِكَةَ".
قَدْ أَخْرَجَهُ الحَاكِمُ "فِي صَحِيْحِهِ" فَأَخْطَأَ
وَعُبَيْدٌ لاَ يُعْرَفُ فَلَعَلَّهُ افْتَعَلَهُ.
الأَعْمَشُ: عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، عَنِ الحَارِثِ بنِ
عُمَيْرَةَ قَالَ: إِنِّي لَجَالِسٌ عِنْدَ مُعَاذٍ وَهُوَ
يَمُوْتُ وَهُوَ يُغْمَى عَلَيْهِ وَيُفِيْقُ فَقَالَ:
اخْنُقْ خَنْقَكَ فَوَعِزَّتِكَ إِنِّي لأُحِبُّكَ.
قَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ:
هو أمام العلماء رتوة.
__________
1 ضعيف: أخرجه الحاكم "3/ 270" من طريق أبي قَحْذَمٍ
النَّضْرُ بنُ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، به.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد!! ورده الذهبي في "التلخيص"
بقوله: "قلت: أبو قحذم، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُكْتَبُ
حَدِيْثُهُ. وَقَالَ النسائي: ليس بثقة".
قلت: هو كما قال، فالإسناد ضعيف.
(3/279)
هلك بن ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَقِيْلَ:
ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ.
هُشَيْمٌ: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيْدِ
بنِ المُسَيِّبِ قال: قبض معاذ وهو بن ثَلاَثٍ أَوْ
أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً.
المَدَائِنِيُّ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ الغُدَانِيِّ، عَنْ
ثَوْرٍ، عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ
بنَ قُرْطٍ قَالَ: حَضَرْتُ وَفَاةَ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ
فَقَالَ: روحوني ألقى الله مثل سن عيسى بن مريم بن ثلاث أو
أربع وثلاثين سنة.
قُلْتُ: يَعْنِي عِنْدَمَا رُفِعَ عِيْسَى إِلَى
السَّمَاءِ قَالَ ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ: تُوُفِّيَ
مُعَاذٌ بِقُصَيْرِ خَالِدٍ مِنَ الأُرْدُنِّ قَالَ:
يَزِيْدُ بنُ عُبَيْدَةَ تُوُفِّيَ مُعَاذٌ سَنَةَ سَبْعَ
عَشْرَةَ وَقَالَ المَدَائِنِيُّ وَجَمَاعَةٌ: سَنَةَ
سَبْعٍ أَوْ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ
وَالفَلاَّسُ: سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَقَالَ أَبُو
عُمَرَ الضَّرِيْرُ: وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ
سَنَةً وَكَذَا قَالَ الوَاقِدِيُّ فِي سِنِّهِ وَقَالَ:
تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
(3/280)
92- عبد الله
بن مسعود 1 "ع":
عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ غَافِلِ بنِ حبيب بن
شَمْخِ بنِ فَارِ بنِ مَخْزُوْمِ بنِ صَاهِلَةَ بنِ
كَاهِلِ بنِ الحَارِثِ بنِ تَمِيْمِ بنِ سَعْدِ بنِ
هُذَيْلِ بنِ مُدْرَكَةَ بنِ إِلْيَاسِ بنِ مُضَرَ بنِ
نِزَارٍ.
الإِمَامُ الحَبْرُ فَقِيْهُ الأُمَّةِ أَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الهُذَلِيُّ المَكِّيُّ المُهَاجِرِيُّ
البَدْرِيُّ حَلِيْفُ بَنِي زُهْرَةَ.
كَانَ مِنَ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ وَمِنَ
النُّجَبَاءِ العَالِمِيْنَ شَهِدَ بَدْراً وَهَاجَرَ
الهِجْرَتَيْنِ وَكَانَ يَوْمَ اليَرْمُوْكِ عَلَى
النَّفْلِ وَمَنَاقِبُهُ غَزِيْرَةٌ رَوَى عِلْماً
كَثِيْراً.
حَدَّثَ عَنْهُ أَبُو مُوْسَى، وَأَبُو هُرَيْرَةَ،
وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَعِمْرَانُ بنُ حُصَيْنٍ
وَجَابِرٌ وَأَنَسٌ وَأَبُو أُمَامَةَ في طائفة من الصحابة
وعلقمة والأسود ومسروق وعبيدة وأبو وائلة وَقَيْسُ بنُ
أَبِي حَازِمٍ وَزِرُّ بنُ حُبَيْشٍ والربيع بن خثيم وطارق
بن
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "2/ 342-344" "3/ 150-161"، "6/
13-14"، وتاريخ البخاري الكبير "3/ ق1/ 2"، وتاريخه الصغير
"1/ 60، 72، 73"، والجرح والتعديل "2/ ق2/ 149"، تاريخ
بغداد "1/ 147-150"، والإصابة "2/ ترجمة 4954"، وتذكرة
الحفاظ "1/ 13"، وتهذيب التهذيب "6/ 27-28"، والتقريب "1/
450"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3814"، وشذرات الذهب "1/
32-63".
(3/280)
شِهَابٍ وَزَيْدُ بنُ وَهْبٍ وَوَلَدَاهُ
أَبُو عُبَيْدَةَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَبُو الأَحْوَصِ
عَوْفُ بنُ مَالِكٍ وَأَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ
وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَرَوَى عَنْهُ القِرَاءةَ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ
السُّلَمِيُّ وَعُبَيْدُ بنُ نُضَيْلَةَ وَطَائِفَةٌ.
اتَّفَقَا لَهُ فِي "الصَّحِيْحَيْنِ" عَلَى أَرْبَعَةٍ
وَسِتِّيْنَ وَانْفَرَدَ لَهُ البُخَارِيُّ بِإِخْرَاجِ
أَحَدٍ وَعِشْرِيْنَ حَدِيْثاً.
وَمُسْلِمٌ بِإِخْرَاجِ خَمْسَةٍ وَثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً
وله عند بقي بالمكرر ثماني مئة وَأَرْبَعُوْنَ حَدِيْثاً.
قَالَ قَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ: رَأَيْتُهُ آدَمَ
خَفِيْفَ اللَّحْمِ وَعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ
اللهِ بنِ عُتْبَةَ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ رَجُلاً
نَحِيْفاً قَصِيْراً شَدِيْدَ الأُدْمَةِ وَكَانَ لاَ
يُغَيِّرُ شَيْبَهُ.
وَرَوَى الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ قَالَ: كَانَ
عَبْدُ اللهِ لَطِيْفاً فَطِناً.
قُلْتُ: كَانَ مَعْدُوْداً فِي أَذْكِيَاءِ العُلَمَاءِ.
وَعَنِ ابن المسيب، قال: رأيت بن مَسْعُوْدٍ عَظِيْمَ
البَطْنِ أَحْمَشَ السَّاقَيْنِ.
قُلْتُ: رَآهُ سَعِيْدٌ لَمَّا قَدِمَ المَدِيْنَةَ عَامَ
تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَكَانَ
يُعْرَفُ أَيْضاً بِأُمِّهِ فَيُقَالُ لَهُ: ابْنُ أُمِّ
عَبْدٍ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: أُمُّهُ هِيَ أُمُّ عَبْدٍ
بِنْتُ عَبْدِ وُدٍّ بنِ سُوَيٍّ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ:
كَنَّانِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَبَا عَبْدِ الرحمن قَبْلَ أَنْ يُوْلَدَ لِي.
وَرَوَى المَسْعُوْدِيُّ1، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ مِيْنَا،
عَنْ نُوَيْفِعٍ مَوْلَى ابْنِ مَسْعُوْدٍ قَالَ: كَانَ
عَبْدُ اللهِ مِنْ أَجْوَدِ النَّاسِ ثَوْباً أَبْيَضَ
وَأَطْيَبَ النَّاسِ رِيْحاً.
يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: حَدَّثَنِي بِشْرُ بنُ
مِهْرَانَ، حَدَّثَنَا شريك، عن عثمان بن المغيرة، عن زيد
بنِ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: إِنَّ أَوَّلَ
شَيْءٍ عَلِمْتُهُ مِنْ أَمْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدِمْتُ مَكَّةَ مَعَ
عُمُوْمَةٍ لِي أَوْ أُنَاسٍ مِنْ قَوْمِي نَبْتَاعُ
مِنْهَا مَتَاعاً وَكَانَ فِي بُغْيَتِنَا شِرَاءُ عِطْرٍ
فَأَرْشَدُوْنَا عَلَى العَبَّاسِ فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِ
وَهُوَ جَالِسٌ إِلَى زَمْزَمَ فَجَلَسْنَا إِلَيْهِ
فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ
بَابِ الصَّفَا أَبْيَضُ تَعْلُوْهُ حُمْرَةٌ لَهُ
وَفْرَةٌ جَعْدَةٌ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ أَشَمُّ
أَقْنَى أَذْلَفُ أَدْعَجُ العَيْنَيْنِ بَرَّاقُ
الثَّنَايَا دَقِيْقُ المَسْرُبَةِ شَثْنُ الكَفَّيْنِ
وَالقَدَمَيْنِ كَثُّ اللحية عليه ثوبان
__________
1 ضعيف: لاختلاط المسعودي.
(3/281)
أَبْيَضَانِ، كَأَنَّهُ القَمَرُ لَيْلَةَ
البَدْرِ يَمْشِي عَلَى يَمِيْنِهِ غُلاَمٌ حَسَنُ
الوَجْهِ، مُرَاهِقٌ، أَوْ مُحْتَلِمٌ، تَقْفُوْهُمُ
امْرَأَةٌ قَدْ سَتَرَتْ مَحَاسِنَهَا حَتَّى قَصَدَ
نَحْوَ الحَجَرِ فَاسْتَلَمَ ثُمَّ اسْتَلَمَ الغُلاَمُ
وَاسْتَلَمَتِ المَرْأَةُ ثُمَّ طَافَ بِالبَيْتِ سَبْعاً
وَهُمَا يَطُوْفَانِ مَعَهُ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الرُّكْنَ
فَرَفَعَ يَدَهُ وَكَبَّرَ وَقَامَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ
سَجَدَ ثُمَّ قَامَ فَرَأَيْنَا شَيْئاً أَنْكَرْنَاهُ
لَمْ نَكُنْ نَعْرِفُهُ بِمَكَّةَ فَأَقْبَلْنَا عَلَى
العَبَّاسِ فَقُلْنَا: يَا أَبَا الفَضْلِ إِنَّ هَذَا
الدِّيْنَ حَدَثٌ فِيْكُم أَوْ أَمْرٌ لَمْ نَكُنْ
نَعْرِفُهُ قَالَ: أَجَلْ وَاللهِ مَا تَعْرِفُوْنَ هَذَا
هَذَا ابْنُ أَخِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ وَالغُلاَمُ
عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ وَالمَرْأَةُ خَدِيْجَةُ بِنْتُ
خُوَيْلدٍ امْرَأَتُهُ أَمَا وَاللهِ مَا عَلَى وَجْهِ
الأَرْضِ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ يَعْبُدُ الله بهذا الدين
إلَّا هؤلاء الثلاثة1.
قَالَ ابْنُ شَيْبَةَ: لاَ نَعْلَمُ رَوَى هَذَا إلَّا
بِشْرٌ الخَصَّافُ وَهُوَ رَجُلٌ صَالِحٌ.
مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ مَعْنٍ
المَسْعُوْدِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ
القَاسِمِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ:
قَالَ عَبْدُ اللهِ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي سَادِسَ سِتَّةٍ
وَمَا عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ مُسْلِمٌ غَيْرُنَا.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَسْلَمَ بن مَسْعُوْدٍ بَعْدَ
اثْنَيْنِ وَعِشْرِيْنَ نَفْساً وَعَنْ يَزِيْدَ بنِ
رُوْمَانَ قَالَ: أَسْلَمَ عَبْدُ اللهِ قَبْلَ دُخُوْلِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَارَ
الأَرْقَمِ2.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ
عَبْدِ السَّلاَمِ إِجَازَةً، عَنْ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ
كُلَيْبٍ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ بَيَانَ، أَنْبَأَنَا
مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ
مُحَمَّدٍ "ح" وَقَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ
وَعَبْدِ الحَافِظِ بنِ بَدْرَانَ أَخْبَرَكُمَا أَبُو
البَرَكَاتِ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا
مُحَمَّدُ بنُ الخَلِيْلِ بنِ فَارِسٍ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ
وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مَائَةٍ وَأَنَا فِي الخَامِسَةِ
"ح" وَأَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ وَعُمَرُ بنُ
عَبْدِ المُنْعِمِ وَعَبْدُ المُنْعِمِ بنُ عَسَاكِرَ
وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ الجَلاَلِ وَابْنُ مُؤْمِنٍ قَالُوا:
أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ القَاضِي،
أَنْبَأَنَا حَمْزَةُ بنُ عَلِيٍّ الثَّعْلَبِيُّ "ح"
وَأَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ
وَأَحْمَدُ بنُ عبد الرحمن قَالاَ: أَنْبَأَنَا أَبُو
القَاسِمِ بنُ صَصْرَى، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ
الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ الأَسَدِيُّ وَأَبُو يَعْلَى بنُ
الحُبُوْبِيِّ "ح" وَأَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ أحمد
__________
1 ضعيف: فيه شريك، وهو ابن عبد الله النخعي، ضعيف لسوء
حفظه.
2 ضعيف: يزيد بن رومان من الطبقة الخامسة، فالحديث معضل،
سقط من إسناده راويان. راجع تدريب الراوي "ص177"، ط / دار
الحديث بتحقيقنا.
وقد عرفه السيوطي: بأنه ما سقط من إسناده اثنان فأكثر بشرط
التوالي، أما إذا لم يتوال فهو منقطع في موضعين. وهذا
الحديث أخرجه ابن سعد "3/ 151".
(3/282)
الطَّائِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ
الأُرْمَوِيُّ وَالحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الدِّمَشْقِيُّ
وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَرْدَاوِيُّ
وَأَحْمَدُ بنُ مُؤْمِنٍ وَسِتُّ الفَخْرِ بِنْتُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ قَالُوا: أَخْبَرَتْنَا كَرِيْمَةُ بِنْتُ
عَبْدِ الوَهَّابِ القُرَشِيَّةُ، أَنْبَأَنَا أَبُو
يَعْلَى حَمْزَةُ بنُ الحُبُوْبِيِّ قَالُوا: أَنْبَأَنَا
عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الفَقِيْهُ،
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُثْمَانَ
التَّمِيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي
ثَابِتٍ قَالاَ: أَنْبَأَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ
العَبْدِيُّ "ح"، وَأَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
مُحَمَّدٍ وَالمُسلمُ بنُ مُحَمَّدٍ وَعَلِيُّ بنُ
أَحْمَدَ قَالُوا: أَنْبَأَنَا حَنْبَلٌ، أَنْبَأَنَا
ابْنُ الحُصَيْنِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ المُذْهِبِ،
أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ القَطِيْعِيُّ، أَنْبَأَنَا
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنِي
أَبِي قَالاَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ،
حَدَّثَنِي عَاصِمٌ، عَنْ زِرٍّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ
قَالَ: كُنْتُ أَرْعَى غَنَماً لِعُقْبَةَ بنِ أَبِي
مُعَيْطٍ فَمَرَّ بِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: "يَا غُلاَمُ
هَلْ مِنْ لَبَنٍ"؟ قُلْتُ: نَعَمْ وَلَكِنِّي مُؤْتَمَنٌ
قَالَ: فَهَلْ مِنْ شَاةٍ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الفَحْلُ?
فَأَتَيْتُهُ بِشَاةٍ فَمَسَحَ ضِرْعَهَا فَنَزَلَ لَبَنٌ
فَحَلَبَ فِي إِنَاءٍ فَشَرِبَ وَسَقَى أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ
قَالَ لِلضِّرْعِ: "اقْلُصْ" فَقَلَصَ" زَادَ أَحْمَدُ
قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُهُ بَعْدَ هَذَا ثُمَّ اتَّفَقَا
فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ عَلِّمْنِي مِنْ هذا القوم
فَمَسَحَ رَأْسِي وَقَالَ: "يَرْحَمُكَ اللهُ إِنَّكَ
غُلَيِّمٌ مُعَلَّمٌ" 1.
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحُ الإِسْنَادِ وَرَوَاهُ أَبُو
عَوَانَةَ، عَنْ عَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ وَفِيْهِ
زِيَادَةٌ مِنْهَا فَلَقَدْ أَخَذْتُ مِنْ فِيْهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبْعِيْنَ سُوْرَةً مَا
نَازَعَنِي فِيْهَا بشر ورواه إِبْرَاهِيْمُ بنُ
الحَجَّاجِ السَّامِيُّ، عَنْ سَلاَمٍ أَبِي المُنْذِرِ،
عَنْ عَاصِمٍ وَفِيْهِ قَالَ: فَأَتَيْتُهُ بِصَخْرَةٍ
منقعرة فحلب فيها قال: فأسلمت وأتيته.
__________
1 حسن: أخرجه أحمد "1/ 379"، وأبو يعلى "5096"، والطبراني
في "الكبير" "9/ 4856، 8457"، والبيهقي في "دلائل النبوة"
"6/ 84" من طرق عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود به.
قلت: إسناده حسن، عاصم، هو ابن أبي النجود، صدوق، كما قال
الحافظ في "التقريب"، وزر، هو ابن حبيش بن حباشة، بضم
المهملة الأسدي الكوفي ثقة مخضرم.
قوله: "ينز عليها الفحل": النزو: الوثبان. وقال الفراء:
الأنزاء حركات التيوس عند السفاد. ويقال للفحل: إنه لكثير
النزاء، أي النزو.
وقال ابن سيده: النزاء الوثب، وقيل: هو النزوان في الوثب،
وخص بعضهم به الوثب إلى فوق، نزا ينزو نزوا ونزاء ونزوا
ونزوانا.
قوله: "اقلص، فقلص": أي اجتمع.
وقوله: "إنك غليم معلم": أي ملهم للصواب والخير، كقوله
تعالى: {مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ} [الدخان: 14] ، أي له من
يعلمه.
(3/283)
عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى وَغَيْرُهُ:
حَدَّثَنَا إِسْرَائِيْلُ، عَنِ المِقْدَامِ بنِ شُرَيْحٍ،
عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ سَعْدٍ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ
سِتَّةٌ فَقَالَ المُشْرِكُوْنَ اطْرُدْ هَؤُلاَءِ عَنْكَ
فَلاَ يَجْتَرِئُوْنَ عَلَيْنَا وَكُنْتُ أَنَا وَابْنُ
مَسْعُوْدٍ وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ وَرَجُلاَنِ نَسِيْتُ
اسْمَهُمَا فَوَقَعَ فِي نَفْسِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا شَاءَ اللهُ وَحَدَّثَ
بِهِ نَفْسَهُ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى {وَلَا تَطْرُدِ
الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ}
[الأَنْعَامُ: 52] 1.
رَوَاهُ قبيصة، عن الثوري، عن المقدام.
بن إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ عُرْوَةَ بنِ
الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ جَهَرَ
بِالقُرْآنِ بِمَكَّةَ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُوْدٍ.
أَبُو بَكْرٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ قَالَ: أَوَّلُ
مَنْ قَرَأَ آيَةً، عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ عَبْدُ اللهِ بن
مسعود.
قُلْتُ: هَذَا مُؤَوَّلٌ فَقَدْ صَلَّى قَبْلَ عَبْدِ
اللهِ جَمَاعَةٌ بِالقُرْآنِ.
أَبُو دَاوُدَ فِي "سُنَنِهِ"، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ،
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٌ، عَنْ
أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- آخَى بَيْنَ الزُّبَيْرِ وَابْنِ مَسْعُوْدٍ2.
وَرَوَى مِثْلَهُ سُفْيَانُ بنُ حُسَيْنٍ، عَنْ يَعْلَى
بنِ مُسلمٍ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
رَوَاهُ الحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ"3.
وَفِيْهِ لِمُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سَخْبَرَةَ
قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ مَسْعُوْدٍ آدَمَ لَطِيْفَ الجِسْمِ
ضَعِيْفَ اللحم.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "2413" "46" من طريق إسرائيل، به.
وقد تقدم تخريجنا له بتعليق رقم "511".
2 صحيح: أبو سلمة، هو موسى بن إسماعيل المنقري، التبوذكي
ثقة ثبت، من صغار الطبقة التاسعة، روى له الجماعة، والحديث
ليس في سنن أبي داود. لكن أخرجه الحاكم "3/ 314" من طريق
سعيد بن سليمان الواسطي، حدثنا عباد بن العوام، عن سفيان
بن حسين، عَنْ يَعْلَى بنِ مُسلمٍ، عَنْ جَابِرِ بنِ
زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "آخَى رَسُوْلُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بين الزبير بن العوام وعبد
الله بن مسعود".
وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي في "التلخيص".
قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين خلا سفيان بن
حسين، فقد روى له البخاري تعليقا، وروى له مسلم وأصحاب
السنن، وهو ثقة.
3 صحيح: أخرجه الحاكم "3/ 314"، وقد خرجته في التعليق
السابق.
(3/284)
قُلْتُ أَكْثَرُ مَنْ آخَى النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُم
مُهَاجِرِيٌّ وَأَنْصَارِيٍّ.
قَالَ مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ: وَمِمَّنْ قَدِمَ مِنْ
مُهَاجِرَةِ الحَبَشَةِ الهِجْرَةِ الأُوْلَى إِلَى
مَكَّةَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَبْدِ الله بن مَسْعُوْدٍ ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى
المَدِيْنَةِ.
يَحْيَى الحِمَّانِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَلَمَةَ
بنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: مَا بَقِيَ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ إلَّا أَرْبَعَةٌ
أَحَدُهُمُ ابْنُ مَسْعُوْدٍ1.
شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ
سمعت أبا مسعود وأبا موسى حِيْنَ مَاتَ عَبْدُ اللهِ بنُ
مَسْعُوْدٍ وَأَحَدُهُمَا يَقُوْلُ لِصَاحِبِهِ: أَتَرَاهُ
تَرَكَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ? قَالَ: لَئِنْ قُلْتَ ذَاكَ
لَقَدْ كَانَ يُؤْذَنُ لَهُ إِذَا حُجِبْنَا وَيَشْهَدُ
إِذَا غِبْنَا2.
يَحْيَى، عَنْ قُطْبَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مَالِكِ
بنِ الحَارِثِ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ بِنَحْوِهِ3.
وَأَخْرَجَ البُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيْثِ
أَبِي مُوْسَى قَالَ: قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِي مِنَ
اليَمَنِ فَمَكَثْنَا حِيْناً وَمَا نَحْسِبُ ابْنَ
مَسْعُوْدٍ وَأُمَّهُ إلَّا مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِكَثْرَةِ
دُخُوْلِهِم وَخُرُوْجِهِم عَلَيْهِ4.
الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ
أَبِي مُوْسَى قَالَ: وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ عَبْدَ
اللهِ وَمَا أَرَاهُ إلَّا عَبْدَ آلِ محمد -صلى الله عليه
وسلم.
__________
1 ضعيف جدا: في إسناده يحيى بن سلمة بن كهيل، قال أبو حاتم
وغيره: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك. وقال يحيى: ليس
بشيء، لا يكتب حديثه.
2 صحيح: أخرجه مسلم "2461" "112" من طريق محمد بن جعفر،
حدثنا شعبة به.
3 صحيح: أخرجه مسلم "2461" "113" من طريق يحيى بن آدم،
حدثنا قطبة "هو ابن عبد العزيز"، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ
مَالِكِ بنِ الحَارِثِ، عَنْ أبي الأحوص قال: "كنا في دار
أبي موسى مع نفر مع أصحاب عبد الله، وهم ينظرون في مصحف،
فقام عبد الله، فقال أبو مسعود: ما أعلم رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْكُ بعده أعلم بما
أنزل الله من هذا القائم. فقال أبو موسى: أما لئن قلت ذاك
لقد كان يشهد إذا غبنا، ويؤذن له إذا حجبنا".
4 صحيح: أخرجه البخاري "4384"، ومسلم "2460" "110" من طريق
يحيى بن آدم، حدثنا ابن أبي زائدة، عن أبيه، عن أبي إسحاق،
عن الأسود بن يزيد، عَنْ أَبِي مُوْسَى -رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ- قَالَ: فذكره.
وأخرجه البخاري "3763" من طريق إبراهيم بن يوسف بن أبي
إسحاق، قال: حدثني أبي، عن أبي إسحاق به.
(3/285)
حَدَّثَنَا السِّلَفِيُّ، حَدَّثَنَا
الثَّقَفِيُّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ بِشْرَانَ، أَنْبَأَنَا
مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ
الجَبَّارِ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، عَنِ الحَسَنِ
بنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سُوَيْدٍ،
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ
قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "يَا عَبْدَ اللهِ إِذْنُكَ علي أن ترفع الحجاب
وتسمع سوادي حَتَّى أَنْهَاكَ" 1.
رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، وَزَائِدَةُ، عَنِ الحَسَنِ بنِ
عُبَيْدِ اللهِ وَفِي لَفْظٍ "أَنْ تَرْفَعَ السِّتْرَ
وَأَنْ تَسْتَمِعَ سِوَادِي".
وَرَوَاهُ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ
رَجُلٍ سَمَّاهُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سُوَيْدٍ، عَنْ
عَبْدِ اللهِ وَهَذَا مُنْقَطِعٌ وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ
مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الحَسَنِ وَالسِّوَادُ
السِّرَارُ وَقِيْلَ المُحَادَثَةُ.
وَفِي "مُسْنَدِ أَحْمَدَ" مِنْ طَرِيْقِ ابْنِ عَوْنٍ،
عَنْ عمرو بن سعيد، عن حميد بن عبد الرَّحْمَنِ قَالَ:
قَالَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ: كُنْتُ لاَ أُحْبَسُ، عَنِ
النَّجْوَى وَعَنْ كَذَا وَعَنْ كَذَا2.
وَعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ
قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ صَاحِبَ سِوَادِ رَسُوْلِ
اللهِ -يَعْنِي سِرَّهُ- وَوِسَادِهِ -يَعْنِي فِرَاشَهُ-
وَسِوَاكِهِ وَنَعْلَيْهِ وَطَهُوْرِهِ وَهَذَا يَكُوْنُ
فِي السَّفَرِ3.
ابْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا
المَسْعُوْدِيُّ، عَنِ القَاسِمِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ يُلْبِسُ رَسُوْلَ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَعْلَيْهِ ثُمَّ
يَمْشِي أَمَامَهُ بِالعَصَا حَتَّى إِذَا أَتَى
مَجْلِسَهُ نَزَعَ نَعْلَيْهِ فَأَدْخَلَهُمَا في ذراعه
وأعطاه العصا وكان يدخل الحجرة أمامه بالعصا4.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "2169".
2 صحيح: أخرجه أحمد "1/ 385"، والحاكم "4/ 182" مِنْ
طَرِيْقِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ سعيد، به. وقال
الحاكم: صحيح الإسناد: ووافقه الذهبي.
قلت: وهو كما قالا.
3 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "3/ 153" من طريق الواقدي، عن
عبد الرحمن بن محمد، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ
بنِ عُتْبَةَ، به.
قلت: إسناده واه، آفته الواقدي، وهو متروك، كما قال الحافظ
في "التقريب".
4 ضعيف: أخرجه ابن سعد "3/ 153". قلت: إسناده ضعيف فيه
علتان: الأولى: المسعودي، وهو عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ بن مَسْعُوْدٍ المسعودي اختلط
قبل موته.
الثانية: الإرسال، القاسم بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
عَبْدِ اللهِ بنِ مسعود الهذلي المسعودي، روى عن جده عبد
الله بن مسعود مرسلا.
(3/286)
المَسْعُوْدِيُّ، عَنْ عَيَّاشٍ
العَامِرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ شَدَّادٍ قَالَ:
كَانَ عَبْدُ اللهِ صَاحِبَ الوِسَادِ وَالسِّوَاكِ
وَالنَّعْلِيْنِ1.
الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ
عَبْدِ اللهِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {لَيْسَ عَلَى
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ}
[المائدة: 93] الآيَة، قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قِيْلَ لِي أَنْتَ مِنْهُم"
رَوَاهُ مُسْلِمٌ2.
مَنْصُوْرٌ وَالأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ:
كُنْتُ مَعَ حُذَيْفَةَ فَجَاءَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ فَقَالَ
حُذَيْفَةُ: إِنَّ أَشْبَهَ النَّاسِ هَدْياً وَدَلاًّ
وَقَضَاءً وَخُطْبَةً بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ حِيْنِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ
إِلَى أَنْ يَرْجِعَ لاَ أَدْرِي مَا يَصْنَعُ فِي
أَهْلِهِ لَعَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُوْدٍ وَلَقَدْ عَلِمَ
المُتَهَجِّدُوْنَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ عَبْدَ اللهِ مِنْ
أَقْرَبِهِم عِنْدَ اللهِ وَسِيْلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ3.
لَفْظُ مَنْصُوْرٍ: كَذَا قَالَ المُتَهَجِّدُوْنَ،
وَلَعَلَّهُ المُجْتَهِدُوْنَ.
الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ فَجَاءَ خَبَّابُ بن الأَرَتِّ
حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا فِي يَدِهِ خَاتَمٌ من ذهب فقال:
أكل هؤلاء يقرءون كَمَا تَقْرَأُ? فَقَالَ عَبْدُ اللهِ:
إِنَّ شِئْتَ أَمَرْتُ بَعْضَهُمْ يَقْرَأُ قَالَ: أَجَل
فَقَالَ: اقْرَأْ يَا عَلْقَمَةُ فَقَالَ فُلاَنٌ:
أَتَأْمُرُهُ أَنْ يَقْرَأَ وَلَيْسَ بِأَقْرَئِنَا? قَالَ
عَبْدُ اللهِ إِنَّ شِئْتَ حَدَّثْتُكَ بِمَا قَالَ
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي
قَوْمِهِ وَقَوْمِكَ قَالَ عَلْقَمَةُ: فَقَرَأْتُ
خَمْسِيْنَ آيَةً مِنْ سُوْرَةِ مَرْيَمَ فَقَالَ عَبْدُ
اللهِ: مَا قَرَأَ إلَّا كَمَا أَقْرَأُ ثُمَّ قَالَ
عَبْدُ اللهِ: أَلَمْ يَأْنِ لِهَذَا الخَاتَمِ أَنْ
يُطْرَحَ? فَنَزَعَه وَرَمَى بِهِ وَقَالَ: وَاللهِ لاَ
تَرَاهُ عَلَيَّ أَبَداً.
شَيْبَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مَالِكِ بنِ الحَارِثِ،
عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا مُوْسَى
وَعِنْدَهُ عَبْدُ اللهِ وَأَبُو مَسْعُوْدٍ
الأَنْصَارِيُّ وَهُمْ يَنْظُرُوْنَ إِلَى مصحف فت، حدثنا
ساعة، ثم
__________
1 ضعيف: أخرجه ابن سعد "3/ 153"، وأبو نعيمة في "الحلية"
"1/ 126"، والفسوي في "المعرفة والتاريخ" "2/ 550" من طريق
المسعودي، به.
قلت: إسناده ضعيف، المسعودي اختلط، وهو آفة الإسناد.
2 صحيح: أخرجه مسلم "2459"، والترمذي "3053" من طريق علي
بن مسهر، عن الأعمش، به.
3 صحيح: أخرجه البخاري "6097" من طريق الأعمش، عن شقيق،
به.
وأخرجه البخاري "3762"، والترمذي "3807" من طريق أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ قال:
فذكره بنحوه.
(3/287)
خَرَجَ عَبْدُ اللهِ وَذَهَبَ فَقَالَ
أَبُو مَسْعُوْدٍ: وَاللهِ مَا أَعْلَمُ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَرَكَ أَحَداً
أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللهِ مِنْ هَذَا القَائِمِ1.
الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوْقٍ قَالَ
عَبْدُ اللهِ: وَالَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ لَقَدْ
قَرَأتُ مِنْ فِيِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بضعا وسبعين سورة وَلَوْ أَعْلَمُ
أَحَداً أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللهِ مِنِّي تبلغنيه الإبل
لأتيته2.
جَامِعُ بنُ شَدَّادٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ
مِرْدَاسٍ كَانَ عَبْدُ اللهِ يَخْطُبُنَا كُلَّ خَمْسٍ
عَلَى رِجْلَيْهِ فَنَشْتَهِي أَنْ يَزِيْدَ.
الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ
أَبِيْهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ: لَوْ تَعْلَمُوْنَ
ذُنُوْبِي مَا وَطِئَ عَقِبِي رَجُلاَنِ.
جَابِرُ بنُ نُوْحٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي
الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: مَا
نَزَلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ إلَّا وَأَنَا أَعْلَمُ
أَيْنَ نَزَلَتْ وَفِيْمَا نَزَلَتْ الحَدِيْثَ.
الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ خُمَيْرِ بنِ
مَالِكٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: لَقَدْ قَرَأْتُ من
فِي رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
سَبْعِيْنَ سُوْرَةً وَزَيْدٌ لَهُ ذُؤَابَةٌ يَلْعَبُ مع
الغلمان3.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "2461" "113" من طريق قطبة "هو ابن عبد
العزيز" عن الأعمش، به.
2 صحيح: أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ "5002"، وَمُسْلِمٌ
"2463" مِنْ طَرِيْقِ الأَعْمَشِ، عَنْ مسلم، عن مسروق،
به.
3 صحيح: أخرجه أحمد "1/ 389، 405، 414، 442"، وابن أبي
شيبة "10/ 500"، وابن أبي داود في "المصاحف "ص14"، والحاكم
"3/ 228"، والطبراني في "الكبير" "9/ 8435، 8436" من طريق
سفيان الثوري، به.
وأخرجه الطيالسي "405"، وابن أبي داود في "المصاحف" "ص15"،
وأبو نعيم في "الحلية" "1/ 125" من طريق أبي إسحاق، به.
نحوه.
قلت: إسناده ضعيف، آفته خمير بن مالك الكوفي، ذكره ابن أبي
حاتم في "الجرح والتعديل" "1/ ق2/ 391"، وقال: روى عنه أبو
إسحاق الهمداني -حسب- ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا فهو
مجهول.
وأخرجه الطبراني في "الكبير" "9/ 8439"، وأبو نعيم "في
الحلية" "1/ 125" من طريق عبدان بن أحمد، عن الحسين بن
مدرك، عن يَحْيَى بنُ حَمَّادٍ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ،
عَنْ أبي بشر، عن سليمان بن قيس، عن أبي سعيد الأزدي، عن
عبد الله بن مسعود قال: فذكره.
قلت: إسناده ضعيف، لانقطاعه بين أبي بشر وهو جعفر بن أبي
وحشية وسليمان بن قيس اليشكري، فإنه لم يسمع منه.=
(3/288)
عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ
الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيْقٍ قَالَ عَبْدُ اللهِ: {وَمَنْ
يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَة} [آلُ
عِمْرَانَ: 161] ، عَلَى قِرَاءةِ مَنْ تَأْمُرُوْنِي أَنْ
أَقْرَأَ? لَقَدْ قَرَأْتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبعين سُوْرَةً وَلَقَدْ
عَلِمَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ أَنِّي أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ
اللهِ وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَداً أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللهِ
مِنِّي لَرَحَلْتُ إِلَيْهِ قَالَ شَقِيْقٌ: فَجَلَسْتُ
فِي حِلَقٍ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَا سَمِعْتُ أَحَداً مِنْهُمْ
يَعِيْبُ عَلَيْهِ شَيْئاً مِمَّا قَالَ وَلاَ يَرُدُّ
عَلَيْهِ1.
شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ
عَبْدِ اللهِ أَنَّهُم ذَكَرُوا قِرَاءتَهُ فَكَأَنَّهُمْ
عَابُوْهُ فَقَالَ: لَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ رَسُوْلِ
اللهِ أَنِّي أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ ثُمَّ
كَأَنَّهُ نَدِمَ فَقَالَ: وَلَسْتُ بِخَيْرِهِم2.
سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ،
عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: لَمَّا أَمَرَ
عُثْمَانُ بِتَشْقِيْقِ المَصَاحِفِ قَامَ عبد الله خطيبًا
فقال: لقد علم أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنِّي أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ
ثُمَّ قَالَ: وَمَا أَنَا بخيرهم3.
__________
= وأخرجه الطبراني "9/ 8441"، وابن أبي داود في "المصاحف"
"ص16-17" من طريق محمد بن أبي عبيدة، عن أبيه، عن الأعمش،
عن أبي رزين، عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود، به.
وأخرجه الطبراني في "الكبير" "9/ 8443" من طريق عبيد الله
بن موسى، عن شيبان، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى،
عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ ابن مسعود به.
وأخرجه الطبراني في "الكبير" "9/ 8444، 8445" من طريق ثوبر
بن أبي فاختة، عن أبيه، عن ابن مسعود، وأخرجه أحمد "1/
411"، والبخاري "5000" ومسلم "2462" "114"، والنسائي "8/
134"، وابن أبي داود في "المصاحف" "ص15، 16"، والطبراني في
"الكبير" "9/ 8448" من طرق عن الأعمش، عن شقيق بن سلمة
قال: خطبنا عبد الله بن مسعود فقال: فذكره.
وأخرجه النسائي "8/ 134"، والطبراني في "الكبير" "9/ 8437"
من طريق عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،
عَنْ هُبَيْرَةَ بنِ يَرِيْمَ، عن عبد الله، به.
1 صحيح: أخرجه مسلم "2462" من طريق عبدة بن سليمان، حدثنا
الأعمش، به.
2 صحيح: أخرجه البخاري "5000" حدثنا عمر بن حفص، حدثنا
أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا شفيق بن سلمة، به نحوه.
3 صحيح لغيره: وهذا إسناد ضعيف، فيه سويد بن سعيد، أبو
محمد الهروي الحدثاني الأنباري، قال البخاري: منكر الحديث.
وقال النسائي: ضعيف. وروى الترمذي عن البخاري أنه ضعيف
جدا. وقال مرة: ضعيف.
وقال صالح جزرة: سويد صدوق، إلا أنه كان عمي، فكان يلقن ما
ليس من حديثه. لكن يشهد له ما قبله فيرتقي لدرجة الصحة.
(3/289)
زَائِدَةُ وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ،
عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ أَنَّ
رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ
بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَبْدُ اللهِ قَائِمٌ
يُصَلِّي فَافْتَتَحَ سُوْرَةَ النِّسَاءِ يَسْجِلُهَا
فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ
أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ القُرْآنَ غَضّاً كَمَا أُنْزِلَ
فَلْيَقْرَأِ قِرَاءةَ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ" فَأَخَذَ
عَبْدُ اللهِ فِي الدُّعَاءِ فَجَعَلَ رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "سَلْ تُعْطَ"
فَكَانَ فِيْمَا سَأَلَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ
إِيْمَاناً لاَ يَرْتَدُّ وَنَعِيْماً لاَ يَنْفَدُ
وَمُرَافَقَةَ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أَعْلَى جِنَانِ الخُلْدِ فَأَتَى
عُمَرُ عَبْدَ اللهِ يُبَشِّرُهُ فَوَجَدَ أَبَا بَكْرٍ
خَارِجاً قَدْ سَبَقَهُ فَقَالَ: إِنَّكَ لَسَبَّاقٌ
بِالخَيْرِ1.
رَوَاهُ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ
أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ.
أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَغَيْرُهُ، عَنِ الأعمش، عن إبراهيم،
عن علقمة قال: جاء رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ وَهُوَ بِعَرَفَةَ
"ح" وَالأَعْمَشُ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ قَيْسِ بنِ
مَرْوَانَ أَنَّهُ أَتَى عُمَرَ فَقَالَ: جِئْتُ يَا
أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ مِنَ الكُوْفَةِ وَتَرَكْتُ بِهَا
رَجُلاً يُمْلِي المَصَاحِفَ، عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ فَغَضِبَ
عُمَرُ وَانْتَفَخَ حَتَّى كَادَ يَمْلأُ مَا بَيْنَ
شُعْبَتَيِ الرَّجُلِ فَقَالَ: وَمَنْ هُوَ وَيْحَكَ?
فَقَالَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ فَمَا زَالَ يُطْفِئُ غَضَبَهُ
وَيَتَسَرَّى عَنْهُ حَتَّى عَادَ إِلَى حَالِهِ ثُمَّ
قَالَ: وَيْحَكَ! وَاللهِ مَا أعلم بقي من الناس أحد هو
أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ وَسَأُحَدِّثُكَ كَانَ رَسُوْلُ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يَزَالُ
يَسْمُرُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ اللَّيْلَةَ كَذَلِكَ فِي
الأَمْرِ مِنْ أَمْرِ المُسْلِمِيْنَ وَإِنَّهُ سَمَرَ
عِنْدَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَأَنَا مَعَهُ فَخَرَجَ رَسُوْلُ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَخَرَجْنَا
مَعَهُ فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي المَسْجِدِ
فَقَامَ رَسُوْلُ اللهِ يَسْمَعُ قِرَاءتَهُ فَلَمَّا
كِدْنَا أَنْ نَعْرِفَهُ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ
القُرْآنَ رَطْباً كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى
قِرَاءةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ" قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ يَدْعُو
فَجَعَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ لَهُ: "سَلْ تُعْطَهُ" فَقُلْتُ:
وَاللهِ لأَغْدُوَنَّ إِلَيْهِ فَلأُبَشِّرُهُ قَالَ:
فَغَدَوْتُ فَوَجَدْتُ أَبَا بَكْرٍ قَدْ سَبَقَنِي2.
رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، عَنْ أَبِي
مُعَاوِيَةَ وَرَوَى نَحْوَهُ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ
الأُمَوِيُّ، عَنْ مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، عَنْ حَبِيْبِ
بنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ خَيْثَمَةَ ... فَذَكَرَ
القِصَّةَ.
مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، عَنْ
إِسْمَاعِيْلَ بنِ صَخْرٍ الأَيْلِيِّ، عن أبي عبيدة بن
محمد
__________
1حسن: أخرجه أحمد "1/ 445-446، 454" من طريق عاصم، عن زر،
عن عبيد الله، به.
قلت: إسناده حسن، عاصم، هو ابن بهدلة، صدوق، وحديثه في
"الصحيحين" مقرون.
2 صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة "2/ 280"، "10/ 520"، وأحمد
"1/ 25-26"، والنسائي "8256"، وأبو يعلى "194، 195"، وابن
خزيمة "1156، 1341"، ومحمد بن نصر في "قيام الليل" "50" من
طريق أبي معاوية به. بالإسناد الأول، ورواه بالإسنادين
جميعا البزار "327"، والنسائي في "الكبرى" "8275"،
والطبراني في الكبير" "8422" من طرق عن الأعمش، به.
(3/290)
بنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مَرَّ بِابْنِ مَسْعُوْدٍ وَهُوَ يَقْرَأُ حَرْفاً حَرْفاً
فَقَالَ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ القُرْآنَ غَضّاً
كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَسْمَعْهُ مِنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ".
أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ فِي "المُسْنَدِ"، حَدَّثَنَا
وَكِيْعٌ، عَنْ عِيْسَى بنِ دِيْنَارٍ، عَنْ أَبِيْهِ،
عَنْ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ المُصْطَلِقِيِّ، عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- بنحو ما قبله
وروى جَرِيْرُ بنُ أَيُّوْبَ البَجَلِيُّ، عَنْ أَبِي
زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِنَحْوِهِ1.
زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنِ الحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ رَسُوْلُ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ كُنْتُ
مُؤَمِّراً أَحَداً، عَنْ غَيْرِ مَشُوْرَةٍ لأَمَّرْتُ
عَلَيْهِم ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ"2.
رَوَاهُ وَكِيْعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ3
وَرَوَاهُ أَبُو سَعِيْدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، عَنْ
إِسْرَائِيْلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ4 وَقَدْ رَوَاهُ
القَاسِمُ بنُ مَعْنٍ، عَنْ مَنْصُوْرٍ فَقَالَ: عَاصِمُ
بنُ ضَمْرَةَ بَدَلَ الحَارِثِ5 وَلَفْظُ وَكِيْعٍ: "لَوْ
كُنْتُ مُسْتَخْلِفاً مِنْ غَيْرِ مَشُوْرَةٍ
لاَسْتَخْلَفْتُ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ".
__________
1 صحيح لغيره: أخرجه أحمد "2/ 446"، وأبو يعلى "6106"
والبزار "2682"، وكشف الأستار، والعقيلي في "الضعفاء" "1/
197-198" من طريق جرير بن أيوب البجلي، به.
قلت: إسناده ضعيف جدا، آفته جرير بن أيوب البجلي الكوفي،
قال يحيى: ليس بشيء، وقال أبو نعيم: كان يضع الحديث.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ
النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكٌ. لكن الحديث صحيح بما قبله.
2 ضعيف: أخرجه أحمد "1/ 107، 108" والترمذي "3808"،
والبزار "837"، والخطيب "تاريخه" "1/ 148" من طرق عن زهير
بن معاوية، به.
قلت: إسناده ضعيف، لضعف الحارث، وهو ابن عبد الله الأعور
الهمداني، صاحب علي رضي الله عنه فقد أجمعوا على ضعفه.
3 ضعيف: أخرجه أحمد "1/ 95" من طريق وكيع، عن سفيان، به.
وفيه الحارث بن عبد الله الأعور، وهو ضعيف، كما بينا.
4 ضعيف: أخرجه أحمد "1/ 76" من طريق أبي سعيد، عن إسرائيل،
به.
وابن سعد في "الطبقات" "3/ 154"، والبزار "852"، ويعقوب بن
سفيان في "المعرفة والتاريخ" "2/ 534" من طريق عبيد الله
بن موسى، عن إسرائيل، به.
قلت: وفي إسناده الحارث بن عبد الله الأعور، وهو ضعيف
بالاتفاق.
5 ضعيف: أخرجه الحاكم "3/ 318" من طريق القاسم بن معن، عن
منصور، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بنِ ضَمْرَةَ،
عن علي رفعه بلفظ: "لو كنت مستخلفا أحدا من غير مشورة لا
ستخلفت عليهم ابن أم عبد".
وقال الحاكم: صحيح الإسناد: فرده الذهبي في "التلخيص"
بقوله: "عاصم، ضعيف".
قلت: فالحديث هو حديث الحارث بن عبد الله الأعور، كما ورد
عن زهير عن منصور، وغيره عن منصور.
(3/291)
ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا مُغِيْرَةُ،
عَنْ أُمِّ مُوْسَى سَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُوْلُ: أَمَرَ
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابْنَ
مَسْعُوْدٍ فَصَعَدَ شَجَرَةً يَأْتِيْهِ مِنْهَا بِشَيْءٍ
فَنَظَرَ أَصْحَابُهُ إِلَى سَاقِ عَبْدِ اللهِ فَضَحِكُوا
مِنْ حُمُوْشَةِ سَاقَيْهِ فَقَالَ رسول الله -صلى الله
عليه وسلم: "ما تضحكون? لرجل عبد الله أثقل في الميزان يوم
القيامة مِنْ أُحُدٍ" 1.
وَرَوَاهُ جَرِيْرٌ، عَنْ مُغِيْرَةَ وَرَوَى حَمَّادُ بنُ
سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ
نَحْوَهُ وَرَوَاهُ أَبُو عَتَّابٍ الدَّلاَّلُ، عَنْ
شُعْبَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ بنِ إِيَاسٍ
المُزَنِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَهُ.
الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ
مَوْلَىً لِرِبْعِيٍّ، عن ربعي، عن حذيفة قال: قال
__________
1 صحيح لغيره: أخرجه ابن أبي شيبة "12/ 114"، وابن سعد "3/
155"، وأحمد "1/ 144"، والبخاري في "الأدب المفرد" "237"،
ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" "2/ 546"، وأبو
يعلى "539" من طريق محمد بن فضيل، به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه أم موسى سرية علي، قيل اسمها فاختة،
وقيل حبيبة، مجهولة، لذا قال الحافظ في "التقريب" مقبولة،
أي عند المتابعة.
وأخرجه الطيالسي "355"، وأحمد "1/ 420-421"، وابن سعد "3/
155"، والبزار "2678"، كشف الأستار، وأبو يعلى "5310،
5365"، والطبراني في "الكبير" "8452"، وأبو نعيم في
"الحلية" "1/ 127" من طرق عن حماد بن سلمة، عن عاصم، عن زر
بن حبيش، عن ابن مسعود أنه كان يجتني سواكا من الأراك،
وكان دقيق الساقين فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم منه،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مم تضحكون"؟ قالوا:
يا نبي الله، من دقة ساقيه، فقال: "والذي نفسي بيده، لهما
أثقل في الميزان من أحد".
قلت: إسناده حسن، من أجل عاصم، وهو ابن أبي النجود، فهو
صدوق.
وأخرجه بنحوه الطبراني في "الكبير" "8453" من طريق جعفر بن
عون، عن المعلى بن عرفان، عن أبي وائل، عن ابن مسعود، به
مرفوعا.
وأخرجه بنحوه الطبراني في "الكبير" "8454" من طريق جعفر بن
مسافر، عن ابن أبي فديك، عن موسى بن يعقوب، عن ابن أبي
حرملة مولى حويطب، عن سارة بنت عبد الله بن مسعود، عن عبد
الله بن مسعود، به.
وله شاهد من حديث قرة بن إياس، عند البزار "2677"، كشف
الأستار والطبراني في "الكبير" "19/ 59"، والفسوي في
"المعرفة والتاريخ" "2/ 546".
(3/292)
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي
بَكْرٍ وَعُمَرَ وَاهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ
وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ" 1.
رَوَاهُ جَمَاعَةٌ هَكَذَا عَنْهُ وَرَوَاهُ أَسْبَاطٌ،
عَنِ الثوري فأإسقط مِنْهُ مَوْلَى رِبْعِيٍّ وَرَوَاهُ
مِسْعَرٌ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ
رِبْعِيٍّ وَرَوَاهُ سَالِمٌ المُرَادِيُّ، عَنْ عَمْرِو
بنِ هَرِمٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ وَقَالَ
وَكِيْعٌ: عَنْ سَالِمٍ المُرَادِيِّ فَقَالَ: عَنْ
عَمْرِو بنِ مُرَّةَ وَالأَوَّلُ أَشْبَهُ ورواه يَحْيَى
بنُ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي
الزَّعْرَاءِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال ... فَذَكَرَهُ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ يَعْلَى: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ
مَنْصُوْرٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ
قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "رَضِيْتُ لأُمَّتِي مَا رَضِيَ لَهَا ابْنُ
أُمِّ عَبْدٍ" 2.
رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ وَإِسْرَائِيْلُ، عَنْ مَنْصُوْرٍ
فَقَالَ: عَنِ القَاسِمِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُرْسَلاً
وَكَذَا قَالَ ابْنُ عُيَيْنَة: عَنْ أَبِي العُمَيْسِ،
عَنِ القَاسِمِ مُرْسَلاً3.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ
الفَرَّاءُ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ، عَنِ
المَسْعُوْدِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ عَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ،
عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "قَدْ رَضِيْتُ لَكُم مَا رَضِيَ
لَكُمُ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ" 4.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ،
حَدَّثَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الدَّقَّاقُ،
حَدَّثَنَا أَبُو الفَضْلِ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ
سَنَةَ أَرْبَعٍ وثمانين وأربع مائة، أنبأنا أبو
__________
1 صحيح بطرقه: تقدم تخريجنا له بتعليق رقم "571"، وقد ورد
من حديث ابن مسعود، وحذيفة، وأنس -رضي الله عنهم- كما خرجت
الحديث في كتاب "الجواب الباهر في زوار المقابر" ط/ دار
الجيل - بيروت لبنان "ص122-123"، وخرجته في كتاب "منهاج
السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية"، ط/ دار
الحديث تعليق رقم "228" في الجزء الأول، فراجعه ثمت إن
شئت.
2 صحيح: أخرجه الحاكم "3/ 317" من طريق يحيى بن يعلى، به.
وقال الحاكم: إسناده صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه
"وله علة" من حديث سفيان الثوري. وبين الذهبي العلة في
"التلخيص" فقال: "وعلته أن سفيان وإسرائيل روياه عن منصور،
عن القاسم بن عبد الرحمن مرسلا".
قلت: إسناد الحاكم صحيح، رجاله رجال الشيخين.
3 صحيح بما قبله: أخرجه الحاكم "3/ 318"، والفسوي في
"المعرفة والتاريخ" "2/ 549".
4 صحيح: أخرجه الحاكم "3/ 319" من طريق محمد بن عبد الوهاب
العبدي، به.
(3/293)
الحُسَيْنِ بنُ بِشْرَانَ، أَنْبَأَنَا
مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بنُ
مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَتَّابٍ سَهْلُ بنُ
حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ
قُرَّةَ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: صَعَدَ ابْنُ مسعود شجرة
فجعلوا يضحكون من دقة سَاقَيْهِ فَقَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَهُمَا فِي
المِيْزَانِ أَثْقَلُ مِنْ أُحُدٍ" 1.
حَاتِمُ بنُ اللَّيْثِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ
مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابن أبي فديك، عن موسى بن يعقوب،
عَنِ ابْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ حَدَّثَتْنِي سَارَةُ بِنْتُ
عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ إِنَّ عَبْدَ اللهِ أَثْقَلُ فِي المِيْزَانِ
يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ أُحُدٍ" 2.
عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ
إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ:
قَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "اقْرَأْ عَلَيَّ القُرْآنَ" قُلْتُ: يَا
رَسُوْلَ اللهِ أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ?
قَالَ: "إِنِّي أَشْتَهِي أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي"
فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُوْرَةَ النِّسَاءِ حَتَّى بَلَغْتُ:
{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ
وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النِّسَاءُ:41]
، فَغَمَزَنِي بِرِجْلِهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ
تَذْرِفَانِ"3.
رَوَاهُ أَبُو الأَحْوَصِ، عَنِ الأَعْمَشِ فَقَالَ:
عَلْقَمَةُ بَدَلَ عُبَيْدَةَ وَرَوَاهُ شُعْبَةُ
وَالثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ،
عَنْ عَبْدِ اللهِ مُنْقَطِعاً.
البَزَّارُ صَاحِبُ "المُسْنَدِ"، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ
مَالِكٍ، حَدَّثَنَا مِفْضَلُ بنُ مُحَمَّدٍ الكُوْفِيُّ،
حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ وَمُغِيْرَةُ وَابْنُ مُهَاجِرٍ،
عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ
قال اسْتَقْرَأَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى المِنْبَرِ سُوْرَةَ
النِّسَاءِ فَقَرَأْتُ حَتَّى بَلَغْتُ {فَكَيْفَ إِذَا
جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ
__________
1 صحيح: أخرجه الحاكم "3/ 317"، والفسوي في "المعرفة
والتاريخ" "2/ 546". وراجع تخريجنا السابق "653".
2 صحيح لغيره: أخرجه الطبراني في "الكبير" "8454" من طريق
جعفر بن مسافر التنيسي، حدثنا ابن أبي فديك به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه علتان الأولى: موسى بن يعقوب
الزمعي، قال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن المديني: ضعيف
منكر الحديث.
الثانية: سارة بنت عبد الله بن مسعود، لا تعرف. لكن الحديث
يصح بالطرق التي ذكرناها في تخريجنا وتعليقنا السابق رقم
"653".
3 صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة "10/ 563"، وأحمد "1/ 380،
433"، والبخاري "4582، 5049، 5050، 5056"، ومسلم "800"،
وأبو داود "3668"، والترمذي "3028"، وفي "الشمائل" "316"،
والبيهقي "10/ 231"، والبغوي في "شرح السنة" "1220"، وأبو
يعلى "5228"، والطبراني "8460، 8461" من طرق عن الأعمش، عن
إبراهيم به.
(3/294)
بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ
شَهِيدًا} . فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَا النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ
يَقْرَأَ القُرْآنَ غَضّاً كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْ
عَلَى قِرَاءةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ".
مِفْضَلٌ تَرَكَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَمَشَّاهُ غَيْرُهُ.
الحُمَيْدِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ،
حَدَّثَنَا المَسْعُوْدِيُّ، عَنِ القَاسِمِ قَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لابْنِ
مَسْعُوْدٍ: "اقْرَأْ" فَقَالَ: أَقْرَأُ وَعَلَيْكَ
أُنْزِلَ?....... الحَدِيْثَ1.
أَخْبَرَنَا سُنْقُرُ القَضَائِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ وَعَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ
مُحَمَّدٍ القُبَّيْطِيُّ وَجَمَاعَةٌ قَالُوا: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، حَدَّثَنَا مَالِكُ بنُ
أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
الصَّلْتِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ
الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بنُ أَسْبَاطٍ، حَدَّثَنِي
أَبِي، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ
عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "اقتدوا
باللذين مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَاهْتَدُوا
بِهَدْيِ عمار وتمسكوا بعهد ابن أم عبد" 2.
عَفَّانُ: حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بنُ شَيْبَانَ،
حَدَّثَنَا أَبُو نَوْفَلٍ بنُ أَبِي عَقْرَبٍ قَالَ:
قَالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ فِي مَرَضِهِ وَقَدْ جَزِعَ
فَقِيْلَ لَهُ: قَدْ كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُدْنِيْكَ وَيَسْتَعْمِلُكَ قَالَ:
وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا كَانَ ذَاكَ مِنْهُ أَحُبٌّ أَوْ
كَانَ يَتَأَلَّفُنِي وَلَكِنْ أَشْهَدُ عَلَى رَجُلَيْنِ
أَنَّهُ مات وهو يحبهما بن أُمِّ عَبْدٍ وَابْنِ
سُمَيَّةَ3.
أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا فِطْرُ بنُ خَلِيْفَةَ، عَنْ
كَثِيْرٍ النَّوَّاءِ سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُلَيْلٍ
سَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ
إلَّا وَقَدْ أُعْطِيَ سَبْعَةَ نُجَبَاءَ رُفَقَاءَ
وُزَرَاءَ وَإِنِّي أُعْطِيْتُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَمْزَةُ
وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ وَجَعْفَرٌ وَحَسَنٌ
وَحُسَيْنٌ وَابْنُ مَسْعُوْدٍ وَأَبُو ذَرٍّ
وَالمِقْدَادُ وحذيفة وعمار وسلمان"4.
__________
1 صحيح لغيره: أخرجه الحميدي "101"، وهو مرسل، لكن يشهد له
ما قبله.
2 صحيح بطرقه: سبق تخريجنا له برقم تعليق "577".
3 صحيح: أخرجه أحمد "4/ 199" من طريق عفان، به.
قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين خلا الأسود بن
شيبان السدوسي، البصري، فقد روى له البخاري في "الأدب
المفرد" ولم يرو له في "الصحيح" وروى له مسلم، وأبو داود،
والنسائي، وابن ماجه، وهو ثقة.
4 ضعيف: أخرجه أبو نعيم في "الحلية" "1/ 128" من طريق فطر
بن خليفة، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته كثير النواء، ضعفه أبو حاتم،
والنسائي، وقال ابن عدي: مفرط في التشيع. وأخرجه الترمذي
"3785"، وفيه كثير النواء.
(3/295)
رَوَاهُ عَلِيُّ بنُ هَاشِمِ بنِ
البَرِيْدِ، عَنْ كَثِيْرٍ فَوَقَفَهُ عَلَى عَلِيٍّ
-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَهُوَ أَشْبَهُ.
أُنْبِئْتُ، عَنِ الخُشُوْعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ مُرْشِدَ
بنَ يَحْيَى أَنْبَأَهُم قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو
الحَسَنِ الطَّفَّالُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الطَّاهِرِ
الذُّهْلِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ
عَبْدُوْسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ،
حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، عَنْ أَبِيْهِ وَإِسْرَائِيْلَ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: قَالَ
عَبْدُ اللهِ: انْتَهَيْتُ إِلَى أَبِي جهل وهو صريع وهو
يَذُبُّ النَّاسَ بِسَيْفِهِ فَقُلْتُ: الحَمْدُ للهِ
الَّذِي أَخْزَاكَ يَا عَدُوَّ اللهِ! قَالَ: هَلْ هُوَ
إلَّا رَجُلٌ قَتَلَهُ قَوْمُهُ فَجَعَلْتُ أَتَنَاوَلُهُ
بِسَيْفٍ لِي فَأَصَبْتُ يَدَهُ فَنَدَرَ سَيْفُهُ
فَأَخَذَتْهُ فَضَرَبْتُهُ بِهِ حَتَّى بَرَدَ ثُمَّ
خَرَجْتُ حَتَّى أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَأَنَّمَا أَقَلَّ مِنَ الأَرْضِ
فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: "اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إلَّا
هُوَ" قَالَ: فَقَامَ مَعِي حَتَّى خَرَجَ يَمْشِي مَعِي
حَتَّى قَامَ عَلَيْهِ فَقَالَ: "الحَمْدُ للهِ الَّذِي
أَخْزَاكَ يَا عَدُوَّ اللهِ هَذَا كَانَ فِرْعُوْنُ
هَذِهِ الأُمَّةِ"1.
قَالَ وَكِيْعٌ: وَزَادَ فِيْهِ أَبِي، عَنْ أَبِي
عُبَيْدَةَ قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَنَفَلَنِي رَسُوْلُ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَيْفَهُ.
أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ: حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ
الحَنَّاطُ، عَنْ مُحْتَسِبٍ البَصْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ
بنِ وَاسِعٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ أَبِي
الدَّرْدَاءِ قَالَ: خَطَبَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خُطْبَةً خَفِيْفَةً فَلَمَّا
فَرَغ مِنْ خُطْبَتِهِ قَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ! قُمْ
فَاخْطُبْ" فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَخَطَبَ فَقَصَّرَ
دُوْنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ثُمَّ قَالَ: "يَا عُمَرُ قُمْ فَاخْطُبْ" فَقَامَ عُمَرُ
فَقَصَّرَ دُوْنَ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ قَالَ: "يَا فُلاَنُ
قُمْ فَاخْطُبْ" فَشَقَّقَ القَوْلَ فَقَالَ لَهُ رَسُوْلُ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسْكُتْ أَوِ
اجْلِسْ فَإِنَّ التَّشْقِيْقَ مِنَ الشَّيْطَانِ وَإِنَّ
البَيَانَ من السحر" وقال: "يابن أُمِّ عَبْدٍ قُمْ
فَاخْطُبْ" فَقَامَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ
ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ -عَزَّ
وَجَلَّ- رَبُّنَا وَإِنَّ الإِسْلاَم دِيْنُنَا وَإِنَّ
القُرْآنَ إِمَامُنَا وَإِنَّ البَيْتَ قِبْلَتُنَا
وَإِنَّ هَذَا نَبِيُّنَا وَأَوْمَأَ إِلَى النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَضِيْنَا مَا رَضِيَ
اللهُ لَنَا وَرَسُوْلُهُ وَكَرِهْنَا مَا كَرِهَ اللهُ
لَنَا وَرَسُوْلُهُ وَالسَّلاَمُ عَلَيْكُم.
__________
1 ضعيف: أخرجه أحمد "1/ 444"، وابن أبي شيبة "14/ 373" من
طريق وكيع، به.
قلت: إسناده ضعيف، لانقطاعه بين أبي عبيدة، وهو ابن عبد
الله بن مسعود وبين أبيه. وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي
إسحاق، وأبو إسحاق، هو عمرو بن عبد الله السبيعي.
وأخرجه ابن أبي شيبة "12/ 373"، وأبو داود "3722"، وأبو
يعلى "5231"، من طريق وكيع، عن أبيه الجراح بن مليح، عن
أبي إسحاق، به.
قوله: "صريع": أي مصروع.
وقوله: "هل هو إلا رجل قتله قومه". أي مثله لا يستعظم كما
استعظمته.
فندر سيفه: أي سقط من يده.
قوله: "أقل من الأرض": بضم الهمزة على بناء المفعول: أي
أرفع من الأرض من السرعة في المشي والفرحة بقتله.
(3/296)
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:
"أَصَابَ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ وَصَدَقَ رَضِيْتُ بِمَا
رَضِيَ اللهُ لأُمَّتِي وَابْنُ أُمِّ عَبْدٍ وَكَرِهْتُ
مَا كَرِهَ اللهُ لأُمَّتِي وَابْنُ أُمِّ عَبْدٍ"1.
إِسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي
مُعْجَمِهِ وَنَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّ الحَافِظِ عَبْدِ
الغَنِيِّ هَكَذَا ابْنُ خُثَيْمٍ وَإِنَّمَا هُوَ
سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ هَكَذَا
هُوَ فِي تَارِيْخ دِمَشْقَ وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بنُ
جَعْفَرٍ الوَرْكَانِيُّ، عَنْ أَبِي شِهَابٍ نَحْوَهُ
وَسَعِيْدٌ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا الدَّرْدَاءِ وَلاَ
أَدْرِي مَنْ هُوَ مُحْتَسِبٌ.
إِسْرَائِيْلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَمِعْتُ عَبْدَ
الرَّحْمَنِ بنَ يَزِيْدَ قَالَ: قُلْنَا لِحُذَيْفَةَ:
أَخْبِرْنَا بِرَجُلٍ قَرِيْبِ السَّمْتِ وَالدَّلِّ
بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حَتَّى نَلْزَمَهُ قَالَ: مَا أَعْلَمُ أَحَداً أَقْرَبَ
سَمْتاً وَلاَ هَدْياً وَلاَ دَلاًّ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى يُوَارِيَهُ
جِدَارُ بَيْتِهِ مِنِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ وَلَقَدْ عَلِمَ
المَحْفُوْظُوْنَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ ابْنَ
أُمِّ عَبْدٍ مِنْ أَقْرَبِهِم إِلَى اللهِ زُلْفَةً2.
قَوْلُهُ: وَلَقَدْ عَلِمَ ... اِلْخَ رَوَاهُ غُنْدَرٌ،
عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي
الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ.
نُعَيْمٌ: حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، عَنِ الأَعْمَشِ،
عَنْ أَبِي وَائِلٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ ذَكَرَ عُثْمَانَ
فَقَالَ: أَهْلَكَهُ الشُّحُّ وَبِطَانَةُ السُّوْءِ3.
الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو
مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ،
عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ يُشْبِهُ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي
هَدْيِهِ وَدَلِّهِ وَسَمْتِهِ وَكَانَ عَلْقَمَةُ
يُشَبَّهُ بِعَبْدِ اللهِ4.
الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بنِ
مُضَرِّبٍ قال: كتب عمر بن الخَطَّابِ إِلَى أَهْلِ
الكُوْفَةِ إِنَّنِي قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ عَمَّاراً
أَمِيْراً وَابْنَ مَسْعُوْدٍ مُعَلِّماً وَوَزِيْراً
وَهُمَا مِنَ النُّجَبَاءِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ
فَاسْمَعُوا لَهُمَا وَاقْتَدُوا بِهِمَا وَقَدْ
آثَرْتُكُم بِعَبْدِ اللهِ على نفسي.
__________
1 ضعيف: إسناده منقطع بين ابن خثيم، وهو عبد الله بن عثمان
بن خثيم القاري المكي -من الطبقة الخامسة- وأبي الدرداء،
رضي الله عنه.
2 صحيح: أخرجه بلفظه الترمذي "3708" من طريق إسرائيل،
والبخاري "3762" من طريق شعبة كلاهما عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يزيد، به.
3 ضعيف: فيه نعيم، وهو ابن حماد الخزاعي، لين، وقد روى له
البخاري مقرونا.
4 صحيح: أخرجه الفسوي في "المعرفة والتاريخ" "2/ 545".
(3/297)
الأَعْمَشُ، عَنْ خَيْثَمَةَ قَالَ: كُنْتُ
جَالِساً عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو فَذَكَرَ ابْنَ
مَسْعُوْدٍ فَقَالَ: لاَ أَزَالُ أُحِبُّهُ بَعْدَ إِذْ
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقول: "استقرءوا القُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ
مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ فَبَدَأَ بِهِ وأُبي بنِ
كَعْبٍ وَمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي
حُذَيْفَةَ" 1.
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ
وَوَكِيْعٌ وَسُفْيَانُ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَيَعْلَى،
عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوْقٍ،
عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو فَلَعَلَّهُ عِنْدَ
الأَعْمَشِ بِالإِسْنَادَيْنِ وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ
أَيْضاً، عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ،
عَنْ مَسْرُوْقٍ وَرَوَاهُ زَيْدُ بنُ أَبِي أُنَيْسَةَ،
عَنْ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ مَسْرُوْقٍ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ عَلاَّنَ وَغَيْرُهُ كِتَابَةً أَنَّ
حَنْبَلَ بنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُم قَالَ: أَنْبَأَنَا
ابْنُ الحُصَيْنِ، حَدَّثَنَا ابْنُ المُذْهِبِ،
أَنْبَأَنَا القَطِيْعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ
أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بنُ
عَامِرٍ، أَنْبَأَنَا إِسْرَائِيْلُ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنْ خُمَيْرِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: أُمِرَ
بِالمَصَاحِفِ أَنْ تُغَيَّرَ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ:
مَنِ اسْتطَاعَ مِنْكُم أَنْ يَغِلَّ مُصْحَفَهُ
فَلْيَغِلَّهُ فَإِنَّهُ مَنْ غَلَّ شَيْئاً جَاءَ بِهِ
يَوْمَ القِيَامَةِ ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ قَرَأْتُ مِنْ
فَمِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
سَبْعِيْنَ سُوْرَةً أَفَأَتْرُكُ ما أخذت من فِي رَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ?! 2.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي
"مُسْنَدِهِ"، عَنْ عَمْرِو بنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنْ خُمَيْرٍ سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُوْدٍ
إِنِّي غَالٌّ مُصْحَفِي، ... وَذَكَرَ الحَدِيْثَ3.
الوَاقِدِيُّ: أَنْبَأَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بنِ وَهْبٍ قَالَ: قَدِمَ
عَلَيْنَا عَبْدُ اللهِ فَدَخَلْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا:
اقْرَأْ عَلَيْنَا سُوْرَةَ البَقَرَةِ قَالَ: لاَ
أَحْفَظُهَا تَفَرَّدَ بِهِ الوَاقِدِيُّ وَهُوَ
مَتْرُوْكٌ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:
أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّ ابْنَ
مسعود كره
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3758" من حديث عبد الله بن عمرو.
وقد تقدم تخريجنا له بتعليق رقم "557".
2 صحيح: تقدم تخريجنا له بتعليق رقم "642"، وهو عند أحمد
"1/ 389، 405، 414، 442"، وابن أبي شيبة "10/ 100"، وابن
أبي داود في "المصاحف" "ص14"، والحاكم "3/ 228"، وغيرهم
فراجعه ثمت.
3 صحيح: تقدم تخريجنا له بتعليق رقم "642"، وهو عند
الطيالسي "405"، وابن أبي داود في "المصاحف" "ص15"، وأبي
نعيم في "الحلية" "1/ 125".
(3/298)
لِزَيْدِ بنِ ثَابِتٍ نَسْخَ المَصَاحِفِ
وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِيْنَ أُعْزَلُ، عَنْ
نَسْخِ المَصَاحِفِ وَيُوَلاَّهَا رَجُلٌ وَالله لَقَدْ
أَسْلَمْتُ وَإِنَّهُ لَفِي صُلْبِ أَبِيْهِ كَافِرٌ
يُرِيْدُ زَيْدَ بن ثَابِتٍ وِلِذَاكَ يَقُوْلُ عَبْدُ
اللهِ: يَا أَهْلَ الكُوْفَةِ اكْتُمُوا المَصَاحِفَ
الَّتِي عِنْدَكُم وَغُلُّوْهَا فَإِنَّ اللهَ قَالَ
{وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}
[آل عمران: 161] فَالْقَوُا اللهَ بِالمَصَاحِفِ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَبَلَغَنِي أَنَّ ذَلِكَ كُرِهِ مِنْ
مَقَالَةِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ كَرِهَهُ رجال من
الصَّحَابَةِ.
أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ
أَشْعَث، حَدَّثَنَا الهَيْصَمُ بنُ شدَاخٍ سَمِعْتُ
الأَعْمَشَ، عَنْ يَحْيَى بنِ وَثَّابٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ،
عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: عَجَبٌ لِلنَّاسِ وَتَرْكِهِم
قِرَاءتِي وَأَخْذِهِم قِرَاءةَ زَيْدٍ وَقَدْ أَخَذْتُ
مِنْ فِيِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- سبعين سُوْرَةً وَزَيْدٌ صَاحِبُ ذُؤَابَةٍ
يَجِيْءُ وَيذْهَبُ فِي المَدِيْنَةِ1.
سَعْدَوَيْه: حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنِ الأَعْمَشِ،
عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: خَطَبَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ عَلَى
المِنْبَرِ فَقَالَ: غُلُّوا مَصَاحِفَكُم كَيْفَ
تَأْمُرُوْنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَى قِرَاءةِ زَيْدٍ وَقَدْ
قَرَأْتُ من فِي رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِضْعاً وَسَبْعِيْنَ سُوْرَةً وَإِنَّ زَيْداً
لَيَأْتِي مَعَ الغِلْمَانِ لَهُ ذُؤَابَتَانِ2.
قُلْتُ: إِنَّمَا شَقَّ عَلَى ابْنِ مَسْعُوْدٍ لِكَوْنِ
عُثْمَانَ مَا قَدَّمَهُ عَلَى كِتَابَةِ المُصْحَفِ
وَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ مَنْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُوْنَ
وَلَدَهُ وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْهُ عُثْمَانُ لِغَيْبَتِهِ
عَنْهُ بِالكُوْفَةِ وَلأَنَّ زَيْداً كَانَ يَكْتُبُ
الوَحْيَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَهُوَ إِمَامٌ فِي الرَّسْمِ وَابْنُ
مَسْعُوْدٍ فَإِمَامٌ فِي الأَدَاءِ ثُمَّ إِنَّ زَيْداً
هُوَ الَّذِي نَدَبَهُ الصِّدِّيْقُ لِكِتَابَةِ
المُصْحَفِ وَجَمْعِ القُرْآنِ فَهَلاَّ عَتَبَ عَلَى
أَبِي بَكْرٍ? وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُوْدٍ
رَضِيَ وَتَابَعَ عُثْمَانَ وَلِلَّهِ الحَمْدُ وَفِي
مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ أَشْيَاءُ أَظُنُّهَا نُسِخَتْ
وَأَمَّا زَيْدٌ فَكَانَ أَحْدَثَ القَوْمِ بِالعَرْضَةِ
الأَخِيْرَةِ الَّتِي عَرَضَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- عام توفي على جبريل.
قَالَ عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ حَرْبٍ: عَنِ الأَعْمَشِ،
عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: قَدِمْتُ
الشَّامَ فَلَقِيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَقَالَ: كُنَّا
نَعُدُّ عَبْدَ اللهِ حَنَّاناً فَمَا بَالُهُ يُوَاثِبُ
الأُمَرَاءَ? رَوَاهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي
"المَصَاحِفِ".
وَبِإِسْنَادَيْنِ فِي "مُسْنَدِ أَحْمَدَ"، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ عَابِسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رَجُلٌ مِنْ
هَمْدَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: لَمَّا
أَرَادَ عَبْدُ اللهِ أَنْ يأتي
__________
1 صحيح لغيره: وهذا إسناد ضعيف، فيه الهيصم بن الشداخ، قال
ابن حبان: يروي الطامات. لكن الحديث صحيح، قد خرجته بإسهاب
في تعليقنا رقم "642" فليراجع ثمت.
2 صحيح: سبق تخريجنا له بتعليق رقم "642".
(3/299)
المَدِيْنَةَ جَمَعَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ:
وَاللهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ قَدْ أَصْبَحَ
اليَوْمَ فِيْكُم مِنْ أَفْضَلِ مَا أَصْبَحَ فِي
أَجْنَادِ المُسْلِمِيْنَ مِنَ الدِّيْنِ وَالعِلْمِ
بِالقُرْآنِ وَالفِقْهِ إِنَّ هَذَا القُرْآنَ أُنْزِلَ
عَلَى حُرُوْفٍ وَاللهِ إِنْ كَانَ الرَّجُلاَنِ
لَيَخْتَصِمَانِ أَشَدَّ مَا اخْتَصَمَا فِي شَيْءٍ قَطُّ
فَإِذَا قَالَ القَارِئُ: هَذَا أَقْرَأَنِي قَالَ:
أَحْسَنْتَ وَإِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِ أَحَدِكُمْ
لِصَاحِبِهِ: أَعْجِلْ وَحَيَّ هَلاَ1.
أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بنِ
وَهْبٍ قَالَ: لَمَّا بَعَثَ عُثْمَانُ إِلَى ابْنِ
مَسْعُوْدٍ يَأْمُرُهُ بِالمَجِيْءِ إِلَى المَدِيْنَةِ
اجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ فَقَالُوا: أَقِمْ فَلاَ
تَخْرُجْ وَنَحْنُ نَمْنَعُكَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ شَيْءٌ
تَكْرَهُهُ فَقَالَ: إِنَّ لَهُ عَلَيَّ طَاعَةً
وَإِنَّهَا سَتَكُوْنُ أُمُوْرٌ وَفِتَنٌ لاَ أُحِبُّ أَنْ
أَكُوْنَ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهَا فَرَدَّ النَّاسَ
وَخَرَجَ إِلَيْهِ.
مُحَمَّدُ بنُ سَنْجَرَ2 فِي "مُسْنَدِهِ"، حَدَّثَنَا
سَعِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ، حدثنا عباد، عَنْ سُفْيَانَ بنِ
حُسَيْنٍ، عَنْ يَعْلَى بنِ مسلم، عَنْ جَابِرِ بنِ
زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: آخَى النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ الزُّبَيْرِ
وَابْنِ مَسْعُوْدٍ قَدْ مَرَّ مِثْلُ هَذَا مِنْ وَجْهٍ
آخَرَ قَوِيٍّ3.
شَرِيْكٌ، عَنْ عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ
الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ:
كُنَّا إِذَا تَعَلَّمْنَا مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ
نَتَعَلَّمْ مِنَ العَشْرِ الَّتِي نَزَلَتْ بَعْدَهَا
حَتَّى نَعْلمَ مَا فِيْهَا يَعْنِي مِنَ العِلْم4.
مِسْعَرٌ، عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي
البَخْتَرِيِّ قال سئل علي، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ
فَقَالَ: قَرَأَ القُرْآنَ ثُمَّ وَقَفَ عِنْدَهُ وَكُفِيَ
بِهِ.
وَرُوِيَ نَحْوُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ عَلِيٍّ
وَزَادَ وَعَلِمَ السُّنَّةَ.
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيْثِ الأَعْمَشِ، عَنْ
مَالِكِ بنِ الحَارِثِ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ قَالَ:
أَتَيْنَا أَبَا مُوْسَى فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ عَبْدَ اللهِ
وَأَبَا مسعود وهم ينظرون في مصحف فتحدثنا
__________
1 ضعيف: لجهالة الرجل من همدان، وبقية رجاله ثقات رجال
الشيخين، والحديث عند أحمد "1/ 405، من طريق محمد بن جعفر،
حدثنا شعبة، به.
2 هو أبو عبد الله، محمد بن سنجر، الحافظ الكبير، قال ابن
أبي حاتم: ثقة.
ترجمته في تذكرة الحفاظ "ص578-579".
3 صحيح: تقدم تخريجنا له بتعليق رقم "627.
4 صحيح لغيره: وهذا إسناد ضعيف، لضعف شريك في حفظه
ولاختلاط عطاء بن السائب، لكن ورد عند ابن جرير في
"تفسيره" من طريق الأعمش، عن شفيق، عن ابن مسعود، قال:
"كان الحاج منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف
معانيهن والعمل بهن" وإسناده صحيح.
(3/300)
سَاعَةً ثُمَّ رَاحَ عَبْدُ اللهِ فَقَالَ
أَبُو مَسْعُوْدٍ: لاَ وَاللهِ لاَ أَعْلَمُ رَسُوْلَ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَرَكَ أَحَداً
أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللهِ مِنْ هَذَا القَائِمِ1.
الأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بنِ وَهْبٍ قَالَ: إِنِّي
لَجَالِسٌ مَعَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ إِذْ جَاءَ ابْنُ
مَسْعُوْدٍ فَكَادَ الجُلُوْس يُوَارُوْنَهُ مِنْ قِصَرِهِ
فَضَحِكَ عُمَرُ حِيْنَ رَآهُ فَجَعَلَ عُمَرُ يُكَلِّمُهُ
وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ وَيُضَاحِكُهُ وَهُوَ قَائِمٌ
عَلَيْهِ ثُمَّ وَلَّى فَأَتْبَعَهُ عُمَرُ بَصَرَهُ
حَتَّى تَوَارَى فَقَالَ: كُنَيْفٌ مُلِئَ عِلْماً2.
مَعْنُ بنُ عِيْسَى: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ،
عَنْ أَسَدِ بنِ وَدَاعَةَ أَنَّ عُمَرَ ذَكَرَ ابْنَ
مَسْعُوْدٍ فَقَالَ: كُنَيْفٌ مُلِئَ عِلْماً آثَرْتُ بِهِ
أَهْلَ القَادِسِيَّةِ.
عَفَّانُ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ
عَامِرٍ أَنَّ مُهَاجَرَ عَبْدِ اللهِ كَانَ بِحِمْصَ
فَجَلاَهُ عُمَرُ إِلَى الكُوْفَةِ وَكَتَبَ إِلَيْهِم:
إِنِّي -وَاللهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إلَّا هُوَ-
آثَرْتُكُم بِهِ عَلَى نَفْسِي فَخُذُوا مِنْهُ.
عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَمْرِو
بنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: سَافَرَ عَبْدُ
اللهِ سَفَراً يَذْكُرُوْنَ أَنَّ العَطَشَ قَتَلَهُ
وَأَصْحَابَهُ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ فَقَالَ: لَهُوَ
أَنْ يُفَجِّرَ اللهُ لَهُ عَيْناً يَسْقِيْهِ مِنْهَا
وَأَصْحَابَهُ أَظَنُّ عِنْدِي مِنْ أَنْ يَقْتُلَهُ
عَطَشاً3.
هُشَيْمٌ: حَدَّثَنَا سَيَّارٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ أَنَّ
ابْنَ مَسْعُوْدٍ رَأَى رَجُلاً قَدْ أَسْبَلَ فقال: ارفع
إزارك فقال: وأنت يابن مَسْعُوْدٍ فَارْفَعْ إِزَارَكَ
قَالَ: إِنّ بِسَاقَيَّ حُمُوْشَةً وَأَنَا أَؤُمُّ
النَّاسَ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَجَعَلَ يَضْرِبُ
الرَّجُلَ وَيَقُوْلُ: أَتَرُدُّ عَلَى ابْنِ مَسْعُوْدٍ?.
__________
1 صحيح: أخرج مسلم "2461" "113"، وقد تقدم تخريجنا له برقم
"631" فراجعه ثم.
2 صحيح: أخرجه ابن سعد "3/ 156"، وأبو نعيم في "الحلية "1/
129"، والفسوي في "المعرفة والتاريخ" "2/ 543" من طريق عبد
الرزاق عن الثوري، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، به.
قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات.
قوله: "كنيف ملئ علما": أي أنه وعاء للعلم بمنزلة الوعاء
الذي يضع الرجل فيه أداته، وتصغيره على جهة المدح له، وهو
تصغير تعظيم للكنف كقول حباب بن المنذر. أنا جديلها المحكك
وعذيقها المرجب، شبه عمر قلب ابن مسعود بكنف الراعي لأن
فيه مبراته ومقصه وشفرته ففيه كل ما يريد، هكذا قلب ابن
مسعود قد جمع فيه كل ما يحتاج إليه الناس من العلوم. وقيل
الكنف وعاء يجعل فيه الصائغ أدواته، وقيل الكنف الوعاء
الذي يكنف ما جعل فيه أي يحفظه.
3 ضعيف: أخرجه الفسوي في "المعرفة والتاريخ" "2/ 54"، وهو
ضعيف لانقطاعه، أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ
مَسْعُوْدٍ، لم يسمع من أبيه.
(3/301)
مَعْمَرٌ، عَنْ زَيْدِ بنِ رُفَيْعٍ، عَنْ
أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: أَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى أَبِي
عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ يَسْأَلُهُ، عَنْ رَجُلٍ
طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ رَاجَعَهَا حِيْنَ دَخَلَتْ فِي
الحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَالَ أَبِي: وَكَيْف يُفْتِي
مُنَافِقٌ? فَقَالَ عُثْمَانُ: نُعِيْذُكَ بِاللهِ أَنْ
تَكُوْنَ هَكَذَا قَالَ: هُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ
تَغْتَسِلْ مِنَ الحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ.
قَبِيْصَةُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،
عَنْ حَبَّةَ بنِ جُوَيْنٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ
الكُوْفَةَ أَتَاهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ
فَسَأَلَهُم عَنْهُ حَتَّى رَأَوْا أَنَّهُ يَمْتَحِنُهُم
فَقَالَ: وَأَنَا أَقُوْلُ فِيْهِ مِثْلَ الَّذِي قَالُوا
وَأَفَضْلَ قَرَأَ القُرْآنَ وَأَحَلَّ حَلاَلَهُ
وَحَرَّمَ حَرَامَهُ فَقِيْهٌ فِي الدِّيْنِ عَالِمٌ
بِالسُّنَّةِ.
وَفِي "مُسْتَدْرَكِ الحَاكِمِ" مِنْ رِوَايَةِ
الأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي
البختري، عن علي وَقِيْلَ لَهُ: أَخْبِرْنَا، عَنْ عَبْدِ
اللهِ فَقَالَ: عَلِمَ الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ ثُمَّ
انْتَهَى.
وَقَالَ الأَعْمَشُ: عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ
إِنَّ أَبَا مُوْسَى اسْتُفْتِيَ فِي شَيْءٍ مِنَ
الفَرَائِضِ فَغَلِطَ وَخَالَفَهُ ابْنُ مَسْعُوْدٍ
فَقَالَ أَبُو مُوْسَى لاَ تَسْأَلُوْنِي، عن شيء مَا
دَامَ هَذَا الحَبْرُ بَيْنَ أَظْهُرِكُم1.
وَرَوَى نَحْوَهُ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي
حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ وَرَوَى غُنْدَرٌ، عَنْ
شعبة، عن أبي قيس، عن هزيل بن شُرَحْبِيْلَ بِنَحْوِ
ذَلِكَ.
يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
مُوْسَى يَقُوْلُ مَجْلِسٌ كُنْتٌ أُجَالِسُهُ ابْنَ
مَسْعُوْدٍ أَوْثَقُ فِي نَفْسِي مِنْ عَمَلِ سَنَةٍ2.
الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بنِ
عُمَيْرٍ، عَنْ حُرَيْثِ بنِ ظُهَيْرٍ قَالَ: جَاءَ نَعْيُ
عَبْدِ اللهِ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ فَقَالَ: مَا
تَرَكَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ3 سَمِعَهَا يَحْيَى القطان من
سفيان.
__________
1 صحيح على شرط البخاري: "أخرجه أحمد "1/ 463-464"،
والطيالسي "375"، والبخاري "6736"، والنسائي في "الكبرى"
"6329" "6330"، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" "4/ 392"
وسعيد بن منصور في "سننه" "28"، والطبراني في "الكبير"
"10/ 9871"، والبيهقي في "السنن" "6/ 229"، والبغوي في
"شرح السنة" "2218" من طرق عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي
قَيْسٍ، عَنْ هُزَيْلِ بن شرحبيل، قال: سأل رجل أبا موسى
الأشعري، عن امرأة تركت ابنتها، وابنة ابنها، وأختها؟
فذكره في حديث طويل.
2 ضعيف: أخرجه الفسوي في "المعرفة والتاريخ" 2/ 545" وفيه
الانقطاع بين أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ
مَسْعُوْدٍ، وَأَبِي موسى، رضي الله عنه.
3 ضعيف: أخرجه البخاري في "التاريخ الصغير" "1/ 60" من
طريق يحيى القطان، عن سفيان حدثني الأعمش، به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه حريث بن ظهير، لا يعرف كما قال
الحافظ الذهبي في "الميزان"، وقال الحافظ في "التقريب"
"مجهول".
(3/302)
أَبُو حَفْصٍ الأَبَّارُ، عَنْ مَنْصُوْرٍ،
عَنْ مُسلمٍ، عَنْ مَسْرُوْقٍ قَالَ: شَامَمْتُ أَصْحَابَ
مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدْتُ
عِلْمَهُمُ انْتَهَى إِلَى سِتَّةٍ عَلِيٍّ وَعُمَرَ
وَعَبْدِ اللهِ وَزَيْدٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأُبِيٍّ
ثُمَّ شَامَمْتُ السِّتَّةَ فَوَجَدْتُ عِلْمَهُمُ انتهى
إِلَى عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللهِ.
وَبَعْضُهُم يَرْوِيْهِ، عَنْ مَنْصُوْرٍ فَقَالَ: عَنِ
الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوْقٍ وَقِيْلَ غَيْرُ ذَلِكَ
وَقَالَ أَبُو وَائِلٍ: مَا أَعْدِلُ بِابْنِ مَسْعُوْدٍ
أَحَداً.
عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ، عَنْ مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ
قَالَ: قَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا دَخَلَ الكُوْفَةَ أَحَدٌ
مِنَ الصَّحَابَةِ أَنْفَعَ عِلْماً وَلاَ أَفْقَهَ
صَاحِباً مِنْ عَبْدِ اللهِ.
وَبِإِسْنَادِ "مُسْنَدِ أَحْمَدَ"، حَدَّثَنَا يَحْيَى
بنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيْلُ، عَنْ أَبِي
حُصَيْنٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ وَثَّابٍ، عَنْ مَسْرُوْقٍ
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ يَوْماً فَقَالَ: قَالَ
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَرُعِدَ حَتَّى رَعُدَتْ ثِيَابُهُ ثُمَّ قَالَ نَحْوَ
ذَا أَوْ شبِيْهاً بِذَا1.
رَوَاهُ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، عَنْ إِسْرَائِيْلَ
فَأَبْدَلَ ابْنَ وَثَابٍ بِالشَّعْبِيِّ.
وَرَوَى نَحْوَهُ مُسلمٌ البَطِيْنُ وَغَيْرُهُ، عَنْ
عَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ فَقَالَ القَعْنَبِيُّ: حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ مُسلمٍ، عَنْ
عَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ قَالَ: صَحِبْتُ عَبْدَ اللهِ
ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْراً فَمَا سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ،
عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إلَّا حَدِيْثاً وَاحِداً فَرَأَيْتُهُ يَفْرَقُ ثُمَّ
غَشِيَهُ بُهْرٌ ثُمَّ قَالَ نَحْوَهُ أَوْ شِبْهَهُ.
مِسْعَرٌ، عَنْ مَعْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ
عَوْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَخِيْهِ عُبَيْدِ اللهِ
قَالَ كَانَ عَبْدُ اللهِ إِذَا هَدَأَتِ العُيُوْنُ قَامَ
فَسَمِعْتُ لَهُ دَوِيّاً كَدَوِيِّ النحل.
ابْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي زِيَادٌ مَوْلَى ابْنِ
عَيَّاشٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ حَسَنَ الصَّوْتِ
بالقرآن.
__________
1 صحيح على شرط الشيخين: أخرجه أحمد "1/ 423"، والحاكم "1/
110-111" من طريق إسرائيل، به.
قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، وإسرائيل هو
ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وأبو حصين -بفتح الحاء- هو
عثمان بن عاصم بن حصين -بضم الحاء- الأسدي، ويحيى بن وثاب
هو الأسدي الكوفي، ومسروق هو ابن الأجدع.
(3/303)
حُمَيْدُ بنُ الرَّبِيْعِ، حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ عَبْدِ
المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ وَهْبٍ قَالَ:
رَأَيْتُ بِعَيْنَيْ عَبْدِ اللهِ أَثَرَيْنِ أَسْوَدَيْنِ
مِنَ البُكَاءِ1.
الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، عَنِ
الحَارِثِ بنِ سُوَيْدٍ قَالَ: أَكْثَرُوا عَلَى عَبْدِ
اللهِ يَوْماً فَقَالَ: وَاللهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ
غَيْرُهُ لَوْ تَعْلَمُوْنَ عِلْمِي لَحَثَيْتُمُ
التُّرَابَ عَلَى رَأْسِي. رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ.
وَفِي "مُسْتَدْرَكِ الحَاكِمِ" لِلثَّوْرِيِّ، عَنِ
الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ
أَبِيْهِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: لَوْ تَعْلَمُوْنَ
ذُنُوْبِي مَا وَطِئَ عَقِبِي اثْنَانِ وَلَحَثَيْتُمُ
التُّرَابَ عَلَى رَأْسِي وَلَوَدِدْتُ أَنَّ اللهَ غَفَرَ
لِي ذَنْباً مِنْ ذُنُوْبِي وَأَنِّي دُعِيْتُ عَبْدَ
اللهِ بنَ رَوْثَةَ.
قَالَ عَلْقَمَةُ: جَلَسْتُ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ
فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ? قُلْتُ: مِنَ الكُوْفَةِ
فَقَالَ: أَوَلَيْسَ عِنْدَكُمُ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ
صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ وَالوِسَادِ وَالمِطْهَرَةِ
وَفِيْكُمْ صَاحِبُ السِّرِّ وَفِيْكُمُ الَّذِي أَجَارَهُ
اللهُ من الشيطان على لِسَانِ نَبِيِّهِ2.
عَنِ القَاسِمِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ ابْنَ
مَسْعُوْدٍ كَانَ يَقُوْلُ فِي دُعَائِهِ: خَائِفٌ
مُسْتَجِيْرٌ تَائِبٌ مُسْتَغْفِرٌ رَاغِبٌ رَاهِبٌ.
الأَعْمَشُ: عَمَّنْ حَدَّثَهُ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ
بنُ مَسْعُوْدٍ: لَوْ سَخِرْتُ مِنْ كَلْبٍ لَخَشِيْتُ
أَنْ أَكُوْنَ كَلْباً وَإِنِّي لأَكْرَهُ أَنْ أَرَى
الرَّجُلَ فَارِغاً لَيْسَ فِي عَمَلِ آخِرَةٍ وَلاَ
دُنْيَا.
وَكِيْعٌ: حَدَّثَنَا المَسْعُوْدِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بنِ
بَذِيْمَةَ، عَنْ قَيْسِ بنِ حَبْتَرٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ
اللهِ بنُ مَسْعُوْدٍ حَبَّذَا المَكْرُوْهَانِ المَوْتُ
وَالفَقْرُ وَايْمُ اللهِ مَا هُوَ إلَّا الغِنَى
وَالفَقْرُ مَا أُبَالِي بِأَيِّهِمَا ابْتُدِئْتُ إِنْ
كَانَ الفَقْرُ إِنَّ فِيْهِ لَلصَّبْرَ وَإِنْ كَانَ
الغِنَى إِنَّ فِيْهِ لَلْعَطْفَ لأَنَّ حَقَّ اللهِ فِي
كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاجِبٌ.
الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ هُزَيْلِ بنِ
شُرَحْبِيْلَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: مَنْ أَرَادَ
الآخِرَةَ أَضَرَّ بِالدُّنْيَا وَمَنْ أَرَادَ الدُّنْيَا
أَضَرَّ بِالآخِرَةِ يَا قَوْمُ فَأَضِرُّوا بالفاني
للباقي.
__________
1 ضعيف: في إسناده حميد بن الربيع، وهو ابن حميد بن مالك،
أبو الحسن اللخمي، قال البرقاني: عامة شيوخنا يقولون: ذاهب
الحديث. وقال النسائي: ليس بشيء، وقال ابن عدي: يسرق
الحديث ويرفع الموقوف. وعده ابن معين من الكذابين. وأبو
أسامة هو حماد بن أسامة القرشي مولاهم، الكوفي مشهور
بكنيته، ثقة ثبت، ربما دلس، ومسعر هو ابن كدام بن ظهير أبو
سلمة الكوفي، ثقة ثبت فاضل.
2 صحيح أخرجه البخاري "3742" من طريق إسرائيل، عن المغيرة،
عن إبراهيم، عن علقمة، به في حديث طويل.
(3/304)
أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ:
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أيوب سعيد، حدثني عبد الله بنُ
الوَلِيْدِ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ حُجَيْرَةَ
يُحَدِّثُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ
إِذَا قَعَدَ: إِنَّكُم فِي مَمَرِّ اللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ فِي آجَالٍ مَنْقُوْصَةٍ وَأَعْمَالٍ
مَحْفُوْظَةٍ وَالمَوْتُ يَأْتِي بَغْتَةً مَنْ زَرَعَ
خَيْراً يُوْشِكُ أَنْ يَحْصُدَ رَغْبَةً وَمَنْ زَرَعَ
شَرّاً يُوْشِكُ أَنْ يَحْصُدَ ندامة ولكل زارع مثل زَرَعَ
لاَ يُسْبَقُ بَطِيْءٌ بِحَظِّهِ وَلاَ يُدْرِكُ حَرِيْصٌ
مَا لَمْ يُقَدَّرْ لَهُ فَمَنْ أُعْطِيَ خَيْراً فَاللهُ
أَعْطَاهُ وَمَنْ وُقِيَ شَرّاً فَاللهُ وَقَاهُ
المُتَّقُوْنَ سَادَةٌ وَالفُقَهَاءُ قَادَةٌ
وَمُجَالَسَتُهُم زِيَادَةٌ.
العَلاَءُ بنُ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ
اللهِ قَالَ: ارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ تَكُنْ مِنْ
أَغْنَى النَّاسِ وَاجْتَنِبْ المَحَارِمَ تَكُنْ من أروع
النَّاسِ وَأَدِّ مَا افْتُرِضَ عَلَيْك تَكُنْ مِنْ
أَعْبَدِ النَّاسِ.
عَلِيُّ بنُ الأَقْمَرِ، عَنْ عَمْرِو بنِ جُنْدَبٍ، عَنِ
ابْنِ مَسْعُوْدٍ قَالَ: جَاهِدُوا المُنَافِقِيْنَ
بِأَيْدِيْكُم فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِيْعُوا
فَبِأَلْسِنَتِكُم فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِيْعُوا إلَّا أَنْ
تَكْفَهِرُّوا فِي وُجُوْهِهِم فَافْعَلُوا.
سَيْفُ بنُ عُمَرَ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَيْفٍ
أَنَّ ابْنَ مَسْعُوْدٍ تَرَكَ عَطَاءهُ حِيْنَ مَاتَ
عُمَرُ وَفَعَلَ ذَلِكَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ
أَغْنِيَاءُ وَاتَّخَذَ لِنَفْسِهِ ضَيْعَةً بِرَاذَانَ
فَمَاتَ، عَنْ تِسْعِيْنَ أَلْفِ مِثْقَالٍ سِوَى رَقِيْقٍ
وَعرُوْضٍ وَمَاشِيَةٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَكِيْعٌ، عَنْ أَبِي عُمَيْسٍ، عَنْ عَامِرِ بنِ عَبْدِ
اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: أَوْصَى ابْنُ مَسْعُوْدٍ
وَكَتَبَ إِنَّ وَصِيَّتِي إِلَى اللهِ وَإِلَى
الزُّبَيْرِ بنِ العوام وإلى ابنه عبد الله بن الزُّبَيْرِ
وَإِنَّهُمَا فِي حِلٍّ وَبِلٍّ مِمَّا قَضَيَا فِي
تَرِكَتِي وَإِنَّهُ لاَ تُزَوَّجُ امْرَأَةٌ مِنْ
نِسَائِي إلَّا بِإِذْنِهِمَا.
قُلْتُ: كَانَ قَدْ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ وَشَهِدَ فِي
طَرِيْقِهِ بِالرَّبَذَةِ أَبَا ذَرٍّ، وَصَلَّى عَلَيْهِ.
السَّرِيُّ بنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِي شُجَاعٍ، عَنْ أَبِي
ظَبْيَةَ قَالَ: مَرِضَ عَبْدُ اللهِ فَعَادَهُ عُثْمَانُ
وَقَالَ: مَا تَشْتَكِي? قَالَ: ذُنُوْبِي قَالَ: فَمَا
تَشْتَهِي? قَالَ: رَحْمَةَ رَبِّي قَالَ: إلَّا آمُرُ
لَكَ بِطَبِيْبٍ? قَالَ: الطَّبِيْبُ أَمْرَضَنِي قَالَ:
إلَّا آمُرُ لَكَ بِعَطَاءٍ? قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي
فِيْهِ.
كَذَا رَوَاهُ سَعِيْدُ بنُ مَرْيَمَ، وَعَمْرُو بنُ
الرَّبِيْعِ. وَرَوَاهُ: ابْنُ وَهْبٍ فَقَالَ: عَنْ
شُجَاعٍ وَرَوَاهُ عُثْمَانُ بنُ يَمَانٍ وَحَجَّاجُ بنُ
نُصَيْرٍ، عَنِ السَّرِيِّ، عَنْ شُجَاعٍ، عَنْ أَبِي
فَاطِمَةَ.
الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا
يَزِيْدُ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ
قَيْسٍ قَالَ: دَخَلَ الزُّبَيْرُ عَلَى عُثْمَانَ -رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ- بَعْدَ وَفَاةِ عَبْدِ اللهِ فَقَالَ:
أَعْطِنِي عَطَاءَ عَبْدِ اللهِ فَعِيَالُ عَبْدِ اللهِ
أَحَقُّ بِهِ مِنْ بَيْتِ المال فأعطاه خمسة عشر ألفًا.
(3/305)
حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ
عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: وَكَانَ عُثْمَانُ
حَرَمَهُ عطَاءهُ سَنَتَيْنِ.
يَحْيَى الحِمَّانِيُّ، عَنْ شَرِيْكٍ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُوْدٍ أَوْصَى إِلَى
الزُّبَيْرِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ.
وَعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: مَاتَ
ابْنُ مَسْعُوْدٍ بِالمَدِيْنَةِ وَدُفِنَ بِالبَقِيْعِ
سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَكَانَ نَحِيْفاً قصير
شَدِيْدَ الأُدْمَةِ وَكَذَا أَرَّخَهُ فِيْهَا جَمَاعَةٌ.
وَعَنْ عَوْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ عَاشَ
بِضْعاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً وَقَالَ يَحْيَى بنُ أَبِي
عُتْبَةَ: عَاشَ ثَلاَثاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً وَقَالَ هُوَ
وَيَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَثَلاَثِيْنَ قُلْتُ: لَعَلَّهُ مَاتَ فِي أَوَّلِهَا
وَقَالَ بَعْضُهُم: مَاتَ قَبْلَ عُثْمَانَ بِثَلاَثِ
سِنِيْنَ.
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ وَجَمَاعَةٌ، عَنْ
أَبِي جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيِّ أَخْبَرَتْنَا فَاطِمَةُ
بِنْتُ عَبْدِ اللهِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ ريْذَةَ،
أَنْبَأَنَا الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ
عَبْدِ العَزِيْزِ وَبِشْرٌ قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو
نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ فَقَالَ: إِنِّي جِئْتُكَ مِنْ
عِنْدِ رَجُلٍ يُمْلِي المَصَاحِفَ، عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ
فَفَزِعَ عُمَرُ فَقَالَ: وَيْحَكَ انْظُرْ مَا تَقُوْلُ
وَغَضِبَ فَقَالَ: مَا جِئْتُكَ إلَّا بِالحَقِّ قَالَ
مَنْ هُوَ? قَالَ: عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُوْدٍ فَقَالَ:
مَا أَعْلَمُ أَحَداً أَحَقَّ بِذَلِكَ مِنْهُ
وَسَأُحَدِّثُكَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ إِنَّا سَمَرْنَا
لَيْلَةً فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي بَعْضِ مَا يَكُوْنُ
مِنْ حَاجَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ثُمَّ خَرَجْنَا وَرَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي
بَكْرٍ فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى المَسْجِدِ إِذَا
رَجُلٌ يَقْرَأُ فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَمِعُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا
رَسُوْلَ اللهِ! أَعْتَمْتَ فَغَمَزَنِي بِيَدِهِ اسكت
قال: فقرأ وركع وَسَجَدَ وَجَلَسَ يَدْعُو وَيَسْتَغْفِرُ
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"سَلْ تُعْطَهُ" ثُمَّ قَالَ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ
القُرْآنَ رَطْباً كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْ قِرَاءةَ
ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ" فَعَلِمْتُ أَنَا وَصَاحِبِي أَنَّهُ
عَبْدُ اللهِ.
فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ إِلَيْهِ لأُبَشِّرَهُ
فَقَالَ: سَبَقَكَ بِهَا أَبُو بَكْرٍ وَمَا سَابَقْتُهُ
إِلَى خَيْرٍ قَطُّ إلَّا سَبَقَنِي إِلَيْهِ1.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ زَائِدَةُ وَغَيْرُهُ، عَنِ الأعمش، عن
إبراهيم.
__________
1 صحيح: أخرجه أبو نعيم في "الحلية" "1/ 124"، والفسوي في
"المعرفة والتاريخ" "2/ 528"، وقد تقدم تخريجنا له برقم
"647".
(3/306)
93- عُتْبَةُ بنُ مَسْعُوْدٍ الهُذَلِيُّ
1:
هَاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ قَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ:
لَمَّا مَاتَ أَبِي بكى بن مَسْعُوْدٍ وَقَالَ: أَخِي
وَصَاحِبِي مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ إلَّا مَا كَانَ
مِنْ عُمَرَ.
وَقِيْلَ: لَمَّا تُوُفِّيَ انْتَظَرَ عُمَرُ أُمَّ عَبْدٍ
فَجَاءتْ فَصَلَّتْ عَلَيْهِ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: مَا ابْنُ مَسْعُوْدٍ بِأَعْلَى
عِنْدَنَا مِنْ أَخِيْهِ عُتْبَةَ.
قُلْتُ: وَلِوَلَدِهِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ إِدْرَاكٌ
وَصُحْبَةٌ وَرِوَايَةُ حَدِيْثٍ وَهُوَ وَالِدُ أَحَدِ
الفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ عُبَيْدِ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ
بنِ عُتْبَةَ.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "4/ 126-127"، والتاريخ الكبير
"3/ ق2/ 522"، والجرح والتعديل "3/ ق1/ 373"، والإصابة "2/
ترجمة 5414".
(3/307)
93- عُتْبَةُ بنُ مَسْعُوْدٍ الهُذَلِيُّ
1:
هَاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ قَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ:
لَمَّا مَاتَ أَبِي بكى بن مَسْعُوْدٍ وَقَالَ: أَخِي
وَصَاحِبِي مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ إلَّا مَا كَانَ
مِنْ عُمَرَ.
وَقِيْلَ: لَمَّا تُوُفِّيَ انْتَظَرَ عُمَرُ أُمَّ عَبْدٍ
فَجَاءتْ فَصَلَّتْ عَلَيْهِ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: مَا ابْنُ مَسْعُوْدٍ بِأَعْلَى
عِنْدَنَا مِنْ أَخِيْهِ عُتْبَةَ.
قُلْتُ: وَلِوَلَدِهِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ إِدْرَاكٌ
وَصُحْبَةٌ وَرِوَايَةُ حَدِيْثٍ وَهُوَ وَالِدُ أَحَدِ
الفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ عُبَيْدِ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ
بنِ عُتْبَةَ.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "4/ 126-127"، والتاريخ الكبير
"3/ ق2/ 522"، والجرح والتعديل "3/ ق1/ 373"، والإصابة "2/
ترجمة 5414".
(3/307)
94- خبيب بن
يساف 1:
ابن عنبة بن عمرو بن خُدَيْجِ بنِ عَامِرِ بنِ جُشَمَ بنِ
الحَارِثِ بنِ الخَزْرَجِ الأَنْصَارِيُّ الخَزْرَجِيُّ.
وَكَانَ لَهُ أَوْلاَدٌ: أَبُو كَثِيْرٍ عَبْدُ اللهِ
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأُنَيْسَةُ وَكَانَتْ تَحْتَهُ
جَمِيْلَةُ ابْنَةُ عَبْدِ اللهِ بنِ أبي بن سَلُوْلٍ
وَقَدِ انْقَرَضَ عَقِبُهُ.
ابْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ،
أَنْبَأَنَا مُسْتَلِمُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا خُبَيْبُ
بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ خُبَيْبِ بن يِسَافٍ، عَنْ
أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- وَهُوَ يُرِيْدُ غَزْواً
أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِي لَمْ نُسْلِمْ فَقُلْنَا:
إِنَّا نَسْتَحِيِي أَنْ يَشْهَدَ قَوْمُنَا مَشْهَداً لاَ
نَشْهَدُهُ قَالَ: "أَسْلَمْتُمَا"؟ قُلْنَا: لاَ قَالَ:
"إِنَّا لاَ نَسْتَعِيْنُ بِالمُشْرِكِيْنَ عَلَى
المُشْرِكِيْنَ" قَالَ: فَأَسْلَمْنَا وَشَهِدْنَا مَعَهُ
فَقَتَلْتُ رَجُلاً وَضَرَبَنِي ضَرْبَةً وَتَزَوَّجْتُ
ابْنَتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَتْ تَقُوْلُ لِي لاَ
عَدِمْتُ رَجُلاً وَشَّحَكَ هَذَا الوِشَاحَ فَأَقُوْلُ
لَهَا: لاَ عَدِمْتِ رَجُلاً عَجَّلَ أَبَاكِ إِلَى
النَّارِ.
مَعْنٌ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ الفُضَيْلِ بنِ أَبِي
عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ نِيَارٍ، عَنْ
عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجَ رَسُوْلُ الله
-صلى الله عليه وَسَلَّمَ- إِلَى بَدْرٍ فَلَمَّا كَانَ
بِحَرَّةِ الوَبْرَةِ أَدْرَكَهُ رَجُلٌ كَانَ يُذْكَرُ
مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ ففرحوا به قالت: فقال: جئت
لأتبعك وأصيب معك فقال له
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 534-535"، والتاريخ الكبير
"2/ ق1/ 209" وحلية الأولياء "1/ 364" والجرح والتعديل "1/
ق2/ 387" والإصابة "1/ ترجمة 2219".
(3/307)
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "أَتُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ"؟ قَالَ:
لاَ، قَالَ: "فَارْجِعْ فَلَنْ نَسْتَعِيْنَ بِمُشْرِكٍ"
ثُمَّ أَدْرَكَهُ بِالشَّجَرَةِ فَقَالَ مِثْلَ
مَقَالَتِهِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ بِالبَيْدَاءِ فَقَالَ:
"أَتُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ"؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:
"انْطَلِقْ" 1.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: هُوَ خُبَيْبُ بنُ يِسَافٍ تَأَخَّرَ
إِسْلاَمُهُ حَتَّى خَرَجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى بَدْرٍ فَلَحِقَهُ فَأَسْلَمَ
وَشَهِدَ بَدْراً وَأُحُداً قَالَ: وَتُوُفِّيَ فِي
خِلاَفَةِ عُثْمَانَ وَقَدِ انْقَرَضَ وَلَدُهُ.
وَيُقَالُ فِي أَبِيْهِ: إِسَافُ بنُ عَدِيٍّ كَذَا
سَمَّاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَقَالَ شَيْخُنَا
الدِّمْيَاطِيُّ: هُوَ الَّذِي قَتَلَ أَبَا عُقْبَةَ
الحَارِثَ بنَ عَامِرٍ كَذَا قَالَ شَيْخُنَا وَخَطَّأَ
مَا فِي صَحِيْحِ البُخَارِيِّ فِي مَصْرَعِ خُبَيْبِ بنِ
عَدِيٍّ الشَّهِيْدِ مِنْ أَنَّهُ قَتَلَ الحَارِثَ يَوْمَ
بَدْرٍ فَقَتَلَهُ آلُ الحَارِثِ لَمَّا أَسَرُوْهُ بِهِ
وَهُوَ خُبَيْبُ بنُ عَدِيِّ بنِ مَالِكٍ مِنَ الأَوْسِ
وَلَمْ أَجِدْهُ مَذْكُوْراً فِي البَدْرِيِّيْنَ -رَضِيَ
اللهُ عنه.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "6/ 67-68 و148-149"، ومسلم "1817"،
وأبو داود "2732"، والترمذي "1558" من طرق عن مالك، به.
(3/308)
95- عويم بن
ساعدة 1:
ابن عائش بن قيس بن النُّعْمَانِ بنِ زَيْدِ بنِ أُمَيَّةَ
أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيُّ مِنْ بَنِي
عَمْرِو بنِ عَوْفٍ.
بَدْرِيٌّ كَبِيْرٌ شَهِدَ العَقَبَتَيْنِ فِي قَوْلِ
الوَاقِدِيِّ وَشَهِدَ الثَّانِيَةَ بِلاَ نِزَاعٍ وَآخَى
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ وَقَالَ ابْنُ
إِسْحَاقَ: بَلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَاطِبِ بنِ أَبِي
بَلْتَعَةَ.
مُوْسَى بنُ يَعْقُوْبَ الزَّمْعِيُّ، عَنِ السَّرِيِّ بنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبَّادِ بنِ حَمْزَةَ سَمِعَ
جَابِراً سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "نِعْمَ العَبْدُ مِنْ عِبَادِ اللهِ
وَالرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ عُوَيْمُ بنُ
سَاعِدَةَ"2.
وَقِيْلَ: كَانَ أَوَّلَ من استنجى بالماء.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 459-460"، والتاريخ الصغير
"1/ 44 و74"، وحلية الأولياء "2/ 11"، تهذيب التهذيب "8/
174"، الإصابة "3/ ترجمة 6112"، والتقريب "2/ 90"، وخلاصة
الخزرجي "2/ ترجمة 5655".
2 ضعيف: أخرجه ابن سعد "3/ 459"، وفيه علتان: موسى بن
يعقوب الزمعي المدني، قال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن
المديني: ضعيف منكر الحديث.
الثانية: جهالة السري بن عبد الرحمن.
(3/308)
صالح بن كيسان، عن بن شِهَابٍ، عَنْ
عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
إِنَّ الرَّجُلَيْنِ الصَّالِحَيْنِ اللَّذَيْنِ لَقِيَا
أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَهُمَا يُرِيْدَانِ سَقِيْفَةَ
بَنِي سَاعِدَةَ فَذَكَرَا مَا تَمَالأَ عَلَيْهِ القَوْمُ
وَقَالاَ: أَيْنَ تُرِيْدَانِ? قَالاَ: نُرِيْدُ
إِخْوَانَنَا مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالاَ: لاَ عَلَيْكُم
أَنْ لاَ تَقْرَبُوْهُم اقْضُوا أَمْرَكُمْ قَالَ ابْنُ
شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّهُمَا عُوَيْمُ بنُ
سَاعِدَةَ وَمَعْنُ بنُ عَدِيٍّ1.
وَقِيْلَ: عُوَيْمٌ مِمَّنْ نَزَلَتْ فِيْهِ {فِيهِ
رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التَّوْبَةُ:
108] .
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ عُوَيْمُ بنُ سَاعِدَةَ فِي
خِلاَفَةِ عُمَرَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: وَقِيْلَ: أصله بلوي.
__________
1 صحيح: أخرجه ابن سعد "3/ 460".
(3/309)
96- قِصَّةُ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ 1 "ع":
قَالَ الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ: هُوَ
سَلْمَانُ ابْنُ الإِسْلاَمِ أَبُو عَبْدِ اللهِ
الفَارِسِيُّ سَابِقُ الفُرْسِ إِلَى الإِسْلاَمِ صَحِبَ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَخَدَمَهُ وَحَدَّثَ عَنْهُ.
وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ،
وَأَبُو الطُّفَيْلِ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ،
وَشُرَحْبِيْلُ بنُ السِّمْطِ، وَأَبُو قُرَّةَ سَلَمَةُ
بنُ مُعَاوِيَةَ الكِنْدِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
يَزِيْدَ النَّخَعِيُّ، وَأَبُو عُمَرَ زَاذَانُ وَأَبُو
ظِبْيَانَ حُصَيْنُ بنُ جُنْدَبٍ الجَنْبِيُّ، وَقَرْثَعٌ
الضَّبِّيُّ الكُوْفِيُّوْنَ.
لَهُ فِي "مُسْنَدِ بَقِيٍّ" سِتُّوْنَ حَدِيْثاً
وَأَخْرَجَ لَهُ البُخَارِيُّ أَرْبَعَةَ أَحَادِيْثَ
وَمُسْلِمٌ ثَلاَثَةَ أَحَادِيْثَ.
وَكَانَ لَبِيْباً حَازِماً، مِنْ عُقَلاَءِ الرِّجَالِ،
وَعُبَّادِهِم وَنُبَلاَئِهِم.
قَالَ يَحْيَى بنُ حَمْزَةَ القَاضِي: عَنْ عُرْوَةَ بنِ
رُوَيْمٍ، عَنِ القَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ
حَدَّثَهُ قَالَ زَارَنَا سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ فَصَلَّى
الإِمَامُ الظُّهْرَ ثُمَّ خَرَجَ وَخَرَجَ النَّاسُ
يَتَلَقَّوْنَهُ كَمَا يُتَلَقَّى الخَلِيْفَةُ
فَلَقِيْنَاهُ وَقَدْ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ العَصْرَ
وَهُوَ يَمْشِي فَوَقَفْنَا نُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَلَمْ
يَبْقَ فِيْنَا شَرِيْفٌ إلَّا عَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ
يَنْزِلَ بِهِ فَقَالَ: جَعَلْتُ عَلَى نَفْسِي مَرَّتِي
هَذِهِ أن أنزل على بشير بن
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 16-17"، و"7/ 318-319"،
والتاريخ الكبير "2/ ق2/ 135"، والتاريخ الصغير "1/ 71-74"
والجرح والتعديل "2/ ق1/ 296-297"، حلية الأولياء "1/
185-208"، وتاريخ أصبهان "1/ 48-57" وتاريخ بغداد "1/
163"، والإصابة "2/ ترجمة 3357"، وتهذيب التهذيب "4/ 137".
(3/309)
سَعْدٍ. فَلَمَّا قَدِمَ سَأَلَ، عَنْ
أَبِي الدَّرْدَاءِ فَقَالُوا: هُوَ مُرَابِطٌ فَقَالَ:
أَيْنَ مُرَابَطُكُم? قَالُوا: بَيْرُوْتُ فَتَوَجَّهَ
قِبَلَهُ قَالَ: فَقَالَ سَلْمَانُ: يَا أَهْلَ
بَيْرُوْتَ! إلَّا أُحَدِّثُكُم حَدِيْثاً يُذْهِبُ اللهُ
بِهِ عَنْكُمْ عَرَضَ الرِّبَاطِ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ
صلى الله عله وسلم يقول: "رباط يوم وَلَيْلَةٍ كَصِيَامِ
شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَمَنْ مَاتَ مُرَابِطاً أُجِيْرَ مِنْ
فِتْنَةِ القَبْرِ وَجَرَى لَهُ صَالِحُ عَمَلِهِ إِلَى
يَوْمِ القِيَامَةِ" 1.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ،
أَنْبَأَنَا عَبْدُ القَوِيِّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ
الأَغْلَبِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رِفَاعَةَ،
أَنْبَأَنَا أَبُو الحَسَنِ الخِلَعِيُّ، أَنْبَأَنَا
أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ النَّحَّاسِ، أَنْبَأَنَا أَبُو
مُحَمَّدٍ بنُ الوَرْدِ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيْدٍ بنُ
عَبْدِ الرَّحِيْمِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ
هِشَامٍ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ "ح" وَأَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ
قُدَامَةَ وَأَبُو الغَنَائِمِ بنُ عَلاَّنَ إِجَازَةً
أَنَّ حَنْبَلَ بنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُم، أَنْبَأَنَا
أَبُو القَاسِمِ الشَّيْبَانِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو
عَلِيٍّ الوَاعِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ
المَالِكِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ،
حَدَّثَنِي أَبِي "ح"، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي
ومُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ وَغَيْرُهُ،
عَنْ يُوْنُسَ بنِ بُكَيْرٍ "ح" وَسَهْلُ بنُ عُثْمَانَ،
حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ "ح" وَعَنْ
يَحْيَى بنِ آدَمَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ "ح"
وَحَجَّاجُ بنُ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا زُفَرُ بنُ قُرَّةَ
جَمِيْعُهُمْ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عن عاصم بن عمر بن
قتادة، عن مَحْمُوْدِ بنِ لَبِيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ: حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ قَالَ: كُنْتُ
رَجُلاً فَارِسِيّاً مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ مِنْ أَهْلِ
قَرْيَةٍ مِنْهَا يُقَالُ لَهَا: جَيٌّ وَكَانَ أَبِي
دِهْقَانَهَا وَكُنْتُ أَحَبَّ خَلْقِ اللهِ إِلَيْهِ
فَلَمْ يَزَلْ بِي حُبُّهُ إِيَّايَ حَتَّى حَبَسَنِي فِي
بَيْتِهِ كَمَا تُحْبَسُ الجَارِيَةُ فَاجْتَهَدْتُ فِي
المَجُوْسِيَّةِ حَتَّى كُنْتُ قَاطِنَ النَّارِ الَّذِي
يُوْقِدُهَا لاَ يَتْرُكُهَا تَخْبُو ساعة وكانت لأَبِي
ضَيْعَةٌ عَظِيْمَةٌ فَشُغِلَ فِي بُنْيَانٍ لَهُ يَوْماً
فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ! إِنِّي قَدْ شُغِلْتُ فِي
بُنْيَانِي هَذَا اليَوْمَ، عَنْ ضَيْعَتِي فَاذْهَبْ
فَاطَّلِعْهَا وَأَمَرَنِي بِبَعْضِ مَا يُرِيْدُ
فَخَرَجْتُ ثُمَّ قَالَ: لاَ تَحْتَبِسْ عَلَيَّ فَإِنَّكَ
إِنِ احْتَبَسْتَ عَلَيَّ كُنْتَ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ
ضَيْعَتِي وَشَغَلَتْنِي، عَنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِي
فَخَرَجْتُ أُرِيْدُ ضَيْعَتَهُ فَمَرَرْتُ بِكَنِيْسَةٍ
مِنْ كَنَائِسِ النَّصَارَى فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُم
فِيْهَا وَهُمْ يُصَلُّوْنَ وَكُنْتُ لاَ أَدْرِي مَا
أَمْرُ النَّاسِ بِحَبْسِ أَبِي إِيَّايَ فِي بَيْتِهِ
فَلَمَّا مَرَرْتُ بِهِم وَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ
دَخَلْتُ إِلَيْهِم أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُوْنَ فَلَمَّا
رَأَيْتُهُم أَعْجَبَتْنِي صَلَوَاتُهُم وَرَغِبْتُ فِي
أَمْرِهِم وَقُلْتُ: هَذَا وَاللهِ خَيْرٌ مِنَ الدِّيْنِ
الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ فَوَاللهِ مَا تَرَكْتُهُم حَتَّى
غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَتَرَكْتُ ضَيْعَةَ أَبِي وَلَمْ
آتِهَا فَقُلْتُ لَهُم: أَيْنَ
__________
1 صحيح: ورد عن سلمان مرفوعا بلفظ: "رباط يوم وليلة خير من
صيام شهر وقيامه، وإن مات، جرى عليه عمله الذي كان يعمله،
وأجرى عليه رزقه وأمن الفتان" أخرجه مسلم "1913"، والنسائي
"6/ 39" والطحاوي في "مشكل الآثار" "3/ 102"، والحاكم "2/
80"، والبيهقي "9/ 38" من طرق عن ليث بن سعد، عن أيوب بن
موسى، عن مكحول، عن شرحبيل بن السمط، عن سلمان، به.
(3/310)
أَصْلُ هَذَا الدِّيْنِ? قَالُوا:
بِالشَّامِ قَالَ: ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَبِي وَقَدْ
بَعَثَ فِي طَلَبِي وَشَغَلْتُهُ، عَنْ عَمَلِهِ كُلِّهِ
فَلَمَّا جِئْتُهُ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! أَيْنَ كُنْتَ?
أَلَمْ أَكُنْ عَهِدْتُ إِلَيْكَ مَا عَهِدْتُ قُلْتُ: يَا
أَبَةِ! مَرَرْتُ بِنَاسٍ يُصَلُّوْنَ فِي كَنِيْسَةٍ
لَهُم فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ دِيْنِهِم
فَوَاللهِ مَا زِلْتُ عِنْدَهُم حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ
قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! لَيْسَ فِي ذَلِكَ الدِّيْنِ خَيْرٌ
دِيْنُكَ وَدِيْنُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْهُ قُلْتُ: كَلاَّ
وَاللهِ إِنَّهُ لَخَيْرٌ مِنْ دِيْنِنَا قَالَ:
فَخَافَنِي فَجَعَلَ فِي رِجْلِي قَيْداً ثُمَّ حَبَسَنِي
فِي بَيْتِهِ قَالَ: وَبَعَثْتُ إِلَى النَّصَارَى
فَقُلْتُ: إِذَا قَدِمَ عَلَيْكُم رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ
تُجَّارٌ مِنَ النَّصَارَى فَأَخْبِرُوْنِي بِهِم فَقَدِمَ
عَلَيْهِم رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ قَالَ: فَأَخْبَرُوْنِي
بِهِم فَقُلْتُ إِذَا قَضَوْا حَوَائِجَهُم وَأَرَادُوا
الرَّجْعَةَ فَأَخْبِرُوْنِي قَالَ: فَفَعَلُوا.
فَأَلْقَيْتُ الحَدِيْدَ مِنْ رِجْلِي ثُمَّ خَرَجْتُ
مَعَهُم حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ فَلَمَّا قَدِمْتُهَا
قُلْتُ: مَنْ أَفْضَلُ أَهْلِ هَذَا الدِّيْنِ? قَالُوا:
الأُسْقُفُ فِي الكَنِيْسَةِ فجِئْتُهُ فَقُلْتُ: إِنِّي
قَدْ رَغِبْتُ فِي هَذَا الدِّيْنِ وَأَحْبَبْتُ أَنْ أكون
معك أخدمك فِي كَنِيْسَتِكَ وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ
وَأُصَلِّي مَعَكَ قَالَ: فَادْخُلْ فَدَخَلْتُ مَعَهُ
فَكَانَ رَجُلَ سُوْءٍ يَأْمُرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ
وَيُرَغِّبُهُم فِيْهَا فَإِذَا جَمَعُوا إِلَيْهِ مِنْهَا
شَيْئاً اكْتَنَزَهُ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِهِ
المَسَاكِيْنَ حَتَّى جَمَعَ سَبْعَ قِلاَلٍ مِنْ ذَهَبٍ
وَوَرَقٍ فَأَبْغَضْتُهُ بُغْضاً شَدِيْداً لِمَا
رَأَيْتُهُ يَصْنَعُ.
ثُمَّ مَاتَ، فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ النَّصَارَى
لِيَدْفِنُوُهْ فَقُلْتُ لَهُم إِنَّ هَذَا رَجُلُ سُوْءٍ
يَأْمُرُكُم بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُكُم فِيْهَا فَإِذَا
جِئْتُم بِهَا كَنَزَهَا لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِ
المَسَاكِيْنَ وَأَرَيْتُهُم مَوْضِعَ كَنْزِهِ سَبْعَ
قِلاَلٍ مَمْلُوْءةٍ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا: وَاللهِ
لاَ نَدْفِنُهُ أَبَداً.
فَصَلَبُوْهُ ثُمَّ رَمَوْهُ بِالحِجَارَةِ ثُمَّ جَاؤُوا
بِرَجُلٍ جَعَلُوْهُ مَكَانَهُ فَمَا رَأَيْت رَجُلاً
-يَعْنِي لاَ يُصَلِّي الخَمْسَ- أَرَى أَنَّهُ أَفْضَلَ
مِنْهُ أَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا وَلاَ أَرْغَبَ فِي
الآخِرَةِ وَلاَ أَدْأَبَ لَيْلاً وَنَهَاراً مَا
أَعْلَمُنِي أَحَبَبْتُ شَيْئاً قَطُّ قَبْلَهُ حُبَّهُ
فَلَمْ أَزَلْ مَعَهُ حَتَّى حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ
فَقُلْتُ: يَا فُلاَنُ! قَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى مِنْ
أَمْرِ اللهِ وَإِنِّي وَاللهِ مَا أَحْبَبْتُ شَيْئاً
قَطُّ حُبَّكَ فَمَاذَا تَأْمُرُنِي وَإِلَى مَنْ
تُوْصِيْنِي?
قَالَ لِي: يَا بُنَيَّ وَاللهِ مَا أَعْلَمُهُ إلَّا
رَجُلاً بِالمَوْصِلِ فَائْتِهِ فَإِنَّكَ سَتَجِدُهُ
عَلَى مِثْلِ حَالِي.
فَلَمَّا مَاتَ وَغُيِّبَ لَحِقْتُ بِالمَوْصِلِ
فَأَتَيْتُ صَاحِبَهَا فَوَجَدْتُهُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ
مِنَ الاجْتِهَادِ وَالزُّهْدِ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ
فُلاَناً أَوْصَانِي إِلَيْكَ أَنْ آتِيَكَ وَأكُوْنَ
مَعَكَ.
قَالَ: فَأَقِمْ أَيْ بُنَيَّ فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ عَلَى
مِثْلِ أَمْرِ صَاحِبِهِ حَتَّى حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ
فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ فُلاَناً أَوْصَى بِي إِلَيْكَ
وَقَدْ حَضَرَكَ مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا تَرَى فَإِلَى مَنْ
تُوْصِي بِي? وَمَا تَأْمُرُنِي بِهِ? قَالَ وَاللهِ مَا
أَعْلَمُ -أَيْ بُنَيَّ- إلَّا رجلا بنصيبين.
(3/311)
فَلَمَّا دَفَنَّاهُ، لَحِقْتُ بِالآخَرِ،
فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِم حَتَّى
حَضَرَهُ المَوْتُ فَأَوْصَى بِي إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ
عَمُّوْرِيَةَ بِالرُّوْمِ فَأَتَيْتُهُ فَوَجَدْتُهُ
عَلَى مِثْلِ حَالِهِم وَاكْتَسَبْتُ حَتَّى كَانَ لِي
غُنَيْمَةٌ وَبُقَيْرَاتٌ.
ثُمَّ احْتُضِرَ، فَكَلَّمْتُهُ إِلَى مَنْ يُوْصِي بِي?
قَالَ: أَيْ بُنَيَّ وَاللهِ مَا أَعْلَمُهُ بَقِيَ أَحَدٌ
عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ آمُرُكَ أَنْ تَأتِيَهُ
وَلَكِنْ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ يُبْعَثُ مِنَ
الحَرَمِ مُهَاجَرُهُ بَيْنَ حَرَّتَيْنِ إِلَى أَرْضٍ
سَبْخَةٍ ذَاتِ نَخْلٍ وَإِنَّ فِيْهِ عَلاَمَاتٍ لاَ
تَخْفَى بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ يَأْكُلُ
الهَدِيَّةَ وَلاَ يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ فَإِنِ
اسْتَطْعَتَ أَنْ تَخْلُصَ إِلَى تِلْكَ البِلاَدِ
فَافْعَلْ فَإِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُهُ.
فَلَمَّا وَارَيْنَاهُ، أَقَمْتُ حَتَّى مَرَّ بِي رِجَالٌ
مِنْ تُجَّارِ العَرَبِ مِنْ كَلْبٍ فَقُلْتُ لَهُم:
تَحْمِلُوْنِي إِلَى أَرْضِ العَرَبِ وَأُعْطِيَكُم
غُنَيْمَتِي وَبَقَرَاتِي هَذِهِ? قَالُوا: نعم فأعطيتهم
إياها وحملوني حتى إذا جاءوا بِي وَادِيَ القُرَى
ظَلَمُوْنِي فَبَاعُوْنِي عَبْداً مِنْ رَجُلٍ يَهُوْدِيٍّ
بِوَادِي القُرَى فَوَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّخْلَ
وَطَمِعْتُ أَنْ يَكُوْنَ البَلَدَ الَّذِي نَعَتَ لِي
صَاحِبِي.
ومَا حَقَّتْ عِنْدِي حَتَّى قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي
قُرَيْظَةَ وَادِي القُرَى فَابْتَاعَنِي مِنْ صَاحِبِي
فَخَرَجَ بِي حَتَّى قَدِمْنَا المَدِيْنَةَ فَوَاللهِ مَا
هُوَ إلَّا أَنْ رَأَيْتُهَا فَعَرَفْتُ نَعْتَهَا.
فَأَقَمْتُ فِي رِقِّي وَبَعَثَ اللهُ نَبِيَّهُ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكَّةَ لاَ يُذْكَرُ لِي
شَيْءٌ مِنْ أَمْرِهِ مَعَ مَا أَنَا فِيْهِ مِنَ الرِّقِّ
حَتَّى قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قُبَاءَ وَأَنَا أَعْمَلُ لِصَاحِبِي فِي
نَخْلَةٍ لَهُ فَوَاللهِ إِنِّي لَفِيْهَا إِذْ جَاءهُ
ابْنُ عَمٍّ لَهُ فَقَالَ: يَا فُلاَنُ قَاتَلَ اللهُ
بَنِي قَيْلَةَ وَاللهِ إِنَّهُمُ الآنَ لَفِي قُبَاءَ
مُجْتَمِعُوْنَ عَلَى رَجُلٍ جَاءَ مِنْ مَكَّةَ
يَزْعُمُوْنَ أَنَّهُ نَبِيٌّ.
فَوَاللهِ مَا هُوَ إلَّا أَنْ سَمِعْتُهَا فَأَخَذَتْنِي
العُرَوَاءُ -يَقُوْلُ: الرِّعْدَةُ- حَتَّى ظَنَنْتُ
لأَسْقُطَنَّ عَلَى صَاحِبِي وَنَزَلْتُ أَقُوْلُ مَا
هَذَا الخَبَرُ?
فَرَفَعَ مَوْلاَيَ يَدَهُ فلكمني لكمة شديدة وقال: مالك
وَلِهَذَا أَقْبِلْ عَلَى عَمَلِكَ فَقُلْتُ: لاَ شَيْءَ
إِنَّمَا سَمِعْتُ خَبَراً فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَعْلَمَهُ.
فَلَمَّا أَمْسَيْتُ وَكَانَ عِنْدِي شَيْءٌ مِنْ طَعَامٍ
فَحَمَلْتُهُ وَذَهَبْتُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ بِقُبَاءَ فَقُلْتُ
لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ وَأَنَّ مَعَكَ
أَصْحَاباً لَكَ غُرَبَاءَ وَقَدْ كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ
مِنَ الصَّدَقَةِ فَرَأَيْتُكُم أَحَقَّ مَنْ بِهَذِهِ
البِلاَدِ فَهَاكَ هَذَا فَكُلْ مِنْهُ.
قَالَ: فَأَمْسَكَ، وَقَالَ لأَصْحَابِهِ: "كُلُوا"
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ خَلَّةٌ مِمَّا وَصَفَ لِي
صاحبي.
(3/312)
ثُمَّ رَجَعْتُ وَتَحَوَّلَ رَسُوْلُ اللهِ
إِلَى المَدِيْنَةِ فَجَمَعْتُ شَيْئاً كَانَ عِنْدِي
ثُمَّ جِئْتُهُ بِهِ فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ لاَ
تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ فَأَكَلَ
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَأَكَلَ أَصْحَابُهُ فَقُلْتُ: هَذِهِ خَلَّتَانِ.
ثُمَّ جِئْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَتْبَعُ جِنَازَةً وعليَّ شَمْلَتَانِ
لِي وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ فَاسْتَدَرْتُ أَنْظُرُ إِلَى
ظَهْرِهِ هَلْ أَرَى الخَاتَمَ الَّذِي وَصَفَ.
فَلَمَّا رَآنِي اسْتَدْبَرْتُهُ عَرَفَ أَنِّي
أَسْتَثْبِتُ فِي شَيْءٍ وُصِفَ لِي فَأَلْقَى رِدَاءهُ،
عَنْ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى الخَاتَمِ فَعَرَفْتُهُ
فَانْكَبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَبِّلُهُ وَأَبْكِي.
فَقَالَ لِي: تَحَوَّلْ فَتَحَوَّلْتُ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ
حَدِيْثِي كَمَا حدثتك يابن عَبَّاسٍ فَأَعْجَبَ رَسُوْلَ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَسْمَعَ
ذَلِكَ أَصْحَابُهُ.
ثُمَّ شَغَلَ سَلْمَانَ الرِّقُّ حَتَّى فَاتَهُ مَعَ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بَدْرٌ وَأُحُدٌ.
ثُمَّ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "كَاتِبْ يَا سَلْمَانُ" فَكَاتَبْتُ صَاحِبِي
عَلَى ثَلاَثِ مَائَةِ نَخْلَةٍ أُحْيِيْهَا لَهُ
بِالفَقِيْرِ وَبأَرْبَعِيْنَ أُوْقِيَّةً فقال رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- لأَصْحَابِهِ: "أَعِيْنُوا أَخَاكُم"
فَأَعَانُوْنِي بِالنَّخْلِ الرَّجُلُ بِثَلاَثِيْنَ
وَدِيَّةً وَالرَّجُلُ بِعِشْرِيْنَ وَالرَّجُلُ بِخَمْسَ
عَشْرَةَ حَتَّى اجْتَمَعَتْ ثَلاَثَ مَائَةِ وَدِيَّةٍ
فَقَالَ: "اذْهَبْ يَا سَلْمَانُ فَفَقِّرْ لَهَا فَإِذَا
فَرَغْتَ فَائْتِنِي أَكُوْنُ أَنَا أَضَعُهَا بِيَدِي"
فَفَقَّرْتُ لَهَا وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي حَتَّى إِذَا
فَرَغْتُ مِنْهَا جِئْتُهُ وَأَخْبَرْتُهُ فَخَرَجَ مَعِي
إِلَيْهَا نُقَرِّبُ لَهُ الوَدِيَّ وَيَضَعُهُ بِيَدِهِ
فَوَالَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ مَا مَاتَتْ
مِنْهَا وَدِيَّةٌ وَاحِدَةٌ فَأَدَّيْتُ النَّخْلَ
وَبَقِيَ عَلَيَّ المَالُ فَأُتِيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِثْلِ بَيْضَةِ دَجَاجَةٍ
مِنْ ذَهَبٍ مِنْ بَعْضِ المَغَازِي فَقَالَ: "مَا فَعَلَ
الفَارِسِيُّ المُكَاتَبُ"؟ فَدُعِيْتُ لَهُ فَقَالَ:
"خُذْهَا فَأَدِّ بِهَا مَا عَلَيْكَ" قُلْتُ: وَأَيْنَ
تَقَعُ هَذِهِ يَا رَسُوْلَ اللهِ مِمَّا عَلَيَّ? قَالَ:
"خُذْهَا فَإِنَّ اللهَ سَيُؤَدِّي بِهَا عَنْكَ"
فَأَخَذْتُهَا فَوَزَنْتُ لَهُم مِنْهَا أَرْبَعِيْنَ
أُوْقِيَّةً وَأَوْفَيْتُهُم حَقَّهُم وَعُتِقْتُ
فَشَهِدْتُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- الخَنْدَقَ حُرّاً ثُمَّ لَمْ يَفُتْنِي مَعَهُ
مَشْهَدٌ.
زَادَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ
فَقَالَ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، عَنْ رَجُلٍ
مِنْ عَبْدِ القَيْسِ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: لَمَّا
قُلْتُ لَهُ: وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ مِنَ الَّذِي
عَلَيَّ? أَخَذَهَا فَقَلَّبَهَا عَلَى لِسَانِهِ ثُمَّ
قَالَ: "خُذْهَا".
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِدْرِيْسَ: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ،
عن عاصم بن عمر، عن رجل مِنْ عَبْدِ القَيْسِ أَنَّهُ
سَمِعَ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي
مَنْ حَدَّثَهُ سَلْمَانُ أَنَّهُ كَانَ فِي حَدِيْثِهِ
حِيْنَ سَاقَهُ
(3/313)
لرسول الله أَنَّ صَاحِبَ عَمُّوْرِيَةَ
قَالَ لَهُ: إِذَا رَأَيْتَ رَجُلاً كَذَا وَكَذَا مِنْ
أَرْضِ الشَّامِ بَيْنَ غَيْضَتَيْنِ يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ
الغَيْضَةِ إِلَى هَذِهِ الغَيْضَةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ
مَرَّةً يَتَعَرَّضُهُ النَّاسُ وَيُدَاوِي الأَسْقَامَ
يَدْعُو لَهُم فَيُشْفَوْنَ فَائْتِهِ فَسَلْهُ، عَنِ
الدِّيْنِ الَّذِي يُلْتَمَسُ فَجِئْتُ حَتَّى أَقَمْتُ
مَعَ النَّاسِ بَيْنَ تَيْنَكِ الغَيْضَتَيْنِ.
فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ فِيْهَا مِنَ
الغَيْضَةِ، خَرَجَ وَغَلَبَنِي النَّاسُ عَلَيْهِ حَتَّى
دَخَلَ الغَيْضَةَ الأُخْرَى وَتَوَارَى مِنِّي إلَّا
مَنْكِبَيْهِ فَتنَاوَلْتُهُ فَأَخَذْتُ بِمَنْكِبَيْهِ
فَلَمْ يَلْتَفِت إِلَيَّ وَقَالَ: مَا لَكَ? قُلْتُ:
أَسْأَلُ، عَنْ دِيْنِ إِبْرَاهِيْمَ الحَنِيْفِيَّةِ
قَالَ: إِنَّكَ لَتَسْأَلُ، عَنْ شَيْءٍ مَا يَسْأَلُ
النَّاسُ عَنْهُ اليَوْمَ وَقَدْ أَظَلَّكَ نَبِيٌّ
يَخْرُجُ مِنْ عِنْدِ هَذَا البَيْتِ الَّذِي بِمَكَّةَ
يَأْتِي بِهَذَا الدِّيْنِ الَّذِي تَسْأَلُ عَنْهُ
فَالْحَقْ بِهِ ثُمَّ انْصَرَفَ فقال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم: "لَئِنْ كُنْتَ صَدَقْتَنِي لَقَدْ لَقِيْتَ
وَصِيَّ عِيْسَى بن مَرْيَمَ".
تَفَرَّدَ بِهِ: ابْنُ إِسْحَاقَ.
وَقَاطِنُ النَّارِ: مُلاَزِمُهَا. وَبَنُوْ قَيْلَةَ:
الأَنْصَارُ. وَالفَقِيْرُ: الحُفْرَةُ. وَالوَدِيُّ:
النّصْبَةُ.
وَقَالَ يُوْنُسُ: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي
عَاصِمٌ، حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عُمَرَ بنَ عَبْدِ
العَزِيْزِ بِنَحْوٍ مِمَّا مَرَّ وَفِيْهِ وَقَدْ
أَظَلَّكَ نبي يخرج عند أهل هذا البيت وَيُبْعَثُ بِسَفْكِ
الدَّمِ فَلَمَّا ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَئِنْ كُنْتَ
صَدَقْتَنِي يَا سَلْمَانُ لَقَدْ رَأَيْتَ حَوَارِيَّ
عِيْسَى".
عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى وَعَمْرٌو العَنْقَزِيُّ
قَالاَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيْلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،
عَنْ أَبِي قُرَّةَ الكِنْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ:
كَانَ أَبِي مِنَ الأَسَاوِرَةِ فَأَسْلَمَنِي فِي
الكُتَّابِ فَكُنْتُ أَخْتَلِفُ وَكَانَ مَعِي غُلاَمَانِ
فَكَانَا إِذَا رَجَعَا دَخَلاَ عَلَى قِسٍّ أَوْ رَاهِبٍ
فَأَدْخُلُ مَعَهُمَا فَقَالَ لَهُمَا: أَلَمْ أَنْهَكُمَا
أَنْ تُدْخِلاَ عَلَيَّ أَحَداً أَوْ تُعْلِمَا بِي
أَحَداً? فَكُنْتُ أَخْتَلِفُ حَتَّى كُنْتُ أَحَبَّ
إِلَيْهِ مِنْهُمَا فَقَالَ لِي: يَا سَلْمَانُ! إِنِّي
أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ مِنْ هَذِهِ الأَرْضِ قُلْتُ:
فَأَنَا مَعَكَ فَأَتَى قَرْيَةً فَنَزَلَهَا وَكَانَتِ
امْرَأَةٌ تَخْتَلِفُ إِلَيْهِ فَلَمَّا حُضِرَ قَالَ:
احْفِرْ عِنْدَ رَأْسِي فَاسْتَخْرَجْتُ جَرَّةً مِنْ
دَرَاهِمَ فَقَالَ: ضَعْهَا عَلَى صَدْرِي قَالَ: فَجَعَلَ
يَضْرِبُ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِهِ وَيَقُوْلُ: وَيْلٌ
لِلْقَنَّائِيْنَ قَالَ: وَمَاتَ فَاجْتَمَعَ
القِسِّيْسُوْنَ وَالرُّهْبَانُ وَهَمَمْتُ أَنْ
أَحْتَمِلَ المَالَ ثُمَّ إِنَّ اللهَ عَصَمَنِي فَقُلْتُ
لَهُم: إِنَّهُ قَدْ تَرَكَ مَالاً فَوَثَبَ شُبَّانٌ مِنْ
أَهْلِ القَرْيَةِ فَقَالُوا: هَذَا مَالُ أَبِيْنَا
كَانَت سَرِيَّتُهُ تَخْتَلِف إِلَيْهِ.
فَقُلْتُ: يَا مَعْشَرَ القِسِّيْسِيْنَ وَالرُّهْبَانِ
دُلُّوْنِي عَلَى عَالِمٍ أَكُوْنُ مَعَهُ قَالُوا: مَا
نَعْلَمُ أَحَداً أَعْلَمَ مِنْ رَاهِبٍ بِحِمْصَ
فَأَتَيْتُهُ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ
إلَّا طَلَبُ العِلْمِ? قُلْتُ:
(3/314)
نَعَمْ قَالَ: فَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ
أَحَداً فِي الأَرْضِ أَعْلَمَ مِنْ رَجُلٍ يَأْتِي بَيْتَ
المَقْدِسِ كُلَّ سَنَةٍ فِي هَذَا الشَّهْرِ وَإِن
انْطَلَقْتَ وَجَدْتَ حِمَارَهُ وَاقِفاً فَانْطَلَقْتُ
فَوَجَدْتُ حِمَارَهُ وَاقِفاً عَلَى بَابِ بَيْتِ
المَقْدِسِ فَجَلَسْتُ حَتَّى خَرَجَ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ
فَقَالَ: اجْلِسْ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْك. فَذَهَبَ
فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى العَامِ المُقْبِلِ فَقُلْتُ: مَا
صَنَعْتَ? قَالَ: وَإِنَّكَ لَهَا هُنَا بَعْدُ? قلت: نعم،
قال: فإني لا أعلم أحد فِي الأَرْضِ أَعْلَمَ مِنْ رَجُلٍ
يَخْرُجُ بِأَرْضِ تَيْمَاءَ وَهُوَ نَبِيٌّ وَهَذَا
زَمَانُهُ وَإِنِ انْطَلَقْتَ الآنَ وَافَقْتَهُ وَفِيْهِ
ثَلاَثٌ: خَاتَمُ النُّبُوَّةِ وَلاَ يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ
وَيَأْكُلُ الهَدِيَّةَ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ عِنْدَ
غُرْضُوْفِ كَتِفِهِ كَأَنَّهَا بَيْضَةُ حَمَامَةٍ
لَوْنُهَا لَوْنُ جِلْدِهِ.
فَانْطَلَقْتُ فَأَصَابَنِي قَوْمٌ مِنَ الأَعْرَابِ
فَاسْتَعْبَدُوْنِي فَبَاعُوْنِي حَتَّى وَقَعْتُ إِلَى
المَدِيْنَةِ فَسَمِعْتُهُم يَذْكُرُوْنَ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلْتُ أَهْلِي
أَنْ يَهَبُوا لِي يَوْماً فَفَعَلُوا فَخَرَجْتُ
فَاحْتَطَبْتُ فَبِعْتُهُ بِشَيْءٍ يَسِيْرٍ ثُمَّ جِئْتُ
بِطَعَامٍ اشْتَرَيْتُهُ فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالَ: "مَا هَذَا"؟ فَقُلْتُ: صَدَقَةٌ فَأَبَى أَنْ
يَأْكُلَ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا وَكَانَ
العَيْشُ يَوْمَئِذٍ عَزِيْزاً فَقُلْتُ: هَذِهِ وَاحِدَةٌ
ثُمَّ أَمْكُثُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ أَمْكُثَ ثُمَّ
قُلْتُ لأَهْلِي: هَبُوا لِي يَوْماً فَوَهَبُوا لِي
يَوْماً فَخَرَجْتُ فَاحْتَطَبْتُ فَبِعْتُهُ بِأَفَضْلَ
مِمَّا كُنْتُ بِعْتُ بِهِ يَعْنِي الأَوَّلَ
فَاشْتَرَيْتُ بِهِ طَعَاماً ثُمَّ جِئْتُ فَوَضَعْتُهُ
بَيْنَ يَدَيْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "ما هذا"؟ قُلْتُ: هَدِيَّةٌ قَالَ:
"كُلُوا" وَأَكَلَ قُلْتُ: هَذِهِ أُخْرَى ثُمَّ قُمْتُ
خَلْفَهُ فَوَضَعَ رِدَاءهُ فَرَأَيْتُ عِنْدَ غُرْضُوْفِ
كَتِفِهِ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ
رَسُوْلُ اللهِ فَقَالَ: "مَا هَذَا"؟ فَحَدَّثْتُهُ
وَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ هَذَا الرَّاهِبُ أَفِي
الجَنَّةِ هُوَ وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّكَ نَبِيُّ اللهِ؟
قَالَ: "إِنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ إلَّا نَفْسٌ
مُسْلِمَةٌ". فَقُلْتُ: إِنَّهُ أَخْبَرَنِي أَنَّكَ
نَبِيٌّ فَقَالَ: "إِنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ إلَّا
نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ".
رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، عَنْ أَبِي
كَامِلٍ وَرَوَاهُ أَبُو قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيُّ، عَنْ
عَبْدِ اللهِ بنِ رَجَاءٍ كِلاَهُمَا، عَنْ إِسْرَائِيْلَ.
سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ
لَهِيْعَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ أَبِي حَبِيْبٍ،
حَدَّثَنِي السَّلْمُ بنُ الصَّلْتِ العَبْدِيُّ، عَنْ
أَبِي الطُّفَيْلِ البَكْرِيِّ أَنَّ سَلْمَانَ الخَيْرَ
حَدَّثَهُ قَالَ: كُنْتُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ جَيٍّ
مَدِيْنَةِ أَصْبَهَانَ فَأَتَيْتُ رَجُلاً يَتَحَرَّجُ
مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ فَسَأَلْتُهُ: أَيُّ الدِّيْنِ
أَفْضَلُ? قَالَ: مَا أَعْلَمُ أَحَداً غَيْرَ رَاهِبٍ
بِالمَوْصِلِ.
فَذَهَبْتُ إِلَيْهِ فَكُنْتُ عِنْدَهُ إِلَى أَنْ قَالَ:
فَأَتَيْتُ حِجَازِيّاً فَقُلْتُ: تَحْمِلُنِي إِلَى
المَدِيْنَةِ وَأَنَا لَكَ عَبْدٌ? فَلَمَّا قَدِمْتُ
جَعَلَنِي فِي نَخْلِهِ فَكُنْتُ أَسْتَقِي كَمَا
يَسْتَقِي البَعِيْرُ حَتَّى دَبِرَ ظَهْرِي وَلاَ أَجِدُ
مَنْ يَفْقَهُ كَلاَمِي حَتَّى جَاءتْ عَجُوْزٌ
فَارِسِيَّةٌ
(3/315)
تَسْتَقِي فَكَلَّمْتُهَا فَقُلْتُ: أَيْنَ
هَذَا الَّذِي خَرَجَ? قَالَتْ: سَيَمُرُّ عَلَيْكَ
بُكْرَةً فَجَمَعْتُ تَمْراً ثُمَّ جِئْتُهُ وَقَرَّبْتُ
إِلَيْهِ التَّمْرَ فَقَالَ: "أَصَدَقَةٌ أَمْ
هَدِيَّةٌ"؟.
أَبُو إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ وَإِسْحَاقُ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ بنِ جَمِيْلٍ وَغَيْرُهُمَا قَالُوا:
أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي زِيَادٍ
القَطَوَانِيُّ، حَدَّثَنَا سَيَّارُ بنُ حَاتِمٍ،
حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ سَعِيْدٍ الرَّاسِبِيُّ،
حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاذٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ قَالَ: كُنْتُ
مِمَّنْ ولد برًا مهرمز وبها نشأت وأما أبي فمن أصبهان.
وَكَانَت أُمِّي لَهَا غِنَىً فَأَسْلَمَتْنِي إِلَى
الكُتَّابِ وَكُنْتُ أَنْطَلِقُ مَعَ غِلْمَانَ مِنْ
أَهْلِ قَرْيَتِنَا إِلَى أَنْ دَنَا مِنِّي فَرَاغٌ مِنَ
الكِتَابَةِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الغِلْمَانِ أَكْبَرُ
مِنِّي وَلاَ أَطْوَلُ وَكَانَ ثَمَّ جَبَلٌ فِيْهِ كَهْفٌ
فِي طَرِيْقِنَا فَمَرَرْتُ ذَاتَ يَوْمٍ وَحْدِي فَإِذَا
أَنَا فِيْهِ بِرَجُلٍ عَلَيْهِ ثِيَابُ شَعْرٍ
وَنَعْلاَهُ شَعْرٌ فَأَشَارَ إِلَيَّ فَدَنَوْتُ مِنْهُ
فَقَالَ: يَا غُلاَمُ أتعرف عيسى بن مَرْيَمَ? قُلْتُ: لاَ
قَالَ: هُوَ رَسُوْلُ اللهِ آمِنْ بِعِيْسَى وَبِرَسُوْلٍ
يَأْتِي مِنْ بَعْدِهِ اسْمُهُ أَحْمَدُ أَخْرَجَهُ اللهُ
مِنْ غَمِّ الدُّنْيَا إِلَى رُوْحِ الآخِرَةِ
وَنَعِيْمِهَا قُلْتُ مَا نَعِيْمُ الآخِرَةِ? قَالَ:
نَعِيْمٌ لاَ يَفْنَى فَرَأَيْتُ الحَلاَوَةَ وَالنُّوْرَ
يَخْرُجُ مِنْ شَفَتَيْهِ فَعَلِقَهُ فُؤَادِي وَفَارَقْتُ
أَصْحَابِي وَجَعَلْتُ لاَ أَذْهَبُ وَلاَ أَجِيْءُ إلَّا
وَحْدِي وَكَانَتْ أُمِّي تُرْسِلُنِي إِلَى الكُتَّابِ
فَأَنْقَطِعَ دُوْنَهُ فَعَلَّمَنِي شَهَادَةَ أَنْ لاَ
إِلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَأَنَّ
عِيْسَى رَسُوْلُ اللهِ وَمُحَمَّداً بَعْدَهُ رَسُوْلُ
اللهِ وَالإِيْمَانَ بِالبَعْثِ وَعَلَّمَنِي القِيَامَ
فِي الصَّلاَةِ وَكَانَ يَقُوْلُ لِي: إِذَا قُمْتَ فِي
الصَّلاَةِ فَاسْتَقْبَلْتَ القِبْلَةَ فَاحْتَوَشَتْكَ
النَّارُ فَلاَ تَلْتَفِتْ وَإِنْ دَعَتْكَ أُمُّكَ
وَأَبُوْكَ فَلاَ تَلْتَفِتْ إلَّا أَنْ يَدْعُوْكَ
رَسُوْلٌ مِنْ رُسُلِ اللهِ وَإِنْ دَعَاكَ وَأَنْتَ فِي
فَرِيْضَةٍ فَاقْطَعْهَا فَإِنَّهُ لاَ يَدْعُوْكَ إلَّا
بِوَحْيٍ وَأَمَرَنِي بِطُوْلِ القُنُوْتِ وَزَعَمَ أَنَّ
عِيْسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- قَالَ: طُوْلُ القُنُوْتِ
أَمَانٌ عَلَى الصِّرَاطِ وَطُوْلُ السُّجُوْدِ أَمَانٌ
مِنْ عَذَابِ القَبْرِ وَقَالَ: لاَ تَكْذِبَنَّ مَازِحاً
وَلاَ جَادّاً حَتَّى يُسَلِّمَ عَلَيْكَ مَلاَئِكَةُ
اللهِ وَلاَ تَعْصِيَنَّ اللهَ فِي طَمَعٍ ولا غضب ولا
تُحْجَبْ، عَنِ الجَنَّةِ طَرْفَةَ عَيْنٍ.
ثُمَّ قَالَ لِي: إِنْ أَدْرَكْتَ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ
اللهِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ فَآمِنْ
بِهِ وَاقْرَأْ عَلَيْهِ السَّلاَمَ مِنِّي فَإِنَّهُ
بَلَغَنِي أَنَّ عيسى بن مريم عليه السلام قَالَ: مَنْ
سَلَّمَ عَلَى مُحَمَّدٍ رَآهُ أَوْ لَمْ يَرَهُ كَانَ
لَهُ مُحَمَّدٌ شَافِعاً وَمُصَافِحاً فَدَخَلَ حَلاَوَةُ
الإِنْجِيْلِ فِي صَدْرِي.
قَالَ: فَأَقَامَ فِي مُقَامِهِ حَوْلاً ثُمَّ قَالَ: أَيْ
بُنَيَّ إِنَّكَ قَدْ أَحْبَبْتَنِي وَأَحْبَبْتُكَ
وَإِنَّمَا قَدِمْتُ بِلاَدَكُم هَذِهِ إِنَّهُ كَانَ لِي
قَرِيْبٌ فَمَاتَ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُوْنَ قَرِيْباً
مِنْ قَبْرِهِ أُصَلِّي عَلَيْهِ وَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ
لِمَا عَظَّمَ اللهُ عَلَيْنَا فِي الإِنْجِيْلِ مِنْ
حَقِّ القَرَابَةِ يَقُوْلُ اللهُ: مَنْ وَصَلَ
قَرَابَتَهُ وَصَلَنِي وَمَنْ قَطَعَ قَرَابَتَهُ فَقَدْ
قَطَعَنِي وَإِنَّهُ قَدْ بِدَا لِي الشُّخُوْصُ مِنْ
هَذَا المَكَانِ فَإِنْ كُنْتَ تُرِيْدُ
(3/316)
صُحْبَتِي فَأَنَا طَوْعُ يَدَيْكَ قُلْتُ:
عَظَّمْتَ حَقَّ القَرَابَةِ وَهُنَا أُمِّي وَقَرَابَتِي
قَالَ: إِنْ كُنْتَ تُرِيْدُ أَنْ تُهَاجِرَ مُهَاجَرَ
إِبْرَاهِيْمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فَدَعِ الوَالِدَةَ
وَالقَرَابَةَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللهَ يُصْلِحُ بَيْنَكَ
وَبَيْنَهُم حَتَّى لاَ تَدْعُو عَلَيْكَ الوَالِدَةُ.
فَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَأَتَيْنَا نَصِيْبِيْنَ
فَاسْتَقْبَلَهُ اثْنَا عَشَرَ مِنَ الرُّهْبَانِ
يَبْتَدِرُوْنَهُ وَيَبْسُطُوْنَ لَهُ أَرْدِيَتَهُم
وَقَالُوا: مَرْحَباً بِسَيِّدِنَا وَوَاعِي كِتَابِ
رَبِّنَا فَحَمِدَ اللهَ وَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ وَقَالَ:
إِنْ كُنْتُمْ تُعَظِّمُوْنِي لِتَعْظِيْمِ جَلاَلِ اللهِ
فَأَبْشِرُوا بِالنَّظَرِ إِلَى اللهِ ثُمَّ قَالَ: إِنِّي
أُرِيْدُ أَنْ أَتَعَبَّدَ فِي مِحْرَابِكُمْ هَذَا
شَهْراً فَاسْتَوْصُوا بِهَذَا الغُلاَمِ فَإِنِّي
رَأَيْتُهُ رَقِيْقاً سَرِيْعَ الإِجَابَةِ فَمَكَثَ
شَهْراً لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيَّ وَيَجْتَمِعُ الرُّهْبَانُ
خَلْفَهُ يَرْجُوْنَ أَنْ يَنْصَرِفَ وَلاَ يَنْصَرِفُ
فَقَالُوا: لَوْ تَعَرَضَّتَ لَهُ فَقُلْتُ: أَنْتُم
أَعْظَمُ عَلَيْهِ حَقّاً مِنِّي قَالُوا: أنت ضعيف غريب
بن سَبِيْلٍ وَهُوَ نَازِلٌ عَلَيْنَا فَلاَ نَقْطَعُ
عَلَيْهِ صَلاَتَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَرَى أَنَّا
نَسْتَثْقِلُهُ فَعَرَضْتُ لَهُ فَارْتَعَدَ ثُمَّ جَثَا
عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ قَالَ: مَا لَكَ يَا بُنَيَّ?
جَائِعٌ أَنْتَ? عَطْشَانُ أَنْتَ? مَقْرُوْرٌ أَنْتَ?
اشْتَقْتَ إِلَى أَهْلِكَ? قُلْتُ: بَلْ أَطَعْتُ
هَؤُلاَءِ العُلَمَاءَ قَالَ: أَتَدْرِي مَا يَقُوْلُ
الإِنْجِيْلُ? قُلْتُ: لاَ قَالَ: يَقُوْلُ مَنْ أَطَاعَ
العُلَمَاءَ فَاسِداً كَانَ أَوْ مُصْلِحاً فَمَاتَ فَهُوَ
صِدِّيْقٌ وَقَدْ بَدَا لِي أَنْ أَتَوَجَّهَ إِلَى بَيْتِ
المَقْدِسِ فَجَاءَ العُلَمَاءُ فَقَالُوا: يَا سَيِّدنَا
امْكُثْ يَوْمَكَ تُحِدِّثْنَا وَتُكَلِّمْنَا قَالَ:
إِنَّ الإِنْجِيْلَ، حَدَّثَنِي أَنَّهُ مَنْ هَمَّ
بِخَيْرٍ فَلاَ يُؤَخِّرْهُ.
فَقَامَ فَجَعَلَ العُلَمَاءُ يُقَبِّلُوْنَ كَفَّيْهِ
وَثِيَابَهُ كُلُّ ذَلِكَ يَقُوْلُ: أُوْصِيْكُمْ إلَّا
تَحْتَقِرُوا مَعْصِيَةَ اللهِ وَلاَ تَعْجَبُوا
بِحَسَنَةٍ تَعْمَلُوْنَهَا فَمَشَى مَا بَيْنَ
نَصِيْبِيْنَ وَالأَرْضِ المُقَدَّسَةِ شَهْراً يَمْشِي
نَهَارَهُ وَيَقُوْم لَيْلَهُ حَتَّى دَخَلَ بَيْتَ
المَقْدِسِ فَقَامَ شَهْراً يُصَلِّي اللَّيْلَ
وَالنَّهَارَ فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ عُلَمَاءُ بَيْتِ
المَقْدِسِ فَطَلَبُوا إِلَيَّ أَنْ أَتَعَرَّضَ لَهُ
فَفَعَلْتُ فَانْصَرَفَ إِلَيَّ فَقَالَ لِي كَمَا قَالَ
فِي المَرَّةِ الأُوْلَى.
فَلَمَّا تَكَلَّمَ اجْتَمَعَ حَوْلَهُ عُلَمَاءُ بَيْتِ
المَقْدِسِ فَحَالُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُ يَوْمَهُم
وَلَيْلَتَهُم حَتَّى أَصْبَحُوا فَمَلُّوا وَتَفَرَّقُوا
فَقَالَ لِي: أَيْ بُنَيَّ إِنِّي أُرِيْدُ أَنْ أَضَعَ
رَأْسِي قَلِيْلاً فَإِذَا بَلَغَتِ الشَّمْسُ قَدَمَيَّ
فَأَيْقِظْنِي قَالَ: وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّمْسِ
ذِرَاعَانِ فَبَلَغَتْهُ الشَّمْسُ فَرَحِمْتُهُ لِطُوْلِ
عَنَائِهِ وَتَعَبِهِ فِي العِبَادَةِ فَلَمَّا بَلَغَتِ
الشَّمْسُ سُرَّتَهُ اسْتَيْقَظَ بِحَرِّهَا.
فَقَالَ: مَا لَكَ لَمْ تُوْقِظْنِي? قُلْتُ: رَحِمْتُكَ
لِطُوْلِ عَنَائِكَ قَالَ: إِنِّي لاَ أُحِبُّ أَنْ
تَأْتِيَ عَلَيَّ سَاعَةٌ لاَ أَذْكُرُ اللهَ فِيْهَا
وَلاَ أَعْبُدُهُ أَفَلاَ رَحِمْتَنِي مِنْ طُوْلِ
المَوْقِفِ? أَيْ بُنَيَّ إِنِّي أُرِيْدُ الشُّخُوْصَ
إِلَى جَبَلٍ فِيْهِ خَمْسُوْنَ وَمَائَةُ رَجُلٍ
أَشَرُّهُمْ خَيْرٌ مِنِّي أَتَصْحَبُنِي? قُلْتُ: نَعَمْ
فَقَامَ فَتَعَلَّقَ بِهِ أَعْمَى عَلَى البَابِ فَقَالَ:
يَا أَبَا الفَضْلِ تَخْرُجُ وَلَمْ أُصِبْ مِنْكَ
خَيْراً؟ فَمَسَحَ
(3/317)
يَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَصَارَ بَصِيْراً
فَوَثَبَ مُقْعَدٌ إِلَى جَنْبِ الأَعْمَى فَتَعَلَّقَ
بِهِ فَقَالَ: مُنَّ عَلَيَّ مَنَّ اللهُ عَلَيْكَ
بِالجَنَّةِ فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَقَامَ فَمَضَى
-يَعْنِي الرَّاهِبَ- فَقُمْتُ أَنْظُرُ يَمِيْناً
وَشِمَالاً لاَ أَرَى أَحَداً فَدَخَلْتُ بَيْتَ
المَقْدِسِ فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ فِي زَاوِيَةٍ عَلَيْهِ
المُسُوْحُ فَجَلَسْتُ حَتَّى انْصَرَفَ فَقُلْتُ: يَا
عَبْدَ اللهِ مَا اسْمُكَ? قَالَ: فَذَكَرَ اسْمَهُ
فَقُلْتُ: أتعرف أبا الفضل? قال: نعم وودت أَنِّي لاَ
أَمُوْتُ حَتَّى أَرَاهُ أَمَا إِنَّهُ هُوَ الَّذِي منَّ
عَلَيَّ بِهَذَا الدِّيْنِ فَأَنَا أَنْتَظِرُ نَبِيَّ
الرَّحْمَةِ الَّذِي وَصَفَهُ لِي يَخْرُجُ مِنْ جِبَالِ
تِهَامَةَ يُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ
يَرْكَبُ الجَمَلَ وَالحِمَارَ وَالفَرَسَ وَالبَغْلَةَ
وَيَكُوْنُ الحُرُّ وَالمَمْلُوْكُ عِنْدَهُ سَوَاءً
وَتكُوْنُ الرَّحْمَةُ فِي قَلْبِهِ وَجَوَارِحِهِ لَوْ
قُسِّمَتْ بَيْنَ الدُّنْيَا كُلِّهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا
مَكَانٌ بَيْنَ كَتِفَيْهِ كَبَيْضَةِ الحَمَامَةِ
عَلَيْهَا مَكْتُوْبٌ بَاطِنُهَا اللهُ وَحْدَهُ لاَ
شَرِيْكَ لَهُ مُحَمَّدٌ رَسُوْلُ اللهِ وَظَاهِرُهَا
تَوَجَّهْ حَيْثُ شِئْتَ فَإِنَّكَ المَنْصُوْرُ يَأْكُلُ
الهَدِيَّةَ وَلاَ يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ لَيْسَ بِحَقُوْدٍ
وَلاَ حَسُوْدٍ وَلاَ يَظْلِمُ مُعَاهِداً وَلاَ مُسْلِماً
فَقُمْتُ مِنْ عِنْدِهِ فَقُلْتُ لَعَلِّي أَقْدِرُ عَلَى
صَاحِبِي فَمَشَيْتُ غَيْر بَعِيْدٍ فَالْتَفَتُّ
يَمِيْناً وَشِمَالاً لاَ أَرَى شَيْئاً.
فَمَرَّ بِي أَعْرَابٌ مِنْ كَلْبٍ، فَاحْتَمَلُوْنِي
حَتَّى أَتَوْا بِي يَثْرِبَ وَسَمَّوْنِي مَيْسَرَةَ
فَجَعَلْتُ أُنَاشِدُهُم فَلاَ يَفْقَهُوْنَ كَلاَمِي
فَاشْتَرَتْنِي امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا خُلَيْسَةُ
بِثَلاَثِ مَائَةِ دِرْهَمٍ فَقَالَتْ: مَا تُحْسِنُ?
قُلْتُ: أُصَلِّي لِرَبِّي وَأَعْبُدُهُ وَأَسُفُّ
الخُوْصَ قَالَتْ: وَمَنْ رَبُّكَ? قُلْتُ: رَبُّ
مُحَمَّدٍ قَالَتْ: وَيْحَكَ ذَاكَ بِمَكَّةَ وَلَكِنْ
عَلَيْكَ بِهَذِهِ النَّخْلَةِ وَصَلِّ لِرَبِّكَ لاَ
أَمْنَعُكَ وَسُفَّ الخُوْصَ وَاسْعَ عَلَى بَنَاتِي
فَإِنَّ رَبَّكَ يَعْنِي إِنْ تُنَاصِحْهُ فِي العِبَادَةِ
يُعْطِكَ سُؤْلَكَ.
فَمَكَثْتُ عِنْدَهَا سِتَّةَ عَشَرَ شَهْراً حَتَّى
قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- المَدِيْنَةَ فَبَلَغَنِي ذَلِكَ وَأَنَا فِي
أَقْصَى المَدِيْنَةِ فِي زَمَنِ الخِلاَلِ فَانْتَقَيْتُ
شَيْئاً مِنَ الخِلاَلِ فَجَعَلْتُهُ فِي ثَوْبِي
وَأَقْبَلْتُ أَسْأَلُ عَنْهُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ
وَهُوَ فِي منزل أبي أَيُّوْبَ وَقَدْ وَقَعَ حُبٌّ لَهُم
فَانْكَسَرَ وَانْصَبَّ المَاءُ فَقَامَ أَبُو أَيُّوْبَ
وَامْرَأَتُهُ يَلْتَقِطَانِ المَاءَ بِقَطِيْفَةٍ لَهُمَا
لاَ يَكِفُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى الله عليه وسلم.
فخرج رسول الله فَقَالَ: "مَا تَصْنَعُ يَا أَبَا
أَيُّوْبَ"؟ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: "لَكَ وَلِزَوْجَتِكَ
الجَنَّةُ". فَقُلْتُ: هَذَا وَاللهِ مُحَمَّدٌ رَسُوْلُ
الرَّحْمَةِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ أَخَذْتُ
الخِلاَلَ فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: "مَا
هَذَا يَا بُنَيَّ"؟ قُلْتُ: صَدَقَةٌ، قَالَ: "إِنَّا لاَ
نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ" فَأَخَذْتُهُ وَتَنَاوَلْتُ
إِزَارِي وَفِيْهِ شَيْءٌ آخَرُ فَقُلْتُ هَذِهِ هَدِيَّةٌ
فَأَكَلَ وَأَطَعْمَ مَنْ حَوْلَهُ ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ
فَقَالَ: "أَحُرٌّ أَنْتَ أَمْ مَمْلُوْكٌ"؟ قُلْتُ:
مَمْلُوْكٌ قَالَ: "وَلِمَ وَصَلْتَنِي بِهَذِهِ
الهَدِيَّةِ"؟.
قُلْتُ: كَانَ لِي صَاحِبٌ مِنْ أَمْرِهِ كَذَا وَصَاحِبٌ
مِنْ أَمْرِهِ كَذَا فَأَخْبَرْتُهُ بأمرهما. قال:
(3/318)
"أَمَا إِنَّ صَاحِبَيْكَ مِنَ الَّذِيْنَ
قَالَ اللهُ: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ
قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ، وَإِذَا يُتْلَى
عَلَيْهِمْ} " [القصص: 52، 53] الآيَة، مَا رَأَيْتَ فِيَّ
مَا خَبَّرَكَ? قُلْتُ: نَعَمْ إلَّا شَيْئاً بَيْنَ
كَتِفَيْكَ فَأَلْقَى ثَوْبَهُ فَإِذَا الخَاتَمُ
فَقَبَّلْتُهُ وَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلَّا
اللهَ وَأَنَّكَ رَسُوْلُ اللهِ.
فَقَالَ: "يَا بُنَيَّ أَنْتَ سَلْمَانُ" وَدَعَا عَلِيّاً
فَقَالَ: "اذْهَبْ إِلَى خُلَيْسَةَ فَقُلْ لَهَا يَقُوْلُ
لَكِ مُحَمَّدٌ إِمَّا أَنْ تُعْتِقِي هَذَا وَإِمَّا أَنْ
أُعْتِقَهُ فَإِنَّ الحِكْمَةَ تُحَرِّمُ عَلَيْكِ
خِدْمَتَهُ". قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ أَشْهَدُ
أَنَّهَا لَمْ تُسْلِمْ قَالَ: "يَا سَلْمَانُ أَوَلاَ
تَدْرِي مَا حَدَثَ بَعْدَكَ? دَخَلَ عَلَيْهَا ابْنُ
عَمِّهَا فَعَرَضَ عَلَيْهَا الإِسْلاَمَ فَأَسْلَمَتْ"
فَانْطَلَقَ عَلِيٌّ وَإِذَا هِيَ تَذْكُرُ رَسُوْلَ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَهَا علي
فَقَالَتْ: انْطَلِقْ إِلَى أَخِي تَعنِي النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْ لَهُ: إِنَّ
شِئْتَ فَأُعْتِقَهُ وَإِنْ شِئْتَ فَهُوَ لَكَ قَالَ:
فَكُنْتُ أَغْدُو وَأَرُوْحُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتُعْوِلُنِي خُلَيْسَةُ.
فَقَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ: "انْطَلِقْ بِنَا نُكَافِئْ
خُلَيْسَةً". فَكُنْتُ مَعَهُ خَمْسَةَ عَشْرَةَ يَوْماً
فِي حَائِطِهَا يُعَلُّمُنِي وَأُعِيْنُهُ حَتَّى
غَرَسْنَا لها ثلاث مئة فَسِيْلَةٍ فَكَانَ رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا اشْتَدَّ
عَلَيْهِ حَرُّ الشَّمْسِ وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ مِظَلَّةً
لِي مِنْ صُوْفٍ فَعَرِقَ فِيْهَا مِرَاراً فَمَا
وَضَعْتُهَا بَعْدُ عَلَى رَأْسِي إِعْظَاماً لَهُ
وَإِبْقَاءً عَلَى رِيْحِهِ وَمَا زِلْتُ أخبأها
وَيَنْجَابُ مِنْهَا حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا أَرْبَعُ
أَصَابِعَ فَغَزْوْتُ مَرَّةً فَسَقَطَتْ مِنِّي.
هَذَا الحَدِيْثُ شِبْهُ مَوْضُوْعٍ، وَأَبُو مُعَاذٍ
مَجْهُوْلٌ، وَمُوْسَى.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ عِيْسَى العَطَّارُ: حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ بنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدِ اللهِ
التَّيْمِيُّ، عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، عَنْ أَبِي قَبِيْلٍ
قَالَ: قِيْلَ لِسَلْمَانَ: أَخْبِرْنَا، عَنْ إِسْلاَمِكَ
قَالَ: كُنْتُ مَجُوْسِيّاً فَرَأَيْتُ كَأَنَّ
القِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ وَحُشِرَ النَّاسُ عَلَى
صُوَرِهِم وَحُشِرَ المَجُوْسُ عَلَى صُوَرِ الكِلاَبِ
فَفَزِعْتُ فَرَأَيْتُ مِنَ القَابِلَةِ أَيْضاً أَنَّ
النَّاسَ حُشِرُوا عَلَى صُوَرِهِم وَأَنَّ المَجُوْسَ
حُشِرُوا عَلَى صُوَرِ الخَنَازِيْرِ فَتَرَكْتُ دِيْنِي
وَهَرَبْتُ وَأَتَيْتُ الشَّامَ فَوَجَدْتُ يَهُوْداً
فَدَخَلْتُ فِي دِيْنِهِم وَقَرَأْتُ كُتُبَهُم وَرَضِيْتُ
بِدِيْنِهِم وَكُنْتُ عِنْدَهُم حِجَجاً فَرَأَيْتُ
فِيْمَا يَرَى النَّائِمُ أَنَّ النَّاسَ حُشِرُوا وَأَنَّ
اليَهُوْدَ أُتِيَ بِهِم فَسُلِخُوا ثُمَّ أُلْقُوا فِي
النَّارِ فَشُوُوْا ثُمَّ أُخْرِجُوا فَبُدِّلَتْ
جُلُوْدُهُم ثُمَّ أُعِيْدُوا فِي النَّارِ فَانْتَبَهْتُ
وَهَرَبْتُ مِنَ اليَهودِيَّةِ فَأَتَيْتُ قَوْماً
نَصَارَى فَدَخَلْتُ فِي دِيْنِهِم وَكُنْتُ مَعَهُم فِي
شِرْكِهِم فَكُنْتُ عِنْدَهُم حِجَجاً فَرَأَيْتُ كَأَنَّ
مَلَكاً أَخَذَنِي فَجَاءَ بِي عَلَى الصِّرَاطِ عَلَى
النَّارِ فَقَالَ: اعْبُرْ هَذَا، فَقَالَ صَاحِبُ
الصِّرَاطِ: انْظُرُوا فَإِنْ كَانَ دِيْنُهُ
النَّصْرَانِيَّةَ فَأَلْقُوْهُ فِي النَّارِ
فَانْتَبَهْتُ وَفَزِعْتُ ثُمَّ اسْتَعْبَرْتُ رَاهِباً
كَانَ صَدِيْقاً لِي فَقَالَ إِنَّ الَّذِي أَنْتَ
عَلَيْهِ دِيْنُ المَلِكِ وَلَكِنْ عَلَيْكَ
بِاليَعْقُوْبِيَّةِ فَرَفَضْتُ ذَلِكَ وَلَحِقْتُ
بِالجَزِيْرَةِ فَلَزِمْتُ رَاهِباً بِنَصِيْبِيْنَ يَرَى
رَأْيَ اليَعْقُوْبِيَّةِ فَكُنْتُ عندهم حججا، فرأيت فيما
يرى
(3/319)
النَّائِمُ أَنَّ إِبْرَاهِيْمَ خَلِيْلَ
الرَّحْمَنِ قَائِمٌ عِنْدَ العَرْشِ يَمِيْزُ مَنْ كَانَ
عَلَى مِلَّتِهِ فَيُدْخِلَهُ الجَنَّةَ وَمَنْ كَانَ
عَلَى غَيْرِ مِلَّتِهِ ذَهَبُوا بِهِ إِلَى النَّارِ
فَهَرَبْتُ مِنْ ذَلِكَ الرَّاهِبِ وأتيت راهبًا له خمسون
ومئة سَنَةٍ وَأَخْبَرْتُهُ بِقِصَّتِي فَقَالَ: إِنَّ
الَّذِي تَطْلُبُهُ لَيْسَ هُوَ اليَوْمَ عَلَى ظَهْرِ
الأَرْضِ ذَاكَ دِيْنُ الحَنَفِيَّةِ وَهُوَ دِيْنُ أَهْلِ
الجَنَّةِ وَقَدِ اقْتَرَبَ وَأَظَلَّكَ زَمَانُهُ نَبِيُّ
يَثْرِبَ يَدْعُو إِلَى هَذَا الدِّيْنِ قُلْتُ: مَا اسْمُ
هَذَا الرَّجُلِ? قَالَ: لَهُ خَمْسَةُ أَسْمَاءَ
مَكْتُوْبٌ فِي العَرْشِ مُحَمَّدٌ وَفِي الإِنْجِيْلِ
أَحْمَدُ وَيَوْمَ القِيَامَةِ مَحْمُوْدٌ وَعَلَى
الصِّرَاطِ حَمَّادٌ وَعَلَى بَابِ الجَنَّةِ حَامِدٌ
وَهُوَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيْلَ وَهُوَ قُرَشِيٌّ
فَسَرَدَ كَثِيْراً مِنْ صِفَتِهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: فَسِرْتُ فِي البَرِّيَّةِ فَسَبَتْنِي العَرَبُ
وَاسْتَخْدَمَتْنِي سِنِيْنَ فَهَرَبْتُ مِنْهُم إِلَى
أَنْ قَالَ: فَلَمَّا أَسْلَمْتُ قَبَّلَ عَلِيٌّ رَأْسِي
وَكَسَانِي أَبُو بَكْرٍ مَا كَانَ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ
قَالَ: "يَا سَلْمَانُ أَنْتَ مَوْلَى اللهِ
وَرَسُوْلِهِ".
وَهُوَ مُنْكَرٌ فِي إِسْنَادِهِ كَذَّابٌ وَهُوَ
إِسْحَاقُ مَعَ إِرْسَالِهِ وَوَهْنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ
وَالتَّيْمِيِّ.
سَمَّوَيْه، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ حَمَّادٍ القَنَّادُ،
حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بنُ نَصْرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ
أَبِي مَالِكٍ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
وَعَنْ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ وَعَنْ نَاسٍ مِنْ
أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَالَّذِينَ هَادُوا} [البقرة: 62] الآيَة فِي أَصْحَابِ
سَلْمَانَ نَزَلَتْ وَكَانَ مِنْ أهل جند سَابُوْرَ
وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِهِم وَكَانَ ابْنُ المَلِكِ
صَدِيْقاً لَهُ وَمُوَاخِياً وَكَانَا يَرْكَبَانِ إِلَى
الصَّيْدِ فَبَيْنَمَا هُمَا فِي الصَّيْدِ إِذْ رُفِعَ
لَهُمَا بَيْتٌ مِنْ عَبَاءٍ فَأَتَيَاهُ فَإِذَا هُمَا
بِرَجُلٍ بَيْنَ يَدَيْهِ مُصْحَفٌ يَقْرَأُ فِيْهِ
وَيَبْكِي فَسَأَلاَهُ: مَا هَذَا? قَالَ: الَّذِي
يُرِيْدُ أَنْ يَعْلَمَ هَذَا لاَ يَقِفُ مَوْقِفَكُمَا
فَانْزِلاَ فَنَزَلاَ إِلَيْهِ فَقَالَ: هَذَا كِتَابٌ
جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللهِ أَمَرَ فِيْهِ بِطَاعَتِهِ
وَنَهَى عَنْ مَعْصِيَتِهِ فِيْهِ أَنْ لاَ تَزْنِيَ وَلاَ
تَسْرِقَ وَلاَ تَأَخُذَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالبَاطِلِ
فَقَصَّ عَلَيْهِمَا مَا فِيْهِ وَهُوَ الإِنْجِيْلُ
فَتَابَعَاهُ فَأَسْلَمَا وَقَالَ: إِنَّ ذَبِيْحَةَ
قَوْمِكُمَا عَلَيْكُمَا حَرَامٌ وَلَمْ يَزَلْ مَعَهُمَا
يَتَعَلَّمَانِ مِنْهُ حَتَّى كَانَ عِيْدٌ لِلْمَلِكِ
فَجَعَلَ طَعَاماً ثُمَّ جَمَعَ النَّاسَ وَالأَشْرَافَ
وَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ المَلِكِ فَدَعَاهُ لِيَأْكُلَ
فَأَبَى وَقَالَ: إِنِّي عَنْكَ مَشْغُولٌ فَلَمَّا
أَكْثَرَ عَلَيْهِ أَخْبَرَ أَنَّهُ لاَ يَأْكُلُ مِنْ
طَعَامِهِم فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: مَنْ أَخْبَرَكَ
بِهَذَا? فَذَكَرَ لَهُ الرَّاهِبَ فَطَلَبَ الرَّاهِبَ
وَسَأَلَهُ فَقَالَ: صَدَقَ ابْنُكَ فَقَالَ: لَوْلاَ
أَنَّ الدَّمَ عَظِيْمٌ لَقَتَلْتُكَ اخْرُجْ مِنْ
أَرْضِنَا فَأَجَّلَهُ أَجَلاً فَقُمْنَا نَبْكِي عَلَيْهِ
فَقَالَ: إِنْ كُنْتُمَا صَادِقَيْنِ فَأَنَا فِي بَيْعَةٍ
فِي المَوْصِلِ مَعَ سِتِّيْنَ رَجُلاً نَعْبُدُ اللهِ
فَائْتُوْنَا فَخَرَجَ وَبَقِيَ سَلْمَانُ وَابْنُ
المَلِكِ فَجَعَلَ سَلْمَانُ يَقُوْلُ لابْنِ المَلِكِ:
انْطَلِقْ بِنَا وَابْنُ المَلِكِ يَقُوْلُ: نَعَمْ
فَجَعَل يَبِيْعُ مَتَاعَهُ يُرِيْدُ الجَهَازَ وَأَبْطَأَ
فَخَرَجَ سَلْمَانُ حَتَّى أَتَاهُمْ فَنَزَلَ عَلَى
صَاحِبِهِ وَهُوَ رب البيعة.
(3/320)
فَكَانَ سَلْمَان مَعَهُ يَجْتَهِدُ فِي
العِبَادَةِ فَقَالَ لَهُ الشَيْخُ: إِنَّكَ غُلاَمٌ
حَدَثٌ وَأَنَا خَائِفٌ أَنْ تَفْتُرَ فَارْفُقْ
بِنَفْسِكَ قَالَ: خَلِّ عَنِّي.
ثُمَّ إِنَّ صَاحِبَ البَيْعَةِ دَعَاهُ فَقَالَ: تَعْلَمُ
أَنَّ هَذِهِ البَيْعَةَ لِي وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أُخْرِجَ
هَؤُلاَءِ لَفَعَلْتُ وَلَكِنِّي رَجُلٌ أَضْعُفُ، عَنْ
عِبَادَةِ هَؤُلاَءِ وَأَنَا أُرِيْدُ أَنْ أَتَحَوَّلَ
إِلَى بَيْعَةٍ أَهْلُهَا أَهْوَنُ عِبَادَةً فَإِنْ
شِئْتَ أَنْ تُقِيْمَ هَا هُنَا فَأَقِمْ.
فَأَقَامَ بِهَا يَتَعَبَّدُ مَعَهُم ثُمَّ إِنَّ شَيْخَهُ
أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بَيْتَ المَقْدِسِ فَدَعَا
سَلْمَانَ وَأَعْلَمَهُ فَانْطَلَقَ مَعَهُ فَمَرُّوا
بِمُقْعَدٍ عَلَى الطَّرِيْقِ فَنَادَى يَا سَيِّدَ
الرُّهْبَانِ ارْحَمْنِي فَلَمْ يُكَلِّمْهُ حَتَّى أَتَى
بَيْتَ المَقْدِسِ فَقَالَ لِسَلْمَانَ: اخْرُجْ فَاطْلُبِ
العِلْمَ فَإِنَّهُ يَحْضُرُ المَسْجِدَ عُلَمَاءُ أَهْلِ
الأَرْضِ.
فَخَرَجَ سَلْمَانُ يَسْمَعُ مِنْهُم فَخَرَجَ يَوْماً
حَزِيْناً فَقَالَ لَهُ الشَيْخُ: مَا لَكَ? قَالَ: أَرَى
الخَيْرَ كُلَّهُ قَدْ ذَهَبَ بِهِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا
مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَأَتْبَاعِهِم.
قَالَ: أَجَلْ لاَ تَحْزَنْ فَإِنَّهُ قَدْ بَقِي نَبِيٌّ
لَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ بِأَفَضْلَ تَبَعاً مِنْهُ وَهَذَا
زَمَانُهُ وَلاَ أَرَانِي أُدْرِكُهُ وَلَعَلَّكَ
تُدْرِكُهُ وَهُوَ يَخْرُجُ فِي أَرْضِ العَرَبِ فَإِنْ
أَدْرَكْتَهُ فَآمِنْ بِهِ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي، عَنْ
عَلاَمَتِهِ قَالَ: مَخْتُوْمٌ فِي ظَهْرِهِ بِخَاتَمِ
النُّبُوَّةِ يَأْكُلُ الهَدِيَّةَ وَلاَ يَأْكُلُ
الصَّدَقَةَ.
ثُمَّ رَجَعَا حَتَّى بَلَغَا مَكَانَ المُقْعَدِ،
فَنَادَاهُمَا: يَا سَيِّدَ الرُّهْبَانِ ارْحَمْنِي
يَرْحَمْكَ اللهُ فَعَطَفَ إِلَيْهِ حِمَارَهُ فَأَخَذَ
بِيَدِهِ ثُمَّ رَفَعَهُ فَضَرَبَ بِهِ الأَرْضَ وَدَعَا
لَهُ فَقَالَ: قُمْ بِإِذْنِ اللهِ فَقَامَ صَحِيْحاً
يَشْتَدُّ وَسَارَ الرَّاهِبُ فَتَغَيَّبَ، عَنْ سَلْمَانَ
وَتَطَلَّبَهُ سَلْمَانُ فَلَقِيَهُ رَجُلاَنِ مِنْ كَلْبٍ
فَقَالَ: هَلْ رَأَيْتُمَا الرَّاهِبَ? فَأَنَاخَ
أَحَدُهُمَا رَاحِلَتَهُ وَقَالَ: نَعَمْ رَاعِي
الصِّرْمَةِ1 هَذَا فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى المدينة.
قَالَ سَلْمَانُ: فَأَصَابَنِي مِنَ الحُزْنِ شَيْءٌ لَمْ
يُصِبْنِي قَطُّ.
فَاشْتَرَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ جُهَيْنَةَ فَكَانَ يَرْعَى
عَلَيْهَا هُوَ وَغُلاَمٌ لَهَا يَتَرَاوَحَانِ الغَنَمَ
وَكَانَ سَلْمَانُ يَجْمَعُ الدَّرَاهِمَ يَنْتَظِرُ
خُرُوْجَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فبَيْنَمَا هُوَ يَرْعَى إِذْ أَتَاهُ صَاحِبُهُ فَقَالَ
أَشَعَرْتَ أَنَّهُ قَدِمَ المَدِيْنَةَ رَجُلٌ يَزْعُمُ
أَنَّهُ نَبِيٌّ?
فَقَالَ: أَقِمْ فِي الغَنَمِ حَتَّى آتِيَ فَهَبَطَ إِلَى
المَدِيْنَةِ فَنَظَرَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورأى خاتم النبوة،
__________
1 الصرمة: هي القطيع من الإبل والغنم قيل: هي من العشرين
إلى الثلاثين والأربعين.
(3/321)
ثُمَّ انْطَلَقَ فَاشْتَرَى بِدِيْنَارٍ
بِنِصْفِهِ شَاةً فَشَوَاهَا وَبِنِصْفِهِ خُبْزاً وَأَتَى
بِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "مَا هَذَا"؟ قَالَ صَدَقَةٌ قَالَ: "لاَ
حَاجَةَ لِي بِهَا أَخْرِجْهَا يَأْكُلْهَا
المُسْلِمُوْنَ".
ثُمَّ انْطَلَقَ فَاشْتَرَى بِدِيْنَارٍ آخَرَ خُبْزاً
وَلَحْماً فَأَتَى بِهِ فَقَالَ: هَذَا هَدِيَّةٌ
فَأَكَلاَ جَمِيْعاً وَأَخْبَرَهُ سَلْمَانُ خَبَرَ
أَصْحَابِهِ فَقَالَ كَانُوا يَصُوْمُوْنَ وَيُصَلُّوْنَ
وَيَشْهَدُوْنَ أَنَّكَ سَتُبْعَثُ فَقَالَ: "يَا
سَلْمَانُ هُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ" فَاشْتَدَّ ذَلِكَ
عَلَى سَلْمَانَ وَقَدْ كَانَ قَالَ لَوْ أَدْرَكُوْكَ
صَدَّقُوْكَ وَاتَّبَعُوْكَ.
فَأَنْزَلَ اللهُ {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ
هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ} [البقرة: 62]
الآية.
الحَسَنُ بنُ يَعْقُوْبَ البُخَارِيُّ، وَالأَصَمُّ
قَالاَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بنُ أَبِي
صَغِيْرَةَ، عَنْ سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ
صُوْحَانَ أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ كَانَا
لَهُ صَدِيْقَيْنِ فأتياه ليكلم لهما سَلْمَانَ
لِيُحَدِّثَهُمَا حَدِيْثَهُ فَأَقْبَلاَ مَعَهُ فَلَقَوْا
سَلْمَانَ بِالمَدَائِنِ أَمِيْراً وَإِذَا هُوَ عَلَى
كُرْسِيٍّ وَإِذَا خُوْصٌ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ
يَرْتِقُهُ قَالاَ: فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ وَقَعَدْنَا
فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ كَيْفَ كَانَ
بَدْءُ إِسْلاَمِكَ? قَالَ: كُنْتُ يَتِيْماً مِنْ
رَامَهُرْمُزَ وَكَانَ ابْنُ دِهْقَانِهَا يَخْتَلِفُ
إِلَى مُعَلِّمٍ يُعَلِّمُهُ فَلَزِمْتُهُ لأَكُوْنَ فِي
كَنَفِهِ وَكَانَ لِي أَخٌ أَكْبَرُ مِنِّي وَكَانَ
مُسْتَغْنِياً بِنَفْسِهِ وَكُنْتُ غُلاَماً وَكَانَ إِذَا
قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ تَفَرَّقَ مَنْ يُحَفِّظُهُم
فَإِذَا تَفَرَّقُوا خَرَجَ فَقَنَّعَ رَأْسَهُ بِثَوْبِهِ
ثُمَّ صَعِدَ الجَبَلَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ غَيْرَ
مَرَّةٍ مُتَنَكِّراً فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّكَ تَفْعَلُ
كَذَا وَكَذَا فَلِمْ لاَ تَذْهَبُ بِي مَعَكَ? قَالَ:
أَنْتَ غُلاَمٌ وَأَخَافُ أَنْ يَظْهَرَ مِنْكَ شَيْءٌ
قُلْتُ: لاَ تَخَفْ قَالَ: فَإِنَّ فِي هَذَا الجَبَلِ
قَوْماً فِي بِرْطِيلٍ لَهُم عِبَادَةٌ وَصَلاَحٌ
يَزْعُمُوْنَ أَنَّا عَبَدَةُ النِّيْرَانِ وَعَبَدَةُ
الأَوْثَانِ وَأَنَّا عَلَى غَيْرِ دِيْنِهِم قُلْتُ:
فَاذْهَبْ بِي مَعَكَ إِلَيْهِم قَالَ: لاَ أَقْدِرُ عَلَى
ذَلِكَ حَتَّى أَسْتَأْمِرَهُم أَخَافُ أَنْ يَظْهَرَ
مِنْكَ شَيْءٌ فَيُعْلَمَ أَوْ فَيُقْتَلَ القَوْمُ
فِيْكُوْنَ هَلاَكُهُمْ عَلَى يَدِيَّ قُلْتُ: لَنْ
يَظْهَرَ مِنِّي ذَلِكَ فَاسْتَأْمِرْهُم فَقَالَ: غُلاَمٌ
عِنْدِي يَتِيْمٌ أَحَبَّ أَنْ يَأْتِيَكُم وَيَسْمَعَ
كَلاَمَكُم قَالُوا: إِنْ كُنْتَ تَثِقُ بِهِ قَالَ:
أَرْجُو قَالَ: فَقَالَ لِي: ائْتِنِي فِي السَّاعَةِ
الَّتِي رَأَيْتَنِي أَخْرُجُ فِيْهَا وَلاَ يَعْلَمَ بِكَ
أَحَدٌ فَلَمَّا كَانَتِ السَّاعَةُ تَبِعْتُهُ فَصَعَدَ
الجَبَلَ فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِم قَالَ عَلِيُّ بنُ
عَاصِمٍ: أَرَاهُ قَالَ: وَهُمْ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ
قَالَ: وَكَأَنَّ الرُّوْحَ قَدْ خَرَجَ مِنْهُمْ مِنَ
العِبَادَةِ يَصُوْمُوْنَ النَّهَارَ وَيَقُوْمُوْنَ
اللَّيْلَ وَيَأْكُلُوْنَ عِنْدَ السَّحَرِ مَا وَجَدُوا
فَقَعَدْنَا إِلَيْهِم فَتَكَلَّمُوا فَحَمَدُوا اللهَ
وَذَكَرُوا مَنْ مَضَى مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ
حَتَّى خَلَصُوا إِلَى ذِكْرِ عِيْسَى فَقَالُوا: بَعَثَ
اللهُ عِيْسَى رَسُوْلاً وَسَخَّرَ لَهُ مَا كَانَ
يَفْعَلُ مِنْ إِحِيَاءِ المَوْتَى وَخَلْقِ الطَّيْرِ
وَإِبْرَاءِ الأَكْمَهِ وَالأَبْرَصِ وَكَفَرَ بِهِ قَوْمٌ
وَتَبِعَهُ قَوْمٌ وَإِنَّمَا كَانَ عَبْدُ اللهِ
وَرَسُوْلُهُ ابتلى به خَلْقَهُ وَقَالُوا قَبْلَ ذَلِكَ:
يَا غُلاَمُ إِنَّ لَكَ لَرَبّاً وَإِنَّ لَكَ
(3/322)
لَمَعَاداً وَإِنَّ بَيْنَ يَدَيْكَ
جَنَّةٌ وَنَارٌ إِلَيْهَا تَصِيْرُ وَإِنَّ هَؤُلاَءِ
الَّذِيْنَ يَعْبُدُوْنَ النِّيْرَانَ أَهْلُ كُفْرٍ
وَضَلاَلَةٍ لَيْسُوا عَلَى دِيْنٍ.
فَلَمَّا حَضَرَتِ السَّاعَةُ الَّتِي يَنْصَرِفُ فِيْهَا
الغُلاَمُ، انْصَرَفْتُ مَعَهُ، ثُمَّ غَدَوْنَا إِلَيْهِم
فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ وَأَحْسَنَ وَلَزِمْتُهُم
فَقَالُوا لِي: يَا سَلْمَانُ إِنَّكَ غُلاَمٌ وَإِنَّكَ
لاَ تَسْتَطِيْعُ أَنْ تَصْنَعَ كَمَا نَصْنَعُ فَصَلِّ
وَنَمْ وَكُلْ وَاشْرَبْ فَاطَّلَعَ المَلِكُ عَلَى
صَنِيْعِ ابْنِهِ فَرَكِبَ فِي الخَيْلِ حَتَّى أَتَاهُمْ
فِي بَرْطِيلِهِمْ فَقَالَ: يَا هَؤُلاَءِ قَدْ
جَاوَرْتُمُوْنِي فَأَحْسَنْتُ جِوَارَكُمْ وَلَمْ تَرَوْا
مِنِّي سُوْءاً فَعَمَدْتُمْ إِلَى ابْنِي
فَأَفْسَدْتمُوْهُ عَلِيَّ قَدْ أَجَّلْتُكُمْ ثَلاَثاً
فَإِنْ قَدِرْتُ بَعْدَهَا عَلَيْكُمْ أَحْرَقْتُ
عَلَيْكُمْ بَرْطِيلَكُمْ قَالُوا: نَعَمْ وَكَفَّ
ابْنَهُ، عَنْ إِتْيَانِهِم فَقُلْتُ لَهُ: اتَّقِ اللهَ
فَإِنَّكَ تَعْرِفُ أَنَّ هَذَا الدِّيْنَ دِيْنُ اللهِ
وَأَنَّ أَبَاكَ عَلَى غَيْرِ دِيْنٍ فَلاَ تَبِعْ
آخِرَتَكَ بِدُنْيَا غَيْرِكَ قَالَ: هُوَ كَمَا تَقُوْلُ
وَإِنَّمَا أَتَخَلَّفُ، عَنِ القَوْمِ بَقْياً عَلَيْهِم
قَالَ: فَأَتَيْتُهُم فِي اليَوْمِ الَّذِي أَرَادُوا أَنْ
يَرْتَحِلُوا فَقَالُوا: يَا سَلْمَانُ قَدْ كُنَّا
نَحْذَرُ مَا رَأَيْتَ فَاتَّقِ اللهَ وَاعْلَمْ أَنَّ
الدِّيْنَ مَا أَوْصَيْنَاكَ بِهِ فَلاَ يَخْدَعَنَّكَ
أَحَدٌ، عَنْ دِيْنِكَ قُلْتُ مَا أَنَا بِمُفَارِقِكُم
قَالُوا: فَخُذْ شَيْئاً تَأْكُلْهُ فَإِنَّكَ لاَ
تَسْتَطِيْعُ مَا نَسْتَطِيْعُ نَحْنُ فَفَعَلْتُ
وَلَقِيْتُ أَخِي فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ بِأَنِّي أَمْشِي
مَعَهُم فَرَزَقَ اللهُ السَّلاَمَةَ حَتَّى قَدِمْنَا
المَوْصِلَ فَأَتَيْنَا بَيْعَةً فَلَمَّا دَخَلُوا
أَحَفُّوا بِهِم وَقَالُوا: أَيْنَ كُنْتُم? قَالُوا:
كُنَّا فِي بِلاَدٍ لاَ يَذْكُرُوْنَ اللهَ تَعَالَى بِهَا
عَبَدَةُ النِّيْرَانِ فَطُرِدْنَا فَقَدِمْنَا عَلَيْكُم.
فَلَمَّا كَانَ بعد قالوا: يا سلمان إن ههنا قومًا في هذه
الجبال هم أهل دين وإنا نريد لقائهم فكن أنت ههنا قُلْتُ:
مَا أَنَا بِمُفَارِقِكُم فَخَرَجُوا وَأَنَا مَعَهُم
فَأَصْبَحُوا بَيْنَ جِبَالٍ وَإِذَا مَاءٌ كَثِيْرٌ
وَخُبْزٌ كَثِيْرٌ وَإِذَا صَخْرَةٌ فَقَعَدْنَا عِنْدَهَا
فَلَمَّا طَلَعَتِ الشَّمْسُ خَرَجُوا مِنْ بَيْنِ تِلْكَ
الجِبَالِ يَخْرُجُ رَجُلٌ رَجُلٌ مِنْ مَكَانِهِ كَأَنَّ
الأَرْوَاحَ قَدِ انْتُزِعَتْ مِنْهُم حَتَّى كَثُرُوا
فَرَحَّبُوا بِهِم وَحَفُّوا وَقَالُوا: أَيْنَ كُنْتُم?
قَالُوا: كُنَّا فِي بِلاَدٍ فِيْهَا عَبَدَةُ نِيْرَانٍ
فَقَالُوا: مَا هَذَا الغُلاَمُ? وَطَفِقُوا يُثْنُوْنَ
عَلَيَّ وَقَالُوا: صَحِبَنَا مِنْ تِلْكَ البِلاَدِ
فَوَاللهِ إِنَّهُم لَكَذَلِكَ إِذْ طَلَعَ عَلَيْهِم
رَجُلٌ مِنْ كَهْفٍ فَجَاءَ فَسَلَّمَ فَحَفُّوا بِهِ
وَعَظَّمَهُ أَصْحَابِي وَقَالَ: أَيْنَ كُنْتُم?
فَأَخْبَرُوْهُ فَقَالَ: مَا هَذَا الغُلاَمُ? فَأَثْنَوْا
عَلَيَّ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَرَ
رُسُلَهُ وَذَكَرَ مَوْلِدَ عِيْسَى بن مَرْيَمَ وَأَنَّهُ
وُلِدَ بِغَيْرِ ذَكَرٍ فَبَعَثَهُ اللهُ رَسُوْلاً
وَأَجْرَى عَلَى يَدَيْهِ إِحْيَاءَ المَوْتَى وَأَنَّهُ
يَخْلُقُ مِنَ الطِّيْنِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَيَنْفُخُ
فِيْهِ فِيَكُوْنُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأَنْزَلَ
عَلَيْهِ الإِنْجِيْلَ وعلمه التوارة وَبَعَثَهُ رَسُوْلاً
إِلَى بَنِي إِسْرَائِيْلَ فَكَفَرَ بِهِ قَوْمٌ وَآمَنَ
بِهِ قَوْمٌ إِلَى أَنْ قَالَ: فَالْزَمُوا مَا جَاءَ بِهِ
عِيْسَى وَلاَ تُخَالِفُوا فَيُخَالَفَ بِكُم ثُمَّ قَالَ:
مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ هَذَا شَيْئاً
فَلْيَأْخُذْ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَقُوْمُ فَيَأْخُذُ
الجَرَّةَ مِنَ المَاءِ وَالطَّعَامِ وَالشَيْءِ فَقَامَ
إِلَيْهِ أَصْحَابِي الَّذِيْنَ جِئْتُ مَعَهُم
فَسَلَّمُوا عليه،
(3/323)
وَعَظَّمُوْهُ، وَقَالَ لَهُم: الْزَمُوا
هَذَا الدِّيْنَ وَإِيَّاكُم أَنْ تَفَرَّقُوا
وَاسْتَوْصُوا بِهَذَا الغُلاَمِ خَيْراً، وَقَالَ لِي:
يَا غُلاَمُ هَذَا دِيْنُ اللهِ الَّذِي تَسْمَعُنِي
أَقُوْلُهُ وَمَا سِوَاهُ الكُفْرُ، قُلْتُ: مَا أَنَا
بِمُفَارِقِكَ. قَالَ: إِنَّكَ لاَ تَسْتَطِيْعُ أَنْ
تَكُوْنَ مَعِي، إِنِّي مَا أَخْرُجُ مِنْ كَهْفِي هَذَا
إلَّا كُلَّ يَوْمِ أَحَدٍ. قُلْتُ: مَا أَنَا
بِمُفَارِقِكَ. قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: يَا أَبَا
فُلاَنٍ! إِنَّ هَذَا لَغُلاَمٌ، وَيُخَافُ عَلَيْهِ.
قَالَ لِي: أَنْتَ أَعْلَمُ. قُلْتُ: فَإِنِّي لاَ
أُفَارِقُكَ. فَبَكَى أَصْحَابِي لِفِرَاقِي. فَقَالَ: يَا
غُلاَمُ خُذْ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ مَا يَكْفِيْكَ
لِلأَحَدِ الآخَرِ، وَخُذْ مِنَ المَاءِ مَا تَكْتَفِي
بِهِ. فَفَعَلْتُهُ، فَمَا رَأَيْتُهُ نَائِماً وَلاَ
طَاعِماً إلَّا رَاكِعاً وَسَاجِداً إِلَى الأَحَدِ
الآخَرِ. فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَالَ: خُذْ جَرَّتَكَ
هَذِهِ وَانْطَلِقْ فَخَرَجْتُ أَتْبَعُهُ حَتَّى
انْتَهَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ وَإِذَا هُم قَدْ خَرَجُوا
مِنْ تِلْكَ الجِبَالِ يَنْتَظِرُوْنَ خُرُوْجَهُ،
فَعَدَوْا وَعَادَ فِي حَدِيْثِهِ، وَقَالَ: الْزَمُوا
هَذَا الدِّيْنَ وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا اللهَ،
وَاعْلَمُوا أَنَّ عِيْسَى كَانَ عَبْداً لِلِّهِ أَنْعَمَ
عَلَيْهِ. فَقَالُوا: كَيْفَ وَجَدْتَ هَذَا الغُلاَمَ?
