سير أعلام
النبلاء، ط الحديث [الطَّبَقَةُ الثَّامِنَةُ]
1183- مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى الفِطْري 1: "م، 4"
المُحَدِّثُ، الحُجَّةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ المَدَنِيُّ،
مَوْلَى الفِطْرِيِّينَ -بِكَسْرِ الفَاءِ- وَهُم مَوَالِي
بَنِي مَخْزُوْمٍ.
يَرْوِي عَنْ: سَعِيْدِ بنِ أَبِي سَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ،
وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أُبَيِّ طَلْحَةَ،
وَمُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ بنِ الإِمَامِ عَلِيٍّ، وَعَوْنِ
بنِ مُحَمَّدٍ، وَيَعْقُوْبَ بنِ سَلَمَةَ اللَّيْثِيِّ،
وَسَعْدِ بنِ إِسْحَاقَ، وَغَيْرِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ،
وَابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، وَإِسْحَاقُ بن محمد الفروي،
وقتيبة بن سعد.
وَثَّقَهُ أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ أَبُو
حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، يَتَشَيَّعُ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَسَبْعِيْنَ ومائة.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 748"، الجرح
والتعديل "8/ ترجمة 341"، والكاشف "3/ ترجمة 5261"، وميزان
الاعتدال "4/ ترجمة 8227"، تهذيب التهذيب "9/ ترجمة 775"،
تقريب التهذيب "2/ 211"، خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 6687".
(7/220)
1184- ميسرة التَّرَّاس 1:
قِيْلَ: هُوَ مَيْسَرَةُ بنُ عَبْدِ رَبِّهِ الفَارِسِيُّ،
ثم البصري، الأكول. ذكرته مُطَوَّلاً فِي "المِيْزَانِ".
ضَعَّفُوهُ.
يَرْوِي عَنْ: لَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: يَحْيَى بنُ غَيْلاَنَ، وَدَاوُدُ بنُ
المُحَبَّرِ، وَآخَرُوْنَ. وَقَدِ اتُّهِم.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: قَالَ لِي الرَّشِيْدُ: كَمْ
أَكْثَرُ مَا أَكَلَ مَيْسَرَةُ? قُلْتُ: مائَةُ رَغِيْفٍ،
وَنِصْفُ مَكُّوْكِ مِلْحٍ. فَأَمَرَ الرَّشِيْدُ،
فَطُرِحَ لِلْفِيْلِ مائَةُ رَغِيْفٍ، فَفَضَّلَ مِنْهَا
رَغِيْفاً.
وَقِيْلَ: إِنَّ بَعْضَ المُجَّانِ قَالُوا لَهُ: هَلْ
لَكَ فِي كَبْشٍ مَشْوِيٍّ? قَالَ: مَا أَكْرَهُ ذَلِكَ.
وَنَزَلَ عَنْ حِمَارِهِ، فَأَخَذُوا الحِمَارَ وَأَتَوْهُ
-وَقَدْ جَاعَ- بِالشِّوَاءِ. فَأَقْبَل يَأْكُلُ،
وَيَقُوْلُ: أَهَذَا لَحْمُ فِيْلٍ?! بَلْ لَحْمُ
شَيْطَانٍ. حَتَّى فَرَغَهَ، ثُمَّ طَلَبَ حِمَارَهُ،
فَتَضَاحَكُوا، وَقَالُوا: هُوَ -وَاللهِ- فِي جَوْفِكَ
وَجَمَعُوا لَهُ ثَمَنَهُ.
وَقِيْلَ: نَذَرِتِ امْرَأَةٌ أَنْ تُشبِعَهُ، فَرَفَقَ
بِهَا، وَأَكَلَ مَا يَكْفِي سَبْعِيْنَ رَجُلاً.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 1620"، والجرح
والتعديل "8/ ترجمة 1175"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة
8958"، المجروحين لابن حبان "3/ 11"، لسان الميزان "6/
ترجمة 480".
(7/220)
1185- المغيرة
1: "ع"
ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ خَالِدِ بنِ
حِزَامِ بنِ خُوَيْلِدٍ القُرَشِيُّ، الأَسَدِيُّ،
الحِزَامِيُّ، المَدَنِيُّ، الفَقِيْهُ، النَّسَّابَةُ،
وَيُعْرَفُ: بِقُصَيٍّ.
لاَزَمَ أَبَا الزِّنَادِ، وَأَكْثَرَ عَنْهُ. وَعَنْ:
سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، وَالمُطَّلِبِ بنِ عَبْدِ اللهِ
بنِ حَنْطَبٍ، وَعَبْدِ المَجِيْدِ بنِ سُهَيْلٍ،
وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: القَعْنَبِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي
مَرْيَمَ، وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَيَحْيَى بنُ
يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ، وَيَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ،
وَخَالِدُ بنُ خِدَاشٍ، وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ،
وَجَمَاعَةٌ.
وَكَانَ شَرِيْفاً، وَافِرَ الحُرمَةِ، عَلاَّمَةً
بِالنَّسَبِ، صَادِقاً عَالِماً.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ، وَغَيْرُهُ: لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَعَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: لَيْسَ حَدِيْثُهُ
بِشَيْءٍ.
قُلْتُ: احْتَجَّ بِهِ أَربَابُ الصِّحَاحِ، لَكِنْ لَهُ
مَا يُنكَرُ.
فَأَخَرَجَ لَهُ: النَّسَائِيُّ حَدِيْثَهُ، عَنْ أَبِي
الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
قَضَى بِاليَمِيْنِ مَعَ الشَّاهِدِ2.
وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ الحَافِظُ: قَالَ
أَحْمَدُ بن حنبل: ليس في البَابِ شَيْءٌ أَصَحُّ مِنْ
هَذَا الحَدِيْثِ.
وَبَالإِسْنَادِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: "اتَّقُوا المَجْذُوْمَ كَمَا يُتَّقَى
الأَسَدُ" 3. وَهَذَا خَبَرٌ مُنْكَرٌ.
تُوُفِّيَ قُصَيٌّ هَذَا: فِي حُدُوْدِ سَنَةِ ثمانين
ومائة، بالمدينة.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 421"، التاريخ الكبير "7/
ترجمة 1379"، الجرح والتعديل "8/ ترجمة 1014"، والكاشف "3/
ترجمة 5695"، ميزان الاعتدال "4/ ترجمة 8714"، تهذيب
التهذيب "10/ 266"، تقريب التهذيب "2/ 269"، خلاصة الخزرجي
"3/ ترجمة 7160".
2 صحيح: أخرجه البيهقي "10/ 169" من طريق المُغِيْرَة بن
عبد الرَّحْمَن، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ, به.
وأخرجه الشافعي "2/ 179"، وأبو داود "3610" و"3611"،
والترمذي "1343"، وابن ماجه "2368"، والطحاوي "4/ 144"،
وابن الجارود "1007"، والبيهقي "10/ 168"، والبغوي "2503"
من طريق رَبِيْعَةَ بنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ
سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عن أبي هريرة،
به.
3 صحيح بطرقه: أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" "1/ ق1/
155" من طريق محمد بن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي
الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم:
"اتقوا المجذوم".
وأخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" "2/ 307" من طريق عبد
العزيز بن محمد، عن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ
بنِ عثمان بن عفان، عن أبي الزناد، به، وأخرجه ابن عدي في
"الكامل" "6/ 356" حدثنا جعفر بن علي بن بيان، حَدَّثَنَا
يَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا
المُغِيْرَة بن عبد الرَّحْمَن، عَنْ أَبِي الزناد، به.
وأخرجه البخاري "5707" من طريق عفان حدثنا بن حيان، حدثني
سعيد بن ميناء قال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"لا عدوى ولا طيرة ولا هامة، ولا صفر، وفر من المجذوم كما
تفر من الأسد". وأخرجه أحمد "2/ 443" من طريق وكيع، قال
حدثنا النهاس عن شيخ بمكة، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "فر من المجذوم فرارك من
الأسد".
(7/221)
1186- ابن أبي الزَّناد 1:
الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، الحَافِظُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ الفَقِيْهِ أَبِي الزِّناد عَبْدِ اللهِ
بنِ ذَكْوَانَ المَدَنِيُّ.
وُلِدَ بَعْدَ المائَةِ. وَسَمِعَ أَبَاهُ، وَسُهَيْلَ بنَ
أَبِي صَالِحٍ، وَعَمْرَو بنَ أَبِي عَمْرٍو، وَهِشَامَ
بنَ عُرْوَةَ، وَيَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ، وَطَبَقَتَهُم.
وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ. أَخَذَ القِرَاءةَ
عَرْضاً عَنْ: أَبِي جَعْفَرٍ القَارِئِ2. قَالَهُ: أَبُو
عمرو الداني.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 415" و"7/ 324"، والتاريخ
الكبير "5/ ترجمة 997"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي
"1/ 165 و223 و428"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 1201"
والمجروحين لابن حبان "2/ 56"، الخطيب في "تاريخ بغداد"
"10/ 228"، والإكمال لابن ماكولا "4/ 200"، والكاشف "2/
ترجمة 3234"، ميزان الاعتدال "2/ ترجمة 4908"، العبر "1/
265"، تهذيب التهذيب "6/ 170"، تقريب التهذيب "1/ 479"،
خلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4090"، شذرات الذهب لابن العماد
الحنبلي "1/ 284".
2 أبو جعفر القارئ، هو يزيد بن القعقاع المدني، مولى عبد
الله بن عياش بن ربيعة المخزومي، أحد القراء العشرة من
التابعين، كان إمام المدينة في القراءة، توفي بالمدينة.
ترجمته في "تاريخ الإسلام" "5/ 188".
(7/222)
وَحَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ جُرَيْجٍ -وَهُوَ
مِنْ شُيُوْخِهِ- وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَأَحْمَدُ
بنُ يُوْنُسَ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَهَنَّادُ بنُ
السَّرِيِّ، وَدَاوُدُ بنُ عَمْرٍو، وَعَددٌ كَبِيْرٌ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: هُوَ أَثبَتُ النَّاسِ فِي
هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ.
وقال ابن سعد: كان فقيهًا، مفتيًا.
قال ابْنُ مَهْدِيٍّ: ضَعِيْفٌ.
قُلْتُ: احْتَجَّ بِهِ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ.
وَحَدِيْثُه مِنْ قَبِيْلِ الحَسَنِ.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ
المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: حَدِيْثُهُ بِالمَدِيْنَةِ
مُقَارِبٌ، وَمَا حَدَّثَ بِهِ بِالعِرَاقِ، فَهُوَ
مُضْطَرِبٌ.
وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: قَدْ رَوَى عَنِ أبيه أشياء لم
يروها غيره.
وَقَدْ تَكلَّمَ فِيْهِ مَالِكٌ لِرِوَايَتِه كِتَابَ
الفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ1، عَنْ أَبِيْهِ، وَقَالَ: أَيْنَ
كُنَّا نَحْنُ مِنْ هَذَا?
قَالَ الخَطِيْبُ: تَحوَّلَ مِنَ المَدِيْنَةِ، فَسَكَنَ
بَغْدَادَ.
رَوَى عَنْهُ: الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَابْنُ وَهْبٍ،
وَسُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ الهَاشِمِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: مَا حَدَّثَ بِهِ
بِالمَدِيْنَةِ صَحِيْحٌ، وَمَا حَدَّثَ بِهِ بِبَغْدَادَ
أَفسَدَهُ البَغْدَادِيُّوْنَ.
وَقَالَ الفَلاَّسُ: فِيْهِ ضَعْفٌ.
وَرَوَى عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
هُوَ كَذَا وَكَذَا -يُلَيِّنُه.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بنُ أَيُّوْبَ البَصْرِيُّ: سَمِعْتُ
ابْنَ مَعِيْنٍ: إِنِّيْ لأَعْجَبُ مِمَّنْ يَعُدُّ
فُلَيْحاً وَابْنَ أَبِي الزِّنَادِ فِي المُحَدِّثِيْنَ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِمَّنْ
يَنْفَرِدُ بِالمَقْلُوْبَاتِ عَنِ الأَثْبَاتِ، وَكَانَ
ذَلِكَ مِنْ سُوْءِ حِفْظِه، وكثرة خطئه، فلا يجوز
الاحتجاج به إِلاَّ فِيْمَا وَافَقَ الثِّقَاتُ، فَهُوَ
صَادِقٌ.
قَالَ الدَّانِي: أَخَذَ القِرَاءةَ عَرْضاً عَنْ أَبِي
جَعْفَرٍ. وَرَوَى الحُرُوْفَ عَنْ نَافِعٍ.
رَوَى عَنْهُ الحُرُوْفَ: حَجَّاجٌ الأَعْوَرُ. وَسَمِعَ
مِنْهُ: عَلِيٌّ الكسَائِيُّ، وَابْنُ وَهْبٍ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: لَيْسَ بِالحَافِظِ
عِنْدَهُم.
قُلْتُ: هُوَ حَسَنُ الحَدِيْثِ. وَبَعْضُهُم يَرَاهُ
حُجَّةً.
تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ
بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ
الحَاسِبُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ
البَزَّازُ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا
أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ
عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي
الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ
قَالَ: أَخَذَ العَبَّاسُ بِيَدِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي العَقَبَةِ، حِيْنَ
وَافَى السَّبْعُوْنَ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَخَذَ
لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عَلَيْهِم، وَاشتَرَطَ لَهُ، وَذَلِكَ -وَاللهِ- فِي
غُرَّةِ الإِسْلاَمِ وَأَوَّلِهِ، مِنْ قَبْلِ أن يعبد
اللهَ أحدٌ علانية.
__________
1 سبق ذكرنا للفقهاء السبعة في هذا المجلد, تعليق رقم 1
ص165, فراجعه ثمَّت.
(7/223)
1187- مُفَضَّل بن فَضَالة 1: "ع"
ابن عبيد، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحُجَّةُ،
القُدْوَةُ، قَاضِي مِصْرَ، أَبُو مُعَاوِيَةَ القِتْباني،
المِصْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: عَيَّاشِ بنِ عَبَّاسٍ القِتْبَانِيِّ،
وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، وَعَقِيْلِ بنِ خَالِدٍ،
وَعَبْدِ اللهِ بنِ سُلَيْمَانَ الطَّوِيْلِ، وَيُوْنُسَ
بنِ يَزِيْدَ، وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: حَسَّانُ بنُ عَبْدِ اللهِ الوَاسِطِيُّ
المِصْرِيُّ، وَأَبُو صَالِحٍ الكَاتِبُ، وَمُحَمَّدُ بنُ
رُمْحٍ، وَيَزِيْدُ بنُ مَوْهِبٍ الرَّمْلِيُّ،
وَزَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى كَاتِبُ العُمَرِيِّ،
وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ. وَشَذَّ:
مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، فَقَالَ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ.
وَذَكَرَهُ ابْنُ يُوْنُسَ فِي "تَارِيْخِهِ"، فَقَالَ:
كَانَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ، وَالوَرَعِ، وَالفَضْلِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، لَمْ
يُحَدِّثْ عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ، لأَنَّهُ حَكَمَ عَلَيْهِ
بِأَمرٍ.
وَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ
الحَكَمِ، عَنْ شَيْخٍ: أَنَّ رَجُلاً لَقِيَ المُفَضَّلَ
بَعْدَ العَزلِ، فَقَالَ: قَضَيْتَ عليَّ بِالبَاطِلِ،
وَفَعَلتَ، وَفَعَلتَ. فَقَالَ: لَكِنَّ الَّذِي قضيت له
يُطيب الثناء علينا.
قَالَ عِيْسَى بنُ زُغْبة: كَانَ المُفَضَّلُ قَاضِياً
عَلَيْنَا، وَكَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، وَكَانَ مَعَ
ضَعفِ بدنه يطيل القيام.
وقال ابْنُ مَعِيْنٍ: كَانَ مِصْرِيّاً رَجُلَ صِدْقٍ،
إِذَا جَاءهُ مَنْ كُسِرَتْ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ
جَبَرَهَا، وَكَانَ يَعْمَلُ الأَرْحِيَةَ.
قَالَ لَهِيْعَةُ بنُ عِيْسَى: كَانَ المُفَضَّلُ دَعَا
اللهَ أَنْ يُذْهِبَ عَنْهُ الأَمَلَ، فَأَذهَبَهُ عَنْهُ،
فَكَادَ أَنْ يُخْتَلَسَ عَقْلُهُ، وَلَمْ يَهنَأْهُ
عَيْشٌ. فَدَعَا اللهَ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِ الأَمَلَ،
فَرَدَّهُ فَرَجَعَ إِلَى حَالِهِ.
قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى
وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وله أربع وسبعون سنة.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 517"، التاريخ الكبير "7/
ترجمة 1773"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 376"
و"2/ 446 و516"، الجرح والتعديل "8/ ترجمة 1461" وحلية
الأولياء "8/ ترجمة 427"، الكاشف "3/ ترجمة 5708"، تذكرة
الحفاظ "1/ ترجمة 238"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 8733"،
تهذيب التهذيب "10/ 273"، تقريب التهذيب "2/ 271"، وخلاصة
الخزرجي "3/ ترجمة 7174"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي
"1/ 297".
(7/224)
1188- جُحَا 1:
أبو الغُصْن، صَاحِبُ النَّوَادِرِ، دُجَين بنُ ثَابِتٍ
اليَرْبُوْعِيُّ، البَصْرِيُّ.
وَقِيْلَ: هَذَا آخَرُ.
رَأَى دُجين أَنَساً. وَرَوَى عَنْ أَسْلَمَ، وَهِشَامِ
بنِ عُرْوَةَ شَيْئاً يَسِيْراً.
وَعَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَمُسْلِمُ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ، وَأَبُو جابر محمد بن عبد المَلِكِ،
وَالأَصْمَعِيُّ، وَبِشْرُ بنُ مُحَمَّدٍ السُّكَّرِيُّ،
وَأَبُو عُمَرَ الحَوْضِيُّ.
قَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: مَا يَرْوِيْهِ لَيْسَ
بِمَحْفُوْظٍ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: دُجَيْنُ بنُ
ثَابِتٍ هُوَ جُحَا.
وَخَطَّأَ ابْنُ عَدِيٍّ مَنْ حكَى هَذَا عَنْ يَحْيَى،
وَقَالَ: لأَنَّهُ أَعْلَمُ بِالرِّجَالِ مِنْ أَنْ
يَقُوْلَ هَذَا، وَالدُّجَيْنُ إِذَا رَوَى عَنْهُ ابْنُ
المُبَارَكِ، وَوَكِيْعٌ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ، فَهَؤُلاَءِ
أَعْلَمُ بِاللهِ مِنْ أَنْ يَرْوُوا عَنْ جُحَا.
وَأَمَّا أَحْمَدُ الشِّيْرَازِيُّ، فَذَكَرَ فِي
"الأَلْقَابِ": أَنَّهُ جُحَا، ثُمَّ رَوَى عَنْ مَكِّيِ
بنِ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: رَأَيْتُ جُحَا الَّذِي يُقَالُ
فِيْهِ: مَكْذُوْبٌ عَلَيْهِ، وَكَانَ فَتَىً ظَرِيْفاً،
وَكَانَ لَهُ جِيْرَانُ مُخَنَّثُوْنَ يُمَازِحُونَهُ،
وَيَزِيْدُوْنَ عَلَيْهِ.
قَالَ عَبَّادُ بنُ صُهَيْبٍ: حَدَّثَنَا أَبُو الغُصْنِ
جُحَا -وَمَا رَأَيْتُ أَعقَلَ مِنْهُ.
قَالَ كَاتِبُهُ: لَعَلَّهُ كَانَ يَمزَحُ أَيَّامَ
الشَّبِيْبَةِ، فَلَمَّا شَاخَ، أَقْبَلَ عَلَى شَأْنِهِ،
وَأَخَذَ عَنْهُ المُحَدِّثُونَ.
وَقَدْ قِيْلَ: إِنَّ جُحَا المُتَمَاجِنَ أَصْغَرُ مِنْ
دُجين؛ لأَنَّ عُثْمَانَ بنَ أَبِي شَيْبَةَ لَحِقَ جُحَا.
فَاللهُ أَعْلَمُ.
وَكَذَلِكَ وَهِمَ مَنْ قَالَ: إِنَّ أَبَا الغُصْنِ
ثَابِتَ بن قيس المدني هو جُحا.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "3/ ترجمة 885"، الجرح
والتعديل "3/ ترجمة 2017"، المجروحين "1/ 294"، ميزان
الاعتدال "2/ ترجمة 2664"، لسان الميزان "2/ ترجمة 1761".
(7/225)
1189- رياح
1:
ابن عمرو القيسي العَابِدُ، أَبُو المُهَاصِرِ، بَصْرِيٌّ،
زَاهِدٌ، مُتَأَلِّهٌ، كَبِيْرُ القَدْرِ.
سَمِعَ مَالِكَ بنَ دِيْنَارٍ، وَحَسَّانَ بنَ أَبِي
سِنَانٍ، وَطَائِفَةً. وَهُوَ قَلِيْلُ الحَدِيْثِ،
كَثِيْرُ الخَشْيَةِ وَالمُرَاقَبَةِ.
رَوَى عَنْهُ: سَيَّارُ بنُ حَاتِمٍ، وَعَلِيُّ بنُ
الحَسَنِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَغَيْرُهُمَا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: قَالَ رِيَاحٌ
القَيْسِيُّ: لِي نَيِّفٌ وَأَرْبَعُوْنَ ذَنْباً، قَدِ
اسْتَغْفَرْتُ لِكُلِّ ذَنْبٍ مائَةَ أَلْفِ مَرَّةٍ.
قَالَ أَبُو مَعْمَرٍ المُقْعَدُ: نَظَرتْ رَابِعَةُ إِلَى
رِيَاحٍ يَضُمُّ صَبِيّاً مِنْ أَهْلِهِ وَيُقَبِّلُهُ.
فَقَالَتْ: أَتُحِبُّه? قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: مَا
كُنْتُ أَحسِبُ أَنَّ فِي قَلْبِكَ مَوْضِعاً فَارِغاً
لِمَحَبَّةِ غَيْرِهِ، تَبَارَكَ اسْمُهُ. فغُشِيَ
عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، وَقَالَ: رَحْمَةٌ مِنْهُ
-تَعَالَى- أَلْقَاهَا فِي قُلُوْبِ العِبَادِ
لِلأَطْفَالِ.
سَيَّارٌ: حَدَّثَنَا رِيَاحُ بنُ عَمْرٍو، سَمِعْتُ
مَالِكَ بنَ دِيْنَارٍ يَقُوْلُ: لاَ يَبلُغُ العَبْدُ
مَنْزِلَةَ الصِّدِّيْقِيْنَ حَتَّى يَتْرُكَ زَوْجَتَهُ
كَأَنَّهَا أَرْمَلَةٌ، وَيَأْوِي إِلَى مزابل الكلاب.
قِيْلَ: إِنَّ رِيَاحاً رَوَى عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ،
وذلك في "حلية الأولياء".
__________
1 ترجمته في حلية الأولياء "6/ ترجمة 361"، ميزان الاعتدال
"2/ ترجمة 2814".
(7/226)
1190- مُحَمَّدُ بنُ النَّضر 1:
أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، الحَارِثِيُّ، الكُوْفِيُّ،
عَابِدُ أَهْل زَمَانِهِ بِالكُوْفَةِ.
رَوَى عَنِ: الأَوْزَاعِيِّ، وَغَيْرِهِ.
وَعَنْهُ: ابْنُ مَهْدِيٍّ، وَخَالِدُ بنُ يَزِيْدَ،
وَجَرِيْرُ بنُ زِيَادٍ، وَأَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ،
حِكَايَاتٍ.
قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: كَانَ مِنْ أَعبَدِ أَهْلِ
الكُوْفَةِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الكَرْمَانِيُّ:
دَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ النَّضْرِ، فَقُلْتُ:
كَأَنَّك تَكْرَهُ مُجَالَسَةَ النَّاسِ؟ قَالَ: أَجْل!
كَيْفَ أَسْتَوحِشُ، وَهُوَ يَقُوْلُ: أَنَا جَلِيسُ مَنْ
ذَكَرَنِي.
وَرَوَى عَبْدُ القُدُّوْسِ بنُ بَكْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بن
النضر، قال: أول العلم الاسْتِمَاعُ، وَالإِنْصَاتُ، ثُمَّ
حِفْظُهُ، ثُمَّ العَمْلُ بِهِ، ثُمَّ بَثُّهُ.
قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ النَّضْرِ
إِذَا ذَكَرَ المَوْتَ، اضْطَرَبَتْ مَفَاصِلُهُ.
وَعَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، قَالَ: آلَى مُحَمَّدُ بنُ
النَّضْرِ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لاَ يَنَامَ إِلاَّ ما
غلبته عينه.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 802"، والجرح
والتعديل "4/ ترجمة 481".
(7/227)
1191- محمد بن
مسلم 1: "م، 4"
الطائفي، المكي، أبو عبد الله.
عن: عمرو بن دينار، وابن طاوس، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ
مَيْسَرَةَ، وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: أسَدُ السُّنَّةِ، وَالقَعْنَبِيُّ، وَيَحْيَى
بنُ يَحْيَى، وَسَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ،
وَقُتَيْبَةُ، وَخَلْقٌ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: كُتُبُهُ صِحَاحٌ. وَقَالَ ابْنُ
عَدِيٍّ: لَمْ أَرَ لَهُ حَدِيْثاً مُنْكَراً، وَلَهُ
غَرَائِبُ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَا أَضْعَفَ
حَدِيْثَهُ. وَقَالَ مُعَرِّفُ بنُ وَاصِلٍ: رَأَيْتُ
الثَّوْرِيَّ يَكْتُبُ عَنِ الطَّائِفِيِّ.
قُلْتُ: توفي سنة سبع وسبعين.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 522"، التاريخ الكبير "1/
ترجمة 700"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 435" و"2/
744" و"3/ 214 و240"، الجرح والتعديل "8/ ترجمة 322"،
الأنساب للسمعاني "8/ 184"، والكاشف "3/ ترجمة 5237"،
وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 8172"، وتهذيب التهذيب "9/
444"، وتقريب التهذيب "2/ 207"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة
6651".
(7/227)
1192- الزَّنجيُّ 1: "د، ق"
الإِمَامُ، فَقِيْهُ مَكَّةَ، أَبُو خَالِدٍ مسلم بن خالد
المخزومي، الزنجي،
المَكِّيُّ، مَوْلَى بَنِي مَخْزُوْمٍ.
وُلِدَ سَنَةَ مائَةٍ، أَوْ قَبْلَهَا بِيَسِيْرٍ.
حَدَّثَ عَنْ: ابْنِ أَبِي ملكية، وَعَمْرِو بنِ
دِيْنَارٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَأَبِي طُوَالَةَ، وَزَيْدِ
بنِ أَسْلَمَ، وَعُتْبَةَ بنِ مُسْلِمٍ، وَعَبْدِ اللهِ
بنِ كَثِيْرٍ الدَّارِيِّ2 نَقَلَ عَنْهُ الحُرُوْفَ.
رَوَى عَنْهُ هَذِهِ القِرَاءةَ: الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ،
وَلاَزَمَه، وَتَفَقَّهَ بِهِ، حَتَّى أَذِنَ لَهُ فِي
الفُتْيَا.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: هُوَ، وَالحُمَيْدِيُّ، وَمُسَدَّدٌ،
وَالحَكَمُ بنُ مُوْسَى، ومروان ابن مُحَمَّدٍ،
وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى الفَرَّاءُ، وَهِشَامُ بنُ
عَمَّارٍ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَسَنُ الحَدِيْثِ أَرْجُو،
أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ضَعِيْفٌ.
قُلْتُ: بَعْضُ النُّقَّادِ يُرَقِّي حَدِيْثَ مُسْلِمٍ
إِلَى دَرَجَةِ الحَسَنِ.
قَالَ سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ: سُمِّيَ الزَّنْجِيَّ
لِسَوَادِهِ. كَذَا قَالَ، وَخَالَفَه ابْنُ سَعْدٍ،
وَغَيْرُهُ، فَقَالُوا: أَشقَرَ، وَإِنَّمَا لُقِّبَ:
بِالزَّنْجِيِّ، بِالضِّدِّ.
قَالَ أَحْمَدُ الأزرقي: كان فقيهًا، عابدًا، يصوم الدهر.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 499"، والتاريخ الكبير "7/
ترجمة 1097"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 51"،
والضعفاء الكبير للعقيلي "4/ ترجمة 1719"، الجرح والتعديل
"8/ ترجمة 800"، والكامل لابن عدي "6/ ترجمة 1797"، تذكرة
الحفاظ "1/ ترجمة 241"، والكاشف "3/ ترجمة 5510"، والعبر
"1/ 277 و343"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 8485" وتهذيب
التهذيب "10/ 128"، وتقريب التهذيب "2/ 245"، وخلاصة
الخزرجي "3/ ترجمة رقم 6964"، وشذرات الذهب لابن العماد
الحنبلي "1/ 294".
2 هو أحد القراء السبعة، كان إمامًا لأهل مكة في القراءة.
توفي سنة "120هـ".
(7/228)
قُلْتُ: تَفَقَّهَ بَابْنِ جُرَيْجٍ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: كَانَ فَقِيْهَ مَكَّةَ،
وَكَانَ أَشقَرَ مِثْلَ البَصَلَةِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: إِمَامٌ فِي العِلْمِ
وَالفِقْهِ، كَانَ أَبْيَضَ بِحُمْرَةٍ، وَلُقِّبَ
بِالزَّنْجِيِّ لِحُبِّهِ لِلتَّمْرِ. قَالَتْ لَهُ
جَارِيَتُهُ: مَا أَنْتَ إِلاَّ زَنْجِيٌّ.
مِنْ "الجَعْدِيَّاتِ": حَدَّثَنَا الزَّنْجِيُّ بنُ
خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي
صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا دَخَلَ
أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيْهِ المُسْلِمِ، فَإِنْ سَقَاهُ
شَرَاباً، فَلْيَشْرَبْ مِنْ شَرَابِهِ وَلاَ يَسْأَلْهُ
عَنْهُ فَإِنْ خَشِيَ مِنْهُ، فَلْيَكْسِرْهُ بِالمَاءِ"
1.
هَذَا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ.
قُلْتُ: مَاتَ سنة ثمانين ومائة.
__________
1 حسن: أخرجه أحمد "2/ 399"، وأبو يعلى "6358"، والطحاوي
في "شرح مشكل الآثار" "4/ 222"، والطبراني في "الأوسط"
"2461" و"5301"، وابن عدي في "الكامل" "6/ 309"، والحاكم
"4/ 126"، والبيهقي في "شعب الإيمان" "5801"، والخطيب في
"تاريخ بغداد" "3/ 87-88" من طرق عن مسلم بن خالد، عن زيد
بن أسلم، عَنْ سُمَيّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم،
فأطعمه طعاما، فليأكل من طعامه، ولا يسأله عنه، وإن سقاه
شرابا من شرابه، فليشرب من شرابه ولا يسأله عنه".
قلت: إسناده ضعيف، آفته مسلم بن خالد الزنجي، فإنه ضعيف.
وسمي، هو مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وقد سقط
سمي هذا من إسناد المؤلف كما ترى. وقد روى الحديث من وجه
آخر عند الحاكم "4/ 126" من طريق بشر بن موسى، عن الحميدي،
عن سفيان بن عيينة، عن ابن عجلان، عن سعيد، عن أبي هريرة،
به مرفوعا. وإسناده حسن.
(7/229)
1193- سُلَيْمَانُ الخوَّاص 1:
مِنَ العَابِدِيْنَ الكِبَارِ بِالشَّامِ، قَالَ مُحَمَّدُ
بنُ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيُّ: كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ فِيْهِ
الأَوْزَاعِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ،
وَسُلَيْمَانُ الخواص، فذكر الأَوْزَاعِيُّ الزُّهَّادَ،
فَقَالَ: مَا نَزِيْدُ أَنْ نُرِيْدَ مِثْلَ هَؤُلاَءِ.
فَقَالَ سَعِيْدٌ: مَا رَأَيْتُ أَزْهَدَ مِنْ سُلَيْمَانَ
الخَوَّاصِ، وَمَا شَعَرَ أَنَّهُ فِي المَجْلِسِ،
فَقنَّعَ سُلَيْمَانُ رَأْسَهُ، وَقَامَ. فَأَقْبَلَ
الأَوْزَاعِيُّ عَلَى سَعِيْدٍ، وَقَالَ: وَيْحَكَ! لاَ
تَعقِلُ مَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِكَ! تُؤْذِي جَلِيْسَنَا
تُزَكِّيهِ فِي وَجْهِهِ.
وَقِيْلَ لِسُلَيْمَانَ: قَدْ شَكَوْكَ أَنَّك تَمُرُّ،
وَلاَ تُسَلِّمُ. قَالَ: وَاللهِ، مَا ذَاكَ لِفَضْلٍ
أَرَاهُ عِنْدِي، وَلَكِنِّي شِبْهُ الحُشِّ إِذَا
ثَوَّرْتَه ثَارَ، وَإِذَا جلَسْتُ مَعَ النَّاسِ، جَاءَ
مِنِّي مَا أُرِيْدُ وَمَا لاَ أُرِيْدُ.
وَيُقَالُ: إِنَّ سَعِيْدَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ زَارَ
الخوَّاصَ لَيْلَةً فِي بَيْتِهِ بِبَيْرُوْتَ، فَرَآهُ
فِي الظُّلْمَةِ، فَقَالَ: ظُلْمَةُ القَبْرِ أَشَدُّ.
فَأَعْطَاهُ دَرَاهِمَ، فَرَدَّهَا، وَقَالَ: أَكرَهُ أَنْ
أُعَوِّدَ نَفْسِي مِثْلَ دَرَاهِمِكَ، فَمَنْ لِي
بِمِثْلِهَا إِذَا احْتَجْتُ. فَبَلَغَ ذَلِكَ
الأَوْزَاعِيَّ، فَقَالَ: دعُوْهُ، فَلَو كَانَ فِي
السَّلَفِ، لَكَانَ علامة.
__________
1 ترجمته في حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني "8/ 276".
(7/230)
1194- سَلْم بنُ مَيْمُوْنٍ 1:
الخوَّاص، هُوَ أَصْغَرُ مِنْ سُلَيْمَانَ الخَوَّاصِ.
حَدَّثَ عَنْ: مَالِكٍ، وَالقَاسِمِ بنِ مَعْنٍ،
وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ.
رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ ثَعْلَبَةَ، وَعَمْرُو بنُ
أَسْلَمَ الطَّرَسُوْسِيُّ، وَغَيْرُهُمَا.
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيُّ:
رَأَيْتُ كَأَنَّ القِيَامَةَ قَدْ قَامتْ، وَكَأَنَّ
مُنَادِياً يُنَادِي: أَلاَ لِيَقُمِ السَّابِقُوْنَ.
فَقَامَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، ثُمَّ نَادَى: ألا ليقم
السَّابِقُوْنَ. فَقَامَ سَلْمٌ الخَوَّاصُ، ثُمَّ قَامَ
إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدهُم.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ ثَعْلَبَةَ: سَمِعْتُ سَلْماً
الخَوَّاصَ، قَالَ: قُلْتُ لِنَفْسِي: يَا نَفْسُ،
اقْرَئِي القُرْآنَ كَأَنَّكِ سَمِعْتِيْهِ مِنَ اللهِ
حِيْنَ تَكَلَّمَ بِهِ، فَجَاءتِ الحَلاَوَةُ.
بَقِيَ سَلْمٌ إِلَى مَا بَعْدَ سَنَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ
وَمَائَتَيْنِ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: أَدْرَكْتُهُ، وَكَانَ
مُرْجِئاً لاَ يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ.
قُلْتُ: وَرَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بنُ عَوف الطَّائِيُّ،
وَيُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى. نَزَلَ الرملة.
__________
1 ترجمته في الضعفاء الكبير للعقيلي "2/ ترجمة 679"،
والجرح والتعديل "4/ ترجمة 1150" والمجروحين لابن حبان "1/
345"، وحلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني "8/ ترجمة 408"،
وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 3381".
(7/230)
1195- صالح بن
موسى 1: "ت، ق"
ابن عبد الله بن إِسْحَاقَ بنِ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ
اللهِ التَّيْمِيُّ، الطَّلْحِيُّ، الكُوْفِيُّ. لَيْسَ
بِحُجَّةٍ.
رَوَى عَنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ رُفيع، وَعَاصِمِ بنِ
بَهْدَلَةَ، وَأَبِي حَازِمٍ الأَعْرَجِ، وَعَمِّهِ
مُعَاوِيَةَ بنِ إِسْحَاقَ.
وَعَنْهُ: قُتَيْبَةُ ومِنْجَاب بنُ الحَارِثِ، وَسُوَيْدُ
بنُ سَعِيْدٍ، وَدَاوُدُ بنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ،
وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ معين: لا يكتب حديثه.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ عِنْدِي مِمَّنْ لاَ
يَتعَمَّدُ الكَذِبَ.
وَقَالَ الجُوْزَجَانِيُّ ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ عَلَى حسنه.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "4/ ترجمة 2864"، المعرفة
والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 42"، والضعفاء الكبير للعقيلي
"2/ ترجمة 730"، والجرح والتعديل "4/ ترجمة 1825"،
والمجروحين لابن حبان "1/ 369"، الكامل لابن عدي "4/ ترجمة
918"، والأنساب للسمعاني "8/ 246"، والكاشف "2/ ترجمة
2386"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 3831"، وتهذيب التهذيب
"4/ 404"، وتقريب التهذيب "1/ 363"، وخلاصة الخزرجي "1/
ترجمة رقم "3059".
(7/231)
1196- زهير بن
معاوية 1: "ع"
ابن حُديج، بن الرُّحَيل، الحَافِظُ، الإِمَامُ،
المُجَوِّدُ، أَبُو خَيْثَمَةَ الجُعْفِيُّ، الكُوْفِيُّ،
مُحَدِّثُ الجَزِيْرَةِ، وَهُوَ أَخُو حُدَيْجٍ،
وَالرُّحَيْلِ.
كَانَ من أوعية العلم، صاحب حفظ وإتقان.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 376"، والتاريخ الكبير "3/
ترجمة 1419" والكنى للدولابي "1/ 169"، والجرح والتعديل
"3/ ترجمة 2674"، تذكرة الحفاظ "1/ ترجمة رقم 219"، والعبر
"1/ 263"، والكاشف "1/ ترجمة 1684"، ميزان الاعتدال "2/
ترجمة 2921"، جامع التحصيل للحافظ العلائي "ترجمة 203"،
تهذيب التهذيب "3/ 251"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2173"،
وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 282".
(7/231)
وَسَنَةُ مَوْلِدِهِ فِي خَمْسٍ
وَتِسْعِيْنَ.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيِّ،
وَزُبَيْدِ بنِ الحَارِثِ اليَامِيِّ، وَزِيَادِ بنِ
عِلاَقَةَ، وَالأَسْوَدِ بنِ قَيْسٍ، وَسِمَاكِ بنِ
حَرْبٍ، وَالحَسَنِ بنِ الحُرِّ، وَمَنْصُوْرِ بنِ
المُعْتَمِرِ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ المَكِّيِّ، وَحُمَيْدٍ
الطَّوِيْلِ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَأَبَانِ بنِ
تَغْلِبَ، وَعَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ
عُمَرَ، وَكِنَانَةَ مَوْلَى صَفِيَّةَ، حَدَّثَه عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ: كُنْتُ مِمَّنْ حَمَلَ
الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ جَرِيْحاً مِنْ دَارِ عُثْمَانَ،
وَقُدْتُ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، لِتَرُدَّ عَنْ
عُثْمَانَ, فَلَقِيَهَا الأَشْتَرُ, فَضَرَبَ وَجْهَ
بَغْلَتِهَا، حَتَّى مالت فقالت: ردوني لا يفضحني هذا
الكَلْبُ. قَالَ: فَوَضَعتْ خَشباً بَيْنَ مَنْزِلِهَا
وَبَيْنَ مَنْزِلِ عُثْمَانَ، تَنقُلُ عَلَيْهِ الطَّعَامَ
وَالشَّرَابَ.
أَنْبَأَنَا بِهَذَا: الفَخْرُ بنُ البُخَارِيِّ،
أَخْبَرَنَا ابْنُ طَبَرْزَدْ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ هَزَارَمَرْدَ، أَخْبَرَنَا
ابْنُ حَبَابَةَ، أَخْبَرَنَا البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ كِنَانَة،
فَذَكَرَهُ.
وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ،
وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُهَاجِرٍ،
وَعُرْوَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ قُشَيْرٍ، وَعَبْدِ
العَزِيْزِ بنِ رُفيع، وَآخَرِيْنَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سَمِعْتُ يَحْيَى
بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: زُهَيْرٌ أَحْفَظُ مِنْ
إِسْرَائِيْلَ، وَهُمَا ثِقَتَانِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: وَسَمِعْتُ سَعِيْدَ بنَ
قُديد, سَمِعْتُ شُعَيْبَ بنَ حَرْبٍ يَقُوْلُ: كُنْتُ
مَعَ زُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ بِالبَصْرَةِ، فَقَالَ: يَا
شُعَيْبُ! أَنَا لاَ أَكْتُبُ حَدِيْثاً إِلاَّ بِنِيَّةٍ.
فَأَقَمْنَا بِالبَصْرَةِ، فَمَا كَتَبنَا إِلاَّ
حَدِيْثاً وَاحِداً.
قَالَ يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ: سَمِعْتُ حَمِيْداً
الرُّؤَاسِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ زُهَيْرٌ إِذَا سَمِعَ
الحَدِيْثَ مِنَ المُحَدِّثِ مَرَّتَيْنِ، كَتَبَ
عَلَيْهِ: فرغتُ.
وَقَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: إِذَا سَمِعْتُ الحَدِيْثَ
مِنْ زُهَيْرٍ، لاَ أُبالِي أَنْ لاَ أَسْمَعهُ مِنْ
سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ العَابِدُ: حَدَّثَنَا
شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ يَوْماً بِحَدِيْثٍ عَنْ زُهَيْرٍ،
وَشُعْبَةَ، فَقِيْلَ لَهُ: تُقَدِّمُ زُهَيْراً عَلَى
شُعْبَةَ?! قَالَ: كَانَ زُهَيْرٌ أَحْفَظَ مِنْ
عِشْرِيْنَ مِثْلِ شُعْبَةَ. ثُمَّ قَالَ: جَاءَ زُهَيْرٌ
إِلَى شُعْبَةَ، فَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيْثٍ فِيْهِ طُوْلٌ،
أَنْ يُمِلَّهُ عَلَيْهِ، فَأَبَى شُعْبَةُ، وَقَالَ:
أَنَا أُرَدِّدُهُ عَلَيْكَ حَتَّى تَحْفَظَهُ، فَقَالَ
زُهَيْرٌ: أَنَا أَرْجُو أَنْ أَحْفَظَهُ وَلَكِنْ إِلَى
أَنْ أَبلُغَ البَيْتَ يَعرضُ لِيَ الشَّكُّ.
(7/232)
قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَا،
فَأَرِحْنِي وَاسْتَرِحْ مِنِّي. قَالَ: يَقُوْلُ
شُعْبَةُ: لاَ وَاللهِ، لاَ تُمِلُّنِي بِلِسَانٍ أَلثَغَ.
وَحَكَاهُ: شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ.
عَبَّاسٌ الدُّوري: قُلْتُ لِيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ:
زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَأَبُو عَوَانَةَ، فَكَأَنَّهُ
سَاوَى بَيْنَهُمَا. قُلْتُ: فَزَائِدَةُ بنُ قُدَامَةَ?
قَالَ: هُوَ أَثبَتُ مِنْ زُهَيْرٍ. قُلْتُ: يَقُوْلُوْنَ
عَرَضَ زَائِدَةُ كُتُبَهُ عَلَى سُفْيَانَ. قَالَ: مَا
بَأْسَ بِذَلِكَ، كَانَ يُلقي السَّقط، وَلاَ يَزِيْدُ فِي
كُتُبِهِ. فَقِيْلَ لِيَحْيَى: أَيُّهُمَا أَثبَتُ،
زُهَيْرٌ أَوْ وُهَيْبُ بنُ خَالِدٍ? فَقَالَ: مَا
فِيْهِمَا إِلاَّ ثَبتٌ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ جُرَيْجٍ، وَابْنُ
إِسْحَاقَ -وَهُمَا مِنْ شُيُوْخِهِ- وَزَائِدَةُ، وَابْنُ
المُبَارَكِ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو دَاوُدَ
الطَّيَالِسِيُّ، وَالحَسَنُ الأَشْيَبُ، وَيَحْيَى بنُ
أَبِي بُكَيْرٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ
النُّفَيْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ، وَيَحْيَى بنُ
يَحْيَى النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَأَبُو الوَلِيْدِ
الطَّيَالِسِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَيَحْيَى بنُ
آدَمَ، وَالهَيْثَمُ بنُ جَمِيْلٍ، وَسَعِيْدُ بنُ
مَنْصُوْرٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ وَاقِدٍ،
وَخَلْقٌ مِنْ آخِرِهِم، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَمْرٍو
البَجَلِيُّ، شَيْخُ أَبِي عَرُوْبَةَ الحَرَّانِيِّ.
قَالَ الخَطِيْبُ فِي كِتَابِ "السَّابِقِ وَاللاَّحِقِ":
آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْ زُهَيْرٍ: عَبْدُ السَّلاَمِ بنُ
عَبْدِ الحَمِيْدِ الحَرَّانِيُّ، شَيْخٌ، بَقِيَ إِلَى
سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمَائَتَيْنِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ
مِنْ مَعَادِنِ العِلْمِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ
الرَّازِيُّ: زُهَيْرٌ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ
إِسْرَائِيْلَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، إِلاَّ فِي حَدِيْثِ
جَدِّهِ أَبِي إِسْحَاقَ. قِيْلَ لأَبِي حَاتِمٍ:
فَزَائِدَةُ وَزُهَيْرٌ? قَالَ: زهير أتقن، وهو صاحب
سُنَّةٍ، غَيْرَ أَنَّهُ تَأَخَّرَ سَمَاعُهُ مِنْ أَبِي
إِسْحَاقَ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: سَمِعَ زُهَيْرٌ مِنْ
أَبِي إِسْحَاقَ بَعْدَ الاخْتِلاَطِ، وَهُوَ ثِقَةٌ.
قِيْلَ: تَحَوَّلَ زُهَيْرٌ إِلَى الجَزِيْرَةِ فِي سَنَةِ
أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ، وَضَرَبَهُ الفَالِجُ
قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ أَوْ أَزْيَدَ، وَلَمْ
يَتَغَيَّرْ، وَللهِ الحَمْدُ.
قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ لِبَعْضِ الطَّلَبَةِ:
عَلَيْكَ بِزُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ، فَمَا بِالكُوْفَةِ
مِثْلُهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ، وَعَمْرُو
بنُ خَالِدٍ الحَرَّانِيُّ: تُوُفِّيَ زُهَيْرٌ سَنَةَ
ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ النُّفَيْلِيُّ: فِي رَجَبٍ. وَبَعْضُهُم، قَالَ:
تُوَفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ -وَهُوَ وَهْمٌ-
وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الثمانين.
وقع لي من عواليه: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي المَعَالِي
أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ الأَبَرْقُوْهِيِّ، أَخْبَرَكُم
الفتح
(7/233)
ابن عَبْدِ السَّلاَمِ بِبَغْدَادَ،
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، حَدَّثَنَا عِيْسَى
بنُ عَلِيٍّ الوَزِيْرُ إِملاَءً سَنَةَ تِسْعٍ وثمانين
وثلاثمائة، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ
مُحَمَّدٍ إِملاَءً، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ،
أَخْبَرَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ سِمَاكٍ، وَزِيَادِ بنِ
عِلاَقَةَ، وَحُصَيْنٍ، كُلُّهُم عَنْ جَابِرِ بنِ
سَمُرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: "يَكُوْنُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ
أَمِيْراً". ثُمَّ تَكلَّمَ بِشَيْءٍ لَمْ أَفْهَمْهُ.
وَقَالَ بَعْضُهُم فِي حَدِيْثِهِ: فَسَأَلْتُ أَبِي.
وَقَالَ بَعْضُهُم: فَسَأَلْتُ القَوْمَ، فَقَالُوا:
"كُلُّهُم مِنْ قريش" 1.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَزَيْنَبُ
بِنْتُ كِنْدِيٍّ، عَنْ زَيْنَبَ الشَّعْرِيَّةِ،
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي القَاسِمِ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الغَافِرِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا
بِشْرُ بنُ أَحْمَدَ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا
دَاوُدُ بنُ الحُسَيْنِ البَيْهَقِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى
بنُ يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو
خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي جَابِرٍ،
قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، فَمُطِرْنَا، فَقَالَ:
$"لِيُصَلِّ مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فِي رَحْلِهِ"2،
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَحْيَى.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ فِي كِتَابِهِ،
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ
الصَّرِيْفِيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ
حَبَابَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ،
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ مِنْ حِفْظِهِ،
أَخْبَرَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَ
رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ: يَا أَبَا عُمَارَةَ أَكُنْتُمْ يَوْم
حُنَيْنٍ وَلَّيْتُم? قَالَ: لاَ وَاللهِ مَا وَلَّى
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَلَكِنَّا لَقِيْنَا قَوْماً رُمَاةً، لاَ يَكَادُ
يَسْقُطُ لَهُم سَهْمٌ: جَمْعَ هَوَازِنَ، فَرَشَقُونَا
رَشْقاً، مَا يَكَادُوْنَ يُخْطِئُوْنَ، فَأَقْبَلُوا
هُنَاكَ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وهو على بغلته البيضاء3.
وَبِهِ، إِلَى زُهَيْرٍ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ نوف،
قال: كان طول سرير عوج ثمانمائة ذراع
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "7222"، ومسلم "1821" "6" من طريق
عبد الملك بن عمر، عن جابر بن سمرة، به.
وأخرجه أحمد "5/ 90 و95 و99 و108"، ومسلم "1821" "7"،
والترمذي "2223" من طريق سماك ابن حرب، عن جابر، به.
وأخرجه أحمد "5/ 92"، وأبو داود "4281"، والبيهقي في
"الدلائل" "6/ 520"، والطبراني في "الكبير" "2095" من طرق
عن زهير بن معاوية، عن زياد بن خيثمة، حدثنا الأسود بن
سعيد الهمداني، عن جابر بن سمرة، به.
2 صحيح: أخرجه مسلم "698" "25" من طريق يحيى بن يحيى، به.
3 صحيح: أخرجه البخاري "2930"، ومسلم "1776" "78" من طرق
عن زهير بن محمد، به.
(7/234)
فِي عَرْضِ نِصْفِ ذَلِكَ، وَكَانَ مُوْسَى
-عَلَيْهِ السَّلاَمُ- طُوْلُهُ عَشْرَةُ أَذْرُعٍ،
وَعَصَاهُ عَشْرَةٌ، وَوَثْبَتُهُ حِيْنَ وَثَبَ ثَمَانُ
أَذْرُعٍ، فَأَصَابَ كَعْبَهُ، فَخَرَّ عَلَى نِيلِ
مِصْرَ، فَجَسَّرَهُ النَّاسُ عَاماً يَمُرُّوْنَ عَلَى
صُلْبِهِ وَأَضْلاَعِهِ1.
وَبِهِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عن ابن أبي ملكية: أَنَّ
عَائِشَةَ كَانَتْ تَصُومُ الدَّهْرَ وَأَيَّامَ
التَّشْرِيْقِ2.
وَبِهِ، أَخْبَرَنَا الزُّبَيْرُ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
فِي جَمِيْع ظَنِّي، وَلَسْتُ أَشُكُّ أَنَّهُ: عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
"إِذَا مُيِّزَ أَهْلُ الجَنَّةِ، فَدَخَلُوا الجَنَّةَ
وَدَخَلَ أَهْلُ النَّارِ النَّارَ, قَامَتِ الرُّسُلُ
فَشَفَعُوا، فَيَقُوْلُ -عَزَّ وَجَلَّ: انْطَلِقُوا،
فَمَنْ عَرَفْتُمْ فَأَخْرِجُوْهُ فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدِ
امْتَحَشُوا فَيُلْقَوْنَ عَلَى نَهْرٍ -أَوْ فِي نَهْرٍ-
يُقَالُ لَهُ: الحَيَاةُ، فَتَسْقُطُ مُحَاشُهُم عَلَى
حَافَتَي النَّهْرِ، وَيَخْرُجُونَ بِيْضاً مِثْلَ
الثَّعَارِيْرِ، فَيَشفَعُوْنَ فَيَقُوْلُ: اذْهَبُوا أَوِ
انْطَلِقُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ قِيْرَاطاً
مِنْ إِيْمَانٍ، فَأَخْرِجُوْهُ فَيُخْرِجُونَ بَشَراً
كَثِيْراً، ثُمَّ يَشْفَعُوْنَ، فَيَقُوْلُ: اذْهَبُوا
فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ حَبَّةً مِنْ خَرْدَلٍ
مِنْ إِيْمَانٍ، فَأَخْرِجُوْهُ. فَيُخْرِجُونَ بَشَراً
كَثِيْراً ثُمَّ يَقُوْلُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ: الآنَ
أُخْرِجُ بِعِلْمِي وَرَحْمَتِي، فَيُخْرِجُ أَضْعَافَ مَا
أَخْرَجُوا وَأَضْعَافَهُ، فَيُكْتَبُ فِي رِقَابِهِمْ:
عُتَقَاءُ اللهِ، ثم يدخلون الجنة فيسمون فيها: الجهنميين"
3.
__________
1 هذا الخبر من الإسرائيليات، رواه نوف البكالي، وهو ربيب
كعب الأحبار وقد أخذ عنه الإسرائيليات، وهذا منها. وقصة
عوج بن عنق ذكر ابن القيم، وابن كثير أنها باطلة كما قد
ذكره ابن حجر الفقيه في "الفتاوى الحديثية" "ص188".
2 ضعيف: آفته أَبُو الزُّبَيْرِ، مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمِ
بنِ تَدْرُسَ المكي، مدلس، مشهور بالتدليس وقد عنعنه.
3 صحيح لغيره: أخرجه أحمد "3/ 325-326" حدثنا أبو النصر،
حدثنا "زهير"، حدثنا أبو الزبير، عن جابر، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته أبو الزبير، وهو محمد بن مسلم بن
تدرس المكي، وهو مدلس، مشهور بالتدليس، وقد عنعنه. ووقع
عند أحمد "ابن زهير"، وهو تصحيف. وإنما هو زهير بن معاوية.
وأبو النضر، هو هاشم بن القاسم.
وأخرجه مختصرا أحمد "3/ 379" حدثنا زيد بن الحُباب، حدثنا
الحسين بن واقد الليثي، حدثني أبو الزبير، حدثني جابر
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقول: "إن أقواما يخرجون من النار بعدما محشوا
فيها، فينطلق بهم إلى نهر في الجنة يقال له: نهر الحياة،
فيغتسلون فيه، فيخرجون منه أمثال الثغارير".
قلت: إسناده حسن، فيه الحسين بن واقد، صدوق لا بأس به، روى
له البخاري تعليقا، ومسلم متابعة، وأصحاب السنن.
وقوله: "بعدما محشوا": أي أحرقوا. =
(7/235)
وبه: إلى زهير، عن زوجته -ورغم أَنَّهَا
صَدُوْقَةٌ- أَنَّهَا سَمِعَتْ مُلَيْكَةَ بِنْتَ عَمْرٍو
-وَذَكَرَ أَنَّهَا رَدَّتِ الغَنَمَ عَلَى أَهْلِهَا فِي
إِمْرَةِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ: أَنَّهَا وَصَفَتْ لَهَا
مِنْ وَجَعٍ بِهَا, سَمْنَ بَقَرٍ وَقَالَتْ: إِنَّ
رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:
"ألبانها شفاء، وسمنها دواء، ولحمها داء"1.
__________
= وقوله: "أمثال الثعارير": وهي القثاء الصغار، ووجه الشبه
سرعة النماء. وأخرجه أبو عوانة "1/ 139" من طريق ابْنُ
جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، بنحوه،
وأخرجه مختصرا مسلم "191" "320" من طريق يزيد الفقير، عن
جابر، بنحوه.
وورد عن عمرو بن دينار، عن جابر مرفوعا: "إن الله يخرج
قوما من النار بالشفاعة" أخرجه البخاري "6558"، ومسلم
"191" "317"، وابن أبي عاصم في "السنة" "841"، والآجري في
"الشريعة" "344" وابن خزيمة في "التوحيد" "ص277" من طرق عن
حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، به.
وفي الباب عن أبي سعيد الخدري: عند أحمد "3/ 11 و78-79"،
ومسلم "185"، وابن ماجه "4309" والدارمي "2/ 331"، وابن
خزيمة في "التوحيد" "ص274 و279 و280 و281"، وابن منده "829
و830 و832"، وأبي عوانة "1/ 186" من طريق أبي مسلمة، عن
أبي نضرة، عن أبي سعيد.
1 ضعيف: أخرجه الطبراني في "الكبير" "25/ حديث 79"،
والبغوي في "حديث علي بن الجعد" "11/ 122/ 1" من طريق زهير
-يعني ابن معاوية- حدثتني امرأة من أهلي عن مليكة بنت عمرو
الزيدية، به.
قلت: إسناده ضعيف لإبهام المرأة الراوية عن مُليكة. ولكن
للحديث شاهد عن ابن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم-
قال: "عليكم بألبان البقر وسمنانها وإياكم ولحومها فإن
ألبانها وسمنانها دواء وشفاء ولحومها داء".
أخرجه الحاكم "4/ 404" من طريق معاذ بن المثنى العنبري،
حدثنا سيف بن مسكين، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله
المسعودي، عن الحسن بن سعد، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن
مسعود، عن أبيه، به.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد. وتعقبه الذهبي بقوله: "سيفٌ
وهاهُ ابنُ حبانَ".
قلت: إسناده ضعيف جدا، فيه سيف بن مسكين السلمي، قال: ابن
حبان في "المجروحين" "1/ 343": "يأتي بالمقلوبات والأشياء
الموضوعات لا يحل الاحتجاج به لمخالفته الأثبات في
الروايات على قلتها". والعلة الثانية: الانقطاع بين عبد
الرحمن بن عبد الله مسعود، وأبيه فقد مات أبوه وله نحو ست
سنين. وقال ابن معين في رواية: لم يسمع من أبيه.
(7/236)
1197- زهير بن
محمد 1: "ع"
التميمي، الحَافِظُ، المُحَدِّثُ، أَبُو المُنْذِرِ
المَرْوَزِيّ، الخَرَقِيُّ -بِفَتْحَتَيْنِ- مِنْ قَرْيَةَ
خَرَقَ، الخُرَاسَانِيُّ، نَزِيلُ الشَّامِ، ثُمَّ
نَزِيْلُ مَكَّةَ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ هَرَوِيٌّ.
حَدَّثَ عَنْ: مُوْسَى بنِ وَرْدَان المِصْرِيِّ -صَاحِبِ
أَبِي هُرَيْرَةَ- وابن أبي مُلَيْكَةَ، وَعَمْرِو بنِ
شُعَيْبٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَزَيْدِ بنِ
أَسْلَمَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ، وَابْنِ
عَقِيْلٍ، وَسُهَيْلٍ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ
بنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَرَوْحُ بنُ عُبَادَةَ،
وَعَمْرُو بنُ أَبِي سَلَمَةَ، وَأَبُو عَامِرٍ العَقَدي،
وَخَلْقٌ سِوَاهُم، وَأَبُو حُذَيْفَةَ النَّهْدِيُّ.
قَالَ البُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ: رَوَى عَنْهُ
الشَّامِيُّوْنَ مَنَاكِيْرَ.
قُلْتُ: وَكَذَا رَوَى عَنْهُ عَمْرُو بنُ أَبِي سَلَمَةَ
التَّنِّيسي مَنَاكِيْرَ، وَمَا هُوَ بِالقَوِيِّ وَلاَ
بِالمُتْقِنُ، مَعَ أَنَّ أَربَابَ الكُتُبِ السِّتَّةِ
خرَّجوا لَهُ.
وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو جَعْفَرٍ العُقيلي فِي
"الضُّعَفَاءِ"، فَنَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ،
قَالَ: هُوَ مُقَاربُ الحَدِيْثِ. وَقَالَ: كَأَنَّ
الَّذِي يَرْوِي عَنْهُ أَهْلُ الشَّامِ زُهَيْرٌ آخَرُ،
قُلِبَ اسْمُهُ.
وَرَوَى مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ
مَعِيْنٍ: خُرَاسَانِيٌّ، ضَعِيْفٌ.
ثُمَّ قَالَ العُقَيلي: وَمِنْ حَدِيْثِهِ: مَا حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بنُ النَّصِيْبِيِّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ
زَيْدٍ الخَطَّابِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمٍ،
حَدَّثَنَا زُهَيْر بنُ مُحَمَّدٍ أَبُو المُنْذِرِ،
حَدَّثَنَا سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "صُوْمُوا تَصِحُّوا،
وَسَافِرُوا تَصِحُّوا، وَاغْزُوا تَغْنَمُوا"2. ثُمَّ
قَالَ: لاَ يُتَابَعُ عَلَيْهِ إِلاَّ مِنْ وَجْهٍ فِيْهِ
لِيْنٌ.
قَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بالقوي.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "3/ ترجمة 1420"، المعرفة
والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 347" و"2/ 757"، والكنى
للدولابي "2/ 131"، والجرح والتعديل "3/ ترجمة 2675"،
وتهذيب تاريخ دمشق "5/ 397"، والعبر "1/ 239"، والكاشف "1/
ترجمة 1682"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 2918"، وتهذيب
التهذيب "3/ 348"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2171"، وشذرات
الذهب "1/ 256".
2 ضعيف: قال الحافظ العراقي في "تخريج الاحياء" "3/ 75":
"رواه الطبراني في "الأوسط" "8312"، وأبو نعيم في "الطب
النبوي" من حديث أبي هريرة بسند ضعيف". والحديث أورده
الهيثمي في "مجمع الزوائد" "3/ 179"، والحافظ المنذري في
"الترغيب" "2/ 60" من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: "اغزوا
تغنموا، وصوموا تصحوا، وسافروا تستغنوا".
وقالا: "رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات".
قلت: هذا تساهل منهما -رحمهما الله تعالى، فإن قوله رجاله
ثقات لا تعني صحة السند فإن ذلك لا يخفى على طلبة علم
الحديث فقد يكون في السند علة خفية توجب ضعفه وهذا معلوم
معروف عند أكابر وصغار طلبة الحديث الشريف.
وقد بالغ الصغاني في كتابه "الموضوعات" "ص7" حين قال:
"وهذا الحديث موضوع". وقد ذكر أحمد "2/ 280" الحديث من
حديث أبي هريرة: "سافروا تصحوا، واغزوا تستغنوا"، وإسناده
ضعيف فيه ابن لهيعة، ضعيف لسوء حفظه، وفيه درَّاج، وهو
صاحب مناكير.
(7/236)
وَقَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ: ثِقَةٌ،
لَهُ أَغَالِيطُ.
وَرَوَى أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ.
وَقَالَ مَرَّةً: صَالِحٌ.
وَقَالَ عَبَّاسٌ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: زُهَيْرُ
بنُ مُحَمَّدٍ ثِقَةٌ.
وَرَوَى حَنْبَلٌ، عَنْ أَحْمَدَ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْهُ،
فَقَالَ: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ، وَفِي حِفْظِهِ سُوءٌ،
وَمَا حَدَّثَ بِهِ مِنْ كُتُبِهِ فَهُوَ صَالِحٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنَّهُ لاَ بَأْسَ به.
وقال ابن نافع: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ
وَمائَةٍ.
أَخْبَرَنَا مَنْ سَمِعَ ابْنَ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا
اللَّبَّانِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا
أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ فَارِسٍ، حَدَّثَنَا
يُوْنُسُ بنُ حَبِيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ،
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنِي مُوْسَى
بنُ وَرْدَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُوْلُ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "المَرْءُ
عَلَى دِيْنِ خَلِيْلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ
يُخَالِلُ" 1.
هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ، عَالٍ. أَخْرَجَهُ: أَبُو
دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، عَنْ بُنْدَارٍ، عَنْ أَبِي
دَاوُدَ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلْتُ مُحَمَّداً عَنْ حَدِيْثِ
زُهَيْرِ بنِ محمد هذا، فَقَالَ: أَنَا أَتَّقِي هَذَا
الشَّيْخَ، كَأَنَّ حَدِيْثَهُ مَوْضُوْعٌ، وَلَيْسَ هَذَا
عِنْدِي بِزُهَيْرِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَكَانَ أَحْمَدُ بنُ
حَنْبَلٍ يُضَعِّفُ هَذَا الشَّيْخَ، وَيَقُوْلُ: هَذَا
شَيْخٌ يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنُوا قَلَبُوا اسْمَهُ.
فَهَذَا قَالَهُ عَقِيْبَ حَدِيْثِ: صَلَّى ابْنُ عُمَرَ
مَحْلُوْلَ الأَزْرَارِ، وَقَالَ: رَأَيْتُ نَبِيَّ الله
-صلى الله عليه وسلم- يفعله.
__________
1 حسن: أخرجه الطيالسي "2573"، ومن طريقه عبد بن حميد
"1431"، وأحمد "2/ 303 و334"، وأبو داود "4833"، والترمذي
"2378" والحاكم "4/ 171" من طريق زهير بن محمد، به.
قلت: إسناده حسن، موسى بن وردان، صدوق.
وأخرجه الحاكم "4/ 171" من طريق صدقة بن عبد الله، عن
إبراهيم بن محمد الأنصاري، عَنْ سَعِيْدِ بنِ يَسَار، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، به.
وقال الحاكم: صحيح إن شاء الله. وتعقبه الذهبي بقوله:
"كلا، فصدقة ضعيف، وشيخه مجهول".
(7/238)
1198- القاسم
بن معن 1: "د، س"
ابن عبد الرحمن بن صَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ،
الإِمَامُ الفَقِيْهُ، المُجْتَهِدُ، قَاضِي الكُوْفَةِ،
وَمُفْتِيْهَا فِي زَمَانِهِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ
الهُذَلِيُّ المَسْعُوْدِيُّ، الكُوْفِيُّ، أَخُو
الإِمَامِ أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ مَعْنٍ وُلِدَ بَعْدَ
سَنَةِ مائَةٍ.
وَحَدَّثَ عَنْ: مَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَحُصَيْنُ
بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ،
وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ،
وَطَائِفَةٍ سِوَاهُم.
رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو
نُعَيْمٍ ومُعَلَّى بنُ مَنْصُوْرٍ، وَأَبُو غَسَّانَ
النَّهْدِيُّ، وَالمُعَافَى بنُ سليمان، وعبد الله بن
الوليد العدني، ومِنْجَاب بنُ الحَارِثِ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ ثِقَةً، نَحْوِيّاً، أَخْبَارِيّاً، كَبِيْرَ
الشَّأْنِ، لَمْ يَأْخُذْ عَلَى القَضَاءِ مَعْلُوْماً.
نَقَلَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، كَانَ أَرْوَى النَّاسِ
لِلْحَدِيْثِ، وَالشِّعْرِ، وَأَعْلَمَهُم
بِالعَرَبِيَّةِ، وَالفِقْهِ.
قُلْتُ: وَكَانَ عَفِيْفاً، صَارِماً، مِنْ أَكْبَرِ
تَلاَمِذَةِ الإِمَامِ أَبِي حَنِيْفَةَ. أَخَذَ عَنْهُ
العَرَبِيَّةَ: مُحَمَّدُ بنُ زِيَادِ بنِ الأَعْرَابِيِّ،
وَوَلاَّهُ المَهْدِيُّ قَضَاءَ الكُوْفَةِ. وَقِيْلَ:
إِنَّهُ كَانَ يُقَالُ لَهُ: شَعْبِيُّ زَمَانِه.
رَوَى لَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ شَيْئاً
قَلِيْلاً.
وَتُوُفِّيَ فِي سَنَةِ خمس وسبعين ومائة.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 384"، والتاريخ الكبير "7/
765"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 790 و807"،
والجرح والتعديل "7/ ترجمة 687"، والعبر "1/ 268"، والكاشف
"2/ ترجمة 4603"، وتهذيب التهذيب "8/ 338-339"، وتقريب
التهذيب "2/ 121"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5811"، وشذرات
الذهب "1/ 286".
(7/239)
1199- يونس
1:
إِمَامُ النَّحْوِ. هُوَ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ
يُوْنُسُ بن حبيب الضبي مولاهم، البصري.
أَخَذَ عَنْ: أَبِي عَمْرٍو بنِ العَلاَءِ، وَحَمَّادِ بنِ
سَلَمَةَ.
وَعَنْهُ: الكَسَائِيُّ، وَسِيْبَوَيْه، وَالفَرَّاءُ،
وَآخَرُوْنَ.
وَعَاشَ ثَلاَثاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
أَرَّخَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ مَوْتَهُ: فِي سَنَةِ
ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَدْ لَقِيَ عَبْدَ اللهِ بنَ أَبِي إِسْحَاقَ،
فَسَأَلَهُ عَنْ لَفْظَةٍ، وَكَانَ لِيُوْنُسَ حَلْقَةٌ
يَنْتَابُهَا الطَّلَبَةُ وَالأُدَبَاءُ، وَفُصَحَاءُ
الأَعْرَابِ.
وذَكَرَهُ ثَعْلَبٌ، فَقَالَ: جَاوَزَ المائَةَ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ، وَلاَ تسرى.
وله تواليف في القرآن واللغات.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان "7/ 852".
(7/239)
1200- عبد العزيز بن مُسْلم 1: "خَ، م، د،
ت، س"
الإِمَامُ، العَابِدُ، الرَّبَّانِيُّ، أَبُو زَيْدٍ
القَسْمَلِيُّ، الخُرَاسَانِيُّ، ثُمَّ البَصْرِيُّ،
أَحَدُ الثِّقَاتِ.
حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، وَمَطَرٍ
الوَرَّاق، وَأَيُّوْبَ، وَأَبِي هَارُوْنَ العَبْدِيِّ،
وحصين بن عبد الرحمن، وعدة.
وروى عَنْهُ: العَقَدِيُّ، وَالقَعْنَبِيُّ، وَعُبَيْدُ
اللهِ بنُ عَائِشَةَ، وحفص بن عُمَر الحَوْضِيُّ، وَحَفْصُ
بنُ عُمَرَ الضَّرِيْرُ، وَشَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍ،
وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ: كَانَ مِنَ
العَابِدِيْنَ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ إِسْحَاقَ السَّيْلَحِيْنِيُّ:
سَمِعْتُ مِنْهُ، وَكَانَ مِنَ الأَبْدَالِ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ.
قَالَ العَيْشِيُّ: مات سنة سبع وستين ومائة.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "6/ ترجمة 1579"، المعرفة
والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 130" والكنى للدولابي "1/
180"، والضعفاء الكبير للعقيلي "2/ ترجمة 973"، والجرح
والتعديل "5/ ترجمة 1831"، والأنساب للسمعاني "1/ 149"،
والكاشف "2/ ترجمة 3457"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة
5130"، تهذيب التهذيب "6/ 356"، وتقريب التهذيب "1/ 512"،
وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4374".
(7/240)
أخوه المغيرة، سلم
الخاسر، أبو المليح:
1201- أخوه المغيرة 1: "ت، س، ق"
ابن مسلم القسملي السراج. كَانَ الأَكْبَرَ.
يَرْوِي عَنْ: عِكْرِمَةَ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ
المَكِّيِّ، وَفَرْقَدَ السَّبْخِيِّ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَشَبَابَةُ
بنُ سوَّار، وَإِسْحَاقُ بنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ،
وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ أَيْضاً.
تُوُفِّيَ فِي حُدُوْدِ السِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
1202- سَلْم الخَاسِرُ 2:
هُوَ مِنْ فُحُولِ الشُّعَرَاءِ، مِنْ تَلاَمذَةِ بَشَّارِ
بنِ بُرْدٍ. هُوَ: سَلْمُ بنُ عَمْرِو بنِ حماد.
مَدَحَ المَهْدِيَّ، وَالرَّشِيْدَ، وَعَكَفَ عَلَى
المَخَازِي، ثُمَّ نَسَكَ، ثُمَّ مَرَقَ، وَبَاعَ
مُصْحَفَهُ، وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ دِيْوَاناً، فَلُقِّبَ:
بِالخَاسِرِ. وَقَدْ أَجَازَهُ الرَّشِيْد مَرَّةً
بِمائَةِ أَلْفٍ. لاَ أَعْلَمُ فِي أَيِّ سَنَةٍ مات،
ولكنه مات قبل الرشيد.
1203- أبو المَليح 3: "د، ق"
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، أَبُو المَلِيْحِ الحَسَنُ بنُ
عُمَرَ الرَّقِّيُّ. وَيُقَالُ: الحَسَنُ بنُ عَمْرٍو.
حَجَّ، فَرَأَى عَطَاءَ بنَ أَبِي رَبَاحٍ، وَمَا أَظُنُّه
سَمِعَ مِنْهُ.
وَسَمِعَ مَيْمُوْنَ بنَ مِهْرَانَ، وَابْنَ شِهَابٍ
الزُّهْرِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ،
وَزِيَادَ بنَ بَيَانَ، وَطَائِفَةً.
وَعَنْهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ،
وَعَمْرُو بنُ خَالِدٍ الحَرَّانِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ
مَهْدِيٍّ المَصِّيْصِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ
النُّفَيْلِيُّ، وَعَبْدُ الجَبَّارِ بنُ عَاصِمٍ، وَأَبُو
نُعَيْمٍ عُبَيْدُ بنُ هِشَامٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ.
مَوْلِدُهُ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ تِسْعِيْنَ.
وَتُوُفِّيَ بِالرَّقَّة، فِي سَنَةِ إِحْدَى وثمانين
ومائة.
__________
1 ترجمته في الجرح والتعديل "8/ ترجمة 1031"، والكاشف "3/
ترجمة 5700"، وتاريخ الإسلام "6/ 302"، وجامع التحصيل
للحافظ العلائي "ترجمة 792"، وتهذيب التهذيب "10/ 268"،
وتقريب التهذيب "2/ ترجمة 253"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة
7164".
2 ترجمته في تاريخ بغداد "9/ 136"، والأغاني لأبي الفرج
الأصفهاني "19/ 214"، وفيات الأعيان "2/ 350".
3 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 484"، والتاريخ الكبير "2/
ترجمة 2537"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 172"
و"2/ 420"، والكنى للدولابي "2/ 129"، والجرح والتعديل "3/
ترجمة 103"، والكاشف "1/ ترجمة 1060"، والعبر "1/ 279"،
تهذيب التهذيب "2/ 309"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 1366"،
وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 295".
(7/241)
1204- قَزَعة بن سُوَيد 1: "ت، ق"
ابن حُجَير الباهلي، شَيْخٌ، عَالِمٌ، بَصْرِيٌّ، صَالِحُ
الحَالِ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ،
وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَحُمَيْدِ بنِ قَيْسٍ
الأَعْرَجِ.
وَعَنْهُ: مُسَدَّد، وقُتيبة، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ
الحَجَّاجِ السَّامِيُّ، ولُوَين، وَجَمَاعَةٌ.
مَشَّاهُ: ابْنُ عَدِيٍّ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: لَيْسَ بِذَاكَ القَوِيِّ.
وَلابْنِ مَعِيْنٍ فِيْهِ قَوْلاَنِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ضَعِيْفٌ.
توفي سنة بضع وسبعين ومائة.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 854"، والجرح
والتعديل "7/ ترجمة 782"، والمجروحين لابن حبان "2/ 216"،
والكاشف "2/ ترجمة 4647"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة رقم
6894"، تهذيب التهذيب "8/ 376"، وتقريب التهذيب "2/ 126"،
وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5855".
(7/242)
1205- بكر بن مُضَر 1: "ع سوى ق"
ابن محمد، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الفَقِيْهُ، الحجَّةُ،
أَبُو عَبْدِ المَلِكِ المِصْرِيُّ، مَوْلَى الأَمِيْرِ
شُرَحْبِيْلَ بنِ حَسَنَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وُلِدَ سَنَةَ مائَةٍ.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي قَبِيْلٍ المَعَافري، وَجَعْفَرِ
بنِ رَبِيْعَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ الهَادِ، وَمُحَمَّدِ بنِ
عَجْلاَنَ، وَعَمْرِو بنِ الحَارِثِ، وَجَمَاعَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: وَلدُهُ؛ إِسْحَاقُ بنُ بَكْرٍ، وَابْنُ
وَهْبٍ، وَابْنُ القَاسِمِ، وَقُتَيْبَةُ بنُ سعيد،
وآخرون.
وكان من الثقات العابدين.
وقال الحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بنُ القَاسِمِ لاَ يُقدِّمُ عَلَيْهِ أَحَداً مِنْ أَهْلِ
الفُسْطَاطِ، وَقَدْ رَأَيْتُهُ وَأَنَا حَدَثٌ،
فَحَدَّثَنِي ابْنُهُ إِسْحَاقَ، قَالَ: مَا كُنْت أَرَى
أَبِي يَجْلِسُ في البيت على طنفسة، وما كَانَ يَجْلِسُ
إِلاَّ عَلَى حَصِيْرٍ. وَكَانَ طَوِيْلَ الحُزْنِ،
وَأَحْيَاناً تَطِيْبُ نَفْسُهُ، فَيْفْرَحُ، فَرُبَّمَا
جَاءَ الرَّجُل يَسْأَلُهُ المَسْأَلَة، فَيُعلِّمُه،
وَيَرْجِعُ إِلَى حَالِهِ، وَيَتَغَيَّرُ، وَيَقُوْلُ: مَا
لِي وَلِهَذَا. فَنَقُوْل لَهُ: أَفَنَصْرِفُهُ?
فَيَقُوْلُ: أَوَ يَحِلُّ لِي?
وَرُبَّمَا جَاءهُ الأَحَدَاثُ يَطلُبُوْنَ مِنْهُ
الحَدِيْثَ، فَيَقُوْلُ لَهُم: تَعَلَّمُوا الوَرَعَ.
قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ وَغَيْرُهُ: تُوُفِّيَ يَوْم
عَرَفَةَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ, عَنْ عَبْدِ
المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ
إِسْمَاعِيْلَ، أَخْبَرَنَا مُحَلَّمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ
الضَّبِّيُّ، أَخْبَرَنَا الخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا
قُتَيْبَةُ بنُ سعيد، حدثنا بكر, عَنْ عَمْرِو بنِ
الحَارِثِ، عَنْ بُكَير، عَنْ يَزِيْدَ مَوْلَى سَلَمَةَ،
عَنْ سَلَمَةَ بنِ الأَكْوَع، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ
هَذِهِ الآيَةُ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ
طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البَقَرَةُ: 184] ، كَانَ مَنْ
أَرَادَ مِنَّا أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِيَ، حَتَّى
نَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا، فَنَسَخَتْهَا1.
أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ،
وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ،
فَوَافَقْنَاهُم بعلو درجة.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 517"، التاريخ الكبير "2/
ترجمة 1811"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 164 و437
و651"، الجرح والتعديل "1/ ترجمة 1529"، والكاشف "1/ ترجمة
643"، تذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 226"، تهذيب التهذيب "1/
487".
2 صحيح: أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ "4507"، وَمُسْلِمٌ
"1145"، وَأَبُو دَاوُدَ "2315"، وَالتِّرْمِذِيُّ "798"،
وَالنَّسَائِيُّ "4/ 190" من طريق قتيبة بن سعيد، عن بكر
بن مُضر، به.
(7/242)
1206- جعفر بن
سليمان 1: "م، 4"
الشَّيْخُ، العَالِمُ، الزَّاهِدُ، مُحَدِّثُ الشِّيْعَةِ،
أَبُو سُلَيْمَانَ الضُّبَعي، البَصْرِيُّ.
كَانَ يَنزِلُ فِي بَنِي ضُبَيْعَةَ، فَنُسِبَ إِلَيْهِم.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي عِمْرَانَ الجَوْنِيِّ، وَثَابِتٍ
البُنَانِيِّ، وَيَزِيْدِ الرَّشْك، وَمَالِكِ بنِ
دِيْنَارٍ، وَالجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ، وَخَلْقٍ
كَثِيْرٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: سَيَّارُ بنُ حَاتِمٍ الزَّاهِدُ،
وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، ومسدد بن مُسَرْهَدٍ، وَبِشْرُ بنُ
هِلاَلٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ،
وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ لُوَيْنُ، وَغَيْرُهُم.
وَكَانَ مِنْ عُبَّادِ الشِّيْعَةِ وَعُلَمَائِهِم، وَقَدْ
حَجَّ، وَتَوَجَّهَ إِلَى اليَمَنِ، فَصَحِبَهُ عَبْدُ
الرَّزَّاقِ، وَأَكْثَرَ عَنْهُ، وَبِهِ تَشَيُّعٌ.
وَيُرْوَى أَنَّ جَعْفَراً كَانَ يَتَرَفَّضُ، فَقِيْلَ
لَهُ: أَتَسُبُّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ? قَالَ: لاَ،
وَلَكِنْ بُغْضاً يَا لَكَ. فَهَذَا غَيْرُ صَحِيْحٍ
عَنْهُ.
وَقَالَ الحَافِظُ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: إِنَّمَا عَنَى
بِقَوْلِهِ: بُغْضاً يَا لَكَ: جَارَيْنِ لَهُ يُؤذِيَانِه
اسْمُهُمَا: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ.
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: أَكْثَرَ عَنْ ثَابِتٍ
البُناني، وَكَتَبَ عَنْهُ مَرَاسِيْلَ، فِيْهَا
مَنَاكِيْرُ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ، فِيْهِ ضَعْفٌ.
وَرَوَى مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ العَبْسِيُّ، عَنْ
يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: كَانَ يَحْيَى القَطَّانُ
لاَ يُحَدِّثُ عَنْ جَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَلاَ
يَكْتُبُ حَدِيْثَهُ، وَكَانَ عِنْدَنَا ثِقَةً.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ المِقْدَامِ: كُنَّا فِي مَجْلِسِ
يَزِيْدَ بنِ زُرَيْعٍ، فَقَالَ: مَنْ أَتَى جَعْفَرَ بنَ
سُلَيْمَانَ، وَعَبْدَ الوَارِثِ، فَلاَ يَقْرَبَنِّي.
قَالَ: وَكَانَ عبد الوارث ينسب إلى الاعتزال.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 288"، والتاريخ الكبير "2/
ترجمة 2162"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 169
و287" و"2/ 49 و76 و84"، والكنى للدولابي "1/ 194" والجرح
والتعديل "2/ ترجمة 1957"، تذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 227"،
والعبر "1/ 171"، والكاشف "1/ ترجمة 801"، وميزان الاعتدال
"1/ ترجمة 1505"، وتهذيب التهذيب "2/ 95"، وخلاصة الخزرجي
"1/ ترجمة 1040"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/
288".
(7/244)
وَرَوَى عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ
مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ.
مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ، سَمِعْتُ
عَمِّي عُمَرَ بنَ عَلِيٍّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ ابْنَ
المُبَارَكِ يَقُوْلُ لِجَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ: رَأَيتَ
أَيُّوْبَ? قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَرَأَيتَ ابْنَ عَون?
قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَرَأَيتَ يُوْنُسَ? قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: كَيْفَ لَمْ تُجَالِسْهُم، وَجَالَسْتَ عَوْفاً،
وَاللهِ مَا رَضِي عَوْفٌ بِبِدعَةٍ حَتَّى كَانَتْ فِيْهِ
بِدعَتَانِ: كَانَ قَدَرِياً، شِيْعِيّاً.
قَالَ البُخَارِيُّ: جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ الحَرَشِيُّ
يُخَالِفُ فِي بَعْضِ حَدِيْثِهِ.
وَقَالَ السَّعدي: رَوَى مَنَاكِيْرَ، وَهُوَ مُتَمَاسِكٌ،
لاَ يَكْذِبُ.
وَقَالَ صَاحِبُ "الحِلْيَة": صَحِبَ: ثَابِتاً، وَأَبَا
عِمران الجَوْني، وَفَرْقَدَ السَّبَخي، وشُميط بنَ
عَجْلاَنَ.
وَرَوَى سَيَّارٌ، عَنْ جَعْفَرٍ، قَالَ: اخْتَلَفتُ إِلَى
ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، وَمَالِكِ بنِ دِيْنَارٍ، عَشْرَ
سِنِيْنَ.
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الصَّفَّارُ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ
الآدَمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو المَكَارِمِ اللَّبَّانُ،
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرْنَا أَبُو
نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ،
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُسدَّد،
حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ يَزِيْدَ
الرِّشْك، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ،
قَالَ: بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- سَرِيَّةً، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِم عَلِيّاً،
فَأَصَابَ جَارِيَةً، فَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ. قَالَ:
فَتعَاقَدَ أَرْبَعَةٌ مِنَ الصَّحَابَة، فَقَالُوا: إِذَا
لَقِيْنَا رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَخْبَرَنَاهُ. وَكَانَ المسلمون إذا قدموا من
سفر، بدءوا بِرَسُوْلِ اللهِ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ،
فَلَمَّا قَدِمَتِ السَّرِيَّةُ، سَلَّمُوا عَلَى رَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَامَ أَحَدُ
الأَرْبَعَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَلَمْ تَرَ
أَنَّ عَلِيّاً صَنَعَ كَذَا وَكَذَا. فَأَقبَلَ عَلَيْهِ
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يُعْرَفُ الغَضَبُ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ: "مَا
تُرِيْدُوْنَ مِنْ عليٍّ "؟ -ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. "إِنَّ
عَلِيّاً مِنِّي، وَأَنَا مِنْهُ وَهُوَ وَلِيُّ كُلِّ
مُؤْمِنٍ مِنْ بَعْدِي" 1. تَابَعَهُ: قُتَيْبَةُ،
وَبِشْرُ بنُ هلال، وعفان، وهو من أفراد جعفر.
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالنَّسَائِيُّ.
تُوُفِّيَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ
وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
احْتَجَّ به مسلم.
__________
1 حسن: أخرجه الترمذي "3712" حدثنا قتيبة، حدثنا جعفر بن
سليمان الضبعي، به.
وقال الترمذي: "هذا حديث حَسَنٌ غَرِيْبٌ لاَ نَعْرِفُهُ
إِلاَّ مِنْ حَدِيْثِ جعفر بن سليمان".
(7/245)
1207- شريك
1:
ابن عبد الله، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، القَاضِي، أَبُو
عَبْدِ اللهِ النَّخَعِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ، عَلَى
لِيْنٍ مَا فِي حَدِيْثِهِ. تَوقَّفَ بَعْضُ الأَئِمَّةِ
عَنِ الاحْتِجَاجِ بِمَفَارِيْدِه.
قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: شَرِيْكُ بنُ عَبْدِ
اللهِ بنِ سِنَانِ بنِ أَنَسٍ. وَيُقَالُ: شَرِيْكُ بنُ
عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي شَرِيْكٍ بنِ مَالِكِ بنِ
النَّخَع، وَجَدُّه قَاتِلُ الحُسَيْنِ -رِضْوَانُ اللهِ
عَلَيْهِ.
أَدْرَكَ شَرِيْكٌ: عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ.
وَسَمِعَ سَلَمَةَ بنَ كُهَيْلٍ، وَمَنْصُوْرَ بنَ
المُعْتَمِرِ، وَأَبَا إِسْحَاقَ. لَيْسَ بِالمَتِيْنِ
عِنْدَهُم.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: شَرِيْكُ بنُ عَبْدِ
اللهِ بنِ الحَارِثِ بنِ أَوْسٍ القَاضِي أَدْرَكَ عُمَرَ
بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ.
قُلْتُ: وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: أَبِي صخرة جامع بن شداد،
وجامع بن أَبِي رَاشِدٍ، وَزِيَادِ بنِ عِلاقة، وسِماك بنِ
حَرْبٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ رُفَيْعٍ، وَزُبَيْدِ بنِ
الحَارِثِ، وَبَيَانِ بنِ بِشْرٍ، وَيَعْلَى بنِ عَطَاءٍ،
وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُهَاجِرٍ، وَعُثْمَانَ بنِ أَبِي
زُرْعَةَ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَسَالِمٍ الأَفْطَسِ،
وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ،
وَنُسَيْرِ بنِ ذُعْلوق، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ،
وَسَلَمَةَ بنِ المُحَبِّق، وَأَشْعَثَ بنِ أَبِي
الشَّعْثَاءِ، وَعَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ مَالِكٍ الجَزَري،
والمِقدام بنِ شُريح، وَسَعِيْدِ بنِ مَسْرُوْقٍ،
وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَعَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ،
وَعَلِيِّ بنِ بَذِيْمَةَ، وَزَيْدِ بنِ جُبَيْرٍ،
وَحَكِيْمِ بنِ جُبَيْرٍ، وَشَبِيْبِ بنِ غَرْقدة، ومِخْول
بنِ رَاشِدٍ، وَابْنِ عَقِيْلٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ
جَرِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ، وَعَمَّارٍ
الدُّهْنِيِّ، وحبيبَ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَخَلْقٍ
سِوَاهُم.
وَعَنْهُ: أَبَانُ بنُ تَغْلِبَ، وَمُحَمَّدُ بنُ
إِسْحَاقَ -وَهُمَا مِنْ شُيُوْخِهِ- وَشُعْبَةُ،
وَسُفْيَانُ، وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَابْنُ
المُبَارَكِ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَأَبُو نُعَيْمٍ،
وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَإِسْحَاقُ بنُ يُوْسُفَ
الأَزْرَقُ، وَيُقَالُ: إِنَّ إِسْحَاقَ الأَزْرَقَ أخذ
عنه تسعة آلاف حديث.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 378"، والتاريخ الكبير "4/
ترجمة 2647"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 150 و168
و221 و224 و226 و238" و"2/ 153 و168 و176 و305" و"3/ 93
و180 و197 و223"، والضعفاء الكبير للعقيلي "2/ ترجمة 718"،
وتاريخ بغداد "9/ 279"، والكاشف "2/ ترجمة 2298"، وتذكرة
الحفاظ "1/ ترجمة 218"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 3697"،
وتهذيب التهذيب "4/ 333"، وتقريب التهذيب "1/ 351"، وخلاصة
الخزرجي "1/ ترجمة 2948"، وشذرات الذهب "1/ 287".
(7/246)
وَمِمَّنْ يَرْوِي عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ
يُوْنُسَ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ
أَبِي شَيْبَةَ، وَأَخُوْهُ؛ عُثْمَانُ، وَهَنَّادُ بنُ
السَّرِيِّ، ولُوَين، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَمُحَمَّدُ
بنُ سُلَيْمَانَ لُوَيْنُ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ
الحَمِيْدِ الحِمَّانِيُّ، وَعَبَّادُ بنُ يَعْقُوْبَ
الرَّوَاجِنِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ،
وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم.
وَقَدْ وَثَّقَهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَقَالَ: هُوَ
أَثْبَتُ مِنْ أَبِي الأَحْوَصِ.
قُلْتُ: مَعَ أَنَّ أَبَا الأَحْوَصِ مِنْ رِجَالِ
"الصَّحِيْحَيْنِ"، وَمَا أَخْرَجَا لِشَرِيْكٍ سِوَى
مُسْلِمٌ فِي المُتَابَعَاتِ قَلِيْلاً. وَخَرَّجَ لَهُ
البُخَارِيُّ تَعْلِيْقاً.
قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: شَرِيْكٌ أَعْلَمُ بِحَدِيْثِ
بَلَدِهِ مِنَ الثَّوْرِيِّ. فَذُكِرَ هَذَا لابْنِ
مَعِيْنٍ، فَقَالَ: لَيْسَ يُقَاسُ بِسُفْيَانَ أَحَدٌ،
لَكِنْ شَرِيْكٌ أَرْوَى مِنْهُ فِي بَعْضِ المَشَايِخِ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بأس.
وقال الجُوزجاني: سيء الحِفْظِ، مُضْطَرِبُ الحَدِيْثِ،
مَائِلٌ.
قُلْتُ: فِيْهِ تَشَيُّعٌ خَفِيْفٌ عَلَى قَاعِدَةِ أَهْلِ
بَلَدِهِ.
وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الفُقَهَاءِ، وَبَيْنَه وَبَيْنَ
الإِمَامِ أَبِي حَنِيْفَةَ وَقَائِعُ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ. وَقِيْلَ:
إِنَّهُ وُلِدَ بِبُخَارَى، أَوْ نقلَ إِلَى الكُوْفَةِ.
وَقَدْ سَمَّى البُخَارِيُّ جَدَّهُ: سِنَاناً، وَسَمَّاهُ
شيخُه أَبُو نُعَيْمٍ: الحَارِثَ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجوهري: أخطأ شريك في
أربعمائة حَدِيْثٍ.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ شَرِيْكٍ، قَالَ: كَانَ
عِنْدَ أَبِي عَنْ جَابِرٍ الجُعْفِيِّ: عَشْرَةُ آلاَفِ
مَسْأَلَةٍ، وَعَنْ لَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ: عَشْرَةُ
آلاَفِ مَسْأَلَةٍ.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: سَمِعْتُ شَرِيْكاً يَقُوْلُ:
قُدِّمَ عُثْمَانُ يَوْم قُدِّمَ، وَهُوَ أَفْضَلُ
القَوْمِ.
قُلْتُ: مَا بَعْدَ هَذَا إِنصَافٌ من رجل كوفي.
قَالَ مَنْصُوْرُ بنُ أَبِي مُزَاحِمٍ: سَمِعْتُ شَرِيْكاً
يَقُوْلُ فِي مَجْلِسِ أَبِي عُبَيْدِ اللهِ -يَعْنِي:
وَزِيْرَ المَهْدِيِّ- وَفِيْهِ الحَسَنُ بنُ زَيْدِ بنِ
الحَسَنِ، وَوَالِدُ مُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيِّ، وَابْنُ
أَبِي مُوْسَى، وَالأَشْرَافُ، فَتَذَاكَرُوا النَّبِيذَ،
فَرَخَّصَ مَنْ حَضَرَ مِنَ العِرَاقِيِّينَ فِيْهِ،
وَشَدَّدَ البَاقُوْنَ، فَقَالَ شَرِيْكٌ: حَدَّثَنَا
أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُوْنٍ، قَالَ:
قَالَ عُمَرُ: "إِنَّا لَنَأَكُلُ لُحُوْمَ هَذِهِ
(7/247)
الإِبِلِ، لَيْسَ يَقْطَعُهَا فِي
بُطُوْنِنَا إِلاَّ هَذَا النَّبِيذُ الشَّدِيْدُ"1.
فَقَالَ الحَسَنُ بنُ زَيْدٍ: {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي
الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} [ص:
7] . فَقَالَ شَرِيْكٌ: أَجَلْ! شَغَلَكَ الجُلُوْسُ عَلَى
الطَّنَافِسِ فِي صُدُورِ المَجَالِسِ عَنِ اسْتِمَاعِ
هَذَا وَمِثْلِه. فَلَمْ يُجِبْهُ الحَسَنُ بِشَيْءٍ.
وَأُسْكِتَ القَوْمُ، فَتَحَدَّثُوا بَعْدُ فِي
النَّبِيذِ، وَشَرِيْكٌ سَاكِتٌ. فَقَالَ لَهُ أَبُو
عُبَيْدِ اللهِ: حَدِّثْنَا يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ بِمَا
عِنْدَك. فَقَالَ: كَلاَّ! الحَدِيْثُ أَعزُّ عَلَى
أَهْلِهِ مِنْ أَنْ يُعرَّضَ لِلتَّكذِيبِ. فَقَالَ
بَعْضُهُم: شَرِبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، فَقَالَ
قَائِلٌ مِنْهُم: لاَ، بَلَغَنَا أَنَّ سُفْيَانَ
تَرَكَهَ. فَقَالَ شَرِيْكٌ: أَنَا رَأَيْتُهُ يَشْرَبُ
فِي بَيْت خَيْرِ أَهْلِ الكُوْفَةِ فِي زَمَانِهِ؛
مَالِكِ بنِ مِغْوَل.
قَالَ عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَورعَ
فِي عَلمِهِ مِنْ شَرِيْكٍ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُعَاوِيَةَ النَّيْسَابُوْرِيُّ:
سَمِعْتُ عَبَّاداً يَقُوْلُ: قَدِمَ عَلَيْنَا مَعْمَرٌ
وَشَرِيْكٌ وَاسِطَ، فَكَانَ شَرِيْكٌ أَرْجَحَ عِنْدَنَا
مِنْهُ.
قَالَ عَبَّاسٌ: ذَكَرتُ لابْنِ مَعِيْنٍ إِسْرَائِيْلَ،
وَشَرِيْكاً، فَقَالَ: مَا فِيْهِمَا إِلاَّ ثَبْتٌ.
وَقَالَ: شَرِيْكٌ أَثْبَتُ مِنْ أَبِي الأحوص، ثم سمعت
ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: إِسْرَائِيْلُ أَثْبَتُ مِنْ
شَرِيْكٍ. وَقَالَ: كَانَ يَحْيَى القَطَّانُ لاَ
يُحَدِّثُ عَنْ هَذَيْنِ.
قَالَ مِنْجَاب بنُ الحَارِثِ: قَالَ رَجُلٌ لِشَرِيْكٍ:
كَيْفَ تَجدُكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ? قَالَ: أَجِدُنِي
شَاكِياً غَيْرَ شَاكي الله.
أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمة: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ
أَيُّوْبَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ شَرِيْكٍ يَوْماً،
فَظَهَرَ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ جَفَاءٌ، فَانْتَهَرَ
بعضَهم، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ!
لَوْ رَفَقتَ. فَوَضَعَ شَرِيْكٌ يَدَهُ عَلَى رُكبَةِ
الشَّيْخِ، وَقَالَ: النُّبْلُ عَوْنٌ عَلَى الدِّينِ.
قَالَ ابْنُ عُيينة: قِيْلَ لِشَرِيْكٍ: مَا تَقُوْلُ
فِيْمَنْ يُفَضِّلُ عَلِيّاً عَلَى أَبِي بَكْرٍ? قَالَ:
إِذاً يَفتَضِحُ، يَقُوْلُ: أخطأ المسلمون.
وعن وكيع، قال: ما كتب عَنْ شَرِيْكٍ بَعْدَ مَا وَلِيَ
القَضَاءَ، فَهُوَ عِنْدِي عَلَى حِدَةٍ.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: لَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ بَعْدَ
القَضَاءِ غَيْرَ حَدِيْثٍ وَاحِدٍ.
البَغَوِيُّ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ
يَحْيَى يَقُوْلُ: قَضَى شَرِيْكٌ عَلَى ابْنِ إِدْرِيْسَ
بِشَيْءٍ، فَقَالَ ابْنُ إِدْرِيْسَ: القَضَاءُ فِيْهِ
كَذَا وَكَذَا -يَعْنِي: الَّذِي حَكَمتَ بِهِ- فَقَالَ
لَهُ شَرِيْكٌ:
__________
1 ضعيف: فيه شريك بن عبد الله النخعي القاضي، وهو ضعيف
لسوء حفظه.
(7/248)
اذْهَبْ، فَأَفْتِ بِهَذَا حاكَهَ
الزَّعافر. وَكَانَ شَرِيْكٌ قَدْ حَبَسَه فِي
القَضِيَّةِ، وَكَانَ ابْنُ إِدْرِيْسَ يَنْزِلُ فِي
الزَّعَافِرِ.
مَنْصُوْرُ بنُ أَبِي مُزَاحِمٍ: سَمِعْتُ شَرِيْكاً
يَقُوْلُ: تَرْكُ الجَوَابِ فِي مَوْضِعِه إذابة القلب.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَعْيَنَ: قُلْتُ لِشَرِيْكٍ:
أَرَأَيْتَ مَنْ قَالَ: لاَ أُفضِّلُ أَحَداً؟ قَالَ:
هَذَا أَحْمَقُ، أَلَيْسَ قَدْ فُضِّلَ أَبُو بَكْرٍ،
وَعُمَرُ?
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ الرَّهاوي، أَنَّهُ سَمِعَ
شَرِيْكاً يَقُوْلُ: عليٌّ خَيْرُ البَشَرِ، فَمَنْ أَبَى
فَقَدْ كَفَرَ.
قُلْتُ: مَا ثَبَتَ هَذَا عَنْهُ. وَمَعْنَاهُ حَقٌّ،
يَعْنِي: خَيْرَ بَشَرِ زَمَانِه، وَأَمَّا خَيْرُهُم
مُطْلَقاً، فَهَذَا لاَ يَقُوْلهُ مُسْلِمٌ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَحْيَى العُذْرِيُّ:
أَعْلَمُ أَهْلِ الكُوْفَةِ: سُفْيَانُ، وَأَحضَرُهُم
جَوَاباً: شَرِيْكٌ، وَذَكَرَ بَاقِي الحِكَايَةِ.
قَالَ الفَضْل بنُ زِيَادٍ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ
فِي إِسْرَائِيْلَ وَشَرِيْكٍ، فَقَالَ: إِسْرَائِيْلُ
صَاحِبُ كِتَابٍ وَيُؤَدِّي مَا سَمِعَ، وَلَيْسَ عَلَى
شَرِيْكٍ قِيَاسٌ، كَانَ يُحَدِّثُ الحَدِيْثَ
بِالتَّوَهُّمِ.
ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي
شَيْخٍ قَالَ: شَرِيْكٌ لِبَعْضِ إِخْوَانِه: أكْرِهْتُ
عَلَى القَضَاءِ. قَالَ: فَأُكْرِهْتَ عَلَى أَخْذِ
الرِّزْقِ?
ثُمَّ قَالَ سُلَيْمَانُ: حكَى لِي عَبْدُ اللهِ بنُ
صَالِحِ بنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: كَانَ شَرِيْكٌ عَلَى
قَضَاءِ الكُوْفَةِ، فَخَرَجَ يَتَلَقَّى الخَيزُران،
فَبَلَغَ شَاهِي، وَأَبْطَأَتِ الخَيْزُرَانُ، فَأَقَامَ
يَنْتَظِرُهَا ثَلاَثاً، وَيبِسَ خُبْزُهُ، فَجَعَلَ
يَبُلُّهُ بِالمَاءِ وَيَأْكلُهُ، فَقَالَ العَلاَءُ بنُ
المِنْهَالِ الغَنَوِيُّ:
فَإِنْ كَانَ الَّذِي قَدْ قُلْتَ حَقّاً ... بِأَنْ قد
أكرهوك على القضاء
فمالك مُوْضِعاً فِي كُلِّ يَوْمٍ ... تَلَقَّى مَنْ
يَحُجُّ من النساء
مُقِيْماً فِي قُرَى شَاهِي ثَلاَثاً ... بِلاَ زَادٍ
سِوَى كِسَرٍ وَمَاءِ
قَالَ سُلَيْمَانُ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
شَرِيْكٍ، قَالَ: كَانَتْ أُمُّ شَرِيْكٍ مِنْ خُرَاسَانَ،
فَرَآهَا أَعْرَابِيٌّ وَهِيَ عَلَى حِمَارٍ، وَشَرِيْكٌ
صَبِيٌّ بَيْنَ يَدَيْهَا، فَقَالَ: إِنَّكِ لَتَحْمِلِينَ
جَنْدَلَةً مِنَ الجَنَادِلِ.
وَقَالَ مُوْسَى بنُ عِيْسَى لِشَرِيْكٍ: يَا أَبَا عَبْدِ
اللهِ! عَزَلُوكَ عَنِ القَضَاءِ، مَا رَأَينَا قَاضِياً
عُزِلَ! قَالَ: هُمُ المُلُوْكُ، يُعزَلُوْنَ
وَيُخلَعُوْنَ. يُعَرِّض أَنَّ أَبَاهُ خُلعَ -يَعْنِي:
مِنْ وِلاَيَةِ العَهْدِ.
(7/249)
قَالَ سُلَيْمَانُ: قَالَ أَبُو مُطَرِّفٍ:
قَالَ لِي شَرِيْكٌ: حُمِلتُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ،
فَقَالَ لِي: قَدْ وَلَّيتُكَ قَضَاءَ الكُوْفَةِ.
فَقُلْتُ: لاَ أُحسِنُ. فَقَالَ: قَدْ بَلَغَنِي مَا
صَنَعتَ بِعِيْسَى، وَاللهِ مَا أَنَا كَعِيْسَى، يَا
ربِيْعُ، يَكُوْنُ عِنْدَكَ حَتَّى يَقْبَلَ. فَخَرَجتُ
مَعَ الرَّبِيْعِ، فَقَالَ: إِنَّهُ لاَ يُعفِيْكَ،
فَقَبِلْتُ.
قَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: وَأَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ،
قَالَ: لَقِيَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيُّ
شَرِيْكاً، فَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَنَالُ مِنْ أَبِي
بَكْرٍ، وَعُمَرَ. فَقَالَ شَرِيْكٌ: وَاللهِ مَا
أَنْتَقِصُ الزُّبَيْرَ، فَكَيْفَ أَنَالُ مِنْ أَبِي
بَكْرٍ، وَعُمَرَ?
ثُمَّ قَالَ سُلَيْمَانُ: وَأَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ:
قِيْلَ لأَبِي شَيْبَةَ القَاضِي: قَدْ وَلِي شَرِيْكٌ
قَضَاءَ الكُوْفَةِ.
فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْه مِنْ
أَصْحَابِ حمَّاد.
ابْنُ المَدِيْنِيِّ عَنْ يَحْيَى القَطَّانِ، قَالَ:
أحدثُ عَنْ شَرِيْكٍ أعجبُ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُحدِّثَ
عَنْ مُوْسَى بن عبيدة. وضعف شريكًا، وقال: أَتَيْتُهُ
بِالكُوْفَةِ، فَأَملَى عليَّ، فَإِذَا هُوَ لاَ يَدْرِي.
قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي شَيْخٍ: حَدَّثَنِي أَبِي،
قَالَ: لَمَّا وُجه شَرِيْكٌ إِلَى قَضَاء الأَهْوَازِ،
جَلَسَ عَلَى القَضَاءِ، فَجَعَلَ لاَ يَتَكَلَّمُ حَتَّى
قَامَ، ثُمَّ هَرَبَ، وَاخْتَفَى. وَيُقَالُ: إِنَّهُ
اخْتَفَى عِنْد الوَالِي. فَحَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ
سَعِيْدٍ الأُمَوِيُّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الحَسَنِ بنِ
عُمَارَةَ، حِيْنَ بَلَغَهُ أَنَّ شَرِيْكاً هَرَبَ،
فَقَالَ: الخَبِيْثُ اسْتَصغَرَ قَضَاءَ الأَهْوَازِ.
مُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ الرِّفَاعِيُّ: حَدَّثَنِي
حَمْدَانُ بنُ الأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ
شَرِيْكٍ، فَأَتَاهُ بَعْضُ وَلَدِ المَهْدِيِّ،
فَاسْتَنَدَ، فَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيْثٍ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ
إِلَيْهِ، وَأَقْبَلَ عَلَيْنَا، ثم أعاد، فعاد يمثل
ذَلِكَ. فَقَالَ: كَأَنَّكَ تَسْتَخِفُّ بِأَوْلاَدِ
الخَلِيْفَةِ. قَالَ: لاَ، وَلَكِنَّ العِلْمَ أَزْيَنُ
عِنْد أَهْلِهِ مِنْ أَنْ تُضِيِّعُوْهُ. قَالَ: فَجَثَا
عَلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ سَأَلَهُ، فَقَالَ شَرِيْكٌ:
هَكَذَا يُطْلَبُ العِلْمُ.
قَالَ عبَّاد بنُ العوَّام: قَالَ شَرِيْكٌ: أَثَرٌ فِيْهِ
بَعْضُ الضَّعفِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ رَأيِهِم.
قَالَ عَلِيُّ بنُ سَهْلٍ: سَمِعْتُ عَفَّانَ يَقُوْلُ:
كَانَ شَرِيْكٌ يَخْضِبُ بِالحُمْرَةِ.
قِيْلَ: إِنَّ شَرِيْكاً أُدْخِلَ عَلَى المَهْدِيِّ،
فَقَالَ: لاَ بُدَّ مِنْ ثَلاَثٍ: إِمَّا أَنْ تَلِيَ
القَضَاءَ، أَوْ تُؤَدِّبَ وَلَدِي وَتُحدِّثُهُم، أَوْ
تَأْكْلَ عِنْدِي أَكلَةً. فَفكَّرَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ:
الأَكْلَةُ أَخَفُّ عَلَيَّ. فَأَمَرَ المَهْدِيُّ
الطَّبَّاخَ أَنْ يُصلِحَ أَلْوَاناً مِنَ المُخِّ
المَعْقُوْدِ بِالسُّكَّرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَأَكَلَ.
فَقَالَ الطَّبَّاخُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، لَيْسَ
يُفلِحُ بَعْدَهَا. قَالَ: فَحَدَّثَهُم بَعْدَ ذَلِكَ،
وَعَلَّمَهُم، وَوَلِيَ القَضَاءَ.
(7/250)
وَلَقَدْ كُتِبَ لَهُ بِرِزْقِهِ عَلَى
الصَّيْرَفِيِّ، فَضَايَقَهُ فِي النَّقْدِ، فَقَالَ:
إِنَّكَ لَمْ تَبِعْ بِهِ بَزّاً. فَقَالَ شَرِيْكٌ:
وَاللهِ بِعتُ أَكْبَرَ مِنَ البَزِّ، بِعْتُ بِهِ
دِيْنِي.
قَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ الجُنَيْدِ الرَّازِيُّ:
سَمِعْتُ أَبَا تَوْبَةَ الحَلَبِيَّ يَقُوْلُ: كُنَّا
بِالرَّمْلَةِ، فَقَالُوا: مَنْ رَجُلُ الأُمَّةِ? فَقَالَ
قَوْمٌ: ابْنُ لَهِيْعَةَ. وَقَالَ قَوْمٌ: مَالِكٌ.
فَقَدِمَ عَلَيْنَا عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، فَسَأَلْنَاهُ،
فَقَالَ: رَجُلُ الأُمَّةِ شَرِيْكٌ. وَكَانَ شَرِيْكٌ
يَوْمَئِذٍ حَيّاً.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ: حَدَّثَنَا
سَلْم بنُ قَادِمٍ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ دَاوُدَ،
حَدَّثَنَا عَبَّادُ بنُ العَوَّامِ، قَالَ: قَدِمَ
عَلَيْنَا شَرِيْكٌ مِنْ نَحْو خَمْسِيْنَ سَنَةً،
فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّ عِنْدَنَا قَوْماً مِنَ
المُعْتَزِلَةِ، يُنْكِرُوْنَ هَذِهِ الأَحَادِيْثَ:
"إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ يَرَوْنَ رَبَّهُم" 1، "وَإِنَّ
اللهَ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا" 2. فَحَدَّثَ
شَرِيْكٌ بِنَحْوٍ مِنْ عَشْرَةِ أَحَادِيْثَ فِي هَذَا،
ثُمَّ قَالَ: أَمَّا نَحْنُ فَأَخَذنَا دِيْنَنَا عَنْ
أَبْنَاءِ التَّابِعِيْنَ، عَنِ الصَّحَابَةِ، فَهُم
عَمَّنْ أَخَذُوا?
قَالَ شَرِيْكٌ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ
سِيْرِيْنَ، قَالَ: أَدْرَكْتُ بِالكُوْفَةِ أَرْبَعَةَ
آلاَفِ شَابٍّ يَطلُبُوْنَ العِلْمَ.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ النَّخَعي: سَمِعْتُ شَرِيْكاً
يَقُوْلُ: تُرَى أَصْحَابُ الحَدِيْثِ هَؤُلاَءِ
يَطلُبُوْنَهُ للهِ?! إِنَّمَا يَتَظَرَّفُوْنَ بِهِ.
قَالَ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ الفَلاس: كَانَ يَحْيَى لاَ
يُحَدِّثُ عَنْ شَرِيْكٍ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
مَهْدِيٍّ يُحَدِّثُ عَنْهُ.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "4851"، ومسلم "633" "212"، وأبو
داود "4729"، وعبد الله بن أحمد في "السنة" "220"، وابن
منده "798"، وابن خزيمة في "التوحيد" "ص167-168"،
والطبراني "2227" و"2228" من طريق جرير، عَنْ
إِسْمَاعِيْلَ عَنْ قَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جرير
بن عبد الله قال: كنا جلوسا ليلة مع النبي -صلى الله عليه
وسلم- فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة، فَقَالَ: "إِنَّكُمْ
سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا لا تضامون في
رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس،
وقبل غروبها فافعلوا"، ثم قرأ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ
رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ}
[ق: 39] .
2 صحيح: أخرجه مالك "1/ 214"، ومن طريقه أخرجه أحمد "2/
487"، والبخاري "1145" و"7494"، ومسلم "758"، وأبو داود
"1315"، وابن خزيمة في "التوحيد" "ص127" وابن أبي عاصم في
"السنة" "492"، وأبو القاسم اللالكائي في "شرح السنة" "3/
435 و436" والبيهقي "3/ 2" في السنن، وفي "الأسماء
والصفات" "ص449" عن ابن شهاب، عن أبي عبد الله الأعز، وعن
أبي سلمة بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال: "ينزلُ ربُّنا -جل وعلا- كل ليلة إلى سماء الدنيا حين
يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من
يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني أغفر له".
(7/251)
قَالَ مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ
الأَشْعَرِيُّ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بن حنبل عن شريك،
فَقَالَ: كَانَ عَاقِلاً، صَدُوقاً، مُحَدِّثاً، وَكَانَ
شَدِيْداً عَلَى أَهْلِ الرِّيَبِ وَالبِدَعِ، قَدِيْمَ
السَّمَاعِ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَبْلَ زُهَيْرٍ، وَقَبلَ
إِسْرَائِيْلَ. فَقُلْتُ لَهُ: إِسْرَائِيْلُ أَثْبَتُ
مِنْهُ? قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ لَهُ: يُحْتَجُّ بِهِ?
قَالَ: لاَ تَسْأَلْنِي عَنْ رَأيِي فِي هَذَا. قُلْتُ:
فَإِسْرَائِيْلُ يُحْتَجُّ بِهِ? قَالَ: إِي لَعَمْرِي.
قَالَ: وَوُلد شَرِيْكٌ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ.
قُلْتُ لَهُ: كَيْفَ كَانَ مَذْهَبُهُ فِي عَلِيٍّ
وَعُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا? قَالَ: لاَ أَدْرِي.
قَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ؛ مِنْ طَرِيْقِ عَلِيِّ بنِ
خَشْرَم، عَنْهُ: سَمِعْتُ شَرِيْكاً يَقُوْلُ: قُبِضَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَاسْتَخَارَ المُسْلِمُوْنَ أَبَا بَكْرٍ، فَلَو عَلِمُوا
أَنَّ فِيْهِم أَحَداً أَفْضَلُ مِنْهُ كَانُوا قَدْ
غَشُّونَا، ثُمَّ اسْتَخلَفَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ، فَقَامَ
بِمَا قَامَ بِهِ مِنَ الحَقِّ وَالعَدْلِ، فَلَمَّا
حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ، جَعَلَ الأَمْرَ شُوْرَى بَيْنَ
سِتَّةٍ، فَاجْتَمَعُوا عَلَى عُثْمَانَ، فَلَو عَلِمُوا
أَنَّ فِيْهِم أَفْضَلَ مِنْهُ كَانُوا قَدْ غَشُّونَا.
قَالَ عَلِيُّ بنُ خَشْرم: فَأَخْبَرَنِي بَعْضُ
أَصْحَابِنَا مِنْ أَهْلِ الحَدِيْثِ: أَنَّهُ عَرَضَ
هَذَا عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ، فَقَالَ ابْنُ
إِدْرِيْسَ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ حَفْصٍ? قُلْتُ:
نَعَمْ. قَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنطَقَ بِهَذَا
لِسَانَهُ، فَوَاللهِ إِنَّهُ لَشِيْعِيٌّ، وَإِنَّ
شَرِيْكاً لَشِيْعِيٌّ.
قُلْتُ: هَذَا التَّشَيُّعُ الَّذِي لاَ مَحْذُوْرَ فِيْهِ
-إِنْ شَاءَ اللهُ- إِلاَّ مِنْ قَبِيْلِ الكَلاَمِ
فِيْمَنْ حَارَبَ عَلِيّاً -رَضِيَ الله عنه- من الصحابة،
فإنه قبيح يؤذي فَاعِلُهُ، وَلاَ نَذكُرُ أَحَداً مِنَ
الصَّحَابَةِ إِلاَّ بِخَيْرٍ، وَنتَرَضَّى عَنْهُم،
وَنَقُوْلُ: هُم طَائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِيْنَ بَغَتْ
عَلَى الإِمَامِ عَلِيٍّ وَذَلِكَ بِنصِّ قَوْلِ
المُصْطَفَى -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ- لِعَمَّارٍ:
"تَقْتُلُكَ الفِئَةُ البَاغِيَةُ" 1. فَنَسَأَلُ اللهَ
أَنْ يَرْضَى عَنِ الجميع، وَأَلاَّ يَجعَلَنَا مِمَّنْ
فِي قَلْبِهِ غِلٌّ لِلْمُؤْمِنِيْنَ. وَلاَ نَرتَابُ
أَنَّ عَلِيّاً أَفْضَلُ مِمَّنْ حَارَبَه، وأنه أولى
بالحق -رضي الله عنه.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "2915" "70"، وأحمد "5/ 306 و306-307"
من حديث أبي سعيد الخدري قال: أخبرني من هو خير مني أَنَّ
رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال
لعمار حين جعل يحفر الخندق، وجعل يمسح رأسه ويقول: "بؤس
ابن سمية، تقتلك فئة باغية". وأخرجه أحمد "3/ 90-91"،
والبخاري "447 و2812" من طريق خالد الحذاء، عن عكرمة قال
لي ابن عباس ولابنه علي: انطلقا إلى أبي سعيد فاسمعا من
حديثه فانطلقنا، فإذا هو في حائط يصلحه، فأخذ رداءه
فاحتبى، ثم أنشأ يحدثنا، حتى أتى على ذكر بناء المسجد
فقال: كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين، فرآه النبي
-صلى الله عليه وسلم- فينفض التراب عنه ويقول: "ويح عمار,
تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ يَدْعُوْهُم إِلَى
الجَنَّةِ، وَيدْعُوْنَهُ إلى النار". قال يقول عمار: أعوذ
بالله من الفتن. وأخرجه أحمد "3/ 5"، والطيالسي "2168" من
طريق داود، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد. وأخرجه أحمد "3/
28"، وابن سعد "3/ 252" من طريق شعبة، عن عمرو بن دينار،
عن هشام عن أبي سعيد مرفوعا بلفظ: "وَيْحَ ابْنِ سُمَيَّةَ
تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ، يَدْعُوْهُم إلى الجنة
ويدعونه إلى النار".
(7/252)
العُقَيلي: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ، سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمَ
يَقُوْلُ: شَهِدَ ابْنُ إِدْرِيْسَ شَهَادَةً عِنْد
شَرِيْكٍ -أَوْ تَقدَّمَ إِلَيْهِ فِي شَيْءٍ- فَأَمَرَ
بِهِ شَرِيْكٌ، فَأُقِيْمَ وَدُفِعَ فِي قفاه -أو وجيء فِي
قَفَاهُ- وَقَالَ شَرِيْكٌ: مِنْ أَهْلِ بَيْتِ حُمقٍ مَا
علمتُ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي
يَقُوْلُ: قَدْ كَتَبْتُ عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ
شَرِيْكٍ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الحَدِيْثِ -يَعْنِي: فِي
المُذَاكَرَةِ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كَانَ
شَرِيْكٌ لاَ يُبَالِي كَيْفَ حَدَّثَ، حَسَنُ بنُ صَالِحٍ
أَثْبَتُ مِنْهُ فِي الحَدِيْثِ.
قَالَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: شَرِيْكُ بنُ عَبْدِ اللهِ
بنِ أَبِي شَرِيْكٍ، وَهُوَ الحَارِثُ بنُ أَوْسِ بنِ
الحَارِثِ بنِ الأَذْهَلِ بنِ وَهْبيل بنِ سَعْدِ بنِ
مَالِكِ بنِ النَّخَع، يُكْنَى: أَبَا عَبْدِ اللهِ. مَاتَ
سنة سبع، أو ثمان وسبعين ومائة.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الفَضْلُ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ
سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
قُلْتُ: مَاتَ بِالكُوْفَةِ، فِي أَوَّلِ شَهْرِ ذِي
القَعْدَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ. عَاشَ: اثْنَتَيْنِ
وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
قَرَأْتُ عَلَى عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ،
وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ
عَبْدِ القَادِرِ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وستمائة،
أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ،
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ البُسْرِيِّ،
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ
الحَدَثَانِيُّ، حَدَّثَنَا شَرِيْكٌ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ
بنَ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ حَكِيْمِ بنِ جَابِرٍ، عَنِ
أَبِيْهِ، قَالَ: رَأَيْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دُبَّاءً، فَقُلْتُ: مَا
هَذَا? قَالَ: "هَذَا الدُّبَّاءُ نكثِّر بِهِ طَعَامَنَا"
1. هَذَا حَدِيْثٌ صَالِحُ الإِسْنَادِ.
وَبِهِ، أَخْبَرَنَا المُخَلِّصُ أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى
بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
سُلَيْمَانَ بنِ حَبِيْبٍ لُوَين، قَالَ: حَدَّثَنَا
شَرِيْكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ، فِي
قَوْلِهِ -عَزَّ وَجَلَّ: {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا
تَذْلِيلًا} [الإِنْسَانُ: 14] ، قَالَ: أَهْلُ الجَنَّةِ
يَأْكلُوْنَ مِنْهَا قِيَاماً، وَقُعُوْداً،
وَمُضْطَجِعِيْنَ، وَعَلَى أَي حَالٍ شاءوا.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ،
أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا
هِبَةُ اللهِ بنُ أَبِي شَرِيْكٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو
الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ
عَلِيٍّ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا أَبُو القاسم عبد الله
__________
1 صحيح: وهذا إسناد ضعيف، فيه شريك بن عبد الله النخعي،
وهو سيئ الحفظ وأخرجه ابن ماجه "3304" من طريق وكيع، عن
إسماعيل بن أبي خالد، به.
(7/253)
ابن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بنُ
سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا شَرِيْكٌ، عن أبي إسحاق، عن حبشي بن
جنادة، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "عَلِيٌّ مِنِّي، وَأَنَا
مِنْ عَلِيٍّ، لاَ يُؤَدِّي عَنِّي إِلاَّ أَنَا أَوْ
هُوَ"1. هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ، غَرِيْبٌ. رَوَاهُ ابْنُ
مَاجَه فِي "سُنَنِهِ"، عَنْ سُوَيْدٍ، فَوَافَقْنَاهُ
بِعُلُوٍّ.
أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ تَاجُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ
عَبْدِ السَّلاَمِ مُدَرِّسُ الشَّامِيَّةِ، وَزَيْنَبُ
بِنْتُ كِنْدِيٍّ سَمَاعاً، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ حَسَنٍ الشَّعْرِيَّةِ، أَخْبَرَنَا
إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي القَاسِمِ القَارِئُ سَنَةَ إحدى
وثلاثين وخمسمائة، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ عَبْدُ
الغَافِرِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو
سَهْلٍ بِشْرُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بنُ
الحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ يَحْيَى، قَالَ:
قَرَأتُ عَلَى شَرِيْكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ قَيْسٍ، عَنْ
رَجُلٍ، يُكْنَى: أَبَا مُوْسَى، قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيّاً
-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- سَجَدَ سَجْدَةَ الشُّكْرِ حِيْنَ
وَجَدَ المُخْدَجَ، وَقَالَ: وَاللهِ مَا كَذَبْتَ، وَلاَ
كُذِبْتَ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: شَرِيْكٌ ثِقَةٌ، يُخطِئُ عَلَى
الأَعْمَشِ.
وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرة: قَلَّ مَا يُحتَاجُ إِلَى
شَرِيْكٍ فِي الأَحَادِيْثِ الَّتِي يُحْتَجُّ بِهَا،
وَلَمَّا وَلِيَ القَضَاءَ، اضْطَرَبَ حِفظُهُ.
قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: دَعَا المَنْصُوْرُ
شَرِيْكاً، فَقَالَ: إِنِّيْ أُرِيْدُ أَنْ أُوَلِّيَكَ
القَضَاءَ. فَقَالَ: أَعْفِنِي يَا أَمِيْرَ
المُؤْمِنِيْنَ. قَالَ: لَسْتُ أُعفِيكَ. قَالَ:
فَأَنْصَرِفُ يَوْمِي هَذَا، وَأَعُوْدُ، فَيَرَى أَمِيْرُ
المُؤْمِنِيْنَ رَأيَهُ. قَالَ: تُرِيْدُ أَنْ
تَتَغَيَّبَ؟ وَلَئِنْ فَعَلتَ، لأقدِمَنَّ عَلَى
خَمْسِيْنَ مِنْ قَوْمِكَ بِمَا تَكرَهُ. فَوَلاَّهُ
القَضَاءَ. فَبَقِيَ إِلَى أَيَّامِ المَهْدِيِّ،
فَأَقرَّهُ المَهْدِيُّ، ثُمَّ عَزَلَهُ. قَالَ: وَكَانَ
شَرِيْكٌ ثِقَةً، مَأْمُوْناً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ،
أُنْكِرَ عليه الغلط والخطأ.
قَالَ عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ: مَنْ يُفْلِتُ مِنَ الخَطَأِ?
رُبَّمَا رَأَيْتُ شَرِيْكاً يُخطِئُ، وَيُصَحِّفُ حَتَّى
أستحيي.
__________
1 ضعيف: أخرجه ابن ماجه "119"، والترمذي "3719"، وأحمد "4/
165" من طريق شريك، عن أبي إسحاق، عن حبشي بن جُنادة
قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم. فذكره.
قلت: إسناده ضعيف، لضعف شريك، وهو ابن عبد الله النخعي،
فإنه سيئ الحفظ, العلة الثانية: هو أَبُو إِسْحَاقَ
السَّبِيْعِيُّ عَمْرُو بنُ عَبْدِ اللهِ، مدلس، مشهور
بالتدليس، وقد عنعنه، وأخرجه أحمد "4/ 164" من طريق
إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حبشي بن جنادة، به.
قلت: قد انتفت علة شريك بمتابعة إسرائيل له، إلا أنه تبقى
علة أبي إسحاق ماثلة أمام الأعين ليضعف بها الإسناد؛ لكن
لشطره الأول: "علي منى وأنا منه" شاهد صحيح فقد ورد عن
البراء بن عازب مرفوعا بلفظ: "أنت مني وأنا منك" وهو عند
البخاري "2699" و"4251"، والدارمي "2/ 237 و238"، وأحمد
"4/ 298".
(7/254)
يَعْقُوْبُ السَّدوسي: حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ بنُ مَنْصُوْرٍ، حَدَّثَنَا إسماعيل بن حماد
بن أبي حنيفة، قال: قُلْتُ لِمُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ:
أَمَا تَرَى كَثْرَةَ قَوْلِ النَّاسِ فِي شَرِيْكٍ?
-يَعْنِي: فِي حَمْدِه- مَعَ كَثْرَةِ خَطَئِهِ
وَخَطَلِهِ. قَالَ: اسْكُتْ وَيْحَكَ! أَهْلُ الكُوْفَةِ
كُلُّهُم مَعَهُ، يَتَعَصَّبُ لِلْعَرَبِ، فَهُم مَعَهُ،
وَيَتَشَيَّعُ لِهَؤُلاَءِ المَوَالِي الحَمْقَى، فَهُم
مَعَهُ.
قَالَ عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ: مَا رَأَيْتُ فِي
أَصْحَابِنَا أَشدَّ تَقَشُّفاً مِنْ شَرِيْكٍ، رُبَّمَا
رَأيْتُهُ يَأْخُذُ شَاتَهُ، يَذْهَبُ بِهَا إِلَى
النَّاسِ، وَرُبَّمَا حَزَرتُ ثَوْبَيْهِ قَبْلَ القَضَاءِ
بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ، وَرُبَّمَا دَخَلتُ بَيْتَه،
فَإِذَا لَيْسَ فِيْهِ إِلاَّ شَاةٌ يَحْلُبُهَا،
وَمَطْهَرَةٌ، وَبَارِيَّةٌ1، وَجَرَّةٌ، فَرُبَّمَا بلَّ
الخُبْزَ فِي المَطْهَرَةِ، فَيُلقِي إليَّ كُتُبَهُ،
فَيَقُوْلُ: اكْتُبْ حديث جدك ومن أردت.
وقال يَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ: وَحَدَّثَنِي الهَيْثَمُ
بنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَ شَرِيْك يَوْماً بِحَدِيْثِ:
"وُضعتُ فِي كَفَّةٍ". فَقَالَ رَجُلٌ لِشَرِيْكٍ:
فَأَيْنَ كَانَ عَلِيٌّ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ? قَالَ: مَعَ
النَّاسِ فِي الكِفَّةِ الأُخْرَى.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: سَمِعْتُ
بَعْضَ الكُوْفِيِّيْنَ يَقُوْلُ: قَالَ شَرِيْكٌ: قَدِمَ
عَلَيْنَا سَالِمٌ الأَفْطَسُ، فَأَتَيْتُهُ وَمَعِيَ
قِرْطَاسٌ فِيْهِ مائَةُ حَدِيْثٍ، فَسَأَلتُهُ،
فَحَدَّثَنِي بِهَا، وَسُفْيَانُ يَسْمَعُ، فَلَمَّا
فَرَغَ قَالَ لِي سُفْيَانُ: أَرِنِي قِرْطَاسَكَ.
فَأَعْطَيْتُهُ، فخرَّقَه. قَالَ: فَرَجَعتُ إِلَى
مَنْزِلِي، فَاسْتَلقَيْتُ عَلَى قَفَاي، فَحَفِظتُ
مِنْهَا سَبْعَةً وَتِسْعِيْنَ حَدِيْثاً، وَحَفِظَهَا
سفيان كلَّها.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا أَبُو
العَلاَءِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بِمِصْرَ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ الدُّوْلاَبِيُّ، حَدَّثَنَا
نَصْرُ بنُ المُجَدَّر، قَالَ: كُنْتُ شَاهِداً حِيْنَ
أُدْخِلَ شَرِيْكٌ، وَمَعَهُ أَبُو أُمَيَّةَ، وَكَانَ
أَبُو أُمَيَّةَ رَفَعَ إِلَى المَهْدِيِّ: أَنَّ
شَرِيْكاً حَدَّثَهُ عَنِ الأَعْمَشُ، عَنْ سَالِمِ بنِ
أَبِي الجَعْدِ، عَنْ ثَوْبَانَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "اسْتَقِيْمُوا
لِقُرَيْشٍ مَا اسْتَقَامُوا لَكُم، فَإِذَا زَاغُوا عَنِ
الحَقِّ، فَضَعُوا سُيُوْفَكُم عَلَى عَوَاتِقِكُم، ثُمَّ
أَبِيَدُوا خَضْرَاءهُم"2.
__________
1 البارية: حصير، فارسية معربة.
2 ضعيف: فيه علتان: الأولى: ضعف شريك بن عبد الله
النَّخَعي لسوء حفظه. وأما العلة الثانية: الانقطاع بين
سالم بن أبي الجعد، وثوبان. والحديث رواه أحمد "5/ 277"
وأبو سعيد الأعرابي في "معجمه" "125/ 2"، وأبو نعيم في
"أخبار أصبهان" "1/ 124"، والطبراني في "المعجم الصغير"
"193"، والخطيب في "تاريخ بغداد" "12/ 147"، والخطابي في
"الغريب" "71/ 1" من طريق سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان
مرفوعا.
قلت: وإسناده ضعيف كما بينا لانقطاعه بين سالم وثوبان.
(7/255)
قَالَ المَهْدِيُّ: أَنْتَ حَدَّثتَ
بِهَذَا? قَالَ: لاَ. فَقَالَ أَبُو أُمَيَّةَ: عليَّ
المَشْيُ إِلَى بَيْتِ اللهِ، وَكُلُّ مَالِي صَدَقَةٌ،
إِنْ لَمْ يَكُنْ حَدَّثَنِي. فَقَالَ شَرِيْكٌ: وعليَّ
مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُ حَدَّثْتُهُ.
فَكَأَنَّ المَهْدِيَّ رَضِيَ. فَقَالَ أَبُو أُمَيَّةَ:
يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! عِنْدَك أَدْهَى العَرَبِ،
إِنَّمَا يَعْنِي مِثْلَ الَّذِي عَلَيَّ مِنَ الثِّيَابِ،
قُلْ لَهُ يَحلِفُ كَمَا حَلَفتُ. فَقَالَ: احلِفْ.
فَقَالَ شَرِيْكٌ: قَدْ حَدَّثْتُهُ. فَقَالَ المَهْدِيُّ:
وَيْلِي عَلَى شَارِبِ الخَمْرِ -يَعْنِي: الأَعْمَشَ،
وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ المُنَصَّفَ1- لَوْ
عَلِمتُ مَوْضِعَ قبره، لأحرقته.
قَالَ شَرِيْكٌ: لَمْ يَكُنْ يَهُودِيّاً، كَانَ رَجُلاً
صَالِحاً. قَالَ: بَلْ زِنْدِيقٌ. قَالَ: لِلزِّنْدِيقِ
عَلاَمَاتٌ: بِتَركِهِ الجُمُعَاتِ، وَجُلُوْسِهِ مَعَ
القِيَانِ، وَشُربِهِ الخَمْرَ. فَقَالَ: وَاللهِ
لأَقتُلَنَّكَ. قَالَ: ابْتَلاَكَ اللهُ بِمُهجَتِي.
قَالَ: أَخْرِجُوْهُ. فأخْرِجَ، وَجَعَلَ الحَرَسُ
يُشَقِّقون ثِيَابَه، وَخَرَقُوا قَلَنْسُوَتَهُ. قَالَ
نَصْرٌ: فَقُلْتُ لَهُم: أَبُو عَبْدِ اللهِ. فَقَالَ
المَهْدِيُّ: دَعْهُم.
أَحْمَدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ حَكِيْمٍ: أَخْبَرَنَا أَبِي،
قَالَ: كَانَ شَرِيْكٌ لاَ يَجْلِسُ لِلْحُكْمِ حَتَّى
يَتَغَدَّى وَيَشْرَبَ أَرْبَعَةَ أَرطَالِ نَبِيذٍ، ثُمَّ
يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يُخرِجُ رُقعَةً، فَيَنْظُرُ
فِيْهَا، ثُمَّ يَدْعُو بِالخُصُوْمِ. فَقِيْلَ لابْنِهِ
عَنِ الرُّقعَةِ، فَأَخْرَجَهَا إِلَيْنَا، فَإِذَا
فِيْهَا: يَا شَرِيْكُ! اذْكُرِ الصِّرَاطَ وَحِدَّتَه،
يَا شَرِيْك! اذْكُرِ المَوْقِفَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ
-تَعَالَى.
رَوَى مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى القَطَّانُ، عَنْ أَبِيْهِ،
قَالَ: رَأَيْتُ تَخْلِيطاً فِي أُصُوْلِ شَرِيْكٍ.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ:
شَرِيْكٌ ثقة، إلا أنه يغلط، ولا في يُتقِنُ، وَيَذْهَبُ
بِنَفْسِهِ عَلَى سُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَيْسَ شَرِيْكٌ بِقَوِيٍّ
فِيْمَا يَنْفَرِدُ بِهِ.
__________
1 المنصَّف: هو الشراب الذي يطبخ حتى يذهب نصفه.
(7/256)
1208 غَسَّان 1: "ق"
ابن بُرْزِين أبو المقدام الطُّهوي، البصري.
وثقه ابن معين، وغيره.
يَرْوِي عَنْ: ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، وَسَيَّارِ بنِ
سَلاَمَةَ، وَجَمَاعَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: حَجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ، وَعَفَّانُ،
وَمُسْلِمٌ، وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنُ غِيَاثٍ، وَمُسَدَّدٌ،
وَآخَرُوْنَ.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 474"، والجرح
والتعديل "7/ ترجمة 286"، والكاشف "2/ ترجمة 4493"، وميزان
الاعتدال "3/ ترجمة 6658"، وتهذيب التهذيب "8/ 246"،
وتقريب التهذيب "2/ 105"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5673".
(7/256)
1209- أبو عَوانة 1: "ع"
هُوَ الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، مُحَدِّثُ
البَصْرَةِ، الوَضَّاحُ بنُ عَبْدِ اللهِ، مَوْلَى
يَزِيْدَ بنِ عَطَاءٍ اليَشْكُرِيِّ، الوَاسِطِيُّ،
البَزَّازُ.
كَانَ الوَضَّاحُ مِنْ سَبْيِ جُرْجَان. مَوْلِدُهُ:
سَنَةَ نَيِّفٍ وَتِسْعِيْنَ.
رَأَى الحَسَنَ، وَمُحَمَّدَ بنَ سِيْرِيْنَ.
وَرَوَى عَنْ: الحَكَمِ بنِ عُتَيبة، وَزِيَادِ بنِ
عِلاقة، وَقَتَادَةَ، وسِماك بنِ حَرْبٍ، وَالأَسْوَدِ بنِ
قَيْسٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ السُّدِّيِّ، وَعَمْرِو بنِ
دِيْنَارٍ، وَعَاصِمِ بنِ كُلَيْبٍ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ،
وحُصين بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيَعْلَى بنِ عَطَاءٍ،
وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَعُمَرَ بنِ أَبِي
سَلَمَةَ، وَأَبِي إِسْحَاقَ، وَمُغِيْرَةَ بنِ مِقْسَم،
وَمَنْصُوْرِ بنِ زَاذَانَ العَابِدِ، وَأَبِي بِشْرٍ
جَعْفَرِ بنِ إِيَاسٍ، وَعُمَرَ بنِ أَبِي سَلَمَةَ بنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ،
وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُهَاجِرٍ، وَسَعِيْدِ بنِ مَسْرُوْقٍ
الثَّوْرِيِّ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، وَعَاصِمٍ
الأَحْوَلِ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَسَعْدِ بنِ
إِبْرَاهِيْمَ الزُّهْرِيِّ، وَدَاوُدَ الأَوْدِيِّ،
وَعِدَّةٍ. وكان من أركان الحديث.
رَوَى عَنْهُ: هِشَامُ بنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ
الدَّسْتوائي -مَعَ تَقَدُّمِهِ- وَابْنُ المُبَارَكِ،
وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَحَبَّانُ بنُ هِلاَلٍ، وَعَفَّانُ
بنُ مُسْلِمٍ، وَخَلَفُ بنُ هِشَامٍ، وَسَعِيْدُ بنُ
مَنْصُوْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ المقدَّم،
وَشَيْبَانُ بنُ فَرُّوخ، وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ،
وَأَبُو الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيُّ، وَيَحْيَى بنُ
يَحْيَى، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَعَمْرُو بنُ
عَوْنٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ المِنْهَالِ الضَّرِيْرُ،
وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الحَرَّانِيُّ، وَخَلْقٌ
كَثِيْرٌ.
وَأَكْثَرَ عَنْهُ: خَتَنُهُ؛ يَحْيَى بنُ حَمَّادٍ،
وَأَبُو كَامِلٍ الجَحْدري، وَأَبُو الرَّبِيْعِ
الزَّهْرَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ بنِ حِسَاب،
وَمُسَدَّدٌ، ولُوَين، وَالهَيْثَمُ بنُ سَهْلٍ،
خَاتِمَتُهُم.
قَالَ عَفَّانُ: أَبُو عَوانة أَصَحُّ حَدِيْثاً عِنْدَنَا
من شعبة.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 287"، والتاريخ الكبير "8/
ترجمة 2628"، والكنى للدولابي "2/ 47"، والجرح والتعديل
"9/ ترجمة 173"، وتاريخ بغداد "13/ 460"، وتذكرة الحفاظ
"1/ ترجمة 223"، والكاشف "3/ ترجمة رقم 6157"، وميزان
الاعتدال "4/ ترجمة 9350"، وتهذيب التهذيب "11/ 116"،
وتقريب التهذيب "2/ 331"، وشذرات الذهب لابن العماد
الحنبلي "1/ 287".
(7/257)
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ
صَحِيْحُ، الكِتَابِ وَإِذَا حَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ،
رُبَّمَا يَهِمُ.
وَقَالَ عَفَّانُ بنُ مُسْلِمٍ: كَانَ أَبُو عَوَانَةَ
صَحِيْحَ الكِتَابِ، ثَبْتاً، كَثِيْرَ العَجْمِ،
وَالنَّقطِ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ: مَا أَشْبَهَ
حَدِيْثَهُ بِحَدِيْثِ سُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ.
وَقَالَ عَفَّانُ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: إِنْ
حَدَّثَكُم أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
فصدقوه.
قال الحافظ بن عَدِيٍّ: كَانَ مَوْلاَهُ يَزِيْدُ قَدْ
خَيَّرَهُ بَيْنَ الحُرِّيَّةِ، وَكِتَابَةِ الحَدِيْثِ،
فَاخْتَارَ كِتَابَةَ الحَدِيْثِ. وَفَوَّضَ إِلَيْهِ
مَوْلاَهُ التِّجَارَةَ، فَجَاءهُ سَائِلٌ، فَقَالَ:
أَعْطِنِي دِرْهَمَيْنِ، فَإِنِّي أَنْفَعُكَ.
فَأَعْطَاهُ، فَدَارَ السَّائِلُ عَلَى رُؤَسَاءِ
البَصْرَةِ، وَقَالَ: بَكِّرُوا عَلَى يَزِيْدَ بنِ
عَطَاءٍ، فَإِنَّهُ قَدْ أَعتَقَ أَبَا عَوَانَةَ. قَالَ:
فاجتمعوا إلى يزيد، وهنئوه، فَأَنِفَ مِنْ أَنْ يُنْكِرَ
ذَلِكَ، فَأَعْتَقَهُ حَقِيْقَةً.
وَرَوَى أَبُو عُمَرَ الضَّرِيْرُ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ،
قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى هَمَّامِ بنِ يَحْيَى، وَهُوَ
مَرِيْضٌ أَعُوْدُهُ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا عَوانة!
ادْعُ اللهَ أَنْ لاَ يُمِيْتَنِي حَتَّى يَبلُغَ وَلَدِي
الصِّغَارُ. فَقُلْتُ: إِنَّ الأَجَلَ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ.
فَقَالَ لِي: أَنْتَ بَعْدُ فِي ضَلاَلِكَ.
قُلْتُ: بِئْسَ المَقَالُ هَذَا، بَلْ كُلُّ شَيْءٍ
بِقَدَرٍ سَابِقٍ، وَلَكِنْ وَإِنْ كَانَ الأَجَلُ قَدْ
فُرِغَ مِنْهُ، فَإِنَّ الدُّعَاءَ بِطُوْلِ البَقَاءِ
قَدْ صَحَّ. دَعَا الرَّسُوْلُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لِخَادمِهِ أَنَسٍ بِطُوْلِ العُمُرِ1، وَاللهُ
يَمحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ. فَقَدْ يَكُوْنُ طُوْلُ
العُمُرِ فِي عِلْمِ اللهِ مَشْرُوطاً بِدُعَاءٍ مُجَابٍ،
كَمَا أَنَّ طَيَرَانَ العُمُرِ قَدْ يَكُوْنُ بِأَسبَابٍ
جَعَلَهَا مِنْ حور وَعَسْفٍ، وَ"لاَ يَرُدُّ القَضَاءَ
إِلاَّ الدُّعَاءُ"2، والكتاب الأول فلا يتغير.
__________
1 حسن: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "7/ 19"، قال: أخبرنا
سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد بن زيد، عن سنان بن ربيعة
قال: قال: سمعت أنس بن مالك يقول: ذهبت بي أمي إِلَى
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فقالت: يا رسول الله! خويدمك ادع الله له، قال: "اللهم
أكثر ماله وولده وأطل عمره، واغفر ذنبه". قال أنس: فقد
دفنت من صلبي مائة غير اثنين، أو قال مائة واثنين، وإن
ثمرتي لتحمل في السنة مرتين، ولقد بقيت حتى سئمت الحياة
وأنا أرجو الرابعة".
قلت: إسناده حسن، سنان بن ربيعة، صدوق. وقد ورد عن أنس بن
مالك أنها قَالَتْ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنس خادمك، ادع الله له، قال: "اللهم
أكثر ماله وولده، وبارك له فيما أعطيته". أخرجه البخاري
"6378" و"6379"، ومسلم "2480"، والترمذي "3829"، والبغوي
"3990" من طريق بُندار، حدثنا محمد، حدثنا شعبة، قال: سمعت
قتادة يحدث عن أنس بن مالك، بن أم سليم، به.
2 حسن لغيره: ورد عن ثوبان -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "لا
يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القضاء إلا الدعاء، وإن
الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه" أخرجه ابن أبي شيبة "10/
441، 442"، وأحمد "5/ 277 و280 و282"، وابن ماجه "90"
و"4022"، وابن المبارك في "الزهد" =
(7/258)
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ غَالِبٍ تَمْتَامٌ:
سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: كَانَ أَبُو
عَوَانَةَ يَقرَأُ، وَلاَ يَكْتُبُ.
وَرَوَى عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ:
كَانَ أَبُو عَوَانَةَ أُمِّيّاً، يَسْتَعِيْنُ بِمَنْ
يَكْتُبُ لَهُ.
قَالَ حَجَّاجٌ الأَعْوَرُ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: الزَمْ
أَبَا عَوَانَةَ.
وَقَالَ جَعْفَرُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ: سُئِلَ يَحْيَى بنُ
مَعِيْنٍ: مَنْ لأَهْلِ البَصْرَةِ مِثْلُ زَائِدَةَ?
-يَعْنِي: فِي الكُوْفَةِ. فَقَالَ: أَبُو عَوَانَةَ.
قَالَ: وَزُهَيْرٌ كَوُهَيْبٍ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: أَبُو عَوَانَةَ،
وَهِشَامُ الدستوائي كسعيد بن أبي عروبة، وهمام.
وقال يحيى بن القَطَّانُ: أَبُو عَوَانَةَ مِنْ كِتَابِه
أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شُعْبَةَ مِنْ حِفْظِهِ.
وَرَوَى حَنْبَلٌ عَنِ ابْنِ المَدِيْنِيِّ، قَالَ: كَانَ
أَبُو عَوَانَةَ فِي قَتَادَةَ ضَعِيْفاً، ذَهَبَ
كِتَابُهُ، وَكَانَ يَتَحَفَّظُ مِنْ سَعِيْدٍ، وَقَدْ
أَغرَبَ فِيْهَا أَحَادِيْثَ.
قَالَ يَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ: الحَافِظُ أَبُو
عَوَانَةَ هُوَ أَثبَتُهُم فِي مُغِيْرَةَ، وَهُوَ فِي
قَتَادَةَ لَيْسَ بِذَاكَ.
وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى العَبْسِيُّ: قَالَ
شُعْبَةُ لأَبِي عَوَانَةَ: كِتَابُكَ صَالِحٌ، وَحِفْظُكَ
لاَ يَسْوَى شَيْئاً، مَعَ مَنْ طَلَبتَ الحَدِيْثَ?
قَالَ: مَعَ مُنْذِرٍ الصَّيْرَفِيِّ. قَالَ: مُنْذِرٌ
صَنَعَ بِكَ هَذَا.
قُلْتُ: اسْتَقَرَّ الحَالُ عَلَى أَنَّ أَبَا عَوَانَةَ
ثِقَةٌ. وَمَا قُلْنَا إِنَّهُ كَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ،
بَلْ هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِم مِنْ إِسْرَائِيْلَ،
وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَهُوَ أَوْثَقُ مِنْ فُلَيْحِ
بنِ سليمان، وله أوهام تجانب إخراجها الشيخان.
__________
= "86"، والطبراني في "الكبير" "1442"، والبغوي في "شرح
السنة" "3418"، والقضاعي في "مسند الشهاب" "831"، والحاكم
"1/ 493" من طرق عن سفيان، عن عبد الله بن عيسى، عن عبد
الله بن أبي الجعد، عن ثوبان، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته عبد الله بن أبي الجعد الأشجعي،
مجهول، لذا قال الحافظ في "التقريب": مقبول -أي عند
المتابعة.
وللحديث شاهد عن سلمان مرفوعا بلفظ: "لا يرد القضاء إلا
الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر". أخرجه الترمذي
"2139"، والطبراني في "الكبير" "6128"، وفي "الدعاء" "30"،
والقضاعي في "مسند الشهاب" "833" من طرق عن يحيى بن
الضريس، قال: حدثنا أبو مودود وهو عبد العزيز بن أبي
سليمان مولى هُذيل عَنْ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ
أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته أبو مودود، عبد العزيز بن أبي
سليمان الهذلي المدني، مجهول، لذا قال الحافظ في
"التقريب": مقبول -أي عند المتابعة- فالحديث حسن بمجموع
طريقي ثوبان وسلمان. والله تعالى أعلم.
(7/259)
مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ
سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، بِالبَصْرَةِ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ
بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ،
وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ
الطَّرَائِفِيُّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ بنُ
المُسْلِمَةِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الزُّهْرِيُّ،
حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا
قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ،
عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي مُوْسَى، قَالَ رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَثَلُ المُؤْمِنَ
يَقْرَأُ القُرْآنَ مَثَلُ الأُتْرُجَّةِ، رِيْحُهَا
طَيِّبٌ، وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ ... " 1، وَذَكَرَ
الحَدِيْثَ. وَقَدْ سُقتُهُ فِي أَخْبَارِ قتادة.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ بِنَابُلُسَ،
وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ بنِ غَالِيَةَ بِدِمَشْقَ،
قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ،
أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ
بنُ البُسري، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ،
حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا
العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ النَّرْسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو
عَوَانَةَ، عَنْ عُمَرَ بنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ
أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لاَ
تَزَالُوْنَ تُسْأَلُوْنَ حَتَّى يُقَالَ لَكُم: هَذَا
اللهُ خَلَقَنَا، فَمَنْ خَلَقَ اللهَ "؟. قَالَ أَبُو
هُرَيْرَةَ: إِنِّيْ لَجَالِسٌ يَوْماً، إِذْ قَالَ لِي
رَجُلٌ: هَذَا اللهُ خَلَقَنَا فَمَنْ خَلَقَ اللهَ?
فَجَعَلتُ أُصْبُعِي فِي أُذُنَيَّ، ثُمَّ صَرَختُ: صَدَقَ
اللهُ وَرَسُوْلُهُ: اللهُ الوَاحِدُ الأَحَدُ، الصَّمَدُ،
لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُوْلَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً
أَحَدٌ2. هَذَا حَدِيْثٌ حسن، غريب.
__________
1 صحيح: أخرجه عبد الرزاق "20933"، والطيالسي "494"، وابن
أبي شيبة "10/ 529-530"، وأحمد "4/ 403-404 و408"،
والبخاري "5020" و"5059" و"5427" و"7560"، ومسلم "797"،
وأبو داود "4830"، والترمذي "2865"، والنسائي "8/
124-125"، وفي "فضائل القرآن" "106" و"107"، وابن ماجه
"214"، والدارمي "2/ 442-443"، والبغوي في "شرح السنة"
"1175"، والرامهرمزي في "الأمثال" "87" من طرق عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي مُوْسَى مرفوعا
وتمامه: "مَثَلُ المُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ
كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ، طعمها طيب وريحها طَيِّبٌ،
وَمَثَلُ المُؤْمِنِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ كمثل
التمرة طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل الفاجر الَّذِي
يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ رِيْحُهَا
طَيِّبٌ وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن، كمثل
الحنظلة، طعمها مر، ولا ريح لها".
2 صحيح: أخرجه أبو داود "4722" من طريق محمد بن إسحاق قال:
حدثني عتبة بن مسلم مولى بني تميم، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ
بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقول: "لا يزال الناس يتساءلون ... " الحديث.
وإسناده حسن، محمد بن إسحاق، صدوق، وقد صرح بالتحديث فأمنا
شر تدليسه، وأصل الحديث عند البخاري "3276"، ومسلم "135"،
وأبو داود "4721"، من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: "لا
يزال الناس يسألونكم عن العلم حتى يقولوا: هذا الله خلقنا،
فمن خلق الله". واللفظ لمسلم، ووقع عند البخاري بلفظ:
"يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق
ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته"، وورد عند البخاري
"7296" من حديث أنس بن مالك مرفوعا. بلفظ: "لن يبرح الناس
يتساءلون حتى يقولوا: هذا الله خالق كل شيء، فمن خلق ال له
"؟.
(7/260)
1210- وُهَيب 1: "ع"
ابن خالد بن عَجلان، الحَافِظُ الكَبِيْرُ، المجوِّد،
أَبُو بَكْرٍ البَصْرِيُّ، الكَرَابِيْسِيُّ، البَاهِلِيُّ
مَوْلاَهُم. هُوَ صَغِيْرٌ عَنْ هَذِهِ الطَّبَقَةِ،
وَإِنَّمَا أَدرَجنَاهُ مَعَهُم، لأَنَّهُ قَدِيْمُ
الوَفَاةِ. مَاتَ قَبْلَ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ.
حَدَّثَ عَنْ: مَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَأَيُّوْبَ
السِّخْتِيَانِيِّ، وَأَبِي حَازِمٍ، وَحُمَيْدٍ
الطَّوِيْلِ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ صُهَيْبٍ،
وَمَنْصُوْرِ بنِ صَفِيَّةَ، وَمُوْسَى بنِ عُقْبَةَ،
وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَخُثَيْمِ بن عِرَاكٍ،
وَعَبْدِ اللهِ بنِ طاوس، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ،
وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ،
وَخَالِدٍ الحذَّاء، وَخلقٍ مِنْ طَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عنه: ابن المبارك، وإسماعيل بن عُلَيَّة، وَابْنُ
مَهْدِيٍّ، وَعَفَّانُ بنُ مُسْلِمٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ
حَرْبٍ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بنُ حَمَّادٍ، ومُعلَّى بنُ
أَسَدٍ، وَأَبُو الوَلِيْدِ، وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنُ
غِيَاثٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَجَّاجِ، وَعُبَيْدُ
اللهِ العَيْشِيُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ التَّبُوذَكي،
وَعَارِمٌ وَمُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وهدبة بن خالد،
وطائفة.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: كَانَ مِنْ
أَبصَرِ أَصْحَابِهِ بِالحَدِيْثِ وَالرِّجَالِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: يُقَالُ: إِنَّهُ لَمْ
يَكُنْ بَعْدَ شُعْبَةَ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِالرِّجَالِ
مِنْهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: سُجِنَ وُهَيْبٌ، فَذَهَبَ
بَصَرُهُ. قَالَ: وَكَانَ ثِقَةً؛ حُجَّةً، يُمْلِي مِنْ
حِفْظِهِ، وَكَانَ أَحْفَظَ مِنْ أَبِي عَوانَة.
رَوَى البُخَارِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ أَبِي رَجَاءَ
الهَرَوِيِّ: أَنَّ وُهَيْباً تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ
وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ:
عَاشَ ثَمَانِياً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: حَدَّثَنَا مُوْسَى
بنُ إِسْمَاعِيْلَ، قُلْتُ لِحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ: إِنَّ
وُهَيْبَ بنَ خَالِدٍ يَزْعُمُ أَنَّ عَلِيَّ بنَ زَيْدٍ
كَانَ لاَ يَحْفَظُ الحَدِيْثَ، فَقَالَ: وَكَانَ وُهَيْبٌ
يَقْدِرُ أَنْ يُجَالِسَ عَلِيّاً? إِنَّمَا كَانَ
يُجَالِسُ عَلِيّاً وُجُوْهُ النَّاسِ.
قُلْتُ: مَا هَذَا جَوَاباً، وَصَدَقَ
وهيب.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 287"، والتاريخ الكبير "8/
ترجمة 2613"، المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 130-132
و182"، الجرح والتعديل "9/ ترجمة 158"، وتذكرة الحفاظ "1/
ترجمة 222"، والكاشف "2/ ترجمة 6227"، والعبر "1/ 246"،
تهذيب التهذيب "11/ 169"، وتقريب التهذيب "2/ 339"، وشذرات
الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 261".
(7/261)
قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: يَزِيْدُ بنُ
زُرَيْعٍ، وَابْنُ عُلَيَّةَ أَثْبَتُ مِنْ وُهَيْبٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
يَختَارُ وُهَيْباً عَلَى إِسْمَاعِيْلَ فِي كُلِّ شَيْءٍ.
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاج: أَخْبَرَنَا
قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، قَالَ: كَانُوا يَقُوْلُوْنَ:
الحُفَّاظُ أَرْبَعَةٌ: ابْنُ عُلَيَّةَ، وَعَبْدُ
الوَارِثِ، وَوُهَيْبٌ، وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ.
وَكَانُوا يُؤَدُّونَ اللَّفْظَ.
لَمْ يَقَعْ لِي حَدِيْثُ وُهَيْبٍ عَالِياً إِلاَّ
بِإِجَازَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ
كِنْدِيٍّ، قَالاَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ
مُحَمَّدٍ السَّاعِدِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ
طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَروذي سنة
اثنتين وخمسين وأربعمائة، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو
مُحَمَّدُ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى
المَوْصِلِيُّ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحجاج،
حدثنا وهيب، وعن إِسْمَاعِيْلَ بنِ أُمَيَّةَ، وَيَحْيَى
بنُ سَعِيْدٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، عَنْ
مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: رَقِيْتُ فَوْقَ بَيْتِ حَفْصَةَ،
فَإِذَا أَنَا بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- جَالِسٌ عَلَى مَقْعَدَتِهِ، مُسْتَقْبِلَ
القِبْلَةِ، مُسْتَدْبِرَ الشَّامِ1.
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ أَبِي رَوْحٍ،
أَخْبَرَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، أَخْبَرَنَا
الكَنْجَرُوْذِيُّ بِهَذَا.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا
عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ
طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الصَّابُوْنِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيْدٍ
عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ
الرَّازِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ
البَجَلِيُّ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بنُ
حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ
بنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ
ذَاتَ يَوْمٍ لأَصْحَابِهِ: "أَنْبِئُونِي بِشَجَرَةٍ
تُشْبِهُ المُسْلِمَ لاَ يَتَحَاتُّ وَرَقُهَا، تُؤْتِي
أُكُلَهَا كل حين بإذن رَبِّهَا". قَالَ: فَوَقَعَ فِي
قَلْبِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَسَكَتَ القَوْمُ. فَقَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هِيَ
النَّخْلَةُ". فَقُلْتُ لأَبِي، فَقَالَ: لَوْ كَانَ قلتَ
أحبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا. فَقُلْتُ: كُنْتَ فِي
القَوْمِ وَأَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تقولا شيئًا، فكرهت أن
أقول2.
__________
1 صحيح: أخرجه مالك "1/ 193-194" ومن طريقه البخاري "145"،
ومسلم "266"، وأبو داود "12" عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ،
عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، عن
عبد الله بن عمر أنه كان يقول: إن ناسا يقولون إذا قعدت
على حاجتك فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس فقال عبد الله
بن عمر: لقد ارتقيت يوما على ظهر بيت لنا، فَرَأَيْتُ
رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى
لبنتين مستقبلا بيت المقدس لحاجته. وقال: لعلك من الذين
يصلون على أوراكهم، فقلت: لا أدري والله. قال مالك. يعني
الذي يصلي ولا يرتفع عن الأرض يسجد وهو لاصق بالأرض.
2 صحيح: أخرجه البخاري "131"، ومسلم "2811" عن ابن عمر،
به.
(7/262)
1211- أبو شهاب
1: "خ، م، د، س"
الحناط المُحَدِّثُ، اسْمُهُ: عَبْدُ رَبِّهِ بنُ نَافِعٍ
الكُوْفِيُّ، ثُمَّ المَدَائِنِيُّ.
رَوَى عَنْ: العَلاَءِ بنِ المُسَيَّبِ، وَالأَعْمَشِ،
وَسُلَيْمَانَ بنِ شَيْبَانِيٍّ، وَيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ،
وَمُحَمَّدِ بنِ سُوْقَةَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى،
وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَخَالِدٍ الحذَّاء، وَابْنِ أَبِي
خَالِدٍ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: سَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وسَعْدويه2،
وَأَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ، وَخَلَفُ بنُ هِشَامٍ،
وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الوَرْكَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ. وَقَالَ يَحْيَى
القَطَّانُ: لَمْ يَكُنْ بِالحَافِظِ. قَالَ غيره: كان
صادقًا، ذا ورع وفضل.
مَاتَ بِالمَوْصِلِ، وَقِيْلَ: بِبَلَدَ3 سَنَةَ
اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَقِيْلَ: مَاتَ فِي
سَنَةِ إِحْدَى. وَهُوَ أَبُو شِهَابٍ الأَصْغَرُ.
أَمَّا أَبُو شِهَابٍ الحَنَّاطُ الأَكْبَرُ، فَهُوَ:
مُوْسَى بنُ نَافِعٍ. يَرْوِي عَنْ: مُجَاهِدٍ، وَعَنْ
سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٍ.
وَعَنْهُ: يَحْيَى القَطَّانُ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَأَبُو
الوَلِيْدِ.
وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِيْنٍ أَيْضاً، وَغَيْرُه.
وَقَالَ أَحْمَدُ: مُنْكَرُ الحديث.
وقال القطان: أفسدوه علينا.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 391"، والتاريخ الكبير "6/
ترجمة 1773"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 224
و307" و"2/ 170 و303 و448"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة
217"، تاريخ الخطيب "11/ 128"، والأنساب للسمعاني "4/
238"، والكاشف "2/ ترجمة 3169"، ميزان الاعتدال "2/ ترجمة
4800"، و"4/ ترجمة 10291"، وتهذيب التهذيب "6/ 128"،
وتقريب التهذيب "1/ 471"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4013"
وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 280".
2 هو سعيد بن سليمان الضبي، أبو عثمان الواسطي، نزيل
بغداد، البزار، لقبه سعدُويه، ثقة حافظ، من كبار الآخذين
عن تبع الأتباع، روى له الجماعة.
3 بلد: مدينة قديمة على دجلة فوق الموصل.
(7/263)
1212- عَبْثَر بن القاسم 1: "ع"
الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو زُبَيْد الزُّبَيْدِيُّ،
الكُوْفِيُّ.
رَوَى عَنْ: حُصين بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُغِيْرَةَ،
وَالعَلاَءِ بنِ المُسَيَّبِ، وَمُطَرِّفِ بنِ طَرِيْفٍ،
وَأَشْعَثَ بنِ سَوَّارٍ، وَالأَعْمَشِ.
وَعَنْهُ: خَلَفٌ البَزَّارُ، وَقُتَيْبَةُ، وهنَّاد،
وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المَوْصِلِيُّ، وَجَمْعٌ
آخِرُهُم مَوْتاً، أَبُو حَصِيْنٍ عَبْدُ اللهِ بنُ
أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ يونس.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثِقَةٌ، ثِقَةٌ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا أَبُو
رَوْحٍ الهَرَوِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ
إِسْمَاعِيْلَ، أَخْبَرَنَا مُحَلَّمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ،
أَخْبَرَنَا الخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ بنُ أَحْمَدَ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا
قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْثرُ بنُ القَاسِمِ، عَنْ
أَشْعَثَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ
شَهْرٍ، فَلْيُطْعَمْ عَنْهُ مَكَانَ كُلَّ يَوْمٍ
مِسْكِيْنٌ"2. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ،
وَابْنُ مَاجَه، عَنِ الذُّهْلِيِّ، عَنْ قُتَيْبَةَ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: الصَّحِيْحُ مَوْقُوْفٌ،
وَمُحَمَّدٌ: هُوَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَيُقَالُ: ابْنُ
سِيْرِيْنَ، وَأَشْعَثُ: هو ابن سوار.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 382"، المعرفة والتاريخ
ليعقوب الفسوي "3/ 122 و145"، والجرح والتعديل "7/ ترجمة
244"، وتاريخ بغداد "12/ 310"، والإكمال لابن ماكولا "4/
170" و"6/ 101"، والكاشف "2/ ترجمة 2643"، وتذكرة الحفاظ
"1/ ترجمة 245"، والعبر "1/ 271"، وتهذيب التهذيب "5/
136"، وتقريب التهذيب "1/ 400"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة
5622"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 288".
2 ضعيف: أخرجه الترمذي "718"، وابن ماجه "1757"، وفيه
علتان: الأولى: أشعث، وهو ابن سوار، قال أبو زرعة: لين.
وقال يحيى، والنسائي، والدارقطني: ضعيف. وَقَالَ ابْنُ
حِبَّانَ: فَاحِشُ الخَطَأِ، كَثِيْرُ الوَهْمِ والعلة
الثانية: محمد، وهو ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى، ضعيف سيئ
الحفظ جدا.
(7/264)
1213- إسماعيل
بن جعفر 1: "ع"
ابن أبي كثير، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو
إِسْحَاقَ الأَنْصَارِيُّ مَوْلاَهُم، المَدَنِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ بِضْعٍ وَمائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، وَأَبِي
طُوَالَةَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
وَالعَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُرَقِيِّ،
وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَعَمْرِو بنِ أَبِي عمرو،
وَرَبِيْعَةَ بنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهِشَامِ بنِ
عُرْوَةَ، وَطَبَقَتِهِم.
وَقَرَأَ القُرْآنَ عَلَى: شَيْبَةَ بنِ نِصَاحٍ، ثُمَّ
عَرَضَ عَلَى نَافِعٍ الإِمَامِ، وَسُلَيْمَانَ بنِ
مُسْلِمٍ بنِ جَمَّازٍ، وَبَرَعَ فِي الأَدَاءِ،
وَتَصَدَّرَ لِلْحَدِيْثِ وَالإِقْرَاءِ، وَمِنْهُم مَنْ
يُكنِيْهِ: أَبَا إِبْرَاهِيْمَ، وَكَانَ مُقْرِئَ
المَدِيْنَةِ فِي زَمَانِهِ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَخَذَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ يَزِيْدَ
بنِ القَعْقَاع سَمَاعاً، ثُمَّ إِنَّهُ تَحَوَّلَ فِي
آخِرِ عُمُرِهِ إِلَى بَغْدَادَ، وَنَشَرَ بِهَا عِلْمَهُ.
فَأَخَذَ عَنْهُ القِرَاءةَ: الإِمَامُ أَبُو الحَسَنِ
الكسَائِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ وَسُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ
الهَاشِمِيُّ، وَأَبُو عُمَرَ الدُّوري، وَآخَرُوْنَ.
وَرَوَى عَنْهُ: قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، وَعَلِيُّ بنُ
حُجْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ البِيكَنْدي،
وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ الهَرَوِيُّ، وَدَاوُدُ
بنُ عمرو الضبي، ومحمد ابن الصَّبَّاح الدُّوْلاَبِيُّ،
وَعِيْسَى بنُ سُلَيْمَانَ الشَّيْزَرِيُّ، وَأَبُو
هَمَّامٍ الوَلِيْدُ بنُ شُجَاعٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ
زُنْبور، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، قَلِيْلُ
الخَطَأِ، وَهُوَ وَأَخَوَاهُ: مُحَمَّدٌ، وَكَثِيْرٌ
يَدِيْنُوْنَ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ،
عَنْ يَحْيَى. وَقِيْلَ: هُوَ آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْ شيبة.
وَقَدْ كَانَ يُؤدِّبُ بِبَغْدَادَ عَلِيّاً وَلَدَ
الخَلِيْفَةِ المَهْدِيِّ، فَعَظُمتْ حُرمَتُهُ لِذَلِكَ.
وَقَعَ لَنَا نُسْخَةٌ عَالِيَةٌ مِنْ حَدِيْثِهِ.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ العَلَوِيُّ
بِالثَّغْرِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ
القَطيعي، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ
العَزِيْزِ العَبَّاسِيُّ، وَقَرَأتُ عَلَى عِيْسَى بنِ
يَحْيَى عَنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ المُعْتَزِّ سَمَاعاً،
عَنِ العَبَّاسِيِّ كِتَابَةً، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ فِرَاسٍ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ
مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّيبُلي، حَدَّثَنَا أبو
صالح محمد بن الأزهر، حدثنا أبو إِسْمَاعِيْلُ بنُ
جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ دِيْنَارٍ،
أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من ابْتَاعَ
طَعَاماً، فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ". أَخْرَجَهُ
مُسْلِمٌ2، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ.
فَوَقَعَ بَدَلاً عَالِياً.
قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: إِسْمَاعِيْلُ ثِقَةٌ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَفَاتَ أحمدَ بنَ حَنْبَلٍ، وابنَ مَعِيْنٍ، وابنَ
عَرَفَةَ السماعُ منه.
__________
1 ترجمته في الجرح والتعديل "2/ ترجمة 546"، وتاريخ بغداد
"6/ 218"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 237"، والعبر "1/ 275
و377 و415"، وتهذيب التهذيب "1/ 287".
2 صحيح: أخرجه مسلم "1527".
(7/265)
1214- حَفْص بن ميسرة 1: "خَ، م، س، ق"
المُحَدِّثُ، الإِمَامُ، الثِّقَةُ، أَبُو عُمَرَ
الصَّنْعَانِيُّ، العُقَيْلِيُّ، نَزِيْلُ عَسْقَلاَنَ.
يَرْوِي عَنْ: زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَمُوْسَى بنِ
عُقْبَةَ، وَالعَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهِشَامِ
بنِ عُرْوَةَ، وَمُقَاتِلِ بنِ حَيَّانَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الثَّوْرِيُّ -وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ-
وَابْنُ وَهْبٍ، وَآدَمُ، وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ،
وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي السَّرِيِّ، وَالهَيْثَمُ بنُ
خَارِجَةَ، وَسُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ.
وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدُ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ.
وَقِيْلَ: كَانَ نَاسِكاً، رَبَّانِيّاً.
قَالَ الفَسَوِيُّ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وثمانين ومائة.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "2/ ترجمة 2800"، والمعرفة
والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 172" و"2/ 299" و"3/ 376"،
والكنى للدولابي "2/ 40"، والجرح والتعديل "3/ ترجمة رقم
"809"، والعبر "1/ 279"، وميزان الاعتدال "1/ ترجمة 2164"،
والكاشف "1/ ترجمة 1176"، وتهذيب التهذيب "2/ 419"، وخلاصة
الخزرجي "1/ ترجمة 1531"، وشذرات الذهب لابن العماد
الحنبلي "1/ 295".
(7/266)
1215- الوَلِيْدُ بنُ طَريف 1:
الشَّيْبَانِيُّ، وَقِيْلَ: هُوَ مِنْ بني تغلب، أحد أمراء
العرب.
خَرَجَ بِالجَزِيْرَةِ فِي ثَلاَثِيْنَ نَفْساً بِسقي
الفُرَاتِ، فَقَتَلُوا تَاجِراً نَصْرَانِيّاً، وَأَخَذُوا
مَالَهُ، ثُمَّ عَاثَ بِدَارَا، وَنَهَبَ، وَكَثُرَ
جَيْشُهُ، فَقَصَدَ مَيَّافَارِقِيْنَ، فَفَدَوا البَلَدَ
مِنْهُ بِعِشْرِيْنَ أَلْفاً، وَصَالَحَهُ
أَهْل خِلاَطٍ عَلَى مَالٍ، وَهَزَمَ عَسْكَرَ
الرَّشِيْدِ، وَاسْتَفْحَلَ أَمْرُهُ، وَاسْتبَاح نَصيبين،
فَقَتَلَ بِهَا خَمْسَةَ آلاَفٍ، إِلَى أَنْ حَارَبَه
يَزِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ، وَظَفِرَ بِهِ، فَقَتَلَهُ.
وَرَثَتْهُ أُخْتُهُ بِأَبْيَاتٍ مَشْهُوْرَةٍ، وَاسْمُهَا
الفَارِعَةُ. وَمِنْ أَبْيَاتِهَا:
فَيَا شَجَرَ الخَابُوْرِ مَا لَكَ مُوْرِقاً ...
كَأَنَّكَ لَمْ تَحْزَنْ عَلَى ابْنِ طَرِيْفِ
فَتَىً لاَ يُحِبُّ الزَّادَ إِلاَّ مِنَ التُّقَى ...
وَلاَ المَالَ إِلاَّ مِنْ قَناً وَسُيُوْفِ
وَلاَ الذُّخْرَ إِلاَّ كُلَّ جَرْدَاءَ صِلْدِمٍ ...
مُعَاوِدَةٍ لِلْكَرِّ بين صفوف
حليف الندى عَاشَ يَرْضَى بِهِ النَّدَى ... فَإِنْ مَاتَ
لَمْ يرض الندى بحليف
فَقَدْنَاكَ فِقْدَانَ الشَّبَابِ وَلَيْتَنَا ...
فَدَيْنَاكَ مِنْ فِتْيَانِنَا بِأُلُوفِ
أَلاَ يَا لَقَوْمِي لِلْحِمَامِ وَلِلْبِلَى ...
وَلِلأَرْضِ هَمَّتْ بَعْدَهُ بِرُجُوفِ
أَلاَ يَا لَقَوْمِي لِلنَّوَائِبِ وَالرَّدَى ...
وَدَهْرٍ مُلِحٍّ بِالكِرَامِ عَنِيْفِ
فَإِنْ يَكُ أَرْدَاهُ يَزِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ ... فَرُبَّ
زُحُوفٍ لَفَّهَا بِزُحُوفِ
عَلَيْهِ سَلاَمُ اللهِ وَقْفاً فَإِنَّنِي ... أَرَى
المَوْتَ وَقَّاعاً بِكُلِّ شَرِيْفِ
قُتِلَ فِي سَنَةِ تسع وسبعين ومائة.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "6/ 771"، والعبر
"1/ 272"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 95"، وشذرات
الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 288".
(7/267)
1216- يزيد بن
حاتم 1:
ابن قَبِيْصَةَ بنِ المُهَلَّب بنِ أَبِي صُفْرة،
الأَزْدِيُّ، البَصْرِيُّ، الأَمِيْرُ.
وَلِيَ إِمْرَةَ مِصْرَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ
وَمائَةٍ، فَدَامَ سَبْعَ سِنِيْنَ، ثُمَّ وَلِي
المَغْرِبَ مُدَّةً لِلْمَهْدِيِّ، وَالهَادِي،
وَالرَّشِيْدِ، وَمَهَّدَ إِفْرِيْقِيَةَ، وَذَلَّلَ
البَرْبَرَ، وَكَانَ بَطَلاً، شُجَاعاً، مَهِيْباً،
شَدِيْدَ البَأْسِ، كَمَا قِيْلَ فِيْهِ:
وَإِذَا الفَوَارِسُ عُدِّدَتْ أبطالها ... عدوك في
أبطالهم بالخنضر
وَعَنْ صَفْوَانَ بنِ صَفْوَانَ أَنَّهُ قَالَ بَدِيْهاً
فِي يَزِيْدَ:
لَمْ أَدْرِ مَا الجُودُ إِلاَّ مَا سَمِعْتُ بِهِ ...
حَتَّى لَقِيْتُ يَزِيْداً عِصْمَةَ النَّاسِ
لَقِيْتُ أَكْرَمَ مَنْ يَمْشِي عَلَى قَدِمٍ ...
مُفَضَّلاً بِرِدَاءِ الجُودِ وَالبَاسِ
لَوْ نِيْلَ بِالمَجْدِ مُلْكٌ كُنْتَ صَاحِبَهُ ...
وَكُنْتَ أَوْلَى بِهِ مِنْ آلِ عَبَّاسِ
وَفِيْهِ يَقُوْلُ رَبِيْعَةُ بنُ ثَابِتٍ:
لَشَتَّانَ مَا بَيْنَ اليَزِيْدَيْنِ فِي النَّدَى ...
يَزِيْدَ سليم والأغر ابن حاتم
فَهَمُّ الفَتَى الأَزْدِيِّ إِتلاَفُ مَالِهِ ... وَهَمُّ
الفَتَى القَيْسِيِّ جَمْعُ الدَّرَاهِمِ
وَلاَ يَحْسَبِ التَّمْتَامُ أَنِّي هَجَوْتُهُ ...
وَلَكِنَّنِي فَضَّلْتُ أَهْلَ المَكَارِمِ
مَاتَ يَزِيْدُ بنُ حَاتِمٍ: بِالمَغْرِبِ، فِي رَمَضَانَ،
سَنَةَ سَبْعِيْنَ ومائة، واستخلف ولده داود على المغرب.
__________
1 ترجمته في المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 142"،
وفيات الأعيان لابن خلكان "6/ ترجمة 819"، والنجوم الزاهرة
لابن تغري بردي "2/ 1"، خزانة الأدب للبغدادي "3/ 51".
(7/267)
1217- أخوه الأَمِيْرُ رَوح بنُ حَاتِمٍ 1:
وَلِيَ المَغْرِبَ أَيْضاً، ثُمَّ قَدِمَ، فَوَلِيَ
الكُوْفَةَ وَالبَصْرَةَ، وَكَانَ أَحَدَ الأَبْطَالِ
كَأَخِيْهِ، وَوَلِيَ السِّنْدَ أَيْضاً.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ. وَلَهُ
أَخْبَارٌ وَمَآثِرُ فِي الكرم.
__________
1 ترجمته في المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 125"،
وفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 239"، والعبر "1/
266"، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 275".
(7/268)
1218- أيوب بن
جابر 1: "د، ت"
السُّحَيمي، اليمامي، الفَقِيْهُ، المُحَدِّثُ، أَبُو
سُلَيْمَانَ.
أَخَذَ عَنِ الكُوْفِيِّيْنَ: آدَمَ بنِ عَلِيٍّ،
وَحَمَّادٍ الفَقِيْهِ، وسِماك بنِ حرب، وجماعة.
حَدَّثَ عَنْهُ: خَالِدُ بنُ مِرْدَاسٍ، وَسَعِيْدُ بنُ
يَعْقُوْبَ الطَّالْقاني، وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ،
ولُوَين، وَعَلِيُّ بنُ حُجر، وَآخَرُوْنَ. وَهُوَ سَيِّئُ
الحِفْظِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدِيْثهُ يُشْبِهُ حَدِيْثَ
أَهْلِ الصِّدْقِ.
وَقَالَ الفَلاَّسُ: صَالِحٌ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ
النَّسَائِيُّ: ضَعِيْفٌ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ هُوَ أَيُّوْبُ بنُ جَابِرِ بنِ
سَيَّارِ بنِ طَلْقٍ الحَنَفِيُّ، يَرْوِي عَنْ: بِلاَلِ
بنِ المُنْذِرِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُصم، يُخطِئُ حَتَّى
خَرَجَ عَنْ حَدِّ الاحْتِجَاجِ بِهِ؛ لِكَثْرَةِ
وَهْمِهِ.
قلت بقِيَ إلى نحو الثمانين ومائة.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 1309"، والمعرفة
والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 260"، والجرح والتعديل "2/
ترجمة 862"، تهذيب التهذيب "1/ 399"، تقريب التهذيب "1/
89".
(7/268)
1219- أيوب بن عُتْبة 1: "ق"
الفَقِيْهُ، قَاضِي اليَمَامَةِ، أَبُو يَحْيَى.
حَدَّثَ عَنْ: عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَقَيْسِ بنِ
طَلْق، وَأَبِي بَكْرٍ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ
حَزْمٍ، وَإِيَاسِ بنِ سَلَمَةَ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي
كَثِيْرٍ.
وَعَنْهُ: الأَسْوَدُ شَاذَانُ، وَحَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ،
وَأَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ، وَسَعْدَوَيْه، وَعَاصِمُ بنُ
عَلِيٍّ، وَآدَمُ بنُ أَبِي إِيَاسٍ، وَمَحْمُودُ بنُ محمد
الظفري شيخ ابن صاعد، وآخرون.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ضَعِيْفٌ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ: لَيِّنُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ بَعْضُهُم: هُوَ مُكْثِرٌ عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي
كَثِيْرٍ، وَكِتَابُهُ عَنْهُ صَحِيْحٌ.
وَرَوَى عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى قَالَ: لَيْسَ
بِالقَوِيِّ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: فِيْهِ لِيْنٌ، حَدَّثَ مِنْ
حِفْظِهِ، فَغَلِطَ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يُخطِئُ كَثِيْراً، فَمِنْ
ذَلِكَ:
عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ
حَبَشِيٌّ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ: فُضِّلْتُم عَلَيْنَا بِالأَلوَانِ،
وَالصُّوَرِ، وَالنُّبُوَّةِ، أَفَرَأَيتَ إِنْ آمَنتُ
وَعَمِلْتُ بِمَا عَمِلتَ إِنِّيْ لَكَائِنٌ مَعَكَ فِي
الجَنَّةِ? قَالَ: "نَعَمْ، إِنَّهُ لَيُرَى بَيَاضُ
الأَسْوَدِ مِنْ مَسِيْرَةِ أَلْفِ سَنَةٍ ... "، وَذَكَرَ
الحَدِيْثَ2. رَوَاهُ عَنْهُ: عَفِيْفُ بنُ سَالِمٍ. قَالَ
ابْنُ حِبَّانَ: بَاطِلٌ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ أَيُّوْبُ بنُ عُتْبَةَ
صَحِيْحَ الكتاب.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 1347"، المعرفة
والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 171"، الجرح والتعديل "2/
ترجمة 907"، والمجروحين لابن حبان "1/ 169-170"، ميزان
الاعتدال "1/ ترجمة 1090"، تهذيب التهذيب "1/ 408"، وتقريب
التهذيب "1/ ترجمة 703".