فَأَثْنَى عَلَيَّ وَإِذَا خُبْزٌ كَثِيْرٌ وَمَاءٌ
كَثِيْرٌ، فَأَخَذُوا مَا يَكْفِيْهِمْ وَفَعَلْتُ،
فَتَفَرَّقُوا فِي تِلْكَ الجِبَالِ، وَرَجَعْنَا إِلَى
الكَهْفِ فَلَبِثْنَا مَا شَاءَ اللهُ، يَخْرُجُ كُلَّ
أَحَدٍ وَيَحُفُّوْنَ بِهِ. فَخَرَجَ يَوْماً فَحَمِدَ
اللهَ تَعَالَى وَوَعَظَهُم، ثُمَّ قَالَ: يَا هَؤُلاَءِ
إِنَّهُ قَدْ كَبِرَ سِنِّي وَرَقَّ عَظْمِي وَاقْتَرَبَ
أَجَلِي وَإِنَّهُ لاَ عَهْدَ لِي بِهَذَا البَيْتِ مُذْ
كَذَا وَكَذَا وَلاَ بُدَّ مِنْ إِتْيَانِهِ فَاسْتَوْصُوا
بِهَذَا الغُلاَمِ خَيْراً فَإِنِّي رَأَيْتُهُ لاَ بَأْسَ
بِهِ.
فَجَزِعَ القَوْمُ، وَقَالُوا: أَنْتَ كَبِيْرٌ وَأَنْتَ
وَحْدَكَ فَلاَ نَأْمَنُ أَنْ يُصِيْبَكَ الشَيْءُ
وَلَسْنَا عِنْدَكَ، مَا أَحْوَجَ مَا كُنَّا إِلَيْكَ.
قَالَ: لاَ تُرَاجِعُوْنِي. فَقُلْتُ: مَا أَنَا
بِمُفَارِقِكَ. قَالَ: يَا سَلْمَانُ قَدْ رَأَيْتَ حَالِي
وَمَا كُنْتُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ، أَنَا
أَمْشِي، أَصُوْمُ النَّهَارَ وَأَقُوْمُ اللَّيْلَ، وَلاَ
أَسْتَطِيْعُ أَنْ أَحْمِلَ مَعِي زَاداً وَلاَ غَيْرَهُ
وَأَنْتَ لاَ تَقْدِرُ عَلَى هَذَا. قُلْتُ: مَا أَنَا
بِمُفَارِقِكَ. قَالَ: أَنْتَ أَعْلَمُ.
وَبَكَوْا، وَوَدَّعُوْهُ، وَاتَّبَعْتُهُ يَذْكُرُ اللهَ،
وَلاَ يَلْتَفِتُ، وَلاَ يَقِفُ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى إِذَا
أَمْسَيْنَا قَالَ: صَلِّ أَنْتَ، وَنَمْ وَقُمْ، وَكُلْ
وَاشْرَبْ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي حَتَّى إِذَا
انْتَهَيْنَا إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ وَكَانَ لاَ
يَرْفَعُ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا عَلَى بَابِ
المَسْجِدِ مُقْعَدٌ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ قَدْ
تَرَى حَالِي فَتَصَدَّقْ عَلَيَّ بِشَيْءٍ. فَلَمْ
يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ وَدَخَلَ المَسْجِدَ، فَجَعَلَ
يَتْبَعُ أَمْكِنَةً يُصَلِّي فِيْهَا. ثُمَّ قَالَ: يَا
سَلْمَانُ! لَمْ أَنَمْ مُذْ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ أَنْتَ
جَعَلْتَ أَنْ تُوْقِظَنِي إِذَا بَلَغ الظَّلُّ مَكَانَ
كَذَا وَكَذَا نِمْتُ، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَنَامَ فِي
هَذَا المَسْجِدِ، وَإِلاَّ لَمْ أَنَمْ. قُلْتُ: فَإِنِّي
أَفْعَلُ. فَنَامَ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا لَمْ
يَنَمْ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا لأَدَعَنَّهُ يَنَامُ.
وَكَانَ لَمَّا يَمْشِي وَأَنَا مَعَهُ يُقْبِلُ عَلَيَّ
فَيَعِظُنِي وَيُخْبِرُنِي أَنَّ لِي رَبّاً، وَأَنَّ
بَيْنَ يَدَيَّ جَنَّةً وَنَاراً وَحِسَاباً،
وَيُذَكِّرُنِي نَحْوَ مَا كَانَ يُذَكِّرُ
(3/324)
القَوْمَ يَوْمَ الأَحَدِ. حَتَّى قَالَ:
يَا سَلْمَانُ إِنَّ اللهَ سَوْفَ يَبْعَثُ رَسُوْلاً
اسْمُهُ أَحْمَدُ يَخْرُجُ بِتِهَامَةَ وَكَانَ رَجُلاً
أَعْجَمِيّاً لاَ يُحْسِنُ أَنْ يَقُوْلَ مُحَمَّدٌ
عَلاَمَتُهُ أَنَّهُ يَأْكُلُ الهَدِيَّةَ وَلاَ يَأْكُلُ
الصَّدَقَةَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ
وَهَذَا زَمَانُهُ الَّذِي يَخْرُجُ فِيْهِ قَدْ تَقَارَبَ
فَأَمَّا أَنَا فَإِنِّي شَيْخٌ كَبِيْرٌ وَلاَ
أَحْسَبُنِي أُدْرِكُهُ فَإِنْ أَنْتَ أَدْرَكْتَهُ
فَصَدِّقْهُ وَاتَّبِعْهُ قُلْتُ: وَإِنْ أَمَرَنِي
بِتَرْكِ دِيْنِكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ
فَإِن رِضَى الرَّحْمَنِ فِيْمَا قَالَ.
فَلَمْ يَمْضِ إلَّا يَسِيْرٌ حَتَّى اسْتَيْقَظَ فَزِعاً
يَذْكُرُ اللهَ تَعَالَى فَقَالَ: يَا سَلْمَانُ مَضَى
الفَيْءُ مِنْ هَذَا المَكَانِ وَلَمْ أَذْكُرِ اللهَ
أَيْنَ مَا كُنْتَ جَعَلْتَ عَلَى نَفْسِكَ? قُلْتُ:
لأَنَّكَ لَمْ تَنَمْ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا فَأَحْبَبْتُ
أَنْ تَسْتَوْفِيَ مِنَ النَّوْمِ فَحَمِدَ اللهَ وَقَامَ.
وَخَرَجَ فَتَبِعْتُهُ فَمَرَّ بِالمُقْعَدِ، فَقَالَ: يَا
عَبْدَ اللهِ دَخَلْتَ وَسَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي
وَخَرَجْتَ فَسَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي فَقَامَ
يَنْظُرُ هَلْ يَرَى أَحَداً فَلَمْ يَرَ فَدَنَا مِنْهُ
وَقَالَ لَهُ: نَاوِلْنِي يَدَكَ فَنَاوَلَهُ فَقَالَ:
بَاسْمِ اللهِ فَقَامَ كَأَنَّهُ نَشَطَ مِنْ عُقَالٍ
صَحِيْحاً لاَ عَيْبَ فِيْهِ فَانْطَلَقَ ذَاهِباً فَكَانَ
لاَ يَلْوِي عَلَى أَحَدٍ وَلاَ يَقُوْمُ عَلَيْهِ.
فَقَالَ لِي المُقْعَدُ: يَا غُلاَمُ احْمِلْ عَلَيَّ
ثِيَابِي حَتَّى أَنْطَلِقَ وَأُبَشِّرَ أَهْلِي
فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ وَانْطَلقَ لاَ يَلْوِي
عَلَيَّ فَخَرَجْتُ فِي أَثَرِهِ أَطْلُبُهُ فَكُلَّمَا
سَأَلْتُ عَنْهُ قَالُوا: أَمَامَكَ حَتَّى لَقِيَنِي
رَكْبٌ مِنْ كلب فسألتهم فَلَمَّا سَمِعُوا لُغَتِي
أَنَاخَ رَجُلٌ مِنْهُمْ بَعِيْرَهُ فَجَعَلَنِي خَلْفَهُ
حَتَّى أَتَوْا بِي بِلاَدَهُم فَبَاعُوْنِي
وَاشْتَرَتْنِي امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَجَعَلَتْنِي
فِي حَائِطٍ لَهَا.
وَقَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَأُخْبِرْتُ بِهِ فَأَخَذْتُ شَيْئاً مِنْ
تَمْرِ حَائِطِي وَأَتَيْتُهُ فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ نَاساً
وَإِذَا أَبُو بَكْرٍ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْهِ
فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: "مَا هَذَا"؟
قُلْتُ: صَدَقَةٌ فَقَالَ: "كُلُوا" وَلَمْ يَأْكُلْ ثُمَّ
لَبِثْتُ مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ أَخَذْتُ مِثْلَ ذَلِكَ
وَأَتَيْتُهُ بِهِ فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ نَاساً
فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: "مَا هَذَا"؟
قُلْتُ: هَدِيَّةٌ فَقَالَ: "بَاسْمِ اللهِ" وَأَكَلَ
وَأَكَلَ القَوْمُ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي هَذِهِ مِنْ
آيَاتِهِ.
كَانَ صَاحِبِي رَجُلاً أَعْجَمِيّاً، لَمْ يُحْسِنْ أَنْ
يَقُوْلَ تِهَامَةَ فَقَالَ: تُهْمَةُ.
قَالَ: فَدُرْتُ مِنْ خَلْفِهِ فَفَطِنَ لِي فَأَرْخَى
ثَوْبَهُ فَإِذَا الخَاتَمُ فِي نَاحِيَةِ كَتِفِهِ
الأَيْسَرِ فَتَبَيَّنْتُهُ ثُمَّ دُرْتُ حَتَّى جَلَستُ
بَيْنَ يَدَيْهِ فَقُلْتُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلَّا
اللهَ وَأَنَّكَ رَسُوْلُ اللهِ قَالَ: "مَنْ أَنْتَ"؟
قُلْتُ: مَمْلُوْكٌ وَحَدَّثْتُهُ حَدِيْثِي وَحَدِيْثَ
الَّذِي كُنْتُ مَعَهُ وَمَا أَمَرَنِي بِهِ قَالَ:
"لِمَنْ أَنْتَ"؟ قُلْتُ: لاِمْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ
جَعَلَتْنِي فِي حَائِطٍ لَهَا قَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ"
قَالَ: لَبَّيْكَ قَالَ: "اشْتَرِهِ" فَاشْتَرَانِي أَبُو
بَكْرٍ فَأَعْتَقَنِي فَلَبِثْتُ مَا شَاءَ اللهُ ثم
أتيته،
(3/325)
فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَقَعَدْتُ بَيْنَ
يَدَيْهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ مَا تَقُوْلُ فِي
دِيْنِ النَّصَارَى? قَالَ: "لاَ خَيْرَ فِيْهِم وَلاَ فِي
دِيْنِهِم" فَدَخَلَنِي أَمْرٌ عَظِيْمٌ وَقُلْتُ فِي
نَفْسِي: الَّذِي أَقَامَ المُقْعَدَ لاَ خَيْرَ فِي
هَؤُلاَءِ وَلاَ فِي دِيْنِهِم فَانْصَرَفْتُ وَفِي
نَفْسِي مَا شَاءَ اللهُ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ
{ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا
وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُون} [المَائِدَةُ: 82] ،
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"عَلَيَّ بسلمان" فأتاني الرسول وأنا خائف فَجِئْتُهُ
فَقَرَأَ "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ {ذَلِكَ
بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ} ثُمَّ قَالَ: "يَا
سَلْمَانُ إِنَّ الَّذِيْنَ كُنْتَ مَعَهُم وَصَاحِبَكَ
لَمْ يَكُوْنُوا نَصَارَى إِنَّمَا كَانُوا مُسْلِمِيْنَ"
فَقُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لَهُوَ الَّذِي
أَمَرَنِي بِاتِّبَاعِكَ فَقُلْتُ لَهُ: وَإِنْ أَمَرَنِي
بِتَرْكِ دِيْنِكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِ? قَالَ: نَعَمْ
فَاتْرُكْهُ فَإِنَّهُ الحَقُّ.
هَذَا حَدِيْثٌ جَيِّدُ الإِسْنَادِ حَكَمَ الحَاكِمُ
بِصِحَّتِهِ.
سَعْدَوَيْه الوَاسِطِيُّ وَأَحْمَدُ بنُ حَاتِمٍ
الطَّوِيْلُ وَجَمَاعَةٌ قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ
بنُ عَبْدِ القُدُّوْسِ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدٌ
المُكْتِبُ، حَدَّثَنِي أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بنُ
وَاثِلَةَ، حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ قَالَ:
كُنْتُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ جَيٍّ وَكَانَ أَهْلُ
قَرْيَتِي يَعْبُدُوْنَ الخَيْلَ البُلْقَ وَكُنْتُ
أَعْرِفُ أَنَّهُم لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ فَقِيْلَ لِي:
إِنَّ الَّذِي تَرُوْمُهُ إِنَّمَا هُوَ بِالمَغْرِبِ
فَأَتَيْتُ المَوْصِلَ فَسَأَلْتُ، عَنْ أَفْضَلِ رَجُلٍ
فِيْهَا فَدُلِلْتُ عَلَى رَجُلٍ فِي صَوْمَعَةٍ
فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ
جَيٍّ وَإِنِّي جِئْتُ أَطْلُبُ العِلْمَ فَضُمَّنِي
إِلَيْكَ أَخْدِمْكَ وَأَصْحَبْكَ وَتُعَلِّمْنِي مِمَّا
عَلَّمَكَ اللهُ قَالَ: نَعَمْ فَأَجْرَى عَلَيَّ مِثْلَ
مَا كَانَ يُجْرَى عَلَيْهِ وَكَانَ يُجْرَى عَلَيْهِ
الخَلُّ وَالزَّيْتُ وَالحُبُوْبُ فَلَمْ أَزَلْ مَعَهُ
حَتَّى نَزَلَ بِهِ المَوْتُ فَجَلَسْتُ عِنْدَ رَأْسِهِ
أَبْكِيْهِ فَقَالَ: مَا يُبْكِيْكَ? قُلْتُ: يُبْكِيْنِي
أَنِّي خَرَجْتُ مِنْ بِلاَدِي أَطْلُبُ الخَيْرَ
فَرَزَقَنِي اللهُ فَصَحِبْتُكَ فَعَلَّمْتَنِي
وَأَحْسَنْتَ صُحْبَتِي فَنَزَلَ بِكَ المَوْتُ فَلاَ
أَدْرِي أَيْنَ أَذْهَبُ قال: لي أخ بالجزيرة مكان كذا
وَكَذَا فَهُوَ عَلَى الحَقِّ فَائْتِهِ فَأَقْرِئْهُ
مِنِّي السَّلاَمَ وَأَخْبِرْهُ أَنِّي أَوْصَيْتُ
إِلَيْهِ وَأَوْصَيْتُكُ بِصُحْبَتِهِ فَلَمَّا قُبِضَ
أَتَيْتُ الرَّجُلَ الَّذِي وَصَفَ لِي فَأَخْبَرْتُهُ
فَضَمَّنِي إِلَيْهِ فَصَحِبْتُهُ مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ
نَزَلَ بِهِ المَوْتُ فَأَوْصَى بِي إِلَى رَجُلٍ بِقُرْبِ
الرُّوْمِ فَلَمَّا قُبِضَ أَتَيْتُهُ فَضَمَّنِي إِلَيْهِ
فَلَمَّا احْتُضِرَ بَكَيْتُ فَقَالَ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ
عَلَى دِيْنِ عِيْسَى أَعْلَمُهُ وَلَكِنْ هَذَا أَوَانٌ
يَخْرُجُ نَبِيٌّ أَوْ قَدْ خَرَجَ بِتِهَامَةَ وَأَنْتَ
عَلَى الطَّرِيْقِ لاَ يَمُرُّ بِكَ أَحَدٌ إلَّا
سَأَلْتَهُ عَنْهُ وَإِذَا بَلَغَكَ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ
فَائْتِهِ فَإِنَّهُ النَّبِيُّ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ
عِيْسَى وَآيَةُ ذَلِكَ فَذَكَرَ الخَاتَمَ وَالهَدِيَّةَ
وَالصَّدَقَةَ قَالَ: فَمَاتَ وَمَرَّ بِي نَاسٌ مِنْ
أَهْلِ مَكَّةَ فَسَأَلْتُهُم فَقَالُوا: نَعَمْ قَدْ
ظَهَرَ فِيْنَا رَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَقُلْتُ
لِبَعْضِهِم: هَلْ لَكُم أَنْ أَكُوْنَ لَكُم عَبْداً
عَلَى أَنْ تَحْمِلُوْنِي عُقْبَةً وَتُطْعِمُوْنِي مِنَ
الكِسَرِ? فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا فَصِرْتُ لَهُ عَبْداً
حَتَّى قَدِمَ بِي مَكَّةَ فَجَعَلَنِي فِي بُسْتَانٍ لَهُ
مَعَ حُبْشَانٍ
(3/326)
كَانُوا فِيْهِ فَخَرَجْتُ وَسَأَلْتُ
فَلَقِيْتُ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ بِلاَدِي فَسَأَلْتُهَا
فَإِذَا أَهْلُ بَيْتِهَا قَدْ أَسْلَمُوا فَقَالَتْ لِي:
إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَجْلِسُ فِي الحِجْرِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ إِذَا صَاحَ
عُصْفُوْرُ مَكَّةَ حَتَّى إِذَا أَضَاءَ لَهُمُ الفَجْرُ
تَفَرَّقُوا فَانْطَلَقْتُ إِلَى البُسْتَانِ وَكُنْتُ
أَخْتَلِفُ لَيْلَتِي فَقَالَ لِي الحُبْشَانُ: مَا لَكَ?
قُلْتُ: أَشْتَكِي بَطْنِي وَإِنَّمَا صَنَعْتُ ذَلِكَ
لِئَلاَّ يَفْقِدُوْنِي فَلَمَّا كَانَتِ السَّاعَةُ
الَّتِي أَخْبَرَتْنِي خَرَجْتُ أَمْشِي حَتَّى رَأَيْتُ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا
هُوَ مُحْتَبٍ وَأَصْحَابُهُ حَوْلَهُ فَأَتَيْتُهُ مِنْ
وَرَائِهِ فَأَرْسَلَ حَبْوَتَهُ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ
النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَقُلْتُ: اللهُ أَكْبَرُ
هَذِهِ وَاحِدَةٌ ثُمَّ انْصَرَفْتُ فَلَمَّا كَانَتِ
اللَّيْلَةُ المُقْبِلَةُ لَقَطْتُ تَمْراً جَيِّداً
فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: "مَا
هَذَا?" فَقُلْتُ: صَدَقَةٌ إِلَى أَنْ قَالَ: "فَاذْهَبْ
فَاشْتَرِ نَفْسَكَ" فَانْطَلَقْتُ إِلَى صَاحِبِي
فَقُلْتُ: بِعْنِي نَفْسِي قَالَ: نَعَمْ عَلَى أَنْ
تُنْبِتَ لي مئة نَخْلَةٍ فَإِذَا أَنْبَتَتْ جِئْنِي
بِوَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَأَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ
فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: "اشْتَرِ نَفْسَكَ بِذَلِكَ
وَائْتِنِي بِدَلْوٍ مِنْ مَاءِ البِئْرِ الَّذِي كُنْتَ
تَسْقِي مِنْهَا ذَلِكَ النَّخْلَ" فَدَعَا لِي رَسُوْلُ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيها ثم سقيتها
فوالله لقد غرست مئة نَخْلَةٍ فَمَا غَادَرْتُ مِنْهَا
نَخْلَةً إلَّا نَبَتَتْ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَعْطَانِي قِطْعَةً مِنْ
ذَهَبٍ فَانْطَلَقْتُ بِهَا فَوَضَعْتُهَا فِي كَفَّةِ
المِيْزَانِ وَوَضَعَ فِي الجَانَبِ الآخَرِ نَوَاةً
فَوَاللهِ مَا اسْتَقَلَّتِ القِطْعَةُ الذَّهَبُ مِنَ
الأَرْضِ وَجِئْتُ رَسُوْلَ اللهِ وَأَخْبَرْتُهُ
فَأَعْتَقَنِي.
هَذَا حَدِيْثٌ مُنْكرٌ، غَيْرُ صَحِيْحٍ، وَعَبْدُ اللهِ
بنُ عَبْدِ القُدُّوْسِ مَتْرُوْكٌ وَقَدْ تَابَعَهُ فِي
بَعْضِ الحَدِيْثِ الثَّوْرِيُّ وَشَرِيْكٌ وَأَمَّا هُوَ
فَسَمَّنَ الحَدِيْثَ فَأَفْسَدَهُ وَذَكَرَ مَكَّةَ
وَالحِجْرَ وَأَنَّ هُنَاكَ بَسَاتِيْنَ وَخَبَطَ فِي
مَوَاضِعَ وَرَوَى مِنْهُ أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ،
عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ العَلاَءِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ.
وَرَوَاهُ المُبَارَكُ أَخُو الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ،
عَنْ عُبَيْدٍ المُكْتِبِ فَقَالَ: عَنْ أَبِي
البَخْتَرِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ
كُلِّهَا كُنْتُ مِنْ أَهْلِ جَيٍّ وَقَالَ الفِرْيَابِيُّ
وَغَيْرُهُ: عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي
عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: كُنْتُ رَجُلاً مِنْ
رَامَهُرْمُزَ وَالفَارِسِيَّةُ سَمَّاهَا ابْنُ مَنْدَةَ:
أَمَةَ اللهِ.
الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الكَبِيْرِ"، حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بنُ دَاوُدَ المَكِّيُّ، حَدَّثَنَا قيس بن حفص
الدارمي، حدثنا مسلمة بن عَلْقَمَةَ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ
بنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ سماك بن حرب، عن سلامة العجلي قال:
جَاءَ ابْنُ أُخْتٍ لِي مِنَ البَادِيَةِ يُقَالُ لَهُ:
قُدَامَةُ فَقَالَ: أُحِبُّ أَنْ أَلْقَى سَلْمَانَ
فَخَرَجْنَا إِلَيْهِ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ وَجَدْنَاهُ
بِالمَدَائِنِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى عِشْرِيْنَ أَلْفاً
وَوَجَدْنَاهُ عَلَى سَرِيْرِ لِيْفٍ يَسُفُّ خُوْصاً
فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ هَذَا ابْنُ أُخْتٍ لِي
قَدِمَ فَأَحَبَّ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْكَ قَالَ:
وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ
قُلْتُ: يَزْعُمُ أَنَّهُ يُحِبُّكَ قَالَ: أحبه الله.
(3/327)
فَتَحَدَّثْنَا، وَقُلْنَا: إلَّا
تُحِدِّثُنَا، عَنْ أَصْلِكَ? قَالَ: أَنَا مِنْ أَهْلِ
رَامَهُرْمُزَ كُنَّا قَوْماً مَجُوْساً فَأَتَانِي
نَصْرَانِيٌّ مِنَ الجَزِيْرَةِ كَانَتْ أُمُّهُ مِنَّا
فَنَزَلَ فِيْنَا وَاتَّخَذَ دَيْراً وَكُنْتُ فِي
مَكْتَبِ الفَارِسِيَّةِ فَكَانَ لاَ يَزَالُ غُلاَمٌ
مَعِي فِي الكُتَّابِ يَجِيْءُ مَضْرُوْباً يَبْكِي
فَقُلْتُ لَهُ يَوْماً: مَا يُبْكِيْكَ? قَالَ:
يَضْرِبُنِي أَبَوَايَ قُلْتُ: وَلِمَ? قَالَ: آتِي هَذَا
الدَّيْرَ فَإِذَا عَلِمَا ذَلِكَ ضَرَبَانِي وَأَنْتَ
لَوْ أَتَيْتَهُ سَمِعْتَ مِنْهُ حَدِيْثاً عَجَباً
قُلْتُ: فَاذْهَبْ بِي مَعَكَ فَأَتَيْنَاهُ فَحَدَّثَنَا،
عَنْ بَدْءِ الخَلْقِ وَعَنِ الجَنَّةِ وَالنَّارِ
وَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَيْهِ مَعَهُ فَفَطِنَ لَنَا
غِلْمَانٌ مِنَ الكُتَّابِ فَجَعَلُوا يَجِيْئُوْنَ
مَعَنَا فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَهْلُ القَرْيَةِ قَالُوا
لَهُ: يَا هَنَاة! إِنَّكَ قَدْ جَاوَرْتَنَا فَلَمْ تَرَ
مِنَّا إلَّا الحَسَنَ وَإِنَّا نَرَى غِلْمَانَنَا
يَخْتَلِفُوْنَ إِلَيْكَ وَنَحْنُ نَخَافُ أَنْ
تُفْسِدَهُم اخْرُجْ عَنَّا قَالَ: نَعَمْ فَقَالَ
لِذَلِكَ الغُلاَمِ: اخْرُجْ مَعِي قَالَ: لاَ
أَسْتَطِيْعُ قَدْ عَلِمْتَ شِدَّةَ أَبَوَيَّ عَلَيَّ
قُلْتُ: أَنَا أَخْرُجُ مَعَكَ وَكُنْتُ يَتِيْماً لاَ
أَبَ لِي فَخَرَجْتُ فَأَخَذْنَا جَبَلَ رَامَهُرْمُزَ
نَمْشِي وَنَتَوَكَّلُ وَنَأْكُلُ مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرِ
حَتَّى قَدِمْنَا الجَزِيْرَةَ فَقَدِمْنَا نَصِيْبِيْنَ
فَقَالَ: هُنَا قَوْمٌ عُبَّادُ أَهْلِ الأَرْضِ فَجِئْنَا
إِلَيْهِم يَوْمَ الأَحَدِ وَقَدِ اجْتَمَعُوا فَسَلَّمَ
عَلَيْهِم فَحَيَّوْهُ وَبَشُّوا بِهِ وَقَالُوا: أَيْنَ
كَانَتْ غَيْبَتُكَ? قَالَ: كُنْتُ فِي إِخْوَانٍ لِي مِنْ
قِبَلِ فَارِسٍ ثُمَّ قَالَ صَاحِبِي: قُمْ يَا سَلْمَانُ
قَالَ: قُلْتُ: لاَ دَعْنِي مَعَ هَؤُلاَءِ قَالَ: إِنَّكَ
لاَ تُطِيْقُ مَا يُطِيْقُ هَؤُلاَءِ يَصُوْمُوْنَ
الأَحَدَ إِلَى الأَحَدِ وَلاَ يَنَامُوْنَ هَذَا
اللَّيْلَ وَإِذَا فِيْهِم رَجُلٌ مِنْ أَبْنَاءِ
المُلُوْكِ تَرَكَ المُلْكَ وَدَخَلَ فِي العِبَادَةِ
فَكُنْتُ فِيْهِم حَتَّى أَمْسَيْنَا فَجَعَلُوا
يَذْهَبُوْنَ وَاحِداً وَاحِداً إِلَى غَارِهِ الَّذِي
يَكُوْنُ فِيْهِ فَقَالَ لِي: يَا سَلْمَانُ هَذَا خُبْزٌ
وَهَذَا أُدْمٌ كُلْ إِذَا غَرِثْتَ وَصُمْ إِذَا نَشِطْتَ
وَصَلِّ مَا بَدَا لَكَ ثُمَّ قَامَ فِي صَلاَتِهِ فَلَمْ
يُكَلِّمْنِي وَلَمْ يَنْظُرْ إِلَيَّ فَأَخَذَنِي الغَمُّ
تِلْكَ الأَيَّامَ السَّبْعَةَ حَتَّى كَانَ يَوْمُ
الأَحَدِ فَذَهَبْنَا إِلَى مَجْمَعِهِم إِلَى أَنْ قَالَ
صَاحِبِي: إِنِّي أُرِيْدُ الخُرُوْجَ إِلَى بَيْتِ
المَقْدِسِ فَفَرِحْتُ وَقُلْتُ نُسَافِرُ وَنَلْقَى
النَّاسَ فَخَرَجْنَا فَكَانَ يَصُوْمُ مِنَ الأَحَدِ
إِلَى الأَحَدِ وَيُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّهُ وَيَمْشِي
بِالنَّهَارِ فَلَمْ يَزَلْ ذَاكَ دَأْبَهُ حَتَّى
انْتَهَيْنَا إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ وَعَلَى بَابِهِ
مُقْعَدٌ يَسْأَلُ النَّاسَ فَقَالَ: أَعْطِنِي قَالَ: مَا
مَعِي شَيْءٌ فَدَخَلْنَا بَيْتَ المَقْدِسِ فَبَشُّوا
بِهِ وَاسْتَبْشَرُوا فَقَالَ لَهُم: غُلاَمِي هَذَا
اسْتَوْصُوا بِهِ فَأَطْعَمُوْنِي خُبْزاً وَلَحْماً
وَدَخَلَ فِي الصَّلاَةِ فَلَمْ يَنْصَرِفْ حَتَّى كَانَ
يَوْمُ الأَحَدِ فَقَالَ لِي: يَا سَلْمَانُ إِنِّي
أُرِيْدُ أَنْ أَنَامَ فَإِذَا بَلَغَ الظِّلُّ مَكَانَ
كَذَا وَكَذَا فَأَيْقِظْنِي فَنَامَ فَلَمْ أُوْقِظْهُ
مَاوِيَةً لَهُ مِمَّا دَأَبَ فَاسْتَيْقَظَ مَذْعُوْراً
فَقَالَ: أَلَمْ أَكُنْ قُلْتُ لَكَ? ثُمَّ قَالَ لِي:
اعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ الدِّيْنِ اليَوْمَ
النَّصْرَانِيَّةُ قُلْتُ: وَيَكُوْنُ بَعْدَ اليَوْمِ
دِيْنٌ أَفْضَلُ مِنْهُ كَلِمَةٌ أُلْقِيَتْ عَلَى
لِسَانِي? قَالَ: نَعَمْ يُوْشَكُ أَنْ يُبْعَثَ نبي.....،
إلى أن قال: فطلقاني
(3/328)
رِفْقَةٌ مِنْ كَلْبٍ فَسَبَوْنِي
فَاشْتَرَانِي بِالمَدِيْنَةِ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ
فَجَعَلَنِي فِي نَخْلٍ وَمِنْ ثَمَّ تَعْلَّمْتُ عَمَلَ
الخُوْصِ أَشْتَرِي خُوْصاً بِدِرْهَمٍ فَأَعْمِلُهُ
فَأَبِيْعُهُ بِدِرْهَمَيْنِ فَأَرُدُّ دِرْهَماً فِي
الخُوْصِ وَأَسْتَنْفِقُ دِرْهَماً أُحِبُّ أَنْ كَانَ
مِنْ عَمَلِ يَدِي.
قَالَ: فَبَلَغَنَا أَنَّ رَجُلاً قَدْ خَرَجَ بِمَكَّةَ
يَزْعُمُ أَنَّ اللهَ أَرْسَلَهُ قَالَ: فَهَاجَرَ
إِلَيْنَا إِلَى أَنْ قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ
أَيُّ قَوْمٍ النَّصَارَى? قَالَ: "لاَ خَيْرَ فِيْهِم
وَلاَ فِيْمَنْ يُحِبُّهُم". قُلْتُ فِي نَفْسِي: أَنَا
وَاللهِ أُحِبُّهُم قَالَ: وَذَاكَ حِيْنَ بَعَثَ
السَّرَايَا وَجَرَّدَ السَّيْفَ فَسَرِيَّةٌ تَدْخُلُ
وَسرِيَّةٌ تَخْرُجُ وَالسَّيْفُ يَقْطُرُ قُلْتُ
يُحَدَّثُ بِي أَنِّي أُحِبُّهُم فَيَبْعَثَ إِلَيَّ
فَيَضْرِبَ عُنُقِي فَقَعَدْتُ فِي البَيْتِ فَجَاءنِي
الرَّسُوْلُ أَجِبْ رَسُوْلَ اللهِ فَخِفْتُ وَقُلْتُ:
اذْهَبْ حَتَّى أَلْحَقَكَ قَالَ: لاَ وَاللهِ حَتَّى
تَجِيْءَ فَانْطَلَقْتُ فَلَمَّا رَآنِي تَبَسَّمَ
وَقَالَ: "يَا سَلْمَانُ أَبْشِرْ فَقَدْ فَرَّجَ اللهُ
عَنْكَ" ثُمَّ تَلاَ عَلَيَّ: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ
الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ، وَإِذَا
يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِه} [القصص: 52، 53]
إِلَى قَوْلِهِ: {لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِين} [القَصَصُ:
55] قُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لَقَدْ
سَمِعْتُهُ يَقُوْل -يَعْنِي صَاحِبَهُ: لَوْ أَدْرَكْتُهُ
فَأَمَرَنِي أَنْ أَقَعَ فِي النَّارِ لَوَقَعْتُ فِيْهَا
إِنَّهُ نَبِيٌّ لاَ يَقُوْلُ إلَّا حَقّاً وَلاَ يَأْمُرُ
إلَّا بِحَقٍّ.
غَرِيْبٌ جِدّاً وَسَلاَمَةُ لاَ يُعْرَفُ.
قَالَ بَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ فِي "مُسْنَدِهِ": حَدَّثَنَا
يَحْيَى الحِمَّانِيُّ، حَدَّثَنَا شَرِيْكٌ، عَنْ
عُبَيْدٍ المُكْتِبِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ
سَلْمَانَ قَالَ: خَرَجْتُ فِي طَلَبِ العِلْمِ إِلَى
الشَّامِ فَقَالُوا لِي: إِنَّ نَبِيّاً قَدْ ظَهَرَ
بِتِهَامَةَ فَخَرَجْتُ إِلَى المَدِيْنَةِ فَبَعَثْتُ
إِلَيْهِ بِقُبَاعٍ مِنْ تَمْرٍ فَقَالَ: "أَهَدِيَّةٌ
أَمْ صَدَقَةٌ"؟ قُلْتُ: صَدَقَةٌ فَقَبَضَ يَدَهُ
وَأَشَارَ إِلَى أَصْحَابِهِ أَنْ يَأْكُلُوا ثُمَّ
أَتْبَعْتُهُ بِقُبَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَقُلْتُ: هَذَا
هَدِيَّةٌ فَأَكَلَ وَأَكَلُوا فَقُمْتُ عَلَى رَأْسِهِ
فَفَطِنَ فَقَالَ بِرِدَائِهِ، عَنْ ظَهْرِهِ فَإِذَا فِي
ظَهْرِهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ فَأَكْبَبْتُ عَلَيْهِ
وَتَشَهَّدْتُ. إِسْنَادُهُ صَالِحٌ.
أَخْرَجَ البُخَارِيُّ مِنْ حَدِيْثِ سُلَيْمَانَ
التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ
سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ قَالَ: تَدَاوَلَنِي بِضْعَةَ
عَشَرَ مِنْ رَبٍّ إلى رب1.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3946" من طريق سليمان التيمي، وأبو
نعيم في "الحلية" "1/ 195" من طريق سُلَيْمَانُ
التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ
سَلْمَانَ الفارسي، به.
(3/329)
يَحْيَى الحِمَّانِيُّ، حَدَّثَنَا
شَرِيْكٌ، عَنْ عُبَيْدٍ المُكْتِبِ، عَنْ أَبِي
الطُّفَيْلِ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ كَاتَبْتُ فَأَعَانَنِي
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِبَيْضَةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَلَوْ وُزِنَتْ بِأُحُدٍ كَانَتْ
أَثْقَلَ مِنْهُ1.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ،
عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ كَاتَبْتُ
أَهْلِي عَلَى أَنْ أَغْرِسَ لَهُم خَمْسَ مئة فَسِيْلَةٍ
فَإِذَا عَلِقَتْ فَأَنَا حُرٌّ فَقَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "إِذَا أَرَدْتَ أَنْ
تَغْرِسَ فَآذِنِّي" فَآذَنْتُهُ فَغَرَسَ بِيَدِهِ إلَّا
وَاحِدَةً غَرَسْتُهَا فَيَعْلِقُ الجَمِيْعُ إلَّا
الوَاحِدَةَ الَّتِي غَرَسْتُ2.
قَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ، حَدَّثَنَا أَبُو هَاشِمٍ، عَنْ
زَاذَانَ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ قَرَأْتُ فِي التَّوْرَاةِ
أَنَّ البَرَكَةَ تَنْزِلُ فِي الوُضُوْءِ قَبْلَ
الطَّعَامِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ "تَنْزِلُ قَبْلَ الطَّعَامِ
فِي الوُضُوْءِ وَفِي الوضوء بعده"3.
أَبُو بَدْرٍ السَّكُوْنِيُّ، عَنْ قَابُوْسِ بنِ أَبِي
ظِبْيَانَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ لِي
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا
سَلْمَانُ لاَ تُبْغِضْنِي فَتُفَارِقَ دِيْنَكَ" قُلْتُ
بِأَبِي وَأُمِّي كَيْفَ أُبْغِضُكَ وَبِكَ هَدَانِي اللهُ
قَالَ: "تُبْغِضُ العَرَبَ فَتُبْغِضُنِي"4.
قَابُوْسُ بنُ حَسَنَةَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ يَحْيَى بنُ
عُقْبَةَ بنِ أَبِي العَيْزَارِ من الضعفاء، عن محمد
__________
1 ضعيف: فيه شريك النخعي، ضعيف لسوء حفظه.
2 ضعيف: فيه علي بن زيد، وهو ابن جدعان، ضعيف، وهو عند
أحمد "5/ 440".
3 ضعيف: أخرجه أحمد "5/ 441"، وأبو داود "3761"، والترمذي
"1846" والحاكم "3/ 604" من طريق قيس بن الربيع، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته قيس بن الربيع، ضعيف لسوء حفظه.
وأبو هاشم هو الرماني، بضم الراء وتشديد الميم، الواسطي،
اسمه يحيى بن دينار، وقيل ابن الأسود، وقيل ابن نافع، ثقة،
روى له الجماعة. وزاذان هو أبو عمر الكندي البزاز، صدوق
يرسل، روى له البخاري في الأدب المفرد ومسلم في صحيحه،
وأصحاب السنن.
4 ضعيف: أخرجه أحمد "5/ 440"، والترمذي "3927"، والطبراني
في "الكبير" "6/ 6093" من طريق أبي بدر شجاع بن الوليد
السكوني، عن قابوس بن أبي ظبيان، به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه علتان: الأولى: قابوس بن أبي ظبيان،
ضعيف ضعفه أحمد، وأبو حاتم، والنسائي، وابن حبان. الثانية:
الانقطاع بين أبي ظبيان حصين بن جندب الجنبي الكوفي -والد
قابوس- وسلمان.
(3/330)
بنِ جُحَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"أَنَا سَابِقُ وَلَدِ آدَمَ وَسَلْمَانُ سَابِقُ
الفُرْسِ"1.
ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ يُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، عَنِ
الحَسَنِ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "سَلْمَانُ سَابِقُ الفُرْسِ"2. هَذَا مُرْسَلٌ
وَمَعْنَاهُ صَحِيْحٌ.
ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنْ كَثِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ
عَمْرِو بنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى الله عليه وسلم- خَطَّ الخَنْدَقَ
عَامَ الأَحْزَابِ فَاحْتَجَّ المُهَاجِرُوْنَ
وَالأَنْصَارُ في سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ وَكَانَ رَجُلاً
قَوِيّاً فَقَالَ المُهَاجِرُوْنَ: مِنَّا سَلْمَانُ
وَقَالَتِ الأَنْصَارُ: سَلْمَانُ مِنَّا فَقَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"سَلْمَانُ مِنَّا أهل البيت"3.
كثير متروك.
__________
1 ضعيف: وسبق تخريجنا له بتعليق رقم 506.
2 ضعيف: أخرجه ابن سعد "7/ 318"، وهو مرسل.
3 ضعيف جدا: أخرجه الطبراني في "الكبير" "6/ 6040"، وابن
سعد في "الطبقات" "4/ 62" و"7/ 231"، وابن جرير في
"تفسيره" "21/ 85"، وأبو الشيخ في "طبقات المحدثين" "6"،
وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" "1/ 54" والحاكم "3/ 598"،
والبيهقي "دلائل النبوة" "3/ 418"، والبغوي في "تفسيره"
"5/ 439" كلهم من طريق كَثِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ
عَمْرِو بنِ عَوْفٍ المزني، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ،
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
خَطَّ الخَنْدَقَ عَامَ الأحزاب، حتى بلغ المذاحج، فقطع
لكل عشرة أربعين ذراعا فاحتج المهاجرون والأنصار، فقال
المهاجرون سلمان منا، وقالت الأنصار: سلمان منا فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "سلمان منا آل البيت".
قلت: إسناده واه برة، فيه كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف
المزني، قال الدارقطني وغيره: متروك.
وقال ابن حبان: له عن أبيه، وعن جده نسخة موضوعة، وله شاهد
من حديث الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما: أخرجه
أبو يعلى "12/ 6772"، وأبو الشيخ في "طبقات المحدثين" "5"
من طريق النضر بن حميد، عن سعد الإسكاف، عن أبي جعفر محمد
بن علي، عن أبيه، عن جده الحسين بن علي به مرفوعا.
قلت: إسناده ضعيف جدا، فيه علتان: الأولى: النضر بن حميد،
قال أبو حاتم: متروك الحديث. وقال البخاري: منكر الحديث،
الثانية سعد الإسكاف وهو سعد بن طريف الإسكاف. قال النسائي
والدارقطني: متروك.
وقال ابن حبان: كان يضع الحديث على الفور، وقد خرجت هذا
الحديث بإسهاب في كتابنا "الأرائك المصنوعة في الأحاديث
الضعيفة والموضوعة" المجلد الأول حديث رقم "58"، وهو مطبوع
بمكتبة الدعوة بالأزهر يسر الله طبع بقية المجلدات الثلاث
وجعله في ميزان حسناتي، وكل من ساهم في طبعه ونشره آمين.
(3/331)
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ
مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، عَنْ عَائِذِ بنِ عَمْرٍو أَنَّ
أَبَا سُفْيَانَ مَرَّ عَلَى سَلْمَانَ وَبِلاَلٍ
وَصُهَيْبٍ فِي نَفَرٍ فَقَالُوا: مَا أَخَذَتْ سُيُوْفُ
اللهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللهِ مَأْخَذَهَا فَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ: تَقُوْلُوْنَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ
وَسَيِّدِهَا ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: "يَا أَبَا
بَكْرٍ لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُم لَئِنْ كُنْتَ
أَغْضَبْتَهُم لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ" فَأَتَاهُم
أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: يَا إِخْوَتَاهُ أَغْضَبْتُكُم?
قَالُوا: لاَ يَا أَبَا بَكْرٍ يَغْفِرُ اللهُ لَكَ1.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: أَوَّلُ مَغَازِي سَلْمَانَ
الفَارِسِيِّ الخَنْدَقُ.
أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ،
حَدَّثَنَا شَرِيْكٌ، حَدَّثَنَا أَبُو رَبِيْعَةَ، عَنِ
ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ مَرْفُوْعاً: "إِنَّ
اللهَ يُحِبُّ مِنْ أَصْحَابِي أَرْبَعَةً وَأَمَرَنِي
أَنْ أُحِبَّهُم عَلِيٌّ وَأَبُو ذَرٍّ وسلمان والمقداد"2.
تفرد به أبو ربيعة.
الحَسَنُ بنُ صَالِحِ بنِ حَيٍّ، عَنْ أَبِي رَبِيْعَةَ
البَصْرِيِّ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "الجَنَّةُ
تَشْتَاقُ إِلَى ثَلاَثَةٍ عَلِيٍّ وَعَمَّارٍ
وَسَلْمَانَ"3.
يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ
عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ قَالَ:
قِيْلَ لِعَلِيٍّ: أَخْبِرْنَا عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: عَنْ
أَيِّهِمْ تَسْأَلُوْنَ? قِيْلَ: عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ:
عَلِمَ القُرْآنَ وَالسُّنَّةَ ثُمَّ انْتَهَى وَكَفَى
بِهِ عِلْماً قَالُوا: عَمَّارٌ? قَالَ: مُؤْمِنٌ نَسِيٌّ
فَإِنْ ذَكَّرْتَهُ ذَكَرَ قَالُوا: أَبُو ذَرٍّ? قَالَ:
وَعَى عِلْماً عَجِزَ عَنْهُ قَالُوا: أَبُو مُوْسَى?
قَالَ: صُبِغَ فِي العِلْمِ صِبْغَةً ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ
قَالُوا: حُذَيْفَةُ? قَالَ: أَعْلَمُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ
بِالمُنَافِقِيْنَ قَالُوا: سَلْمَانُ? قَالَ: أَدْرَكَ
العِلْمَ الأَوَّلَ وَالعِلْمَ الآخِرَ بَحْرٌ لاَ
يُدْرَكُ قَعْرُهُ وَهُوَ مِنَّا أَهْلَ البَيْتِ قَالُوا:
فَأَنْتَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ? قَالَ: كُنْتُ
إِذَا سَأَلْتُ أُعْطِيْتُ وَإِذَا سَكَتُّ ابتديت.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "5/ 64"، ومسلم "2504" من طريق حماد بن
سلمة به.
2 ضعيف جدا: أخرجه أحمد "5/ 351"، والترمذي "3718"، وابن
ماجه "149"، والحاكم "3/ 130" من طريق شريك، به.
قلت: إسناده ضعيف جدا، فيه شريك النخعي، وضعيف لسوء حفظه.
وفيه أبو ربيعة الإيادي، وهو عمرو ربيعة، قال أبو حاتم:
منكر الحديث. وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" "1/ 190" من
طريق عباد بن يعقوب، حدثنا موسى بن عمير، حدثنا أبو ربيعة
الإيادي، به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه أبو ربيعة الإيادي، منكر الحديث.
وفيه موسى بن عمير قال أبو حاتم: ذاهب الحديث كذاب. وقال
ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيْهِ لاَ يُتَابِعُهُ
عليه الثقات.
3 ضعيف: سبق تخريجنا له بتعليق رقم "514" و"567".
(3/332)
مُسلمُ بنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ
وَغَيْرُهُ، عَنِ العَلاَءِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ
أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ: {وَإِنْ
تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُم} [محمد: 38]
قَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ مَنْ هَؤُلاَءِ? قَالَ:
فَضَرَبَ عَلَى فَخِذِ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ ثُمَّ
قَالَ: "هَذَا وَقَوْمُهُ لَوْ كَانَ الدِّيْنُ عِنْدَ
الثُّرَيَّا لَتَنَاوَلَهُ رِجَالٌ مِنَ الفُرْسِ".
إِسْنَادُهُ وَسَطٌ.
وَكِيْعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ:
بَلَغ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَوْلُ سَلْمَانَ لأَبِي الدَّرْدَاءِ: إِنَّ لأَهْلِكَ
عَلَيْكَ حَقّاً فَقَالَ: "ثَكِلَتْ سَلْمَانَ أُمُّهُ
لَقَدِ اتَّسَعَ مِنَ العِلْمِ"1.
شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ {وَمَنْ عِنْدَهُ
عِلْمُ الْكِتَاب} [الرَّعْدُ: 43] قَالَ سَلْمَانُ وعبد
الله بن سلام.
إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ
سِيْرِيْنَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ لأَبِي الدَّرْدَاءِ: "يَا عُوَيْمِرُ
سَلْمَانُ أَعْلَمُ مِنْكَ لاَ تَخُصَّ لَيْلَةَ
الجُمُعَةِ بِقِيَامٍ وَلاَ يَوْمَهَا بِصِيَامٍ"2.
مِسْعَرٌ، عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي
البَخْتَرِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: سَلْمَانُ تَابَعَ
العِلْمَ الأَوَّلَ وَالعِلْمَ الآخِرَ وَلاَ يُدْرَكُ مَا
عِنْدَهُ.
حِبَّانُ بنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ
أَبِي حَرْبٍ بنِ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيْهِ وَعَنْ
رَجُلٍ، عَنْ زَاذَانَ قَالاَ: كُنَّا عِنْدَ عَلِيٍّ،
قُلْنَا: حَدِّثْنَا عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: مَنْ لَكُم
بِمِثْلِ لُقْمَانَ الحَكِيْمِ؟ ذَاكَ امْرُؤٌ مِنَّا
وَإِلَيْنَا أَهْلَ البَيْتِ أَدْرَكَ العِلْمَ الأَوَّلَ
وَالعِلْمَ الآخِرَ بَحْرٌ لاَ ينزف.
مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ يَزِيْدَ،
عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيِّ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ
عُمَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا حَضَرَ مُعَاذاً المَوْتُ
قُلْنَا: أَوْصِنَا قَالَ: أَجْلِسُوْنِي ثُمَّ قَالَ:
إِنَّ الإِيْمَانَ وَالعِلْمَ مَكَانُهُمَا مَنِ
ابْتَغَاهُمَا وَجَدَهُمَا -قَالَهَا ثَلاَثاً-
فَالْتَمِسُوا العِلْمَ عِنْدَ أَرْبَعَةٍ أَبِي
الدَّرْدَاءِ وَسَلْمَانَ وَابْنِ مَسْعُوْدٍ وَعَبْدِ
اللهِ بنِ سَلاَمٍ الَّذِي كَانَ يَهُوْدِيّاً فَأَسْلَمَ
فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "إِنَّهُ عَاشِرُ عَشَرَةٍ
فِي الجَنَّةِ" رَوَاهُ اللَّيْثُ وَكَاتِبُهُ عَنْهُ.
وَعَنِ المَدَائِنِيِّ: أَنَّ سَلْمَانَ الفَارِسِيَّ،
قَالَ: لَوْ حَدَّثْتُهُم بِكُلِّ مَا أَعْلَمُ لَقَالُوا:
رَحِمَ اللهُ قاتل سلمان.
__________
1 ضعيف: لإرساله، أبو صالح، هو مولى أم هانئ، باذام من
الطبقة الثالثة، ومع ذلك فهو ضعيف مدلس.
2 ضعيف: ابن سيرين، هو محمد بن سيرين الأنصاري، من الطبقة
الثالثة، فالحديث مرسل.
(3/333)
مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ كَانَ بَيْنَ
سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَبَيْنَ سَلْمَانَ شَيْءٌ
فَقَالَ: انْتَسِبْ يَا سَلْمَانُ قَالَ: مَا أَعْرِفُ لِي
أَباً فِي الإِسْلاَمِ وَلَكِنِّي سَلْمَانُ ابْنُ
الإِسْلاَمِ فَنُمِيَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ فَلَقِيَ
سَعْداً فَقَالَ: انْتَسِبْ يَا سَعْدُ فَقَالَ:
أَنْشُدُكَ بِاللهِ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَالَ:
وَكَأَنَّهُ عَرَفَ فَأَبَى أَنْ يَدَعَهُ حَتَّى
انْتَسَبَ ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ
الخَطَّابَ كَانَ أَعَزَّهُم فِي الجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا
عُمَرُ ابْنُ الإِسْلاَمِ أَخُو سَلْمَانَ ابْنِ
الإِسْلاَمِ أَمَا وَاللهِ لَوْلاَ شَيْءٌ لَعَاقَبْتُكَ
أَوَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ رَجُلاً انْتَمَى إِلَى تِسْعَةِ
آبَاءٍ في الجاهلية فكان عاشرهم في النار?.
عَفَّانُ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ
ثَابِتٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى سَلْمَانَ أَنْ
زُرْنِي فَخَرَجَ سَلْمَانُ إِلَيْهِ فَلَمَّا بَلَغَ
عُمَرَ قُدُوْمُهُ قَالَ: انْطَلِقُوا بِنَا نَتَلَقَّاهُ
فَلَقِيَهُ عُمَرُ فَالْتَزَمَهُ وَسَاءلَهُ وَرَجَعَا
ثُمَّ قَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا أَخِي أَبَلَغَكَ عَنِّي
شَيْءٌ تَكْرَهُهُ? قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَجْمَعُ
عَلَى مَائِدَتِكَ السَّمْنَ وَاللَّحْمَ وَبَلَغَنِي
أَنَّ لَكَ حُلَّتَيْنِ حُلَّةُ تَلْبَسُهَا فِي أَهْلِكَ
وَأُخْرَى تَخْرُجُ فِيْهَا قَالَ: هَلْ غَيْرُ هَذَا?
قَالَ: لاَ قَالَ: كُفِيْتَ هَذَا.
الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ فِي "مُسْنَدِهِ": حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ بَكَّارٍ الصَّيْرَفِيُّ، حَدَّثَنَا
حَجَّاجُ بنُ فَرُّوْخٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ
عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: قَدِمَ سَلْمَانُ مِنْ
غَيْبَةٍ لَهُ فَتَلَقَّاهُ عُمَرُ فَقَالَ: أَرْضَاكَ
لِلِّهِ عَبْداً قَالَ: فَزَوِّجْنِي فَسَكَتَ عَنْهُ
قَالَ: تَرْضَانِي لِلِّهِ عَبْداً وَلاَ تَرْضَانِي
لِنَفْسِكَ؟ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَاهُ قَوْمُ عُمَرَ
لِيَضْرِبَ، عَنْ خِطْبَةِ عُمَرَ فَقَالَ: وَاللهِ مَا
حَمَلَنِي عَلَى هَذَا أَمْرُهُ وَلاَ سُلْطَانُهُ
وَلَكِنْ قُلْتُ: رَجُلٌ صَالِحٌ عَسَى اللهُ أَنْ
يُخْرِجَ مِنْ بَيْنِنَا نَسَمَةً صَالِحَةً. حَجَّاجٌ:
وَاهٍ.
سَعِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ الوَاسِطِيُّ: حَدَّثَنَا
عُقْبَةُ بنُ أَبِي الصَّهْبَاءِ، حَدَّثَنَا ابْنُ
سِيْرِيْنَ، حَدَّثَنَا عَبِيْدَةُ السَّلْمَانِيُّ أَنَّ
سَلْمَانَ مَرَّ بِحجرِ المَدَائِنِ غَازِياً وَهُوَ
أَمِيْرُ الجَيْشِ وَهُوَ رِدْفُ رَجُلٍ مِنْ كِنْدَةَ
عَلَى بغل موكوف فقال أصحابه أعطنا اللِّوَاءَ أَيُّهَا
الأَمِيْرُ نَحْمِلْهُ فَيَأْبَى حَتَّى قَضَى غَزَاتَهُ
وَرَجَعَ وَهُوَ رِدْفُ الرَّجُلِ.
أَبُو المَلِيْحِ الرَّقِّيُّ، عَنْ حَبِيْبٍ، عَنْ
هُزَيْمٍ -أَوْ هُذَيْمٍ- قَالَ: رَأَيْتُ سَلْمَانَ
الفَارِسِيَّ عَلَى حِمَارٍ عُرِيٍّ وَعَلَيْهِ قَمِيْصٌ
سُنْبُلاَنِيٌّ ضَيِّقُ الأَسْفَلِ وَكَانَ طَوِيْلَ
السَّاقَيْنِ يَتْبَعُهُ الصِّبْيَانُ فَقُلْتُ لَهُم:
تَنَحَّوْا، عَنِ الأَمِيْرِ فَقَالَ: دَعْهُمْ فَإِنَّ
الخَيْرَ وَالشَّرَّ فِيْمَا بَعْدَ اليَوْمِ.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، عَنْ
مَيْسَرَةَ: أَنَّ سَلْمَانَ كَانَ إِذَا سَجَدَتْ لَهُ
العَجَمُ طَأْطَأَ رَأْسَهُ وَقَالَ: خَشَعْتُ لِلِّهِ
خَشَعْتُ لِلِّهِ.
(3/334)
أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ
مرْدَانُبَةَ، عَنْ خَلِيْفَةَ بنِ سَعِيْدٍ المُرَادِيِّ،
عَنْ عَمِّهِ قَالَ: رَأَيْتُ سَلْمَانَ فِي بَعْضِ طُرُقِ
المَدَائِنِ زَحَمَتْهُ حملة قَصَبٍ فَأَوْجَعَتْهُ
فَأَخَذَ بَعَضُدِ صَاحِبِهَا فَحَرَّكَهُ ثُمَّ قَالَ:
لاَ مُتَّ حَتَّى تُدْرِكَ إِمَارَةَ الشَّبَابِ.
جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ: سَمِعْتُ شَيْخاً مِنْ بَنِي عَبْسٍ
يَذْكُرُ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: أَتَيْتُ السُّوْقَ
فَاشْتَرَيْتُ عَلَفاً بِدِرْهَمٍ فَرَأَيْتُ سَلْمَانَ
وَلاَ أَعْرِفُهُ فَسَخَّرْتُهُ فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ
العَلَفَ فَمَرَّ بِقَوْمٍ فَقَالُوا: نَحْمِلُ عَنْكَ يَا
أَبَا عَبْدِ اللهِ فَقُلْتُ: مَنْ ذَا? قَالُوا: هَذَا
سَلْمَانُ صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ فَقُلْتُ لَهُ: لَمْ
أَعْرِفْكَ ضَعْهُ فَأَبَى حتى أتى المنزل.
وَرَوَى ثَابِتٌ البُنَانِيُّ نَحْوَهَا وَفِيْهَا
فَحَسِبْتُهُ عِلْجاً وَفِيْهَا قَالَ لَهُ: فَلاَ
تُسَخِّرْ بَعْدِيَ أَحَداً.
جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ،
عَنِ الحَسَنِ قَالَ: كَانَ عَطَاءُ سَلْمَانَ خَمْسَةَ
آلاَفٍ وَكَانَ عَلَى ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً مِنَ النَّاسِ
يَخْطُبُ فِي عَبَاءةٍ يَفْرِشُ نِصْفَهَا وَيَلْبَسُ
نِصْفَهَا وَكَانَ إِذَا خَرَجَ عَطَاؤُهُ أَمْضَاهُ
وَيَأْكُلُ مِنْ سَفِيْفِ يَدِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ سَمِعَ النُّعْمَانَ
بنَ حُمَيْدٍ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ مَعَ خَالِي عَلَى
سَلْمَانَ بِالمَدَائِنِ وَهُوَ يَعْمَلُ الخُوْصَ
فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَشْتَرِي خُوْصاً بِدِرْهَمٍ
فَأَعْمَلُهُ فَأَبِيْعُهُ بِثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ
فَأُعِيْدُ دِرْهَماً فِيْهِ وَأُنْفِقُ دِرْهَماً عَلَى
عِيَالِي وَأَتَصَدَّقُ بِدِرْهَمٍ وَلَوْ أَنَّ عُمَرَ
نَهَانِي عَنْهُ مَا انْتَهَيْتُ.
وَرَوَى نَحْوَهَا، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عَمِّهِ وَفِيْهَا
فَقُلْتُ لَهُ: فَلِمَ تَعْمَلُ? قَالَ: إِنَّ عُمَرَ
أَكْرَهَنِي فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ فَأَبَى عَلَيَّ
مَرَّتَيْنِ وَكَتَبْتُ إِلَيْهِ فَأَوْعَدَنِي.
مَعْنٌ، عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ سَلْمَانَ كَانَ يَسْتَظِلُّ
بِالفَيْءِ حَيْثُ مَا دَارَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْتٌ
فَقِيْلَ: إلَّا نَبْنِي لَكَ بَيْتاً تَسْتَكِنُّ بِهِ?
قَالَ: نَعَمْ فَلَمَّا أَدْبَرَ القَائِلُ سَأَلَهُ
سَلْمَانُ كَيْفَ تَبْنِيْهِ? قَالَ: إِنْ قُمْتَ فِيْهِ
أَصَابَ رَأْسَكَ وَإِنْ نِمْتَ أَصَابَ رجلك.
زَائِدَةُ، عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ رُفَيْعٍ، عَنْ
أَبِي ظِبْيَانَ، عَنْ جَرِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ:
نَزَلْتُ بِالصِّفَاحِ فِي يَوْمٍ شَدِيْدِ الحَرِّ
فَإِذَا رَجُلٌ نَائِمٌ فِي حَرِّ الشَّمْسِ يَسْتَظِلُّ
بِشَجَرَةٍ مَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الطَّعَامِ وَمِزْوَدُهُ
تَحْتَ رَأْسِهِ مُلْتَفٌّ بِعَبَاءةٍ فَأَمَرْتُهُ أَنْ
يُظَلِّلَ عَلَيْهِ وَنَزَلْنَا فَانْتَبَهَ فَإِذَا هُوَ
سَلْمَانُ فَقُلْتُ لَهُ: ظَلَّلْنَا عَلَيْكَ وَمَا
عَرَفْنَاكَ قَالَ: يَا جَرِيْرُ! تَوَاضَعْ فِي
الدُّنْيَا فَإِنَّهُ مَنْ تَوَاضَعَ يَرْفَعْهُ اللهُ
يَوْمَ القِيَامَةِ وَمَنْ يَتَعَظَّمْ فِي الدُّنْيَا
يَضَعْهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ لَوْ حَرَصْتَ عَلَى
أَنْ تَجِدَ عُوْداً يَابِساً فِي الجَنَّةِ لَمْ تَجِدْهُ
قُلْتُ: وَكَيْفَ? قَالَ: أُصُوْلُ الشَّجَرِ ذَهَبٌ وفضة
(3/335)
وَأَعْلاَهَا الثِّمَارُ يَا جَرِيْرُ
تَدْرِي مَا ظُلْمَةُ النَّارِ? قُلْتُ: لاَ قَالَ: ظُلْمُ
النَّاسِ.
شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا حَبِيْبُ بنُ الشَّهِيْدِ، عَنْ
عَبْدِ اللهِ بنِ بُرَيْدَةَ أَنَّ سَلْمَانَ كَانَ
يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَإِذَا أَصَابَ شَيْئاً اشْتَرَى بِهِ
لَحْماً أَوْ سَمَكاً ثُمَّ يَدْعُو المُجَذَّمِيْنَ
فَيَأْكُلُوْنَ مَعَهُ.
سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ
قَالَ: أُوْخِيَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ
فَسَكَنَ أَبُو الدَّرْدَاءِ الشَّامَ وَسَكَنَ سَلْمَانُ
الكُوْفَةَ وَكَتَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِلَيْهِ سَلاَمٌ
عَلَيْكَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللهَ رَزَقَنِي بَعْدَكَ
مَالاً وَوَلَداً وَنَزَلْتُ الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ
فَكَتَبَ إِلَيْهِ سَلْمَانُ اعْلَمْ أَنَّ الخَيْرَ
لَيْسَ بِكَثْرَةِ المَالِ وَالوَلَدِ وَلَكِنَّ الخَيْرَ
أَنْ يَعْظُمَ حِلْمُكَ وَأَنْ يَنْفَعَكَ عِلْمُكَ
وَإِنَّ الأَرْضَ لاَ تَعْمَلُ لأَحَدٍ اعْمَلْ كَأَنَّكَ
تَرَى وَاعْدُدْ نفسك من الموتى.
مَالِكٌ فِي "المُوَطَّأِ"، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ
أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَتَبَ إِلَى سَلْمَانَ هَلُمَّ
إِلَى الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ إِنَّ
الأَرْضَ لاَ تُقَدِّسُ أَحَداً وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ
المَرْءَ عَمَلُهُ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ جُعِلْتَ
طَبِيْباً فَإِنْ كُنْتَ تُبْرِئُ فَنِعِمَّا لَكَ وَإِنْ
كُنْتَ مُتَطَبِّباً فَاحْذَرْ أَنْ تَقْتُلَ إِنْسَاناً
فَتَدْخُلَ النَّارَ فَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِذَا
قَضَى بَيْنَ اثْنَيْنِ ثُمَّ أَدْبَرَا عَنْهُ نَظَرَ
إِلَيْهِمَا وَقَالَ: مُتَطَبِّبٌ وَاللهِ ارْجِعَا
أَعِيْدَا عَلَيَّ قِصَّتَكُمَا.
أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ مَعْنٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي
البَخْتَرِيِّ قَالَ: جَاءَ الأَشْعَثُ بنُ قَيْسٍ
وَجَرِيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ فَدَخَلاَ عَلَى سَلْمَانَ
فِي خُصٍّ فَسَلَّمَا وَحَيَّيَاهُ ثُمَّ قَالاَ: أَنْتَ
صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ? قَالَ: لاَ أَدْرِي فَارْتَابَا قَالَ:
إِنَّمَا صَاحِبُهُ مَنْ دَخَلَ مَعَهُ الجَنَّةَ قَالاَ:
جِئْنَا مِنْ عِنْدِ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: فَأَيْنَ
هَدِيَّتُهُ? قَالاَ: مَا مَعَنَا هَدِيَّةٌ قَالَ:
اتَّقِيَا اللهَ وَأَدِّيَا الأَمَانَةَ مَا أَتَانِي
أَحَدٌ مِنْ عِنْدِهِ إلَّا بِهَدِيَّةٍ قَالاَ: لاَ
تَرْفَعْ عَلَيْنَا هَذَا إِنَّ لَنَا أَمْوَالاً
فَاحْتَكِمْ قَالَ: مَا أُرِيْدُ إلَّا الهَدِيَّةَ
قَالاَ: وَاللهِ مَا بَعَثَ مَعَنَا بِشَيْءٍ إلَّا
أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ فِيْكُم رَجُلاً كَانَ رَسُوْلُ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا خَلاَ
بِهِ لَمْ يَبْغِ غَيْرَهُ فَإِذَا أَتَيْتُمَاهُ
فَأَقْرِئَاهُ مِنِّي السَّلاَمَ قَالَ: فَأَيُّ هَدِيَّةٍ
كُنْتُ أُرِيْدُ مِنْكُمَا غَيْرَ هَذِهِ وَأَيُّ
هَدِيَّةٍ أَفْضَلُ مِنْهَا?
وَكِيْعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ
مَيْسَرَةَ وَالمُغِيْرَةِ بنِ شِبْلٍ، عَنْ طَارِقِ بنِ
شِهَابٍ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: إِذَا كَانَ اللَّيْلُ
كَانَ النَّاسُ مِنْهُ عَلَى ثلاث مَنَازِلَ فَمِنْهُم
مَنْ لَهُ وَلاَ عَلَيْهِ وَمِنْهُم مَنْ عَلَيْهِ وَلاَ
لَهُ وَمِنْهُم مَنْ لاَ عَلَيْهِ وَلاَ لَهُ فَقُلْتُ:
وَكَيْفَ ذَاكَ? قَالَ: أَمَّا مَنْ لَهُ وَلاَ عَلَيْهِ
فَرَجُلٌ اغْتَنَمَ غَفْلَةَ النَّاسِ وَظُلْمَةَ
اللَّيْلِ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى فَذَاكَ لَهُ وَلاَ
عَلَيْهِ وَرَجُلٌ اغْتَنَمَ غَفْلَةَ النَّاسِ وَظُلْمَةَ
اللَّيْلِ فَمَشَى فِي مَعَاصِي اللهِ فَذَاكَ عَلَيْهِ
وَلاَ لَهُ وَرَجُلٌ نَامَ حَتَّى أَصْبَحَ فَذَاكَ لاَ
لَهُ وَلاَ عَلَيْهِ.
(3/336)
قَالَ طَارِقٌ: فَقُلْتُ: لأَصْحَبَنَّ
هَذَا فَضُرِبَ عَلَى النَّاسِ بَعْثٌ فَخَرَجَ فِيْهِم
فَصَحِبْتُهُ وَكُنْتُ لاَ أَفْضُلُهُ فِي عَمَلٍ إِنْ
أَنَا عَجَنْتُ خَبَزَ وَإِنْ خَبَزْتُ طَبَخَ فَنَزَلْنَا
مَنْزِلاً فَبِتْنَا فِيْهِ وَكَانَتْ لِطَارِقٍ سَاعَةٌ
مِنَ اللَّيْلِ يَقُوْمُهَا فَكُنْتُ أَتَيَقَّظُ لَهَا
فَأَجِدُهُ نَائِماً فَأَقُوْلُ: صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ
خَيْرٌ مِنِّي نَائِمٌ فَأَنَامُ ثُمَّ أَقُوْمُ
فَأَجِدُهُ نَائِماً فَأَنَامُ إلَّا أَنَّهُ كَانَ إِذَا
تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ
سُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ للهِ وَلاَ إِلَهَ إلَّا اللهُ
وَاللهُ أَكْبَرُ لاَ إِلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ
شَرِيْكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرٌ حَتَّى إِذَا كَانَ قُبَيْلَ
الصُّبْحِ قَامَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَكَعَ أَرْبَعَ
رَكَعَاتٍ فَلَمَّا صَلَّيْنَا الفَجْرَ قُلْتُ: يَا أَبَا
عَبْدِ اللهِ كَانَتْ لِي سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ
أَقُومُهَا وَكُنْتُ أَتَيَقَّظُ لَهَا فَأَجِدُكَ
نَائِماً قال: يابن أَخِي فَإِيْشْ كُنْتَ تَسْمَعُنِي
أَقُوْلُ? فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: يابن أَخِي تِلْكَ
الصَّلاَةُ إِنَّ الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ كَفَّارَاتٌ لما
بينهن ما اجتنبت المقتلة يابن أَخِي عَلَيْكَ بِالقَصْدِ
فَإِنَّهُ أَبْلَغُ.
شُعْبَةُ: عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ سَمِعْتُ أَبَا
البَخْتَرِيِّ يُحَدِّثُ أَنَّ سَلْمَانَ دَعَا رَجُلاً
إِلَى طَعَامِهِ قَالَ: فَجَاءَ مِسْكِيْنٌ فَأَخَذَ
الرَّجُلُ كِسْرَةً فَنَاوَلَهُ فَقَالَ سلمان ضَعْهَا
فَإِنَّمَا دَعَوْنَاكَ لِتَأْكُلَ فَمَا رَغْبَتُكَ أَنْ
يَكُوْنَ الأَجْرُ لِغَيْرِكَ وَالوِزْرُ عَلَيْكَ.
سُلَيْمَانُ بنُ قَرْمٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي
وَائِلٍ قَالَ: ذَهَبْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي إِلَى
سَلْمَانَ فَقَالَ: لَوْلاَ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَانَا، عَنِ التَّكَلُّفِ
لَتَكَلَّفْتُ لَكُم فَجَاءنَا بِخُبْزٍ وَمِلْحٍ فَقَالَ
صَاحِبِي: لَوْ كَانَ فِي مِلْحِنَا صَعْتَرٌ فَبَعَثَ
سَلْمَانُ بِمِطْهَرَتِهِ فَرَهَنَهَا فَجَاءَ بِصَعْتَرٍ
فَلَمَّا أَكَلْنَا قَالَ صَاحِبِي: الحَمْدُ للهِ الَّذِي
قَنَّعَنَا بِمَا رَزَقَنَا فَقَالَ سَلْمَانُ: لَوْ
قَنِعْتَ لَمْ تَكُنْ مِطْهَرَتِي مَرْهُوْنَةً.
الأَعْمَشُ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ
رَجُلٍ أَشْجَعِيٍّ قَالَ: سَمِعُوا بِالمَدَائِنِ أَنَّ
سَلْمَانَ بِالمَسْجِدِ فَأَتَوْهُ يَثُوْبُوْنَ إِلَيْهِ
حَتَّى اجْتَمَعَ نَحْوٌ مِنْ أَلْفٍ فَقَامَ فَافْتَتَحَ
سُوْرَةَ يُوْسُفَ فَجَعَلُوا يَتَصَدَّعُوْنَ
وَيَذْهَبُوْنَ حَتَّى بَقِيَ نَحْوُ مَائَةٍ فَغَضِبَ
وَقَالَ: الزُّخْرُفَ يُرِيْدُوْنَ? آيَةٌ مِنْ سُوْرَةِ
كَذَا وَآيَةٌ مِنْ سُوْرَةِ كَذَا.
وَرَوَى حَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ نَافِعِ بنِ
جُبَيْرٍ أَنَّ سَلْمَانَ الْتَمَسَ مَكَاناً يُصَلِّي
فِيْهِ فَقَالَتْ لَهُ عِلْجَةٌ: الْتَمِسْ قَلْباً
طَاهِراً وَصَلِّ حَيْثُ شِئْتَ فَقَالَ: فَقُهْتِ.
سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ
سَلْمَانَ قَالَ: كَانَتِ امْرَأَةُ فِرْعُوْنَ تُعَذَّبُ
فَإِذَا انْصَرَفُوا أَظَلَّتْهَا المَلاَئِكَةُ
بِأَجْنِحَتِهَا وَتَرَى بَيْتَهَا فِي الجَنَّةِ وهي
تُعَذَّبُ قَالَ: وَجُوِّعَ لإِبْرَاهِيْمَ أَسَدَانِ
ثُمَّ أُرْسِلاَ عَلَيْهِ فَجَعَلاَ يَلْحَسَانِهِ
وَيَسْجُدَانِ لَهُ.
(3/337)
مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ
أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ أَنَّ
سَلْمَانَ كَانَ لاَ يُفْقَهُ كَلاَمُهُ مِنْ شِدَّةِ
عُجْمَتِهِ قَالَ: وَكَانَ يُسَمِّي الخَشَبَ خُشْبَانَ.
تَفَرَّدَ بِهِ الثِّقَةُ يَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ
عَنْهُ.
وَأَنْكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُتَيْبَةَ -أَعْنِي
عُجْمَتَهُ- وَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئاً فَقَالَ: لَهُ
كَلاَمٌ يُضَارِعُ كَلاَمَ فُصَحَاءِ العَرَبِ.
قُلْتُ: وُجُوْدُ الفَصَاحَةِ لاَ يُنَافِي وُجُوْدَ
العُجْمَةِ فِي النُّطْقِ كَمَا أَنَّ وُجُوْدَ فَصَاحَةِ
النُّطْقِ مِنْ كَثِيْرِ العُلَمَاءِ غَيْرُ مُحَصِّلٍ
لِلإِعْرَابِ.
قَالَ: وَأَمَّا خُشْبَانُ: فَجَمْعُ الجَمْعِ أَوْ هُوَ
خَشَبٌ زِيْدَ فِيْهِ الأَلِفُ وَالنُّوْنُ كَسُوْدٍ
وَسُوْدَانَ.
عَبْدُ الرَّزَّاقِ: عَنْ جَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ
ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: دَخَلَ سَعْدٌ وَابْنُ
مَسْعُوْدٍ عَلَى سَلْمَانَ عِنْدَ المَوْتِ فَبَكَى
فَقِيْلَ لَهُ: مَا يُبْكِيْكَ? قَالَ: عهد عهده إِلَيْنَا
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ
نَحْفَظْهُ قَالَ: "لِيَكُنْ بَلاَغُ أَحَدِكُم مِنَ
الدُّنْيَا كَزَادِ الرَّاكِبِ" وَأَمَّا أَنْتَ يَا
سَعْدُ فَاتَّقِ اللهَ فِي حُكْمِكَ إِذَا حَكَمْتَ وَفِي
قَسْمِكَ إِذَا قَسَمْتَ وَعِنْدَ هَمِّكَ إذا هممت.
قَالَ ثَابِتٌ: فَبَلَغَنِي أَنَّهُ مَا تَرَكَ إلَّا
بِضْعَةً وَعِشْرِيْنَ دِرْهَماً نُفَيْقَةٌ كَانَتْ
عِنْدَهُ.
شَيْبَانُ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ
الحَارِثِ، عَنْ بُقَيْرَةَ امْرَأَةِ سَلْمَانَ أَنَّهَا
قَالَتْ: لَمَّا حَضَرَهُ المَوْتُ دَعَانِي وَهُوَ فِي
عُلِّيَّةٍ لَهُ لَهَا أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ فَقَالَ:
افْتَحِي هَذِهِ الأَبْوَابَ فَإِنَّ لِي اليَوْمَ
زُوَّاراً لاَ أَدْرِي مِنْ أَيِّ هَذِهِ الأَبْوَابِ
يَدْخُلُوْنَ عَلَيَّ? ثُمَّ دَعَا بِمِسْكٍ فَقَالَ:
أَدِيْفِيْهِ فِي تَوْرٍ ثُمَّ انْضَحِيْهِ حَوْلَ
فِرَاشِي فَاطَّلَعْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ أُخِذَ
رُوْحُهُ فَكَأَنَّهُ نَائِمٌ عَلَى فِرَاشِهِ.
بَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ،
حَدَّثَنَا أَبُو معاوية، عن عاصم، عن أَبِي عُثْمَانَ،
عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: يَأْتُوْنَ مُحَمَّداً -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَقُوْلُوْنَ: يَا نَبِيَّ
اللهِ! أَنْتَ الَّذِي فَتَحَ اللهُ بِكَ وَخَتَمَ بِكَ
وَغَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا
تَأَخَّرَ وَجِئْتَ فِي هَذَا اليَوْمِ آمِناً فَقَدْ
تَرَى مَا نَحْنُ فِيْهِ فَقُمْ فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى
رَبِّنَا فَيَقُوْلُ: "أَنَا صَاحِبُكُم" فَيَقُوْمُ
فَيَخْرُجُ يَحُوْشُ النَّاسَ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى
بَابِ الجَنَّةِ فَيَأْخُذَ بِحَلْقَةٍ فِي البَابِ مِنْ
ذَهَبٍ فَيَقْرَعُ البَابَ فَيُقَالُ: مَنْ هَذَا?
فَيَقُوْلُ: "مُحَمَّدٌ" فَيُفْتَحُ لَهُ فَيَجِيْءُ
حَتَّى يَقُوْمَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ فَيَسْتَأْذِنُ فِي
السُّجُوْدِ فَيُؤْذَنُ لَهُ فَيُنَادَى: يَا مُحَمَّدُ
ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهُ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ
وَادْعُ تُجَبْ فَيَفْتَحُ الله لَهُ مِنَ الثَّنَاءِ
عَلَيْهِ وَالتَّحْمِيْدِ وَالتَّمْجِيْدِ مَا لَمْ
يَفْتَحْ لأَحَدٍ مِنَ الخَلاَئِق فَيَقُوْلُ: "رَبِّ
أُمَّتِي أُمَّتِي" ثُمَّ يَسْتَأْذِنُ فِي السُّجُوْدِ.
(3/338)
قال سلمان: فيشفع في كل ما كَانَ فِي
قَلْبِهِ مِثْقَالُ حِنْطَةٍ مِنْ إِيْمَانٍ أَوْ قَالَ:
مِثْقَالَ شَعِيْرَةٍ أَوْ قَالَ: مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ
خَرْدَلٍ مِنْ إِيْمَانٍ1.
أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ
النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: فَتْرَةُ مَا بَيْنَ
عِيْسَى وَمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
سِتُّ مَائَةِ سَنَةٍ2.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: مَاتَ سَلْمَانُ فِي خِلاَفَةِ
عُثْمَانَ بِالمَدَائِنِ وَكَذَا قَالَ ابْنُ زَنْجَوَيْه.
وَقَالَ أَبُو عبيدة: وَشَبَابٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ
وَغَيْرُهُمَا تُوُفِّيَ سَنَةَ ست وثلاثين بِالمَدَائِنِ
وَقَالَ شَبَابٌ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى سَنَةَ سَبْعٍ
وَهُوَ وَهْمٌ فَمَا أَدْرَكَ سَلْمَانُ الجَمَلَ وَلاَ
صِفِّيْنَ.
قَالَ العَبَّاسُ بنُ يَزِيْدَ البَحْرَانِيُّ: يَقُوْلُ
أَهْلُ العِلْمِ عَاشَ سَلْمَانُ ثَلاَثَ مَائَةٍ
وَخَمْسِيْنَ سَنَةً فَأَمَّا مَائَتَانِ وَخَمْسُوْنَ
فَلاَ يَشُكُّوْنَ فِيْهِ.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الأَصْبَهَانِيُّ: يُقَالُ: اسْمُ
سَلْمَانَ مَاهَوَيْه وَقِيْلَ: مَايَةُ وَقِيْلَ:
بُهْبُوْدُ بنُ بذخشان بن آذر جشيش مِنْ وَلَدِ
مَنُوْجَهْرَ المَلِكِ وَقِيْلَ: مِنْ وَلَدِ آبَ المَلِكِ
يُقَالُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ
بِالمَدَائِنِ.
قَالَ: وَتَارِيْخُ كِتَابِ عِتْقِهِ يَوْمُ الاثْنَيْنِ
فِي جُمَادَى الأُوْلَى مُهَاجَرَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَوْلاَهُ الَّذِي بَاعَهُ
عُثْمَانُ بنُ أَشْهَلَ القُرَظِيُّ اليَهُوْدِيُّ
وَقِيْلَ: إِنَّهُ عَادَ إِلَى أَصْبَهَانَ زَمَنَ عُمَرَ
وَقِيْلَ: كَانَ لَهُ أَخٌ اسْمُهُ بَشِيْرٌ وَبِنْتٌ
بِأَصْبَهَانَ لَهَا نَسْلٌ وَبِنْتَانِ بِمِصْرَ وَقِيْلَ
كَانَ لَهُ ابْنٌ اسْمُهُ كَثِيْرٌ فَمِنْ قَوْلِ
البَحْرَانِيِّ إِلَى هُنَا منَقُوْلٌ مِنْ كِتَابِ
"الطّوَالاَتِ" لأَبِي مُوْسَى الحَافِظِ.
وَقَدْ فَتَّشْتُ فَمَا ظَفِرْتُ فِي سِنِّهِ بِشَيْءٍ
سِوَى قَوْلِ البَحْرَانِيِّ وَذَلِكَ مُنْقَطِعٌ لاَ
إِسْنَادَ لَهُ.
وَمَجْمُوْعُ أَمْرِهِ وَأَحْوَالِهِ وَغَزْوِهِ
وَهِمَّتِهِ وَتَصَرُّفِهِ وَسَفِّهِ لِلْجَرِيْدِ
وَأَشْيَاءَ مِمَّا تَقَدَّمَ يُنْبِئُ بِأَنَّهُ لَيْسَ
بِمُعَمَّرٍ وَلاَ هَرِمٍ فَقَدْ فَارَقَ وَطَنَهُ وَهُوَ
حدث ولعله قدم الحجاز وله أربعون
__________
1 صحيح: إسناده صحيح، رجاله ثقات، وعاصم هو ابن سليمان
الأحول. وحديث الشفاعة قد خرجته بإسهاب في كتاب "الجواب
الباهر في زوار المقابر" لابن تيمية" ط. دار الجيل بيروت
لبنان "ص45-47". وقد ورد من حديث أنس عند البخاري "4476"
و"6565" و"7410"، ومسلم "322"، وغيرهم. وعن أبي هريرة عند
البخاري "3340" و"3361"، ومسلم "327" وغيرهم فراجعه ثمت
تفد علما حديثيا ثرا فلله لحمد على نعمة العلم التي حباني
بها حمدا كثيرا طيبا.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3948" من طريق يحيى بن حماد،
أخبرنا أبو عوانة، به.
(3/339)
سَنَةً أَوْ أَقَلَّ فَلَمْ يَنْشَبْ أَنْ
سَمِعَ بِمَبْعَثِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ثُمَّ هَاجَرَ فَلَعَلَّهُ عَاشَ بِضْعاً
وَسَبْعِيْنَ سَنَةً وَمَا أراه بلغ المئة فَمَنْ كَانَ
عِنْدَهُ عِلْمٌ فَلْيُفِدْنَا.
وَقَدْ نَقَلَ طُوْلَ عُمُرِهِ: أَبُو الفَرَجِ بنُ
الجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ وَمَا عَلِمْتُ فِي ذَلِكَ شَيْئاً
يُرْكَنُ إِلَيْهِ.
رَوَى جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ
البُنَانِيِّ وَذَلِكَ فِي "العِلَلِ" لابْنِ أَبِي
حَاتِمٍ قَالَ: لَمَّا مَرِضَ سَلْمَانُ خَرَجَ سَعْدٌ
مِنَ الكُوْفَةِ يَعُوْدُهُ فَقَدِمَ فَوَافَقَهُ وَهُوَ
فِي المَوْتِ يَبْكِي فَسَلَّمَ وَجَلَسَ وَقَالَ: مَا
يُبْكِيْكَ يَا أَخِي? إلَّا تَذْكُرُ صُحْبَةَ رَسُوْلِ
اللهِ? إلَّا تَذْكُرُ المَشَاهِدَ الصَّالِحَةَ?
قَالَ: وَاللهِ مَا يُبْكِيْنِي وَاحِدَةٌ من اثنتين مَا
أَبْكِي حُبّاً بِالدُّنْيَا وَلاَ كَرَاهِيَةً لِلِقَاءِ
اللهِ قَالَ سَعْدٌ: فَمَا يُبْكِيْكَ بَعْدَ ثَمَانِيْنَ?
قَالَ: يُبْكِيْنِي أَنَّ خَلِيْلِي عَهِدَ إِلَيَّ
عَهْداً قال: "ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الرَّاكِبِ"
وَإِنَّا قَدْ خَشِيْنَا أَنَّا قَدْ تَعَدَّيْنَا.
رَوَاهُ بَعْضُهُمْ، عَنْ ثَابِتٍ فَقَالَ: عَنْ أَبِي
عُثْمَانَ وَإِرْسَالُهُ أَشْبَهُ قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ
وَهَذَا يُوْضِحُ لَكَ أَنَّهُ مِنْ أَبْنَاءِ
الثَّمَانِيْنَ.
وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي تَارِيْخِي الكَبِيْرِ أَنَّهُ عَاشَ
مَائتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً وَأَنَا السَّاعَةَ لاَ
أَرْتَضِي ذَلِكَ وَلاَ أُصَحِّحُهُ.
أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي يَحْيَى
بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ قَالَ:
الْتَقَى سَلْمَانُ وَعَبْدُ اللهِ بن سَلاَمٍ فقال أحدهما
لصاحبه: إن لقيت ربك قَبْلِي فَأَخْبِرْنِي مَاذَا
لَقِيْتَ مِنْهُ? فَتُوُفِّيَ أَحَدُهُمَا فَلَقِيَ
الحَيَّ فِي المَنَامِ فَكَأَنَّهُ سَأَلَهُ فَقَالَ:
تَوَكَّلْ وَأَبْشِرْ فَلَمْ أَرَ مِثْلَ التَّوَكُّلِ
قَطُّ.
قُلْتُ: سَلْمَانُ مَاتَ قَبْلَ عَبْدِ اللهِ بِسَنَوَاتٍ.
أَخْبَرَنَا سُنْقُرُ الزَّيْنَبِيُّ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ
بنُ مُحَمَّدٍ الجَزَرِيُّ وَيعِيْشُ بنُ عَلِيٍّ قَالاَ:
أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الخَطِيْبُ "ح"
وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْ عَبْدِ المُؤْمِنِ بنِ خَلَفٍ
الحَافِظِ، أَنْبَأَنَا الأَعَزُّ بنُ فَضَائِلَ
أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ قَالاَ: أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بنُ
أَحْمَدَ السَّرَّاجُ، أَنْبَأَنَا الحَسَنُ بنُ عِيْسَى
بنِ المُقْتَدِرِ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ
اليَشْكُرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ
عَرَفَةَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى السَّامِيُّ،
أَنْبَأَنَا رَوْحُ بنُ أَسْلَمَ، أَنْبَأَنَا حَمَّادُ
بنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، عن أبي
البختري، عن سَلْمَانَ قَالَ: كَانَ فِي بَنِي
إِسْرَائِيْلَ امْرَأَةٌ ذَاتُ جَمَالٍ وَكَانَتْ عِنْدَ
رَجُلٍ يَعْمَلُ
(3/340)
بِالمِسْحَاةِ فَكَانَتْ إِذَا جَاءَ
اللَّيْلُ قَدَّمَتْ لَهُ طَعَامَهُ وَفَرَشَتْ لَهُ
فِرَاشَهُ فَبَلَغَ خَبَرَهَا مَلِكُ ذَلِكَ العَصْرِ
فَبَعَثَ إِلَيْهَا عَجُوْزاً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيْلَ.
فَقَالَتْ لَهَا: تَصْنَعِيْنَ بِهَذَا الَّذِي يَعْمَلُ
بِالمِسْحَاة! لَوْ كُنْتِ عِنْدَ المَلِكِ لَكَسَاكِ
الحَرِيْرَ وَفَرَشَ لَكَ الدِّيْبَاجَ.
فَلَمَّا وَقَعَ الكَلاَمُ فِي مَسَامِعِهَا جَاءَ
زَوْجُهَا بِاللَّيْلِ فَلَمْ تُقَدِّمْ لَهُ طَعَامَهُ
وَلَمْ تَفْرُشْ لَهُ فِرَاشَهُ فَقَالَ لَهَا: مَا هَذَا
الخُلُقُ يَا هَنْتَاهُ? قَالَتْ: هُوَ ما ترى
أُطَلِّقُكِ? قَالَتْ: نَعَمْ فَطَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَهَا
ذَلِكَ المَلِكُ فَلَمَّا زُفَّتْ إِلَيْهِ نَظَرَ
إِلَيْهَا فَعَمِيَ وَمَدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا فَجَفَّتْ
فَرَفَعَ نَبِيُّ ذَلِكَ العَصْرِ خبرها إِلَى اللهِ
فَأَوْحَى الله إِلَيْهِ أَعْلِمْهُمَا أَنِّي غَيْرُ
غَافِرٍ لَهُمَا أَمَا عَلِمَا أَنَّ بِعَيْنِي ما عملا
بصاحب المسحاة1.
__________
1 ضعيف: في إسناده علتان: الأولى: روح بن أسلم الباهلي قال
عفان: كذاب. وقال البخاري: يتكلمون فيه. وَقَالَ
النَّسَائِيُّ: ضَعِيْفٌ. وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ
بذاك.
الثانية: الانقطاع، أبو البختري، هو سعيد بن فيروز الطائي
لم يدرك سلمان كما قال البخاري.
(3/341)
97- عبادة بن
الصامت 1:
ابْنِ قَيْسِ بنِ أَصْرَمَ بنِ فِهْرِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ
غَنْمِ بنِ عَوْفِ بنِ "عَمْرِو بنِ عَوْفِ" بنِ
الخَزْرَجِ الإِمَامُ القُدْوَةُ أَبُو الوَلِيْدِ
الأَنْصَارِيُّ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ العَقَبَةِ
وَمِنْ أَعْيَانِ البَدْرِيِّيْنَ سَكَنَ بَيْتَ
المَقْدِسِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو أُمَامَةَ البَاهِلِيُّ وَأَنَسُ
بنُ مَالِكٍ وَأَبُو مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيُّ الزَّاهِدُ
وَجُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ وَجُنَادَةُ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُسَيْلَةَ الصُّنَابِحِيُّ
وَمَحْمُوْدُ بنُ الرَّبِيْعِ وَأَبُو إِدْرِيْسَ
الخَوْلاَنِيُّ وَأَبُو الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيُّ
وَابْنُهُ الوَلِيْدُ بنُ عُبَادَةَ وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَخَالِدُ بنُ مَعْدَانَ -وَلَمْ
يَلْحَقَاهُ فَهُوَ مُرْسَلٌ- وَابْنُ زَوْجَتِهِ أَبُو
أُبَيٍّ وَكَثِيْرُ بنُ مُرَّةَ وَحِطَّانُ بنُ عَبْدِ
اللهِ الرَّقَاشِيُّ وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي تَسْمِيَةِ مَنْ شَهِدَ
العَقَبَةَ الأُوْلَى: عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ. شَهِدَ
المَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ رَسَوَلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 546 و621" و"7/ 387"،
وتاريخ خليفة "155 و160 و168"، والتاريخ الكبير "3/ ق2/
92"، والتاريخ الصغير "1/ 41 و42 و65 و66"، والجرح
والتعديل "3/ 1/ 95"، والإصابة "2/ ترجمة 4497"، وتهذيب
التهذيب "5/ 111"، والتقريب "1/ 395"، وخلاصة الخزرجي "2/
ترجمة 3334".
(3/341)
مُحَمَّدُ بنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا
حَشْرَجُ بنُ نُبَاتَةَ، عَنْ مُوْسَى بنِ مُحَمَّدِ بنِ
إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ سَمِعَ أَبَا قِلاَبَةَ
يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي الصُّنَابِحِيُّ أَنَّ عُبَادَةَ بنَ
الصَّامِتِ حَدَّثَهُ قَالَ: خَلَوْتُ بِرَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: أَيُّ
أَصْحَابِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ حَتَّى أُحِبَّهُ? قَالَ:
"اكْتُمْ عَلَيَّ حَيَاتِي أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيْقُ
ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عَلِيٌّ" ثُمَّ سَكَتَ فَقُلْتُ: ثُمَّ
مَنْ يَا رَسُوْلَ اللهِ? قَالَ: "مَنْ عَسَى أَنْ
يَكُوْنَ إلَّا الزُّبَيْرُ وَطَلْحَةُ وَسَعْدٌ وَأَبُو
عُبَيْدَةَ وَمُعَاذٌ وَأَبُو طَلْحَةَ وَأَبُو أَيُّوْبَ
وَأَنْتَ يَا عُبَادَةَ وَأُبَيُّ بنُ كَعْبٍ وَأَبُو
الدَّرْدَاءِ وَابْنُ مَسْعُوْدٍ وَابْنُ عَوْفٍ وَابْنُ
عَفَّانَ ثُمَّ هَؤُلاَءِ الرَّهْطُ مِنَ المَوَالِي:
سَلْمَانُ وَصُهَيْبٌ وَبِلاَلٌ وَعَمَّارٌ"1.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ: جَمَعَ القُرْآنَ
فِي زَمَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- خَمْسَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ: مُعَاذٌ
وَعُبَادَةُ وَأُبَيٌّ وَأَبُو أَيُّوْبَ وَأَبُو
الدَّرْدَاءِ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ كَتَبَ يَزِيْدُ بنُ
أَبِي سُفْيَانَ إِلَيْهِ: إِنَّ أَهْلَ الشَّامِ كَثِيْرٌ
وَقَدِ احْتَاجُوا إِلَى مَنْ يُعَلِّمُهُمُ القُرْآنَ
وَيُفَقِّهُهُم فَقَالَ: أَعِيْنُوْنِي بِثَلاَثَةٍ
فَقَالُوا: هَذَا شَيْخٌ كَبِيْرٌ لأَبِي أَيُّوْبَ
وَهَذَا سَقِيْمٌ لأُبَيٍّ فَخَرَجَ الثَّلاَثَةُ إِلَى
الشَّامِ فَقَالَ: ابْدَؤُوا بِحِمْصَ فَإِذَا رَضِيْتُم
مِنْهُم فَلْيَخْرُجْ وَاحِدٌ إِلَى دِمَشْقَ وآخر إلى
فلسطين2.
بُرْدُ بنُ سِنَانٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بنِ قَبِيْصَةَ بنِ
ذُؤَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ عُبَادَةَ أَنْكَرَ عَلَى
مُعَاوِيَةَ شَيْئاً فَقَالَ: لاَ أُسَاكِنُكَ بِأَرْضٍ
فَرَحَلَ إِلَى المَدِيْنَةِ قَالَ لهُ عُمَرُ: مَا
أَقْدَمَكَ فَأَخْبَرَهُ بِفِعْلِ مُعَاوِيَةَ. فَقَالَ
لَهُ: ارْحَلْ إِلَى مَكَانِكَ فَقَبَّحَ اللهُ أَرْضاً
لَسْتَ فِيْهَا وَأَمْثَالُكَ فَلاَ إِمْرَةَ لَهُ
عَلَيْكَ.
ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ
دَاوُدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ، عَنِ
ابْنِ عَمِّهِ عُبَادَةَ بنِ الوَلِيْدِ قَالَ: كَانَ
عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ مَعَ مُعَاوِيَةَ فَأَذَّنَ
يَوْماً فَقَامَ خَطِيْبٌ يَمْدَحُ مُعَاوِيَةَ وَيُثْنِي
عَلَيْهِ فَقَامَ عُبَادَةُ بِتُرَابٍ فِي يَدِهِ
فَحَشَاهُ فِي فَمِ الخطيب فغضب معاوية.
__________
1 ضعيف جدا: فيه موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث
التيمي، قال يحيى: ليس بشيء ولا يكتب حديثه. وقال البخاري:
عنده مناكير. وقال النسائي: منكر الحديث وقال الدارقطني:
متروك.
2 ضعيف بهذا التمام: محمد بن كعب القرظي، من الطبقة
الثالثة، فالحديث مرسل. لكن قد ورد لبعضه شاهد صحيح عند
البخاري "5003" رواه من طريق همام، حدثنا قتادة قال سألت
أنس بن مالك -رضي الله عنه: من جمع القرآن عَلَى عَهْدِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: أربعة
كلهم من الأنصار أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وأبو زيد.
وشاهد آخر رواه البخاري "5004" من طريق عبد الله بن
المثنى، حدثني ثابت البناني وثمامة، عن أنس قال: مَاتَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ
يَجْمَعِ القُرْآنَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ: أَبُو
الدَّرْدَاءِ، وَمُعَاذٌ بن جبل، وزيد بن ثابت وأبو زيد.
قال: ونحن ورثناه.
(3/342)
فَقَالَ لَهُ عُبَادَةُ: إِنَّكَ لَمْ
تَكُنْ مَعَنَا حِيْنَ بَايَعْنَا رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالعَقَبَةِ عَلَى السَّمْعِ
وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَمَكْسَلِنَا
وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا وَأَلاَّ نُنَازِعَ الأَمْرَ
أَهْلَهُ وَأَنْ نَقُوْمَ بِالحَقِّ حَيْثُ كُنَّا لاَ
نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ. وَقَالَ رَسُوْلُ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا
رَأَيْتُمُ المداحين فاحثوا في أفواههم التراب" 1.
يَحْيَى القَطَّانُ: حَدَّثَنَا ثَوْرُ بنُ يَزِيْدَ،
حَدَّثَنَا مَالِكُ بنُ شُرَحْبِيْلَ قَالَ: قَالَ
عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ: إلَّا تَرَوْنِي لاَ أَقُوْمُ
إلَّا رِفْداً2 ولا آكل إلَّا مالوق -يَعْنِي: لُيِّنَ
وَسُخِّنَ- وَقَدْ مَاتَ صَاحِبِي مُنْذُ زَمَانٍ يَعْنِي
ذَكَرَهُ وَمَا يَسُرُّنِي أَنِّي خَلَوْتُ بِامْرَأَةٍ
لاَ تَحِلُّ لِي وَإِنَّ لِي مَا تَطْلُعُ عَلَيْهِ
الشَّمْسُ مَخَافَةَ أَنْ يَأْتِيَ الشَّيْطَانُ
فَيُحَرِّكَهُ عَلَى أَنَّه لاَ سَمْعَ لَهُ وَلاَ
بَصَرَ3.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، حدثنا
إسماعيل بن عبيد بن رِفَاعَةَ قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ
إِلَى عُثْمَانَ: إِنَّ عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ قَدْ
أَفْسَدَ عَلَيَّ الشَّامَ وَأَهْلَهُ فَإِمَّا أَنْ
تَكُفَّهُ إِلَيْكَ وَإِمَّا أَنْ أُخَلِّيَ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ الشَّامِ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَنْ رَحِّلْ عُبَادَةَ حَتَّى
تَرْجِعَهُ إِلَى دَارِهِ بِالمَدِيْنَةِ.
قَالَ: فَدَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ فَلَمْ يَفْجَأْهُ إلَّا
بِهِ وَهُوَ مَعَهُ فِي الدَّارِ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ
فَقَالَ: يَا عُبَادَةُ مَا لَنَا وَلَكَ فَقَامَ
عُبَادَةُ بَيْنَ ظَهْرَانِي النَّاسِ فَقَالَ: سَمِعْتُ
رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول:
__________
1 ضعيف بهذا التمام: فيه الوليد بن داود بن محمد، لم أجد
من ترجم له والحديث لم يرد بهذا التمام في شيء من كتب
السنة، لكن ورد نص على البيعة عن عبادة بن الصامت قَالَ:
"بَايَعنَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ على السمع والطاعة في المنشط والمكره" أخرجه
أحمد "5/ 314"، والبخاري "7199" من طريق عبادة بن الوليد،
أخبرني أبي، عن عبادة بن الصامت، به.
وورد النهي عن المدح عند مسلم "3002" "69" من طريق همام بن
الحارث أن رجلا جعل يمدح عثمان، فعمد المقداد، فجثا على
ركبتيه، وكان رجلا ضخما، فجعل يحثو في وجهه الحصباء، فقال
له عثمان ما شأنك؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا رأيتم المداحين،
فاحثوا في وجوههم التراب".
وورد عن ابن عمر -رضي الله عنهما- مرفوعا: "احثوا في أفواء
المداحين التراب" أخرجه أبو نعيم في "الحلية" "6/ 127"،
والخطيب في "تاريخه" "8/ 338" من طريق زيد بن أسلم عن ابن
عمر، به.
2 الرفد: هو الإعانة. يقال رفدته أرفدة، إذا أعنته.
3 ضعيف: آفة إسناده مالك بن شرحبيل، فإنه مجهول، لذا فقد
ذكره البخاري في "التاريخ الكبير" "4/ 1/ 314"، وابن أبي
حاتم في "الجرح والتعديل" "4/ 1/ 210" ولم يذكرا فيه جرحا
ولا تعديلا. وقد وقع اختلاف في اسمه ففي "التاريخ الكبير"
وقع "مالك بن شرحبيل بن مسلم"، وفي "الجرح والتعديل" "مالك
بن شرحبيل بن مشكم".
(3/343)
"سَيَلِي أُمُوْرَكُمْ بَعْدِي رِجَالٌ
يُعَرِّفُوْنَكُمْ مَا تُنْكِرُوْنَ وَيُنْكِرُوْنَ
عَلَيْكُمْ مَا تَعْرِفُوْنَ فَلاَ طَاعَةَ لِمَنْ عَصَى
وَلاَ تَضِلُّوا بِرَبِّكُمْ" 1.
يَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ إسماعيل
بن عبيد بن رفاعة، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ عُبَادَةَ بنَ
الصَّامِتِ مَرَّتْ عَلَيْهِ قِطَارَةٌ2 وَهُوَ بِالشَّامِ
تَحْمِلُ الخَمْرَ فَقَالَ: مَا هَذِهِ أَزَيْتٌ قِيْلَ:
لاَ بَلْ خَمْرٌ يُبَاعُ لِفُلاَنٍ. فَأَخَذَ شَفْرَةً
مِنَ السُّوْقِ فَقَامَ إِلَيْهَا فَلَمْ يَذَرْ فِيْهَا
رَاوِيَةً إلَّا بَقَرَهَا وَأَبُو هُرَيْرَةَ إِذْ ذَاكَ
بِالشَّامِ فَأَرْسَلَ فُلاَنٌ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ
فَقَالَ: إلَّا تُمْسِكُ عَنَّا أَخَاكَ عُبَادَةَ أَمَّا
بِالغَدَوَاتِ فَيَغْدُو إِلَى السُّوْقِ يُفْسِدُ عَلَى
أَهْلِ الذِّمَّةِ مَتَاجِرَهُمْ وَأَمَّا بِالعَشِيِّ
فَيَقْعُدُ فِي المَسْجِدِ لَيْسَ لَهُ عَمَلٌ إلَّا
شَتْمُ أَعْرَاضِنَا وَعَيْبُنَا!
قَالَ: فَأَتَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ فقال: يا عبادة مالك
وَلِمُعَاوِيَةَ? ذَرْهُ وَمَا حُمِّلَ فَقَالَ: لَمْ
تَكُنْ مَعَنَا إِذْ بَايَعْنَا عَلَى السَّمْعِ
وَالطَّاعَةِ وَالأَمْرِ بِالمَعْرُوْفِ وَالنَّهْيِ، عَنِ
المُنْكَرِ وَأَلاَّ يَأْخُذَنَا فِي اللهِ لَوْمَةُ
لاَئِمٍ. فَسَكَتَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَكَتَبَ فُلاَنٌ
إِلَى عُثْمَانَ: إِنَّ عُبَادَةَ قَدْ أَفْسَدَ علي
الشام.