2 ذكره ابن حبان في "المجروحين" "1/ 169-170".
(7/269)
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: أَمَّا كُتُبُهُ
فَصَحِيْحَةٌ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مُضْطَرِبُ الحَدِيْثِ.
قُلْتُ: وَلَهُ عَنْ قَيْسِ بنِ طَلْقٍ، عَنْ أَبِيْهِ،
مَرْفُوْعاً: "لاَ تَمْنَعِ المرأة نفسها، ولو على قتب" 1.
قيل: مات في سنة سبعين ومائة.
__________
1 صحيح لغيره: أخرجه ابن عدي في "الكامل" "1/ 352" من طريق
سعيد بن سليمان، عن أيوب بن عتبة، عن قيس بن طلق بن علي،
عن أبيه، به مرفوعا.
قلت: إسناده ضعيف، آفته أيوب بن عتبة، فإنه ضعيف كما ذكر
المؤلف، وأخرجه البزار في "مسنده": حدثنا محمد بن ثعلبة بن
محمد بن سواء، حدثنا محمد بن سواء، حدثنا سعيد، عن قتادة،
عن القاسم الشيباني، عن زيد بن أرقم أن رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- قال: "إذا دعا الرجل امرأته فلتجب، وإن
كانت على هر قتب".
قلت: إسناده حسن، محمد بن ثعلبة، صدوق كما قال الحافظ في
"التقريب"، وقد تابعه بشر بن عبد الملك، أخبرنا محمد بن
سواء، به بلفظ: "لا تمنع المرأة زوجها نفسها، وإن كانت على
قتب". أخرجه الطبراني في "الأوسط" عن محمد بن يزيد
الأسفاطي، حدثنا أبو يزيد الكوفي بشر بن عبد الملك، أخبرنا
محمد بن سواء، به. فالحديث صحيح بمجموع هذه الطرق والله
أعلم.
(7/270)
1220- محمد بن
جابر 1: "د، ق"
ابن سيار السحيمي، اليمامي، أَخُو أَيُّوْبَ.
حَدَّثَ عَنْ: حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَيَحْيَى بنِ
أَبِي كَثِيْرٍ، وَقَيْسِ بنِ طَلْقٍ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَابْنُ عَوْنٍ
-وَهُمَا مِنْ شُيُوْخِهِ- ومُسَدَّد، ولُوَين،
وَإِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، وَآخَرُوْنَ.
ضَعَّفَهُ يَحْيَى، وَالنَّسَائِيُّ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَاءَ حِفْظُهُ، وَذَهَبتْ
كُتُبُهُ.
قُلْتُ: مَا هُوَ بِحُجَّةٍ، وَلَهُ مَنَاكِيْرُ عِدَّةٌ
كَابْنِ لَهِيْعَةَ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ بضع وسبعين ومائة.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 111"، والكنى
للدولابي "2/ 59"، والضعفاء الكبير "4/ ترجمة 1589"،
والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 121" و"3/ 260"،
الجرح والتعديل "7/ 219"، والمجروحين لابن حبان "2/ 270"،
وابن عدي في "الكامل" "6/ ترجمة رقم 1646"، وميزان
الاعتدال "3/ ترجمة 7301"، وتهذيب التهذيب "9/ 89"، وتقريب
التهذيب "2/ 150"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 6104".
(7/270)
1221- جعفر بن
سليمان 1:
ابن علي بن حبر الأمة عبد الله بن عباس، الأَمِيْرُ،
سَيِّدُ بَنِي هَاشِمٍ، أَبُو القَاسِمِ العَبَّاسِيُّ،
ابْنُ عَمِّ المَنْصُوْرِ.
رَوَى عَنْ أَبِيْهِ.
وَعَنْهُ: ابْنَاهُ؛ قَاسِمٌ وَيَعْقُوْبُ، وَعُمَرُ بنُ
عَامِرٍ، وَالأَصْمَعِيُّ.
وَكَانَ مِنْ نُبَلاَءِ المُلُوْكِ جُوداً وَبَذْلاً،
وَشَجَاعَةً وَعِلماً، وَجَلاَلَةً، وَسُؤْدُداً، وَلِيَ
المَدِيْنَةَ، ثُمَّ مَكَّةَ مَعَهَا، ثُمَّ عُزِلَ،
فَوَلِيَ البَصْرَةَ لِلرَّشِيْدِ.
قَالَ عَبْدُ السَّمِيْعِ بنُ عَلِيٍّ: لاَ نَعْرِفُ فِي
بَنِي هَاشِمٍ أَغبَطَ مِنْهُ، حَصَلَ لَهُ الشَّرَفُ
وَالإِمْرَةُ وَالمَالُ الجَمُّ، وَالأَوْلاَدُ الزُّهْر،
وَالعَبِيْدُ.
مَاتَ عن ثمانين ولدًا لصلبه، منهم ثلاث وَأَرْبَعُوْنَ
ذَكَراً.
وَوَلِيَ ابْنُهُ أَيُّوْبُ اليَمَنَ فِي حَيَاتِه.
وَلَهُ مَآثِرُ كَثِيْرَةٌ وَوَقْفٌ عَلَى
المُنْقَطِعِيْنَ.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَكرَمَ أَخْلاَقاً،
وَلاَ أَشْرَفَ أَفْعَالاً مِنْهُ.
وَفِيْهِ يَقُوْلُ حَبِيْبُ بنُ شَوْذَبٍ:
يَا أَيُّهَا السَّائِلُ عَنْ هَاشِمٍ ... هَلْ لَكَ فِي
سَيِّدِهَا جَعْفَرِ
هَلْ لَكَ فِي أَشْبَهِهِمْ غُرَّةً ... إِذَا بَدَا
بِالقَمَرِ الأَزْهَرِ
وَلِي المَدِيْنَةَ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ،
بَعْدَ عَبْدِ الله بن الربيع الحارثي.
وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: رَكِبَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ
فِي زِيٍّ عَجِيْبٍ مِنَ التَّجَمُّلِ، وَكَانَ
بِالبَصْرَةِ فَقِيْهٌ صَالِحٌ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ،
فَخَرَجَ إِلَى طَرِيْقِ جَعْفَرٍ، فَقَالَ لَهُ: يَا
جَعْفَرُ! اُنْظُرْ أَيَّ رَجُلٍ تَكُوْنُ إِذَا خَرَجتَ
مِنْ قَبْرِكَ، وَحُمِلْتَ عَلَى الصِّرَاطِ، وَهَذَا
الجَمعُ وَالزِّيُّ لاَ يُسَاوِي غدًا حبة، ولا
__________
1 ترجمته في المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 131"،
وعيون الأخبار لابن قتيبة "1/ 222" و"2/ 253" و"3/ 24
و199".
(7/271)
يُغْنُوْنَ عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً،
إِنَّكَ تَمُوتُ وَحدَكَ، وَتَدْخُلُ قَبْرَكَ وَحْدَكَ،
وَتَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَحدَكَ، وَتُحَاسَبُ
وَحدَكَ، فَانظُرْ لِنَفسِكَ، فَقَدْ نَصَحتُكَ.
ذَكَرَ ابْنُ الفُوطي1، جَعْفَراً، فَلَقَّبَهُ: بِسَيِّدِ
بَنِي هَاشِمٍ، وَقَالَ: كَانَ لَهُ بِالبَصْرَةِ كُلَّ
يَوْمٍ غَلَّةُ ثَمَانِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ.
وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: غَسلت جَعْفَرَ بنَ
سُلَيْمَانَ، وَزَرَرْتُ عَلَيْهِ قَمِيْصَه حِيْنَ
أَلبَستُهُ الكَفَنَ، ثُمَّ جَاءَ عَمُّهُ عَبْدُ
الصَّمَدِ بِتِسْعَةِ أَثْوَابٍ لِيُكَفِّنَه فِيْهَا،
فَمَا كُفِّنَ إِلاَّ فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ عَمَلاً
بِالسُّنَّةِ.
وَقَدِ امْتَدَحَه جَمَاعَةٌ، وَأَخَذُوا جَوَائِزَه.
تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقِيْلَ: سَنَةَ خَمْسٍ.
__________
1 ابن الفوطي، هو العالم البارع المتفنن المحدث المفيد
مؤرخ الآفات مفخر أهل العراق كمال الدين أبو الفضائل عبد
الرزاق بن أحمد بن محمد بن أبي المعالي الشيباني ابن
الفوطي نسبة إلى جد أبيه لأمه، ويعرف أيضا بابن الصابوني
ينتسب إلى الأمير معين بن زائدة وأصله مروزي، له كتاب في
خمسين مجلدا سماه "مجمع الآداب في معجم الأسماء على معجم
الألقاب" وألف كتاب "درر الأصداف في غرر الأوصاف" وهو كبير
جدا ذكر أنه جمعه من ألف كتاب مصنف من التواريخ والدواوين
والأنساب والمجاميع عشرون مجلدا بيض منها خمسة. وكتاب
"المؤتلف والمختلف"، وله كتاب "التواريخ على الحوادث"،
وكتاب "حوادث المائة السابعة"، وكتاب "الدرر الناصعة في
شعراء المائة السابعة"، في عدة مجلدات. مات في المحرم سنة
ثلاث وعشرين وسبعمائة ببغداد عن إحدى وثمانين سنة. ترجمته
في "تذكرة الحفاظ" "4/ ترجمة 1173". ولسان الميزان "4/
ترجمة 23".
(7/272)
1222- أخوه
محمد بن سليمان 1:
ولي البصرة أيضًا، وكان فارس بن هاشم، قتل إبراهيم بن عبد
الله الخَارِجَ عَلَى المَنْصُوْرِ.
وَوَلِيَ أَيْضاً مَمْلَكَةَ فَارِسٍ، وَكَانَ جَوَاداً،
مُمَدحًا.
قِيْلَ: إِنَّ الرَّشِيْدَ احْتَاطَ عَلَى تَرِكَته،
فَكَانَتْ خَمْسِيْنَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
وَقَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ عَظِيْمَ قَوْمِهِ، وَيُقَالُ:
إِنَّهُ قَالَ عِنْدَ المَوْتِ: يَا لَيْتَ أُمِّي لَمْ
تَلِدْنِي، وَيَا لَيْتَنِي كُنْتُ حمَّالا. وَكَانَ
رَقِيْقَ القلب.
توفي سنة ثلاث وسبعين ومائة.
__________
1 ترجمته في تاريخ بغداد "5/ 291"، الوافي بالوفيات لصلاح
الدين الصفدي "3/ 121"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي
"2/ 47 و70 و73".
(7/272)
1223- رابعة
العدوية 1:
البَصْرِيَّةُ، الزَّاهِدَةُ، العَابِدَةُ، الخَاشعَةُ،
أُمُّ عَمْرٍو رَابِعَةُ بِنْتُ إِسْمَاعِيْلَ، وَلاَؤُهَا
لِلْعَتَكِيِّينَ. وَلَهَا سِيْرَةٌ فِي "جُزْءٍ" لابْنِ
الجَوْزِيِّ.
قَالَ خَالِدُ بنُ خِدَاشٍ: سَمِعَتْ رَابِعَةُ صَالِحاً
المُرِّيَّ يَذْكُرُ الدُّنْيَا فِي قَصَصِهِ،
فَنَادَتْهُ: يَا صَالِحُ، مَنْ أَحَبَّ شَيْئاً، أَكْثَرَ
مِنْ ذِكْرِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ البُرجُلاني: حَدَّثَنَا
بِشْرُ بنُ صَالِحٍ العَتَكِيُّ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ نَاسٌ
عَلَى رَابِعَةَ وَمَعَهُم سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ،
فتذاكروا عندها سَاعَةً، وَذَكَرُوا شَيْئاً مِنَ
الدُّنْيَا، فَلَمَّا قَامُوا، قَالَتْ لِخَادِمَتِهَا:
إِذَا جَاءَ هَذَا الشَّيْخُ وَأَصْحَابُهُ، فَلاَ
تَأْذَنِي لَهُم، فَإِنِّي رَأَيتُهُم يُحِبُّونَ
الدُّنْيَا.
وَعَنْ أَبِي يَسَارٍ مِسْمَعٍ، قَالَ: أَتَيْتُ
رَابِعَةَ، فَقَالَتْ: جِئْتَنِي وَأَنَا أَطبُخُ أَرْزاً،
فَآثَرتُ حَدِيْثَكَ عَلَى طَبِيْخِ الأَرْزِ، فَرَجَعتْ
إِلَى القِدْرِ وَقَدْ طُبِخَتْ.
ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
الحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي عُبَيْسُ بنُ مَيْمُوْنٍ
العَطَّارُ، حَدَّثَتْنِي عبدة بن أَبِي شَوَّالٍ
-وَكَانَتْ تَخْدُمُ رَابِعَةَ العَدَوِيَّةَ- قَالَتْ:
كَانَتْ رَابِعَةُ تُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّهُ، فَإِذَا
طَلَعَ الفَجْرُ، هَجَعَتْ هَجْعَةً حَتَّى يُسْفِرَ
الفَجْرُ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهَا تَقُوْلُ: يَا نَفْسُ كَمْ
تَنَامِيْنَ، وَإِلَى كَمْ تَقُوْمِيْنَ، يُوْشِكُ أَنْ
تَنَامِي نَوْمَةً لاَ تَقُوْمِيْنَ مِنْهَا إِلاَّ
لِيَوْمِ النُّشُورِ.
قَالَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: دخلتُ مَعَ الثوريِّ
عَلَى رَابِعَةَ، فَقَالَ سُفْيَانُ: وَاحُزْنَاهُ!
فَقَالَتْ: لاَ تَكْذِبْ، قُلْ: وَاقِلَّةَ حُزْنَاهُ!
وَعَنْ حَمَّادٍ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَسَلاَّمُ بنُ
أَبِي مُطِيْعٍ عَلَى رَابِعَةَ، فَأَخَذَ سَلاَّمٌ فِي
ذِكْرِ الدُّنْيَا، فَقَالَتْ: إِنَّمَا يُذكَرُ شَيْءٌ
هُوَ شَيْءٌ، أَمَّا شَيْءٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ، فَلاَ.
شَيْبَانُ بنُ فَرُّوْخٍ: حَدَّثَنَا رِيَاحٌ القَيْسِيُّ،
قَالَ: كُنْتُ اخْتَلَفتُ إِلَى شُمَيْطٍ أَنَا
وَرَابِعَةُ، فَقَالَتْ مَرَّةً: تَعَالَ يَا غُلاَمُ.
وَأَخَذَتْ بِيَدِي، وَدَعَتِ اللهَ، فَإِذَا جَرَّةٌ
خَضْرَاءُ مَمْلُوْءةٌ عَسَلاً أَبْيَضَ، فَقَالَتْ: كُلْ،
فَهَذَا -وَاللهِ- لَمْ تَحْوِهِ بطون النحل. ففرغت مِنْ
ذَلِكَ، وَقُمنَا، وَتَرَكْنَاهُ.
قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ الأَعْرَابِيِّ: أَمَّا
رَابِعَةُ، فَقَدْ حَمَلَ النَّاسُ عَنْهَا حِكْمَةً
كَثِيْرَةً، وَحَكَى عَنْهَا: سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ،
وَغَيْرُهُمَا مَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلاَنِ مَا قِيْلَ
عنها، وقد تمثلته بهذا:
__________
1 ترجمتها في الإحياء للغزالي "2/ 267"، وفيات الأعيان
لابن خلكان "3/ ترجمة 231"، والعبر "1/ 278"، وشذرات الذهب
لابن العماد الحنبلي "1/ 193"، والنجوم الزاهرة لابن تغري
بردي "1/ 330".
(7/273)
وَلَقَدْ جَعَلْتُكَ فِي الفُؤَادِ
مُحَدِّثِي ... وَأَبَحْتُ جِسْمِيَ من أراد جلوسي
فنسبها بعضهم إلى الحلو بِنِصْفِ البَيْتِ، وَإِلَى
الإِبَاحَةِ بِتَمَامِهِ.
قُلْتُ: فَهَذَا غُلُوٌّ وَجَهْلٌ، وَلَعَلَّ مَنْ
نَسَبَهَا إِلَى ذَلِكَ مُبَاحِيٌّ حُلُوْلِيٌّ،
لِيَحْتَجَّ بِهَا عَلَى كُفْرِهِ، كَاحْتِجَاجِهِم
بِخَبَرِ: "كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ" 1.
قِيْلَ: عَاشَتْ ثَمَانِيْنَ سَنَةً.
تُوُفِّيَتْ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
__________
1 صحيح: وهو جزء من حديث رواه البخاري "6502" عن أبي هريرة
مرفوعا، وتمامه: "إِنَّ اللهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي
وَلِيّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وما تقرب إلي عبدي
بشيء أحب إلي مما افترضته عليه. وما يزال عبدي يتقرب إليَّ
بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به
وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي
بها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذ بي لاعيذنه, وما ترددت
عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا
أكره مساءته".
(7/274)
1224- أَمَّا رَابِعَةُ الشَّامِيَّةُ 2:
العَابِدَةُ، فَأُخْرَى مَشْهُوْرَةٌ، أَصْغَرُ مِنَ
العَدَوِيَّةِ، وَقَدْ تَدْخُلُ حِكَايَاتُ هَذِهِ فِي
حِكَايَاتِ هَذِهِ، وَالثَّانِيَةُ هِيَ القَائِلَةُ مَا
رَوَى أحمد بن أبي الحواري، عن عَبَّاسِ بنِ الوَلِيْدِ،
أَنَّهَا قَالَتْ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْ قِلِّةِ
صِدْقِي فِي قَوْلِي: أَسْتَغْفِرُ اللهَ.
__________
1 ترجمتها في صفوة الصفوة لابن الجوزي "4/ 300"، شذرات
الذهب لابن العماد الحنبلي "2/ 110".
(7/274)
مُلُوْكُ الأَنْدَلُسِ:
1225- عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُعَاوِيَةَ بنِ هِشَامٍ 1:
ابْنِ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ بنِ
أَبِي العَاصِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ
مَنَافٍ، أَمِيْرُ الأَنْدَلُسِ وَسُلْطَانُهَا، أَبُو
المُطَرِّفِ الأُمَوِيُّ، المَرْوَانِيُّ، المَشْهُوْرُ:
بِالدَّاخِلِ؛ لأَنَّهُ حِيْنَ انْقَرَضَتْ خِلاَفَةُ
بَنِي أُمَيَّةَ مِنَ الدُّنْيَا، وَقُتِلَ مَرْوَانُ
الحِمَارُ، وَقَامَتْ دَوْلَةُ بَنِي العَبَّاسِ، هَرَبَ
هَذَا، فَنَجَا، وَدَخَلَ إِلَى الأَنْدَلُسِ،
فَتَمَلَّكَهَا.
وَذَلِكَ أَنَّهُ فَرَّ مِنْ مِصْرَ، فِي آخِرِ سَنَةِ
اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ، إِلَى أَرْضِ بَرْقَةَ،
فَبَقِيَ بِهَا خَمْسَ سِنِيْنَ، ثُمَّ دَخَلَ المَغْرِبَ،
فَنَفَّذَ مَوْلاَهُ بَدْراً يَتَجَسَّسُ لَهُ، فَقَالَ
لِلْمُضَرِيَّةِ: لَوْ وجدتم رجلا من
__________
1 ترجمتها في فوات الوفيات لمحمد بن شاكر الكتبي "2/
302-303"، ونفخ الطيب للمقري "1/ 327".
(7/274)
بَيْتِ الخِلاَفَةِ، أَكُنْتُم
تُبَايِعُوْنَهُ? قَالُوا: وَكَيْفَ لَنَا بِذَلِكَ?
فَقَالَ: هَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُعَاوِيَةَ.
فَأَتَوْهُ، فَبَايَعُوْهُ، فَتَمَلَّكَ الأَنْدَلُسَ
ثَلاَثاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، وَبَقِيَ المُلْكُ فِي
عَقِبِهِ إِلَى سَنَةِ أَرْبَعٍ مائَةٍ. وَلَمْ
يَتَلَقَّبْ بِالخِلاَفَةِ، لاَ هُوَ وَلاَ أَكْثَرُ
ذُرِّيَتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يُقَالُ: الأَمِيْرُ فُلاَنُ.
وَأَوَّلُ مَنْ تَلَقَّبَ بِأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ
مِنْهُم: النَّاصِرُ لدين الله، في حدود العشرين
وثلاثمائة، عِنْدَمَا بَلَغَهُ ضَعْفُ خُلَفَاءِ العَصْرِ،
فَقَالَ: أَنَا أولى بإمرة المؤمنين.
دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُعَاوِيَةَ الأَنْدَلُسَ
فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ.
وَمَوْلِدُهُ بِأَرْضِ تَدْمُرَ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ
وَمائَةٍ، فِي خِلاَفَةِ جَدِّهِ.
وَأَمَّا أَبُو القَاسِمِ بنُ بَشْكُوَالَ الحَافِظُ،
فَقَالَ: فَرَّ مِنَ المَشْرِقِ عِنْد انْقِرَاضِ
مُلْكِهِم، هُوَ وَأَخَوَانِ أَصْغَرَ مِنْهُ، وَغُلاَمٌ
لَهُم، فَلَمْ يَزَالُوا يُخفُوْنَ أَنْفُسَهُم،
وَالجَعَائِلُ قَدْ جُعِلتْ عَلَيْهِم، وَالمَرَاصِدُ،
فَسَلَكُوا حَتَّى وَصَلُوا وَادِي بِجَايَةَ، فَبَعَثَوا
الغُلاَمَ يَشْتَرِي لَهُم خُبْزاً، فَأُنكِرَتِ
الدَّرَاهِمُ، وَقُبِضَ عَلَى الغُلاَمِ، وَضُرِبَ،
فَأَقَرَّ فَأَركَبُوا خَيْلاً، فَرَأَى عَبْدُ
الرَّحْمَنِ الفُرْسَانَ، فَتَهَيَّأَ لِلسِّبَاحَةِ،
وَقَالَ لأَخَوَيْهِ: اسْبَحَا مَعِي. فَنجَا هُوَ،
وَقَصَّرَا، فَأَشَارُوا إِلَيْهِمَا بِالأَمَانِ،
فَلَمَّا حَصَلاَ فِي أَيْدِيهِم، ذَبَحُوْهُمَا،
وَأَخُوْهُمَا يَنْظُرُ مِنْ هُنَاكَ، ثُمَّ آوَاهُ شَيْخٌ
كَرِيْمُ العَهْدِ، وَقَالَ: لأَسْتُرَنَّكَ جَهدِي.
فَوَقَعَ عَلَيْهِ التَّفَتِيشُ بِبِجَايَةَ، إِلَى أَنْ
جَاءَ الطَّالِبُ إِلَى دَارِ الشَّيْخِ، وَكَانَ لَهُ
امْرَأَةٌ ضَخْمَةٌ، فَأَجْلَسَهَا تَتَسَرَّحُ، وَأَخْفَى
عَبْدَ الرَّحْمَنِ تَحْتَ ثِيَابِهَا، وَصَيَّحَ
الشَّيْخ: يَا سُبْحَانَ اللهِ! الحُرَمُ. فَقَالُوا: غطَّ
أَهْلَكَ. وَخَرَجُوا، وَسَتَرَهُ اللهُ مُدَّةً، ثُمَّ
دَخَلَ الأَنْدَلُسَ فِي قَارِبِ سَمَّاكٍ، فَحَصَلَ
بِمَدِيْنَةِ المنُكَّب.
وَكَانَ قُوَّادُ الأَنْدَلُسِ وَجُنْدُهَا مَوَالِي بَنِي
أُمَيَّةَ، فَبَعَثَ إِلَى قَائِدٍ، فَأَعْلَمَهُ
بِشَأْنِهِ، فَقَبَّلَ يَدَيْهِ، وَفَرِحَ بِهِ،
وَجَعَلَهُ عِنْدَهُ، ثُمَّ قَالَ: جَاءَ الَّذِي كُنَّا
نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ إِذَا انْقَرَضَ مُلْكُ بَنِي
أُمَيَّةَ بِالمَشْرِقِ، نَبَغَ مِنْهُم عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بِالمَغْرِبِ. ثُمَّ كَتَبَ إِلَى المَوَالِي،
وَعَرَّفَهُم، فَفَرِحُوا، وَأَصْفَقُوا عَلَى بَيْعَتِهِ،
واستوثقوا من أُمَرَاءِ العَرَبِ، وَشُيُوْخِ البَرْبَرِ.
فَلَمَّا اسْتَحكَمَ الأَمْرُ، أَظْهَرُوا بَيْعَتَه
بَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ، وَذَلِكَ فِي رَبِيْعٍ
الآخِرِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، فَقَصَدَ
قُرْطُبَةَ، وَمُتَوَلِّي الأَنْدَلُسِ يَوْمَئِذٍ:
يُوْسُفُ الفِهْرِيُّ، فَاسْتَعَدَّ جَهدَهُ،
فَالْتَقَوْا، فَانْهَزَمَ يُوْسُفُ، وَدَخَلَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ مُعَاوِيَةَ الدَّاخِلُ قصرَ قُرْطُبَةَ
يَوْمَ الجُمُعَةِ، يَوْمَ الأَضْحَى مِنَ العَامِ. ثُمَّ
حَارَبَه يُوْسُفُ ثَانِياً وَدَخَلَ قُرْطُبَةَ،
وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا، وَكَرَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
عَلَيْهِ، فَهَرَبَ يُوْسُفُ، وَالْتَجَأَ إِلَى
غَرْنَاطَةَ، فَامْتَنَعَ بِإِلْبِيْرَةَ. فَنَازَلَهُ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَضَيَّقَ عَلَيْهِ، وَرَأَى يُوْسُفُ
اجْتِمَاعَ الأَمْرِ لِلدَّاخِلِ، فَنَزَلَ بِالأَمَانِ
بِمَحْضَرٍ مِنْ قَاضِي الأَنْدَلُسِ يَحْيَى بنِ يَزِيْدَ
التُّجيبي، وَكَانَ رَجُلاً
(7/275)
صَالِحاً، اسْتَعْمَلَهُ عَلَى القَضَاءِ
عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، فَزَادَهُ الدَّاخِلُ
إِجْلاَلاً وَإِكْرَاماً، فَبَقِيَ عَلَى قَضَائِهِ إِلَى
أَنْ مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ،
فَاسْتَعْمَلَ عَلَى القَضَاءِ مُعَاوِيَةَ بنَ صَالِحٍ.
فَلَمَّا أَرَادَ مُعَاوِيَةُ هَذَا، الحَجَّ، وَجَّهَهُ
الدَّاخِلُ إِلَى أُخْتَيْهِ بِالشَّامِ، وَعَمَّتِهِ
رَمْلَةَ بِنْتِ هِشَامٍ، لِيَعمَلَ الحِيْلَةَ فِي
إِدْخَالِهِنَّ إِلَى عِنْدِهِ، وَأَنْشَدَ عِنْدَ ذَلِكَ:
أَيُّهَا الرَّكْبُ المُيَمِّمُ أَرْضِي ... أَقْرِ مِنْ
بَعْضِي السَّلاَمَ لِبَعْضِي
إِنَّ جِسْمِي كَمَا عَلِمْتَ بِأَرْضٍ ... وَفُؤَادِي
وَمَالِكِيْهِ بِأَرْضِ
قُدِّرَ البَيْنُ بَيْنَنَا فَافْتَرَقْنَا ... فَطَوَى
البَيْنُ عَنْ جُفُوْنِي غَمْضِي
وَقَضَى اللهُ بِالفِرَاقِ عَلَيْنَا ... فَعَسَى
بِاجْتِمَاعِنَا سَوْفَ يَقْضِي
فَلَمَّا وَصلَ إِلَيْهنَّ، قُلْنَ: السَّفَرُ، لاَ
نَأْمَنُ غوَائِلَهُ عَلَى القُربِ، فَكَيْفَ وَقَدْ
حَالَتْ بَيْننَا بِحَارٌ وَمَفَاوِزُ، وَنَحْنُ حُرَمٌ،
وَقَدْ آمَنَنَا هؤلاء القوم على معرفتهم بِمَكَانِنَا
مِنْهُ، فَحَسْبُنَا أَنْ نَتَمَلَّى المَسَرَّةَ
بِعِزَّةٍ وَعَافِيَةٍ.
فَانْصَرَف بِكِتَابِهِمَا، وَبَعَثَا إِلَيْهِ بِأَعلاَقٍ
نَفِيْسَةٍ مِنْ ذَخَائِرِ الخِلاَفَةِ، فَسُرَّ بِهَا
الأَمِيْرُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَقَضَى لِرَأْيِهِمَا
بِالرَّجَاحَةِ، ثُمَّ بَعْدُ وَصَلَ آخَرُ مِنَ الشَّامِ
بِكِتَابٍ مِنْهُنَّ، وَبِهَدَايَا وَتُحَفٍ مِنْهَا:
رُمَّان مِنْ رُصَافَةِ جَدِّهِم هِشَامٍ، فَسُرَّ بِهِ
الدَّاخِلُ، وَكَانَ بِحَضْرتِهِ سَفَرُ بنُ عُبَيْدٍ
الكَلاعي مِنْ أَهْلِ الأُرْدُنِّ، فَأَخَذَ مِنَ
الرُّمَّانِ، وَزَرَعَ مِنْ عَجَمه بِقَرْيَتِهِ حَتَّى
صَارَ شَجَراً، وَزَادَ حُسْناً، وَجَاءَ بِثَمَرِهِ إِلَى
الأَمِيْرِ، وَكَثُرَ هُنَاكَ، وَيُعْرَفُ بالسَّفَري،
وَغَرَسَ مِنْهُ بِمُنْيَةِ الرُّصافة.
ورأى الداخل نخلة مفردة بالرصافة، فهاجمت شَجَنَهُ،
وَتذَكَّرَ وَطَنَهُ، فَقَالَ:
تَبَدَّتْ لَنَا وَسْطَ الرُّصَافَةِ نَخْلَةٌ ...
تَنَاءتْ بِأَرْضِ الغَرْبِ عَنْ بَلَدِ النَّخْلِ
فَقُلْتُ شَبِيْهِي فِي التَّغَرُّبِ وَالنَّوَى ...
وَطُوْلِ انْثِنَائِي عَنْ بَنِيَّ وَعَنْ أَهْلِي
نَشَأْتِ بِأَرْضٍ أَنْتِ فِيْهَا غَرِيْبَةٌ ...
فَمِثْلُكَ فِي الإِقْصَاءِ وَالمُنْتَأَى مِثْلِي
سَقَتْكِ عَوَادِي المُزْنِ مِنْ صَوْبِهَا الَّذِي ...
يسح وتستمري السماكين بالوبل
قَالَ ابْنُ حَيَّانَ: وَحِيْنَ افْتَتَحَ المُسْلِمُوْنَ
قُرْطُبَةَ، شَاطَرُوا أَهْلَهَا كَنِيْسَتَهُمُ
العُظْمَى، كَمَا فَعَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَخَالِدٌ
بِأَعَاجِمِ دِمَشْقَ، فَابْتَنَوْا فِيْهِ مَسْجِداً،
وَبَقِيَ الشَّطْرُ بِأَيْدِي الرُّوْمِ إِلَى أَنْ
كَثُرَتْ عِمَارَةُ قُرْطُبَةَ، وَتَدَاوَلَتْهَا بُعُوْثُ
العَرَبِ، فَضَاقَ المَسْجِدُ، وعُلق مِنْهُ سَقَائِفُ،
وَصَارَ النَّاسُ يَنَالُوْنَ مَشَقَّةً لِقِصَرِ
السَّقَائِفِ إِلَى أَنْ أَذْخَرَ اللهُ فِيْهِ الأَجْرَ
لِصَحِيْفَةِ الدَّاخِلِ، وَابْتَاعَ الشَّطْرَ الثَّانِي
مِنَ النَّصَارَى بِمائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ، وَقَبَضُوهَا
عَلَى مَلأٍ مِنَ النَّاسِ، وَرَضُوا بَعْدَ تَمَنُّعٍ،
وَعَمِلَ هَذَا
(7/276)
الجَامِعَ الَّذِي هُوَ فَخْرُ الأَرْضِ
وَشَرَفُهَا مِنْ مَالِ الأَخْمَاسِ، وَكَمُلَ عَلَى
مُرَادِهِ، وَكَانَ تَأْسِيسُهُ فِي سَنَةِ سَبْعِيْنَ
وَمائَةٍ، فَتَمَّتْ أَسْوَارُهُ فِي عَامٍ. وَبَلَغَ
الإِنفَاقُ فِيْهِ إِلَى ثَمَانِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ،
فَقَالَ دِحْيَةُ البَلَوِيُّ:
وَأَبْرَزَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَوَجْهِهِ ... ثَمَانِيْنَ
أَلْفاً مِنْ لُجَيْنٍ وَعَسْجَدِ
وَأَنْفَقَهَا فِي مَسْجِدٍ أُسُّهُ التُّقَى ...
وَمِنْحَتُهُ دِيْنُ النَّبِيِّ مُحَمَّدِ
تَرَى الذَّهَبَ النَّارِيَّ بَيْنَ سَمُوكِهِ ... يَلُوحُ
كَلَمْعِ البَارِقِ المُتَوَقِّدِ
وَقَالَ أَيْضاً:
بَنَيْتَ لأَهْلِ الدِّيْنِ بِالغَرْبِ مَسْجِداً ...
لِيُرْكَعَ لِلرَّحْمَنِ فِيْهِ وَيُسْجَدَا
جَمَعْتَ لَهُ الأَكْفَاءَ مِنْ كُلِّ صَانِعٍ ... فَقَامَ
بِمَنِّ اللهِ بَيْتاً مُمَجَّدَا
فَمَا لَبَّثُوْهُ غَيْرَ حَوْلٍ وَمَا خَلاَ ... إِلَى
أَنْ أَقَامُوْهُ منيعًا مشيدا
وَزُخْرِفَ بِالأَصْبَاغِ مِنْهُ سُقُوْفُهُ ... كَمَا
تَمَّمَ الوَشَّاءُ بُرْداً مُقَصَّدَا
وَبِالذَّهَبِ الرُّوْمِيِّ مُوِّهَ وَجْهُهُ ...
فَبُوْرِكَ مِنْ بَانٍ لِذِي العَرْشِ مَسْجِدَا
وَكَمُلَتْ أَبْهَاءُ الجَامِعِ سَبْعَةَ أَبْهَاءٍ، ثُمَّ
زَادَ مِنْ بَعْدِهِ حَفِيْدُهُ الحَكَمُ الرَّبَضي
بَهْوَيْنِ، ثُمَّ زَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الحَكَمِ
بَهْوَيْنِ، فَصَارَتْ أَحَدَ عَشَرَ بَهْواً، ثُمَّ زَادَ
المَنْصُوْرُ بنُ أَبِي عَامِرٍ ثَمَانِيَةَ أَبْهَاءٍ،
وَعَمِلَ جَامِعَ إِشْبِيْلِيَةَ وَسُوْرَهَا بَعْدَ
المائَتَيْنِ.
قَالَ ابْنُ بَشْكُوَالَ: كَانَ عَدَدُ القَومَةِ
لِجَامِعِ قُرْطُبَةَ فِي مُدَّةِ المَنْصُوْرِ
وَقَبْلَهَا ثَلاَثَ مائَةِ رَجُلٍ.
وَقَالَ ابْنُ مُزْيَنٍ: فِي قِبْلَتِهِ انْحِرَافٌ.
وَقَدْ رَكِبَ الحَكَمُ المُسْتَنْصِرُ بِاللهِ مَعَ
الوُزَرَاءِ وَالقَاضِي مُنْذِرٍ البَلُّوْطِيِّ، وَقَدْ
هَمَّ بِتَحْرِيْفِ القِبْلَةِ، فَقَالُوا: يَا أَمِيْرَ
المُؤْمِنِيْنَ، قَدْ صَلَّى بِهَذِهِ القِبْلَةِ خِيَارُ
الأَئِمَّةِ وَالتَّابِعُوْنَ، وَإِنَّمَا فُضِّل مَنْ
فُضِّل بِالاتِّبَاعِ، وَأَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ أَوْلَى
مَنِ اتَّبَعَ، فَتَرَكَ القِبْلَةَ بِحَالِهَا.
قَالَ ابْنُ حَيَّان: بَلَغَ الإِنفَاقُ فِي المِنْبَرِ
الحَكَمِيِّ إِلَى خَمْسَةٍ وثلاثين ألف دينار وسبعمائة
دِيْنَارٍ وَنَيِّفٍ، وَقَامَ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلاَثِيْنَ
أَلْفَ وَصْلَةٍ مِنَ الأَبْنُوْسِ، وَالصَّنْدَلِ،
والعُنَّاب، والبَقَّم فِي مُدَّةِ أَرْبَعِ سِنِيْنَ،
وَأَوَّلُ مَنْ خَطَبَ عَلَيْهِ مُنْذِرُ بنُ سَعِيْدٍ
البلُّوطي، وَبَلَغَتْ أَعمِدَةُ جَامِعِ قرطبة إلى ألف
وأربعمائة سَارِيَةٍ وَتِسْعِ سَوَارِيَ، وَعَمِلَ
النَّاصِرُ صَوْمَعَةً ارْتِفَاعُهَا مِنَ الأَرْضِ إِلَى
مَوْقِفِ المُؤَذِّنِ أَرْبَعَةٌ وَخَمْسُوْنَ ذِرَاعاً،
وَعَرضُهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ذِرَاعاً، وَبَأَعْلَى
ذِرْوَتِهَا سفُّود طَوِيْلٌ فِيْهِ ثَلاَثُ رُمَّانَاتٍ:
إِحْدَاهُمَا فِضَّةٌ، وَالأُخْرَى ذَهَبُ إِبرِيْزَ،
وَفَوْقَهَا سَوْسَنَةٌ ذَهَبٌ
(7/277)
مسدسة، فهذه المنارة إحدى عجائب
الدُّنْيَا، وَذَرْعُ المِحْرَابِ إِلَى دَاخِلَ
ثَمَانِيَةُ أَذْرُعٍ وَنِصْفٌ، وَمِنَ الشَّرقِ إِلَى
الغَرْبِ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ وَنِصْفٌ، وَارْتِفَاعُ
قَبْوِهِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ ذِرَاعاً وَنِصْفٌ، وذراع
المَقْصُوْرَةِ مِنَ الشَّرقِ إِلَى الغَرْبِ خَمْسَةٌ
وَسَبْعُوْنَ ذِرَاعاً، وَعَرضُهَا مِنْ جِدَارِ الخَشَبِ
إِلَى القِبْلَةِ اثنان وعشرون ذراعًا، وطول الجامع
ثلاثمائة وَثَلاَثُوْنَ ذِرَاعاً، وَمِنَ الشَّرقِ إِلَى
الغَرْبِ مائَتَانِ وَخَمْسُوْنَ ذِرَاعاً.
وَأَمَّا الإِسْلاَمُ فَكَانَ عَزِيْزاً مَنِيْعاً
بِالأَنْدَلُسِ فِي دَوْلَةِ الدَّاخِلِ، فَانْظُرْ إِلَى
هَذَا الأَمَانِ الَّذِي كَتَبَ عَنْهُ لِلنَّصَارَى:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ: كِتَابُ أَمَانٍ
وَرَحْمَةٍ، وَحَقْنِ دِمَاءٍ وَعِصْمَةٍ، عَقَدَهُ
الأَمِيْرُ الأَكْرَمُ المَلِكُ المُعَظَّمُ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ مُعَاوِيَةَ، ذُو الشَّرَفِ الصَّمِيْمِ،
وَالخَيْرِ العَمِيْمِ، لِلْبَطَارِقَةِ وَالرُّهْبَانِ،
وَمَنْ تَبِعَهُم مِنْ سَائِرِ البُلْدَانِ، أَهْلِ
قَشْتَالَةَ وَأَعْمَالِهَا، مَا دَامُوا عَلَى الطَّاعَةِ
فِي أَدَاءِ مَا تَحَمَّلُوْهُ، فَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ
أَنَّ عَهْدَهُ لاَ يُنسَخُ مَا أَقَامُوا عَلَى
تَأْدِيَةِ عَشْرَةِ آلاَفِ أُوْقِيَّةٍ مِنَ الذَّهَبِ،
وَعَشْرَةِ آلاَفِ رَطْلٍ مِنَ الفِضَّةِ، وَعَشْرَةِ
آلاَفِ رَأْسٍ مِنْ خِيَارِ الخَيْلِ، وَمِثْلِهَا مِنَ
البِغَالِ، مَعَ ذَلِكَ أَلْفُ دِرْعٍ وَأَلْفُ بَيْضَةٍ،
وَمِنَ الرِّمَاحِ الدَّرْدَارِ مِثْلُهَا فِي كُلِّ
عَامٍ، وَمَتَى ثَبتَ عَلَيْهِمُ النَّكْثُ بَأَسِيْرٍ
يَأْسِرُوْنَهُ، أَوْ مُسْلِمٍ يَغْدِرُوْنَه، انْتَكَثَ
مَا عُوْهِدُوا عَلَيْهِ، وَكُتِبَ لَهُم هَذَا الأَمَانُ
بِأَيْدِيهِم إِلَى خَمْسِ سِنِيْنَ، أَوَّلُهَا صَفَرٌ
عَامَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَذَكَرَ ابْنُ عَسَاكِرَ بِإِسْنَادٍ لَهُ: أَنَّ عَبْدَ
الرَّحْمَنِ لَمَّا عَدَّى إِلَى الجَزِيْرَةِ،
فَنَزَلَهَا، اتَّبَعَهُ أَهْلُهَا، ثُمَّ مَضَى إِلَى
إِشْبِيْلِيَةَ، فَاتَّبَعَهُ أَهْلُهَا، ثُمَّ مَضَى إلى
قُرْطُبَةَ، فَاتَّبَعَهُ مَنْ فِيْهَا، فَلَمَّا رَأَى
يُوْسُفُ الفِهْرِيُّ العَسَاكِرَ قَدْ أَظَلَّتْه، هَرَبَ
إِلَى دَارِ الشِّركِ، فَتَحَصَّنَ هُنَاكَ، وَغَزَاهُ
عَبْد الرَّحْمَنِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَوَقَعَتْ نُفْرَةٌ فِي
عَسْكَرِه، فَانْهَزَمَ، وَرُدَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِلاَ
حَرْبٍ، وَجَعَلَ لِمَنْ أَتَاهُ بِرَأسِ يُوْسُفَ جُعلا،
فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ يُوْسُفَ بِرَأسِهِ.
وَقَالَ الحُمَيْدِيُّ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
الأندلس، فقامت معه اليمانية، وحارب يوسف عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الفِهْرِيَّ مُتَوَلِّي الأَنْدَلُسَ،
فَهَزَمَه، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ أَهْلِ
العِلْمِ عَلَى سِيْرَةٍ جَمِيْلَةٍ مِنَ العَدْلِ.
وَقَالَ أَبُو المُظَفَّرِ الأبيْوَرْدي فِي "أَخْبَارِ
بَنِي أُمَيَّةَ": كَانَ النَّاسُ يَقُوْلُوْنَ: مَلَكَ
الأَرْضَ ابْنَا بربريَّتين -يَعْنِي: عَبْدَ الرَّحْمَنِ،
وَالمَنْصُوْرَ.
وَكَانَ المَنْصُوْرُ يَقُوْلُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بنِ مُعَاوِيَةَ: ذَاكَ صَقْرُ قُرَيْشٍ، دَخَلَ
المَغْرِبَ وَقَدْ قُتِلَ قَوْمُهُ، فَلَمْ يَزَلْ يَضرِبُ
العَدْنَانِيَّةَ بِالقَحْطَانِيَّةِ حَتَّى مَلَكَ.
(7/278)
وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عُثْمَانَ
اللُّغَوِيُّ المُتَوَفَّى سَنَةَ أَرْبَعِ مائَةٍ:
كَانَتْ بِقُرْطُبَةَ جَنَّةٌ اتَّخَذَهَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ مُعَاوِيَةَ، كَانَ فِيْهَا نَخْلَةٌ
أدركتُها.
وَفِي ذَلِكَ يَقُوْلُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
مُعَاوِيَةَ:
يَا نَخْلَ أَنْتِ غَرِيْبَةٌ مِثْلِي ... فِي الغَرْبِ
نَائِيَةٌ عَنِ الأَهْلِ
فَابْكِي وَهَلْ تَبْكِي مُلَمَّسَةٌ ... عَجْمَاءُ لَمْ
تُطْبَعْ عَلَى خَبْلِ
لَوْ أَنَّهَا تَبْكِي إِذَنْ لَبَكَتْ ... مَاءَ
الفُرَاتِ وَمَنْبِتَ النَّخْلِ
لَكِنَّهَا ذَهَلَتْ وَأَذْهَلَنِي ... بُغْضِي بَنِي
العَبَّاسِ عَنْ أَهْلِي
وَقَدْ وَلِيَ عَلَى الأَنْدَلُسِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
عَبْدِ اللهِ الغَافِقِيُّ فِي أَيَّامِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ
العَزِيْزِ، فَبَنَى تِلْكَ القَنَاطِرَ بِقُرْطُبَةَ
بِقِبْلِيِّ القَصْرِ وَالجَامِعِ، وَهِيَ ثَمَانِيَةَ
عَشَرَ قَوْساً، طولها ثمانمائة بَاعٍ، وَعَرضُهَا سِوَى
سَتَائِرِهَا عِشْرُوْنَ بَاعاً، وَارتِفَاعُهَا سِتُّوْنَ
ذِرَاعاً، وَهِيَ مِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا.
وَلَمَّا انْقَرَضَتْ دَوْلَةُ بَنِي أُمَيَّةَ، اتَّفَقَ
النَّاسُ عَلَى تَقْدِيْمِ يُوْسُفَ بنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ عُقْبَةَ بنِ
نَافِعٍ الفِهْرِيِّ، فَعَمُرتِ البِلاَدُ فِي أَيَّامِهِ،
وَاتَّسَعَتْ، فَلَمَّا أَرَادَ اللهُ ظُهُوْرَ مُلكِ
بَنِي أُمَيَّةَ بِالأَنْدَلُسِ، ذلَّتْ لِعَبْدِ
الرَّحْمَنِ قَبَائِلُ العَرَبِ، وَسُلِّمَ لَهُ الأَمْرُ،
وَقُتِلَ يُوْسُفُ الفِهْرِيُّ بِوَادِي الزَّيْتُوْنِ،
وَخُطِبَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بجميع الأمصار بها، وشيد
قرطبة وعزا عِدَّةَ غَزَوَاتٍ.
مِنْ ذَلِكَ: غَزْوَةُ قَشْتَالَةَ، جَازَ إِلَيْهَا مِنْ
نَهْرِ طُلَيْطِلَةَ، وَفَرَّتِ الرُّوْمُ أَمَامَهُ،
وَتَعلَّقَتْ بِالحِبَالِ، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى وَصَلَ
مَدِيْنَة بَرْنِيْقَةَ، مِنْ مَمْلَكَةِ قَشْتَالَةَ،
فَنَزَلَ عَلَيْهَا، وَأَمَرَ بِرَفْعِ الخِيَامِ،
وَشَرَعَ فِي البِنَاءِ، وَأَخَذَ النَّاسُ يبنون، فسلموا
إليه الأمان عِنْد إِيَاسِهِم مِنَ النَّجْدَةِ،
وَخَرَجُوا بِثِيَابِهِم فَقَطْ، وَمَا يُزَوِّدُهُم،
ثُمَّ كَتَبَ لأَهْلِ قَشْتَالَةَ ذَلِكَ الأَمَانَ
الَّذِي تَقَدَّمَ، وَهُوَ بِخَطِّ الوَزِيْرِ بِشْرِ بنِ
سَعِيْدٍ الغَافِقِيِّ.
وَلَمَّا صَفَا الأَمْرُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بَعْدَ
مَقْتَلِ عُثْمَانَ بنِ حَمْزَةَ، مِنْ ولد عمر ابن
الخَطَّابِ، وَذَلِكَ بَعْدَ سَبْعَةِ أَعْوَامٍ مِنْ
تَمَنُّعِهِ بِطُلَيْطِلَةَ، عَظُمَ سُلْطَانُه،
وَامْتَدَّتْ أَيَّامُهُ، وَعَاشَ سِتِّيْنَ سَنَةً، ثُمَّ
تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ،
وَأَيِسَتْ بَنُو العَبَّاسِ مِنْ مَمْلَكَةِ الأَنْدَلُسِ
لِبُعْدِ الشقة.
(7/279)
1226- هشام بن
عبد الرحمن بن معاوية 1:
الأَمِيْرُ أَبُو الوَلِيْدِ المَرْوَانِيُّ، بُوْيِعَ
بِالمُلْكِ بِالأَنْدَلُسِ عِنْدَ مَوْتِ وَالِدِهِ سَنَةَ
اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ، وَعُمُرُهُ إِذْ ذَاكَ
ثَلاَثُوْنَ سَنَةً، فَإِنَّهُ وُلِدَ بِالأَنْدَلُسِ.
وَكَانَ دَيِّناً، وَرِعاً يَشهَدُ الجَنَائِزَ،
وَيَعُوْدُ المَرْضَى، وَيَعدِلُ فِي الرَّعِيَّةِ،
وَيُكْثِرُ الصَّدَقَاتِ، وَيَتَعَاهَدُ المَسَاكِيْنَ.
وَأُمُّهُ: أُمُّ وَلَدٍ، اسْمُهَا حَوْرَاءُ.
وَلَمَّا احْتُضِرَ عَهِدَ، بِالأَمْرِ إِلَى وَلَدِهِ
الحَكَمِ.
وَمَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَمَانِيْنَ، وَمائَةٍ وَلَهُ
سَبْعٌ وَثَلاَثُوْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ.
وَلْنَذْكُرْ بَاقِي المَرْوَانِيَّةِ عَلَى نسق واحد.
__________
1 ترجمته في العقد الفريد لابن عبد ربه "4/ 490"، ونفح
الطيب للمقري "1/ 334".
(7/280)
1227- الحَكَمِ بنِ هِشَامِ 1:
ابنِ الدَّاخِلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن مُعَاوِيَةَ بنِ
هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مروان ابن الحَكَمِ
الأُمَوِيُّ، المَرْوَانِيُّ، أَبُو العَاصِ، أَمِيْرُ
الأَنْدَلُسِ، وَابْنُ أَمِيْرِهَا، وَحَفِيْدُ
أَمِيْرِهَا. وَيُلَقَّبُ: بِالمُرْتَضَى، وَيُعْرَفُ:
بالربضي؛ لما فعل بأهل الرَّبَضِ. بُوْيِعَ بِالمُلْكِ
عِنْدَ مَوْتِ أَبِيْهِ، فِي صَفَرٍ، سَنَةَ ثَمَانِيْنَ
وَمائَةٍ.
وَكَانَ مِنْ جَبَابِرَةِ المُلُوْكِ، وَفُسَّاقِهِم،
وَمُتَمَرِّدِيْهِم، وَكَانَ فَارِساً، شُجَاعاً،
فَاتِكاً، ذَا دَهَاءٍ، وَحَزمٍ، وَعُتُوٍّ، وَظُلْمٍ،
تَملَّكَ سَبْعاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً.
وَكَانَ فِي أَوَّلِ أَمرِهِ عَلَى سِيْرَةٍ حَمِيْدَةٍ،
تَلاَ فِيْهَا أَبَاهُ، ثُمَّ تَغَيَّرَ، وَتَجَاهَرَ
بِالمَعَاصِي.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَزْمٍ: كَانَ مِنَ
المُجَاهِرِيْنَ بِالمَعَاصِي، سَفَّاكاً لِلدِّمَاءِ،
كَانَ يَأْخذُ أَوْلاَدَ النَّاسِ المِلاَحَ،
فَيَخْصِيْهِم وَيُمْسِكُهُم، لِنَفْسِهِ. وَلَهُ شِعْرٌ
جَيِّدٌ.
قَالَ اليَسَعُ بنُ حَزْمٍ: هَمَّتِ الرُّوْمُ بِمَا لَمْ
يَنَالُوا مِنْ طَلَبِ الثُّغُورِ، فَنَكَثُوا العَهْدَ،
فَتَجَهَّزَ الحَكَمُ إِلَيْهِم حَتَّى جَازَ جَبَلَ
السَّارَةِ -شِمَالِيَّ طُلَيْطِلَةَ- فَفَرَّتِ الرُّوْمُ
أَمَامَهُ حَتَّى تَجَمَّعُوا بِسَمُّوْرَةَ، فَلَمَّا
الْتَقَى الجَمْعَانِ، نَزَلَ النَّصْرُ، وَانْهَزَمَ
الكُفْرُ، وَتَحَصَّنُوا بِمَدِيْنَةِ سَمُّوْرَةَ، وَهِيَ
كَبِيْرَةٌ جِدّاً، فَحَصَرَهَا المُسْلِمُوْنَ
بِالمَجَانِيْقِ، حَتَّى افْتَتَحُوهَا عَنْوَةً،
وَمَلَكُوا أَكْثَرَ شَوَارِعِهَا، وَاشْتَغَلَ الجُنْدُ
بِالغَنَائِمِ، وَانْضَمَّتِ الرُّوْمُ إِلَى جِهَةٍ مِنَ
البَلَدِ، وخرجوا على حمية، فقتلوا خلقًا
__________
1 ترجمته في العقد الفريد "4/ 490"، فوات الوفيات لمحمد بن
شاكر الكتبي "1/ 393".
(7/280)
فِي خُرُوْجِهِم، فَكَانَتْ غَزْوَتُه مِنْ
أَعْظَمِ المَغَازِي، لَوْلاَ مَا طَرَأَ فِيْهَا مِنْ
تَضْيِيعِ الحَزْمِ، وَرَامَتِ الرُّوْمُ السَّلْمَ،
فَأَبَى عَلَيْهِمُ الحَكَمُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ
بِلاَدِهِم خَوْفاً مِنَ الثُّلُوْجِ، فَلَمَّا كان العام
الآتي، استعد أعظم استعداد، وَقَصَدَ سَمُّوْرَةَ،
فَقَتَلَ، وَسَبَى، كُلَّ مَا مَرَّ بِهِ، ثُمَّ
نَازَلَهَا شَهْرَيْنِ، ثُمَّ دَخَلُوْهَا بَعْد جَهْدٍ،
وَبَذَلُوا فِيْهَا السَّيْفَ إِلَى المَسَاءِ، ثُمَّ
انْحَازَ المُسْلِمُوْنَ، فَبَاتُوا عَلَى أَسْوَارِهَا،
ثُمَّ صَبَّحُوهَا مِنَ الغَدِ، لاَ يُبقُونَ عَلَى
مُحْتَلِمٍ.
قَالَ الرَّازِيُّ فِي "مَغَازِي الأَنْدَلُسِ": الَّذِي
أُحصِيَ مِمَّنْ قُتِلَ فِي سَمُّوْرَةَ ثَلاَثُ مائَةِ
أَلْفِ نَفْسٍ، فَلَمَّا بَلَغَ الخَبَرُ مَلِكَ
رُوْمِيَّةَ، كَتَبَ إِلَى الحكم يرغب في الأمان، فوضع
عَلَى الرُّوْمِ مَا كَانَ جَدُّهُ وَضَعَ عَلَيْهِم،
وَزَادَ عَلَيْهِم أَنْ يَجْلِبُوا مِنْ تُرَابِ
مَدِيْنَةِ رُوْمِيَّةَ نَفْسِهَا مَا يُصنَعُ بِهِ
أَكوَامٌ بِشَرْقِيِّ قُرْطُبَةَ صَغَاراً لَهُم،
وَإِعلاَءً لِمَنَارِ الإِسْلاَمِ، فَهُمَا كَوْمَانِ مِنَ
التُّرَابِ الأَحْمَرِ فِي بَسِيْطِ مدرَتِهَا
السَّوْدَاءُ.
قُلْتُ: وَكَثُرَتِ العُلَمَاءُ بِالأَنْدَلُسِ فِي
دَوْلَتِهِ، حَتَّى قِيْلَ: إِنَّهُ كَانَ بِقُرْطُبَةَ
أَرْبَعَةُ آلاَفِ مُتَقَلِّسٍ مُتَزَيِّيْنَ بِزِيِّ
العُلَمَاءِ، فَلَمَّا أَرَادَ اللهُ فَنَاءهُم، عَزَّ
عَلَيْهِمُ انْتِهَاكُ الحَكَمِ لِلْحُرُمَاتِ،
وَائْتَمَرُوا لِيَخْلَعُوْهُ، ثُمَّ جَيَّشُوا
لِقِتَالِهِ، وَجَرَتْ بِالأَنْدَلُسِ فِتْنَةٌ عَظِيْمَةٌ
عَلَى الإِسْلاَمِ وَأَهْلِهِ، فَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ
بِاللهِ، فَذَكَرَ ابْنُ مُزْيَنٍ فِي "تَارِيْخِهِ":
طَالُوْتَ بنَ عَبْدِ الجَبَّارِ المَعَافِرِيَّ،
وَأَنَّهُ أَحَدُ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ الشُهَدَاءِ
الَّذِيْنَ هَمُّوا بِخَلْعِ الحَكَمِ، وَقَالُوا: إِنَّهُ
غَيْرُ عَدْلٍ، وَنَكَثُوْهُ فِي نُفُوْسِ العَوَامِّ،
وَزَعَمُوا أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ المَكْثُ وَلاَ الصَّبْرُ
عَلَى هَذِهِ السِّيْرَةِ الذَّمِيْمَةِ، وَعَوَّلُوا
عَلَى تَقْدِيْمِ أَحَدِ أَهْلِ الشُّوْرَى بِقُرْطُبَةَ،
وَهُوَ أَبُو الشَّمَاسِ أحمد بن المنذر بن الدَّاخِلِ
الأُمَوِيِّ ابْنُ عَمِّ الحَكَمِ، لِمَا عَرَفُوا مِنْ
صَلاَحِهِ، وَعَقْلِهِ، وَدِيْنِهِ، فَقَصَدُوْهُ،
وَعَرَّفُوهُ بِالأَمْرِ، فَأَبْدَى المَيْلَ إِلَيْهِم
وَالبُشْرَى بِهِم، وَقَالَ لَهُم: أَنْتُمْ أَضْيَافِيَ
اللَّيْلَةَ، فَإِنَّ اللَّيْلَ أَسْتَرُ. وَنَامُوا،
وَقَامَ هُوَ إِلَى ابْنِ عَمِّهِ بِجَهْلٍ، فَأَخْبَرَهُ
بِشَأْنِهِم، فَاغْتَاظَ لِذَلِكَ، وَقَالَ: جِئْتَ
لِسَفْكِ دَمِي أَوْ دِمَائِهِم، وَهُمْ أَعْلاَمٌ، فَمِنْ
أَيْنَ نَتَوَصَّلُ إِلَى مَا ذَكَرْتَ? فَقَالَ: أَرْسِلْ
مَعِيَ مَنْ تَثِقُ بِهِ لِيَتَحَقَّقَ. فَوَجَّهَ مَنْ
أَحَبَّ، فَأَدْخَلَهُم أَحْمَدُ فِي بَيْتِهِ تَحْتَ
سِتْرٍ، وَدَخَلَ اللَّيْلُ، وَجَاءَ القَوْمُ، فَقَالَ:
خَبِّرُوْنِي مَنْ مَعَكُم? فَقَالُوا: فُلاَنٌ
الفَقِيْهُ، وَفُلاَنٌ الوَزِيْرُ. وَعَدُّوا كِبَاراً،
وَالكَاتِبُ يَكْتُبُ حَتَّى امْتَلأَ الرَّقُّ، فَمَدَّ
أَحَدُهُم يَدَهُ وَرَاءَ السِّتْرِ، فَرَأَى القَوْمَ،
فَقَامَ وَقَامُوا، وَقَالُوا: فَعَلْتَهَا يَا عَدُوَّ
اللهِ. فَمَنْ فَرَّ لِحِيْنِهِ، نَجَا، وَمَنْ لاَ،
قُبِضَ عَلَيْهِ، فَكَانَ مِمَّنْ فَرَّ: عِيْسَى بنُ
دِيْنَارٍ الفَقِيْهُ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى الفَقِيْهُ
صَاحِبُ مَالِكٍ، وَقَرَعُوْسُ بنُ العَبَّاسِ الثقفي.
وَقُبِضَ عَلَى نَاسٍ كَأَبِي كَعْبٍ، وَأَخِيْهِ،
وَمَالِكِ بنِ يَزِيْدَ القَاضِي، وَمُوْسَى بنِ سَالِمٍ
(7/281)
الخَوْلاَنِيِّ، وَيَحْيَى بنِ مُضَرَ
الفَقِيْهِ، وَأَمْثَالِهِم مِنْ أَهْلِ العِلْمِ
وَالدِّيْنِ، فِي سَبْعَةٍ وَسَبْعِيْنَ رَجُلاً،
فَضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُم، وَصُلِبُوا.
وَأَضَافَ إِلَيْهِم عَمَّيْهِ؛ كُلَيباً وَأُمَيَّةَ،
فَصُلِبَا، وَأَحْرَقَ القُلُوْبَ عَلَيْهِم، وَسَارَ
بِأَمْرِهِمُ الرِّفَاقُ، وَعَلِمَ الحَكَمُ أَنَّهُ
مَحْقُوْدٌ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِم، فَأَخَذَ فِي جَمْعِ
الجُنُوْدِ وَالحَشَمِ، وَتَهَيَّأَ، وَأَخَذَتِ
العَامَّةُ فِي الهَيْجِ، وَاسْتَأْسَدَ النَّاسُ،
وَتَنَمَّرُوا، وَتَأَهَّبُوا. فَاتَّفَقَ أَنَّ
مَمْلُوْكاً خَرَجَ مِنَ القَصْرِ بِسَيْفٍ دَفَعَهُ إِلَى
الصَّيْقَلِ، فَمَاطَلَهُ، فَسَبَّهُ، فَجَاوَبَهُ
الصَّيْقَلُ، فَتَضَارَبَا، وَنَال مِنْهُ المَمْلُوْكُ
حَتَّى كَادَ أَنْ يُتلِفَه، فَلَمَّا تَرَكَهَ، أَخَذَ
الصَّيْقَلُ السَّيْفَ، فَقَتَلَ بِهِ المَمْلُوْكَ،
فَتَأَلَّبَ إِلَى المَقْتُوْلِ جَمَاعَةٌ، وَإِلَى
القَاتِلِ جَمَاعَةٌ أُخْرَى، وَاسْتَفحَلَ الشَّرُّ،
وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
وَمَائَتَيْنِ، وَتَدَاعَى أَهْلُ قُرْطُبَةَ مِنْ
أَرْبَاضِهِم، وَتَأَلَّبُوا بِالسِّلاَحِ، وَقَصَدُوا
القَصْرَ، فَرَكِبَ الجَيْشُ وَالإِمَامُ الحَكَمُ،
فَهَزَمُوا العَامَّةَ، وَجَاءهُم عَسْكَرٌ مِنْ
خَلْفِهِم، فَوَضَعُوا فِيْهِمُ السَّيْفَ، وَكَانَتْ
وَقْعَةً هَائِلَةً شَنِيعَةً، مَضَى فِيْهَا عَدَدٌ
كَثِيْرٌ زُهَاءَ عَنِ أَرْبَعِيْنَ أَلْفاً مِنْ أَهْلِ
الرَّبَضِ، وَعَايَنُوا البَلاَءَ مِنْ قُدَّامِهِم وَمِنْ
خَلْفِهِم، فَتَدَاعَوْا بِالطَّاعَةِ، وَأَذْعَنُوا
وَلاَذُوا بِالعَفْوِ، فَعَفَا عَنْهُم عَلَى أَنْ
يَخْرُجُوا مِنْ قُرْطُبَةَ، فَفَعَلُوا، وَهُدِمَتْ
دِيَارُهُم وَمَسَاجِدُهُم، وَنَزَلَ مِنْهُم أُلُوْفٌ
بِطُلَيْطِلَةَ، وَخَلْقٌ فِي الثُّغُوْرِ، وَجَازَ
آخَرُوْنَ البَحْرَ، وَنَزَلُوا بِلاَدَ البَرْبَرِ،
وَثَبَتَ جَمْعٌ بِفَاسَ، وَابْتَنَوْا عَلَى سَاحِلِهَا
مَدِيْنَةً غَلَبَ عَلَى اسْمِهَا مَدِيْنَةُ
الأَنْدَلُسِ، وَسَارَ جَمعٌ منهم زهاء خمسة عشر ألفًا،
وَفِيْهِم عُمَرُ بنُ شُعَيْبٍ الغَلِيْظُ، فَاحْتَلُّوا
بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَاتَّفَقَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ
رَجُلاً مِنْهُم اشْتَرَى لَحْماً مِنْ جَزَّارٍ،
فَتَضَاجَرَ مَعَهُ، وَرَمَاهُ الجَزَّارُ بِكِرْشٍ فِي
وَجْهِهِ، فَرَجَعَ بِتِلْكَ الحَالَةِ إِلَى قومه، فجاءوا
فَقَتَلُوا اللَّحَّامَ، فَقَامَ عَلَيْهِم أَهْلُ
الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَاقْتَتَلُوا، وَأَخْرَجَ
الأَنْدَلُسِيُّوْنَ أَهْلَهَا هَاربِيْنَ، وَتَمَلَّكُوا
الإِسْكَنْدَرِيَّةَ. فَاتَّصَلَ الخَبَرُ بِالمَأْمُوْنِ
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِم، وَابْتَاعَ المَدِيْنَةَ مِنْهُم،
عَلَى أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا، وَيَنْزِلُوا جَزِيْرَةَ
إِقْرِيْطشَ1، فَخَرَجُوا، وَنَزَلُوْهَا،
وَافْتَتَحُوهَا، فَلَمْ يَزَالُوا فِيْهَا إِلَى أَنْ
غَلَبَ عَلَيْهَا أَرْمَانُوسُ بنُ قُسْطَنْطِيْنَ سَنَةَ
خمس وثلاثمائة.
وَأَمَّا الحَكَمُ فَإِنَّهُ اطْمَأَنَّ، وَكَتَبَ إِلَى
القَائِدِ مُحَمَّدِ بنِ رُسْتُمَ كِتَاباً فِيْهِ:
وَأَنَّهُ تَدَاعَى فَسَقَةٌ مِنْ أَهْلِ قُرْطُبَةَ إِلَى
الثَّوْرَةِ، وَشَهَرُوا السِّلاَحَ، فَأَنْهَضْنَا لَهُمُ
الرِّجَالَ، فَقَتَلْنَا فِيْهِم قَتلاً ذَرِيْعاً،
وَأَعَانَ اللهُ عَلَيْهِم، فَأَمسَكْنَا عَنْ
أَمْوَالِهِم وَحُرَمِهِم.
ثُمَّ كَتَبَ الحَكَمُ كِتَابَ أَمَانٍ عَامٍّ، وَكَانَ
طَالُوْتُ2 اخْتَفَى سَنَةً عِنْدَ يَهُوْدِيٍّ، ثُمَّ
خرج،
__________
1 جزيرة إقريطش: جزيرة في البحر المتوسط. وتعرف اليوم
بـ"كريت".
2 هو: طالوت بن عبد الجبار المعافري الأندلسي، دخل مصر،
وحج، ولقي مالك بن أنس، وعاد إلى قرطبة كما في "نفح الطيب"
للمقري "2/ 639".
(7/282)
وَقَصَدَ الوَزِيْرَ أَبَا البَسَّامِ
لِيَختَفِيَ عِنْدَهُ، فَأَسلَمَهُ إِلَى الحَكَمِ
فَقَالَ: مَا رَأْيُ الأَمِيْرِ فِي كَبْشٍ سَمِيْنٍ،
وَقَفَ عَلَى مِذْوَدِهِ عَاماً؟ فَقَالَ الحَكَمُ: لَحْمٌ
ثَقِيْلٌ، مَا الخَبَرُ? قَالَ: طَالُوْتُ عندي. فأمره
بإحضاره، فَأُحضِرَ، فَقَالَ: يَا طَالُوْتُ! أَخْبِرْنِي
لَوْ أَنَّ أَبَاكَ أَوِ ابْنَكَ مَلَكَ هَذِهِ الدَّارَ،
أَكُنْتَ فِيْهَا فِي الإِكرَامِ وَالبِرِّ عَلَى مَا
كُنْتُ أَفْعَلُ مَعَكَ? أَلَمْ أَفْعَلْ كَذَا؟ أَلَمْ
أَمْشِ فِي جَنَازَةِ امْرَأَتِكَ، وَرَجَعتُ مَعَكَ إِلَى
دَارِكَ? أَفَمَا رَضِيْتَ إِلاَّ بِسَفكِ دمِي? فَقَالَ
الفَقِيْهُ فِي نَفْسِهِ: لاَ أَجِدُ أَنْفعَ مِنَ
الصِّدْقِ، فَقَالَ: إِنِّيْ كُنْتُ أُبغِضُكَ للهِ،
فَلَمْ يَمْنَعْكَ مَا صَنَعْتَ مَعِيَ لِغَيْرِ اللهِ،
وَإِنِّيْ لَمُعْتَرِفٌ بِذَلِكَ -أَصْلَحَكَ اللهُ-
فَوَجَمَ الخَلِيْفَةُ، وَقَالَ: اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي
أَبْغَضْتَنِي لَهُ قَدْ صَرَفَنِي عَنْكَ، فَانْصَرِفْ
فِي حِفْظِ اللهِ، وَلَسْتُ بِتَارِكٍ بِرَّكَ، وَلَيْتَ
الَّذِي كَانَ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنْ أَيْنَ ظَفِرَ بِكَ
أَبُو البَسَّامِ -لاَ كَانَ؟ فَقَالَ: أَنَا أَظْفَرْتُهُ
بِنَفْسِي، وَقَصَدْتُهُ. قَالَ: فَأَيْنَ كُنْتَ فِي
عَامِكَ? قَالَ: فِي دَارِ يَهُوْدِيٍّ، حَفِظَنِي للهِ.
فَأَطْرَقَ الخَلِيْفَةُ مَلِيّاً، وَرَفَعَ رَأْسَهُ
إِلَى أَبِي البَسَّامِ، وَقَالَ: حَفِظَه يَهُوْدِيٌّ،
وَسَتَرَ عَلَيْهِ لِمَكَانِه مِنَ العِلْمِ وَالدِّيْنِ،
وَغَدَرْتَ بِهِ إِذْ قَصَدَكَ، وَخَفَرْتَ ذِمَّتهُ، لاَ
أَرَانَا اللهُ فِي القِيَامَةِ وَجْهَهُ إِنْ رَأَيْنَا
لَكَ وَجْهاً. وَطَرَدَهُ، وَكَتَبَ لِلْيَهُودِيِّ
كِتَاباً بِالجِزْيَةِ فِيْمَا مَلَكَ، وَزَادَ فِي
إِحْسَانِهِ فَلَمَّا رَأَى اليَهُوْدِيُّ ذَلِكَ،
أَسْلَمَ مَكَانَهُ.
قَالَ ابْنُ مُزْيَنٍ: وَكَانَ أَهْلُ طُلَيْطِلَةَ لَهُم
نُفُوْسٌ أَبِيَّةٌ، وَكَانُوا لاَ يَصْبِرُوْنَ عَلَى
ظُلْمِ بَنِي أُمَيَّةَ، فَإِنَّ وُلاَتَهُم كَانَ فِيْهِم
ظُلْمٌ وَتَعَدٍّ، فَكَانُوا يَثِبُوْنَ عَلَى الوَالِي
وَيُخْرِجُونَه، فَوَلَّى عَلَيْهِمُ الحَكَمُ
عَمْرُوْساً، رَجُلاً مِنْهُم. وَكَانَ عمروس داهية، فداخل
الحكم، وعمل على رءوس أهل طليطلة حتى قتل جماعة منهم.
قَالَ ابْنُ مُزْيَنٍ: فَأَشَارَ أَوَّلاً عَلَى
الأَعْيَانِ بِبِنَاءِ قَلْعَةٍ تَحمِيهِم، فَفَعَلُوا،
فَبَعَثَ إِلَى الخَلِيْفَةِ كتبًا بِمُعَامِلَةٍ مِنْهُ،
فِيْهِ شَتْمُهُ وَسَبُّهُ، فَقَامَ لَهُ، وَقَعَدَ،
وَسَبَّ وَأَفْحَشَ، وَبَعَثَ لِلْخَلِيْفَةِ وَلَدَهُ
لِلْغَزْوِ، فَاحْتَالَ عَمْرُوْسُ1 عَلَى الأَكَابِرِ
حَتَّى خَرَجُوا، وَتَلَقَّوْهُ، وَرَغَّبُوهُ فِي
الدُّخُولِ إِلَى قَلْعَتِهِم، وَمَدَّ سِمَاطاً،
وَاسْتَدْعَاهُم، فَكَانَ الدَّاخِلُ يُدْخَلُ عَلَى
بَابٍ، وَيُخْرَجُ مِنْ بَابٍ آخَرَ، فَتُضْرَبُ عُنُقُهُ
حَتَّى كَمُلَ كَذَلِكَ نَحْوُ الخَمْسَةِ آلاَفٍ، حَتَّى
غَلاَ بُخَارُ الدِّمَاءِ، وَظَهَرَتِ الرَّائِحَةُ، ثُمَّ
بَعَثَ الحَكَمُ أَمَاناً لِيَحْيَى بنِ يَحْيَى
اللَّيْثِيِّ.
مَاتَ الحَكَمُ سَنَةَ سِتٍّ وَمَائَتَيْنِ، فِي آخِرِهَا،
وَلَهُ ثَلاَثٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً. وَوَلِيَ الأَنْدَلُسَ
بَعْدَهُ: ابْنُهُ أَبُو المُطَرِّفِ عبد الرحمن، فلنذكره.
__________
1 هو: عمروس بن يوسف، والي الحكم على الثغر. اشتهر بذبحه
للمنشقين عنه في فناء قصره كما ذكره المؤلف فيما يأتي.
(7/283)
1228- عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَكَمِ بنِ
هِشَامِ 1:
ابْنِ الدَّاخِلِ, أَمِيْرُ الأَنْدَلُسِ، أَبُو
المُطَرِّفِ المَرْوَانِيُّ. بُوْيِعَ بَعْدَ وَالِدهِ،
فِي آخِرِ سَنَةِ سِتٍّ وَمَائَتَيْنِ فَامْتَدَّتْ
أَيَّامُهُ، وَكَانَ وَادِعاً، حَسَنَ السِّيْرَةِ،
لَيِّنَ الجَانِبِ، قَلِيْلَ الغَزْوِ، غَلَبَتِ
المُشْرِكُوْنُ فِي دَوْلَتِه عَلَى إِشْبِيْلِيَةَ،
وَلَكِنَّ اللهَ سَلَّمَ.
كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ المَلِكِ بنُ حَبِيْبٍ الفَقِيْهُ
يُحَرِّضُهُ عَلَى بِنَاءِ سُورِ إِشْبِيْلِيَةَ، يَقُوْلُ
لَهُ: حَقْنُ دِمَاءِ المُسْلِمِيْنَ -أَيَّدَكَ الله،
وَأَعْلَى يَدَكَ بِابْتِنَاءِ السُّورِ- أَحَقُّ
وَأَوْلَى. فَأَخَذَ بِرَأْيِهِ، وَجَمَعَ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ زِيَادَةِ جَامِعِ قُرْطُبَةَ، وَابْتَنَى
أَيْضاً جَامِعَ إِشْبِيْلِيَةَ عَلَى يَدِ قَاضِيْهَا
عَمْرِو بنِ عَدَبَّسَ، وَكَانَتْ إشبيلية من ناحية الوادي
بلا سور.
فَلَمَّا كَانَتْ سَنَةُ ثَلاَثِيْنَ وَمَائَتَيْنِ،
طَرَقَ المَجُوْسُ الأَرْدَمَانِيُّوْنَ إِشْبِيْلِيَةَ
فِي ثَمَانِيْنَ مَرْكَباً فِي الوَادِي، فَصَادَفُوا
أَهْلَهَا عَلَى غِرَارَةٍ بِمُطَاولَةِ أَمَدِ الأَمَانِ
لَهُم مَعَ قِلَّةِ خِبْرَتِهِم بِحَرْبِهِم، فَطَلَعُوا
مِنَ المَرَاكِبِ، وَقَدْ لاَحَ لَهُم خَوَرٌ مِنْ
أَهْلِهَا، فَقَاتَلُوْهُم، وَقَوَوْا عَلَى
المُسْلِمِيْنَ، وَوَضَعُوا السَّيْفَ فِيْهِم، وَمَلَكُوا
إِشْبِيْلِيَةَ بَعْدَ القَتْلِ الذَّرِيْعِ فِي أَهْلِهَا
حَتَّى فِي النِّسَاءِ وَالبَهَائِمِ، وَأَقَامُوا بِهَا
سَبْعَةَ أَيَّامٍ، فَوَرَدَ الخَبَرُ عَلَى الخَلِيْفَةِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَكَمِ، فَاسْتَنْفَرَ جَيْشَهُ،
وَبَعَثَ بِهِم إِلَى إِشْبِيْلِيَةَ، فَحَلُّوا
بِالشَّرْقِ، وَوَقَعَ القِتَالُ وَاشْتَدَّ الخَطْبُ،
وَانْتَصَرَ المُسْلِمُوْنَ، وَاسْتَحَرَّ القَتْلُ
بِالمَلاَعِيْنِ حَتَّى فَنِيَ جَمْعُ الكَفَرَةِ
-لَعَنَهُمُ اللهُ- وَحَرَقَ المُسْلِمُوْنَ ثَلاَثِيْنَ
مَرْكَباً مِنْ مَرَاكِبِهِم، فَكَانَ بَيْنَ دُخُوْلِهِم
إِلَى إِشْبِيْلِيَةَ وَهُرُوْبِهِم عَنْهَا ثَلاَثَةٌ
وَأَرْبَعُوْنَ يَوْماً. وَهَذَا كَانَ السَّبَبُ فِي
بِنَاءِ سُورِ وَادِيْهَا.
وَفِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ: جَاءَ سَيْلٌ مَهُول
حَتَّى احْتَمَلَ رَبَضَ قَنْطَرَةِ قُرْطُبَةَ،
وَاحْتَمَلَ سِتَّ عَشْرَةَ قَرْيَةً إِلَى البَحْرِ بِمَا
فِيْهَا مِنَ النَّاسِ وَالمَوَاشِي، وَهَلَكَ مَا لاَ
يُعَدُّ وَلاَ يُحْصَى، فَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ.
وَكَانَ مَوْلِدُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَكَمِ:
بِطُلَيْطِلَةَ، فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ
وَمائَةٍ.
وَمَاتَ فِي ثَالِثِ رَبِيْعٍ الآخر، سنة ثمان وثلاثين
ومائتين.
__________
1 ترجمته في العقد الفريد لابن عبد ربه "4/ 493"، ونفح
الطيب للمقري "1/ 344".
(7/284)
1229- محمد بن
عبد الرحمن بن الحكم 1:
صَاحِبُ الأَنْدَلُس، أَبُو عَبْدِ اللهِ الأُمَوِيُّ،
المَرْوَانِيُّ.
كَانَ مُحِبّاً لِلْعِلْمِ، مُؤْثِراً لأَصْحَابِ
الحَدِيْثِ، مُكْرِماً لَهُم، حَسَنَ السِّيْرَةِ، وَهُوَ
الَّذِي نَصَر بَقِيَّ بنَ مَخْلَدٍ الحَافِظَ عَلَى
أَهْلِ الرَّأْيِ.
قَالَ بَقِيٌّ: مَا كَلَّمتُ أَحَداً مِنَ المُلُوْكِ
أَكْمَلَ عَقْلاً، وَلاَ أَبلَغَ لَفْظاً مِنَ الأَمِيْرِ
مُحَمَّدٍ، وَلَقَدْ دَخَلْتُ عَلَيْهِ يَوْماً فِي
مَجْلِسِ خِلاَفَتِهِ، فَافْتَتَحَ الكَلاَمَ بِحَمْدِ
اللهِ، وَالصَّلاَةِ عَلَى نَبِيِّهِ، ثُمَّ ذَكَرَ
الخُلَفَاءَ، فَحَلَّى كُلَّ وَاحِدٍ بِحِلْيَتِهِ
وَصِفَتِهِ، وَذَكَرَ مَآثِرَهُ بِأَفْصَحِ لِسَانٍ حَتَّى
انْتَهَى إلى نفسه، فحمد الله على قَدَّرَهُ، ثُمَّ
سَكَتَ.
قُلْتُ: رَأَى مُصَنَّفَ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ،
إِذْ نَازَعَ أَهْلُ الرَّأْيِ بَقِيَّ بنَ مَخْلَدٍ،
فَأَمَرَ بِنَسْخِهِ، وَقَالَ: لا تستغني خزانتنا عن هذا.
وَكَانَ ذَا رَأْيٍ، وَحَزْمٍ، وَشَجَاعَةٍ، وَإِقدَامٍ.
بُوْيِعَ عِنْدَ مَوْتِ وَالِدِه فِي سَنَةِ ثَمَانٍ
وَثَلاَثِيْنَ، وَلَهُ إِحْدَى وَثَلاَثُوْنَ سَنَةً،
وَذَلِكَ بِعَهْدٍ مِنْ وَالِدِهِ وَأُمُّهُ: أُمُّ
وَلَدٍ.
وَامْتَدَّتْ دَوْلَتُهُ. وَقِيْلَ: إِنَّهُ كَانَ
يَتَوَغَّلُ فِي بِلاَدِ الرُّوْمِ، وَيَبْقَى فِي
الغَزْوِ السَّنَةَ وَأَكْثَرَ.
قَالَ أَبُو المُظَفَّرِ بنُ الجَوْزِيِّ: هُوَ صَاحِبُ
وَقْعَةِ سَليط. وَهِي مَلْحَمَةٌ مَشْهُوْرَةٌ لَمْ
يُعْهَدْ قَبْلَهَا بِالأَنْدَلُسِ مِثْلُهَا. يقال: قتل
فيها ثلاثمائة أَلْفِ كَافِرٍ. وَهَذَا شَيْءٌ لَمْ
نَسْمَعْ بِمِثْلِهِ. قَالَ: وَللشُّعَرَاءِ فِيْهِ
مَدَائِحُ كَثِيْرَةٌ.
قَالَ اليَسَعُ بنُ حَزْمٍ: كَانَ مُحَمَّدٌ يُسَمَّى:
بِالأَمِيْنِ.
قُلْتُ: مَاتَ فِي آخِرِ صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَسَبْعِيْنَ وَمَائَتَيْنِ، عَنْ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ
سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ.
__________
1 ترجمته في العقد الفريد "4/ 493"، الوافي بالوفيات لصلاح
الدين الصفدي "3/ 224"، ونفح الطيب للمقري "1/ 350".
(7/285)
1230- المُنْذِرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ الحَكَمِ 1:
بو الحَكَمِ المَرْوَانِيُّ، صَاحِبُ الأَنْدَلُسِ،
تَمَلَّكَ بَعْدَ وَالِدِهِ، فَكَانَتْ دَوْلَتُهُ
سَنَتَيْنِ، فَمَاتَ وَهُوَ يُحَاصِرُ عُمَرَ بن حفصون،
رأس الخوراج بِالأَنْدَلُسِ. وَكَانَ هَذَا بَدَوِيّاً،
يَجلِبُ السَّمَكَ بِالأَنْدَلُسِ، فَآلَ بِهِ الأَمْرُ
إِلَى أَنْ كَثُرَ جَمْعُهُ، وَاسْتَوْلَى عَلَى جَمَاعَةِ
حُصُوْنٍ.
مَاتَ المُنْذِرُ فِي نِصْفِ صَفَرٍ، سَنَةَ خَمْسٍ
وَسَبْعِيْنَ وَمَائَتَيْنِ، وَلَهُ ست وأربعون سنة.
__________
1 ترجمته في العقد الفريد لابن عبد ربه "4/ 496"، ونفح
الطيب للمقري "1/ 352".
(7/286)
1231- عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ بنِ عبد
الرحمن 1:
الأَمِيْرُ أَبُو مُحَمَّدٍ المَرْوَانِيُّ، أَخُو
المُنْذِرِ.
تَمَلَّكَ الأَنْدَلُسَ بَعْدَ أَخِيْهِ، وَامْتَدَّتْ
أَيَّامُهُ. وَكَانَ أَسَنَّ مِنْ أَخِيْهِ بِعَامٍ،
وَكَانَ لَيِّناً، وَادِعاً، يُحِبُّ العَافِيَةَ، فَقَامَ
عَلَيْهِ فِي كُلِّ قُطرٍ مِنَ الأَنْدَلُس مُتَغَلِّبٌ،
وَتَنَاقَضَ أَمْرُ المَرْوَانِيَّةِ فِي دَوْلَتِهِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْد رَبِّهِ: كَانَ
الأَمِيْرُ عَبْدُ اللهِ مِنْ أَفَاضِلِ أُمَرَاءِ بَنِي
أُمَيَّةَ، بِنَى السَّاباط، وَوَاظَبَ الخُرُوْجَ
عَلَيْهِ إِلَى الجَامِعِ، وَالتَزَمَ الصَّلاَةَ إِلَى
جَانبِ المِنْبَرِ طُوْلَ مُدَّتِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ وَضَّاحٍ: كَانَ عَبْدُ اللهِ
الأَمِيْرُ مِنَ الصَّالِحِيْنَ، المُتَّقِيْنَ،
العَالِمِيْنَ، رَوَى العِلْمَ كَثِيْراً، وَطَالَعَ
الرَّأْيَ، وَأَبصَرَ الحَدِيْثَ، وَحَفِظَ القُرْآنَ،
وَتَفَقَّهَ، وَأَكْثَرَ الصَّوْمَ، وَكَانَ يَلْتَزِمُ
الصَّلَوَاتِ فِي الجَامِعِ، فَيَمُرُّ بِالصَّفِّ،
فَيَقُومُ النَّاسُ لَهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ سَعِيْدُ بنُ
حُمَيْرٍ: أَيُّهَا الإِمَامُ أَنْتَ مِنَ المُتَّقِيْنَ،
وَإِنَّمَا يَقُوْمُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالِمِيْنَ،
فَلاَ تَرْضَ مِنْ رَعِيَّتِكَ بِغَيْرِ الصَّوَابِ،
فَإِنَّ العِزَّةَ للهِ جَمِيْعاً. فَأَمَرَ العَامَّةَ
بِتَرْكِ ذَلِكَ فَلَمْ يَنْتَهُوا، فَحِيْنَئِذٍ ابْتَنَى
السَّابَاطَ طريقًا مشهورًا من قصره إلى المقصورة.
قَالَ اليَسَعُ بنُ حَزْمٍ: اسْتُضعِفَتْ دَوْلَةُ بَنِي
أُمَيَّةَ، وَقَامَ ابْنُ حَفْصُوْنَ، وَكَانَ
نَصْرَانِيَّ الأَصْلِ، فَأَسْلَمَ، وَتَنَصَّحَ،
وَأَلَّبَ، وَحَشَدَ، وَصَارَتِ الأَنْدَلُسُ شُعلَةً
تُضْرَمُ، وَلَمْ يَبْقَ لِبَنِي أُمَيَّةَ مِنْبَرٌ
يُخطَبُ فِيْهِ إِلاَّ مِنْبَرُ قُرْطُبَةَ، وَالغَارَاتُ
تُشَنُّ عَلَيْهَا حَتَّى قَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
النَّاصِرُ، فَتَرَاجَعَ الأَمْرُ.
مَاتَ عَبْدُ اللهِ فِي أَوَّلِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سنة
ثلاثمائة، وله اثنتان وسبعون سنة.
__________
1 ترجمته في العقد الفريد "4/ 497", ونفح الطيب للمقري "1/
352".
(7/286)
1232- عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ
بنِ عَبْدِ اللهِ 1:
بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَكَمِ بن
هشام بن الدَّاخِلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سُلْطَانُ
الأَنْدَلُسِ، المَدْعُوُّ: أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ،
النَّاصِرُ لِدِيْنِ اللهِ، أَبُو المُطَرِّفِ
الأُمَوِيُّ، المَرْوَانِيُّ.
كَانَ أَبُوْهُ مُحَمَّدٌ وَلِيَّ عَهْدِ وَالِدِه عَبْدِ
اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ، فَقَتَلَهُ أَخُوْهُ أَبُو القَاسِمِ
المُطَرِّفُ، فَقَتَلَهُ أَبُوْهُمَا بِهِ.
فَفِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمَائَتَيْنِ قُتِلَ
مُحَمَّدٌ، وَلَهُ سَبْعٌ وَعِشْرُوْنَ سَنَةً،
وَتَأَخَّرَ قَتْلُ المُطَرِّفِ إِلَى رَمَضَانَ، سَنَةَ
اثْنَتَيْنِ وَمَائَتَيْنِ. وَلَمَّا قُتِلَ مُحَمَّدٌ،
كَانَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا عِشْرُوْنَ يَوْماً.
وَوَلِيَ الخِلاَفَةَ بعد جده.
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: كَانَتْ خِلاَفَتُهُ مِنَ
المُسْتَطْرَفِ؛ لأَنَّهُ كَانَ شَابّاً، وَبَالحَضْرَةِ
جَمَاعَةٌ مِنْ أَعْمَامِهِ، وَأَعْمَامِ أَبِيْهِ، فَلَمْ
يَعْتَرِضْ مُعْتَرِضٌ عَلَيْهِ. وَاسْتَمَرَّ لَهُ
الأَمْرُ وَكَانَ شَهْماً صَارِماً.
وَكُلُّ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ آبَائِهِ لَمْ يَتَسَمَّ
أَحَدٌ مِنْهُم بِإِمْرَةِ المُؤْمِنِيْنَ، وَإِنَّمَا
كَانُوا يُخَاطَبُوْنَ بِالإِمَارَةِ فَقَطْ، وَفَعَلَ
مِثْلَهُم عَبْدُ الرَّحْمَنِ إِلَى السَّنَةِ
السَّابِعَةِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ وِلاَيَتِهِ، فَلَمَّا
بَلَغَه ضَعْفُ الخِلاَفَةِ بِالعِرَاقِ، وَظُهُوْرُ
الشِّيْعَةِ العُبَيْدِيَّةِ بِالقَيْرَوَانِ، رَأَى
أَنَّهُ أَحَقُّ بِإِمْرَةِ المُؤْمِنِيْنَ، وَلَمْ يَزَلْ
مُنْذُ وَلِيَ الأَنْدَلُسَ يَسْتَنْزِلُ
المُتَغَلِّبِيْنَ حَتَّى صَارَتِ المَمْلَكَةُ كُلُّهَا
فِي طَاعتِهِ، وَأَكْثَرُ بِلاَدِ العُدْوَةِ، وَأَخَافَ
مُلُوْكَ الطَّوَائِفِ حَوْلَهُ.
وَابْتَدَأَ بِبِنَاءِ مَدِيْنَةِ الزَّهْرَاءِ فِي أول
سنة خمس وعشرين وثلاثمائة، فَكَانَ يُقَسِّمُ دَخْلَ
مَمْلَكَتِهِ أَثْلاَثاً: فَثُلُثٌ يَرصُدُهُ لِلْجُندِ،
وَثُلُثٌ يَدَّخِرُهُ فِي بَيْتِ المَالِ، وَثُلُثٌ ينفقه
في الزهراء.
وكان دخل الأندلس خمسة آلاف ألف دينار وأربعمائة ألف
وثمانين ألفًا، ومن السوق والمستخلص سبعمائة أَلْفِ
دِيْنَارٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّوْنَ أَلْفاً.
ذَكَرَ ابْنُ أَبِي الفَيَّاضِ فِي "تَارِيْخِهِ"، قَالَ:
أُخْبِرْتُ أَنَّهُ وُجِدَ فِي تَارِيْخِ النَّاصِرِ
أَيَّامُ السُّرُوْرِ الَّتِي صَفَتْ لَهُ، فَعُدَّتْ،
فَكَانَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْماً، وَقَدْ مَلَكَ
خَمْسِيْنَ سَنَةً وَنِصْفاً.
قَالَ اليَسَعُ بنُ حَزْمٍ: نَظَرَ أَهْلُ الحَلِّ
وَالعَقْدِ، مَنْ يقوم بأمر الإسلام، فَمَا وَجَدُوا فِي
شَبَابِ بَنِي أُمَيَّةَ مَنْ يَصلُحُ لِلأَمْرِ إِلاَّ
عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُحَمَّدٍ، فبايعوه، وطلب منهم
المال فلم
__________
1 ترجمته في العقد الفريد "4/ 498"، ونفح الطيب "1/
353-371".
(7/287)
يَجِدْهُ، وَطَلَبَ العُدَد فَلَمْ
يَجِدْهَا، فَلَمْ يَزَلِ السَّعْدُ يَخدِمُهُ إِلَى أَنْ
سَارَ بِنَفْسِهِ لابْنِ حفصون، فوجده مجتازًا لوادي
التفاح، ومع أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِيْنَ أَلْفَ فَارِسٍ
-كَذَا نَقَلَ: اليَسَعُ، وَمَا أَحْسِبُ أَنَّ ابْنَ
حَفْصُوْنَ بَقِيَ إِلَى هَذَا التَّارِيْخِ- قَالَ:
فَهَزَمَه، وَأُفلِتَ ابْنُ حَفْصُونَ فِي نَفَرٍ
يَسِيْرٍ، فَتَحَصَّنَ بِحِصْنِ مُبشّر.
وَلَمْ يَزَلْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَغْزُو حَتَّى أَقَامَ
العِوَجَ، وَمَهَّدَ البِلاَدَ، وَوَضَعَ العَدْلَ،
وَكَثُرَ الأَمْنُ، ثُمَّ بَعَثَ جَيْشاً إِلَى
المَغْرِبِ، فَغزَا برْغوَاطَة بِنَاحِيَةِ سَلاَ، وَلَمْ
تَزَلْ كَلِمَتُهُ نَافَذَةً، وَسِجِلْمَاسَةَ، وَجَمِيْعَ
بِلاَدِ القِبْلَةِ، وَقُتِلَ ابْنُ حَفْصُوْنَ. وَصَارَتِ
الأَنْدَلُسُ أَقْوَى مَا كَانَتْ وَأَحْسَنَهَا حَالاً،
وَصَفَا وَجْهُهُ لِلرُّوْمِ، وَشَنَّ الغَارَاتِ عَلَى
العَدُوِّ، وَغَزَا بِنَفْسِهِ بِلاَدَ الرُّوْمِ
اثْنَتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً، وَدَوَّخَهُم، وَوَضَعَ
عَلَيْهِم الخِرَاجَ، وَدَانَتْ لَهُ مُلُوْكُهَا، فَكَانَ
فِيْمَا شَرَطَ عَلَيْهِم اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ رَجُلٍ
يَصْنَعُوْنَ فِي بِنَاءِ الزَّهْرَاءِ الَّتِي أَقَامَهَا
لِسُكْنَاهُ عَلَى فَرْسَخٍ مِنْ قُرْطُبَةَ.
وَسَاق إِلَيْهَا أَنْهَاراً، وَنَقَبَ لَهَا الجَبَلَ،
وَأَنْشَأَهَا مُدَوَّرَةً، وَعِدَّةُ أَبْرَاجِهَا
ثلاثمائة بُرْجٍ، وَشُرُفَاتُهَا مِنْ حَجَرٍ وَاحِدٍ،
وَقَسَّمَهَا أَثْلاَثاً: فَالثُلُثُ المُسْنَدُ إِلَى
الجَبَلِ: قُصُوْرُهُ، وَالثُلُثُ الثَّانِي: دُوْرُ
المَمَالِيْكِ وَالخَدَمِ، وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ
أَلْفاً بِمَنَاطقِ الذَّهَبِ، يَرْكَبُوْنَ لِرُكُوْبِه،
وَالثُّلُثُ الثَّالِثُ: بَسَاتِيْنُ تَحْتَ القُصُوْرِ.
وَعَمِلَ مَجْلِساً مُشْرِفاً عَلَى البَسَاتِيْنِ،
صَفَّحَ عُمُدَهُ بِالذَّهَبِ، وَرَصَّعَهُ بِاليَاقُوْتِ
وَالزُّمُرُّدِ، وَاللُؤْلُؤِ، وَفَرَشَهُ بِمَنْقُوْشِ
الرُّخَامِ، وَصَنَعَ قُدَّامَهُ بَحْرَةً مُسْتَدِيرَةً
ملأها زئبقًا، فكانت النُّوْرُ يَنْعَكِسُ مِنْهُ إِلَى
المَجْلِسِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ قَاضِيْهِ مُنْذِرُ بنُ
سَعِيْدٍ البَلُّوْطِيُّ، فَوَقَفَ، وَقَرَأَ: {وَلَوْلَا
أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا
لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ
فَضَّةٍ} [الزخرف: 33، 34] الآيتين، فَقَالَ: وَعَظتُ
أَبَا الحَكَمِ. ثُمَّ قَامَ عَنِ المَجْلِسِ، وَأَمَرَ
بِنَزْعِ الذَّهَبِ وَالجَوَاهِرِ.
وَقَالَ عَبْدُ الوَاحِدِ المَرَّاكُشِيُّ فِي
"تَارِيْخِهِ": اتَّسَعَتْ مَمْلَكَةُ النَّاصِرِ،
وَحَكَمَ عَلَى أَقْطَارِ الأَنْدَلُسِ، وَمَلَكَ طَنْجَةَ
وَسَبْتَةَ وَغَيْرَهُمَا مِنْ بِلاَدِ العُدْوَةِ،
وَكَانَتْ أَيَّامُهُ كُلُّهَا حُرُوْباً. وَعَاشَ
المُسْلِمُوْنَ فِي آثَارِهِ الحَمِيْدَةِ آمِنِيْنَ
بُرْهَةً.
وَيُقَالُ: إِنَّ بِنَاءَ الزَّهْرَاءِ أُكمِلَ فِي
اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، بِأَلْفِ بَنَّاءٍ فِي
اليَوْمِ، مَعَ البَنَّاءِ اثْنَا عَشَرَ فَاعِلاً.
حكَى أَبُو الحَسَنِ الصَّفَّارُ: أَنَّ يُوْسُفَ بنَ
تَاشفِيْنَ مَلَكَ المَغْرِبَ لَمَّا دَخَلَ الزَّهْرَاءَ،
وَقَدْ خَرِبَتْ بِالنِّيْرَانِ وَالهَدْمِ، مِنْ
تِسْعِيْنَ سَنَةً قَبلَ دُخُوْلِهِ إِلَيْهَا، وَقَدْ
نُقِلَ أَكْثَرُ مَا فِيْهَا إِلَى قُرْطُبَةَ
وَإِشْبِيْلِيَةَ، وَنَظَرَ آثَاراً تَشْهَدُ عَلَى
مَحَاسِنِهَا، فَقَالَ: الَّذِي بَنَى هَذِهِ كَانَ
سَفِيْهاً. فَقَالَ أَبُو مَرْوَانَ بنُ سِرَاجٍ: كَيْفَ
يَكُوْنُ سَفِيْهاً وَإِحْدَى كَرَائِمِه أَخْرَجَتْ
مَالاً فِي فِدَاءِ أُسَارَى فِي أَيَّامِهِ، فَلَمْ
يُوجَدْ بِبِلاَدِ الأَنْدَلُسِ أَسِيْرٌ يُفْدَى.
تُوُفِّيَ النَّاصِرُ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسِيْنَ
وَثَلاَثِ مائَةٍ. وَسَتُعَادُ تَرْجَمَتُهُ مُخْتَصَرَةً
بِزِيَادَاتٍ مُهِمَّةٍ، وَأَنَّهُ افْتَتَحَ سَبْعِيْنَ
حِصْناً -رَحِمَهُ اللهُ.
(7/288)
1233- الحكم بن
عبد الرحمن بن محمد 1:
ير المُؤْمِنِيْنَ بِالأَنْدَلُسِ، أَبُو العَاصِ،
المُسْتَنْصِرُ بِاللهِ بنُ النَّاصِرِ الأُمَوِيُّ،
المَرْوَانِيُّ.
بُوْيِع بَعْدَ أَبِيْهِ، فِي رمضان، سنة خمسين وثلاثمائة.
وَكَانَ حَسَنَ السِّيْرَةِ، جَامِعاً لِلْعِلْمِ،
مُكْرِماً لِلأَفَاضِلِ، كَبِيْرَ القَدْرِ، ذَا نَهْمَةٍ
مُفْرِطَةٍ فِي العِلْمِ وَالفَضَائِلِ، عَاكِفاً عَلَى
المُطَالَعَةِ.
جَمَعَ مِنَ الكُتُبِ مَا لَمْ يَجْمَعْه أَحَدٌ مِنَ
المُلُوْكِ، لاَ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ، وَتَطَلَّبَهَا،
وَبَذَلَ فِي أَثْمَانِهَا الأَمْوَالَ، وَاشْتُرِيَتْ
لَهُ مِنَ البِلاَدِ البَعِيْدَةِ بِأَغْلَى الأَثْمَانِ،
مَعَ صَفَاءِ السَّرِيْرَةِ وَالعَقلِ وَالكَرَمِ،
وَتَقَرِيْبِ العُلَمَاءِ.
أَكْثَرَ عَنْ: زَكَرِيَّا بنِ الخَطَّابِ، وَأَجَازَ
لَهُ: قَاسِمُ بنُ ثَابِتٍ كِتَابَ: "الدَّلاَئِلِ فِي
غَرِيْبِ الحَدِيْثِ". وَكَتَبَ عَنْ خَلْقٍ كَثِيْرٍ،
مِنْهُم: قَاسِمُ بنُ أَصْبَغَ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ
بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ الخُشَنِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ
دُحَيْمٍ.
وَلَقَدْ ضَاقَتْ خَزَائِنُهُ بِالكُتُبِ إِلَى أَنْ
صَارَتْ إِلَيْهِ، وآثرها على لذات المُلُوْكِ، فَغَزُرَ
عِلمُهُ، وَدَقَّ نَظَرُهُ، وَكَانَ لَهُ يَدٌ بَيْضَاءُ
فِي مَعْرِفَةِ الرِّجَالِ، وَالأَنْسَابِ، وَالأَخْبَارِ،
وَقَلَّمَا تَجِدُ لَهُ كِتَاباً إِلاَّ وَلَهُ فِيْهِ
قِرَاءةٌ أَوْ نَظَرٌ، مِنْ أَيِّ فَنٍّ كَانَ، وَيَكتُبُ
فِيْهِ نَسَبَ المُؤلِّفِ، وَمَوْلِدَه وَوَفَاتَه،
وَيَأْتِي مِنْ ذَلِكَ بِغَرَائِبَ لاَ تَكَادُ تُوجَدُ.
وَمِن مَحَاسِنِه: أَنَّهُ شَدَّدَ فِي مَمْلَكَتِهِ فِي
إِبْطَالِ الخُمُوْرِ تَشْدِيْداً عَظِيْماً.
وَكَانَ أَخُوْهُ الأَمِيْرُ عَبْدُ اللهِ المَعْرُوْفُ
بِالوَلَدِ، عَلَى أَنْمُوْذَجِهِ فِي مَحَبَّةِ العِلْمِ،
فَقُتِلَ فِي أَيَّامِ أَبِيْهِ.
__________
1 ترجمته في نفح الطيب "1/ 382".
(7/289)
وَكَانَ المُسْتَنْصِرُ مُوَثَّقاً فِيْمَا
يَنْقُلُهُ. ذَكَرَهُ: ابْنُ الأَبَّارِ فِي
"تَارِيْخِهِ"، وَقَالَ: عَجَباً لابْنِ الفَرَضِيِّ،
وَابْنِ بَشْكُوَالٍ، كَيْفَ لَمْ يَذْكُرَاهُ؟!
مَوْلِدُهُ فِي سنة اثنتين وثلاثمائة.
وقال اليَسَعُ بنُ حَزْمٍ: كَانَ الحَكَمُ عَالِماً،
رَاوِيَةً لِلْحَدِيْثِ، فَطِناً، وَرِعاً.
وَفَدَ عَلَيْهِ أَبُو عَلِيٍّ القَالِي، وَأَبُو عَلِيٍّ
الزُّبيدي، وَغَيْرُهُمَا.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ القَاضِي مُنْذِرُ بنُ سَعِيْدٍ،
اسْتَعْمَلَ عَلَى القَضَاءِ الفَقِيْهَ ابْنَ بَشِيْرٍ،
فَشَرَطَ عَلَيْهِ نُفُوذَ الحَقِّ وَالعَدْلِ؛ فَرَفَعَ
إِلَيْهِ تَاجِرٌ: أَنَّهُ ضَاعتْ لَهُ جَارِيَةٌ
صَغِيْرَةٌ، وَأَنَّهَا فِي القَصْرِ، فَانْتَهَى الأَمْرُ
إِلَى الحَكَمِ. فَقَالَ الحَكَمُ: نُرْضِي هَذَا
التَّاجِرَ بِكُلِّ مَا عَسَى أَنْ يَرْضَى بِهِ. فَقَالَ
ابْنُ بَشِيْرٍ: لاَ يَكمُلُ عَدْلُكَ حَتَّى تُنْصِفَ
مِنْ نَفْسِك، وَهَذَا قَدِ ادَّعَى أَمراً، فَلاَ بُدَّ
مِنْ إِحْضَارِهَا، وَشَهَادَةِ الشُّهُودِ عَلَى
عَيْنِهَا. فَأَحضَرَهَا الحَكَمُ، وَأَنْصَفَ التَّاجِرَ.
وَفِي دَوْلَةِ الحَكَمِ هَمَّتِ الرُّوْمُ بِأَخْذِ
مَوَاضِعَ مِنَ الثُّغُورِ، فَقَوَّاهَا بِالمَالِ
وَالجُيُوْشِ، وَغَزَا بِنَفْسِهِ، وَزَادَ فِي
القَطِيْعَةِ عَلَى الرُّوْمِ، وَأَذلَّهُم.
وَكَانَ مَوْتُهُ بِالفَالِجِ، فِي صفر، سنة ست وستين
وثلاثمائة. وَخَلَّفَ وَلَداً، وَهُوَ هِشَامٌ، فَأُقِيْمَ
فِي الخِلاَفَةِ بِتَدبِيْرِ الوَزِيْرِ ابْنِ أَبِي
عَامِرٍ القَحْطَانِيِّ.
(7/290)
1234- هشام بن
الحكم 1:
بن عبد الرحمن الخَلِيْفَةُ، المُؤَيَّدُ بِاللهِ بنُ
المُسْتَنْصِرِ بِاللهِ بنِ النَّاصِرِ الأُمَوِيُّ،
الأَنْدَلُسِيُّ أَبُو الوَلِيْدِ. وَلِيَ الأَمْرَ بَعْدَ
وَالِدِهِ، وَطَالَتْ أَيَّامُهُ.
مَوْلِدُه بِمَدِيْنَة الزَّهْرَاءِ، فِي جُمَادَى
الآخِرَةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَبُوْيِعَ وَلَهُ اثْنَا عَشَرَ عَاماً بِإِشَارَةِ
الدَّوْلَةِ، وَقَامَ بِتَدبِيْرِ الخِلاَفَةِ
المَنْصُوْرُ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَامِرٍ، وَاسْتَبَدَّ
بِالأُمُوْرِ، فَقَبَضَ أَوَّلَ شَيْءٍ عَلَى عَمِّهِ
المُغِيْرَةِ بنِ النَّاصِرِ.
وَكَانَ هِشَامٌ العَاشِرَ مِنْ مُلُوْكِ بَنِي أُمَيَّةَ
بِالأَنْدَلُسِ، وَكَانَ ضَعِيْفَ الرَّأْيِ، أَخرَقَ،
مَحْجُوراً عَلَيْهِ، فَكَانَ صُوْرَةً، وَكَانَ
المَنْصُوْرُ هُوَ الكُلَّ، فَسَاسَ المَمْلَكَةَ أَتَمَّ
سِيَاسَةٍ، وَغَزَا عدة غزوات ضخام.
وسيأتي في حدود الأربعمائة خبر المؤيد، وهذا المنصور.
__________
1 ترجمته في نفح الطيب "1/ 187".
(7/290)
1235- يَعْلَى بن الأشدق 1:
لعقيلي، البدوي، المعمر.
حَدَّثَ عَنْ: عَمِّهِ؛ عَبْدِ اللهِ بنِ جَرَادٍ،
وَرُقَادِ بنِ رَبِيْعَةَ، وَكُلَيْبِ بنِ جُرَيٍّ
الأَعْرَابِ -وَزَعَمَ أَنَّ لَهُم صُحْبَةً- وَعَنِ
النَّابِغَةِ الجَعْدِيِّ.
وَعَنْهُ: عُمَرُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُجَالِدٍ،
وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ قَاضِي دِمَشْقَ،
وَدَاوُدُ بنُ رُشَيْدٍ، وَأَبُو وَهْبٍ الوَلِيْدُ بنُ
عَبْدِ المَلِكِ، وَهَاشِمُ بنُ قَاسِمٍ الحرَّانيان،
وَأَيُّوْبُ بنُ مُحَمَّدٍ الوَزَّانُ، وَآخَرُوْنَ.
كُنْيَتُهُ أَبُو الهَيْثَمِ، وَكَانَ تَالِفاً يَدُورُ
النَّوَاحِي، وَيَشحَذُ.
قَالَ أَحْمَدُ الأبَّار: سَأَلْتُ الوَزَّانَ عَنْهُ،
فَقَالَ: كَانَ مِنْ أَهْلِ البَادِيَةِ، كَتبَ عَنْهُ
أَهْلُ حَرَّانَ، رَأَيْتُ لَهُ ابْناً كَأَنَّهُ أَكْبَرُ
مِنْهُ، وَبِنتاً كَأَنَّهَا أُمُّهُ، فَظَنَنتُ أَنَّهَا
أُمَّهُ. فَقَالَ: هَذِهِ بِنْتِي وُلِدَتْ بَعْدَ
المائَةِ.
وَقَالَ أَبُو وَهْبٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لِي مائَةٌ
وَسِتٌّ وَعِشْرُوْنَ سَنَةً وَنِصْفٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ قَدِمَ
يَعْلَى دِمَشْقَ، وَكَانَ أَعْرَابِيّاً، فَحَدَّثَ عَنْ
عَبْدِ اللهِ بنِ جَرَادٍ سَبْعَةَ أَحَادِيْثَ.
فَقُلْنَا: لَعَلَّهُ حَقٌّ، ثُمَّ جَعَلَهَا عَشْرَةً،
ثُمَّ عِشْرِيْنَ، ثُمَّ جَعَلَهَا أَرْبَعِيْنَ.
وَكَانَ سَائِلاً يَسْأَلُ النَّاسَ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: لاَ يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لاَ يُصَدَّقُ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: بَلَغَنِي عَنْ أَبِي مُسْهِرٍ،
قَالَ: قُلْتُ لِيَعْلَى: مَا سَمِعَ عَمُّكَ مِنَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ? قَالَ:
"جَامِعَ الثَّوْرِيِّ"، وَ"مُوَطَّأَ مَالِكٍ"، وَشَيْئاً
مِنَ الفَوَائِدِ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ وَضَعُوا لَهُ أَحَادِيْثَ،
فَحَدَّثَ بِهَا، وَلَمْ يَدْرِ.
قُلْتُ: بَقِيَ إِلَى مَا بعد ثمانين ومائة.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "8/ ترجمة 3554"، والمعرفة
والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 257"، والجرح والتعديل "9/
ترجمة 1305"، المجروحين لابن حبان "3/ 141"، والكامل لابن
عدي "7/ ترجمة 2186"، وميزان الاعتدال "4/ 456".
(7/291)
1236- العَطَّاف 1: "ت، س"
ابن خالد بن عبد الله بن العَاصِ بنِ وَابِصَةَ بنِ
خَالِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ مَخْزُوْمٍ،
الإِمَامُ، أَبُو صَفْوَانَ المَخْزُوْمِيُّ، المَدَنِيُّ،
أَحَدُ المَشَايِخِ الثِّقَاتِ.
حَدَّثَ عَنْ: نَافِعٍ، وَزَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَأَبِي
حَازِمٍ المَدِيْنِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: أَبُو اليَمَانِ، وَسَعِيْدُ بنُ أبي مريم، وآدم
بن إِيَاسٍ، وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَقُتَيْبَةُ،
وَأَبُو مُصْعَبٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: لَمْ يَحْمَدْهُ مَالِكٌ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ فِي "الكُنَى": لَيْسَ
بِالمَتِيْنِ عِنْدَهُم، غَمَزَهُ مَالِكٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِذَاكَ.
قُلْتُ: تَفَرَّدَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَقَادَ
مِنْ خِدْش. وَهَذَا مُنْكَرٌ، لَكِنْ تَفَرَّدَ بِهِ
عَنْهُ: مَخْلَدُ بنُ مَالِكٍ.
وَلِلْعَطَّافِ نَحْوٌ مِنْ مائَةِ حَدِيْثٍ، وَهُوَ
نَحْوُ فليح، وابن أبي حازم في القوة.
وَسَمِعَهُ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ يَقُوْلُ: أَنَا أَسَنُّ
مِنْ مَالِكٍ، وُلِدتُ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ.
قُلْتُ: موته قريب من وفاة مالك.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 412"، المعرفة
والتارخي ليعقوب الفسوي "1/ 241 و626" و"2/ 300"، والضعفاء
الكبير للعقيلي "3/ ترجمة 1466"، والجرح والتعديل "7/
ترجمة 175"، والمجروحين لابن حبان "2/ 193"، والكامل لابن
عدي "5/ ترجمة 1543"، والكاشف "2/ ترجمة 3873"، وميزان
الاعتدال "3/ ترجمة 5636"، وتهذيب التهذيب "7/ 221"،
وتقريب التهذيب "2/ 24"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5649".
(7/292)
1237- إبراهيم
بن صالح 1:
ابن عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ العَبَّاسِيُّ،
أَمِيْرُ الشَّامِ لِلْمَهْدِيِّ، ثُمَّ أَمِيْرُ مِصْرَ
لِلرَّشِيْدِ، وَزَوَّجَهُ بِأُخْتِهِ، وَهُوَ أَخُو
عَبْدِ المَلِكِ.
قِيْلَ: مَرِضَ إِبْرَاهِيْمُ، فَقَالَ الرَّشِيْدُ
لِجِبْرِيْلَ الطَّبِيْبِ: مَا أَبْطَأَكَ? قَالَ:
تَشَاغَلْتُ بِإِبْرَاهِيْمَ، لأَنَّهُ يَمُوْتُ. فَبَكَى
وَجَزِعَ، وَلَمْ يَأْكُلْ. فَقَالَ جَعْفَرٌ: هَذَا
أَعْلَمُ بِطِبِّ الرُّوْمِ، وَابْنُ بَهْلَةَ أَعْلَمُ
بِطِبِّ الهِنْدِ، فَبَعَثَ بِابْنِ بَهْلَةَ، فَرَجَعَ،
وَقَالَ: إِنَّهُ لاَ يَمُوْتُ فِي عِلَّتِهِ. فَأَكَلَ
الرَّشِيْدُ، وَسَكَنَ. فَلَمَّا أَمْسَوْا جَاءهُ
المَوْتُ، فَبَكَى الرَّشِيْدُ، فَأَتَاهُ ابْنُ بَهْلَةَ،
وَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ. فَدَخَلَ الرَّشِيْدُ
مَعَهُ. قَالَ: فَنَخَسَهُ بِمِسَلَّةٍ تَحْتَ ظُفُرِهِ،
فَحَرَّكَ يَدَه شَيْئاً، ثُمَّ أَمَرَ بِنَزْعِ الكَفَنِ
عَنْهُ، وَدَعَا بِمِنْفَاخٍ وَكُنْدُسٍ، فَنَفَخَ فِي
أَنْفِهِ، فَعَطَسَ، وَفَتَحَ عَيْنَيْهِ، فَرَأَى
الرَّشِيْدَ، فَأَخَذَ يَدَه، فَقَبَّلَهَا، فَقَالَ:
كَيْفَ حَالُكَ? قَالَ: كُنْتُ فِي أَلَذِّ نَوْمَةٍ،
فَعَضَّ شَيْءٌ أُصبُعِي، فَآلَمَنِي، وَعُوْفِيَ. ثُمَّ
زَوَّجَهُ بِأُخْتِهِ عَبَّاسَةَ، وَوَلاَّهُ مِصْرَ،
وَبِهَا مَاتَ، فَكَانَ يُقَالُ: رَجُلٌ مَاتَ
بِبَغْدَادَ، وَمَاتَ وَدُفِنَ بمصر.
مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، فِي شَعْبَانَ.
وَلَهُ عِدَّةُ إِخْوَةٍ أُمَرَاءَ، سَادَةٍ، قَادَةٍ،
قَلَّ أَنْ يَتَّفِقَ إِخْوَةٌ مِثْلُهُم فِي الجَلاَلَةِ
وَالسُّؤْدُدِ، وَهُم: إِسْمَاعِيْلُ، وَعَبْدُ
الوَهَّابِ، وَعَبْدُ اللهِ، وَعَبْدُ الملك، والفضل.
__________
1 ترجمته في المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي (1/ 156
و682".
(7/292)
1238- الفيض
1:
ابن أَبِي صَالِحٍ شِيْرَوَيْه، الوزِيْرُ الكَبِيْرُ،
أَبُو جَعْفَرٍ الفَارِسِيُّ. أَسْلَمَ، وَكَانَ
نَصْرَانِيّاً، فَوَزَرَ لِلْمَهْدِيِّ فِي أَوَاخِرِ
دَوْلَتِهِ.
وَكَانَ سَخِيّاً، جَوَاداً، يُضْرَبُ بِكَرَمِهِ
المَثَلُ، وَفِيْهِ تِيْهٌ مُفْرِطٌ، أَنْسَى النَّاسَ
تِيْهَ الوَزِيْرِ أَبِي عُبَيْدِ اللهِ.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: لَمْ يَزَلْ وَزِيْراً حَتَّى مَاتَ
المَهْدِيُّ، ثُمَّ وَلِيَ الفَيْضُ دِيْوَانَ الجَيْشِ
إِلَى أَنْ مَاتَ فِي سنة ثلاث وسبعين ومائة.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "7/ 26".
(7/293)
1239- عُمَارة بنُ حَمْزَةَ 1:
الهَاشِمِيُّ، مَوْلاَهُم، الكَاتِبُ الأَدِيْب، أَحَدُ
بُلغَاء زَمَانِهِ، وَرَئِيْسُ وَقْتِه، مِنْ أَوْلاَدِ
عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَهُ ابْنُ
خَلِّكَانَ. قال: وكان كاتب المنصور، وكان أعور.
وَكَانَ المَنْصُوْرُ وَالمَهْدِيُّ يُقدِّمَانِهِ
لبَلاَغتِهِ، وَيَحتمِلاَنِ أَخلاَقَهُ، وَلَهُ رَسَائِلُ
مَجْمُوْعَةٌ.
كَانَ فَصِيْحاً، مُفَوَّهاً، جَوَاداً، مُمَدَّحاً،
صَلِفاً، تَيَّاهاً، يُضْرَبُ بكِبْرِهِ المَثَلُ.
وَلِي أَعْمَالاً جلِيْلَةً.
صُوْدِرَ يَحْيَى بنُ خَالِدٍ البَرْمَكِيُّ مرَّةً،
فَبعثَ وَلَدَهُ إِلَى عُمَارَةَ لِيقرضَهُ مائَتَي أَلْفِ
دِيْنَارٍ، فَأَعْطَاهُ، فَلَمَّا عَادَ أَمْرُهُ، وَنفَذَ
إِلَيْهِ بِالمَالِ، عبَّسَ وَقَالَ: أَكُنْتَ صَيْرفِيّاً
لَهُ? ثُمَّ قَالَ لِوَلَدِهِ الفَضْلِ بنِ يَحْيَى:
خُذْهَا لَكَ.
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي أَيُّوْبَ قال: وصل عمارة
أبي بثلاثمائة أَلْفِ دِرْهَمٍ.
وَقِيْلَ إِنَّ جَمَاعَةً أَتَوْهُ لِيشفعُوا فِي برِّ
قَوْمٍ، فَأَمرَ لَهُم بِمائَةِ أَلْفِ درهم، وكان كثير
الأموال والنعم.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 164".
(7/293)
1240- عُبَيْس بن ميمون 1: "ق"
الإمام، المحدث، أبو عبيدة التميمي، الرَّقَاشِيُّ،
البَصْرِيُّ، الخَزَّازُ.
رَوَى عَنْ: بَكْرٍ المُزَنِيِّ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ
قُرَّةَ، وَثَابِتٍ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ،
وَالقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ -إِنْ كَانَ لَحِقَهُ- وعون بن
أبي شداد، وعدة.
وَعَنْهُ: الطَّيَالِسِيُّ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَمُسْلِمٌ،
وَيَحْيَى بنُ غيلان، وسعيد ابن مَنْصُوْرٍ، وَخَلَفُ بنُ
هِشَامٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ، وَقُتَيْبَةُ،
وَدَاهِرُ بنُ نُوْحٍ، وَخلقٌ.
قَالَ أَحْمَدُ: لَهُ أَحَادِيْثُ مِنْكرَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: مَتْرُوكٌ. وَقَالَ أَيْضاً:
لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: تُرك.
قُلْتُ: لَهُ فِي ابْنِ مَاجَه حَدِيْثٌ وَاحِدٌ.
وَتُوُفِّيَ فِي حدود الثمانين ومائة.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 359"، الجرح
والتعديل "7/ ترجمة 183"، والمجروحين لابن حبان "2/ 186"،
والكاشف "2/ ترجمة 3705"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة
5463"، وتهذيب التهذيب "7/ 88"، وتقريب التهذيب "1/ 548"،
وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4683".
(7/294)
1241- خالد بن
عبد الله 1: "ع"
ابن عبد الرحمن بن يزيد الحَافِظُ، الإِمَامُ، الثَّبْتُ،
أَبُو الهَيْثَمِ. وَيُقَالُ: أَبُو مُحَمَّدٍ المُزَنِيُّ
مَوْلاَهُم، الوَاسِطِيُّ، الطَّحَّانُ. وَيُقَالُ:
وَلاَؤُه لِلنُّعْمَانِ بنِ مُقَرِّن.
حَدَّثَ عَنْ: حُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَبَيَانِ
بنِ بِشْرٍ، وَأَبِي طُوالة، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي
صَالِحٍ، وَعَاصِمِ بنِ كُلَيْبٍ، وَعَطَاءِ بنِ
السَّائِبِ، وَمُغِيْرَةَ بنِ مِقْسَم، وَحُمَيْدٍ
الطَّوِيْلِ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ
أَبِي خَالِدٍ، وأبي بِشرٍ جَعْفَرِ بنِ أَبِي وَحشِيَّةِ،
وَالجُرَيْرِيِّ، وَعَمْرِو بنِ يَحْيَى بنِ عُمَارَةَ
المَازِنِيِّ، وَمُطَرِّفِ بنِ طَرِيْفٍ، وَوَاصِلٍ
مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ،
وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ،
وَأَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، وَأَبِي حَيَّانَ
التَّيْمِيِّ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، وَخَلْقٍ
كَثِيْرٍ. وَأَبِي حُصَيْنٍ، وَمَا أَظنُّه سَمِعَ منَ
الأَعْمَشِ.
وَعَنْهُ: يَحْيَى القَطَّانُ، وَوَكِيْعٌ، وَابْنُ
مَهْدِيٍّ، وَمُسَدَّدٌ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَأَبُو
عُمَرَ الحَوْضِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ يَعْقُوْبَ
الطَّالْقَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ
الدُّوْلاَبِيُّ، وَعَمْرُو بنُ عَوْنٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ
سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُقَاتِلٍ
المَرْوَزِيُّ، وَمُعَلَّى بنُ مَنْصُوْرٍ، وَوَهْبُ بنُ
بَقِيَّةَ، وَقُتَيْبَةُ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ
بَيَانٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ شَاهِيْنَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: قَالَ
أَبِي: كَانَ خَالِدٌ الطَّحَّانُ ثِقَةً، صَالِحاً فِي
دِيْنِهِ، بَلَغَنِي أَنَّهُ اشْتَرَى نَفْسَهُ مِنَ اللهِ
ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ
هُشَيْمٍ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ أَيْضاً: قَالَ أَبِي:
كَانَ خَالِدٌ مِنْ أَفَاضِلِ المُسْلِمِيْنَ، اشْتَرَى
نَفْسَه مِنَ اللهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَتصدَّقَ بوزنِ
نَفْسِهِ فِضَّةً أَرْبَعَ مَرَّاتٍ.
وَقَالَ ابْنُ سَعِيْدٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو
حَاتِمٍ، وَالنَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: ثِقَةٌ، حَافِظٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ أَيْضاً: صَحِيْحُ الحَدِيْثِ.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 313"، والتاريخ الكبير "3/
ترجمة 550"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 171 و341
و478" و"2/ 536 و459" و"3/ 80"، والكنى للدولابي "2/ 95"،
والجرح والتعديل "3/ ترجمة 1536"، وتاريخ بغداد "8/ 295"،
والأنساب للسمعاني "8/ 214"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة
246"، والعبر "1/ 273 و407"، والكاشف "1/ ترجمة 1342"،
وجامع التحصيل للعلائي "ترجمة 163"، تهذيب التهذيب "3/
100"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 1773"، وشذرات الذهب لابن
العماد "1/ 292".
(7/295)
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ إِسْحَاقُ
الأَزْرَقُ: مَا أَدْرَكتُ أَفْضَلَ مِنْ خَالِدٍ
الطَّحَّانِ. قِيْلَ: قَدْ رَأَيْتَ سُفْيَانَ? قَالَ:
كَانَ سُفْيَانُ رَجُلَ نَفْسِهِ، وَكَانَ خَالِدٌ رَجُلَ
عَامَّةٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ: هُوَ
أَثْبَتُ مِنْ جَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ.
وَأَمَّا عُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، فَكَانَ يُقدِّمُ
جَرِيْراً عَلَى خَالِدِ بنِ عَبْدِ اللهِ.
قَالَ عَمْرُو بنُ عَوْنٍ: مَا صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ
عَبْدِ اللهِ إِلاَّ سَمِعْتُ قَطْرَ دُمُوْعِهِ عَلَى
البَارِيَّةِ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُبشِّرٍ
الوَاسِطِيُّ: وُلِدَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَةٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَيَانٍ: مَاتَ خَالِدٌ
الطَّحَّانُ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ
وَمائَةٍ، وَكَانَ لاَ يَخْضِبُ، وَفِيْهَا أَرَّخَهُ
يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ.
وَقَالَ خَلِيْفَةُ، وَابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ سَنَةَ
اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا أَكْمَلُ
بنُ أَبِي الأَزْهَرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ،
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا
أَبُو بَكْرٍ بنُ زُنْبُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ
أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ شَاهِيْنٍ،
حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ حَكِيْمِ
بنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "في الجَنَّةِ بَحرُ
المَاءِ، وَبحرُ اللَّبَنِ، وَبحرُ الخَمْرِ، وبحر العسل،
ثم تنفجر الأَنْهَارُ بَعْدُ". تَابعَهُ بَهْز بنُ
حَكِيْمٍ، عَنِ أَبِيْهِ. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ
حَدِيْثِ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، عَنْ بَهْزٍ،
وَصحَّحَهُ، وَانْفَرَدَ بِإِخرَاجِهِ عَنْ باقي الأئمة.
(7/296)
1242- موسى بن أعْيَن 1: "خَ، م، د، س، ق"
الإِمَامُ، الحُجَّةُ، أَبُو سَعِيْدٍ الحَرَّانِيُّ.
رَوَى عَنْ: عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَلَيْثٍ، وَعَبْدِ
الكَرِيْمِ الجَزَرِيِّ، وَالأَعْمَشِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ
مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَمُطَرِّفِ بنِ طَرِيْفٍ،
وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، وَمَعْمَرٍ، وَخَلْقٍ.
وَعَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَمَاعَةَ،
وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي شُعَيْبٍ، وَعَبْدُ الغَفَّارِ بنُ
دَاوُدَ، وَسَعِيْدُ بنُ حَفْصٍ النُّفَيْلِيُّ،
وَقَرَابَتُهُ أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ، وَيَحْيَى
بنُ يَحْيَى، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ ومائة.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 483"، والتاريخ الكبير "7/
ترجمة 1190"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 616"، والعبر "1/
271"، والكاشف "3/ ترجمة 5777"، وتهذيب التهذيب "10/ 335"،
وتقريب التهذيب "2/ 281"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7245"،
وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 288".
(7/296)
1243- أما المُفَضَّل بن فَضَالة 1: "د، ت،
ق"
ابن أبي أمية، أَبُو مَالِكٍ، القُرَشِيُّ مَوْلاَهُم،
البَصْرِيُّ، أَخُو مُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ، فَأَقدمُ
قَلِيْلاً مِنْ صَاحِبِ التَّرْجَمَةِ.
رَوَى عَنْ: بَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيِّ،
وَثَابِتٍ البُنَانِيِّ، وَحَبِيْبِ بنِ الشَّهِيْدِ،
وَعَاصِمِ بنِ أبى النجود، وجماعة.
وَعَنْهُ: حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
مَهْدِيٍّ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَيُوْنُسُ بنُ مُحَمَّدٍ،
وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ.
قُلْتُ: لَهُ فِي الكِتَابِ حديث واحد.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 1774"، والضعفاء
الكبير للعقيلي "4/ ترجمة 1835"، والجرح والتعديل "8/
ترجمة 1460"، والكامل لابن عدي "6/ ترجمة 1891"، والكاشف
"3/ ترجمة رقم 5707"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 8732"،
وتهذيب التهذيب "10/ 273"، وتقريب التهذيب "2/ 271"،
وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7173".
(7/297)
1244- أبو
الأحوص 1: "ع"
الإِمَامُ، الثِّقَةُ، الحَافِظُ، سَلاَّمُ بنُ سُلَيْمٍ
الحَنَفِيُّ مَوْلاَهُم، الكُوْفِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: زِيَادِ بنِ عِلاقة، وَالأَسْوَدِ بنِ
قَيْسٍ، وَآدَمَ بنِ عَلِيٍّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ
رُفَيْعٍ، وَسَعِيْدِ بنِ مَسْرُوْقٍ، وَسِمَاكِ بنِ
حَرْبٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ
مُهَاجِرٍ، وَأَبِي بِشْرٍ بَيَانِ بنِ بِشْرٍ، وَأَشْعَثَ
بنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، وَشَبِيْبِ بنِ غَرْقَدة، وَأَبِي
حُصين، ومنصور، وعاصم بن كليب، وعبد الكريم الجزري، وخلق
سواهم.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 379"، والتاريخ الكبير "4/
ترجمة 2231"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 170"
و"2/ 641" و"3/ 127 و162"، والجرح والتعديل "4/ ترجمة
1121"، والعبر "1/ 274"، وتهذيب التهذيب "4/ 282"، وتقريب
التهذيب "1/ 342"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2840"، وشذرات
الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 292".
(7/297)
وَعَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
مَهْدِيٍّ، وَوَكِيْعٌ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَخَلَفُ بنُ
تَمِيْمٍ، وَالحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ البُورَانِيُّ،
وَأَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيْعُ بنُ نَافِعٍ، وَسَعِيْدُ بنُ
مَنْصُوْرٍ، وَعَاصِمُ بنُ يُوْسُفَ، وَقُتَيْبَةُ،
وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَخُوْهُ عُثْمَانُ،
وَمُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ
عُبَيْدِ المُحَارِبِيُّ، وَهَنَّادُ بنُ السَّرِيِّ،
وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ
أَبَانٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حوَّاسٍ الحَنَفِيُّ، وَخَلَفُ
بنُ هِشَامٍ، وَسُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: هُوَ أَثْبَتُ
مِنْ شَرِيْكٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ.
وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: قُلْتُ لِيَحْيَى: أَبُو
الأَحْوَصِ أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَوْ أَبُو بَكْرٍ بنُ
عَيَّاشٍ? قَالَ: مَا أَقْرَبَهُمَا.
وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: كَانَ ثِقَةً، صَاحِبَ
سُنَّةٍ وَاتِّبَاعٍ، وَكَانَ إِذَا مُلِئَتْ دَارُهُ مِنْ
أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، قَالَ لابْنِهِ أَحْوَصَ: يَا
بُنَيَّ! قُمْ فَمَنْ رَأْيْتَهُ فِي دَارِي يَشتمُ
أَحَداً مِنَ الصَّحَابَةِ، فَأَخْرِجْهُ، مَا يَجِيْءُ
بكُم إِلِيَنَا?!
وَكَانَ حَدِيْثُهُ نَحْوَ أَرْبَعَةِ آلاَفِ حَدِيْثٍ.
وَهُوَ خَالُ المُقْرِئِ سُلَيمٍ1، صَاحِبِ حَمْزَةَ،
وَقَرَأَ أبو الأحوص أيضًا القرآن على حمزة.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ، وَالنَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، هُوَ دُوْنَ زَائِدَةَ
وَزُهَيْرٍ فِي الإِتقَانِ، شَرِيْكٌ وَأَبُو عَوَانَةَ
أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ.
وَسُئِلَ أَبُو حَاتِمٍ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، وَأَبِي
بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، فَقَالَ: لاَ تُبالِ بِأَيِّهِمَا
بِدَأْتَ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ، وَغَيْرُهُ:
مَاتَ أَبُو الأَحْوَصِ وَمَالِكٌ وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ
سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ
التَّمِيْمِيُّ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ،
أَخْبَرَنَا تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو
عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى
المَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي
شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ،
عَنْ مُوْسَى بنِ
__________
1 هو: سُليم بن عيسى بن سليم بن عامر الحنفي مولاهم الكوفي
المقرئ، عرض القرآن على حمزة بن حبيب الزيات، وهو من
القراء السبعة، وهو أخص أصحابه وألصقهم به وهو أضبطهم.
(7/298)
طَلْحَةَ، عَنِ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَ
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"إِذَا صَلَّى أحدُكم فَلْيَجْعَلْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلَ
آخِرَةِ الرَّحْلِ ثُمَّ يُصَلِّي، وَلاَ يُبَالِي مَنْ
مَرَّ وَرَاءَ ذَلِكَ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1، عَنْ أَبِي
بَكْرٍ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، أَخْبَرَنَا
مُوْسَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا
عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ
المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا لُوَين، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ بُرَيْدِ بنِ أَبِي مريم، عَنْ
أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ سَأَلَ اللهَ الجَنَّةَ ثَلاَثَ
مَرَّاتٍ، قَالَتِ الجَنَّةُ: اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ
الجَنَّةَ، وَمَنِ اسْتَجَارَ بِاللهِ مِنَ النَّارِ،
قَالَتِ النَّارُ: اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنَ النَّارِ" 2.
أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ
ماجه مِنْ طَرِيْقِ أَبِي الأَحْوَصِ، وَهُوَ حَدِيْثٌ
حسنٌ.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "499".
2 صحيح: أخرجه الترمذي "2572"، والنسائي "8/ 279" وفي "عمل
اليوم والليلة" "110" وابن ماجه "4340" من طريق هناد بن
السري، عن أبي الأحوص، به.
وأخرجه أحمد "3/ 117"، والحاكم "1/ 535" من طريق أبي
إسحاق، به، وأخرجه أحمد "3/ 141 و155 و262"، والبغوي في
"شرح السنة" "1365" من طرق عن يونس بن أَبِي إِسْحَاقَ،
عَنْ بُريد بنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَنَسِ بن مالك، به
مرفوعا.
(7/299)
1245- شِهاب بن خِراش 1: "د"
ابن حَوْشَب بن يَزِيْدَ بنِ الحَارِثِ بنِ يَزِيْدَ بنِ
رُوَيْمِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ سَعْدِ بنِ مُرَّةَ بنِ
ذُهْلِ بنِ شَيْبَانَ بنِ ثَعْلَبَةَ. الإِمَامُ،
القُدْوَةُ، العَالِمُ، أَبُو الصَّلْتِ الشَّيْبَانِيُّ،
ثُمَّ الحَوْشَبِيُّ، الوساطي، أَخُو عَبْدِ اللهِ،
وَابْنُ أَخِي العَوَّامِ بنِ حَوْشَبٍ.
أَصلُهُ كُوْفِيٌّ، تَحوَّلَ إِلَى الرَّملة.
وَحَدَّثَ عَنْ: عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، وَأَبَانِ بنِ أَبِي
عَيَّاشٍ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَعَبْدِ
الكَرِيْمِ الجَزَرِيِّ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ،
وَمُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ القُرَشِيِّ، وَقَتَادَةَ،
وَعَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ، وَعَمِّهِ العوَّامِ،
وَحَمَّادِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَشُعَيْبِ بنِ
رُزَيْقٍ الطَّائِفِيِّ، وَالقَاسِمِ بنِ غَزْوَانَ.
وَيَنْزِلُ إِلَى: الثَّوْرِيِّ، والربيع بن صبيح، وعدة.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "4/ ترجمة 2642"، والمعرفة
والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 325"، والجرح والتعديل "4/
ترجمة 1586"، والمجروحين لابن حبان "1/ 362"، والكامل لابن
عدي "4/ ترجمة 894"، والإكمال لابن ماكولا "3/ 105"،
والكاشف "2/ ترجمة 2333"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة
3750"، تهذيب التهذيب "4/ ترجمة 366"، وتقريب التهذيب "1/
355" وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2979".
(7/299)
وَعَنْهُ: ابْنُ مَهْدِيٍّ، وَعَبْدُ اللهِ
بنُ مَيْمُوْنٍ القدَّاحُ، وَابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ،
وَالهَيْثَمُ بنُ خَارِجَةَ، وآدم بن إِيَاسٍ، وَعُثْمَانُ
بنُ سَعِيْدِ بنِ كَثِيْرٍ الحِمْصِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ
مَنْصُوْرٍ، وَالحَكَمُ بنُ مُوْسَى، وَقُتَيْبَةُ، وعلي
بن حُجْرٍ، وَيَزِيْدُ بنُ مَوْهِبٍ، وَسُوَيْدُ بنُ
سَعِيْدٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَثَّقَهُ ابْنُ المُبَارَكِ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَابْنُ
عَمَّارٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ: لاَ بَأْسَ بِهِ.
قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، نَزَلَ الرَّمْلَةَ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ثِقَةٌ، صَاحِبُ سُنَّةٍ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَهُ أَحَادِيْثُ لَيْسَتْ
كَثِيْرَةً، وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ مَا يُنكَرُ
عَلَيْهِ، وَلاَ أَعْرِفُ لِلْمُتَقَدِّمِيْنَ فِيْهِ
كَلاَماً فَأَذْكُرَهُ.
قُلْتُ: وَذَلِكَ لانزِوَائِهِ بفِلَسْطِيْنَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ: سَمِعْتُ عَبْدَ
الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: لَمْ أَرَ أَحَداً
أَجْمَعَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ، وَلَمْ أَرَ
أَحَداً أُقدِّمُهُ عَلَى بِشْرِ بنِ مَنْصُوْرٍ، وَلَمْ
أَرَ أَحَداً أَحْسَنَ وَصْفاً لِلسُّنَّةِ مِنْ شِهَابِ
بنِ خِرَاشٍ، وَلَمْ أَرَ أَحَداً أَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ
مِنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَلِسُفْيَانَ عِلْمُهُ
وَزُهْدُهُ.
بُهْلُولُ بنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ
مَنْصُوْرٍ، حَدَّثَنَا شِهَابُ بن خراش قال: أدركت مَنْ
أَدْرَكْتُ مِنْ صَدَرَةِ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَهُم يقولون:
اذكرُوا مَجْلِسَ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا تَأْتَلِفُ عَلَيْهِ
القُلُوْبُ، وَلاَ تَذْكُرُوا الَّذِي شَجَرَ بَيْنهُم،
فَتُحرِّشُوا عَلَيْهِم النَّاسَ.
مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ الخُرَيمِيُّ، عَنْ هِشَامِ بنِ
عَمَّارٍ: سَمِعْتُ شِهَابَ بنَ خِرَاشٍ يَقُوْلُ: إِنَّ
القَدَرِيَّةَ أَرَادُوا أَنْ يَصِفُوا اللهَ بعَدْلِهِ،
فَأَخْرَجُوْهُ مِنْ فَضْلِهِ.
قَالَ هِشَامٌ: لقِيْتُ شِهَاباً وَأَنَا شَابٌّ، فِي
سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، فَقَالَ لِي: إِنْ
لَمْ تَكُنْ قَدَرِيّاً وَلاَ مُرْجِئاً، حدَّثْتُكَ،
وَإِلاَّ لَمْ أُحَدِّثْكَ. فَقُلْتُ: مَا فيَّ مِنْ
هَذَيْنِ شَيْءٌ.
وَقَالَ مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ قُهْزَاد، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ الطَّالْقَانِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ
بنِ المُبَارَكِ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ!
الحَدِيْثُ الَّذِي جَاءَ: "إِنَّ مِنَ البِرِّ بَعْدَ
البِرِّ أَنْ تُصَلِّيَ لأَبَوَيْكَ مَعَ صَلاَتِكَ،
وَتَصومَ لَهُمَا مَعَ صَوْمِكَ". فَقَالَ: يَا أَبَا
إِسْحَاقَ، عَمَّنْ هَذَا? قُلْتُ: هَذَا مِنْ حَدِيْثِ
شهاب بن خراش. قال: ثقة، عمن? قلت: عن
(7/300)
الحَجَّاجِ بنِ دِيْنَارٍ. قَالَ: ثِقَةٌ،
عَمَّنْ? قُلْتُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: إِنَّ بَيْنَ الحَجَّاجِ
وَبَيْنَ النَّبِيِّ -صَلَّى الله عليه وسلم- مفاوز تنقطع
فيها أعناق المَطِيِّ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِي الصَّدَقَةِ
اخْتِلاَفٌ1.
خرَّج أَبُو دَاوُدَ لِشِهَابٍ فِي سُنَنِهِ حَدِيْثَيْنِ.
وَمَاتَ قَبْلَ سَنَةِ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، فَقَدْ
لَحِقَهُ عَلِيُّ بنُ حُجْر.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ زَيْنَبَ
الشَّعْرِيَّةِ، أَخْبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ زعبلٍ،
أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ الفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا
أَبُو عَمْروِ بنُ حَمْدَانَ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ
سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا
شِهَابُ بنُ خِرَاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ اللهَ لعنَ المُرجِئَةَ
وَالقدرِيَّةَ عَلَى لِسَانِ سبعين نبيًّا"2.
أَخْبَرَنَا الحَافِظُ، أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ
مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ صَبَّاحٍ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ رِفَاعَةَ، أَخْبَرَنَا
عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ القَاضِي، أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ البَزَّازُ سَنَةَ ثلاث عشرة
وأربعمائة، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ
أَحْمَدَ العَامِرِيُّ، حدثنا سلمان بنُ شُعَيْبٍ
الكَيْسَانِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيْدٌ الآدَمُ، حَدَّثَنَا
شِهَابُ بنُ خِرَاشٍ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ الرَّقَاشِيُّ،
عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَخَوْفُ مَا
أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي، تَصْدِيقٌ بِالنُّجُوْمِ،
وَتَكذِيبٌ بِالقَدَرِ، وَلاَ يؤمن عبد الله حَتَّى
يُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، حُلْوِهِ
وَمُرِّهِ"، وَأَخَذَ رَسُوْلُ اللهِ بِلحِيتِهِ، وَقَالَ:
"آمَنتُ بِالقَدَرِ كُلِّهِ، خَيْرِهِ وَشرِّهِ، حُلْوِهِ
وَمُرِّهِ"، وَأَخَذَ أَنَسٌ بلحيته، وقال: آمنت بالقدر
كله، خيره وشره، حُلْوِهِ وَمُرِّهِ، وَأَخَذَ يَزِيْدُ
الرَّقَاشِيُّ بلِحْيَتِهِ، وَقَالَ: آمنت بالقدر كله،
خيره وشره، حلوه ومره. وَتَسَلْسَلَ إِلَى هَذَا
الكَلاَمِ، وَهُوَ كَلاَمٌ صَحِيْحٌ، لكن الحديث واه،
لمكان الرقاشي.
__________
1 ضعيف: أخرجه مسلم في "مقدمة صحيحه" "1/ 16"، وهو ضعيف
لإرساله، الحجاج بن دينار الذي أرسله من طبقة كبار أتباع
التابعين فالإسناد ضعيف.
2 ضعيف: فيه سويد بن سعيد، قال النسائي: ضعيف. وقال
البخاري: ضعيف جدا. وقال أبو حاتم: صدوق كثير التدليس.
(7/301)
1246- هُشَيْم 1: "ع"
ابن بشير بن أبي خازم. وَاسْمُ أَبِي خَازِمٍ قَاسِمُ بنُ
دِيْنَارٍ، الإِمَامُ، شيخ الإِسْلاَمِ، مُحَدِّثُ
بَغْدَادَ، وَحَافِظُهَا، أَبُو مُعَاوِيَةَ السَّلَمِيُّ
مَوْلاَهُم، الوَاسِطِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَةٍ.
وَأَخَذَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ
بِمَكَّةَ، وَلَمْ يُكثِرْ عَنْهُمَا، وَهُمَا أَكْبَرُ
شُيُوْخِهِ.
وَرَوَى عَنْ: مَنْصُوْرِ بنِ زَاذَانَ، وَحُصَيْنِ بنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبِي بِشْرٍ، وَأَيُّوْبَ
السِّخْتِيَانِيِّ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، وَمُغِيْرَةَ،
وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ
صُهَيْبٍ، وَعَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ
الشَّيْبَانِيِّ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَيَعْلَى بنِ
عَطَاءٍ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَبِي هَاشِمٍ
الرُّمَّانِيِّ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَعَبْدِ اللهِ
بنِ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ،
وَالأَعْمَشِ، وَخَلْقٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ إِسْحَاقَ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ
جَعْفَرٍ، وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَهُم مِنْ
أَشْيَاخِهِ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ،
وَطَائِفَةٌ مِنْ أَقرَانِهِ، وَيَحْيَى القَطَّانُ،
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَعَفَّانُ،
وَقُتَيْبَةُ، وَأَحْمَدُ، وَعَمْرُو بنُ عَوْنٍ،
وَمُسَدَّدٌ، وَابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَابْنَا أَبِي
شَيْبَةَ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَعَلِيُّ بنُ مُسْلِمٍ
الطُّوْسِيُّ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ،
وَابْنُ الصَّبَّاحِ الدُّوْلاَبِيُّ، وَالجَرْجَرَائِيُّ،
وَشُجَاعُ بنُ مَخْلَدٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ
الهَرَوِيُّ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَأَبُو
مَعْمَرٍ القَطِيْعِيُّ، وخلف بن سالم، وأبو خيثمة،
وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَأَبُو
سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ
الدَّوْرَقِيُّ، وَهَنَّادُ بنُ السَّرِيِّ، وَزِيَادُ بنُ
أَيُّوْبَ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ
مُجَشِّر، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
سَكَنَ بَغْدَادَ، وَنَشرَ بِهَا العِلْمَ، وَصنَّفَ
التَّصَانِيْفَ.
قَالَ يَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ: كَانَ عِنْدَ هُشَيْمٍ
عِشْرُوْنَ أَلفَ حَدِيْثٍ.
قُلْتُ: كَانَ رَأْساً فِي الحِفْظِ، إِلاَّ أَنَّهُ
صَاحِبُ تَدْلِيسٍ كَثِيْرٍ، قَدْ عُرِفَ بِذَلِكَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَمْ يَسَمَعْ هُشَيْمٌ مَنْ
يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، وَلاَ مِنَ الحَسَنِ بن عبيد
الله،
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 313"، والتاريخ الكبير "8/
ترجمة 6867"؛ والجرح والتعديل "9/ ترجمة 486"، وتاريخ
بغداد "14/ 85"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 235"، والكاشف
"3/ ترجمة 6080"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 9250"، وجامع
التحصيل للعلائي "ترجمة رقم 849"، وتهذيب التهذيب "11/
59"، وتقريب التهذيب "2/ 320"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة
7766"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 303".
(7/302)
وَلاَ مِنْ أَبِي خَالِدٍ، وَلاَ مِنْ
سيَّار، وَلاَ مِنْ مُوْسَى الجُهَنِيِّ، وَلاَ مِنْ
عَلِيِّ بنِ زَيْدِ بنِ جُدْعَانَ، ثُمَّ سمَّى جَمَاعَةً
كَثِيْرَةً، يَعْنِي فَرِوَايتُهُ عَنْهُم مُدَلَّسَةٌ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: كَانَ وَالِدُ هُشَيْمٍ
صَاحِبَ صحْنَاء وكَامَخ، فَكَانَ يَمْنَعُ هُشِيْماً مِنَ
الطَّلبِ، فَكَتَبَ العِلْمَ حَتَّى نَاظرَ أَبَا شَيبَةَ
القَاضِي، وَجَالَسَهُ فِي الفِقْهِ. قَالَ: فَمَرِضَ
هُشَيْمٌ، فَجَاءَ أَبُو شَيْبَةَ يَعُوْدُهُ، فَمَضَى
رَجُلٌ إِلَى بشِيْرٍ، فَقَالَ: الْحَقِ ابْنَكَ، فَقَدْ
جَاءَ القَاضِي يَعُوْدُهُ. فَجَاءَ فَوَجَدَ القَاضِي فِي
دَارِهِ فَقَالَ: مَتَى أَمَّلتُ أَنَا هَذَا، قَدْ كُنْتُ
يَا بُنَيَّ أَمنعُكَ، أَمَّا اليَوْمَ فَلاَ بَقِيْتُ
أَمنعُكَ.
قَالَ وَهْبُ بنُ جَرِيْرٍ: قُلْنَا لِشُعْبَةَ: نَكْتُبُ
عَنْ هُشَيْمٍ? قَالَ: نعم، ولو حَدَّثَكُم عَنِ ابْنِ
عُمَرَ فَصدِّقُوهُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لزمتُ هُشَيْماً أَرْبَعَ
سِنِيْنَ، أَوْ خَمْساً، مَا سَأَلتُهُ عَنْ شَيْءٍ،
إِلاَّ مَرَّتَيْنِ، هَيْبَةً لَهُ، وَكَانَ كَثِيْرَ
التَّسبِيْحِ بَيْنَ الحَدِيْثِ، يَقُوْلُ بَيْنَ ذَلِكَ:
لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، يَمدُّ بِهَا صَوْتَهُ.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ قَالَ: كَانَ
هُشَيْمٌ أَحْفَظَ لِلْحَدِيْثِ مِنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ.
وَقَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً
أَحْفَظَ لِلْحَدِيْثِ مِنْ هُشَيْمٍ، إِلاَّ سُفْيَانَ.
إِنْ شَاءَ اللهُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجلي: هُشَيْمٌ
ثِقَةٌ، يُعدُّ مِنَ الحُفَّاظِ، وَكَانَ يُدَلِّسُ.
قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ
عَمْرَو بنَ عَوْنٍ يَقُوْلُ: مَكَثَ هُشَيْمٌ يُصَلِّي
الفَجْرَ بِوُضُوْءِ العشَاءِ قَبْلَ أَنْ يَمُوْتَ
عِشْرِيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ عَمْرُو بنُ عَوْنٍ: سَمِعْتُ حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ
يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ فِي المُحَدِّثِيْنَ أَنبلَ مِنْ
هُشَيْمٍ.
وَسُئِلَ أَبُو حَاتِمٍ عَنْ هُشَيْمٍ، فَقَالَ: لاَ
يُسْأَلُ عَنْهُ فِي صِدْقِهِ، وَأَمَانتِهِ، وَصلاَحِهِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ: مَنْ غَيَّرَ
الدَّهْرُ حَفِظَهُ، فَلَمْ يُغَيِّرْ حِفْظَ هُشَيْمٍ.
قَالَ يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ العَابِدُ: سَمِعْتُ نَصْرَ
بنَ بسَّامٍ وَغَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا، قَالُوا:
أَتَيْنَا مَعْرُوْفاً الكَرْخِيَّ فَقَالَ: رَأَيْتُ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي
المَنَامِ، وَهُوَ يَقُوْلُ لهُشَيْمٍ: "جَزَاكَ اللهُ
عَنْ أُمَّتِي خَيْراً". فَقُلْتُ لمَعْرُوْفٍ: أَنْتَ
رَأَيْتَ? قَالَ: نَعَمْ، هُشَيْمٌ خَيْرٌ مِمَّا نَظنُّ.
أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ
بنُ أَبِي شَيْخٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَانَ
الحِمْيَرِيُّ، عَنْ هُشَيْمٍ قَالَ: قَدِمَ الزُّبَيْرُ
-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- الكُوْفَةَ فِي خِلاَفَةِ
عُثْمَانَ، وَعَلَى الكُوْفَةِ سَعِيْدُ بنُ العَاصِ، فبعث
إليه بسبعمائة أَلفٍ، وَقَالَ: لَوْ كَانَ فِي بَيْتِ
المَالِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا لبعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ،
فَقَبِلَهَا
(7/303)
الزُّبَيْرُ. قَالَ أَحْمَدُ: فَحَدَّثْتُ
بِهَذَا مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: مَا كَانَ
الَّذِي بَعَثَ إِلَيْهِ عِنْدنَا إِلاَّ الوَلِيْدُ بنُ
عُقْبَةَ، وَكُنَّا نَشْكُرُهَا لَهُم، وَهُشَيْمٌ
أَعْلَمُ.
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: سَأَلْتُ هُشَيْماً عَنِ
التَّفسِيْرِ، كَيْفَ صَارَ فِيْهِ الاَختلاَفُ? قَالَ:
قَالُوا بِرَأْيِهِم، فَاخْتلفُوا.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بن عبد الله الهروي: سمع هشيمًا
وَابْنُ عُيَيْنَةَ مِنَ الزُّهْرِيِّ، فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ
وَعِشْرِيْنَ، فِي ذِي الحِجَّةِ، فَقَالَ سُفْيَانُ:
أَقَامَ عِنْدنَا إِلَى عُمْرَةِ المُحَرَّمِ، ثُمَّ
خَرَجَ إِلَى الجِعْرَانَةِ، فَاعْتمرَ مِنْهَا، ثُمَّ
نَفَرَ، وَمَاتَ مِنْ سَنَتِهِ.
وَقَدْ ذَكَرَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ الهَرَوِيُّ
حَدِيْثاً، فَقَالَ: لَمْ يَسْمَعْهُ هُشَيْمٌ مِنَ
الزُّهْرِيِّ، وَلَمْ يَروِ عَنْهُ سِوَى أَرْبَعَةَ
أَحَادِيْثَ سَمَاعاً، مِنْهَا: "حَدِيْثُ
السَّقِيْفَةِ"1، وَحَدِيْثُ " المضَامِيْنَ
وَالملاَقِيحَ"2، وحديث "ما استيسر من الهدي"، وحديث:
"اعتكف فأتته صفية"3.
__________
1 صحيح: أخرجه أبو داود "4418" من طريق هشيم، عَنِ
الزُهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ
عُتْبَةَ، عن عبد الله بن عباس، به مختصرا، وأخرجه البخاري
"6830" من حديث طويل من طريق إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ،
عَنْ صَالِحٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، به.
2 حسن لغيره: أخرجه البزار "1268" كشف الأستار والطبراني
في "الكبير" "11/ 11581" من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن
أَبِي حَبِيْبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بنِ الحُصَيْنِ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن بيع المضامين
والملاقيح وحبل الحبلة".
قلت: إسناده ضعيف، فيه إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة،
قال البُخَارِيُّ: عِنْدَهُ مَنَاكِيْرُ. وَقَالَ
النَّسَائِيُّ: ضَعِيْفٌ. وَقَالَ الدارقطني: ليس بالقوي.
والعلة الثانية: داود بن الحصين، ضعيف في عكرمة، لذا قال
الحافظ في "التقريب": ثقة إلا في عكرمة، وأخرجه البزار
"1267" من طريق سعيد بن سفيان عن صالح بن أبي الأخضر، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أن
النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الملاقيح
والمضامين".
قلت: إسناده ضعيف، فيه صالح بن أبي الأخضر، ضعيف كما قال
الحافظ في "التقريب". لكن الحديث يرتقي لمرتبة الحسن لغيره
بشاهد أبي هريرة والله أعلم.
الملاقيح: جمع ملقوح، وهو ما في بطن الناقة. والمضامين:
جمع مضمون وهو ما في صلب الفحل.
3 صحيح: أخرجه البخاري "2035"، ومسلم "2175" من طريق
الزهري، عن علي بن حسين، عن صفية بنت حيي قالت: كان النبي
-صلى الله عليه وسلم- معتكفا، فأتيته أزوره ليلا، فحدثته،
ثم قمت لأنقلب، فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار
أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي -صلى
الله عليه وسلم- أسرعا. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم:
"على رسلكما، إنها صفية بنت حيي". فقالا: سبحان الله يا
رسول الله! قال: "إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم،
وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا -أو قال: شيئا". واللفظ
لمسلم. أما رواية هشيم عن الزهري، فقد عزاها الحافظ في
"الفتح" "13/ 142" إلى سعيد بن منصور.
(7/304)
قُلْتُ: قَدْ ذَكَرْنَا فِي تَرْجَمَةِ
شُعْبَةَ أَنَّهُ اخْتطفَ صَحِيْفَةَ الزُّهْرِيِّ مَنْ
يَدِ هُشَيْمٍ، فَقَطَعَهَا لِكونِهِ أَخفَى شَأْنَ
الزُّهْرِيَّ عَلَى شُعْبَةَ لَمَّا رَآهُ جَالِساً
مَعَهُ، وَسَأَلَهُ مَنْ ذَا الشَّيْخُ? فَقَالَ:
شُرَطِيٌّ لبَنِي أُمَيَّةَ، فَمَا عَرَفَهُ شُعْبَةُ،
وَلاَ سَمِعَ مِنْهُ، وَهَذِهِ هَفْوَةٌ كَانَتْ مِنَ
الاثْنَيْنَ فِي حَالِ الشَّبِيْبَةِ، ثُمَّ إِنَّ
هُشَيْماً كَانَ يَحفظُ مِنْ تِلْكَ الصَّحِيْفَةِ
أَرْبَعَةَ أَحَادِيْثَ، فَكَانَ يَرويهَا.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَيْسَ أَحَدٌ أَصَحُّ
حَدِيْثاً مِنْ هُشَيْمٍ، عَنْ حُصَيْنٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: حِفظُ هُشَيْمٍ
عِنْدِي أَثْبَتُ مِنْ حِفْظِ أَبِي عَوَانَةَ، وَكِتَابُ
أَبِي عَوَانَةَ أَثْبَتُ.
رَوَى عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، عَنْ
أَبِيْهِ قَالَ: الَّذِيْنَ رَأَيْتهُم لاَ يَختضبُوْنَ:
هُشَيْمٌ، مُعْتَمِرٌ، يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، مُعَاذُ بنُ
مُعَاذٍ، ابْنُ إِدْرِيْسَ، ابْنُ مَهْدِيٍّ،
إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، عَبْدُ الوَهَّابِ
الثَّقَفِيُّ، يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، أَبُو مُعَاوِيَةَ
حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، عَبَّادُ بنُ العَوَّامِ.
إِلَى السَّوَادِ: جَرِيْرُ بنُ نُمَيْرٍ، غُنْدَرُ بنُ
فُضَيْلٍ البرسَانِيُّ، عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَبَّادُ بنُ
عَبَّادِ بنِ أَبِي زَائِدَةَ، الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ.
خضَاباً خَفِيْفاً: مَرْحُوْمٌ العَطَّارُ، حَجَّاجٌ،
سَعْدٌ، وَيَعْقُوْبُ ابْنَا إِبْرَاهِيْمُ، أَبُو
دَاوُدَ، أَبُو النَّضْرِ، أَبُو نُعَيْمٍ. خضَاباً
خَفِيْفاً: مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ، أَخُوْهُ يَعْلَى،
أَخُوْهُمَا عُمَر. خضَاباً خَفِيْفاً: أَبُو قَطَنٍ،
أَبُو المُغِيْرَةِ، عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ، أَبُو
اليَمَانِ، عِصَامُ بنُ خَالِدٍ، بِشْرُ بنُ شُعَيْبٍ،
يَحْيَى بنُ أَبِي بُكَيْرٍ، غنَّامُ بنُ عَلِيٍّ،
مَرْوَانُ بنُ شُجَاعٍ، شُجَاعُ بنُ الوَلِيْدِ، حَمِيْدٌ
الرُّؤَاسِيُّ، إِبْرَاهِيْمُ بنُ خَالِدٍ. رَأَيْتُ
هَؤُلاَءِ يَخضبُوْنَ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ
بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ
القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ البنَّاء،
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ البُسْري، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ
بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المخلِّصِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو
الأَحْوَصِ مُحَمَّدُ بنُ حِبَّانَ البَغَوِيُّ سَنَةَ
سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ،
وَسُرَيْجُ بنُ يُوْنُسَ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ،
أَخْبَرَنَا عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ،
عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ
يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ شافع
يوم القيامة ولا فخر" 1.
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَه، بِأَطولَ مِنْ
هَذَا مِنْ حَدِيْثِ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ
عَلِيِّ بنِ
زَيْدٍ بنِ جُدْعَانَ، وَهُوَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ،
لَكِنْ لَهُ مَا يُنكَرُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: فِي
هَذَا الحَدِيْثِ حُسْنٌ، وَفِيْهِ تَصرِيْحُ الإِخبَارِ
عَنْ عَلِيٍّ كَمَا تَرَى، وَقَدْ مَرَّ قَوْلُ أحمد بن
حنبل. فالله أعلم.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "3/ 2"، وابن ماجه "4308" من طريق
هشيم، وأخرجه الترمذي "3615" من طريق سفيان كلاهما عن علي
بن زيد بن جدعان، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته علي بن زيد بن جدعان، فإنه ضعيف.
ولكن للحديث شاهدا عن واثلة بن الأسقع: أخرجه أحمد "4/
107"، ومسلم "2276"، والترمذي "3605" و"3606" والطبراني في
"الكبير" "22/ 161" من طرق عن الأوزاعي قال: حدثني شداد
أبو عمار، عن واثلة، به.
(7/305)
1247- أما هشيم
بن أبي ساسان هشام 1:
فَكُوْفِيٌّ، مُقلٌّ. يُكْنَى: أَبَا عَلِيٍّ.
يَرْوِي عَنْ: أمَيّ الصَّيْرَفِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ.
وَعَنْهُ: قُتَيْبَةُ، وَإِبْرَاهِيْمُ الفَرَّاءُ،
وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وغيره: صالح الحديث.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "8/ ترجمة 2868"، والجرح
والتعديل "9/ ترجمة 488".
(7/306)
1248- عبَّاد بن عبَّاد 1: "ع"
ابن حَبِيْبٍ، ابْنِ الأَمِيْرِ المُهَلَّبِ بنِ أَبِي
صُفْرَةَ الأَزْدِيُّ، العَتكي، المُهَلَّبِيُّ،
البَصْرِيُّ، الحَافِظُ، الثِّقَةُ، أَبُو مُعَاوِيَةَ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعي، وَعَاصِمِ بنِ
سليمان، وهشام بن عروة، وجماعة.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُسدَّد، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ،
وَخَلَفُ بنُ هِشَامٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ،
وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ،
وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَكَانَ سَرِيّاً نَبِيْلاً حُجَّةً مِنْ عُقَلاَءِ
الأَشْرَافِ، وَعُلَمَائِهِم.
تعنَّتَ أَبُو حَاتِمٍ كَعَادتِهِ، وَقَالَ: لاَ يُحْتَجُّ
بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: لم يكن بالقوي في الحديث.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 290 و327"، والتاريخ الكبير
"6/ ترجمة 1626"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 99
و197 و248"، تاريخ بغداد "11/ 101"، والكاشف "2/ ترجمة
2592"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 247"، وميزان الاعتدال "2/
ترجمة رقم 4123"، وتهذيب التهذيب "5/ 95"، وتقريب التهذيب
"1/ 392"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3308"، وشذرات الذهب
لابن العماد الحنبلي "1/ 295".
(7/306)
قُلْتُ: قَدِ احْتَجَّ أَربَابُ الصِّحَاحِ
بِهِ.
وَقَالَ فِيْهِ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ، وَقَالَ:
هُوَ أَوْثَقُ وَأَكْثَرُ حَدِيْثاً مِنْ عَبَّادِ بنِ
العَوَّامِ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ أَيْضاً: ثِقَةٌ، رُبَّمَا غَلِطَ.
مَاتَ بِبَغْدَادَ.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ إِحْدَى
وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَلَعَلَّهُ كَمَّلَ
السَّبْعِيْنَ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ:
مَاتَ قَبْلَ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ.
أَنْبَأَنَا ابْنُ أَبِي الخَيْرِ وَغَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ
كُلَيْبٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ بَيَانٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ
مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ،
حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ
بنُ عَبَّادٍ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ
مَسْرُوْقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَتْ عليَّ
امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَرَأتْ فِرَاشِ رَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبَاءةً
مَثْنِيَّةً، فَانْطَلَقَتْ، فَبعثَتْ إليَّ بفِرَاشٍ
حَشْوُهُ صُوْفٌ، فَدَخَلَ عليَّ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "مَا هَذَا"?
فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ: "رُدِّيهِ". فَلَمْ أَرُدَّهُ،
وَأَعْجَبَنِي أَنْ يَكُوْنَ فِي بَيْتِي حَتَّى قَالَ
ذَلِكَ ثَلاَثاً. فَقَالَ: "رُدِّيهِ، فَوَاللهِ لَوْ
شِئْتُ لأَجْرَى اللهُ مَعِيَ جِبَالَ الذَّهَبِ والفضة"1.
__________
1 ضعيف: أخرجه أحمد في "الزهد" "76"، وأبو الشيخ في "أخلاق
النبي -صلى الله عليه وسلم" "ص156"، وفي إسناده مجالد، وهو
ابن سعيد، وهو ضعيف.
(7/307)
1249- يزيد بن زُرَيع 1: "ع"
الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، مُحَدِّثُ البَصْرَةِ مَعَ
حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَعَبْدِ الوَارِثِ، ومُعْتَمر،
وَعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زِيَادٍ، وَجَعْفَرِ بنِ
سُلَيْمَانَ، وَوُهَيْبِ بنِ خَالِدٍ، وَخَالِدِ بنِ
الحَارِثِ، وَبِشْرِ بنِ المُفَضَّلِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ
عُلَيَّةَ. فَهَؤُلاَءِ العَشْرَةُ كَانُوا فِي زَمَانِهم
أَئِمَّةَ الحَدِيْثِ بِالبَصْرَةِ.
يُكْنَى يَزِيْدُ أَبَا مُعَاوِيَةَ العَيْشِيُّ،
البَصْرِيُّ.
رَوَى عَنْ: أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ
عُبَيْدٍ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَحُسَيْنٍ المُعَلِّمِ،
وَحَبِيْبٍ المُعَلِّمِ، وَحَبِيْبِ بنِ الشَّهِيْدِ،
وَحَجَّاجِ بنِ حَجَّاجٍ، وَحَجَّاجِ بنِ أَبِي عُثْمَانَ،
وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَدَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ،
وَابْنِ أَبِي عَرُوْبَةَ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ،
وَابْنِ عَوْنٍ، وَعَوْفٍ، وعُمارة بنِ أبي
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 289"، والتاريخ الكبير "8/
ترجمة 3223"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 139"،
والجرح والتعديل "9/ ترجمة 1113"، والأنساب للسمعاني "8/
310"، والكاشف "3/ ترجمة 6413"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة
242"، والعبر "1/ 284"، وتهذيب التهذيب "11/ 325"، وتقريب
التهذيب "2/ 250"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/
298".
(7/307)
حَفْصَةَ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ،
وَيَحْيَى بنِ أَبِي إِسْحَاقَ الحَضْرَمِيِّ، وَسَعِيْدٍ
الجُرَيْرِيِّ، وَرَوْحِ بنِ القَاسِمِ، وَطَائِفَةٍ.
وَلاَ رِحْلَةَ لَهُ.
رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ،
وَمُسَدَّدٌ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وأمية بن
بسطام، والقواريري، وَمُحَمَّدُ بنُ المِنْهَالِ
الضَّرِيْرُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مِنْهَالٍ أَخُو حَجَّاجٍ،
وَأَحْمَدُ بنُ المِقْدَامِ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ
الجَهْضَمِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ رَيْحَانَةَ
البَصْرَةِ، مَا أَتقَنَهُ وَمَا أَحْفَظَهُ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: ثِقَةٌ، إِمَامٌ.
وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ الوَضَّاحُ: صَحِبتُ يَزِيْدَ بنَ
زُرَيْعٍ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، يَزدَادُ فِي كُلِّ سَنَةٍ
خَيْراً. وَقَالَ بِشْرٌ الحَافِي: كَانَ يَزِيْدُ بنُ
زُرَيْعٍ مُتْقِناً، حَافِظاً، مَا أَعْلَمُ أَنِّي
رَأَيْتُ مِثْلَهُ وَمِثْلَ صحَّةِ حَدِيْثِهِ.
قَالَ يَحْيَى بنُ سعيد القطان: لم يكن ههنا أَحَدٌ أَثبتَ
مِنْهُ.
قُلْتُ: وَكَانَ صَاحِبَ سُنَّةٍ وَاتِّبَاعٍ، كَانَ
يَقُوْلُ: مَنْ أَتَى مَجْلِسَ عَبْدِ الوَارِثِ، فَلاَ
يقربَنِّي.
قَالَ نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ: رَأَيْتُ
يَزِيْدَ بنَ زُرَيْعٍ فِي المَنَامِ، فَقُلْتُ: مَا
فَعَلَ اللهُ بِكَ? قَالَ: أُدْخِلْتُ الجَنَّةَ. قُلْتُ:
بِمَاذَا? قَالَ: بِكَثْرَةِ الصَّلاَةِ.
قُلْتُ: كَانَ أَبُوْهُ وَالِياً عَلَى الأبُلَّة.
مَوْلِدُهُ: فِي سنة إحدى ومائة. ومات: في سنة اثنتين
وثمانين ومائة.
قَالَ صَالِحُ بنُ حَاتِمٍ بنِ وَرْدَانَ: سَمِعْتُ
يَزِيْدَ بنَ زُرَيْعٍ يَقُوْلُ: لِكُلِّ دِيْنٍ
فُرْسَانٌ، وَفُرْسَانُ هَذَا الدِّيْنِ أَصْحَابُ
الأَسَانِيْدِ.
وَفِي "التَّهْذِيْبِ" مِنَ الرُّوَاةِ عَنْهُ أَيْضاً:
أَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي
عُبَيْدِ اللهِ السَّلِيْمِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ
مَسْعُوْدٍ، وَبِشْرُ بنُ مُعَاذٍ، وَبِشْرُ بنُ هِلاَلٍ،
وَخَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وَبَكْرُ بنُ خَلَفٍ، وَبَهْزُ
بنُ أَسَدٍ، وَحَبَّانُ بنُ هِلاَلٍ، وَالحَسَنُ بنُ
عُمَرَ بنِ شَقِيْقٍ، وَحَمَّادُ بنُ مَسْعَدَةَ، وَرَوْحُ
بنُ عَبْدِ المُؤْمِنِ، وَزَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ، وَأَبُو
الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيُّ، وَسَهْلُ بنُ عُثْمَانَ،
وَسُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَصَالِحُ بنُ حَاتِمٍ،
وَالصَّلْتُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَارَكِيُّ، وَالعَبَّاسُ بنُ
الوَلِيْدِ النَّرْسِيُّ، وَالعَبَّاسُ بنُ يَزِيْدَ
البَحْرَانِيُّ، وَالقَعْنَبِيُّ، وَعَبْدَانُ، وَعَبْدُ
الأَعْلَى بنُ حَمَّادٍ، وَالفَلاَّسُ، وَقُتَيْبَةُ،
وَبُنْدَارٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ
المُقَدَّمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى،
وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بنُ النَّضْرِ
بنُ مُسَاوِرٍ، وَيَحْيَى بنُ حَبِيْبٍ، وَيَحْيَى بنُ
يحيى.
(7/308)
وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ الأَسَدِيُّ، عَنْ
أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ قَالَ: إِلَيْهِ المُنْتَهَى فِي
التَّثَبُّتِ بِالبَصْرَةِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: كُلُّ شَيْء رَوَاهُ: عَنْ أَبِي
عَرُوْبَةَ، فَلاَ تُبالِ أَنْ لاَ تَسْمَعَهُ مِنْ
أَحَدٍ، سَمَاعُهُ مِنْ سَعِيْدٍ قَدِيْمٌ، وَكَانَ
يَأْخذُ الحَدِيْثَ بنِيَّةٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الخَالِقِ بنُ مَنْصُوْرٍ، عَنِ ابْنِ
مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ.
وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ:
هُوَ أَثْبَتُ شُيُوْخِ البَصْرِيِّينَ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، حجة، كثير الحديث،
توفي: سنة اثنتين وثمانين ومائة.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ أَوْ
ثلاث وثمانين، في ثامن شوال.
وكان أَورعِ أَهْلِ زَمَانِهِ. مَاتَ أَبُوْهُ، وَكَانَ
وَالِياً على الأبُلَّة، فخلف خمسمائة أَلْفٍ، فَمَا
أَخَذَ مِنْهَا حبَّةً -رَحِمَهُ اللهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الأبَرْقُوهي، أَخْبَرَنَا
الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا
هِبَةُ اللهِ الحَاسِبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ
النَّقُّوْرِ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ إِملاَءً،
قَالَ: قُرئ عَلَى أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ
إِبْرَاهِيْمَ بنِ نَيْرُوْزٍ، وَأَنَا أَسْمَعُ، قِيْلَ
لَهُ: حَدَّثَكُم عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا
يَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي
حَفْصَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لاَ
يَمْنَعَنَّ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً فِي
جدَارِهِ، مَا لِي أَرَاكُم عَنْهَا معرضِين، وَاللهِ
لأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُم" 1.
هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ من الأفراد العوالي.
__________
1 صحيح: أخرجه مالك "2/ 745"، ومن طريقه أخرجه أحمد "4/
463"، والبخاري "2463"، ومسلم "1609"، والبيهقي "6/ 68
و157"، والبغوي في "شرح السنة" "2174"، عن ابن شهاب، به.
(7/309)
1250- يعقوب القُمِّي 1: "4"
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، المُفَسِّرُ، أَبُو الحَسَنِ
يَعْقُوْبُ بن عبد الله بن سعد بنِ مَالِكِ بنِ هَانِئ
الأَشْعَرِيُّ، العَجَمِيُّ، القُمِّيُّ.
رَوَى عَنْ: زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَابْنِ عَقيل،
وَجَعْفَرِ بنِ أَبِي المُغِيْرَةِ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى
الحِمَّانِيُّ، وَابْنُ حُمَيْدٍ، وَعَمْرُو بنُ رَافِعٍ،
وَأَبُو الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيُّ.
قَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَيْسَ بالقوي.
توفي سنة أربع وسبعين ومائة.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 382"، والتاريخ الكبير "8/
ترجمة 3443"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 874"، وأخبار
أصبهان لأبي نعيم الأصبهاني "2/ 351"، الإكمال لابن ماكولا
"7/ 153"، والأنساب للسمعاني "10/ 229"، والكاشف "3/ ترجمة
6508"، والعبر "1/ 265"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 9815"،
وتهذيب التهذيب "11/ 390"، وتقريب التهذيب "2/ 376"،
وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 284".
(7/309)
1251- عبد
الوارث بن سعيد 1: "ع"
ابن ذكوان، الإِمَامُ، الثَّبْتُ، الحَافِظُ، أَبُو
عُبَيْدَةَ العَنْبَرِيُّ مَوْلاَهُم، البَصْرِيُّ،
التَّنَّوري، المُقْرِئُ.
حَدَّثَ عَنْ: يَزِيْدَ الرِّشْك، وَأَيُّوْبَ
السِّخْتِيَانِيِّ، وَأَيُّوْبَ بنِ مُوْسَى، وَشُعَيْبِ
بنِ الحَبْحَابِ، وَالجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ، وَعَمْرِو
بنِ عُبَيْدٍ، وَدَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ،
وَالجُرَيْرِيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ صُهَيْبٍ،
وَعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي نَجِيْحٍ، وَعَلِيِّ بنِ زَيْدٍ،
وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، القهرمَانِ، وسليمان التيمي،
وَأَبِي عَمْرٍو بنِ العَلاَءِ، وَسَعِيْدِ بنِ أَبِي
عَرُوْبَةَ، وَعِدَّةٍ.
وَقَرَأَ القُرْآنَ عَرضاً عَلَى أَبِي عَمْرٍو،
وَأَقرَأَهُ، وَقَرَأَ أَيْضاً عَلَى حُمَيْدِ بنِ قَيْسٍ
المَكِّيِّ.
وَجلسَ إِلَى عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ بِمَكَّةَ، وَمَا
أَظنُّهُ رَوَى عَنْهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: قعدْتُ إِلَيْهِ
فَلَمْ أَفهَمْ كَلاَمَهُ. فَلَمَّا بَلَغَ هَذَا القَوْلُ
سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ قَالَ: صدَقَ، أَدْركنَا عَمْراً
وَقَدْ سقطَتْ أَسْنَانُهُ، وَبَقِيَ لَهُ نَابٌ وَاحِدٌ،
فَلَوْلاَ أَنَّا أَطلنَا مُجَالَسَتَهُ، مَا فَهمنَا
عَنْهُ. هَذِهِ حِكَايَةٌ صَحِيْحَةُ الإِسْنَادِ.
وَكَانَ مَوْلِدُ عَبْدِ الوَارِثِ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ
وَمائَةٍ.
تَلاَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَصَبِي، وَأَبُو
مَعْمَرٍ المُقْعَدُ، وَعِمْرَانُ بنُ مُوْسَى القَزَّازُ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ عَبْدُ الصَّمَدِ، وَأَبُو
مَعْمَرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو المُقْعَد -وهو راوية
كتبه-
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 289"، والتاريخ الكبير "6/
ترجمة 1891"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 171
و285 و530" و"2/ 130 و242 و263" و"3/ 124 و363 و365"،
والضعفاء الكبير "3/ ترجمة 1073"، والجرح والتعديل "6/
ترجمة 386"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 5307"، وتهذيب
التهذيب "6/ 441"، وتقريب التهذيب "1/ 527"، وخلاصة
الخزرجي "2/ ترجمة 4500"، وشذرات الذهب لابن العماد
الحنبلي "1/ 293".
(7/310)
وَمُسَدَّدُ بنُ مُسَرْهَد، وَقُتَيْبَةُ
بنُ سَعِيْدٍ، وَبِشْرُ بنُ هِلاَلٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ
عُمَرَ القَوَارِيْرِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ،
وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَكَانَ عَالِماً مُجَوِّداً، مِنْ فُصَحَاءِ أَهْلِ
زَمَانِهِ، وَمِنْ أَهْلِ الدِّيْنِ وَالوَرَعِ، إِلاَّ
أَنَّهُ قَدَرِيٌّ مُبْتَدِعٌ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ
بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ
القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ،
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو
طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ
البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ هِلاَلٍ الصَّوَّافُ،
حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ هِلاَلٍ الصَّوَّافُ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الوَارِثِ، عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لُعِنَ عَبْدُ الدِّيْنَارِ،
لُعِنَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ". هَذَا حَدِيْثٌ صَالِحُ
الإِسْنَادِ، وَلَمْ يَسْمَعِ الحَسَنُ مِنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ. أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ عَنِ الصَّوَّافِ،
فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ الجَرْمي: مَا رَأَيْتُ فَقِيْهاً
أَفصَحَ مِنْ عَبْدِ الوَارِثِ إِلاَّ حَمَّادَ بنَ
سَلَمَةَ.
وَقَالَ مَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ: قِيْلَ لأَبِي دَاوُدَ
الطَّيَالِسِيِّ: لِمَ لاَ تُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ
الوَارِثِ? فَقَالَ: أَأُحدِّثُكَ عَنْ رَجُلٍ كَانَ
يَزْعُمُ أَنَّ يَوْماً مِنْ عَمْرِو بنِ عُبَيْدٍ
أَكْبَرُ مِنْ عُمْرِ أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ،
وَيُوْنُسَ، وَابْنِ عَوْنٍ?!
قَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوي: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ
الرَّبِيْعِ قَالَ: كُنَّا نَسْمَعُ مِنْ عَبْدِ الوَارِثِ
فَإِذَا أُقِيْمَتِ الصَّلاَةُ ذَهَبنَا، فَلَمْ نُصَلِّ
خَلْفَهُ.