__________
1 صحيح لغيره: أخرجه أحمد "5/ 325" من طريق إِسْمَاعِيْلُ
بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُثْمَانَ بنِ
خُثَيْمٍ، به.
قلت: إسناده ضعيف: إسماعيل بن عياش، ضعيف في روايته عن غير
الشاميين، وهذه منها "وأخرجه الحاكم "3/ 357" من طريق مسلم
بن خالد، وعبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" "5/ 329" من
طريق يحيى بن مسلم كلاهما عن ابن خثيم، عن إسماعيل بن عبيد
بن رفاعة، عن أبيه، عن عبادة بن الصامت قال سمعت أبا
القاسم يقول: فذكره.
قلت: إسناده ضعيف، مسلم بن خالد، ضعيف، لسوء حفظه. ويحيى
بن مسلم لم يتميز عندي. وأخرجه العقيلي في "الضعفاء" "2/
314"، والحاكم "3/ 356" من طريق عبد الله بن واقد، عن أبي
الزبير، عن جابر، عن عبادة بن الصامت مرفوعا، به.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ورده الذهبي بقوله: "قلت: تفرد
به عبد الله بن واقد، وهو ضعيف".
وللحديث شاهد عن ابن مسعود مرفوعا بلفظ: "سيلي أموركم بعدي
رجال يطفئون السنة، ويعملون بالبدعة، ويؤخرون الصلاة عن
مواقيتها". فقلت: يا رسول الله! إن أدركتهم كيف أفعل؟ قال:
تسألني يابن أم عبد كيف تفعل؟ لا طاعة لمن عصى الله".
أخرجه أحمد "1/ 399-400"، وابن ماجه "2865"، والطبراني في
"الكبير" "10/ 1036" والبيهقي في "السنن" "3/ 124 و127"
وفي "دلائل النبوة" "6/ 396" من طريق عبد الله بن عثمان بن
خثيم، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عبد الله، به
مرفوعا.
قلت: إسناده حسن، القاسم بن عبد الرحمن هو ابن عبد الله بن
مسعود.
2 القطارة والقطار: أن تشد الإبل على نسق، واحدا خلف واحد.
(3/344)
الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا
عُثْمَانُ بنُ أَبِي العَاتِكَةِ: أَنَّ عُبَادَةَ بنَ
الصَّامِتِ مَرَّ بِقَرْيَةِ دُمَّرٍ1 فَأَمَرَ غُلاَمَهُ
أَنْ يَقْطَعَ لَهُ سِوَاكاً مِنْ صَفْصَافٍ عَلَى نَهْرِ
بَرَدَى فَمَضَى لِيَفْعَلَ. ثُمَّ قَالَ لَهُ: ارْجِعْ
فَإِنَّهُ إِنْ لاَ يَكُنْ بِثَمَنٍ فَإِنَّهُ يَيْبَسُ
فَيَعُوْدُ حَطَباً بِثَمَنٍ.
وَعَنْ أَبِي حَزْرَةَ يَعْقُوْبَ بنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ
عُبَادَةَ بنِ الوَلِيْدِ بنِ عُبَادَةَ، عَنْ أَبِيْهِ
قَالَ: كَانَ عُبَادَةُ رَجُلاً طُوَالاً جَسِيْماً
جَمِيْلاً مَاتَ بِالرَّمْلَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ
وَثَلاَثِيْنَ وَهُوَ ابْنُ اثنتين وسبعين سنة.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَسَمِعْتُ مَنْ يَقُوْلُ إِنَّهُ
بَقِيَ حَتَّى تُوُفِّيَ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ فِي
خِلاَفَتِهِ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ سَنَةَ
أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ. وَقَالَ ضَمْرَةُ، عَنْ رَجَاءِ
بنِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: قَبْرُ عُبَادَةَ بِبَيْتِ
المَقْدِسِ وَقَالَ الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ: مَاتَ سَنَةَ
خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
قُلْتُ: سَاقَ لَهُ بقي في مسنده مئة وأحدًا وثمانين
حديثًا وله في البخاري ومسلم ستة وانفرد البخاري بحديثين
ومسلم بحديثين.
__________
1 قرية من غوطة دمشق الغربية تبعد عنها ستة أميال.
(3/345)
98- عَبْدُ اللهِ بنُ حذافة 1 "س":
ابن قيس بن عَدِيٍّ أَبُو حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ أَحَدُ
السَّابِقِيْنَ. هَاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ وَنَفَّذَهُ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَسُوْلاً
إِلَى كِسْرَى2. وَلَهُ رِوَايَةٌ يَسِيْرَةٌ.
خَرَجَ إِلَى الشَّامِ مُجَاهِداً فَأُسِرَ عَلَى
قَيْسَارِيَّةَ وَحَمَلُوْهُ إِلَى طَاغِيَتِهِم
فَرَاوَدَهُ، عَنْ دِيْنِهِ فَلَمْ يفتتن.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "4/ 189" وتاريخ خليفة "79 و98
و142" وتاريخ البخاري الكبير "3/ ق1/ 8"، والجرح والتعديل
"2/ ق2/ 29"، والإصابة "2/ ترجمة 4622"، وتهذيب التهذيب
"5/ 184".
2 صحيح: أخرجه ابن سعد "4/ 189"، والبخاري "4424"،
والنسائي في "الكبير" "5859"، وأحمد "1/ 243" من طريق
يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري عن أبيه، عن صالح بن كيسان
قال: قال ابن شهاب: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة
أن ابن عباس أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث
بكتابه إلى كسرى مع عبد الله
بن حذافة السهمي فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين،
فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه خرقه. قال ابن
شهاب: فحسبت أن المسيب قال: فدعا عليهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق.
(3/345)
حَدَّثَ عَنْهُ سُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ
وَأَبُو وَائِلٍ وَمَسْعُوْدُ بنُ الحَكَمِ وَأَبُو
سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
قَالَ البُخَارِيُّ: حَدِيْثُهُ مَرْسَلٌ وَقَالَ أَبُو
بَكْرٍ بنُ البَرْقِيِّ: الَّذِي حُفِظَ عَنْهُ ثَلاَثَةُ
أَحَادِيْثَ لَيْسَتْ بِمُتَّصِلَةٍ.
وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ وَابْنُ مَنْدَةَ:
شَهِدَ بَدْراً.
يُوْنُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: أَنَّ
عَبْدَ اللهِ بنَ حُذَافَةَ قَامَ يُصَلِّي فَجَهَرَ
فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم: "يابن حُذَافَةَ
لاَ تُسَمِّعْنِي وَسَمِّعِ اللهَ"1.
مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ عُمَرَ بنِ الحَكَمِ بنِ
ثَوْبَانَ أَنَّ أَبَا سَعِيْدٍ قَالَ: بَعَثَ رَسُوْلُ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَرِيَّةً
عَلَيْهِمْ عَلْقَمَةُ بنُ مُجَزِّزٍ وَأَنَا فِيْهِم
فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيْقِ
اسْتَأْذَنَهُ طَائِفَةٌ فَأَذِنَ لَهُم وَأَمَّرَ
عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللهِ بنَ حُذَافَةَ وَكَانَ مِنْ
أَهْلِ بَدْرٍ وَكَانَتْ فِيْهِ دُعَابَةٌ فَبَيْنَا
نَحْنُ فِي الطَّرِيْقِ فَأَوْقَدَ القَوْمُ نَاراً
يَصْطَلُوْنَ بِهَا وَيَصْنَعُوْنَ عَلَيْهَا صَنِيْعاً
لَهُم إِذْ قَالَ أَلَيْسَ لِي عَلَيْكُمُ السَّمْعُ
وَالطَّاعَةُ? قَالُوا: بَلَى قَالَ فَإِنِّي: أَعْزِمُ
عَلَيْكُم بِحَقِّي وَطَاعَتِي إلَّا تَوَاثَبْتُم فِي
هَذِهِ النَّارِ فَقَامَ نَاسٌ فَتَحَجَّزُوا2 حَتَّى
إِذَا ظَنَّ أَنَّهُمْ وَاقِعُوْنَ فِيْهَا قَالَ:
أَمْسِكُوا إِنَّمَا كُنْتُ أَضْحَكُ مَعَكُم. فَلَمَّا
قَدِمُوا عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: "مَنْ
أَمَرَكُمْ بِمَعْصَيَةٍ فَلاَ تُطِيْعُوْهُ" 3.
أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى فِي "مُسْنَدِهِ".
وَرَوَاهُ ابْنُ المُنْكَدِرِ، عَنْ عُمَرَ بنِ الحَكَمِ
فأرسله.
__________
1 ضعيف: أخرجه ابن سعد "4/ 190" من طريق يونس، به.
قلت: إسناده ضعيف، أَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بنِ عَوْفٍ لم يسمع من عبد الله بن حذافة. ويونس هو ابن
يزيد بن أبي النجاد الأيلي، ثقة، إلا أن في روايته عن
الزهري وهما قليلا كما قال الحافظ في "التقريب".
2 تحجزوا: أي شدوا أزرهم على أوساطهم تهيئا لاقتحامها.
3 حسن: أخرجه أحمد "3/ 67"، وابن أبي شيبة "12/ 534" و"14/
341" وابن ماجه "2863" والحاكم "3/ 630-631" وأبو يعلى
"1439" من طريق محمد بن عمرو بن علقمة، عن عمر بن الحكم بن
ثوبان، به.
قلت: إسناده حسن، محمد بن عمرو هو ابن علقمة بن وقاص،
الليثي المدني، صدوق له أوهام.
(3/346)
ثَابِتٌ البُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
"سَلُوْنِي". فَقَالَ رَجُلٌ من أبي يا رسول الله قال:
"أبوك حذافة" 1.
عَبْدُ اللهِ بنُ مُعَاوِيَةَ الجُمَحِيُّ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ العَزِيْزِ القَسْمَلِيُّ، حَدَّثَنَا ضِرَارُ بنُ
عَمْرٍو، عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: وَجَّهَ عُمَرُ
جَيْشاً إِلَى الرُّوْمِ فَأَسَرُوا عَبْدَ اللهِ بنَ
حُذَافَةَ فَذَهَبُوا بِهِ إِلَى مَلِكِهِم فَقَالُوا:
إِنَّ هَذَا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ فَقَالَ: هَلْ لَكَ
أَنْ تَتَنَصَّرَ وَأُعْطِيَكَ نِصْفَ مُلْكِي? قَالَ:
لَوْ أَعْطَيْتَنِي جَمِيْعَ ما تملك وجميع مَا تَمْلِكُ
وَجَمِيْعَ مُلْكِ العَرَبِ مَا رَجَعْتُ، عَنْ دِيْنِ
مُحَمَّدٍ طَرْفَةَ عَيْنٍ. قَالَ: إِذاً أَقْتُلُكَ
قَالَ: أَنْتَ وَذَاكَ. فَأَمَرَ بِهِ فَصُلِبَ وَقَالَ
لِلرُّمَاةِ: ارْمُوْهُ قَرِيْباً مِنْ بَدَنِهِ وَهُوَ
يَعْرِضُ عَلَيْهِ وَيَأْبَى فَأَنْزَلَهُ وَدَعَا
بِقِدْرٍ فَصَبَّ فِيْهَا مَاءً حَتَّى احْتَرَقَتْ
وَدَعَا بِأَسِيْرَيْنِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ فَأَمَرَ
بِأَحَدِهِمَا فَأُلْقِيَ فِيْهَا وَهُوَ يَعْرِضُ
عَلَيْهِ النَّصْرَانِيَّةَ وَهُوَ يَأْبَى. ثُمَّ بَكَى.
فَقِيْلَ لِلْمَلِكِ: إِنَّهُ بَكَى. فَظَنَّ أَنَّه قَدْ
جَزِعَ فَقَالَ: رُدُّوْهُ. مَا أَبْكَاكَ? قَالَ: قُلْتُ
هِيَ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ تُلْقَى السَّاعَةَ فَتَذْهَبُ
فَكُنْتُ أَشْتَهِي أَنْ يَكُوْنَ بِعَدَدِ شَعْرِي
أَنْفُسٌ تُلْقَى فِي النَّارِ فِي اللهِ.
فَقَالَ لَهُ الطَّاغِيَةُ: هَلْ لَكَ أَنْ تُقَبِّلَ
رَأْسِي وَأُخَلِّيَ عَنْكَ?
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ: وَعَنْ جَمِيْعِ الأُسَارَى?
قَالَ: نَعَمْ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ.
وَقَدِمَ بِالأُسَارَى عَلَى عُمَرَ، فَأَخْبَرَهُ
خَبَرَهُ. فَقَالَ عُمَرُ: حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ
أَنْ يُقَبِّلَ رَأْسَ ابْنِ حُذَافَةَ وَأَنَا أبدأ. فقبل
رأسه.
الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو،
وَمَالِكُ بنُ أَنَسٍ: أَنَّ أَهْلَ قَيْسَارِيَّةَ
أَسَرُوا ابْنَ حُذَافَةَ فَأَمَرَ بِهِ مَلِكُهُمْ
فَجُرِّبَ بِأَشْيَاءَ صَبَرَ عَلَيْهَا ثُمَّ جَعَلُوا
لَهُ فِي بَيْتٍ مَعَهُ الخمر ولحم
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "93" و"7294"، ومسلم "2359" من طريق
أبي اليمان قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري عَنْ أَنَسُ بنُ
مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ خَرَجَ حين زاغت الشمس فصلى الظهر، فلما سلم قام
على المنبر فذكر الساعة وذكر أن بين يديها أمورا عظاما، ثم
قال: "من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل عنه، فوالله لا
تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا". قال
أنس فأكثر الناس البكاء، وأكثر رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يقول: "سلوني" فقال أنس:
فقام إليه رجل فقال: أين مدخلي يا رسول الله؟ قال:
"النار". فقام عبد الله بن حذافة فقال: من أبي يا رسول
الله؟ قال: "أبوك حذافة". قال: ثم أكثر أن يقول: "سلوني
سلوني"، فبرك عمر على ركبتيه فقال: رضينا بالله ربا
وبالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا قال: فسكت
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِيْنَ
قال عمر ذلك. ثم قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولى: "والذي نفسي بيده، لقد عرضت علي
الجنة والنار آنفا في عرض الحائط، وأنا أصلي، فلم أر
كاليوم في الخير والشر".
(3/347)
الخِنْزِيْرِ ثَلاَثاً لاَ يَأْكُلُ
فَاطَّلَعُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا لِلْمَلِكِ: قَدِ
انْثَنَى عُنُقُهُ فَإِنْ أَخْرَجْتَهُ وَإِلاَّ مَاتَ.
فَأَخْرَجَهُ وَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْكُلَ
وَتَشْرَبَ?
قَالَ: أَمَا إِنَّ الضَّرُوْرَةَ كَانَتْ قَدْ
أَحَلَّتْهَا لِي وَلَكِنْ كَرِهْتُ أَنْ أُشْمِتَكَ
بِالإِسْلاَمِ. قال: فقبل رأسي وأخلي لك مئة أَسِيْرٍ.
قَالَ: أَمَّا هَذَا فَنَعَمْ. فَقَبَّلَ رَأْسَهُ فخلى له
مئة وَخَلَّى سَبِيْلَهُ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَائِذٍ قِصَّةَ ابْنِ حُذَافَةَ
فَقَالَ:، حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ أَنَّ
ابْنَ حُذَافَةَ أُسِرَ. فَذَكَرَ القِصَّةَ مُطَوَّلَةً
وفيها: أطلق له ثلاث مئة أَسِيْرٍ وَأَجَازَهُ
بِثَلاَثِيْنَ أَلْفِ دِيْنَارٍ وَثَلاَثِيْنَ وَصِيْفَةً
وَثَلاَثِيْنَ وَصِيْفاً.
وَلَعَلَّ هَذَا المَلِكَ قَدْ أَسْلَمَ سِرّاً. وَيَدُلُّ
عَلَى ذَلِكَ مُبَالَغَتُهُ فِي إِكْرَامِ ابْنِ
حُذَافَةَ.
وَكَذَا القَوْلُ فِي هِرَقْلَ إِذْ عَرَضَ عَلَى قَوْمِهِ
الدُّخُوْلَ فِي الدِّيْنِ فَلَمَّا خَافَهُمْ قَالَ:
إِنَّمَا كُنْتُ أَخْتَبِرُ شِدَّتَكُم فِي دِيْنِكُم.
فَمَنْ أَسْلَمَ فِي بَاطِنِهِ هَكَذَا فَيُرْجَى لَهُ
الخَلاَصُ مِنْ خُلُوْدِ النَّارِ إِذْ قَدْ حَصَّلَ فِي
بَاطِنِهِ إِيْمَاناً مَا وَإِنَّمَا يُخَافُ أَنْ
يَكُوْنَ قَدْ خَضَعَ لِلإِسْلاَمِ وَلِلرَّسُوْلِ
وَاعْتَقَدَ أَنَّهُمَا حَقٌّ مَعَ كَوْنِ أَنَّهُ عَلَى
دِيْنٍ صَحِيْحٍ فَتُرَاهُ يُعَظِّمُ لِلدِّيْنَيْنِ كَمَا
قَدْ فَعَلَهُ كَثِيْرٌ مِنَ المُسْلِمَانِيَّةِ
الدَّوَاوِيْنِ فَهَذَا لاَ يَنْفَعُهُ الإِسْلاَمُ حَتَّى
يَتَبَرَّأَ مِنَ الشِّرْكِ.
مَاتَ ابْنُ حُذَافَةَ: فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ -رَضِيَ
اللهُ عَنْهُمْ.
(3/348)
99- أبو رافع
1 "ع":
مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم. مِنْ قِبْطِ مِصْرَ
يُقَالُ: اسْمُهُ إِبْرَاهِيْمُ وَقِيْلَ: أَسْلَمُ.
كَانَ عَبْداً لِلعَبَّاسِ فَوَهَبَهُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا أَنْ بَشَّرَ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِإِسْلاَمِ العَبَّاسِ أَعْتَقَهُ. رَوَى عِدَّةَ
أَحَادِيْثَ.
رَوَى عَنْهُ: وَلَدُهُ، عُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي رَافِعٍ
وَحَفِيْدُهُ الفَضْلُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ وَأَبُو
سَعِيْدٍ المَقْبُرِيُّ وَعَمْرُو بنُ الشَّرِيْدِ
وَجَمَاعَةٌ كَثِيْرَةٌ وَرَوَى عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ
الحُسَيْنِ وَمَا كَأَنَّهُ شَافَهَهُ.
شَهِدَ غَزْوَةَ أُحُدٍ والخندق وكان ذا علم وفضل.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "4/ 73-75"، والجرح والتعديل
"2/ ترجمة رقم 492"، أسد الغابة "1/ 52"، والإصابة "4/
ترجمة رقم 391"، وتهذيب التهذيب "12/ 92-93".
(3/348)
تُوُفِّيَ: فِي خِلاَفَةِ عَلِيٍّ.
وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ بِالكُوْفَةِ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ.
-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ فَكَانَ عَلِيٌّ
يُزَكِّي أَمْوَالَ بَنِي أَبِي رَافِعٍ وَهُمْ أَيْتَامٌ.
قَالَ بُكَيْرُ بن الأشج: أخبرت أنه كان قبطيًا.
شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنِ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ
أَبِيْهِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بَعَثَ رَجُلاً عَلَى الصَّدَقَةِ فَقَالَ
لأَبِي رَافِعٍ: انْطَلِقْ مَعِي فَنُصِيْبَ مِنْهَا.
قُلْتُ: حَتَّى أَسْتَأْذِنَ رَسُوْلَ اللهِ
فَاسْتَأْذَنْتُهُ فَقَالَ: "يَا أَبَا رَافِعٍ إِنَّ
مَوْلَى القَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَإِنَّا لاَ تَحِلُّ
لَنَا الصَّدَقَةُ" 1.
قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ: قَالَ أَبُو رَافِعٍ: لَمْ
يَأْمُرْنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنْ أَنْزِلَ الأَبْطَحَ حِيْنَ خَرَجَ مِنْ
مِنَى وَلَكِنِّي جِئْتُ فنزلت فجاء فنزل2.
__________
1 صحيح على شرط الشيخين: أخرجه الطيالسي "972"، وابن أبي
شيبة "3/ 214"، وأحمد "6/ 10"، والترمذي "675"، والنسائي
"5/ 107"، وابن خزيمة "2344"، والحاكم "1/ 404"، والطحاوي
"2/ 8"، والبيهقي "7/ 32"، والبغوي "1607" من طريق
شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنِ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ، عن
أبي رافع -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلاً مِنْ بَنِي
مَخْزُوْمٍ عَلَى الصَّدَقَةِ فَقَالَ لأَبِي رَافِعٍ:
"اصْحَبْنِي كَيْمَا تصيب منها" فقال: لا حتى أُتِيَ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَسْأَلَهُ، فَانْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: "إِنَّ
الصَّدَقَةَ لاَ تَحِلُّ لنا وإن موالي القوم من أنفسهم".
وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وأبو رَافِعٍ مَوْلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمُهُ
أسلم، وابن أبي رافع هو عبيد الله بن أبي رافع كاتب علي بن
أبي طالب -رضي الله عنه.
2 صحيح: أخرجه مسلم "1313"، وأبو داود "2009" من طريق عن
سفيان بن عيينة، عن صالح بن كيسان، عن سليمان بن يسار قال:
قال أبو رافع: فذكره. قوله: "الأبطح" يعني أبطح مكة، وهو
مسيل واديها، ويجمع على البطاح والأباطح.
(3/349)
100- صهيب بن
سنان 1 "ع":
أبو يحيى النمري. مِنَ النَّمِرِ بنِ قَاسِطٍ. وَيُعْرَفُ
بِالرُّوْمِيِّ لأَنَّهُ أَقَامَ فِي الرُّوْمِ مُدَّةً.
وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَزِيْرَةِ سُبِيَ مِنْ قَرْيَةِ
نِيْنَوَى مِنْ أَعْمَالِ المَوْصِلِ وَقَدْ كَانَ
أَبُوْهُ أَوْ عَمُّهُ عَامِلاً لِكِسْرَى ثُمَّ إِنَّهُ
جُلِبَ إِلَى مَكَّةَ فَاشْتَرَاهُ عَبْدُ اللهِ بنُ
جُدْعَانَ القُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ. وَيُقَالُ: بَلْ
هَرَبَ فَأَتَى مَكَّةَ وَحَالَفَ ابْنَ جُدْعَانَ. كان من
كبار السابقين البدريين.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 226"، تاريخ البخاري الكبير
"4/ ترجمة 2963" والجرح والتعديل "4/ ترجمة "1950"،
والإصابة "2/ ترجمة 4104"، تهذيب التهذيب "4/ 438-439".
(3/349)
حَدَّثَ عَنْهُ بَنُوْهُ: حَبِيْبٌ
وَزِيَادٌ وَحَمْزَةُ وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ وَكَعْبُ
الحَبْرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى
وَآخَرُوْنَ.
رَوَى أَحَادِيْثَ مَعْدُوْدَةً. خَرَّجُوا لَهُ فِي
الكُتُبِ وَكَانَ فَاضِلاً وَافِرَ الحُرْمَةِ لَهُ
عِدَّةُ أَوْلاَدٍ.
وَلَمَّا طُعِنَ عُمَرُ اسْتَنَابَهُ عَلَى الصَّلاَةِ
بِالمُسْلِمِيْنَ إِلَى أَنْ يَتَّفِقَ أَهْلُ الشُّوْرَى
عَلَى إِمَامٍ وَكَانَ مَوْصُوْفاً بِالكَرَمِ
وَالسَّمَاحَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
مَاتَ بِالمَدِيْنَةِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ
وَثَلاَثِيْنَ وَكَانَ مِمَّنِ اعْتَزَلَ الفِتْنَةَ
وَأَقْبَلَ عَلَى شَأْنِهِ. -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. قَالَ
الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: صُهَيْبُ بنُ سِنَانِ بنِ مالك
بن عبد عمرو ابن عُقَيْلِ بنِ عَامِرٍ أَبُو يَحْيَى
وَيُقَالُ: أَبُو غَسَّانَ النَّمِرِيُّ الرُّوْمِيُّ
البَدْرِيُّ المُهَاجِرِيُّ.
رَوَى عَنْهُ بَنُوْهُ وَابْنُ عُمَرَ وَجَابِرٌ وَابْنُ
المُسَيِّبِ وَعُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أَبِي
لَيْلَى وَبَنُوْهُ الثَّمَانِيَةُ: عُثْمَانُ وَصَيْفِيٌّ
وَحَمْزَةُ وَسَعْدٌ وَعَبَّادٌ وَحَبِيْبٌ وَصَالِحٌ
ومحمد.
وَذَكَرَهُ ابْنُ سَعْدٍ، فَسَرَدَ نَسَبَهُ إِلَى
أَسْلَمَ بنِ أَوْسِ مَنَاةَ بنِ النَّمِرِ بنِ قَاسِطٍ
مِنْ رَبِيْعَةَ. حَلِيْفُ عَبْدِ اللهِ بنِ جُدْعَانَ
التَّيْمِيِّ القُرَشِيِّ. وَأُمُّهُ: سَلْمَى بِنْتُ
قُعَيْدٍ. وَكَانَ رَجُلاً أَحْمَرَ شَدِيْدَ الحُمْرَةِ
لَيْسَ بِالطَّوِيْلِ.
وَذَكَرَ شَبَابٌ نَسَبَهُ إِلَى النَّمِرِ بِزِيَادَةِ
آبَاءٍ وَحَذْفِ آخَرِيْنَ. وَكَذَا فَعَلَ أَحْمَدُ بنُ
البَرْقِيِّ.
عَنْ حَمْزَةَ بنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ:
كَنَّانِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَبَا يَحْيَى.
عَنْ صَيْفِيِّ بنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ:
صَحِبْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَبْلَ أَنْ يُوْحَى إِلَيْهِ.
وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمَّارٍ، عَنْ
أَبِيْهِ: قَالَ عَمَّارٌ لَقِيْتُ صُهَيْباً عَلَى بَابِ
دَارِ الأَرْقَمِ وَفِيْهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَخَلْنَا فَعَرَضَ
عَلَيْنَا الإِسْلاَمَ فَأَسْلَمْنَا ثُمَّ مَكَثْنَا
يَوْماً عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَمْسَيْنَا فَخَرَجْنَا
وَنَحْنُ مُسْتَخْفُوْنَ1.
رَوَى يُوْنُسُ، عَنِ الحَسَنِ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صُهَيْبٌ سَابِقُ
الرُّوْمِ"2.
__________
1 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "3/ 227" وفيه الواقدي، وهو
متروك.
2 ضعيف: أخرجه ابن سعد "3/ 227" قال أخبرنا إسماعيل بن
إبراهيم، عن يونس، عن الحسن مرفوعا.
قلت: إسناده ضعيف، لإرساله، الحسن، هو ابن أبي الحسن
البصري.
(3/350)
وَجَاءَ هَذَا بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ
حَدِيْثِ أَبِي أُمَامَةَ وَجَاءَ مِنْ حَديثِ أَنَسٍ
وَأُمِّ هَانِئ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ الإِسْلاَمَ
سَبْعَةٌ: رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ وَبِلاَلٌ وَخَبَّابٌ
وَصُهَيْبٌ ... مُخْتَصَرٌ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ: كَانَ أَبُو
صُهَيْبٍ أَوْ عَمُّهُ: عَامِلاً لِكِسْرَى عَلَى
الأُبُلَّةِ وَكَانَتْ مَنَازِلُهُمْ بِأَرْضِ المَوْصِلِ
فَأَغَارَتِ الرُّوْمُ عَلَيْهِم فَسَبَتْ صُهَيْباً
وَهُوَ غُلاَمٌ فَنَشَأَ بِالرُّوْمِ. ثُمَّ اشْتَرَتْهُ
كَلْبٌ وَبَاعُوْهُ بِمَكَّةَ لِعَبْدِ اللهِ بنِ
جُدْعَانَ فَأَعْتَقَهُ. وَأَمَّا أَهْلُهُ فَيَزْعُمُوْنَ
أَنَّهُ هَرَبَ مِنَ الرُّوْمِ وَقَدِمَ مَكَّةَ.
مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ
رَبِيْعَةَ بنِ عُثْمَانَ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ
أَبِيْهِ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ حَتَّى دَخَلَ
حَائِطاً لِصُهَيْبٍ فَلَمَّا رَآهُ صُهَيْبٌ قَالَ: يَا
نَاسُ يَا أُنَاسُ فَقَالَ عُمَرُ: مَا لَهُ يَدْعُو
النَّاسَ قُلْتُ: بلْ هُوَ غُلاَمٌ لَهُ يُدْعَى
يُحَنَّسَ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَوْلاَ ثَلاَثُ خِصَالٍ
فِيْكَ يَا صُهَيْبُ ... الحَدِيْثَ.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ
عَبْدِ الحَكَمِ بنِ صُهَيْبٍ، عَنْ عُمَرَ بنِ الحَكَمِ
قَالَ: كَانَ عَمَّارُ بنُ يَاسِرٍ يُعَذَّبُ حَتَّى لاَ
يَدْرِي مَا يَقُوْلُ وَكَانَ صُهَيْبٌ يُعَذَّبُ حَتَّى
لاَ يَدْرِي مَا يَقُوْلُ فِي قَوْمٍ مِنَ المُسْلِمِيْنَ
حَتَّى نَزَلَتْ: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ
هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا} [النَّحْلُ: 110] .
قَالَ مُجَاهِدٌ: فَأَمَّا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَنَعَهُ عَمُّهُ وَأَمَّا أَبُو
بَكْرٍ فَمَنَعَهُ قَوْمُهُ وَأُخِذَ الآخَرُوْنَ سَمَّى
مِنْهُم صُهَيباً فَأَلْبَسُوْهُم أَدْرَاعَ الحَدِيْدِ
وَصَهَرُوْهُم فِي الشَّمْسِ حَتَّى بَلَغَ الجُهْدُ
مِنْهُم كُلَّ مَبْلَغٍ فَأَعْطَوْهُم مَا سَأَلُوا
يَعْنِي التَّلَفُّظَ بِالكُفْرِ فَجَاءَ كُلَّ رَجُلٍ
قَوْمُهُ بِأَنْطَاعٍ فِيْهَا المَاءُ فَأَلْقَوْهُم فيها
إلَّا بلالًا. الكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ}
[البَقَرَةُ: 207] . نَزَلَتْ فِي صُهَيْبٍ وَنَفَرٍ مِنَ
أَصْحَابِهِ أَخَذَهُم أَهْلُ مَكَّةَ يُعَذِّبُوْنَهُم
لِيَرُدُّوْهُمْ إِلَى الشِّرْكِ1.
أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ": حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ،
حَدَّثَنَا أَشْعَثُ، عَنْ كُرْدُوْسٍ، عن ابن مسعود،
__________
1 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "3/ 228"، وفيه علتان: الأولى
الكلبي، وهو محمد بن السائب الكلبي، متهم بالكذب، الثانية:
أبو صالح، باذام، مولى أم هانئ، ضعيف مدلس، وقد عنعنه.
(3/351)
قَالَ: مَرَّ المَلأُ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَعِنْدَهُ خَبَّابٌ وَصُهَيْبٌ وَبِلاَلٌ وَعَمَّارٌ
فَقَالُوا: أَرَضِيْتَ بِهَؤُلاَءِ فَنَزَلَ فيهم القرآن:
{أَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ} إِلَى قَوْلِهِ:
{وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ} [الأَنْعَامُ 51-58]
1.
عَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ: أَنَّ
صُهَيْباً حِيْنَ أَرَادَ الهِجْرَةَ قَالَ لَهُ أَهْلُ
مَكَّةَ: أَتَيْتَنَا صُعْلُوْكاً حَقِيْراً فَتَغَيَّرَ
حَالُكَ قَالَ: أَرَأَيْتُم إِنْ تَرَكْتُ مَالِي
أَمُخَلُّوْنَ أَنْتُم سَبِيْلِي قَالُوا: نَعَمْ فَخَلَعَ
لَهُمْ مَالَهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "رَبِحَ صُهَيْبٌ
رَبِحَ صُهَيْبٌ" 2.
يَعْقُوْبُ بنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنَا
حُصَيْنُ بنُ حُذَيْفَةَ بنِ صَيْفِيٍّ، حدثنا أَبِي
وَعُمُوْمَتِي، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ
صُهَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُرِيْتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ
سَبْخَةً بَيْنَ ظَهْرَانَيْ حَرَّةٍ فَإِمَّا أَنْ
تَكُوْنَ هَجَرَ أَوْ يثرب" 3.
__________
1 صحيح لغيره: أخرجه أحمد "1/ 420"، والواحدي في "أسباب
النزول" "ص213"، وابن جرير "13255" و"13256"، والطبراني في
"الكبير" "10/ 10520" من طرق عن أشعث، به.
قلت: إسناده ضعيف، أشعث، وهو ابن سوار الكندي، ضعيف.
والعلة الثانية جهالة كردوس الثعلبي، واختلف في اسم أبيه،
لذا قال الحافظ في "التقريب": مقبول -أي عند المتابعة.
وله شاهد من حديث سعد بن أبي وقاص قال: نَزَلَتْ فِي
سِتَّةٍ أَنَا وَابْنُ مَسْعُوْدٍ مِنْهُم وكان المشركون
قالوا له تدني هؤلاء؟! وفيه فأنزل الله عز وجل: {وَلَا
تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ
وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52] ، أخرجه
مسلم "2413" "45" و"46" وابن ماجه "4128"، وعبد بن حميد
"131" وابن جرير "13263" وله شاهد من حديث خباب: عند ابن
ماجه "4127" وابن جرير "13258" و"13259".
2 صحيح لغيره: أخرجه أحمد في "الفضائل" "1509"، وابن سعد
"3/ 227-228" من طريق عوف بن أبي جميلة الأعرابي، به.
قلت: إسناده ضعيف، لإرسالة، أبو عثمان، هو عبد الرحمن بن
مل النهدي، مخضرم من الثانية، لم يسمع من صهيب، وله شاهد
من حديث أنس: أخرجه الحاكم "3/ 398"، وقال: صحيح على شرط
مسلم. وهو كما قال.
وله شاهد من حديث عكرمة مرسلا: أخرجه الحاكم "3/ 398"
أيضا، وإسناده صحيح إلى عكرمة.
وله شاهد من حديث صهيب نفسه: رواه الطبراني كما في "مجمع
الزوائد" "6/ 60" وعند البيهقي كما في "البداية والنهاية"
"3/ 216-217". فالحديث بهذه الشواهد صحيح. ولولا ضيق
المقام لفصلنا فيه القول بما يشبع غليل علماء وطلاب علم
الحديث.
3 صحيح لغيره: إسناده ضعيف، فيه حصين بن حذيفة، مجهول كما
قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" "1/ ق2/ 191".
وأورده البخاري في "التاريخ الكبير" "2/ ق1/ 10" ولم يذكر
فيه جرحا ولا تعديلا.
لكن له شاهد عن عائشة في حديث طويل: أخرجه البخاري "2297"
و"3905"، والبيهقي في "الدلائل" "2/ 471-474" من طريق
الليث، عن عقبل قال ابن شهاب فأخبرني عروة بن الزبير، عن
عائشة به في حديث طويل وفيه مرفوعا: "قد رأيت دار هجرتكم،
رأيت سبخة ذات نخل بين لابتين، وهما الحرتان فهاجر من هاجر
قبل المدينة حين ذكر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة ... ".
(3/352)
قَالَ: وَخَرَجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى المَدِيْنَةِ وَقَدْ
كُنْتُ هَمَمْتُ بِالخُرُوْجِ مَعَهُ فَصَدَّنِي فِتْيَانٌ
مِنْ قُرَيْشٍ فَجَعَلْتُ لَيْلَتِي تِلْكَ أَقُوْمُ لاَ
أَقْعُدُ فَقَالُوا: قَدْ شَغَلَهُ اللهُ عَنْكُمْ
بِبَطْنِهِ وَلَمْ أَكُنْ شَاكِياً فَنَامُوا فَذَهَبْتُ
فَلَحِقَنِي نَاسٌ مِنْهُم عَلَى بَرِيْدٍ. فَقُلْتُ
لَهُم: أُعْطِيْكُم أَوَاقِيَّ مِنْ ذَهَبٍ
وَتُخَلُّوْنِي? فَفَعَلُوا فَقُلْتُ: احْفِرُوا تَحْتَ
أُسْكُفَّةِ1 البَابِ تَجِدُوْهَا وَخُذُوا مِنْ فُلاَنَةٍ
الحُلَّتَيْنِ. وَخَرَجْتُ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُبَاءَ
فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: "يَا أَبَا يَحْيَى رَبِحَ
البَيْعُ" ثَلاَثاً فَقُلْتُ: مَا أَخْبَرَكَ إلَّا
جِبْرِيْلُ.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ،
عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ قَالَ: أَقْبَلَ صُهَيْبٌ
مُهَاجِراً وَاتَّبَعَهُ نَفَرٌ فَنَزَلَ، عَنْ
رَاحِلَتِهِ وَنَثَلَ كِنَانَتَهُ وَقَالَ: لَقَدْ
عَلِمْتُمْ أَنِّي مِنْ أَرْمَاكُم وَايْمُ اللهِ لاَ
تَصِلُوْنَ إِلَيَّ حَتَّى أَرْمِيَ بِكُلِّ سَهْمٍ مَعِي
ثُمَّ أَضْرِبَكُمْ بِسَيْفِي فَإِنْ شِئْتُمْ
دَلَلْتُكُمْ عَلَى مَالِي وَخَلَّيْتُمْ سَبِيْلِي?
قَالُوا: نَفْعَلُ. فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "رَبِحَ
البَيْعُ أَبَا يَحْيَى" وَنَزَلَتْ: {وَمِنَ النَّاسِ
مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ}
[البقرة: 207] 2.
وَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: هَرَبَ صُهَيْبٌ مِنَ
الرُّوْمِ بِمَالٍ فَنَزَلَ مَكَّةَ فَعَاقَدَ ابْنَ
جُدْعَانَ. وَإِنَّمَا أَخَذَتْهُ الرُّوْمُ مِنْ
نِيْنَوَى.
عَبْدُ الحَكِيْمِ بنُ صُهَيْبٍ، عَنْ عُمَرَ بنِ الحَكَمِ
بنِ ثَوْبَانَ، عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قُبَاءَ وَقَدْ رَمِدْتُ فِي الطَّرِيْقِ وَجُعْتُ
وَبَيْنَ يَدَيْهِ رُطَبٌ فَوَقَعْتُ فِيْهِ فَقَالَ
عُمَرُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ: إلَّا تَرَى صُهَيْباً
يَأْكُلُ الرُّطَبَ وَهُوَ أَرْمَدُ? فَقَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِي ذَلِكَ قُلْتُ:
إِنَّمَا آكُلُ عَلَى شِقِّ عَيْنِي الصَّحِيْحَةِ.
فتبسم3.
__________
1 الأسكفة والأسكوفة: عتبة الباب التي يوطأ عليها.
2 ضعيف: أخرجه ابن سعد "3/ 228"، وفيه علي بن زيد، وهو ابن
جدعان، ضعيف بالاتفاق.
3 ضعيف: أخرجه ابن سعد "3/ 228" من طريق الواقدي، عن عبد
الله بن جعفر، عن عبد الحكيم بن صهيب، به.
قلت: وإسناده واه، الواقدي متروك، وأخرجه ابن ماجه "3443"
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الوهاب، حدثنا موسى بن إسماعيل،
حدثنا ابن المبارك، عن عبد الحميد بن صيفي "من ولد صهيب"،
عن أبيه،=
(3/353)
ذَكَرَ عُرْوَةُ وَمُوْسَى بنُ عُقْبَةَ
وَغَيْرُهُمَا: صُهَيْباً فِيْمَنْ شَهِدَ بَدْراً.
أَبُو زُرْعَةَ: حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ عَدِيٍّ،
حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَزِيْدَ بنِ
صَيْفِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي
جَدِّهِ، عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ
وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحِبَّ صُهَيْباً حُبَّ
الوَالِدَةِ لِوَلَدِهَا"1.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ
بنِ قُرَّةَ، عَنْ عَائِذِ بنِ عَمْرٍو أَنَّ سَلْمَانَ
وَصُهَيْباً وَبِلاَلاً كَانُوا قُعُوْداً فَمَرَّ بِهِم
أَبُو سُفْيَانَ فَقَالُوا: مَا أَخَذَتْ سُيُوْفُ اللهِ
مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللهِ مَأْخَذَهَا بَعْدُ. فَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ: أَتَقُوْلُوْنَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ
وَسَيِّدِهَا? قَالَ: فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "يَا أَبَا
بَكْرٍ لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُم لَئِنْ كُنْتَ
أَغْضَبْتَهُم لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ". فَرَجَعَ
إِلَيْهِم فَقَالَ: أَيْ إِخْوَانَنَا لَعَلَّكُمْ
غَضِبْتُم? قَالُوا: لاَ يَا أَبَا بَكْرٍ يَغْفِرُ اللهُ
لَكَ2.
عَبْدُ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، عَنْ حَمْزَةَ
بنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ
لِصُهَيْبٍ: أَيُّ رَجُلٍ أَنْتَ لَوْلاَ خِصَالٌ ثَلاَثٌ
فِيْكَ قَالَ: وَمَا هُنَّ? قَالَ: اكْتَنَيْتَ وَلَيْسَ
لَكَ ولدٌ وَانْتَمَيْتَ إِلَى العَرَبِ وَأَنْتَ مِنَ
الرُّوْمِ وَفِيْكَ سَرَفٌ فِي الطَّعَامِ. قَالَ: فَإِنَّ
رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كَنَّانِي أَبَا يَحْيَى وَأَنَا مِنَ النَّمِرِ بنِ
قَاسِطٍ سَبَتْنِي الرُّوْمُ مِنَ المَوْصِلِ بَعْدَ إِذْ
أَنَا غُلاَمٌ قَدْ عَرَفْتُ نَسَبِي وَأَمَّا قَوْلُكَ
فِي سَرَفِ الطَّعَامِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ:
"خَيْرُكُمْ مَنْ أطعم الطعام"3.
__________
= عن جده صهيب قال: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم
وبين يديه خبز وتمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ادن
فكل" فأخذت آكل من التمر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"تأكل تمرا وبك رمدا؟ " قال: فقلت: إني أمضغ من ناحية أخرى
فتبسم رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"
وَقَالَ البوصيري في "زوائده" إسناده صحيح، رجاله ثقات"!
قلت: أنى له الصحة، وفي الإسناد عبد الحميد بن زياد، أو
زيد بن صيفي بن صهيب الرومي، وربما نسبه إلى جده، لين
الحديث كما قال الحافظ في "التقريب فالإسناد ضعيف لا كما
قال البوصيري الذي يتساهل غالبا فالله المستعان.
1 ضعيف: في إسناده يوسف بن محمد الصهيبي، وهو يُوْسُفُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ يَزِيْدَ بنِ صَيْفِيٍّ، قال البخاري: فيه
نظر وقد أورده الحافظ الذهبي الحديث في ترجمته في "ميزان
الاعتدال" وعده في جملة منكراته.
وفي إسناده أيضا: محمد بن يزيد بن صيفي بن صهيب، قال
البخاري: مختلف في حديثه.
2 صحيح: أخرجه مسلم "2504" حدثنا محمد بن حاتم، حدثنا بهز،
حدثنا حماد بن سلمة به.
3 ضعيف: في إسناده حمزة بن صهيب، مجهول، لذا قال الحافظ في
"التقريب": "مقبول" أي عند المتابعة. وفي الإسناد عبد الله
بن محمد بن عقيل، صدوق، في حديث لين ويقال تغير بآخره.
(3/354)
وَرَوَى مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ
عَلْقَمَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
حَاطِبٍ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِصُهَيْبٍ:
لَوْلاَ ثَلاَثٌ فِيْكَ? وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيْهِ بِحَذْفِ
"عَنْ أَبِيْهِ" وَزَادَ: ولو انفلقت عني روثة لا نتسبت
إِلَيْهَا.
وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ: أَنَّ
عُمَرَ قَالَ لِصُهَيْبٍ: لَوْلاَ ثَلاَثُ خِصَالٍ قَالَ:
وَمَا هُنَّ فَوَاللهِ مَا تَزَالُ تَعِيْبُ شَيْئاً.
قَالَ: اكْتِنَاؤُكَ وَلَيْسَ لَكَ وَلَدٌ وَادِّعَاؤُكَ
إِلَى النَّمِرِ بنِ قَاسِطٍ وَأَنْتَ رَجُلٌ أَلْكَنُ1
وَأَنَّكَ لاَ تُمسِكُ المَالَ.... الحَدِيْثَ وَفِيْهِ:
وَاسْتُرْضِعَ لِي بِالأُبُلَّةِ2 فَهَذِهِ مِنْ ذَاكَ.
وَأَمَّا المال فهل تزانى أُنفِقُ إلَّا فِي حَقٍّ.
وَرَوَى سَالِمٌ، عَنْ أَبِيْهِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: إِنْ
حَدَثَ بِي حَدَثٌ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ صُهَيْبٌ
ثَلاَثاً ثُمَّ أَجْمِعُوا أَمْرَكُم فِي اليَوْمِ
الثَّالِثِ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: مَاتَ صُهَيْبٌ بِالمَدِيْنَةِ فِي
شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ، عَنْ سَبْعِيْنَ
سَنَةً وَكَذَلِكَ قَالَ المَدَائِنِيُّ وَغَيْرُهُ فِي
وَفَاتِهِ. وَقَالَ المَدَائِنِيُّ: عَاشَ ثَلاَثاً
وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ الفَسَوِيُّ: عَاشَ أَرْبَعاً وَثَمَانِيْنَ
سَنَةً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. لَهُ نَحْوٌ مِنْ
ثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ مِنْهَا
ثَلاَثَةَ أَحَادِيْثَ3.
__________
1 قال ابن سيده: الالكن الذي لا يقيم العربية من عجمة في
لسانه، لكن لكنا ولكنه ولكونه. ويقال: به لكنه شديدة
ولكونه ولكنونة.
2 الأبلة: بلدة بالعراق بينها وبين البصرة أربعة فراسخ.
3 أول هذه الأحاديث الثلاثة: ما رواه مسلم "181" من طريق
عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب، مرفوعا: إذا دخل أهل
الجنة الجنة قال يقول الله -تبارك وتعالى: تريدون شيئا
أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة
وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب. فما اعطوا شيئا أحب
إليهم من النظر إلى ربهم، عز وجل.
وثانيها: ما رواه مسلم "2999" من طريق عبد الرحمن بن أبي
ليلى أيضا عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "عجبا لامر المؤمن. إن أمره
كله خير. وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن. إن أصابته سراء شكر
فكان خيرا له. وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له".
وثالثها: ما رواه مسلم "3005" من طريق عبد الرحمن بن أبي
ليلى، عن صهيب في حديث طويل ذكر فيه قصة أصحاب الأخدود.
(3/355)
101- أبو طلحة
الأنصاري 1 "ع":
صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَمِنْ بَنِي أَخْوَالِهِ وَأَحَدُ أَعْيَانِ
البَدْرِيِّيْنَ وَأَحَدُ النُّقَبَاءِ الاثْنَيْ عَشَرَ
لَيْلَةَ العَقَبَةِ.
وَاسْمُهُ: زَيْدُ بنُ سَهْلِ بنِ الأَسْوَدِ بنِ حَرَامِ
بنِ عَمْرِو بنِ زَيْدِ مَنَاةَ بنِ عَدِيِّ ابن عَمْرِو
بنِ مَالِكِ بنِ النَّجَّارِ الخَزْرَجِيُّ
النَّجَّارِيُّ. لَهُ أَحَادِيْثُ.
رَوَى عَنْهُ رَبِيْبُهُ: أَنَسُ بنُ مَالِكٍ وَزَيْدُ بنُ
خَالِدٍ الجُهَنِيُّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُهُ أَبُو
إِسْحَاقَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي طَلْحَةَ.
وَكَانَ قَدْ سَرَدَ الصَّوْمَ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2.
وَهُوَ الَّذِي كَانَ لاَ يَرَى بِابْتِلاَعِ البَرَدِ
لِلصَّائِمِ بَأْساً وَيَقُوْلُ: ليس بطعام ولا شراب3.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 504 والتاريخ الكبير "الكنى
ترجمة رقم "94"، والتاريخ الصغير "1/ 18 و62"، والمعرفة
والتاريخ "1/ 300" و"2/ 531" و"3/ 163"، والجرح والتعديل
"1/ ق2/ 564"، والإصابة "1/ ترجمة 2905" وتهذيب التهذيب
"3/ 414-415".
2 صحيح: أخرجه الطبراني "4681" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
عَبْدِ اللهِ الحَضْرَمِيّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى
بنُ حَمَّادٍ النَّرْسِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ
سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أن أبا طلحة سرد الصوم
بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى مات.
قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات، وأخرجه الحاكم "3/ 353" من
طريق حماد بن سلمة والطبراني في "الكبير" "5/ 4680" من
طريق شعبة كلاهما عن ثابت: عن أنس قال: كان أبو طلحة لا
يصوم عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ من أجل الغزو فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم
لم أره يفطر إلا يوم أضحى أو يوم فطر.
3 صحيح: أخرجه أحمد "3/ 279" وابن عساكر "6/ 313 / 2" من
طريق شعبة، عن قتادة وحميد، عن أنس قال: "مطرنا بردا وأبو
طلحة صائم فجعل يأكل منه، قيل له: أتأكل وأنت صائم؟! فقال:
إنما هذا بركة".
قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وأخرجه الطحاوي من طريق
خالد بن قيس، عن قتادة، ومن طريق حماد بن سلمة، عن ثابت،
كلاهما، عن أنس، به نحوه، ورواه البزار "1022" كشف الأستار
حدثنا هلال بن يحيى، حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أنس
قال: رأيت أبا طلحة يأكل البرد وهو صائم ويقول: إنه ليس
بطعام ولا شراب، فذكر ذلك لسعيد بن المسيب فكرهه وقال: إنه
يقطع الظمأ.
وقال البزار: لا نعلم هذا الفعل إلا عن أبي طلحة.
(3/356)
وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيْهِ رَسُوْلُ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَوْتُ أَبِي
طَلْحَةَ فِي الجَيْشِ خَيْرٌ مِنْ فِئَةٍ" 1.
وَمَنَاقِبُهُ كَثِيْرَةٌ.
قِيْلَ: إِنَّهُ غَزَا بَحْرَ الرُّوْمِ فَتُوُفِّيَ فِي
السَّفِيْنَةِ وَالأَشْهَرُ أَنَّهُ مَاتَ بِالمَدِيْنَةِ
وَصَلَّى عَلَيْهِ عُثْمَانُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ
وَثَلاَثِيْنَ. -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ:
كَانَ أَبُو طَلْحَةَ وَمُعَاذٌ وَأَبُو عُبَيْدَةَ
يَشْرَبُوْنَ بِالشَّامِ الطِّلاَءَ: مَا طُبِخَ عَلَى
الثُّلُثِ وَذَهَبَ ثُلُثَاهُ. قُلْتُ: هُوَ الدِّبْسُ.
وَذَكَرَ عُرْوَةُ وَمُوْسَى بنُ عُقْبَةَ، وَابْنُ
إِسْحَاقَ: أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ ممن شهد العقبة وبدرًا.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: إِنَّ أَبَا
طَلْحَةَ عَاشَ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعِيْنَ سَنَةً يَسْرُدُ
الصَّوْمَ2.
قُلْتُ: بَلْ عَاشَ بَعْدَهُ نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ
سَنَةً.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ البَرْقِيِّ: أَبُو طَلْحَةَ بَدْرِيٌّ
نَقِيْبٌ صَلَّى عَلَيْهِ عُثْمَانُ جَاءَ لَهُ نَحْوُ
عِشْرِيْنَ حَدِيْثاً.
حماد بن سلمة، عن ثابت وعلي بن زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ
أَبَا طَلْحَةَ قَالَ لَهُ بَنُوْهُ: قَدْ غَزَوْتَ عَلَى
عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَنَحْنُ نَغْزُو
عَنْكَ. فَأَبَى فَغَزَا فِي البَحْرِ فَمَاتَ.
جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنِ أَنَسٍ
قَالَ: خطبَ أَبُو طَلْحَةَ أمَّ سُلَيْمٍ فَقَالَتْ:
أَمَا إِنِّي فِيْكَ لَرَاغِبَةٌ وَمَا مِثْلُكَ يُرَدُّ
وَلَكِنَّكَ كَافِرٌ فَإِنْ تُسْلِمْ فَذَلِكَ مهري لا
أسألك غيره. فأسلم وتزوجها.
__________
1 صحيح على شرط مسلم: "أخرجه أحمد "3/ 203"، وابن أبي شيبة
"12/ 463"، وعبد بن حميد "1384" من طريق يزيد بن هارون
أخبرنا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ
قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم: فذكره، وأخرجه أبو يعلى "3991"، والحاكم "3/ 352" من
طريق سفيان بن عينية، سمعت ابن جدعان، عن أنس مرفوعا، به.
قلت: وإسناده ضعيف، لضعف علي بن زيد بن جدعان، وأخرجه ابن
سعد "3/ 505"، والحاكم "3/ 352" من طريق سفيان
الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
عَقِيْلٍ، عن جابر أو عن أنس بلفظ "خير من ألف رجل".
2 راجع تخريجنا السابق رقم "749"، وهو صحيح.
(3/357)
قَالَ ثَابِتٌ: فَمَا سَمِعْنَا بِمَهْرٍ
كَانَ قَطُّ أَكْرَمَ مِنْ مَهْرِ أُمِّ سُلَيْمٍ:
الإِسْلاَمِ.
الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ
وَحَمَّادٌ وَجَعْفَرُ بنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ،
عَنْ أَنَسٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَحَدَّثَنَاهُ شَيْخٌ
سَمِعَهُ مِنَ النَّضْرِ بنِ أَنَسٍ قَالَ مَالِكٌ وَالِدُ
أَنَسٍ لامْرَأَتِهِ: أَرَى هَذَا الرَّجُلَ يُحَرِّمُ
الخَمْرَ. فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى الشَّامَ فَهَلَكَ
هُنَاكَ. فَجَاءَ أَبُو طَلْحَةَ يَخْطُبُ أُمَّ سُلَيْمٍ
فَقَالَتْ: مَا مِثْلُكَ يُرَدُّ وَلَكِنَّكَ امْرُؤٌ
كَافِرٌ وَلاَ أُرِيْدُ مَهْراً إلَّا الإِسْلاَمَ قَالَ
فَمَنْ لِي بِذَلِكَ? قَالَتْ: النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَانْطَلَقَ يُرِيْدُهُ. فَقَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "جَاءكُمْ
أَبُو طَلْحَةَ وَغُرَّةُ الإِسْلاَمِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ".
قَالَ: فَتَزَوَّجَهَا عَلَى ذَلِكَ الحَدِيْثَ بِطُوْلِهِ
وَكَيْفَ مَاتَ ابْنُهُ مِنْهَا وَكَتَمَتْهُ
وَتَصَنَّعَتْ لَهُ حَتَّى أَصَابَهَا ثُمَّ أَخْبَرَتْهُ
وَقَالَتْ: إِنَّ اللهَ كَانَ أَعَارَكَ عَارِيَةً
فَقَبَضَهَا فَاحْتَسِبِ ابْنَكَ1.
قَالَ أَنَسٌ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: لَقَدْ سَقَطَ
السَّيْفُ مِنِّي يَوْمَ بَدْرٍ لِمَا غَشِيَنَا مِنَ
النُّعَاسِ2.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ
أَبَا طَلْحَةَ صَامَ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أربعين سنة لا يفطر لا يَوْمَ
فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى.
غَرِيْبٌ عَلَى شَرْطِ مسلم3.
وَبِهِ: أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ: لاَ أَتَأَمَّرَنَّ
عَلَى اثْنَيْنِ وَلاَ أَذُمُّهُمَا.
ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ: أن أبا طلحة وكان يَرْمِي بَيْنَ
يَدَيْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ وَكَانَ رَجُلاً رَامِياً
وَكَانَ رَسُوْلُ اللهِ إِذَا رَمَى أَبُو طَلْحَةَ رفع
بصره ينظر أين يقع سهمه كان يَدْفَعُ صَدْرَ رَسُوْلِ
اللهِ بِيَدِهِ وَيَقُوْلُ: يَا رسول الله هكذا لا يصيبك
سهم4.
__________
1 صحيح: أخرجه بتمامه الطيالسي "2056" قال: حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ، وَحَمَّادٌ، وَجَعْفَرُ بنُ
سليمان، به.
2 صحيح: أخرجه أحمد "4/ 29" من طريق يونس، حدثنا شيبان
وحسين في تفسير شيبان، عن قتادة قال: وحدثنا أنس بن مالك
أن أبا طلحة قال غشينا النعاس، ونحن في مصافنا يوم بدر
قال: أبو طلحة فيمن غشيه النعاس يومئذ فجعل سيفي يسقط من
يدي وآخذه ويسقط وآخذه، وأخرجه البخاري "4562" والترمذي
"3008" من طريق قتادة، عن أنس، به.
3 تقدم تخريجنا له قريبا.
4 صحيح: أخرجه أحمد "3/ 286-287" من طريق عفان، عن ثابت،
عن أنس، به.
(3/358)
عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ صُهَيْبٍ، عَنْ
أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ
نَاسٌ، عَنْ رَسُوْلِ اللهِ وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ
يَدَيْهِ مُجَوِّباً عَلَيْهِ بِحَجْفَةٍ وَكَانَ
رَامِياً شَدِيْدَ النَّزْعِ كَسَرَ يَوْمَئِذٍ
قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً وَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ
مَعَهُ الجُعْبَةُ مِنَ النَّبْلِ فَيَقُوْلُ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "انْثُرْهَا لأَبِي
طَلْحَةَ" ثُمَّ يُشْرِفُ إِلَى القَوْمِ فَيَقُوْلُ
أَبُو طَلْحَةَ: يَا نَبِيَّ اللهِ بِأَبِي أَنْتَ لاَ
تُشْرِفْ لاَ يُصِيْبُكَ سَهْمٌ نَحْرِي دُوْنَ
نَحْرِكَ.
قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ وَأُمَّ سُلَيْمٍ
وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَاتٍ أَرَى خَدَمَ سُوْقِهِمَا
تَنْقُزَانِ القِرَبُ عَلَى مُتُوْنِهِمَا
وَتُفْرِغَاَنِهَا فِي أَفْوَاهِ القَوْمِ
وَتَرْجِعَانِ فَتَمْلآنِهَا. فَلَقَدْ وَقَعَ
السَّيْفُ مِنْ يَدِ أَبِي طَلْحَةَ مَرَّتَيْنِ أَوْ
ثَلاَثاً من النعاس1.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ،
عَنْ أَنَسٍ كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "صَوْتُ أَبِي طَلْحَةَ
فِي الجَيْشِ خَيْرٌ مِنْ فِئَةٍ" 2.
وَكَانَ إِذَا بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَثَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَالَ:
نَفْسِي لِنَفْسِكَ الفِدَاءُ وَوَجْهِي لِوَجْهِكَ
الوِقَاءُ.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ
قال: قال رسول الله: "لَصَوْتُ أَبِي طَلْحَةَ أَشَدُّ
عَلَى المُشْرِكِيْنَ مِنْ فِئَةٍ". الثَّوْرِيُّ،
عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، عَنْ
جَابِرٍ أَوْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "لَصَوْتُ أَبِي
طَلْحَةَ فِي الجَيْشِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ رَجُلٍ" 3.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بنُ عَبْدِ
اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ
رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: "مَنْ قَتَلَ قَتِيْلاً فَلَهُ
سَلَبُهُ". فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ
عِشْرِيْنَ رَجُلاً وَأَخَذَ أَسْلاَبَهُمْ4.
هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ أَنَسٍ: نَحَرَ
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- وحلق فناول
الحلاق شقه
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "4064" ومسلم "1811" حدثنا أبو
معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا عبد العزيز، به.
2 صحيح: تقدم تخريجنا له منذ صفحات بتعليق رقم "751".
3 صحيح: سبق تخريجنا له بإسهاب منذ صفحات بتعليق رقم
"751".
4 صحيح: أخرجه أبو داود "2718"، والحاكم "3/ 353"،
والبيهقي "6/ 306" من طريق حماد بن سلمة، به.
(3/359)
الأَيْمَنَ فَحَلَقَهُ ثُمَّ دَعَا أَبَا
طَلْحَةَ فَأَعْطَاهُ إياه ثم نَاوَلَهُ شِقَّهُ
الأَيْسَرَ وَقَالَ: "احْلِقْ" وَأَعْطَاهُ أَبَا
طَلْحَةَ فَقَسَمَهُ بَيْنَ النَّاسِ1.
وَرَوَاهُ ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ فَأَرْسَلَهُ.
قَالَ أَنَسٌ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ
أَنْصَارِيٍّ بِالمَدِيْنَةِ مَالاً مِنْ نَخْلٍ
فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ إِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي
إِلَيَّ بَيْرُحَاءُ وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ للهِ
أَرْجُوْ بِرَّهَا وَذُخْرَهَا فَضَعْهَا يَا رَسُوْلَ
اللهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللهُ فَقَالَ: "بَخٍ! ذَلِكَ
مَالٌ رَابِحٌ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي
الأَقْرَبِيْنَ" 2.
حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ
بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لاَ يُفْطِرُ إلَّا فِي سَفَرٍ أَوْ
مَرَضٍ3.
قَتَادَةُ وَحُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ أَبُو
طَلْحَةَ يَأْكُلُ البَرَدَ وَهُوَ صَائِمٌ وَيَقُوْلُ
لَيْسَ بِطَعَامٍ وَلاَ بِشَرَابٍ وَإِنَّمَا هُوَ
بَرَكَةٌ. تَفَرَّدَ بِهِ فَيْهِ عَلِيُّ بنُ
جُدْعَانَ، عَنْ أَنَسٍ فَأَخْبَرْتُ رَسُوْلَ اللهِ
فَقَالَ: "خُذْ عَنْ عَمِّكَ" 4.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثابت وعلي بن زيد، عن
أنس: أن أَبَا طَلْحَةَ قَرَأَ: {انْفِرُوا خِفَافًا
وَثِقَالًا} [التَّوْبَةُ: 41] . فَقَالَ
اسْتَنْفَرَنَا اللهُ وَأَمَرَنَا شُيُوْخَنَا
وَشَبَابَنَا جَهِّزُوْنِي فَقَالَ بَنُوْهُ:
يَرْحَمُكَ اللهُ! إِنَّكَ قَدْ غَزَوْتَ عَلَى عَهْدِ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَنَحْنُ نَغْزُو عَنْكَ
الآنَ.
قَالَ: فَغَزَا البَحْرَ فَمَاتَ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ
جَزِيْرَةً يَدْفِنُوْنَهُ فِيْهَا إلَّا بَعْدَ
سَبْعَةِ أيام فلم يتغير5.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "1305" "326" من طريق سفيان سمعت
هشام بن حسان عن ابن سيرين، به.
2 صحيح: أخرجه مالك "2/ 595-596"، وأحمد "3/ 141"،
والبخاري "1461" و"2318" و2752" و"2769" و"4554"
و"5611"، ومسلم "998"، والبيهقي "6/ 164-165 و275"،
والبغوي "1683" كلهم عن مالك، عَنْ إِسْحَاقُ بنُ
عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ، به.
3 صحيح: أخرجه ابن سعد "3/ 506" من طريق يزيد بن
هارون، عن حميد، عن أنس، به.
4 ضعيف: في إسناده علي بن زيد بن جدعان، لكن قد صح عن
أبي طلحة ذلك وقد خرجته بإسهاب قريبا في ترجمة أبي
طلحة رقم "750"
5 صحيح: أخرجه ابن سعد "3/ 507" من طريق عفان بن مسلم،
عن حماد بن سلمة، به.
(3/360)
مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ.
وَقَالَ خَلِيْفَةُ وَحْدَهُ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
وَثَلاَثِيْنَ.
قَالَ لَنَا الحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ: حَلَقَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شِقَّ
رَأْسِهِ فَوَزَّعَهُ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ حَلَقَ
شِقَّهُ الآخَرَ فَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ1.
قَالَ: وَكَانَ جَلْداً صَيِّتاً آدَمَ مَرْبُوْعاً
لاَ يُغَيِّرُ شَيْبَهُ.
صَلَّى عَلَيْهِ عُثْمَانُ وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ
إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ.
رَوَى، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ حَدِيْثاً مِنْهَا
فِي الصَّحِيْحَيْنِ حديثان وتفرد البخاري بحديث ومسلم
بحديث.
__________
1 صحيح: سبق تخريجنا له قريبا بتعليق رقم "1306" "326"
وقد مر تخريجنا له قريبا.
(3/361)
102- أبو بردة
بن نيار 1 "ع":
ابن عمرو بن عبيد بن عَمْرِو بنِ كِلاَبِ بنِ
دُهْمَانَ البَلَوِيُّ القُضَاعِيُّ الأنصاري من حلفاء
الأوس.
واسمه: هانيء وَهُوَ خَالُ البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ.
شَهِدَ العَقَبَةَ وَبَدْراً وَالمَشَاهِدَ
النَّبَوِيَّةَ وَبَقِيَ إِلَى دَوْلَةِ مُعَاوِيَةَ.
وَحَدِيْثُهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ أُخْتِهِ البَرَاءُ وَجَابِرُ
بنُ عَبْدِ اللهِ وَبَشِيْرُ بن يسار غيرهم.
وَكَانَ أَحَدَ الرُّمَاةِ المَوْصُوْفِيْنَ.
وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثنتين وأربعين.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 451"، وتاريخ خليفة
"205"، والتاريخ الكبير "4/ ق2/ 227"، والجرح والتعديل
"4/ ق2/ 99-100"، وتهذيب التهذيب "12/ 19"، والإصابة
"3 ترجمة 8926".
(3/361)
103- جبر بن
عتيك 1:
ابن قيس بن هيشة بن الحارث بن أُمَيَّةَ بنِ
مُعَاوِيَةَ بنِ مَالِكِ بنِ عَوْفِ بنِ عَمْرِو بنِ
عَوْفٍ الأَنْصَارِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ.
بَدْرِيٌّ كَبِيْرٌ: وَقِيْلَ: اسْمُهُ جَابِرٌ.
وَلَهُ أَوْلاَدٌ عَتِيْكٌ وَعَبْدُ اللهِ وَأُمُّ
ثَابِتٍ.
آخَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَبَّابِ بنِ الأَرَتِّ.
شَهِدَ بَدْراً وَالمَشَاهِدَ وَكَانَتْ إِلَيْهِ
رَايَةُ بَنِي مُعَاوِيَةَ بنِ مَالِكٍ يَوْمَ
الفَتْحِ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ وَابْنُ سَعْدٍ وَخَلِيْفَةُ
وَابْنُ زَبْرٍ وَابْنُ مَنْدَةَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ
إِحْدَى وَسِتِّيْنَ.
قِيْلَ: عَاشَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ سَنَةً. وَفِي
المُوَطَّأِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ
جَابِرِ بنِ عَتِيْكٍ، عَنْ جَدِّهِ لأُمِّهِ عَتِيْكِ
بنِ الحَارِثِ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بنُ
عَتِيْكٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاء يعود عَبْدَ اللهِ بنَ
ثَابِتٍ فَوَجَدَهُ قَدْ غُلِبَ فَاسْتَرْجَعَ
وَقَالَ: غُلِبْنَا عَلَيْكَ2.
قُلْتُ: الصَّحِيْحُ أَنَّ جَابِرَ بنَ عَتِيْكٍ هُوَ
صَاحِبُ هَذَا الخَبَرِ. وَصَاحِبُ تَارِيْخِ
الوَفَاةِ وَأَنَّ جَبْراً قَدِيْمُ الوَفَاةِ وَأَنَّ
جَابِراً مِنْ بَنِي غَنَمِ بنِ سَلِمَةَ وَاللهُ
أَعْلَمُ.
وَعَمُّهُمَا الحَارِثُ بنُ قَيْسِ بنِ هَيْشَةَ
الأَوْسِيُّ. بَدْرِيٌّ جَلِيْلٌ عَدَّهُ الوَاقِدِيُّ
وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَارَةَ. وَلَمْ
يَذْكُرْهُ ابْنُ عُقْبَةَ وَلاَ ابْنُ إِسْحَاقَ
وَلاَ أَبُو مَعْشَرٍ. بَلْ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ
وَأَبُو مَعْشَرٍ: جَبْرُ بنُ عَتِيْكِ بنِ الحَارِثِ
بنِ قَيْسِ بن هيشة.
__________
1 ترجمته: في طبقات ابن سعد "3/ 469"، والجرح والتعديل
"1/ ق1/ 532"، والإصابة "1/ ترجمة 1066"، وتهذيب
التهذيب "2/ 59-60".
2 صحيح لغيره: أخرجه مالك "1/ 233-234"، وأحمد "5/
446"، وأبو داود "3111"، والنسائي "4/ 13"، والحاكم
"1/ 351-352"، والبيهقي "4/ 69-70"، والطبراني في
"الكبير" "1779"، والبغوي "1532" من طريق مالك، عَنْ
عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ جَابِرِ بن عتيك
به.
قلت: إسناده ضعيف، لجهالة عتيك بن الحارث، قال الحافظ
في "التقريب": مقبول وله شاهد عند عبد الرزاق "6695"
من حديث أبي عبيدة بن الجراح، به.
(3/362)
104- الأشعث بن
قيس 1 "ع":
ابن معدي كرب بن مُعَاوِيَةَ بنِ جَبَلَةَ بنِ عَدِيِّ
بنِ رَبِيْعَةَ بنِ مُعَاوِيَةَ الأَكْرَمِيْنَ بنِ
الحَارِثِ بنِ مُعَاوِيَةَ بن ثور بن مرتع بن كندة.
وَاسْمُ كِنْدَةَ: ثَوْرُ بنُ عُفَيْرِ بنِ عَدِيِّ
بنِ الحَارِثِ بنِ مُرَّةَ بنِ أُدَدَ بنِ زَيْدِ بنِ
يَشْجُبَ بنِ عَرِيْبِ بنِ زَيْدِ بنِ كَهْلاَنَ بنِ
سَبَأَ بنِ يَشْجُبَ بنِ يَعْرُبَ بنِ قحطان.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 22"، والإصابة "1/
ترجمة 205"، وتهذيب التهذيب "1/ 359".
(3/362)
سَاقَهُ ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: وَقِيْلَ
لَهُ كِنْدَةُ لأَنَّهُ كَنَدَ أَبَاهُ النِّعْمَةَ
أَيْ: كَفَرَهُ.
وَكَانَ اسم الأشعث: معديكرب وَكَانَ أَبَداً أَشْعَثَ
الرَّأْسِ فَغَلَبَ عَلَيْهِ.
لَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ.
حَدَّثَ عَنْهُ الشَّعْبِيُّ وَقَيْسُ بنُ أَبِي
حَازِمٍ وَأَبُو وَائِلٍ. وَأَرْسَلَ عَنْهُ
إِبْرَاهِيْمُ النَّخَعَيُّ.
وَأُصِيْبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ اليَرْمُوْكِ وَكَانَ
أَكْبَرَ أُمَرَاءِ عَلِيٍّ يَوْمَ صِفِّيْنَ.
مَنْصُوْرٌ وَالأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ
لَنَا الأَشْعَثُ: فِيَّ نَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ
يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا
قَلِيلًا} [آلُ عِمْرَانَ: 77] . خَاصَمْتُ رَجُلاً
إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "أَلَكَ بَيِّنَةٌ"؟ قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: "فَيَحْلِفُ"؟ قُلْتُ: إِذاً يَحْلِفُ،
فَقَالَ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِيْنٍ فَاجِرَةٍ
لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالاً لَقِيَ اللهَ وَهُوَ
عَلَيْهِ غَضْبَانُ" 1.
قَالَ ابْنُ الكَلْبِيِّ: وَفَدَ الأَشْعَثُ فِي
سَبْعِيْنَ مِنْ كِنْدَةَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الأَشْعَثِ قَالَ:
قَدِمْتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي وَفْدِ كِنْدَةَ فَقَالَ لِي:
هَلْ لَكَ مِنْ وَلَدٍ قُلْتُ صَغِيْرٌ وُلِدَ
مَخْرَجِي إِلَيْكَ،.... الحَدِيْثَ2.
وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيَّ قَالَ: ارْتَدَّ
الأَشْعَثُ فِي نَاسٍ مِنْ كِنْدَةَ فَحُوْصِرَ
وَأُخِذَ بِالأَمَانِ فَأَخَذَ الأَمَانَ
لِسَبْعِيْنَ. وَلَمْ يَأْخُذْ لِنَفْسِهِ فَأُتِيَ
بِهِ الصِّدِّيْقَ فَقَالَ: إِنَّا قَاتِلُوْكَ لاَ
أَمَانَ لَكَ فَقَالَ: تَمُنُّ عَلَيَّ وَأُسْلِمُ?
قَالَ فَفَعَلَ. وَزَوَّجَهُ أُخْتَهُ.
زَادَ غَيْرُهُ: فَقَالَ لأَبِي بَكْرٍ: زَوِّجْنِي
أُخْتَكَ فَزَوَّجَهُ فَرْوَةَ بِنْتَ أَبِي
قُحَافَةَ.
رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الأَمْوَالِ فَلَعَلَّ
أَبَاهَا فَوَّضَ النِّكَاحَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ.
ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: لَمَّا
قُدِمَ بِالأَشْعَثِ بنِ قَيْسٍ أَسِيْراً عَلَى أَبِي
بَكْرٍ: أَطْلَقَ وَثَاقَهُ وَزَوَّجَهُ أُخْتَهُ.
فَاخْتَرَطَ سَيْفَهُ وَدَخَلَ سُوْقَ الإِبِلِ
فَجَعَلَ لاَ يَرَى نَاقَةً وَلاَ جَمَلاً إلَّا
عَرْقَبَهُ. وَصَاحَ النَّاسُ كَفَرَ الأَشْعَثُ ثُمَّ
طَرَحَ سَيْفَهُ وَقَالَ: وَاللهِ مَا كَفَرْتُ
وَلَكِنَّ هذا
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "4549" و"4550"، ومسلم "138" من
طريق الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ
اللهِ، به.
وأخرجه أحمد "5/ 212 و212-213"، وأبو داود "3244"،
والطبراني "637" والبيهقي "10/ 180"، وابن الجارود
"1005" من طريق عن الحارث بن سليمان، عن كردوس
التغلبي، عن الأشعث بن قيس قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: فذكره.
2 ضعيف: فيه مجالد، وهو ابن سعيد، وهو ضعيف.
(3/363)
الرَّجُلَ زَوَّجَنِي أُخْتَهُ وَلَو
كُنَّا فِي بِلاَدِنَا لَكَانَتْ لَنَا وَلِيْمَةٌ
غَيْرُ هَذِهِ. يَا أَهْلَ المَدِيْنَةِ انْحَرُوا
وَكُلُوا! وَيَا أَهْلَ الإِبِلِ تَعَالَوْا خذوا
شرواها.
رَوَاهُ عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ
السَّلاَمِ بنِ حَرْبٍ عَنْهُ.
إِسْمَاعِيْلُ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: شَهِدْتُ جَنَازَةً
فِيْهَا الأَشْعَثُ وَجَرِيْرٌ فَقَدَّمَ الأَشْعَثُ
جَرِيْراً وَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَمْ يَرْتَدَّ
وَإِنِّي ارْتَدَدْتُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كَانَ
عَلَى مَيْمَنَةِ عَلِيٍّ يَوْمَ صِفِّيْنَ
الأَشْعَثُ.
مَسْلَمَةُ بنُ مُحَارِبٍ، عَنْ حَرْبِ بنِ خَالِدِ
بنِ يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَصَلَ
مُعَاوِيَةُ فِي تِسْعِيْنَ أَلْفاً فَسَبَقَ فَنَزَلَ
الفُرَاتَ وَجَاءَ عَلِيٌّ فَمَنَعَهُمْ مُعَاوِيَةُ
المَاءَ فَبَعَثَ عَلِيٌّ الأَشْعَثَ فِي أَلْفَيْنِ
وَعَلَى المَاءِ لِمُعَاوِيَةَ أَبُو الأَعْوَرِ فِي
خَمْسَةِ آلاَفٍ فَاقْتَتَلُوا قِتَالاً شَدِيْداً
وَغَلَبَ الأَشْعَثُ عَلَى المَاءِ.
الأَعْمَشُ، عَنْ حَيَّانَ أَبِي سَعِيْدٍ
التَّيْمِيِّ قَالَ: حَذَّرَ الأَشْعَثُ مِنَ الفِتَنِ
فَقِيْلَ لَهُ خَرَجْتَ مَعَ عَلِيٍّ! فَقَالَ: وَمَنْ
لَكَ إِمَامٌ مِثْلُ عَلِيٍّ.
وَعَنْ قَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: دَخَلَ
الأَشْعَثُ عَلَى عَلِيٍّ فِي شَيْءٍ فَتَهَدَّدَهُ
بِالمَوْتِ فَقَالَ عَلِيٌّ: بِالمَوْتِ تُهَدِّدُنِي
مَا أباليه هاتوا لي جامعة وَقَيْداً ثُمَّ أَوْمَأَ
إِلَى أَصْحَابِهِ قَالَ: فَطَلَبُوا إِلَيْهِ فِيْهِ
فَتَرَكَهُ.
أَبُو المُغِيْرَةِ الخَوْلاَنِيُّ: حَدَّثَنَا
صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنِي أَبُو الصَّلْتِ
الحَضْرَمِيُّ قَالَ: حُلْنَا بَيْنَ أَهْلِ العِرَاقِ
وَبَيْنَ المَاءِ فَأَتَانَا فَارِسٌ ثُمَّ حَسَرَ
فَإِذَا هُوَ الأَشْعَثُ بنُ قَيْسٍ فَقَالَ: اللهَ
اللهَ يَا مُعَاوِيَةُ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-! هَبُوْا أَنَّكُمْ
قَتَلْتُم أَهْلَ العِرَاقِ فَمَنْ لِلْبُعُوْثِ
وَالذَّرَارِي? أَمْ هَبُوْا أَنَّا قَتَلْنَاكُم
فَمَنْ لِلْبُعُوْثِ وَالذَّرَارِي? إِنَّ اللهَ
يَقُوْلُ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحُجُرَاتُ:
9] . قَالَ مُعَاوِيَةُ: فَمَا تُرِيْدُ? قَالَ:
خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ المَاءِ. فَقَالَ لأَبِي
الأَعْوَرِ: خَلِّ بَيْنَ إِخْوَانِنَا وَبَيْنَ
المَاءِ.
رَوَى الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ قَيْسِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
الأَشْعَثِ: أَنَّ الأَشْعَثَ كَانَ عَامِلاً
لِعُثْمَانَ عَلَى أَذْرَبِيْجَانَ فَحَلَفَ مَرَّةً
عَلَى شَيْءٍ فَكَفَّرَ، عَنْ يَمِيْنِهِ بِخَمْسَةَ
عَشَرَ أَلْفاً.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ
قَالَ: كَانَ الأَشْعَثُ حَلَفَ عَلَى يَمِيْنٍ ثُمَّ
قَالَ: قَبَّحَكَ اللهُ مِنْ مَالٍ أَمَا وَاللهِ مَا
حَلَفْتُ إلَّا عَلَى حَقٍّ وَلَكِنَّهُ رَدٌّ عَلَى
صَاحِبِهِ وَكَانَ ثلاثين ألفًا.
(3/364)
شَرِيْكٌ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ
قَالَ: صَلَّيْتُ الفَجْرَ بِمَسْجِدِ الأَشْعَثِ
فَلَمَّا سَلَّمَ الإِمَامُ إِذَا بَيْنَ يَدَيَّ
كِيْسٌ وَنَعْلٌ فَنَظَرْتُ فَإِذَا بَيْنَ يَدَيْ
كُلِّ رَجُلٍ كِيْسٌ وَنَعْلٌ. فَقُلْتُ: مَا هَذَا?
قالوا: قدم الأشعث الليلة فقال: انظروا فَكُلُّ مَنْ
صَلَّى الغَدَاةَ فِي مَسْجِدِنَا فَاجْعَلُوا بَيْنَ
يَدَيْهِ كِيْساً وَحِذَاءً.
رَوَاهُ أَبُوْ إِسْرَائِيْلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
إلَّا أَنَّهُ قَالَ: حُلَّةً وَنَعْلَيْنِ.
أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ
ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا أَبُو المُهَاجِرِ، عَنْ
مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ مَشَتْ
مَعَهُ الرِّجَالُ وَهُوَ رَاكِبٌ: الأَشْعَثُ بنُ
قَيْسٍ. رَوَى نَحْوَهُ أَبُو المَلِيْحِ، عَنْ
مَيْمُوْنٍ.
قَالَ إِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ حَكِيْمِ
بنِ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ الأَشْعَثُ بنُ
قَيْسٍ أَتَاهُمُ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ فَأَمَرَهُمْ
أَنْ يُوَضِّئُوْهُ بِالكَافُوْرِ وَضُوْءاً.
وَكَانَتْ بِنْتُهُ تَحْتَ الحَسَنِ.
قَالُوا: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَزَادَ
بَعْضُهُمْ بَعْدَ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-
بِأَرْبَعِيْنَ لَيْلَةً وَدُفِنَ فِي دَارِهِ.
وَقِيْلَ: عَاشَ ثَلاَثاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: مَاتَ بِالكُوْفَةِ
وَالحَسَنُ بِهَا حِيْنَ صَالَحَ مُعَاوِيَةَ. وَهُوَ
الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ.
قُلْتُ: وَكَانَ ابْنُهُ مُحَمَّدُ بنُ الأَشْعَثِ
بَعْدَهُ مِنْ كِبَارِ الأمراء وأشرافهم وَهُوَ
وَالِدُ الأَمِيْرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ
بنِ الأَشْعَثِ الَّذِي خَرَجَ مَعَهُ النَّاسُ
وَعَمِلَ مَعَ الحَجَّاجِ تِلْكَ الحُرُوْبَ
المَشْهُوْرَةَ الَّتِي لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهَا.
بِحَيْثُ يُقَالُ: إِنَّهُ عَمِلَ مَعَهُ أَحَداً
وَثَمَانِيْنَ مَصَافّاً مُعْظَمُهَا عَلَى
الحَجَّاجِ. ثُمَّ فِي الآخِرِ خُذِلَ ابْنُ
الأَشْعَثِ وَانْهَزَمَ ثُمَّ ظَفِرُوا بِهِ وَهَلَكَ.
(3/365)
105- حَاطِبُ بنُ أَبِي بَلْتَعَةَ 1:
عَمْرِو بنِ عُمَيْرِ بنِ سَلَمَةَ اللَّخْمِيُّ
المَكِّيُّ حَلِيْفُ بَنِي أَسَدِ بنِ عَبْدِ العُزَّى
بنِ قُصَيٍّ.
مِنْ مَشَاهِيْرِ المهاجرين شهد بدرًا والمشاهد.
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إِلَى
المُقَوْقسِ صَاحِبِ مِصْرَ.
وَكَانَ تَاجِراً فِي الطَّعَامِ لَهُ عَبِيْدٌ
وَكَانَ مِنَ الرُّمَاةِ المَوْصُوْفِيْنَ.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "3/ 114"، وتاريخ خليفة
"166"، والجرح والتعديل "3/ ترجمة 1352"، وتهذيب
التهذيب "3/ 168"، والإصابة "1/ ترجمة رقم 1538".
(3/365)
ذَكَرَهُ الحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ"
فَقَالَ: كَانَ حَسَنَ الجِسْمِ خَفِيْفَ اللِّحْيَةِ
أَجْنَى1 إِلَى القِصَرِ مَا هو شئن الأَصَابِعِ2
قَالَهُ الوَاقِدِيُّ.
رَوَى هَارُوْنُ بنُ يَحْيَى الحَاطِبِيُّ قَالَ،
حَدَّثَنِي أَبُو رَبِيْعَةَ، عَنْ عَبْدِ الحَمِيْدِ
بنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ صَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، عَنْ
أَنَسٍ سَمِعَ حَاطِباً يَقُوْلُ: إِنَّهُ اطَّلَعَ
عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِأُحُدٍ قَالَ: وَفِي يَدِ عَلِيٍّ التُّرْسُ
وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَغْسِلُ وَجْهَهُ مِنَ المَاءِ فَقَالَ حَاطِبٌ: مَنْ
فَعَلَ هَذَا? قَالَ: عُتْبَةُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ
هَشَمَ وَجْهِي وَدَقَّ رَبَاعِيَتِي بِحَجَرٍ
فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ صَائِحاً عَلَى الجَبَلِ
قُتِلَ مُحَمَّدٌ فَأَتَيْتُ إِلَيْكَ وَكَأَنْ قَدْ
ذَهَبَتْ رُوْحِي فَأَيْنَ تَوَجَّهَ عُتْبَةُ
فَأَشَارَ إِلَى حَيْثُ تَوَجَّهَ. فَمَضَيْتُ حَتَّى
ظَفِرْتُ بِهِ فَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ فَطَرَحْتُ
رَأْسَهُ فَنَزَلْتُ فَأَخَذْتُ رَأْسَهُ وَسَلَبَهُ
وَفَرَسَهُ وَجِئْتُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَلَّمَ ذَلِكَ إِلَيَّ
وَدَعَا لِي. فَقَالَ: رَضِيَ اللهُ عَنْكَ
مَرَّتَيْنِ. إِسْنَادٌ مُظْلِمٌ3.
اللَّيْثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ:
أَنَّ عَبْداً لِحَاطِبٍ شَكَا حَاطِباً فَقَالَ: يَا
نَبِيَّ اللهِ لَيَدْخُلَنَّ النَّارَ! قَالَ:
كَذَبْتَ لاَ يَدْخُلُهَا أَبَداً وَقَدْ شَهِدَ
بَدْراً وَالحُدَيْبِيَةَ صَحِيْحٌ4.
إِسْحَاقُ بن راشد، عن الزهري، عن عروة، عن عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ حَاطِبٍ: أَنَّ أَبَاهُ كَتَبَ إِلَى
كُفَّارِ قُرَيْشٍ كِتَاباً فَدَعَا رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِيّاً
وَالزُّبَيْرَ فَقَالَ: "انْطَلِقَا حَتَّى تُدْرِكَا
امْرَأَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَائْتِيَانِي بِهِ".
فَلَقِيَاهَا وَطَلَبَا الكِتَابَ وَأَخْبَرَاهَا
أَنَّهُمَا غَيْرُ مُنْصَرِفَيْنِ حَتَّى يَنْزِعَا
كُلَّ ثَوْبٍ عَلَيْهَا. قَالَتْ: أَلَسْتُمَا
مُسْلِمَيْنِ قَالاَ: بَلَى وَلَكِنَّ رَسُوْلَ اللهِ،
حدثنا أن معك كِتَاباً. فَحَلَّتْهُ مِنْ رَأْسِهَا
قَالَ: فَدَعَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَاطِباً حَتَّى قُرِئَ عَلَيْهِ
الكِتَابُ فَاعْتَرَفَ. فَقَالَ: "مَا حَمَلَكَ"؟
قَالَ: كَانَ بِمَكَّةَ قَرَابَتِي وَوَلَدِي وَكُنْتُ
غَرِيْباً فِيْكُمْ مَعْشَرَ قُرَيْشٍ.
فَقَالَ عُمَرُ: ائْذَنْ لِي يَا رَسُوْلَ اللهِ فِي
قَتْلِهِ. قَالَ: "لاَ، إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْراً
وَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي لعل الله قد اطلع عل أَهْلِ
بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فَإِنِّي غافر
لكم".
__________
1 رجل أجنى: إذا كان في كاهله انحناء على صدره.
2 شثن الأصابع: أي غليظها.
3 ضعيف: أخرجه الحاكم "3/ 300-301" وفي إسناده علتان:
الأولى: هارون بن يحيى الحاطبي، قال العقيلي في
"الضعفاء الكبير" "4/ 361": لا يتابع على حديثه.
الثانية: جهالة أبي ربيعة الحراني.
4 صحيح على شرط مسلم: أخرجه أحمد "3/ 349"، وابن أبي
شيبة "12/ 155" ومسلم "2195"، والترمذي "3864"،
والنسائي في "فضائل الصحابة "191"، والحاكم. "3/ 301"،
والطبراني في "الكبير" "3064" من طرق عن الليث، عن أبي
الزبير، به والحديبية: بتخفيف الباء: اسم بئر سمي
المكان بها، وهي قرية قريبة من مكة أكثرها في الحرم،
وهي على تسعة أميال من مكة.
(3/366)
إِسْنَادُهُ صَالِحٌ وَأَصْلُهُ فِي
"الصَّحِيْحَيْنِ"1.
وَقَدْ أَتَى بَعْضُ مَوَالِيْهِ إِلَى عُمَرَ بنِ
الخَطَّابِ يَشْكُوْنَ مِنْهُ مِنْ أَجْلِ النَّفَقَةِ
عَلَيْهِمْ فَلاَمَهُ فِي ذَلِكَ.
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَلَدُهُ مِمَّنْ وُلِدَ فِي
حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَلَهُ رُؤْيَةٌ.
يَرْوِي عَنْهُ وَلَدُهُ الفَقِيْهُ يَحْيَى
وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ وَغَيْرُهُمَا تُوُفِّيَ
سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ.
ومات حاطب سنة ثلاثين.
__________
1 صحيح: أخرجه الحميدي "49"، وأحمد "1/ 79"، والبخاري
"3007" و"4274" و"4980"، ومسلم "2494"، وأبو داود
"2650"، والترمذي "3305"، وأبو يعلى "394" و"398"،
وابن جرير في "جامع البيان" "28/ 58"، والبيهقي في
"السنن" "9/ 146" وفي "دلائل النبوة" "5/ 17" من طرق
عن سفيان حدثنا عمرو بن دينار أخبرني حسن بن محمد قال:
أخبرني عبيد الله بن أبي رافع عن علي، به مرفوعا.
(3/367)
106- أبو ذر
1 "ع":
جندب بن جنادة الغفاري، وَقِيْلَ: جُنْدُبُ بنُ
سَكَنٍ، وَقِيْلَ: بُرَيْرُ بنُ جُنَادَةَ، وَقِيْلَ:
بُرَيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ.
وَنَبَّأَنِّي الدِّمْيَاطِيُّ: أَنَّهُ جُنْدُبُ بنُ
جُنَادَةَ بنِ سُفْيَانَ بنِ عُبَيْدِ بنِ حَرَامِ بنِ
غِفَارَ أَخِي ثَعْلَبَةَ ابْنَيْ مُلَيْلِ بنِ
ضَمْرَةَ أَخِي لَيْثٍ وَالدِّيْلِ أَوْلاَدِ بَكْرٍ
أَخِي مُرَّةَ وَالِدِ مُدْلِجِ بنِ مُرَّةَ ابْنَيْ
عَبْدِ مَنَاةَ بنِ كِنَانَةَ.
قُلْتُ: أَحَدُ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ مِنْ
نُجَبَاءِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قِيْلَ: كَانَ خَامِسَ خَمْسَةٍ فِي الإِسْلاَمِ.
ثُمَّ إِنَّهُ رُدَّ إِلَى بِلاَدِ قَوْمِهِ فَأَقَامَ
بِهَا بِأَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لَهُ بِذَلِكَ فَلَمَّا أَنْ هَاجَرَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
هَاجَرَ إِلَيْهِ أَبُو ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-
وَلاَزَمَهُ وَجَاهَدَ مَعَهُ. وَكَانَ يُفْتِي فِي
خِلاَفَةِ أبي بكر عمر وَعُثْمَانَ.
رَوَى عَنْهُ: حُذَيْفَةُ بنُ أَسِيْدٍ الغِفَارِيُّ
وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ وَابْنُ عُمَرَ
وَجُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ وَأَبُو مُسْلِمٍ
الخَوْلاَنِيُّ وَزَيْدُ بنُ وَهْبٍ وَأَبُو
الأَسْوَدِ الدُّئِلِيِّ وَرِبْعِيُّ بنُ حراش،
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "4/ 219-237"، وتاريخ خليفة
"166" والتاريخ الكبير "1/ ق2/ 221" وحلية الأولياء
"1/ 156-170"، والإصابة "1/ ترجمة 384".
(3/367)
وَالمَعْرُوْرُ بنُ سُوَيْدٍ وَزِرُّ بنُ
حُبَيْشٍ وَأَبُو سالم الجيشاني سفيان بن هانيء وعبد
الرحمن بن غنم وَالأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ وَقَيْسُ بنُ
عُبَادٍ وَعَبْدُ اللهِ بنُ الصَّامِتِ وَأَبُو
عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ وَسُوَيْدُ بنُ غَفَلَةَ
وَأَبُو مُرَاوِحٍ وَأَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ
وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ وَخَرَشَةُ بنُ الحُرِّ
وَزَيْدُ ين ظَبْيَانَ وَصَعْصَعَةُ بنُ مُعَاوِيَةَ
وَأَبُو السَّلِيْلِ ضُرَيْبُ بنُ نُفَيْرٍ وَعَبْدُ
اللهِ بنُ شَقِيْقٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي
لَيْلَى وَعُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ وَغُضَيْفُ بنُ
الحَارِثِ وَعَاصِمُ بنُ سُفْيَانَ وَعُبَيْدُ بنُ
الخَشْخَاشِ وَأَبُو مُسْلِمٍ الجَذْمِيُّ وَعَطَاءُ
بنُ يَسَارٍ وَمُوْسَى بنُ طَلْحَةَ وَأَبُو
الشَّعْثَاءِ المُحَارِبِيُّ ومورق العجلي ويزيد بن
شريك التيمي وأبو الأَحْوَصِ المَدَنِيُّ شَيْخٌ
لِلزُّهْرِيِّ وَأَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ وَأَبُو
بَصْرَةَ الغِفَارِيُّ وَأَبُو العَالِيَةِ
الرِّيَاحِيُّ وَابْنُ الحَوْتِكيَّةِ وَجَسْرَةُ
بِنْتُ دَجَاجَةَ.
فَاتَتْهُ بَدْرٌ، قَالَهُ: أَبُو دَاوُدَ.
وَقِيْلَ: كَانَ آدَمَ ضَخْماً جَسِيْماً كَثَّ
اللِّحْيَةِ.
وَكَانَ رَأْساً فِي الزُّهْدِ وَالصِّدْقِ وَالعِلْمِ
وَالعَمَلِ قَوَّالاً بِالحَقِّ لاَ تَأْخُذُهُ فِي
اللهِ لَوْمَةُ لائِمٍ عَلَى حِدَّةٍ فِيْهِ.
وَقَدْ شَهِدَ فَتْحَ بَيْتِ المَقْدِسِ مَعَ عُمَرَ.
أَخْبَرَنَا الخَضِرُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الأَزْدِيُّ1 وَأَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ قَالاَ:
أَخْبَرَنَا زَيْنُ الأُمَنَاءِ حَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ،
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الحَافِظُ،
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الحُسَيْنِيُّ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ سُلْوَانَ،
أَخْبَرَنَا الفَضْلُ بنُ جَعْفَرٍ التَّمِيْمِيُّ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ
الهَاشِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، حَدَّثَنَا
سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عن ربيعة بن يزيد، عن
أبي بن إدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ
الغِفَارِيِّ، عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن جِبْرِيْلَ، عَنِ اللهِ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: $"يَا عِبَادِي
إِنِّي حَرَّمتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ
بَيْنَكُم مُحَرَّماً فَلاَ تَظَالَمُوا يَا عِبَادِي
إنكم الذين تخطؤون بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا
الَّذِي أَغْفِرُ الذُّنُوبَ وَلاَ أُبَالِي
فَاسْتَغْفِرُوْنِي أَغْفِرْ لَكُم. يَا عِبَادِي
كُلُّكُم جَائِعٌ إلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ
فَاسْتَطْعِمُوْنِي أُطْعِمْكُم يَا عِبَادِي كُلُّكُم
عارٍ إلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُوْنِي
أَكْسُكُم. يَا عِبَادِي لَو أنَّ أَوَّلَكُم
وَآخِرَكُم وَإِنْسَكُم وَجِنَّكُم كَانُوا عَلَى
أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ منكم لم ينقص ذلك من ملكي
__________
1 ترجمته في "معجم الشيوخ" المعجم الكبير للحافظ
الذهبي رقم "235" وهو الخضر بن عبد الرحمن بن الخضر،
المعمر شمس الدين أبو القاسم الأزدي الدمشقي الكاتب.
ولد في ربيع الأول سنة "617 هـ" ومات في ذي الحجة سنة
"700 هـ".
(3/368)
شَيْئاً يَا عِبَادِي لَو أَنَّ أَوَّلَكُم
وَآخِرَكُم وَإِنْسَكُم وَجِنَّكُم كَانُوا عَلَى
أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُم لَمْ يَزِدْ ذَلِكَ فِي
مُلْكِي شَيْئاً. يا عبادي لو أن أولكم وآخركم
وَإِنْسَكُم وَجِنَّكُم كَانُوا فِي صَعِيْدٍ وَاحِدٍ
فَسَأَلُوْنِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُم مَا
سَأَلَ لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً
إلَّا كَمَا ينقص البحر أن يغمس المحيط غَمْسَةً
وَاحِدَةً. يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُم
أَحْفَظُهَا عَلَيْكُم فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً
فَلْيَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ
يَلُوْمَنَّ إلَّا نَفْسَهُ".
قَالَ سَعِيْدٌ: كَانَ أَبُو إِدْرِيْسَ إِذَا حَدَّثَ
بِهَذَا الحَدِيْثِ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ.
أَخْرَجَهُ مسلم1.
نَقَلَ الوَاقِدِيُّ، عَنْ خَالِدِ بنِ حَيَّانَ
قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ فِي
مِظَلَّتَيْنِ مِنْ شَعْرٍ بِدَمَشْقَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ البَرْقِيِّ: أَبُو ذَرٍّ
اسْمُهُ: يَزِيْدُ بنُ جُنَادَةَ. وَقَالَ سَعِيْدُ
بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: اسْمُهُ بُرَيْرٌ.
قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ، عَنْ رَجُلٍ عَامِرِيٍّ قَالَ:
كُنْتُ أَعْزُبُ، عَنِ المَاءِ وَمَعِي أَهْلِي
فَتُصِيْبُنِي الجَنَابَةُ فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي
نَفْسِي فَنُعِتَ لِي أَبُو ذَرٍّ فَحَجَجْتُ
فَدَخَلْتُ مَسْجِدَ مِنَى فَعَرَفْتُهُ فَإِذَا شيخ
معروق آدم عليه حلة قطري.
__________
1 صحيح على شرط مسلم: أخرجه مسلم "2577"، والبخاري في
"الأدب المفرد" "490"، وأبو نعيم في "الحلية" "5/
125-126" والحاكم "4/ 241" من طرق عن أبي مسهر، قال:
حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ
رَبِيْعَةَ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ
الخولاني، عن أبي ذر عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الله -تبارك وتعالى.
قال: فذكره.
وقد سبق لنا تخريج هذا الحديث في عدة مواضع من كتاب
"منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية"
لشيخ الإسلام ابن تيمية. ط. دار الحديث في الجزء الأول
بتعليق "116" و"120" و"200". وفي الجزء الخامس بتعليق
رقم "73" فراجع تخريجنا ثم إن شئت. واحرض أخي المسلم
-بارك الله فيك- على اقتناء نسخة من هذا الكتاب العظيم
"منهاج النسة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية"
لابن تيمية بتخريجنا وتعليقنا، فقد خرجت أحاديث هذا
الكتاب تخريجا علميا دقيقا، وقد صدرت كل حديث أو أثر
بالحكم عليه، ليفاد منه العلماء وطلاب العلم المتخصصين
وغير المتخصصين في مجال علم الحديث نسأل الله -عز وجل-
أن يجعله في ميزان حسناتي، وفي ميزان من طبعه ونشره
إنه سميع مجيب كريم جواد.
(3/369)
وَقَالَ حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ:، حَدَّثَنِي
الأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ قَالَ: قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ
فَدَخَلْتُ مَسْجِدَهَا فَبَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي
إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ طُوَالٌ آدَمُ أَبْيَضُ الرَّأْسِ
وَاللِّحْيَةِ مَحْلُوْقٌ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضاً.
فَاتَّبَعْتُهُ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا قَالُوا: أَبُو
ذَرٍّ.
سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ وَابْنُ عَوْنٍ، عَنْ
حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصامت
قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَرَجْنَا مِنْ قَوْمِنَا
غِفَارَ وَكَانُوا يُحِلُّوْنَ الشَّهْرَ الحَرَامَ
فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَخِي أُنَيْسٌ وَأُمُّنَا
فَنَزَلْنَا عَلَى خَالٍ لَنَا فَأَكْرَمَنَا
وَأَحَسَنَ. فَحَسَدَنَا قَوْمُهُ فَقَالُوا: إِنَّكَ
إِذَا خَرَجْتَ، عَنْ أَهْلِكَ يُخَالِفُكَ إِلَيْهِم
أُنَيْسٌ فَجَاءَ خَالُنَا فَذَكَرَ لَنَا مَا قِيْلَ
لَهُ. فَقُلْتُ أَمَّا مَا مَضَى مِنْ مَعْرُوْفِكَ
فَقَدْ كَدَّرْتَهُ ولا جِمَاعَ لَكَ فِيْمَا بَعْدُ
فَقَدَّمْنَا صِرْمَتَنَا1 فَاحْتَمَلَنَا عَلَيْهَا
وَجَعَلَ خَالُنَا يَبْكِي فَانْطَلَقْنَا حَتَّى
نَزَلنَا بِحَضْرَةِ مَكَّةَ فَنَافَرَ2 أُنَيْسٌ،
عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلِهَا فَأَتَيَا
الكَاهِنَ فَخَيَّرَ أُنَيْساً فَأَتَانَا أُنَيْسٌ
بِصِرْمَتِنَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا.
قَالَ: وَقَدْ صَلَّيْتُ يَا ابْنَ أَخِي قَبْلَ أَنْ
أَلْقَى رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِثَلاَثِ سِنِيْنَ. قُلْتُ: لِمَنْ قَالَ:
للهِ. قُلْتُ: أَيْنَ تَوَجَّهَ? قَالَ: حَيْثُ
وَجَّهَنِي اللهُ أُصَلِّي عِشَاءً حَتَّى إِذَا كَانَ
مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أُلْقِيْتُ كَأَنِّي خِفَاءٌ حتى
تعلوني الشمس.
فَقَالَ أُنَيْسٌ: إِنَّ لِي حَاجَةً بِمَكَّةَ
فَاكْفِنِي. فَانْطَلَقَ أُنَيْسٌ حَتَّى أَتَى
مَكَّةَ فَرَاثَ عَلَيَّ3 ثُمَّ جَاءَ. فَقُلْتُ: مَا
صَنَعْتَ قَالَ: لَقِيْتُ رَجُلاً بِمَكَّةَ عَلَى
دِيْنِكَ يَزْعُمُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ. قُلْتُ: فَمَا
يَقُوْلُ النَّاسُ? قَالَ: يَقُوْلُوْنَ: شَاعِرٌ
كَاهِنٌ سَاحِرٌ. قَالَ: وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ
الشُّعَرَاءِ فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ
الكَهَنَةِ وَمَا هُوَ بِقَوْلِهِم وَلَقَدْ وَضَعْتُ
قَوْلَهُ عَلَى أَقْوَالِ الشُّعَرَاءِ فَمَا
يَلْتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ أَنَّهُ شِعْرٌ
وَاللهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ وَإِنَّهُم لَكَاذِبُوْنَ!
قُلْتُ: فَاكْفِنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ.