قَالَ: وَقِيْلَ لِعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ: كَيْفَ
رَوَيْتَ عَنْ عَبْدِ الوَارِثِ، وَتركْتَ عَمْرَو بنَ
عُبَيْدٍ? قَالَ: إِنَّ عَمْراً كَانَ دَاعِياً. وَقَالَ
عَلِيٌّ: سَمِعْتُ يَحْيَى القَطَّانَ، وَذَكَرَ لَهُ
أَنَّ عَبْدَ الوَارِثِ قَالَ: سَأَلْتُ شُعْبَةَ عَنِ
الخُرُوْجِ مَعَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ
حَسَنٍ، فَأَمرنِي بِهِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ يَحْيَى،
وَقَالَ: كَانَ شُعْبَةُ لاَ يَرَاهُ فِي يَوْمِ
صِفِّيْنَ، وَلاَ يَرَى الخُرُوْجَ مَعَ عَلِيٍّ -رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ- أَيَرَى الخُرُوْجَ مَعَ إِبْرَاهِيْمَ?
أَنَا سَمِعْتُ شعبة يقول: ما أدري أخطئوا أَمْ أَصَابُوا.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ: لَمْ
يَكْتُبْ أَبِي عَنْ أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ حرفاً
حَتَّى مَاتَ. هَكَذَا هَذِهِ الرِّوَايَةُ، وَهِيَ
وَهْمٌ. قَدْ حَدَّثَ عَنْ: أَيُّوْبَ.
وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ القَوَارِيْرِيُّ: مَا رَأَيْتُ
يَحْيَى القَطَّانَ رَوَى عَنْ أَحَدٍ مِنْ مَشَايِخِنَا
قَبْلَ مَوْتِهِ إلا عَبْدِ الوَارِثِ.
وَوَرَدَ عَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ: أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى
عَنِ الأَخْذِ عَنْ عَبْدِ الوَارِثِ لِمَكَانِ القَدرِ.
وَقَالَ يَزِيْدُ بنُ زُرَيع: مَنْ أَتَى مَجْلِسَ عَبْدِ
الوَارِثِ، فَلاَ يقربَنِّي.
(7/311)
قُلْتُ: وَمَعَ هَذَا، فَحَدِيْثُهُ فِي
الكُتُبِ السِّتَّةِ.
وَعَاشَ بَعْدَ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ أَشْهُراً قَلِيْلَةً،
مَاتَ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: سَأَلْتُ أَنَا وَيَحْيَى
القطانُ شعبةَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي
التَّيَّاحِ، فَقَالَ: مَا يَمْنَعُكُم مِنْ ذَاكَ
البَابِ? يَعْنِي: عَبْدَ الوَارِثِ، فَمَا رَأَيْتُ
أَحَداً أَحْفَظَ لِحَدِيْثِ أَبِي التَّيَّاحِ مِنْهُ.
فَقُمْنَا فَجَلَسْنَا إِلَيْهِ، فَسَأَلْنَاهُ، فجعل يمر
كأنها مكتوبة في قلبه.
وَعَنْ شُعْبَةَ -وَنَظَرَ إِلَى عَبْدِ الوَارِثِ
مُوَلِّياً- فَقَالَ: تَعْرِفُ الإِتْقَانَ فِي قَفَاهُ.
وَرَوَى حَرْبٌ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ: كَانَ عَبْدُ
الوَارِثِ أَصَحَّهُم حَدِيْثاً عَنْ حُسَيْنٍ
المُعَلِّمِ.
وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ: قُلْتُ لابْنِ مَعِيْنٍ:
مَنْ أَثْبَتُ شُيُوْخِ البَصْرِيِّينَ? قَالَ: عَبْدُ
الوَارِثِ، وَسَمَّى جَمَاعَةً.
عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ قَالَ: هُوَ
مِثْلُ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ فِي أَيُّوْبَ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ: إِنَّهُ
لمَكْذُوْبٌ عَلَى أَبِي، وَمَا سَمِعْتُهُ مِنْهُ قَطُّ،
يَعْنِي: القَدرَ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ، حُجَّةٌ.
مَاتَ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
(7/312)
1252- إبراهيم
بن سعد 1: "ع"
ابن إبراهيم بنِ صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عبد الرحمن بن عوف، الإمام،
الحَافِظُ، الكَبِيْرُ، أَبُو إِسْحَاقَ القُرَشِيُّ،
الزُّهْرِيُّ، العَوْفِيُّ، المَدَنِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ قَاضِي المَدِيْنَةِ، وَعَنْ:
قَرَابَتِهِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، وَيَزِيْدَ بنِ
الهَادِ، وَالوَلِيْدِ بنِ كَثِيْرٍ، وَصَفْوَانَ بنِ
سُلَيْمٍ، وَصَالِحِ بنِ كَيْسَانَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنِ
الرَّبِيْعِ بنِ سَبْرَةَ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، وَمُحَمَّدِ
بنِ عِكْرِمَةَ المَخْزُوْمِيِّ، وَعِدَّةٍ.
رَوَى عَنْهُ: وَلَدَاهُ؛ يَعْقُوْبُ وَسَعْدٌ،
وَشُعْبَةُ، وَاللَّيْثُ -وَهُمَا أَكْبَرُ مِنْهُ-
وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ،
وَابْنُ وَهْبٍ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَيَزِيْدُ بنُ
هَارُوْنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ الدُّوْلاَبِيُّ،
وَالقَعْنَبِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، ولُوَين،
وَمَنْصُوْرُ بنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، وَيَسَرَةُ بنُ
صَفْوَانَ، وَيَحْيَى بنُ قَزَعَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ
حَمْزَةَ، وَسُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ الهَاشِمِيُّ،
وَإِسْمَاعِيْلُ ابْنُ ابْنَةِ السُّدِّيِّ، وَيَعْقُوْبُ
بنُ حُمَيْدِ بنِ كَاسِبٍ، وَيَعْقُوْبُ بنُ مُحَمَّدٍ
الزُّهْرِيُّ. وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، آخِرُهُم مَوْتاً:
عَبْدُ اللهِ بنُ عِمْرَانَ العَابِدِيُّ، وَالحُسَيْنُ
بنُ سَيَّارٍ الحَرَّانِيُّ.
وَكَانَ ثِقَةً صَدُوقاً، صَاحِبَ حَدِيْثٍ. وَثَّقَهُ
الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَالَ: كَانَ وَكِيْعٌ كَفَّ عَنِ
الرِّوَايَةِ عَنْهُ، ثُمَّ حَدَّثَ عَنْهُ.
وَرَوَى أَحْمَدُ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ
يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ قَالَ: ثِقَةٌ، حَجَّةٌ.
وَرَوَى عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ حبَّان، عَنِ ابْنِ
مَعِيْنٍ: هُوَ أَثْبَتُ مِنَ الوَلِيْدِ بنِ كَثِيْرٍ،
وَابْنِ إِسْحَاقَ، وَقَالَ: هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنِ
ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ فِي الزُّهْرِيِّ. ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ
لَمْ يَصحِّحْ عَنِ الزُّهْرِيِّ شَيْئاً.
وَقَالَ عَبَّاسٌ: قُلْتُ لابْنِ مَعِيْنٍ: إِبْرَاهِيْمُ
بنُ سَعْدٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ فِي الزُّهْرِيِّ، أَوْ
لَيْثُ بنُ سَعْدٍ? فَقَالَ: كِلاَهُمَا ثِقَتَانِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: مَدَنِيٌّ, ثِقَةٌ.
يُقَالَ: إِنَّهُ كَانَ أَسْوَدَ.
قَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ لِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ
حَمْزَةَ: كَانَ عِنْدَ إِبْرَاهِيْمَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ
إِسْحَاقَ نَحَوٌ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ أَلفَ حَدِيْثٍ فِي
الأَحكَامِ سِوَى المَغَازِي. وَإِبْرَاهِيْمُ مِنْ
أَكْثَرِ أَهْلِ المَدِيْنَةِ حَدِيْثاً فِي زَمَانِهِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ: سَمَاعُهُ مِنَ
الزُّهْرِيِّ لَيْسَ بِذَاكَ، لأَنَّهُ كَانَ صَغِيْراً.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: وُلِدَ
سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَةٍ. أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ بَعْضُ
وَلَدِهِ.
قُلْتُ: هُوَ أَصْغَرُ مِنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ بِسَنَةٍ،
وَسَمِعَ مِنَ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ حَدَثٌ بَاعتنَاءِ
وَالِدِهِ بِهِ.
رَوَى أَحْمَدُ بنُ سَعْدٍ حَفِيْدُهُ، عَنْ عَلِيِّ بنِ
الجَعْدِ، سَأَلتُ شُعْبَةَ عَنْ حَدِيْثٍ لسَعْدِ بنِ
إِبْرَاهِيْمَ، فَقَالَ لِي: فَأَيْنَ أَنْتَ عَنْ
أَبِيْهِ? قُلْتُ: وَأَيْنَ هُوَ? قَالَ: نَازلٌ عَلَى
عُمارة بنِ حَمْزَةَ، فأتيته، فحدثني.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 928"، والمعرفة
والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 174"، والجرح والتعديل "2/
ترجمة 283"، وتاريخ بغداد "6/ 81"، وتذكرة الحفاظ "1/
ترجمة 239"، وميزان الاعتدال "1/ 33"، والعبر "1/ 288"،
وتهذيب التهذيب "1/ 121"، وتقريب التهذيب "1/ 35".
(7/313)
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَلِيَ إِبْرَاهِيْمُ
بَيْتَ المَالِ بِبَغْدَادَ.
قُلْتُ: كَانَ مِمَّنْ يَتَرَخَّصُ فِي الغِنَاءِ عَلَى
عَادَةِ أَهْلِ المَدِيْنَةِ، وَكَأَنَّهُ لِيمَ فِي
ذَلِكَ، فَانْزَعَجَ عَلَى المُحَدِّثِيْنَ، وَحَلَفَ
أَنَّهُ لاَ يُحَدِّثَ حَتَّى يُغَنِّي قَبْلَهُ -فِيْمَا
قِيْلَ.
وَكَانَ هُوَ وَهُشَيْمٌ شَيْخَي الحَدِيْثِ فِي عصرِهِمَا
بِبَغْدَادَ.
وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِيْهِ. وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ
عَلَى أَقْوَالٍ: فَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ،
وَابْنُ سَعْدٍ، وَخَلِيْفَةُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبَّادٍ
المَكِّيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ،
وَغَيْرُهُم: إِنَّهُ تُوُفِّيَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، فَهَذَا هُوَ الصَّحِيْحُ.
وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ، وَأَبُو حَسَّانٍ
الزِّيَادِيُّ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ،
وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
زَادَ ابْنُ عُفَيْرٍ: أَنَّهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ
قَدِمَ العِرَاقَ.
وَشَذَّ أَبُو مَرْوَانَ العُثْمَانِيُّ، بَلْ غَلِطَ،
فَقَالَ: سَمِعْتُ مِنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ سَنَةَ
خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ فِي "السَّابِقِ
وَاللاَّحِقِ": حَدَّثَ عَنْهُ: يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ
بنِ الهَادِ -يَعْنِي: شَيْخَهُ- وَالحُسَيْنُ بنُ سيَّار،
وَبَيْنَ وَفَاتَيْهِمَا مائَةٌ وَاثْنَتَا عَشْرَةَ
سَنَةً.
مَاتَ ابْنُ سَيَّارٍ بَعْدَ الخَمْسِيْنَ وَمَائَتَيْنِ.
وَقَدْ حَدَّثَ اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَهُوَ أَكْبَرُ
مِنْ إِبْرَاهِيْمَ بن سعد، عن رجل عنه.
فَأَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلَ بنِ الفَرَّاءِ، وَأَحْمَدَ
بنِ العِمَادِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا الإِمَامُ، أَبُو
مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامة، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ
النَّقور، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا
عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَمَّامي، حَدَّثَنَا دَعْلج
بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ
البُوشَنْجي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بكير، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ الهَادِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ
سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابن شهاب، عَنْ
سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي
عَلَى قَلِيْبٍ، فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللهُ،
ثُمَّ نَزَعَ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ ذَنُوباً أو ذنوبين،
وفي نزعه ضعف وليغفر الله لَهُ، ثُمَّ اسْتَحَالَتْ
غَرْباً، فَأَخَذَ ابْنُ الخَطَّابِ، فلم أر عبقريا من
الناس ينزع نزعه حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بعَطَنٍ". هَذَا
حَدِيْثٌ مَحْفُوْظُ المتن. اتفق عليه البخاري، ومسلم1 من
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3664" و"7021" و"7475"، ومسلم
"2392" "17" والنسائي في "فضائل الصحابة" "15"، والبيهقي
في "دلائل النبوة" "6/ 344"، والبغوي "3881" من طرق عن
الزهري, به. =
(7/314)
طَرِيْقِ يُوْنُسَ، وَعَقِيْلٍ عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، وَرِوَايَتُنَا هَذِهِ غَرِيْبَةٌ معلَّلَةٌ،
فَإِنَّ البُخَارِيَّ أَخْرَجَهُ: عَنْ يَسَرَةَ بنِ
صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ نَفْسِهِ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ
الثِّقَةِ، عَنْ يَعْقُوْبَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ
أَبِيْهِ، عَنْ صَالِحٍ، كرِوَايَتنَا، وَاللهُ أَعْلَمُ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ
بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ
القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ البَنَّاءِ،
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ البُسْري، أَخْبَرَنَا أَبُو
طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عِمْرَانَ العَابِدِيُّ،
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،
عَنْ ابْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"إِنَّ اللهَ لأَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ
أَحَدِكُم بِضَالَّتِهِ يَجِدُهَا بِأَرْضِ مَهْلَكَةٍ
كَادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ" 1. وَهَذَا حَدِيْثٌ جَيِّدُ
الإِسْنَادِ وَمتنُهُ فِي الصَّحِيْحِ مِنْ وَجْهٍ آخرَ.
وَقَدْ رَوَى اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ الهَادِ،
عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ نَحْواً مِنْ عَشْرَةِ
أَحَادِيْثَ.
وَكَانَ إِبْرَاهِيْمُ يُجِيْدُ صِنَاعَةَ الغِنَاءِ.
وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "كَامِلِهِ"، وَسَاقَ
لَهُ عِدَّةَ أَحَادِيْثَ اسْتنْكَرَهَا لَهُ. فَمِنْ
أَنْكَرِ ذَلِكَ: قَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ:
سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يُسْأَلُ عَنْ حَدِيْثِ
إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَنَسٌ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ" 2. فَقَالَ: لَيْسَ ذَا فِي
كُتُبِ إِبْرَاهِيْمَ، لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ لَهُ
أَصلٌ.
قُلْتُ: رَوَاهُ: غير واحد، عن إبراهيم بن سعد.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: سَمِعْتُ
أَبِي يَقُوْلُ: ذُكِرَ عِنْدَ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ
عُقَيْلٌ وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، فَجَعَلَ كَأَنَّهُ
يُضَعِّفَهُمَا، ثُمَّ قَالَ أَبِي: أَيش يَنْفَعُ هَذَا،
هؤلاء ثقات لم يَخْبُرْهما يحيى.
__________
= وأخرجه أحمد "2/ 368 و450"، وابن أبي شيبة "12/ 21"،
والبخاري "7022"، ومسلم "2392" "17" و"18"، والبيهقي "6/
345"، والبغوي "3882" و"3883" من طرق عن أبي هريرة وقوله:
"حتى ضرب الناس بعطن": معناه رووا ورووا إبلهم، فأبركوها
وضربوا لها عطنا ضرب مثلا لاتساع الناس في زمن عمر، وما
فتح الله عليهم من الأمصار.
1 صحيح: أخرجه عبد الرزاق "20587"، وأحمد "2/ 316 و500
و534"، ومسلم "2675" "1" و"2"، والترمذي "3538"، وابن ماجه
"4247"، والبغوي في "شرح السنة" "1300" من طرق عن أبي
هريرة، به.
2 صحيح بطرقه وشواهده: أخرجه ابن أبي شيبة "12/ 169-170"،
وأحمد "3/ 129"، وابن أبي عاصم في "السنة" "1120"،
والبخاري في "التاريخ الكبير" "2/ 113" و"4/ 99-100"، وأبو
يعلى "4033"، والبيهقي "8/ 143-144"، وأبو عمرو الداني في
"الفتن وغوائلها" "201" والضياء في "المختار" "1576" من
طرق عن الأعمش، عن سهل بن أبي الأسد، عن بكير الجزري، عن
أنس قال: كنا في بيت رجل من الأنصار، فَجَاءَ رَسُوْلُ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى وقف،
فأخذ بعضادتي الباب، فقال: "الأئمة من قريش، ولهم عليكم
حق، ولكم مثل ذلك، ما إذا استُرحموا رحموا، وإذا حكموا
عدلوا، وإذا عاهدوا وَفَّوا، فمن لم يفعل ذلك منهم، فعليه
لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين". =
(7/315)
1253- عبيد
الله بن عمرو 1: "ع"
ابن أبي الوليد الأسدي، مولاهم الرَّقِّي، الحَافِظُ
الكَبِيْرُ، أَبُو وَهْبٍ.
حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمير، وَزَيْدِ بنِ
أَبِي أُنَيْسَةَ، وَعَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ مَالِكٍ،
وَعَبْدِ اللهِ
__________
= قلت: إسناده ضعيف لجهالة بكير الجزري. وأبو الأسد، قال
الأزدي: ليس بالقوي. وذكره ابن حبان في "الثقات". وقد ورد
عند البخاري في "التاريخ الكبير" "2/ 113"، وأبو يعلى
"4032"، وأبو عمرو الداني في "الفتن" "200" من طريق جرير،
عن الأعمش، عن بُكير، عن سهل بن الأسد، عن أنس.
وأخرجه الطبراني في "الدعاء" "2121" من طريق مسعر بن كدام،
عن سهل بن الأسد، عن بكير الجزري، عن أنس، به، وأخرجه
الطبراني في "الأوسط" "6606"، وفي "الدعاء" "2120" من طريق
الفضيل بن عياض عن الأعمش، عن أبي صالح الحنفي، عن بكير
الجزري، به، وأخرجه بنحوه الطيالسي "2133"، والبخاري في
"التاريخ الكبير" تعليقا "2/ 112"، والبزار "1578" كشف
الأستار، وأبو يعلى "3644"، وأبو نعيم في "الحلية" "3/
171"، والبيهقي "8/ 144" من طريق إبراهيم بن سعد، عن أبيه،
عن أنس.
قلت: ورجاله ثقات. وقال البزار: لا نعلم أسند سعد عن أنس
إلا هذا، وأخرجه الحاكم "4/ 504"، والبيهقي "8/ 144" من
طرق عن الصَّعق بن الحزن، عن علي بن الحكم، عن أنس.
قلت: وإسناده حسن، وأخرجه بنحوه البزار "1580" من طريق أبي
العلاء الخفاف، والطبراني في "الكبير" "725" من طريق ابن
جريج كلاهما عن حبيب بن أبي ثابت، عن أنس. ورواية البزار
مختصرة وأخرجه البزار "1579" من طريق سعيد بن بشير، عن
قتادة، عن أنس. وإسناده ضعيف.
وقد خرجت الحديث بإسهاب وبأوسع من هذا الموضع في كتاب
"منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية" "7/
تعليق 25" ط. دار الحديث فراجعه ثمت تفد علما كثيرا، وذلك
من فضل الله علي نتحدث به من باب الشكر لله على نعمائه
وفضله كما قال سبحانه في كتابه العزيز: {وَأَمَّا
بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11] .
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 484"، والتاريخ الكبير "5/
ترجمة 1262"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 171"،
والجرح والتعديل "5/ ترجمة 1551"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة
228"، والعبر "1/ 276"، والكاشف "2/ ترجمة 3630"، وتهذيب
التهذيب "7/ 42"، وتقريب التهذيب "1/ 537"، وخلاصة الخزرجي
"2/ ترجمة 4584".
(7/316)
ابن مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَأَيُّوْبَ
السِّخْتِيَانِيِّ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ،
وَإِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي فَرْوَةَ،
وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَالأَعْمَشِ،
وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ
عُبَيْدٍ. وَيَنْزِلُ إِلَى مَعْمَرٍ، وَالثَّوْرِيِّ.
كَانَ ثِقَةً، حُجَّةً، صَاحِبَ حَدِيْثٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَالهَيْثَمُ
بنُ جَمِيْلٍ، وَزَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ، وَأَخُوْهُ؛
يُوْسُفُ بنُ عَدِيٍّ، وَجَنْدَلُ بنُ وَاثِقٍ، وَأَحْمَدُ
بنُ عَبْدِ المَلِكِ الحَرَّانِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ
جَعْفَرٍ، وَالعَلاَءُ بنُ هِلاَلٍ، وَعَمْرُو بنُ
قُسَيْطٍ، وَعَلِيُّ بنُ مَعْبَدِ بنِ شَدَّادٍ،
وَحَكِيْمُ بنُ سَيْفٍ، وَعَلِيُّ بنُ الزَّعْزَاعِ،
وَعَبْدُ اللهِ بنُ سُلَيْمٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ
اللهِ الرَّقَّيون، وَأَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيْعُ بنُ
نَافِعٍ، وَعُبَيْدُ بنُ هِشَامٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ
بنُ عُبَيْدِ اللهِ ابْنُ أَخِي الإمام، الحلبيون، وعلي بن
حُجْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ لُوَيْنٌ، وَعَبْدُ
الجَبَّارِ بنُ عَاصِمٍ، وَعَمْرُو بنُ عُثْمَانَ
الكِلاَبِيُّ، وَعِيْسَى بنُ سَالِمٍ الشَّاشِيُّ،
وَالوَلِيْدُ بنُ صَالِحٍ النَّحَّاسُ، وَيَحْيَى بنُ
يُوْسُفَ الزِّمِّيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ، لاَ أَعْرِفُ
لَهُ حَدِيْثاً مُنْكَراً، وَهُوَ أحبُّ إليَّ مِنْ
زُهَيْرِ بنِ مُحَمَّدٍ.
وَرَوَى أَبُو حَاتِمٍ، عَنْ عَلِيِّ بنِ مَعْبَدٍ
الرَّقِّيِّ، قَالَ: قِيْلَ لِعُبَيْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو:
بَلَغَنِي أَنَّ عِنْدَكَ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ عَقِيْلٍ
كَثِيْراً، لَمْ تُحدِّثْ عَنْهُ، ثُمَّ أَلقَيْتَهُ.
قَالَ: لأنْ أُلْقِيْهِ أَحَبُّ إليَّ مِنْ أَنْ يُلقيني
اللهُ -تَعَالَى. قَالَ: وَزَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ
ذَلِكَ الكِتَابِ مَعَ رَجُلٍ لَمْ يَثقْ بِهِ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ عُبَيْدُ اللهِ ثِقَةً
صَدُوقاً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، وَرُبَّمَا أَخطَأَ،
وَكَانَ أَحْفَظَ مَنْ رَوَى: عَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ
الجَزَرِيِّ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَنَازِعُهُ فِي
الفَتْوَى فِي دَهْرِهِ. وَمَاتَ: بِالرَّقَّةِ سَنَةَ
ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى
وَمائَةٍ.
حَدِيْثُهُ فِي البخاري في تفسير حم.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ
بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ
القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ،
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ البُنْدَارُ،
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ
عَاصِمٍ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو، عَنْ
عَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ:
أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الَّذِي آتَي
فِيْهِ أَهْلِي? قَالَ: "نَعَمْ، إِلاَّ أَنْ تَرَى فِيْهِ
شَيْئاً فَتغسله". هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ مِنَ
العَوَالِي لأمثَالِنَا. أَخْرَجَهُ: ابْنُ مَاجَه1
وَحْدَه، عَنْ شَيْخٍ لَهُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بن عمرو
الرقي.
__________
1 صحيح: أخرجه ابن ماجه "542" من طريق عُبيد الله بن عمرو
الرقي، به، وأخرجه أحمد "6/ 325 و427"، وأبو داود "366"،
والنسائي "1/ 155"، وابن ماجه "540"، والطبراني "23/ 405
و406 و408"، والبيهقي "2/ 410" من طرق عن يزيد بن أبي
حبيب، عَنْ سُويد بنِ قَيْسٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ حُديج،
عن معاوية بن أبي سفيان، عن أخته أم حبيبة زوج النبي -صلى
الله عليه وسلم- أنه سألها: هل كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي الثوب الذي
يجامعها فيه؟ فقالت: نعم إذا لم ير فيه أذى".
(7/317)
1254- إسماعيل
بن عياش 1: "د، ت، س، ق"
ابن سليم، الحَافِظُ، الإِمَامُ، مُحَدِّثُ الشَّامِ،
بَقِيَّةُ الأَعْلاَمِ، أَبُو عتبة الحِمْصي، العَنْسي
مَوْلاَهُم.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: شُرَحْبِيْلِ بنِ مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيِّ،
وَمُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ الأَلْهَانِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ
بنِ دِيْنَارٍ البَهْرَانِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ -إِنْ صَحَّ ذَلِكَ، وَهُوَ فِي
سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ- وَضَمْضَمِ بنِ زُرْعَةَ،
وَتَمِيْمِ بنِ عَطِيَّةَ العَنْسِيِّ، وَأَسِيدِ بنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الخَثْعمي، وَبَحِيْرِ بنِ سَعْدٍ،
وَالزُّبَيْدِيِّ، وَحَبِيْبِ بنِ صَالِحٍ الطَّائِيِّ،
وَثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ،
وَعَاصِمِ بنِ رَجَاءِ بنِ حَيْوَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ
بُسْرٍ الحَضْرَمِيِّ، وَصَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو، وَثَابِتِ
بنِ عَجْلاَنَ، وَسُلَيْمَانَ بنِ سُلَيْمٍ الكِناني،
وَخلقٍ مِنَ الشَّامِيّينَ. إِلَى أَنْ يَنْزِلَ فَيَرْوِي
عَنْ: ضَمْرَةَ بنِ رَبِيْعَةَ.
وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، وَسُهَيْلِ
بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَأَبِي طُوَالَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ، وَعَبْدُ اللهِ
بنُ عُثْمَانَ بنِ خُثَيم، وَعُمَارَةَ بنِ غَزِيَّة،
وَمُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ،
وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَلَيْثِ بنِ
أَبِي سُلَيْمٍ، وَخلقٍ مِنَ الحِجَازِيِّينَ
وَالعِرَاقِيِّينَ.
وَهُوَ فِيْهِم كَثِيْرُ الغَلَطِ بِخلاَفِ أَهْلِ
بَلَدِهِ، فَإِنَّهُ يَحفظُ حَدِيْثَهُم، وَيَكَادُ أَنْ
يُتْقِنَهُ. إن شاء الله.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 1169"، والمعرفة
والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 172"، والجرح والتعديل "2/
ترجمة 650"، والضعفاء الكبير للعقيلي "1/ ترجمة 102"،
والمجروحين لابن حبان "1/ 124"، والكامل لابن عدي "1/
ترجمة 127"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 240"، وميزان
الاعتدال "1/ ترجمة 923"، والعبر "1/ 227 و278"، وتهذيب
التهذيب "1/ 321"، وتقريب التهذيب "1/ 73"، وشذرات الذهب
لابن العماد "1/ 294".
(7/318)
وَكَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ، صَادِقَ
اللَّهجَةِ، متِيْنَ الديانة، صاحب سنة وَاتِّبَاعٍ،
وَجَلاَلَةٍ وَوقَارٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ إِسْحَاقَ، وَسُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ، وَالأَعْمَشُ، وَهُم مِنْ شُيُوْخِهِ،
وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَأَبْيَضُ بنُ الأَغَرِّ
المِنْقَرِيُّ، وَمُوْسَى بنُ أَعْيَنَ، وَجَمَاعَةٌ
مَاتُوا قَبْلَهُ، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَابْنُ
المُبَارَكِ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَفَرَجُ بنُ
فَضَالَةَ، وَيَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، وَحَجَّاجُ بنُ
مُحَمَّدٍ، وَحَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ، وَأَبُو اليَمَانِ،
وَسَعِيْدُ بن منصور، وأبو الجماهر الكَفْرَسُوسِيُّ،
وَمَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَالهَيْثَمُ بنُ خَارِجَةَ،
وَالحَكَمُ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو مُسْهِرٍ، وَعُثْمَانُ
بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَخُوْهُ أَبُو بَكْرٍ، وَمُحَمَّدُ
بنُ سَلاَمٍ البيكَنْدي، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وهنَّاد بنُ
السَّري، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ
عُبَيْدٍ المُحَارِبِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ،
وَعَمْرُو بنُ عُثْمَانَ بنِ سَعِيْدٍ الحِمْصِيُّ،
وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم.
قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ مولى
عَنْس.
وقال أبو خيثمة: كَانَ أَحْوَلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ المُقَدَّمي: كَانَ
أَزْرَقَ.
وَقَالَ الخَطِيْبُ: قَدِمَ بَغْدَادَ عَلَى المَنْصُوْرِ
فَوَلاَّهُ خزَانَةَ الكِسوة، وَرَوَى: بِبَغْدَادَ
كَثِيْراً.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُهَاجِرٍ: قَالَ لِي أَخِي عَمْرٌو:
لَيْسَ تُحْسِنُ تَسْأَلُ، لِمَ لاَ تَسْأَلنِي مَسْأَلَةَ
هَذَا الأَزْرَقِ؟! مَا سَأَلنِي أَحَدٌ أَحْسَنَ
مَسْأَلَةً مِنْهُ. قُلْتُ: كَيْفَ أَكُوْنُ مِثْلَهُ
وَهُوَ فَقِيْهٌ -يَعْنِي: إِسْمَاعِيْلَ?
وَفِي رِوَايَةٍ لأَبِي مُسْهِر عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ
أَخِي: لِمَ لاَ تَسْأَلنِي مَسْأَلَةَ هَذَا الأَحْمَرِ
الحِمْصِيِّ?
وَقَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ نَجْدَةَ: سَمِعْتُ
إِسْمَاعِيْلَ بنَ عَيَّاشٍ يَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ أَبِي
حُسَيْنٍ المَكِّيُّ يُدنِيْنِي، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُ
الحَدِيْثِ: نَرَاكَ تُقدِّمُ هَذَا الغُلاَمَ
الشَّامِيَّ، وَتُؤْثِرُهُ عَلَيْنَا! فَقَالَ: إِنِّيْ
أَؤمِّلُهُ، فَسَأَلُوْهُ يَوْماً عَنْ حَدِيْثٍ يُحَدِّثُ
بِهِ شَهْرٌ، إِذَا جَمَعَ الطَّعَامُ أَرْبَعاً فَقَدْ
كَمُلَ، فَذَكَرَ ثَلاَثَةً، وَنسِيَ الرَّابِعَةَ،
فَسَأَلنِي عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لِي: كَيْفَ حدَّثتكُم?
قُلْتُ: حدَّثتنَا عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ أَنَّهُ
قَالَ: إِذَا جَمَعَ الطَّعَامُ أَرْبَعاً فَقَدْ كَمُلَ:
إِذَا كَانَ أَوَّلُهُ حَلاَلاً، وَسُمِّيَ اللهُ عَلَيْهِ
حِيْنَ يُوْضَعُ، وَكَثُرَتْ عَلَيْهِ الأَيْدِي، وَحُمِدَ
اللهُ حِيْنَ يُرْفَعُ، فَأَقْبَلَ عَلَى القَوْمِ،
وَقَالَ: كَيْفَ تَرَوْنَ?
سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ الوَاسِطِيُّ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ
هَارُوْنَ قَالَ: رَأَيْتُ شُعْبَةَ عِنْدَ فَرَجِ بنِ
فَضَالَةَ يَسْأَلُهُ عَنْ حَدِيْثِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ
عَيَّاشٍ.
(7/319)
مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ عَنْ أَبِي اليَمَانِ
قَالَ: كَانَ مَنْزِلُ إِسْمَاعِيْلَ إِلَى جَانبِ
مَنْزِلِي، فَكَانَ يُحِيِي اللَّيْلَ، وَكَانَ رُبَّمَا
قَرَأَ، ثُمَّ يَقْطَعُ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَرَأَ مِنَ
المَوْضعِ الَّذِي قَطَعَ مِنْهُ، فَلقِيْتُهُ يَوْماً
فَقُلْتُ: يَا عمّ! قَدْ رَأَيْتُ مِنْكَ فِي القِرَاءةِ
كَيْتَ وَكَيْتَ. قَالَ: يَا بُنَيَّ! وَمَا سُؤَالُكَ?
قُلْتُ: أُرِيْدُ أَنْ أَعْلَمَ. قَالَ: يَا بُنَيَّ!
إِنِّيْ أُصلِّي، فَأَقرَأُ، فَأَذْكُرُ الحَدِيْثَ فِي
البَابِ مِنَ الأَبْوَابِ الَّتِي أَخْرَجتُهَا، فَأَقطعُ
الصَّلاَةَ، فَأَكْتُبُهُ فِيْهِ، ثُمَّ أَرجعُ إِلَى
صَلاَتِي، فَأَبتدِئ مِنَ المَوْضعِ الَّذِي قطعْتُ
مِنْهُ.
قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، عَنْ يَحْيَى
الوُحَاظِيِّ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً كَانَ أَكْبَرَ
نَفْساً مِنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، كُنَّا إِذَا
أَتَيْنَاهُ إِلَى مزرعَتِهِ لاَ يَرْضَى لَنَا إِلاَّ
بِالخَرُوفِ وَالخبِيصِ. سَمِعْتهُ يَقُوْلُ: وَرثتُ مِنْ
أَبِي أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ، فَأَنفقتُهَا فِي
طَلَبِ العِلْمِ.
جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّسْعَني، عَنْ عُثْمَانَ بنِ
صالح قال: كان أهل مصر ينتقصون عثمان، حَتَّى نَشَأَ
فِيْهِمُ اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، فَحَدَّثَهُم بِفَضَائِلِ
عُثْمَانَ، فَكفُّوا عَنْ ذَلِكَ. وَكَانَ أَهْلُ حمص
ينتقصون عليا، حتى نشأ فيهم إسماعيل بن عياش، فحدثهم
بفضائل علي، فكفوا عن ذَلِكَ.
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: قَالَ أَبِي
لِدَاوُدَ بنِ عَمْرٍو، وَأَنَا أَسْمَعُ: يَا أَبَا
سُلَيْمَانَ! كَانَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ
يُحَدِّثُكُم هَذِهِ الأَحَادِيْثَ حَفِظاً? قَالَ:
نَعَمْ، مَا رَأَيْتُ مَعَهُ كِتَاباً قَطُّ. فَقَالَ:
لَقَدْ كَانَ حَافِظاً، كَمْ كَانَ يَحفظُ? قَالَ: شَيْئاً
كَثِيْراً. قَالَ لَهُ: كَانَ يَحْفَظُ عَشْرَةَ آلاَفٍ?
قَالَ: عَشْرَةُ آلاَفٍ، وَعَشْرَةُ آلاَفٍ، وَعَشْرَةُ
آلاَفٍ. قَالَ أَبِي: هَذَا كَانَ مِثْلَ وَكِيْعٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ
عَلِيِّ ابن المَدِيْنِيِّ: قَالَ: رَجُلاَنِ هُمَا
صَاحِبَا حَدِيْثِ بَلَدِهِمَا، إِسْمَاعِيْلُ بنُ
عَيَّاشٍ، وَابْنُ لَهِيْعَةَ.
وَرَوَى الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ، عَنْ أَحْمَدَ قَالَ:
لَيْسَ أَحَدٌ أَرْوَى لِحَدِيْثِ الشَّامِيّينَ مِنْ
إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ: كُنْتُ أَسْمَعُ
أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ: عِلْمُ الشَّامِ عِنْدَ
إِسْمَاعِيْلَ وَالوَلِيْدِ، فَسَمِعْتُ أَبَا اليَمَانِ
يَقُوْلُ: كَانَ أَصْحَابُنَا لَهُم رغبَةٌ فِي العِلْمِ،
وَطلبٌ شَدِيْدٌ بِالشَّامِ، وَالمَدِيْنَةِ، وَمَكَّةَ،
وَكَانُوا يَقُوْلُوْنَ: نَجْهَدُ فِي الطَّلَبِ،
وَنُتْعِبُ أَبَدَاننَا، وَنَغِيبُ، فَإِذَا جِئْنَا
وَجَدْنَا كُلَّ مَا كتبنَا عِنْدَ إِسْمَاعِيْلَ.
ثُمَّ قَالَ الفَسَوِيُّ: وتكلَّم قَوْمٌ فِي
إِسْمَاعِيْلَ، وَإِسْمَاعِيْلُ ثِقَةٌ، عَدْلٌ، أعلم
الناس بحديث الشاميين، ولا يدفعه دافع، وأكثر ما تكلموا
قالوا: يُغْرِبُ عَنْ ثِقَاتِ المَدَنِيّينَ
وَالمكِّيّينَ.
(7/320)
وَقَالَ الهَيْثَمُ بنُ خَارِجَةَ:
سَمِعْتُ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ
أَحْفَظَ مِنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، مَا أَدْرِي
مَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ?
قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ الوَاسِطِيُّ: سَمِعْتُ
يَزِيْدَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ شَامِيّاً وَلاَ
عِرَاقِيّاً أَحْفَظَ مِنْ إِسْمَاعِيْلَ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَدِمَ إِسْمَاعِيْلُ العِرَاقَ
قَدْمَتَيْنِ، قَدِمَ هُوَ وحَريز بنُ عُثْمَانَ
الكُوْفَةَ فِي مسَاحَةِ أَرْضِ حِمْصَ، سَمِعَ مِنْهُ
يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ فِي القَدْمَةِ الأُوْلَى.
وَرَوَى عَبَّاسٌ الدُّوري عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ:
إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ ثِقَةٌ، كَانَ أَحَبَّ إِلَى
أَهْلِ الشَّامِ مِنْ بَقِيَّةَ، وَقَدْ سَمِعَ
إِسْمَاعِيْلُ مِنْ شُرَحبيل، وَإِسْمَاعِيْلُ أَحَبُّ
إِلَيَّ مِنْ فَرَجِ بنِ فَضَالة، مضَيْتُ إِلَيْهِ،
فَرَأْيْتُهُ عِنْدَ دَارِ الجَوْهَرِيِّ، قَاعِداً عَلَى
غُرفَةٍ، وَمَعَهُ رَجُلاَنِ يَنْظُرَانِ فِي كتاب،
فيحدثهم خمسمائة فِي اليَوْمِ، أَقلَّ أَوْ أَكْثَرَ،
وَهُم أَسْفَلُ، وَهُوَ فَوْقُ، فَيَأْخذُوْنَ كِتَابَهُ،
فَيَنسخُونَ مِنْ غَدْوَةٍ إِلَى اللَّيْلِ، فَرَجَعتُ
وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئاً.
وَقَالَ أَيْضاً: شَهِدتُهُ يُمْلِي إِمْلاَءً، فَكَتَبتُ
عَنْهُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ
مَعِيْنٍ عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، فَقَالَ: إِذَا
حَدَّثَ عَنِ الشُّيُوْخِ الثِّقَاتِ، مِثْلِ مُحَمَّدِ
بنِ زِيَادٍ، وَشُرَحْبِيْلِ بنِ مُسْلِمٍ. قُلْتُ:
فَكَتَبتَ عَنْهُ? قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُ مِنْهُ
شَيْئاً.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سُئِلَ ابْنُ مَعِيْنٍ،
عَنْ إسماعيل بن عياش فَقَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ فِي
أَهْلِ الشَّامِ، وَالعِرَاقِيُّوْنَ يَكرهُوْنَ
حَدِيْثَهُ.
قِيْلَ لِيَحْيَى: أَيُّمَا أَثْبَتُ، هُوَ أَوْ
بَقِيَّةُ? قَالَ: كِلاَهُمَا صَالِحَانِ.
وَرَوَى عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ:
أَرْجُو أَنْ لاَ يَكُوْنَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ:
سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: هُوَ ثِقَةٌ فِيْمَا رَوَى
عَنِ: الشَّامِيّينَ، وَأَمَّا رِوَايَتُهُ عَنْ أَهْلِ
الحِجَازِ، فَإِنَّ كِتَابَهُ ضَاعَ، فَخلَطَ فِي حَفِظِهِ
عَنْهُم.
وَقَالَ مُضَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَحْيَى: إِذَا
حَدَّثَ عَنِ الشَّامِيّينَ، وَذَكَرَ الخَبَرَ،
فَحَدِيْثُهُ مُسْتقِيْمٌ، وَإِذَا حَدَّثَ عَنِ
الحِجَازِيّينَ وَالعِرَاقِيّينَ، خلَّط مَا شِئْتَ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوذي: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ
إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ فَحَسَّنَ، رِوَايَتَهُ عَنِ
الشَّامِيّينَ، وَقَالَ: هُوَ أَحْسَنُ حَالاً فِيْهِم
مِمَّا رَوَى عَنِ: المدنيين وغيرهم.
(7/321)
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ
عَنْهُ، فَقَالَ: مَا حَدَّثَ عَنْ مَشَايِخِهِم، فَأَمَّا
مَا حدَّثَ عَنْ غَيْرِهِم، فَعِنْدَهُ مَنَاكِيْرُ عَنِ
الثِّقَاتِ.
وَقَالَ أحمد بن الحسين التِّرْمِذِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ
بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ أَصلحُ من بقية، لبقية مناكير.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
نَظَرْتُ فِي كِتَابِ إِسْمَاعِيْلَ عَنْ يَحْيَى بنِ
سَعِيْدٍ أَحَادِيْثَ صحَاحٍ، وَأَحَادِيْثَ مُضْطَرِبَةٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ:
يُوَثَّقُ فِيْمَا رَوَى عَنْ أَصْحَابِهِ أَهْلِ
الشَّامِ، فَأَمَّا مَا رَوَى عَنْ غَيْرِهِم، فَفِيْهِ
ضَعْفٌ.
وَرَوَى عثمان الدرامي، عَنْ دُحَيْمٍ قَالَ:
إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ فِي الشَّامِيّينَ غَايَةٌ،
وَخلَّطَ عَنِ المَدَنِيّينَ.
وَقَالَ الفَلاَّسُ: إِذَا حَدَّثَ عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِ
فَصَحِيْحٌ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ فِي المَدَنِيّينَ، كَانَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ لاَ يُحَدِّثُ عَنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: ضَرَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
عَلَى حَدِيْثِهِ، وَعَلَى حَدِيْثِ المُبَارَكِ بنِ
فَضَالَةَ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ:
سَأَلْتُ أَبِي عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ،
فَضَعَّفَهُ فِيْمَا رَوَى عَنْ أَهْلِ الشَّامِ
وَغَيْرِهِم، وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَا أَحَدٌ
أَعْلَمُ مِنْهُ بِحَدِيْثِ أَهْلِ الشَّامِ لَوْ ثَبَتَ
عَلَى حَدِيْثِ أَهْلِ الشَّامِ، وَلَكِنَّهُ خلَّطَ فِي
حَدِيْثِهِ عَنْ أَهْلِ العِرَاقِ، وَحَدَّثَنَا عَنْهُ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ ضرب على حديثه.
وقال يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: إِسْمَاعِيْلُ ثِقَةٌ
عِنْدَ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَأَصْحَابنَا فِيْمَا رَوَى
عَنِ الشَّامِيّينَ خَاصَّةً، وَفِي رِوَايَتِهِ عَنْ
أَهْلِ العِرَاقِ وَأَهْلِ المَدِيْنَةِ اضْطِرَابٌ
كَثِيْرٌ، وَكَانَ عَالِماً بِنَاحِيتِهِ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: إِذَا حَدَّثَ عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِ
فَصَحِيْحٌ، وَإِذَا حَدَّثَ عَنْ غَيْرِهِم فَفِيْهِ
نَظَرَ.
وَقَالَ مرَّةً: مَا رَوَى عَنِ الشَّامِيّينَ فَهُوَ
أَصَحُّ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو بِشْرٍ الدُّوْلاَبِيُّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: سَمِعْتُ
وَكِيْعاً يَقُوْلُ: قَدِمَ عَلَيْنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ
عَيَّاشٍ، فَأَخَذَ مِنِّي أَطرَافاً لإِسْمَاعِيْلَ بنِ
أَبِي خَالِدٍ، فَرَأْيْتُهُ يُخلِّطُ فِي أَخَذِهِ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الجُوزجاني: سَأَلْتُ أَبَا
مُسْهِرٍ عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ وَبَقِيَّةَ،
فَقَالَ: كُلٌّ كَانَ يَأْخذُ عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ، فَإِذَا
أَخَذتَ حَدِيْثَهُم عَنِ الثِّقَاتِ، فَهُوَ ثِقَةٌ.
(7/322)
قَالَ الجُوْزَجَانِيُّ: قُلْتُ لأَبِي
اليَمَانِ: مَا أُشَبِّهُ حَدِيْثَ إِسْمَاعِيْلَ بنِ
عَيَّاشٍ إِلاَّ بثِيَابِ سَابُوْر، يَرْقُمُ عَلَى
الثَّوْبِ المائَة، وَأَقلُّ شرَائِهِ دُوْنَ عَشْرَةِ
دَرَاهِمَ. قَالَ: كَانَ مِنْ أَرْوَى النَّاسِ عَنِ
الكَذَّابِيْنَ، وَهُوَ فِي حَدِيْثِ الثِّقَاتِ عَنِ
الشَّامِيّينَ أَحْمَدُ مِنْهُ فِي حَدِيْثِ غَيْرِهِم.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ
أَبِي عَنْ حَدِيْثِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، فَقَالَ:
هُوَ لَيِّنٌ يُكتَبُ حَدِيْثُهُ، لاَ أَعْلَمُ أَحَداً
كَفَّ عَنْهُ، إِلاَّ أَبَا إِسْحَاقَ الفَزَارِيَّ.
قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ
الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ، قَالَ:
قَالَ لِي أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ: اكْتبْ عَنْ
بَقِيَّةَ مَا رَوَى عَنِ المَعْرُوْفِيْنَ، وَلاَ تَكتبْ
عَنْهُ مَا رَوَى عَنْ غَيْر المَعْرُوْفِيْنَ، وَلاَ
تَكتبْ عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ مَا رَوَى عَنِ
المَعْرُوْفِيْنَ وَلاَ غَيْرِهِم.
وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ الفَرَّاءُ: قُلْتُ لأَبِي
إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ: أكتب عن إِسْمَاعِيْلَ بنِ
عَيَّاشٍ? قَالَ: لاَ، ذَاكَ رَجُلٌ لاَ يَدْرِي مَا
يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِهِ.
قَالَ أَبُو صَالِحٍ: كَانَ الفَزَارِيُّ قَدْ رَوَى عَنْ:
إِسْمَاعِيْلَ، ثُمَّ تَرَكَهُ، وَذَاكَ أَنَّ رَجُلاً
جَاءَ إِلَى أَبِي إِسْحَاقَ، فَقَالَ: يَا أَبَا
إِسْحَاقَ ذُكِرْتَ عِنْدَ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ،
فَقَالَ: أَيُّمَا رَجُلٍ لَوْلاَ أَنَّهُ شَكِّيٌّ.
قُلْتُ: هَذَا يَدلُّ عَلَى أَنَّ إِسْمَاعِيْلَ كَانَ لاَ
يَرَى الاسْتثنَاءَ فِي الإِيْمَانِ، فَلَعَلَّهُ مِنَ
المُرْجِئَةِ.
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: إِذَا رَوَى إِسْمَاعِيْلُ عَنْ
قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الحِجَازِ، كَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ،
وَمُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَابْنِ
جُرَيْجٍ، وَعُمَرَ بنِ مُحَمَّدٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ
الوَصَّافِيِّ، فَلاَ يَخلُو مِنْ غَلَطٍ فَيغلط، إِمَّا
يَكُوْنُ حَدِيْثاً بِرَأْسِهِ، أَوْ مُرْسَلاً
يُوْصِلُهُ، أَوْ مَوْقُوَفاً يَرْفَعُهُ، وَحَدِيْثُهُ
عَنِ الشَّامِيّينَ إِذَا رَوَى عَنْهُ ثِقَةٌ فَهُوَ
مُسْتقِيْمٌ، وَفِي الجُمْلَةِ هُوَ مِمَّنْ يُكتَبُ
حَدِيْثُهُ، وَيُحْتَجُّ بِهِ مِنْ حَدِيْثِ الشَّامِيّينَ
خَاصَّةً.
قُلْتُ: حَدِيْثُ إِسْمَاعِيْلَ عَنِ الحِجَازِيّينَ
وَالعِرَاقِيّينَ، لاَ يُحْتَجُّ بِهِ، وَحَدِيْثُهُ عَنِ
الشَّامِيّينَ صَالِحٌ مِنْ قبِيْلِ الحَسَنِ، وَيُحْتَجُّ
بِهِ إِنْ لَمْ يَعَارضْهُ أَقوَى منه.
وَقَدْ قَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَثِيْرُ الخطَأِ فِي حَدِيْثِهِ،
فَخَرَجَ عَنْ حدِّ الاحْتِجَاجِ بِهِ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: عرضْتُ
عَلَى أَبِي حَدِيْثاً حَدَّثَنَاهُ الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ
الطَّسْتِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ،
عَنْ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ: قَالَ
(7/323)
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "لاَ تَقْرَأُ الحَائِضُ وَلاَ الجُنُبُ
شَيْئاً مِنَ القُرْآنِ"1. فَقَالَ أَبِي: هَذَا بَاطِلٌ،
يَعْنِي أَنَّ إِسْمَاعِيْلَ وَهِم.
قُلْتُ: أَخْبَرَنَاهُ أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَغَيْرُهُ
كتابة، عن عبد المنعم بن كُلَيْبٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ
بَيَانٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنَا
إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ
عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ، فَذَكَرَهُ.
أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ، عَنِ ابْنِ عَرَفَةَ،
فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ
دِيْنَارٍ، وَسَعِيْدِ بنِ يُوْسُفَ، عَنْ يَحْيَى بنِ
أَبِي كَثِيْرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُم
العبث في الصلاة، وَالرَّفثَ فِي الصِّيَامِ، وَالضَّحِكَ
عِنْدَ المقَابرِ"2. رَوَاهُ: ابْنُ المُبَارَكِ عَنْهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ،
أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ ابن قَفَرْجَلَ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ
الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مَهْدِيٍّ،
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ المحَامِلِيُّ، حَدَّثَنَا
أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ،
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي
بَحِيْرٌ، عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ
نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-
عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: "قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ: ابْنَ آدَمَ! ارْكعْ
لِي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، أَكفِكَ
آخرَهُ" 3. هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ، متَّصلُ الإِسْنَادِ،
شَامِيٌّ.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عن ابن
أبي ملكية، عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوْعاً: "مَنْ قَاءَ أَوْ
رَعَفَ، فَأَحَدثَ فِي صَلاَتِهِ، فَلْيَذْهَبْ،
فَلْيتوضَّأْ، ثُمَّ لْيَبْنِ عَلَى صَلاَتِهِ"4. قَالَ
أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: الصَّوَابُ مرسل.
__________
1 منكر: أخرجه الترمذي "131"، وابن ماجه "595" و"596" من
طريق إسماعيل بن عياش, به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته إسماعيل بن عياش، فإنه ضعيف في
روايته عن غير الشاميين.
2 ضعيف: فهو مرسل، يحيى بن أبي كثير، من صغار التابعين،
وقد رواه ابن المبارك في "الزهد" "1557".
3 صحيح: أخرجه الترمذي "475" حدثنا أبو جعفر السِّمناني،
حدثنا أبو مسهر، به.
وقد حدث إسماعيل بن عياش، عن شامي مثله. وللحديث شاهد عن
نعيم بن همار قَالَ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "يقول الله -عز وجل: يا
ابن آدم، لا تعجزني من أربع ركعات في أول نهارك أكفك
آخره". أخرجه أبو داود "1289" واللفظ له، وأحمد "5/
286-287" من طريق الوليد بن مسلم، حدثنا سعيد يعني ابن عبد
العزيز، حدثنا مكحول، عن نعيم بن همار الغطفاني، به
مرفوعا. وإسناده صحيح.
4 ضعيف: أخرجه ابن ماجه "1221" من طريق إسماعيل بن عياش،
به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه علتان: الأولى: إسماعيل بن عياش،
ضعيف في روايته عن غير الشاميين. والعلة الثانية: ابن
جريج، مدلس، مشهور بالتدليس، وقد عنعنه.
(7/324)
يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيْلُ، عَنْ شُرَحْبِيْلَ بنِ مُسْلِمٍ، عَنْ
أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوْعاً، قَالَ: "الزعيم غارم" 1. هذا
إسناد قوي.
مُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ النَّشَائي: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ
هَارُوْنَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ فَرَجِ بنِ
فَضَالة، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي
بَكْرٍ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ حَبِيْبٍ، عَنْ عُبَيْدٍ،
عَنْ عَوْفِ بنُ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ ...
"، الحَدِيْثَ2. ثُمَّ قَالَ يَزِيْدُ: وَقَدِمَ عَلَيْنَا
إِسْمَاعِيْلُ بَعْدُ، فَحَدَّثَنَاهُ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: لَمْ يَكُنْ
بِالشَّامِ بَعْدَ الأَوْزَاعِيِّ، وَسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ
العَزِيْزِ، أَحْفَظُ مِنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ
عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"تَعَافُوا الحُدُوْدَ بَيْنَكُم، فما بلغني من حد فقد
وجب" 3.
__________
1 صحيح لغيره: أخرجه أحمد "5/ 267"، وعبد الرزاق "14796"
و"16308" والطيالسي "1128"، وأبو داود "3565"، والترمذي
"1265" و"2120"، وابن ماجه "2398"، والطبراني "7615"
و"7621"، والبيهقي "6/ 88"، والبغوي "2162" من طرق عن
إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ شُرَحْبِيْلَ بنِ
مُسْلِمٍ، عن أبي أمامة مرفوعا بلفظ: "العارية مؤداة،
والمنحة مردودة، والدين مقضي، والزعيم غارم". وشرحبيل بن
مسلم ضعفه ابن معين ووثقه أحمد لكن للحديث شاهد عند أحمد
"5/ 293" من طريق ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ، عن سعيد بن أبي
سعيد، عن سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: فذكره، وهذا إسناد صحيح. وقوله
"الزعيم": هو الكفيل، والغارم: الضامن.
2 صحيح: تمام الحديث عن عوف بن مالك قال: صلى رَسُوْلُ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى جنازة،
فحفظت من دعائه وهو يقول: "اللهم اغفر له وارحمه، وعافه
واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج
والبرد، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس
وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا
من زوجه، وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر -أو من عذاب
النار " قال: حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت. أخرجه أحمد
"6/ 23"، ومسلم "963"، والنسائي "4/ 73"، والبيهقي "4/
40"، والطبراني "8/ 78" من طرق عن معاوية بن صالح، عن حبيب
بن عُبيد، عن جُبير بن نُفير، به.
3 حسن: أخرجه أبو داود "4376"، والنسائي "8/ 70" من طريق
ابن وهب قال: سمعت ابن جريج يحدث عن عمرو بن شعيب، عن
أبيه، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- قال: فذكره.
قلت: عمرو بن شعيب، صدوق، وكذا شعيب كما قال الحافظ في
"التقريب"، وابن جريج قد صرح بالتحديث فأمنا شر تدليسه،
فالإسناد حسن والله تعالى أعلى وأعلم.
(7/325)
مُحَمَّدُ بنُ حِمْيَرٍ الحِمْصِيُّ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُحَمَّدُ
بنُ عَمْرِوٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
مَرْفُوْعاً، قَالَ: "إِذَا كَتَبَ أَحَدُكُم كِتَاباً،
فَلْيُتْرِبْهُ، فَإِنَّهُ أَنْجَحُ لِلْحَاجَةِ"1.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيْدٍ: عَنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ
يَرْفَعُهُ، قَالَ: "يَكُوْنُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ
رَجُلٌ، يُقَالُ لَهُ: الوَلِيْدُ، هُوَ أَشَدُّ عَلَى
أُمَّتِي مِنْ فِرْعَوْنَ عَلَى قَوْمِهِ"2. قَالَ أَبُو
حَاتِمٍ بنُ حبان: هذا بَاطِلٌ. هَكَذَا قَالَ، وَلَيْسَ
كَمَا زَعَمَ، بَلْ إسناده نظيف.
__________
1 منكر: أخرجه ابن عدي في "الكامل" "1/ 298" من طريق
سليمان بن عبد الحميد، عن ابن عَيَّاشٍ، عَنْ مُحَمَّدُ
بنُ عَمْرِوٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم. فذكره.
قلت: إسناده ضعيف إسماعيل بن عياش ضعيف، روايته ضعيفة عن
غير الشاميين. وأخرجه الترمذي "2713"، والعقيلي في
"الضعفاء" "1/ 291"، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" "2/ 238"
من طريق حمزة بن ميمون، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ
جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم: "تربوا الكتاب فإنه أعظم للبركة، وأنجح
للحاجة".
قلت: إسناده واه بمرة، فيه علتان: فهاكموهما: الأولى: حمزة
بن ميمون، وهو حمزة بن أبي حمزة النصيبي، قال ابن عدي في
"الكامل" "2/ 378": كل ما يرويه أو عامته مناكير موضوعة،
والبلاء منه". وقال ابن حبان في "المجروحين" "1/ 270":
ينفرد عن الثقات بالأشياء الموضوعات كأنه كان المعتمد لها،
لا تحل الرواية عنه. والعلة الثانية: أبو الزبير، وهو محمد
بن مسلم بن تدرس المكي، مدلس مشهور بالتدليس، وقد عنعنه.
2 موضوع: أخرجه أحمد "1/ 18"، وابن حبان في "المجروحين"
"1/ 125"، وابن الجوزي في "الموضوعات" "2/ 46" من طريق
إسماعيل بن عياش، به.
وقال ابن حبان في إثره: هذا خبر باطل ما قال رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- هذا، ولا عمر رواه، ولا سعيد حدث به،
ولا الزهري رواه، ولا هو عن حديث الأوزاعي بهذا الإسناد".
قلت: إسناده ضعيف، لانقطاعه بين سعيد بن المسيب، وعمر بن
الخطاب وقال ابن الجوزي بعد أن نقل كلام ابن حبان فيه:
فلعل هذا قد أدخل على إسماعيل بن عياش في كبره، وقد رواه
وهو مختلط، قال أحمد بن حنبل: كان إسماعيل بن عياش يروي عن
كل ضرب، وهذا الحديث هو أحد الأحاديث الموضوعة في "مسند
أحمد بن حنبل" والتي ذكرها الحافظ العراقي وأخرجه البيهقي
في "دلائل النبوة" "6/ 505" من طريق بشر بن بكر والوليد بن
مسلم كلاهما عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب
مرسلا، ولم يذكر فيه عمر، وقال البيهقي في إثره: هذا مرسل
حسن "! " "! ".
وأخرجه الحاكم "4/ 494" من طريق نعيم بن حماد، عن الوليد
بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزهري عن ابن المسيب، عن أبي
هريرة قال: "ولد لأخي أم سلمة ... " فذكره. =
(7/326)
إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ ضَمْضَمِ
بنِ زُرْعَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي
رَاشِدٍ الحُبْرَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
شِبْلٍ، قَالَ: "نَهَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَكْلِ الضَّبِّ"1. هَذَا
حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ، وَأَرَاهُ مُرْسَلاً.
ابْنُ عَيَّاشٍ: عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وابن
جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ: عَنْ
جَدِّهِ مَرْفُوْعاً: "لَيْسَ لِقَاتِلٍ مِنَ المِيْرَاثِ
شَيْءٌ" 2. لاَ يَصحُّ هَذَا، فَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ،
عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ عُمَرَ، مِنْ قَوْلِهِ،
فَهُوَ مُنْقَطِعٌ مَوْقُوْفٌ.
أَبُو اليَمَانِ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ، عَنْ
يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ،
مَرْفُوْعاً: "خَيْرُ نِسَائِكُمُ العفيفة الغلمة"3. هذا
حديث منكر.
__________
= وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه،
وأقره الذهبي "! " "! " وقال السيوطي في "اللآلئ المصنوعة"
"1/ 110": رواية نعيم بن حماد عن الوليد بذكر أبي هريرة
فيه شاذة. قلنا: نعيم بن حماد كثير الخطأ، والوليد بن مسلم
يدلس تدليس التسوية، فالخبر باطل.
1 حسن: أخرجه أبو داود "3796" حدثنا محمد بن عوف الطائي أن
الحكم بن نافع حدثهم حدثنا ابن عياش، به.
قلت: إسناده حسن، ضمضم بن زرعة بن ثوب الحضرمي الحمصي،
صدوق كما قال الحافظ في "التقريب". وأبو راشد الحبراني،
بضم المهملة وسكون الموحدة، الشامي، قيل اسمه أخضر، وقيل
النعمان، ثقة.
2 حسن: أخرجه أبو داود "4564"، وابن ماجة "2646" من طريق
عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، به.
3 ضعيف: أخرجه ابن حبان في "المجروحين" "1/ 125-126"
أخبرنا عمر بن سعيد, حدثنا محمد بن عون، حدثنا أبو اليمان،
حدثنا إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أنس
بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم. فذكره،
وأخرجه ابن حبان "1/ 125-126" أخبرنا محمد بن المسيب،
حدثنا عيسى بن خالد بن أخي أبي اليمان، حدثنا أبو اليمان،
حدثنا إسماعيل، به.
قلت: إسناده ضعيف، إسماعيل بن عياش ضعيف في روايته عن غير
الشاميين. ومحمد بن عوف هو ابن سفيان الطائي الحمصي، ثقة
حافظ. وأبو اليمان هو الحكم بن نافع البهراني الحمصي ثقة
ثبت، روى له الجماعة. وقد توبع إسماعيل بن عياش: فأخرجه
ابن عدي في "الكامل" "3/ 203" من طريق هشام بن عمار، حدثنا
عبد الملك بن محمد الصنعاني، حدثنا زيد بن جبيرة، عن يحيى
بن سعيد الأنصاري، عن أنس بن مالك، به.
قلت: إسناده ضعيف جدا، فيه زيد بن جبيرة، متروك كما قال
الحافظ في "التقريب" وعبد الملك بن محمد الصنعاني، لين
الحديث، فالحديث ضعيف، ولا يصلح طريق هشام بن عمار في مجال
المتابعات لضعفه الشديد.
(7/327)
وَقَدْ صحَّحَ التِّرْمِذِيُّ
لإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ غَيْرَ مَا حَدِيْثٍ مِنْ
رِوَايَتِه عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِ، مِنْهَا حَدِيْثُ: "لاَ
وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ" 1، وَحَدِيْثُ: "بِحسْبِ ابن آدم
أكلات يقمن صلبه" 2.
اخْتَلَفُوا فِي مَوْلِدِ ابْنِ عَيَّاشٍ وَوَفَاتِهِ:
فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ عَبْد
رَبِّهِ: مَوْلِدُهُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمائَةٍ.
وَرَوَى سَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو السَّكُوْنِيُّ، عَنْ
بَقِيَّةَ: أَنَّ إِسْمَاعِيْلَ وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ
وَمائَةٍ، وَوُلِدْتُ سَنَةَ عَشْرٍ.
وَرَوَى أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ عَنْ يَزِيْدَ بنِ
عَبْدِ رَبِّهِ: وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَمائَةٍ. قُلْتُ:
هَذَا أَصَحُّ كَانَ كَذَلِكَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: وَرَوَى عَمْرُو بنُ
عُثْمَانَ الحِمْصِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قَالَ لِي
ابْنُ عُيَيْنَةَ: مَوْلِدُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ
قَبْلِي، سَنَةَ سِتٍّ، وَمَوْلِدِي سَنَةَ ثَمَانٍ
وَمائَةٍ. قُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! أنت بكرت -يعني:
بالطلب.
__________
1 صحيح: ورد عن جمع من الصحابة، منهم أبو أمامة الباهلي،
وعمرو بن خارجة وعبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، وَعَبْدِ
اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَجَابِرِ بنِ عَبْدِ الله، وعلي بن
أبي طالب، وعبد الله بن عمر، والبراء بن عازب، وزيد بن
أرقم -رضي الله عنهم.
فأما حديث أبي أمامة -رضي الله عنه: فأخرجه سعيد بن منصور
في "سننه" "427"، وأبو داود "3565"، والترمذي "2120"، وابن
ماجه "2713"، والبيهقي "6/ 264"، وأحمد "5/ 267"،
والطيالسي "1127" من طريق إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ،
حَدَّثَنَا شُرَحْبِيْلُ بنُ مُسْلِمٍ الخولاني، قال: سمعت
أبا أمامة الباهلي يَقُوْلُ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- يقول في خطبته عام حجة
الوداع: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث".
وإسناده حسن، وأما حديث عمرو بن خارجة -رضي الله عنه:
فأخرجه سعيد بن منصور "428"، والترمذي "2121"، والنسائي
"6/ 247"، وابن ماجة "2712"، والدارمي "2/ 419"، وأحمد "4/
186 و187 و238 و238-239"، والطيالسي "1217" من طريق قتادة،
عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم عن عمرو بن خارجة،
به.
وأما حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه: فهو عند ابن ماجه
"2714"، والدارقطني "4/ 70" وأما حديث عبد الله بن عمرو بن
العاص -رضي الله عنهما: فهو عند الدارقطني، وابن عدي في
الكامل أجتزئ بما ذكرت خشية الإطالة، ولولا ضيق المقام
لأوعبنا عليه الكلام.
2 صحيح: أخرجه ابن المبارك في "الزهد" "603"، وأحمد "4/
132"، والترمذي "2380"، والطبراني في "الكبير" "20/ 644"،
والبغوي في "شرح السنة" "4048"، والقضاعي في "مسند الشهاب"
"1340" و"1341" من طريق أبي سلمة الحمصي سليمان بن سليم
وحبيب بن صالح عن يحيى بن جابر، عن المقدام بن معدى كرى أن
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما ملأ آدمي وعاء
شراء من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا
محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه".
(7/328)
وَرَوَى أَبُو التَّقِيِّ اليَزَنِيُّ،
عَنْ بَقِيَّةَ، قَالَ: وُلِدَ إِسْمَاعِيْلُ سَنَةَ
ثَمَانٍ وَمائَةٍ، وَمَوْلِدِي: سَنَةَ اثْنَتَيْ
عَشْرَةَ.
وَأَمَّا وَفَاةُ إِسْمَاعِيْلَ: فَفِي سَنَةِ إِحْدَى
وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. قَالَهُ يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ
رَبِّهِ، وَحَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ، وَأَحْمَدُ، وَابْنُ
مُصَفَّى، وَعِدَّةٌ. فَزَادَ ابْنُ مُصَفَّى: يَوْمَ
الثُّلاَثَاءِ، لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْ رَبِيْعٍ
الأَوَّلِ. وَقَالَ الحَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ
الخَوْلاَنِيُّ: يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ، لِسِتٍّ مَضَتْ
مِنْ جُمَادَى. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَخَلِيْفَةُ،
وَأَبُو حَسَّانٍ الزِّيَادِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ،
وَأَبُو مُسْلِمٍ الوَاقِدِيُّ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
وَثَمَانِيْنَ.
وَمَا خَرَّجَا لَهُ فِي "الصَّحِيْحَيْنِ" شيئًا.
وَمِنْ غَرَائِبِهِ: مَا يَرْوِيْهِ عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ،
عَنْهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُطْعِمُ بنُ المِقْدَامِ، عَنِ
ابْنِ غُنَيْمٍ الكَلاَعِيِّ، عَنْ نَصِيْحٍ العَنْسِيِّ،
عَنْ رَكْبٍ المِصْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "طُوْبَى لِمَنْ تَوَاضَعَ مِنْ
غَيْرِ مَنْقَصَةٍ ... "1، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ.
وَلَيْسَ فِي "الأَرْبَعِيْنَ الوَدْعَانِيَّةِ"2 مَتنٌ
أَمثَلُ مِنْهُ، لَكِنَّهُ سَاقَهُ ابْنُ وَدْعَانَ
بِسَنَدٍ موضوع.
__________
1 ضعيف: أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" "2/ ق1/ 338"،
والطبراني في "الكبير" "5/ 4616"، والبيهقي "4/ 182"،
والبغوي، والقضاعي في "مسند الشهاب" "615" من طريق إسماعيل
بن عياش، عن المطعم بن المقدام، وعنبسة بن سعيد بن
غُنَيْمٍ الكَلاَعِيِّ، عَنْ نَصِيْحٍ العَنْسِيِّ، عَنْ
رَكْبٍ المصري قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. فذكره.
وقال الهيثمي في "المجمع" "10/ 229": رواه الطبراني من
طريق نصيح العنسي عن ركب ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.
قلت: إسناده ضعيف، نصيح، ضعيف. وقال ابن منده: ركب لا يعرف
له صحبة. وقال البغوي: لا أدري أسمع من النبي -صلى الله
عليه وسلم- أم لا؟
2 الأربعين الودعانية جمعها محمد بن علي بن ودعان القاضي،
أبو نصر الموصلي، وكلها موضوعة. ذمه أبو طاهر السلفي،
وأدركه، وسمع منه، وقال: هالك متهم بالكذب. وقد توفى ابن
ودعان سنة أربع وتسعين وأربعمائة في المحرم بالموصل عقيب
رجوعه من بغداد عن ثنتين وتسعين سنة. وقد سئل المزي عن
الأربعين الودعانية فأجاب بما ملخصه: لا يصح منها على هذا
النسق بهذه الأسانيد شيء، وإنما يصح منها ألفاظ يسيرة
بأسانيد معروفة يحتاج في تتبعها إلى فراغ، وهي مع ذلك
مسروقة، سرقها ابن ودعان من زيد بن رفاعة وقيل زيد بن عبد
الله بن مسعود بن رفاعة الهاشمي، وهو الذي وضع رسائل أحوال
الضعفاء فيما يقال، وكان جاهلا بالحديث، وسرقها منه ابن
ودعان، فركب بها أسانيد، فتارة يروي عن رجل عن شيخ ابن
رفاعة، وتارة يدخل اثنين، وعامتهم مجهولون، ومنهم من يشك
في وجوده؛ والحاصل أنها فضيحة مفتعلة وكذبه مؤتفكة.
(7/329)
1255- ابن السَّمَّاك 1:
الزَّاهِدُ، القُدْوَةُ، سَيِّدُ الوعَّاظ، أَبُو
العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بن صَبيح العِجْلِيُّ مَوْلاَهُم،
الكُوْفِيُّ، ابْنُ السَّمَّاكِ.
رَوَى عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَالأَعْمَشِ،
وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، وَطَائِفَةٍ، وَلَمْ
يُكثِرْ.
رَوَى عَنْهُ: يَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَأَحْمَدُ بنُ
حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ العَابِدُ، وَمُحَمَّدُ
بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَآخَرُوْنَ
قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: صَدُوْقٌ.
قُلْتُ: مَا وَقَعَ لَهُ شَيْءٌ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ،
وَهُوَ القَائِلُ: كَمْ مِنْ شَيْءٍ إِذَا لَمْ يَنْفَعْ
لَمْ يَضُرَّ، لَكِنَّ العِلْمَ إِذَا لَمْ يَنْفَعْ،
ضَرَّ.
قِيْلَ: وَعَظَ مَرَّةً فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ
المُؤْمِنِيْنَ! إِنَّ لَكَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ مُقَاماً،
وَإِنَّهُ لَكَ مِنْ مُقَامِك مُنصَرَفاً، فَانْظُرْ إِلَى
أَيْنَ تَكُوْنُ. فَبَكَى الرَّشِيْدُ كَثِيْراً.
قِيْلَ: دَخَلَ ابْنُ السَّمَّاك عَلَى رَئِيْسٍ فِي
شَفَاعَةٍ لِفَقِيْرٍ، فَقَالَ: إِنِّيْ أَتَيْتُكَ فِي
حَاجَةٍ، وَالطَّالبُ وَالمُعْطِي عَزِيْزَانِ إِنْ
قُضِيَتِ الحَاجَةُ، ذَلِيْلاَنِ إِنْ لَمْ تُقْضَ،
فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ عِزَّ البَذْلِ عَنْ ذُلِّ المَنَعِ،
وَعِزَّ النُّجح عَلَى ذُلِّ الرَّدِّ.
وَعَنْهُ قَالَ: هِمَّةُ العَاقِلِ فِي النَّجَاةِ
وَالهَرَبِ، وَهِمَّةُ الأَحْمَقِ فِي اللَّهْوِ
وَالطَّرَبِ، عَجَباً لِعَيْنٍ تَلَذُّ بِالرُّقَادِ،
وَمَلَكُ المَوْتِ مَعَهَا عَلَى الوِسَادِ، حَتَّى مَتَى
يُبَلِّغُنَا الوُعَّاظُ أَعْلاَمَ الآخِرَة، حَتَّى
كَأَنَّ النُّفُوْسَ عَلَيْهَا وَاقِفَةٌ، وَالعُيُونَ
نَاظرَةٌ، أَفَلاَ مُنْتَبِهٌ مِنْ نَوْمَتِهِ، أَوْ
مُسْتِيْقظٌ مِنْ غَفْلَتِهِ، وَمُفِيْقٌ مِنْ سَكْرَتِهِ،
وَخَائِفٌ مِنْ صَرْعَتِهِ، كَدْحاً لِلدُّنْيَا كَدْحاً،
أَمَا تَجْعَلُ لِلآخِرَةِ مِنْكَ حظّاً، أُقسِمُ بِاللهِ،
لَوْ رَأَيْتَ القِيَامَةَ تَخفِقُ بِأَهْوَالِهَا،
وَالنَّارَ مُشرِفَةً عَلَى آلِهَا، وَقَدْ وُضِعَ
الكِتَابُ، وَجِيْءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهدَاءِ،
لَسَرَّكَ أَنْ يَكُوْنَ لَكَ فِي ذَلِكَ الجَمعِ
مَنْزِلَةٌ، أَبَعْدَ الدُّنْيَا دَارُ مُعْتَمَلٍ، أَمْ
إِلَى غَيْرِ الآخِرَةِ مُنْتَقَلٌ? هَيْهَاتَ، وَلَكِنْ
صُمَّتِ الآذَانُ عَنِ المَوَاعِظِ، وَذَهلَتِ القُلُوْبُ
عَنِ المنَافِعِ، فَلاَ الوَاعِظُ يَنْتَفِعُ وَلاَ
السَّامِعُ يَنْتَفِعُ.
وَعَنْهُ: هَبِ الدُّنْيَا فِي يَدَيْكَ، وَمِثْلُهَا
ضُمَّ إِلَيْكَ، وَهَبِ المَشْرِقَ وَالمَغْرِبَ يَجِيْءُ
إِلَيْكَ، فَإِذَا
جَاءكَ المَوْتُ، فَمَاذَا فِي يَدَيْكَ?! أَلاَ مَنِ
امْتَطَى الصَّبْرَ قَوِيَ عَلَى العِبَادَةِ، وَمَنْ
أَجْمَعَ النَّاسَ اسْتَغْنَى عَنِ النَّاسِ، وَمَنْ
أَهَمَّتْهُ نَفْسُهُ لَمْ يُوْلِ مرمَّتها غَيْرَه،
وَمَنْ أَحَبَّ الخَيْرَ وُفِّقَ لَهُ، وَمَنْ كَرِهَ
الشَّرَّ جُنِّبَهُ، أَلاَ مُتَأَهِّبٌ فِيْمَا يُوصَفُ
أَمَامَهُ، أَلاَ مُسْتَعِدٌّ لِيَوْمِ فَقْرِه، أَلاَ
مُبَادِرٌ فَنَاءَ أَجَلِهِ، مَا يَنْتَظِرُ مَنِ
ابْيَضَّتْ شَعْرَتُهُ بَعْدَ سَوَادِهَا، وَتَكَرَّشَ
وَجْهُه بَعْد انبِسَاطِه، وَتَقَوَّسَ ظَهْرُهُ بَعْدَ
انْتِصَابِهِ، وَكَلَّ بَصَرُه، وَضَعُفَ رُكنُهُ، وَقَلَّ
نَوْمُهُ، وَبَلِيَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ شَيْءٍ فِي
حَيَاتِهِ، فَرَحِمَ اللهَ امْرَأً عَقَلَ الأَمْرَ،
وَأَحْسَنَ النَّظَرَ، وَاغتَنَمَ أَيَّامَهُ.
وَعَنْهُ: الدُّنْيَا كُلُّهَا قَلِيْلٌ، وَالَّذِي بَقِيَ
مِنْهَا قَلِيْلٌ، وَالَّذِي لَكَ مِنَ البَاقِي قَلِيْلٌ،
وَلَمْ يَبْقَ مِنْ قَلِيْلِكَ إِلاَّ قَلِيْلٌ، وَقَدْ
أَصْبَحتَ فِي دَارِ العَزَاءِ، وَغَداً تَصِيْرُ إِلَى
دَارِ الجَزَاءِ، فَاشْتَرِ نَفْسَكَ، لَعَلَّكَ تَنجُو.
تُوُفِّيَ ابْنُ السَّمَّاكِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ
وَمائَةٍ، وَقَدْ أسن.
__________
1 ترجمته في المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 671"،
والجرح والتعديل "7/ ترجمة 1573"، حلية الأولياء لأبي نعيم
"8/ ترجمة 399"، وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 629"،
والعبر "1/ 287"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 7696"، وشذرات
الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 303".
(7/330)
1256- مرحوم
1: "ع"
ابن عبد العزيز بن مهران، الإمام، المحدث، الثقة، أبو محمد
-وقيل: أَبُو عَبْدِ اللهِ- الأُمَوِيُّ مَوْلاَهُم،
البَصْرِيُّ، العَطَّارُ، مِنْ مَوَالِي آلِ مُعَاوِيَةَ،
وَهُوَ وَالِدُ عُبَيْس، وَجَدُّ بِشْرِ بنِ عُبَيْسٍ.
حَدَّثَ عَنْ: ثَابِتٍ البُناني، وَأَبِي عِمْرَانَ
الجَوني، وَأَبِي نَعَامة السَّعْدِيِّ، وَعَبْدِ
الرَّحِيْمِ بنِ زَيْدٍ العَمِّيِّ، وَأَبِيْهِ عَبْدِ
العَزِيْزِ، وَأَبِي سُمَيْرٍ حَكِيْمِ بنِ خِذَامٍ،
وَسَهْلِ بنِ عَطِيَّةَ، وَعَمِّهِ عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ
مِهْرَانَ، وَعِسْلِ بنِ سُفْيَانَ. وَيَنْزِلُ إِلَى أَنْ
يَرْوِيَ عَنْ: دَاوُدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
العَطَّارِ، وَلَيْسَ هُوَ بِالمُكْثِرِ.
رَوَى عَنْهُ: الثَّوْرِيُّ -أَحَدُ مَشَايِخِه-
وَالخُرَيْبِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَزَكَرِيَّا بنُ
عَدِيٍّ، وَمُسَدَّدٌ، وَعَبْدَانُ بنُ عُثْمَانَ،
وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَبُو بكر بن أبي شيبة،
وإسحاق بن راهويه، وسوَّار بنُ عَبْدِ اللهِ
العَنْبَرِيُّ، وَخَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وبُنْدار،
وَابْنُ مُثَنَّى، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَنَصْرُ بنُ
عَلِيٍّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ خَلاَّدٍ الباهلي،
وأحمد بن إبراهيم الدرومي، وَبَكْرُ بنُ خَلَفٍ،
وَالحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ المَرْوَزِيُّ، وَيَحْيَى بنُ
حَبِيْبٍ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَخَلْقٌ
سِوَاهُم.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "7/ ترجمة 2145"، والمعرفة
والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 230" و"3/ 137"، والجرح
والتعديل "8/ ترجمة 1991"، والإكمال لابن ماكولا "7/ 236"،
والكاشف "3/ ترجمة 5451"، وتهذيب التهذيب "10/ 85"، وتقريب
التهذيب "2/ 237"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7383".
(7/331)
وَثَّقَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ،
وَالنَّسَائِيُّ.
وَقَالَ الخُرَيْبِيُّ: مَا رَأَيتُ بِالبَصْرَةِ أَفْضَلَ
مِنْهُ، وَمِنْ سُلَيْمَانَ بنِ المُغِيْرَةِ.
قَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ بِشْرُ بنُ عُبَيْسٍ: مَاتَ
جَدِّي سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَكَانَ
لَهُ يَوْمَ مَوْتِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ سَبْعُ سنين.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ
وَثَمَانِيْنَ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَمُحَمَّدُ
بنُ أَبِي بَكْرٍ بنُ بِطِّيْخٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُؤْمِنٍ،
وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ أَحْمَدَ، قَالُوا أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَجْمٍ، أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ
الكَاتِبَةُ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ طَلْحَةَ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا
الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا مَرْحُوْمُ بنُ عَبْدِ
العَزِيْزِ العَطَّارُ، حَدَّثَنَا أَبُو نَعَامَةَ
السَّعْدِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ
أَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- فِي غَزَاةٍ،
فَقَالَ: "يَا عَبْدَ اللهِ بنَ قَيْسٍ! أَلاَ أُعَلِّمُكَ
كَنْزاً مِنْ كُنُوْزِ الجَنَّةِ: لاَ حَوْلَ وَلاَ
قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ" 1. رَوَاهُ: سُلَيْمَانُ
التَّيْمِيُّ، وَخَالِدٌ الحَذَّاءُ، وَعَاصِمٌ
الأَحْوَلُ، وآخرون عن النهدي، نحوه.
__________
1 صحيح: أخرجه الترمذي "3374" من طريق مرحوم بن عبد
العزيز، به.
وأخرجه البخاري "6409"، ومسلم "2704"، وأبو داود "1526"،
وابن ماجة "3824" من طريق أبي عثمان النهدي، به.
(7/332)
1257- المطلب
بن زياد 1: "بخ، س، ق"
ابن أبي زهير الثقفي. وقيل: القرشي مولاهم. وقيل: مولى
جابر ابن سَمُرَةَ السُّوَائِيِّ، وَكَانَ جَابِرٌ مِنْ
حُلَفَاءِ بَنِي زُهْرَةَ، فَمِنْ ثَمَّ قِيْلَ لَهُ:
القُرَشِيُّ.
مِنْ كِبَارِ المُحَدِّثِيْنَ بِالكُوْفَةِ، وُلِدَ قَبْلَ
المائَةِ.
وَرَوَى عَنْ: زِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ
السُّدِّيِّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ،
وَإِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عُمَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ
مَسْعُوْدٍ، وَزَيْدِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ،
وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَطَائِفَةٍ.
وَمَا هُوَ بِالمُكْثِرِ، وَلاَ بِالحَافِظِ، لَكِنَّهُ
صدوق، صاحب حديث ومعرفة.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 387"، والتاريخ الكبير "8/
ترجمة 1945"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 1647"، والكاشف
"3/ ترجمة 5580"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 859"، وتهذيب
التهذيب "10/ 177"، وتقريب التهذيب "2/ 254"، وخلاصة
الخزرجي "3/ ترجمة 7038".
(7/332)
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ،
وَيُوْسُفُ بنُ عَدِيٍّ، وَأَبُو الوَلِيْدِ
الطَّيَالِسِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ
مَعِيْنٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعُثْمَانُ
أَخُوْهُ، وَسُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَأَبُو غَسَّانَ
النَّهْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ،
وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَشُرَيْحُ بنُ يُوْنُسَ،
وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى الفَرَّاءُ، وَسُفْيَانُ بنُ
وَكِيْعٍ، وَعَلِيُّ بنُ الحَسَنِ التَّمِيْمِيُّ
الرَّازِيُّ كُرَاعٌ، وَأَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ،
وَهَارُوْنُ بنُ إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيُّ، وَخَلْقٌ.
قَالَ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: لَمْ نُدْرِكْ بِالكُوْفَةِ أَكْبَرَ
مِنْهُ، وَمِنْ عُمَرَ بنِ عُبَيْدٍ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو داود: هو عندي صالح.
وَقَالَ عِيْسَى بنُ شَاذَانَ: عِنْدَهُ مَنَاكِيْرُ.
قُلْتُ: رَوَى لَهُ البُخَارِيُّ فِي "الأَدَبِ" لَهُ،
وَابْنُ مَاجَه، وَالنَّسَائِيُّ فِي الخَصَائِصِ مِنْ
"سُنَنِهِ".
قَالَ مُطَيَّنٌ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ
وَمائَةٍ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ الأَسَدِيُّ،
وَابْنُ عَمِّهِ؛ أَيُّوْبُ بنُ أَبِي بَكْرٍ،
وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عُمَيْرَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ مُؤْمِنٍ،
وَعَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ،
وَبِيْبَرْسُ المَجْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ
الوَاسِطِيِّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ
عُثْمَانَ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي
الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي
القَاسِمِ المُفَسِّرُ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ
مَعَالِي، وَصَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الجَبَّارِ،
وَسَعِيْدُ بنُ يَاسِيْنَ، وَعُمَرُ بنُ بَرَكَةَ،
وَأَنْجَبُ بنُ أَبِي السَّعَادَاتِ "ح"، وَأَخْبَرَنَا
سُنْقُرُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَلَبِيُّ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، وَأَنْجَبُ
الحَمَّامِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ أَبِي الفَخَّارِ، وَعَبْدُ
اللَّطِيْفِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
السَّبَّاكِ، قَالُوا جَمِيْعاً: أَخْبَرَنَا أَبُو
الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي. وَزَادَ:
إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُثْمَانَ، فَقَالَ: وَأَخْبَرَنَا
عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّوْسِيُّ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا مالك بن أحمد الفراء، أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ
بنِ مُوْسَى الصَّلْتِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ
عَبْدِ الصَّمَدِ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيْدٍ
الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا المُطَّلِبُ بنُ زِيَادٍ، عَنْ
عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، قَالَ: كُنْتُ
عِنْدَ جَابِرٍ فِي بَيْتِهِ، وَعَلِيُّ بنُ الحسين، ومحمد
بن الحَنَفِيَّةِ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ
أَهْلِ العِرَاقِ، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللهِ إِلاَّ
حَدَّثْتَنِي مَا رَأَيْتَ وَمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ:
كُنَّا بِالجُحْفَةِ بِغَدِيْرِ خُمِّ، وَثَمَّ نَاسٌ
كَثِيْرٌ مِنْ جُهينة ومُزينة وغِفار، فَخَرَجَ عَلَيْنَا
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ
خِبَاءٍ أَوْ فُسْطَاطٍ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ ثَلاَثاً،
فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَالَ:
"مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ، فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ" 1. هَذَا
حَدِيْثٌ حَسَنٌ، عَالٍ جِدّاً، وَمَتنُهُ فَمُتَوَاتِرٌ.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "5/ 350 و358 و361"، وابن أبي شيبة
"12/ 57"، وابن أبي عاصم "1354"، والبزار "2535"، والحاكم
"2/ 129-130" من طريق الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عَنِ ابْنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. فذكره.
(7/333)
1258- عبد
السلام 1: "خ، 4"
ابن حرب الملائي البصري، ثُمَّ الكُوْفِيُّ، شَرِيْكُ
أَبِي نُعَيْمٍ.
كَانَ صَاحِبَ حَدِيْثٍ وَحِفظٍ، وَعُمِّرَ دَهْراً.
حَدَّثَ عَنْ: أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَعَطَاءِ بنِ
السَّائِبِ، وَإِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي
فَرْوَةَ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَهَنَّادُ
بنُ السَّرِيِّ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَالحَسَنُ
بنُ عرفة، وآخرون.
وَرَوَى عَنْهُ مِنْ شُيُوْخِهِ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ،
وَقَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: ثِقَةٌ، حَافِظٌ.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: ثِقَةٌ، وَفِي
حَدِيْثِهِ لين، وكان عسيرًا فِي الحَدِيْثِ. سَمِعْتُ
ابْنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: كَانَ يَجْلِسُ فِي كُلِّ
عَامٍ مَرَّةً مَجْلِساً لِلْعَامَّةِ، فَقِيْلَ
لِعَلِيٍّ: أَكْثَرْتَ عَنْهُ? قَالَ: نَعَمْ، حَضَرتُ
لَهُ مَجْلِسَ العَامَّةِ، وَقَدْ كُنْتُ أَسْتَنكِرُ
بَعْضَ حَدِيْثِه، حَتَّى نَظَرْتُ فِي حَدِيْثِ مَنْ
يُكثِرُ عَنْهُ، فَإِذَا حَدِيْثُه مُقَاربٌ عَنْ
مُغِيْرَةَ وَالنَّاسِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ عَسِرًا،
فَكَانُوا يُجَمِّعُوْنَ غَرَائِبَه فِي مَكَانٍ، فَكُنْتُ
أَنْظُرُ إِلَيْهَا مَجْمُوْعَةً، فَاسْتَنْكَرْتُهَا.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ، وَالكُوْفِيُّوْنَ
يُوَثِّقُونَهُ.
وَقَالَ القَوَارِيْرِيُّ: أَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ:
حَدِّثْنِي، فَإِنِّي غَرِيْبٌ مِنَ البَصْرَةِ. فَقَالَ:
كَأَنَّكَ تَقُوْلُ: جِئْتُ مِنَ السَّمَاءِ. فَلَمْ
يُحَدِّثْنِي.
قِيْلَ: وُلِدَ فِي حَيَاةِ أَنَسٍ، سَنَةَ إِحْدَى
وَتِسْعِيْنَ، وَمَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ
وَمائَةٍ.
قُلْتُ: لَعَلَّهُ مَا طَلَبَ إِلاَّ وقد تكهَّل.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 386"، والتاريخ الكبير "6/
ترجمة 1729"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 219"،
والضعفاء الكبير للعقيلي "3/ ترجمة 1035"، والجرح والتعديل
"6/ ترجمة 246"، والكامل لابن عدي "5/ ترجمة 1485"،
والكاشف "2/ ترجمة 3413"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة
5046"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 256"، والعبر "1/ 297"،
وتهذيب التهذيب "6/ 316"، وتقريب التهذيب "1/ 505"، وخلاصة
الخزرجي "2/ ترجمة 4318"، وشذرات الذهب "1/ 316".
(7/334)
1259- عمر بن عُبيد 1: "ع"
ابن أبي أمية الكوفي الطَّنافسي، الحَافِظُ، أَخُو
الحَافِظِيْنَ: يَعْلَى، وَمُحَمَّدٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ،
وَإِبْرَاهِيْمُ فهو أسنهم.
حَدَّثَ عُمَرُ عَنْ: آدَمَ بنِ عَلِيٍّ، وسِماك بنُ
حَرْبٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ، وَمَنْصُوْرُ بنُ
المُعْتَمِرِ، وَجَمَاعَةٌ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَخَوَاهُ: يَعْلَى، وَإِبْرَاهِيْمُ،
وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ
بنِ نُمَيْرٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه، وَزِيَادُ بنُ
أَيُّوْبَ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ مِنَ الثِّقَاتِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَحَلُّهُ
الصِّدْقُ.
قلت: توفي سنة خمس وثمانين ومائة.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 387"، والتاريخ الكبير "6/
ترجمة 2088"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 180"،
والجرح والتعديل "6/ ترجمة 668"، والأنساب للسمعاني "8/
252"، والكاشف "2/ ترجمة 4157"، والعبر "1/ 291"، وميزان
الاعتدال "3/ ترجمة 6165" وتهذيب التهذيب "7/ 480"، وتقريب
التهذيب "2/ 60"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5207".
(7/335)
1260- أَمَّا عُمَرُ بنُ عُبيد 1:
البَصْرِيُّ، الخَزَّازُ، بَيَّاعُ الخُمُرِ، أَبُو
حَفْصٍ، فَجَاوَرَ بِمَكَّةَ.
وَحَدَّثَ عَنْ: سهيل بن أبي صالح.
روى عَنْهُ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ، وَأَبُو
بَكْرٍ الحُمَيْدِيُّ، وَغَيْرُهُمَا.
ضعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ.
ذَكَرْتُهُ للتمييز.
__________
1 ترجمته في الجرح والتعديل "6/ ترجمة 669"، والضعفاء
الكبير للعقيلي "3/ ترجمة 1176"، والكامل لابن عدي "5/
ترجمة 1240"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 6164".
(7/335)
1261- يحيى بن
زكريا 1: "ع"
ابن أبي زائدة، الحافظ، العلم، الحجة، أبو سعيد الهمداني،
الوَادعِيُّ، وَاسْمُ جَدِّهِ مَيْمُوْنُ بنُ فَيْرُوْزٍ،
مَوْلَى امْرَأةٍ وادعيَّة. وَقِيْلَ: بَلْ مَوْلَى
مُحَمَّدِ بنِ المُنتشِر الهَمْدَانِيِّ. مَوْلِدُهُ
سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ تَقَرِيْباً، أَوْ فِيْهَا.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَهِشَامِ
بنِ عُرْوَةَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ،
وَالأَعْمَشِ، وَدَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَأَبِي
مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ،
وَمُجَالِدٍ، وَالعَلاَءِ بنِ المُسَيَّبِ، وَهَاشِمِ بنِ
هَاشِمٍ الزُّهْرِيِّ، وَمُوْسَى الجُهَنِيِّ، وَابْنِ
عَوْنٍ، وَصَالِحِ بن صَالِحِ بنِ حَيٍّ، وَعَبْدِ
المَلِكِ بنِ حُمَيْدِ بنِ أَبِي غَنِيَّةَ، ومِسْعَر،
وَحَجَّاجِ بنِ أَرْطَأَةَ، وَشُعْبَةَ، وَابْنِ
إِسْحَاقَ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ. وَيَنْزِل إِلَى: سُفْيَانَ
بنِ عُيَيْنَةَ، وَمَالِكٍ.
وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ الحَفَريُّ، وَيَحْيَى بنُ
آدَمَ، ومُعَلَّى بنُ مَنْصُوْرٍ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى،
وَأَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَابْنَا أَبِي شَيْبَةَ،
وَهَارُوْنُ بنُ مَعْرُوْفٍ، وَأَبُو كُرَيب، وهنَّاد،
وَعَمْرُو بنُ رَافِعٍ القَزْوِيْنِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ
مُسْلِمٍ الطُّوْسِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنيع، وَالحَسَنُ
بنُ عَرَفَةَ، وَزِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، وَابْنُ زُرَارة
عَمْرٌو، لاَ عُمَرُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ
المُحَارِبِيُّ، وَيَعْقُوْبُ الدُّورقي، وَأُمَمٌ
سِوَاهُم.
قَالَ أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ: كَانَ جَيِّدَ الأَخْذِ.
وَعَنِ الحَسَنِ بنِ ثَابِتٍ، قَالَ: نَزَلتُ بِأَفْقَهِ
أَهْلِ الكُوْفَةِ -يَعْنِي: يَحْيَى بنَ أَبِي زَائِدَةَ.
وَرَوَى عَمْرٌو النَّاقِدُ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ،
قَالَ: مَا قدم علينا أحد من أصحابنا يشبه هَذَيْنِ
الرَّجُلَيْنِ: عَبْدَ اللهِ بنَ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى
بنَ أَبِي زَائِدَةَ.
وَرَوَى الحَارِثُ بنُ سُرَيج، عَنْ يَحْيَى القَطَّانِ،
قَالَ: مَا خَالَفَنِي أَحَدٌ بِالكُوْفَةِ أَشَدُّ
عَلَيَّ مِنِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ.
وقال أحمد، ويحيى بن معين: ثقة.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 393"، والتاريخ الكبير "8/
ترجمة 2974"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 609"، وتاريخ
بغداد "14/ 114"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 252"، والكاشف
"3/ ترجمة 6278"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 9505"، والعبر
"1/ 212"، وتهذيب التهذيب "11/ 208"، تقريب التهذيب "2/
347"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 298".
(7/336)
وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: هُوَ مِنَ
الثِّقَاتِ. وَقَالَ مَرَّةً: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ
بِالكُوْفَةِ بَعْد الثَّوْرِيِّ أَثْبَتُ مِنِ ابْنِ
أَبِي زَائِدَةَ. وَقَالَ أَيْضاً: انْتَهَى العِلْمُ
إِلَى الشَّعْبِيِّ فِي زَمَانِهِ، ثُمَّ إِلَى
الثَّوْرِيِّ فِي زَمَانِهِ، ثُمَّ إِلَى يَحْيَى بنِ
أَبِي زَائِدَةَ فِي زَمَانِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: كَانَ
ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ فِي الإِتْقَانِ أَكْبَرَ مِنِ
ابْنِ إِدْرِيْسَ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مُسْتَقِيْمُ الحَدِيْثِ، ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، جُمِعَ لَهُ
الفِقْهُ وَالحَدِيْثُ، وَيُعَدُّ مِنْ حُفَّاظِ
الكُوْفِيِّيْنَ، مُفْتِياً، ثَبْتاً، صَاحِبَ سُنَّة،
وَكَانَ عَلَى قَضَاءِ المَدَائِنِ. وَوَكِيْعٌ، إِنَّمَا
صَنَّفَ كُتُبَهُ عَلَى كُتُبِ يَحْيَى بنِ أَبِي
زَائِدَةَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ صنَّفَ
الكُتُبَ بِالكُوْفَةِ.
وَرَوَى حُسَيْنُ بنُ عَمْرٍو العَنْقَزِيُّ، عَنْ
إِسْمَاعِيْلَ بنِ حَمَّادِ بنِ أَبِي حَنِيْفَةَ، قَالَ:
يَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ فِي الحَدِيْثِ مِثْلُ
العَرُوْسِ العَطِرَةِ.
وَرَوَى عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ يَحْيَى،
قَالَ: كَانَ يَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ كَيِّساً، لاَ
أَعْلَمُه أَخْطَأَ إِلاَّ فِي حَدِيْثٍ وَاحِدٍ عَنْ
سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. وَقَالَ الغَلاَبِيُّ:
عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي حَصِيْنٍ، ثُمَّ اتَّفَقَا
عَنْ قَبِيْصَةَ بنِ بُرْمَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ:
مَا أُحِبُّ أَنْ يَكُوْنَ عَبِيْدُكُم مُؤَذِّنِيْكُم.
وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ قَبِيْصَةَ.
قَالَ زِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ: وَلِيَ ابْنُ أَبِي
زَائِدَةَ قَضَاءَ المَدَائِنِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ
مَاتَ، وَكَانَ يُحَدِّثُ حِفْظاً.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ: تُوُفِّيَ
بِالمَدَائِنِ، وَهُوَ قَاضٍ لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ
هَارُوْنَ، كَانَتْ وَفَاتُهُ سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ. وَعَاشَ ثَلاَثاً وَسِتِّيْنَ
سَنَةً. وَكَانَ ثِقَةً، حَسَنَ الحَدِيْثِ،
وَيَقُوْلُوْنَ: إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ الكُتُبَ
بِالكُوْفَةِ، وَكَانَ يُعَدُّ مِنْ فُقَهَاءِ
المُحَدِّثِيْنَ بِالكُوْفَةِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي
جُمَادَى الأُوْلَى.
وَقَالَ هَارُوْنُ بنُ حَاتِمٍ، وَابْنُ سَعْدٍ،
وَمُطَيَّنٌ، وَغَيْرُهُم: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ, وَقَالَ
خَلِيْفَةُ: سَنَةَ ثَلاَثٍ، أَوْ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ.
وَقَالَ مَسْرُوْقُ بنُ المَرْزُبَانِ، وَابْنُ قَانِعٍ:
سَنَةَ أَرْبَعٍ.
قَالَ عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ: رَأَيْتُ زَكَرِيَّا بنَ
أَبِي زَائِدَةَ يَجِيْءُ إِلَى مُجَالِدٍ، فَيَقُوْلُ
لِيَحْيَى -يَعْنِي: ابْنَهُ: يَا بُنَيَّ! احْفَظْ.
(7/337)
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
قُدَامَةَ، وَالمُسْلِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا حَنْبَلُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا
هِبَةُ اللهِ بنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ
بنُ المُذْهَبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي،
حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ زَكَرِيَّا، قَالَ: أَخْبَرَنِي
عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بنِ
حَاتِمٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا وَقَعَتْ رَمِيَّتُكَ فِي
المَاءِ، فَغَرِقَ، فَلاَ تَأْكُلْ" 1. هَذَا حَدِيْثٌ
صَحِيْحٌ، غَرِيْبٌ. أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ، عَنْ
مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ، عَنْ أحمد، فوقع بدلا
بعلو درجتين.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بنُ صَرْما، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ
بنُ عُمَرَ الحَرْبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ
الحَسَنِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا
يَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُجَالِدٍ، قَالَ:
أَشْهَدُ عَلَى أَبِي الوَدَّاكِ أَنَّهُ شَهِدَ عَلَى
أَبِي سَعِيْدٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ لَيَرَوْنَ
أَهْلَ عِلِّيِّيْنَ كَمَا تَرَوْنَ الكَوْكَبَ
الدُّرِّيَّ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ
وَعُمَرَ لَمِنْهُم، وَأَنْعَمَا"2. فَقَالَ لَهُ
إِسْمَاعِيْلُ وَهُوَ جَالِسٌ مَعَ مُجَالِدٍ عَلَى
الطِّنْفِسَةِ: وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى عَطِيَّةَ أَنَّهُ
شَهِدَ عَلَى أَبِي سَعِيْدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُوْلَ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم- يَقُوْلُ ذَلِكَ.
حَدِيْثُ عَطِيَّةَ هُوَ المَشْهُوْرُ، رَوَاهُ أَئِمَّةٌ
عَنْهُ. وَأَمَّا حَدِيْثُ أَبِي الوَدَّاكِ: فَفَرْدٌ،
غريب. حَسَّن الترمذي خبر عطية.
__________
1 صحيح: أخرجه أبو داود "2850" حدثنا محمد بن يحيى بن
فارس، حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي
زائدة، به. وإسناده صحيح رجاله ثقات، وأخرجه البخاري
"5484"، ومسلم "1929" "6" من طريق عاصم، عن الشعبي، عن عدي
بن حاتم -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إذا أرسلت كلبك
وسمَّيت فأمسكَ وقتلَ فكل وإن أكل فلا تأكل، فإنما أمسك
على نفسه، وإذا خالط كلابًا لم يُذكر اسم الله عليها
فأمسكن فقتلن فلا تأكل، فإنك لا تدري أيها قتل، وإن رميتَ
الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلا أثر سهمك فكُل،
وإن وقع في الماء فلا تأكل".
2 ضعيف بهذا اللفظ: أخرجه أحمد "3/ 26"، وأبو يعلى "1278"
من طريق مجالد، به.
قلت: إسناده ضعيف، لضعف مجالد، وهو ابن سعيد الهمداني.
وأبو الوداك، هو جبر بن نوف الهمداني، ثقة من رجال مسلم.
لكن قد ورد عن أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ: "إن أهل الجنة
ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تراءون الكوكب الدري
الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم".
قالوا: يا رسول الله! تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟
قال: "بلى، والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله، وصدقوا
المرسلين". أخرجه البخاري "3256"، ومسلم "2831"، والبيهقي
في "البعث والنشور" "274" من طريق مالك بن أنس، عَنْ
صَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يسار، عن أبي
سعيد الخدري، به مرفوعا. وأخرجه البخاري "6556" من طريق
أبي حازم سلمة بن دينار، عن النُّعْمَان بنَ أَبِي
عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الخدري، به بلفظ: "إن أهل
الجنة ليتراءون الغرف في الجنة كما تتراءون الكوكب الغارب
في الأفق الشرقي والغربي".
(7/338)
1262- خلف بن
خليفة 1: "4، م تبعًا"
ابن صاعد، الإِمَامُ، المُعَمَّر، أَبُو أَحْمَدَ
الأَشْجَعِيُّ مَوْلاَهُم، الكُوْفِيُّ، نَزِيلُ وَاسِطَ،
ثُمَّ تَحوَّلَ إِلَى بَغْدَادَ، وَبَعْضُهُم يَعُدُّه
مِنْ صِغَارِ التَّابِعِيْنَ؛ لِكَوْنِهِ ذَكَرَ أَنَّهُ
رَأَى عَمْرَو بنَ حُرَيْثٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَمُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، وَأَبِي
بِشْرٍ جَعْفَرِ بنِ إِيَاسٍ، وَحَفْصِ ابْنِ أَخِي
أَنَسٍ، وَأَبِي هَاشِمٍ الرُّمَّانِيِّ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: قُتَيْبَةُ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْر، وَشُرَيْحُ
بنُ يُوْنُسَ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ.
وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ مِنَ الكِبَارِ: هُشيم.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تَغَيَّرَ قَبْلَ مَوْتِهِ
وَاخْتُلِطَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: رَأْيْتُهُ وَوَضَعَهُ
رَجُلٌ، فَصَاحَ، فَسُئِلَ عَنْ حَدِيْثٍ، فَلَمْ أَفْهَمْ
كَلاَمَهُ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
قَالَ خَلْفٌ: فَرَضَ لِي عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ،
وَأَنَا ابْنُ ثَمَانِ سِنِيْنَ.
قُلْتُ: هَذَا يَنفِي رُؤْيَتَه عمرو بن حريث.
مات: سنة 181.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 313"، والتاريخ الكبير "3/
ترجمة 658"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 74 و565
و798" و"3/ 245"، والكنى للدولابي "1/ 11"، والضعفاء
الكبير للعقيلي "2/ ترجمة 441"، والجرح والتعديل "3/ ترجمة
1681"، والكامل لابن عدي "2/ ترجمة 612"، وتاريخ بغداد "8/
318"، والعبر "1/ 280"، والكاشف "1/ ترجمة 1410"، وميزان
الاعتدال "1/ ترجمة 2537"، وتهذيب التهذيب "3/ 150"،
وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة رقم 1853"، وشذرات الذهب لابن
العماد الحنبلي "1/ 295".
(7/339)
1263- علي بن
هاشم 1: "م، 4"
ابن البريد، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الصَّدُوقُ، أَبُو
الحَسَنِ العَائِذِيُّ، القُرَشِيُّ مَوْلاَهُم،
الكُوْفِيُّ، الشِّيْعِيُّ، الخَزَّازُ، مَوْلَى امْرَأَةٍ
قُرَشِيَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَالأَعْمَشِ،
وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَيَحْيَى بنِ أَبِي أُنَيْسَةَ،
وَأَبِي الجَحَّافِ دَاوُدَ بنِ أَبِي عَوْفٍ،
وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَطَلْحَةَ بنِ
يَحْيَى، وَكَثِيْرٍ النَّوَّاءِ، وَأَبِي الجَارُوْدِ
زِيَادِ بنِ المُنْذِرِ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي
سُلَيْمَانَ، وَالعَلاَءِ بنِ صَالِحٍ، وَفِطْرِ بنِ
خَلِيْفَةَ، وَأَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، وَخَلْقٍ
سِوَاهُم.
وَعَنْهُ: يُوْنُسُ بنُ مُحَمَّدٍ المُؤَدِّبُ، وَعَمْرُو
بنُ حمَّاد القنَّاد، وَأَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ،
وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعُثْمَانُ أَخُوْهُ،
وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ المُحَارِبِيُّ، وَأَبُو مَعمر
إِسْمَاعِيْلُ القَطيعي، وَالحَسَنُ بنُ حَمَّادٍ
سَجَّادَةُ، وَدَاوُدُ بنُ رُشَيْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ
عُمَرَ بنِ أَبَانٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُقَاتِلٍ
المَرْوَزِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُعَاوِيَةَ بنِ مَالِجٍ،
وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَيَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ،
وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَطَائِفَةٌ: ثِقَةٌ. وَعَنِ
ابْنِ المَدِيْنِيِّ رِوَايَةٌ أُخْرَى: صَدُوْقٌ،
يَتَشَيَّعُ.
وَقَالَ الجُوزَجاني: كَانَ هُوَ وَأَبُوْهُ غَالِيَيْنِ
فِي مَذْهَبِهِمَا.
وَقَالَ أَبُو زُرعة: صَدُوْقٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ يَتَشَيَّعُ، يُكْتَبُ
حَدِيْثُهُ.
وَعَنْ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، قَالَ: هُمْ أهل بيت تشيع،
وليس ثم كذب.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثِّقَاتِ": كَانَ غَالِياً
فِي التَّشَيُّعِ، وَرَوَى المَنَاكِيْرَ عَنِ
المَشَاهِيْرِ. هَكَذَا يَقُوْلُ: ابْنُ حِبَّانَ.
أَنْبَأَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ الدَّرْجِيِّ -فِيْمَا
قُرِئَ عَلَيْهِ- أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ
الصَّيْدَلاَنِيُّ، وغيره إذنًا،
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 392"، والتاريخ الكبير "6/
ترجمة 2465"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 1137"، والمجروحين
لابن حبان "2/ 110"، وتاريخ بغداد "12/ 116" والأنساب
للسمعاني "8/ 330"، والعبر "1/ 281"، والكاشف "2/ ترجمة
4039"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 5960"، وتهذيب التهذيب
"7/ 392"، وتقريب التهذيب "2/ 45"، وخلاصة الخزرجي "2/
ترجمة 5060"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 297".
(7/340)
قَالُوا: أَخبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ
عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ رَيْذَةَ،
أَخْبَرَنَا الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
الفَضْلِ السَّقَطِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ
سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ
ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ
أَبِيْهِ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: نهى عن قتل حيات البيوت، فَقَالَ: "إِذَا
رَأَيْتُم مِنْهُنَّ شَيْئاً فِي مَسَاكِنِكُم،
فَقُوْلُوا: نَشَدْنَاكُمُ العَهْدَ الَّذِي أَخَذَ
عَلَيْكُم نُوْحٌ، وَنَشَدْنَاكُمُ العَهْدَ الَّذِي
أَخَذَ عَلَيْكُم سُلَيْمَانُ، فَإِنَّ عُدْنَ،
فَاقْتُلُوْهُنَّ"1.
غَرِيْبٌ، وَحَسَّنَهُ: التِّرْمِذِيُّ، عَنْ هَنَّادٍ،
عَنِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: سَمِعْتُ مِنْ عَلِيِّ بنِ
هَاشِمٍ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ
مَجْلِساً، ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهِ المَجْلِسَ الآخَرَ
وَقَدْ مَاتَ، وَهِيَ السَّنَةُ الَّتِي مَاتَ فِيْهَا
مَالِكٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: مَاتَ سَنَةَ
ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، وَمُطَيَّنٌ: مات سنة
إحدى وثمانين.
قَالَ مُطَيَّنٌ: فِي رَجَبٍ. وَيُقَالُ: فِي شَعْبَانَ.
قَالَ يَعْقُوْبُ: مَاتَ بِالكُوْفَةِ.
قُلْتُ: إِنَّمَا سَمِعَ مِنْهُ أَحْمَدُ، وَيَحْيَى
بِبَغْدَادَ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ غَيْرَ مَرَّةٍ،
عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا
تَمِيْمُ بنُ أَبِي سَعِيْدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ
الكَنْجَرُوْذِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ
حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ،
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ إِسْمَاعِيْلُ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلِيِّ بنِ هَاشِمٍ، عَنْ هِشَامِ
بنِ عُرْوَةَ، عَنْ بَكْرِ بنِ وَائِلٍ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
"مَا ضَرَبَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- امْرَأَةً قَطُّ، وَلاَ ضَرَبَ خَادِماً لَهُ
قَطُّ، وَلاَ ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئاً قَطُّ، إِلاَّ أَنْ
يُجَاهِدَ فِي سَبِيْلِ اللهِ، وَمَا نِيْلَ مِنْهُ شَيْءٌ
فَانْتَقَمَهُ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلاَّ أَنْ تُنْتَهَكَ
مَحَارِمُ اللهِ، فَيَنْتَقِمُ للهِ -عَزَّ وَجَلَّ2.
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ
المرْوَزي، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُؤَيَّدِ، أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بنُ صَرْما، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ،
أَخْبَرَنَا ابْنُ النَّقُّوْرِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ
عُمَرَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ الصُّوْفِيُّ، حَدَّثَنَا
يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ هَاشِمٍ،
وَوَكِيْعٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ،
قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "إِذَا مَاتَ صَاحِبُكُم فَدَعُوْهُ" 3.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ
أَحَدِهِمَا.
__________
1 ضعيف: أخرجه أبو داود "5260"، والترمذي "1485" من طريق
ابن أبي ليلى، به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى،
ضعيف لسوء حفظه.
2 صحيح: أخرجه أحمد "6/ 31-32 و229 و281"، ومسلم "2327"
و"2328"، والدارمي "2/ 147"، والبيهقي في "السنن" "10/
192" من طرق عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ،
عَنْ عَائِشَةَ، به وأخرجه مالك "3/ 95-96"، وأحمد "6/
115-116 و181-182 و262"، والبخاري "3560" و"6126" وفي
"الأدب المفرد" "274"، وأبو داود "4785"، والبيهقي في
"السنن" "7/ 41"، والبغوي في "شرح السنة" "3703" عن
الزهري، عن عروة، عن عائشة، به.
3 صحيح: أخرجه أبو داود "4899" حدثنا زهير بن حرب، حدثنا
وكيع، به مرفوعا بلفظ: "إذا مات صاحبكم فدعوه لا تقعوا
فيه".
(7/341)
1264- يعقوب
1:
الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، الزَّاهِدُ، الخَاشِعُ، أَبُو
يَعْقُوْبَ بنُ دَاوُدَ بنِ طَهْمَانَ الفَارِسِيُّ،
الكَاتِبُ.
كَانَ وَالِدُهُ كَاتِباً لِلأَمِيْرِ نَصْرِ بنِ سيَّار،
مُتَوَلِّي خُرَاسَانَ، فَلَمَّا خَرَجَ هُنَاكَ يَحْيَى
بنُ زَيْدِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بَعْد مَصْرَعِ
أَبِيْهِ زَيْدٍ، كَانَ دَاوُدُ يُنَاصِحُ يَحْيَى سِرّاً،
ثُمَّ قُتِلَ يَحْيَى، وَظَهَرَ أَبُو مُسْلِمٍ صَاحِبُ
الدَّعْوَةِ، وَطَلَبَ بِدَمِ يَحْيَى، وَتَتَبَّعَ
قَتَلَتَهُ فَجَاءهُ دَاوُدُ مُطْمَئِنّاً إِلَيْهِ،
فَطَالَبَهُ بِمَالٍ، ثُمَّ أَمَّنَهُ، وَتَخَرَّجَ
أَوْلاَدُه فِي الآدَابِ، وَهَلَكَ أَبُوْهُم، ثُمَّ
أَظهَرُوا مَقَالَةَ الزَّيْدِيَّةِ، وَانضَمُّوا إِلَى
آلِ حَسَنٍ، وَنَزَحُوا ظُهُوْرَهُم. وَجَالَ يَعْقُوْبُ
بنُ دَاوُدَ فِي البِلاَدِ، ثُمَّ صَارَ أَخُوْهُ عَلِيُّ
بنُ دَاوُدَ كَاتِباً لإِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ
الثَّائِرِ بِالبَصْرَةِ، فَلَمَّا قُتِلَ إِبْرَاهِيْمُ،
اخْتَفَوْا مُدَّةً، ثُمَّ ظَفِرَ المَنْصُوْرُ
بِهَذَيْنِ، فَسَجَنَهُمَا، ثُمَّ اسْتُخْلِفَ
المَهْدِيُّ، فَمَنَّ عَلَيْهِمَا، وَكَانَ مَعَهُمَا فِي
المُطْبِقِ إِسْحَاقُ بنُ الفَضْلِ الهَاشِمِيُّ،
فَلَزِمَاهُ، وَبَقِيَ المَهْدِيُّ يَتَطلَّبُ عِيْسَى بنَ
زَيْدِ بنِ عَلِيٍّ، وَالحَسَنَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ
عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ، فَأُخبِرَ بِأَنَّ يَعْقُوْبَ
يَدْرِي، فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ يَعْقُوْبُ فِي عَبَاءةٍ
وَعِمَامَةِ قُطْنٍ، فَفَاتَحَهُ، فَوَجَدَه مِنْ
نُبَلاَءِ الرِّجَالِ، فَسَأَلَهُ عَنْ عِيْسَى، فَقِيْلَ:
وَعَدَهُ بِأَنْ يَدْخُلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَه. فَعَظَّمَهُ
المَهْدِيُّ، وَمَلأَ عَيْنَهُ، وَاخْتَصَّ بِهِ، وَلَمْ
يَزَلْ فِي ارْتقَاءٍ وَتَقَدُّمٍ حَتَّى وَزَرَ لَهُ،
فَفَوَّضَ إِلَيْهِ أَزِمَّةَ الأَمُورِ، وَتَمَكَّنَ،
فَولَّى الزَّيْدِيَّةَ المَنَاصِبَ، حَتَّى قَالَ
بَشَّارُ بنُ بُرْدٍ:
بَنِي أُمَيَّةَ هُبُّوا طَالَ نَوْمُكُمُ ... إِنَّ
الخَلِيْفَةَ يَعْقُوْبُ بن داود
ضَاعَتْ خِلاَفَتُنَا يَا قَوْمُ فَاطَّلِبُوا ...
خَلِيْفَةَ اللهِ بين الدن والعود
__________
1 ترجمته في تاريخ بغداد "14/ 262"، وفيات الأعيان لابن
خلكان "7/ ترجمة 830"، والعبر "1/ 247".
(7/342)
ثُمَّ إِنَّ الخَوَاصَّ حَسَدُوا
يَعْقُوْبَ، وَسَعَوْا فِيْهِ عِنْدَ المَهْدِيِّ.
وَمِمَّا عَظُمَ بِهِ يَعْقُوْبُ عِنْدَ المَهْدِيِّ،
أَنَّهُ أُحضِرَ لَهُ الحَسَنُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ
عَبْدِ اللهِ، فَجَمَعَ بَيْنهُمَا بِمَكَّةَ،
وَبَايَعَهُ، فَتَأَلَّمَ بَنُو حَسَنٍ مِنْ صَنِيْعِ
يَعْقُوْبَ، وَعَرَفَ هُوَ أَنَّهُم إِنْ مَلَكُوا
أَهْلَكُوهُ، وَكَثُرَتِ السُّعَاةُ، فَمَالَ إِلَى
إِسْحَاقَ بنِ الفَضْلِ، وَسَعَوْا إِلَى المَهْدِيِّ،
وَقَالُوا: المَمَالِكُ فِي قَبضَةِ يَعْقُوْبَ
وَأَصْحَابِهِ، وَلَو كَتَبَ إِلَيْهِم، لَثَارُوا فِي
وَقْتٍ عَلَى مِيْعَادٍ، فَيَمْلِكُوا الأَرْضَ،
وَيُستَخْلَفُ إِسْحَاقُ. فَمَلأَ هَذَا الكَلاَمُ
مَسَامِعَ المَهْدِيِّ، وَقَفَّ شَعْرُهُ.
فَعَنْ بَعْضِ خَدَمِ المَهْدِيِّ: أَنَّهُ كَانَ قَائِماً
عَلَى رَأْسِ المَهْدِيِّ، إِذْ دَخَلَ يَعْقُوْبُ،
فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! قَدْ عَرَفْتَ
اضْطِرَابَ أَمرِ مِصْرَ، وَأَمَرْتَنِي أَنْ أَلتَمِسَ
لَهَا رَجُلاً، وَقَدْ وَجَدْتُهُ. قَالَ: وَمَنْ? قَالَ:
ابْنُ عَمِّكَ؛ إِسْحَاقُ بنُ الفَضْلِ. فَتَغَيَّرَ
المَهْدِيُّ، وَفَطِنَ يَعْقُوْبُ، فَخَرَجَ، فَقَالَ
المَهْدِيُّ: قَتَلَنِي اللهُ إِنْ لَمْ أَقْتُلْكَ. ثُمَّ
نَظَرَ إليَّ، وَقَالَ: وَيْلَكَ! اكْتُمْ هَذَا.
وَقِيْلَ: كَانَ يَعْقُوْبُ قَدْ عَرَفَ أَخْلاَقَ
المَهْدِيِّ، وَنَهْمَتَه فِي النِّسَاءِ، فَكَانَ
يُبَاسِطُه. فَرَوَى: عَلِيُّ بنُ يَعْقُوْبَ، عَنْ
أَبِيْهِ، قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ المَهْدِيُّ، فَدَخَلْتُ،
فَإِذَا هُوَ فِي مَجْلِسٍ مَفْرُوْشٍ، وَبُستَانٍ فِيْهِ
مِنْ أَنْوَاعِ الزَّهْرِ، وَعِنْدَهُ جَارِيَةٌ لَمْ أَرَ
مِثْلهَا، فَقَالَ: كَيْفَ تَرَى? قُلْتُ: مَتَّعَ اللهُ
أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، لَمْ أَرَ كَاليَوْمِ. فَقَالَ:
هُوَ لَكَ بِمَا حَوَى وَالجَارِيَةَ، وَلِي حَاجَةٌ.
قُلْتُ: الأَمْرُ لَكَ فَحَلَّفَنِي بِاللهِ، فَحَلَفتُ،
وَقَالَ: ضَعْ يَدَكَ عَلَى رَأْسِي وَاحْلِفْ. ثُمَّ
قَالَ: هَذَا فُلاَنٌ مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ، أَرِحْنِي
مِنْهُ، وَأَسرِعْ. قُلْتُ: نَعَمْ. فَأَخَذْتُهُ،
وَذَهَبتُ بِالجَارِيَةِ وَالمَفَارِشِ، وَأَمَرَ لي بمائة
أَلفٍ، فَمَضَيْتُ بِالجَمِيْعِ، فَلِشِدَّةِ سرُوْرِي
بِالجَارِيَةِ تَرَكْتُهَا مَعِي، وَكَلَّمتُ العَلَوِيَّ،
فَقَالَ: وَيْحَك! تَلْقَى اللهَ غَداً بِدَمِي، وَأَنَا
ابْنُ بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؟ فَقُلْتُ: هَلْ فِيْكَ خَيْرٌ? قَالَ: نَعَمْ،
وَلَكَ عِنْدِي دُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ. فَأَعْطَيْتُهُ
مَالاً، وَهَيَّأْتُ مَعَهُ مَنْ يُوْصِلُهُ فِي
اللَّيْلِ، فَإِذَا الجَارِيَةُ قَدْ حَفِظَتْ عَلَيَّ
قَوْلِي، فَبَعَثَتْ بِهِ إِلَى المَهْدِيِّ، فسخَّر
الطُّرُقَ بِرِجَالٍ، فجاءوه بِالعَلَوِيِّ، فَلَمَّا
أَصْبَحْنَا، دَخَلْتُ عَلَى المَهْدِيِّ، فَإِذَا
العَلَوِيُّ، فبُهتُّ. فَقَالَ: حَلَّ دَمُكَ. ثُمَّ
حَبَسَنِي دَهْراً فِي المُطْبِقِ، وَأُصِيْبَ بَصَرِي،
وَطَالَ شَعْرِي. قَالَ: فَإِنِّي لَكَذَلِكَ، إِذْ دُعِيَ
بِهِ، فَمَضَوْا بِي، فَقِيْلَ لِي: سَلِّمْ عَلَى
أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ. وَقَدْ عَمِيْتُ فَسَلَّمْتُ.
فَقَالَ: مَنْ أَنَا? قُلْتُ: المَهْدِيُّ. قَالَ: رَحِمَ
اللهُ المَهْدِيَّ. قُلْتُ: فَالهَادِي قَالَ: رَحِمَ
اللهُ الهَادِيَ. قُلْتُ: فَالرَّشِيْدُ. قَالَ: نَعَمْ.
سَلْ حَاجَتَكَ. قُلْتُ: المُجَاوَرَةُ بِمَكَّةَ. قَالَ:
نَفْعَلُ, فَهَلْ غَيْرُ هَذَا? قُلْتُ: مَا بَقِيَ فِيَّ
مُسْتَمْتَعٌ. قَالَ: فَرَاشِداً. فَخَرَجتُ إِلَى
مَكَّةَ. قَالَ ابْنُهُ: فَلَمْ يُطَوِّلْ.
قُلْتُ: مَاتَ بِهَا، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ
وَمائَةٍ.
(7/343)
وَعَنْ يَعْقُوْبَ الوَزِيْرِ قَالَ: كَانَ
المَهْدِيُّ لاَ يُحِبُّ النَّبِيْذَ، لَكِنَّهُ
يَتَفَرَّجُ عَلَى غِلْمَانِهِ فِيْهِ، فَأَلُوْمُهُ،
وَأَقُوْلُ: عَلَى مَاذَا اسْتَوْزَرْتَنِي? أَبَعدَ
الصَّلَوَاتِ فِي الجَامِعِ يُشرَبُ النَّبِيذُ عِنْدَكَ،
وَتَسْمَعُ السَّمَاعَ?! فَيَقُوْلُ: قَدْ سَمِعَهُ عَبْدُ
اللهِ بنُ جَعْفَرٍ. فَأَقُوْلُ: لَيْسَ ذَا مِنْ
حَسَنَاتِهِ.
وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ يَعْقُوْبَ: ألحَّ أَبِي عَلَى
المَهْدِيِّ فِي السَّمَاعِ، وَضَجِرَ مِنَ الوَزَارَةِ،
وَنَوَى التَّرْكَ.
وَكَانَ يَقُوْلُ: لَخَمْرٌ أَشرَبُهُ وَأَتُوبُ مِنْهُ،
أَحَبُّ إلي من الوزارة، وإني لأَركَبُ إِلَيْكَ يَا
أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، فَأَتَمَنَّى يَداً خَاطِئَةً
تُصِيْبُنِي، فَأَعْفِنِي، وَوَلِّ مَنْ شِئْتَ، فَإِنِّي
أُحِبُّ أَنْ أُسلِّمَ عَلَيْكَ أَنَا وَوَلدِي، فَمَا
أَتَفَرَّغُ، وَلَّيْتَنِي أُمُوْرَ النَّاسِ، وَإِعْطَاءَ
الجُنْدِ، وَلَيْسَ دُنْيَاكَ عِوَضاً مِنْ دِيْنِي.
فَيَقُوْلُ: اللَّهُمَّ أَصْلِحْ قَلْبَهُ.
وَقَالَ شَاعِرٌ:
فَدَعْ عَنْكَ يَعْقُوْبَ بنَ دَاوُدَ جَانِباً ...
وَأَقبِلْ عَلَى صَهْبَاءَ طَيِّبَةِ النَّشْرِ
وَلَمَّا عَزَلَهُ المَهْدِيُّ، عَزَلَ أَصْحَابَه،
وَسَجَنَ عِدَّةً من آله وغلمانه وأعوانه.
(7/344)
1265- عبد
الرحمن 1: "ت، ق"
ابن زيد بن أسلم العُمَري، المَدَنِيُّ، أَخُو أُسَامَةَ،
وَعَبْدِ اللهِ، وَفِيْهِم لِيْنٌ.
وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ صَاحِبَ قُرْآنٍ وَتَفْسِيْرٍ،
جَمَعَ تَفْسِيْراً فِي مُجَلَّدٍ، وَكِتَاباً فِي
النَّاسِخِ وَالمَنْسُوْخِ.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَابْنِ المُنْكَدِرِ.
رَوَى عَنْهُ: أَصْبَغُ بنُ الفَرَج، وَقُتَيْبَةُ،
وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وآخرون.
توفي سنة اثنتين وثمانين ومائة.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "5/ ترجمة 922"، والمعرفة
والتاريخ الكبير ليعقوب الفسوي "1/ 236 و429" و"3/ 43
و171"، والضعفاء والمتروكين للنسائي "ترجمة 360"، والضعفاء
الكبير للعقيلي "2/ ترجمة 926"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة
1107"، والمجروحين لابن حبان "2/ 57"، والكامل لابن عدي
"4/ ترجمة 1105"، والكاشف "2/ ترجمة 3237"، وميزان
الاعتدال "2/ ترجمة 4868"، والعبر "1/ 282"، وتهذيب
التهذيب "6/ 177"، وتقريب التهذيب "1/ 480"، وخلاصة
الخزرجي "2/ ترجمة 4094"، وشذرات الذهب "1/ 297".
(7/344)
1266- سفيان بن
حبيب 1: "4"
الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو مُحَمَّدٍ البَصْرِيُّ،
البَزَّازُ.
حَدَّثَ عَنْ: عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَسُلَيْمَانَ
التَّيْمِيِّ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَحَجَّاجِ بنِ أَبِي
عُثْمَانَ، فِي آخَرِيْنَ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ، وَالحَسَنُ بنُ
قَزَعة، وَحُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ،
وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو يَحْيَى صَاعِقَةُ: سَمِعْتُ عَلِيّاً
يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِمَّنْ
تَطلَّبَ الحَدِيْثَ وَعُنِيَ بِهِ، وَحَفِظَه، وَأَقَامَ
عَلَيْهِ، لَمْ يَزَلْ فِيْهِ، إِلاَّ ثَلاَثَةٌ: يَحْيَى
بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وَسُفْيَانُ بنُ حَبِيْبٍ،
وَيَزِيْدُ بنُ زُرَيْعٍ. هَؤُلاَءِ لَمْ يَدَعُوْهُ،
وَلَمْ يَشتَغِلُوا عَنْهُ إِلَى أَنْ حَدَّثُوا.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: سُفْيَانُ بنُ
حَبِيْبٍ: ثِقَةٌ، أَعْلَمُ النَّاسِ بِحَدِيْثِ سَعِيْدِ
بنِ أَبِي عَروبة.
وَقَالَ خَلِيْفَةُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثلاثٍ وَثَمَانِيْنَ
وَمائَةٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: سَنَةَ سِتٍّ وثمانين.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 291"، والتاريخ الكبير "4/
ترجمة 2068"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 514"
و"2/ 134 و139" و"3/ 32"، والجرح والتعديل "4/ ترجمة 979"،
والكاشف "1/ ترجمة 2008"، والعبر "1/ 293"، وتهذيب التهذيب
"4/ 107"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2576"، وشذرات الذهب
لابن العماد الحنبلي "1/ 309".
(7/345)
1267- سفيان بن
موسى 1: "م"
البصري.
يَرْوِي عَنْ: أَيُّوْبَ السَّختياني، وسيَّار أَبِي
الحَكَمِ، وَطَائِفَةٍ.
وَعَنْهُ: الصَّلْتُ بنُ مَسْعُوْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ
مُشْكُدانة، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَأَبُو حَفْصٍ
الفَلاَّسُ، وَعِدَّةٌ.
أَوْرَدَهُ ابْنُ حِبَّان فِي "الثِّقَاتِ". وَرَوَى لَهُ
مُسْلِمٌ حَدِيْثاً.
وَسُئِلَ أَبُو حَاتِمٍ عَنْهُ، فقال: مجهول -يعني: مجهول
الحال عنده.
__________
1 ترجمته في الجرح والتعديل "4/ ترجمة 981"، والكاشف "1/
ترجمة 2022"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 3331"، وتهذيب
التهذيب "4/ 122"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2592".
(7/345)
1268- سيبويه
1:
إِمَامُ النَّحْوِ، حُجَّةُ العَرَبِ، أَبُو بِشْرٍ
عَمْرُو بنُ عُثْمَانَ بنِ قَنْبَرٍ الفَارِسِيُّ، ثُمَّ
البَصْرِيُّ.
وَقَدْ طَلَبَ الفِقْهَ وَالحَدِيْثَ مُدَّةً، ثُمَّ
أَقْبَلَ عَلَى العَرَبِيَّةِ، فَبَرَعَ وَسَادَ أَهْلَ
العَصْرِ، وَأَلَّفَ فيها كتابه الكبير الذي لاَ يُدْرَك
شَأْوُهُ فِيْهِ.
اسْتَمْلَى عَلَى حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَأَخَذَ
النَّحْوَ عَنْ: عِيْسَى بنِ عُمَرَ، وَيُوْنُسَ بنِ
حَبِيْبٍ، وَالخَلِيْلِ، وَأَبِي الخَطَّابِ الأَخْفَشِ
الكَبِيْرِ.
وَقَدْ جَمَعَ يَحْيَى البَرْمَكِيُّ بِبَغْدَادَ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ الكَسَائِيِّ لِلْمُنَاظَرَةِ، بِحُضُوْرِ
سَعِيْدٍ الأَخْفَشِ، وَالفَرَّاءِ، وَجَرَتْ مَسْأَلَةُ
الزُّنْبُورِ، وَهِيَ كَذِبٌ: أَظُنُّ الزُّنْبُورَ
أَشَدَّ لَسْعاً مِنَ النَّحْلَةِ، فَإِذَا هُوَ
إِيَّاهَا. فَقَالَ سِيْبَوَيْه: لَيْسَ المَثَلُ كَذَا،
بَلْ: فَإِذَا هُوَ هِيَ. وَتَشَاجَرَا طَوِيْلاً،
وَتَعَصَّبُوا لِلْكَسَائِيِّ دُوْنَه، ثُمَّ وَصَلَه
يَحْيَى بِعَشْرَةِ آلاَفٍ، فَسَارَ إِلَى بِلاَدِ
فَارِسٍ، فَاتَّفَقَ مَوْتُهُ بِشِيْرَازَ، فِيْمَا
قِيْلَ.
وَكَانَ قَدْ قَصَدَ الأَمِيْرَ طَلْحَةَ بنَ طَاهِرٍ
الخُزَاعِيَّ.
وَقِيْلَ: كَانَ فِيْهِ مَعَ فَرْطِ ذَكَائِهِ حُبْسَةٌ
فِي عِبَارَتِه، وَانطِلاَقٌ فِي قَلَمِه.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: سُمِّيَ سِيْبَوَيْه؛
لأَنَّ وَجْنَتَيْهِ كَانَتَا كَالتُّفَاحَتَيْنِ، بَدِيعَ
الحُسْنِ.
قَالَ أَبُو زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ: كَانَ سِيْبَوَيْه
يَأْتِي مَجْلِسِي، وَلَهُ ذُؤَابَتَانِ، فَإِذَا قَالَ:
حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ، فَإِنَّمَا يَعْنِيْنِي.
وَقَالَ العَيْشِيُّ: كُنَّا نَجلِسُ مَعَ سِيْبَوَيْه فِي
المَسْجِدِ، وَكَانَ شَابّاً جَمِيْلاً، نَظِيْفاً، قَدْ
تَعلَّقَ مِنْ كُلِّ عِلْمٍ بِسَبَبٍ، وَضَرَبَ بِسَهْمٍ
فِي كُلِّ أَدَبٍ مَعَ حَدَاثَةِ سِنِّهِ.
وَقِيْلَ: عَاشَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً.
وَقِيْلَ: نَحْوَ الأَرْبَعِيْنَ. قِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ
ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَهُوَ أَصَحُّ. وقيل: سنة ثمانٍ
وثمانين ومائة.
__________
1 ترجمته في تاريخ بغداد "12/ 195"، وفيات الأعيان "1/
504"، والعبر "1/ 278 و350" النجوم الزاهرة لابن تغري بردي
"2/ 99"، نفح الطيب للمقري "2/ 387"، وشذرات الذهب لابن
العماد الحنبلي "1/ 252".
(7/346)
1269- الهيثم بن حُميد 1: "4"
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، فَقِيْهُ دِمَشْق، أَبُو
أَحْمَدَ، وَأَبُو الحَارِثِ الغَسَّانِيُّ مَوْلاَهُم،
الدِّمَشْقِيُّ.
حَدَّثَ عَنِ: العَلاَءِ بنِ الحَارِثِ، وَتَمِيْمِ بنِ
عَطِيَّةَ، وَيَحْيَى الذِّماري، وَأَبِي وَهْبٍ
الكَلاَعِيِّ، وَثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ، وَالمُطْعِمِ بنِ
المِقْدَامِ، وَزَيْدِ بنِ وَاقِدٍ، وَدَاوُدَ بنِ أَبِي
هِنْدٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ -رَفِيْقُهُ-
وَعَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ، وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ،
وَمُحَمَّدُ بنُ عَائِذٍ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ،
وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثِقَةٌ، قَدَرِيٌّ. وَقَالَ
النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ دُحَيم: كَانَ أَعْلَمَ الأَوَّلِيْنَ
وَالآخِرِيْنَ بِقَوْلِ مَكْحُوْلٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَا عَلِمْتُ إِلاَّ
خَيْراً. وَجَاءَ عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ تَوْثِيْقُهُ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ حُجر: يُكْنَى أَبَا الحَارِثِ.
وَكَنَّاهُ النَّسَائِيُّ: أَبَا أَحْمَدَ.
وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: كَانَ ضَعِيْفاً قَدَرِيّاً.
قُلْتُ: مَا ذَكَرَ ابْنُ عَسَاكِرَ لَهُ وَفَاةً. وَقَدْ
عَاشَ إِلَى قَرِيْبٍ من سنة تسعين ومائة.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ
عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا الأُرْمَوِيُّ،
وَالطَّرَائِفِيُّ، وَابْنُ الدَّايَةِ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ بنُ المُسْلِمَةِ، أَخْبَرَنَا
أَبُو الفَضْلِ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ
الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَائِذٍ،
حَدَّثَنَا الهَيثم بنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا الوَضِيْنُ
بنُ عَطَاءٍ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ مَرْثَدٍ، قَالَ: ذُكِرَ
الدَّجَّالُ فِي مَجْلِسٍ فِيْهِ أَبُو الدَّرْدَاءِ،
فَقَالَ نَوْفٌ البِكَالِيُّ: لِغَيْرِ الدَّجَّالِ
أَخْوَفُ مِنِّي مِنَ الدَّجَّالِ. فَقَالَ أَبُو
الدَّرْدَاءِ: وَمَا هُوَ? قَالَ: أَخَافُ أَنْ أُسْلَبَ
إِيْمَانِي وَأَنَا لاَ أَشْعُرُ. فَقَالَ أَبُو
الدَّرْدَاءِ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا ابْنَ الكِندية،
وَهَلْ فِي الأَرْضِ مائَةٌ يتخوفون ما تتخوف، وذكر
الحديث2.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "8/ ترجمة 2765"، والمعرفة
والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 13 و261"، والجرح والتعديل "9/
ترجمة 334"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 264"، والكاشف "3/
ترجمة 6122"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 9298"، وتهذيب
التهذيب "11/ 92"، ولسان الميزان "7/ 422".
2 ضعيف: فيه علتان الوضين بن عطاء، ضعيف لسوء حفظه.
والثانية: نوف البطالي، مجهول، لذا قال الحافظ في
"التقريب": شامي مستور، وهو ابن امرأة كعب وإنما كذب ابن
عباس ما رواه عن أهل الكتاب.
(7/347)
1270- يحيى بن
حمزة 1: "ع"
ابن واقد، الإِمَامُ الكَبِيْرُ، الثِّقَةُ، أَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الحَضْرَمِيُّ مولاهم، البَتَلْهي، الدمشقي،
قاضي دمشق.
وُلِدَ سَنَةَ ثلاثٍ وَمائَةٍ، فِيْمَا نَقَلَهُ أَبُو
مُسْهِر. وَقَالَ المُفَضَّلُ الغَلاَبِيُّ: سَنَةَ
ثَمَانٍ وَمائَةٍ.
قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى: يَحْيَى الذِّمَارِيِّ.
وَحَدَّثَ عَنْ: عَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ، وَعُرْوَةَ بنِ
رُوَيْمٍ، وَعَمْرِو بنِ مُهَاجِرٍ، وَأَبِي وَهْبٍ
الكَلاَعِيِّ عُبَيْدِ اللهِ، وَمُحَمَّدِ بنِ الوَلِيْدِ
الزُّبَيْدِيِّ، وَثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ، وَيَزِيْدَ بنِ
أَبِي مَرْيَمَ، وَالأَوْزَاعِيِّ.
وَعَنْهُ: الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَابْنُ مَهْدي،
وَأَبُو مُسْهِر، وَمُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ، وَالحَكَمُ
بنُ مُوْسَى، وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَعَلِيُّ بنُ
حُجْرٍ، وَوَلدُهُ مُحَمَّدٌ، وَخَلْقٌ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ كَثِيْرَ الحَدِيْثِ،
صَالِحَهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ دُحَيْمٌ: ثِقَةٌ عَالِمٌ عَالِمٌ.
وَقَالَ يَحْيَى: ثِقَةٌ، قَدَرِيٌّ. وَقَالَ أَبُو
حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ.
وَقَالَ مَرْوَانُ الطَّاطَرِيُّ: اسْتَعْمَلَ
المَنْصُوْرُ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ لَمَّا قَدِمَ
دِمَشْقَ عَلَى القَضَاءِ يَحْيَى بنَ حَمْزَةَ، وَقَالَ:
يَا شَابُّ، أَرَى أَهْلَ بَلَدِكَ قَدْ أَجْمَعُوا
عَلَيْكَ، فَإِيَّاكَ وَالهَدِيَّةَ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: أَعْلَمُهُم بقول
محكوم هُوَ وَالهَيْثَمُ بنُ حُمَيْدٍ.
قَالَ دُحَيْمٌ، وَجَمَاعَةٌ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
قُلْتُ: دَامَ عَلَى القَضَاءِ ثَلاَثِيْنَ عَاماً،
وَكَانَ ثَبْتاً فِي الحَدِيْثِ، وَإِنْ كَانَ يَمِيْلُ
إِلَى القَدَرِ فَلَمْ يكن داعية.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 469"، والتاريخ الكبير "8/
ترجمة 2956"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 459"،
والجرح والتعديل "9/ ترجمة 580"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة
266"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 9486"، وتهذيب التهذيب
"11/ 200"، وتقريب التهذيب "2/ 346"، وشذرات الذهب لابن
العماد الحنبلي "1/ 305".
(7/348)
1271- يحيى بن
يمان 1: "ع"
الإِمَامُ، الحَافِظُ، الصَّادِقُ، العَابِدُ، المُقْرِئُ،
أَبُو زَكَرِيَّا العِجْلِيُّ، الكُوْفِيُّ.
رَوَى عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَالمِنْهَالِ بنِ
خَلِيْفَةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ،
وَجَمَاعَةٍ.
وَتَلاَ عَلَى حَمْزَةَ الزيَّات2.
وَصَحِبَ الثَّوْرِيَّ، وَأَكْثَرَ عَنْهُ، وَكَانَ مِنَ
العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلدُهُ؛ دَاوُدُ الحَافِظُ، وَبِشْرُ بنُ
الحَارِثِ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَسُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ،
وَعَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَخَلْقٌ
كَثِيْرٌ.
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: صَدُوْقٌ، فُلِجَ، فَتَغَيَّرَ
حِفظُهُ.
وَعَنْ وَكِيْعٍ، قَالَ: مَا كَانَ أَحَدٌ مِنْ
أَصْحَابِنَا أَحْفَظَ لِلْحَدِيْثِ مِنْ يَحْيَى بنِ
يَمَانٍ، كَانَ يَحفَظُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ خَمْسَ
مائَةِ حَدِيْثٍ، ثُمَّ نَسِيَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: كَانَ
سَرِيْعَ الحِفْظِ، سَرِيْعَ النِّسْيَانِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ.
قُلْتُ: قَدْ رَضِيَهُ مُسْلِمٌ.
وَقَدْ قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: أَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ
صَدُوقاً. وَقَالَ مَرَّةً: ضعيف. وقال مرة: ليس به بأس.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
قُلْتُ: حَدِيْثُه مِنْ قَبِيْلِ الحَسَنِ.
قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: يُعَدُّ مَعَ
الأَشْجَعِيِّ فِي الكَثْرَةِ عَنْ سُفْيَانَ، أنكروا عليه
كثرة الغلط.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 391"، والتاريخ الكبير "8/
ترجمة 3142"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 681
و721" و"2/ 225"، والضعفاء الكبير للعقيلي "4/ ترجمة
2065"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 830"، والكامل لابن عدي
"7/ ترجمة 2137"، وتاريخ بغداد "14/ 120"، وتذكرة الحفاظ
"1/ ترجمة 265"، والكاشف "3/ ترجمة 6386"، والعبر "1/
304"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 9661"، وتهذيب التهذيب
"11/ 306"، وتقريب التهذيب "2/ 361"، وشذرات الذهب لابن
العماد الحنبلي "1/ 325".
2 حمزة الزيات الكوفي، أحد القراء السبعة، توفي سنة
"156هـ". كان إماما للناس بعد عاصم والأعمش.
(7/349)
قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ
وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، فَقَالَ:
ذَاكَ رَاهِبٌ.
وَمَاتَ وَلدُهُ دَاوُد بنُ يَحْيَى: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ
وَمَائَتَيْنِ، قَبْلَ مَحَلِّ الرِّوَايَةِ.
رَوَى عَنْ أَبِيْهِ شَيْئاً يَسِيْراً.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، أَخْبَرَنَا
ابْنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ
البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ البُسْرِيِّ،
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الذَّهَبِيُّ، حَدَّثَنَا
يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ
وَكِيْعٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ يَمَانٍ، عَنْ شَرِيْكٍ،
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سَعِيْدِ بنِ
جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "من
طَافَ بِالبَيْتِ خَمْسِيْنَ مَرَّةً، يَخْرُجُ مِنْ
ذُنُوْبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"1. أَخْرَجَهُ:
التِّرْمِذِيُّ، عَنِ ابْنِ وكيع.
__________
1 ضعيف: أخرجه الترمذي "866"، وإسناه ضعيف لضعف سفيان بن
وكيع. وقال الترمذي: حديث ابن عباس حديث غريب سألت محمدا
يعني البخاري عن هذا الحديث؟ فقال: إنما يروي هذا عن ابن
عباس قوله.
(7/350)
1272- عبد
الرحيم 1: "ع"
ابن سليمان، الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُصنِّفُ، أَبُو
عَلِيٍّ الرَّازِيُّ، نَزِيْلُ الكوفة.
يَرْوِي عَنْ: عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَأَشْعَثَ بنِ
سَوَّارٍ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ
أَبِي خَالِدٍ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ،
وَأَخُوْهُ وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَهَنَّادٌ، وَأَبُو
سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ.
وَكَانَ رَفِيْقاً لِحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ فِي طَلَبِ
العِلْمِ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الحَدِيْثِ، صَنَّفَ
الكُتُبَ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي آخِرِ سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ
وَمائَةٍ. وَيُقَالُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ
وَثَمَانِيْنَ، فَاللهُ أَعْلَمُ.
فَأَمَّا المَيِّتُ فِي سَنَةِ أربع فـ:
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "6/ ترجمة 1838"، والمعرفة
والتاريخ "1/ 123" و"2/ 306" و"3/ 123"، والجرح والتعديل
"5/ ترجمة 1602"، والكاشف "2/ ترجمة 3404"، وتذكرة الحفاظ
"1/ ترجمة 271"، والعبر "1/ 296"، وتهذيب التهذيب "6/
306"، وتقريب التهذيب "1/ 504" وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة
4307".
(7/350)
1273- عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ زَيْدِ بنِ
الحَوَاري 1:
العَمِّيُّ البَصْرِيُّ، أَحَدُ المَتْرُوكِيْنَ، وَهُوَ
مِنْ طَبَقَةِ الرَّازِيِّ.
يَرْوِي عَنْ: مَالِكِ بنِ دِيْنَارٍ، وَعَنْ وَالِدِهِ.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "5/ ترجمة 1844"، والضعفاء
والمتروكين للنسائي "ترجمة 368" والضعفاء الكبير للعقيلي
"3/ ترجمة 1045"، والمجروحين لابن حبان "2/ 161"، والكامل
لابن عدي "5/ ترجمة 1420"، وتاريخ بغداد "11/ 83"، والكاشف
"2/ ترجمة 3403"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 5030"، وتهذيب
التهذيب "6/ 305"، وتقريب التهذيب "1/ 504"، وخلاصة
الخزرجي "2/ ترجمة 4306"، وشذرات الذهب لابن العماد
الحنبلي "1/ 25".
(7/351)
1274- إسماعيل
بن صالح 1:
ابن عَلِيٍّ، الهَاشِمِيُّ العَبَّاسِيُّ، نَائِبُ مِصْرَ،
ثُمَّ حَلَبَ.
روى عن: أبيه.
وَعَنْهُ: ابْنُهُ؛ الأَمِيْرُ طَاهِرٌ، وَالوَلِيْدُ بنُ
مُسْلِمٍ.
وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ بِحَلَبَ. وَكَانَ يَصْلُحُ
لِلْخِلاَفَةِ.
قَالَ سَعِيْدُ بنُ عُفَير: مَا رَأَيْتُ أَخطَبَ مِنْهُ
عَلَى هَذِهِ الأَعْوَادِ. كَانَ جَامِعاً لِكُلِّ
سُؤْدُدٍ، ويعرف الفلسفة، وضرب العود، والنجوم.
قلت: عِلْمُهُ هَذَا، الجَهْلُ خَيْرٌ مِنْهُ.
وَكَانَ مَلِيْحَ النَّظْمِ، وَكَانَ الرَّشِيْدُ
يَحتَرِمُه، وتحيَّل عَلَيْهِ حَتَّى ضَرَبَ لَهُ
بِالعُوْدِ، فَوَصَلَهُ بِجَوْهَرٍ ثَمَنُهُ ثَلاَثُوْنَ
أَلْفَ دِيْنَارٍ، وَوَلاَّهُ مِصْرَ، وَعَقَدَ لَهُ
اللِّوَاءَ بِيَدِهِ، فَوَلِيَهَا سِتَّ سِنِيْنَ.
وَعَاشَ إِلَى حُدُوْدِ سَنَةِ تِسْعِيْنَ وَمائَةٍ
بِحَلَبَ، وَبِهَا وُلِدَ، وَلَهُ عِدَّةُ إِخْوَةٍ
أُمَرَاءَ، وَكلُّهُم بَنُو عَمِّ المَنْصُوْرِ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 105".
(7/351)
1275- بشر بن
منصور 1: "م، د، س"
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الرَّبَّانِيُّ، القُدْوَةُ،
أَبُو مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ، السَّلِيْمِيُّ،
البَصْرِيُّ، الزَّاهِدُ.
رَوَى عَنْ: أَيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَشُعَيْبِ بنِ
الحَبْحَابِ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَسَعِيْدٍ
الجُرَيْرِيِّ، وَطَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ إِسْمَاعِيْلُ، وَبِشْرٌ
الحَافِي، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَعَبْدُ
الأَعْلَى بنُ حَمَّادٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ
القَوَارِيْرِيُّ، وَعَبْدُ الرحمن بن مهدي.
وَحَدَّثَ عَنْهُ مَنْ أَقرَانِهِ: الفُضَيْلُ بنُ
عِيَاضٍ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أُقَدِّمُهُ
عَلَيْهِ فِي الوَرَعِ وَالرِّقَّةِ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: مَا رَأَيْتُ أَخَوْفَ
للهِ مِنْهُ، كَانَ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مائَةِ
رَكْعَةٍ. وَقَالَ القَوَارِيْرِيُّ: هُوَ أَفْضَلُ مَنْ
رَأَيْتُ مِنَ المَشَايِخِ.
وَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: هُوَ ثِقَةٌ وَزِيَادَةٌ.
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: حَفَرَ قَبْرَهُ، وَخَتَمَ
فِيْهِ القُرْآنَ، وَكَانَ وِرْدُهُ ثُلُثَ القُرْآنِ.
وَكَانَ ضَيْغَمُ صَدِيْقاً لَهُ، فَتُوُفِّيَا فِي
يَوْمٍ.
قَالَ غَسَّانُ الغَلاَبِيُّ: كُنْتُ إِذَا رَأَيْتُ
وَجْهَ بِشْرِ بنِ مَنْصُوْرٍ ذَكَرتُ الآخِرَةَ، رَجُلٌ
مُنْبَسِطٌ، لَيْسَ بِمُتَمَاوِتٍ، فَقِيْهٌ, ذَكِيٌّ.
وَقَالَ عَبَّاسٌ النَّرْسِيُّ: رُبَّمَا قَبَضَ بِشْرُ
بنُ مَنْصُوْرٍ عَلَى لِحْيَتِه، وَقَالَ: أَطْلُبُ
الرِّيَاسَةَ بعد سبعين سنة?
وعن بشر -وقيل لَهُ: أَتُحِبُّ أَنَّ لَكَ مائَةَ أَلْفٍ-
قَالَ: لأَنْ تَنْدُرَ عَيْنَايَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ
ذَلِكَ.
قَالَ غَسَّانُ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَخِي بِشْرٍ، قَالَ:
مَا رَأَيْتُ عَمِّي فَاتَتْهُ التَّكْبِيْرَةُ الأُوْلَى،
وَأَوْصَانِي فِي كُتُبِه أَنْ أَغسِلَهَا، أَوْ
أَدفِنَهَا. قَالَ غَسَّانُ: وَكُنْت أَرَاهُ إِذَا
زَارَهُ الرَّجُلُ مِنْ إِخْوَانِهِ، قَامَ مَعَهُ حَتَّى
يَأْخُذَ بِرِكَابِه، وَفَعَلَ بِي ذَلِكَ كَثِيْراً.
رَوَاهَا أَحْمَدُ الدَّورقي، عَنْهُ.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "2/ ترجمة 1770"، والجرح
والتعديل "2/ ترجمة 1408"، وميزان الاعتدال "1/ 325"،
والعبر "1/ 275"، حلية الأولياء لأبي نعيم "6/ ترجمة 368"،
شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 293".
(7/352)
قال علي ابن المَدِيْنِيِّ: مَا رَأَيْتُ
أَحَداً أَخَوْفَ للهِ مِنْ بِشْرِ بنِ مَنْصُوْرٍ، كَانَ
يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ خمسمائة رَكْعَةٍ.
الدَّوْرَقِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الخَالِقِ
أَبُو هَمَّامٍ، قَالَ: قَالَ بِشْرُ بنُ مَنْصُوْرٍ:
أقِلَّ مِنْ مَعْرِفَةِ النَّاسِ، فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي
مَا يَكُوْنُ، فَإِنْ كَانَ -يَعْنِي: فَضِيْحَةً- غَداً،
كَانَ مَنْ يَعْرِفُكَ قَلِيْلاً.
قَالَ: وَحَدَّثَنَا سَهْلُ بنُ مَنْصُوْرٍ، قَالَ: كَانَ
بِشْرٌ يُصَلِّي فَيُطوِّلُ، وَرَجُلٌ وَرَاءهُ يَنْظُرُ،
فَفَطِنَ لَهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: لاَ يُعجِبُكَ
مَا رَأَيْتَ مِنِّي، فَإِنَّ إِبْلِيْسَ قَدْ عَبْدَ
اللهَ دَهْراً مَعَ المَلاَئِكَةِ.
وَعَنْ بِشْرِ بنِ مَنْصُوْرٍ، قَالَ: مَا جَلَسْتُ إِلَى
أَحَدٍ فَتَفَرَّقْنَا، إِلاَّ عَلِمتُ أَنِّي لَوْ لَمْ
أَقْعُدْ مَعَهُ، كَانَ خَيْراً لِي.
سيَّار بنُ حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ،
قَالَ: رَأَيْتُ بِشْرَ بنَ مَنْصُوْرٍ فِي المَنَامِ،
فَقُلْتُ: مَا صَنَعَ اللهُ بِكَ? قَالَ: وَجَدْتُ
الأَمْرَ أَهوَنَ مِمَّا كُنْتُ أَحْمِلُ عَلَى نَفْسِي.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ هَذَا الإِمَامُ -رَحْمَةُ اللهِ
عَلَيْهِ- فِي سَنَةِ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَلَهُ
نَيِّفٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
وَكَانَ فِي عَصرِهِ: بِشْرُ بنُ مَنْصُوْرٍ الحنَّاط،
كُوْفِيٌّ، قَلِيْلُ الرِّوَايَةِ.
أَخَذَ عَنْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو
سَعِيْدٍ الأَشَجُّ. وَالحَنَّاطُ: بِمُهْمَلَةٍ، ثُمَّ
نُوْنٍ.
وَبِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ البَصْرِيُّ، الحَافِظُ،
وَبِشْرُ بنُ السري الواعظ الأفوه، بصري أيضًا.
وَبِشْرُ بنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ، بَصْرِيٌّ، حَافِظٌ
بَعْدَ المائَتَيْنِ.
وَبِشْرُ بنُ بَكْرٍ التِّنِّيسي، أَحَدُ الثِّقَاتِ.
وَبِشْرُ بنُ آدَمَ الضَّرِيْرُ، بَغْدَادِيٌّ، ثِقَةٌ.
ثُمَّ بِشْرُ بنُ شُعيب، مُحَدِّثُ حِمْصَ.
وَبِشْرُ بنُ الحَارِثِ، الحَافِي، الزَّاهِدُ.
وَبِشْرُ بنُ الحَكَمِ العَبْدِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ.
وَبِشْرُ بنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ، السِّخْتِيَانِيُّ،
شَيْخٌ لِلبُخَارِيِّ.
وَبِشْرُ بنُ مُعَاذٍ العَقَدِيُّ، الضَّرِيْرُ.
وَبِشْرُ بن هلال، وعدة.
ومن رءوس المُبْتَدِعَةِ: بِشْرُ بنُ غِيَاثٍ
المَرِيْسِيُّ.
وَبِشْرُ بنُ المعتمر.
(7/353)
1276- عبد
العزيز 1: "ع"
ابن أبي حازم سلمة بن دينار، الإِمَامُ الفَقِيْهُ، أَبُو
تَمَّامٍ المَدَنِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَزَيْدِ بنِ أَسْلَمَ،
وَالعَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي
صَالِحٍ، وَيَزِيْدَ بنِ الهَادِ، وَمُوْسَى بنِ عُقْبَةَ،
وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ،
وَخَلْقٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحُمَيْدِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ
مَنْصُوْرٍ، وَأَبُو مُصْعَبٍ، وَالقَعْنَبِيُّ، وَعَلِيُّ
بنُ حُجْرٍ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَيَعْقُوْبُ
الدَّوْرَقِيُّ، وَيَحْيَى بنُ أَكْثَمَ، وبشرٌ كثيرٌ.
وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ العِلْمِ بِالمَدِيْنَةِ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: صَدُوْقٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: قِيْلَ لمُصْعَبٍ
الزُّبَيْرِيِّ: ابْنُ أَبِي حَازِمٍ ضَعِيْفٌ فِي
حَدِيْثِ أَبِيْهِ. فَقَالَ: أَوَ قَدْ قَالُوْهَا? أَمَّا
هُوَ، فَسَمِعَ مَعَ سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، فَلَمَّا
مَاتَ سُلَيْمَانُ، أَوْصَى إِلَيْهِ بِكتبِهِ، فَكَانَتْ
عِنْدَهُ، فَقَدْ بَالَ عَلَيْهَا الفَأْرُ، فَذَهَبَ
بَعْضُهَا، فَكَانَ يَقْرَأُ مَا اسْتبَانَ لَهُ، وَيَدَعُ
مَا لاَ يَعْرِفُ، مِنْهَا أَمَّا حَدِيْثُ أَبِيْهِ،
فَكَانَ يَحفظُهُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَمْ يَكُنْ بِالمَدِيْنَةِ
بَعْدَ مَالِكٍ أَفْقَهُ مِنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي
حَازِمٍ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: هُوَ أَفْقَهُ مِنْ
عَبْدِ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ
مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: ابْنُ أَبِي حَازِمٍ لَيْسَ بِثِقَةٍ
فِي حَدِيْثِ أَبِيْهِ، كَذَا جَاءَ هَذَا. بَلْ هُوَ
حُجَّةٌ فِي أَبِيْهِ، وَغَيْرِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَمْ يَكُنْ
بِالمَدِيْنَةِ فِي وَقْتِهِ أَفْقَهُ مِنْهُ، يَرَوْنَ
أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ أَبِيْهِ. وَأَمَّا هَذِهِ الكُتُبُ،
فَيَقُوْلُوْنَ: إِنَّ كُتُبَ سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ
صَارَت إِلَيْهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ مرَّةً: لَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ بِطَلبِ
الحَدِيْثِ إِلاَّ كتبَ أَبِيْهِ، فَيَقُوْلُوْنَ:
سَمِعَهَا.
قُلْتُ: حَدِيْثُهُ فِي الصِّحَاحِ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَةٍ،
وَتُوُفِّيَ وَهُوَ سَاجِدٌ، فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ
وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ -رَحِمَهُ اللهُ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ القّوَّاس، أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الصَّمَدِ بنُ الحَرَستاني حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ
بنُ المُسَلَّمِ، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ طَلاَّبٍ،
أَخْبَرَنَا ابْنُ جُمَيْعٍ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ
إِسْمَاعِيْلَ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي
حَازِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، قَالَ:
نَهَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عَنِ بيع الغَرَر.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 424"، والتاريخ الكبير "6/
ترجمة 1571"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 428
و685" و"2/ 294"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 1787"،
والكاشف "2/ ترجمة 3428"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 253"،
والعبر "1/ 289"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 5093"، وتهذيب
التهذيب "6/ 333"، تقريب التهذيب "1/ 508"، وخلاصة الخزرجي
"2/ ترجمة 4340"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/
306".
(7/354)
1277- صَرِيع الغَواني 1:
هُوَ مُسْلِمُ بنُ الوَلِيْدِ الأَنْصَارِيُّ مَوْلاَهُم،
البَغْدَادِيُّ، حَامِلُ لِوَاءِ الشِّعْرِ. وَقِيْلَ:
بَلْ هُوَ كُوْفِيٌّ، نَزَلَ بَغْدَادَ.
كَانَ شَاعِراً، مَدَّاحًا، مُحْسِنًا، مُفوَّهًا، وَهُوَ
القَائِلُ فِي جَعْفَرٍ البَرْمَكِيِّ:
كَأَنَّهُ قمرٌ أَوْ ضَيْغَمٌ هَصِرٌ ... أَوْ حَيَّةٌ
ذَكَرٌ أَوْ عَارِضٌ هَطِلُ
لاَ يَضْحَكُ الدَّهْرَ إِلاَّ حِيْنَ تَسْأَلُهُ ...
وَلاَ يُعَبِّسُ إِلاَّ حِيْنَ لاَ يُسَلُ
وَهُوَ القَائِلُ فِي يَزِيْدَ بنِ مَزْيَدَ:
يَكْسُو السُّيوفَ نُفُوْسَ النَّاكِثِينَ بِهِ ...
وَيَجْعَلُ الهَامَ تِيْجَانَ القَنَا الذُّبَلِ
إِذَا انْتَضَى سَيْفَهُ كَانَتْ مَسَالِكُهُ ...
مَسَالِكَ المَوْتِ فِي الأَبْدَانِ وَالقُلَلِ
مَاتَ فِي أواخر دولة الرشيد، وديوانه مشهور.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "6/ ترجمة 1571"، والجرح
والتعديل "5/ ترجمة 1832"، وتاريخ بغداد "13/ 96".
(7/355)
1278- عبد
العزيز بن محمد 1: "م، 4، خ مقرونا"
ابن عبيد، الإِمَامُ، العَالِمُ، المُحَدِّثُ، أَبُو
مُحَمَّدٍ الجُهَنِيُّ مَوْلاَهُم، المَدَنِيُّ
الدَّرَاوَرْدِيُّ. قِيْلَ: أَصلُهُ مِنْ دَرَاوَرْد:
قَرْيَةٌ بِخُرَاسَانَ.
وَرَوَى سُلَيْمَانُ الطَّبَرَانِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ
رِشْدِيْنَ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ، قَالَ:
الدَّرَاوَرْدِيُّ مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ، نَزَلَ
المَدِيْنَةَ.
وَكَانَ يَقُوْلُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ:
أَنْدَرُوْنَ2, فَلَقَّبُوْهُ: الدَّرَاوَرْدِيَّ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْ: صَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، وَأَبِي
طُوالة عَبْدِ اللهِ، وَيَزِيْدَ بنِ الهَادِ، وَأَبِي
حَازِمٍ الأَعْرَجِ، وَثَوْرِ بنِ زَيْدٍ، وَالعَلاَءِ بن
عبد الرحمن، وعمرو ابن أَبِي عَمْرٍو، وَسُهَيْلِ بنِ
أَبِي صَالِحٍ، وَشَرِيْكِ بنِ أَبِي نَمِرٍ، وَجَعْفَرٍ
الصَّادِقِ، وَجَمَاعَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَهُمَا أَكْبَرُ
مِنْهُ، وَإِسْحَاقُ بن راهويه، وَيَعْقُوْبُ
الدَّوْرَقِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ خَشْرَمَ، وَأَبُو
حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ،
وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ مَعْنُ بنُ عِيْسَى: يَصْلُحُ أَنْ يَكُوْنَ
الدَّرَاوَرْدِيُّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: هُوَ أَثْبَتُ مِنْ
فُلَيْحِ بنِ سُلَيْمَانَ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: سَيِّئُ الحِفْظِ.
وَقَالَ الفَلاَّسُ: حَدَّثَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْهُ
بِحَدِيْثٍ وَاحِدٍ.
قَالَ الأَثْرَمُ: قِيْلَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: إِنَّ
الدَّرَاوَرْدِيَّ يَرْوِي عَنْ: عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ
نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه كَانَ يُرْخِي
عِمَامَتَهُ مِنْ خَلْفِهِ3. فَتبسَّمَ، وَأَنْكَرَهُ،
وقال: إنما هذا موقوف.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 424"، والتاريخ الكبير "6/
ترجمة 1569"، والضعفاء الكبير للعقيلي "3/ ترجمة 977"،
والجرح والتعديل "5/ ترجمة 1833"، والأنساب للسمعاني "5/
295"، والكاشف "2/ ترجمة 3454"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة
5125"، والعبر "1/ 297 و403 و410 و418"، وجامع التحصيل
للعلائي "ترجمة 463"، وتهذيب التهذيب "6/ 353"، وتقريب
التهذيب "1/ 512"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 4371"، وشذرات
الذهب "1/ 316".
2 أندرون: كلمة فارسية تعني: داخل، باطن أو بيت داخلي تابع
للمنزل.
3 صحيح لغيره: أخرجه الترمذي في "السنن" "1736"، وفي
"الشمائل" "110"، والعقيلي في "الضعفاء" "3/ 21" من طريق
يحيى بن محمد الجاري، عن عبد العزيز بن محمد، عن عبيد
اللهِ بنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا
اعتم سدل عمامته بين كتفيه" قال نافع، وكان ابن عمر يسدل =
(7/356)
وَعَنْ أَحْمَدَ قَالَ: كَانَ
الدَّرَاوَرْدِيُّ إِذَا حَدَّثَ مِنْ حَفِظِهِ يَهِمُ،
لَيْسَ هُوَ بِشَيْءٍ، وَإِذَا حَدَّثَ مِنْ كِتَابِهِ
فَنَعَمْ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ.
قُلْتُ: حديثه في دواوين الإِسْلاَمِ السِّتَّةِ، لَكِنَّ
البُخَارِيَّ رَوَى لَهُ: مَقْرُوْناً بِشَيْخٍ آخرَ،
وَبِكُلِّ حَالٍ فَحَدِيْثُهُ وَحَدِيْثُ ابْن أَبِي
حَازِمٍ لاَ يَنحطُّ عَنْ مرتبَةِ الحَسَنِ.
أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ،
أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ
مَالِكٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلِيُّ،
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ المُقْرِئُ،
حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الطُّوْسِيُّ، حَدَّثَنَا
الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنِي العَبَّاسُ بنُ
المُغِيْرَةِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ،
قَالَ: جَاءَ عَبْدُ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ فِي
جَمَاعَةٍ إِلَى أَبِي، لِيعرضُوا عَلَيْهِ كِتَاباً،
فَقَرَأَهُ لَهُم الدَّرَاوَرْدِيُّ، وَكَانَ رَدِيْءَ
اللِّسَانِ، يَلْحَنُ لحناً قبِيْحاً، فَقَالَ أَبِي:
وَيْحَكَ يَا درَاوردِيّ، أَنْتَ كُنْتَ إِلَى إِصلاَحِ
لِسَانِكَ قَبْلَ النَّظَرِ فِي هَذَا الشَّأْنِ أحوج منك
إلى غير ذلك.
__________
= عمامته بين كتفيه". قال عبيد الله: ورأيت القاسم وسالما
يفعلان ذلك.
وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب.
قلت: إسناده ضعيف، يحيى بن محمد الجاري، قال البخاري:
يتكلمون فيه.
وأخرجه الخطيب "11/ 293" من طريق عثمان بن نصر البغدادي،
حدثنا الوليد بن شجاع، حدثنا عبد العزيز بن محمد
الدراوردي، به.
وهذه متابعة للجاري من الوليد بن شجاع، وهو ثقة من رجال
مسلم. لكن قال الخطيب في عثمان بن نصر: وقع حديثه إلى
الغرباء، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وله طريق آخر،
ذكره الهيثمي في "المجمع" "5/ 120": "عن أبي عبد السلام
قال: قلت لابن عمر: كَيْفَ كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- يعتم؟ قال: كان يدور كور عمامته
على رأسه، ويغرزها من ورائه ويرسلها بين كتفيه. رواه
الطبراني في الأوسط". ورجاله رجال الصحيح خلا أبا عبد
السلام وهو ثقة.
وقال: "وعن ثوبان مولى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا اعتم أرخى عمامته بين
يديه، ومن خلفه. رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه الحجاج
بن رشدين وهو ضعيف". فالحديث صحيح بهذه الطرق، وله شاهد عن
عمرو بن حريث قال: "كأني أنظر إِلَى رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المنبر، وعليه
عمامة سوداء، قد أرخى طرفيها -وفي رواية طرفها- بين
كتفيه". أخرجه مسلم، وأبو داود "4077"، وابن ماجه "3587".
وشاهد آخر عن عائشة -رضي الله عنها: أن جبريل -عليه
السلام- أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- على برذون وعليه
عمامة، طرفها بين كتفيه، فسألت النبي -صلى الله عليه وسلم؟
فقال: رأيته؟ ذاك جبريل عليه السلام. أخرجه أحمد "6/ 148
و152"، والحاكم "4/ 193-194" وقال: صحيح الإسناد، ووافقه
الذهبي.
قلت: بل إسناده ضعيف، آفته عبد الله بن عمر العمري، ضعيف
كما قال الحافظ في "التقريب".
(7/357)
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ
مُحَمَّدٍ الوبرِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ
اللهِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الزُّهْرِيُّ، أَخْبَرَنَا
عَمِّي مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَامِدٍ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ
بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدٍ
الفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ،
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَدَنِيُّ،
حَدَّثَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنِ العَلاَءُ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ
رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: "إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ
إِلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ: مَنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ
عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدعُوُ
لَهُ" 1. أَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ نَازِلاً عَنْ ثِقَةٍ،
عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ سليمان بن بلال، عن العلاء بنحوه.
تُوُفِّيَ الدَّرَاوَرْدِيُّ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِي
وَمائَةٍ بِالمَدِيْنَةِ.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "6/ 278"، والبخاري في "الأدب المفرد"
"38"، والترمذي "1376" والنسائي "6/ 251"، والطحاوي في
"مشكل الآثار" "246"، والبيهقي "6/ 278"، والبغوي "139" من
طرق عن إسماعيل بنُ جَعْفَرٍ، عَنِ العَلاَءِ، عَنْ
أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعًا.
(7/358)
1279- عبد
العزيز بن عبد الصمد 1: "ع"
المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، أَبُو عَبْدِ
الصَّمَدِ العَمِّيُّ، البَصْرِيُّ.
وُلِدَ بَعْدَ المائَةِ.
وَرَوَى عَنْ: أَبِي عِمران الجَوْنِيِّ، وَمَنْصُوْرِ بنِ
المُعْتَمِرِ، وَحُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
وَمَطَرٍ الوَرَّاقِ، وَجَمَاعَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ
رَاهْوَيْه، وَعَمْرٌو الفَلاَّسُ، وَبُنْدَارٌ، وَابْنُ
المُثَنَّى، وَزِيَادُ بنُ يَحْيَى الحسَّانِيُّ،
وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَعُبَيْدُ اللهِ
القَوَارِيْرِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ القَوَارِيْرِيُّ: كَانَ حَافِظاً.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَغَيْرُهُ: كَانَ ثِقَةً.
وَقَالَ عَمْرُو بنُ عَلِيٌّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ
بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ يَوْمَ مَاتَ عَبْدُ العَزِيْزِ
العمِّيُّ: مَا مَاتَ لَكُم شَيْخٌ مُنْذُ ثَلاَثِيْنَ
سَنَةً مِثْلَهُ.
قُلْتُ: يَقعُ لَنَا مِنْ عَوَالِيْهِ فِي كِتَابِ
البَعْثِ.
وَكَانَ مَوْتُهُ فِي سَنَةِ سبع وثمانين ومائة.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيُّ،
أَخْبَرَنَا أَكملُ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ، أَخْبَرَنَا
سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ
مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن عمر
الوراق، أخبرنا بنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بنُ مُحَمَّدِ بنِ بَشَّارٍ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ،
قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ العمِّيُّ،
حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ، عَنْ أَبِي
بَكْرٍ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيْهِ،
قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "جَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيتُهُمَا وَمَا
فِيْهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيتُهُمَا وَمَا
فِيْهِمَا، وَمَا بِيْنَ القَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ
يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِم إِلاَّ رِدَاءُ الكبرِيَاءِ
عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عدْنٍ" 2.
أَخْرَجَهُ: مُسْلِمٌ عَنْهُمَا، وَرَوَاهُ:
التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَه، عَنِ
ابن بشار.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "6/ ترجمة 1574"، والجرح
والتعديل "5/ ترجمة 1809"، والكاشف "2/ ترجمة 3447"،
والعبر "1/ 297"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 255"، وتهذيب
التهذيب "6/ 346".
2 صحيح: أخرجه البخاري "4878"، ومسلم "180"، من حديث أَبِي
بَكْرٍ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ قَيْسٍ، به.
(7/358)
1280- الهِقْل 1: "م، 4"
ابن زياد، الإِمَامُ، المُفْتِي، أَبُو عَبْدِ اللهِ
الدِّمَشْقِيُّ، كَاتِبُ الأَوْزَاعِيِّ، وَتِلْمِيْذُهُ.
حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَالمُثَنَّى بنِ
الصَّبَّاحِ، وَطَلْحَةَ بنِ عَمْرٍو المَكِّيِّ،
وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَهُوَ أَكْبَرُ
مِنْهُ، وَأَبُو صالح كاتب الليث، وَأَبُو مُسْهِرٍ
الغَسَّانِيُّ، وَالحَكَمُ بنُ مُوْسَى، وَهِشَامُ بنُ
عَمَّارٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: مَا كَانَ بِالشَّامِ
أَوْثَقُ مِنَ الهِقْل.
وَقَالَ مَرْوَانُ الطَّاطَرِيُّ: كَانَ الهِقْلُ أَعْلَمَ
النَّاسِ بِالأَوْزَاعِيِّ، وَبمَجْلِسِهِ وَفُتْيَاهُ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: الهِقْلُ أَبُو عَبْدِ اللهِ
السَّكْسَكِيُّ، اسْمُهُ: مُحَمَّدٌ. وَقِيْلَ: عَبْدُ
اللهِ، وَلَقَبُهُ: الهِقْلُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لاَ يُكْتَبُ حَدِيْثُ
الأَوْزَاعِيِّ عَنْ أَحَدٍ أَوْثَقُ مِنَ الهِقْلِ.
وَقَالَ الفَسَوِيُّ: هُوَ أَعْلَى أَصْحَابِ
الأَوْزَاعِيِّ.
قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: قَدِمَ الهِقْل
مِصْرَ، وَكَتَبَ عَنْهُ أَهْلُهَا، وَتُوُفِّيَ
بِبَيْرُوْتٍ، سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مُسْهِرٍ فِي تَارِيْخِ
مَوْتِهِ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا مولده، ولكنه مات قبيل
الشيخوخة.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "8/ ترجمة 2891"، والمعرفة
والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 144" و"2/ 408 و460 و474"،
والجرح والتعديل "9/ ترجمة 520"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة
263"، والكاشف "3/ ترجمة 6087"، والعبر "1/ 227 و274"،
وتهذيب التهذيب "11/ 64"، وتقريب التهذيب "2/ 321"، وخلاصة
الخزرجي "3/ ترجمة 7768"، وشذرات الذهب "1/ 292".
(7/359)
1281- يوسف بن
يعقوب 1: "خ، م، ت، س، ق"
ابن أبي سلمة الماجشون، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ،
المُعَمَّرُ، أَبُو سَلَمَةَ التَّيْمِيُّ،
المُنْكَدِرِيُّ، مولاهم المدني.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ
بنِ المُنْكَدِرِ، وَصَالِحِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ
العَوْفِيِّ، وَطَائِفَةٍ.
وَعَنْهُ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَبُو مُصْعَبٍ،
وَأَحْمَدُ بنُ حنبل، ومحمد ابن أَبِي بَكْرٍ
المُقَدَّمِيُّ، وَسُرَيْجُ بنُ يُوْنُسَ، وَعَلِيُّ بنُ
مُسْلِمٍ الطُّوْسِيُّ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ.
وَثَّقَهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو دَاوُدَ.
قَالَ يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ المقَابرِيُّ: سَمِعْتُ
يُوْسُفَ بنَ المَاجَشُوْنِ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ عَلَى
عَهْدِ سُلَيْمَانَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ، فَفرضَ لِي فِي
المُقَاتلَةِ، فَلَمَّا قَامَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ
العَزِيْزِ مَرَّ بِي بِاسْمِي، وَكَانَ بِنَا عَارِفاً،
فَقَالَ: مَا أَعْرَفَنِي بِمَوْلِدِ هَذَا الغُلاَمِ،
فَنَحَّانِي مِنَ المُقَاتلَةِ، وَردَّنِي عَيِّلاً.
قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كُنَّا نَأتِي يُوْسُفَ بنَ
المَاجَشُوْنِ يُحَدِّثُنَا، وَجَوَارِيْهِ فِي بَيْتٍ
آخرَ يَضرِبْنَ بِالمعزفَةِ.
قُلْتُ: أَهْلُ المَدِيْنَةِ يَترخَّصُونَ فِي الغِنَاءِ،
هُم مَعْرُوْفُوْنَ بِالتَّسَمُّحِ فِيْهِ.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "إِنَّ الأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمُ اللَّهُوَ" 2.
تُوُفِّيَ يُوْسُفُ بنُ المَاجَشُوْنِ: فِي سَنَةِ خَمْسٍ
وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
عَاشَ ثَمَانِياً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
قَالَ عَفَّانُ: حَدَّثَنَا يُوْسُفُ المَاجَشُوْن، قَالَ
لِي ابْنُ شهاب، ولأخي، وَلابْنِ عمٍّ لِي -وَنَحْنُ
فِتْيَانٌ أَحَدَاثٌ نَسْأَلُهُ: لاَ تَحْقِرُوا
أَنْفسَكُم لِحدَاثَةِ أَسْنَانِكُم، فَإِنَّ عُمَرَ بنَ
الخَطَّابِ كَانَ إِذَا نَزَلَ بِهِ أَمْرٌ دَعَا
الشَّبَابَ، فَاسْتشَارَهُم، يَبتغِي حِدَّةَ عُقُوْلِهِم.
قُلْتُ: أَخُوْهُ: هُوَ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ يَعْقُوْبَ،
صَدُوْقٌ.
يَرْوِي عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ، وَعَنْ أَبِيْهِ،
وَالزُّهْرِيِّ.
رَوَى عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ هَاشِمٍ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَأَمَّا ابْنُ عَمِّهِمَا، فَهُوَ مُفْتِي المَدِيْنَةِ
مَعَ مَالِكٍ، عَبْدُ العَزِيْزِ بن عبد الله، قد ذكر.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 415"، والتاريخ الكبير "8/
ترجمة 3399"، والجرح والتعديل "9/ ترجمة 984"، والكاشف "3/
ترجمة 6576"، والعبر "1/ 292"، وتهذيب التهذيب "11/ 430"،
وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 309".
2 صحيح: أخرجه البخاري "5162" من طريق هِشَامِ بنِ
عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أنها زفت امرأة
إلى رجل من الأنصار، فقال نبي اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا عَائِشَةُ، ما كان معكم لهو، فإن
الانصار يعجبهم اللهو".
(7/360)
1282- العُمَري 1:
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الزَّاهِدُ، العَابِدُ، أَبُو
عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ
بنُ عَبْدِ اللهِ ابْنِ صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ
الخَطَّابِ، القُرَشِيُّ، العَدَوِيُّ، العُمَرِيُّ،
المَدَنِيُّ.
رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَنْ أَبِي طُوَالة.
وَعَنْهُ: ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَابْنُ المُبَارَكِ،
وَعَبْدُ اللهِ بنُ عِمران العَائِذِيُّ، وَغَيْرُهُم.
وَهُوَ قَلِيْلُ الرِّوَايَةِ، مُشْتَغِلٌ بِنَفْسِهِ،
قوَّالٌ بِالحَقِّ، أَمَّارٌ بِالعُرْفِ، لاَ تَأْخذُهُ
فِي اللهِ لُوْمَةَ لاَئِمٍ، كَانَ يُنْكِرُ عَلَى مَالِكٍ
الإِمَامِ اجْتِمَاعَهُ بِالدَّولَةِ.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِيْمَا رَوَاهُ عَنْهُ: نُعَيْمُ
بنُ حَمَّادٍ، عَنْ أبي الزبير، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُوشِكُ أَنْ يَضْرِبَ
النَّاسُ أَكبَادَ الإِبِلِ فَلاَ يَجِدُوْنَ عَالِماً
أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ المَدِيْنَةِ"2.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِي العُمَرِيِّ هَذَا:
هُوَ عَالِمُ المَدِيْنَةِ الَّذِي فِيْهِ الحَدِيْثُ.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "5/ ترجمة 421"، والجرح
والتعديل "5/ ترجمة 477"، وحلية الأولياء "8/ ترجمة 410"،
والعبر "1/ 289"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 4430"، وتهذيب
التهذيب "302"، وتقريب التهذيب "1/ 430"، وخلاصة الخزرجي
"2/ ترجمة 3630"، وشذرات الذهب لابن العماد "1/ 306".