فَأَتَيْتُ مَكَّةَ فَتَضَعَّفْتُ رَجُلاً مِنْهُم
فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا الَّذِي تَدْعُوْنَهُ
الصَّابِئَ? فَأَشَارَ إِلَيَّ فَقَالَ: الصَّابِئُ.
قَالَ: فَمَالَ عليَّ أَهْلُ الوَادِي بِكُلِّ
مَدَرَةٍ وَعَظْمٍ حَتَّى خَرَرْتُ مَغْشِيّاً عليَّ
فَارْتَفَعْتُ حِيْنَ ارْتَفَعْتُ كَأَنِّي نُصُبٌ4
أَحْمَرُ فَأَتَيْتُ زَمْزَمَ فَغَسَلْتُ عَنِّي
الدِّمَاءَ وَشَرِبْتُ من مائها.
__________
1 الصرمة: القطعة من الإبل.
2 نافر: حاكم، يقال تنافر الرجلان إذا حكما بينهما
واحدا.
3 فراث عليَّ: أي أبطأ عليَّ.
4 النصب: بضم الصاد وسكونها: حجر كانوا ينصبونه في
الجاهلية، ويتخذونه صنما فيعبدونه، والجمع: أنصاب،
وقيل: هو حجر كانوا ينصبونه ويذبحون عليه فيحمر بالدم.
(3/370)
وقد لبثت يابن أَخِي ثَلاَثِيْنَ بَيْنَ
لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ مَا لِي طَعَامٌ إلَّا مَاءُ
زَمْزَمَ. فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنِي
وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سَخْفَةَ1 جُوْعٍ.
فَبَيْنَا أَهْلُ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ
إِضْحِيَانَ2 جاءت امرأتان تطوفان وَتَدْعُوَانِ
إِسَافاً وَنَائِلَةَ3 فَأَتَتَا عَلَيَّ فِي
طَوَافِهِمَا. فَقُلْتُ: أَنْكِحَا أَحَدَهُمَا
الآخَرَ فَمَا تَنَاهَتَا، عَنْ قَوْلِهِمَا فَأَتَتَا
عَلَيَّ. فَقُلْتُ: هَنٌ4مِثْلُ الخَشَبَةِ غَيْرَ
أَنِّي لاَ أَكْنِي. فَانْطَلَقَتَا تُوَلْوِلاَنِ
تَقُوْلاَنِ: لو كان ههنا أَحَدٌ مِنْ أَنْفَارِنَا
فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُوْلُ اللهِ وَأَبُو بَكْرٍ
وَهُمَا هَابِطَتَانِ فَقَالَ: "مَا لَكُمَا"؟
قَالَتَا: الصَّابِئُ بَيْنَ الكَعْبَةِ
وَأَسْتَارِهَا. قَالَ: "فَمَا قَالَ لَكُمَا"؟
قَالَتَا: إِنَّهُ قَالَ كَلِمَةً تَمْلأُ الفَمَ.
قَالَ: وَجَاءَ رَسُوْلُ اللهِ حَتَّى اسْتَلَمَ
الحَجَرَ ثُمَّ طَافَ بِالبَيْتِ هُوَ وَصَاحِبُهُ
ثُمَّ صَلَّى. وَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ
بِتَحِيَّةِ الإِسْلاَمِ. قَالَ: "عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ
اللهِ مِنْ أَيْنَ أَنْتَ"؟ قُلْتُ: مِنْ غِفَارَ
فَأَهْوَى بِيَدِهِ وَوَضَعَ أَصَابِعَهُ عَلَى
جَبْهَتِهِ.
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: كَرِهَ أَنِّي انْتَمَيْتُ
إِلَى غِفَارَ فَذَهَبْتُ آخُذُ بِيَدِهِ فَدَفَعَنِي
صَاحِبُهُ وَكَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِّي.
قَالَ: ثُمَّ رَفَعَ رأسه فقال: "متى كنت ههنا"؟
قُلْتُ: مُنْذُ ثَلاَثِيْنَ مِنْ بَيْنِ لَيْلَةٍ
وَيَوْمٍ قَالَ: "فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ"؟ قُلْتُ:
مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إلَّا مَاءُ زَمْزَمَ
فَسَمِنْتُ وَمَا أَجِدُ عَلَى بَطْنِي سَخْفَةَ
جُوْعٍ. قَالَ: "إِنَّهَا مباركة إنها طعام طعم"5.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُوْلَ اللهِ ائْذَنْ لِي
فِي طَعَامِهِ اللَّيْلَةَ فَانْطَلَقْنَا فَفَتَحَ
أَبُو بَكْرٍ بَاباً فَجَعَلَ يَقْبِضُ لَنَا مِنْ
زَبِيْبِ الطَّائِفِ. فَكَانَ أَوَّلَ طَعَامٍ
أَكَلْتُهُ بِهَا.
وَأَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "إِنَّهُ قَدْ وُجِّهَتْ لِي
أَرْضٌ ذَاتُ نَخْلٍ لاَ أُرَاهَا إلَّا يَثْرِبَ
فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّي قَوْمَكَ لَعَلَّ
اللهَ أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِكَ ويأجرك فيهم"؟.
__________
1 سخفة جوع: يعني رقته وهزاله. والسخف بالفتح: رقة
العيش، وبالضم رقة العقل. وقيل هي الخفة التي تعتري
الإنسان إذا جاع من السخف وهي الخفة في العقل وغيره.
2 في ليلة إضحيان: أي مضيئة مقمرة. يقال ليلة إضحيان
واضحيانة والألف والنون زائدتان..
3 إساف ونائلة: صنمان تزعم العرب أنهما كانا رجلا
وامرأة زنيا في الكعبة فمسخا.
4 هن: اسم الذكر وقوله: غير أني لا أكني: أي أفصح
باسمه ويصرح به.
5 طعام طعم: أي تشبع شاربها كما يشبعه الطعام.
(3/371)
قَالَ: فَانْطَلَقْتُ فَلَقِيْتُ أُنَيْساً
فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ قُلْتُ: صَنَعْتُ أَنِّي
أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ. قَالَ: مَا بِي رَغْبَةٌ،
عَنْ دِيْنِكَ فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ.
فَأَسْلَمَتْ أُمُّنَا فَاحْتَمَلْنَا حَتَّى
أَتَيْنَا قَوْمَنَا غِفَارَ فَأَسْلَمَ نِصْفُهُم
وَكَانَ يَؤُمُّهُم إِيْمَاءُ بنُ رخصه وَكَانَ
سَيِّدَهُم. وَقَالَ نِصْفُهُم: إِذَا قَدِمَ رَسُوْلُ
اللهِ المَدِيْنَةَ أَسْلَمْنَا. فَقَدِمَ رَسُوْلُ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
المَدِيْنَةَ فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمُ البَاقِي.
وَجَاءتْ أَسْلَمُ فَقَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ
إِخْوَانُنَا نُسْلِمُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمُوا
عَلَيْهِ فَأَسْلَمُوا.
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا وَأَسْلَمُ
سَالَمَهَا اللهُ".
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1.
قَالَ أَبُو جَمْرَةَ: قَالَ لَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ:
إلَّا أُخْبِرُكُم بِإِسْلاَمِ أَبِي ذَرٍّ قُلْنَا:
بَلَى قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: بَلَغَنِي أَنَّ
رَجُلاً بِمَكَّةَ قَدْ خَرَجَ يَزْعُمُ أَنَّهُ
نَبِيٌّ فَأَرْسَلْتُ أَخِي لِيُكَلِّمَهُ فَقُلْتُ:
انْطَلِقْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَكَلِّمْهُ.
فَانْطَلَقَ فَلَقِيَهُ ثُمَّ رَجَعَ فَقُلْتُ: مَا
عِنْدَكَ قَالَ: وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً
يَأْمُرُ بِالخَيْرِ وَيَنْهَى، عَنِ الشَّرِّ.
قُلْتُ: لَمْ تشفني. فأخذت جرابًا وعصًا ثم أَقْبَلْتُ
إِلَى مَكَّةَ فَجَعَلْتُ لاَ أَعْرِفُهُ وَأَكْرَهُ
أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُ وَأَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ
وَأَكُوْنُ فِي المَسْجِدِ فَمَرَّ عَلِيُّ بنُ أَبِي
طَالِبٍ فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ غَرِيْبٌ قُلتُ:
نَعَمْ. قَالَ: انْطَلِقْ إِلَى المَنْزِلِ.
فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ لاَ أَسْأَلُهُ، عَنْ شَيْءٍ
وَلاَ يُخْبِرُنِي!
فَلَمَّا أَصْبَحَ الغَدُ جِئْتُ إِلَى المَسْجِدِ لاَ
أَسْأَلُ عَنْهُ وَلَيْسَ أَحَدٌ يُخْبِرُنِي عَنْهُ
بِشَيْءٍ فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ فَقَالَ: أَمَا آنَ
لِلرَّجُلِ أَنْ يَعُوْدَ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: مَا
أَمْرُكَ وَمَا أَقْدَمَكَ قُلْتُ: إِنْ كَتَمْتَ
عَلَيَّ أَخْبَرْتُكَ قَالَ: أَفْعَلُ. قُلْتُ: قَدْ
بَلَغَنَا أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ نَبِيٌّ. قَالَ: أَمَا
قَدْ رَشَدْتَ هَذَا وَجْهِي إِلَيْهِ فَاتَّبِعْنِي
وَادْخُلْ حَيْثُ أَدْخُلُ فَإِنِّي إِنْ رَأَيْتُ
أَحَداً أَخَافُهُ عَلَيْكَ قُمْتُ إِلَى الحَائِطِ
كَأَنِّي أُصْلِحُ نَعْلِي وَامْضِ أَنْتَ.
فَمَضَى وَمَضَيْتُ مَعَهُ فَدَخَلْنَا عَلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ اعْرِضْ عَلَيَّ
الإِسْلاَمَ. فَعَرَضَ عَلَيَّ فَأَسْلَمْتُ مَكَانِي
فَقَالَ لِي: "يَا أَبَا ذَرٍّ اكْتُمْ هَذَا الأَمْرَ
وَارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَإِذَا بَلَغَكَ
ظُهُوْرُنَا فَأَقْبِلْ". فَقُلْتُ: وَالَّذِي بعثك
بالحق لأصرخن بها بين أظهرهم.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم بتمام "2473" حدثنا هداب بن خالد
الأزدي، حدثنا سليمان بن المغيرة، به.
(3/372)
فَجَاءَ إِلَى المَسْجِدِ وَقُرَيْشٌ
فِيْهِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنِّي
أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلَّا الله وأن محمد
عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ. فَقَالُوا: قُوْمُوا إِلَى
هَذَا الصَّابِئ فَقَامُوا فَضُرِبْتُ لأَمُوْتَ
فَأَدْرَكَنِي العَبَّاسُ فَأَكَبَّ عليَّ وَقَالَ:
وَيْلَكُم تَقْتَلُوْنَ رَجُلاً مِنْ غِفَارَ
وَمَتْجَرُكُم وَمَمَرُّكُم عَلَى غِفَارَ
فَأَطْلَقُوا عَنِّي. فَلَمَّا أَصْبَحْتُ رَجَعْتُ
فَقُلْتُ مِثْلَ مَا قُلْتُ بِالأَمْسِ. فَقَالُوا:
قوموا إلى هذا الصابىء فَصُنِعَ بِي كَذَلِكَ
وَأَدْرَكَنِي العَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيَّ.
فَهَذَا أَوَّلُ إِسْلاَمِ أَبِي ذَرٍّ.
أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيْقِ
المُثَنَّى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ1.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ،
أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ
شِبْلٍ، عَنْ خُفَافِ بنِ إِيْمَاءَ قَالَ: كَانَ
أَبُو ذَرٍّ رَجُلاً يُصِيْبُ وَكَانَ شُجَاعاً
يَنْفَرِدُ وَحْدَهُ يَقْطَعُ الطَّرِيْقَ وَيُغِيْرُ
عَلَى الصِّرَمِ فِي عَمَايَةِ الصُّبْحِ عَلَى ظَهْرِ
فَرَسِهِ أَوْ قَدَمَيْهِ كَأَنَّهُ السَّبُعُ
فَيَطْرُقُ الحَيَّ وَيَأْخُذُ مَا أَخَذَ ثُمَّ إِنَّ
اللهَ قَذَفَ فِي قَلْبِهِ الإِسْلاَمَ وَسَمِعَ
مَقَالَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ يَدْعُو مُخْتَفِياً
فَأَقْبَلَ يَسْأَلُ عَنْهُ2.
وَعَنْ أَبِي مَعْشَرٍ السِّنْدِيِّ: كَانَ أَبُو
ذَرٍّ يَتَأَلَّهُ فِي الجَاهِلِيَّةِ وَيُوَحِّدُ
وَلاَ يَعْبُدُ الأَصْنَامَ3.
النَّضْرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ بنُ
عمار: أخبرنا أبو زميل، عن مالك ابن مَرْثَدٍ، عَنْ
أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: كُنْتُ رَابِعَ
الإِسْلاَمِ أَسْلَمَ قَبْلِي ثَلاَثَةٌ فَأَتَيْتُ
نَبِيَّ اللهِ فَقُلْتُ: سَلاَمٌ عَلَيْكَ يَا نَبِيَّ
اللهِ. وَأَسْلَمْتُ فَرَأَيْتُ الاسْتِبْشَارَ فِي
وَجْهِهِ فَقَالَ: "مَنْ أَنْتَ"؟ قُلْتُ: جُنْدُبٌ
رَجُلٌ مِنْ غِفَارَ.
قَالَ: فَرَأَيْتُهَا فِي وَجْهِ رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ فِيْهِم
مَنْ يَسْرُقُ الحاج.
وَعَنْ مَحْفُوظِ بنِ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَائِذٍ،
عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ
وَعَمْرُو بنُ عَبَسَةَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَقُوْلُ:
أَنَا ربع الإسلام4.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3861"، ومسلم "2474" من طريق
عبد الرحمن بن مهدي حدثنا المثني بن سعيد، عن أبي
جمرة، عن ابن عباس، به.
2 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "4/ 222" وفيه محمد بن عمر،
وابن أبي سبرة متروكان.
3 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "4/ 222" من طريق الواقدي:
وهو متروك وفيه علية الإعضال. وقوله يتأله: أي يتنسك
ويتعبد.
4 ضعيف: أخرجه الطبراني "1618"، والحاكم "3/ 341-342"
من طريق صدقة بن عبد الله، عن نصر بن علقمة، عن محفوظ
بن علقمة، به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه صدقة بن عبد الله السمين أجمعوا
على ضعفه.
(3/373)
قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ حَامِلَ رَايَةِ
غِفَارَ يَوْمَ حُنَيْنٍ أَبُو ذَرٍّ.
وَكَانَ يَقُوْلُ: أَبْطَأْتُ فِي غَزْوَةِ تَبُوْكٍ
مِنْ عَجَفِ1 بَعِيْرِي.
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي بُرَيْدَةُ بنُ
سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ،
عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ قَالَ: لَمَّا سَارَ رَسُوْلُ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى
تَبُوْكٍ جَعَلَ لاَ يَزَالُ يَتَخَلَّفُ الرَّجُلُ
فَيَقُوْلُوْنَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ تَخَلَّفَ فُلاَنٌ
فَيَقُوْلُ: "دَعُوْهُ إِنْ يَكُنْ فِيْهِ خَيْرٌ
فَسَيَلْحَقُكُم وَإِنْ يَكُنْ غَيْرُ ذَلِكَ فَقَدْ
أَرَاحَكُمُ اللهُ مِنْهُ". حَتَّى قِيْلَ: يَا
رَسُوْلَ اللهِ تَخَلَّفَ أَبُو ذَرٍّ وَأَبْطَأَ بِهِ
بَعِيْرُهُ.
قَالَ: وَتَلَوَّمَ2 بَعِيْرُ أَبِي ذَرٍّ فَلَمَّا
أَبْطَأَ عَلَيْهِ أَخَذَ مَتَاعَهُ فَجَعَلَهُ عَلَى
ظَهْرِهِ وَخَرَجَ يَتْبَعُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَنَظَرَ نَاظِرٌ
فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَرَجُلٌ يَمْشِي عَلَى
الطَّرِيْقِ فَقَالَ رسول الله: "كُنْ أَبَا ذَرٍّ".
فَلَمَّا تَأَمَّلَهُ القَوْمُ قَالُوا: هُوَ وَاللهِ
أَبُو ذَرٍّ فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَحِمَ اللهُ أَبَا ذر يمشي وحده
ويموت وحده ويبعث وحده".
فَضَرَبَ الدَّهْرُ مِنْ ضَرْبِهِ وَسُيِّرَ أَبُو
ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ. فَلَمَّا حَضَرَتْهُ
الوَفَاةُ أَوْصَى امْرَأَتَهُ وَغُلاَمَهُ فَقَالَ:
إِذَا مِتُّ فَاغْسِلاَنِي وَكَفِّنَانِي وَضَعَانِي
عَلَى الطَّرِيْقِ فَأَوَّلُ رَكْبٍ يَمُرُّوْنَ
بِكُمْ فَقُوْلاَ: هَذَا أَبُو ذَرٍّ.
فَلَمَّا مَاتَ فَعَلاَ بِهِ ذَلِكَ. فَاطَّلَعَ
رَكْبٌ فَمَا عَلِمُوا بِهِ حَتَّى كَادَتْ
رَكَائِبُهُم تَوَطَّأُ السَّرِيْرَ. فَإِذَا عَبْدُ
اللهِ بنُ مَسْعُوْدٍ فِي رَهْطٍ مِنْ أَهْلِ
الكُوفَةِ فَقَالَ: مَا هَذَا قِيْلَ: جِنَازَةُ أَبِي
ذَرٍّ. فَاسْتَهَلَّ ابْنُ مَسْعُوْدٍ يَبْكِي
وَقَالَ: صَدَقَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَرْحَمُ اللهُ أَبَا ذَرٍّ
يَمْشِي وَحْدَهُ وَيَمُوْتُ وَحْدَهُ وَيُبْعَثُ
وَحْدَهُ".
فَنَزَلَ فَوَلِيَهُ بِنَفْسِهِ حَتَّى أَجَنَّهُ3.
شَرِيْكٌ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ
كُلَيْبِ بنِ شِهَابٍ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُوْلُ:
مَا تُؤْيِسُنِي رِقَّةُ عَظْمِي وَلاَ بَيَاضُ
شَعْرِي أَنْ أَلْقَى عِيْسَى ابْنَ مَرْيَمَ.
وَعَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: سَأَلْتُ ابْنَ أُخْتٍ
لأَبِي ذَرٍّ: مَا تَرَكَ أَبُو ذَرٍّ? قَالَ: تَرَكَ
أَتَانَيْنِ وَحِمَاراً وَأَعْنُزاً وَرَكَائِبَ.
__________
1 عجف: أي هزال.
2 تلوم: أي تمكث وتلبث. والتلوم: الانتظار والتلبث.
وتلوم في الأمر. تمكث وانتظر.
3 ضعيف: بريدة بن سفيان، قال البخاري: فيه نظر. وقال
الدارقطني: متروك.
(3/374)
يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ،
أَخْبَرَنَا الحَارِثُ بنُ يَزِيْدَ الحَضْرَمِيُّ:
أَنَّ أَبَا ذَرٍّ سَأَلَ رَسُوْلَ اللهِ الإِمْرَةَ
فَقَالَ: "إِنَّكَ ضَعِيْفٌ وَإِنَّهَا خِزْيٌ وندامة
إلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي
عَلَيْهِ فِيْهَا" 1.
أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ
عُبَيْدٍ، عَنْ غُضَيْفِ بنِ الحَارِثِ، عَنْ أَبِي
الدَّرْدَاءِ قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبْتَدِئُ أَبَا ذَرٍّ
إِذَا حَضَرَ وَيَتَفَقَّدُهُ إِذَا غَابَ2.
فُضَيْلُ بنُ مَرْزُوقٍ حدثنني جَبَلَةُ بِنْتُ
مُصَفَّحٍ، عَنْ حَاطِبٍ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: مَا
تَرَكَ رَسُوْلُ اللهِ شَيْئاً مِمَّا صَبَّهُ
جِبْرِيْلُ وَمِيْكَائِيْلُ فِي صَدْرِهِ إلَّا قَدْ
صَبَّهُ فِي صَدْرِي وَلاَ تَرَكْتُ شَيْئاً مِمَّا
صَبَّهُ فِي صَدْرِي إلَّا قَدْ صَبَبْتُهُ فِي صدر
مالك ابن ضَمْرَةَ3. هَذَا مُنْكَرٌ.
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الرِّجَالِ:،
أَخْبَرَنَا عُمَرُ مَوْلَى غُفْرَةَ، عَنِ ابْنِ
كَعْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "أَوْصَانِي
بِخَمْسٍ: أَرْحَمُ المَسَاِكِيْنَ وَأُجَالِسُهُم
وَأَنْظُرُ إِلَى مَنْ تَحْتِي وَلاَ أَنْظُرُ إِلَى
مَنْ فَوْقِي وَأَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ
أَدْبَرَتْ وَأَنْ أَقُوْلَ الحَقَّ وَإِنْ كَانَ
مُرّاً وَأَنْ أَقُوْلَ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ
إلَّا بالله" 4.
__________
1 صحيح: وهذا إسناد ضعيف، أخرجه ابن سعد "4/ 231" من
طريق سليمان بن بلال قال حدثني يحيى بن سعيد، به، وفي
الإسناد انقطاع، الحارث بن يزيد الحضرمي لم يسمع من
أبي ذر.
لكن الحديث رواه مسلم موصولا "1852" من طريق الليث بن
سعد، حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن بكر بن عمرو، عن
الحارث بن يزيد الحضرمي، عن ابن حجيرة الأكبر، عن أبي
ذر، به.
2 ضعيف: أَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي
مريم، ضعيف كما قال الحافظ في "التقريب".
3 ضعيف: في إسناده جبلة بنت مصفح، مجهولة، لذا قال
الحافظ في "التقريب" مقبولة" أي عند المتابعة. وقد
أخرجه الطبراني "في "الكبير" "2/ 1624" من طريق القاسم
بن الحكم العرني، حدثنا فضيل بن مرزوق، به.
وقد أورده الحافظ الهيثمي في "المجمع" "9/ 231" وقال:
"وفيه من لم أعرفهم".
قلت: وكذا القاسم بن الحكم العرني، قال الحافظ في
"التقريب" صدوق فيه لين فهذه علة أخرى في الإسناد.
4 صحيح لغيره: وهذا إسناد ضعيف، أخرجه أحمد "5/ 173"
حدثنا الحكم بن موسى، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال
المدني، به. وفيه عمر مولى غفرة، وهو عمر بن عبد الله
المدني، ضعفه ابن معين والنسائي وابن حبان، وأخرجه
أحمد "5/ 159"، والطبراني في "الصغير" "ص268" والبيهقي
في "السنن" "10/ 91" من طريق سلام أبي المنذر المقرئ
البصري، عن محمد بن واسع، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ
الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذر، بنحوه.=
(3/375)
الأَعْمَشُ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ عُمَيْرٍ،
عَنْ أَبِي حَرْبٍ بنِ أَبِي الأَسْوَدِ: سَمِعْتُ
عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "مَا
أَقَلَّتِ الغَبْرَاءُ وَلاَ أَظَلَّتِ الخَضْرَاءُ
مِنْ رَجُلٍ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ أبي ذر" 1.
__________
= قلت: وهذا إسناد حسن، فيه سلام بن سليمان المزني،
أبو المنذر القاري النحوي البصري، صدوق يهم. وأخرجه
البيهقي "10/ 91" أيضا من طريق هشام بن حسان والحسن بن
دينار عن محمد بن واسع به.
وأخرجه البزار "3309" والطبراني في "الكبير" "1648"
وأبو نعيم في "الحلية" "1/ 159-160" من طريق محمد بن
حرب النشائي الواسطي، عن يحيى بن أبي زكريا الغساني
أبي مروان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن بديل بن ميسرة،
عن عبد الله بن الصامت، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته يحيى بن أبي زكريا الغساني،
أبو مروان الواسطي ضعيف كما قال الحافظ في "التقريب"
ولم يرو البخاري له إلا حديثا واحدا متابعة، وأخرجه
ابن أبي شيبة "12/ 232"، والطبراني في "الكبير" "1649"
من طريق محمد بن بشر عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر
الشعبي -وربما قال إسماعيل بعض أصحابنا- عن أبي ذر رضي
الله عنه- قال: فذكره.
وأورده الهيثمي في "المجمع" "3/ 93": رجاله ثقات إلا
أن الشعبي لم أجد له سماعا من أبي ذر".
قلت: فالإسناد ضعيف لهذا الانقطاع بين الشعبي وأبي ذر،
لكن الحديث يرتقي بمجموع طرقه إلى الصحة والله -تعالى-
أعلى وأعلم.
1 حديث صحيح بطرقه: أخرجه الترمذي "3802"، والحاكم "3/
342" من طريق العباس بن عبد العظيم العنبري، حدثنا
النضر بن محمد اليمامي، حدثنا عكرمة بن عمار، عن أبي
زميل، عن مالك بن مرثد، عن أبيه، عن أبي ذر مرفوعا.
قلت: إسناده ضعيف، مرثد بن عبد الله الزماني، مجهول،
لذا قال الحافظ في "التقريب": مقبول -أي عند المتابعة.
وورد من حديث عبد الله بن عمرو: أخرجه أحمد "2/ 163
و175 و223"، وابن سعد "4/ 228"، وابن أبي شيبة "12/
124"، والترمذي "3801" وابن ماجه "156"، والحاكم "3/
342" من طريق الأعمش، عن عثمان بن عمير، عن أبي حرب بن
أبي الأسود الديلي، عن ابن عمرو مرفوعا.
قلت: إسناده ضعيف، عثمان بن عمير، ويقال ابن قيس:
ضعيف.
وورد من حديث أبي الدرداء: أخرجه أحمد "6/ 442" وابن
سعد "4/ 228"، وابن أبي شيبة "12/ 125"، والبزار
"2713" والحاكم "3/ 342" من طريق حماد بن سلمة عن علي
بن زيد، عن بلال بن أبي الدرداء عن أبي الدرداء.
وإسناده ضعيف، علي بن زيد، هو ابن جدعان، ضعيف.
وأخرجه أحمد "5/ 197" من طريق شهر بن حوشب، عن عبد
الله بن غنم، عن أبي الدرداء، وشهر بن حوشب، فيه ضعف.
وورد عن أبي هريرة: أخرجه ابن سعد "4/ 228" عن يزيد بن
هارون، عن أبي أمية بن يعلى، عن أبي الزناد، عن
الأعرج، عن أبي هريرة. وأبو أمية. فيه ضعف.
وورد عن علي: أخرجه أبو نعيم في "الحلية" "4/ 172" من
طريق بشر بن مهران عن شريك، عن الأعمش، عن زيد "وهو
ابن وهب" قال: قال علي: فذكره مرفوعا.
قلت: إسناده ضعيف جدا، فيه بشر بن مهران، ترك حديثه
أبو حاتم. فالحديث بمجموع طرقه صحيح، وقد خرجت الحديث
بنحو هذا في كتاب "منهاج السنة النبوية في نقض كلام
الشيعة والقدرية" لشيخ الإسلام ابن تيمية ط دار الحديث
في الجزء الرابع بتعليقنا رقم "134" وفي الجزء السادس
بتعليقنا رقم "275" فراجعه ثم إن شئت.
(3/376)
حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عَنْ بِلاَلِ
بنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
مِثْلُهُ: وَجَاءَ نَحْوُهُ لِجَابِرٍ وَأَبِي
هُرَيْرَةَ1.
أَبُو أُمَيَّةَ بنُ يَعْلَى وَهُوَ وَاهٍ، عَنْ أَبِي
الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى
تَوَاضُعِ عِيْسَى ابْنِ مَرْيَمَ فَلْيَنْظُرْ إِلَى
أَبِي ذَرٍّ"2.
سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ:، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بنُ
دِيْنَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: "أَيُّكُمْ يَلْقَانِي عَلَى
الحَالِ الَّذِي أُفَارِقُهُ عَلَيْهِ". فَقَالَ أَبُو
ذَرٍّ: أَنَا. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا أَظَلَّتِ
الخَضْرَاءُ وَلاَ أَقَلَّتِ الغَبْرَاءُ عَلَى ذِي
لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ مَنْ سَرَّهُ أَنْ
يَنْظُرَ إِلَى زُهْدِ عِيْسَى فلينظر إلى أبي ذر"3.
حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ
أَخْبَرَنِي أَبُو حَرْبٍ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ
أَبِيْهِ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَرَجُلٌ، عَنْ
زَاذَانَ قَالاَ: سُئِلَ عَلِيٌّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ
فَقَالَ: وَعَى عِلْماً عَجِزَ عَنْهُ وَكَانَ
شَحِيْحاً عَلَى دِيْنِهِ حَرِيْصاً عَلَى العِلْمِ
يُكْثِرُ السُّؤَالَ وَعَجِزَ، عَنْ كَشْفِ مَا
عِنْدَهُ مِنَ العِلْمِ.
سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ
هِلاَلٍ، أَخْبَرَنَا عبد الله بن الصامت قال: دخلت مع
أَبِي ذَرٍّ فِي رَهْطٍ مِنْ غِفَارَ عَلَى عُثْمَانَ
مِنْ بَابٍ لاَ يُدْخَلُ عَلَيْهِ مِنْهُ قَالَ:
وَتَخَوَّفَنَا عُثْمَانُ عَلَيْهِ فَانْتَهَى
إِلَيْهِ فَسَلَّمَ ثُمَّ مَا بَدَأَهُ بِشَيْءٍ إلَّا
أَنْ قَالَ: أَحَسِبْتَنِي مِنْهُم يَا أَمِيْرَ
المُؤْمِنِيْنَ وَاللهِ مَا أَنَا مِنْهُم وَلاَ
أُدْرِكُهُمْ. ثُمَّ اسْتَأْذَنَهُ إِلَى الربذة.
__________
1 صحيح بطرقه: راجع تخريجنا السابق فقد أوردته عن أبي
الدرداء، وعن أبي هريرة.
2 ضعيف: أخرجه ابن سعد "4/ 228" أخبرنا يزيد بن هارون،
قال أخبرنا أبو أمية بن يعلى، عن أبي الزناد، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته أبو أمية بن يعلى، ضعفه
الدارقطني. وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه إلا
للخواص.
3 ضعيف: أخرجه ابن سعد "4/ 228"، وهو مرسل، مالك بن
دينار البصري، الزاهد، أبو يحيى، من الطبقة الخامسة،
وهي الطبقة الصغرى من التابعين فالحديث معضل.
(3/377)
يَحْيَى بنُ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، عَنْ
أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ، عَنِ المُسَيَّبِ
بنِ نَجَبَةَ، عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قِيْلَ لَهُ:
حَدِّثْنَا عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِّثْنَا عَنْ أَبِي ذَرٍّ
قَالَ: عَلِمَ العِلْمَ ثُمَّ أَوْكَى فَرَبَطَ
عَلَيْهِ رِبَاطاً شَدِيْداً?1 أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ
هَانِئ بنِ هَانِئ، سَمِعَ عَلِيّاً يَقُوْلُ: أَبُو
ذَرٍّ وِعَاءٌ مُلِئَ عِلْماً أَوْكَى عَلَيْهِ فَلَمْ
يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى قُبِضَ.
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ مُرْسَلاً: أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
"اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِي ذَرٍّ وَتُبْ عَلَيْهِ".
وَيُرْوَى، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إلَّا وَقَدْ
أُعْطِيَ سَبْعَةَ رفقاء وَوُزَرَاءَ وَإِنِّي
أُعْطِيْتُ أَربَعَةَ عَشَرَ". فَسَمَّى فِيْهِم أَبَا
ذَرٍّ2.
شَرِيْكٌ، عَنْ أَبِي رَبِيْعَةَ الإِيَادِيِّ، عَنِ
ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: قَالَ
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"أُمِرْتُ بِحُبِّ أَرْبَعَةٍ وَأَخْبَرَنِي اللهُ
تَعَالَى أَنَّهُ يُحِبُّهُمْ". قُلْتُ: مَنْ هُمْ يَا
رَسُوْلَ اللهِ قَالَ: "عَلِيٌّ وَأَبُو ذَرٍّ
وَسَلْمَانُ وَالمِقْدَادُ بنُ الأَسْوَدِ"3.
قَالَ شَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ: حَدَّثَتْنِي أَسْمَاءُ:
أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا فَرَغَ مِنْ
خِدْمَتِهِ أَوَى إِلَى المَسْجِدِ وَكَانَ هُوَ
بَيْتَهُ. فَدَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدَهُ مُنْجَدِلاً فِي
المَسْجِدِ. فَنَكَتَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرِجْلِهِ حَتَّى
اسْتَوَى جَالِساً فَقَالَ: "أَلاَ أَرَاكَ نَائِماً?"
قَالَ: فَأَيْنَ أَنَامُ هَلْ لِي مِنْ بَيْتٍ
غَيْرِهِ? فَجَلَسَ إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "كَيْفَ
أَنْتَ إِذَا أَخْرَجُوْكَ مِنْهُ?" قَالَ: أَلْحَقُ
بِالشَّامِ فَإِنَّ الشَّامَ أَرْضُ الهِجْرَةِ
وَأَرْضُ المَحْشَرِ وَأَرْضُ الأَنْبِيَاءِ
فَأَكُوْنُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِهَا. قَالَ لَهُ:
"كَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخْرَجُوْكَ مِنَ الشَّامِ?"
قَالَ: أَرْجِعُ إِلَيْهِ فَيَكُوْنُ بَيْتِي
وَمَنْزِلِي. قَالَ: "فَكَيْفَ أَنْتَ إِذَا
أَخْرَجُوْكَ مِنْهُ الثَّانِيَةَ?" قَالَ: آخذ إذًا
سيفي فأقاتل حتى أموت.
__________
1 ضعيف جدا: في إسناده يحيى بن سلمة بن كهيل قال أبو
حاتم وغيره: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك: وقال
يحيى ليس بشيء لا يُكتب حديثه.
قوله: "ثم أوكى" أي شده بالوكاء، والمراد أنه حافظ على
علمه بمدارسته وتعليمه فالعلم يزكو بالإنفاق.
2 ضعيف: أخرجه الطبراني في "الكبير" "6/ 6049" من طريق
فطر بن خليفة عن كثير بياع النوى قال سمعت عبد الله بن
مليل يقول سمعت عليا -رضي الله عنه- يَقُوْلُ: قَالَ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
فذكره. وأخرجه الترمذي "3785" من طريق سفيان، عن كثير
النواء، عن أبي إدريس، عن المسيب بن نجية قال: قال علي
بن أبي طالب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: إسناده ضعيف، آفته كثير بياع النوى، وهو كثير بن
إسماعيل النواء أبو إسماعيل: ضعفه أبو حاتم، والنسائي.
وقال ابن عدي مفرط في التشيع. وقال السعدي: زائغ.
3 ضعيف: أخرجه أحمد "5/ 351"، وفي إسناده أبو ربيعة
الإيادي عمر بن ربيعة ضعيف.
(3/378)
قَالَ: فَكَشَّرَ إِلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ:
"أَدُلُّكَ عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ?" قَالَ: بَلَى
بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُوْلَ اللهِ. قَالَ:
"تَنْقَادُ لَهُمْ حَيْثُ قَادُوْكَ حَتَّى تلقاني
وأنت على ذلك".
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"1.
وَفِي المُسْنَدِ، أَخْبَرَنَا أَبُو المُغِيْرَةِ،
أَخْبَرَنَا صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي
اليَمَانِ وَأَبِي المُثَنَّى أَنَّ أَبَا ذَرٍّ
قَالَ: بَايَعَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَمْساً وَوَاثَقَنِي سَبْعاً
وَأَشْهَدَ اللهَ عَلَيَّ سَبْعاً إلَّا أَخَافَ فِي
اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ.
أَبُو اليَمَانِ هُوَ الهَوْزَنِيُّ.
الدَّغُوْلِيُّ:، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ
الصَّائِغُ بِمَكَّةَ، أَخْبَرَنَا المُقْرِي:،
أَخْبَرَنَا المَسْعُوْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو
عُمَرَ الشَّامِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ الخَشْخَاشِ،
عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ:
أَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي المَسْجِدِ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ
فَقَالَ: "أَصَلَّيْتَ?" قُلْتُ: لاَ قَالَ: "قُمْ
فَصَلِّ" فَقُمْتُ فَصَلَّيْتُ ثُمَّ أَتَيْتُهُ
فَقَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ اسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ
شَيَاطِيْنِ الإِنْسِ وَالجِنِّ" قُلْتُ: وَهَلْ
لِلإِنْسِ مِنْ شَيَاطِيْنَ قَالَ: "نَعَمْ" ثُمَّ
قَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ إلَّا أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ
مِنْ كُنُوْزِ الجَنَّةِ? قُلْ: لاَ حَوْلَ وَلاَ
قُوَّةَ إلَّا بِاللهِ". قُلْتُ: فَمَا الصَّلاَةُ?
قَالَ: "خَيْرُ مَوْضُوْعٍ فَمَنْ شَاءَ أَكْثَرَ
وَمَنْ شَاءَ أَقَلَّ". قُلْتُ: فَمَا الصِّيَامُ
قَالَ: "فَرْضٌ مُجْزِئٌ" قُلْتُ: فَمَا الصَّدَقَةُ
قَالَ: "أَضْعَافٌ مُضَاعَفَةٌ وَعِنْدَ اللهِ
مَزِيْدٌ". قُلْتُ: فَأَيُّهَا أَفْضَلُ قَالَ:
"جُهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ أَوْ سِرٌّ إِلَى فَقِيْرٍ"
قُلْتُ: فَأَيُّ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ أَعْظَمُ
قَالَ: "اللهُ لاَ إِلَهَ إلَّا هُوَ الحَيُّ
القَيُّوْمُ" قُلْتُ: فَأَيُّ الأَنْبِيَاءِ كَانَ
أَوَّلَ قَالَ: "آدَمُ: قلت نبيًا كان? قَالَ: "نَعَمْ
مُكَلَّمٌ" قُلْتُ: فَكَمِ المُرْسَلُوْنَ يَا
رَسُوْلَ اللهِ قَالَ: ثَلاَثُ مائَةٍ وَخَمْسَةَ
عَشَرَ جَمّاً غَفِيْراً"2.
هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لأَبِي
ذَرٍّ: "إِذَا بَلَغَ البِنَاءُ سَلْعاً فَاخْرُجْ
مِنْهَا -وَنَحَا بِيَدِهِ نَحْوَ الشَّامِ- وَلاَ
أَرَى أُمَرَاءكَ يَدَعُوْنَكَ". قَالَ: أَوَلاَ
أُقَاتِلُ مَنْ يَحُوْلُ بَيْنِي وَبَيْنَ أَمْرِكَ
قَالَ: "لاَ" قَالَ: فَمَا تَأْمُرُنِي قَالَ:
"اسْمَعْ وَأَطِعْ وَلَوْ لِعَبْدٍ حَبَشِيٍّ".
__________
1 ضعيف: أخرجه أحمد "6/ 457" وفي إسناده شهر بن حوشب،
وهو ضعيف.
2 ضعيف جدا: أخرجه أحمد "5/ 179" وفيه عبد الرحمن بن
عبد الله المسعودي. ضعيف لاختلاطه.
والعلة الثانية: أبو عمر الدمشقي، متروك كما قال
الدارقطني.
والعلة الثالثة: عبيد بن الخشخاش، لين.
(3/379)
فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ خَرَجَ إِلَى
الشَّامِ فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِنَّهُ قَدْ أَفْسَدَ
الشَّامَ. فَطَلَبَهُ عُثْمَانُ ثُمَّ بَعَثُوا
أَهْلَهُ مِنْ بَعْدِهِ فَوَجَدُوا عِنْدَهُمْ كِيْساً
أَوْ شَيْئاً فَظَنُّوْهُ دَرَاهِمَ فَقَالُوا: مَا
شَاءَ اللهُ فَإِذَا هِيَ فُلُوْسٌ.
فَقَالَ عُثْمَانُ: كُنْ عِنْدِي قَالَ: لاَ حَاجَةَ
لِي فِي دُنْيَاكُمْ ائْذَنْ لِي حَتَّى أَخْرُجَ
إِلَى الرَّبَذَةِ فَأَذِنَ لَهُ فَخَرَجَ إِلَيْهَا
وَعَلَيْهَا عَبْدٌ حَبَشِيٌّ لِعُثْمَانَ فَتَأَخَّرَ
وَقْتَ الصَّلاَةِ لَمَّا رَأَى أَبَا ذَرٍّ فَقَالَ
أَبُو ذَرٍّ: تَقَدَّمْ فَصَلِّ1.
سُفْيَانُ بنُ حُسَيْنٍ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ
إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ
أَبِي ذَرٍّ قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى حمار وعليه
برذعة أو قطيفة2.
عَفَّانُ: أَخْبَرَنَا سَلاَمٌ أَبُو المُنْذِرِ، عَنْ
مُحَمَّدِ بن واسع، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ،
عَنِ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيْلِي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَبْعٍ: أَمَرَنِي
بِحُبِّ المَسَاكِيْنِ وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ
وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُوْنِي
وَأَنْ لاَ أَسْأَلَ أَحَداً شَيْئاً وَأَنْ أَصِلَ
الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ وَأَنْ أَقُوْلَ الحَقَّ
وَإِنْ كَانَ مُرّاً وَأَلاَّ أَخَافَ فِي اللهِ
لَوْمَةَ لاَئِمٍ وَأَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ: لاَ
حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلَّا بِاللهِ فَإِنَّهُنَّ مِنْ
كَنْزٍ تَحْتَ العَرْشِ3.
الأَوْزَاعِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو كَثِيْرٍ، عَنْ
أَبِيْهِ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا ذَرٍّ وَهُوَ جَالِسٌ
عِنْدَ الجَمْرَةِ الوُسْطَى وَقَدِ اجْتَمَعَ
النَّاسُ عَلَيْهِ يَسْتَفْتُوْنَهُ فَأَتَاهُ رَجُلٌ
فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَلَمْ يَنْهَكَ أَمِيْرُ
المُؤْمِنِيْنَ، عَنِ الفُتْيَا فَرَفَعَ رَأْسَهُ
ثُمَّ قَالَ: أَرَقِيْبٌ أَنْتَ عَلَيَّ لو وضعتم
الصمصامة على هذه
__________
1 ضعيف: رواه بهذا السياق ابن سعد "4/ 226-227" قال:
أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا هشام بن حسان، عن
محمد بن سيرين، به مرسلا.
قلت: وهو ضعيف لإرساله. ولكن لقوله: "اسمع وأطع، ولو
لعبد حبشي" إسناد آخر عند أحمد "5/ 144"، وفيه شهر بن
حوشب، وهو ضعيف، وقد ورد عن أبي ذر قال: "إن خليلي
أوصاني أن أسمع وأطيع، وإن كان عبدا مجدع الأطراف"
أخرجه الطيالسي "452"، ومسلم "1873"، وابن ماجه "2862"
والبيهقي "3/ 88" و"8/ 155" من طرق عن شُعْبَةُ، عَنْ
أَبِي عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ
الصَّامِتِ، عن أبي ذر، به.
2 صحيح: أخرجه ابن سعد "4/ 227-228" قال: أخبرنا يزيد
بن هارون قال: أخبرنا سفيان بن حسين عن الحكم بن
عتيبة، به.
قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات، وقد وقع في "طبقات ابن
سعد" الحكم بن عيينة، وهو تصحيف، والصواب الحكم بن
عتيبة وهو ما أثبتناه.
3 صحيح: تقدم تخريجنا له بتعليق رقم "802".
(3/380)
وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى قَفَاهُ ثُمَّ
ظَنَنْتُ أَنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنْ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَبْلَ أَنْ تُجِيْزُوا عَلَيَّ لأَنْفَذْتُهَا.
اسْمُ أَبِي كَثِيْرٍ: مَرْثَدٌ.
وَعَنْ ثَعْلَبَةَ بنِ الحَكَمِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:
لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ لاَ يُبَالِي فِي اللهِ لَوْمَةَ
لاَئِمٍ غَيْرَ أَبِي ذَرٍّ وَلاَ نَفْسِي. ثُمَّ
ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِهِ.
الجُرَيْرِيُّ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ الشخير، عن الأحنف
قال: قدمت المَدِيْنَةَ فَبَيْنَا أَنَا فِي حَلْقَةٍ
فِيْهَا مَلأٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ
أَخْشَنُ الثِّيَابِ أَخْشَنُ الجَسَدِ أَخْشَنُ
الوَجْهِ فَقَامَ عَلَيْهِم فَقَالَ: بَشِّرِ
الكَنَّازِيْنَ بِرَضْفٍ يُحْمَى عَلَيْهِ فِي نَارِ
جَهَنَّمَ فَيُوْضَعُ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِ
أَحَدِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كَتِفِهِ
وَيُوْضَعُ عَلَى نُغْضِ كَتِفِهِ حَتَّى يَخْرُجَ
مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيِهِ يَتَجَلْجَلُ.
قال: فوضع القوم رءوسهم فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً
مِنْهُم رَجَعَ إِلَيْهِ شَيْئاً.
فَأَدْبَرَ فَتَبِعْتُهُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى
سَارِيَةٍ فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ هَؤُلاَءِ إلَّا
كَرِهُوا مَا قُلْتَ لَهُمْ. قَالَ: إِنَّ هَؤُلاَءِ
لاَ يَعْقِلُوْنَ شَيْئاً إِنَّ خَلِيْلِي أَبَا
القَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
دَعَانِي فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ فَأَجَبْتُهُ
فَقَالَ: "تَرَى أُحُداً"؟ فَنَظَرْتُ مَا عَلَيَّ
مِنَ الشَّمْسِ وَأَنَا أَظُنُّهُ يَبْعَثُنِي فِي
حَاجَةٍ فَقُلْتُ: أَرَاهُ فَقَالَ: "مَا يَسُرُّنِي
أَنَّ لِي مِثْلَهُ ذَهَباً أُنْفِقُهُ كُلُّهُ إلَّا
ثَلاَثَةَ دَنَانِيْرَ". ثُمَّ هَؤُلاَءِ يَجْمَعُوْنَ
الدُّنْيَا لاَ يَعْقِلُوْنَ شَيْئاً.
فَقُلْتُ: مالك وَلإِخْوَانِكَ مِنْ قُرَيْشٍ لاَ
تَعْتَرِيْهِمْ وَلاَ تُصِيْبُ مِنْهُمْ? قَالَ: لاَ
وَرَبِّكَ مَا أَسْأَلُهْمُ دُنْيَا وَلاَ
أَسْتَفْتِيْهِمْ، عَنْ دِيْنٍ حَتَّى أَلْحَقَ
بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ1.
الأَسْوَدُ بنُ شَيْبَانَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ
الشِّخِّيْرِ، عَنْ أَخِيْهِ مُطَرِّفٍ، عَنِ أَبِي
ذَرٍّ فذكر بعضه2.
مُوْسَى بنُ عُبَيْدَةَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بنُ
أَبِي أَنَسٍ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَوْسِ بنِ
الحَدَثَانِ قَالَ: قَدِمَ أَبُو ذَرٍّ مِنَ الشَّامِ
فَدَخَلَ المَسْجِدَ وَأَنَا جَالَسٌ فَسَلَّمَ
عَلَيْنَا وَأَتَى سَارِيَةً فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ
تَجَوَّزَ فِيْهِمَا ثُمَّ قَرَأَ: {أَلْهَاكُمُ
التَّكَاثُرُ} [التَّكَاثُرُ: 1] . وَاجْتَمَعَ
النَّاسُ عَلَيْهِ فَقَالُوا: حَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ
مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
فَقَالَ: سَمِعْتُ حَبِيْبِي رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "فِي الإِبِلِ
صَدَقَتُهَا وفي البقر صدقتها
__________
1 و2 صحيح: أخرجه البخاري "1407" و"1408"، ومسلم "992"
من طريق الجريرى، عن أبي العلاء، عن الأحنف بن قيس،
به.
(3/381)
وَفِي البُرِّ صَدَقَتُهُ، مَنْ جَمَعَ
دِيْنَاراً أَوْ تِبْراً أَوْ فِضَّةً لاَ يُعِدُّهُ
لِغَرِيْمٍ وَلاَ يُنْفِقُهُ فِي سَبِيْلِ اللهِ
كُوِيَ بِهِ".
قُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ انْظُرْ مَا تُخْبِرُ، عَنْ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فإن هَذِهِ الأَمْوَالَ قَدْ فَشَتْ. قَالَ: مَنْ
أَنْتَ ابْنَ أَخِي فَانْتَسَبْتُ لَهُ.
فَقَالَ: قَدْ عَرَفْتُ نَسَبَكَ الأَكْبَرَ مَا
تَقْرَأُ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ
وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ} [التَّوْبَةُ: 35] .
مُوْسَى ضُعِّفَ رَوَاهُ عَنْهُ الثِّقَاتُ.
ابْنُ لَهِيْعَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو قَبِيْلٍ:
سَمِعْتُ مَالِكَ بنَ عَبْدِ اللهِ الزِّيَادِيَّ
يُحَدَّثُ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ جَاءَ
يَسْتَأْذِنُ عَلَى عُثْمَانَ فَأَذِنَ لَهُ
وَبِيَدِهِ عَصَا. فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا كَعْبُ
إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ مَالاً
فَمَا تَرَى قَالَ: إن كَانَ فَضَلَ فِيْهِ حَقُّ
اللهِ فَلاَ بَأْسَ عَلَيْهِ. فَرَفَعَ أَبُو ذَرٍّ
عَصَاهُ وَضَرَبَ كَعْباً وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ:
"مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي هَذَا الجَبَلَ ذَهَباً
أُنْفِقُهُ وَيُتَقَبَّلُ مِنِّي أَذَرُ خَلْفِي
مِنْهُ سِتَّةَ أَوَاقٍ". أَنْشُدُكَ اللهَ يَا
عُثْمَانُ: أَسَمِعْتَهُ قَالَ مِرَاراً قَالَ:
نَعَمْ1.
قُلْتُ: هَذَا دَالٌّ عَلَى فَضْلِ إِنْفَاقِهِ
وَكَرَاهِيَةِ جَمْعِهِ لاَ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيْمٍ.
حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصامت
قال: دخلت مع أَبِي ذَرٍّ عَلَى عُثْمَانَ فَلَمَّا
دَخَلَ حَسَرَ، عَنْ رَأْسِهِ وَقَالَ: وَاللهِ مَا
أَنَا مِنْهُمْ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يُرِيْدُ
الخَوَارِجَ. قَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: سِيْمَاهُمُ
الحَلْقُ قَالَ لَهُ عُثْمَانُ: صَدَقْتَ يَا أَبَا
ذَرٍّ إِنَّمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْكَ لِتُجَاوِرَنَا
بِالمَدِيْنَةِ. قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ
ائْذَنْ لِي إِلَى الرَّبَذَةِ. قَالَ: نَعَمْ
وَنَأْمُرُ لَكَ بِنَعَمٍ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ
تَغْدُو عَلَيْكَ وَتَرُوْحُ قَالَ لاَ حَاجَةَ لِي
فِي ذَلِكَ يَكْفِي أَبَا ذَرٍّ صُرَيْمَتُهُ2.
فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ: دُوْنَكُمْ مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ
دُنْيَاكُمْ فَاعْذِمُوْهَا3 وَدَعُوْنَا وَرَبَّنَا.
قَالَ: وَدَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَقْسِمُ وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ بَيْنَ يَدَيْهِ وَعِنْدَهُ
كَعْبٌ فَأَقْبَلَ
__________
1 ضعيف: أخرجه أحمد "1/ 63" حدثنا حسن بن موسى، حدثنا
عبد الله بن لهيعة، به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه عبد الله بن لهيعة، ضعيف. وفيه
جهالة مالك بن عبد الله الزيادي.
2 الصريمة: تصغير الصرمة، وهي القطيع من الابل والغنم.
3 قوله: "اعذموها" أي خذوها.
وأصل العذم: العض.
(3/382)
عُثْمَانُ عَلَى كَعْبٍ فَقَالَ: يَا أَبَا
إِسْحَاقَ ما تقول فيمن جمع هَذَا المَالَ فَكَانَ
يَتَصَدَّقُ مِنْهُ وَيَصِلُ الرَّحِمَ قَالَ كَعْبٌ:
إِنِّي لأَرْجُو لَهُ. فَغَضِبَ وَرَفَعَ عَلَيْهِ
العَصَا وَقَالَ وَمَا تَدْرِيْ يَا ابْنَ
اليَهُوْدِيَّةِ لَيَوَدَّنَّ صَاحِبُ هَذَا المَالِ
لَوْ كَانَ عَقَارِبَ فِي الدُّنْيَا تَلْسَعُ
السُّوَيْدَاءَ مِنْ قَلْبَهِ1.
السَّرِيُّ بنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا غَزْوَانُ أَبُو
حَاتِمٍ قَالَ: بَيْنَا أَبُو ذَرٍّ عِنْدَ بَابِ
عُثْمَانَ لِيُؤْذَنَ لَهُ إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ
مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ مَا
يُجْلِسُكَ ههنا قَالَ: يَأْبَى هَؤُلاَءِ أَنْ
يَأْذَنُوا لَنَا فَدَخَلَ الرَّجُلُ فَقَالَ: يَا
أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ مَا بَالُ أَبِي ذَرٍّ عَلَى
البَابِ.
فَأَذِنَ لَهُ فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ نَاحِيَةً
وَمِيْرَاثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُقْسَمُ فَقَالَ
عُثْمَانُ لِكَعْبٍ: أَرَأَيْتَ المَالَ إِذَا أُدِّيَ
زَكَاتُهُ هَلْ يُخْشَى عَلَى صَاحِبِهِ فِيْهِ
تَبِعَةً قَالَ: لاَ. فَقَامَ أَبُو ذَرٍّ فَضَرَبَهُ
بِعَصَا بَيْنَ أُذُنَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يَا ابْنَ
اليَهُوْدِيّةِ تَزْعُمُ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ حَقٌّ
فِي مَالِهِ إِذَا آتَى زَكَاتَهُ وَاللهُ يَقُوْلُ:
{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِم} [الْحَشْر: 9]
الآيَةَ، وَيَقُوْلُ: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى
حُبِّه} [الإنسان: 8] .
فَجَعَلَ يَذْكُرُ نَحْوَ هَذَا مِنَ القُرْآنِ.
فَقَالَ عُثْمَانُ لِلقُرَشِيِّ: إِنَّمَا نَكْرَهُ
أَنْ نَأْذَنَ لأَبِي ذَرٍّ مِنْ أَجْلِ مَا تَرَى.
وَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ أَبُو
ذَرٍّ يَخْتَلِفُ مِنَ الرَّبَذَةِ إِلَى المَدِيْنَةِ
مَخَافَةَ الأَعْرَابِيَّةِ فَكَانَ يُحِبُّ
الوَحْدَةَ فَدَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ وَعِنْدَهُ
كَعْبٌ.... الحديث.
وَفِيْهِ: فَشَجَّ كَعْباً فَاسْتَوْهَبَهُ عُثْمَانُ
فَوَهَبَهُ لَهُ وَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ اتَّقِ
اللهَ وَاكْفُفْ يَدَكَ وَلِسَانَكَ.
مُوْسَى بنُ عُبَيْدَةَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ نُفَيْعٍ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اسْتَأْذَنَ أَبُو ذَرٍّ
عَلَى عُثْمَانَ فَتَغَافَلُوا عَنْهُ سَاعَةً.
فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ هَذَا أَبُو
ذَرٍّ بِالبَابِ قَالَ: ائْذَنْ لَهُ إِنْ شِئْتَ أَنْ
تُؤْذِيَنَا وَتُبَرِّحَ بِنَا. فَأَذِنْتُ لَهُ
فَجَلَسَ عَلَى سَرِيْرٍ مَرْمُوْلٍ2 فَرَجَفَ بِهِ
السَّرِيْرُ وَكَانَ عَظِيْماً طَوِيْلاً فَقَالَ
عُثْمَانُ: أَمَا إِنَّكَ الزَّاعِمُ أَنَّكَ خَيْرٌ
مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ قَالَ: مَا قُلْتُ. قَالَ:
إِنِّي أَنْزِعُ عَلَيْكَ بِالبَيِّنَةِ قَالَ:
وَاللهِ مَا أَدْرِيْ مَا بَيِّنَتُكَ وَمَا تَأْتِي
بِهِ?! وَقَدْ عَلِمْتُ مَا قُلْتُ. قَالَ: فَكَيْفَ
إِذاً قُلْتَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "إِنَّ
أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مني الذي
__________
1 صحيح: أخرجه ابن سعد "4/ 232" من طريق سليمان بن
المغيرة، وأبو نعيم في "الحلية" "1/ 160" من طريق مطرف
كلاهما عن حميد بن هلال قال: حدثنا عبد الله بن الصامت
قال: فذكره.
قلت: إسناده صحيح رجاله ثقات.
2 سرير مرمول: سرير نسج وجهه بالسعف.
(3/383)
يَلْحَقُ بِي عَلَى العَهْدِ الَّذِي
عَاهَدْتُهُ عَلَيْهِ". وَكُلُّكُمْ قَدْ أَصَابَ مِنَ
الدُّنْيَا وَأَنَا عَلَى مَا عَاهَدْتُهُ عَلَيْهِ
وَعَلَى اللهِ تَمَامُ النِّعْمَةِ.
وَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ، فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي
يَعْلَمُهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَرْتَحِلَ إِلَى الشَّامِ
فَيَلْحَقَ بِمُعَاوِيَةَ. فَكَانَ يُحَدِّثُ
بِالشَّامِ فَاسْتَهْوَى قُلُوْبَ الرِّجَالِ. فَكَانَ
مُعَاوِيَةُ يُنْكِرُ بَعْضَ شَأْنِ رَعِيَّتِهِ
وَكَانَ يَقُوْلُ: لاَ يَبِيْتَنَّ عِنْدَ أَحَدِكُمْ
دِيْنَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ وَلاَ تِبْرٌ وَلاَ فِضَّةٌ
إلَّا شَيْءٌ يُنْفِقُهُ فِي سَبِيْلِ اللهِ أَوْ
يُعِدُّهُ لِغَرِيْمٍ.
وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ بَعَثَ إِلَيْهِ بِأَلْفِ
دِيْنَارٍ فِي جُنْحِ اللِّيْلِ فأنفقها.
فَلَمَّا صَلَّى مُعَاوِيَةُ الصُّبْحَ، دَعَا
رَسُوْلَهُ فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ
فَقُلْ: أَنْقِذْ جَسَدِي مِنْ عَذَابِ مُعَاوِيَةَ
فَإِنِّي أَخْطَأْتُ قَالَ: يَا بُنَيَّ قُلْ لَهُ:
يَقُوْلُ لَكَ أَبُو ذَرٍّ وَاللهِ مَا أَصْبَحَ
عِنْدَنَا مِنْهُ دِيْنَارٌ وَلَكِنْ أَنْظِرْنَا
ثَلاَثاً حَتَّى نَجْمَعَ لَكَ دَنَاِنْيَرَكَ.
فَلَمَّا رَأَى مُعَاوِيَةُ أَنَّ قَوْلَهُ صَدَّقَ
فِعْلَهُ كَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنْ
كَانَ لَكَ بِالشَّامِ حَاجَةٌ أَوْ بِأَهْلِهِ
فَابْعَثْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ فَإِنَّهُ قَدْ وَغَّلَ
صُدُوْرَ النَّاسِ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ: اقْدَمْ عَلَيَّ
فَقَدِمَ1.
ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ
المُغِيْرَةِ، عَنْ يَعْلَى بنِ شَدَّادٍ قَالَ: قَالَ
شَدَّادُ بنُ أَوْسٍ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَسْمَعُ
الحَدِيْثَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ فِيْهِ الشِّدَّةُ
ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى قَوْمِهِ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِم
ثُمَّ إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ يُرَخِّصُ فِيْهِ بَعْدُ
فَلَمْ يَسْمَعْهُ أَبُو ذَرٍّ فَتَعَلَّقَ أَبُو
ذَرٍّ بِالأَمْرِ الشَّدِيْدِ2.
عَاصِمُ بنُ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِي الجُوَيْرِيَةِ،
عَنْ زَيْدِ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ قَالَ: كُنْتُ
عِنْدَ عُثْمَانَ إِذْ جَاءَ أَبُو ذَرٍّ فَلَمَّا
رَآهُ عُثْمَانُ قَالَ: مَرْحَباً وَأَهْلاً بِأَخِي
فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: مَرْحَباً وَأَهْلاً بِأَخِي
لَقَدْ أَغْلَظْتَ عَلَيْنَا فِي العَزِيْمَةِ وَاللهِ
لَوْ عَزَمْتَ عَلَيَّ أَنْ أَحْبُوَ لَحَبَوْتُ مَا
اسْتَطَعْتُ. إِنِّي خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَ حَائِطِ بَنِي
فُلاَنٍ فَقَالَ لِي: "وَيْحَكَ بَعْدِي" فَبَكَيْتُ
فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ وَإِنِّي لَبَاقٍ
بَعْدَكَ قَالَ: "نَعَمْ فَإِذَا رَأَيْتَ البِنَاءَ
عَلَى سَلْعٍ فَالْحَقْ بِالمَغْرِبِ أَرْضِ قضاعة".
قَالَ عُثْمَانُ: أَحْبَبْتُ أَنْ أَجْعَلَكَ مَع
أَصْحَابِكَ وَخِفْتُ عَلَيْكَ جُهَّالَ النَّاسِ.
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ: قَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "اسمع وأطع لمن كان عليك".
__________
1 ضعيف: فيه موسى بن عبيدة، وهو الربذي، ضعيف.
2 ضعيف: في إسناده ابن لهيعة، وهو ضعيف. وقد أخرجه
أحمد "4/ 125".
(3/384)
جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ، عَنْ ثَابِتِ بنِ
الحَجَّاجِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سِيْدَانَ
السُّلَمَيِّ قَالَ: تَنَاجَى أَبُو ذَرٍّ وَعُثْمَانُ
حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا ثم انصرف أبو ذر
متبسمًا فقالوا: مالك وَلأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ?
قَالَ: سَامِعٌ مُطِيْعٌ وَلَو أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ
صَنْعَاءَ أَوْ عَدَنٍ ثُمَّ اسْتَطَعْتُ أَنْ
أَفْعَلَ لَفَعَلْتُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى
الرَّبَذَةِ.
مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ
سِيدَانَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: لَوْ أَمَرَنِي
عُثْمَانُ أَنْ أَمْشِيَ عَلَى رَأْسِي لَمَشَيْتُ.
وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ: عَنْ عَبْدِ
اللهِ بنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ
لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ افْتَحِ
البَابَ لاَ تَحْسَبُنِي مِنْ قَوْمٍ يَمْرُقُونَ مِنَ
الدِّيْنِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ
الرَّمِيَّةِ.
يَزِيْدُ، أَخْبَرَنَا العَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ،
حَدَّثَنِي رَجُلٌ، عَنْ شَيْخَيْنِ مِنْ بَنِي
ثَعْلَبَةَ قَالاَ: نَزَلْنَا الرَّبَذَةَ فَمَرَّ
بِنَا شَيْخٌ أَشْعَثُ أَبْيَضُ الرَّأْسِ
وَاللِّحْيَةِ فَقَالُوا: هَذَا مِنْ أَصْحَابِ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.
فَاسْتَأْذَنَّاهُ بِأَنْ نَغْسِلَ رَأْسَهُ. فَأَذِنَ
لَنَا وَاسْتَأْنَسَ بِنَا. فَبَيْنَمَا نَحْنُ
كَذَلِكَ إِذْ أَتَاهُ نَفَرٌ من أهل العراق حسبته
قَالَ: مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ فَقَالُوا: يَا أَبَا
ذَرٍّ فَعَلَ بِكَ هَذَا الرَّجُلُ وَفَعَلَ فَهَلْ
أَنْتَ نَاصِبٌ لَكَ رَايَةً فَنُكَمِّلَكَ بِرِجَاَلٍ
مَا شِئْتَ? فَقَالَ: يَا أَهْلَ الإِسْلاَمِ لاَ
تَعْرِضُوا عَلَيَّ ذَاكُم وَلاَ تُذِلُّوا
السُّلْطَانَ فَإِنَّهُ مَنْ أَذَلَّ السُّلْطَانَ
فَلاَ تَوْبَةَ لَهُ وَاللهِ لَو صَلَبَنِي عَلَى
أَطْوَلِ خَشَبَةٍ أَوْ حَبْلٍ لَسَمِعْتُ وَصَبَرْتُ
وَرَأَيْتُ أَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لِي1.
حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصامت
قَالَتْ أُمُّ ذَرٍّ: وَاللهِ مَا سَيَّرَ عُثْمَانُ
أَبَا ذَرٍّ تَعْنِي إِلَى الرَّبَذَةِ وَلَكِنَّ
رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: "إذا بَلَغَ البِنَاءُ سَلْعاً فَاخْرُجْ
مِنْهَا".
قَالَ غَالِبٌ القَطَّانُ لِلحَسَنِ: يَا أَبَا
سَعِيْدٍ أَكَانَ عُثْمَانُ أَخْرَجَ أَبَا ذَرٍّ?
قَالَ: مَعَاذَ اللهِ.
مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ عِرَاكِ بنِ مَالِكٍ
قَالَ أَبُو ذَرٍّ: إِنِّي لأَقْرَبُكُم مَجْلِساً
مِنْ رَسُوْلِ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ إِنِّي
سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: "إِنَّ أَقْرَبَكُمْ مِنِّي
مَجْلِساً مَنْ خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا كَهَيئَتِهِ
بِمَا تَرَكْتُهُ عَلَيْهِ". وَإِنَّهُ -وَاللهِ- مَا
منكم إلَّا من تشبث منها بشيء2.
__________
1 ضعيف: أخرجه ابن سعد "4/ 227" قال أخبرنا يزيد بن
هارون، به. وإسناده ضعيف فيه علتان: الأولى: جهالة
الرجل، والثانية: جهالة الشيخين من بني ثعلبة.
2 ضعيف: أخرجه أحمد "5/ 165"، وابن سعد "4/ 228-229"
والطبراني في "الكبير"2/ 1627" من طريق محمد بن عمرو،
به، وأورده الهيثمي في "المجمع" "9/ 327" وقال:
"ورجاله ثقات إلا أن عراك بن مالك لم يسمع من أبي ذر
أحسب".
قلت: إسناده ضعيف، لهذا الانقطاع، وقد خرجت نحو هذا
الحديث بتعليقنا رقم "812" فراجعه ثم.
(3/385)
قَالَ المَعْرُوْرُ بنُ سُوَيْدٍ:
نَزَلْنَا الرَّبَذَةَ، فَإِذَا بِرَجُلٍ عَلَيْهِ
بُرْدٌ، وَعَلَى غُلاَمِهِ مِثْلُهُ، فَقُلْنَا: لَو
عَمِلْتَهُمَا حُلَّةً لَكَ، وَاشْتَرَيْتَ
لِغُلاَمِكَ غَيْرَهُ! فَقَالَ: سَأُحَدِّثُكُم: كَانَ
بَيْنِي وَبَيْنَ صَاحِبٍ لِي كلام، وكانت أمه أعجمية،
فنلت مِنْهَا، فَقَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سَابَبْتَ فُلاَناً"؟
قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "ذكرت أمه" قلت: من ساب الرجال
ذكره أَبُوْهُ وَأُمُّهُ. فَقَالَ: "إِنَّكَ امْرُؤٌ
فِيْهِ جَاهِلِيَّةٌ" ... ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ.
إِلَى أَنْ قَالَ: "إِخْوَانُكُم، جَعَلَهُمُ اللهُ
تَحْتَ أَيْدِيْكُم، فَمَنْ كَانَ أَخُوْهُ تَحْتَ
يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِنْ طِعَامِهِ،
وَلْيُلْبِسْهُ مِنْ لِبَاسِهِ، وَلاَ يُكَلِّفْهُ مَا
يَغْلِبُهُ" 1.
قَتَادَةُ: عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي
أَسْمَاءَ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي ذَرٍّ
بِالرَّبَذَةِ، وَعِنْدَهُ امْرَأَةٌ لَهُ سُوَدَاءُ
مُشَعَّثَةٌ، لَيْسَ عَلَيْهَا أَثَرُ المَجَاسِدِ
وَالخَلُوْقِ. فَقَالَ: أَلاَ تَنْظُرُوْنَ مَا
تَأْمُرُنِي بِهِ؟ تَأْمُرُنِي أَنْ آتِيَ العِرَاقَ،
فَإِذَا أَتَيْتُهَا مَالُوا عَلَيَّ بِدُنْيَاهُمْ،
وَإِنَّ خَلِيْلِي عَهِدَ إليَّ: "إِنَّ دُوْنَ جِسْرِ
جَهَنَّمَ طَرِيْقاً ذَا دَحْضٍ وَمَزَلَّةٍ"،
وَإِنَّا أَنْ نَأْتِيَ عَلَيْهِ وَفِي أَحْمَالِنَا
اقْتِدَارٌ أَحْرَى أَنْ ننجو، من أن نأتي عليه نحن
مَوَاقِيْرُ2.
أَبُو هِلاَلٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ
أَبِي الحَسَنِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ عَطَاؤُهُ
أَرْبَعَةَ آلاَفٍ فَكَانَ إِذَا أَخَذَ عَطَاءهُ
دَعَا خَادِمَهُ فَسَأَلَهُ عَمَّا يَكْفِيْهِ
لِلسَّنَةِ فَاشْتَرَاهُ ثُمَّ اشْتَرَى فُلُوْساً
بِمَا بَقِيَ. وَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ وِعَاءٍ
ذَهَبٍ وَلاَ فِضَّةٍ يُوْكَى عليه إلَّا وهو يتلظى
على صاحبه.
قَالَ يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ: كَانَ لأَبِي ذَرٍّ
ثَلاَثُوْنَ فَرَساً يَحْمِلُ عَلَيْهَا فَكَانَ
يَحْمِلُ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْهَا يَغْزُو
عَلَيْهَا وَيُصْلِحُ آلَةَ بَقِيَّتِهَا فَإِذَا
رَجَعَتْ أَخَذَهَا فَأَصْلَحَ آلَتَهَا وَحَمَلَ
عَلَى الأُخْرَى.
قَالَ ثَابِتٌ البُنَانِيُّ: بَنَى أَبُو الدَّرْدَاءِ
مَسْكَناً فَمَرَّ عَلَيْهِ أَبُو ذَرٍّ فَقَالَ: مَا
هَذَا تُعَمِّرُ دَاراً أَذِنَ اللهُ بِخَرَابِهَا
لأَنْ تَكُوْنَ رَأَيْتُكَ تَتَمَرَّغُ فِي عَذِرَةٍ
أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُوْنَ رَأَيْتُكَ
فِيْمَا رَأَيْتُكَ فِيْهِ.
حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ:
لَمَّا قَدِمَ أَبُو مُوْسَى لَقِيَ أَبَا ذَرٍّ
فَجَعَلَ أَبُو مُوْسَى يُكْرِمُهُ وَكَانَ أَبُو
مُوْسَى قَصِيْراً خَفِيْفَ اللَّحْمِ وَكَانَ أَبُو
ذَرٍّ رجلًا أسود كث الشعر فيقول
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "30" و"2545"، ومسلم "1661"
"40" من طريق شعبة، عن واصل الأحدب، عن المعرور، به.
وأخرجه البخاري "6050"، ومسلم "1661" "38" من طريق
الأعمش، عن المعرور بن سويد، به.
2 صحيح: أخرجه ابن سعد "4/ 236"، وأحمد "5/ 195" من
طريق عفان بن مسلم، عن همام بن يحيى، عن قتادة، به.
(3/386)
أَبُو ذَرٍّ: إِلَيْكَ عَنِّي وَيَقُوْلُ
أَبُو مُوْسَى: مَرْحَباً بِأَخِي فَيَقُوْلُ: لَسْتُ
بِأَخِيْكَ إِنَّمَا كُنْتُ أَخَاكَ قَبْلَ أَنْ
تَلِيَ.
وَعَنْ أُمِّ طَلْقٍ قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي
ذَرٍّ فَرَأَيْتُهُ شَعِثاً شَاحِباً بِيَدِهِ صُوْفٌ
قَدْ جَعَلَ عُوْدَيْنِ وَهُوَ يَغْزِلُ بِهِمَا
فَلَمْ أَرَ فِي بَيْتِهِ شَيْئاً فَنَاوَلْتُهُ
شَيْئاً مِنْ دَقِيْقٍ وَسَوِيْقٍ فَقَالَ لِي: أَمَّا
ثَوَابُكَ فَعَلَى اللهِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا ذَرٍّ خَلَّفَ بِنْتاً لَهُ
فَضَمَّهَا عُثْمَانُ إِلَى عِيَالِهِ.
قَالَ الفَلاَّسُ وَالهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ
وَغَيْرُهُمَا: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
وَثَلاَثِيْنَ. وَيُقَالُ مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ.
وَيُقَالُ: إِنَّ ابْنَ مَسْعُوْدٍ الَّذِي دَفَنَهُ
عَاشَ بَعْدَهُ نَحْواً مِنْ عَشْرَةِ أَيَّامٍ -رضي
الله عنهما.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لأُبَيِّ ذَرٍّ مَعَ قُوَّةِ أَبِي ذَرٍّ
فِي بَدَنِهِ وَشَجَاعَتِهِ: "يَا أَبَا ذَرٍّ إِنِّي
أَرَاكَ ضَعِيْفاً وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ
لِنَفْسِي لاَ تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ وَلاَ
تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيْمٍ" 1.
فَهَذَا مَحْمُوْلٌ عَلَى ضَعْفِ الرَّأْيِ فَإِنَّهُ
لَو وَلِيَ مَالَ يَتِيْمٍ لأَنْفَقَهُ كُلَّهُ فِي
سَبِيْلِ الخَيْرِ وَلَتَرَكَ اليَتِيْمَ فَقِيْراً.
فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ كَانَ لاَ يَسْتَجِيْزُ
ادِّخَارَ النَّقْدَيْنِ. وَالَّذِي يَتَأَمَّرُ عَلَى
النَّاسِ يُرِيْدُ أَنْ يَكُوْنَ فِيْهِ حِلْمٌ
وَمُدَارَاةٌ وَأَبُو ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-
كَانَتْ فِيْهِ حِدَّةٌ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فَنَصَحَهُ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَلَهُ مائَتَا حَدِيْثٍ وَأَحَدٌ وَثَمَانُوْنَ
حَدِيْثاً، اتَّفَقَا مِنْهَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ
حَدِيْثاً وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِحَدِيْثَيْنِ.
وَمُسْلِمٌ بِتِسْعَةَ عَشَرَ.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ، أَخْبَرَنَا
وُهَيْبٌ، أخبرنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن
مُجَاهِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الأَشْتَرِ أَنَّ
أَبَا ذَرٍّ حَضَرَهُ المَوْتُ بِالرَّبَذَةِ فَبَكَتِ
امْرَأَتُهُ فَقَالَ: وَمَا يُبْكِيْكِ قَالَتْ:
أَبْكِي أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ تَغْيِيْبِكَ.
وَلَيْسَ عِنْدِي ثَوْبٌ يَسَعُكَ كَفَناً.
قَالَ: لاَ تَبْكِي فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ
وَأَنَا عِنْدَهُ فِي نَفَرٍ يَقُوْلُ: "لَيَمُوْتَنَّ
رَجُلٌ مِنْكُمْ بِفَلاَةٍ تَشْهَدُهُ عِصَابَةٌ مِنَ
المُؤْمِنِيْنَ". فَكُلُّهُمْ مَاتَ في جماعة وقرية
فلم يبق
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "1826"، وأحمد "5/ 180"، وابن سعد
"4/ 231" من طريق عبد الله بن يزيد، عن سعيد بن أيوب،
عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن سالم بن أبي سالم
الجيشاني، عن أبيه، عن أبي ذر، به مرفوعا.
(3/387)
غَيْرِي وَقَدْ أَصْبَحْتُ بِالفَلاَةِ
أَمُوْتُ فَرَاقِبِي الطَّرِيْقَ فَإِنَّكِ سَوْفَ
تَرَيْنَ مَا أَقُوْلُ مَا كَذَبْتُ وَلاَ كُذِبْتُ.
قَالَتْ: وَأَنَّى ذَلِكَ وَقَدِ انْقَطَعَ الحَاجُّ؟!
قَالَ: رَاقِبِي الطَّرِيْقَ فَبَيْنَا هِيَ كَذَلِكَ
إِذْ هِيَ بِالقَوْمِ تَخُبُّ بِهِمْ رَوَاحِلُهُمْ
كَأَنَّهُمُ الرخم1 فأقبلوا حتى وقفوا عليها قالوا:
مالك قَالَتْ: رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ
تُكَفِّنُوْنَهُ وَتُؤْجَرُوْنَ فِيْهِ قَالُوا:
وَمَنْ هُوَ قَالَتْ: أَبُو ذَرٍّ. فَفَدَوْهُ
بِآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ وَوَضَعُوا سِيَاطَهُمْ
فِي نُحُوْرِهَا يَبْتَدِرُوْنَهُ.
فَقَالَ: أَبْشِرُوا أَنْتُمُ النَّفَرُ الَّذِيْنَ
قَالَ فِيْكُمْ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا قال. سمعته يقول: "ما من
امرئين مِنَ المُسْلِمِيْنَ هَلَكَ بَيْنَهُمَا
وَلَدَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ فَاحْتَسَبَا وَصَبَرَا
فَيَرَيَانِ النَّارَ أَبَداً".
ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ أَصْبَحْتُ اليَوْمَ حَيْثُ
تَرَوْنَ وَلَو أَنَّ ثَوْباً مِنْ ثِيَابِي يَسَعُنِي
لَمْ أُكَفَّنْ إلَّا فِيْهِ. أَنْشُدُكُمُ اللهَ:
أَنْ لاَ يُكَفِّنَنِي رَجُلٌ مِنْكُم كَانَ أَمِيْراً
أَوْ عَرِيْفاً أَوْ بَرِيْداً.
فَكُلُّ القَوْمِ كَانَ نَالَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً
إلَّا فَتَىً مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ أَنَا صَاحِبُكَ
ثَوْبَانِ فِي عَيْبَتِي2 مِنْ غَزْلِ أُمِّي وَأَحَدُ
ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَيَّ.
قَالَ: أَنْتَ صَاحِبِي فَكَفِّنِّي3.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ
أَبِي إِسْرَائِيْلَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ
سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ
إِبْرَاهِيْمَ بنِ الأَشْتَرِ، عَنْ أَبِيْهِ أَنَّهُ
لَمَّا حَضَرَ أَبَا ذَرٍّ المَوْتُ بَكَتِ
امْرَأَتُهُ فَذَكَرَهُ وَزَادَ فَكَفَّنَهُ
الأَنْصَارِيُّ فِي النَّفَرِ الَّذِيْنَ شَهِدُوْهُ
مِنْهُم: حُجْرُ بنُ الأَدْبَرِ وَمَالِكُ بنُ
الأَشْتَرِ.
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا بُرَيْدَةُ بنُ
سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ،
عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ قَالَ: لَمَّا نَفَى عُثْمَانُ
أَبَا ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ وَأَصَابَهُ بِهَا
قَدَرُهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَّا امْرَأَتُهُ
وَغُلاَمُهُ فَأَوْصَاهُمَا: أَنِ اغْسِلاَنِي
وَكَفِّنَانِي وَضَعَانِي عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيْقِ
فَأَوَّلُ رَكْبٍ يَمُرُّ بِكُمْ قُوْلُوا: هَذَا
أَبُو ذَرٍّ فَأَعِيْنُوْنَا عَلَيْهِ.
فَوَضَعَاهُ وَأَقْبَلَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ فِي رَهْطٍ
مِنَ العِرَاقِ عمارًا فلم
__________
1 تخب: تسرع. والرخم، جمع رخمة. وهو نوع من الطيور،
معروف، واحدته رخمة. وهو موصوف بالغدر والموق. وقيل
بالقذر. وهو أبقع على شكل النسر خلقة إلا زنة مبقع
بسواد وبياض يقال الأنوق.
2 العيبة: وعاء من أدم، يكون فيها المتاع والثياب
والجمع عياب وعيب.
3 أخرجه ابن سعد "4/ 232"، وأحمد "5/ 166".
(3/388)
يَرُعْهُمْ إلَّا بِهِ قَدْ كَادَتِ
الإِبِلُ أَنْ تَطَأَهُ فَقَامَ الغُلاَمُ فَقَالَ:
هَذَا أَبُو ذَرٍّ صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَاسْتَهَلَّ عَبْدُ اللهِ يَبْكِي وَيَقُوْلُ: صَدَقَ
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"تمشي وَحْدَكَ، وَتَمُوْتُ وَحْدَكَ، وَتُبْعَثُ
وَحْدَكَ".
ثُمَّ نَزَلُوا فَوَارَوْهُ ثُمَّ حَدَّثَهُمْ عَبْدُ
اللهِ حَدِيْثَهُ وَمَا قَالَ لَهُ رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَسِيْرِهِ
وَحْدَهُ إِلَى تَبُوْكٍ1.
وَعَنْ عِيْسَى بنِ عُمَيْلَةَ: أَخْبَرَنِي مَنْ
رَأَى أَبَا ذَرٍّ يَحْلُبُ غُنَيْمَةً لَهُ
فَيَبْدَأُ بِجِيْرَانِهِ وَأَضْيَافِهِ قبل نفسه.
عاصم الأحول: عن أبي عصمان النَّهْدِيِّ قَالَ:
رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ يَمِيْدُ عَلَى رَاحِلَتِهِ
وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ مَطْلِعَ الشَّمْسِ فَظَنَنْتُهُ
نَائِماً فَدَنَوْتُ وَقُلْتُ: أَنَائِمٌ أَنْتَ يَا
أَبَا ذَرٍّ? قال: لا بل كنت أصلي.
__________
1 ضعيف: وتقدم كلامنا عليه بتعليق رقم "798".
(3/389)
107- العَبَّاسُ عَمُّ رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 1 "ع":
قِيْلَ: إِنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ الهِجْرَةِ وَكَتَمَ
إِسْلاَمَهُ وَخَرَجَ مَعَ قَوْمِهِ إِلَى بَدْرٍ
فَأُسِرَ يَوْمَئِذٍ فَادَّعَى أَنَّهُ مُسْلِمٌ.
فَاللهُ أَعْلَمُ.
وَلَيْسَ هُوَ فِي عِدَادِ الطُّلَقَاءِ فَإِنَّهُ
كَانَ قَدْ قَدِمَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ الفَتْحِ إلَّا تَرَاهُ
أَجَارَ أَبَا سُفْيَانَ بنَ حَرْبٍ.
وَلَهُ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ مِنْهَا خَمْسَةٌ
وَثَلاَثُوْنَ فِي مُسْنَدِ بَقِيٍّ وَفِي
"البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ" حَدِيْثٌ وَفِي
"البُخَارِيِّ" حَدِيْثٌ وَفِي "مُسْلِمٍ" ثَلاَثَةُ
أَحَادِيْثَ.
رَوَى عَنْهُ ابْنَاهُ: عَبْدُ اللهِ وَكَثِيْرٌ
وَالأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ وَعَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ
بنِ نَوْفَلٍ وَجَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ وَأُمُّ
كُلْثُوْمٍ بِنْتُ العَبَّاسِ وَعَبْدُ اللهِ بنُ
عَمِيْرَةَ وَعَامِرُ بنُ سَعْدٍ وَإِسْحَاقُ بنُ
عَبْدِ اللهِ بنِ نَوْفَلٍ وَمَالِكُ بنُ أَوْسِ بنِ
الحَدَثَانِ وَنَافِعُ بنُ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ
وَابْنُهُ عبيد الله بن العباس وآخرون.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "4/ 5-33"، وتاريخ خليفة
"168"، والتاريخ الكبير "4/ ق1/ 2"، والجرح والتعديل
"3/ ق1/ 210"، والإصابة "2/ ترجمة 4507".
(3/389)
وَقَدِمَ الشَّامَ مَعَ عُمَرَ.
فَعَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ لَمَّا
دَنَا مِنَ الشَّامِ تَنَحَّى وَمَعَهُ غُلاَمُهُ
فَعَمَدَ إِلَى مَرْكَبِ غُلاَمِهِ فَرَكِبَهُ
وَعَلَيْهِ فَرْوٌ مَقْلُوْبٌ وَحَوَّلَ غُلاَمَهُ
عَلَى رَحْلِ نَفْسِهِ.
وَإِنَّ العَبَّاسَ لَبَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى فَرَسٍ
عَتِيْقٍ وَكَانَ رَجُلاً جَمِيْلاً فَجَعَلتِ
البَطَارِقَةُ يُسَلِّمُوْنَ عَلَيْهِ فَيُشِيْرُ
لَسْتُ بِهِ وَإِنَّهُ ذَاكَ.
قَالَ الكَلْبِيُّ: كَانَ العَبَّاسُ شَرِيْفاً
مَهِيْباً عَاقِلاً جَمِيْلاً أَبْيَضَ بَضّاً لَهُ
ضَفِيْرَتَانِ مُعْتَدِلَ القَامَةِ.
وُلِدَ قَبْلَ عَامِ الفِيْلِ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ.
قُلْتُ: بَلْ كَانَ مِنْ أَطْوَلِ الرِّجَالِ
وَأَحْسَنِهِمْ صُوْرَةً وأبهاهم وَأَجْهَرِهِمْ
صَوْتاً مَعَ الحِلْمِ الوَافِرِ وَالسُّؤْدُدِ.
رَوَى مُغِيْرَةُ، عَنْ أَبِي رَزِيْنٍ قَالَ: قِيْلَ
لِلعَبَّاسِ: أَنْتَ أَكْبَرُ أَوِ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: هُوَ أَكْبَرُ
وَأَنَا وُلِدْتُ قَبْلَهُ.
قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: كَانَ لِلعَبَّاسِ
ثَوْبٌ لِعَارِي بَنِي هَاشِمٍ وَجَفْنَةٌ
لِجَائِعِهِمْ وَمَنْظَرَةٌ1 لِجَاهِلِهِمْ. وَكَانَ
يَمْنَعُ الجَارَ وَيَبْذُلُ المَالَ وَيُعْطِي فِي
النَّوَائِبِ.
وَنَدِيْمُهُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَبُو سُفْيَانَ بنُ
حَرْبٍ.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ،
حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَبِيْبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بنِ
الحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ: كَانَ العَبَّاسُ قَدْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ
يُهَاجِرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى
المدينة.
إِسْنَادُهُ وَاهٍ. عَنْ عُمَارَةَ بنِ عَمَّارِ بنِ
أَبِي اليَسَرِ السَّلَمِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ
جَدِّهِ قَالَ: نَظَرْتُ إِلَى العَبَّاسِ يَوْمَ
بَدْرٍ وَهُوَ وَاقِفٌ كَأَنَّهُ صَنَمٌ وَعَيْنَاهُ
تَذْرِفَانِ.
فَقُلْتُ: جَزَاكَ اللهُ مِنْ ذِي رَحِمٍ شَرّاً
أَتُقَاتِلُ ابْنَ أخيك مع عدوه?
__________
1 المنظرة: المرقبة كما قال الجوهري.
(3/390)
قَالَ: مَا فَعَلَ، أَقُتِلَ؟ قُلْتُ:
اللهُ أَعَزُّ لَهُ وَأَنْصَرُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ:
مَا تُرِيْدُ إِلَيَّ? قُلْتُ: الأَسْرُ فَإِنَّ
رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
نَهَى، عَنْ قَتْلِكَ قَالَ: لَيْسَتْ بِأَوَّلِ
صِلَتِهِ فَأَسَرْتُهُ ثُمَّ جِئْتُ بِهِ إِلَى
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ
أَوْ غَيْرِهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ
بِالعَبَّاسِ قَدْ أَسَرَهُ فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا
أَسَرَنِي فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَقَدْ آزَرَكَ اللهُ بِمَلَكٍ
كَرِيْمٍ".
ابْنُ إِسْحَاقَ عَمَّنْ سَمِعَ عِكْرِمَةَ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَسَرَ العَبَّاسَ أَبُو
اليَسَرِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "كَيْفَ أَسَرْتَهُ"؟ قَالَ: لَقَدْ
أَعَانَنِي عَلَيْهِ رَجُلٌ مَا رَأَيْتُهُ قَبْلُ
وَلاَ بَعْدُ هَيْئَتُهُ كَذَا. قَالَ: "لَقَدْ
أَعَانَكَ عَلَيْهِ مَلَكٌ كَرِيْمٌ".
ثُمَّ قَالَ لِلعَبَّاسِ: افْدِ نَفْسَكَ وَابْنَ
أَخِيْكَ عَقِيْلاً وَنَوْفَلَ بنَ الحَارِثِ
وَحَلِيْفَكَ عُتْبَةَ بنَ جَحْدَمٍ. فَأَبَى وَقَالَ:
إِنِّي كُنْتُ مُسْلِماً قَبْلَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا
اسْتَكْرَهُوْنِي. قَالَ: "اللهُ أَعْلَمُ بِشَأْنِكَ
إِنْ يَكُ مَا تَدَّعِي حَقّاً فَاللهُ يَجْزِيْكَ
بِذَلِكَ وَأَمَّا ظَاهِرُ أَمْرِكَ فَقَدْ كَانَ
عَلَيْنَا فَافْدِ نَفْسَكَ".
وَكَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَدْ عَرَفَ أَنَّ العَبَّاسَ أَخَذَ
مَعَهُ عِشْرِيْنَ أُوْقِيَّةً ذَهَباً فَقُلْتُ: يَا
رَسُوْلَ اللهِ احْسُبْهَا لِي مِنْ فِدَائِي. قَالَ:
"لاَ، ذَاكَ شَيْءٌ أَعْطَانَا اللهُ مِنْكَ" قَالَ:
فَإِنَّهُ لَيْسَ لِي مَالٌ قَالَ: "فَأَيْنَ المَالُ
الَّذِي وَضَعْتَهُ بِمَكَّةَ عِنْدَ أُمِّ الفَضْلِ
وَلَيْسَ مَعَكُمَا أَحَدٌ غَيْرَكُمَا فَقُلْتَ: إِنْ
أُصِبْتُ فِي سَفَرِي فَلِلْفَضْلِ كَذَا لِقُثَمَ
كَذَا وَلعَبْدِ اللهِ كَذَا".
قَالَ: فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا عَلِمَ
بِهَذَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ غَيَرَهَا وَإِنِّي
لأَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُوْلُ اللهِ.
يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ،
حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عبيد الله
ابن العَبَّاسِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ: بَعَثَتْ قُرَيْشٌ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي فِدَاءِ
أَسْرَاهُمْ. فَفَدَى كُلُّ قَوْمٍ أَسِيْرَهُمْ بِمَا
تَرَاضَوْا. وَقَالَ العَبَّاسُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ
إِنِّي كُنْتُ مُسْلِماً.
إِلَى أَنْ قَالَ: وَأُنزِلَتْ {يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ
الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ
خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ
وَيَغْفِرْ لَكُم} 1 [الأنفال: 70] .
__________
1 الأساري هي قراءة أبي عمرو. وقد كان أهل الشام
يقرءون بهذه القراءة في عصر الحافظ الذهبي -رحمه الله-
مؤلف "السير".
(3/391)
قَالَ: فَأَعْطَانِي اللهُ مَكَانَ
العِشْرِيْنَ أُوْقِيَّةً فِي الإسلام عشرين عبدا
كُلُّهُمْ فِي يَدِهِ مَالٌ يَضْرِبُ بِهِ مَعَ مَا
أَرْجُو مِنْ مَغْفِرَةِ اللهِ تَعَالَى.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ أَكْثَرُ الأُسَارَى
فِدَاءً يَوْمَ بدر العباس افتدى نفسه بمئة
أُوْقِيَّةٍ مِنْ ذَهَبٍ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَمْسَى رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالأُسَارَى فِي
الوَثَاقِ فَبَاتَ سَاهِراً أَوَّلَ اللَّيْلِ فقيل:
يا رسول الله مالك لاَ تَنَامُ قَالَ: "سَمِعْتُ
أَنِيْنَ عَمِّي فِي وَثَاقِهِ". فَأَطْلَقُوهُ
فَسَكَتَ فَنَامَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُهَاجِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ:
أَسَرَ العَبَّاسَ رَجُلٌ وَوَعَدُوْهُ أَنْ يقتلوه
فقال رسول الله: "إِنِّي لَمْ أَنَمِ اللَّيْلَةَ مِنْ
أَجْلِ العَبَّاسِ زَعَمَتِ الأَنْصَارُ أَنَّهُمْ
قَاتِلُوْهُ". فَقَالَ عُمَرُ: أَآتِيْهِمْ يَا
رَسُوْلَ اللهِ? فَأَتَى الأَنْصَارَ فَقَالَ:
أَرْسِلُوا العباس قالوا: إن كان لرسول الله رضا
فَخُذْهُ.
سِمَاكٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ بَعْدَ مَا فَرَغَ مِنْ
بَدْرٍ عَلَيْكَ بِالْعِيْرِ لَيْسَ دُوْنَهَا شَيْءٌ.
فَقَالَ العَبَّاسُ وَهُوَ فِي وَثَاقِهِ: لاَ
يَصْلُحُ. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:
"لِمَ"؟ قَالَ: لأَنَّ اللهَ وَعَدَكَ إِحْدَى
الطَّائِفَتَيْنِ فَقَدْ أَعْطَاكَ مَا وَعَدَكَ.
هَكَذَا رَوَاهُ إِسْرَائِيْلُ. وَرَوَاهُ عَمْرُو بنُ
ثَابِتٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عكرمة مرسلًا.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ
سَهْلٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ بَدْرٍ
اسْتَأْذَنَهُ العَبَّاسُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَنْ
يَرْجِعَ إِلَى مَكَّةَ حَتَّى يُهَاجِرَ مِنْهَا.
فَقَالَ: "اطْمَئِنَّ يَا عَمُّ فَإِنَّكَ خاتم
المهاجرين كما أنا خاتم النبيين"1.
__________
1 منكر: أخرجه الطبراني في "الكبير" "6/ 5828"، وأبو
يعلى "5/ 2646" وابن عدي في "الكامل" "1/ 103"، وابن
حبان في "المجروحين" "1/ 128" من طريق إِسْمَاعِيْلُ
بنُ قَيْسِ بنِ سَعْدِ بنِ زَيْدِ بنِ ثابت، به، وقال
ابن عدي في إثره: "وهذا الحديث في فضل العباس ليس
يرويه عن أبي حازم غير إسماعيل بن قيس هذا"، وذكره
الهيثمي في "المجمع" "9/ 268-269" وقال: "وفيه أبو
مصعب إسماعيل بن قيس، وهو متروك".
قلت: إسناده ضعيف جدا، فيه إِسْمَاعِيْلُ بنُ قَيْسِ
بنِ سَعْدِ بنِ زَيْدِ بنِ ثابت، قال فيه البخاري
والدارقطني: منكر الحديث. وأبو حازم هو سلمة بن دينار
الأعرج المدني، ثقة عابد، من الخامسة، روى له الجماعة،
وقد ذكرت الحديث في كتابنا "الأرائك المصنوعة في
الأحاديث الضعيفة والموضوعة" ط. مكتبة الدعوة بالأزهر
"حديث رقم 62" فراجعه ثم تفد خيرا وعلما جما ذلك من
فضل الله علينا نتحدث به إلا من باب المفاخرة ولكن من
باب التحدث بالنعم لشكرها كما قال تعالى: {وَأَمَّا
بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11] ، فالحمد
لله على نعمة العلم التي من الله بها علينا حمدا كثيرا
طيبا ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما
شاء من شيء بعد.
(3/392)
إِسْنَادُهُ وَاهٍ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى
وَالشَّاشِيُّ1 فِي "مُسْنَدَيْهِمَا". وَيُرْوَى
نَحْوُهُ مِنْ مَرَاسِيْلِ الزُّهْرِيِّ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: الطَّبَقَةُ الثَّانِيَةُ مِنَ
المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَشْهَدْ
بَدْراً: فَبَدَأَ بِالعَبَّاسِ قَالَ: وَأُمُّهُ
نُتَيْلَةُ بِنْتُ جَنَابِ بنِ كُلَيْبٍ. وَسَرَدَ
نَسَبَهَا إِلَى رَبِيْعَةَ بنِ نِزَارِ بنِ مَعَدٍّ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وُلِدَ أَبِي قَبْلَ أَصْحَابِ
الفِيْلِ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ.
وَبَنُوْهُ: الفَضْلُ وَهُوَ أَكْبَرُهُمْ وَعَبْدُ
اللهِ البَحْرُ وَعُبَيْدُ اللهِ وَقُثَمُ وَلَمْ
يُعْقِبْ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ تُوُفِّيَ بِالشَّامِ
وَلَمْ يُعْقِبْ وَمَعَبْدٌ اسْتُشْهِدَ
بِإِفْرِيْقِيَةَ وَأَمُّ حَبِيْبٍ وَأُمُّهُمْ أُمُّ
الفَضْلِ لُبَابَةُ الهِلاَلِيَّةُ وَفِيْهَا يَقُوْلُ
ابْنُ يَزِيْدَ الهلالي:
مَا وَلَدَتْ نَجِيْبَةٌ مِنْ فَحْلِ ... بِجَبَلٍ
نَعْلَمُهُ أَوْ سَهْلِ
كَسِتَّةٍ مِنْ بَطْنِ أُمِّ الفَضْلِ ... أَكْرِمْ
بِهَا مِنْ كَهْلَةٍ وَكَهْلِ
قَالَ الكَلْبِيُّ: مَا رَأَيْنَا وَلَدَ أُمٍّ قَطُّ
أَبْعَدَ قُبُوْراً مِنْ بَنِي العَبَّاسِ.
وَمِنْ أَوْلاَدِ العَبَّاسِ: كَثِيْرٌ وَكَانَ
فَقِيْهاً وَتَمَّامٌ وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ قُرَيْشٍ
وَأُمَيْمَةُ وَأُمُّهُمْ أُمُّ وَلَدٍ وَالحَارِثُ
بنُ العَبَّاسِ وَأُمُّهُ حُجَيْلَةُ بِنْتُ جُنْدَبٍ
التَّمِيْمِيَّةُ.
فَعِدَّتُهُمْ عَشْرَةٌ.
الوَاقِدِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيْدَ
الهُذَلِيُّ، عَنْ أَبِي البَدَّاحِ بنِ عَاصِمٍ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عُوَيْمِ بنِ سَاعِدَةَ، عَنْ
أَبِيْهِ قَالَ: أَتَيْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقِيْلَ هُوَ فِي مَنْزِلِ
العَبَّاسِ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَسَلَّمْنَا
وَقُلْنَا: مَتَى نَلْتَقِي فَقَالَ العَبَّاسُ: إِنَّ
مَعَكُمْ مِنْ قَوْمِكُمْ مَنْ هُوَ مُخَالِفٌ لَكُمْ
فَأَخْفُوا أَمْرَكُمْ حَتَّى يَنْصَدِعَ هَذَا
الحَاجُّ وَنَلْتَقِيَ نَحْنُ وَأَنْتُمْ فَنُوْضِحُ
لَكُمُ الأَمْرَ فَتَدْخُلُوْنَ عَلَى أَمْرٍ بَيِّنٍ.
فَوَعَدَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ النَّفْرِ الآخِرِ بِأَسْفَلِ
العَقَبَةِ وَأَمَرَهُمْ إلَّا ينبهوا نائمًا ولا
ينتظروا غائبًا.
__________
1 سبق تعريفنا به، وهو الهيثم بن كليب بن شريح الشاشي،
مؤلف "المسند الكبير".
(3/393)
وَعَنْ مُعَاذِ بنِ رِفَاعَةَ، قَالَ:
فَخَرَجُوْا بَعْدَ هَدْأَةٍ يَتَسَلَّلُوْنَ وَقَدْ
سَبَقَهُمْ إِلَى ذَلِكَ المَكَانِ مَعَهُ عَمُّهُ
العَبَّاسُ وَحْدَهُ.
قَالَ: فَأَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ هُوَ، فَقَالَ: يَا
مَعْشَرَ الخَزْرَجِ قَدْ دَعَوْتُمْ مُحَمَّداً إِلَى
مَا دَعَوْتُمُوْهُ وَهُوَ مِنْ أَعَزِّ النَّاسِ فِي
عَشِيْرَتِهِ يَمْنَعُهُ وَاللهِ مَنْ كان منا على
قَوْلِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ وَقَدْ أَبَى مُحَمَّداً
النَّاسُ كُلُّهُمْ غَيْرَكُمْ فَإِنْ كُنْتُمْ أَهْلَ
قُوَّةٍ وَجَلَدٍ وَبَصَرٍ بِالحَرْبِ وَاسْتِقْلاَلٍ
بِعَدَاوَةِ العَرَبِ قَاطِبَةً فإنها سترميكم، عن قوس
واحدة فارتئوا رَأْيَكُمْ وَائْتَمِرُوا أَمْرَكُمْ
فَإِنَّ أَحْسَنَ الحَدِيْثِ أَصْدَقُهُ فَأُسْكِتُوا.
وَتَكَلَّمَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ حَرَامٍ
فَقَالَ: نَحْنُ أَهْلُ الحَرْبِ وَرِثْنَاهَا
كَابِراً، عَنْ كَابِرٍ. نَرْمِي بِالنَّبْلِ حَتَّى
تَفْنَى ثُمَّ نُطَاعِنُ بِالرِّمَاحِ حَتَّى
تَكَسَّرَ ثُمَّ نَمْشِي بِالسُّيُوْفِ حَتَّى
يَمُوْتَ الأَعْجَلُ مِنَّا.
قَالَ: أَنْتُمْ أَصْحَابُ حَرْبٍ هَلْ فِيْكُمْ
دُرُوْعٌ قَالُوا: نَعَمْ شَامِلَةٌ.
وَقَالَ البَرَاءُ بنُ مَعْرُوْرٍ: قَدْ سَمِعْنَا مَا
قُلْتَ إِنَّا وَاللهِ لَوْ كَانَ فِي أَنْفُسِنَا
غَيْرُ مَا نَقُوْلُ لَقُلْنَا وَلَكِنَّا نُرِيْدُ
الوَفَاءَ وَالصِّدْقَ وَبَذْلَ المُهَجِ دُوْنَ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَبَايَعَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَالعَبَّاسُ آخِذٌ بِيَدِهِ يُؤَكِّدُ
لَهُ البَيْعَةَ.
زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: انْطَلَقَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِالعَبَّاسِ وَكَانَ العَبَّاسُ ذَا رَأْيٍ فَقَالَ
العَبَّاسُ لِلسَّبْعِيْنَ: لِيَتَكَلَّمْ
مُتَكَلِّمُكُم وَلاَ يُطِلِ الخُطْبَةَ فَإِنَّ
عَلَيْكُم عَيْناً.
فَقَالَ أَسْعَدُ بنُ زُرَارَةَ: سَلْ لِرَبِّكَ مَا
شِئْتَ وَسَلْ لِنَفْسِكَ وَلأَصْحَابِكَ ثُمَّ،
أَخْبِرْنَا بِمَا لَنَا عَلَى اللهِ وَعَلَيْكُم.
قَالَ: "أَسْأَلُكُم لِرَبِّي أَنْ تَعْبُدُوْهُ لاَ
تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَأَسْأَلُكُم لِنَفْسِي
وَأَصْحَابِي أَنْ تُؤْوُوْنَا وَتَنْصُرُوْنَا
وَتَمْنَعُوْنَا مِمَّا تَمْنَعُوْنَ منه أنفسكم".