2 ضعيف: فيه أبو الزبير المكي محمد بن مسلم بن تدرس، مدلس،
وقد عنعنه. وقد تقدم تخريجنا له.
(7/361)
عَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
مَضَى الرَّشِيْدُ عَلَى حِمَارٍ، وَمَعَهُ غُلاَمٌ إِلَى
العُمَرِيِّ، فَوَعَظَهُ، فَبَكَى، وَغُشِيَ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: كَتَبَ العُمَرِيُّ إِلَى
مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَغَيْرِهِمَا بكُتُبٍ
أَغلظَ لَهُم فِيْهَا، وَقَالَ: أَنْتُم عُلَمَاءٌ
تَمِيْلُوْنَ إِلَى الدُّنْيَا، وَتلبسُوْنَ اللَّيِّنَ،
وَتَدَعُوْنَ التَّقَشُّفَ. فَجَاوبَهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ
بِكِتَابٍ أَغلظَ لَهُ، وَجَاوبَهُ مَالِكٌ جَوَابَ
فَقِيْهٍ.
وَقِيْلَ: إِنَّ العُمَرِيَّ، وَعَظَ الرَّشِيْدَ مَرَّةً،
فَكَانَ يَتلقَّى قَوْلَهُ بِنَعَم يَا عمّ! فَلَمَّا
ذَهَبَ، أَتْبَعَهُ الأمين والمأمون بكيسين فيهما ألفا
دينار، فردها، وَقَالَ: هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ يَفرِّقُهَا
عَلَيْهِ، وَأَخَذَ دينارًا واحدًا، وشخص عليه بغداد، فكره
مجِيئَهُ، وَجَمَعَ العُمَرِيّينَ، وَقَالَ: مَالِي
وَلابْنِ عمِّكُم، احْتملتُهُ بِالحِجَازِ، فَأَتَى إِلَى
دَارِ مُلْكِي، يُرِيْدُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيَّ
أَوْلِيَائِي، ردُّوْهُ عَنِّي. قَالُوا: لاَ يَقْبَلُ
مِنَّا. فَكَتَبَ إِلَى الأَمِيْرِ مُوْسَى بنِ عِيْسَى:
أَنْ تَرَفَّقْ بِهِ حَتَّى تَردَّهُ.
قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: كَانَ العُمَرِيُّ
أَصْفَرَ، جسِيْماً، لَمْ يَكُنْ يَقْبَلُ مِنَ
السُّلْطَانِ وَلاَ غَيْرِهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ
أَقَارِبِهِ وَمَعَارِفِهِ لاَ يُكَلِّمُهُ، وَوَلِيَ
أَخُوْهُ عُمَرُ المَدِيْنَةَ وَكرمَانَ، فَهَجَرَهُ، مَا
أَدْرَكتُ بِالمَدِيْنَةِ رَجُلاً أَهْيَبَ مِنْهُ،
وَكَانَ يَقْبَلُ صِلَةَ ابْنِ المُبَارَكِ. وَقَدِمَ
الكُوْفَةَ لِيُخَوِّفَ الرَّشِيْدَ بِاللهِ، فَرجفَ
لمجِيئِهِ الدَّولَةَ، حَتَّى لَوْ كَانَ نَزَلَ بِهِم
مِنَ العدوِّ مائَةَ أَلْفٍ، مَا زَادَ مِنْ هَيْبَتِهِ،
فَرُدَّ مِنَ الكُوْفَةِ، وَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُ المَقْبُرَةَ كَثِيْراً،
مَعَهُ كِتَابٌ يُطَالعُهُ، وَيَقُوْلُ: لاَ أَوعَظَ مِنْ
قَبْرٍ، وَلاَ آنَسَ مِنْ كِتَابٍ، وَلاَ أَسلمَ مِنْ
وَحْدَةٍ.
عُمَرُ بنُ شَبَّةَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى
الزُّهْرِيُّ، قَالَ العُمَرِيُّ عِنْدَ مَوْتِهِ:
بِنعمَةِ رَبِّي أُحَدِّثُ: لَوْ أَنَّ الدُّنْيَا تَحْتَ
قَدَمِي، مَا يَمْنَعنِي مِنْ أَخذِهَا إِلاَّ أَنْ
أُزِيلَ قَدَمِي، مَا أَزلتُهَا، مَعِي سَبْعَةُ دَرَاهِمَ
مِنْ لِحَاءِ شَجَرَةٍ فتلتُه بِيَدِي.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: دَخَلْتُ عَلَى العُمَرِيِّ
الصَّالِحِ، فَقَالَ: مَا أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنكَ،
وَفِيْكَ عَيْبٌ. قُلْتُ: مَا هُوَ? قَالَ: حُبُّ
الحَدِيْثِ، أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ زَادِ المَوْتِ،
أَوْ قَالَ: مِنْ أَبزَارِ المَوْتِ.
قَالَ أَبُو المُنْذِرِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عُمَرَ:
سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ العُمَرِيَّ الزَّاهِدَ
يَقُوْلُ: إِنَّ مِنْ غَفْلَتِكَ عَنْ نَفْسِكَ،
إِعرَاضَكَ عَنِ اللهِ بِأَنْ تَرَى مَا يُسْخِطُهُ
فَتجَاوزَهُ، وَلاَ تَأْمُرْ وَلاَ تَنهَى، خَوْفاً
(7/362)
مِنَ المَخْلُوْقِ، مَنْ تَرَكَ الأَمْرَ
بِالمَعْرُوْفِ خَوْفَ المَخْلُوْقِيْنَ، نُزِعَتْ مِنْهُ
الهَيْبَةُ، فَلَو أَمرَ وَلدَهُ لاَسْتَخَفَّ بِهِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ المَكِّيُّ: قَدِمَ
العُمَرِيُّ، فَاجْتَمَعنَا إِلَيْهِ، فَلَمَّا نَظَرَ
إِلَى القُصُوْرِ المُحْدِقَةِ بِالكَعْبَةِ، صَاحَ: يَا
أَصْحَابَ القُصُوْرِ المُشَيَّدَةِ، اذكرُوا ظُلْمَةَ
القُبُوْرِ المُوْحِشَةِ، يَا أَهْلَ التَّنَعُّمِ
وَالتَّلذُّذِ، اذكرُوا الدُّودَ وَالصَّدِيْدَ، وَبلاَءَ
الأَجسَامِ فِي التُّرَابِ، ثُمَّ غَلَبَتْهُ عَيْنُهُ،
فَقَامَ.
أُنْبِئتُ عَنِ الكَاغَدِيِّ، أَخْبَرَنَا الحَدَّادُ،
أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ
الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الخُزَاعِيُّ،
حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ بنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ
عَبْدِ العَزِيْزِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي مُوْسَى بنُ
عِيْسَى: يُنهَى إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ أَنَّكَ
تَشْتِمُهُ، وَتَدعُو عَلَيْهِ، فَبِمَ استجزت هذا? قلت:
ما أشتمه، فَوَاللهِ هُوَ أَكرمُ عَلَيَّ مِنْ نَفْسِي
لِقَرَابتِه مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَأَمَّا الدُّعَاءُ، عَلَيْهِ فَوَاللهِ مَا
قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ قَدْ أَصْبَحَ عِبْئاً
ثقِيْلاً عَلَى أَكتَافِنَا، فَلاَ تُطِيْقُهُ أَبَدَاننَا
وَقَذَىً فِي جُفُوْنِنَا، لاَ تَطْرَفُ عَلَيْهِ
جُفُوْننَا، وَشجَى فِي أَفْوَاهِنَا، لاَ تُسِيغُهُ
حلوقُنَا، فَاكفِنَا مُؤنتَهُ، وَفرِّقْ بَيْننَا
وَبَيْنَهُ، وَلَكِن قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ
تَسَمَّى بِالرَّشِيْدِ لِيَرشُدَ، فَأَرْشِدْهُ، أَوْ
لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَرَاجِعْ بِهِ، اللَّهُمَّ إِنَّ لَهُ
فِي الإِسْلاَمِ بِالعَبَّاسِ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ كفّاً،
وَلَهُ بنَبِيِّكَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَرَابَةٌ وَرحمٌ، فَقرِّبْهُ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ،
وَبَاعِدْهُ مِنْ كُلِّ سوءٍ، وَأَسعِدْنَا بِهِ،
وَأَصلِحْهُ لِنَفْسِهِ وَلَنَا. فَقَالَ مُوْسَى:
رَحِمَكَ اللهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كَذَاكَ
لَعَمْرِي الظَّنُّ بِكَ.
قَالَ المُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ: سَمِعْتُ الزَّاهِدَ
العُمَرِيَّ بِمَسْجِدِ مِنَى يَقُوْلُ:
للهِ دَرُّ ذَوِي العُقُوْلِ ... والحرص في طلب الفضول
سلاب أكيسة الأرامل ... واليتامى والكهول
وَالجَامِعِيْنَ المُكثرِيْنَ ... مِنَ الجِنَايَةِ
وَالغُلُولِ
وضعُوا عُقُوْلَهُمُ مِنَ ... الدُّنْيَا بِمَدْرَجَةِ
السُّيولِ
وَلَهَوا بِأَطرَافِ الفُرُوْعِ ... وَأَغْفلُوا عِلْمَ
الأُصُوْلِ
وَتَتَبَّعُوا جمْعَ الحُطَامِ ... وَفَارقُوا أَثَرَ
الرَّسُوْلِ
وَلَقَدْ رَأَوا غِيْلاَنَ رَيْبِ ... الدَّهْرِ غُولاً
بَعْدَ غُولِ
وَفِي تَارِيْخِ ابْنِ جَرِيْرٍ بِإِسْنَادٍ: أَنَّ
الرَّشِيْدَ قَالَ: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا آمرُ فِي
هَذَا العُمَرِيِّ، أَكرَهُ أَنْ أَقدَمَ عَلَيْهِ، وَلَهُ
سلَفٌ وَإِنِّيْ أُحِبُّ أَنْ أَعْرِفَ رَأْيَهُ فِيْنَا.
فَقَالَ عُمَرُ بنُ بَزِيعٍ، والفضل ابن
(7/363)
الرَّبِيْعِ: نَحْنُ لَهُ. فَخَرَجَا مِنَ
العَرْجِ إِلَى مَوْضِعٍ لَهُ بِالبَادِيَةِ فِي
مَسْجِدِهِ، فَأَنَاخَا وَأَتِيَاهُ عَلَى زِيِّ
المُلُوْكِ فِي حِشْمَةٍ، فَجَلَسَا إِلَيْهِ، فَقَالاَ:
نَحْنُ رُسُلُ مَنْ وَرَاءنَا مِنَ المَشْرِقِ،
يَقُوْلُوْنَ لَكَ: اتَّقِ اللهَ، إِنْ شِئْتَ فَانهضْ.
فَقَالَ: وَيْحَكمَا فِيْمَنْ، وَلِمَنْ? قَالاَ: أَنْتَ.
قَالَ: وَاللهِ مَا أُحبُّ أَنِّي لقِيْتُ اللهَ
بِمِحْجَمَةِ دَمِ مُسْلِمٍ، وَإِنَّ لِي مَا طَلَعَتْ
عَلَيْهِ الشَّمْسُ. فَلَمَّا أَيِسَا مِنْهُ، قَالاَ:
إِنَّ مَعَنَا عِشْرِيْنَ أَلْفاً تَسْتعِيْنُ بِهَا.
قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي بِهَا. قَالاَ: أَعْطِهَا مَنْ
رَأَيْتَ. قَالَ: أَعْطِيَاهَا أَنْتُمَا. فَلَمَّا
أَيِسَا مِنْهُ، ذَهَبَا، وَلَحِقَا بِالرَّشِيْدِ،
فَحدَّثَاهُ. فَقَالَ: مَا أُبَالِي مَا صَنَعَ بَعْدَ
هَذَا. فَبَيْنَا العُمَرِيُّ فِي المسعَى، إِذَا
بِالرَّشِيْدِ يَسْعَى عَلَى دَابَّةٍ، فَعرضَ لَهُ
العُمَرِيُّ، فَأَخَذَ بلجَامِهِ، فَأَهْوَوا إِلَيْهِ،
فَكفَّهُمُ الرَّشِيْدُ، وَكلَّمَهُ فَرَأَيْتُ دُمُوْعَ
الرَّشِيْدِ تَسِيْلُ.
قَالَ يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ العَابِدُ: حَدَّثَنِي بَعْضُ
أَصْحَابنَا، قَالَ: كَتَبَ مالك إِلَى العُمَرِيِّ:
إِنَّكَ بَدَوْتَ، فَلَو كُنْتَ عِنْدَ مَسجدِ رَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَكَتَبَ:
إِنِّيْ أَكرَهُ مُجَاوَرَةَ مِثْلِكَ، إِنَّ اللهَ لَمْ
يَركَ متغَيِّرَ الوَجْهِ فِيْهِ سَاعَةً قَطُّ.
قُلْتُ: هَذَا عَلَى سَبِيْلِ المُبَالَغَةِ فِي الوَعْظِ،
وَإِلاَّ فَمَالِكٌ مِنْ أَقْوَلِ العُلَمَاءِ بِالحَقِّ،
وَمِنْ أَشدِّهِم تَغَيُّراً فِي رُؤْيَةِ المُنْكرِ.
وَأَمَّا العُمَرِيُّ: فَمَا عَلِمتُ بِهِ بَأْساً، وَقَدْ
وَثَّقَهُ: النَّسَائِيُّ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ كِتَابَةً، عَنْ
عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرْنَا أَبُو
عَلِيٍّ المُقْرِئُ، أَخْبَرْنَا أَبُو نُعَيْمٍ
الحَافِظُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ،
حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ كَثِيْرٍ
السِّرِّينِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ الجُدِّيُّ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ
العُمَرِيُّ، عَنْ أَبِي طُوَالَةَ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: "الزَّبَانِيَةُ أَسْرَعُ إِلَى
فَسَقَةِ القُرْآنِ مِنْهُم إِلَى عَبَدَةِ الأَوْثَانِ،
فَيَقُوْلُوْنَ: يُبْدَأُ بِنَا قَبْلَ عَبَدَةِ
الأَوْثَانِ? فَيُقَالُ: لَيْسَ مَنْ عَلِمَ كَمَنْ لاَ
يَعْلَم"1.
غَرِيْبٌ مُنكرٌ، وَلاَ أَعْرِفُ مُوْسَى هَذَا.
قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: مَاتَ العُمَرِيُّ سَنَةَ
أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَلَهُ ستٌّ وَسِتُّوْنَ
سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ تعالى.
__________
1 منكر: أخرجه أبو نعيم في "الحلية" "8/ 286"، وآفته موسى
بن محمد بن كثير السريني، ذكره الذهبي في "الميزان" واتهمه
بهذا الخبر وقال: منكر.
(7/364)
1283- عَبد الله بن المُبارك 1: "ع"
ابن واضح، الإِمَامُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ عَالِمُ
زَمَانِهِ، وَأَمِيْرُ الأَتْقِيَاءِ في وقته، أَبُو
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَنْظَلِيُّ، مَوْلاَهُم
التُّرْكِيُّ، ثُمَّ المَرْوَزِيُّ، الحَافِظُ، الغَازِي،
أَحَدُ الأَعْلاَمِ وَكَانَتْ أُمُّهُ خُوَارِزْميَّةٌ.
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
فَطَلَبَ العِلْمَ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِيْنَ سَنَةً.
فَأَقْدَمُ شَيْخٍ لَقِيَهُ: هُوَ الرَّبِيْعُ بنُ أَنَسٍ
الخُرَاسَانِيُّ، تَحَيَّلَ وَدَخَلَ إِلَيْهِ إِلَى
السِّجنِ، فَسمِعَ مِنْهُ نَحْواً مِنْ أَرْبَعِيْنَ
حَدِيْثاً، ثُمَّ ارْتَحَلَ فِي سَنَةِ إِحْدَى
وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ، وَأَخَذَ عَنْ بقَايَا
التَّابِعِيْنَ، وَأَكْثَرَ مِنَ التَّرْحَالِ
وَالتَّطْوَافِ، وَإِلَى أَنْ مَاتَ فِي طَلَبِ العِلْمِ،
وَفِي الغَزْوِ، وَفِي التِّجَارَةِ وَالإِنفَاقِ عَلَى
الإِخْوَانِ فِي اللهِ، وَتَجهِيزِهِم مَعَهُ إِلَى
الحَجِّ.
سَمِعَ مِنْ: سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَعَاصِمٍ
الأَحْوَلِ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَهِشَامِ بنِ
عُرْوَةَ، وَالجُرَيْرِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي
خَالِدٍ، وَالأَعْمَشِ، وَبُرَيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ
أَبِي بُرْدَةَ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَيَحْيَى بنُ
سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَوْنٍ،
وَمُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، وَأَجْلَحَ الكِنْدِيِّ،
وَحُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، وَحَنْظَلَةَ السَّدُوْسِيِّ،
وَحَيْوَةَ بنِ شُرَيْحٍ المِصْرِيِّ، وَكَهْمَسٍ،
وَالأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ،
وَمَعْمَرٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَشُعْبَةَ، وَابْنِ أَبِي
ذِئْبٍ، وَيُوْنُسَ الأيلي، والحمادين، ومالك، والليث،
وابن لهيعة، وَهُشَيْمٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ،
وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَبَقِيَّةَ بنِ الوَلِيْدِ، وَخَلْقٍ
كَثِيْرٍ.
وَصنَّفَ التَّصَانِيْفَ النَّافِعَةَ الكَثِيْرَةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: مَعْمَرٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو
إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، وَطَائِفَةٌ مِنْ شُيُوْخِه،
وَبَقِيَّةُ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ،
وَطَائِفَةٌ مِنْ أَقرَانِهِ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَعَبْدُ
الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ، وَالقَطَّانُ، وَعَفَّانُ،
وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَحِبَّانُ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو بَكْرٍ
بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَأَبُو
أُسَامَةَ,
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 372 و520"، والتاريخ الكبير
"5/ ترجمة 679"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/
153"، والجرح والتعديل "5/ ترجمة 838"، وتاريخ بغدد "10/
152"، وحلية الأولياء "8/ ترجمة 397"، والإكمال لابن
ماكولا "7/ 313"، والأنساب للسمعاني "4/ 251"، وفيات
الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 322"، والعبر "1/ 280"،
والكاشف "2/ ترجمة 2978"، تهذيب التهذيب "5/ 382"، وتقريب
التهذيب "1/ 445"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3767"، وشذرات
الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 295".
(7/365)
وَأَبُو سَلَمَةَ المِنْقَرِيُّ،
وَمُسْلِمٌ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَعَبْدَانُ، وَالحَسَنُ
بنُ الرَّبِيْعِ البُوْرَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ،
وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وَالحَسَنُ بنُ عِيْسَى بنِ
مَاسَرْجِسَ، وَالحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ المَرْوَزِيُّ،
وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُجَشِّرٍ،
وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَأُمَمٌ يَتَعَذَّرُ
إِحصَاؤُهُم، وَيَشُقُّ اسْتِقصَاؤُهُم.
وَحَدِيْثُهُ حُجَّةٌ بِالإِجْمَاعِ، وَهُوَ فِي
المَسَانِيْدِ وَالأُصُوْلِ.
وَيقعُ لَنَا حَدِيْثُهُ عَالِياً، وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ
بِالإِجَازَةِ العَالِيَةِ سِتَّةُ أَنْفُسٍ.
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَعِدَّةٌ، عَنْ
عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ كُلَيْبٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ
بَيَانٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنَا
إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَرَفَةَ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، عَنْ يُوْنُسَ
بنِ يَزِيْدَ الأَيْلِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَهْلِ
بنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، عَنْ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ،
قَالَ: إِنَّمَا كَانَتِ الفُتْيَا فِي "المَاءُ مِنَ
المَاءِ" رُخصَةً فِي أَوَّلِ الإِسْلاَمِ، ثُمَّ نُهِيَ
عَنْهَا.
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ منيع، عن
ابن المبارك، ورواته ثِقَاتٌ، لَكِنْ لَهُ عِلَّةٌ، لَمْ
يَسْمَعْهُ ابْنُ شِهَابٍ مِنْ سَهْلٍ.
ارْتَحَلَ ابْنُ المُبَارَكِ إِلَى: الحَرَمَيْنِ،
وَالشَّامِ، وَمِصْرَ، وَالعِرَاقَ، وَالجَزِيْرَةِ،
وَخُرَاسَانَ، وَحَدَّثَ بِأَمَاكِنَ.
قَالَ قَعْنَبُ بنُ المُحَرِّرِ: ابْنُ المُبَارَكِ
مَوْلَى بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، مِنْ تَمِيْمٍ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: وَلاَؤُهُ لِبَنِي حَنْظَلَةَ.
وَقَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ فِي "تَارِيْخِ مَرْوَ":
كَانَتْ أُمُّ عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ
خُوَارِزمِيَّةً، وَأَبُوْهُ تُرْكِيٌّ، وَكَانَ عَبداً
لِرَجُلٍ تَاجِرٍ مِنْ هَمَذَانَ، مِنْ بَنِي حَنْظَلَةَ،
فَكَانَ عَبْدُ اللهِ إِذَا قَدِمَ هَمَذَانَ، يَخضَعُ
لِوَالِدَيْهِ وَيُعَظِّمُهُم.
أَخْبَرَنَا أَبُو الغَنَائِمِ المُسْلِمُ بنُ مُحَمَّدٍ
القَيْسِيُّ، وَغَيْرُهُ كِتَابَةً، أَخْبَرَنَا أَبُو
اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ
الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ،
حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ
السِّيْبِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ
حَمَّادِ بنِ سُفْيَانَ بِالكُوْفَةِ، حَدَّثَنَا أَبُو
العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدٍ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ
قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ
بنِ أَبِي رِزْمَةَ، سَمِعْتُ أَبِي، سَمِعْتُ ابْنَ
المُبَارَكِ يَقُوْلُ: نَظَرَ أَبُو حَنِيْفَةَ إِلَى
أَبِي، فَقَالَ: أَدَّتْ أمه إِلَيْكَ الأَمَانَةَ،
وَكَانَ أَشْبَهَ النَّاسِ بعَبْدِ اللهِ.
قَالَ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ:
وُلِدَ ابْنُ المُبَارَكِ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ
وَمائَةٍ.
(7/366)
وَأَمَّا الحَاكِمُ، فَرَوَى عَنْ: أَبِي
أَحْمَدَ الحَمَّادِيِّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُوْسَى
البَاشَانِيَّ، سَمِعْتُ عَبْدَانَ بنَ عُثْمَانَ
يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ
سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ أَبِي
الأَزْهَرِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: ذَاكَرَنِي
عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ السُّننَ، فَقُلْتُ: إِنَّ
العَجَمَ لاَ يَكَادُوْنَ يَحفَظُوْنَ ذَلِكَ، لَكِنِّي
أَذْكُرُ أَنِّي لَبِستُ السَّوَادَ وَأَنَا صَغِيْرٌ،
عِنْدَمَا خَرَجَ أَبُو مُسْلِمٍ، وَكَانَ أَخَذَ النَّاسَ
كُلَّهُم بِلبسِ السَّوَادِ، الصِّغَارَ وَالكِبَارَ.
نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ
يُكثِرُ الجُلُوْسَ فِي بَيْتِهِ، فَقِيْلَ لَهُ: أَلاَ
تَسْتَوحِشُ? فَقَالَ: كَيْفَ أَسْتَوحِشُ وَأَنَا مَعَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَأَصْحَابِهِ?!
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ: بَلَغَنِي أَنَّ
ابْنَ المُبَارَكِ أَتَى حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، فَنَظَرَ
إِلَيْهِ، فَأَعْجَبَهُ سَمْتُهُ، فَقَالَ: مَنْ أَيْنَ
أَنْتَ? قَالَ: مَنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ، مِنْ مَرْوَ.
قَالَ: تَعْرِفُ رَجُلاً يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ
المُبَارَكِ? قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مَا فَعَلَ? قَالَ:
هُوَ الَّذِي يُخَاطِبُكَ. قَالَ: فَسَلَّمَ عَلَيْهِ،
وَرَحَّبَ بِهِ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ الخُطَبِيُّ: بَلَغَنِي عَنِ ابْنِ
المُبَارَكِ: أَنَّهُ حضَرَ عند حماد ابن زَيْدٍ، فَقَالَ
أَصْحَابُ الحَدِيْثِ لِحَمَّادٍ: سَلْ أَبَا عَبْدِ
الرَّحْمَنِ أَنْ يُحَدِّثَنَا. فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ
الرَّحْمَنِ! تُحِدِّثُهُم، فَإِنَّهُم قَدْ سَأَلُوْنِي?
قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! يَا أَبَا إِسْمَاعِيْلَ،
أُحَدِّثُ وَأَنْتَ حَاضِرٌ. فَقَالَ: أَقسَمتُ عَلَيْكَ
لَتَفْعَلَنَّ. فَقَالَ: خُذُوا، حَدَّثَنَا أَبُو
إِسْمَاعِيْلَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، فَمَا حَدَّثَ
بِحَرْفٍ إِلاَّ عَنْ حَمَّادٍ.
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ بنُ مَسْرُوْقٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ
حُمَيْدٍ، قَالَ: عَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَ ابْنِ المُبَارَكِ،
فَقَالَ لَهُ ابْنُ المُبَارَكِ: أَيش يَقُوْلُ الرَّجُلُ
إِذَا عَطَسَ? قَالَ: الحَمْدُ للهِ. فَقَالَ لَهُ:
يَرْحَمُكَ اللهُ.
قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ابْنُ المُبَارَكِ ثِقَةٌ،
ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ، رَجُلٌ صَالِحٌ، يَقُوْلُ
الشِّعْرَ، وَكَانَ جَامِعاً لِلْعِلْمِ.
قَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ: جَمَعَ عَبْدُ اللهِ
الحَدِيْثَ، وَالفِقْهَ، وَالعَرَبِيَّةَ، وَأَيَّامَ
النَّاسِ، وَالشَّجَاعَةَ، وَالسَّخَاءَ، وَالتِّجَارَةَ،
وَالمَحَبَّةَ عِنْدَ الفَرْقِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ: مَا
أَخْرَجَتْ خُرَاسَانُ مِثْلَ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةِ:
ابْنُ المُبَارَكِ، وَالنَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، وَيَحْيَى
بنُ يَحْيَى.
عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ: سَمِعْتُ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ،
سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ آدَمَ يَقُوْلُ: كُنْتُ إِذَا
طَلَبتُ دَقِيْقَ المَسَائِلِ، فَلَمْ أَجِدْهُ فِي كُتُبِ
ابْنِ المُبَارَكِ، أَيِسْتُ منه.
(7/367)
عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ الفَرَائِضِيُّ:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ صَدَقَةَ، سَمِعْتُ شُعَيْبَ بنَ
حَرْبٍ، قَالَ: مَا لَقِيَ ابْنُ المُبَارَكِ رَجُلاً
إِلاَّ وَابْنُ المُبَارَكِ أفضل منه. وقال: وَسَمِعْتُ
أَبَا أُسَامَةَ يَقُوْلُ: ابْنُ المُبَارَكِ فِي
المُحَدِّثِيْنَ مِثْلُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ فِي
النَّاسِ.
عُمَرُ بنُ مُدرك: حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بنُ شُعْبَةَ المصِّيصي،
قَالَ: قَدِمَ الرَّشِيْدُ الرَّقة، فَانْجَفَلَ النَّاسُ
خَلْفَ ابْنِ المُبَارَكِ، وَتَقَطَّعَتِ النِّعَالُ،
وَارتَفَعَتِ الغَبَرَةُ، فَأَشرَفَتْ أُمُّ وَلَدٍ
لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ مِنْ بُرْجٍ مِنْ قَصْرِ
الخَشَبِ، فَقَالَتْ: مَا هَذَا? قَالُوا: عَالِمٌ مِنْ
أَهْلِ خُرَاسَانَ قَدِمَ. قَالَتْ: هَذَا -وَاللهِ-
المُلْكُ، لاَ مُلْكَ هَارُوْنَ الَّذِي لاَ يَجْمَعُ
النَّاسَ إِلاَّ بِشُرَط وَأَعْوَانٍ.
قَالَ عُثْمَانُ بنُ خُرَّزاذ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
حيَّان، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ زَيْدٍ
الجَهْضَمِيُّ، قَالَ: قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: رَأَيْتَ
ابْنَ المُبَارَكِ? قُلْتُ: لاَ. قَالَ: لَوْ رَأْيْتَهُ
لَقَرَّتْ عَيْنُكَ.
وَقَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي رِزْمَةَ: قَالَ لِي
شُعْبَةُ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ نَاحِيتِكُم مِثْلُ
ابْنِ المُبَارَكِ.
الدَّغُولي: حَدَّثَنَا عَبْدُ المَجِيْدِ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بنُ زَمْعَةَ،
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ خَالِدٍ، قَالَ: تَعَرَّفْتُ إِلَى
إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ بِعَبْدِ اللهِ بنِ
المُبَارَكِ، فَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ: مَا عَلَى وَجْهِ
الأَرْضِ مِثْلُ ابْنِ المُبَارَكِ، وَلاَ أَعْلَمُ أَنَّ
اللهَ خَلَقَ خصلة من خصال الخبر، إِلاَّ وَقَدْ جَعَلَهَا
فِي عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ.
وَلَقَدْ حَدَّثَنِي أَصْحَابِي أَنَّهُم صَحِبُوهُ مِنْ
مصر إلى مكة، فكان يطعمهم الخَبِيْصَ، وَهُوَ الدَّهْرَ
صَائِمٌ.
قَالَ الحَاكِمُ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ
عُمَرَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنِي
عُمَرُ بنُ سَعِيْدٍ الطَّائِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ
حَفْصٍ الصُّوْفِيُّ بِمَنْبِجَ، قَالَ: خَرَجَ ابْنُ
المُبَارَكِ مِنْ بَغْدَادَ يُرِيْدُ المَصِّيْصَةَ،
فَصَحِبَهُ الصُّوفِيَّةُ، فَقَالَ لَهُم: أَنْتُم لكَم
أَنْفُسٌ تَحْتَشِمُوْنَ أَنْ يُنفَقَ عَلَيْكُم، يَا
غُلاَمُ! هَاتِ الطَّسْتَ. فَأَلْقَى عَلَيْهِ مِنْدِيلاً،
ثُمَّ قَالَ: يُلقِي كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُم تَحْتَ
المِندِيلِ مَا مَعَهُ. فَجَعَلَ الرَّجُلُ يُلقِي
عَشْرَةَ دَرَاهِمَ، وَالرَّجُلُ يُلقِي عِشْرِيْنَ،
فَأَنفَقَ عَلَيْهِم إِلَى المَصِّيْصَةِ، ثُمَّ قَالَ:
هَذِهِ بِلاَدُ نَفِيرٍ، فَنَقْسِمُ مَا بَقِيَ، فَجَعَلَ
يُعطِي الرَّجُلَ عِشْرِيْنَ دِيْنَاراً، فَيَقُوْلُ: يَا
أَبَا عبد الرحمن! إنما أعطيت دِرْهَماً. فَيَقُوْلُ:
وَمَا تُنْكِرُ أَنْ يُبَارِكَ اللهُ لِلْغَازِي فِي
نَفَقَتِهِ.
قَالَ الخَطِيْبُ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ،
وَأَبُو مُحَمَّدٍ الخَلاَّلُ، قَالُوا: حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الكَاتِبُ،
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ المُقْرِئُ، سَمِعْتُ
عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيَّ، سَمِعْتُ
مُحَمَّدَ بنَ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ،
سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ إِذَا
(7/368)
كَانَ وَقْتُ الحجِّ، اجْتَمَعَ إِلَيْهِ
إِخْوَانُهُ مِنْ أَهْلِ مَرْوَ، فَيَقُوْلُوْنَ:
نَصْحَبُكَ. فَيَقُوْلُ: هَاتُوا نَفَقَاتِكُم. فَيَأْخُذُ
نَفَقَاتِهِم، فَيَجْعَلُهَا فِي صُنْدُوْقٍ، ويُقْفِل
عَلَيْهَا، ثُمَّ يَكتَرِي لَهُم، وَيُخْرِجُهُم مِنْ
مَرْوَ إِلَى بغداد، فلا يزال ينفق عليهم، يطعمهم أَطْيَبَ
الطَّعَامِ، وَأَطْيَبَ الحَلوَى، ثُمَّ يُخْرِجُهُم مِنْ
بَغْدَادَ بِأَحْسَنِ زِيٍّ، وَأَكمَلِ مُرُوءةٍ، حَتَّى
يَصِلُوا إِلَى مَدِيْنَةِ الرَّسُوْلِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَقُوْلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ: مَا
أَمَرَكَ عِيَالُكَ أَنْ تَشتَرِيَ لَهُم مِنَ
المَدِيْنَةِ مِنْ طُرَفِهَا? فَيَقُوْلُ: كذا وكذا. ثم
يُخْرِجُهُم إِلَى مَكَّةَ فَإِذَا قَضَوْا حَجَّهُم،
قَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم: مَا أَمَرَكَ عِيَالُكَ
أَنْ تَشتَرِيَ لَهُم مِنْ مَتَاعِ مَكَّةَ? فَيَقُوْلُ:
كَذَا وَكَذَا. فَيَشْتَرِي لَهُم، ثُمَّ يُخْرِجهُم مِنْ
مَكَّةَ، فَلاَ يَزَالُ يُنْفِقُ عَلَيْهِم إِلَى أَنْ
يَصِيْرُوا إِلَى مَرْوَ، فَيُجَصِّصُ بُيُوْتَهُم
وَأَبْوَابَهُم، فَإِذَا كَانَ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ،
عَمِلَ لَهُم وَلِيمَةً وَكَسَاهُم، فَإِذَا أَكَلُوا
وَسُرُّوا، دَعَا بِالصُّنْدُوقِ، فَفَتَحَهُ، وَدَفَعَ
إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُم صُرَّتَهُ عَلَيْهَا اسْمُهُ.
قَالَ أَبِي: أَخْبَرَنِي خَادمُهُ أَنَّهُ عَملَ آخرَ
سَفْرة سَافَرَهَا دَعْوَةً، فَقَدَّمَ إِلَى النَّاسِ
خَمْسَةً وَعِشْرِيْنَ خِوَاناً فَالُوْذَجَ، فَبَلَغَنَا
أَنَّهُ قَالَ لِلْفُضَيْلِ: لَوْلاَكَ وَأَصْحَابَكَ مَا
اتَّجَرْتُ. وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى الفُقَرَاءِ، فِي
كُلِّ سَنَةٍ مائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
عَلِيُّ بنُ خَشْرَم: حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بنُ
سُلَيْمَانَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ
المُبَارَكِ، فَسَأَلَهُ أَنْ يَقضِيَ دَيْناً عَلَيْهِ،
فَكَتَبَ لَهُ. إِلَى وَكِيلٍ لَهُ فَلَمَّا وَرَدَ
عَلَيْهِ الكِتَابُ، قَالَ لَهُ الوَكِيلُ: كَمِ الدَّيْنُ
الَّذِي سَأَلتَهُ قَضَاءهُ? قَالَ: سَبْعُ مائَةِ
دِرْهَمٍ. وَإِذَا عَبْدُ اللهِ قَدْ كَتَبَ لَهُ أَنْ
يُعْطِيَهُ سَبْعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، فَرَاجَعَهُ
الوَكِيلُ، وَقَالَ: إِنَّ الغَلاَّتِ قَدْ فَنِيَتْ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ: إِنْ كَانَتِ الغَلاَّتُ
قَدْ فَنِيَتْ، فَإِنَّ العُمْرَ أَيْضاً قَدْ فَنِيَ،
فَأَجِزْ لَهُ مَا سَبَقَ بِهِ قَلمِي.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ: حَدَّثَنِي يَعْقُوْبُ
بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى، قَالَ:
كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ كَثِيْرَ الاختِلاَفِ إِلَى
طَرَسُوس، وَكَانَ يَنْزِلُ الرَّقَّةَ فِي خَانٍ، فَكَانَ
شَابٌّ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ، وَيَقُوْمُ بِحَوَائِجِهِ،
وَيَسْمَعُ مِنْهُ الحَدِيْثَ، فَقَدِمَ عَبْدُ اللهِ
مَرَّةً، فَلَمْ يَرَهُ، فَخَرَجَ فِي النفير مستعجلا،
فلما رَجَعَ سَأَلَ عَنِ الشَّابِّ، فَقَالَ: مَحْبُوْسٌ
عَلَى عَشْرَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ. فَاسْتَدَلَّ عَلَى
الغَرِيْمِ، وَوَزَنَ لَهُ عَشْرَةَ آلاَفٍ، وَحَلَّفَهُ
أَلاَّ يُخْبِرَ أَحَداً مَا عَاشَ، فَأُخْرِجَ الرَّجُلُ،
وَسَرَى ابْنُ المُبَارَكِ، فَلَحِقَهُ الفَتَى عَلَى
مَرْحَلَتَيْنِ مِنَ الرَّقَّةِ، فَقَالَ لِي: يَا فَتَى
أَيْنَ كُنْتَ؟! لَمْ أَرَكَ? قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ
الرَّحْمَنِ! كُنْتُ مَحْبُوْساً بِدَيْنٍ. قَالَ:
وَكَيْفَ خَلصتَ? قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَضَى دَيْنِي،
وَلَمْ أَدرِ. قَالَ: فَاحْمَدِ اللهَ، وَلَمْ يَعْلَمِ
الرَّجُلُ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ عَبْدِ اللهِ.
أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ
بَشَّارٍ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ الفُضَيْلِ، سَمِعْتُ
أَبِي
(7/369)
يَقُوْلُ لابْنِ المُبَارَكِ: أَنْتَ
تَأْمُرُنَا بِالزُّهْدِ وَالتَّقَلُّلِ وَالبُلْغَةِ،
وَنَرَاكَ تَأْتِي بِالبَضَائِعِ، كَيْفَ ذَا? قَالَ: يَا
أَبَا عَلِيٍّ، إِنَّمَا أَفْعَلُ ذَا لأَصُوْنَ وَجْهِي،
وَأُكرِمَ عِرضِي، وَأَسْتَعِيْنَ بِهِ عَلَى طَاعَةِ
رَبِّي. قَالَ: يَا ابْنَ المُبَارَكِ مَا أَحْسَنَ ذَا
إِنْ تَمَّ ذَا.
الفَتْحُ بنُ سُخْرُفٍ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بنُ يَزِيْدَ،
حَدَّثَنَا حِبَّانُ بنُ مُوْسَى، قَالَ: عُوتِبَ ابْنُ
المُبَارَكِ فِيْمَا يُفَرِّقُ مِنَ المَالِ فِي
البُلْدَانِ دُوْنَ بَلَدِهِ، قَالَ: إِنِّيْ أَعْرِفُ
مَكَانَ قَوْمٍ لَهُم فَضْلٌ وَصِدْقٌ، طَلَبُوا
الحَدِيْثَ، فَأَحْسَنُوا طَلَبَهُ لِحَاجَةِ النَّاسِ
إِلَيْهِم، احْتَاجُوا، فَإِنْ تَرَكْنَاهُم، ضَاعَ
عِلْمُهُم، وَإِنْ أَعَنَّاهُم، بَثُّوا العِلْمَ لأُمَّةِ
مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ
أَعْلَمُ بَعْدَ النُّبُوَّةِ أَفْضَلَ مِنْ بَثِّ
العِلْمِ.
عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: مَا
رَأَيْتُ أَحَداً يُحَدِّث للهِ إِلاَّ سِتَّةُ نَفَرٍ،
مِنْهُم: ابْنُ المُبَارَكِ.
أَبُو حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا بن الطبَّاع، عَنِ ابْنِ
مَهْدِيٍّ، قَالَ: الأَئِمَّةُ أَرْبَعَةٌ: سُفْيَانُ،
وَمَالِكٌ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَابْنُ المُبَارَكِ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: مَا رَأَيتُ
رَجُلاً أَعْلَمَ بِالحَدِيْثِ مِنْ سُفْيَانَ، وَلاَ
أَحْسَنَ عَقْلاً مِنْ مَالِكٍ، وَلاَ أَقشَفَ مِنْ
شُعْبَةَ، وَلاَ أَنصَحَ لِلأُمَّةِ مِنِ ابْنِ
المُبَارَكِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: سَمِعْتُ عَبْدَ
الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: مَا رَأَتْ عَيْنَايَ
مِثْلَ أَرْبَعَةٍ: مَا رَأَيتُ أَحْفَظَ لِلْحَدِيْثِ
مِنَ الثَّوْرِيِّ، وَلاَ أَشدَّ تَقَشُّفاً مِنْ
شُعْبَةَ، وَلاَ أَعقَلَ مِنْ مَالِكٍ، وَلاَ أَنصَحَ
لِلأُمَّةِ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ.
أَبُو نَشِيْطٍ: سَمِعْتُ نُعَيم بنَ حَمَّادٍ: قُلْتُ
لابْنِ مَهْدِيٍّ: أَيُّهُمَا أَفْضَلُ، ابْنُ المُبَارَكِ
أَوْ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ? فَقَالَ: ابْنُ المُبَارَكِ.
قُلْتُ: إِنَّ النَّاسَ يُخَالِفُوْنَكَ. قَالَ: إِنَّهُم
لَمْ يُجَرِّبُوا، مَا رَأَيْتُ مِثْلَ ابْنِ المُبَارَكِ.
نُوْحُ بنُ حَبِيْبٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، وَكَانَ نَسِيْجَ وَحْدِهِ.
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ بنِ مُحْرِزٍ:
سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ ابْنَ
مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ: ابْنُ المُبَارَكِ أَعْلَمُ مِنْ
سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أعْيَن: سَمِعْتُ عَبْدَ
الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ
أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، فَقَالُوا لَهُ: جَالَسْتَ
الثَّوْرِيَّ، وَسَمِعْتَ مِنْهُ، وَمِنِ ابْنِ
المُبَارَكِ، فَأَيُّهُمَا أَرْجَحُ? قَالَ: لَوْ أَنَّ
سُفْيَانَ جَهِدَ عَلَى أَنْ يَكُوْنَ يَوْماً مِثْلَ
عَبْدِ اللهِ، لَمْ يَقْدِرْ.
(7/370)
ابْنُ أَبِي العَوَّامِ: حَدَّثَنَا أَبِي،
سَمِعْتُ شُعَيْبَ بنَ حَرْبٍ يَقُوْلُ: قَالَ سُفْيَانُ:
إِنِّيْ لأَشتَهِي مِنْ عُمُرِي كُلِّهِ أَنْ أَكُوْنَ
سَنَةً مِثْلَ ابْنِ المُبَارَكِ، فَمَا أَقْدِرُ أَنْ
أَكُوْنَ وَلاَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ.
مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ
بَحْرٍ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بنُ مُوْسَى
الطَّرَسُوسي، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ سُفْيَانَ، فَقَالَ:
مَنْ أَيْنَ أَنْتَ? قَالَ: مَنْ أَهْلِ المَشْرِقِ.
قَالَ: أو ليس عِنْدَكُم أَعْلَمُ أَهْلِ المَشْرِقِ?
قَالَ: وَمَنْ هُوَ? قَالَ: عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ.
قَالَ: وَهُوَ أَعْلَمُ أَهْلِ المَشْرِقِ?! قَالَ:
نَعَمْ، وَأَهْلِ المَغْرِبِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ
بنُ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ القُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ قَالَ: كَانَ فُضَيْلٌ وَسُفْيَانُ
وَمَشْيَخَةٌ جُلُوْساً فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ،
فَطَلَعَ ابْنُ المُبَارَكِ مِنَ الثَّنِيَّةِ، فَقَالَ
سُفْيَانُ: هَذَا رَجُلُ أَهْلِ المَشْرِقِ. فَقَالَ
فُضَيْلٌ: رَجُلُ أَهْلِ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَمَا
بَيْنَهُمَا.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي جَمِيْلٍ، قَالَ: كُنَّا حَوْلَ
ابْنِ المُبَارَكِ بِمَكَّةَ، فَقُلْنَا لَهُ: يَا عَالِمَ
الشَّرقِ، حَدِّثْنَا -وَسُفْيَانُ قَرِيْبٌ مِنَّا
يَسْمَعُ- فَقَالَ: وَيْحَكُمْ! عَالِمَ المَشْرِقِ
وَالمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ قُهْزَاذ:
سَمِعْتُ أَبَا الوَزِيْرِ يَقُوْلُ: قَدِمْتُ عَلَى
سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، فَقَالُوا لَهُ: هَذَا وَصِيُّ
عَبْدِ اللهِ. فَقَالَ: رَحِمَ اللهُ عَبْدَ اللهِ، مَا
خَلَّفَ بخراسان مثله.
أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَاري: حَدَّثَنَا أَبُو عِصْمَةَ
قَالَ: شَهِدتُ سُفْيَانَ وَفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ، قَالَ
سُفْيَانُ لِفُضَيْلٍ: يَا أَبَا عَلِيٍّ! أَيُّ رَجُلٍ
ذَهَبَ! يَعْنِي: ابْنَ المُبَارَكِ. قَالَ: يَا أَبَا
محمد! وبقي بعد ابن المبارك من يُسْتَحيا مِنْهُ?!
مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ
حُمَيْدٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ الوَهَّابِ بنَ عَبْدِ الحَكَمِ
يَقُوْلُ: لَمَّا مَاتَ ابْنُ المُبَارَكِ، بَلَغَنِي
أَنَّ هَارُوْنَ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَالَ: مَاتَ
سَيِّدُ العُلَمَاءِ.
المُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ
الفَزَاري يَقُوْلُ: ابْنُ المُبَارَكِ إِمَامُ
المُسْلِمِيْنَ أَجْمَعِيْنَ. قُلْتُ: هَذَا الإِطلاَقُ
مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ مَعْنِيٌّ بِمُسْلِمِي زَمَانِهِ.
قَالَ المُسَيَّبُ: وَرَأَيْتُ أَبَا إِسْحَاقَ بَيْنَ
يَدَيِ ابْنِ المُبَارَكِ قَاعِداً يَسْأَلُهُ.
قَالَ أَبُو وَهْبٍ أَحْمَدُ بنُ رَافِعٍ -ورَّاق سُوَيْدِ
بن نصر: سمعت علي ابن إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ
يَقُوْلُ: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: نَظَرْتُ فِي أَمرِ
الصَّحَابَةِ وَأَمرِ عَبْدِ اللهِ، فَمَا رَأَيْتُ لَهُم
عَلَيْهِ فَضْلاً، إِلاَّ بِصُحْبَتِهِمُ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَغَزْوِهِم مَعَهُ.
(7/371)
مَحْمُودُ بنُ وَالاَن، قَالَ: سَمِعْتُ
عمَّار بنَ الحسن يمدح ابن المبارك، ويقول:
إِذَا سَارَ عَبْدُ اللهِ مِنْ مَرْوَ لَيْلَةَ ... فَقَدْ
سَارَ مِنْهَا نُوْرُهَا وَجَمَالُهَا
إِذَا ذُكِرَ الأَحْبَارُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ ... فَهُم
أَنْجُمٌ فِيْهَا وأنت هلالها
سهاشم بنُ مَرْثَد: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ طَالُوْتَ،
سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ، يَقُوْلُ: انْتَهَى
العِلْمُ إِلَى رَجُلَيْنِ: إِلَى ابْنِ المُبَارَكِ،
ثُمَّ إِلَى ابْنِ مَعِيْنٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى بنِ الجَارُوْدِ: قال علي
ابن المَدِيْنِيِّ: عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ أَوسَعُ
عِلْماً مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى
بنِ آدَمَ.
قَالَ أَبُو سَلَمة التَّبُوذكي: سَمِعْتُ سَلاَّمَ بنَ
أَبِي مُطِيْعٍ يَقُوْلُ: مَا خَلَّفَ ابْنُ المُبَارَكِ
بِالمَشْرِقِ مِثْلَهُ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الجُنيد: سَمِعْتُ
يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، وَذَكَرُوا عَبْدَ اللهِ بنَ
المُبَارَكِ، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ
حَافِظاً. فَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كَانَ عَبْدُ اللهِ
-رَحِمَهُ اللهُ- كَيِّساً، مُسْتَثْبِتاً، ثِقَةً،
وَكَانَ عَالِماً، صَحِيْحَ الحَدِيْثِ، وَكَانَتْ
كُتُبُهُ الَّتِي يُحَدِّثُ بِهَا عِشْرِيْنَ أَلْفاً أَوْ
وَاحِداً وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً.
قَالَ أَبُو مَعْشَرٍ حَمْدَوَيْه بنُ الخَطَّابِ
البُخَارِيُّ: سَمِعْتُ نَصْرَ بنَ المُغِيْرَةِ
البُخَارِيَّ، سَمِعْتُ إبراهيم بن شمَّاس يقول: رأيت أفقه
الناس ابْنَ المُبَارَكِ، وَأَورَعَ النَّاسِ الفُضَيْلَ،
وَأَحْفَظَ النَّاسِ وكيع بن الجراح.
أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمة: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ
مَعِيْنٍ يَقُوْلُ -وَذَكَرَ أَصْحَابَ سُفْيَانَ-
فَقَالَ: خَمْسَةٌ: ابْنُ المُبَارَكِ -فَبَدَأَ بِهِ-
وَوَكِيْعٌ، وَيَحْيَى، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو
نُعَيْمٍ.
قَالَ جَعْفَرُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ: قُلْتُ لابْنِ
مَعِيْنٍ: اخْتَلَفَ القَطَّانُ، وَوَكِيْعٌ? قَالَ:
القَوْلُ قَوْلُ يَحْيَى. قَالَ: فَإِذَا اخْتَلَفَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ، وَيَحْيَى? قَالَ: يَحتَاجُ مَنْ يَفْصِلُ
بَيْنَهُمَا. قُلْتُ: فَأَبُو نُعَيْمٍ وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ? قَالَ: يَحتَاجُ مَنْ يَفصِلُ بَيْنَهُمَا.
قُلْتُ: الأَشْجَعِيُّ? قَالَ: مَاتَ الأَشْجَعِيُّ،
وَمَاتَ حَدِيْثُهُ مَعَهُ. قُلْتُ: ابْنُ المُبَارَكِ?
قَالَ: ذَاكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ.
مَحْمُودُ بنُ وَالان: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُوْسَى،
سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُوْسَى يَقُوْلُ: كُنْتُ
عِنْدَ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، فَجَاءهُ رَجُلٌ، فَقَالَ:
مَنْ أَثْبَتُ فِي مَعْمَرٍ، ابْنُ المُبَارَكِ أَوْ
عَبْدُ الرَّزَّاقِ? وَكَانَ يَحْيَى مُتَّكِئاً،
فَجَلَسَ، وَقَالَ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ خَيْراً مِنْ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَمِنْ أَهْلِ قَرْيَتِهِ، كَانَ
عَبْدُ اللهِ سَيِّداً مِنْ سادات المسلمين.
(7/372)
وَسُئِلَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: إِذَا
اخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَعْمَرٍ? قَالَ: القَوْلُ قَوْلُ
ابْنِ المُبَارَكِ.
الدَّغُولي: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ زَكَرِيَّا،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ النَّضْرِ بنِ مُسَاوِرٍ، قَالَ:
قَالَ أَبِي: قُلْتُ لابْنِ المُبَارَكِ: هَلْ تَتَحَفَّظُ
الحَدِيْثَ? فَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَقَالَ: مَا
تَحَفَّظْتُ حَدِيْثاً قَطُّ، إِنَّمَا آخُذُ الكِتَابَ،
فأنظر فيه، فما اشتهيته، علق بقلبي.
قَالَ الحَسَنُ بنُ عِيْسَى: أَخْبَرَنِي صَخْرٌ -صَدِيْقُ
ابْنِ المُبَارَكِ- قَالَ: كُنَّا غِلْمَاناً فِي
الكُتَّابِ، فَمَرَرْتُ أَنَا وَابْنُ المُبَارَكِ،
وَرَجُلٌ يَخطُبُ، فَخَطَبَ خُطْبَةً طَوِيْلَةً، فَلَمَّا
فَرَغَ، قَالَ لِي ابْنُ المُبَارَكِ: قَدْ حَفِظتُهَا.
فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ، فَقَالَ: هَاتِهَا.
فَأَعَادهَا وَقَدْ حَفِظَهَا.
نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ،
قَالَ: قَالَ لِي أَبِي: لَئِنْ وَجَدْتُ كُتُبَكَ،
لأُحَرِقَنَّهَا. قُلْتُ: وَمَا عَلَيَّ مِنْ ذَلِكَ
وَهِيَ فِي صَدْرِي.
وَقَالَ أَبُو وَهْبٍ مُحَمَّدُ بنُ مُزَاحم: العَجَبُ
مِمَّنْ يَسْمَعُ الحَدِيْثَ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، عَنْ
رَجُلٍ، ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الرَّجُلَ حَتَّى يُحَدِّثُه
بِهِ.
قَالَ ابْنُ خِراش: ابْنُ المُبَارَكِ مَرْوَزِي، ثِقَةٌ.
قَالَ القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبَّادٍ: سَمِعْتُ
سُوَيْدَ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ ابْنَ
المُبَارَكِ بِمَكَّةَ أَتَى زَمْزَمَ، فَاسْتَقَى
شُربَةً، ثُمَّ اسْتَقبَلَ القِبْلَةَ، فَقَالَ:
اللَّهُمَّ إِنَّ ابْنَ أَبِي المَوَّالِ حَدَّثَنَا، عَنْ
مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- أنه قَالَ: "مَاءُ
زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ" 1 وَهَذَا أشربه لعطش القيامة
ثم شربه.
كَذَا قَالَ: ابْنُ أَبِي المَوَّالِ، وَصَوَابُهُ: ابْنُ
المُؤَمَّل عَبْدُ اللهِ المَكِّيُّ، وَالحَدِيْثُ بِهِ
يُعْرَفُ، وهو
__________
1 صحيح: أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" "10/ 116"،
والبيهقي في "شعب الإيمان" من طريق سويد بن سعيد قال: رأيت
عبد الله بن المبارك بمكة أتى زمزم، فاستقى منه شربة، ثم
استقبل الكعبة ثم قال: اللَّهُمَّ إِنَّ ابْنَ أَبِي
المَوَّالِ، حَدَّثَنَا عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ،
عَنْ جَابِرٍ، عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ"
وَهَذَا أشربه لعطش القيامة، ثم شربه" وقال البيهقي: غريب
تفرد به سويد.
قلت: سويد بن سعيد، صدوق في نفسه، إلا أنه عمي فصار يتلقن
ما ليس من حديثه، وأفحش فيه ابن معين القول. كما ذكره
الحافظ في "التقريب"، وأخرجه أحمد "3/ 357 و372"، وابن
ماجه "3062"، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" "2/ 303"،
والبيهقي "5/ 148"، والخطيب في "تاريخ بغداد" "3/ 179"،
والأزرقي في "أخبار مكة" "291" من طرق عن عبد الله بن
المؤمل، عن أبي الزبير، عن جابر، به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه علتان: الأولى: عبد الله بن المؤمل،
ضعيف الحديث. والثانية: أبو الزبير، هو محمد بن مسلم بن
تدرس المكي، وقد عنعنه.
(7/373)
مِنَ الضُّعَفَاءِ، لَكِنْ يَرْوِيْهِ عَنْ
أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، فَعَلَى كُلِّ حَالٍ
خَبَرُ ابْنِ المُبَارَكِ فَرْدٌ مُنْكَرٌ، مَا أَتَى بِهِ
سِوَى سُوَيْدٍ، رَوَاهُ: المَيَانَجِيُّ، عَنِ ابْنِ
عَبَّادٍ.
أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ: سَمِعْتُ
الخَلِيْلَ أَبَا مُحَمَّدٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ
المُبَارَكِ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، قَالَ:
بُغْضُ الحَيَاةِ وَخَوْفُ اللهِ أَخْرَجَنِي ... وَبَيْعُ
نَفْسِي بِمَا لَيْسَتْ لَهُ ثَمَنَا
إِنِّيْ وَزَنْتُ الَّذِي يَبْقَى لِيَعْدِلَهُ ... مَا
لَيْسَ يَبْقَى فَلاَ وَاللهِ مَا اتَّزَنَا
قَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ
إِذَا قَرَأَ كِتَابَ "الرِّقَاقِ"، يَصِيْرُ كَأَنَّهُ
ثَوْرٌ مَنْحُوْرٌ، أَوْ بَقَرَةٌ مَنْحُوْرَةٌ مِنَ
البُكَاءِ، لاَ يَجْتَرِئُ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَسْأَلَه
عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ دَفَعَهُ.
أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بنُ
سُلَيْمَانَ المَرْوَزِيُّ، قَالَ: كُنَّا سَرِيَّةً مَعَ
ابْنِ المُبَارَكِ فِي بِلاَدِ الرُّوْمِ، فَصَادَفْنَا
العَدُوَّ، فَلَمَّا التَقَى الصَّفَّانِ، خَرَجَ رَجُلٌ
مِنَ العَدُوِّ، فَدَعَا إِلَى البِرَازِ، فَخَرَجَ
إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ آخَرُ، فَقَتَلَهُ
ثُمَّ آخَرُ فَقَتَلَهُ ثم دعا إلى البزاز، فَخَرَجَ
إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَطَارَدَهُ سَاعَةً، فَطَعَنَهُ،
فَقَتَلَهُ، فَازدَحَمَ إِلَيْهِ النَّاسُ، فَنَظَرْتُ،
فَإِذَا هُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، وَإِذَا هُوَ
يَكْتُمُ وَجْهَهُ بِكُمِّهِ، فَأَخَذْتُ بِطَرَفِ
كُمِّهِ، فَمَدَدْتُهُ، فَإِذَا هُوَ هو، فقال: وأنت يَا
أَبَا عَمْرٍو مِمَّنْ يُشَنِّعُ عَلَيْنَا!!
قَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ: حَدَّثَنِي بَعْضُ
أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَهْبٍ يَقُوْلُ:
مَرَّ ابْنُ المُبَارَكِ بِرَجُلٍ أَعْمَى، فَقَالَ لَهُ:
أَسْأَلُكَ أَنْ تَدعُوَ لِي أَنْ يَرُدَّ اللهَ عَلَيَّ
بَصَرِي. فَدَعَا اللهَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ بَصَرَهُ
وَأَنَا أَنْظُرُ.
وَقَالَ أَبُو حَسَّانٍ عِيْسَى بنُ عَبْدِ اللهِ
البَصْرِيُّ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ عَرَفَةَ يَقُوْلُ:
قَالَ لِي ابْنُ المُبَارَكِ: اسْتَعَرتُ قَلَماً بِأَرْضِ
الشَّامِ، فَذَهَبتُ عَلَى أَنْ أَرُدَّهُ، فَلَمَّا
قَدِمْتُ مَرْوَ، نَظَرْتُ، فَإِذَا هُوَ مَعِي، فَرَجَعتُ
إِلَى الشَّامِ حَتَّى رَدَدْتُهُ عَلَى صَاحِبِهِ.
قَالَ أَسْوَدُ بنُ سَالِمٍ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ
إِمَاماً يُقْتَدَى بِهِ، كَانَ مِنْ أَثبَتِ النَّاسِ فِي
السُّنَّةِ، إِذَا رَأَيْتَ رَجُلاً يَغمِزُ ابْنَ
المُبَارَكِ، فَاتَّهِمْهُ عَلَى الإِسْلاَمِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ
مُحَمَّدٍ المِصْرِيُّ بِهَا، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ
عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ الكَاتِبُ بِبَغْدَادَ،
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ
القَاضِي، وَأَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ
الدَّايَةِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ
الطَّرَائِفِيُّ "ح". وَأَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي
مَنْصُوْرٍ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ كِتَابَةً، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو
مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ
(7/374)
المُقْرِئُ، وَأَنْبَأَنَا يَحْيَى،
أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى
بنُ عَلِيِّ بنِ الطَّرَّاحِ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ
عَبْدِ الصَّمَدِ، وَأَبُو غَالِبٍ بنُ البَنَّاء "ح".
وَأَخْبَرَنَا أَبُو المُرْهفِ المِقْدَادُ بنُ أَبِي
القاسم القيسي، أخبرنا بن محمد الرزاز "ح". وَأَخْبَرَنَا
المُسَلَّم بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلاَّنَ فِي كِتَابِهِ،
وَغَيْرُهُ، أَنَّ دَاوُدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ
الوَكِيْلَ أَخْبَرَهُم، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو
الفَضْلِ الأُرْمَوِيُّ، وَكَتَبَ إِلَيْنَا الفَخْرُ
عَلِيُّ بنُ البُخَارِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَتْنَا نِعْمَةُ
بِنْتُ عَلِيِّ بنِ يَحْيَى بنِ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا
جَدِّي، قَالَ سبعتهٌم: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ
مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ المُعَدِّلُ، أَخْبَرَنَا أَبُو
الفَضْلِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ
الفِرْيابي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ البَلْخي
بِسَمَرْقَنْدَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَمَائَتَيْنِ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا
ابْنُ لَهِيْعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو المُصْعَبِ مشْرَح بنِ
هَاعَانَ عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ الجُهَنِيِّ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"أَكْثَرُ مُنَافِقِي أُمَّتِي قُرَّاؤُهَا" 1.
وَبِهِ إِلَى الفِرْيَابِيُّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بنُ
سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيْعَةَ، عَنْ مِشْرَح،....
فَذَكَرَهُ.
وَبِهِ إِلَى الفِرْيَابِيِّ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ
سَعِيْدُ بنُ يَعْقُوْبَ الطَّالْقاني، حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللهِ بنُ المُبَارَكِ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ
هَارُوْنَ بنِ رِئَابٍ: أَنَّ عَبْدَ الله بن عمر لما
حضرته الوفاة، قال:
__________
1 صحيح: ورد من حديث عبد الله بن عمرو، وعقبة بن عمرو،
وعبد الله بن عباس، وعصمة بن مالك -رضي الله عنهم: أما
حديث عبد الله بن عمرو: فأخرجه عبد الله بن المبارك في
"الزهد" "451"، وأحمد "2/ 175"، والبخاري في "التاريخ
الكبير" "1/ 1/ 257" حدثنا عبد الرحمن بن شريح المعافري،
حدثني شراحيل بن يزيد، عن محمد بن هدية الصدفي، عنه، به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه محمد بن هدية، ذكره البخاري في
"التاريخ" "1/ 1/ 257"، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"
"4/ 1/ 115"، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا، فهو مجهول.
وأما حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه: فأخرجه أحمد "4/
151 و154-155"، وابن عدي في "الكامل" "4/ 148"، والخطيب في
"تاريخ بغداد" "1/ 357"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" "10/
19/ 1" من طرق عن ابن لهيعة، حدثنا مشرح بن هاعان، عنه،
به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه ابن لهيعة. ومشرح صدوق لينه ابن
حبان. وقال ابن معين: ثقة. وقال ابن حبان: يروى عن عقبة
مناكير لا يُتابع عليها، وأما حديث ابن عباس -رضي الله
عنهما: فأخرجه العقيلي في "الضعفاء الكبير" "1/ 274" من
طريق حفص بن عمر العدني قال: حدثنا الحكم بن أبان، عن
عكرمة، عنه، به، وقال العقيلي في إثره: "لا يُتابع حفص
عليه، وقد روي هذا عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، عَنِ
النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بإسناده صالح"، وأما حديث
عصمة بن مالك -رضي الله عنه: أخرجه ابن عدي في "الكامل"
"6/ 15" من طريق الفضل بن المختار، عند عبد الله بن موهب،
عنه، به، وقال ابن عدي في إثره: "عامة حديث الفضل بن
المختار، لا يُتابع عليه"، وقال أبو حاتم: أحاديثه منكرة
وكذا قال الأزدي.
(7/375)
انْظُرُوا فُلاَناً لِرَجُلٍ مِنْ
قُرَيْشٍ، فَإِنِّي كُنْتُ قُلْتُ لَهُ فِي ابْنَتِي
قَوْلاً كَشَبِيْهِ العِدَةِ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَلْقَى
الله -تَعَالَى- بِثُلُثِ النِّفَاقِ، وَأُشْهِدُكُم
أَنِّي قَدْ زَوَّجْتُهُ.
هَارُوْنُ ثِقَةٌ، لَكِنَّهُ لَمْ يَلْحَقْ عَبْدَ اللهِ
بنَ عَمْرٍو.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ فِي
زَمَانِ ابْنِ المُبَارَكِ أَطْلَبَ لِلْعِلْمِ مِنْهُ.
وَعَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا أَحَدٌ
مِثْلُ ابْنِ المُبَارَكِ.
وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَطْلَبَ
لِلْعِلْمِ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَهُوَ فِي
المُحَدِّثِيْنَ مِثْلُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ فِي
النَّاسِ.
قَالَ الحَسَنُ بنُ عِيْسَى بنِ ماسَرْجس مَوْلَى ابْنِ
المُبَارَكِ: اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِثْلُ الفَضْلِ بنِ
مُوْسَى، ومَخْلَد بنِ الحُسَيْنِ، فَقَالُوا: تَعَالَوْا
نَعُدُّ خِصَالَ ابْنِ المُبَارَكِ مِنْ أَبْوَابِ
الخَيْرِ، فَقَالُوا: العِلْمُ، وَالفِقْهُ، وَالأَدَبُ،
وَالنَّحْوُ، وَاللُّغَةُ، وَالزُّهْدُ، وَالفَصَاحَةُ،
وَالشِّعْرُ، وَقِيَامُ اللَّيْلِ، وَالعِبَادَةُ،
وَالحَجُّ، وَالغَزْوُ، وَالشَّجَاعَةُ،
وَالفُرُوْسِيَّةُ، وَالقُوَّةُ، وَتَرْكُ الكَلاَمِ
فِيْمَا لاَ يَعْنِيْهِ، وَالإِنصَافُ، وَقِلَّةُ
الخِلاَفِ عَلَى أَصْحَابِهِ.
قَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: قَالَ رَجُلٌ لابْنِ
المُبَارَكِ: قَرَأْتُ البَارِحَةَ القُرْآنَ فِي
رَكْعَةٍ. فَقَالَ: لَكِنِّي أَعْرِفُ رَجُلاً لَمْ يَزَلِ
البَارِحَةَ يُكَرِّرُ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}
[التَّكَاثُرُ: 1] ، إِلَى الصُّبْحِ، مَا قَدِرَ أَنْ
يَتَجَاوَزَهَا -يَعْنِي: نَفْسَهُ.
قَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ
إِسْحَاقَ البُنَانِيِّ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ:
حَمَلتُ العِلْمَ عَنْ أَرْبَعَةِ آلاَفِ شَيْخٍ، فَرَويتُ
عَنْ أَلفِ شَيْخٍ. ثُمَّ قَالَ العَبَّاسُ:
فَتَتَبَّعْتُهُم حَتَّى وَقَعَ لِي ثَمَانُ مائَةِ شَيْخٍ
لَهُ.
قَالَ حَبِيْبٌ الجَلاَّبُ: سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ:
مَا خَيْرُ مَا أعطيَ الإِنْسَانُ? قَالَ: غَرِيْزَةُ
عَقْلٍ. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ? قَالَ: حُسْنُ
أَدَبٍ. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ? قَالَ: أَخٌ شَفِيْقٌ
يَسْتَشِيْرُهُ. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ? قَالَ:
صَمْتٌ طَوِيْلٌ. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ? قَالَ:
مَوْتٌ عَاجِلٌ.
وَرَوَى عَبْدَانُ بنُ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ،
قَالَ: إِذَا غَلَبَتْ مَحَاسِنُ الرَّجُلِ عَلَى
مَسَاوِئِهِ، لَمْ تُذْكَرِ المَسَاوِئُ، وَإِذَا غَلَبَتِ
المَسَاوِئُ عَنِ المَحَاسِنِ، لَمْ تُذْكَرِ المَحَاسِنُ.
قَالَ نُعَيم: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ:
عَجِبتُ لِمَنْ لَمْ يَطلُبِ العِلْمَ، كَيْفَ تَدعُوْهُ
نَفْسُهُ إِلَى مكرمة؟!
(7/376)
قَالَ عُبَيْدُ بنُ جَنَّادٍ: قَالَ لِي
عَطَاءُ بنُ مُسْلِمٍ: رَأَيْتَ ابْنَ المُبَارَكِ?
قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: مَا رَأَيْتَ وَلاَ تَرَى مِثْلَهُ.
قَالَ عُبَيْدُ بنُ جَنَّادٍ: وَسَمِعْتُ العُمَرِيَّ
يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ فِي دَهْرِنَا هَذَا مَنْ يَصلُحُ
لِهَذَا الأَمْرِ -يَعْنِي: الإِمَامَةَ- إِلاَّ ابْنَ
المُبَارَكِ.
قَالَ مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ
ابْنِ المُبَارَكِ، تُصِيْبُ عِنْدَهُ الشَّيءَ الَّذِي
لاَ تُصِيْبُهُ عِنْدَ أَحَدٍ.
قَالَ شَقِيْقٌ البَلْخي: قِيْلَ لابْنِ المُبَارَكِ:
إِذَا أَنْتَ صَلَّيْتَ لِمَ لاَ تَجْلِسُ مَعَنَا? قَالَ:
أَجلِسُ مَعَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ، أَنْظُرُ فِي
كُتُبِهِم وَآثَارِهِم، فَمَا أَصْنَعُ مَعَكُم? أَنْتُم
تَغْتَابُوْنَ النَّاسَ.
وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: لِيَكُنْ عُمْدَتُكُم
الأَثَرُ، وَخُذُوا مِنَ الرَّأْيِ مَا يُفَسِّرُ لَكُمُ
الحَدِيْثَ.
مَحْبُوبُ بنُ الحَسَنِ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ
يَقُوْلُ: مَنْ بَخِلَ بِالعِلْمِ، ابْتُلِي بِثَلاَثٍ:
إِمَّا مَوْتٌ يُذْهِبُ عِلْمَهُ، وَإِمَّا يَنْسَى،
وَإِمَّا يَلْزَمُ السُّلْطَانَ، فَيَذْهَبُ عِلْمُهُ.
وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْفَعَةِ
العِلْمِ أَنْ يُفيد بعضُهم بَعْضاً.
المُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ وقيل
لَهُ: الرَّجُلُ يَطلُبُ الحَدِيْثَ للهِ، يَشتَدُّ فِي
سَنَدِهِ. قَالَ: إِذَا كَانَ للهِ، فَهُوَ أَوْلَى أَنْ
يَشتَدَّ فِي سَنَدِهِ.
وَعَنْهُ، قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا فِي القَلْبِ،
وَالذُّنُوْبُ فَقَدِ احْتَوَشَتْهُ، فَمَتَى يَصِلُ
الخَيْرُ إِلَيْهِ?
وَعَنْهُ قَالَ: لَوِ اتَّقَى الرَّجُلُ مائَةَ شَيْءٍ،
وَلَمْ يَتَّقِ شَيْئاً وَاحِداً، لَمْ يَكُ مِنَ
المُتَّقِيْنَ، وَلَو تَوَرَّعَ عَنْ مائَةِ شَيْءٍ، سِوَى
وَاحِدٍ، لَمْ يَكُنْ وَرِعاً، وَمَنْ كَانَتْ فِيْهِ
خُلَّةٌ مِنَ الجَهْلِ، كَانَ مِنَ الجَاهِلِيْنَ، أَمَا
سَمِعْتَ اللهَ يَقُوْلُ لِنُوْحٍ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-
مِنْ أَجْلِ ابْنِهِ: {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ
الْجَاهِلِينَ} [هُوْدُ: 46] .
إِسْنَادُهَا لاَ يَصِحُّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ
المُبَارَكِ خِلاَفُ هَذَا، وَأَنَّ الاعْتِبَارَ
بِالكَثْرَةِ، وَمُرَادُهُ بِالخُلَّةِ مِنَ الجَهْلِ:
الإِصرَارُ عَلَيْهَا.
وَجَاءَ أَنَّ ابْنَ المُبَارَكِ سُئِلَ: مَنِ النَّاسُ?
فَقَالَ: العُلَمَاءُ. قِيْلَ: فَمَنِ المُلُوْكُ? قَالَ:
الزُّهَّادُ. قِيْلَ: فَمَنِ الغَوْغَاءُ? قَالَ:
خُزَيْمَةُ وَأَصْحَابُهُ -يَعْنِي: مِنْ أُمَرَاءِ
الظَّلَمَةِ. قِيْلَ: من السَّفِلَةُ? قَالَ: الَّذِيْنَ
يَعِيْشُوْنَ بِدِيْنِهِم.
وَعَنْهُ، قَالَ: لِيَكُنْ مَجْلِسُكَ مَعَ المَسَاكِيْنِ،
وَإِيَّاكَ أَنْ تَجلِسَ مَعَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ.
(7/377)
وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: إِذَا
عَرَفَ الرَّجُلُ قَدْرَ نَفْسِهِ، يَصِيْرُ عِنْدَ
نَفْسِهِ أَذَلَّ مِنْ كَلْبٍ.
وَعَنْهُ، قَالَ: لاَ يَقَعُ مَوقِعَ الكَسْبِ عَلَى
العِيَالِ شَيْءٌ، وَلاَ الجِهَادُ فِي سَبِيْلِ اللهِ.
وَقَالَ: رُبَّ عَمَلٍ صَغِيْرٍ تُكَثِّرُهُ النِّيَّةُ،
وَرُبَّ عَمَلٍ كَثِيْرٍ تُصَغِّرُهُ النِّيَّةُ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ إِجَازَةً، عَنْ
عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ مُحَمَّدٍ الكَاغِدِيِّ،
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو
نُعَيْمٍ الحافظ، حدثنا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ
الطَّالْقَاني، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ عَنِ
الرَّجُلِ يُصَلِّي عَنْ أَبَوَيهِ، فَقَالَ: مَنْ
يَرْوِيْهِ? قُلْتُ: شِهاب بن خراش. قال: ثقة، عمن? قلت:
عن الحَجَّاجِ بنِ دِيْنَارٍ. قَالَ: ثِقَةٌ عَمَّنْ?
قُلْتُ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. قَالَ: بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَفَاوِزُ تَنْقَطِعُ فِيْهَا
أَعْنَاقُ الإِبِلِ1.
أَخْبَرَنَا بِيْبَرْسُ بنُ عَبْدِ اللهِ المَجْدِيُّ،
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الدَّوَامِيُّ،
أَخْبَرَتْنَا تَجَنِّي مَوْلاَةُ ابْنِ وَهْبَانَ،
وَأَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
المَرْدَاوِيُّ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ
بنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ
الخَطِيْبُ، وَتَجَنِّي الوَهْبَانِيَّةُ، وَفَخْرُ
النِّسَاءِ شُهْدة "ح". وَأَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ
عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ تَاجِ الأُمَنَاءِ،
قالا: أخبرنا محمد ابن إِبْرَاهِيْمَ "ح". وَأَخْبَرَتْنَا
سِتُّ الأَهْلِ بِنْتُ النَّاصِحِ، أَخْبَرَنَا البَهَاءُ
عَبْد الرَّحْمَنِ، قَالاَ: أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ،
قَالُوا: أَخْبَرَنَا طِرَادُ بنُ مُحَمَّدٍ
الزَّيْنَبِيُّ "ح". وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ
الوَهَّابِ الأَغْلَبِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ
مُخْتَارٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ،
أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا
هِلاَلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ الحفَّار، حَدَّثَنَا
الحُسَيْنُ بنُ يَحْيَى القَطَّانُ، حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُجَشَّر، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ
المُبَارَكِ، عَنْ سفيان، عن عَاصِمٍ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ
أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَمَرَرْتُ
مَعَهُ بِبُقْعَةٍ. فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "رُبَّ
يَمِيْنٍ لاَ تَصْعَدُ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي
هَذِهِ البُقْعَةِ"2.
قَالَ أَبُو هريرة: فرأيت فيها النخاسين3.
__________
1 أخرجه مسلم "1/ 16".
2 ضعيف: أخرجه أحمد "2/ 303" قال: حدثنا عبد الرحمن، عن
سفيان، عن عاصم، به.
قلت: إسناده ضعيف لضعف عاصم، وهو ابن عبيد الله بن عاصم،
وعبيد مولى أبي رهم مجهول، لذا قال الحافظ في "التقريب":
مقبول. وسفيان هو الثوري.
3 النَّخَّاس: بيَّاع الدَّوابِّ والرقيق.
(7/378)
وَبِهِ, إِلَى ابْنِ المُبَارَكِ:
أَخْبَرَنَا ابْنُ عَجْلاَنَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَكُلُّ
مُسْكرٍ خَمْرٌ" 1.
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِقٍ الأَسَدِيُّ،
أَخْبَرَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرحيم بن
محمد الكاغدي، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ،
أَخْبَرْنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي رِزْمة، سَمِعْتُ عَلِيَّ
بنَ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ
المُبَارَكِ، يَقُوْلُ: إِنَّا لَنَحكِي كَلاَمَ
اليَهُوْدِ وَالنَّصَارِى، وَلاَ نَستَطِيْعُ أَنْ نَحكِيَ
كَلاَمَ الجَهْمِيَّةِ2.
وَبِهِ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ السَّرَّاج:
سَمِعْتُ أَبَا يحيى يقول: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحَسَنِ
بنِ شَقِيْقٍ يَقُوْلُ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بنِ
المُبَارَكِ: كَيْفَ يُعْرَفُ رَبُّنَا -عَزَّ وَجَلَّ?
قَالَ: فِي السَّمَاءِ عَلَى العَرْشِ. قُلْتُ لَهُ: إِنَّ
الجَهْمِيَّةَ تَقُوْلُ هَذَا. قَالَ: لاَ نَقُوْلُ كَمَا
قَالَتِ الجَهْمِيَّةُ، هُوَ معنا هاهنا.
قُلْتُ: الجَهْمِيَّةُ يَقُوْلُوْنَ: إِنَّ البَارِي
تَعَالَى فِي كُلِّ مَكَانٍ وَالسَّلَفُ يَقُوْلُوْنَ:
إِنَّ عِلْمَ البَارِي فِي كُلِّ مَكَانٍ وَيَحْتَجُّونَ
بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا
كُنْتُمْ} [الحَدِيْدُ: 4] ، يَعْنِي: بِالعِلْمِ،
وَيَقُوْلُوْنَ: إِنَّهُ عَلَى عَرْشِهِ اسْتَوَى، كَمَا
نَطَقَ بِهِ القُرْآنُ وَالسُّنَّةُ.
وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ، وَهُوَ إِمَام وَقْتِهِ: كُنَّا
-وَالتَّابِعُوْنَ مُتَوَافِرُوْنَ- نَقُوْلُ: إِنَّ اللهَ
-تَعَالَى- فَوْقَ عَرْشِه، وَنُؤمِنُ بِمَا وَرَدَتْ بِهِ
السُّنَّةُ مِنْ صِفَاتِهِ، وَمَعْلُوْمٌ عِنْدَ أَهْلِ
العِلْمِ مِنَ الطَّوَائِفِ أَنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ
إِمرَارُ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيْثِهَا كَمَا جَاءتْ
مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ وَلاَ تَحرِيْفٍ، وَلاَ
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "2/ 16 و29 و134"، وفي "الأشربة" "75"
و"189" و"195"، وابن أبي شيبة "8/ 101"، ومسلم "2003" "74"
و"75"، وابن الجارود "857"، والطبراني في "الصغير" "143"
و"546" و"922"، والدارقطني "4/ 248-249 و250"، والبيهقي
"8/ 294 و296" من طرق عن نافع، عن ابن عمر، به.
2 الجهمية: هم أتباع جَهم بن صفوان، الذي قال بالإجبار
والاضطرار إلى الأعمال، وأنكر الاستطاعات كلها، وزعم أن
الجنة والنار تبيدان وتفنيان، وزعم أيضا أن الإيمان هو
المعرفة بالله تعالى فقط، وأن الكفر هو الجهل به فقط،
وقال: لا فعل ولا عمل لأحد غير الله تعالى، وإنما تنسب
الأعمال إلى المخلوقين على المجاز، وزعم أيضًا أن علم الله
تعالى حادث، وامتنع من وصف الله تعالى بأنه شيء أوحى أو
عالم أو مريد، وقال: لا أصفه بوصف يجوز إطلاقه على غيره،
كشيء وموجود وحي وعالم ومريد ونحو ذلك، ووصفه بأنه قادر
وموجد وفاعل وخالق ومحيي ومميت، لأن هذه الأوصاف مختصة به
وحده، وقال بحدوث كلام الله تعالى كما قالته القدرية، ولم
يسم الله تعالى متكلما به.
وأكفره أهل السنة والجماعة، وأكفرته القدرية في قوله بأن
الله تعالى خالق أعمال العباد، فاتفق أصناف الأمة على
تكفيره.
(7/379)
تشيبه وَلاَ تَكْيِيفٍ، فَإِنَّ الكَلاَمَ
فِي الصِّفَاتِ فَرْعٌ عَلَى الكَلاَمِ فِي الذَّاتِ
المُقَدَّسَةِ. وَقَدْ عَلِمَ المسلمون أن ذات الباري
موجودة حقيقية، لاَ مِثْلَ لَهَا، وَكَذَلِكَ صِفَاتُهُ
-تَعَالَى- مَوْجُوْدَةٌ، لاَ مِثْلَ لَهَا.
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ الفَقِيْهُ
إِجَازَةً، أَخْبَرَنَا عَبْدُ القَادِرِ الحَافِظُ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي نَصْرٍ بِأَصْبَهَانَ،
أَخْبَرَنَا حُسَيْنُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللهِ بنُ شَبِيْبٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ
السُّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ
اللُّبْنَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ فِي كِتَابِ
"الرَّدِّ عَلَى الجَهْمِيَّةِ"1 لَهُ، قَالَ: حَدَّثَنِي
أحمد بن إبراهيم الدَّورقي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ
الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ
المُبَارَكِ: كَيْفَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَعْرِفَ
رَبَّنَا? قَالَ: عَلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى
عَرْشِه، وَلاَ نَقُوْلُ كَمَا تَقُوْلُ الجَهْمِيَّةُ:
إنه ههنا فِي الأَرْضِ.
وَرَوَى عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ فِي هَذَا الكِتَاب
بِإِسْنَادِهِ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ: أَنَّ رَجُلاً
قَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَدْ خِفْتُ
اللهَ -تَعَالَى- مِنْ كَثْرَةِ مَا أَدْعُو عَلَى
الجَهْمِيَّةِ. قَالَ: لاَ تَخَفْ، فَإِنَّهُم
يَزْعُمُوْنَ أَنَّ إِلَهَكَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ
لَيْسَ بِشَيْءٍ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ: كُلُّ حَدِيْثٍ لاَ
يَعْرِفُهُ ابْنُ المُبَارَكِ، فَنَحْنُ مِنْهُ بَرَاءٌ.
وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ قَالَ: فِي صَحِيْحِ الحَدِيْثِ
شُغْلٌ عَنْ سَقِيْمِهِ.
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَحْمَدَ الجُذامي، أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بنُ عِمَادٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ رِفَاعَةَ،
أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الخِلعِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ
الحَاجِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثنَا العَبَّاسُ
بنُ الفَضْلِ الأَسْفَاطِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ
يُوْنُسَ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ قَرَأَ شَيْئاً مِنَ
القُرْآنِ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا
مَخْلُوْقٌ، فَقَدْ كفر بالله العظيم.
قَالَ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ: قُمْتُ لأخرج من
ابْنِ المُبَارَكِ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ مِنَ
المَسْجِدِ، فَذَاكَرَنِي عِنْد البَابِ بِحَدِيْثٍ -أَوْ
ذَاكَرْتُهُ- فَمَا زِلْنَا نَتَذَاكَرُ حَتَّى جَاءَ
المُؤَذِّنُ لِلصُّبْحِ.
وَقَالَ فَضَالَةُ النَّسَائِيُّ: كُنْتُ أُجَالِسُهُم
بِالكُوْفَةِ، فَإِذَا تَشَاجَرُوا فِي حَدِيْثٍ، قَالُوا:
مُرُّوا بِنَا إِلَى هَذَا الطبيب حتى نسأله -يعنون ابن
المبارك.
__________
1 هذا الكتاب ليس بثابت نسبته إلى الإمام أحمد -رحمه الله
تعالى- فقد رواه عن عبد الله بن الامام أحمد الخضر بن
المثنى، وهو مجهول. وهناك كتب ثابتة صحيحة نسبتها إلى
مؤلفيها في هذا الباب: مثل كتاب: "الرد على الجهمية"
لعثمان بن سعيد الدارمي المتوفى سنة "280هـ"، وكتاب: "الرد
على الجهمية" لابن منده المتوفى "395هـ" وقد حققه الدكتور
علي بن محمد بن ناصر الفقيهي، وطبع بالجامعة الإسلامية
بالمدينة المنورة.
(7/380)
قَالَ وَهْبُ بنُ زَمْعة المَرْوَزِي:
حدَّثَ جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ بِحَدِيْثٍ عَنِ
ابْنِ المُبَارَكِ، فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ
الحَمِيْدِ! تُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللهِ، وَقَدْ لَقِيْتَ
مَنْصُوْرَ بنَ المُعْتَمِرِ? فَغَضِبَ، وَقَالَ: أَنَا
مِثْلُ عَبْدِ اللهِ، أَحْمِلُ عِلْمَ أَهْلِ خُرَاسَانَ،
وَعِلمَ أَهْلِ العِرَاقِ، وَأَهْلِ الحِجَازِ، وَأَهْلِ
اليَمَنِ، وَأَهْلِ الشَّامِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَاري: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ
بني هاشم إلى عبد الله ابن المُبَارَكِ لِيَسْمَعَ مِنْهُ،
فَأَبَى أَنْ يُحَدِّثَهُ. فَقَالَ الشَّرِيْفُ
لِغُلاَمِهِ: قُمْ، فَإِنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لاَ
يَرَى أَنْ يُحَدِّثَنَا. فَلَمَّا قَامَ لِيَركَبَ، جَاءَ
ابْنُ المُبَارَكِ لِيُمْسِكَ بِرِكَابِه، فَقَالَ: يَا
أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، تَفْعَلُ هَذَا، وَلاَ تَرَى
أَنْ تُحَدِّثَنِي؟ فَقَالَ: أَذِلُّ لَكَ بَدَنِي، وَلاَ
أَذِلُّ لَكَ الحَدِيْثَ.
رَوَى المسيَّب بنُ وَاضِحٍ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ
المُبَارَكِ -وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَمَّنْ يَأْخُذُ-
فَقَالَ: قَدْ يَلقَى الرَّجُلُ ثِقَةً، وَهُوَ يُحَدِّثُ
عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ، وَقَدْ يَلْقَى الرَّجُلُ غَيْرَ
ثِقَةٍ يُحَدِّثُ عَنْ ثِقَةٍ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ
يَكُوْنَ: ثِقَةٌ عَنْ ثِقَةٍ.
عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ: سَمِعْتُ نُعَيْمَ
بنَ حَمَّادٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ ابْنَ المُبَارَكِ
يَقُوْلُ قَطُّ: "حَدَّثَنَا"، كَانَ يَرَى "أَخْبَرَنَا"
أَوْسَعَ، وَكَانَ لاَ يَرُدُّ عَلَى أَحَدٍ حَرفاً إِذَا
قَرَأَ.
وَقَالَ نُعَيْمٌ: مَا رَأَيْتُ أَعقَلَ مِنِ ابْنِ
المُبَارَكِ، وَلاَ أَكْثَرَ اجْتِهَاداً فِي العِبَادَةِ.
الحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ: قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ فِي
حَدِيْثِ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسْتَقِيْمُوا لِقُرَيْشٍ مَا
اسْتَقَامُوا لَكُمْ"1: يُفَسِّرُهُ حَدِيْثُ أُمِّ
سَلَمَةَ: "لاَ تَقْتُلُوْهُمْ مَا صَلَّوا" 2.
وَاحْتَجَّ ابْنُ المُبَارَكِ فِي مَسْأَلَةِ الإِرْجَاءِ،
وَأَنَّ الإِيْمَانَ يَتَفَاوَتُ، بِمَا رَوَى عَنِ ابْنِ
شَوْذَبٍ، عَنْ سَلَمَةَ بنِ كُهَيل، عَنْ هُزَيل بنِ
شُرحبيل، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَوْ وُزِنَ إِيْمَانُ
أَبِي بَكْرٍ بِإِيْمَانِ أَهْلِ الأَرْضِ، لَرَجَحَ.
قُلْتُ: مُرَادُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَهْلُ
أَرْضِ زَمَانِهِ.
نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ
يَقُوْلُ: السَّيْفُ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ
فِتْنَةٌ، وَلاَ أَقُوْلُ لأَحَدٍ منهم هو مفتون.
__________
1 ضعيف: سبق تخريجنا له في هذا الجزء بتعليقنا رقم "338"
فراجعه ثمَّت.
2 صحيح: أخرجه مسلم "1854"، وأبو داود "4760"، والترمذي
"2266"، وأحمد "6/ 295 و302 و305 و321" من حديث أم سلمة؛
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال: "ستكونُ أمراءُ، فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن
أنكر سَلمَ، ولكن من رضي وتابع". قالوا: أفلا نُقاتلهم؟
قال: "لا. ما صَلَّوا". واللفظ لمسلم.
(7/381)
وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَسُئِلَ: مَنِ
السِّفْلَةُ? قَالَ: الَّذِي يَدُورُ عَلَى القُضَاةِ
يَطلُبُ الشَّهَادَاتِ.
وَعَنْهُ قَالَ: إِنَّ البُصرَاءَ لاَ يَأْمنُوْنَ مِنْ
أَرْبَعٍ: ذَنْبٍ قَدْ مَضَى لاَ يُدْرَى مَا يَصْنَعُ
فِيْهِ الرَّبُّ -عَزَّ وَجَلَّ- وَعُمُرٍ قَدْ بَقِيَ لاَ
يُدْرَى مَا فِيْهِ مِنَ الهَلَكَةِ، وَفَضْلٍ قَدْ
أُعْطِيَ العَبْدُ لَعَلَّهُ مَكْرٌ وَاسْتِدْرَاجٌ،
وَضَلاَلَةٌ قَدْ زُيِّنَتْ، يَرَاهَا هُدَىً، وَزَيْغِ
قَلْبٍ سَاعَةً فَقَدْ يُسلَب المرءُ دِيْنَهُ وَلاَ
يَشعُرُ.