قالوا: فمالنا إِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ قَالَ:
"الجَنَّةُ". قَالَ: فَلَكَ ذَلِكَ.
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بنُ عَبْدِ
اللهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو رَافِعٍ:
كُنْتُ غُلاَماً لِلعَبَّاسِ وَكَانَ الإِسْلاَمُ قَدْ
دَخَلَنَا فَأَسْلَمَ العَبَّاسُ وَكَانَ يَهَابُ
قَوْمَهُ فَكَانَ يَكْتُمُ إِسْلاَمَهُ فَخَرَجَ إِلَى
بَدْرٍ وَهُوَ كَذَلِكَ.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ: حَدَّثَنَا أَبِي،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَعَبْدِ
بنِ عَبَّاسٍ أَنَّ جَدَّهُ عَبَّاساً قَدِمَ هُوَ
وَأَبُو هُرَيْرَةَ فَقَسَمَ لَهُمَا النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي خَيْبَرَ.
(3/394)
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: فَقَالَ لِي مُحَمَّدُ
بنُ عُمَرَ: هَذَا وَهْمٌ بَلْ كَانَ العَبَّاسُ
بِمَكَّةَ إِذْ قَدِمَ الحَجَّاجُ بنُ عِلاَطٍ
فَأَخْبَرَ قُرِيشاً، عَنْ نَبِيِّ اللهِ بِمَا
أَحَبُّوا وَسَاءَ العَبَّاسَ حَتَّى أَتَاهُ
الحَجَّاجُ فَأَخْبَرَهُ بِفَتْحِ خَيْبَرَ فَفَرِحَ.
ثُمَّ خَرَجَ العَبَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَحِقَ
بِالنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فأطعمه بخيبر مئتي
وَسْقٍ كُلَّ سَنَةٍ ثُمَّ خَرَجَ مَعَهُ إِلَى فَتْحِ
مَكَّةَ.
يَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ
الحَارِثِ، عَنِ المُطَّلِبِ بنِ رَبِيْعَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "مَا بَالُ رِجَالٍ يُؤْذُوْنَنِي فِي
العَبَّاسِ وَإِنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيْهِ
مَنْ آذى العباس فقد آذاني" 1.
وَرَوَاهُ خَالِدٌ الطَّحَّانُ، عَنْ يَزِيْدَ
فَأَسْقَطَ المُطَّلِبَ.
__________
1 حسن: أخرجه الترمذي "3758" من طريق أبي عوانة، عَنْ
يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن
الحارث، حدثني المطلب بنِ رَبِيْعَةَ بنِ الحَارِثِ
بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ أن العباس بن عبد المطلب
دَخَلَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مغضبا وأنا عنده فقال: ما أغضبك؟ قال: يا
رسول الله ما لنا ولقريش إذا تلاقوا بينهم تلاقوا
بوجوه مبشرة وإذا لقونا لقونا بغير ذلك، قال: فَغَضبَ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حَتَّى احمر وجهه ثم قال: "والذي نفسي بيده لاَ
يَدْخُلُ قَلْبَ رَجُلٍ الإِيْمَانُ حَتَّى
يُحِبَّكُمْ لله ورسوله". ثم قال: "يا أيها الناس، من
آذي عمي فقد آذاني، فإنما عم الرجل صنو أبيه".
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وأخرجه أحمد "4/ 165" من طريق يزيد يعني ابن عطاء، عن
يزيد يعني ابن أبي زياد، به مرفوعا. وأخرجه أحمد "1/
208"، والحاكم "3/ 333" من طريق جرير بن عبد الحميد
أبي عبد الله، عن يزيد بن زياد، به مرفوعا. لكن هذا
إسناد ضعيف لأجل يزيد بن أبي زياد هذا قال الحافظ في
"التقريب" ضعيف كبر فتغير صار يتلقن.
وللحديث شاهد أخرجه ابن ماجه "140" في المقدمة من طريق
محمد بن طريف، حدثنا محمد بن فضيل، حدثنا الأعمش، عن
أبي سبرة النخعي، عن محمد بن كعب القرظي، عن العباس بن
عبد المطلب قال: كنا نلقى النفر من قريش، وهم يتحدثون
فيقطعون حديثهم فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال: "ما بال أقوم يتحدثون فإذا رأوا الرجل من
أهل بيتي قطعوا حديثهم، والله لا يدخل قلب رجل الإيمان
حتي يحبهم لله ولقرابتهم مني".
قلت: وهذا إسناد ضعيف، محمد بن كعب القرظي روايته عن
العباس بن عبد المطلب قيل إنها مرسلة، وعلى فرض أنه قد
سمع منه، فإن في هذا الإسناد أبا سبرة النخعي قال
الحافظ في "التقريب" مقبول -أي عند المتابعة- فالحديث
حسن بهذا الشاهد وقد تكلمت على هذا الحديث بإسهاب في
تخريجنا وتعليقنا على كتاب "مكان رأس الحسين" لشيخ
الإسلام ابن تيمية ط. دار الجبل - بيروت "ص21-22"
فراجعه ثم إن شئت.
(3/395)
وَثَبَتَ أَنَّ العَبَّاسَ كَانَ يَوْمَ
حُنِيْنٍ وَقْتَ الهَزِيْمَةِ آخِذاً بِلِجَامِ
بَغْلَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَثَبَتَ مَعَهُ حَتَّى نَزَلَ النَّصْرُ1.
الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سَبْرَةَ النَّخَعِيِّ، عَنْ
مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، عَنِ العَبَّاسِ
قَالَ: كُنَّا نَلْقَى النَّفَرَ مِنْ قُرَيْشٍ وَهُمْ
يَتَحَدَّثُوْنَ فَيَقْطَعُوْنَ حَدِيْثَهُمْ
فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "وَاللهِ لاَ يَدْخُلُ
قَلْبَ رَجُلٍ الإِيْمَانُ حَتَّى يُحِبَّكُمْ للهِ
وَلِقَرَابَتِي" 2.
إِسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ.
إِسْرَائِيْلُ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى الثَّعْلَبِيِّ،
عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أن
رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ وَقَعَ فِي أَبٍ
لِلْعَبَّاسِ كَانَ فِي الجَاهِلِيَّةِ فَلَطَمَهُ
العَبَّاسُ فَجَاءَ قَوْمُهُ فَقَالُوا: وَاللهِ
لَنَلْطِمَنَّهُ كَمَا لَطَمَهُ فَلَبِسُوا
السِّلاَحَ.
فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَعِدَ المِنْبَرَ فَقَالَ:
"أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ أَهْلِ الأَرْضِ أَكْرَمُ
عَلَى اللهِ? قَالُوا: أَنْتَ. قَالَ: "فَإِنَّ
العَبَّاسَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ لاَ تَسُبُّوا
أَمْوَاتَنَا فَتُؤْذُوا أَحْيَاءنَا".
فَجَاءَ القَوْمُ فَقَالُوا: نَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ
غَضَبِكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"3.
ثَوْرٌ، عَنْ مَكْحُوْلٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- جَعَلَ عَلَى العَبَّاسِ وولده
__________
1 صحيح: أخرجه عبد الرزاق "9741"، وابن سعد "4/
18-19"، وأحمد "1/ 207"، ومسلم "1775" والنسائي في
"الكبرى" "8647" و"8653"، والحاكم "3/ 327-328"، وأبو
يعلى "6708"، وابن جرير "10/ 101-102"، والبيهقي في
"دلائل النبوة" "5/ 137-139" من طرق عن الزهري، أخبرني
كثير بن عباس بن عبد المطلب، عن أبيه العباس، به في
حديث طويل.
2 حسن لغيره: أخرجه ابن ماجه "140" من طريق الأعمش به.
قلت: إسناده ضعيف للانقطاع بين محمد بن كعب القرظي
والعباس بن عبد المطلب. وفيه أبو سبرة النخعي مجهول،
لذا قال الحافظ في "التقريب": مقبول.
وقد خرجت الحديث بإسهاب في تعليقنا وتخريجنا قبل
السابق فراجعه.
3 ضعيف: أخرجه أحمد "1/ 300"، وابن سعد "4/ 23-24
و24"، ويعقوب بن سفيان الفسوي في "المعرفة والتاريخ"
"1/ 499-500"، والترمذي "3759"، والنسائي "8/ 33"، وفي
"الكبرى" "8173"، والحاكم "3/ 325 و329" من طرق عن
إسرائيل، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته عبد الأعلى، وهو ابن عامر
الثعلبي، ضعيف بالاتفاق.
(3/396)
كِسَاءً ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ
لِلْعَبَّاسِ وَوَلَدِهِ مغفرة ظاهرة وباطنة لا تغادر
ذنبا اللهم اخْلُفْهُ فِي وَلَدِهِ"1.
إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى فِي
مُسْنَدِهِ.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ قَيْسِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي
حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي
القَيْظِ فَقَامَ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ فَقَامَ
العَبَّاسُ يَسْتُرُهُ بِكِسَاءٍ مِنْ صُوْفٍ فَقَالَ:
"اللَّهُمَّ اسْتُرِ العَبَّاسَ وَوَلَدَهُ مِنَ
النَّارِ". لَهُ طُرُقٌ وَإِسْمَاعِيْلُ ضُعِّفَ2.
سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ
هِلاَلٍ قَالَ: بَعَثَ ابْنُ الحَضْرَمِيِّ إِلَى
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِمَالٍ ثَمَانِيْنَ أَلْفاً مِنَ البَحْرَيْنِ
فَنُثِرَتْ عَلَى حَصِيْرٍ فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَقَفَ وَجَاءَ
النَّاسُ فَمَا كَانَ يَوْمَئِذٍ عَدَدٌ وَلاَ وَزْنٌ
مَا كَانَ إلَّا قَبْضاً.
فَجَاءَ العَبَّاسُ بِخَمِيْصَةٍ عَلَيْهِ فَأَخَذَ
فَذَهَبَ يَقُوْمُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ فَرَفَعَ
رَأْسَهُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: ارْفَعْ عَلَيَّ
فَتَبَسَّمَ رَسُوْلُ اللهِ حَتَّى خَرَجَ ضَاحِكُهُ
أَوْ نَابُهُ فَقَالَ: "أَعِدْ فِي المَالِ طَائِفَةً
وَقُمْ بِمَا تُطِيْقُ". فَفَعَلَ.
قَالَ: فَجَعَلَ العَبَّاسُ يَقُوْلُ وَهُوَ
مُنْطَلِقٌ أما إحدى اللتين وعدنا الله فَقَدْ
أَنْجَزَهَا يَعْنِي قَوْلَهُ: {قُلْ لِمَنْ فِي
أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ
فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا
أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُم} [الأَنْفَالُ: 70]
. فَهَذَا خَيْرٌ مِمَّا أُخِذَ مِنِّي. وَلاَ أَدْرِي
مَا يُصْنَعُ فِي الآخِرَةِ.
__________
1 ضعيف: أخرجه الترمذي "3762" من طريق عبد الوهاب بن
عطاء، عن ثور بن يزيد، به.
وقال الترمذي: في إثره: "هذا حديث حسن غريب لا نعرفه
إلا من هذا الوجه".
قلت: إسناده ضعيف، فيه عبد الوهاب بن عطاء الخفاف
البصري، مدلس يدلس عن ثور الحمص وأقوام مناكير، وقد
عنعنه. وقد قال الحافظ في "التقريب" صدوق ربما أخطأ،
أنكروا عليه حديث في فضل العباس يقال دلسه عن ثور. وقد
أخطأ الشيخ الألباني -رحمه الله- في تجويد إسناده في
"مشكاة المصابيح" "3/ 6149" وفي العلة المذكورة، ونوه
بها الحافظ في "التقريب".
وقد وقفت له على شاهد عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
لعمه العباس أنا خاتم النبيين ثم رفع يديه وقال:
"اللهم اغفر للعباس وأبناء العباس وأبناء أبناء
العباس".
وأورده الحافظ الهيثمي في "المجمع" "9/ 269" وقال:
رواه الطبراني عن شيخه عبد الرحمن بن حاتم المرادي،
وهو متروك.
2 منكر: أخرجه الحاكم "3/ 326" من طريق إبراهيم بن
حمزة الزبيري، حدثنا إِسْمَاعِيْلُ بنُ قَيْسِ بنِ
سَعْدِ بنِ زَيْدِ بنِ ثابت، به.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد "! " ورده الحافظ
الذهبي في "التلخيص" بقوله: "قلت: إسماعيل ضعفوه".
قلت: إسناده واه، إِسْمَاعِيْلُ بنُ قَيْسِ بنِ سَعْدِ
بنِ زَيْدِ بنِ ثابت، قال البخاري والدارقطني: منكر
الحديث. وقال النسائي وغيره: ضعيف.
(3/397)
أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُمَرَ عَلَى
الصَّدَقَةِ سَاعِياً فَمُنِعَ ابْنُ جميل وخالد
والعباس. فقال رسول الله: "مَا يَنْقِمُ ابْنُ
جَمِيْلٍ إلَّا أَنْ كَانَ فَقِيْراً فَأَغْنَاهُ
اللهُ وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُوْنَ
خَالِداً إِنَّهُ قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ
وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيْلِ اللهِ وَأَمَّا العَبَّاسُ
فَهِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا".
ثُمَّ قَالَ: "أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ
صِنْوُ أَبِيْهِ".
الأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي
البَخْتَرِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ:
أَمَا تَذْكُرُ إِذْ شَكَوْتَ العَبَّاسَ إِلَى
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالَ: "أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ
صِنْوُ أَبِيْهِ" 1.
حُسَيْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ ضُمَيْرَةَ، عَنْ أبيه،
عَنْ جدِّه، عَنْ عَلِيّ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ قَالَ:
"اسْتَوْصُوا بِالعَبَّاسِ خَيْراً فَإِنَّهُ عَمِّي
وَصِنْوُ أَبِي". إِسْنَادُهُ وَاهٍ2.
مُحَمَّدُ بنُ طَلْحَةَ التَّيْمِيُّ: عَنْ أَبِي
سُهَيْلٍ بنِ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ،
عَنْ سَعْدٍ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي نَقِيْعِ الخَيْلِ3
فَأَقْبَلَ العَبَّاسُ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَذَا العَبَّاسُ عَمُّ
نَبِيِّكُم أَجْوَدُ قُرَيْشٍ كَفّاً وَأَوْصَلُهَا".
رَوَاهُ عِدَّةٌ عَنْهُ.
وَثَبَتَ مِنْ حَدِيْثِ أَنَسٍ: أَنَّ عُمَرَ
اسْتَسْقَى فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا إِذَا
قَحَطْنَا عَلَى عَهْدِ نَبِيِّكَ تَوَسَّلْنَا بِهِ
وَإِنَا نَسْتَسْقِي إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّكَ
العباس4.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "1468" من طريق شعيب، ومسلم
"983" من طريق ورقاء كلاهما عَنْ أَبِي الزِّنَادِ،
عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هريرة به مرفوعا.
وقوله: " أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ
أَبِيْهِ" في مسلم دون البخاري.
وقوله: "صنو": أي مثل ونظير يعني أنهما من أصل واحد.
2 موضوع: فيه الحسين بن عبد الله بن ضميرة بن أبي
ضميرة سعيد الحميري. كذبه مالك. وقال أبو حاتم: متروك
الحديث كذاب. وقال أحمد: لا يساوي شيئا.
وقال ابن معين: ليس بثقة ولا مأمون. وقال البخاري:
منكر الحديث ضعيف.
3 هو: على عشرين فرسخا من المدينة.
4 صحيح: أخرجه البخاري "1010" من طريق ثمامة بن عبد
الله بن أنس، عن أنس، به.
(3/398)
الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنَا
سَاعِدَةُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ دَاوُدَ بنِ
عَطَاءٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ
قَالَ: اسْتَسْقَى عُمَرُ عَامَ الرَّمَادَةِ
بِالعَبَّاسِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَذَا عَمُّ
نَبِيِّكَ نَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِهِ فَاسْقِنَا.
فَمَا بَرِحُوا حَتَّى سَقَاهُمُ اللهُ. فَخَطَبَ
عُمَرُ النَّاسَ فَقَالَ:
إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كَانَ يَرَى لِلْعَبَّاسِ مَا يَرَى
الوَلَدُ لِوَالِدِهِ فَيُعَظِّمُهُ وَيُفَخِّمُهُ
وَيَبَرُّ قَسَمَهُ فَاقْتَدُوا أَيَّهَا النَّاسِ
بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فِي عَمِّهِ العَبَّاسِ وَاتَّخِذُوْهُ وَسِيْلَةً
إِلَى اللهِ فِيْمَا نَزَلَ بِكُم.
وَقَعَ لَنَا عَالِياً فِي "جُزْءِ البَانِيَاسِيِّ".
وَدَاوُدُ ضَعِيْفٌ.
ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ،
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يجل أحد مَا
يُجِلُّ العَبَّاسَ أَوْ يُكْرِمُ العَبَّاسَ.
إِسْنَادُهُ صَالِحٌ.
وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو: قَالَ
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"إن الله اتَّخَذَنِي خَلِيْلاً كَمَا اتَّخَذَ
إِبْرَاهِيْمَ خَلِيْلاً فَمَنْزِلِي وَمَنْزِلُ
إِبْرَاهِيْمَ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي الجَنَّةِ
تُجَاهَيْنِ وَالعَبَّاسُ بَيْنَنَا مُؤْمِنٌ بَيْنَ
خَلِيْلَيْنِ".
أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَةَ وَهُوَ مَوْضُوْعٌ وَفِي
إِسْنَادِهِ: عَبْدُ الوَهَّابِ العُرْضِيُّ
الكَذَّابُ.
ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَامِرِيُّ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ
أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ
لِلْعَبَّاسِ: "فِيْكُمُ النُّبُوَّةُ
وَالمَمْلَكَةُ".
هَذَا فِي جُزْءِ ابْنِ دِيْزِيْلَ وَهُوَ مُنْكَرٌ.
ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ
الثِّقَةِ قَالَ: كَانَ العَبَّاسُ إِذَا مَرَّ
بِعُمَرَ أَوْ بِعُثْمَانَ وَهُمَا رَاكِبَانِ نَزَلاَ
حَتَّى يُجَاوِزَهُمَا إِجْلاَلاً لِعَمِّ رَسُوْلِ
اللهِ.
وَرَوَى ثُمَامَةُ، عَنْ أَنَسٍ: قَالَ عُمَرُ
اللَّهُمَّ إِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ
نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فاسقنا. صحيح1.
وَفِي ذَلِكَ يَقُوْلُ عَبَّاسُ بنُ عُتْبَةَ بنِ
أَبِي لَهَبٍ:
بِعَمِّي سَقَى اللهُ الحِجَازَ وَأَهْلَهُ ...
عَشِيَّةَ يَسْتَسْقِي بِشَيْبَتِهِ عُمُرْ
تَوَجَّهَ بِالعَبَّاسِ فِي الجَدْبِ رَاغِباً ...
إِلَيْهِ فَمَا إِنْ رَامَ حَتَّى أَتَى المَطَرْ
وَمِنَّا رَسُوْلُ اللهِ فِيْنَا تُرَاثُهُ ... فهل
فوق هذا للمفاخر مفتخر
__________
1 صحيح: راجع تخريجنا السابق.
(3/399)
أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ،
عَنْ أَبِيْهِ وَعَنْ عُمَرَ مَوْلَى غُفْرَةَ وَعَنْ
مُحَمَّدِ بنِ نُفَيْعٍ. قَالُوا: لَمَّا اسْتُخْلِفَ
عُمَرُ وَفُتِحَ عَلَيْهِ الفُتُوْحُ جَاءهُ مَالٌ
فَفَضَّلَ المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارَ فَفَرَضَ
لِمَنْ شَهِدَ بَدْراً خَمْسَةَ آلاَفٍ خَمْسَةَ
آلاَفٍ وَلِمَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا وَلَهُ سَابِقَةٌ
أَرْبَعَةُ آلاَفٍ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ وَفَرَضَ
لِلْعَبَّاسِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً.
سُفْيَانُ بنُ حَبِيْبٍ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ذَكْوَانَ،
عَنْ صُهَيْبٍ مَوْلَى العَبَّاسِ قَالَ: رَأَيْتُ
عَلِيّاً يُقَبِّلُ يَدَ العَبَّاسِ وَرِجْلَهُ
وَيَقُوْلُ: يَا عَمّ ارْضَ عَنِّي.
إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَصُهَيْبٌ لاَ أَعْرِفُهُ.
عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَطَاءٍ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ
مكحول، عن سعيد بن المسيب أنه قَالَ: العَبَّاسُ
خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ وَارِثُ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَمُّهُ.
سَمِعَهُ مِنْهُ: يَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ. وَهُوَ
قَوْلٌ مُنْكَرٌ.
قَالَ الضَّحَّاكُ بنُ عُثْمَانَ الحِزَامِيُّ: كَانَ
يَكُوْنُ لِلْعَبَّاسِ الحَاجَةُ إِلَى غِلْمَانِهِ
وَهُمْ بِالغَابَةِ فَيَقِفُ عَلَى سَلْعٍ وَذَلِكَ
فِي آخِرِ اللَّيْلِ فَيُنَادِيْهِم فَيُسْمِعُهُم.
وَالغَابَةُ نَحْوٌ مِنْ تِسْعَةِ أَمْيَالٍ.
قُلْتُ: كَانَ تَامَّ الشَّكْلِ جَهْوَرِيَّ الصَّوْتِ
جِدّاً وَهُوَ الذي أمره النبي -صلى الله عليه وسلم-
أَن يَهْتِفَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: يَا أَصْحَابَ
الشَّجَرَةِ.
قَالَ القَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ زَبْرٍ:
حَدَّثَنَا إسماعيل القاضي، أخبرنا نصر ابن عَلِيٍّ:،
أَخْبَرَنَا الأَصْمَعِيُّ قَالَ: كَانَ لِلْعَبَّاسِ
رَاعٍ يَرْعَى لَهُ عَلَى مَسِيْرَةِ ثَلاَثَةِ
أَمْيَالٍ فَإِذَا أَرَادَ مِنْهُ شَيْئاً صَاحَ بِهِ
فَأَسْمَعَهُ حَاجَتَهُ.
لَيْثٌ: حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ، عَنْ عَلِيِّ بنِ
عَبْدِ اللهِ قَالَ: أَعْتَقَ العَبَّاسُ عِنْدَ
مَوْتِهِ سَبْعِيْنَ مَمْلُوْكاً.
عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ، عَنِ الحَسَنِ قَالَ: وَبَقِيَ
فِي بَيْتِ المَالِ بَقِيَّةٌ فَقَالَ العَبَّاسُ
لِعُمَرَ وَلِلنَّاسِ: أَرَأَيْتُم لَوْ كَانَ فِيْكُم
عَمُّ موسى أكنتم تكرمونه وَتَعْرِفُوْنَ حَقَّهُ
قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَأَنَا عَمُّ نَبِيِّكُم
أَحَقُّ أَنْ تُكْرِمُوْنِي. فَكَلَّمَ عُمَرُ
النَّاسُ فَأَعْطَوْهُ.
قُلْتُ: لَمْ يَزَلِ العَبَّاسُ مُشْفِقاً عَلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مُحِبّاً لَهُ صَابِراً عَلَى الأَذَى وَلَمَّا
يُسْلِمْ بَعْدُ بِحَيْثُ أَنَّهُ لَيْلَةَ العَقَبَةِ
عُرِفَ وَقَامَ مَعَ ابْنِ أَخِيْهِ فِي اللَّيْلِ
وَتَوَثَّقَ لَهُ مِنَ السَّبْعِيْنَ ثُمَّ خَرَجَ
إِلَى بَدْرٍ مَعَ قَوْمِهِ مُكْرَهاً فَأُسِرَ
فَأَبْدَى لَهُم أَنَّهُ كَانَ أَسْلَمَ ثُمَّ رَجَعَ
إِلَى مَكَّةَ. فَمَا أَدْرِي لِمَاذَا أَقَامَ بها؟!
(3/400)
ثُمَّ لاَ ذِكْرَ لَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَلاَ
يَوْمَ الخَنْدَقِ وَلاَ خَرَجَ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ
وَلاَ قَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ فِي ذَلِكَ شَيْئاً
فِيْمَا عَلِمْتُ. ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُهَاجِراً
قُبَيْلَ فَتْحِ مَكَّةَ فَلَمْ يَتَحَرَّرْ لَنَا
قُدُوْمُهُ.
وَقَدْ كَانَ عُمَرُ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ لَهُ
دَاراً بِالثَّمَنِ لِيُدْخِلَهَا فِي مَسْجِدِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَامْتَنَعَ حَتَّى تَحَاكَمَا إِلَى أُبِيِّ بنِ
كَعْبٍ وَالقِصَّةُ مَشْهُوْرَةٌ ثُمَّ بَذَلَهَا
بِلاَ ثَمَنٍ.
وَوَرَدَ أَنَّ عُمَرَ عَمَدَ إِلَى مِيْزَابٍ
لِلْعَبَّاسِ عَلَى مَمَرِّ النَّاسِ فَقَلَعَهُ.
فَقَالَ لَهُ: أَشْهَدُ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو الَّذِي وَضَعَهُ فِي
مَكَانِهِ. فَأَقْسَمَ عُمَرُ: لَتَصْعَدَنَّ عَلَى
ظَهْرِي وَلَتَضَعَنَّهُ مَوْضِعَهُ.
وَيُرْوَى فِي خَبَرٍ مُنْكَرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نظر إلى الثريا
ثم قال: "يا عَمّ ليملكنَّ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ عَدَدُ
نُجُوْمِهَا".
وَقَدْ عمل الحافظ أبو القاسم بن عَسَاكِرَ تَرْجَمَةَ
العَبَّاسِ فِي بِضْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَرَقَةً.
وَقَدْ عَاشَ ثَمَانِياً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً وَمَاتَ
سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ فَصَلَّى عَلَيْهِ
عُثْمَانُ وَدُفِنَ بِالبَقِيْعِ. وَعلَى قَبْرِهِ
اليَوْمَ قُبَّةٌ عَظِيْمَةٌ مِنْ بِنَاءِ خُلَفَاءِ
آلِ العَبَّاسِ.
وَقَالَ خَلِيْفَةُ وَغَيْرُهُ: بَلْ مَاتَ سَنَةَ
أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَقَالَ المَدَائِنِيُّ:
سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ.
أَخْبَرَنَا المِقْدَادُ بنُ أَبِي القَاسِمِ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ الأَخْضَرِ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي،
أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ البَرْمَكِيُّ حُضُوْراً،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مَاسِي، أَخْبَرَنَا
أَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، أَخْبَرَنَا
الأَنْصَارِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ،
أَخْبَرَنَا أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ
عُمَرَ خَرَجَ يَسْتَسْقِي وَخَرَجَ العَبَّاسُ مَعَهُ
يَسْتَسْقِي وَيَقُوْلُ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا
إِذَا قَحَطْنَا عَلَى عَهْدِ نَبِيِّنَا -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَوسَّلْنَا إِلَيْكَ
بِنَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
اللَّهُمَّ إِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ
نَبِيِّكَ1.
قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: سُئِلَ العَبَّاسُ
أَنْتَ أَكْبَرُ أَمْ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: هُوَ أَكْبَرُ مِنِّي
وَأَنَا أَسَنُّ مِنْهُ مَوْلِدُهُ بَعْدَ عَقْلِي
أُتِيَ إِلَى أُمِي فَقِيْلَ لَهَا: وَلَدَتْ آمِنَةُ
غُلاَماً فَخَرَجَتْ بِي حِيْنَ أَصْبَحَتْ آخِذَةً
بِيَدِي حَتَّى دَخَلْنَا عَلَيْهَا فَكَأَنِّي
أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَمْصَعُ بِرِجْلَيْهِ فِي
عَرَصَتِهِ وجعل النساء يجبذنني عَلَيْهِ وَيَقُلْنَ:
قَبِّلْ أَخَاكَ. كَذَا ذَكَرَهُ بِلاَ إِسْنَادٍ.
أَنْبَأَنَا طَائِفَةٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ طَبَرْزَدْ،
أَخْبَرَنَا ابْنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ
غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بِشْرِ بنِ مَطَرٍ،
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بنُ
فَضَالَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ بنِ قَيْسٍ
سَمِعْتُ العَبَّاسَ يَقُوْلُ: الَّذِي أُمِرَ
بِذَبْحِهِ إِبْرَاهِيْمُ: هُوَ إسحاق.
__________
1 صحيح: راجع تخريجنا السابق، وهو في البخاري "1010".
(3/401)
وَقَالَ الوَاقِدِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي
سَبْرَةَ، عَنْ حُسَيْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَسْلَمَ
العَبَّاسُ بِمَكَّةَ قَبْلَ بَدْرٍ وَأَسْلَمَتْ
أُمُّ الفَضْلِ مَعَهُ حِيْنَئِذٍ وَكَانَ مُقَامُهُ
بِمَكَّةَ. إِنَّهُ كَانَ لاَ يَغْبَى عَلَى رَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمكة
خَبَرٌ يَكُوْنُ إلَّا كَتَبَ بِهِ إِلَيْهِ. وَكَانَ
مَنْ هُنَاكَ مِنَ المُؤْمِنِيْنَ يَتَقَوَّوْنَ بِهِ
وَيَصِيْرُوْنَ إِلَيْهِ وَكَانَ لَهُم عَوْناً عَلَى
إِسْلاَمِهِم وَلَقَدْ كَانَ يَطْلُبُ أَن يَقْدَمَ
فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُوْلُ الله: إِنَّ مَقَامَكَ
مُجَاهِدٌ حَسَنٌ فَأَقَامَ بِأَمْرِ رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1.
إسناده ضعيف. وَلو جَرَى هَذَا لَمَا طَلَبَ مِنَ
العَبَّاسِ فِدَاءً يَوْم بَدْرٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ
إِسْلاَمَهُ كَانَ بَعْدَ بَدْرٍ.
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ قَيْسِ بنِ سَعْدِ بنِ زَيْدِ
بنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ قَالَ:
اسْتَأْذَنَ العَبَّاسُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الهِجْرَةِ فَكَتَبَ
إِلَيْهِ: "يَا عَمُّ أَقِمْ مَكَانَكَ فَإِنَّ اللهَ
يَخْتِمُ بِكَ الهِجْرَةَ كَمَا خَتَمَ بِيَ
النُّبُوَّةَ"2.
إِسْمَاعِيْلُ وَاهٍ.
وَرَوَى عَبْدُ الأَعْلَى الثَّعْلَبِيُّ، عَنْ
سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ
رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال: "العَبَّاسُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ" إِسْنَادُهُ
لَيْسَ بِقَوِيٍّ3.
وَقَدِ اعْتَنَى الحُفَّاظُ بِجَمْعِ فَضَائِلِ
العَبَّاسِ رِعَايَةً لِلْخُلَفَاءِ.
وَبِكُلِّ حَالٍ لَوْ كَانَ نَبِيُّنَا -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّنْ يُوْرَثُ لَمَا
وَرِثَهُ أَحَدٌ بَعْدَ بِنْتِهِ وَزَوْجَاتِهِ إلَّا
العَبَّاسُ.
وَقَدْ صَارَ المُلْكُ فِي ذُرِّيَّةِ العَبَّاسِ
وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ وتداوله تسعة وثلاثون خليفة إلى
وقتنا هذا وذلك ست مئة عَامٍ أَوَّلُهُمُ السَّفَاحُ
وَخَلِيْفَةُ زَمَانِنَا المُسْتَكْفِي لَهُ الاسْمُ
المِنْبَرِيُّ وَالعَقْدُ وَالحَلُّ بِيَدِ
السُّلْطَانِ المَلِكِ النَّاصِرِ أَيَّدَهُمَا اللهُ.
وَإِذَا اقْتَصَرْنَا مِنْ مَنَاقِبِ عَمِّ رَسُوْل
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى هذه
النبذة فلنذكر وفاته:
__________
1 موضوع: إسناده ظلمات بعضها فوق بعض فيه ثلاث علل
متتالية: الأولى: الواقدي، وهو متروك.
الثانية: ابن أبي سبرة، وهو أَبُو بَكْرٍ عَبْدِ اللهِ
بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي سَبْرَةَ رُمي بالوضع.
الثالثة: حسين بن عبد الله، ضعيف.
2 منكر: فيه إسماعيل بن قيس، وهو منكر الحديث كما قال
البخاري والدارقطني وهذا الحديث من جملة منكراته وقد
بينا ذلك قريبا، فقد مر الحديث بنحوه برقم "836".
3 ضعيف: مر تخريجنا له قريبا برقم "841" وفيه عبد
الأعلى الثعلبي وهو ضعيف بالاتفاق.
(3/402)
كَانَتْ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ
وَثَلاَثِيْنَ مِنَ الهِجْرَةِ وَلَهُ سِتٌّ
وَثَمَانُوْنَ سَنَةً وَلَمْ يَبْلُغْ أَحَدٌ هَذِهِ
السِّنَّ مِنْ أَوْلاَدِهِ وَلاَ أَوْلاَدِهِمْ وَلاَ
ذُرِّيَّتِهِ الخُلَفَاءِ وَلَهُ قُبَّةٌ عَظِيْمَةٌ
شَاهِقَةٌ عَلَى قَبْرِهِ بِالبَقِيْعِ.
وَسَنَذْكُرُ وَلَدَهُ عَبْدَ اللهِ بنَ العَبَّاسِ
الفَقِيْهَ مُفْرَداً.
جِنَازَةُ العَبَّاسِ:
عَنْ نَمْلَةَ بنِ أَبِي نَمْلَةَ، عَنْ أَبِيْهِ
قَالَ:
لَمَّا مَاتَ العَبَّاسُ بَعَثَتْ بَنُوْ هَاشِمٍ مَن
يُؤْذِنُ أَهْلَ العَوَالِي: رَحِمَ اللهُ مَنْ شَهِدَ
العَبَّاسَ بنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ. فَحَشَدَ
النَّاسُ.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ
سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ بنِ جَارِيَةَ قَالَ:
جَاءَ مُؤْذِنٌ بِمَوْتِ العَبَّاسِ بِقُبَاءَ عَلَى
حِمَارٍ ثُمَّ جَاءنَا آخَرُ عَلَى حِمَارٍ
فَاسْتَقْبَلَ قُرَى الأَنْصَارِ حَتَّى انْتَهَى
إِلَى السَّافِلَةِ فَحَشَدَ النَّاسُ.
فَلَمَّا أُتِيَ بِهِ إِلَى مَوْضِعِ الجَنَائِزِ
تَضَايَقَ فَقَدَّمُوا بِهِ إِلَى البَقِيْعِ. فَمَا
رَأَيْتُ مِثْلَ ذَلِكَ الخُرُوْجِ قَطُّ وَمَا
يَقْدِرُ أَحَدٌ يَدْنُو إِلَى سَرِيْرِهِ.
وَازْدَحَمُوا عند اللَّحْدِ فَبَعَثَ عُثْمَانُ
الشُّرَطَةَ يَضْرِبُوْنَ النَّاسَ، عَنْ بَنِي
هَاشِمٍ حَتَّى خَلَصَ بَنُوْ هَاشِمٍ فَنَزَلُوا فِي
حُفْرَتِهِ.
وَرَأَيْتُ عَلَى سَرِيْرِهِ بُرْدَ حِبَرَةٍ قَدْ
تَقَطَّعَ مِنْ زِحَامِهِمْ.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَتْنِي عُبَيْدَةُ بِنْتُ
نَابِلٍ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ قَالَتْ:
جَاءنَا رَسُوْلُ عُثْمَانَ وَنَحْنُ بِقَصْرِنَا
عَلَى عَشْرَةِ أَمْيَالٍ مِنَ المَدِيْنَةِ أَنَّ
العَبَّاسَ قَدْ تُوُفِّيَ فَنَزَلَ أَبِي وَسَعِيْدُ
بنُ زَيْدٍ وَنَزَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنَ
السَّمُرَةِ فَجَاءنَا أَبِي بَعْدَ يَوْمٍ فَقَالَ:
مَا قَدَرْنَا أَنْ نَدْنُوَ مِنْ سَرِيْرِهِ مِنْ
كَثْرَةِ النَّاسِ غُلِبْنَا عَلَيْهِ وَلَقَدْ كُنْتُ
أُحِبُّ حَمْلَهُ.
وَعَنْ عَبَّاسِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَعْبَدٍ قَالَ:
حَضَرَ غَسْلَهُ عُثْمَانُ وَغَسَّلَهُ عَلِيٌّ
وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَخَوَاهُ: قُثَمُ وَعُبَيْدُ
اللهِ. وَحَدَّتْ نِسَاءُ بَنِي هَاشِمٍ سَنَةً.
زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ
مُجَاهِدٍ، عَنْ عَلِيِّ بن عبد الله ابن عَبَّاسٍ
أَنَّ العَبَّاسَ أَعْتَقَ سَبْعِيْنَ مَمْلُوْكاً
عِنْدَ مَوْتِهِ.
وَفِي "مُسْتَدْرَكِ" الحَاكِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ
عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجل العباس إجلال
الوالد.
(3/403)
وَلِعَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ سَعِيْدِ بنِ
جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوْعاً:
"العَبَّاسُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ"1 عَبْدُ الأَعْلَى
الثَّعْلَبِيُّ لَيِّنٌ.
يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بنُ أَبِي
قُرَّةَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ أَبِي قَبِيْلٍ،
عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ مَوْلَى العَبَّاسِ سَمِعَ
العَبَّاسَ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: انْظُرْ
فِي السَّمَاءِ فَنَظَرْتُ. فَقَالَ: "مَا تَرَى"?
قُلْتُ: الثُّرَيَّا. فَقَالَ: "أَمَا إِنَّهُ
يَمْلِكُ هَذِهِ الأُمَّةَ بِعَدَدِهَا مِنْ
صُلْبِكَ"2. رَوَاهُ الحَاكِمُ. وَعُبَيْدٌ غَيْرُ
ثِقَةٍ.
وَرَوَى الحَاكِمُ: أَنَّ زَحْرَ بنَ حِصْنٍ، عَنْ
جَدِّهِ: حُمَيْدِ بنِ مُنْهِبٍ: سَمِعَ جَدَّهُ:
خُرَيْمَ بنَ أَوْسٍ يَقُوْلُ: هَاجَرْتُ إِلَى
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مُنْصَرَفَهُ مِنْ تَبُوْكٍ فَسَمِعْتُ العَبَّاسَ
يَقُوْلُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ إِنِّي أُرِيْدُ أَنْ
أَمْتَدِحَكَ قَالَ: "قُلْ لاَ يَفْضُضِ اللهُ فَاكَ"
قَالَ:
مِنْ قَبْلِهَا طِبْتَ فِي الظلال وفي ... مستودع حيث
يخصف3 الورق
ثُمَّ هَبَطْتَ البِلاَدَ لاَ بَشَرٌ ... أَنْتَ وَلاَ
مُضْغَةٌ وَلاَ عَلَقُ
بَلْ نُطْفَةٌ تَرْكَبُ السَّفِيْنَ وَقَدْ ...
أَلْجَمَ نَسْراً وَأَهْلَهُ الغَرَقُ
تُنْقَلُ مِنْ صَالِبٍ إِلَى رَحِمٍ ... إِذَا مَضَى
عَالَمٌ بَدَا طَبَقُ
حَتَّى احْتَوَى بَيْتُكَ المُهَيْمِنُ مِنْ ...
خِنْدِفَ عَلْيَاءَ تَحْتَهَا النُّطُقُ
وَأَنْتَ لَمَّا وُلِدْتَ أَشْرَقَتِ الْ ... أَرْضُ
وَضَاءتْ بِنُورِكَ الأُفُقُ
فَنَحْنُ فِي ذَلِكَ الضِّيَاءِ وَفِي ... النُّوْرِ
وَسُبُلُ الرَّشَادِ نَخْتَرِقُ
قَالَ الحَاكِمُ: رُوَاتُهُ أَعْرَابٌ وَمِثْلُهُمْ
لاَ يُضَعَّفُوْنَ. قلت: ولكنهم لا يعرفون.
__________
1 ضعيف: راجع تعليقنا السابق وتعليقنا رقم "841".
2 باطل: "أخرجه أحمد "1/ 209"، والخطيب في "تاريخ
بغداد"، والحاكم "3/ 326"، والبيهقي في "دلائل النبوة"
"6/ 518"، وابن عدي في "الكامل" "5/ 350" من طريق عبيد
بن أبي قرة، به.
قلت: إسناده واه، عبيد بن أبي قرة آفته، قال البخاري:
لا يتابع في حديثه في قصة العباس. وذكر الحديث الحافظ
الذهبي في ترجمته في "الميزان" وقال في إثره: رواه
أحمد بن حنبل في "مسنده"، عنه. هذا باطل.
3 يخصف: يجمع ويضم.
(3/404)
108- عُمَيْرُ بنُ سَعْدٍ الأَنْصَارِيُّ
الأَوْسِيُّ الزَّاهِدُ 1:
نَسيجُ وحده. له حديث واحد.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو طَلْحَةَ الخَوْلاَنِيُّ
وَرَاشِدُ بنُ سَعْدٍ وَحَبِيْبُ بنُ عُبَيْدٍ.
شَهِدَ فَتْحَ الشَّامِ وَوَلِيَ دِمَشْقَ وَحِمْصَ
لِعُمَرَ.
جَمَاعَةٌ، عَنْ حَمَّادِ بن سلمة، عن أبي سنان، عن
أبي طَلْحَةَ قَالَ: أَتَيْنَا عُمَيْرَ بنَ سَعْدٍ
وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: نَسِيْجُ وَحْدِهِ فَقَعَدْنَا
فِي دَارِهِ فَقَالَ: يَا غُلاَمُ أَوْرِدِ الخَيْلَ
فَأَوْرَدَهَا فَقَالَ: أَيْنَ الفُلاَنَةُ قَالَ:
جَرِبَةٌ تَقْطُرُ دَماً. قَالَ: أَوْرِدْهَا سَمِعْتُ
رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يقول: "لا عدوى ولا طيرة ولا هَامَةَ" 2.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ القَدَّاحُ: صَحِبَ
عُمَيْرُ بنُ سَعْدِ بنِ شُهَيْدٍ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَشْهَدْ شَيْئاً
مِنَ المَشَاهِدِ.
وَهُوَ الَّذِي رَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَلاَمَ الجُلاَسِ بنِ
سويد وكان يتيمًا في حجره.
استعمله عُمَرُ عَلَى حِمْصَ وَكَانَ مِنَ
الزُّهَّادِ.
وَقَالَ عبد الصمد بن سعيد: كانت ولايته حمص بَعْدَ
ابْنِ حِذْيَمٍ.
ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ
قَالَ: تُوُفِّيَ سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ وَقَامَ
مَكَانَهُ عُمَيْرُ بنُ سَعْدٍ فَكَانَ عَلَى الشَّامِ
هُوَ وَمُعَاوِيَةُ حَتَّى قُتِلَ عُمَرُ.
وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: ثُمَّ جَمَعَ عُثْمَانُ
الشَّامَ لِمُعَاوِيَةَ وَنَزَعَ عُمَيْراً.
وَرَوَى عَاصِمُ بنُ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عُمَيْرِ بن سعد: قال لي ابن
عمر: ما كَانَ مِنَ المُسْلِمِيْنَ رَجُلٌ مِنَ
الصَّحَابَةِ أَفْضَلَ مِنْ أَبِيْكَ3.
وَرَوَى هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ
قَالَ: كَانَ عُمَرُ مِنْ عُجْبِهِ بِعُمَيْرِ بنِ
سَعْدٍ يُسَمِّيْهِ نَسِيْجَ وَحْدِهِ وَبَعَثَهُ
مَرَّةً عَلَى جَيْشٍ.
قَالَ المُفَضَّلُ الغَلاَبِيُّ: زُهَّادُ الأَنْصَارِ
ثَلاَثَةٌ: أَبُو الدَّرْدَاءِ وَشَدَّادُ بنُ أَوْسٍ
وَعُمَيْرُ بنُ سَعْدٍ. اسْتَوْفَى ابْنُ عَسَاكِرَ
أَخْبَارَهُ -رضي الله عنه.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "4/ 375-376"، والتاريخ
الكبير "6/ ترجمة رقم 3225"، والجرح والتعديل "6/
ترجمة رقم 2079"، والإصابة "3/ ترجمة 6036".
2 صحيح: وهذا إسناد ضعيف، فيه أبو سنان، وهو عيسى بن
سنان الحنفي القسملي، ضعيف بالاتفاق، لكن الحديث ورد
عن سعد بن أبي وقاص: أخرجه أحمد "1/ 180"، وابن أبي
عاصم في "السنة" "266"، وأبو يعلى "798"، وابن جرير في
"تهذيب الآثار" في مسند علي "17" و"48" و"49"،
والطحاوي في "شرح معاني الآثار "4/ 313" من طرق عن
هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني
الحضرمي بن لاحق، عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ
سَعْدِ بنِ أبي وقاص، به مرفوعا.
3 ضعيف: في إسناده عبد الرحمن بن عمير بن سعد، مجهول،
لذا فقد أورده ابن أبي حاتم في "الجرح"
والتعديل" "5/ ترجمة 1290"، وأورده البخاري في
"التاريخ الكبير" "3/ ق1/ 328" ولم يذكر فيه جرحا ولا
تعديلا.
(3/405)
109- أَبُو سُفْيَانَ 1:
صَخْرُ بنُ حَرْبِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ شَمْسِ
بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبٍ. رَأْسُ
قُرَيْشٍ وَقَائِدُهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ وَيَوْمَ
الخَنْدَقِ. وَلَهُ هَنَاتٌ وَأُمُوْرٌ صَعْبَةٌ
لَكِنْ تَدَارَكَهُ اللهُ بِالإِسْلاَمِ يَوْمَ
الفَتْحِ فَأَسْلَمَ شِبْهَ مُكْرَهٍ خَائِفٍ. ثُمَّ
بَعْدَ أَيَّامٍ صَلُحَ إِسْلاَمُهُ.
وَكَانَ مِنْ دُهَاةِ العَرَبِ وَمِنْ أَهْلِ
الرَّأْيِ وَالشَّرَفِ فِيْهِمْ فَشَهِدَ حُنَيْناً
وَأَعْطَاهُ صِهْرُهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الغَنَائِمِ مائَةً مِنَ
الإِبِلِ وَأَرْبَعِيْنَ أُوْقِيَّةً مِنَ
الدَّرَاهِمِ يَتَأَلَّفُهُ بِذَلِكَ فَفَرَغَ، عَنْ
عِبَادَةِ هُبَلَ وَمَالَ إِلَى الإِسْلاَمِ.
وَشَهِدَ قِتَالَ الطَّائِفِ فَقُلِعَتْ عَيْنُهُ
حِيْنَئِذٍ ثُمَّ قُلِعَتِ الأُخْرَى يَوْمَ
اليَرْمُوْكِ. وَكَانَ يَوْمَئِذٍ قَدْ حَسُنَ إِنْ
شَاءَ اللهُ إِيْمَانُهُ فَإِنَّهُ كان يومئذ يحرض على
الجهاد وكان تمت رَايَةِ وَلَدِهِ يَزِيْدَ فَكَانَ
يَصِيْحُ: يَا نَصْرَ اللهِ اقْتَرِبْ. وَكَانَ يَقِفُ
عَلَى الكَرَادِيْسِ2 يُذَكِّرُ وَيَقُوْلُ: اللهَ
اللهَ إِنَّكُمْ أَنْصَارُ الإِسْلاَمِ وَدَارَةُ
العَرَبِ وَهَؤُلاَءِ أَنْصَارُ الشِّرْكِ وَدَارَةُ
الرُّوْمِ اللَّهُمَّ هَذَا يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِكَ
اللَّهُمَّ أَنْزِلْ نَصْرَكَ.
فَإِنْ صَحَّ هَذَا عَنْهُ فَإِنَّهُ يُغْبَطُ
بِذَلِكَ. وَلاَ رَيْبَ أَنَّ حَدِيْثَهُ، عَنْ
هِرَقْلَ3 وَكِتَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدُلُّ عَلَى إيمانه ولله الحمد.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "4/ ترجمة 2942"، والجرح
والتعديل "4/ ترجمة 1869"، والإصابة "2/ ترجمة 4046"،
وتهذيب التهذيب "4/ 411"، وتقريب التهذيب "3658".
2 الكراديس: واحدها كردوس، وهي كتائب الخيل.
3 صحيح: أخرجه البخاري "7" حدثنا أبو اليمان الحكم بن
نافع، قال: أخبرنا شعيب، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بنُ عتبة بن مسعود أن عبد
الله بن عباس أخبره أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل
أرسل إليه في ركب من قريش ... " الحديث وهو طويل. وفيه
أن أبا سفيان قال لأصحابه: "لقد أمرَ أمرُ ابن أبي
كبشة، إنه يخافه ملك بني الأصفر، فما زلت موقنا أنه
سيظهر حتى أدخل الله عليَّ الإسلام".
(3/406)
وَكَانَ أَسَنُّ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَشْرِ
سِنِيْنَ وَعَاشَ بَعْدَهُ عِشْرِيْنَ سَنَةً.
وَكَانَ عُمَرُ يَحْتَرِمُهُ وَذَلِكَ لأَنَّهُ كَانَ
كَبِيْرَ بَنِي أُمَيَّةَ.
وَكَانَ حَمْوَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. وَمَا مَاتَ حَتَّى رَأَى وَلَدَيْهِ:
يَزِيْدَ ثُمَّ مُعَاوِيَةَ أَمِيْرَيْنِ عَلَى
دِمَشْقَ. وَكَانَ يُحِبُّ الرِّيَاسَةَ وَالذِّكْرَ
وَكَانَ لَهُ سُوْرَةٌ1 كَبِيْرَةٌ فِي خِلاَفَةِ
ابْنِ عَمِّهِ عُثْمَانَ.
تُوُفِّيَ بِالمَدِيْنَةِ سَنَةَ إِحْدَى
وَثَلاَثِيْنَ. وَقِيْلَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
وَقِيْلَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ
وَلَهُ نحو التسعين.
__________
1 السورة: المنزلة.
(3/407)
110- الحكم بن
أبي العاص 1:
ابن أمية الأموي ابْنُ عَمِّ أَبِي سُفْيَانَ. يُكْنَى
أَبَا مَرْوَانَ. مِنْ مُسْلِمَةِ الفَتْحِ. وَلَهُ
أَدْنَى نَصِيْبٍ مِنَ الصحبة. قِيْلَ: نَفَاهُ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى
الطَّائِفِ لِكَوْنِهِ حَكَاهُ فِي مِشْيَتِهِ وَفِي
بَعْضِ حَرَكَاتِهِ فَسَبَّهُ وَطَرَدَهُ. فَنَزَلَ
بِوَادِي وَجٍّ2. وَنَقَمَ جَمَاعَةٌ عَلَى أَمِيْرِ
المُؤْمِنِيْنَ عُثْمَانَ كَوْنَهُ عَطَفَ عَلَى
عَمِّهِ الحَكَمِ وَآوَاهُ وَأَقْدَمَهُ المَدِيْنَةَ
ووصله بمئة أَلْفٍ.
وَيُرْوَى فِي سَبِّهِ أَحَادِيْثُ لَمْ تَصِحَّ.
وَعَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا لِي أُرِيْتُ بَنِي الحَكَمِ
يَنْزُوْنَ عَلَى مِنْبَرِي نَزْوَ القِرَدَةِ".
رَوَاهُ العَلاَءُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ
أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَفِي البَابِ
أَحَادِيْثُ.
قَالَ الشَّعْبِيُّ: سَمِعتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يقول:
ورب هذه الكعبة إن الحكم ابن أَبِي العَاصِ وَوُلْدَهُ
مَلْعُوْنُوْنَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ كَانَ لِلْحَكَمِ
عِشْرُوْنَ ابْناً وَثَمَانِيَةُ بَنَاتٍ.
وَقِيْلَ: كَانَ يُفْشِي سِرَّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأبعده لذلك.
مات سنة إحدى وثلاثين.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 447 و509"، والتاريخ
الكبير "2/ ترجمة 2651" والجرح والتعديل "3/ ترجمة
555"، الإصابة "1/ ترجمة 1781".
2 هو: وادي الطائف.
(3/407)
111- كسرى 1:
آخِرُ الأَكَاسِرَةِ مُطْلَقاً. وَاسْمُهُ:
يَزْدَجِرْدُ بنُ شَهْرِيَارَ بنِ بَرْوِيْزَ
المَجْوُسِيُّ الفَارِسِيُّ.
انْهَزَمَ مِنْ جَيْشِ عُمَرَ فَاسْتَوْلَوْا عَلَى
العِرَاقِ وَانْهَزَمَ هُوَ إِلَى مَرْوَ وَوَلَّتْ
أَيَّامُهُ ثُمَّ ثَارَ عَلَيْهِ أُمَرَاءُ دَوْلَتِهِ
وَقَتَلُوْهُ سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ. وَقِيْلَ بَلْ
بَيَّتَهُ التُّرْكُ وَقَتَلُوا خَوَاصَّهُ وَهَرَبَ
هُوَ وَاخْتَفَى فِي بَيْتٍ فَغَدَرَ بِهِ صَاحِبُ
البَيْتِ فَقَتَلَهُ ثُمَّ قتلوه به.
__________
1 ترجمته في "المعرفة والتاريخ" ليعقوب بن سفيان
الفسوي "3/ 301-304".
(3/408)
112- خديجة أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ 1:
وَسَيِّدَةُ نِسَاءِ العَالَمِيْنَ فِي زَمَانِهَا.
أُمُّ القَاسِمِ ابْنَةُ خُوَيْلِدِ بنِ أَسَدِ بنِ
عَبْدِ العُزَّى بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبٍ
القُرَشِيَّةُ الأَسَدِيَّةُ. أُمُّ أَوْلاَدِ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَأَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ قَبْلَ كُلِّ
أَحَدٍ وَثَبَّتَتْ جَأْشَهُ وَمَضَتْ بِهِ إلى ابن
عمها ورقة2.
وَمَنَاقِبُهَا جَمَّةٌ. وَهِيَ مِمَّنْ كَمُلَ مِنَ
النِّسَاءِ. كَانَتْ عَاقِلَةً جَلِيْلَةً دَيِّنَةً
مَصُوْنَةً كَرِيْمَةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ وَكَانَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يُثْنِي عَلَيْهَا وَيُفَضِّلُهَا عَلَى سَائِرِ
أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ وَيُبَالِغُ فِي
تَعْظِيْمِهَا بِحَيْثُ إِنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ
تَقُوْلُ: مَا غِرْتُ مِنِ امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ مِنْ
خَدِيْجَةَ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ النَّبِيِّ -صلى الله
عليه وسلم- لها3.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 52"، والإصابة "4/
ترجمة 335".
2 صحيح: أخرجه البخاري "3" عن عائشة أم المؤمنين،
وفيه: "فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا،
إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدم. وتقري
الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى
أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزي -ابن عم
خديجة- وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ،
وَكَانَ يَكْتُبُ الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل
بالعبرانية، مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ
شَيْخاً كبيرا قد عمي. فقالت له خديجة: يابن عم اسمع
من ابن أخيك. فقال له ورقة: يابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره
رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى. فقال له
ورقة: هذا الناموس الذي نزل على موسى، يا ليتني فيها
جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "أومخرجي هم"؟ قال: نعم، لم يأت
رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك
أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر
الوحي".
3 صحيح: أخرجه البخاري "3816" و"3817" و"3818"، ومسلم
"2435" من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة -رضي
الله عنها- قالت: ما غرت على امرأة للنبي صلى الله
عليه وسلم ما غرت على خديجة، هلكت قبل أن يتزوجني، لما
كنت أسمعه يذكرها، وأمره الله أن يبشرها ببيت من قصب،
وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن".
(3/408)
وَمِنْ كَرَامَتِهَا عَلَيْهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا لَمْ
يَتَزَوَّجِ امْرَأَةً قَبْلَهَا وَجَاءهُ مِنْهَا
عِدَّةُ أَوْلاَدٍ وَلَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا قَطُّ
وَلاَ تَسَرَّى إِلَى أَنْ قَضَتْ نَحْبَهَا فَوَجَدَ
لِفَقْدِهَا فَإِنَّهَا كَانَتْ نِعْمَ القَرِيْنِ.
وَكَانَتْ تُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهَا
وَيَتَّجِرُ هُوَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لَهَا.
وَقَدْ أَمَرَهُ اللهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي
الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لاَ صَخَبَ فِيْهِ وَلاَ
نَصَبَ1.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَبِيْبَةَ،
عَنْ دَاوُدَ بنِ الحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ
هِشَامٍ وَرُوِيَ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ أَنَّ
عَمَّ خَدِيْجَةَ عَمْرَو بنَ أَسَدٍ زَوَّجَهَا
بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَأَنَّ أَبَاهَا مَاتَ قبل الفِجَارِ2. ثُمَّ قَالَ
الوَاقِدِيُّ هَذَا المُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَ
أَصْحَابِنَا لَيْسَ بَيْنَهُمُ اخْتِلاَفٌ.
الكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَهَا بِنْتَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ
سَنَةً3. قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: كَانَتْ
خَدِيْجَةُ تُدْعَى فِي الجَاهِلِيَّةِ الطَّاهِرَةَ
وَأُمُّهَا هِيَ فَاطِمَةُ بِنْتُ زَائِدَةَ
العَامِرِيَّةُ.
كَانَت خَدِيْجَةُ أَوُّلاً تَحْتَ أَبِي هَالَةَ بنِ
زُرَارَةَ التَّمِيْمِيِّ ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا
بَعْدَهُ عَتِيْقُ بنُ عَابِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ
عُمَرَ بنِ مَخْزُوْمٍ ثُمَّ بَعْدَهُ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَنَى بِهَا
وَلَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُوْنَ سَنَةً. وَكَانَتْ أَسَنَّ
منه بخمس عشرة سنة.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3819"، ومسلم "2433" من طريق
إسماعيل قال: قلت لعبد اللهِ بنِ أَبِي أَوْفَى
-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَكَانَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشر خديجة ببيت في الجنة؟
قال: نعم. بشرها بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ.
لاَ صَخَبَ فيه ولا نصب.
قوله: "من قصب": قال جمهور العلماء: المراد به قصب
اللؤلؤ المجوف كالقصر المنيف -وقيل قصر من ذهب منظوم
بالجوهر. قال أهل اللغة: القصب من الجوهر ما استطال
منه في تجويف. قالوا: ويقال لكل مجوف قصب. قوله "صخب":
الصوت المختلط المرتفع.
قوله "نصب": النصب المشقة والتعب. ويقال فيه نُصب
ونَصب لغتان حكاهما القاضي وغيره. كالحُزن والحَزن.
والفتح أشهر وأفصح وبه جاء القرآن. وقد نصب الرجل
ينصب، إذا أعيا.
2 الفجار: يوم حرب من أيامهم في الجاهلية كانت بين
قريش ومن معها من كنانة، وبين قيس عيلان والفجار بمعنى
المفاجرة كالقتال والمقاتلة. سميت بذلك لأنها كانت في
الأشهر الحرام. وقد وقعت بعد الفيل بعشرين سنة كما في
"طبقات ابن سعد".
3 ضعيف جدا: الكلبي، وهو محمد بن السائب الكلبي،
متروك. وأبو صالح باذام ضعيف. والصواب أَنَّ رَسُوْلَ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج خديجة
ولها أربعون سنة كما رواه ابن سعد. ونص عليه الزرقاني.
(3/409)
عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ خَدِيْجَةَ
تُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تفرض الصلاة وقيل: توفيت فِي
رَمَضَانَ وَدُفِنَتْ بِالحَجُوْنِ1، عَنْ خَمْسٍ
وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ وَائِلِ بنِ
دَاوُدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ البَهِيِّ قَالَ: قَالَتْ
عَائِشَةُ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا ذَكَرَ خَدِيْجَةَ لَمْ
يَكَدْ يَسْأَمُ مِنْ ثَنَاءٍ عَلَيْهَا
وَاسْتِغْفَارٍ لَهَا فَذَكَرَهَا يَوْماً
فَحَمَلَتْنِي الغَيْرَةُ فَقُلْتُ: لَقَدْ عَوَّضَكَ
اللهُ مِنْ كَبِيْرَةِ السِّنِّ قَالَ: فَرَأَيْتُهُ
غَضِبَ غَضَباً أُسْقِطْتُ فِي خَلَدَي2 وَقُلْتُ فِي
نَفْسِي: اللَّهُمَّ إِنْ أَذْهَبْتَ غَضَبَ
رَسُوْلِكَ عَنِّي لَمْ أَعُدْ أَذْكُرُهَا بِسُوْءٍ.
فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مَا لَقِيْتُ قَالَ: "كَيْفَ قُلْتِ?
وَاللهِ لَقَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ
وَآوَتْنِي إِذْ رَفَضَنَي النَّاسُ وَرُزِقْتُ
مِنْهَا الوَلَدَ وَحُرِمْتُمُوْهُ مِنِّي" قَالَتْ:
فَغَدَا وَرَاحَ عَلَيَّ بِهَا شَهْراً3.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: خَرَجُوا مِنْ شِعْبِ بَنِي
هَاشِمٍ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ
فَتُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ وَقَبْلَهُ خَدِيْجَةُ
بِشَهْرٍ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ. وَقَالَ الحَاكِمُ:
مَاتَتْ بَعْدَ أَبِي طَالِبٍ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ.
هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ:
مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى
خَدِيْجَةَ مِمَّا كُنْتُ أَسْمَعُ مِنْ ذِكْرِ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لَهَا وَمَا تَزَوَّجَنِي إلَّا بَعْدَ مَوْتِهَا
بِثَلاَثِ سِنِيْنَ. وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ أَنْ
يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ من قصب4.
__________
1 الحجون: الجبل المشرف مما يلي شعب الجزارين بمكة.
وقيل: هو موضوع بمكة فيه اعوجاج. والمشهور الأول. وهو
بفتح الحاء.
2 الخلد، بالتحريك: البال والقلب والنفس، وجمعه أخلاد،
يقال: وقع ذلك في خلدي أي في روعي وقلبي.
وقال أبو زيد من أسماء النفس الروع والخلد.
3 حسن: وهذا إسناد ضعيف، عبد الله البهي لم يسمع من
عائشة -رضي الله عنها- فقد سئل أحمد بن حنبل هل سمع من
عائشة -رضي الله عنها؟ قال: ما أرى في هذا شيئا، إنما
يروى عن عروة.
وقد رواه أحمد "6/ 117-118" بنحوه من طريق علي بن
إسحاق، أخبرنا عبد الله، قال أخبرنا مُجَالِدٍ، عَنِ
الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، به
نحوه.
قلت: إسناده ضعيف، آفته مجالد، وهو ابن سعيد، وهو ضعيف
بالاتفاق، لكن الحديث يرتقي للحسن بمجموع الطريقين.
4 صحيح: تقدم تخريجنا له برقم "868"، وهو عند البخاري
"3816" و"3817" و"3818" ومسلم "2435" عن عائشة، به.
(3/410)
أَبُو يَعْلَى فِي "مُسْنَدِهِ"
سَمَاعُنَا: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَبِي
إِسْرَائِيْلَ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بنُ زِيَادٍ
ثِقَةٌ:، حَدَّثَنِي الأَزْرَقُ بنُ قَيْسٍ، عَنْ
عَبْدِ اللهِ بنِ نَوْفَلٍ أَوِ ابْنِ بُرَيْدَةَ،
عَنْ خَدِيْجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ قَالَتْ: سَأَلْتُ
رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَيْنَ أَطْفَالِي مِنْكَ? قَالَ: "فِي الجَنَّةِ"
قَالَتْ: فَأَيْنَ أَطْفَالِي مِنْ أَزْوَاجِي مِنَ
المُشْرِكِيْنَ? قَالَ: "فِي النَّارِ". فَقُلْتُ:
بِغَيْرِ عَمَلٍ قَالَ: "اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا
عَامِلِيْنَ" فِيْهِ انْقِطَاعٌ.
مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ: عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي
زُرْعَةَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ: أَتَى
جِبْرِيْلُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ: هَذِهِ خَدِيْجَةُ أَتَتْكَ
مَعَهَا إِنَاءٌ فِيْهِ إدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ
شَرَابٌ فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا
السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا
بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لاَ صَخَبَ فِيْهِ
وَلاَ نَصَبَ. مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ1.
عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ: سَمِعْتُ عَلِيّاً:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "خَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ
بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَخَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ
بِنْتُ عِمْرَانَ" 2.
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو: حَدَّثَنَا أَبُو
سَلَمَةَ وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالاَ:
لَمَّا هَلَكَتْ خَدِيْجَةُ جَاءتْ خَوْلَةُ بِنْتُ
حَكِيْمٍ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بنِ مَظْعُوْنٍ
فَقَالَتْ: يَا رَسُوْلَ الله إلَّا تزوج? قال:
"وَمَنْ" قَالَتْ: سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ قَدْ
آمَنَتْ بِكَ وَاتَّبَعَتْكَ ... ، الحَدِيْثَ
بِطُوْلِهِ وَهُوَ مُرْسَلٌ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: تَتَابَعَتْ عَلَى رَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
المَصَائِبُ بِهَلاَكِ أَبِي طَالِبٍ وَخَدِيْجَةَ.
وَكَانَتْ خَدِيْجَةُ وَزِيْرَةَ صِدْقٍ. وَهِيَ
أَقْرَبُ إِلَى قُصَيٍّ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرَجُلٍ. وَكَانَتْ
مُتَمَوِّلَةً فَعَرَضَتْ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَخْرُجَ فِي
مَالِهَا إِلَى الشَّامِ فَخَرَجَ مَعَ مَوْلاَهَا
مَيْسَرَةَ. فَلَمَّا قَدِمَ بَاعَتْ خَدِيْجَةُ مَا
جَاءَ بِهِ فَأَضْعَفَ فَرَغِبَتْ فِيْهِ فَعَرَضَتْ
نَفْسَهَا عَلَيْهِ فَتَزَوَّجَهَا وَأَصْدَقَهَا
عِشْرِيْنَ بَكْرَةً.
فَأَوْلاَدُهَا مِنْهُ: القَاسِمُ وَالطَّيِّبُ
وَالطَّاهِرُ مَاتُوا رُضَّعاً وَرُقَيَّةُ وَزَيْنَبُ
وَأُمُّ كُلْثُوْمٍ وفاطمة.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3820"، ومسلم "2432".
2 صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة "12/ 134"، وعبد الرزاق
"14006"، وأحمد "1/ 84 و116 و132 و143"، والبخاري
"3432" و"3815"، ومسلم "2430"، والترمذي "3877"، وأبو
يعلى "522"، والبزار "467" و"468"، وأبو نعيم في
"معرفة الصحابة" "348"، والبغوي في "شرح السنة" 2954
من طرق عَنْ هِشَامٍ، عَنِ أَبِيْه، عَنْ عَبْدِ اللهِ
بن جعفر، به.
(3/411)
قالت عائشة: أول ما بدى به النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا
الصَّالِحَةُ...... إِلَى أَنْ قَالَتْ: فَقَالَ:
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]
قَالَتْ: فَرَجَعَ بِهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ1،
حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيْجَةَ فَقَالَ:
"زَمِّلُوْنِي".... فَزَمَّلُوْهُ حَتَّى ذَهَبَ
عَنْهُ الرَّوْعُ فَقَالَ: "مَا لِي يَا خَدِيْجَةُ"؟.
وَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ وَقَالَ: "قَدْ خَشِيْتُ عَلَى
نَفْسِي". فَقَالَتْ لَهُ: كَلاَّ أَبْشِرْ فَوَاللهِ
لاَ يُخْزِيْكَ الله أَبَداً إِنَّكَ لَتَصِلُ
الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الحَدِيْثَ وَتَحْمِلُ الكَلَّ
وَتُعِيْنُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ. وَانْطَلَقَتْ
بِهِ إِلَى ابْنِ عَمِّهَا وَرقَةَ بنِ نَوْفَلِ بنِ
أَسَدٍ وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ
وَكَانَ يَكْتُبُ الخَطَّ العَرَبِيَّ وَكَتَبَ
بِالعَرَبِيَّةِ مِنَ الإِنْجِيْلِ مَا شَاءَ اللهُ
أَنْ يَكْتُبَ وَكَانَ شَيْخاً قَدْ عَمِيَ.
فَقَالَتْ: اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيْكَ ما يقول.
فقال: يابن أَخِي مَا تَرَى فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ:
هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى
مُوْسَى..... الحَدِيْثَ2.
قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّيْنِ بنُ الأَثِيْرِ:
خَدِيْجَةُ أَوَّلُ خَلْقِ الله أسلم لإجماع
المُسْلِمِيْنَ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ وَمُوْسَى بنُ
عُقْبَةَ وابن إسحاق والواقدي وسعيد ين يَحْيَى:
أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ خَدِيْجَةُ
وأبو بكر وعلي -رضي الله عنهم.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيْلُ بنُ
أَبِي حَكِيْمٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، عَنْ خَدِيْجَةَ
أَنَّهَا قَالَتْ: يابن
__________
1 بوادره: جمع بادرة، وهي لحمة بين المنكب والعنق.
2 صحيح: أخرجه عبد الرزاق "9719"، والطيالسي "1467"،
وأحمد "6/ 232-233" والبخاري "3" و"3392" و"3953"
و"4955" و"4956" و"4957" و"6982"، ومسلم "160" "253"
و"254"، وابن جرير الطبري في "تفسيره" "30/ 161 و162"،
وأبو عوانة "1/ 110 و113" والبيهقي في "دلائل النبوة"
"2/ 135-136"، وأبو نعيم في "دلائل النبوة" "1/
275-277"، والآجرى في "الشريعة" "ص439-440"، والبغوي
في "شرح السنة " "3735" من طرق عن الزهري، أخبرني عروة
بن الزبير، عن عائشة، به وتمامه: " ... فقال له ورقة:
هذا الناموس الذي نزل الله على موسى، يا ليتني فيها
جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "أومخرجي هم" قال: نعم، لم يأت
رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك
أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر
الوحي".
وحقيق بالذكر أن بالحديث زيادة لا تصح؛ لأنها من
بلاغات الزهري، ومعلوم أن بلاغات الزهري واهية، ونص
هذه الزيادة: "وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي صلى الله
عليه وسلم فيما بلغنا حزنا، غدا منه مرارا كي يتردى من
رءوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه
نفسه، تبدى له جبريل، فقال: يا محمد، إنك رسول الله
حقا، فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه، فيرجع، فإذا طالت
عليه فترة الوحي، غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل،
تبدى له جبريل، فقال له مثل ذلك".
(3/412)
عَمِّ، أَتَسْتَطِيْعُ أَنْ تُخْبِرَنِي
بِصَاحِبِكَ إِذَا جَاءكَ فَلَمَّا جَاءهُ قَالَ: يَا
خَدِيْجَةُ هَذَا جِبْرِيْلُ فَقَالَتْ: اقْعُدْ عَلَى
فَخِذِي فَفَعَلَ فَقَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ قَالَ:
نَعَمْ قَالَتْ: فَتَحَوَّلْ إِلَى الفَخِذِ اليُسْرَى
فَفَعَلَ: قَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ قَالَ: نَعَمْ
فَأَلْقَتْ خِمَارَهَا وَحَسَرَتْ، عَنْ صَدْرِهَا.
فَقَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ قَالَ: لاَ قَالَتْ: أَبْشِرْ
فَإِنَّهُ وَاللهِ مَلَكٌ وَلَيْسَ بِشَيْطَانٍ1.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: رُوِيَ مِنْ وُجُوْهٍ
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: "يَا خَدِيْجَةُ جِبْرِيْلُ يُقْرِئُكِ
السَّلاَمَ" وَفِي بَعْضِهَا: يَا مُحَمَّدُ اقْرَأْ
عَلَى خَدِيْجَةَ مِنْ رَبِّهَا السَّلاَمَ2.
عَنْ حُذَيْفَةَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خديجة سَابِقَةُ نِسَاءِ
العَالَمِيْنَ إِلَى الإِيْمَانِ بِاللهِ
وَبِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
فِي إِسْنَادِهِ لِيْنٌ.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ
اللهِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ قَالَ: وَجَدَ رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- خديجة حَتَّى خُشِيَ
عَلَيْهِ حَتَّى تَزَوَّجَ عَائِشَةَ3.
مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ. وَأَبُو جَعْفَرٍ
الرَّازِيُّ، عَنْ ثَابِتٍ واللفظ لقتادة، عَنْ أَنَسٍ
مَرْفُوْعاً: "حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ العَالَمِيْنَ
أَرْبَعٌ" 4.
وَقَالَ ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ: "خَيْرُ نِسَاءِ
العَالَمِيْنَ مَرْيَمُ وَآسِيَةُ وَخَدِيْجَةُ بِنْتُ
خُوَيْلِدٍ وَفَاطِمَةُ" 5.
__________
1 ضعيف: إسماعيل بن أبي حكيم من الطبقة السادسة، وهي
الطبقة الصغرى من التابعين، ولم يثبت لهم لقاء أحد من
الصحابة الكرام، فالإسناد ضعيف لانقطاعه.
2 صحيح: سبق تخريجنا له قريبا برقم "868"، وهو عند
البخاري "3816" و"3817" و"3818"، ومسلم "2435".
3 ضعيف: أخرجه ابن سعد "4/ 272"، وهو مرسل.
4 صحيح على شرط الشيخين: أخرجه عبد الرزاق "11/
20919"، ومن طريقه أحمد "3/ 135" وفي "فضائل الصحابة"
له "1325" و"1327"، والترمذي "3878"، وابن أبي عاصم في
"الآحاد والمثاني" "2960"، وأبو يعلى "3039"، والطحاوي
في "شرح مشكل الآثار" "147"، والطبراني في "الكبير"
"22/ 1003" و"23/ 3"، وأبو نعيم في "الحلية" "2/ 344"،
والحاكم "3/ 157"، والبغوي في "شرح السنة" "3955" كلهم
من طريق عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عَنْ قَتَادَةَ
عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم قال: "حسبك من نساء العالمين مريم بنة عمران،
وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنة محمد، وآسية آمرأة
فرعون".
5 صحيح: أخرجه ابن حبان "2222" موارد من طريق عَبْدُ
الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ أنس
بن مالك، به.
(3/413)
الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ
عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"سيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ بَعْدَ مَرِيْمَ
فَاطِمَةُ وَخَدِيْجَةُ وَامْرَأَةُ فِرْعَوْنَ
آسِيَةُ" 1.
مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوْقٍ، عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: ذَكَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَدِيْجَةَ
فَتَنَاوَلْتُهَا فَقُلْتُ: عَجُوْزٌ كَذَا وَكَذَا
قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهَا خَيْراً مِنْهَا. قَالَ:
"مَا أَبْدَلَنِي اللهُ خَيْراً مِنْهَا لَقَدْ
آمَنَتْ بِي حِيْنَ كَفَرَ النَّاسُ وَأَشْرَكَتْنِي
فِي مَالِهَا حِيْنَ حَرَمَنِي النَّاسُ وَرَزَقَنِي
اللهُ وَلَدَهَا وَحَرَمَنِي وَلَدَ غَيْرِهَا".
قُلْتُ: وَاللهِ لاَ أُعَاتِبُكَ فِيْهَا بَعْدَ
اليَوْمِ2.
وَرَوَى عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
تُوُفِّيَتْ خَدِيْجَةُ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ
الصَّلاَةُ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: تُوُفِّيَتْ فِي رَمَضَانَ
وَدُفِنَتْ بِالحَجُوْنِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: مَاتَتْ قَبْلَ الهِجْرَةِ
بِثَلاَثِ سِنِيْنَ وَكَذَا قال عروة.
__________
1 صحيح: أخرجه الطبراني في "الكبير" "11/ 12179" من
طريق إِبْرَاهِيْمَ بنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: فذكره.
وأخرجه الطبراني في "الكبير" "23/ 2" من طريق مُوْسَى
بنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
به. وله شاهد عن عائشة قالت لفاطمة بِنْتِ رَسُوْلِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِلاَّ
أبشرك إني سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "سيدات نساء أهل الجنة
أربع........" الحديث.
أخرجه الحاكم "3/ 185" وقال: صحيح على شرط الشيخين،
ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
2 حسن: أخرجه أحمد "6/ 117-118" من طريق علي بن إسحاق،
أخبرنا عبد الله قال أخبرنا مجالد، به. وإسناده ضعيف
لأجل مجالد بن سعيد، فإنه ضعيف.
وله طريق آخر عن عائشة ضعيف ذكرته في تخريجنا السابق
برقم "874" فيرتقي الحديث للحسن بمجموع الطريقين.
(3/414)
113- فاطمة بنت
أسد 1:
ابن هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيٍّ
الهَاشِمِيَّةُ وَالِدَةُ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ.
هِيَ حَمَاةُ فَاطِمَةَ.
كَانَتْ مِنَ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ. وَهِيَ أَوَّلُ
هَاشِمِيَّةٍ وَلَدَتْ هَاشِمِيّاً. قَالَهُ
الزُّبَيْرُ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: رَوَى سَعْدَانُ بنُ
الوَلِيْدِ السَّابَرِيُّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا مَاتَتْ فَاطِمَةُ أُمُّ
عَلِيٍّ أَلْبَسَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَمِيْصَهُ وَاضْطَجَعَ مَعَهَا
فِي قَبْرِهَا فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَاكَ يَا
رَسُوْلَ اللهِ صَنَعْتَ هَذَا فَقَالَ: "إِنَّه لَمْ
يَكُنْ أَحَدٌ بَعْدَ أَبِي طَالِبٍ أَبَرَّ بِي
مِنْهَا إِنَّمَا أَلْبَسْتُهَا قَمِيْصِي لِتُكْسَى
مِنْ حُلَلِ الجَنَّةِ وَاضْطَجَعْتُ معها ليهون
عليها". هذا غريب.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 222"، والإصابة "4/
ترجمة رقم 731".
(3/414)
114- فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 1 "ع":
سَيِّدَةُ نِسَاءِ العَالَمِيْنَ فِي زَمَانِهَا
البضعة النبوية والجهة المصطفوية أُمُّ أَبِيْهَا
بِنْتُ سَيِّدِ الخَلْقِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبِي القَاسِمِ
مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ
بنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ القُرَشِيَّةُ
الهَاشِمِيَّةُ وَأُمُّ الحَسَنَيْنِ.
مَوْلِدُهَا قَبْلَ المَبْعَثِ بِقَلِيْلٍ
وَتَزَوَّجَهَا الإِمَامُ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ
فِي ذِي القَعْدَةِ أَوْ قُبَيْلَهُ مِنْ سَنَةِ
اثْنَتَيْنِ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: دَخَلَ بِهَا بَعْدَ
وَقْعَةِ أُحُدٍ فَوَلَدَتْ لَهُ الحَسَنَ
وَالحُسَيْنَ وَمُحْسِناً وَأُمَّ كُلْثُوْمٍ
وَزَيْنَبَ.
وَرَوَتْ عَنْ أَبِيْهَا.
وَرَوَى عَنْهَا ابْنُهَا الحُسَيْنُ وَعَائِشَةُ
وَأُمُّ سَلَمَةَ وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُم
وَرِوَايَتُهَا فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ.
وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يُحِبُّهَا وَيُكْرِمُهَا وَيُسِرُّ
إِلَيْهَا. وَمَنَاقِبُهَا غَزِيْرَةٌ. وَكَانَتْ
صَابِرَةً دَيِّنَةً خَيِّرَةً صَيِّنَةً قَانِعَةً
شَاكِرَةً للهِ وَقَدْ غَضِبَ لَهَا النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا بَلَغَهُ
أَنَّ أَبَا الحَسَنِ هَمَّ بِمَا رَآهُ سَائِغاً مِنْ
خِطْبَةِ بِنْتِ أَبِي جَهْلٍ فَقَالَ: "وَاللهِ لاَ
تَجْتَمِعُ بِنْتُ نَبِيِّ اللهِ وَبِنْتُ عَدُوِّ
اللهِ وَإِنَّمَا فَاطِمَةُ بِضْعَةٌ مِنِّي
يَرِيْبُنِي مَا رَابَهَا وَيُؤْذِيْنِي مَا آذَاهَا"
2 فَتَرَكَ عَلِيٌّ الخِطْبَةَ رِعَايَةً لَهَا. فَمَا
تزوج عليها ولا تَسَرَّى. فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ
تَزَوَّجَ وَتَسَرَّى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَزِنَتْ عَلَيْهِ وَبَكَتْهُ
وَقَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ! إِلَى جِبْرِيْلَ
نَنْعَاهُ! يَا أَبتَاهُ أَجَابَ رَبّاً دعاه! يا
أبتاه جنة الفردوس مأواه!
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 19-30" حلية الأولياء
"2/ 39-43"، والإصابة "4/ ترجمة 830"، تهذيب الكمال
"35/ ترجمة رقم 7899"، وتهذيب التهذيب "12/ 440-442".
2 صحيح: أخرجه البخاري "3110"، ومسلم "2449" "95"،
وأبو داود "2069" من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد،
حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ كَثِيْرٍ،
حَدَّثَنِي محمد بن عمرو بن حلحلة الدؤلي، أَنَّ ابْنَ
شِهَابٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ عَلِيَّ بنَ الحسين حدثه، عن
المسور بن مخرمة، به مرفوعا.
(3/415)
وَقَالَتْ بَعْدَ دَفْنِهِ: يَا أَنَسُ
كَيْفَ طَابَتْ أَنفُسُكُم أَنْ تَحْثَوُا التُّرَابَ
عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ1.
وَقَدْ قَالَ لَهَا فِي مَرَضِهِ: إِنِّي مَقْبُوْضٌ
فِي مَرَضِي هَذَا. فَبَكَتْ. وَأَخْبَرَهَا أَنَّهَا
أَوَّلُ أَهْلِهِ لُحُوْقاً بِهِ وَأَنَّهَا سَيِّدَةُ
نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ فَضَحِكَتْ وَكَتَمَتْ
ذَلِكَ فَلَمَّا تُوُفِّيَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- سألتها عائشة. فحدثتها بما أسر إليها2.
قالت عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: جَاءتْ
فَاطِمَةُ تَمْشِي مَا تُخْطِئُ مِشْيَتُهَا مِشْيَةَ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَامَ إِلَيْهَا وَقَالَ: "مَرْحَباً يا بنتي".
وَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُوْهَا تَعَلَّقَتْ آمَالُهَا
بِمِيْرَاثِهِ وَجَاءتْ تَطْلُبُ ذَلِكَ مِنْ أَبِي
بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ فَحَدَّثَهَا أَنَّهُ سَمِعَ مِنَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَقُوْلُ: "لاَ نورث ما تركنا صَدَقَةٌ" 3. فَوَجَدَتْ
عَلَيْهِ ثُمَّ تَعَلَّلَتْ4.
رَوَى إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ
الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَمَّا مرضت فاطمة أتى أبو بكر،
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "4462" من طريق حماد، عن ثابت،
عن أنس قال: لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل
يتغشاه، فقالت فاطمة - عليها السلام: واكرب أباه، فقال
لها: "ليس على أبيك كرب بعد اليوم"، فلما مات قالت:
يَا أَبتَاهُ أَجَابَ رَبّاً دَعَاهُ، يَا أَبتَاهُ من
جنة الفردوس مأواه. يا أبتاه إلى جبريل ننعاه. فلما
دفن قالت فاطمة -عليها السلام: يا أنس أطابت نفوسكم أن
تحثو عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ التراب؟ "
2 صحيح: أخرجه أحمد "6/ 77 و240 و282" وفي "الفضائل"
له "1322"، والبخاري "3625" و"3626"، و"3715"،
و"3716"، و"4433"، ومسلم "2450" "97"، والنسائي في
"الفضائل" "262"، والطبراني "22/ 1037"، والبغوي
"3959" من طرق عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن عروة بن
الزبير، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: دعا النبي صلى
الله عليه وسلم فاطمة -عليها السلام- في شكواه الذي
قبض فيه، فسارها بشيء فبكت، ثم دعاها فسارها بشيء
فضحكت، فسألنا عن ذلك فقالت: سارني النبي صلى الله
عليه وسلم أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه فبكيت، ثم
سارني فأخبرني أني أول أهله يتبعه فضحكت".
3 صحيح على شرط الشيخين: أخرجه عبد الرزاق "9772"،
والحميدي "22"، وابن سعد "2/ 314"، وأحمد "1/ 25 و48
و162 و164 و179، 191"، والبخاري "4033" و5357" و"5358"
و"6728" و"7305"، ومسلم "1757" "50" وأبو داود "2963"
و"2964"، والترمذي "1610" والبزار "255"، وأبو بكر
المروزي في "مسند أبي بكر" "1 و2 و3"، وابن جرير في
"تفسيره" "28/ 38-39"، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"
"2/ 5"، وأبو يعلى "2" و"3"، والبيهقي "6/ 297 و298
و298-299" والبغوي "2738" من طرق عن الزهري، أخبرني
مالك بن أوس بن الحدثان، به.
4 تعللت بالأمر واعتلت: تشاغلت.
(3/416)
فَاسْتَأْذَنَ فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا
فَاطِمَةُ هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكِ.
فَقَالَتْ: أَتُحِبُّ أَنْ آذَنَ لَهُ. قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: عَمِلَتِ السُّنَّةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-
فَلَمْ تَأْذَنْ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا إلَّا
بِأَمْرِهِ.
قَالَ: فَأَذِنَتْ لَهُ فَدَخَلَ عَلَيْهَا
يَتَرَضَّاهَا وَقَالَ: وَاللهِ مَا تَرَكْتُ الدَّارَ
وَالمَالَ وَالأَهْلَ وَالعَشِيْرَةَ إلَّا ابْتِغَاءَ
مَرْضَاةِ اللهِ وَرَسُوْلِهِ وَمَرْضَاتِكُم أَهْلَ
البَيْتِ. قَالَ: ثُمَّ تَرَضَّاهَا حَتَّى رَضِيَتْ.
تُوُفِّيَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ أَوْ
نَحْوِهَا. وَعَاشَتْ أَرْبَعاً أَوْ خَمْساً
وَعِشْرِيْنَ سَنَةً. وَأَكْثَرُ مَا قِيْلَ: إنها
عاشت تسعًا وعشرين سنة. والأول أَصَحُّ. وَكَانَتْ
أَصْغَرَ مِنْ زَيْنَبَ زَوْجَةِ أَبِي العَاصِ بنِ
الرَّبِيْعِ وَمِنْ رُقَيَّةَ زَوْجَةِ عُثْمَانَ بنِ
عَفَّانَ. وَقَدِ انْقْطَعَ نَسَبُ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَّا مِنْ قِبَلِ
فَاطِمَةَ لأَنَّ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ الَّتِي
كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَحْمِلُهَا فِي صَلاَتِهِ1 تزوجت بعلي ابن أَبِي
طَالِبٍ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ بِالمُغِيْرَةِ بنُ
نَوْفَلِ بنِ الحَارِثِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ
الهَاشِمِيِّ وَلَهُ رُؤْيَةٌ فَجَاءهَا مِنْهُ
أَوْلاَدٌ.
قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: انْقَرَضَ عَقِبُ
زَيْنَبَ.
وَصَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- جَلَّلَ فَاطِمَةَ وَزَوْجَهَا
وَابْنَيْهِمَا بِكِسَاءٍ وَقَالَ: $"اللَّهُمَّ
هَؤُلاَءِ أَهْلُ بَيْتِي اللَّهُمَّ فَأَذْهِبْ
عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُم تَطْهِيْراً"2.
__________
1 صحيح: أخرجه مالك "1/ 170"، ومن طريق البخاري "516"،
ومسلم "543" "41" من طريق عَامِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ
بنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَمْرِو بنِ سُلَيْم
الزُّرَقِي، عَنْ أَبِي قَتَادَة الأَنْصَارِيِّ أَنَّ
رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَاملٌ أُمَامَةَ بِنْتَ
زَيْنَب بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس،
فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها".
وأخرجه البخاري "5996" من طريق الليث، حدثنا سعيد
المقبري، حدثنا عمرو بن سليم، به.
2 ورد بهذا اللفظ، عن أم سلمة أخرجه الترمذي "3205"
و"3787" حدثنا قتيبة، حدثنا محمد بن سليمان الأصبهاني،
عن يحيى بن عبيد، عن عطاء بن أبي رباح، عن عمر بن أبي
سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وسلم، عن أمه في قصة.
قلت: إن كان يحيى بن عبيد هو المكي، مولى بني مخزوم،
فهو ثقة، والإسناد حسن، وإلا فهو مجهول، ويضعف الإسناد
به، وهذا الراوي لم يتبين للحافظ المزي، وللحافظ ابن
حجر العسقلاني لم يتبين لهما من هو فقالا: يحتمل أن
يكون يحيى بن عبيد المكي وإلا فهو مجهول. وإن كنت أرجح
أن الحديث ضعيف بهذا اللفظ لجهالة الرجل لماذا؟ لأن
الترمذي قال في إثر الحديث: هذا حديث غريب من حديث
عطاء عن عمر بن أبي سلمة، يقول محمد أيمن الشبراوي:
اصطلاح الترمذي هذا: "هذا حديث غريب"2=
(3/417)
أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا
تَلِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو
الجَحَّافِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ: نَظَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ
وَالحَسَنِ وَالحُسَيْنِ فَقَالَ: "أَنَا حَرْبٌ
لِمَنْ حَارَبَكُم سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُم"1.
رَوَاهُ الحَاكِمُ فِي المُسْتَدْرَكِ. وَفِيْهِ مِنْ
طَرِيْقِ أَبَانَ بنِ تَغْلِبٍ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ،
عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ: قَالَ
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"لاَ يُبْغِضُنَا أَهْلَ البَيْتِ أَحَدٌ إلَّا
أَدْخَلَهُ اللهُ النَّارَ" 2.
إِسْرَائِيْلُ، عَنْ مَيْسَرَةَ بنِ حَبِيْبٍ، عَنِ
المِنْهَالِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ زِرٍّ، عَنْ
حُذَيْفَةَ: قَالَ:
__________
= معروف عند الأكابر بله الأصاغر من طلاب علم الحديث
أن الحديث ضعيف عنده، فيحيى بن عبيد ليس المكي، وإنما
هو رجل مجهول والله -تعالى- أعلم.
لكن قد ورد الحديث عن عائشة قالت: خرج النبي صلى الله
غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي
فأدخله. ثم جاء الحسين فأدخله معه. ثم جاءت فاطمة
فأدخلها. ثم جاء علي فأدخله ثُمَّ قَالَ: {إِنَّمَا
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ
الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33]
، أخرجه مسلم "2424" بإسناده عن صفية بنت شيبة، عن
عائشة، به.
وقد خرجت هذا الحديث بنحو هذا في كتاب "منهاج السنة
النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية" لابن تيمية ط.
دار الحديث "الجزء الرابع تعليق رقم 1 و4" ط. دار
الحديث فراجعه ثم أنى شئت.
1 ضعيف: أخرجه أحمد "2/ 442"، والحاكم "3/ 149"،
والطبراني في "الكبير" "2621"، وابن عدي في "الكامل"
"2/ 86-87"، والخطيب في "تاريخ بغداد" "7/ 136-137"،
وابن الجوزي في "العلل المتناهية" "431" من طرق عن
تليد بن سليمان، قال حدثنا أبو الجحاف، به.
قلت: إسناده ضعيف جدا، من طرق عن تليد سليمان الكوفي
الأعرج، قال أحمد: شيعي لم نر به بأسًا. وقال ابن
معين: كذاب يشتم عثمان. وقال أبو داود: رافضي يشتم أبا
بكر وعمر. وأبو حازم هو سلمان الأشجعي الكوفي، ثقة،
وأبو الجحاف، هو داود بن أبي عوف سويد التميمي، صدوق
شيعي ربما أخطأ، وله شاهد عن زيد بن أرقم أخرجه
الترمذي "3870"، وإسناده ضعيف، فيه علتان: الأولى:
أسباط بن نصر الهمداني، ضعيف لسوء حفظه. والثانية:
جهالة صبيح مولى أم سلمة، لذا قال الحافظ في
"التقريب": مقبول.
2 حسن: أخرجه الحاكم "3/ 150" من طريق محمد بن بكير
الحضرمي، حدثنا محمد بن فضيل الضبي، حدثنا أبان بن
جعفر بن تغلب، عن جعفر بن إياس، عن أبي نضرة عن أبي
سعيد الخدري، به وقال الحاكم في إثره: صحيح على شرط
مسلم. ووافقه الذهبي.
قلت: كلا، فإن الحديث حسن، محمد بن بكير الحضرمي،
ومحمد بن فضل الضبي، كلاهما صدوق وليس على شرط مسلم،
أبان بن تغلب لم يرو له مسلم، ولكن روى له أصحاب السنن
حسب.
(3/418)
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "نَزَلَ مَلَكٌ فَبَشَّرَنِي أَنَّ
فَاطِمَةَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ"
وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ المِنْهَالِ
رَوَاهُمَا الحَاكِمُ1.
يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِي سَلاَّمٍ،
عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: دَخَلَ
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عَلَى فَاطِمَةَ وَأَنَا مَعَهُ وَقَدْ أَخَذَتْ مِنْ
عُنُقِهَا سِلْسِلَةً مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَتْ: هَذِهِ
أَهْدَاهَا لِي أَبُو حَسَنٍ. فَقَالَ: "يَا فَاطِمَةُ
أَيَسُرُّكِ أَنْ يَقُوْلَ النَّاسُ: هَذِهِ فَاطِمَةُ
بِنْتُ مُحَمَّدٍ وَفِي يَدِهَا سِلْسِلَةٌ مِنْ
نَارٍ"! ثُمَّ خَرَجَ. فَاشْتَرَتْ بِالسِّلْسِلَةِ
غُلاَماً فَأَعْتَقَتْهُ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الحَمْدُ للهِ الَّذِي
نَجَّى فاطمة من النار" رواه أبو داود2.
دَاوُدُ بنُ أَبِي الفُرَاتِ، عَنْ عِلْبَاءَ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوْعاً:
"أَفْضَلُ نِسَاءِ أهل الجنة خديجة وفاطمة" 3.
__________
1 صحيح على شرط الشيخين: أخرجه البخاري "3623" و"6285"
و"6286" ومسلم "2450"، وابن ماجه "1621"، والبغوي
"3960" من طرق عن فراس، عن الشعبي، عن مسروق، عن
عائشة، به.
فراس هو ابن يحيى الهمذاني الكوفي، صاحب الشعبي، وثقة
أحمد، ويحيى بن معين، والنسائي، والعجلي، وابن عمار،
وآخرون.
2 صحيح: أخرجه أبو داود الطيالسي "990"، والنسائي "2/
285"، والحاكم "3/ 152 و153" من طريق هِشَامٌ، عَنْ
يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِي سَلاَّمٍ،
عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: جاءت
فاطمة بنت هبيرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي
يدها فتخ من ذهب "خواتيم ضخام" فجعل النبي صلى الله
عليه وسلم يضرب يدها، فأتت فاطمة تشكو إليها، قال
ثوبان: فدخل النبي صلى الله عليه وسلم على فاطمة وأنا
معه وقد أخذت من عنقها سلسلة من ذهب فقالت: هذا أهدى
لي أبو حسن وفي يدها السلسلة فقال النبي صلى الله عليه
وسلم: فذكره.
قلت: إسناده ضعيف، فيه علتان: الأولى: الانقطاع بين
يحيى بن أبي كثير وأبي سلام واسمه ممطور الأسود الحبشي
الثانية: يحيى بن أبي كثير، مدلس، وقد عنعنه: وقد رواه
أحمد "5/ 278" من طريق همام، والنسائي "8/ 158" من
طريق هشام الدستواني كلاهما عن يحيى بن أبي كثير قال:
حدثني زيد، عن أبي سلام، عن أبي أسماء الرحبي أن ثوبان
مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه قال: جاءت بنت
هبيرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث.
قلت: إسناده صحيح موصول، زيد هو ابن سلام بن أبي سلام
ممطور الحبشي، ثقة. وأبو أسماء هو عمرو بن مرثد الرحبي
الدمشقي، ثقة. وهشام هو ابن أبي عبد الله سنبر، أبو
بكر الدستوائي، ثقة ثبت.
3 صحيح: أخرجه أحمد "1/ 293"، وعبد بن حميد "597"،
والطحاوي في "مشكل الآثار" "148"، وأبو يعلى "2722"،
والحاكم "3/ 185"، والطبراني "11928" من طرق عن داود
بن أبي الفرات، عن علياء، به.
علياء هو ابن أحمد اليشكري، بصري صدوق، من القراء، روى
له مسلم، والترمذي، والنسائي وابن ماجه.
(3/419)
أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى
بنُ أَبِي زَائِدَةَ أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنِ
الشَّعْبِيِّ، عَنْ سُوَيْدِ بنِ غَفَلَةَ قَالَ:
خَطَبَ عَلِيٌّ بِنْتَ أَبِي جهل إلى عمها الحَارِثِ
بنِ هِشَامٍ فَاسْتَشَارَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "أَعَنْ حَسَبِهَا
تَسْأَلُنِي"? قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ أَعْلَمُ مَا
حَسَبُهَا وَلَكِنْ أَتَأْمُرُنِي بِهَا? فَقَالَ:
"لاَ فَاطِمَةُ مُضْغَةٌ مِنِّي وَلاَ أَحْسَبُ إلَّا
أَنَّهَا تَحْزَنُ أَوْ تَجْزَعُ" قَالَ: لاَ آتِي
شَيْئاً تَكْرَهُهُ1.
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ مِنْ
حَدِيْثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قِيْلَ لَهَا أَيُّ
النَّاسِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: فَاطِمَةُ مِنْ
قِبَلِ النِّسَاءِ وَمِنَ الرِّجَالِ زَوْجُهَا وَإِنْ
كَانَ مَا عَلِمْتُ صَوَّاماً قَوَّاماً2.
قُلْتُ: لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَاكَ.
وَفِي الجَامِعِ لِزَيْدِ بنِ أَرْقَمَ: أَنَّ
رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال لهما ولا بينهما: "أَنَا سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمْتُم
وَحَرْبٌ لِمَنْ حَارَبْتُم"3.
__________
1 ضعيف: أخرجه الحاكم "3/ 158" من طريق أَحْمَدُ بنُ
حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي زائدة، به.
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ورد الذهبي في
"التلخيص" بقوله "مرسل قوي".
قلت: لكن قد ورد عند أحمد "4/ 326" وفي "الفضائل" له
"1335"، والبخاري "3110"، ومسلم "2449" "95" وأبي داود
"2069"، والنسائي في "الفضائل" "267"، والطبراني "20/
20" من طرق عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، حَدَّثَنَا
أَبِي، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ كَثِيْرٍ، حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ حَلْحَلَةَ، أَنَّ ابْنَ
شِهَابٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ
حَدَّثَهُ، عن المسور بن مخرمة قال إِنَّ عَلِيَّ بنَ
أَبِي طَالِبٍ خَطَبَ ابْنَةَ أبي جهل على فاطمة
-عليها السلام- فَسَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ فِي
ذَلِكَ عَلَى مِنْبَرِهِ هَذَا وأنا يومئذ المحتلم
فقال: "إن فاطمة مني، وأنا أتخوف أن تفتتن في دينها"،
ثم ذكر صهرا له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته
إياه قال: "حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي، وإني لست
أحرم حلالا ولا أحل حراما، ولكن والله لا تجتمع بنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله أبدا".
2 منكر: أخرجه الترمذي "3874"، والحاكم "3/ 157" من
طريق عبد السلام بن حرب على أبي الجحاف، عن جميع بن
عمير التميمي قال: دخلت مع عمتي على عائشة فسئلت أي
الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟....
الحديث.
وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب، وأبو الجحاف اسمه
داود بن أبي عوف".
قلت: إسناده واه بمرة، آفته جميع بن عمير، قال البخاري
والدارقطني وغيرهما: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك
الحديث.
3 ضعيف: سبق تخريجنا له بتعليقنا رقم "896" وهو عند
أحمد "2/ 442"، والحاكم "3/ 149". وغيرهم.
(3/420)
وَكَانَ لَهَا مِنَ البَنَاتِ: أُمُّ
كُلْثُوْمٍ زَوْجَةُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ وَزَيْنَبُ
زَوْجَةُ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ أَبِي
طَالِبٍ.
الأَعْمَشُ، عَنْ عمرو بن مرة، عن أبي البَخْتَرِيِّ
قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ لأُمِّهِ: اكْفِي فَاطِمَةَ
الخِدْمَةَ خَارِجاً وَتَكْفِيْكِ هِيَ العَمَلَ فِي
البَيْتِ وَالعَجْنَ وَالخَبْزَ وَالطَّحْنَ.
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي
سَعِيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "فاطمة سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ
إلَّا مَا كَانَ مِنْ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ" 1.
عَلِيُّ بنُ هَاشِمِ بنِ البَرِيْدِ، عَنْ كَثِيْرٍ
النَّوَّاءِ، عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ: أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَادَ
فَاطِمَةَ وَهِيَ مَرِيْضَةٌ فَقَالَ لَهَا: "كَيْفَ
تَجِدِيْنَكِ" قَالَتْ: إِنِّي وَجِعَةٌ وَإِنَّهُ
لَيَزِيْدُنِي مالي طَعَامٌ آكُلُهُ. قَالَ: "يَا
بُنَيَّةُ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُوْنِي سَيِّدَةَ
نِسَاءِ العَالَمِيْنَ" قَالَتْ: فَأَيْنَ مَرْيَمُ
قَالَ: "تِلْكَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ عَالَمِهَا وَأَنْتِ
سَيِّدَةُ نِسَاءِ عَالَمِكِ أَمَا وَاللهِ لَقَدْ
زَوَّجْتُكِ سَيِّداً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ"2.
رَوَاهُ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، عَنْ مُحَمَّدِ
بنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ عَلِيٍّ. وَكَثِيْرٌ وَاهٍ.
وَسَقَطَ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِمْرَانَ.
عِلْبَاءُ بنُ أَحْمَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ
الجَنَّةِ خَدِيْجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَفَاطِمَةُ
بِنْتُ مُحَمَّدٍ وَمَرْيَمُ وَآسِيَةُ" 3.
وَرَوَى أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ ثَابِتٍ،
عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَهُ وَلَفْظُهُ: "خَيْرُ
نِسَاءِ العَالَمِيْنَ أَرْبَعٌ".
مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوْعاً:
"حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ العالمين أربع" ... الحديث
__________
1 صحيح على شرط الشيخين: سبق تخريجنا له قريبا
بتعليقنا رقم "898" وهو عند البخاري "3623" و"6285"
و"6286"، ومسلم "2450" وغيرهما.
2 ضعيف: آفته كثير بن إسماعيل النواء، أبو إسماعيل،
ضعفه أبو حاتم، والنسائي. وقال ابن عدي: مفرط في
التشيع. وقال السعدي: زائغ.
3 صحيح: تقدم تخريجنا له قريبا برقم تعليق "900".
وهو عند أحمد "1/ 293"، وعبد بن حميد "597" والطحاوي
في "مشكل الآثار" "148"، وأبو يعلى "2722"، والحاكم
"3/ 185" وغيرهم.
(3/421)
وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا وَهُوَ:
"حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ العَالَمِيْنَ مَرْيَمُ
وَخَدِيْجَةُ وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ وَفَاطِمَةُ
بنت محمد -صلى الله عليه وسلم" 1.
أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَرْوَانَ
الذُّهَلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ، حَدَّثَنِي
أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إِنَّ مَلَكاً
اسْتَأذَنَ اللهَ فِي زِيَارَتِي فَبَشَّرَنِي أَنَّ
فَاطِمَةَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أُمَّتِي وَأَنَّ
الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ
الجَنَّةِ" 2.
غَرِيْبٌ جِدّاً وَالذُّهْلِيُّ مُقِلٌّ وَيُرْوَى
نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَيْضاً.
مَيْسَرَةُ بنُ حَبِيْبٍ، عَنِ المِنْهَالِ بنِ
عَمْرٍو، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ
أَحَداً كَانَ أَشْبَهَ كَلاَماً وَحَدِيْثاً
بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مِنْ فَاطِمَةَ وَكَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ
قَامَ إِلَيْهَا فَقَبَّلَهَا وَرَحَّبَ بِهَا
وَكَذَلِكَ كَانَتْ هِيَ تَصْنَعُ بِهِ3. مَيْسَرَةُ:
صَدُوْقٌ.
الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
عَاشَتْ فَاطِمَةُ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَدُفِنَتْ
لَيْلاً.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: هَذَا أَثْبَتُ الأَقَاوِيْلِ
عِنْدَنَا. قَالَ: وَصَلَّى عَلَيْهَا العَبَّاسُ
وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهَا هُوَ وَعَلِيٌّ وَالفَضْلُ.
وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ: مَاتَتْ لَيْلَةَ
الثُّلاَثَاءِ لِثَلاَثٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ
رَمَضَانَ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ. وَهِيَ بِنْتُ
سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً أَوْ نحوها ودفنت ليلًا.
__________
1 صحيح على شرط الشيخين: سبق تخريجنا له بتعليق رقم
"883" من حديث أنس. وهو عند عبد الرزاق "11/ 20919"،
وأحمد "3/ 135"، وفي "فضائل الصحابة" له "1325" و"137"
وغيرهم.
2 حسن: وهذا إسناد ضعيف، آفته محمد بن مروان الذهلي،
لا يكاد يعرف كما قال الذهبي في "الميزان".
وله شاهد من حديث حذيفة موفرعا بلفظ: "إن هذا ملك لم
ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يسلم
عليَّ ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وأن
الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة".
أخرجه الترمذي "3781" من طريق مَيْسَرَةُ بنُ
حَبِيْبٍ، عَنِ المِنْهَالِ بنِ عَمْرٍو، عن زر بن
حبيش عن حذيفة، به. وإسناده حسن، ميسره بن حبيب،
والمنهال بن عمرو كلاهما صدوق.
3 حسن: أخرجه أبو داود "5217"، والترمذي "3872"،
والحاكم "3/ 154" من طريق ميسرة بن حبيب، به.
قلت: إسناده حسن، ميسرة بن حبيب، والمنهال كلاهما
صدوق.
(3/422)
وَرَوَى يَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ
عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ قَالَ: مَكَثَتْ فَاطِمَةُ
بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَهِيَ تَذُوْبُ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ: مَاتَتْ بَعْدَ
أَبِيْهَا بِثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ.
وَعَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ: كَانَ بَيْنَ فَاطِمَةَ وَبَيْنَ أَبِيْهَا
شَهْرَانِ.
وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ: أَنَّهَا
تُوُفِّيَتْ بِنْتَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً.
وُلِدَتْ وَقُرَيْشٌ تَبْنِي الكَعْبَةَ.
قَالَ: وَغَسَّلَهَا عَلِيٌّ.
وَذَكَرَ المُسَبِّحِيُّ: أَنَّ فَاطِمَةَ تَزَوَّجَ
بِهَا عَلِيٌّ بَعْدَ عُرْسِ عَائِشَةَ بِأَرْبَعَةِ
أَشْهُرٍ وَنِصْفٍ وَلِفَاطِمَةَ يَوْمَئِذٍ خَمْسَ
عَشْرَةَ سَنَةً وَخَمْسَةُ أَشْهُرٍ وَنِصْفٌ.
قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
مُوْسَى، عَنْ عَوْنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ
أُمِّهِ أُمِّ جَعْفَرٍ وَعَنْ عُمَارَةَ بنِ
مُهَاجِرٍ، عَنِ أُمِّ جَعْفَرٍ: أَنَّ فَاطِمَةَ
قَالَتْ لأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ: إِنِّي
أَسْتَقْبِحُ مَا يُصْنَعُ بِالنِّسَاءِ يُطْرَحُ
عَلَى المَرْأَةِ الثَّوْبُ فَيَصِفُهَا.
قَالَتْ: يَا ابْنَةَ رَسُوْلِ اللهِ إلَّا أُرِيْكِ
شَيْئاً رَأَيْتُهُ بِالحَبَشَةِ فَدَعَتْ بِجَرَائِدَ
رَطْبَةٍ فَحَنَتْهَا ثُمَّ طَرَحَتْ عَلَيْهَا ثوبا.
فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: مَا أَحْسَنَ هَذَا وَأَجْمَلَهُ
إِذَا مِتُّ فَغَسِّلِيْنِي أَنْتِ وَعَلِيٌّ وَلاَ
يَدْخُلَنَّ أَحَدٌ عَلَيَّ.
فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ جَاءتْ عَائِشَةُ لِتَدْخُلَ
فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: لاَ تَدْخُلِي. فَشَكَتْ إِلَى
أَبِي بَكْرٍ. فَجَاءَ فَوَقَفَ عَلَى البَابِ
فَكَلَّمَ أَسْمَاءَ. فَقَالَتْ: هِيَ أَمَرَتْنِي.
قَالَ: فَاصْنَعِي مَا أَمَرَتْكِ ثُمَّ انْصَرَفَ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: هِيَ أَوَّلُ مِنْ
غُطِّيَ نَعْشُهَا فِي الإِسْلاَمِ عَلَى تِلْكَ
الصِّفَةِ.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ
قَالَ: جَاءَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى فَاطِمَةَ حِيْنَ
مَرِضَتْ فَاسْتَأْذَنَ. فَأَذِنَتْ لَهُ. فَاعْتَذَرَ
إِلَيْهَا وَكَلَّمَهَا. فَرَضِيَتْ عَنْهُ.
رَوَى إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، عَنْ عَلِيِّ بنِ فُلاَنِ بنِ أَبِي
رَافِعٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ سَلْمَى قَالَتْ:
مَرِضَتْ فَاطِمَةُ..... إِلَى أَنْ قَالَتْ:
اضْطَجَعَتْ عَلَى فِرَاشِهَا وَاسْتَقْبَلَتِ
القِبْلَةَ ثُمَّ قَالَتْ: وَاللهِ إِنِّي
مَقْبُوْضَةٌ السَّاعَةَ وَقَدِ اغْتَسَلْتُ فَلاَ
يَكْشِفَنَّ لِي أَحَدٌ كَنَفاً فَمَاتَتْ وَجَاءَ
عَلِيٌّ فَأَخْبَرْتُهُ فَدَفَنَهَا بغسلها ذلك.
هذا منكر.
(3/423)
أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ
الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوْقٍ: حَدَّثَتْنِي
عَائِشَةُ قَالَتْ: كُنَّا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اجْتَمَعْنَا
عِنْدَهُ لَمْ يُغَادِرْ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً.
فَجَاءتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي مَا تُخْطِئُ مِشْيَتُهَا
مِشْيَةَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ بِهَا قَالَ:
"مَرْحَباً بِابْنَتِي" ثُمَّ أَقْعَدَهَا، عَنْ
يَمِيْنِهِ أَوْ، عَنْ يَسَارِهِ. ثُمَّ سَارَّهَا
فَبَكَتْ ثُمَّ سَارَّهَا الثَّانِيَةَ فَضَحِكَتْ.
فَلَمَّا قَامَ قُلْتُ لَهَا: خَصَّكِ رَسُوْلُ اللهِ
بِالسِرِّ وَأَنْتَ تَبْكِيْنَ عَزَمْتُ عَلَيْكِ
بِمَالِي عَلَيْكِ مِنْ حَقٍّ لَمَا أَخْبَرْتِنِي
مِمَّ ضَحِكْتِ وَمِمَّ بَكَيْتِ? قَالَتْ: مَا كُنْتُ
لأُفْشِي سِرَّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا توفي قلت لها: عَزَمْتُ
عَلَيْكِ بِمَالِي عَلَيْكِ مِنْ حَقٍّ لَمَا
أَخْبَرْتِنِي. قَالَتْ: أَمَّا الآنَ فَنَعَمْ فِي
المَرَّةِ الأُوْلَى، حَدَّثَنِي "أَنَّ جِبْرِيْلَ
كَانَ يُعَارِضُهُ بِالقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً
وَأَنَّهُ عَارَضَنِي العَامَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ
مَرَّتَيْنِ وَأَنِّي لاَ أَحْسِبُ ذَلِكَ إلَّا
عِنْدَ اقْتِرَابِ أَجَلِي فَاتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي
فَنِعْمَ السَّلَفُ لَكِ أَنَا". فَبَكَيْتُ فَلَمَّا
رَأَى جَزَعِي قَالَ: "أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ
تَكُوْنِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ العَالَمِيْنَ أَوْ
سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ". قَالَتْ:
فَضَحِكْتُ أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي
نُعَيْمٍ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ فِرَاسٍ1 وَهُوَ
فَرْدٌ غَرِيْبٌ.
مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِوٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِفَاطِمَةَ: أَرَأَيْتِ
حِيْنَ أَكْبَبْتِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَكَيْتِ ثُمَّ
أَكْبَبْتِ عَلَيْهِ فَضَحِكْتِ? قَالَتْ: أَخْبَرَنِي
أَنَّهُ مَيِّتٌ مِنْ وَجَعِهِ فَبَكَيْتُ ثُمَّ
أَخْبَرَنِي أَنَّنِي أَسْرَعُ أَهْلِهِ بِهِ
لُحُوْقاً وَقَالَ: "أَنْتِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ
الجَنَّةِ إلَّا مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ".
فَضَحِكْتُ.
ابْنُ حُمَيْدٍ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، حَدَّثَنَا
ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بنِ عَبَّادٍ، عَنْ
أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ
أَحَداً كَانَ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ فَاطِمَةَ إلَّا
أَنْ يَكُوْنَ الَّذِي وَلَدَهَا.
جَعْفَرٌ الأَحْمَرُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَطَاءٍ،
عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: كَانَ
أَحَبَّ النِّسَاءِ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاطِمَةُ وَمِنَ
الرِّجَالِ عَلِيٌّ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ
عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ: أَنَّ رَسُوْلَ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَعَا
فَاطِمَةَ فَسَارَّهَا فَبَكَتْ ثُمَّ سَارَّهَا
فَضَحِكَتْ فَقُلْتُ لَهَا فَقَالَتْ: أَخْبَرَنِي
بِمَوْتِهِ فَبَكَيْتُ ثُمَّ أَخْبَرَنِي أَنِّي أول
من يتبعه من أهله فضحكت.
__________
1 صحيح على شرط الشيخين: أخرجه البخاري "3623" و"6285"
و"6286" ومسلم "2450"، وابن ماجه "1621"، والبغوي من
طرق عن فراس، به.
وقد مر تخريجنا له قريبا بتعليقنا رقم "898".
(3/424)
وَرَوَى كَهْمَسٌ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ
قَالَ: كَمَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِيْهَا سَبْعِيْنَ
مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. فَقَالَتْ لأَسْمَاءَ: إِنِّي
لأَسْتَحْيِي أَنْ أَخْرُجَ غَداً على الرِّجَالِ مِنْ
خِلاَلِهِ جِسْمِي. قَالَتْ: أَوَلاَ نَصْنَعُ لَكِ
شَيْئاً رَأَيْتُهُ بِالحَبَشَةِ? فَصَنَعَتِ
النَّعْشَ. فَقَالَتْ: سَتَرَكِ اللهُ كَمَا
سَتَرْتِنِي.
هِلاَلُ بنُ خَبَّابٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نزلت {إِذَا جَاءَ نَصْرُ
اللَّهِ وَالْفَتْح} [النصر: 1] دَعَا النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاطِمَةَ
فَقَالَ لَهَا: إِنَّهُ قَدْ نُعِيَتْ إِلَيْهِ
نَفْسُهُ. فَبَكَتْ. فَقَالَ: "لاَ تَبْكِيْنَ
فَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِي لاَحِقاً بِي". فَضَحِكَتْ.
إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ
الفَرْوِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ
الزُّهْرِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ
عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنِ المِسْوَرِ
بنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا فَاطِمَةُ
شُجْنَةٌ مِنِّي يَبْسُطُنِي مَا يبسطها ويقبضني ما
يقبضها".
غَرِيْبٌ: وَرَوَاهُ عَبْدُ العَزِيْزِ الأُوَيْسِيُّ
فَخَالَفَ الفَرْوِيُّ. وَرَوَى الحَاكِمُ فِي
مُسْتَدْرَكِهِ وَمُحَمَّدُ بنُ زُهَيْرٍ النَّسَوِيُّ
هَذَا، عَنْ أَبِي سَهْلٍ بنِ زِيَادٍ، عَنْ
إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي.
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بنِ
الحُسَيْنِ أَنَّ المِسْوَر أَخْبَرَهُ: أَنَّ
عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- خَطَبَ بِنْتَ أَبِي
جَهْلٍ فَلَمَّا سَمِعَتْ فَاطِمَةُ أَتَتْ فَقَالَتْ:
إِنَّ قَوْمَكَ يَتَحَدَّثُوْنَ أَنَّكَ لاَ تَغْضَبُ
لِبَنَاتِكَ وَهَذَا عَلِيٌّ نَاكِحٌ ابْنَةَ أَبِي
جَهْلٍ. فَقَامَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَمِعْتُهُ حِيْنَ تَشَهَّدَ
فَقَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَنْكَحْتُ أَبَا
العَاصِ بنَ الرَّبِيْعِ فَحَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي
وَإِنَّ فَاطِمَةَ بِضْعَةٌ مِنِّي وَأَنَا أَكْرَهُ
أَنْ يَفْتِنُوْهَا وَإِنَّهَا وَاللهِ لاَ تَجْتَمِعُ
ابْنَةُ رَسُوْلِ اللهِ وَابْنَةُ عَدُوِّ اللهِ
عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ". فَتَرَكَ عَلِيٌّ الخِطْبَةَ.
وَرَوَاهُ الوَلِيْدُ بنُ كَثِيْرٍ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ حَلْحَلَةَ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ بِنَحْوِهِ. وَفِيْهِ: "وَأَنَا
أَتَخَوَّفُ أَنْ تُفْتَنَ فِي دِيْنِهَا".
ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ مُحَمَّدِ
بنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَبِيْهِ: سُئِلَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ
أَحَبُّ إِلَيْكَ? قَالَ: "فَاطِمَةُ".
وَيُرْوَى، عَنْ أُسَامَةَ بِإِسْنَادٍ آخَرَ ولفظه:
أي أهل بيتك أحب إليك?
حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ
رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كَانَ يَمُرُّ بِبَيْتِ فَاطِمَةَ
(3/425)
سِتَّةَ أَشْهُرٍ إِذَا خَرَجَ لِصَلاَةِ
الفَجْرِ يَقُوْلُ: "الصَّلاَةَ يَا أَهْلَ بَيْتِ
مُحَمَّدٍ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ
عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ
تَطْهِيرًا} [الأَحْزَابُ: 33] 1.
يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَمَنْصُوْرُ بنُ أَبِي
الأَسْوَدِ وَهَذَا لَفْظُهُ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ
سَمِعتُ أَبَا الحَمْرَاءِ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ
رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَأْتِي بَابَ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ
فَيَقُوْلُ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ} [الأحزاب: 33]
الآية.
وَمِمَّا يُنْسَبُ إِلَى فَاطِمَةَ وَلاَ يَصِحُّ:
مَاذَا عَلَى مَنْ شَمَّ تُرْبَةَ أَحْمَدٍ ... أَلاَ
يَشَمَّ مَدَى الزَّمَانِ غَوَالِيَا
صُبَّتْ عَلَيَّ مَصَائِبٌ لَوْ أَنَّهَا ... صُبَّتْ
عَلَى الأَيَّامِ عُدْنَ لَيَالِيَا
وَلَهَا فِي "مُسْنَدِ بَقِيٍّ" ثَمَانِيَةَ عَشَرَ
حَدِيْثاً مِنْهَا حديث واحد متفق عليه.
__________
1 ضعيف: أخرجه أحمد "3/ 259". وآفته علي بن زيد، وهو
ابن جدعان، ضعيف.
(3/426)
115- عائشة أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ "ع"1:
بِنْتُ الإِمَامِ الصِّدِّيْقِ الأَكْبَرِ خَلِيْفَةِ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قُحَافَةَ
عُثْمَانَ بنِ عَامِرِ بنِ عَمْرِو بنِ كَعْبِ بنِ
سَعْدِ بنِ تَيْمِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيٍّ
القُرَشِيَّةُ التَّيْمِيَّةُ المَكِّيَّةُ
النَّبَوِيَّةُ أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ زَوجَةُ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَفْقَهُ نِسَاءِ الأُمَّةِ عَلَى الإِطْلاَقِ.
وَأُمُّهَا هِيَ أُمُّ رُوْمَانَ بِنْتُ عَامِرِ بنِ
عُوَيْمِرِ بن عبد شمس بن عتاب ابن أُذَيْنَةَ
الكِنَانِيَّةُ.
هَاجَرَ بِعَائِشَةَ أَبَوَاهَا وَتَزَوَّجَهَا
نَبِيُّ اللهِ قَبْلَ مُهَاجَرِهِ بَعْدَ وَفَاةِ
الصِّدِّيْقَةِ خَدِيْجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ وَذَلِكَ
قَبْلَ الهِجْرَةِ بِبِضْعَةَ عَشَرَ شَهْراً
وَقِيْلَ: بِعَامَيْنِ وَدَخَلَ بِهَا فِي شَوَّالٍ
سَنَةَ اثْنَتَيْنِ مُنَصَرَفَهُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ
وَالسَّلاَمُ مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ وَهِيَ ابْنَةُ
تِسْعٍ.
فَرَوَتْ عَنْهُ: عِلْماً كَثِيْراً طَيِّباً
مُبَارَكاً فِيْهِ. وَعَنْ أَبِيْهَا وَعَنْ عُمَرَ
وَفَاطِمَةَ وَسَعْدٍ وَحَمْزَةَ بنِ عَمْرٍو الأسلمي
وجدامة بنت وهب.
حَدَّثَ عَنْهَا: إِبْرَاهِيْمُ بنُ يَزِيْدَ
النَّخَعِيُّ مُرْسَلاً وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ يَزِيْدَ
التَّيْمِيُّ كَذَلِكَ وَإِسْحَاقُ بنُ طَلْحَةَ
وَإِسْحَاقُ بنُ عُمَرَ وَالأَسْوَدُ بنُ يَزِيْدَ
وَأَيْمَنُ المَكِّيُّ وَثُمَامَةُ بنُ حَزْنٍ
وَجُبَيْرُ بنُ
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 58-81"، حلية الأولياء
"2/ 43"، الإصابة "4/ ترجمة 704"، وتهذيب الكمال "35/
ترجمة 7885"، تهذيب التهذيب "12/ ترجمة 2841".
(3/426)
نُفَيْرٍ وَجُمَيْعُ بنُ عُمَيْرٍ.
وَالحَارِثُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي
رَبِيْعَةَ المَخْزُوْمِيُّ وَالحَارِثُ بنُ
نَوْفَلٍ وَالحَسَنُ وَحَمْزَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ
بنِ عُمَرَ وَخَالِدُ بنُ سَعْدٍ وَخَالِدُ بنُ
مَعْدَانَ وَقِيْلَ: لَمْ يَسَمَعْ مِنْهَا
وَخَبَّابٌ صَاحِبُ المَقْصُوْرَةِ وَخُبَيْبُ بنُ
عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ وَخِلاَسٌ
الهَجَرِيُّ وَخِيَارُ بنُ سَلَمَةَ وَخَيْثَمَةُ
بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَذَكْوَانُ السَّمَّانُ
وَمَولاَهَا ذَكْوَانُ وَرَبِيْعَةُ الجُرَشِيُّ
وَلَهُ صُحْبَةٌ وَزَاذَانُ أَبُو عُمَرَ
الكِنْدِيُّ وَزُرَارَةُ بنُ أَوْفَى وَزِرُّ بنُ
حُبَيْشٍ وَزَيْدُ بنُ أَسْلَمَ وَسَالِمُ بنُ
أَبِي الجَعْدِ وَلَمْ يَسَمَعَا مِنْهَا وَزَيْدُ
بنُ خَالِدٍ الجُهَنِيُّ وَسَالِمُ بنُ عَبْدِ
اللهِ وَسَالِمُ سَبَلاَنَ وَالسَّائِبُ بنُ
يَزِيْدَ وَسَعْدُ بنُ هِشَامٍ وَسَعِيْدٌ
المَقْبُرِيُّ وَسَعِيْدُ بنُ العَاصِ وَسَعِيْدُ
بنُ المُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ
وَسُلَيْمَانُ بنُ بُرَيْدَةَ وَشُرَيْحُ بنُ
أَرْطَاةَ وَشُرَيْحُ بن هاني وَشَرِيْقٌ
الهَوْزَنِيُّ وَشَقِيْقٌ أَبُو وَائِلٍ وَشَهْرُ
بنُ حَوْشَبٍ وَصَالِحُ بنُ رَبِيْعَةَ بنِ
الهَدِيْرِ وَصَعْصَعَةُ عم الأحنف وطاوس
وَطَلْحَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ التَّيْمِيُّ
وَعَابِسُ بنُ رَبِيْعَةَ وَعَاصِمُ بنُ حُمَيْدٍ
السَّكُوْنِيُّ وَعَامِرُ بنُ سَعْدٍ
وَالشَّعْبِيُّ وَعبَّادُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ
الزُّبَيْرِ وَعُبَادَةُ بنُ الوَلِيْدِ وَعَبْدُ
اللهِ بنُ بُرَيْدَةَ وَأَبُو الوَلِيْدِ عَبْدُ
اللهِ بنُ الحَارِثِ البَصْرِيُّ وَابْنُ
الزُّبَيْرِ ابْنُ أُخْتِهَا وَأَخُوْهُ عُرْوَةُ
وَعَبْدُ اللهِ بنُ شَدَّادٍ اللَّيْثِيُّ
وَعَبْدُ اللهِ بن شقيق وعبد الله بن شِهَابٍ
الخَوْلاَنِيُّ وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَامِرِ بنِ
رَبِيْعَةَ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ
وَعَبْدُ اللهِ بنُ فَرُّوْخٍ وَعَبْدُ اللهِ بنُ
أَبِي مُلَيْكَةَ وعبد الله بن عبيد ابن عُمَيْرٍ
وَأَبُوْهُ وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُكَيْمٍ وَعَبْدُ
اللهِ بنُ أَبِي قَيْسٍ وَابْنَا أَخِيْهَا عَبْدُ
اللهِ وَالقَاسِمُ ابْنَا مُحَمَّدٍ وَعَبْدُ
اللهِ بنُ أَبِي عَتِيْقٍ مُحَمَّدٍ ابْنُ
أَخِيْهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ اللهِ بنُ
وَاقِدٍ العُمَرِيُّ وَرَضِيْعُهَا عَبْدُ اللهِ
بنُ يَزِيْدَ وَعَبْدُ اللهِ البَهِيُّ وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ الأَسْوَدِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ
بنُ الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ
بنُ سَعِيْدِ بنِ وَهْبٍ الهَمْدَانِيُّ وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ شُمَاسَةَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ
بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَابِطٍ الجُمَحِيُّ
وَعَبْدُ العَزِيْزِ وَالِدُ ابْنِ جُرَيْجٍ
وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ وَعُبَيْدُ
اللهِ بنُ عِيَاضٍ وَعِرَاكٌ وَلَمْ يَلْقَهَا
وَعُرْوَةُ المُزَنِيُّ وَعَطَاءُ بنُ أَبِي
رَبَاحٍ وَعَطَاءُ بنُ يَسَارٍ وَعِكْرِمَةُ
وَعَلْقَمَةُ وَعَلْقَمَةُ بنُ وَقَّاصٍ وَعَلِيُّ
بنُ الحُسَيْنِ وَعَمْرُو بنُ سَعِيْدٍ الأَشْدَقُ
وَعَمْرُو بنُ شُرَحْبِيْلَ وَعَمْرُو بنُ غَالِبٍ
وَعَمْرُو بنُ مَيْمُوْنٍ وَعِمْرَانُ بنُ
حِطَّانَ وَعَوْفُ بنُ الحَارِثِ رَضِيْعُهَا
وَعِيَاضُ بنُ عُرْوَةَ وَعِيْسَى بنُ طَلْحَةَ
وَغُضَيْفُ بنُ الحَارِثِ وَفَرْوَةُ بنُ نَوْفَلٍ
وَالقَعْقَاعُ بنُ حَكِيْمٍ وَقَيْسُ بنُ أَبِي
حَازِمٍ وَكَثِيْرُ بنُ عُبَيْدٍ الكُوْفِيُّ
رَضِيْعُهَا وَكُرَيْبٌ وَمَالِكُ بنُ أَبِي
عَامِرٍ وَمُجَاهِدٌ وَمُحَمَّدُ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيُّ إِنْ كَانَ لَقِيَهَا
وَمُحَمَّدُ بنُ الأَشْعَثِ وَمُحَمَّدُ بنُ
زِيَادٍ الجُمَحِيُّ وَابْنُ سِيْرِيْنَ
وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ
بنِ هِشَامٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ وَلَمْ
يَلْقَهَا وَمُحَمَّدُ بنُ قَيْسِ بنِ مَخْرَمَةَ
وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْتَشِرِ وَمُحَمَّدُ بنُ
(3/427)
المُنْكَدِرِ وَكَأَنَّهُ مُرْسَلٌ
وَمَرْوَانُ العُقَيْلِيُّ أَبُو لُبَابَةَ
وَمَسْرُوْقٌ وَمِصْدَعٌ أَبُو يَحْيَى
وَمُطَرِّفُ بنُ الشِّخِّيْرِ وَمِقْسَمٌ مَوْلَى
ابْنِ عَبَّاسٍ وَالمُطَّلِبُ بنُ عَبْدِ اللهِ
بنِ حَنْطَبٍ وَمَكْحُوْلٌ وَلَمْ يَلْحَقْهَا
وَمُوْسَى بنُ طَلْحَةَ وَمَيْمُوْنُ بنُ أَبِي
شَبِيْبٍ وَمَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ وَنَافِعُ
بنُ جُبَيْرٍ وَنَافِعُ بنُ عَطَاءٍ وَنَافِعٌ
العُمَرِيُّ وَالنُّعْمَانُ بنُ بَشِيْرٍ
وَهَمَّامُ بن الحارث وهلال ابن يِسَافٍ وَيَحْيَى
بنُ الجَزَّارِ وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بنِ حَاطِبٍ وَيَحْيَى بنُ يَعْمَرَ وَيَزِيْدُ
بنُ بَابَنُوْسَ وَيَزِيْدُ بنُ الشِّخِّيْرِ
وَيَعْلَى بنُ عُقْبَةَ وَيُوْسُفُ بنُ مَاهَكَ
وَأَبُو أُمَامَةَ بنُ سَهْلٍ وَأَبُو بُرْدَةَ
بنُ أَبِي مُوْسَى وَأَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ وَأَبُو الجوزاء الربعي
وَأَبُو حُذَيْفَةَ الأَرْحَبِيُّ وَأَبُو
حَفْصَةَ مَوْلاَهَا وَأَبُو الزُّبَيْرِ
المَكِّيُّ وَكَأَنَّهُ مُرْسل وَأَبُو سَلَمَةَ
بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبُو الشَّعْثَاءِ
المُحَارِبِيُّ وَأَبُو الصِّدِّيْقِ النَّاجِي
وَأَبُو ظَبْيَانَ الجَنْبِيُّ وَأَبُو
العَالِيَةِ رُفَيْعٌ الرِّيَاحِيُّ وَأَبُو
عَبْدِ اللهِ الجَدَلِيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بنُ
عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ وَأَبُو عُثْمَانَ
النَّهْدِيُّ وَأَبُو عَطِيَّةَ الوَادِعِيُّ
وَأَبُو قِلاَبَةَ الجَرْمِيُّ وَلَمْ يَلْقَهَا
وَأَبُو المَلِيْحِ الهُذَلِيُّ وَأَبُو مُوْسَى
وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو نَوْفَلٍ بنُ أَبِي
عَقْرَبٍ وَأَبُو يُوْنُسَ مَوْلاَهَا وَبُهَيَّةُ
مَوْلاَةُ الصِّدِّيْقِ وَجَسْرَةُ بِنْتُ
دَجَاجَةَ وَحَفْصَةُ بِنْتُ أَخِيْهَا عَبْدِ
الرَّحْمَنِ وَخَيْرَةُ وَالِدَةُ الحَسَنِ
البَصْرِيِّ وَذِفْرَةُ بِنْتُ غَالِبٍ وَزَيْنَبُ
بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ وَزَيْنَبُ بِنْتُ نَصْرٍ
وَزَيْنَبُ السَّهْمِيَّةُ وَسُمَيَّةُ
البَصْرِيَّةُ وَشُمَيْسَةُ العَتْكِيَّةُ
وَصَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ وَصَفِيَّةُ بِنْتُ
أَبِي عُبَيْدَةَ وَعَائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ
وَعَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
وَمَرْجَانَةُ وَالِدَةُ عَلْقَمَةَ بنِ أَبِي
عَلْقَمَةَ وَمُعَاذَةُ العَدَوِيَّةُ وَأُمُّ
كُلْثُوْمٍ التَّيْمِيَّةُ أُخْتُهَا وَأُمُّ
مُحَمَّدٍ امْرَأَةُ والد علي بن زيد ين جُدْعَانَ
وَطَائِفَةٌ سِوَى هَؤُلاَءِ.
"مُسْنَدُ عَائِشَةَ": يَبْلُغُ ألفين ومئتين
وَعَشْرَةِ أَحَادِيْثَ. اتَّفَقَ لَهَا
البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى مئة وَأَرْبَعَةٍ
وَسَبْعِيْنَ حَدِيْثاً وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ
بِأَرْبَعَةٍ وَخَمْسِيْنَ وَانْفَرَدَ مُسْلِمٌ
بِتِسْعَةٍ وَسِتِّيْنَ.
وَعَائِشَةُ مِمَّنْ وُلِدَ فِي الإِسْلاَمِ
وَهِيَ أَصْغَرُ مِنْ فَاطِمَةَ بِثَمَانِي
سِنِيْنَ. وَكَانَتْ تَقُوْلُ لَمْ أَعْقِلْ
أَبَوَيَّ إلَّا وَهُمَا يَدِيْنَانِ الدِّيْنَ.
وَذَكَرَتْ أَنَّهَا لَحِقَتْ بِمَكَّةَ سائس
الفيل شيخًا أعمى يستعطي.
وَكَانَتِ امْرَأَةً بَيْضَاءَ جَمِيْلَةً. وَمِنْ
ثَمَّ يُقَالُ لَهَا: الحُمَيْرَاءُ وَلَمْ
يَتَزَوَّجِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِكْراً غَيْرَهَا وَلاَ أَحَبَّ
امْرَأَةً حُبَّهَا. وَلاَ أَعْلَمُ فِي أُمَّةِ
مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بَلْ وَلاَ فِي النِّسَاءِ مُطْلَقاً امْرَأَةً
أَعْلَمَ مِنْهَا. وَذَهَبَ بَعْضُ العُلَمَاءِ
إِلَى أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ أَبِيْهَا. وَهَذَا
مَرْدُوْدٌ وَقَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ
قَدْراً بَلْ نَشْهَدُ أَنَّهَا زَوْجَةُ
نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فِي الدُّنْيَا وَالآخرَةِ فَهَلْ فَوْقَ ذَلِكَ
مَفْخَرٌ وَإِنْ كَانَ لِلصِّدِّيْقَةِ خَدِيْجَةَ
شَأْوٌ لاَ يُلْحَقُ وَأَنَا وَاقِفٌ فِي
أَيَّتِهِمَا أَفْضَلُ. نَعَمْ جَزَمْتُ
بِأَفْضَلِيَّةِ خَدِيْجَةَ عَلَيْهَا لأُمُوْرٍ
لَيْسَ هَذَا موضعها.
(3/428)
هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُرِيْتُكِ فِي
المَنَامِ ثَلاَثَ لَيَالٍ جَاءَ بِكِ المَلَكُ
فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيْرٍ فَيَقُوْلُ: هَذِهِ
امْرَأَتُكَ فَأَكْشِفُ، عَنْ وَجْهِكِ فَإِذَا
أَنْتِ فِيْهِ. فَأَقُوْلُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ
عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ" 1.
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيْثِ عَبْدِ
اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ المَكِّيِّ،
عَنِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي
مُلَيْكَةَ، عن عائشة: أن جبريل جاء بصورتها فِي
خِرْقَةِ حَرِيْرٍ خَضْرَاءَ إِلَى النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
"هَذِهِ زَوْجَتُكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ"2.
حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: لاَ نَعْرِفُهُ
إلَّا مِنْ حَدِيْثِ عَبْدِ اللهِ وَرَوَاهُ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِي عَنْهُ مُرْسَلاً.
بِشْرُ بنُ الوَلِيْدِ القَاضِي: حَدَّثَنَا
عُمَرُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُلَيْمَانَ
الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ بنِ
جُدْعَانَ، عَنْ جَدَّتِهِ، عَنْ عَائِشَةَ
أَنَّهَا قَالَتْ: لَقَدْ أُعْطِيْتُ تِسْعاً مَا
أُعْطِيَتْهَا امْرَأَةٌ بَعْدَ مَرْيَمَ بِنْتِ
عِمْرَانَ: لَقَدْ نَزَلَ جِبْرِيْلُ بِصُوْرَتِي
فِي رَاحَتِهِ حَتَّى أَمَرَ رَسُوْلَ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ
يَتَزَوَّجَنِي وَلَقَدْ تَزَوَّجَنِي بِكْراً
وَمَا تَزَوَّجَ بِكْراً غَيْرِي وَلَقَدْ قُبِضَ
وَرَأْسُهُ فِي حَجْرِي وَلَقَدْ قَبَرْتُهُ فِي
بَيْتِي وَلَقَدْ حَفَّتِ الملاَئكَةُ بِبَيْتِي
وَإِنْ كَانَ الوَحْيُ لَيَنْزِلُ عَلَيْهِ
وَإِنِّي لَمَعَهُ فِي لِحَافِهِ وَإِنِّي
لابْنَةُ خَلِيْفَتِهِ وَصِدِّيْقِهِ وَلَقَدْ
نَزَلَ عُذْرِي مِنَ السَّمَاءِ وَلَقَدْ خُلِقْتُ
طَيِّبَةً عِنْدَ طَيِّبٍ وَلَقَدْ وُعِدْتُ
مَغْفِرَةً وَرِزْقاً كَرِيْماً3.
رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الآجُرِّيُّ، عَنْ أَحْمَدَ
بنِ يَحْيَى الحُلْوَانِيِّ عَنْهُ. وَإِسْنَادُهُ
جَيِّدٌ وَلَهُ طَرِيْقٌ آخَرُ سَيَأْتِي.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "6/ 41 و128 و161" والبخاري
"3895" و"5078" و"5125" و"1011" ومسلم "2438" من
طريق هشام، عن أبيه، عن عائشة، به.
ووقع عند بعضهم "مرتين" بدل "ثلال ليال".
2 صحيح: أخرجه الترمذي "3880" حدثنا عبد بن حميد،
أخبرنا عبد الرزاق، عن عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو
بنِ عَلْقَمَةَ المَكِّيِّ، به.
وقال الترمذي: هذا حديث حَسَنٌ غَرِيْبٌ لاَ
نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِيْثِ عَبْدِ اللهِ بن
عمرو بن علقمة.
قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات، وابن أبي حسين، هو
عمر بن سعيد بن أبي حسين الكوفي المكي، ثقة روى له
البخاري، ومسلم. وابن أبي مليكة، هو عبد الله بنِ
عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أبي مليكة،
ثقة فقيه روى له الجماعة.
3 ضعيف: فيه علتان: علي بن زيد بن جدعان، ضعيف.
والثانية: جدة علي بن زيد مجهولة لا تعرف.
(3/429)
وَكَانَ تَزْوِيْجُهُ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَا إِثْرَ وَفَاةِ
خَدِيْجَةَ فَتَزَوَّجَ بِهَا وَبِسَوْدَةَ فِي
وَقْتٍ وَاحِدٍ ثُمَّ دَخَلَ بِسَوْدَةَ
فَتَفَرَّدَ بِهَا ثَلاَثَةَ أَعْوَامٍ حَتَّى
بَنَى بِعَائِشَةَ فِي شَوَّالٍ بعد وَقْعَةِ
بَدْرٍ. فَمَا تَزَوَّجَ بِكْراً سِوَاهَا
وَأَحَبَّهَا حُبّاً شَدِيْداً كَانَ يَتَظَاهَرُ
بِهِ بِحَيْثُ إِنَّ عَمْرَو بنَ العَاصِ وَهُوَ
مِمَّنْ أَسْلَمَ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الهِجْرَةِ
سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ يَا
رَسُوْلَ اللهِ: قَالَ: "عَائِشَةُ" قَالَ: فَمِنَ
الرِّجَالِ؟ قَالَ: "أَبُوْهَا" 1.
وَهَذَا خَبَرٌ ثَابِتٌ عَلَى رَغْمِ أُنُوْفِ
الرَّوَافِضِ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
لِيُحِبَّ إلَّا طَيِّباً. وَقَدْ قَالَ: "لَوْ
كُنْتُ مُتَّخِذاً خَلِيْلاً مِنْ هَذِهِ
الأُمَّةِ لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيْلاً
وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ" 2.
فَأَحَبَّ أَفْضَلَ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِهِ
وَأَفْضَلَ امْرَأَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ فَمَنْ
أَبْغَضَ حَبِيْبَيْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهُوَ حَرِيٌّ أَنْ
يَكُوْنَ بَغِيْضاً إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ.
وَحُبُّهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِعَائِشَةَ كَانَ
أَمْراً مُسْتَفِيْضاً إلَّا تَرَاهُمْ كَيْفَ
كَانُوا يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَهَا
تَقَرُّباً إِلَى مَرْضَاتِهِ.
قَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ
عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ
يَوْمَ عَائِشَةَ. قَالَتْ: فَاجْتَمَعْنَ
صَوَاحِبِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقُلْنَ لَهَا:
إِنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّوْنُ بِهَدَايَاهُمْ
يَوْمَ عَائِشَةَ وَإِنَّا نُرِيْدُ الخَيْرَ
كَمَا تُرِيْدُهُ عَائِشَةُ فَقُوْلِي لِرَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَأْمُرِ النَّاسَ أَنْ يُهْدُوا لَهُ أَيْنَمَا
كَانَ. فَذَكَرَتْ أُمُّ سَلَمَةَ لَهُ ذَلِكَ.
فَسَكَتَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهَا. فَعَادَتِ
الثَّانِيَةَ. فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهَا. فَلَمَّا
كَانَتِ الثَّالِثَةُ قَالَ: "يَا أُمَّ سَلَمَةَ
لاَ تُؤْذِيْنِي فِي عَائِشَةَ فَإِنَّهُ وَاللهِ
مَا نَزَلَ عَلَيَّ الوَحْيُ وَأَنَا في لحاف
امرأة منكن غيرها" 3. متفق على صحته.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "4/ 203"، والبخاري "3662"،
والترمذي "3885"، والنسائي في "فضائل الصحابة"
"16"، والبغوي "3869" من طريق عبد العزيز بن
المختار، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الحَذَّاءُ، عَنْ
أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، حدثني عمرو بن
العاص قال: قلت يَا رَسُوْلَ اللهِ أَيُّ النَّاسِ
أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قال: "عائشة ... " الحديث.
وأخرجه البخاري "4358"، ومسلم "2384"، والبيهقي
"10/ 233" من طريق خالد بن عبد الله الطحان
الواسطي، عن خالد الحذاء، به.
وخالد الحذاء، هو خالد بن مهران الحذاء. وأبو
عثمان النهدي، هو عبد الرحمن بن مل.
2 صحيح: تقدم تخريجنا له.
3 صحيح: أخرجه أحمد "6/ 293"، والحاكم "4/ 9"،
والطبراني في "الكبير" "23/ 850" من طريق عن
هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ عَوْفِ بنِ الحَارِثِ
بن الطفيل، عن رميثة أم عبد الله بن محمد بن أبي
عتيق، عن أم سلمة، به.
وقد ورد الحديث عن عائشة: أخرجه البخاري "2580"
و"2581" و"3775"، والترمذي "3879"، والنسائي "7/
68" من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عنها، به.
(3/430)
وَهَذَا الجَوَابُ مِنْهُ دَالٌّ عَلَى
أَنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى سَائِرِ أُمَّهَاتِ
المُؤْمِنِيْنَ بِأَمْرٍ إِلَهِيٍّ وَرَاءَ
حُبِّهِ لَهَا وَأَنَّ ذَلِكَ الأَمْرَ مِنْ
أَسْبَابِ حُبِّهِ لَهَا.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنَا
أَخِي أَبُو بَكْرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ
بِلاَلٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ
عَائِشَةَ: أَنَّ نساء رسول الله -صلى الله عليه
وَسَلَّمَ- كُنَّ حِزْبَيْنِ فَحِزْبٌ فِيْهِ
عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَصَفِيَّةُ وَسَوْدَةُ
وَالحِزْبُ الآخَرُ أُمُّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ
أزواجه. وكانوا المُسْلِمُوْنَ قَدْ عَلِمُوا
حُبَّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَائِشَةَ فَإِذَا كَانَتْ عِنْدَ
أَحَدِهِمْ هَدِيَّةٌ يُرِيْدُ أَنْ يُهْدِيَهَا
إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَخَّرَهَا حَتَّى إِذَا كَانَ فِي
بَيْتِ عَائِشَةَ بَعَثَ بِهَا إِلَى رَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي
بَيْتِ عَائِشَةَ. فَتَكَلَّمَ حِزْبُ أُمِّ
سَلَمَةَ فَقُلْنَ لَهَا: كَلِّمِي رَسُوْلَ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُكَلِّمُ
النَّاسَ فَيَقُوْلُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُهْدِيَ
إِلَى رَسُوْلِ اللهِ هَدِيَّةً فَلْيُهْدِ
إِلَيْهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ نِسَائِهِ.
فَكَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِمَا قُلْنَ.
فَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئاً. فَسَأَلْنَهَا.
فَقَالَتْ: مَا قَالَ لِي شَيْئاً. فَقُلْنَ:
كَلِّمِيْهِ. قَالَتْ: فَكَلَّمَتْهُ حِيْنَ دَارَ
إِلَيْهَا. فَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئاً.
فَسَأَلْنَهَا. فَقَالَتْ: مَا قَالَ لِي شَيْئاً.
فَقُلْنَ لَهَا: كَلِّمِيْهِ. فَدَارَ إِلَيْهَا
فَكَلَّمَتْهُ. فَقَالَ لَهَا: "لاَ تُؤْذِيْنِي
فِي عَائِشَةَ. فَإِنَّ الوَحْيَ لَمْ يَأْتِنِي
وَأَنَا فِي ثَوْبِ امْرَأَةٍ إلَّا عَائِشَةَ".
فَقَالَتْ: أَتُوْبُ إِلَى اللهِ مِنْ أَذَاكَ يَا
رَسُوْلَ اللهِ. ثُمَّ إِنَّهُنَّ دَعَوْنَ
فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
تَقُوْلُ: إِنَّ نِسَاءكَ يَنْشُدْنَكَ العَدْلَ
فِي بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ. فَكَلَّمَتْهُ فَقَالَ:
"يَا بُنَيَّةُ إلَّا تُحِبِّيْنَ مَا أُحِبُّ"
قَالَتْ: بَلَى. فَرَجَعَتْ إِلَيْهِنَّ
وَأَخْبَرَتْهُنَّ. فَقُلْنَ: ارْجِعِي إِلَيْهِ
فَأَبَتْ أَنْ تَرْجِعَ. فَأَرْسَلْنَ زَيْنَبَ
بِنْتَ جَحْشٍ. فَأَتَتْهُ فَأَغْلَظَتْ
وَقَالَتْ: إِنَّ نِسَاءكَ يَنْشُدْنَكَ اللهَ
العَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ. فَرَفَعَتْ
صَوْتَهَا حَتَّى تَنَاوَلَتْ عَائِشَةَ وَهِيَ
قَاعِدَةٌ فَسَبَّتْهَا حَتَّى أَنَّ رَسُوْلَ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لَيَنْظُرُ إِلَى عَائِشَةَ هَلْ تَتَكَلَّمُ.
قَالَ: فَتَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ تَرُدُّ عَلَى
زَيْنَبَ حَتَّى أَسْكَتَتْهَا. فَنَظَرَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إِلَى عَائِشَةَ وَقَالَ: "إِنَّهَا ابْنَةُ أَبِي
بَكْرٍ" 1.
فَضِيْلَةٌ:
إِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ:، أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعَ أَنَساً
يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: $"فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى
النساء كفضل الثريد على سائر الطعام"2.
__________
1 صحيح: راجع تخريجنا السابق.
2، 3 صحيح على شرط الشيخين: أخرجه أحمد "3/ 156
و264"، والبخاري "3770" و"5419" و"5428، ومسلم
"2446"، والترمذي "3887"، وابن ماجه "3281"، وأبو
يعلى "3670"=
(3/431)
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ
أَبِي طُوَالَةَ.
شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ
مُرَّةَ، عَنْ أَبِي مُوْسَى، عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
"كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيْرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ
مِنَ النِّسَاءِ إلَّا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ
وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَفَضْلُ
عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيْدِ
عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ" 1.
فَضِيْلَةٌ أُخْرَى:
رَوَى الحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ طَرِيْقِ
يُوْسُفَ بنِ المَاجِشُوْنِ قَالَ:، حَدَّثَنِي
أَبِي، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ كَعْبِ بنِ
مَالِكٍ، عن عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ يَا
رَسُوْلَ اللهِ مَنْ مِنْ أَزْوَاجِكَ فِي
الجَنَّةِ? قَالَ: "أَمَا إِنَّكِ مِنْهُنَّ"
قَالَتْ: فَخُيِّلَ إِلَيَّ أَنَّ ذَاكَ لأَنَّهُ
لَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْراً غَيْرِي2.
مُوْسَى وَهُوَ الجُهَنِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ
بنِ حَفْصٍ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا جَاءتْ هِيَ
وَأَبَوَاهَا فَقَالاَ: إِنَّا نُحِبُّ أَنْ
تَدْعُوَ لِعَائِشَةَ بِدَعْوَةٍ وَنَحْنُ
نَسْمَعُ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ
لِعَائِشَةَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ
مَغْفِرَةً وَاجِبَةً ظَاهِرَةً بَاطِنَةً".
فَعَجِبَ أَبَوَاهَا. فَقَالَ: "أَتَعْجَبَانِ
هَذِهِ دَعْوَتِي لِمَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ
إلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُوْلُ الله"3.
__________
= والطبراني في "الكبير" "23/ 109 و110 و111
و112"، وفي "الصغير" "260" من طرق عن عبد الله بن
عبد الرحمن، عن أنس، به.
وورد عن أبي موسى الأشعري: أخرجه أحمد "4/ 394
و409"، وفي "فضائل الصحابة" له" "1632"، وابن أبي
شيبة "12/ 128"، والبخاري "3411" و"3433" و"3769"
و"5418" ومسلم "2431"، والطبراني "23/ 106"،
والبغوي "3962" من طرق عن شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو
بنِ مُرَّةَ، عَنْ مُرَّةَ الهمداني، عن أبي موسى
الأشعري، به مرفوعا ولفظه:
"كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيْرٌ، وَلَمْ
يَكْمُلْ مِنَ النساء غير مريم بنت عمران، وآسية
امرأة فرعون، وإن فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى
النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيْدِ عَلَى سائر
الطعام".
وابن أبي طوالة، هو عبد الله بن عبد الرحمن
الأنصاري، راوي الحديث عن أنس، رضي الله عنه.
1 صحيح على شرط الشيخين: أخرجه أحمد 3/ 156 و264"،
والبخاري "3770" و"5419" و"5428، ومسلم "2446"،
والترمذي "3887"، وابن ماجه "3281"، وأبو يعلى
"3670" والطبراني في "الكبير" "23/ 109 و110 و111
و112"، وفي "الصغير" "260" من طرق عن عبد الله بن
عبد الرحمن، عن أنس، به.
وورد عن أبي موسى الأشعري: أخرجه أحمد "4/ 394
و409"، وفي "فضائل الصحابة" له" "1632"، وابن أبي
شيبة "12/ 128"، والبخاري "3411" و"3433" و"3769"
و"5418" ومسلم "2431"، والطبراني "23/ 106"،
والبغوي "3962" من طرق عن شعبة، عن عمرو بن مرة،
عن مرة الهمداني، عن أبي موسى الأشعري، به مرفوعا
ولفظه:
"كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء غير مريم
بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وإن فضل عائشة على
النساء كفضل الثريد على سائر الطعام".
وابن أبي طوالة، هو عبد الله بن عبد الرحمن
الأنصاري، راوي الحديث عن أنس. رضي الله عنه.
2 صحيح: أخرجه الحاكم "4/ 13" من طريق يوسف بن
الماجشون، به.
3 منكر: أخرجه الحاكم "4/ 11-12" من طريق سفيان بن
عيينة، عن موسى الجهني، به وقال الحافظ في
"التلخيص": قلت: منكر على جودة إسناده.
وأبو بكر بن حفص، هو عبد الله بن حفص بن عمر بن
سعد بن أبي وقاص الزهري، ثقة، من الطبقة الخامسة
وهي طبقة صغار التابعين، فأنى له لقيا عائشة -رضي
الله عنها- فالإسناد منقطع.
(3/432)
أَخْرَجَهُ الحَاكمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ
مِنْ طَرِيْقِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ
مُوْسَى وَهُوَ غَرِيْبٌ جِدّاً.
فَضِيْلَةٌ أُخْرَى:
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ:، حَدَّثَنِي أَبُو
سَلَمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا
عَائِشُ هَذَا جِبْرِيْلُ وَهُوَ يَقْرَأُ
عَلَيْكِ السَّلاَمَ" قَالَتْ: وَعَلَيْهِ
السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللهِ تَرَى مَا لاَ نَرَى
يَا رَسُوْلَ اللهِ1.
زَكَرِيَّا بنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَامِرٍ،
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ لَهَا: "إِنَّ جِبْرِيْلَ
يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ". فَقَالَتْ: وَعَلَيْهِ
السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللهِ2.
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيْقِ مَعْمَرٍ،
عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ
نَحْوَ الأَوَّلِ3.
وَفِي "مُسْنَدِ أَحْمَدَ"، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ
مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: رَأَيْتُكَ يَا
رَسُوْلَ اللهِ وَأَنْتَ قَائِمٌ تُكَلِّمُ
دِحْيَةَ الكَلْبِيَّ. فَقَالَ: "وَقَدْ
رَأَيْتِهِ" قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: "فَإِنَّهُ
جِبْرِيْلُ وَهُوَ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ"
قَالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللهِ
جَزَاهُ اللهُ مِنْ زَائِرٍ وَدَخِيْلٍ فَنِعْمَ
الصَّاحِبُ وَنِعْمَ الدَّخِيْلُ4.
قَالَ: وَالِدَّخِيْلُ: الضَّيْفُ. مُجَالِدٌ
لَيْسَ بِقَوِيٍّ.
كَثِيْرُ بنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنَا الحَكَمُ بنُ
هِشَامٍ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ
قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ لِنِسَاءِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فُضِّلْتُ
عَلَيْكُنَّ بِعَشْرٍ وَلاَ فَخْرٍ: كُنْتُ
أَحَبُّ نِسَائِهِ إِلَيْهِ وَكَانَ أَبِي أَحَبَّ
رِجَالِهِ إِلَيْهِ وَابْتَكَرَنِي وَلَمْ
يَبْتَكِرْ غَيْرِي وَتَزَوَّجَنِي لِسَبْعٍ
وَبَنَى بِي لِتِسْعٍ وَنَزَلَ عُذْرِي مِنَ
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3768"، ومسلم "2447" "91"
من طريق الزهري، حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن،
به.
2 صحيح: أخرجه مسلم "2447" "90"، وأبو داود "5232"
من طريق زكريا بن أبي زائدة، عن عامر الشعبي، به.
3 صحيح: أخرجه النسائي "7/ 69" من طريق عبد
الرزاق، قال: حدثنا معمر، به.
4 ضعيف: أخرجه أحمد "6/ 74-75 و146"، وابن سعد "8/
67-68" من طريق مجالد بن سعيد به.
قلت: إسناده ضعيف، مجالد بن سعيد، ضعيف.
(3/433)
السَّمَاءِ وَاسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نِسَاءهُ فِي
مَرَضِهِ فَقَالَ: "إِنَّهُ لَيَشُقُّ عَلَيَّ
الاخْتِلاَفُ بَيْنَكُنَّ فَائْذَنَّ لِي أَنْ
أَكُوْنَ عِنْدَ بَعْضِكُنَّ". فَقَالَتْ أُمُّ
سَلَمَةَ: قَدْ عَرَفْنَا مَنْ تُرِيْدُ تُرِيْدُ
عَائِشَةَ. قَدْ أَذِنَّا لَكَ وَكَانَ آخِرُ
زَادِهِ مِنَ الدُّنْيَا رِيْقِي أُتِيَ بِسِوَاكٍ
فَقَالَ: "انْكُثِيْهِ يَا عَائِشَةُ"
فَنَكَثْتُهُ وَقُبِضَ بَيْنَ حَجْرِي وَنَحْرِي
وَدُفِنَ فِي بَيْتِي.
هَذَا حَدِيْثٌ صَالِحُ الإِسْنَادِ وَلَكِنْ
فِيْهِ انْقِطَاعٌ.
فَضِيْلَةٌ بَاهِرَةٌ لَهَا:
خَالِدٌ الحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ
النَّهْدِيِّ، عَنْ عَمْرِو بنِ العَاصِ: أَنَّ
رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- اسْتَعْمَلَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ
السَّلاسِلِ قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا
رَسُوْلَ اللهِ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ?
قَالَ: "عَائِشَةُ" قَالَ: مِنَ الرِّجَالِ قَالَ:
"أَبُوْهَا" 1.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هذا حديث حسن.
قُلْتُ: قَدْ أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
ابْنُ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ
الأُمَوِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي
خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ بن أبي حازم، عَنْ عَمْرِو
بنِ العَاصِ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَحَبُّ
النَّاسِ إِلَيْكَ? قَالَ: "عَائِشَةُ" قَالَ:
مِنَ الرِّجَالِ? قَالَ: "أَبُوْهَا" 2.
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَغَرَّبَهُ.
التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ
عَبْدَةَ، حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ بنُ
سُلَيْمَانَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ
إِلَيْكَ? قَالَ: "عَائِشَةُ" قِيْلَ مِنَ
الرِّجَالِ قَالَ: "أَبُوْهَا" 3.
قَالَ: هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ غَرِيْبٌ.
تَزْوِيْجُهَا بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
رَوَى هِشَامٌ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- متوفى خديجة وأنا
__________
1 صحيح: مر تخريجنا له قريبا بتعليق رقم "916".
2 صحيح: راجع تخريجنا السابق رقم "916".
3 انظر السابق.
(3/434)
ابْنَةُ سِتٍّ وَأُدْخِلْتُ عَلَيْهِ
وَأَنَا ابْنَةُ تِسْعٍ جَاءنِي نِسْوَةٌ وَأَنَا
أَلْعَبُ عَلَى أُرْجُوْحَةٍ وَأَنَا مُجَمَّمَةٌ
فَهَيَّأْنَنِي وَصَنَعْنَنِي ثُمَّ أَتَيْنَ بِي
إِلَيْهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1.
قَالَ عُرْوَةُ: فَمَكَثَتْ عنده تسع سنين.
وَأَخْرَجَ البُخَارِيُّ مِنْ قَوْلِ عُرْوَةَ:
أَنَّ خَدِيْجَةَ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ الهِجْرَةِ
بِثَلاَثِ سِنِيْنَ فَلَبِثَ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَنَتَيْنِ أَوْ قَرِيْباً
مِنْ ذَلِكَ وَنَكَحَ عَائِشَةَ وَهِيَ بِنْتُ
سِتِّ سِنِيْنَ2.
ابْنُ إِدْرِيْسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو،
عَنْ يَحْيَى بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَاطِبٍ
قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: لَمَّا مَاتَتْ
خَدِيْجَةُ جَاءتْ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيْمٍ
فَقَالَتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ إلَّا تَزَوَّجُ?
قَالَ: "وَمَنْ"؟ قَالَتْ: إِنْ شِئْتَ بِكْراً
وَإِنْ شِئْتَ ثَيِّباً? قَالَ: "مَنِ البِكْرُ
وَمَنِ الثَّيِّبُ"؟ قَالَتْ: أَمَّا البِكْرُ
فَعَائِشَةُ ابْنَةُ أَحَبِّ خَلْقِ اللهِ
إِلَيْكَ وَأَمَّا الثَّيِّبُ فَسَوْدَةُ بِنْتُ
زَمْعَةَ قَدْ آمَنَتْ بِكَ وَاتَّبَعَتْكَ.
قَالَ: "اذْكُرِيْهِمَا عَلَيَّ". قَالَتْ:
فَأَتَيْتُ أُمَّ رُوْمَانَ فَقُلْتُ: يَا أُمَّ
رُوْمَانَ مَاذَا أَدْخَلَ اللهُ عَلَيْكُمْ مِنَ
الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ قَالَتْ: مَاذَا? قَالَتْ:
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَذْكُرُ عَائِشَةَ. قَالَتْ:
انْتَظِرِي فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ آتٍ. فَجَاءَ
أَبُو بَكْرٍ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ:
أَوَ تَصْلُحُ لَهُ وَهِيَ ابْنَةُ أَخِيْهِ
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "أَنَا أَخُوْهُ وَهُوَ أَخِي
وَابْنَتُهُ تَصْلُحُ لِي". فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ:
فَقَالَتْ لِي أُمُّ رُوْمَانَ: إِنَّ المُطْعِمَ
بنَ عَدِيٍّ كَانَ قَدْ ذَكَرَهَا عَلَى ابْنِهِ
وَوَاللهِ مَا أُخْلِفُ وَعْداً قَطُّ. قَالَتْ:
فَأَتَى أَبُو بَكْرٍ المُطْعِمَ. فَقَالَ: مَا
تَقُوْلُ فِي أَمْرِ هَذِهِ الجَارِيَةِ? قَالَ:
فَأَقْبَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ: مَا
تَقُوْلِيْنَ? فَأَقْبَلَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ
فَقَالَتْ: لَعَلَّنَا إِنْ أَنْكَحْنَا هَذَا
الفَتَى إِلَيْكَ تُدْخِلُهُ فِي دِيْنِكَ
فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: مَا
تَقُوْلُ أَنْتَ? قَالَ: إِنَّهَا لَتَقُوْلُ مَا
تَسْمَعُ. فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ وَلَيْسَ فِي
نَفْسِهِ مِنَ المَوْعِدِ شَيْءٌ فَقَالَ لَهَا:
قُوْلِي لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلْيَأْتِ. فَجَاءَ
فَمَلَكَهَا. قَالَتْ: ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى
سَوْدَةَ وَأَبُوْهَا شيخ كبير ... وذكرت الحديث3.
__________
1 صحيح: أخرجه الطيالسي "1454" وابن سعد "8/ 59"،
والبخاري "3894" و"3896" و"5133" و"5134" و"5156"
و"5158" و"5160" ومسلم "1422" "70" و"71" وأبو
داود "2121" و"4933" و"4934" و"4935" و"4936"،
والنسائي "6/ 82"، وابن ماجه "1876"، وأبو يعلى
"4600" , 4897"، والطبراني "23/ 41 و44 و45 و46
و47 و48 و49 و50"، والبيهقي "7/ 148-149" من طرق
عن هشام بن عروة، به.
قوله: مجممة: أي جمة، وهو الشعر النازل إلى
المنكبين. وإذا وصل الشعر إلى الأذنين، فهو وفرة.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3896" حدثنا عبيد بن
إسماعيل، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ
هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: توفيت خديجة قبل
مخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بثلاث
سنين ... الحديث.
3 حسن: فيه مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ
بنِ وَقَّاصٍ الليثي المدني، صدوق. والحديث أورده
الهيثمي في "المجمع" "9/ 225" وقال: "رواه
الطبراني، ورجاله رجال صحيح غير محمد بن عمرو بن
علقمة، وهو حسن الحديث".
(3/435)
هِشَامٌ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ: أُدْخِلْتُ عَلَى نَبِيِّ اللهِ وَأَنَا
بِنْتُ تِسْعٍ جَاءنِي نِسْوَةٌ وَأَنَا أَلْعَبُ
عَلَى أُرْجُوْحَةٍ وَأَنَا مُجَمَّمَةٌ
فَهَيَّأْنَنِي وَصَنَعْنَنِي ثُمَّ أَتَيْنَ بِي
إِلَيْهِ1.
هِشَامٌ، عَنْ أَبِيْهِ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ:
كُنْتُ أَلْعَبُ بِالبَنَاتِ تَعْنِي اللُّعَبَ
فَيَجِيْءُ صَوَاحِبِي فَيَنْقَمِعْنَ مِنْ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَيَخْرُجُ رَسُوْلُ اللهِ
فَيَدْخُلْنَ عَلَيَّ وَكَانَ يُسَرِّبُهُنَّ
إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي.
وَفِي لَفْظٍ: فَكُنَّ جَوَارٍ يَأْتِيْنَ
يَلْعَبْنَ مَعِي بِهَا فَإِذَا رَأَيْنَ رَسُوْلَ
اللهِ تَقَمَّعْنَ فَكَانَ يُسَرِّبُهُنَّ
إِلَيَّ2.
وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ
رَسُوْلُ اللهِ وَأَنَا أَلْعَبُ بِالبَنَاتِ
فقال: "مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ"؟ قُلْتُ: خَيْلُ
سُلَيْمَانَ وَلَهَا أَجْنِحَةٌ. فَضَحِكَ3.
الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْمُ عَلَى بَابِ
حُجْرَتِي وَالحَبَشَةُ يَلْعَبُوْنَ بِالحِرَابِ
فِي المَسْجِدِ وَإِنَّهُ لَيَسْتُرُنِي
بِرِدَائِهِ لِكَيْ أَنْظُرَ إِلَى لَعِبِهِمْ
ثُمَّ يَقِفُ مِنْ أَجْلِي حَتَّى أَكُوْنَ أَنَا
الَّتِي أَنْصَرِفُ. فَاقْدُرُوا قَدْرَ
الجَارِيَةِ الحَدِيْثَةِ السِّنِّ الحَرِيْصَةِ
عَلَى اللَّهْوِ.
وَفِي لَفْظِ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: فَمَا
زِلْتُ أَنْظُرُ حَتَّى كُنْتُ أَنَا أَنْصَرِفُ
فَاقْدُرُوا قَدْرَ الجَارِيَةِ الحَدِيْثَةِ
السِّنِّ الَّتِي تَسْمَعُ اللَّهْوَ.
__________
1 صحيح: تقدم تخريجنا له قريبا في الصفحة السابقة
بتعليق رقم "931".
2 صحيح على شرط الشيخين: أخرجه عبد الرزاق
"19722"، والحميدي "260، وأحمد "6/ 166 و233
و234"، وابن سعد "8/ 58-59 و61 و65"، والبخاري
"6130"، ومسلم "2440" وأبو داود "4931"، والنسائي
"6/ 131"، وابن ماجه "1982"، والطبراني "23/ 275
و277 و278"، البيهقي "10/ 219" من طرق عَنْ
هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ
عَائِشَةَ، به.
قوله: "ينقمعن" أي يتغيبن ويستترن.
قوله: "يسربهن" أي يرسلهن ويدفعهن إليَّ.
3 صحيح: أخرجه أبو داود "4932"، والبيهقي "10/
219" من طريق سَعِيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ
يَحْيَى بنِ أيوب، عن عمارة بن غزية، عن محمد بن
إبراهيم، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنْ عائشة، به.
(3/436)
وَلَفْظُ الأَوْزَاعِيِّ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الحَدِيْثِ قَالَتْ:
قَدِمَ وَفْدُ الحَبَشَةِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَامُوا
يَلْعَبُوْنَ فِي المَسْجِدِ فَرَأَيْتُ رَسُوْلَ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ
إِلَيْهِم حَتَّى أكون أنا التي أسام1.
وَفِي حَدِيْثِ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ عُمَرَ وَجَدَهُمْ
يَلْعَبُوْنَ فَزَجَرَهُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دَعْهُم
فَإِنَّهُمْ بَنُو أَرْفِدَةَ" 2.
الوَاقِدِيُّ قَالَ:، حَدَّثَنِي مُوْسَى بنُ
مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ رِيْطَةَ،
عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا
هَاجَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إِلَى المَدِيْنَةِ خَلَّفَنَا
وَخَلَّفَ بَنَاتِهِ فَلَمَّا قَدِمَ المَدِيْنَةَ
بَعَثَ إِلَيْنَا زَيْدَ بنَ حَارِثَةَ وَأَبَا
رَافِعٍ وَأَعْطَاهُمَا بعيرين وخمس مئة دِرْهَمٍ
أَخَذَهَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ يَشْتَرِيَانِ بِهَا
مَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الظَّهْرِ. وَبَعَثَ
أَبُو بَكْرٍ مَعَهُمَا عَبْدَ اللهِ بنَ
أُرَيْقِطٍ اللَّيْثِيَّ بِبَعِيْرَيْنِ أَوْ
ثَلاَثَةٍ وَكَتَبَ إِلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللهِ
يَأْمُرُهُ أَنْ يَحْمِلَ أَهْلَهُ أُمَّ
رُوْمَانَ وَأَنَا وَأُخْتِي أَسْمَاءَ.
فَخَرَجُوا فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى قُدَيْدٍ
اشْتَرَى زَيْدٌ بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ ثَلاَثَةَ
أَبْعِرَةٍ ثُمَّ دَخَلُوا مَكَّةَ وَصَادَفُوا
طَلْحَةَ يُرِيْدُ الهِجْرَةَ بِآلِ أَبِي بَكْرٍ.
فَخَرَجْنَا جَمِيْعاً وَخَرَجَ زَيْدٌ وَأَبُو
رَافِعٍ بِفَاطِمَةَ وَأُمِّ كُلْثُوْمٍ
وَسَوْدَةَ وَأُمِّ أَيْمَنَ وَأُسَامَةَ
فَاصْطَحَبَنَا جَمِيْعاً حَتَّى إِذَا كُنَّا
بالبيض3 نفر بعيري وقدامي محفة فيها أُمِّي
فَجَعَلَتْ أُمِّي تَقُوْلُ وَابِنْتَاهُ
وَاعَرُوْسَاهُ حَتَّى أُدْرِكَ بَعِيْرُنَا.
فَقَدِمْنَا وَالمَسْجِدُ يُبْنَى ... وَذَكَرَ
الحَدِيْثَ4.
__________
1 صحيح: أخرجه عبد الرزاق "19721"، والبخاري "454"
و"5190" و"5229" ومسلم "892" "18"، والنسائي "3/
195-196"، والبيهقي "7/ 92" من طريق الزهري، به.
2 صحيح: أخرجه النسائي "3/ 196" من طريق الوليد بن
مسلم قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثني الزُهْرِيِّ،
عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أُبَيِّ
هريرة، به.
قلت: إسناده صحيح رجاله ثقات، وقد صرح الوليد بن
مسلم بالتحديث فأمنا شر تدليسه. وقد أخرجه البخاري
"2901" ومسلم "893" دون قوله: "فإنهم بنو أرفدة".
قوله: "بنو أرفدة" بفتح الهمزة وسكون الراء وكسر
الفاء وقد تفتح قيل هو لقب للحبشة وقيل هم اسم جنس
لهم وقيل اسم جدهم الأكبر.
3 البيض: منزل من منازل بني كنانة بالحجاز.
4 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "8/ 62"، وفيه الواقدي،
وهو متروك. وفيه ريطة وهي بنت حريث، مجهولة، لذا
قال الحافظ في "التقريب": لا تُعرف.
(3/437)
شَأْنُ الإِفْكِ:
كَانَ فِي غَزْوَةِ المُرَيْسِيْعِ1 سَنَةَ خَمْسٍ
مِنَ الهِجْرَةِ وَعُمُرُهَا -رَضِيَ اللهُ
عَنْهَا- يَوْمَئِذٍ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً.
فَرَوَى حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ مَعْمَرٍ
وَالنُّعْمَانِ بنِ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،
عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا
أَرَادَ سَفَراً أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ.
فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةِ
المُرَيْسِيْعِ. فَخَرَجَ سَهْمِي. فَهَلَكَ فيَّ
مَنْ هَلَكَ2.
وَكَذَلِكَ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَالوَاقِدِيُّ
وَغَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ الإِفْكَ كَانَ فِي
غَزْوَةِ المُرَيْسِيْعِ.
يُوْنُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي
عُرْوَةُ وَابْنُ المُسَيِّبِ وَعَلْقَمَةُ بنُ
وَقَّاصٍ وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ
حَدِيْثِ عَائِشَةَ حِيْنَ قَالَ لَهَا أَهْلُ
الإِفْكِ مَا قَالُوا فَبَرَّأَهَا اللهُ
تَعَالَى. وَكُلٌّ، حَدَّثَنِي بِطَائِفَةٍ مِنْ
حَدِيْثِهَا وَبَعْضُ حَدِيْثِهِمْ يُصَدِّقُ
بَعْضاً وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ
مِنْ بَعْضٍ قَالَتْ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا
أَرَادَ سَفَراً أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ
فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بها
مَعَهُ. فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ
غَزَاهَا فَخَرَجَ سهمي فخرجت معه بعدما نَزَلَ
الحِجَابُ وَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجٍ
وَأُنْزَلُ فِيْهِ فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرغَ
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ وَقَفَلَ
وَدَنَوْنَا مِنَ المَدِيْنَةِ آذَنَ لَيْلَةً
بِالرَّحِيْلِ. فَقُمْتُ حِيْنَئِذٍ فَمَشَيْتُ
حَتَّى جَاوَزْتُ الجَيْشَ فَلَمَّا قَضَيْتُ
حَاجَتِي أَقْبَلْتُ إِلَى رَحْلِي فَإِذَا عِقْدٌ
لِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارٍ3 قَدِ انْقَطَعَ
فَالْتَمَسْتُهُ وَحَبَسَنِي الْتِمَاسُهُ
وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِيْنَ كَانُوا
يَرْحَلُوْنَ بِي فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي4
فَرَحَلُوْهُ عَلَى بَعِيْرِي وَهُمْ يَحْسَبُوْنَ
أَنِّي فِيْهِ وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ
خفافا لم يثقلهن اللحم إنما يأكلن
__________
1 غزوة المريسيع: هو ماء لبني خزاعة بينه وبين
الفرع "موضع من ناحية المدينة" مسيرة يوم، وتسمى
غزوة بني المصطلق، وهو لقب لجذيمة بن سعد بن عمرو
بن بطن من بني خزاعة، وكانت هذه الغزوة في شعبان
سنة خمس، وسببها: أنه لما بلغه صلى الله عليه وسلم
أن الحارث بن أبي ضرار سيد بن المصطلق سار في قومه
ومن قدر عليه من العرب، يريدون حرب رَسُوْلِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ بريدة
بن الحصيب الأسلمي يعلم له ذلك فأتاهم، ولقي
الحارث بن أبي ضرار، وكلمه، ورجع إِلَى رَسُوْلِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره
خبرهم، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس
فأسرعوا في الخروج وانتهى رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى المريسيع، وهو مكان الماء، وكانت النصرة
للمسلمين على المشركين.
2 صحيح: انظر تعليقنا السابق.
3 الجزع بالفتح: الخرز اليماني، الواحدة جزعة.
وظفار: مدينة باليمن، وقيل جبل، وقيل سميت به
المدينة وهي في أقصى اليمن إلى جهة الهند.
4 الهودج: بفتح الهاء والدال بينهما واو ساكنة
وآخره جيم: محمل له قبه تستر بالثياب ونحوه. يوضع
على ظهر البعير يركب عليه النساء ليكون أستر لهن.
(3/438)
العُلْقَةَ1 مِنَ الطَّعَامِ. فَلَمْ
يَسْتَنْكِرُوا خِفَّةَ المَحْمِلِ حِيْنَ
رَفَعُوْهُ وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيْثَةَ
السِّنِّ فَبَعَثُوا الجَمَلَ وَسَارُوا
فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ
الجَيْشُ. فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا
دَاعٍ وَلاَ مُجِيْبٌ. فَأَمَّمْتُ2 مَنْزِلِي
الَّذِي كُنْتُ فِيْهِ وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ
سَيَفْقِدُوْنِي فَيَرْجِعُوْنَ إِلَيَّ
فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسَةٌ غَلَبَتْنِي عَيْنِي
فَنِمْتُ.
وَكَانَ صَفْوَانُ بنُ المُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ،
ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الجَيْشِ
فَأَدْلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي فَرَأَى
سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ فأتاني فعرفني حين
رَآنِي وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ الحِجَابِ
فَاسْتَرْجَعَ فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ
حِيْنَ عَرَفْتُ فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي
وَاللهِ مَا كَلَّمَنِي كَلِمَةً وَلاَ سَمِعْتُ
مِنْهُ كَلِمَةً غير استرجاعه فأناخ راحلته فوطىء
عَلَى يَدَيْهَا فَرَكِبْتُهَا. فَاْنَطَلَق
يَقُوْدُ بِيَ الرَّاحِلَةَ حتى أتينا الجيش بعدما
نَزَلُوا مُوْغِرِيْنَ فِي نَحْرِ الظَّهِيْرَةِ3
فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ فِيَّ وَكَانَ الَّذِي
تَوَلَّى كِبْرَ الإِفْكِ عَبْدُ اللهِ بنُ
أُبَيِّ ابْنِ سَلُوْلٍ.
فَقَدِمْنَا المَدِيْنَةَ فَاشْتَكَيْتُ شَهْراً
وَالنَّاسُ يُفِيْضُونَ فِي قَوْلِ أَهْلِ
الإِفْكِ وَلاَ أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ
وَيُرِيْبُنِي4 فِي وَجَعِي أَنِّي لاَ أَعْرِفُ
مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ
حِيْنَ أَشْتَكِي إِنَّمَا يَدْخُلُ عليَّ
فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُوْلُ: "كَيْفَ تِيْكُمْ"
ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَذَلِكَ الَّذِي يُرِيْبُنِي
وَلاَ أَشْعُرُ بالشر حتى خرجت بعدما نَقِهْتُ
فَخَرَجْتُ مَعَ أُمِّ مِسْطَحٍ قِبَلَ
المَنَاصِعِ5 وَهُوَ مُتَبَرَّزُنَا وَكُنَّا لاَ
نَخْرُجُ إلَّا لَيْلاً إِلَى لَيْلٍ وَذَلِكَ
قَبْلَ أَنْ تُتَّخَذَ الكُنُفُ قَرِيْباً مِنْ
بُيُوْتِنَا وَأَمْرُنَا أَمْرُ العَرَبِ
الأَوَّلِ مِنَ التَّبَرُّزِ قِبَلَ الغَائِطِ
وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا
عِنْدَ بُيُوْتِنَا فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ
مِسْطَحٍ بِنْتُ أَبِي رُهْمٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ
وَأُمُّهَا ابْنَةُ صَخْرِ بنِ عَامِرٍ خَالَةُ
أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ وَابْنُهَا مِسْطَحُ
بنُ أُثَاثَةَ بنِ المُطَّلِبِ. فَأَقْبَلْتُ
أَنَا وَهِيَ قِبَلَ بَيْتِي قَدْ فَرَغْنَا مِنْ
شَأْنِنَا فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مرطها
فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ! فَقُلْتُ لَهَا:
بِئْسَ مَا قُلْتِ أَتَسُبِّيْنَ رَجُلاً شَهِدَ
بَدْراً? قَالَتْ: أَيْ هَنْتَاهُ6 أَوَ لَمْ
تَسْمَعِي مَا قَالَ? قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ
فَأَخْبَرَتْنِي الخَبَرَ فَازْدَدْتُ مَرَضاً
عَلَى مرضي.
__________
1 العلقة بضم العين: أي البلغة من الطعام.
2 أممت: قصدت.
3 موغرين في نحر الظهيرة: أي في وقت الهاجرة، وقت
توسط الشمس السماء
4 يريبني: يسوءني ويزعجني.
5 المناصع: المواضع التي يتخلى فيها لقضاء الحاجة،
واحدها: منصع؛ لأنه يبرز إليها ويظهر. قال
الأزهري: آراها مواضع مخصوصة خارج المدينة.
6 يا هنتاه: يا بلهاء، كأنها نسبت إلى قلة المعرفة
بمكايد الناس وشرورهم.
(3/439)
فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي، وَدَخَلَ
عليَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: "كَيْفَ
تِيْكُمْ"؟ فَقُلْتُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ
أَبَوَيَّ? وَأَنَا حِيْنَئِذٍ أُرِيْدُ أَنْ
أَسْتَيْقِنَ الخبر من قبلها فَأَذِنَ لِي.
فَجِئْتُ أَبَوَيَّ فَقُلْتُ: يَا أُمَّتَاهُ مَا
يَتَحَدَّثُ النَّاسُ? قَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ
هَوِّنِي عليكِ فَوَاللهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ
امْرَأَةٌ وَضِيْئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا
لَهَا ضَرَائِرُ إلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا.
فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ وَقَدْ تَحَدَّثَ
النَّاسُ بِهَذَا?! فَبَكَيْتُ اللَّيْلَةَ حَتَّى
لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ
بِنَوْمٍ. ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي. فَدَعَا
رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عليَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ
بنَ زَيْدٍ حِيْنَ اسْتَلْبَثَ الوَحْيُ
يَسْتَأْمِرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ. فَأَمَّا
أُسَامَةُ فَأَشَارَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ
بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءةِ أَهْلِهِ
وَبِالَّذِي يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ مِنَ
الوُدِّ فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ أَهْلُكَ
وَلاَ نَعْلَمُ إلَّا خَيْراً. وَأَمَّا عَلِيٌّ
فَقَالَ: لَمْ يُضَيِّقِ اللهُ عَلَيْكَ
وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيْرٌ وَاسْأَلِ
الجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ. فَدَعَا رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَرِيْرَةَ
فَقَالَ: "أَيْ بَرِيْرَةُ هَلْ رَأَيْتِ مِنْ
شَيْءٍ يَرِيْبُكِ"؟ قَالَتْ: لاَ وَالَّذِي
بَعَثَكَ بِالحَقِّ إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا
أَمْراً أَغْمِصُهُ1 عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ
أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيْثَةُ السِّنِّ تَنَامُ،
عَنْ عَجِيْنِ أَهْلِهَا فَيَأْتِي الداجن فيأكله.
فَقَامَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ
أُبَيِّ ابْنِ سَلُوْلٍ فَقَالَ وَهُوَ عَلَى
المِنْبَرِ: "يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِيْنَ مَنْ
يَعْذِرُنِي 2 مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ
فِي أَهْلِ بَيْتِي فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى
أَهْلِي إلَّا خَيْراً وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلاً
مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إلَّا خَيْراً وَمَا كَانَ
يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إلَّا مَعِي". فَقَامَ
سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ
أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ إِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ
ضَرَبْتُ عُنُقَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا
مِنَ الخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا
أَمْرَكَ. فَقَامَ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ وَهُوَ
سَيِّدُ الخَزْرَجِ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلاً
صَالِحاً وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ3 الحمية فقال
لسعد: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللهِ لاَ تَقْتُلُهُ
وَلاَ تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ. فَقَامَ أُسَيْدُ
بنُ حُضَيْرٍ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بنِ
مُعَاذٍ فَقَالَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللهِ
لَنَقْتُلَنَّهُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ،
عَنِ المُنَافِقِيْنَ. فَتَثَاوَرَ4 الحَيَّانِ:
الأَوْسُ وَالخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ
يَقْتَتِلُوا وَرَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِمٌ عَلَى المِنْبَرِ:
فَلَمْ يَزَلْ يَخْفِضُهُمْ حتى سكتوا وسكت.
__________
1 أغمصه: أي أعيبه.
2 من يعذرني: أي من يقوم بعذري إن كافأته على سوء
صنيعه فلا يلومني. ويعذرني أي ينصرني ويعينني.
وأصل التعذير: المنع والرد، فكأن من نصرته قد رددت
عنه أعداءه ومنعتهم من أذاه.
3 احتملته الحمية: أي أغضبته. ووقع في رواية معمر
عند مسلم وكذا يحيى بن سعيد عند الطبراني
"اجتهلته" بجيم ثم مثناه ثم هاء، أي حملته على
الجهل.
4 فتثاور: بمثناة ثم مثلثة، أي نهض بعضهم إلى بعض
من الغضب. ووقع في حديث ابن عمر "وقام سعد بن معاذ
فسل سيفه".
(3/440)
قَالَتْ: فَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ
وَلَيْلَتِي لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ
أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ فَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي
وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْماً لاَ
أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ وَلاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ
حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ البُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي
فَبَيْنَمَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا
أَبْكِي اسْتَأْذَنَتْ عليَّ امْرَأَةٌ مِنَ
الأَنْصَارِ فَأَذِنْتُ لَهَا فَجَلَسَتْ تَبْكِي
مَعِي فَبَيْنَمَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ
عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسلم ثم جَلَسَ وَلَمْ
يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيْلَ لِي مَا قِيْلَ
وَلَقَدْ لَبِثَ شَهْراً لاَ يُوْحَى إِلَيْهِ فِي
شَأْنِي شَيْءٌ. قَالَتْ: فَتَشَهَّدَ ثُمَّ
قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ فَإِنَّهُ
قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ
كُنْتِ بَرِيْئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللهُ وَإِنْ
كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللهَ
وَتُوْبِي إِلَيْهِ فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا
اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللهُ
عَلَيْهِ". فَلَمَّا قَضَى مَقَالَتْهُ قَلَصَ
دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً
فَقُلْتُ لأَبِي: أَجِبْ رَسُوْلَ اللهِ فِيْمَا
قَالَ قَالَ: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُوْلُ
لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ لأُمِّي: أَجِيْبِي رَسُوْلَ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَتْ: مَا أَدْرِي مَا أَقُوْلُ لِرَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقُلْتُ وَأَنَا يَوْمئذٍ حَدِيْثَةُ السِّنِّ
لاَ أَقْرَأُ كَثِيْراً مِنَ القُرْآنِ: إِنِّي
وَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَقَدْ سَمِعْتُمْ هَذَا
الحَدِيْثَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ
وَصَدَّقْتُمْ بِهِ فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ:
إِنِّي بَرِيْئَةٌ والله يعلم أني برئية لاَ
تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ
لَكُمْ بِأَمْرٍ وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي
بَرِيْئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي". وَاللهِ مَا أَجِدُ
لِي وَلَكُمْ مَثَلاً إلَّا قَوْلَ أَبِي
يُوْسَفَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ
الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يُوْسُفُ:
18] ، ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى
فِرَاشِي وَأَنَا أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيْئَةٌ
وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى يُبَرِّئُنِي بِبَرَاءتِي
وَلَكِنْ وَاللهِ مَا ظَنَنْتُ أَنَّ اللهَ
يُنْزِلُ فِي شَأْنِي وَحْياً يُتْلَى وَلَشَأْنِي
كَانَ فِي نَفْسِي أَحْقَرُ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ
اللهُ فيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى وَلَكِنْ كُنْتُ
أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ
رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللهُ بِهَا قَالَتْ:
فَوَاللهِ مَا قَامَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ خَرَجَ أَحَدٌ
مِنْ أهل البيت حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ
فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ البُرَحَاءِ
حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ
الجُمَانِ مِنَ العَرَقِ وَهُوَ فِي يَوْمٍ شاتٍ
مِنْ ثِقَلِ القَوْلِ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَيْهِ
فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ1 وَهُوَ يَضْحَكُ كَانَ
أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا: "يَا عَائِشَةُ
أَمَا وَاللهِ لَقَدْ بَرَّأَكِ اللهُ". فَقَالَتْ
أُمِّي: قُوْمِي إِلَيْهِ. فَقُلْتُ: وَاللهِ لاَ
أَقُوْمُ إِلَيْهِ وَلاَ أَحْمَدُ إلَّا اللهَ.
وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ
جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ}
[النُّوْرُ: 11] . العَشْرُ الآيَاتُ كُلُّهَا.
فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ هَذَا فِي بَرَاءتِي
قَالَ أَبُو بَكْرٍ -وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى
مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ وَفَقْرِهِ: وَاللهِ لاَ
أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئاً أَبَداً بَعْدَ
الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ. فَأُنْزِلَتْ: {وَلَا
يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ
أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ
وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ
__________
1 فلما سرى: أي كشف.
(3/441)
أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النُّوْرُ:
22] . قَالَ: بَلَى وَاللهِ إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ
يَغْفِرَ اللهُ لِي. فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ
النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ
وَقَالَ: وَاللهِ لاَ أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَداً.
قَالَتْ: وَكَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْأَلُ زَيْنَبَ بِنْتَ
جَحْشٍ، عَنِ أَمْرِي. فَقَالَتْ: أَحْمِي سَمْعِي
وَبَصَرِي مَا عَلِمْتُ إلَّا خَيْراً وَهِيَ
الَّتِي كَانَتْ تُسَامِيْنِي1 مِنْ أَزْوَاجِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَعَصَمَهَا اللهُ بِالوَرَعِ2 وَطَفِقَتْ
أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا3 فَهَلَكَتْ
فيمن هلك من أصحاب الإفك4.
وَهَذَا الحَدِيْثُ لَهُ طُرُقٌ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ وَرَوَاهُ هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ،
عَنْ أَبِيْهِ.
قَالَ أَبُو مَعْشَرٍ السِّنْدِيُّ5: حَدَّثَنِي
أَفْلَحُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ المُغِيْرَةِ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الوَلِيْدِ بنِ
عَبْدِ المَلِكِ فَذَكَرَ حَدِيْثَ الإِفْكِ
بِطُوْلِهِ وَفِيْهِ: أَنَّ ذَاكَ فِي غَزْوَةِ
بَنِي المُصْطَلِقِ وَأَنَّ سَهْمَهَا وَسَهْمَ
أُمِّ سَلَمَةَ خَرَجَ.
وَرَوَى مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ الوَلِيْدِ فَقَالَ: الَّذِي
تَوَلَّى كِبْرَهُ عليٌّ فَقُلْتُ: لاَ،
حَدَّثَنِي سَعِيْدٌ وَعُرْوَةُ وَعَلْقَمَةُ
وَعُبَيْدُ اللهِ كُلُّهُمْ سَمِعَ عَائِشَةَ
تَقُوْلُ: إِنَّ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ عَبْدُ
اللهِ بنُ أُبَيٍّ. فَقَالَ لِي: فَمَا كَانَ
جُرْمُهُ قُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ، حَدَّثَنِي
مِنْ قَوْمِكَ أَبُو سَلَمَةَ وَأَبُو بَكْرٍ بنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا سَمِعَا عَائِشَةَ
تَقُوْلُ: كَانَ مُسِيْئاً فِي أَمْرِي.
يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ
إِسْحَاقَ:، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي
بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ، عن
__________
1 وهي التي كانت تساميني: أي تعاليني من السمو وهو
العلو والارتفاع. أي تطلب من العلو والرفعة
والحظوة عند النبي صلى الله عليه وسلم ما أطلب، أو
تعتقد أن الذي لها عنده مثل الذي لي عنده. وذهل
بعض الشراح فقال إنه من سوم الخسف، وهو حمل
الإنسان على ما يكرهه. والمعنى تغايظني. وهذا لا
يصح، فإنه لا يقال في مثله سام ولكن ساوم.
2 فعصمها الله بالورع: أي حفظها ومنعها بالمحافظة
على دينها ومجانبة ما تخشى سوء عاقبته.
3 تحارب لها: تجادل لها وتتعصب وتحكي ما قال أهل
الافك لتنخفض منزلة عائشة وتعلو مرتبة أختها زينب.
4 صحيح على شرط الشيخين: أخرجه أحمد "6/ 194-197"،
والبخاري "2661" و"4141" و"4750"، ومسلم "2770"
وأبو يعلى "4927" و"4933" و"4935"، والطبراني "23/
134 و135 و139 و140 و141 و142 و143 و144 و145 و146
و147 و148" والبيهقي "7/ 302" من طرق عن الزهري،
به.
5 أبو معشر السندي: هو نجيح بن عبد الرحمن السندي
المدني، وهو مولى بني هاشم ضعيف، أسن واختلط.
(3/442)
عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا
تَلاَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- القِصَّةَ الَّتِي نزل بِهَا عُذْرِي
عَلَى النَّاسِ نَزَلَ فَأَمَرَ بِرَجُلَيْنِ
وَامْرَأَةٍ مِمَّنْ كَانَ تَكَلَّمَ
بِالفَاحِشَةِ فِي عَائِشَةَ فُجُلِدُوا الحَدَّ1.
قَالَ: وَكَانَ رَمَاهَا ابْنُ أُبَيٍّ وَمِسْطَحٌ
وَحَسَّانٌ وَحَمْنَةُ.
الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوْقٍ
قَالَ: دَخَلَ حَسَّانُ بنُ ثَابِتٍ عَلَى
عَائِشَةَ يُشَبِّبُ بِأَبْيَاتٍ2 لَهُ فِيْهَا
فَقَالَ:
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيْبَةٍ ...
وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُوْمِ الغَوَافِلِ3
قَالَتْ: لَسْتُ كَذَاكَ. فَقُلْتُ: تَدَعِيْنَ
مِثْلَ هَذَا يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ أَنْزَلَ
اللهُ تَعَالَى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ
مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيم} [النُّوْرُ: 11] .
قَالَتْ: وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ العَمَى.
ثُمَّ قَالَتْ: كَانَ يَرُدُّ، عَنِ النبي -صلى
الله عليه وسلم4.
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيُّ قَالَ: كَانَ
صَفْوَانُ بنُ المُعَطَّلِ قَدْ كَثَّرَ عَلَيْهِ
حَسَّانٌ فِي شَأْنِ عَائِشَةَ وَقَالَ يعرِّض
بِهِ:
أَمْسَى الجَلاَبِيْبُ5 قَدْ عَزُّوا وَقَدْ
كَثُرُوا ... وابن الفريعة أمسى بيضة البلد
__________
1 صحيح: أخرجه عبد الرزاق "5/ 9749" من طريق ابن
أبي يحيى. وأخرجه أبو داود "4474"، والترمذي
"3181"، وابن ماجه "2576" من طريق ابن أبي عدي
كلاهما عن محمد بن إسحاق به.
قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات، وقد صرح محمد بن
إسحاق بالتحديث كما في رواية يونس بن بكير، فأمنا
شر تدليسه. وابن أبي عدي، هو محمد بن إبراهيم بن
أبي عدي، أبو عمرو البصري، ثقة، روى له الجماعة.
وابن أبي يحيى، هو محمد بن أبي يحيى الأسلمي
المدني، صدوق، روى له أبو داود، والترمذي في
الشمائل، والنسائي، وابن ماجه.
2 يشبب: يزهيه ويحسنه.
3 حصان: من الإحصان، وهو المنع. والمراد أنها
محصنة بالإسلام، وبالعفاف، والحرية وبالتزويج.
تزن: أي ترمى. وقوله: "غرثى": أي خميصة البطن
والمراد أنها لا تغتاب أحدا. والغوافل: العفيفة
الغافلة عن الإثم والشر.
4 صحيح على شرطهما: أخرجه البخاري "4146"، ومسلم
"4146"، حدثنا بشر بن خالد، أخبرنا محمد بن جعفر،
عن شبعة، عن سليمان، عن أبي الضحي عن مسروق به.
5 الجلابيب: المراد بهم هنا سفلة الناس. وابن
الفريعة هو حسان بن ثابت. والفريعة هي أمه. وبيضة
البلد مثل يضرب في العزة والذلة.
قال الأزهري في "تهذيب اللغة" "2/ 85" معنى قول
حسان: إن سفلة الناس عزوا بعد ذلتهم وكثروا بعد
قلتهم، وابن الفريعة الذي كان ذا ثروة وثراء، فقد
أخر عن كريم شرفه وسؤدده، واستبد بالأمر دونه، فهو
بمنزلة بيضة البلد التي
تبيضها النعامة، ثم تتركها بالفلاة فلا تحضنها
فتبقى تريكة الصلاة.
(3/443)
فَاعْتَرَضَهُ صَفْوَانُ لَيْلَةً وَهُوَ
آتٍ مِنْ عِنْدِ أَخْوَالِهِ بَنِي سَاعِدَةَ،
فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ
فَاسْتَعْدَوْا عَلَيْهِ ثَابِتَ بنَ قَيْسٍ
فَجَمَعَ يَدَيْهِ إِلَى عُنُقِهِ بِحَبْلٍ
وَقَادَهُ إِلَى دَارِ بَنِي حَارِثَةَ فَلَقِيَهُ
ابْنُ رَوَاحَةَ فَقَالَ: مَا هَذَا? فَقَالَ: مَا
أَعْجَبَكَ إِنَّهُ عَدَا عَلَى حَسَّانٍ
بِالسَّيْفِ فَوَاللهِ مَا أُرَاهُ إلَّا قَدْ
قَتَلَهُ فَقَالَ هَلْ عَلِمَ رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَا
صَنَعْتَ بِهِ? فَقَالَ: لاَ. فقال: والله لقد
اجترأت خل سبيله. فسنغدوا عَلَى رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنُعْلِمَهُ
أَمْرَهُ فَخَلَّى سَبِيْلَهُ فَلَمَّا أَصْبَحُوا
غَدَوْا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ.
فَقَالَ: "أَينَ ابْنُ المُعَطَّلِ"؟ فَقَامَ إليه
فقال: ها أناذا يَا رَسُوْلَ اللهِ فَقَالَ: " مَا
دَعَاكَ إِلَى مَا صَنَعْتَ"؟ قَالَ: آذَانِي يَا
رَسُوْلَ اللهِ وكثَّر عليَّ وَلَمْ يَرْضَ حَتَّى
عرَّض بِي في الهجاء فاحتملني الغضب وها أناذا
فَمَا كَانَ عليَّ مِنْ حَقٍّ فَخُذْنِي بِهِ.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ادْعُوا لِي
حَسَّانَ بنَ ثَابِتٍ" فَأُتِيَ بِهِ. فقال: "يا
حَسَّانُ أَتَشَوَّهْتَ عَلَى قَوْمِي أَنْ
هَدَاهُمُ اللهُ لِلإِسْلاَمِ يَقُوْلُ:
تَنَفَّسْتَ عَلَيْهِم يَا حَسَّانُ أَحْسِنْ
فِيْمَا أَصَابَكَ". قَالَ: هِيَ لَكَ يَا
رَسُوْلَ اللهِ. فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِيْرِيْنَ
القُبْطِيَّةَ. فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ
الرَّحْمَنِ وَأَعْطَاهُ أَرْضاً كَانَتْ لأَبِي
طَلْحَةَ تَصَدَّقَ بِهَا أَبُو طَلْحَةَ عَلَى
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَقَالَ حَسَّانُ فِي
عَائِشَةَ:
رَأَيْتُكِ وَلْيَغْفِرْ لَكِ اللهُ حُرَّةً ...
مِنَ المُحْصَنَاتِ غَيْرِ ذَاتِ غَوَائِلِ
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيْبَةٍ ...
وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُوْمِ الغَوَافِلِ
وَإِنَّ الَّذِي قَدْ قِيْلَ لَيْسَ بِلائِقٍ ...
بِكِ الدهر بل قيل امرىء مُتَمَاحِلِ1
فَإِنْ كُنْتُ أَهْجُوْكُمْ كَمَا بَلَّغُوْكُمُ
... فَلاَ رَفَعَتْ سَوطِي إِلَيَّ أَنَامِلِي
وَكَيْفَ وُوُدِّي مَا حَيِيْتُ وُنُصْرَتِي ...
لآلِ رَسُوْلِ اللهِ زَيْنِ المَحَافِلِ
وَإِنَّ لَهُمْ عِزّاً يُرَى النَّاسُ دُوْنَهُ
... قِصَاراً وَطَالَ العِزُّ كُلَّ التَّطَاوُلِ
عَقِيْلَةُ حَيٍّ مِنْ لؤي بن غلب ... كِرَامِ
المَسَاعِي مَجْدُهُمْ غَيْرُ زَائِلِ
مُهَذَّبَةٌ قَدْ طَيَّبَ اللهُ خِيْمَهَا ...
وَطَهَّرَهَا مِنْ كُلِّ سُوْءٍ وباطل
__________
1 متماحل: متماكر، والمماحل: الماكر.
(3/444)
ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ:، حَدَّثَنِي أَخِي،
عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ
عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ:
قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ أرأيت لو أنك
نَزَلْتَ وَادِياً فِيْهِ شَجَرَةٌ قَدْ أُكِلَ
مِنْهَا وَوَجَدْتَ شَجَرَةً لَمْ يُؤْكَلْ
مِنْهَا فَأَيُّهُمَا كُنْتَ تُرْتِعُ بَعِيْرَكَ?
قَالَ: "الشَّجَرَةَ الَّتِي لَمْ يُؤْكَلْ
مِنْهَا" قَالَتْ: فَأَنَا هِيَ تَعْنِي. أَنَّ
رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْراً غَيْرَهَا1.
سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي سَعْدٍ،
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الأَسْوَدِ، عَنْ
أَبِيْهِ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ
عَنْهَا: مَا تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَتَاهُ
جِبْرِيْلُ بِصُوْرَتِي وَقَالَ: هَذِهِ
زَوْجَتُكَ. فَتَزَوَّجَنِي وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ
عَلَيَّ حَوْفٌ. وَلَمَّا تَزَوَّجَنِي وَقَعَ
عَلَيَّ الحَيَاءُ وَإِنِّي لَصَغِيْرَةٌ2.
تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو سَعْدٍ وَهُوَ سَعِيْدُ بنُ
المَرْزُبَانِ البَقَّالُ لَيِّنُ الحَدِيْثِ.
وَالحَوْفُ: شَيْءٌ يُشَدُّ فِي وَسَطِ الصَّبِيِّ
مِنْ سُيُوْرٍ.
يَحْيَى بنُ يَمَانٍ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ
إِسْمَاعِيْلَ بنِ أُمَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ
بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شَوَّالٍ
وَأَعْرَسَ بِي فِي شَوَّالٍ. فأي نسائه كان أحظى
عنده مني؟ 3.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "5077" حدثنا إسماعيل بن
عبد الله قال حدثني أخي، به.
2 ضعيف جدا: أخرجه الحاكم "4/ 9" من طريق سفيان بن
عيينة، به. وقال الحاكم: صحيح الإسناد "! " ووافقه
الذهبي في "التخليص" "! " "! ".
قلت: بل إسناده ضعيف جدا، آفته أبو سعد البقال
الأعور، واسمه سعيد بن المرزبان، مولى حذيفة بن
اليمان، تركه الفلاس. وقال ابن معين: لا يكتب
حديثه. وقال أبو زرعة: صدوق مدلس. وقال البخاري:
منكر الحديث.
وذكر الذهبي -رحمه الله- أقوال هؤلاء العلماء في
"ميزان الاعتدال"، وذهل عنه هنا فوافق الحاكم على
تصحيح إسناده، وهو واه. وقد ذكرت كثيرا من الأمثلة
على ذهوله هذا وتساهله وتساهل الحاكم في تصحيح
أحاديث واهية أو ضعيفة في كتابنا "الأرائك
المصنوعة في الأحاديث الضعيفة والموضوعة"، وقد طبع
المجلد الاول منها في مكتبة الدعوة بالأزهر، يسر
الله طبع بقية مجلداته الثلاثة، وجعله في ميزان
حسناتي بكرمه ومنه إنه سميع مجيب.
3 صحيح: وهذا إسناد ضعيف، آفته يحيى بن يمان، فإنه
كان سيئ الحفظ كثير الخطأ لكن قد رواه مسلم في
"صحيحه" "1423" وابن ماجه "1990" من طريق وكيع،
حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن أمية، عن عبد الله بن
عروة، عن عروة، عن عائشة، به. وهذه متابعة تامة
ليحيى بن اليمان من وكيع بن الجراح.
وأخرجه الدارمي "2/ 145" من طريق عبيد الله بن
موسى، عن سفيان، به.
وقوله: "أحظى": أي أكثر حظا.
(3/445)
وَكَانَتِ العَرَبُ تَسْتَحِبُّ
لِنِسَائِهَا أَنْ يُدْخَلْنَ عَلَى أزواجهن في
شوال.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ
مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيْجَةَ مِنْ كَثْرَةِ مَا
كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَذْكُرُهَا1.
قُلْتُ: وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ شَيْءٍ أَنْ
تَغَارَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- مِنِ امْرَأَةٍ
عَجُوْزٍ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ تَزَوُّجِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَائِشَةَ
بِمُدَيْدَةٍ ثُمَّ يَحْمِيْهَا اللهُ مِنَ
الغَيْرَةِ مِنْ عِدَّةِ نِسْوَةٍ يُشَارِكْنَهَا
فِي النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَهَذَا مِنْ أَلْطَافِ اللهِ بِهَا
وَبِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لِئَلاَّ يَتَكَدَّرَ عَيْشُهُمَا.
وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا خَفَّفَ أَمْرَ الغَيْرَةِ
عَلَيْهَا حُبُّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليه
وسلم- لها وميله إليها ف-رضي اللهُ عَنْهَا-
وَأَرْضَاهَا.
مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ: دَخَلَتِ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ عَلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا. قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا
رَسُوْلَ اللهِ أَقْبَلْتَ عَلَى هَذِهِ
السَّوْدَاءِ هَذَا الإِقْبَالَ فَقَالَ:
"إِنَّهَا كَانَتْ تَدْخُلُ عَلَى خَدِيْجَةَ
وَإِنَّ حُسْنَ العَهْدِ مِنَ الإيمان"2.
أَخْبَرَنَا أَبُو الفِدَاءِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُعَدَّلُ، أَخْبَرَنَا
الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ
أَحْمَدَ المَقْدِسِيُّ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ
وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ
الحَسَنِ الدَّقَّاقُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ
عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ زِكْرِيٍّ،
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المُعَدَّلُ
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ
عَمْرٍو الرَّزَّازُ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بنُ
نَصْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ
الأَنْصَارِيُّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا
القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ
اللهُ عَنْهَا- أَنَّهَا قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ
أَنَّ
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3816"، ومسلم "2435" "74"
من طريق هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ،
عَنْ عَائِشَةَ، به.
قوله: "ما غرت على امرأة ما غرت": الغيرة هي
الحمية والأنفة. يقال رجل غيور وامرأة غيور، بلا
هاء؛ لأن فعولا يشترك فيه الذكر والأنثى. وما
الأولى نافية. والثانية مصدرية أو موصلة والمعنى:
أي ما غرت مثل غيرتي أو مثل التي غرتها على خذيجة.
2 ضعيف: أخرجه الحاكم "1/ 15-16" من طريق صالح بن
رستم، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيكَة، عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ: جاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم
وهو عندي فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
من أنت؟ قالت: أنا جثامة المزنية فقال: بل أنت
حسانة المزنية كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتم
بعدنا؟ قالت: بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله
فلما خرجت قلت يا رسول الله تقبل على هذه العجوز
هذا الإقبال؟ فقال: إنها كانت تأتينا زمن خديجة
وإن حسن العهد من الإيمان. وقال الحاكم: صحيح على
شرط الشيخين "! " ووافقه الذهبي في "التلخيص" "!
".
قلت: بل إسناده ضعيف، آفته صالح بن رستم، فإنه
ضعيف لسوء حفظه، فقد كان كثير الخطأ، وقد ضعفه أبو
حاتم، وابن المديني.
(3/446)
مُحَمَّداً -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ
الفِرْيَةَ عَلَى اللهِ تَعَالَى وَلَكِنَّهُ
رَأَى جِبْرِيْلَ مَرَّتَيْنِ فِي صُوْرَتِهِ
وَخَلْقِهِ سَادّاً ما بين الأفق1.
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحُ الإِسْنَادِ.
وَلَمْ يَأْتِنَا نَصٌّ جَلِيٌّ بِأَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
رَأَى اللهَ تَعَالَى بِعَيْنَيْهِ. وَهَذِهِ
المَسْأَلَةُ مِمَّا يَسَعُ المَرْءَ المُسْلِمَ
فِي دِيْنِهِ السُّكُوتُ عَنْهَا فَأَمَّا
رُؤْيَةُ المَنَامِ فَجَاءتْ مِنْ وُجُوْهٍ
مُتَعَدِّدَةٍ مُسْتَفِيْضَةٍ وَأَمَّا رُؤْيَةُ
اللهِ عِيَاناً فِي الآخِرَةِ فَأَمْرٌ
مُتَيَقَّنٌ تَوَاتَرَتْ بِهِ النُّصُوْصُ. جَمَعَ
أَحَادِيْثَهَا الدارقطني والبيهقي وغيرهما.
وأبو الحَسَنِ المَدَائِنِيُّ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ
عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ
أَبِيْهِ قَالَ: دَخَلَ عُيَيْنَةُ بنُ حِصْنٍ
عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَعِنْدَهُ عَائِشَةُ وَذَلِكَ قَبْلَ
أَنْ يُضْرَبَ الحِجَابُ فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ
الحُمَيْرَاءُ يَا رَسُوْلَ اللهِ? قَالَ: "هَذِهِ
عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ" قَالَ: أَفَلاَ
أَنْزِلُ لَكَ، عَنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ? قَالَ:
"لاَ" فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ عَائِشَةُ: مَنْ
هَذَا يَا رَسُوْلَ اللهِ قَالَ: "هَذَا
الأَحْمَقُ المُطَاعُ فِي قَوْمِهِ".
هَذَا حَدِيْثٌ مُرْسَلٌ وَيَزِيْدُ مَتْرُوكٌ
وَمَا أَسْلَمَ عُيَيْنَةُ إلَّا بَعْدَ نُزُولِ
الحِجَابِ.
وَقَدْ قِيْلَ: إِنَّ كُلَّ حَدِيْثٍ فِيْهِ: يَا
حُمَيْرَاءُ لَمْ يَصِحَّ. وَأَوْهَى ذلك
تَشْمِيْسُ المَاءِ وَقَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهَا: "لَا
تَفْعَلِي يَا حُمَيْرَاءُ فَإِنَّهُ يُوْرِثُ
البَرَصَ". فَإِنَّهُ خَبَرٌ مَوْضُوْعٌ2.
وَالحَمْرَاءُ فِي خِطَابِ أَهْلِ الحِجَازِ: هِيَ
البَيْضَاءُ بِشُقْرَةٍ وَهَذَا نَادِرٌ فِيْهِم
وَمِنْهُ فِي الحَدِيْثِ: " رَجُلٌ أَحْمَرُ
كَأَنَّهُ مِنَ المَوَالِي" يُرِيْدُ القَائِلُ
أَنَّهُ فِي لَوْنِ المَوَالِي الَّذِيْنَ سُبُوا
مِنْ نَصَارَى الشَّامِ والروم والعجم.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3234" حدثنا محمد بن
عَبْدُ اللهِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، عَنِ
ابْنِ عون، به.
وأخرجه البخاري "4855"، ومسلم "177"، والترمذي
"3278" من طرق عن عامر الشعبي، عن مسروق، عن عائشة
بنحوه.
2 موضوع: أخرجه الدارقطني "1/ 38"، والبيهقي "1/
6" من طريق سعدان بن نضر حدثنا خالد بن إسماعيل،
عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ
عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قالت: أسخنت ماء في
الشمس فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: لاَ تفعلي يا حميراء فإنه يورث البرص،
وقال الدارقطني في إثره: "غريب جدا، خالد بن
إسماعيل متروك"، وقال البيهقي في إثره: وهذا لا
يصح.
قلت: إسناده موضوع، آفته خالد بن إسماعيل المخزومي
المدني، أبو الوليد، قال ابن عدي: كان يضع الحديث
على الثقات. وقال الدارقطني: متروك. وقال ابن
حبان: لا يجوز الاحتجاج به بحال.
(3/447)
ثُمَّ إِنَّ العَرَبَ إِذَا قَالَتْ:
فُلاَنٌ أَبْيَضُ فَإِنَّهُمْ يُرِيْدُوْنَ
الحِنْطِيَّ اللَّوْنِ بِحِلْيَةٍ سَوْدَاءَ
فَإِنْ كَانَ فِي لَوْنِ أَهْلِ الهِنْدِ قَالُوا:
أَسْمَرُ وَآدَمُ وَإِنْ كَانَ فِي سَوَادِ
التِّكْرُوْرِ قَالُوا: أَسْوَدُ وَكَذَا كُلُّ
مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ السَّوَادُ قَالُوا:
أَسْوَدُ أَوْ شَدِيْدُ الأُدْمَةِ. وَمِنْ ذَلِكَ
قُوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"بُعِثْتُ إِلَى الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ" 1.
فَمَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّ بَنِي آدَمَ لا ينفكون،
عن أحد الأمرين. وكل لَوْنٍ بِهَذَا الاعْتِبَارِ
يَدُوْرُ بَيْنَ السَّوَادِ وَالبَيَاضِ الَّذِي
هُوَ الحُمْرَةُ.
أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، حَدَّثَنَا عَبَّادُ
بنُ عَبَّادٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ
عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُوْلُ لَهَا:
"إِنِّي أَعْرِفُ غَضَبَكِ إِذَا غَضِبْتِ
وَرِضَاكِ إِذَا رَضِيْتِ" قَالَتْ: وَكَيْفَ
تَعْرِفُ? قَالَ: "إِذَا غَضِبْتِ قُلْتِ: يَا
مُحَمَّدُ وَإِذَا رَضِيْتِ قُلْتِ: يَا رَسُوْلَ
اللهِ".
هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ وَالمَحْفُوظُ مَا
أَخْرَجَا فِي الصَّحِيْحَيْنِ لأَبِي أُسَامَةَ،
عَنْ هِشَامٍ بِلَفْظِ: "إِنِّي لأَعْلَمُ إِذَا
كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ
غَضْبَى". قَالَتْ: وَكَيْفَ يَا رَسُوْلَ اللهِ?
قَالَ: "إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً قُلْتِ:
لاَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ
غَضْبَى قُلْتِ: لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيْمَ".
قُلْتُ: أَجَلْ وَاللهِ مَا أَهْجُرُ إلَّا
اسْمَكَ2.
تَابَعَهُ عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ وَأَخْرَجَ
النَّسَائِيُّ حَدِيْثَ عَلِيٍّ.
هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ
عَائِشَةَ: أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ قِلاَدَةً فِي
سَفَرٍ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَانْسَلَّتْ مِنْهَا.
وَكَانَ ذَلِكَ المَكَانُ يُقَالُ لَهُ:
الصُّلْصُلُ. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَطَلَبُوْهَا حَتَّى وَجَدُوْهَا وحضرت الصلاة
ولم يَكُنْ مَعَهُمْ مَاءٌ فَصَلَّوْا بِغَيْرِ
وُضُوْءٍ. فَأَنْزَلَ الله آية التيمم. فقال لها
أسيد ابن الحُضَيْرِ: جَزَاكِ اللهُ خَيْراً
فَوَاللهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ قَطُّ
تَكْرَهِيْنَهُ إلَّا جَعَلَ اللهُ لَكِ فيه
خيرًا3.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "521" من حديث جابر بن عبد
الله الأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "أعطيت خمسا لم
يعطهن أحد قبلي، كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة،
وبعثت إلى كل أحمر وأسود، وأحلت لي الغنائم، ولم
تحل لأحد قبلي وجعلت لي الأرض طيبة طهورا ومسجدا،
فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان ونصرت بالرعب
بين يدي مسيرة شهر، وأعطيت الشفاعة".
2 صحيح: أخرجه أحمد "6/ 61 و313"، والبخاري "5228"
و"6078"، ومسلم "2439"، والطبراني "23/ 119 و120
و121 و122"، والبيهقي "10/ 27"، والبغوي "2338" من
طرق عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ،
عَنْ عَائِشَةَ، به.
3 صحيح: أخرجه البخاري "334"، ومسلم "367" من طريق
مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ،
عَنْ أَبِيْهِ، عن عائشة.
(3/448)
رَوَاهُ ابْنُ نُمَيْرٍ وَعَلِيُّ بنُ
مُسْهِرٍ عَنْهُ1.
مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ،
عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْنَا
مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ حَتَّى إِذَا
كُنَّا بِالبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الجَيْشِ
انْقَطَعَ عِقْدِي فَأَقَامَ رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى
الْتِمَاسِهِ وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ
وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ. فَأَتَى النَّاسُ أَبَا
بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. فَقَالُوا: مَا
تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ أَقَامَتْ
بِرَسُوْلِ اللهِ وَبِالنَّاسِ وَلَيْسُوا عَلَى
مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاء قَالَتْ:
فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ مَا شَاءَ
اللهُ أن يقول وجعل يطعن بيده في خاصرني فَلاَ
يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إلَّا مَكَانُ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عَلَى فَخِذِي. فَنَامَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَصْبَحَ
عَلَى غَيْرِ مَاءٍ. فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ
التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا. فَقَالَ أُسَيْدُ بنُ
حُضَيْرٍ وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ: مَا هَذَا
بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ
قَالَتْ: فَبَعَثْنَا البَعِيْرَ الَّذِي كُنْتُ
عَلَيْهِ فَوَجَدْنَا العِقْدَ تَحْتَهُ.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2.
وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيْقِ مُحَمَّدِ
بنِ إسحاق:، حدثنا يحيى بن عباد ابن عبد الله بن
الزبير، عن أبيه، عن عَائِشَةَ: قَالَتْ:
أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى إِذَا كُنَّا
بِتُرْبَانَ بَلَدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
المَدِيْنَةِ بَرِيْدٌ وَأَمْيَالٌ وَهُوَ بَلَدٌ
لاَ مَاءَ بِهِ وَذَلِكَ مِنَ السَّحَرِ
انْسَلَّتْ قِلاَدَةٌ مِنْ عُنُقِي فَوَقَعَتْ
فَحُبِسَ عَلَيَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَلْتِمَاسِهَا حَتَّى
طَلَعَ الفَجْرُ وَلَيْسَ مَعَ القَوْمِ مَاءٌ.
فَلَقِيْتُ مِنْ أَبِي مَا اللهُ بِهِ عَلِيْمٌ
مِنَ التَّعْنِيْفِ وَالتَّأْفِيْفِ. وَقَالَ فِي
كُلِّ سَفَرٍ لِلمُسْلِمِيْنَ مِنْكِ عَنَاءٌ
وَبَلاَءٌ. فَأَنْزَلَ اللهُ الرُّخْصَةَ فِي
التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمَ القَوْمُ وَصَلَّوْا.
قَالَتْ: يَقُوْلُ أَبِي حِيْنَ جَاءَ مِنَ اللهِ
مِنَ الرُّخْصَةِ لِلمُسْلِمِيْنَ: وَاللهِ مَا
عَلِمْتُ يَا بُنَيَّةُ إِنَّكِ لَمُبَارَكَةٌ
مَاذَا جَعَلَ اللهُ لِلمُسْلِمِيْنَ فِي حَبْسِكِ
إِيَّاهُمْ مِنَ البَرَكَةِ وَاليُسْرِ3.
أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنِ العَيْزَارِ بنِ حُرَيْثٍ، عَنِ
النُّعْمَانِ بنِ بَشِيْرٍ قَالَ: اسْتَأْذَنَ
أَبُو بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا عَائِشَةُ تَرْفَعُ
صَوْتَهَا عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا بِنْتَ فُلاَنَةٍ
تَرْفَعِيْنَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا. ثُمَّ خَرَجَ أَبُو بكر
فجعل
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "336" من طريق عبد الله بن
نمير قال: حدثنا هشام بن عروة، به.
أما رواية علي بن مسهر في هذا الحديث عن هشام قال:
"وكان ذلك المكان يقال له الصلصل" رواه جعفر
الفريابي في كتاب الطهارة له وابن عبد البر من
طريقه، والصلصل بمهملتين مضمومتين ولامين الأولى
ساكنة بين الصادين قال البكري: هو جبل عند ذي
الحليفة.
2 صحيح: انظر تعليقنا قبل السابق.
3 صحيح: أخرجه أحمد "6/ 272-273"، وقد صرح ابن
إسحاق بالتحديث فأمنا شر تدليسه.
(3/449)
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَتَرَضَّاهَا وَقَالَ: "أَلَمْ
تَرَيْنِي حُلْتُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَكِ".
ثُمَّ اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ مَرَّةً أُخْرَى
فَسَمِعَ تَضَاحُكَهُمَا فَقَالَ: أَشْرِكَانِي
فِي سِلْمِكُمَا كَمَا أَشْرَكْتُمَانِي فِي
حَرْبِكُمَا.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ1 مِنْ
طَرِيْقِ حجاج بن محمد، عن يونس نَحْوَهُ.
لَكِنَّهُ قَالَ:، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ2، عَنِ العَيْزَارِ، عَنِ النُّعْمَانِ.
وَرَوَاهُ عَمْرٌو العَنْقَزِيُّ3، عَنْ يُوْنُسَ،
عَنْ أَبِيْهِ فَأَسْقَطَ العَيْزَارَ.
وَرَوَى نَحْوَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، عَنْ
وَكِيْعٍ، عَنْ إِسْرَائِيْلَ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنِ العَيْزَارِ بنِ حُرَيْثٍ، عَنِ
النُّعْمَانِ4.
مُوْسَى بنُ عُلَيِّ بنِ رَبَاحٍ: سَمِعْتُ أَبِي
يَقُوْلُ: أَخْبَرَنِي أَبُو قَيْسٍ مَوْلَى
عَمْرٍو قَالَ: بَعَثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ
عَمْرٍو إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ: سَلْهَا أَكَانَ
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقبل وَهُوَ صَائِمٌ? فَإِنْ قَالَتْ:
لاَ. فَقُلْ: إِنَّ عَائِشَةَ تُخْبِرُ النَّاسَ
أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ.
فَقَالَتْ: لَعَلَّهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ
يَتَمَالَكُ عَنْهَا حُبّاً أَمَّا إِيَّايَ
فَلاَ5.
أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ
بنُ عُمَرَ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ الأَيْلِيُّ:،
حَدَّثَنَا أَبُو شَدَّادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ
أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: كُنْتُ
صَاحِبَةَ عَائِشَةَ الَّتِي هَيَّأْتُهَا
وَأَدْخَلْتُهَا عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعِي نِسْوَةٌ
فَمَا وَجَدْنَا عِنْدَهُ قِرَىً إلَّا قَدَحاً
مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ نَاوَلَهُ
عَائِشَةَ. فَاسْتَحْيَتِ الجَارِيَةُ فَقُلْنَا:
لاَ تَرُدِّي يَدَ رَسُوْلِ اللهِ خُذِي مِنْهُ.
فَأَخَذَتْ مِنْهُ عَلَى حَيَاءٍ فَشَرِبَتْ.
ثُمَّ قَالَ: "نَاوِلِي صَوَاحِبَكِ" فَقُلْنَا:
لاَ نَشْتَهِيْهِ. فَقَالَ: "لاَ تجمعن جوعًا
__________
1 ضعيف: أخرجه أبو داود "4999"، وإسناده ضعيف فيه
أبو إسحاق، وهو ضعيف.
2 وقع في الإسناد "يونس، عن أبيه، عن أبي إسحاق"،
وهو خطأ والصواب كما في سنن أبي داود "يونس بن أبي
إسحاق، عن أبيه أبي إسحاق".
3 هو عمرو بن محمد العنقزي، بفتح المهملة والقاف
بينهما نون ساكنة، وبالزاي أبو سعيد، الكوفي ثقة،
من الطبقة التاسعة، وهي الطبقة الصغرى من أتباع
التابعين. والعنقزي: ينسب إلى العنقز: وهو:
المرزنجوشي، وقيل: الريحان، كان يبيعه أو يزرعة،
كما في "اللباب". مات ست سنة تسع وتسعين ومائة
استشهد به البخاري، وروى له مسلم، وأصحاب السنن
الأربعة. قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ
حَنْبَلٍ عَنْ أبيه: ثقة، وعن يحيى بن معين: ليس
به بأس. وذكره ابن حبان في كتاب "الثقات" "8/
482".
4 ضعيف: أخرجه أحمد "4/ 271-272" حدثنا وكيع، عن
إسرائيل، عن أبي إسحاق، به. وإسناده ضعيف، أبو
إسحاق هو السبيعي، مدلس، وقد عنعنه.
5 حسن: أخرجه أحمد "6/ 296 و317" من طريق موسى بن
علي بن رباح، به.
قلت: إسناده حسن، موسى بن علي بن رباح، صدوق كما
قال الحافظ في "التقريب".
(3/450)
وَكَذِباً". فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ
إِنْ قَالَتْ إحدانا لشيء تشتهيه: لاَ
تَشْتَهِيْهِ أَيُعَدُّ كَذِباً قَالَ: "إِنَّ
الكَذِبَ يُكْتَبُ حَتَّى تُكْتَبُ الكُذَيْبَةُ
كُذَيْبَةً".
هَذَا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ لاَ نَعْرفُهُ إلَّا مِنْ
طَرِيْقِ أَبِي شَدَّادٍ وَلَيْسَ بِالمَشْهُوْرِ.
قَدْ رَوَى عَنْهُ ابْنُ جريح أَيْضاً. ثُمَّ هُوَ
خَطَأٌ فَإِنَّ أَسْمَاءَ كَانَتْ وَقْتَ عُرْسِ
عَائِشَةَ بِالحَبَشَةِ مَعَ جَعْفَرِ بنِ أَبِي
طَالِبٍ وَلاَ نَعْلَمُ لِمُجَاهِدٍ سَمَاعاً،
عَنْ أَسْمَاءَ أَوْ لَعَلَّهَا أَسْمَاءُ بِنْتُ
يَزِيْدَ فَإِنَّهَا رَوَتْ عَجُزَ هَذَا
الحَدِيْثِ.
زَكَرِيَّا بنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ خَالِدِ بنِ
سَلَمَةَ، عَنِ البَهِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ:
قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا عَلِمْتُ حَتَّى دَخَلَتْ
عَلَيَّ زَيْنَبُ بِغَيْرِ إِذْنٍ وَهِيَ غَضْبَى
ثُمَّ قَالَتْ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحْسَبُكَ إِذَا قَلَبَتْ
لَكَ بُنَيَّةُ أَبِي بَكْرٍ ذُرَيْعَتَيْهَا?1
ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيَّ فَأَعْرَضْتُ عَنْهَا.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "دونك فَانْتَصِرِي" فَأَقْبَلْتُ
عَلَيْهَا حَتَّى رَأَيْتُ قَدْ يَبِسَ رِيْقُهَا
فِي فَمِهَا فَمَا تَرُدُّ عَلَيَّ شَيْئاً
فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ.
أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ النَّرْسِيُّ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى الخَوَّاصُ، حَدَّثَنَا
مُحَاضِرٌ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ
أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَتَانِي رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- في غَيْرِ يَوْمِي
يَطْلُبُ مِنِّي ضَجْعاً. فَدَقَّ فَسَمِعْتُ
الدَّقَّ ثُمَّ خَرَجْتُ فَفَتَحْتُ لَهُ.
فَقَالَ: "مَا كُنْتِ تَسْمَعِيْنَ الدَّقَّ"؟!.
قُلْتُ: بَلَى وَلَكِنَّنِي أَحْبَبْتُ أَنْ
يَعْلَمَ النِّسَاءُ أَنَّكَ أَتَيْتَنِي فِي
غَيْرِ يَوْمِي.
هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: سَابَقَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَبَقْتُهُ مَا
شَاءَ حَتَّى إِذَا رَهِقَنِي اللَّحْمُ
سَابَقَنِي فَسَبَقَنِي. فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ
هَذِهِ بتلك" 2.
وَرَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، عَنْ
هِشَامٍ فَقَالَ:، عَنْ أَبِيْهِ وَعَنْ أَبِي
سَلَمَةَ عَنْهَا. أَخْرَجَهُ هَكَذَا أَبُو
دَاوُدَ.
أَبُو سَعْدٍ البَقَّالُ3: عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيْهِ:
قَالَتْ عَائِشَةُ: تَزَوَّجَنِي رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِيْنَ
أَتَاهُ جِبْرِيْلَ بِصُوْرَتِي وَإِنِّي
لَجَارِيَةٌ عَلَيَّ حوفٌ. فَلَمَّا تَزَوَّجَنِي
أَلْقَى اللهُ عَلَيَّ حياء وأنا صغيرة.
__________
1 ذريعتيها: تصغير ذراع والهاء فيها لأنها مؤنثة.
والمقصود هنا ساعداها.
2 صحيح: أخرجه أحمد "6 / 39"، والحميدي "261"،
وأبو داود "2578"، وابن ماجه "1979"، والطحاوي في
"مشكل الآثار" "2/ 360" من طريق هشام بن عروة، عن
أبيه، به.
3 أبو سعد البقال، هو سعيد بن المرزبان الأعور،
مولى حذيفة بن اليمان، كوفي مشهور، تركه الفلاس.
وقال ابن معين: لا يكتب حديثه. وقال أبو زرعة:
صدوق مدلس. وقال البخاري: منكر الحديث. وقد تقدم
كلامنا على أبي سعد هذا وتقدم كلامنا على الحديث.
(3/451)
الحَوْفُ: سُيُوْرٌ فِي الوَسَطِ.
مِسْعَرٌ، عَنِ المِقْدَامِ بنِ شُرَيْحٍ، عَنْ
أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُوْلُ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- يُعْطِيْنِي
العَظْمَ فَأَتَعَرَّقُهُ ثُمَّ يَأْخُذُهُ
فَيُدِيْرُهُ حَتَّى يَضَعَ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ
فَمِي.
رَوَاهُ شُعْبَةُ وَالنَّاسُ، عَنِ المِقْدَامِ
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدُ
بنُ عَلِيٍّ وَعَلِيُّ بنُ بَقَاءٍ وَأَهْلُهُ
فَاطِمَةُ الآمِدِيَّةُ وَأَحْمَدُ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ الدباغ وعبد الدائم الوزان وعبد
الصمد الزَّاهِدُ وَمُحَمَّدُ بنُ هَاشِمٍ
العَبَّاسِيُّ وَنَصْرُ بنُ أَبِي الضَّوْءِ
وَزَيْنَبُ بِنْتُ سُلَيْمَانَ وَعِدَّةٌ قَالُوا:
أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ المُبَارَكِ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ ابن عِيْسَى،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا أَبُو
نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ
أَيْمَنَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ،
عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إِذَا
خَرَجَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَطَارَتِ
القُرْعَةُ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَكَانَ إِذَا
كَانَ بِاللَّيْلِ سَارَ مَعَ عَائِشَةَ
يَتَحَدَّثُ. فَقَالَتْ حَفْصَةُ: إلَّا
تَرْكَبِيْنَ اللَّيْلَةَ بَعِيْرِي وَأَرْكَبُ
بَعِيْرَكِ تَنْظُرِيْنَ وَأَنْظُرُ. فَقَالَتْ:
بَلَى. فَرَكِبَتْ فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى جَمَلِ
عَائِشَةَ وَعَلَيْهِ حَفْصَةُ فَسَلَّمَ
عَلَيْهَا ثُمَّ سَارَ حَتَّى نَزَلُوا
وَافْتَقَدَتْهُ عَائِشَةُ. فَلَمَّا نَزَلُوا
جَعَلَتْ رِجْلَيْهَا بَيْنَ الإِذْخِرِ
وَتَقُوْلُ: يَا رَبِّ سَلِّطْ عَلَيَّ عَقْرَباً
أَوْ حَيَّةً تَلْدَغُنِي رَسُوْلُكَ وَلاَ
أَسْتَطِيْعُ أَنْ أَقُوْلَ لَهُ شَيْئاً2.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي
نُعَيْمٍ فَوَقَعَ لَنَا بَدَلاً عَالِياً.
زِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ: حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بنُ
سَلاَّمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن سوقة، عن
عَاصِمِ بنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ: قَالَ:
انْتَهَيْنَا إِلَى عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-
فَذَكَرَ عَائِشَةَ فَقَالَ: خَلِيْلَةُ رَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ. وَمُصْعَبٌ فَصَالِحٌ لاَ
بَأْسَ بِهِ. وَهَذَا يَقُوْلُهُ أَمِيْرُ
المُؤْمِنِيْنَ فِي حَقِّ عَائِشَةَ مَعْ مَا
وَقَعَ بَيْنَهُمَا فَرَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
وَلاَ رَيْبَ أَنَّ عَائِشَةَ نَدِمَتْ نَدَامَةً
كُلِّيَّةً عَلَى مَسِيْرِهَا إِلَى البَصْرَةِ
وَحُضُورِهَا يَوْمَ الجَمَلِ وَمَا ظَنَّتْ أَنَّ
الأَمْرَ يَبْلُغُ مَا بَلَغَ. فَعَنْ عُمَارَةَ
بنِ عُمَيْرٍ عَمَّنْ سَمِعَ عَائِشَةَ: إِذَا
قَرَأَتْ {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُن} [الأحزاب: 33]
. بكت حتى تبل خمارها3.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "300".
2 صحيح: أخرجه البخاري "5211"، ومسلم "2445" من
طريق أبي نعيم الفضل بن دكين، عن عبد الواحد بن
أيمن، عن ابن أبي مليكة، عن القاسم بن محمد، به.
3 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "8/ 18" من طريق
الواقدي، وهو متروك كما ذكرنا مرارا.
(3/452)
قَالَ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ":
حَدَّثَنَا يَحْيَى القَطَّانُ، عَنْ
إِسْمَاعِيْلَ: حَدَّثَنَا قَيْسٌ قَالَ: لَمَّا
أَقْبَلَتْ عَائِشَةُ فَلَمَّا بَلَغَتْ مِيَاهَ
بَنِي عَامِرٍ لَيْلاً نَبَحَتِ الكِلاَبُ
فَقَالَتْ: أَيُّ مَاءٍ هَذَا? قَالُوا: مَاءُ
الحَوْأَبِ. قَالَتْ: مَا أَظُنُّنِي إلَّا
أَنَّنِي رَاجِعَةٌ. قَالَ بَعْضُ مَنْ كَانَ
مَعَهَا: بَلْ تَقْدَمِيْنَ فَيَرَاكِ
المُسْلِمُوْنَ فَيُصْلِحُ اللهُ ذَاتَ
بَيْنِهِمْ. قَالَتْ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ ذَاتَ
يَوْمٍ: "كَيْفَ بِإِحْدَاكُنَّ تَنْبُحُ عليها
كلاب الحوأب" 1.
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحُ الإِسْنَادِ وَلَمْ
يُخَرِّجُوْهُ.
عَنْ صَالِحِ بنِ كَيْسَانَ وَغَيْرِهِ: أَنَّ
عَائِشَةَ جَعَلَتْ تَقُوْلُ: إِنَّ عُثْمَانَ
قُتِلَ مَظْلُوْماً وَأَنَا أَدْعُوْكُمْ إِلَى
الطَّلَبِ بِدَمِهِ وَإِعَادَةِ الأَمْرِ شُوْرَى.
هِلاَلُ بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس أَنَّهُ
قَالَ لِلزُّبَيْرِ يَوْمَ الجَمَلِ: هَذِهِ
عَائِشَةُ تملك الملك لقرابتها طلحة فأنت غلام
تُقَاتِلُ قَرِيْبَكَ عَلِيّاً فَرَجَعَ
الزُّبَيْرُ فَلَقِيَهُ ابْنُ جُرْمُوْزٍ
فَقَتَلَهُ.
قُلْتُ: قَدْ سُقْتُ وَقْعَةَ الجَمَلِ
مُلَخَّصَةً فِي مَنَاقِبِ عَلِيٍّ وَإِنَّ
عَلِيّاً وَقَفَ عَلَى خِبَاءِ عَائِشَةَ
يَلُوْمُهَا عَلَى مَسِيْرِهَا. فَقَالَتْ: يابن
أَبِي طَالِبٍ مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ2. فَجَهَّزَهَا
إِلَى المَدِيْنَةِ وأعطاها اثني عشر ألفًا ف-رضي
اللهُ عَنْهُ- وَعَنْهَا.
وَفِي صَحِيْحِ البُخَارِيِّ مِنْ طَرِيْقِ أَبِي
حُصَيْنٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ زِيَادٍ، عَنْ
عَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ سَمِعَهُ عَلَى المِنْبَرِ
يَقُوْلُ: إِنَّهَا لَزَوْجَةُ نَبِيِّنَا -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الدُّنْيَا
وَالآخِرَةِ. يَعْنِي عَائِشَةَ3.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "6/ 52 و97"، وابن حبان "1831"
موارد، وابن عدي في "الكامل" "4/ 320"، والحاكم
"3/ 120" من طرق عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي
خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ بن أبي حازم قال: لما أقبلت
عائشة ... ، فذكره.
قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات، وقيس بن أبي حازم،
ثقة، وثقه ابن معين وقد صحح الحديث ابن حبان،
والحاكم، والحافظ ابن كثير فقال في "البداية" بعد
أن عزاه كالذهبي لأحمد في "المسند": وهذا إسناد
على شرط الشيخين ولم يخرجاه وقال الحافظ في
"الفتح" بعد أن عزاه لأحمد وأبي يعلى والبزار:
وصححه ابن حبان والحاكم وسنده على شرط الصحيح.
2 ملكت فأسجع: أي قدرت فسهل وأحسن العفو، وهو مثل
سائر قاله ابن الأثير في "النهاية" "2/ 242".
3 صحيح: أخرجه البخاري "7100"، والترمذي "3889" من
طريق أبي بكر بن عياش حدثنا أبو حصين، به.
(3/453)
وَفِي لَفْظِ ثَابِتٍ: أَشْهَدُ بِاللهِ
إِنَّهَا لَزَوْجَتُهُ.
شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ:
سَمِعَ عَمَّاراً يَقُوْلُ حِيْنَ بَعَثَهُ
عَلِيٌّ إِلَى الكُوْفَةِ لِيَسْتَنْفِرَ
النَّاسَ: إِنَّا لَنَعْلَمُ إِنَّهَا لَزَوْجَةُ
النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا
والآخرة وَلَكِنَّ اللهَ ابْتَلاَكُمْ بِهَا
لِتَتَّبِعُوْهُ أَوْ إِيَّاهَا1.
أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، عَنْ عَمْرِو بنِ
غَالِبٍ: أَنَّ رَجُلاً نَالَ مِنْ عَائِشَةَ
عِنْدَ عَمَّارٍ فَقَالَ: اغْرُبْ مَقْبُوْحاً
أَتُؤْذِي حَبِيْبَةَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! 2.
صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بنُ
مَسْعَدَةَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بنُ الرَّبِيْعِ:
حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ سَلَمَةَ المَخْزُوْمِيُّ،
عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوْسَى قَالَ:
مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيْثٌ
قَطُّ فَسَأَلْنَا عَائِشَةَ إلَّا وَجَدْنَا
عِنْدَهَا مِنْهُ عِلْماً3.
هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ غَرِيْبٌ.
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ المُبَارَكِ: حَدَّثَنَا
زِيَادُ بنُ الرَّبِيْعِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ
أَبِي سَلَمَةَ المَخْزُوْمِيُّ، عَنْ أَبِي
بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: مَا أَشْكَلَ
عَلَيْنَا.... فَذَكَرَهُ.
فَأَمَّا زِيَادٌ فَثِقَةٌ. وَخَالِدٌ صَوَابُهُ:
ابْنُ سَلَمَةَ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ.
بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ
بنُ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ، عَنِ ابْنِ أبي مليكة
أن ذكوان: أبا
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3772" حدثنا محمد بن بشار،
حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن الحكم، به.
2 ضعيف: أخرجه الترمذي "3888"، وابن سعد "8/ 65"،
وابو نعيم في "الحلية" "2/ 44" من طريق أبي إسحاق
السبيعي، به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه علتان الأولى: أَبُو
إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، عَمْرُو بنُ عَبْدِ
اللهِ الهمذاني مدلس، وقد عنعنه. الثانية: جهالة
عمرو بن غالب الهمداني الكوفي، لذا فقد قال الحافظ
في "التقريب": "مقبول" أي عند المتابعة، وليس ثم
من تابعه.
3 ضعيف: أخرجه الترمذي "3883" حدثنا حميد بن
مسعدة، به.
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
قلت: بل إسناده ضعيف، ابن أبي بردة، هو سعيد بن
أبي بردة بن أبي موسى الأشعري الكوفي، قال أبو
حاتم: لم يسمع من جده شيئا. فالإسناد منقطع.
تنبيه: وقع في المطبوع: "عن أبي بردة، عن أبي
موسى"، وهو خطأ، والصواب "عن ابن أبي بردة، عن أبي
موسى"، كما في "سنن الترمذي"، وهو ما أثبتناه.
(3/454)
عَمْرٍو حَدَّثَهُ قَالَ: جَاءَ ابْنُ
عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- يَسْتَأْذِنُ
عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ فِي المَوْتِ. قَالَ:
فَجِئْتُ وَعِنْدَ رَأْسِهَا عَبْدُ اللهِ ابن
أَخِيْهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقُلْتُ: هَذَا
ابْنُ عَبَّاسٍ يَسْتَأْذِنُ. قَالَتْ: دَعْنِي
مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لاَ حَاجَةَ لِي بِهِ وَلاَ
بِتَزْكِيَتِهِ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: يَا أُمَّه
إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنْ صَالِحِي بَنِيْكِ
يُوَدِّعُكِ وَيُسَلِّمُ عَلَيْكِ.
قَالَتْ: فَائْذَنْ لَهُ إِنْ شِئْتَ. قَالَ:
فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَلَمَّا قَعَدَ قَالَ:
أَبْشِرِي فَوَاللهِ مَا بَيْنَكِ وَبَيْنَ أَنْ
تُفَارِقِي كُلَّ نَصَبٍ وَتَلْقَيْ مُحَمَّداً
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَالأَحِبَّةَ إلَّا أَنْ تفارق روحك جسدك.
قالت: إيهًا يابن عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتِ أَحَبَّ
نِسَاءِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَعْنِي إِلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ
يُحِبُّ إلَّا طَيِّباً سَقَطَتْ قِلاَدَتُكِ
لَيْلَةَ الأَبْوَاءِ وَأَصْبَحَ رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لِيَلْقُطَهَا فَأَصْبَحَ النَّاسُ لَيْسَ
مَعَهُمْ مَاءٌ فَأَنْزَلَ اللهُ: {فَتَيَمَّمُوا
صَعِيدًا طَيِّبًا} [النِّسَاءُ: 42] . فَكَانَ
ذَلِكَ مِنْ سَبَبِكِ وَمَا أَنْزَلَ اللهُ
بِهَذِهِ الأُمَّةِ مِنَ الرُّخْصَةِ. ثُمَّ
أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى بَرَاءتَكِ مِنْ فَوْقِ
سَبْعِ سَمَاوَاتٍ فَأَصْبَحَ لَيْسَ مَسْجِدٌ
مِنْ مَسَاجِدَ يُذْكَرُ فِيْهَا اللهُ إلَّا
بَرَاءتُكِ تُتْلَى فِيْهِ آنَاءَ اللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ. قَالَتْ: دعني عنك يابن عَبَّاسٍ
فَوَاللهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ نَسْياً
مَنْسِيّاً1.
يَحْيَى القَطَّانُ، عَنْ عُمَرَ بنِ سَعِيْدٍ،
عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ ابْنَ
عَبَّاسٍ اسْتَأْذنَ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ
مَغْلُوْبَةٌ فَقَالَتْ: أَخْشَى أَنْ يُثْنِي
عَلَيَّ. فَقِيْلَ: ابْنُ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمِنْ
وُجُوْهِ المُسْلِمِيْنَ. قَالَتْ: ائْذَنُوا
لَهُ. فَقَالَ: كَيْفَ تَجِدِيْنَكِ؟ فَقَالَتْ:
بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ. قَالَ: فَأَنْتِ
بِخَيْرٍ إِنْ شاء الله، زَوْجَةُ رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ
يَتَزَوَّجْ بِكْراً غَيْرَكِ وَنَزَلَ عُذْرُكِ
مِنَ السَّمَاءِ.
فَلَمَّا جَاءَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قَالَتْ لَهُ:
جَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَثْنَى عَلَيَّ
وَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً.
وَقَالَ القِاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ: اشْتَكَتْ
عَائِشَةُ فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: يَا
أُمَّ المُؤْمِنِيْنَ تَقْدَمِيْنَ عَلَى فَرَطِ
صِدْقٍ، عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ2.
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الخَالِقِ بنُ
عُلْوَانَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ قُدَامَةَ سَنَةَ
إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بنُ البَطِّيِّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ
بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "1/ 276 و349"، وفي "فضائل
الصحابة" له "1636" وابن سعد "8/ 74" والحاكم "4/
8-9" وأبو نعيم في "الحلية" "2/ 45" من طريق عبد
الله بن أبي مليكة، به.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3771" حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الوَهَّابِ بن عبد المجيد، حدثنا ابن عون، عن
القاسم بن محمد، به.
(3/455)
الفَضْلِ بنُ خُزَيْمَةَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ أَبِي العَوَّامِ: حَدَّثَنَا
مُوْسَى بنُ دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُوْدٍ
الجَرَّارُ، عَنْ عَلِيِّ بنِ الأَقْمَرِ قَالَ:
كَانَ مَسْرُوْقٌ إِذَا حَدَّثَ، عَنْ عَائِشَةَ
قَالَ: حَدَّثَتْنِي الصِّدِّيْقَةُ بِنْتُ
الصِّدِّيْقِ حَبِيْبَةُ حَبِيْبِ اللهِ
المُبَرَّأَةُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ
فَلَمْ أَكْذِبْهَا.
الأَعْمَشُ: عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوْقٍ
قَالَ: قلنا له: هل كانت عَائِشَةُ تُحْسِنُ
الفَرَائِضَ. قَالَ: وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ
أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- الأَكَابِرَ يَسْأَلُوْنَهَا، عَنِ
الفَرَائِضِ.
أَنْبَأَنَا ابْنُ قُدَامَةَ وَابْنُ عِلاَّنَ
قَالاَ: أَخْبَرَنَا حَنْبَلٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ
الحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ المُذْهَبِ،
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي،
حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَبْدُ اللهِ بنُ
مُعَاوِيَةَ الزُّبَيْرِيُّ قَدِمَ عَلَيْنَا
مَكَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ
قَالَ كَانَ عُرْوَةُ يَقُوْلُ لِعَائِشَةَ: يَا
أُمَّتَاهُ لاَ أَعْجَبُ مِنْ فِقْهِكِ أَقُوْلُ:
زَوْجَةُ نَبِيِّ اللهِ وَابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ.
وَلاَ أَعْجَبُ مِنْ عِلْمِكِ بِالشِّعْرِ
وَأَيَّامِ النَّاسِ أَقُوْلُ: ابْنَةُ أَبِي
بَكْرٍ وَكَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ وَلَكِنْ
أَعْجَبُ مِنْ عِلْمِكِ بِالطِّبِّ كَيْفَ هُوَ
وَمِنْ أَيْنَ هُوَ أَوْ مَا هُوَ؟!
قَالَ: فَضَرَبَتْ عَلَى مَنْكِبِهِ وَقَالَتْ:
أَيْ عُرَيَّةُ إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَسْقَمُ
عِنْدَ آخِرِ عُمُرِهِ أَوْ فِي آخِرِ عُمُرِهِ
وَكَانَتْ تَقْدَمُ عَلَيْهِ وُفُودُ العَرَبِ
مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَتَنْعَتُ لَهُ الأَنْعَاتَ
وَكُنْتُ أُعَالِجُهَا لَهُ فَمِنْ ثَمَّ1.
قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ قَايْمَازَ،
أَخْبَرَكُمْ مُحَمَّدُ بنُ قِوَامٍ، أَخْبَرَنَا
أَبُو سَعِيْدٍ الرَّارَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو
عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ،
أخبرنا عبد الله بن جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ، أَخْبَرَنَا أَبُو
أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ
أَبِيْهِ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ
بِالطِّبِّ مِنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
فَقُلْتُ: يَا خَالَةُ مِمَّنْ تَعَلَّمْتِ
الطِّبَّ قَالَتْ: كُنْتُ أَسْمَعُ النَّاسَ
يَنْعَتُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فَأَحْفَظُهُ.
سَعِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ،
عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: لَقَدْ
صَحِبْتُ عَائِشَةَ فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً قَطُّ
كَانَ أَعْلَمَ بِآيَةٍ أُنْزِلَتْ وَلاَ
بِفَرِيْضَةٍ وَلاَ بِسُنَّةٍ وَلاَ بِشِعْرٍ
وَلاَ أَرْوَى لَهُ وَلاَ بِيَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ
العَرَبِ وَلاَ بِنَسَبٍ وَلاَ بِكَذَا وَلاَ
بِكَذَا وَلاَ بِقَضَاءٍ وَلاَ طِبٍّ مِنْهَا.
فَقُلْتُ لَهَا: يَا خَالَةُ الطِّبُّ مِنْ أَيْنَ
عُلِّمْتِهِ? فَقَالَتْ: كُنْتُ أَمْرَضُ
فَيُنْعَتُ لِيَ الشَّيْءُ وَيَمْرَضُ المَرِيْضُ
فَيُنْعَتُ لَهُ وَأَسْمَعُ الناس ينعت بعضهم لبعض
فأحفظه.
__________
1 ضعيف جدا: أخرجه أحمد "6/ 67"، وأبو نعيم في
"الحلية" "2/ 50" من طريق أبي معاوية عبد الله بن
معاوية الزبيري، به.
قلت: إسناده واه بمرة، آفته عبد الله بن معاوية
هذا، قال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي:
ضعيف. وذكر له الذهبي في "الميزان" حديثا موضوعا.
(3/456)
قَالَ عُرْوَةُ: فَلَقَدْ ذَهَبَ عَامَّةُ
عِلْمِهَا لَمْ أَسْأَلْ عَنْهُ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ الحِزَامِيُّ:
حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ: حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ:
أَنَّ مُعَاوِيَةَ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ
فَكَلَّمَهَا. قَالَ: فَلمَّا قَامَ مُعَاوِيَةُ
اتَّكَأَ عَلَى يَدِ مَوْلاَهَا ذَكْوَانَ
فَقَالَ: وَاللهِ مَا سَمِعْتُ قَطُّ أَبْلَغَ
مِنْ عَائِشَةَ لَيْسَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عُمَرُ بنُ عُثْمَانَ التَّيْمِيُّ: لَيْسَ
بِالثَّبْتِ.
الزُّهْرِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ
وَالأَوْزَاعِيِّ عَنْهُ وَهَذَا لَفْظُ
الأَوْزَاعِيِّ عَنْهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَوْفُ
بنُ الطُّفَيْلِ بنِ الحَارِثِ الأزدي وهو ابن أخي
عائشة لامها: أن عائشة بَلَغَهَا أَنَّ عَبْدَ
اللهِ بنَ الزُّبَيْرِ كَانَ فِي دَارٍ لَهَا
بَاعَتْهَا فَتَسَخَّطَ عَبْدُ اللهِ بَيْعَ
تِلْكَ الدَّارِ فَقَالَ: أَمَا وَاللهِ
لَتَنْتَهِيَنَّ عَائِشَةُ، عَنْ بَيْعِ
رِبَاعِهَا أَوْ لأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا.
قَالَتْ عَائِشَةُ: أَوَ قَالَ ذَلِكَ قَالُوا:
قَدْ كَانَ ذَلِكَ. قَالَتْ: للهِ عَلَيَّ إلَّا
أُكَلِّمَهُ حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ
المَوْتُ.
فَطَالَتْ هِجْرَتُهَا إِيَّاهُ فَنَقَصَهُ اللهُ
بِذَلِكَ فِي أَمْرِهِ كُلِّهِ. فَاسْتَشْفَعَ
بِكُلِّ أَحَدٍ يَرَى أَنَّهُ يَثْقُلُ عَلَيْهَا
فَأَبَتْ أَنْ تُكَلِّمَهُ.
فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ كَلَّمَ المسور بن مخرمة
عبد الرَّحْمَنِ بنَ الأَسْوَدِ بنِ عَبْدِ
يَغُوْثَ أَنْ يَشْمَلاَهُ بِأَرْدِيَتِهِمَا
ثُمَّ يَسْتَأْذِنَا فَإِذَا أَذِنَتْ لَهُمَا
قَالاَ: كُلُّنَا حَتَّى يُدْخِلاَهُ عَلَى
عَائِشَةَ فَفَعَلاَ ذَلِكَ. فَقَالَتْ: نَعَمْ
كُلُّكُمْ فَلْيَدْخُلْ. وَلاَ تَشْعُرُ. فَدَخَلَ
مَعَهُمَا ابْنُ الزُّبَيْرِ فَكشَفَ السِّتْرَ
فَاعْتَنَقَهَا وَبَكَى وَبَكَتْ عَائِشَةُ
بُكَاءً كَثِيْراً وَنَاشَدَهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ
اللهَ وَالرَّحِمَ وَنَشَدَهَا مِسْوَرُ وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ بِاللهِ وَالرَّحِمِ وَذَكَرَا لَهَا
قَوْلَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ
أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ". فَلَمَّا أَكْثَرُوا
عليها كلمته بعدما خَشِيَ إلَّا تُكَلِّمَهُ.
ثُمَّ بَعَثَتْ إِلَى اليَمَنِ بِمَالٍ
فَابْتِيْعَ لَهَا أَرْبَعُوْنَ رَقَبَةً
فَأَعْتَقَتْهَا.
قَالَ عَوْفٌ: ثُمَّ سَمِعْتُهَا بَعْدُ تَذْكُرُ
نَذْرَهَا ذَلِكَ فتبكي حتى تبل خمارها.
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: كَذَا قَالَ:
وَالصَّوَابُ عِنْدِي: عَوْفُ بنُ الحَارِثِ بنِ
الطُّفَيْلِ بنِ سَخْبَرَةَ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ
صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ
وَتَابَعَهُ مَعْمَرٌ.
قَالَ عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ: كَانَتْ
عَائِشَةُ أَفْقَهَ النَّاسِ وَأَحْسَنَ النَّاسِ
رَأْياً فِي العَامَّةِ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَوْ جُمِعَ عِلْمُ
عَائِشَةَ إِلَى عِلْمِ جَمِيْعِ النِّسَاءِ
لَكَانَ عِلْمُ عَائِشَةَ أَفْضَلَ.
قَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيْلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: قَالَ
مَسْرُوْقٌ: لَوْلاَ بَعْضُ الأَمْرِ لأَقَمْتُ
المَنَاحَةَ عَلَى أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ -يَعْنِي
عَائِشَةَ.
(3/457)
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ بنِ
عُمَيْرٍ قال: أما إنه لا يحزن عليها إلَّا مَنْ
كَانَتْ أُمَّهُ.
القَاسِمُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَيْمَنَ:
حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُرْوَةَ،
عَنْ جَدِّهِ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
فَخَرْتُ بِمَالِ أَبِي فِي الجَاهِلِيَّةِ
وَكَانَ ألف أَلْفِ أُوْقِيَّةٍ فَقَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"يَا عَائِشَةُ كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ
زَرْعٍ" 1.
هكَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: أَلْفَ أَلْفِ
أُوْقِيَّةٍ. وَإِسْنَادُهَا فِيْهِ لِيْنٌ.
وَأَعْتَقِدُ لَفْظَةَ: "أَلْفَ" الوَاحِدَةَ
بَاطِلَةٌ فَإِنَّهُ يَكُوْنُ: أَرْبَعِيْنَ
أَلْفَ دِرْهَمٍ وَفِي ذَلِكَ مَفْخَرٌ لِرَجُلٍ
تَاجِرٍ وَقَدْ أَنْفَقَ مَالَهُ فِي ذَاتِ اللهِ.
وَلَمَّا هَاجَرَ كَانَ قَدْ بَقِي مَعَهُ سِتَّةُ
آلاَفِ دِرْهَمٍ فَأَخَذَهَا صُحْبَتَهُ أَمَّا
أَلْفُ أَلْفِ أُوْقِيَّةٍ فَلاَ تَجْتَمِعُ إلَّا
لِسُلْطَانٍ كَبِيْرٍ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: عَنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ
إِنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا حَجَّ قَدِمَ فَدَخَلَ
عَلَى عَائِشَةَ فَلَمْ يَشْهَدْ كَلاَمَهَا إلَّا
ذَكْوَانُ مَوْلَى عَائِشَةَ. فَقَالَتْ
لِمُعَاوِيَةَ: أَمِنْتَ أَنْ أَخْبَأَ لَكَ
رَجُلاً يَقْتُلُكَ بِأَخِي مُحَمَّدٍ قَالَ:
صَدَقْتِ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: قَالَ لَهَا:
مَا كُنْتِ لِتَفْعَلِي ثُمَّ إِنَّهَا وَعَظَتْهُ
وَحَضَّتْهُ عَلَى الاتِّبَاعِ.
وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ
التَّنُوْخِيُّ: قَضَى مُعَاوِيَةُ، عَنْ
عَائِشَةَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِيْنَارٍ
هَذِهِ رِوَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ. وَالصَّحِيْحُ
رِوَايَةُ عروة بن الزبير: أن معاوية بعث مرة إلى
عائشة بمئة أَلْفِ دِرْهَمٍ فَوَاللهِ مَا
أَمْسَتْ حَتَّى فَرَّقَتْهَا. فَقَالَتْ لَهَا
مَوْلاَتُهَا: لَوْ اشْتَرَيْتِ لَنَا مِنْهَا
بِدِرْهَمٍ لَحْماً? فَقَالَتْ: إلَّا قُلْتِ لِي.
يَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ
عَطَاءٍ: أن معاوية بعث إلى عائشة بقلادة بمئة
أَلْفٍ فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ أُمَّهَاتِ
المُؤْمِنِيْنَ.
الأَعْمَشُ، عَنْ تَمِيْمِ بنِ سَلَمَةَ، عَنْ
عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا تَصَدَّقَتْ
بِسَبْعِيْنَ أَلْفاً وَإِنَّهَا لَتَرْقَعُ
جَانِبَ درعها -رضي الله عنها.
__________
1 صحيح: وهذا إسناد ضعيف، آفته القاسم بن عبد
الواحد بن أيمن المكي، مجهول، لذا قال الحافظ في
"التقريب" "مقبول" -أي عند المتابعة.
وأخرجه البخاري "5189"، ومسلم "2448"، والترمذي في
"الشمائل" "251"، والبغوي "2340" وأبو يعلى
"4701"، والطبراني "23/ 266" من طرق عن عِيْسَى
بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ،
عن عبد الله بن عروة، عن عروة، عن عائشة، به في
حديث طويل.
(3/458)
أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بنِ
عُرْوَةَ، عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ أُمِّ
ذَرَّةَ قَالَتْ: بَعَثَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِلَى
عَائِشَةَ بِمَالٍ فِي غِرَارَتَيْنِ يَكُوْنُ
مائَةَ أَلْفٍ فَدَعَتْ بِطَبَقٍ فَجَعَلَتْ
تَقْسِمُ فِي النَّاسِ فَلَمَّا أَمْسَتْ قَالَتْ:
هَاتِي يَا جَارِيَةُ فُطُوْرِي. فَقَالَتْ أُمُّ
ذَرَّةَ: يَا أُمَّ المؤمنين أما استطعت أم
تَشْتَرِي لَنَا لَحْماً بِدِرْهَمٍ? قَالَتْ: لاَ
تُعَنِّفِيْنِي لَوْ أَذْكَرْتِيْنِي لَفَعَلْتُ.
مُطَرِّفُ بنُ طَرِيْفٍ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،
عَنْ مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ قَالَ: فَرَضَ عُمَرُ
لأُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ عَشْرَةَ آلاَفٍ
عَشْرَةَ آلاَفٍ وَزَادَ عَائِشَةَ أَلْفَيْنِ
وَقَالَ: إِنَّهَا حَبِيْبَةُ رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. شُعْبَةُ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ،
عَنْ أَبِيْهِ: أن عائشة كانت تصوم الدهر.
ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كُنْتُ آتِي
عَائِشَةَ أَنَا وَعُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ وَهِيَ
مُجَاوِرَةٌ فِي جَوْفِ ثَبِيْرٍ فِي قُبَّةٍ
لَهَا تُرْكِيَّةٍ عَلَيْهَا غِشَاؤُهَا وَقَدْ
رَأَيْتُ عَلَيْهَا وَأَنَا صَبِيٌّ دِرْعاً
مُعَصْفَراً.
وَرَوَى سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، عَنْ عَمْرِو
بنِ أَبِي عَمْرٍو: سَمِعَ القَاسِمَ يَقُوْلُ:
كَانَتْ عَائِشَةُ تَلْبَسُ الأَحْمَرَيْنِ
الذَّهَبَ وَالمُعَصْفَرَ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: رَأَيْتُ
عَلَيْهَا دِرْعاً مُضَرَّجاً.
وَقَالَ مُعَلَّى بنُ أَسَدٍ: حَدَّثَنَا
المُعَلَّى بنُ زِيَادٍ قَالَ: حَدَّثَتْنَا
بَكْرَةُ بِنْتُ عُقْبَةَ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى
عَائِشَةَ وَهِيَ جَالِسَةٌ فِي مُعَصْفَرَةٍ
فَسَأَلَتْهَا، عَنِ الحِنَّاءِ؟
فَقَالَتْ: شَجَرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُوْرٌ
وَسَأَلَتْهَا، عَنِ الحِفَافِ فَقَالَتْ لَهَا:
إِنْ كَانَ لَكِ زَوْجٌ فَاسْتَطَعْتِ أَنْ
تَنْزِعِي مُقْلَتَيْكِ فَتَصْنَعِيْنَهُمَا
أَحْسَنَ مِمَّا هُمَا فَافْعَلِي.
المُعَلَّيَانِ ثِقَتَانِ.
وَعَنْ مُعَاذَةَ العَدَوِيَّةِ قَالَتْ: رَأَيْتُ
عَلَى عَائِشَةَ مِلْحَفَةً صَفْرَاءَ.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ،
عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: رُبَّمَا
رَوَتْ عَائِشَةُ القَصِيْدَةَ سِتِّيْنَ بَيْتاً
وَأَكْثَرَ.
مِسْعَرٌ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ
النَّخَعِيِّ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا
لَيْتَنِي كُنْتُ وَرَقَةً مِنْ هَذِهِ
الشَّجَرَةِ.
ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ ابْنِ
أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ:
تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بَيْتِي وَفِي يَوْمِي
وَلَيْلَتِي وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي. وَدَخَلَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي بَكْرٍ وَمَعَهُ
سِوَاكٌ رَطْبٌ فَنَظَرَ إِلَيْهِ حَتَّى ظَنَنْتُ
أَنَّهُ يُرِيْدُهُ فَأَخَذْتُهُ فَمَضَغْتُهُ
وَنَفَضْتُهُ وَطَيَّبْتُهُ ثُمَّ
(3/459)
دَفَعْتُهُ إِلَيْهِ فَاسْتَنَّ بِهِ
كَأَحْسَن مَا رَأَيْتُهُ مُسْتَنّاً قَطُّ ثُمَّ
ذَهَبَ يَرْفَعُهُ إِلَيَّ فَسَقَطَتْ يَدُهُ
فَأَخَذْتُ أَدْعُو لَهُ بِدُعَاءٍ كَانَ يَدْعُو
بِهِ لَهُ جِبْرِيْلُ وَكَانَ هُوَ يَدْعُو بِهِ
إِذَا مَرِضَ فَلَمْ يَدْعُ بِهِ فِي مَرَضِهِ
ذَاكَ فَرَفَعَ بَصَرهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ:
"الرَّفِيْقَ الأَعْلَى" وَفَاضَتْ نَفْسُهُ.
فَالحَمْدُ للهِ الَّذِي جَمَعَ بَيْنَ رِيْقِي
وَرِيْقِهِ فِي آخرِ يَوْمٍ مِنَ الدنيا1.
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ.
عُمَرُ بنُ سَعِيْدِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ:
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: حَدَّثَنِي
أَبُو عَمْرٍو ذَكْوَانُ مَوْلَى عَائِشَةَ قَالَ:
قَدِمَ دُرْجٌ مِنَ العِرَاقِ فِيْهِ جَوْهَرٌ
إِلَى عُمَرَ فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: تَدْرُوْنَ
مَا ثَمَنُهُ? قَالُوا: لاَ. وَلَمْ يَدْرُوا
كَيْفَ يَقْسِمُوْنَهُ فَقَالَ: أَتَأْذَنُوْنَ
أَنْ أُرْسِلَ بِهِ إِلَى عَائِشَةَ. لِحُبِّ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إِيَّاهَا قَالُوا: نَعَمْ. فَبَعَثَ
بِهِ إِلَيْهَا. فَقَالَتْ: مَاذَا فُتِحَ عَلَى
ابْنِ الخَطَّابِ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ?
اللَّهُمَّ لاَ تُبْقِنِي لِعَطِيَّتِهِ
لِقَابِلٍ2.
هَذَا مُرْسَلٌ.
وَأَخْرَجَ الحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ
طَرِيْقِ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأُمَوِيِّ:
حَدَّثَنَا أَبُو العَنْبَسِ سَعِيْدُ بنُ
كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: حَدَّثَتْنَا
عَائِشَةُ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ فَاطِمَةَ. قَالَتْ:
فَتَكَلَّمْتُ أَنَا فَقَالَ: "أَمَا تَرْضَيْنَ
أَنْ تَكُوْنِي زَوْجَتِي فِي الدُّنْيَا
وَالآخِرَةِ". قُلْتُ: بَلَى وَاللهِ قَالَ:
"فَأَنْتِ زَوْجَتِي فِي الدُّنْيَا
وَالآخِرَةِ"3.
__________
1 صحيح على شرط الشيخين: أخرجه أحمد "6/ 48"
والحاكم "4/ 7" من طريق ابن علية به.
وأخرجه ابن أبي شيبة "12/ 131-132"، والبخاري
"3100" و"4451"، والحاكم "4/ 6"، والطبراني من طرق
عن ابن أبي مليكة، به.
وأخرج أحمد "6/ 121-122 و200" والبخاري "890"
و"1389" و"3774" و"4450" و"5217" ومسلم "2443"،
والطبراني "23/ 81" من طرق عَنْ هِشَامِ بنِ
عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، به
مطولا ومختصرا.
وأخرجه البخاري "4438" والطبراني "3/ 79" من طريق
القاسم بن محمد، عن عائشة، به.
2 ضعيف: أخرجه الحاكم "4/ 8" من طريق زيد بن
الحباب، أنبأنا عمر بن سعيد بن أبي حسين المكي،
به.
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين إذا صح سماع
ذكوان أبي عمرو. وتعقبه الذهبي بقوله: "قلت: فيه
إرسال". قلت: وهو كذلك.
3 صحيح لغيره: وهذا إسناد ضعيف، آفته كثير بن عبيد
التيمي، رضيع عائشة، ووالد سعيد، فإنه مجهول، لذا
قال الحافظ في "التقريب": مقبول -أي عند المتابعة.
وأخرجه الترمذي "3880" من طريق عبد بن حميد،
أخبرنا عبد الرزاق، عن عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو
بنِ عَلْقَمَةَ المَكِّيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي
حُسَيْنٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مليكة، عن عائشة أن
جبريل جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: "إِنَّ هذه زوجتك في الدنيا والآخرة".
قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات، ابن أبي حسين هو
عمر بن سعيد بن أبي حسين الكوفي المكي، وهو ثقة
روى له البخاري ومسلم وغيرهما.
(3/460)
إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ:،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن الضحاك: أن عبد
الله ابن صَفْوَانَ أَتَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ:
لِي خِلاَلٌ تِسْعٌ لَمْ تَكُنْ لأَحَدٍ إلَّا مَا
آتَى اللهُ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ.
وَاللهِ مَا أَقُوْلُ هَذَا فخرًا على صواحباتي.
فَقَالَ ابْنُ صَفْوَانَ: وَمَا هُنَّ? قَالَتْ:
جَاءَ المَلَكُ بِصُوْرَتِي إِلَى رَسُوْلِ اللهِ
فَتَزَوَّجَنِي وَتَزَّوَجَنِي بِكْراً وَكَانَ
يَأْتِيْهِ الوَحْيُ وَأَنَا وَهُوَ فِي لِحَافٍ
وَكُنْتُ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيْهِ وَنَزَلَ
فِيَّ آيَاتٌ كَادَتِ الأُمَّةُ تَهْلِكُ فِيْهَا
وَرَأَيْتُ جِبْرِيْلَ وَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنْ
نِسَائِهِ غَيْرِي وَقُبِضَ فِي بَيْتِي لَمْ
يَلِهِ أَحَدٌ غَيْرُ المَلَكِ إلَّا أَنَا.
صَحَّحَهُ الحَاكِمُ.
العَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ
جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {إِنَّ الَّذِينَ
يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات} [النور: 23] الآية.
قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَائِشَةَ خَاصَّةً.
عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ وَفِيْهِ لِيْنٌ: حَدَّثَنَا
خَالِدٌ الحَذَّاءُ، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنِ
الأَحْنَفِ قَالَ: سَمِعْتُ خُطبَةَ أَبِي بَكْرٍ
وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَالخُلَفَاءِ
بَعْدَهُمْ فَمَا سَمِعْتُ الكَلاَمَ مِنْ فَمِ
مَخْلُوْقٍ أَفْخَمَ وَلاَ أَحْسَنَ مِنْهُ مِنْ
فِيِّ عَائِشَةَ.
وَقَالَ مُوْسَى بنُ طَلْحَةَ: مَا رَأَيْتُ
أَحَداً أَفْصَحَ مِنْ عَائِشَةَ.
وَفِي "المُسْتَدْرَكِ" بِإِسْنَادٍ صَالِحٍ، عَنِ
أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّهَا لَمَّا سَمِعَتِ
الصَّرْخَةَ عَلَى عَائِشَةَ قَالَتْ: وَاللهِ
لَقَدْ كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى رَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَّا
أباها.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ
عُمَرَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ
عُثْمَانَ بنِ أَبِي عَتِيْقٍ، عَنْ أَبِيْهِ
قَالَ: رَأَيْتُ لَيْلَةَ مَاتَتْ عَائِشَةُ
حُمِلَ مَعَهَا جَرِيْدٌ بِالخِرَقِ وَالزَّيْتِ
وَأُوْقِدَ وَرَأَيْتُ النِّسَاءَ بِالبَقِيْعِ
كَأَنَّهُ عِيْدٌ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
جُرَيْجٍ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: شَهِدْتُ أَبَا
هُرَيْرَةَ صَلَّى عَلَى عَائِشَةَ بِالبَقِيْعِ
وَكَانَ خَلِيْفَةَ مَرْوَانَ عَلَى المَدِيْنَةِ
وَقَدِ اعْتَمَرَ تِلْكَ الأَيَّامَ.
قَالَ عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ: دُفِنَتْ
عَائِشَةُ لَيْلاً.
(3/461)
قَالَ هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ وَأَحْمَدُ بنُ
حَنْبَلٍ وَشَبَابٌ وَغَيْرُهُمْ: تُوُفِّيَتْ
سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بنُ المُثَنَّى
وَالوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُمَا: سَنَةَ ثَمَانٍ
وَخَمْسِيْنَ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي
سَبْرَةَ، عَنْ مُوْسَى بنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ
سَالِمِ سَبَلاَنَ: أَنَّهَا مَاتَتْ فِي
اللَّيْلَةِ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ
رَمَضَانَ بَعْدَ الوِتْرِ. فَأَمَرَتْ أَنْ
تُدْفَنَ مِنْ لَيْلَتِهَا فَاجْتَمَعَ
الأَنْصَارُ وَحَضَرُوا فلم ير ليلة أكثر نَاساً
مِنْهَا. نَزَلَ أَهْلُ العَوَالِي فَدُفِنَتْ
بِالبَقِيْعِ.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ
قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ وَكَانَتْ تُحَدِّثُ
نَفْسَهَا أَنْ تُدْفَنَ فِي بَيْتِهَا فَقَالَتْ:
إِنِّي أَحْدَثْتُ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدَثاً ادْفِنُوْنِي
مَعَ أَزْوَاجِهِ فَدُفِنَتْ بِالبَقِيْعِ -رَضِيَ
اللهُ عَنْهَا.
قُلْتُ: تَعْنِي بِالحَدَثِ مَسِيْرَهَا يَوْمَ
الجَمَلِ فَإِنَّهَا نَدِمَتْ نَدَامَةً
كُلِّيَّةً وَتَابَتْ مِنْ ذَلِكَ: عَلَى أَنَّهَا
مَا فَعَلَتْ ذَلِكَ إلَّا مُتَأَوِّلَةً
قَاصِدَةً لِلْخَيْرِ كَمَا اجْتَهَدَ طَلْحَةُ
بنُ عُبَيْدِ اللهِ وَالزُّبَيْرُ بنُ العَوَّامِ
وَجَمَاعَةٌ مِنَ الكِبَارِ رَضِيَ اللهُ، عَنِ
الجَمِيْعِ.
رَوَى إِسْمَاعِيْلُ بنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي
سُفْيَانَ بنِ العَلاَءِ المَازِنِيِّ، عَنِ ابْنِ
أَبِي عَتِيْقٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: إِذَا
مَرَّ ابْنُ عُمَرَ فَأَرُوْنِيْهِ. فَلَمَّا
مَرَّ بِهَا قِيْلَ لَهَا: هَذَا ابْنُ عُمَرَ.
فَقَالَتْ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا
مَنَعَكَ أَنْ تَنْهَانِي، عَنْ مَسِيْرِي? قَالَ:
رَأَيْتُ رَجُلاً قَدْ غَلَبَ عَلَيْكِ يَعْنِي
ابْنَ الزُّبَيْرِ.
وَقَدْ قِيْلَ: إِنَّهَا مَدْفُوْنَةٌ بِغَرْبِيِّ
جَامِعِ دِمَشْقَ. وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ لَمْ
تَقْدَمْ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- إِلَى دِمَشْقَ
أَصْلاً وَإِنَّمَا هِيَ مَدْفُوْنَةٌ
بِالبَقِيْعِ.
وَمُدَّةُ عُمُرِهَا: ثَلاَثٌ وَسِتُّوْنَ سَنَةً
وَأَشْهُرٌ.
ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ عَالِي حَدِيْثِهَا:
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ
إِسْحَاقَ الأَبَرْقُوْهِيُّ غير مرة، أخبرنا
مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ أَبِي حَامِدٍ
الدِّيْنَوَرِيُّ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ
مائَةٍ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا عَمِّي أَبُو
بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَامِدٍ: سَنَةَ
تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ،
أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ العَاصِمِيُّ،
أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ
مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ
إِسْمَاعِيْلَ المَحَامِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو
مُوْسَى مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا
ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ،
عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا جَاءَ
إِلَى مَكَّةَ دَخَلَهَا من أعلاها وخرج من
أسفلها1.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "1579"، ومسلم "1258"، وأبو
داود "1868".
(3/462)
أَخْرَجَهُ الأَئِمَةُ السِّتَّةُ سِوَى
ابْنِ مَاجَه، عَنِ ابْنِ مُثَنَّى:
فَوَافَقْنَاهُمْ بِعُلُوٍّ وَللهِ الحَمْدُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هبَةِ
اللهِ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ
المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيُّ، أَخْبَرَنَا
تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعْدٍ الجُرْجَانِيُّ،
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ،
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ،
أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا
أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ سَعِيْدٍ، عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: $"يَا عَائِشَةُ لَوْ شِئْتُ
لَسَارَتْ مَعِي جِبَالُ الذَّهَبِ جَاءنِي مَلَكٌ
إِنَّ حُجْزَتَهُ1 لَتُسَاوِي الكعبة فَقَالَ:
إِنَّ رَبَّكَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ
وَيَقُوْلُ لَكَ: إِنْ شِئْتَ نَبِيّاً عَبْداً
وَإِنْ شِئْتَ نَبِيّاً مَلِكاً فَنَظَرْتُ إِلَى
جِبْرِيْلَ فَأَشَارَ إِلَيَّ: أَنْ ضَعْ
نَفْسَكَ. فَقُلْتُ: نَبِيّاً عَبْداً" فَكَانَ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ
ذَلِكَ لاَ يَأْكُلُ مُتَّكِئاً يَقُوْلُ: "آكُلُ
كَمَا يَأْكُلُ العَبْدُ وَأَجْلِسُ كَمَا
يَجْلِسُ العَبْدُ".
هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ غَرِيْبٌ. وَلاَ يُمْكِنُ
أَنْ يَقَعَ لَنَا حَدِيْثُ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ
أَقْرَبَ إِسْنَاداً مِنْ هَذَا.
قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ عَسَاكِرَ، عَنْ أَبِي
رَوْحٍ: أَخْبَرَنَا تَمِيْمٌ، حَدَّثَنَا أَبُو
سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا
أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ
إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلِيِّ
بنِ هَاشِمٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ
بَكْرِ بنِ وَائِلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا ضَرَبَ
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- امْرَأَةً قَطُّ وَلاَ ضَرَبَ خَادِماً
لَهُ قَطُّ وَلاَ ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئاً إلَّا
أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيْلِ اللهِ وَمَا نِيْلَ
مِنْهُ شَيْءٌ فَانْتَقَمَهُ مِنْ صَاحِبِهِ إلَّا
أَنْ تُنْتَهَكَ مَحَارِمُ اللهِ فَيَنْتَقِمَ2.
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ
عَلِيٍّ القَاضِي، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ. فَوَقَعَ
لَنَا بَدَلاً عَالِياً.
يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ: حَدَّثَنَا
أَبُو يُوْنُسَ حَاتِمُ بنُ أَبِي صَغِيْرَةَ،
عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ
بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ
عَنْهَا: أَنَّهَا قَتَلَتْ جَانّاً فَأُتِيَتْ
فِي مَنَامِهَا: وَاللهِ لَقَدْ قَتَلْتِ
مُسْلِماً. قَالَتْ: لَوْ كَانَ مُسْلِماً لَمْ
يَدْخُلْ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فقيل: أو كان يدخل عليك إلَّا وعليك ثيابك؟
__________
1 الحجرة: معقد السراويل، وقيل حيث يثنى طرف
الازار.
2 صحيح: أخرجه أحمد "6/ 31 و32 و229 و81"، ومسلم
"2327" و"2328"، والترمذي في "الشمائل" "341"،
والدارمي "2/ 147"، والبيهقي "10/ 192" من طرق
عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ
عَائِشَةَ.
وأخرجه مالك "3/ 95 و96"، ومن طريقه أحمد "6/ 115
و116 و181 و182 و262"، والبخاري "3560" و"6126"،
وفي "الأدب المفرد" "274"، وأبو داود "4785"،
والبيهقي في "السنن" "7/ 41"، والبغوي في "شرح
السنة" "3703" عن الزهري، عن عروة، به.
(3/463)
فَأَصْبَحَتْ فَزِعَةً، فَأَمَرَتْ
بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَجَعَلَتْهَا
فِي سَبِيْلِ اللهِ.
عَفِيْفُ بنُ سَالِمٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ
المُؤَمَّلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي
مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ
قَالَتْ: كَانَ جَانٌّ يَطْلُعُ عَلَى عَائِشَةَ
فحرجت عليه مَرَّةٍ بَعْدَ مَرَّةٍ. فَأَبَى إلَّا
أَنْ يَظْهَرَ فَعَدَتْ عَلَيْهِ بِحَدِيْدَةٍ
فَقَتَلَتْهُ. فَأُتِيَتْ فِي مَنَامِهَا فَقِيْلَ
لَهَا: أَقَتَلْتِ فُلاَناً وَقَدْ شَهِدَ بَدْراً
وَكَانَ لاَ يَطْلُعُ عَلَيْكِ لاَ حَاسِراً وَلاَ
مُتَجَرِّدَةً إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ
حَدِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. فَأَخَذَهَا مَا تَقَدَّمَ وَمَا
تَأَخَّرَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لأَبِيْهَا فَقَالَ:
تصدقي باثني عشر ألفًا ديته.
رَوَاهُ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ،
عَنْ عَفِيْفٍ وَهُوَ ثِقَةٌ. وَابْنُ المُؤَمَّلِ
فِيْهِ ضَعْفٌ وَالإِسْنَادُ الأَوَّلُ أَصَحُّ.
وَمَا أَعْلَمُ أَحَداً اليَوْمَ يَقُوْلُ
بِوُجُوْبِ دِيَةٍ فِي مِثْلِ هَذَا.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ
قَالَ: فَرَضَ عُمَرُ لأُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ
عَشْرَةَ آلاَفٍ وَزَادَ عَائِشَةَ أَلْفَيْنِ
وَقَالَ: إِنَّهَا حَبِيْبَةُ رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ:
رَوَيْتُ لِلَبِيْدٍ نَحْواً مِنْ أَلْفِ بَيْتٍ
وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يَذْكُرُهَا فَيَتَعَجَّبُ
مِنْ فِقْهِهَا وَعِلْمِهَا. ثُمَّ يَقُوْلُ مَا
ظَنُّكُمْ بِأَدَبِ النُّبُوَةِ.
وَعَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قِيْلَ لِعَائِشَةَ
يَا أُمَّ المُؤْمِنِيْنَ هَذَا القُرْآنُ
تَلَقَّيْتِهِ، عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَذَلِكَ الحَلاَلُ
وَالحَرَامُ وَهَذَا الشِّعْرُ وَالنَّسَبُ
وَالأَخْبَارُ سَمِعْتِهَا مِنْ أَبِيْكِ
وَغَيْرِهِ فَمَا بِالُ الطِّبِّ? قَالَتْ:
كَانَتِ الوُفُوْدُ تَأْتِي رَسُوْلَ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلاَ
يَزَالُ الرَّجُلُ يَشْكُو عِلَّةً فَيَسْأَلُهُ،
عَنْ دَوَائِهَا. فَيُخْبِرُهُ بِذَلِكَ.
فَحَفِظْتُ مَا كَانَ يَصِفُهُ لَهُم،
وَفَهِمْتُهُ.
هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّهَا
أَنْشَدَتْ بَيْتَ لَبِيْدٍ:
ذَهَبَ الَّذِيْنَ يُعَاشُ فِي أَكْنَافِهِمْ ...
وَبَقِيْتُ فِي خَلْفٍ كَجِلْدِ الأجرب
فَقَالَتْ: رَحِمَ اللهُ لَبِيْداً، فَكَيْفَ لَوْ
رَأَى زَمَانَنَا هَذَا!
قَالَ عُرْوَةُ: رَحِمَ اللهُ أُمَّ
المُؤْمِنِيْنَ فَكَيْفَ لَوْ أَدْرَكَتْ
زَمَانَنَا هَذَا.
قَالَ هِشَامٌ: رَحِمَ اللهُ أَبِي فَكَيْفَ لَوْ
رَأَى زَمَانَنَا هَذَا!
قَالَ كَاتِبُهُ: سَمِعْنَاهُ مُسَلْسَلاً بِهَذَا
القَوْلِ بِإِسْنَادٍ مُقَارِبٍ.
مُحَمَّدُ بنُ وَضَّاحٍ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ
بنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، عَنْ
عِصَامِ بنِ قُدَامَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"أَيَّتُكُنَّ صَاحِبَةُ الجَمَلِ الأَدْبَبِ
يُقْتَلُ حَوْلَهَا قَتْلَى كَثِيْرٌ وَتَنْجُو
بَعْدَ مَا كادت".
(3/464)
قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: هَذَا
الحَدِيْثُ مِنْ أَعْلاَمِ النُّبُوَّةِ وَعِصَامٌ
ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو حَسَّانٍ الزِّيَادِيُّ، عَنْ أَبِي
عَاصِمٍ العَبَادَانِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ
قَالَ: بَاعَتْ عَائِشَةُ دَاراً لَهَا بمئة
أَلْفٍ ثُم قَسَمَتِ الثَّمَنَ فَبَلَغَ ذَلِكَ
ابْنَ الزبير? فقال: قسمت مئة أَلْفٍ وَاللهِ
لَتَنْتَهِيَنَّ، عَنْ بَيْعِ رِبَاعِهَا أَوْ
لأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا. فَقَالَتْ: أَهُوَ
يَحْجُرُ عَلَيَّ? للهِ عَلَيَّ نَذْرٌ إِنْ
كَلَّمْتُهُ أَبَداً.
فَضَاقَتْ بِهِ الدُّنْيَا حَتَّى كَلَّمَتْهُ
فَأَعْتَقَتْ مائَةَ رَقَبَةٍ1.
قُلْتُ: كَانَتْ أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ مِنْ
أَكْرَمِ أَهْلِ زَمَانِهَا وَلَهَا فِي
السَّخَاءِ أَخْبَارٌ وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ
بخلاف ذلك.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ
عُرْوَةَ، عَنْ عَوْفِ بنِ الحَارِثِ، عَنْ
رُمَيْثَةَ، عَنِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ:
كَلَّمَنِي صَوَاحِبِي أَنْ أُكَلِّمَ رَسُوْلُ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ
يَأْمُرَ النَّاسَ فَيُهْدُوْنَ لَهُ حَيْثُ كَانَ
فَإِنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ
يَوْمَ عَائِشَةَ وَإِنَا نُحِبُّ الخَيْرَ.
فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ إِنَّ صَوَاحِبِي
كَلَّمْنَنِي وَذَكَرَتُ لَهُ فَسَكَتَ فَلَمْ
يُرَاجِعْنِي. فَكَلَّمْتُهُ فِيْمَا بَعْدُ
مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً كُلُّ ذَلِكَ يَسْكُتُ
ثُمَّ قَالَ: "لاَ تُؤْذِيْنِي فِي عَائِشَةَ
فَإِنِّي وَاللهِ مَا نَزَلَ الوَحْيُ عَلَيَّ
وَأَنَا فِي ثَوْبِ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِي
غَيْرِ عَائِشَةَ". قُلْتُ: أَعُوْذُ بِاللهِ أَنْ
أَسُوْءكَ فِي عَائِشَةَ.
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ2.
يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأُمَوِيُّ، حَدَّثَنِي
أَبُو العَنْبَسِ سَعِيْدُ بنُ كَثِيْرٍ، عَنْ
أَبِيْهِ قَالَ: حَدَّثَتْنَا عَائِشَةُ: أَنَّ
رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ذَكَرَ فَاطِمَةَ. فَتَكَلَّمْتُ
أَنَا: فَقَالَ: "أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُوْنِي
زَوْجَتِي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ". قُلْتُ:
بَلَى وَاللهِ3.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَوْ جُمِعَ عِلْمُ
النَّاسِ كُلِّهِمْ وَأُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ
لكانت عائشة أوسعهم علمًا.
__________
1 ضعيف: فيه أبو عاصم العباداني، وعلي بن زيد وهما
ضعيفان.
2 ضعيف: أخرجه النسائي "7/ 68-69" من طريق عبدة،
عن هشام، عن عوف بن الحارث، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته عوف بن الحارث بن الطفيل،
مجهول، لذا قال الحافظ في "التقريب" مقبول.
3 صحيح: أخرجه الحاكم "4/ 10" من طريق يحيى بن
سعيد الأموي، به.
وقال الحاكم: صحيح. ووافقه الذهبي.
قلت: وهو كما قالا.
(3/465)
ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُوْسَى
الجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَفْصٍ، عَنْ
عَائِشَةَ: أَنَّ أَبَوَيْهَا قَالاَ لِلنَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا
نُحِبُّ أَنْ تَدْعُوَ لِعَائِشَةَ وَنَحْنُ
نَسْمَعُ. فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ
لِعَائِشَةَ مَغْفِرَةً وَاجِبَةً ظَاهِرَةً
بَاطِنَةً". فعجب أبواها لحسن دعائه لَهَا
فَقَالَ: "أَتَعْجَبَانِ? هَذِهِ دَعْوَتِي لِمَنْ
شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إلَّا اللهَ وَأَنِّي
رَسُوْلُ اللهِ".
أَخْرَجَهُ الحَاكِمُ1.
الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوْقٍ:
قَالَتْ لِي عَائِشَةُ: رَأَيْتُنِي عَلَى تَلٍّ
وَحَوْلِي بَقَرٌ تُنْحَرُ. قُلْتُ: لَئِنْ
صَدَقَتْ رُؤْيَاكِ لَتَكُوْنَنَّ حَوْلَكِ
مَلْحَمَةٌ قَالَتْ: أَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ
شَرِّكَ بِئْسَ مَا قُلْتَ. فَقُلْتُ لَهَا:
فَلَعَلَّهُ إِنْ كَانَ أَمْرٌ. قَالَتْ: لأَنْ
أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ
أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ
ذُكِرَ عِنْدَهَا: أَنَّ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ- قَتَلَ ذَا الثُّدَيَّةِ. فَقَالَتْ لِي:
إِذَا أَنْتَ قَدِمْتَ الكُوْفَةَ فَاكْتُبْ لِي
نَاساً مِمَّنْ شَهِدَ ذَلِكَ. فَقَدِمْتُ
فَوَجَدْتُ النَّاسَ أَشْيَاعاً فَكَتَبتُ لَهَا
مِنْ كُلِّ شِيْعَةٍ عَشْرَةً فَأَتَيْتُهَا
بِشَهَادَتِهِمْ فَقَالَتْ: لَعَنَ اللهُ عَمْراً
فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِمِصْرَ.
قَالَ الحَاكِمُ: هَذَا عَلَى شَرْطِ البُخَارِيِّ
وَمُسْلِمٍ.
رَوَى مُغِيْرَةُ بنُ زِيَادٍ، عَنْ عَطَاءٍ
قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ أَفْقَهَ النَّاسِ
وَأَعْلَمَهُمْ وَأَحَسَنَ النَّاسِ رَأْياً فِي
العَامَّةِ.
قَالَ البُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ
إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ
حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، حَدَّثَنِي
مَسْرُوْقٌ حَدَّثَتْنِي أُمُّ رُوْمَانَ:
قَالَتْ: بَيْنَمَا أَنَا قَاعِدَةٌ وَلَجَتْ
عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأنصار فقالت: فعل الله
بفلان وفعل.
فَقَالَتْ أُمُّ رُوْمَانَ: وَمَا ذَاكَ? قَالَتْ:
ابْنِي فِيْمَنْ حَدَّثَ الحَدِيْثَ. قَالَتْ:
وَمَا ذَاكَ قَالَتْ: كَذَا وَكَذَا. قَالَتْ
عَائِشَةُ: سَمِعَ رَسُوْلُ اللهِ? قَالَتْ:
نَعَمْ. قَالَتْ: وَأَبُو بَكْرٍ? قَالَتْ: نَعَمْ
فَخَرَّتْ مَغْشِيّاً عَلَيْهَا فَمَا أَفَاقَتْ
إلَّا وَعَلَيْهَا حُمَّى بِنَافِضٍ فَطَرَحْتُ
عَلَيْهَا ثِيَابَهَا. فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "مَا شَأْنُ
هَذِهِ"؟. قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ أَخَذَتْهَا
الحُمَّى بِنَافِضٍ. قَالَ: "فَلَعَلَّ فِي
حَدِيْثٍ تُحُدِّثَ بِهِ"؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَعَدَتْ فَقَالَتْ: وَاللهِ لَئِنْ حَلَفْتُ
لاَ تُصَدِّقُوْنِي وَلَئِنْ قُلْتُ لاَ
تَعْذِرُوْنِي مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَيَعْقُوْبَ
وَبَنِيْهِ: وَاللهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا
تَصِفُوْنَ.
قَالَتْ: وَانْصَرَفَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئاً
فَأَنْزَلَ اللهُ عُذْرَهَا. قَالَتْ: بِحَمْدِ
اللهِ لاَ بِحَمْدِ أحد ولا بحمدك2.
صحيح غريب.
__________
1 منكر: أخرجه الحاكم "4/ 11-12" مِنْ طَرِيْقِ
سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُوْسَى الجهني،
به. وقال الذهبي في "التلخيص": "قلت: منكر على
جودة إسناده".
2 صحيح: أخرجه البخاري "4143" من طريق موسى بن
إسماعيل، حدثنا أبو عوانة، به.
(3/466)
116- أم سلمة
أم المؤمنين 1: "ع"
السَّيِّدَةُ المُحَجَّبَةُ الطَّاهِرَةُ هِنْدُ
بِنْتُ أَبِي أمية بن المغيرة بن عبد الله ابن
عُمَرَ بنِ مَخْزُوْمِ بنِ يَقَظَةَ بنِ مُرَّةَ
المَخْزُوْمِيَّةُ بِنْتُ عَمِّ خَالِدِ بنِ
الوَلِيْدِ سَيْفِ اللهِ وَبِنْتُ عَمِّ أَبِي
جَهْلٍ بنِ هِشَامٍ.
مِنْ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ. كَانَتْ قَبْلَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عِنْدَ أَخِيْهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ: أَبِي
سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الأَسَدِ المَخْزُوْمِيِّ
الرَّجُلِ الصَّالِحِ.
دَخَلَ بِهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ مِنَ الهِجْرَةِ
وَكَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ
وَأَشْرَفِهِنَّ نَسَباً.
وَكَانَتْ آخِرَ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّهَاتِ
المُؤْمِنِيْنَ. عُمِّرَتْ حَتَّى بَلَغَهَا
مَقْتَلُ الحُسَيْنِ الشَّهِيْدِ فَوَجَمَتْ
لِذَلِكَ وَغُشِيَ عَلَيْهَا وَحَزِنَتْ عَلَيْهِ
كَثِيْراً لَمْ تَلْبَثْ بَعْدَهُ إلَّا يَسِيْراً
وَانْتَقَلَتْ إِلَى اللهِ.
وَلَهَا أَوْلاَدٌ صَحَابِيُّوْنَ: عُمَرُ
وَسَلَمَةُ وَزَيْنَبُ وَلَهَا جُمْلَةُ
أَحَادِيْثَ.
رَوَى عَنْهَا: سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ
وَشَقِيْقُ بنُ سَلَمَةَ وَالأَسْوَدُ بنُ
يَزِيْدَ وَالشَّعْبِيُّ وَأَبُو صَالِحٍ
السَّمَّانُ وَمُجَاهِدٌ وَنَافِعُ بنُ جُبَيْرِ
بنِ مُطْعِمٍ وَنَافِعٌ مَوْلاَهَا وَنَافِعٌ
مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ وَعَطَاءُ بن أبي رباح وشهر
ابن حَوْشَبٍ وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ وَخَلْقٌ
كَثِيْرٌ.
عَاشَتْ نَحْواً مِنْ تِسْعِيْنَ سَنَةً.
وَأَبُوْهَا: هُوَ زَادُ الرَّاكِبِ أَحَدُ
الأَجْوَادِ قِيْلَ اسْمُهُ حُذَيْفَةُ.
وَقَدْ وَهِمَ مَنْ سَمَّاهَا: رَمْلَةُ تِلْكَ
أُمُّ حَبِيْبَةَ.
وكانت تعد من فقهاء الصحابيات.
__________
1 ترجمتها في طبقات ابن سعد "8/ 86-96"، الجرح
والتعديل "9/ ترجمة رقم 2375"، والإصابة "4/ ترجمة
رقم 1309"، تهذيب الكمال "35/ ترجمة 7941"، تهذيب
التهذيب "12/ ترجمة رقم 2905".
(3/467)
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ
عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُبَيْدٍ،
عَنْ سَعِيْدِ بنِ يَرْبُوْعٍ، عَنْ عُمَرَ بنِ
أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبِي إِلَى
أَبِي قَطَنٍ فِي المُحَرَّمِ سنَةَ أَرْبَعٍ،
فَغَابَ تِسْعاً وَعِشْرِيْنَ لَيْلَةً، ثُمَّ
رَجَعَ فِي صَفَرٍ، وَجُرْحُهُ الَّذِي أَصَابَهُ
يَوْمَ أُحُدٍ مُنْتَقِضٌ، فَمَاتَ مِنْهُ
لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ،
وَحَلَّتْ أُمِّي فِي شَوَّالٍ وَتَزَوَّجَهَا
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
إِلَى أَنْ قَالَ: وَتُوُفِّيَتْ سَنَةَ تِسْعٍ
وَخَمْسِيْنَ فِي ذِي القَعْدَةِ.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ
الحَضْرَمِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ
زِيَادٍ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنْ
زِيَادِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ قَالَتْ أُمُّ
سَلَمَةَ لأَبِي سَلَمَةَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ
لَيْسَ امْرَأَةٌ يَمُوْتُ زَوْجُهَا وَهُوَ مِنْ
أَهْلِ الجَنَّةِ ثُمَّ لَمْ تَزَوَّجْ إلَّا
جَمَعَ اللهُ بَيْنَهُمَا فِي الجَنَّةِ.
فَتَعَالَ أُعَاهِدْكَ إلَّا تَزَوَّجَ بَعْدِي
ولاَ أَتَزَوَّجُ بَعْدَكِ. قَالَ:
أَتُطِيْعِيْنَنِي? قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: إِذَا
مِتُّ تَزَوَّجِي. اللَّهُمَّ ارْزُقْ أُمَّ
سَلَمَةَ بَعْدِي رَجُلاً خَيْراً مِنِّي، لاَ
يُحْزِنُهَا وَلاَ يُؤْذِيْهَا. فَلَمَّا مَاتَ
قُلْتُ: مَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ فَمَا
لَبِثْتُ وَجَاءَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَامَ عَلَى البَابِ
فَذَكَرَ الخِطْبَةَ إِلَى ابْنِ أَخِيْهَا أَوِ
ابْنِهَا. فَقَالَتْ: أَرُدُّ عَلَى رَسُوْلِ
اللهِ أَوْ أَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ بِعِيَالِي.
ثُمَّ جَاءَ الغَدُ فَخَطَبَ1.
عَفَّانُ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا
ثَابِتٌ، حَدَّثَنِي ابْنُ عمر بن أبي سلمة، عَنْ
أَبِيْهِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ لَمَّا انْقَضَتْ
عِدَّتُهَا خَطَبَهَا أَبُو بَكْرٍ فَرَدَّتْهُ
ثُمَّ عُمَرُ فَرَدَّتْهُ فَبَعَثَ إِلَيْهَا
رَسُوْلُ اللهِ فَقَالَتْ: مَرْحَباً أَخْبِرْ
رَسُوْلَ اللهِ أَنِّي غَيْرَى، وَأَنِّي
مُصْبِيَةٌ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِي
شَاهِداً.
فَبَعَثَ إِلَيْهَا: "أَمَّا قَوْلُكِ: إِنِّي
مُصْبِيَةٌ 2 فَإِنَّ اللهَ سَيَكْفِيْكِ
صِبْيَانَكِ. وَأَمَّا قَوْلُكِ: إِنِّي غَيْرَى
فَسَأَدْعُو اللهَ أَنْ يُذْهِبَ غَيْرَتَكِ،
وَأَمَّا الأَوْلِيَاءُ فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُم
إلَّا سَيَرْضَى بِي".
قَالَتْ: يَا عُمَرُ قُمْ فَزَوِّجْ رَسُوْلَ
اللهِ.
وَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ: "أَمَا إِنِّي لاَ
أَنْقُصُكِ مِمَّا أَعْطَيْتُ فُلاَنَةَ....".
الحديث3.
__________
1 ضعيف: أخرجه ابْنُ سَعْدٍ "8/ 88" أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الحَضْرَمِيُّ، به.
قلت: إسناده ضعيف للانقطاع بين زياد بن أبي مريم
الجزري وأم سلمة، زياد هذا من الطبقة السادسة، وهي
طبقة عاصرت الخامسة، ولم يثبت لهم لقاء أحد من
الصحابة.
2 غيرى: أي: شديدة الغيرة. ومصبية: أي: ذات صبية
وأولاد صغار.
3 ضعيف: أخرجه ابن سعد "8/ 89" وأحمد "6/
313-314"، والنسائي "6/ 81-82" من طريق حماد بن
سلمة، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته ابن عمر بن أبي سلمة،
مجهول؛ لذا قال الحافظ في "التقريب": مقبول.
(3/468)
عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: حَدَّثَنَا
أَبُو حَيَّانَ التيمي، عن حبيب بن أبي ثابت قال:
قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: أَتَانِي رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَلَّمَنِي
وَبَيْنَنَا حِجَابٌ فَخَطَبَنِي فَقُلْتُ: وَمَا
تُرِيْدُ إِلَيَّ? مَا أَقُوْلُ هَذَا إلَّا رغبة
لك، عن نفسي إني امْرَأَةٌ قَدْ أَدْبَرَ مِنْ
سِنِّي وَإِنِّي أُمُّ أَيْتَامٍ وَأَنَا
شَدِيْدَةُ الغَيْرَةِ وَأَنْتَ يَا رَسُوْلَ
اللهِ تَجْمَعُ النِّسَاءَ.
قَالَ: "أَمَّا الغَيْرَةُ فَيُذْهِبُهَا اللهُ.
وَأَمَّا السِّنُّ فَأَنَا أَكْبَرُ مِنْكِ.
وَأَمَّا أَيْتَامُكِ فَعَلَى اللهِ وَعَلَى
رَسُوْلِهِ". فَأَذِنْتُ فَتَزَوَّجَنِي1.
أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ
أَيْمَنَ، حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن ابن
الحارث: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَطَبَ أُمَّ سَلَمَةَ.
فَقَالَتْ: فِيَّ خِصَالٌ ثَلاَثٌ: كَبِيْرَةٌ
وَمُطْفِلٌ وَغَيُوْرٌ ... ، الحَدِيْثَ2.
وَعَنِ المُطَّلِبِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَنْطَبٍ
قَالَ: دَخَلَتْ أَيِّمُ العَرَبِ عَلَى سَيِّدِ
المُسْلِمِيْنَ أَوَّلَ العِشَاءِ عَرُوْساً
وَقَامَتْ آخِرَ اللَّيْلِ تَطْحَنُ يَعْنِي:
أُمَّ سَلَمَةَ3.
مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بَكْرٍ،
عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: لَمَّا بنى
رسول الله بِأُمِّ سَلَمَةَ قَالَ: "لَيْسَ بِكِ
عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ
لَكِ وَسَبَّعْتُ عِنْدَهُنَّ -يَعْنِي نِسَاءهُ-
وَإِنْ شِئْتِ ثَلاَثاً وَدُرْتُ"؟.
قَالَتْ: ثَلاَثاً4.
رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ
أَخْبَرَنِي حَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، أَنَّ
عَبْدَ الحَمِيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ وَالقَاسِمَ
بنَ مُحَمَّدٍ حدثاه: أنهما سمعا أبا بكر بنَ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُخْبِرُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ
أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهَا لَمَّا قَدِمَتِ
المَدِيْنَةَ أَخْبَرَتْهُمْ: أَنَّهَا بِنْتُ
أَبِي أُمَيَّةَ فَكَذَّبُوْهَا حَتَّى أَنْشَأَ
نَاسٌ مِنْهُم الحَجَّ فَقَالُوا: أَتَكْتُبِيْنَ
إِلَى أَهْلِكِ فَكَتَبَتْ معهم فرجعوا فصدقوها
وازدادت عليهم كرامة.
__________
1 ضعيف: أخرجه ابن سعد "8/ 90"، وهو ضعيف لإرساله،
أرسله حبيب بن أبي ثابت كثير الإرسال والتدليس.
2 ضعيف: أخرجه ابن سعد "8/ 91"، وهو ضعيف لإرسالة.
3 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد من طريق الواقدي، وهو
متروك كما ذكرنا مرارا، والمطلب بن عبد الله بن
حنطب كثير التدليس والإرسال، وهذا من مراسيله.
4 صحيح: أخرجه مالك "2/ 529" مرسلا. وأخرجه موصولا
مسلم "1460"، وأبو داود "2122" من طريق يحيى بن
سعيد، عن سفيان، عن محمد بنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ
عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ بنِ هشام، عن أبيه، عن
أم سلمة، به. فوصله بإثبات أم سلمة فصح الحديث.
(3/469)
قَالَتْ: فَلَمَّا وَضَعْتُ زَيْنَبَ
جَاءنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَخَطَبَنِي فَقُلْتُ: مَا مِثْلِي
يُنْكَحُ!
قَالَ: فَتَزَوَّجَهَا فَجَعَلَ يَأْتِيْهَا
فَيَقُوْلُ: "أَيْنَ زُنَابُ" حَتَّى جَاءَ
عَمَّارٌ فَاخْتَلَجَهَا1 وَقَالَ: هَذِهِ
تَمْنَعُ رَسُوْلَ اللهِ. وَكَانَتْ تُرْضِعُهَا.
فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "أَينَ زُنَابُ" فَقِيْلَ:
أَخَذَهَا عَمَّارٌ. فَقَالَ: "إِنِّي آتِيْكُمُ
اللَّيْلَةَ".
قَالَتْ: فَوَضَعْتُ ثِفَالِي2 وَأَخْرَجْتُ
حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيْرٍ كَانَتْ فِي جَرَّتِي
وَأَخْرَجْتُ شَحْماً فَعَصَدْتُهُ لَهُ ثُمَّ
بَاتَ ثُمَّ أَصْبَحَ فَقَالَ: "إِنَّ بِكِ عَلَى
أَهْلِكِ كَرَامَةً إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ?
وَإِنْ أُسَبِّعْ لَكِ أُسَبِّعْ لِنِسَائِي" 3.
قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: هِيَ أَوَّلُ
ظَعِيْنَةٍ دَخَلَتِ المَدِيْنَةَ مُهَاجِرَةً
فَشَهِدَ أَبُو سَلَمَةَ بَدْراً وَوَلَدَتْ لَهُ
عُمَرَ وَسَلمَةَ وَزَيْنَبَ وَدُرَّةَ.
أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيْقٍ،
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: لَمَّا تُوُفِّيَ
أَبُو سَلَمَةَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: كَيْفَ
أَقُوْلُ? قَالَ: "قولي اللهم اغفر لنا ذنوبنا
وَأَعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبَى صَالِحَةً".
فَقُلْتُهَا فَأَعْقَبَنِي اللهُ مُحَمَّداً
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4.
وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي "صَحِيْحِهِ"5. أَنَّ عَبْدَ
اللهِ بنَ صَفْوَانَ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ
فِي خِلاَفَةِ يَزِيْدَ.
وَرَوَى إِسْمَاعِيْلُ بنُ نَشِيْطٍ، عَنْ شَهْرٍ
قَالَ: أَتَيْتُ أُمَّ سَلَمَةَ أُعَزِّيْهَا
بِالحُسَيْنِ.
وَمِنْ فَضْلِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ قَوْلُهُ
تَعَالَى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ
كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُن} إِلَى
قَوْلِهِ: {وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ
الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ
__________
1 اختلجها: اجتذبها وانتزعها.
2 الثقال: بالكسر جلدة تبسط تحت رحا اليد ليقع
عليها الدقيق، ويسمى الحجر الأسفل ثقالا بها.
3 صحيح: أخرجه ابن سعد "8/ 93-94"، وأحمد "6/ 307"
من طريق عبد الرزاق أخبرنا ابن جريح، به.
4 صحيح: أخرجه أحمد "6/ 291 و306"، ومسلم "919"،
وأبو داود "3115" والترمذي "977"، والنسائي "4/
4-5"، وابن ماجة "1447" من طرق عن الأعمش، عن أبي
وائل شقيق بن سلمة، به.
5 صحيح: أخرجه مسلم "2882".
(3/470)
الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ
وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا، وَاذْكُرْنَ مَا
يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ
وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 32-34] .
فَهَذِهِ آيَاتٌ شَرِيْفَةٌ فِي زَوْجَاتِ
نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ زَيْدُ بنُ الحُبَابِ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ
بنُ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيْدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {إِنَّمَا
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ
أَهْلَ الْبَيْت} . قَالَ: نَزَلَتْ فِي نِسَاءِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثُمَّ قَالَ عِكْرِمَةُ: مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ1
أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي نِسَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاصَّةً.
إِسْحَاقُ السَّلُوْلِيُّ: حَدَّثَنَا عِيْسَى بن
عبد الرحمن السلمي، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ
صِلَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ: أَنَّهُ قَالَ
لامْرَأَتِهِ: إِنْ سَرَّكِ أَنْ تَكُوْنِي
زَوْجَتِي فِي الجَنَّةِ فَلاَ تَزَوَّجِي بَعْدِي
فَإِنَّ المَرْأَةَ فِي الجَنَّةِ لآخِرِ
أَزْوَاجِهَا فِي الدُّنْيَا فَلِذَلِكَ حُرِّمَ
عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُنْكَحْنَ بَعْدَهُ
لأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُهُ فِي الجَنَّةِ.
رَوَى عَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، عَنْ مُحَارِبِ بنِ
دِثَارٍ: أن أم سلمة أوصت أن يصلي عليها سَعِيْدُ
بنُ زَيْدٍ أَحَدُ العَشَرَةِ.
وَهَذَا مُنْقَطِعٌ. وَقَدْ كَانَ سَعِيْدٌ
تُوُفِّيَ قَبْلَهَا بِأَعْوَامٍ فَلَعَلَّهَا
أوصت في وقت ثم عوفيت وتقدمها وهو.
وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ صَلَّى عَلَيْهَا
وَلَمْ يثبت وقد مات قبلها. وَدُفِنَتْ
بِالبَقِيْعِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا ابْنِ أَبِي
الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ
أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا
تَزَوَّجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أُمَّ سَلَمَةَ حَزِنْتُ حُزْناً
شَدِيْداً لِمَا ذَكَرُوا لَنَا مِنْ جَمَالِهَا
فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى رَأَيْتُهَا فَرَأَيْتُهَا
وَاللهِ أَضْعَافَ مَا وُصِفَتْ لِي فِي الحُسْنِ
فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِحَفْصَةَ وَكَانَتَا يَداً
وَاحِدَةً فَقَالَتْ: لاَ وَاللهِ إِنْ هَذِهِ
إلَّا الغَيْرَةُ مَا هِيَ كَمَا تَقُوْلِيْنَ
وَإِنَّهَا لَجَمِيْلَةٌ فَرَأَيْتُهَا بَعْدُ
فَكَانَتْ كَمَا قَالَتْ حَفْصَةُ وَلَكِنِّي
كُنْتُ غَيْرَى2.
مُسْلِمٌ الزَّنْجِيُّ، عَنْ مُوْسَى بنِ
عُقْبَةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنِ أُمِّ كُلْثُوْمٍ
قَالَتْ: لَمَّا تَزَوَّجَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
__________
1 المباهلة الملاعنة، وهو أن يجتمع القوم إذا
اختلفوا في شيء فيقولوا لعنة الله على الظالم منا.
وهذا الحديث حسن، فيه زيد بن الحباب، وهو صدوق.
ويزيد النحوي، هو يزيد بن أبي سعيد النحوي، وهو
ثقة.
2 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد "8/ 94"، وفي إسناده
محمد بن عمر الواقدي، وهو متروك كما ذكرنا مرارا.
(3/471)
|