قَالَ مَنْصُوْرُ بنُ دِيْنَارٍ؛ صاحبُ ابْنِ المُبَارَكِ:
إِنَّ عَبْدَ اللهِ كَانَ يَتَصَدَّقُ لِمُقَامِهِ
بِبَغْدَادَ كُلَّ يَوْمٍ بِدِيْنَارٍ.
وَعَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ السُّكَّرِيِّ، قَالَ: كَانَ
عَبْدُ اللهِ يُعجِبُه إِذَا خَتَمَ القُرْآنَ أَنْ
يَكُوْنَ دُعَاؤُهُ فِي السُّجُودِ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ نُوْحٍ المَوْصِلِيُّ: قَدِمَ
الرَّشِيْدُ عَيْنَ زَرْبَةَ، فَأَمَرَ أَبَا سُلَيْمٍ
أَنْ يَأْتِيَهُ بَابْنِ المُبَارَكِ. قَالَ: فَقُلْتُ:
لاَ آمَنُ أَنْ يُجِيْبَ ابْنُ المُبَارَكِ بِمَا يَكرَهُ،
فَيَقتُلُهُ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! هُوَ
رَجُلٌ غَلِيْظُ الطِّبَاعِ، جِلْفٌ. فَأَمسَكَ
الرَّشِيْدُ.
الفَضْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْراني: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ
بنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلاً يَسْأَلُ ابْنَ
المُبَارَكِ عَنِ الرَّجُلِ يَصُوْمُ يَوْماً وَيُفطِرُ
يَوْماً. قَالَ: هَذَا رَجُل يُضِيعُ نِصْفَ عُمُرِهِ،
وَهُوَ لاَ يَدْرِي. يَعْنِي: لِمَ لاَ يَصُوْمُهَا.
قُلْتُ: أَحسِبُ ابْنَ المُبَارَكِ لَمْ يَذْكُرْ
حِيْنَئِذٍ حَدِيْثَ: "أفضل الصَّوْمِ صَوْمُ دَاوُدَ" 1،
وَلاَ حَدِيْثَ: النَّهْيِ عَنْ صوم الدهر2.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "1159" "192"، وابن خزيمة "2106" من
طريق شعبة، عن زياد بن فياض قال: سمعت أبا عياض عن عبد
الله بن عمرو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُوْلَ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له: "صم
يوما, ولك أجر ما بقي". قال: إني أطيق أكثر من ذلك. قال:
"صم يومين, ولك أجر ما بقي". قال: إني أطيق أكثر من ذلك.
قال: "صم ثلاثة أيام, ولك أجر ما بقي". قال: إني أطيق أكثر
من ذلك. قال: "صم أربعة أيام, ولك أجر ما بقي". قال: إني
أطيق أكثر من ذلك. قال: "فصم أفضل الصيام عند الله صوم
داود عليه السلام كان يصوم يوما ويفطر يوما". وأخرجه مسلم
"1159"، "189"، من طريق عمرو بنِ أَوْسٍ، عَنْ عَبْدِ
اللهِ بنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "إن أحب الصيام إلى
الله صيام داود، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود -عليه
السلام- كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، وكان
يصوم يوما ويفطر يوما".
2 صحيح: أخرجه مسلم "1159" "186" في حديث طويل من طريق ابن
جريج قال: سمعت عطاء يزعم أن العباس أخبره أنه سمع عبد
الله بن العاص يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في آخر الحديث الطويل: "لا
صام من صام الأبد، لا صام من صام الأبد, لا صام من صام
الأبد".
(7/382)
قَالَ أَبُو وَهْبٍ المَرْوَزي: سَأَلْتُ
ابْنَ المُبَارَكِ: مَا الكبْر? قَالَ: أَنْ تَزْدَرِيَ
النَّاسَ. فَسَأَلْتُهُ عَنِ العُجْبِ? قَالَ: أَنْ تَرَى
أَنَّ عِنْدَكَ شَيْئاً لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِك، لاَ
أَعْلَمُ فِي المُصَلِّيْنَ شَيْئاً شَرّاً مِنَ العُجْبِ.
قَالَ حَاتِمُ بنُ الجَرَّاحِ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ
الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ،
وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ قُرْحة خَرَجتْ فِي رُكبَتِهِ
مُنْذُ سَبْعِ سِنِيْنَ، وَقَدْ عَالَجتُهَا بِأَنْوَاعِ
العِلاَجِ، وَسَأَلْتُ الأَطِبَّاءَ، فَلَمْ أَنْتَفِعْ
بِهِ. فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَاحفِرْ بِئْراً فِي مَكَانِ
حَاجَةٍ إِلَى المَاءِ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يَنبُعَ
هُنَاكَ عَيْنٌ، وَيُمْسِكَ عَنْكَ الدَّمَ. فَفَعَلَ
الرَّجُلُ، فَبَرَأَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ
يُحَدِّثُ مِنَ الكِتَابِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ سَقطٌ
كَثِيْرٌ، وَكَانَ وَكِيْعٌ يُحَدِّثُ من حفظه، فكان يكون
له سقط، كم يَكُوْنُ حَفِظُ الرَّجُلِ!
وَرَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ ابْنَ المُبَارَكِ قِيْلَ
لَهُ: إِلَى مَتَى تَكتُبُ العِلْمَ? قَالَ: لَعَلَّ
الكَلِمَةَ الَّتِي أَنْتَفِعُ بِهَا لَمْ أَكتُبْهَا
بَعْدُ.
قَالَ عَمْرٌو النَّاقِدُ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ
يَقُوْلُ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا أَحَدٌ يُشْبِهُ ابْنَ
المُبَارَكِ، وَيَحْيَى بنَ أَبِي زَائِدَةَ.
وَقَالَ مَخْلَدُ بنُ الحُسَيْنِ: جَالَسْتُ أَيُّوْبَ،
وَابْنَ عَوْنٍ، فَلَمْ أَجِدْ فِيْهِم مَنْ أُفَضِّلُهُ
عَلَى ابْنِ المُبَارَكِ.
قَالَ عَبْدَانُ: قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ -وَذَكَرَ
التَّدْلِيسَ- فَقَالَ فِيْهِ قَوْلاً شَدِيْداً، ثُمَّ
أَنْشَدَ:
دَلَّسَ لِلنَّاسِ أَحَادِيْثَهُ ... وَاللهُ لاَ يَقْبَلُ
تَدْلِيْسَا
عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: مَنِ اسْتَخَفَّ
بِالعُلَمَاءِ، ذَهَبتْ آخِرَتُهُ، وَمَنِ اسْتَخَفَّ
بِالأُمَرَاءِ، ذَهَبتْ دُنْيَاهُ، وَمَنِ اسْتَخَفَّ
بِالإِخْوَانِ، ذَهَبتْ مُرُوءتُهُ.
قَدْ أسفلنا لِعَبْدِ اللهِ مَا يَدلُّ عَلَى
فُرُوْسِيَّتِه.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللهِ بنُ سِنَانٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ المُبَارَكِ،
وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ بِطَرَسوس، فَصَاحَ
النَّاسُ: النَّفِيرُ. فَخَرَجَ ابْنُ المُبَارَكِ،
وَالنَّاسُ، فَلَمَّا اصطَفَّ الجَمْعَانِ، خَرَجَ
رُوْمِيٌّ، فَطَلَبَ البِرَازَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ،
فَشَدَّ العِلْجُ عَلَيْهِ، فَقَتَلَهُ، حَتَّى قَتَلَ
سِتَّةً مِنَ المُسْلِمِيْنَ، وَجَعَلَ يَتَبَخْتَرُ
بَيْنَ الصَّفَّيْنِ يَطلُبُ المُبَارَزَةَ، وَلاَ
يَخْرُجُ إِلَيْهِ أَحَدٌ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ ابْنُ
المُبَارَكِ فَقَالَ: يَا فُلاَنُ! إِنْ قُتلتُ، فَافعَلْ
كَذَا وَكَذَا. ثُمَّ حَرَّكَ دَابَّتَه، وَبَرَزَ
لِلْعِلْجِ، فَعَالَجَ مَعَهُ سَاعَةً، فَقَتَلَ العِلْجَ،
وَطَلَبَ المُبَارَزَةَ، فَبَرَزَ لَهُ عِلْجٌ آخَرُ،
فَقَتَلَهُ، حَتَّى قَتَلَ ستة علوج،
(7/383)
وطلب البراز، فكأنهم كاعوا1 عنه، فَضَرَبَ
دَابَّتَه، وَطَرَدَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، ثُمَّ غَابَ،
فَلَمْ نَشْعُرْ بِشَيْءٍ، وَإِذَا أَنَا بِهِ فِي
المَوْضِعِ الَّذِي كَانَ، فَقَالَ لِي: يَا عَبْدَ اللهِ!
لَئِنْ حَدَّثتَ بِهَذَا أَحَداً، وَأَنَا حَيٌّ، فَذَكَرَ
كَلِمَةً.
قَالَ أَبُو صَالِحٍ الفَرَّاءُ: سَأَلْتُ ابْنَ
المُبَارَكِ عَنْ كِتَابَةِ العِلْمِ، فَقَالَ: لَوْلاَ
الكِتَابُ مَا حَفِظْنَا.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: الحِبْرُ فِي الثَّوْبِ خَلُوْقُ
العُلَمَاءِ.
وَقَالَ: تَوَاطُؤُ الجِيْرَانِ عَلَى شَيْءٍ، أَحَبُّ
إليَّ مِنْ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ ابْنَ المُبَارَكِ مَرَّ بِرَاهِبٍ عِنْدَ
مَقْبُرَةٍ وَمَزْبَلَةٍ، فَقَالَ: يَا رَاهِبُ، عِنْدَكَ
كَنْزُ الرِّجَالِ، وَكَنْزُ الأَمْوَالِ، وَفِيْهِمَا
مُعْتَبَرٌ.
وَقَدْ تَفَقَّه ابْنُ المُبَارَكِ بِأَبِي حَنِيْفَةَ،
وَهُوَ مَعْدُوْدٌ فِي تَلاَمِذَتِهِ.
وَكَانَ عَبْدُ اللهِ غَنِيّاً شَاكِراً، رَأْسُ مَالِهِ
نَحْوُ الأَرْبَعِ مائَةِ أَلْفٍ.
قَالَ حِبَّانُ بنُ مُوْسَى: رَأَيْتُ سُفْرة ابْنِ
المُبَارَكِ حُمِلَتْ عَلَى عَجَلة.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الطَّالْقَانِيُّ: رَأَيْتُ
بَعِيْرَيْنِ مُحَمَّلَيْنِ دَجَاجاً مَشْوِياً لِسُفْرَةِ
ابْنِ المُبَارَكِ.
وَرَوَى عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، عَنْ
مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَهْمٍ، قَالَ:
كُنْتُ مَعَ ابْنِ المُبَارَكِ، فَكَانَ يَأْكُلُ كُلَّ
يَوْمٍ، فَيُشْوَى لَهُ جَدْيٌ، وَيُتَّخَذُ لَهُ
فَالُوذَقُ، فَقِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّيْ
دَفَعتُ إِلَى وَكِيلِي أَلْفَ دِيْنَارٍ، وَأَمَرتُهُ
أَنْ يُوَسِّعَ عَلَيْنَا.
قَالَ الحَسَنُ بنُ حَمَّادٍ: دَخَلَ أَبُو أُسَامَةَ على
ابن المبارك، فوجد في وَجْهِه عبدُ اللهِ أَثَرَ الضُّرِّ،
فَلَمَّا خَرَجَ، بَعَثَ إِلَيْهِ أَرْبَعَةَ آلاَفِ
دِرْهَمٍ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ:
وَفَتَىً خَلاَ مِنْ مَالِهِ ... وَمِنَ المُرُوءةِ غَيْرُ
حال
أَعْطَاكَ قَبْلَ سُؤَالِهِ ... وَكَفَاكَ مَكْرُوهَ
السُّؤَالِ
وَقَالَ المسيَّب بنُ وَاضِحٍ: أَرْسَلَ ابْنُ المُبَارَكِ
إِلَى أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ أَرْبَعَةَ آلاَفِ
دِرْهَمٍ، فَقَالَ: سُدَّ بِهَا فِتْنَةَ القَوْمِ عَنْكَ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ خَشْرَم: قُلْتُ لِعِيْسَى بنِ
يُوْنُسَ: كَيْفَ فَضَلَكُمُ ابْنُ المُبَارَكِ، وَلَمْ
يَكُنْ بِأَسَنَّ مِنْكُم? قَالَ: كَانَ يَقْدَمُ،
وَمَعَهُ الغِلْمة الخُرَاسَانِيَّةُ، وَالبِزَّةُ
الحَسَنَةُ، فَيَصِلُ العُلَمَاءَ، وَيُعْطِيْهِم،
وَكُنَّا لاَ نقدر على هذا.
__________
1 كاعوا عنه: جبنوا عنه وانهزموا.
(7/384)
قَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: قَدِمَ ابْنُ
المُبَارَكِ أَيْلَةَ عَلَى يُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ،
وَمَعَهُ غُلاَمٌ مُفَرَّغ العمل الفَالُوذَجِ،
يَتَّخِذُهُ لِلْمُحَدِّثِيْنَ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي الخَيْرِ فِي كِتَابِهِ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ
بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ
عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، حدثنا
الوليد بن مسلم، حدثنا ابن المبارك، عَنْ خَالِدٍ
الحَذَّاء، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"البَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ" 1. فَقُلْتُ
لِلْوَلِيْدِ: أَيْنَ سَمِعْتَ مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ?
قَالَ: فِي الغزو.
عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ قَالَ: لِيَكُنْ مَجْلِسُكَ مَعَ
المَسَاكِيْنِ، وَاحْذَرْ أَنْ تَجلِسَ مَعَ صَاحِبِ
بِدْعَةٍ.
قَالَ الحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ: لَمَّا احْتُضِرَ ابْنُ
المُبَارَكِ فِي السَّفَرِ، قَالَ: أَشْتَهِي سَوِيْقاً.
فَلَمْ نَجِدْه إِلاَّ عِنْدَ رَجُلٍ كَانَ يَعْمَلُ
لِلسُّلْطَانِ، وَكَانَ مَعَنَا فِي السَّفِيْنَةِ،
فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِعَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: دَعُوْهُ.
فَمَاتَ وَلَمْ يَشْرَبْهُ.
قَالَ العَلاَءُ بنُ الأَسْوَدِ: ذُكِرَ جَهْمٌ عِنْدَ
ابْنِ المُبَارَكِ، فَقَالَ:
عَجِبتُ لِشَيْطَانٍ أَتَى النَّاسَ دَاعِياً ... إِلَى
النَّارِ وَانشَقَّ اسْمُهُ مِنْ جَهَنَّمِ
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الأَسَدِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ
خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ مُحَمَّدٍ،
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو
نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ،
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى الحُلْوَانِيُّ،
حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ
المُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ حَمْزَةَ،
عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا نَزَلَ
بِأَهْلِهِ الضِّيْقُ، أَمَرَهُمْ بِالصَّلاَةِ، ثُمَّ
قَرَأَ: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ
عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ} [طه:
132] . هَذَا مُرْسَلٌ، قَدِ انْقَطَع فِيْهِ مَا بَيْنَ
مُحَمَّدٍ وَجَدِّ أَبِيْهِ عَبْدِ اللهِ.
وَقَدْ كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ -رَحِمَهُ اللهُ- شَاعِراً
مُحْسِناً، قَوَّالاً بِالحَقِّ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ جَمِيْلٍ المَرْوَزِيُّ: قِيْلَ لابْنِ
المُبَارَكِ: إِنَّ إِسْمَاعِيْلَ بنَ عُلَيَّة قَدْ ولي
القضاء، فكتب إليه:
__________
1 صحيح: أخرجه الحاكم "1/ 62"، وأبو نعيم في "الحلية" "8/
171-172"، والخطيب في "تاريخ بغداد" "11/ 165"، والقضاعي
في "مسند الشهاب" "36" و"37" من طريق ابن المبارك، به وقال
الحاكم: صحيح. ووافقه الذهبي.
قلت: وهو كما قالا.
(7/385)
يَا جَاعِلَ العِلْمِ لَهُ بَازِياً ...
يَصْطَادُ أَمْوَالَ المَسَاكِيْنِ
احْتَلْتَ لِلدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا ... بِحِيْلَةٍ
تَذْهَبُ بِالدِّيْنِ
فصرت مجنونًا بها بعدما ... كُنْتَ دَوَاءً لِلمَجَانِيْنِ
أَيْنَ رِوَايَاتُكَ فِي سَرْدِهَا ... عَنِ ابْنِ عَوْنٍ
وَابْنِ سِيْرِيْنِ
أَيْنَ رِوَايَاتُكَ فِيْمَا مَضَى ... فِي تَرْكِ
أَبْوَابِ السَّلاَطِيْنِ
إِنْ قُلْتَ أُكْرِهْتُ فَمَاذَا كَذَا ... زَلَّ حِمَارُ
العِلْمِ فِي الطِّيْنِ
وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ قَاضِي نَصِيْبِيْنَ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي
سُكَيْنَةَ، قَالَ: أَمْلَى عليَّ ابْنُ المُبَارَكِ
سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ، وَأَنفَذَهَا مَعِي
إلى الفضل بنِ عِيَاضٍ مِنْ طَرَسُوْسَ:
يَا عَابِدَ الحَرَمِيْنِ لَوْ أَبْصَرْتَنَا ...
لَعَلِمْتَ أَنَّكَ فِي العِبَادَةِ تَلْعَبُ
مَنْ كَانَ يَخْضِبُ جِيْدَهُ بِدُمُوْعِهِ ...
فَنُحُوْرُنَا بِدِمَائِنَا تَتَخَضَّبُ
أَوْ كَانَ يُتْعِبُ خَيْلَهُ فِي بَاطِلٍ ...
فَخُيُوْلُنَا يَوْمَ الصَّبِيْحَةِ تَتْعَبُ
رِيْحُ العَبِيْرِ لَكُمْ وَنَحْنُ عَبِيْرُنَا ... رَهَجُ
السَّنَابِكِ1 وَالغُبَارُ الأَطْيَبُ
وَلَقَدْ أَتَانَا مِنْ مَقَالِ نَبِيِّنَا ... قَوْلٌ
صَحِيْحٌ صَادِقٌ لاَ يُكْذَبُ
لاَ يَسْتَوِي وَغُبَارُ خَيْلِ اللهِ فِي ... أَنْفِ
امْرِئٍ وَدُخَانُ نَارٍ تَلهبُ
هَذَا كِتَابُ اللهِ يَنْطِقُ بَيْنَنَا ... لَيْسَ
الشَّهِيْدُ بِمَيِّتٍ لا يكذب
فَلَقِيْتُ الفُضَيْلَ بِكِتَابِهِ فِي الحَرَمِ،
فَقَرَأَهُ، وَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ أَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ وَنَصَحَ.
قَالَ ابْنُ سَهْمٍ الأَنْطَاكِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ
المُبَارَكِ يُنْشِدُ:
فَكَيْفَ قَرَّتْ لأَهْلِ العِلْمِ أَعْيُنُهُم ... أَوِ
اسْتَلَذُّوا لَذِيذَ النَّوْمِ أَوْ هَجَعُوا
وَالنَّارُ ضَاحِيَةٌ لابد مَوْرِدُهَا ... وَلَيْسَ
يَدْرُوْنَ مَنْ يَنْجُو وَمَنْ يَقَعُ
وَطَارَتِ الصُّحْفُ فِي الأَيْدِي مُنَشَّرَةً ...
فِيْهَا السَّرَائِرُ والجبار مطلع
__________
1 الرهج: الغبار. والسنابك: طرف حوافر الخيل.
(7/386)
إِمَّا نَعِيْمٌ وَعَيْشٌ لاَ انْقِضَاءَ
لَهُ ... أَوِ الجَحِيمُ فَلاَ تُبْقِي وَلاَ تَدَعُ
تَهْوِي بِسَاكِنِهَا طَوْراً وَتَرْفَعُهُ ... إِذَا
رَجَوْا مَخْرَجاً مِنْ غَمِّهَا قُمِعُوا
لِيَنْفَعِ العِلْمُ قَبْلَ المَوْتِ عَالِمَهُ ... قَدْ
سَالَ قَوْمٌ بِهَا الرُّجْعَى فَمَا رَجَعُوا
وَرَوَى إِسْحَاقُ بنُ سُنَيْنٍ لابْنِ المُبَارَكِ:
إِنِّيْ امْرُؤٌ لَيْسَ فِي دِيْنِي لِغَامِزِه ... لِيْنٌ
وَلَسْتُ عَلَى الإِسْلاَمِ طَعَّانَا
فَلاَ أَسُبُّ أَبَا بَكْرٍ وَلاَ عُمَراً ... وَلَنْ
أَسُبَّ مَعَاذَ اللهِ عُثْمَانَا
وَلاَ ابْنَ عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ أَشْتِمُهُ ... حَتَّى
أُلَبَّسَ تَحْتَ التُّربِ أَكْفَانَا
وَلاَ الزُّبَيْرَ حَوَارِيَّ الرَّسُوْلِ وَلاَ ...
أُهْدِي لِطَلْحَةَ شَتْماً عَزَّ أَوْ هَانَا
وَلاَ أَقُوْلُ عَلِيٌّ فِي السَّحَابِ إِذاً ... قَدْ
قُلْتُ وَاللهِ ظُلْماً ثُمَّ عُدْوَانَا
وَلاَ أَقُوْلُ بِقَوْلِ الجَهْمِ إِنَّ لَهُ ... قَوْلاً
يُضَارِعُ أَهْلَ الشِّركِ أَحْيَانَا
وَلاَ أَقُوْلُ تَخَلَّى مِنْ خَلِيقَتِهِ ... رَبُّ
العِبَادِ وَوَلَّى الأَمْرَ شَيْطَانَا
مَا قَالَ فِرْعَوْنُ هَذَا فِي تَمَرُّدِهِ ...
فِرْعَوْنُ مُوْسَى وَلاَ هَامَانُ طُغْيَانَا
اللهُ يَدْفَعُ بِالسُّلْطَانِ مُعْضِلَةً ... عَنْ
دِيْنِنَا رَحْمَةً مِنْهُ وَرِضْوَانَا
لَوْلاَ الأَئِمَّةُ لَمْ تَأْمَنْ لَنَا سُبُلٌ ...
وَكَانَ أَضْعَفُنَا نَهْباً لأَقْوَانَا
فَيُقَالُ: إِنَّ الرَّشِيْدَ أَعْجَبَهُ هَذَا، فَلَمَّا
أَن بَلَغَهُ مَوْتُ ابْنِ المُبَارَكِ بِهِيْتَ، قَالَ:
إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ، يَا فَضْلُ!
إِيْذَنْ لِلنَّاسِ يُعَزُّونَا فِي ابْنِ المُبَارَكِ.
وَقَالَ: أَمَا هو القائل:
الله يدفع بالسطان مُعْضِلَةً
فَمَنِ الَّذِي يَسْمَعُ هَذَا مِنِ ابْنِ المُبَارَكِ،
وَلاَ يَعْرِفُ حَقَّنَا?
قَالَ الكُدَيمي: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بنُ عَبْدِ
الرَّحِيْمِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ فضيل ابن عِيَاضٍ
وَعِنْدَهُ ابْنُ المُبَارَكِ، فَقَالَ قَائِلٌ: إِنَّ
أَهْلَكَ وَعِيَالَكَ قَدِ احْتَاجُوا مَجْهُوْدِيْنَ
مُحْتَاجِينَ إِلَى هَذَا المَالِ، فَاتَّقِ اللهَ، وَخُذْ
مِنْ هَؤُلاَءِ القَوْمِ. فَزَجَرَهُ ابْنُ المُبَارَكِ،
وَأَنْشَأَ يَقُوْلُ:
خُذْ مِنَ الجَارُوْشِ وَالـ ... ـآرُزِّ وَالخُبْزِ
الشَّعِيْرِ
وَاجْعَلَنْ ذَاكَ حَلاَلاً ... تَنْجُ مِنْ حَرِّ
السَّعِيْرِ
وَانْأَ مَا اسْطَعْتَ هَدَا ... كَ اللهُ عَنْ دَارِ
الأمير
(7/387)
لاَ تَزُرْهَا وَاجْتَنِبْهَا ... إِنَّهَا
شَرُّ مَزُورِ
تُوهِنُ الدِّيْنَ وَتُدْ ... نِيْكَ مِنَ الحُوبِ
الكَبِيْرِ
قَبْلَ أَنْ تَسْقُطَ يَا ... مَغْرُوْرُ فِي حُفْرَةِ
بِيْرِ
وَارْضَ يَا وَيْحَكَ مِنْ ... دُنْيَاكَ بِالقُوتِ
اليَسِيْرِ
إِنَّهَا دَارُ بَلاَءٍ ... وَزَوَالٍ وَغُرُوْرِ
مَا تَرَى قَدْ صَرَعَتْ ... قَبْلَكَ أَصْحَابَ
القُصُوْرِ
كَمْ بِبَطْنِ الأَرْضِ مِنْ ... ثَاوٍ شَرِيْفٍ
وَوَزِيْرِ
وَصَغِيْرِ الشَّأْنِ عَبْدٍ ... خَامِلِ الذِّكرِ
حَقِيْرِ
لَوْ تَصَفَّحتَ وُجُو ... هَ القَوْمِ فِي يَوْمٍ
نَضِيْرِ
لَمْ تُمَيِّزْهُم وَلَم ... تَعْرِفْ غَنِيّاً مِنْ
فَقِيْرِ
خَمَدُوا فَالقَوْمُ صَرْعَى ... تَحْتَ أَشقَاقِ
الصُّخُورِ
وَاسْتَوَوْا عِنْدَ مَلِيكٍ ... بِمَسَاوِيهِم خَبِيْرِ
احْذَرِ الصَّرْعَةَ يَا ... مِسْكِيْنُ مِنْ دَهْرٍ
عَثُورِ
أَيْنَ فِرْعَوْنُ وَهَا ... مَانُ وَنُمْرُودُ النُّسُورِ
أَوَ مَا تَخْشَاهُ أَنْ ... يَرْمِيكَ بِالمَوْتِ
المُبِيْرِ
أَوَ مَا تَحْذَرُ مِنْ ... يَوْمٍ عَبُوْسٍ قَمْطَرِيْرِ
اقْمَطرَّ الشَّرُّ فِيْهِ ... بِعَذَابِ الزَّمْهرِيْرِ
قَالَ: فَغُشِيَ عَلَى الفُضَيْلِ، فَردَّ ذَلِكَ وَلَمْ
يَأْخُذْه.
ولابن المبارك:
جربت نفسي فما وجدتها لَهَا ... مِنْ بَعْدِ تَقْوَى
الإِلَهِ كَالأَدَبِ
فِي كُلِّ حَالاَتِهَا وَإِنْ كَرِهَتْ ... أَفْضَلَ مِنْ
صَمْتِهَا عَنِ الكَذِبِ
أَوْ غِيْبَةِ النَّاسِ إِنَّ غِيْبَتَهُم ... حرمها ذو
الجلال في الكتب
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: أَنْشَدَنِي
يَعْقُوْبُ بنُ مُحَمَّدٍ لابْنِ المُبَارَكِ:
(7/388)
أَبِإِذْنٍ نَزَلْتَ بِي يَا مَشِيْبُ ...
أَيُّ عَيْشٍ وَقَدْ نَزَلْتَ يَطِيْبُ
وَكَفَى الشَّيْبُ وَاعِظاً غَيْرَ أني ... آمل العيش
والممات قريب
وكم أُنَادِي الشَّبَابَ إِذْ بَانَ مِنِّي ... وَنِدَائِي
مُوَلِّياً مَا يُجِيْبُ
وَبِهِ:
يَا عَائِبَ الفَقْرِ أَلاَ تَزْدَجِرْ ... عَيْبُ الغِنَى
أَكْثَرُ لَوْ تَعْتَبِرْ
مِنْ شَرَفِ الفَقْرِ وَمِنْ فَضْلِهِ ... عَلَى الغِنَى
لَوْ صَحَّ مِنْكَ النَّظَرْ
أَنَّكَ تَعْصِي لِتَنَالَ الغِنَى ... وَلَيْسَ تَعْصِي
اللهَ كِي تَفْتَقِرْ
قَالَ حِبَّانُ بنُ مُوْسَى: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ
يُنشِدُ:
كَيْفَ القَرَارُ وَكَيْفَ يَهْدَأُ مُسْلِمٌ ...
وَالمُسْلِمَاتُ مَعَ العَدُوِّ المُعْتَدِي
الضَّارِبَاتُ خُدُوْدَهُنَّ بِرَنَّةٍ ... الدَّاعِيَاتُ
نَبِيَّهُنَّ مُحَمَّدِ
القَائِلاَتُ إِذَا خَشِيْنَ فَضِيحَةً ... جَهدَ
المَقَالَةِ لَيْتَنَا لَمْ نُولَدِ
مَا تَسْتَطِيْعُ وَمَا لَهَا مِنْ حِيْلَةٍ ... إِلاَّ
التَّسَتُّرُ مِنْ أَخِيْهَا بِاليَدِ
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الطَّالْقَانِيُّ: كُنَّا عِنْدَ
ابْنِ المُبَارَكِ، فَانْهَدَّ القَهَنْدَزُ، فَأَتَى
بِسِنَّيْنِ، فَوُجِدَ وَزْنُ أَحَدِهِمَا مَنَوَانِ،
فَقَالَ عَبْدُ اللهِ:
أَتَيْتُ بِسِنَّيْنِ قَدْ رُمَّتَا ... مِنَ الحِصْنِ
لَمَّا أَثَارُوا الدَّفِيْنَا
عَلَى وَزْنِ مَنَوَيْنِ إِحْدَاهُمَا ... تُقِلُّ بِهِ
الكَفُّ شَيْئاً رَزِيْنَا
ثَلاَثُوْنَ سِنّاً عَلَى قَدْرِهَا ... تَبَارَكْتَ يَا
أَحسَنَ الخَالِقِيْنَا
فَمَاذَا يَقُوْمُ لأَفْوَاهِهَا ... وَمَا كَانَ يَمْلأُ
تِلْكَ البُطُونَا
إِذَا مَا تَذَكَّرْتُ أَجسَامَهُم ... تَصَاغَرَتِ
النَّفْسُ حَتَّى تَهُوْنَا
وَكُلٌّ عَلَى ذَاكَ ذَاقَ الرَّدَى ... فَبَادُوا
جَمِيْعاً فَهُم هَامِدُوْنَا
وَجَاءَ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ -وَيُقَالُ:
بَلْ هِيَ لِحَمِيْدٍ النَّحْوِيِّ:
اغْتَنِمْ رَكْعَتَيْنِ زُلفَى إِلَى اللهِ ... إِذَا
كُنْتَ فَارِغاً مُسْتَرِيْحَا
وَإِذَا مَا هَمَمْتَ بِالنُّطْقِ بِالبَاطِلِ ...
فَاجْعلْ مَكَانَهُ تَسْبِيْحَا
فَاغْتِنَامُ السُّكُوتِ أَفْضَلُ مِنْ ... خَوْضٍ وَإِنْ
كُنْتَ بِالكَلاَمِ فصيحا
(7/389)
وَسَمِعَ بَعْضُهُم ابْنَ المُبَارَكِ
وَهُوَ يُنْشِدُ عَلَى سُوْرِ طَرَسُوْسَ:
وَمِنَ البَلاَءِ وَلِلْبَلاَءِ عَلاَمَةٌ ... أَنْ لاَ
يُرَى لَكَ عَنْ هَوَاكَ نُزُوعُ
العَبْدُ عَبْدُ النَّفْسِ فِي شَهَوَاتِهَا ... وَالحُرُّ
يَشْبَعُ مَرَّةً وَيَجُوْعُ
قَالَ أَبُو أُمَيَّةَ الأَسْوَدُ: سَمِعْتُ ابْنَ
المُبَارَكِ يَقُوْلُ: أُحِبُّ الصَّالِحِيْنَ وَلَسْتُ
مِنْهُم، وَأُبْغِضُ الطَّالِحِيْنَ وَأَنَا شَرٌّ
مِنْهُم، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُوْلُ:
الصَّمْتُ أَزْيَنُ بِالفَتَى ... مِنْ مَنْطِقٍ فِي
غَيْرِ حِيْنِهِ
وَالصِّدْقُ أَجْمَلُ بِالفَتَى ... فِي القَوْلِ عِنْدِي
مِنْ يَمِيْنِهِ
وَعَلَى الفَتَى بِوَقَارِهِ ... سِمَةٌ تَلُوحُ عَلَى
جَبِيْنِهِ
فَمَنِ الَّذِي يَخفَى عَلَيـ ... ـكَ إِذَا نَظَرْتَ
إِلَى قَرِيْنِهِ
رُبَّ امْرِئٍ مُتَيَقِّنٍ ... غَلَبَ الشَّقَاءُ عَلَى
يَقِيْنِهِ
فَأَزَالَهُ عَنْ رَأْيِهِ ... فَابْتَاعَ دُنْيَاهُ
بِدِيْنِهِ
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: حَدَّثَنِي
أَبِي، قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ ابْنُ المُبَارَكِ، جَعَلَ
رَجُلٌ يُلَقِّنُهُ، قُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ.
فَأَكْثَرَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: لَسْتَ تُحْسِنُ،
وَأَخَافُ أَنْ تُؤْذِيَ مُسْلِماً بَعْدِي، إِذَا
لَقَّنْتَنِي، فَقُلْتُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، ثُمَّ
لَمْ أُحْدِثْ كَلاَماً بَعْدَهَا، فَدَعْنِي، فَإِذَا
أَحْدَثْتُ كَلاَماً، فَلَقِّنِّي حَتَّى تَكُوْنَ آخِرَ
كَلاَمِي.
يُقَالُ: إِنَّ الرَّشِيْدَ لَمَّا بَلَغَهُ مَوْتُ عَبْدِ
اللهِ، قَالَ: مَاتَ اليَوْمَ سَيِّدُ العُلَمَاءِ.
قَالَ عَبْدَانُ بنُ عُثْمَانَ: مَاتَ ابْنُ المُبَارَكِ
بِهِيْتَ وَعَانَاتَ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ
إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ حَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ: قَالَ لِي ابْنُ
المُبَارَكِ قَبْلَ أَنْ يَمُوْتَ: أَنَا ابْنُ ثَلاَثٍ
وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: ذَهَبْتُ لأَسْمَعَ مِنِ
ابْنِ المُبَارَكِ، فَلَمْ أُدْرِكْهُ، وَكَانَ قَدْ
قَدِمَ بَغْدَادَ، فَخَرَجَ إِلَى الثَّغْرِ، ولم أره.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الفُضَيل بنِ عِيَاضٍ: رَأَيْتُ ابْنَ
المُبَارَكِ فِي النَّومِ، فَقُلْتُ: أَيُّ العَمْلِ
أَفْضَلُ? قَالَ: الأَمْرُ الَّذِي كنتُ فِيْهِ. قُلْتُ:
الرِّبَاطُ وَالجِهَادُ? قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَمَا
صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ? قَالَ: غَفَرَ لِي مَغْفِرَةً مَا
بَعْدَهَا مَغْفِرَةٌ. رَوَاهَا رَجُلاَنِ عَنْ مُحَمَّدٍ.
(7/390)
وَقَالَ العَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ
النَّسَفي: سَمِعْتُ أَبَا حَاتِمٍ الفِرَبْرِيَّ
يَقُوْلُ: رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ وَاقِفاً عَلَى
بَابِ الجَنَّةِ، بِيَدِهِ مِفْتَاحٌ، فَقُلْتُ: مَا يوقفك
هاهنا? قَالَ: هَذَا مِفْتَاحُ الجَنَّةِ، دَفَعَهُ
إِلَيَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَقَالَ: حَتَّى أَزُورَ الرَّبَّ، فَكُنْ
أَمِيْنِي فِي السَّمَاءِ، كَمَا كُنْتَ أَمِيْنِي فِي
الأَرْضِ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المصِّيصي:
رَأَيْتُ الحَارِثَ بنَ عَطِيَّةَ فِي النَّومِ،
فَسَأَلتُهُ، فَقَالَ: غَفَر لِي. قُلْتُ: فَابْنُ
المُبَارَكِ? قَالَ: بَخٍ بَخٍ، ذَاكَ فِي عِلِّيِّينَ،
مِمَّنْ يَلِجُ عَلَى اللهِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ.
وَعَنْ نَوْفَلٍ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ فِي
النَّوْمِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ? قَالَ: غَفَر
لِي بِرِحْلَتِي فِي الحَدِيْثِ، عَلَيْكَ بِالقُرْآنِ،
عَلَيْكَ بِالقُرْآنِ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ السَّوَّاق: حَدَّثَنَا
زَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ المبارك
فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ? قَالَ:
غَفَر لِي بِرِحْلَتِي.
قَالَ النَّسَائِيُّ: أَثْبَتُ النَّاسِ فِي
الأَوْزَاعِيِّ: عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ.
قَالَ الفَسَوِيُّ فِي "تَارِيْخِهِ": سَمِعْتُ الحَسَنَ
بنَ الرَّبِيْعِ يَقُوْلُ: شَهِدْتُ مَوْتَ ابْنِ
المُبَارَكِ، مَاتَ لِعَشْرٍ مَضَى مِنْ رَمَضَانَ، سَنَةَ
إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَمَاتَ سَحَراً،
وَدَفَنَّاهُ بِهِيْتَ.
وَلبَعْضِ الفُضَلاَءِ:
مَرَرْتُ بِقَبْرِ ابْنِ المُبَارَكِ غَدْوَةً ...
فَأَوْسَعَنِي وَعْظاً وَلَيْسَ بِنَاطِقِ
وَقَدْ كُنْتُ بِالعِلْمِ الَّذِي فِي جَوَانِحِي ...
غَنِيّاً وَبِالشَّيْبِ الَّذِي فِي مَفَارِقِي
وَلَكِنْ أَرَى الذِّكْرَى تُنَبِّهُ عَاقِلاً ... إِذَا
هِيَ جَاءتْ مِنْ رِجَالِ الحَقَائِقِ
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ عَبْدِ المُنْعِمِ
الطَّائِيِّ، أَخْبَرَكُمُ القَاضِي أَبُو نَصْرٍ
مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ مُميلٍ الشَّافِعِيُّ
سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ بِمَنْزِلِهِ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَلِيٍّ الخَرَقِيُّ،
أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ السُّوسي، أَخْبَرَنَا
سَهْلُ بنُ بِشْرٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُنِيْرٍ
الخَلال، حَدَّثَنِي خَالِي أَحْمَدُ بنُ عَتِيْقٍ
الخَشَّابُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي
الأَصْبَغِ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بنُ مَرْثَدٍ، سَمِعْتُ
أَبَا صَالِحٍ الفَرَّاءَ، سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ
يَقُوْلُ:
المَرْءُ مِثْلُ هِلاَلٍ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ ... يَبدُو
ضَئِيْلاً تَرَاهُ ثُمَّ يَتَّسق
حَتَّى إِذَا مَا تَرَاهُ ثُمَّ أَعقَبَهُ ... كَرُّ
الجَدِيْدَيْنِ نَقْصاً ثُمَّ يَمَّحق
مِنْ تَارِيْخِ أَبِي عُمَرَ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدٍ
الصَّدَفِيِّ: مُحَمَّدُ بنُ وَضَّاحٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ
يَحْيَى اللَّيْثِيِّ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ مَالِكٍ،
فَاسْتُؤْذِنَ لِعَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ
بِالدُّخُولِ، فَأَذِنَ لَهُ، فَرَأَيْنَا مَالِكاً
(7/391)
تَزَحزَحَ لَهُ فِي مَجْلِسِهِ، ثُمَّ
أَقعَدَهُ بِلصْقِهِ، وَمَا رَأَيْتُ مَالِكاً تَزَحزَحَ
لأَحَدٍ فِي مَجْلِسِهِ غَيْرِه، فَكَانَ القَارِئُ
يَقْرَأُ عَلَى مَالِكٍ، فَرُبَّمَا مَرَّ بِشَيْءٍ،
فَيَسْأَلُهُ مَالِكٌ: مَا مَذْهَبُكُم فِي هَذَا? أَوْ
مَا عِنْدَكُم فِي هَذَا? فَرَأَيْتُ ابْنَ المُبَارَكِ
يُجَاوِبُه، ثُمَّ قَامَ، فَخَرَجَ، فأعْجِبَ مالكٌ
بأدبِه، ثُمَّ قَالَ لَنَا مَالِكٌ: هَذَا ابْنُ
المُبَارَكِ فَقِيْهُ خُرَاسَانَ.
عَنِ المُسَيَّبِ بنِ وَاضِحٍ، قَالَ: أَرْسَلَ ابنُ
المُبَارَكِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ
بِأَرْبَعِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: سُدَّ بهذهِ
فتنةَ القومِ عَنْكَ.
وَسُئِلَ ابْنُ المُبَارَكِ بِحُضُوْرِ سُفْيَانَ بنِ
عُيَيْنَةَ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ: إِنَّا نُهِيْنَا
أَنْ نَتَكَلَّمَ عِنْد أَكَابِرِنَا.
قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ ابْنُ المُبَارَكِ يُحَدِّثُ مِنْ
كِتَابٍ، وَمَنْ حَدَّثَ مِنْ كِتَابٍ، لاَ يَكَادُ أَنْ
يَكُوْنَ لَهُ سَقطٌ كَثِيْرٌ. وَكَانَ وَكِيْعٌ يحدث من
حفظه. فكان يكون له سقط كم يكون حفظ الرجل?
(7/392)
1284- ضَيْغم 1:
ابن مالك، الزَّاهِدُ، القُدْوَةُ، الرَّبَّانِيُّ، أَبُو
بَكْرٍ الرَّاسِبي، البَصْرِيُّ.
أَخَذَ عَنِ: التَّابِعِيْنَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ مَالِكٍ، وسيَّار بنُ حَاتِمٍ،
وَأَبُو أَيُّوْبَ مَوْلَى ضَيْغم.
قال عبد الرحمن بن مهدي: ما رأيتُ مثلَ
ضيغمٍ فِي الصَّلاَحِ
وَالفَضْلِ.
قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: كَانَ وِرْدُهُ فِي اليَوْمِ
وَاللَّيْلَةِ أَرْبَعَ مائَةِ رَكْعَةٍ، وَصَلَّى حَتَّى
انْحَنَى، وَكَانَ مِنَ الخائفين البكَّائين.
وقال علي ابن المَدِيْنِيِّ: دَفَنَ ضَيْغَمٌ كُتُبَهُ.
وَكَانَ يَنَامُ ثُلُثَ اللَّيْلِ، وَيَتَعَبَّدُ
ثُلُثَيْهِ.
تُوُفِّيَ ضَيْغَمٌ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، هُوَ
وَصَاحِبُهُ بُسْرُ بنُ مَنْصُوْرٍ العَابِدُ فِي يَوْمٍ.
وَعَنْهُ، قَالَ: قَوُوا عَلَى الاجْتِهَادِ بما يدخل
قلوبهم من حلاوة العبادة.
__________
1 ترجمته في الجرح والتعديل "4/ ترجمة 2068".
(7/392)
1285- الفُضَيل بن عِيَاض 1: "خ، م، د، س،
ت"
ابن مسعود بن بشر، الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الثَّبْتُ،
شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو عَلِيٍّ التَّمِيْمِيُّ،
اليَرْبُوْعِيُّ، الخُرَاسَانِيُّ، المُجَاوِرُ بِحَرَمِ
اللهِ.
وُلِدَ بِسَمَرْقَنْدَ، وَنَشَأَ بِأَبِيْوَرْدَ،
وَارْتَحَلَ فِي طَلَبِ العِلْمِ.
فَكَتَبَ بِالكُوْفَةِ عَنْ: مَنْصُوْرٍ، وَالأَعْمَشِ،
وَبَيَانِ بنِ بِشْرٍ، وَحُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
وَلَيْثٍ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَصَفْوَانَ بنِ
سُلَيْمٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ رُفَيع، وَأَبِي
إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ
الأَنْصَارِيِّ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، وَابْنِ أَبِي
لَيْلَى، وَمُجَالِدٍ، وَأَشْعَثَ بنِ سَوَّارٍ،
وَجَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَخَلْقٍ
سِوَاهُم مِنَ الكُوْفِيِّيْنَ، وَالحِجَازِيِّينَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى القَطَّانُ،
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ،
وَالأَصْمَعِيُّ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيِّ بنِ هِلاَلٍ -شَيْخٌ وَاسطِيٌّ-
وَحُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ، وَأَسَدُ السُّنَّةِ2،
وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ، وَيَحْيَى بنُ
يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَمُسَدَّدٌ،
وَقُتَيْبَةُ، وَبِشْرٌ الحَافِي، وَالسَّرِيُّ بنُ
مُغَلِّسٍ السَّقَطِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ المِقْدَامِ،
وَعُبَيْدُ اللهِ القَوَارِيْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ
زُنْبُوْرٍ المَكِّيُّ، وَلُوَيْنُ، وَمُحَمَّدُ بنُ
يَحْيَى العَدَنِيُّ، وَالحُمَيْدِيُّ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ
بن يزيد مروديه، وَعَبْدَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ
المَرْوَزِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أبي السري العسقلاني،
ومحمد بن قدامة المَصِّيْصِيُّ، وَيَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ
المَقَابِرِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ. آخِرُهُم مَوْتاً،
الحُسَيْنُ بنُ دَاوُدَ البَلْخِيُّ.
وَرَوَى عَنْهُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَجلُّ شُيُوْخِه،
وَبَيْنَهُمَا فِي المَوْتِ مائَةٌ وَأَرْبَعُوْنَ عَاماً.
قَالَ أَبُو عَمَّارٍ الحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ، عَنِ
الفَضْلِ بنِ مُوْسَى، قَالَ: كَانَ الفُضَيْلُ بنُ
عِيَاضٍ شَاطِراً يَقْطَعُ الطَّرِيْقَ بَيْنَ
أَبِيْوَرْدَ وَسَرْخَسَ، وَكَانَ سَبَبُ تَوْبَتِهِ
أَنَّهُ عَشِقَ جَارِيَةً، فَبَيْنَا هُوَ يَرْتَقِي
الجُدْرَانَ إِلَيْهَا، إِذْ سَمِعَ تَالِياً يَتْلُو
{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ
قُلُوبُهُمْ} [الحَدِيْدُ: 16] ، فَلَمَّا
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 500"، والتاريخ الكبير "7/
ترجمة 550"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 179"،
والجرح والتعديل "7/ ترجمة 416"، وحلية الأولياء "8/ ترجمة
رقم 397"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 232"، والكاشف "2/
ترجمة 4558"، والعبر "1/ 195"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة
6768"، وتهذيب التهذيب "7/ 294"، وتقريب التهذيب "2/ 113"،
وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5739"، وشذرات الذهب لابن العماد
الحنبلي "1/ 316".
2 أسد السنة: هو أسد بن موسى بن إبراهيم بن الوليد بن عبد
الملك بن داود الأموي، صدوق يُغرب، وفيه نصب، من صغار
أتباع التابعين، روى له البخاري تعليقا، وأبو داود،
والنسائي.
(7/393)
سَمِعَهَا قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، قَدْ
آنَ فَرَجَعَ، فَآوَاهُ اللَّيْلُ إِلَى خَرِبَةٍ، فَإِذَا
فِيْهَا سَابِلَةٌ، فَقَالَ بَعْضُهُم: نَرحَلُ. وَقَالَ
بَعْضُهُم: حَتَّى نُصْبِحَ، فَإِنَّ فُضَيْلاً عَلَى
الطَّرِيْقِ يَقْطَعُ عَلَيْنَا.
قَالَ: فَفَكَّرْتُ، وَقُلْتُ: أَنَا أَسْعَى بِاللَّيْلِ
فِي المعاصي، وقوم من المسلمين ههنا يَخَافُونِي، وَمَا
أَرَى اللهَ سَاقَنِي إِلَيْهِم إِلاَّ لأَرْتَدِعَ،
اللَّهُمَّ إِنِّيْ قَدْ تُبْتُ إِلَيْكَ، وَجَعَلْتُ
تَوْبَتِي مُجَاوَرَةَ البَيْتِ الحَرَامِ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ:
سَمِعْتُ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: فُضَيْلٌ
ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: فُضَيْلٌ:
رَجُلٌ صَالِحٌ، وَلَمْ يَكُنْ بِحَافِظٍ.
وَقَالَ العِجْلِيُّ: كُوْفِيٌّ، ثِقَةٌ، مُتَعَبِّدٌ،
رَجُلٌ صَالِحٌ، سَكَنَ مَكَّةَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عمَّار: لَيْتَ
فُضَيْلاً كَانَ يُحَدِّثُكَ بِمَا يَعْرِفُ، قِيْلَ
لابْنِ عَمَّار: تَرَى حَدِيْثَهُ حُجَّةً? قَالَ:
سُبْحَانَ اللهِ!
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ، رَجُلٌ
صَالِحٌ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: وُلِدَ بِخُرَاسَانَ،
بِكُوْرَةِ أَبِيْوَرْدَ، وَقَدِمَ الكُوْفَةَ وَهُوَ
كَبِيْرٌ، فَسَمِعَ مِنْ مَنْصُوْرٍ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ
تَعَبَّدَ، وَانْتَقَلَ إِلَى مَكَّةَ، وَنَزَلَهَا، إِلَى
أَنْ مَاتَ بِهَا فِي أَوَّلِ سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ
وَمائَةٍ، فِي خِلاَفَةِ هَارُوْنَ، وَكَانَ ثِقَةً،
نَبِيْلاً، فَاضِلاً، عَابِداً، وَرِعاً، كَثِيْرَ
الحَدِيْثِ.
وَقَالَ أَبُو وَهْب مُحَمَّدُ بنُ مُزَاحم: سَمِعْتُ
ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَعَبْدَ النَّاسِ
عَبْدَ العَزِيْز بنَ أَبِي رَوَّادٍ، وَأَورَعَ النَّاسِ
الفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ، وَأَعْلَمَ النَّاسِ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيَّ، وَأَفْقَهَ النَّاسِ أَبَا حَنِيْفَةَ، مَا
رَأَيْتُ فِي الفِقْهِ مِثْلَهُ.
وَرَوَى إِبْرَاهِيْمُ بنُ شَمَّاس، عَنِ ابْنِ
المُبَارَكِ قَالَ: مَا بَقِيَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ
عِنْدِي أَفْضَلُ مِنَ الفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ.
قَالَ نَصْرُ بنُ المُغِيْرَةِ البُخَارِيُّ: سمعت إبراهيم
بن شماس يقول: رأيت أفقه النَّاسِ، وَأَورَعَ النَّاسِ،
وَأَحْفَظَ النَّاسِ، وَكِيْعاً، وَالفُضَيْلَ، وابن
المبارك.
وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ القَوَارِيْرِيُّ: أَفْضَلُ مَنْ
رَأَيْتُ مِنَ المَشَايِخِ: بِشْرُ بنُ مَنْصُوْرٍ،
وَفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ، وَعَوْنُ بنُ مَعْمَرٍ،
وَحَمْزَةُ بنُ نَجِيْحٍ.
قُلْتُ: عَوْنٌ وَحَمْزَةُ لاَ يَكَادَانِ يُعرَفَانِ،
وَكَانَا عابدين.
(7/394)
قال النصر بنُ شُمَيل: سَمِعْتُ
الرَّشِيْدَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ فِي العُلَمَاءِ
أَهْيَبَ مِنْ مَالِكٍ، وَلاَ أَورَعَ مِنَ الفُضَيْلِ.
وَرَوَى أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، عَنِ الهَيْثَمِ
بنِ جَمِيْلٍ، سَمِعْتُ شَرِيْكاً يَقُوْلُ: لَمْ يَزَلْ
لِكُلِّ قَوْمٍ حُجَّةٌ فِي أَهْلِ زَمَانِهِم، وَإِنَّ
فُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ حُجَّةٌ لأَهْلِ زَمَانِه. فَقَامَ
فَتَىً مِنْ مَجْلِسِ الهَيْثَمِ، فَلَمَّا تَوَارَى،
قَالَ الهَيْثَمُ: إِنْ عَاشَ هَذَا الفَتَى، يَكُوْنُ
حُجَّةً لأَهْلِ زَمَانِه. قِيْلَ: مَنْ كَانَ الفتى? قال:
أحمد ابن حَنْبَلٍ.
قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ مَرْدَوَيْه الصَّائِغُ: قَالَ لِي
ابْنُ المُبَارَكِ: إِنَّ الفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ صَدَقَ
اللهَ، فَأَجْرَى الحِكْمَةَ عَلَى لِسَانِهِ،
فَالفُضَيْلُ مِمَّنْ نَفَعَهُ عِلْمُهُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَفَّانَ:
سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ يَقُوْلُ لأَبِي مَرْيَمَ
القَاضِي: مَا بَقِيَ فِي الحِجَازِ أَحَدٌ مِنَ
الأَبْدَالِ إِلاَّ فُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ، وَابْنُهُ
عليٌّ، وَعَلِيٌّ مُقدَّم فِي الخَوْفِ، وَمَا بَقِيَ
أَحَدٌ فِي بِلاَدِ الشَّامِ إِلاَّ يُوْسُفُ ابن
أَسْبَاطٍ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ الأَسْوَدُ، وَمَا بَقِيَ
أَحَدٌ بِخُرَاسَانَ إِلاَّ شَيْخٌ حَائِكٌ، يُقَالُ لَهُ:
مَعْدان.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ المَقَارِيْضِيُّ المذكَّر: سَمِعْتُ
بِشْرَ بنَ الحَارِثِ يَقُوْلُ: عَشْرَةٌ مِمَّنْ كَانُوا
يَأْكلُوْنَ الحَلاَلَ، لاَ يُدخِلُوْنَ بُطُوْنَهُم
إِلاَّ حَلاَلاً، وَلَوِ اسْتَفُّوا التُّرَابَ
وَالرَّمَادَ. قُلْتُ: مَنْ هُم يَا أَبَا نَصْرٍ? قَالَ:
سُفْيَانُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ، والفُضيل بنُ
عِيَاضٍ، وَابْنُهُ، وَسُلَيْمَانُ الخَوَّاصُ، وَيُوْسُفُ
بنُ أَسْبَاطٍ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ نَجِيْحٌ الخَادِمُ،
وَحُذَيْفَةُ المَرْعَشِيُّ، وَدَاوُدُ الطَّائِيُّ،
وَوُهَيْبُ بنُ الوَرْدِ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الأَشْعَثِ: مَا رَأَيْتُ
أَحَداً كَانَ اللهُ فِي صَدْرِهِ أَعْظَمَ مِنَ
الفُضَيْلِ، كَانَ إِذَا ذَكَرَ اللهَ، أَوْ ذُكِرَ
عِنْدَهُ أَوْ سَمِعَ القُرْآنَ، ظَهَرَ بِهِ مِنَ
الخَوْفِ وَالحُزْنِ، وَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَبَكَى،
حَتَّى يَرْحَمَهُ مَنْ يَحضُرُهُ، وَكَانَ دَائِمَ
الحُزْنِ، شَدِيْدَ الفِكرَةِ، مَا رَأَيْتُ رَجُلاً
يُرِيْدُ اللهَ بِعِلْمِهِ وَعَمَلِهِ، وَأَخْذِهِ
وَعَطَائِهِ، وَمَنْعِهِ وَبَذْلِهِ، وَبُغْضِهِ
وَحُبِّهِ، وَخِصَالِهِ كُلِّهَا غَيْرَهُ، كُنَّا إِذَا
خَرَجْنَا مَعَهُ فِي جَنَازَةٍ لاَ يَزَالُ يَعِظُ
وَيُذَكِّرُ وَيَبْكِي، كَأَنَّهُ مُوَدِّعٌ أَصْحَابَه،
ذاهب إلى الآخرة، حَتَّى يَبْلُغَ المَقَابِرَ، فَيَجْلِسُ
مَكَانَهُ بَيْنَ المَوْتَى مِنَ الحُزْنِ وَالبُكَاءِ،
حَتَّى يَقُوْمَ وَكَأَنَّهُ رَجَعَ مِنَ الآخِرَةِ،
يُخْبِرُ عَنْهَا.
وَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ يَزِيْدَ مَرْدَوَيْه:
سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: لَمْ يَتَزَيَّنِ النَّاسُ
بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنَ الصِّدْقِ، وَطَلَبِ الحَلاَلِ.
فَقَالَ ابْنُهُ عَلِيٌّ: يَا أَبَةِ! إِنَّ الحَلاَلَ
عَزِيْزٌ. قَالَ: يَا بُنَيَّ، وَإِنَّ قَلِيْلَهُ عِنْدَ
اللهِ كَثِيْرٌ.
(7/395)
قَالَ سَرِي بنُ المغَلِّس: سَمِعْتُ
الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: مَنْ خَافَ اللهَ، لَمْ يَضُرَّهُ
أَحَدٌ، وَمَنْ خَافَ غَيْرَ اللهِ، لَمْ يَنْفَعْهُ
أَحَدٌ.
وَقَالَ فَيْضُ بنُ إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ بنَ
عِيَاضٍ وسأله عبد الله ابن مَالِكٍ: يَا أَبَا عَلِيٍّ!
مَا الخَلاَصُ مِمَّا نَحْنُ فِيْهِ? قَالَ: أَخْبِرْنِي،
مَنْ أَطَاعَ اللهَ هَلْ تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ أَحَدٍ?
قَالَ: لاَ. قَالَ: فَمَنْ يَعصِي اللهَ هَلْ تَنفَعُهُ
طَاعَةُ أَحَدٍ? قَالَ: لاَ. قَالَ: هُوَ الخَلاَصُ، إِنْ
أَرَدْتَ الخَلاَصَ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الأَشْعَثِ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ
يَقُوْلُ: رَهْبَةُ العَبْدِ مِنَ اللهِ عَلَى قَدْرِ
عِلْمِهِ بِاللهِ، وَزَهَادَتُهُ فِي الدُّنْيَا عَلَى
قَدْرِ رَغْبَتِهِ فِي الآخِرَةِ، مَنْ عَمِلَ بِمَا
عَلِمَ، اسْتَغنَى عَمَّا لاَ يَعْلَمُ، وَمَنْ عَمِلَ
بِمَا عَلِمَ، وَفَّقَهُ اللهُ لِمَا لاَ يَعْلَمُ، وَمَنْ
سَاءَ خُلُقَهُ شَانَ دِيْنَهُ، وَحَسَبَهُ، وَمُرُوءتَهُ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَكذَبُ النَّاسِ العَائِدُ فِي
ذَنْبِهِ، وَأَجهَلُ النَّاسِ المُدِلُّ بِحَسَنَاتِه،
وَأَعْلَمُ النَّاسِ بِاللهِ أَخْوَفُهُم مِنْهُ، لَنْ
يَكْمُلَ عَبْدٌ حَتَّى يُؤثِرَ دِيْنَهُ عَلَى
شَهْوَتِهِ، وَلَنْ يَهْلِكَ عَبدٌ حَتَّى يُؤثِرَ
شَهْوَتَه عَلَى دِيْنِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدَوَيْه: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ
يَقُوْلُ: تَرْكُ العَمْلِ مِنْ أَجلِ النَّاسِ رِيَاءٌ،
وَالعَمْلُ مِنْ أَجلِ النَّاسِ شِرْكٌ، والإخلاص أن
يعاقبك اللهُ عَنْهُمَا.
قَالَ سَلْمَ بنُ عَبْدِ اللهِ الخُرَاسَانِيُّ: سَمِعْتُ
الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: إِنَّمَا أَمْس مَثَلٌ، وَاليَوْمَ
عَمَلٌ، وَغداً أَمَلٌ.
وَقَالَ فَيْضُ بنُ إِسْحَاقَ: قَالَ الفُضَيْلُ: وَاللهِ
مَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تُؤْذِيَ كَلْباً وَلاَ خِنْزِيْراً
بِغَيْرِ حَقٍّ، فَكَيْفَ تُؤْذِي مُسْلِماً؟!
وَعَنْ فُضَيْلٍ: لاَ يَكُوْنُ العَبْدُ مِنَ
المُتَّقِيْنَ حَتَّى يَأْمَنَهُ عَدُوُّهُ.
وَعَنْهُ: بِقَدْرِ مَا يَصْغُرُ الذَّنْبُ عِنْدَكَ،
يَعظُمُ عِنْدَ اللهِ، وَبِقَدْرِ مَا يَعْظُمُ عِنْدَكَ،
يَصغُرُ عِنْدَ الله.
قال مُخرِز بنُ عَوْنٍ: أَتَيْتُ الفُضَيْلَ بِمَكَّةَ،
فَقَالَ لِي: يَا مُحْرِزُ، وَأَنْتَ أَيْضاً مَعَ
أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، مَا فَعَلَ القُرْآنُ? وَاللهِ لَوْ
نَزَلَ حَرْفٌ بِاليَمَنِ، لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ
نَذْهَبَ حَتَّى نَسْمَعَهُ، وَاللهِ لأَنْ تَكُوْنَ
رَاعِيَ الحُمُرِ وَأَنْتَ مُقِيْمٌ عَلَى مَا يُحِبُّ
اللهُ، خَيْرٌ لَكَ مِنَ الطَّوَافِ وَأَنْتَ مُقِيْمٌ
عَلَى مَا يَكرَهُ اللهُ.
المُفَضَّلُ الجَنَدِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ الطَّبَرِيُّ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً
أَخَوْفَ عَلَى نَفْسِهِ، وَلاَ أَرْجَى لِلنَّاسِ مِنَ
الفُضَيْلِ، كَانَتْ قِرَاءتُهُ حَزِيْنَةً، شَهِيَّةً،
بَطِيئَةً، مُتَرسِّلَةً، كَأَنَّهُ
(7/396)
يُخَاطِبُ إِنْسَاناً، وَكَانَ إِذَا مَرَّ
بِآيَةٍ فِيْهَا ذِكْرُ الجَنَّةِ، يُرَدِّدُ فِيْهَا،
وَسَأَلَ، وَكَانَتْ صَلاَتُهُ بِاللَّيْلِ أَكْثَرُ
ذَلِكَ قَاعِداً، يُلْقَى لَهُ الحَصِيْرُ فِي مَسْجِدِهِ،
فَيُصَلِّي فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ سَاعَةً، ثم تغلبه
عينيه، فَيُلْقِي نَفْسَهُ عَلَى الحَصِيْرِ، فَيَنَامُ
قَلِيْلاً، ثُمَّ يَقُوْمُ، فَإِذَا غَلَبَهُ النَّوْمُ
نَامُ، ثُمَّ يَقُوْمُ هَكَذَا حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ
دَأْبُهُ إِذَا نَعِسَ أَنْ يَنَامَ، وَيُقَالُ: أَشَدُّ
العِبَادَةِ مَا كَانَ هَكَذَا.
وَكَانَ صَحِيْحَ الحَدِيْثِ، صَدُوْقَ اللِّسَانِ،
شَدِيْدَ الهَيْبَةِ لِلْحَدِيْثِ إِذَا حَدَّثَ، وَكَانَ
يَثقُلُ عَلَيْهِ الحَدِيْثُ جِدّاً، وَرُبَّمَا قَالَ
لِي: لَوْ أَنَّكَ طَلَبتَ مِنِّي الدَّنَانِيرَ، كَانَ
أَيسَرَ عَلَيَّ مِنْ أَنْ تَطلُبَ مِنِّي الحَدِيْثَ.
فَقُلْتُ: لَوْ حَدَّثْتَنِي بِأَحَادِيْثَ فَوَائِدَ
لَيْسَتْ عِنْدِي، كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَهَبَ
لِي عَدَدَهَا دَنَانِيْرَ. قَالَ: إِنَّكَ مَفْتُوْنٌ،
أَمَا وَاللهِ لَوْ عَمِلتَ بِمَا سَمِعْتَ، لَكَانَ لَكَ
فِي ذَلِكَ شُغُلٌ عَمَّا لَمْ تَسْمَعْ، سَمِعْتُ
سُلَيْمَانَ بنَ مِهْرَانَ يَقُوْلُ: إِذَا كَانَ بَيْنَ
يَدَيْكَ طَعَامٌ تَأْكُلُه، فَتَأْخُذُ اللُّقمَةَ،
فَتَرمِي بِهَا خَلْفَ ظَهرِكَ، مَتَى تَشبَعُ?
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ أَبِي
المَكَارِمِ التَّيْمِيِّ، أَخْبَرَنَا الحَدَّادُ،
أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الطَّبَرَانِيُّ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ زَكَرِيَّا الغَلاَبِيُّ،
حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الجَرْمِيُّ النَّحْوِيُّ،
حَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ الرَّبِيْعِ، قَالَ: حَجَّ
أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ -يَعْنِي: هَارُوْنَ- فَقَالَ
لِي: وَيْحَكَ! قَدْ حَكَّ فِي نَفْسِي شيء، فانظر لي رجلا
أسأله. فقلت: ههنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ. فَقَالَ:
امضِ بِنَا إِلَيْهِ. فَأَتَيْنَاهُ، فَقَرَعتُ بَابَه،
فَقَالَ: مَنْ ذَا? فَقُلْتُ: أَجِبْ أَمِيْرَ
المُؤْمِنِيْنَ. فَخَرَجَ مُسْرِعاً، فَقَالَ: يَا
أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! لَوْ أَرْسَلتَ إليَّ،
أَتَيْتُكَ. فَقَالَ: خُذْ لِمَا جِئْتُكَ لَهُ.
فَحَدَّثَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ لَهُ: عَلَيْكَ دَينٌ?
قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ لِي: اقْضِ دَيْنَهُ. فَلَمَّا
خَرَجْنَا، قَالَ: مَا أغنى عني صاحبك شيئًا. قلت: ههنا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ. قَالَ: امضِ بِنَا إِلَيْهِ.
فَأَتَيْنَاهُ، فَقَرَعتُ البَابَ، فَخَرَجَ، وَحَادَثَه
سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: عَلَيْكَ دَينٌ? قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: أَبَا عَبَّاسٍ! اقْضِ دَيْنَهُ. فَلَمَّا
خَرَجْنَا، قَالَ: مَا أَغْنَى عَنِّي صَاحِبُك شَيْئاً،
انْظُرْ لِي رَجُلاً أَسْأَلْهُ. قلت: ههنا الفُضَيْلُ بنُ
عِيَاضٍ. قَالَ: امْضِ بِنَا إِلَيْهِ. فَأَتَيْنَاهُ،
فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَتْلُو آيَةً
يُرَدِّدُهَا، فَقَالَ: اقْرَعِ البَابَ. فَقَرَعتُ،
فَقَالَ: مَنْ هَذَا? قُلْتُ: أَجِبْ أَمِيْرَ
المُؤْمِنِيْنَ. قَالَ: مَا لِي وَلأَمِيْرِ
المُؤْمِنِيْنَ? قُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ! أَمَا عَلَيْكَ
طَاعَةٌ؟ فَنَزَلَ، فَفَتَحَ البَابَ، ثُمَّ ارْتَقَى
إِلَى الغُرفَةِ، فَأَطْفَأَ السِّرَاجَ، ثُمَّ الْتَجَأَ
إِلَى زَاوِيَةٍ، فَدَخَلْنَا، فَجَعَلْنَا نَجُولُ
عَلَيْهِ بِأَيْدِيْنَا، فَسَبَقَتْ كَفُّ هَارُوْنَ
قَبْلِي إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا لَهَا مِنْ كَفٍّ مَا
أَلْيَنَهَا إِنْ نَجَتْ غَداً مِنْ عَذَابِ اللهِ!
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَيُكَلِّمَنَّهُ اللَّيْلَةَ
بِكَلاَمٍ نَقِيٍّ مِنْ قَلْبٍ تَقِيٍّ. فَقَالَ لَهُ:
خُذْ لِمَا جِئنَاكَ لَهُ -رَحِمَكَ اللهُ- فَقَالَ: إِنَّ
عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ لَمَّا وَلِيَ الخِلاَفَةَ،
دَعَا سَالِمَ بنَ عَبْدِ اللهِ، وَمُحَمَّدَ بنَ كَعْبٍ،
وَرَجَاءَ بنَ حَيْوَةَ، فَقَالَ لَهُم: إِنِّيْ قَدِ
ابْتُلِيتُ بِهَذَا البَلاَءِ، فَأَشِيْرُوا عَلَيَّ.
فَعَدَّ الخِلاَفَةَ بَلاَءً، وَعَدَدْتَهَا أَنْتَ
وَأَصْحَابَك نِعمَةً. فَقَالَ لَهُ سَالِمٌ: إِنْ
أَرَدْتَ النَّجَاةَ
(7/397)
فَصُمِ الدُّنْيَا، وَلْيَكُنْ إِفْطَارُكَ
مِنْهَا المَوْتَ. وَقَالَ لَهُ ابْنُ كَعْبٍ: إِنْ
أَرَدْتَ النَّجَاةَ مِنْ عَذَابِ اللهِ، فَلْيَكُنْ
كَبِيْرُ المُسْلِمِيْنَ عِنْدَك أَباً، وَأَوْسَطُهُم
أَخاً، وَأَصْغَرُهُم وَلداً، فَوَقِّرْ أَبَاكَ،
وَأَكْرِمْ أَخَاكَ، وَتَحَنَّنْ عَلَى وَلَدِكَ.
وَقَالَ لَهُ رَجَاءٌ: إِنْ أَرَدْتَ النَّجَاةَ مِنْ
عَذَابِ اللهِ، فَأَحِبَّ لِلْمُسْلِمِيْنَ مَا تُحِبُّ
لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُم مَا تَكرَهُ لِنَفْسِكَ،
ثُمَّ مُتْ إِذَا شِئْتَ، وَإِنِّيْ أَقُوْلُ لَكَ هَذَا،
وَإِنِّيْ أَخَافُ عَلَيْكَ أَشَدَّ الخَوْفِ يَوْماً
تَزِلُّ فِيْهِ الأَقْدَامُ، فَهَلْ مَعَكَ -رحمك الله- من
يُشِيْرُ عَلَيْكَ بِمِثْلِ هَذَا؟ فَبَكَى بُكَاءً
شَدِيْداً، حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ. فَقُلْتُ لَهُ:
ارْفُقْ بِأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ. فَقَالَ: يَا ابْنَ
أُمِّ الرَّبِيْعِ، تَقْتُلُهُ أَنْتَ وَأَصْحَابُك،
وَأَرْفُقُ بِهِ أَنَا. ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ لَهُ:
زِدْنِي -رَحِمَكَ اللهُ. قُلْتُ: بَلَغَنِي أَنَّ
عَامِلاً لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ شُكِيَ إِلَيْهِ،
فَكَتَبَ إِلَيْهِ: يَا أَخِي! أُذَكِّرُكَ طُوْلَ سَهِرِ
أَهْلِ النَّارِ فِي النَّارِ، مَعَ خُلُوْدِ الأَبَدِ،
وَإِيَّاكَ أَنْ يُنْصَرَفَ بِكَ مِنْ عِنْدِ اللهِ،
فَيَكُوْنُ آخِرَ العَهدِ، وَانقِطَاعَ الرَّجَاءِ.
فَلَمَّا قَرَأَ الكِتَابَ، طَوَى البِلاَدَ، حَتَّى
قَدِمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا أَقْدَمَكَ? قَالَ: خَلَعتَ
قَلْبِي بِكِتَابِكَ، لاَ أَعُوْدُ إِلَى وِلاَيَةٍ حَتَّى
أَلْقَى اللهَ. فَبَكَى هَارُوْنُ بُكَاءً شَدِيْداً.
فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! إِنَّ العَبَّاسِ
عَمِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
جَاءَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أمِّرني فَقَالَ لَهُ: "إِنَّ
الإِمَارَةَ حَسْرَةٌ وَنَدَامَةٌ يَوْمَ القِيَامَةِ،
فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لاَ تَكُوْنَ أَمِيْراً،
فَافْعَلْ" 1. فَبَكَى هَارُوْنُ، وَقَالَ: زِدْنِي.
قَالَ: يَا حَسَنَ الوَجْهِ، أَنْتَ الَّذِي يَسْأَلُكَ
اللهُ عَنْ هَذَا الخَلْقِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَإِنِ
اسْتَطَعْتَ أَنْ تَقِيَ هَذَا الوَجْهَ مِنَ النَّارِ،
فَافْعَلْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمسِيَ وَفِي
قَلْبِكَ غِشٌّ لأَحَدٍ مِنْ رَعِيَّتِك، فَإِنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
"مَنْ أَصْبَحَ لَهُم غَاشّاً، لَمْ يَرُحْ رائحة الجنة"
2. فبكى هارون، وقال له: عَلَيْكَ دَينٌ? قَالَ: نَعَمْ،
دَينٌ لِرَبِّي، لَمْ يُحَاسِبْنِي عَلَيْهِ، فَالوَيْلُ
لِي إِنْ سَاءلَنِي، وَالوَيلُ لي إن ناقشني،
__________
1 لم يرد بهذا اللفظ في شيء من كتب ودواوين السنة المشرفة،
لكن ورد في عظم أمر الإمارة ما أخرجه مسلم "1825" من طريق
الحارث بن يزيد الحضرمي، عن ابن حجيرة الأكبر، عن أَبِي
ذَرٍّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ ألا تستعملني؟
قال: فضرب بيده على منكبي. ثم قال: "يا با ذر إنك ضعيف
وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا مَنْ
أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيْهَا".
وأخرج البخاري "7148" من طريق ابن أبي ذئب، عن سعيد
المَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إنكم ستحرصون
على الامارة وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة وبئست
الفاطمة".
وأخرج البخاري "7147" عن عبد الرحمن بن سمرة قَالَ: قَالَ
لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"يَا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الامارة، فإن أعطيتها عن
مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها
وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فائت الذي هو
خير وكفر عن يمينك".
1 أخرجه البخاري "7151"، ومسلم "142" من حديث معقل بن يسار
مرفوعا بلفظ: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيْهِ اللهُ
رَعِيَّةً يَمُوْتُ يَوْمَ يَمُوْتُ وَهُوَ غَاشٌّ
لِرَعِيَّتِهِ، إِلاَّ حَرَّمَ الله عليه الجنة".
(7/398)
وَالوَيلُ لِي إِنْ لَمْ أُلْهَم حُجَّتِي.
قَالَ: إِنَّمَا أَعْنِي مِنْ دَينِ العِبَادِ. قَالَ:
إِنَّ رَبِّي لَمْ يَأْمُرْنِي بِهَذَا، أَمَرَنِي أَنْ
أَصْدُقَ وَعْدَهُ، وَأُطِيْعَ أَمْرَهُ، فَقَالَ -عَزَّ
وَجَلَّ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا
لِيَعْبُدُونِ} [الذَّارِيَاتُ: 56] ، الآيَاتِ. فَقَالَ:
هَذِهِ أَلفُ دِيْنَارٍ، خُذْهَا، فَأَنْفِقْهَا عَلَى
عِيَالِكَ، وتقوَّ بِهَا عَلَى عِبَادَةِ رَبِّكَ.
فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! أَنَا أَدُلُّكَ عَلَى طَرِيْقِ
النَّجَاةِ، وَأَنْتَ تُكَافِئُنِي بِمِثلِ هَذَا،
سَلَّمَكَ اللهُ، وَوَفَّقَكَ. ثُمَّ صَمَتَ، فَلَمْ
يُكَلِّمْنَا. فَخَرَجْنَا، فَقَالَ هَارُوْنُ: أَبَا
عَبَّاسٍ! إِذَا دَلَلْتَنِي، فَدُلَّنِي عَلَى مِثْلِ
هَذَا، هَذَا سَيِّدُ المُسْلِمِيْنَ. فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ
امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ، فَقَالَتْ: قَدْ تَرَى مَا
نَحْنُ فِيْهِ مِنَ الضِّيقِ، فَلَو قَبِلْتَ هَذَا
المَالَ. قَالَ: إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُم، كَمَثَلِ
قَوْمٍ لَهُم بَعِيْرٌ يَأْكلُوْنَ مِنْ كَسْبِهِ،
فَلَمَّا كَبِرَ نَحَرُوهُ، فَأَكَلُوا لَحْمَهُ، فَلَمَّا
سَمِعَ هَارُوْنُ هَذَا الكَلاَمَ، قَالَ: نَدْخُلُ،
فَعَسَى أَنْ يَقْبَلَ المَالَ. فَلَمَّا عَلِمَ
الفُضَيْلُ، خَرَجَ، فَجَلَسَ فِي السَّطحِ عَلَى بَابِ
الغُرفَةِ، فَجَاءَ هَارُوْنُ، فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ،
فَجَعَلَ يُكَلِّمُهُ، فَلاَ يُجِيْبُهُ، فَبَيْنَا نَحْنُ
كَذَلِكَ، إِذْ خَرَجَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ:
يَا هَذَا! قَدْ آذَيْتَ الشَّيْخَ مُنْذُ اللَّيْلَةِ،
فَانْصَرِفْ، فَانْصَرَفْنَا.
حِكَايَةٌ عَجِيْبَةٌ، وَالغَلاَبِيُّ غَيْرُ ثِقَةٍ.
وَقَدْ رَوَاهَا: غَيْرُهُ.
أَخْبَرَتْنَا عَائِشَةُ بِنْتُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا
ابْنُ رَاجِحٍ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا
العَلاَّفُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الحَمَّامِيُّ،
أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَجَّاجِ
بِالمَوْصِلِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَعْدَانَ
الحَرَّانِيُّ، حدثنا أبو عمر النحوي -هو الجَرْمِيُّ-
عَنِ الفَضْلِ بنِ الرَّبِيْعِ، بِهَا.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ شَقِيْقٍ: حَدَّثَنَا
أَبُو إِسْحَاقَ: قَالَ الفُضَيْلُ: لَوْ خُيِّرتُ بَيْنَ
أَنْ أَعِيْشَ كَلْباً، وَأَمُوْتَ كَلباً وَلاَ أَرَى
يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَخْتَرْتُ ذَلِكَ.
وَقَالَ فَيْضُ بنُ إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ
يَقُوْلُ: وَاللهِ لأَنْ أَكُوْنَ تُرَاباً، أَحَبُّ
إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُوْنَ فِي مِسلاَخِ أَفْضَلِ أَهْلِ
الأَرْضِ، وَمَا يَسُرُّنِي أَنْ أَعْرِفَ الأَمْرَ حَقَّ
مَعْرِفَتِه، إِذاً لَطَاشَ عَقْلِي.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الطَّبَرِيُّ:
سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: لَوْ قُلْتُ: إِنَّكَ
تَخَافُ المَوْتَ، مَا قَبْلِتُ مِنْكَ، لَوْ خِفتَ
المَوْتَ، مَا نَفَعَكَ طَعَامٌ وَلاَ شَرَابٌ، وَلاَ
شَيْءٌ، مَا يَسُرُّنِي أَنْ أعرف الأمر حق معرفته، إذا
لطاش عقلي، وَلَمْ أَنْتَفِعْ بِشَيْءٍ.
عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ يَزِيْدَ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ
يَقُوْلُ: لاَ تَجْعَلِ الرِّجَالَ أَوْصِيَاءكَ، كَيْفَ
تَلُوْمُهُم أَنْ يُضِيعُوا وَصِيَّتَكَ، وَأَنْتَ قَدْ
ضَيَّعْتَهَا فِي حَيَاتِكَ.
(7/399)
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: إِذَا أَحَبَّ
اللهُ عَبْداً، أَكْثَرَ غمه وإذا بغض عَبداً، وَسَّعَ
عَلَيْهِ دُنْيَاهُ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الأَشْعَثِ: سَمِعْتُ
الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُذْكَرَ لَمْ
يُذْكَرْ، وَمَنْ كَرِهَ أَنْ يُذْكَرَ ذُكِرَ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: وَعِزَّتِهِ، لَوْ أَدْخَلَنِي
النَّارَ مَا أَيِسْتُ.
وَسَمِعتُهُ -وَقَدْ أَفَضْنَا مِنْ عَرَفَاتَ- يَقُوْلُ:
وَاسَوْأَتَاهُ -وَاللهِ مِنْكَ- وَإِنْ عَفَوْتَ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: الخَوْفُ أَفْضَلُ مِنَ الرَّجَاءِ
مَا دَامَ الرَّجُلُ صَحِيْحاً، فَإِذَا نَزَلَ بِهِ
المَوْتُ، فَالرَّجَاءُ أَفْضَلُ.
قُلْتُ: وَذَلِكَ لِقَوْلِه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "لاَ يَمُوْتَنَّ أَحَدُكُم إِلاَّ وَهُوَ
يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ" 1.
رَوَى أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّورقي، عَنْ عَلِيِّ
بنِ الحَسَنِ، قَالَ: بَلَغَ الفُضَيْلَ أَنَّ حَرِيْزاً
يُرِيْدُ أَنْ يَأْتِيَهُ، فَأَقفَلَ البَابَ مِنْ
خَارِجٍ، فَجَاءَ، فَرَأَى البَابَ مُقْفَلاً، فَرَجَعَ،
فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ: حَرِيْزٌ. قَالَ: مَا
يَصْنَعُ بِي، يُظْهِرُ لِي مَحَاسِنَ كَلاَمِهِ،
وَأُظهِرُ لَهُ مَحَاسِنَ كَلاَمِي، فَلاَ يَتَزَيَّنُ
لِي، وَلاَ أَتَزَيَّنُ لَهُ خَيْرٌ لَهُ.
ثُمَّ قَالَ عليٌّ: مَا رَأَيْتُ أَنصَحَ
لِلْمُسْلِمِيْنَ، وَلاَ أَخَوْفَ مِنْهُ، وَلَقَدْ
رَأْيْتُهُ فِي المَنَامِ قَائِماً عَلَى صُنْدُوْقٍ
يُعطِي المَصَاحِفَ، وَالنَّاسُ حَوْلَهُ، فِيْهِم
سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَهَارُوْنُ أَمِيْرُ
المُؤْمِنِيْنَ، فَمَا رَأْيْتُهُ يُوَدِّعُ أَحَداً،
فَيَقدِرُ أَنْ يُتِمَّ وَدَاعَه.
قَالَ فَيْضُ بنُ وَثِيْقٍ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ:
إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لاَ تَكُوْنَ مُحَدِّثاً، وَلاَ
قَارِئاً، وَلاَ مُتَكَلِّماً، إِنْ كُنْتَ بَلِيْغاً،
قَالُوا: مَا أَبْلَغَهُ، وَأَحْسَنَ حَدِيْثَه،
وَأَحْسَنَ صَوْتَه! فَيُعجِبُكَ ذَلِكَ، فَتَنْتَفِخَ.
وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَلِيْغاً، وَلاَ حَسَنَ الصَّوتِ،
قَالُوا: لَيْسَ يُحْسِنُ يُحَدِّثُ، وَلَيْسَ صَوْتُهُ
بِحَسَنٍ، أَحزَنَكَ ذَلِكَ، وَشقَّ عَلَيْك، فَتكُوْنَ
مُرَائِياً. وَإِذَا جَلَسْتَ، فَتَكَلَّمْتَ، فَلَمْ
تُبَالِ مَنْ ذَمَّكَ، وَمَنْ مَدَحَكَ فَتَكَلَّمْ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ زُنْبور: قَالَ الفُضَيْلُ: لاَ
يَسْلَمُ لَكَ قَلْبُكَ حَتَّى لاَ تُبَالِي من أكل
الدنيا.
وقيل لَهُ: مَا الزُّهْدُ? قَالَ: القُنُوعُ. قِيْلَ: مَا
الوَرَعُ? قَالَ: اجْتنَابُ المَحَارِمِ. قِيْلَ: مَا
العِبَادَةُ? قَالَ: أَدَاءُ الفَرَائِضِ. قِيْلَ: مَا
التَّوَاضُعُ? قَالَ: أَنْ تَخضَعَ لِلْحقِّ. وَقَالَ:
أَشدُّ الوَرَعِ فِي اللسان.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "2877" من حديث جابر بن عبد الله، به
مرفوعا.
(7/400)
قُلْتُ: هَكَذَا هُوَ، فَقَدْ تَرَى
الرَّجُلَ وَرِعاً فِي مَأْكَلِهِ، وَمَلْبَسِه،
وَمُعَامَلَتِه، وَإِذَا تَحدَّثَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ
الدَّاخِلُ مِنْ حَدِيْثِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَتَحَرَّى
الصِّدْقَ، فَلاَ يَكمُلُ الصِّدْقُ، وَإِمَّا أَنْ
يَصْدُقَ، فَيُنَمِّقَ حَدِيْثَه لِيُمدَحَ عَلَى
الفَصَاحَةِ، وَإِمَّا أَنْ يُظهِرَ أَحْسَنَ مَا عِنْدَهُ
لِيُعَظَّمَ، وَإِمَّا أَنْ يَسكُتَ فِي مَوْضِعِ
الكَلاَمِ لِيُثْنَى عَلَيْهِ، وَدَوَاءُ ذَلِكَ كُلِّه
الانْقِطَاعُ عَنِ النَّاس، إِلاَّ مِنَ الجَمَاعَةِ.
قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ يَزِيْدَ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ
يَقُوْلُ: لَوْ أَنَّ لِي دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً، مَا
جَعَلْتُهَا إِلاَّ فِي إِمَامٍ، فَصَلاَحُ الإِمَامِ
صَلاَحُ البِلاَدِ وَالعِبَادِ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: إِنَّمَا هُمَا عَالِمَانِ،
فَعَالِمُ الدُّنْيَا: عِلْمُهُ مَنْشُوْرٌ، وَعَالِمُ
الآخِرَةِ: عِلْمُهُ مَسْتُورٌ، احْذَرُوا عَالِمَ
الدُّنْيَا، لاَ يَضُرُّكُم بِسُكْرِهِ، العُلَمَاءُ
كَثِيْرٌ، وَالحُكمَاءُ قَلِيْلٌ.
وَعَنْهُ: لاَ يَبلُغُ العَبْدُ حَقِيْقَةَ الإِيْمَانِ،
حَتَّى يَعُدَّ البَلاَءَ نِعمَةً، وَالرَّخَاءَ
مُصِيْبَةً، وَحَتَّى لاَ يُحِبَّ أَنْ يُحْمَدَ عَلَى
عِبَادَةِ اللهِ.
قَالَ الحُسَيْنُ بنُ زِيَادٍ المَرْوَزي: سَمِعْتُ
فُضَيْلاً يَقُوْلُ: لَوْ حَلَفْتُ أَنِّي مُرَاءٍ، كَانَ
أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أحلف أن لَسَتُ بِمُرَاءٍ،
وَلَو رَأَيْتُ رَجُلاً اجْتَمَعَ النَّاسُ حَوْلَهُ،
لَقُلْتُ: هَذَا مَجْنُوْنٌ، مَنِ الَّذِي اجْتَمَعَ
النَّاسُ حَوْلَهُ، لاَ يُحِبُّ أَنْ يُجَوِّدَ كَلاَمَهُ
لَهُم?
فَيْضُ بنُ إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ فُضَيْلاً يَقُوْلُ:
لَيْسَتِ الدُّنْيَا دَارَ إِقَامَةٍ، وَإِنَّمَا آدَمُ
أُهْبِطَ إِلَيْهَا عُقُوْبَةً، أَلاَ تَرَى كَيْفَ
يَزْوِيْهَا عَنْهُ، وَيُمَرِّرُهَا عَلَيْهِ بِالجُوْعِ،
بِالعُرِيِّ، بِالحَاجَةِ، كَمَا تَصْنَعُ الوَالِدَةُ
الشَّفِيْقَةُ بِوَلَدِهَا، تَسقِيْهِ مَرَّةً حُضَضاً،
وَمَرَّةً صبرًا، وإنما بِذَلِكَ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ.
وَعَنِ الفُضَيْلِ: حَرَامٌ عَلَى قُلُوْبِكُم أَنْ
تُصِيْبَ حَلاَوَةَ الإِيْمَانِ، حَتَّى تَزْهَدُوا فِي
الدُّنْيَا.
وَعَنْهُ: إِذَا لَمْ تَقدِرْ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ،
وَصِيَامِ النَّهَارِ، فَاعْلَمْ أَنَّكَ مَحْرُوْمٌ،
كَبَّلَتْكَ خَطِيئَتُكَ.
وَعَنْ فُضَيْلٍ -وَرَأَى قَوْماً مِنْ أَصْحَابِ
الحَدِيْثِ يَمرَحُوْنَ وَيَضْحَكُوْنَ- فَنَادَاهُم:
مَهْلاً يَا وَرثَةَ الأَنْبِيَاءِ -مَهْلاً ثَلاَثاً-
إِنَّكُم أَئِمَّةٌ يُقْتَدَى بِكُم.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ
يَقُوْلُ: يُغْفَرُ لِلْجَاهِلِ سَبْعُوْنَ ذَنْباً مَا
لاَ يُغْفَرُ لِلْعَالِمِ ذَنْبٌ وَاحِدٌ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ
الحَذَّاءُ، سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: أَخَذْتُ
بِيَدِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ فِي هَذَا الوَادِي،
فَقُلْتُ: إِنْ كُنْتَ تَظُنُّ أَنَّهُ بَقِيَ عَلَى
وَجْهِ الأَرْضِ شَرٌّ مِنِّي وَمِنْكَ، فَبِئْسَ مَا
تَظُنُّ.
(7/401)
قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ مَرْدَوَيْه:
سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: مَنْ أَحَبَّ صَاحِبَ
بِدْعَةٍ، أَحبَطَ اللهُ عَمَلَهُ، وَأَخْرَجَ نُوْرَ
الإِسْلاَمِ مِنْ قَلْبِهِ، لاَ يَرْتَفِعُ لِصَاحِبِ
بِدْعَةٍ إِلَى اللهِ عَمَلٌ، نَظَرُ المُؤْمِنِ إِلَى
المُؤْمِنِ يَجلُو القَلْبَ، وَنَظَرُ الرَّجُلِ إِلَى
صَاحِبِ بِدْعَةٍ يُورِثُ العَمَى، مَنْ جَلَسَ مَعَ
صَاحِبِ بِدْعَةٍ لَمْ يُعْطَ الحِكْمَةَ.
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: حَدَّثَنِي أَبُو
النَّضْرِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا
يَحْيَى بنُ يُوْسُفَ الزَّمِّيُّ، عَنْ فُضَيْلِ بنِ
عِيَاضٍ، قَالَ: لَمَّا دَخَلَ علي هارون أمير
المُؤْمِنِيْنَ، قُلْتُ: يَا حَسَنَ الوَجْهِ! لَقَدْ
كُلِّفْتَ أَمْراً عَظِيْماً، أَمَا إِنِّيْ مَا رَأَيْتُ
أَحَداً أَحْسَنَ وَجْهاً مِنْكَ، فَإِنْ قَدِرْتَ أَنْ
لاَ تُسَوِّدَ هَذَا الوَجْهَ بِلَفْحَةٍ مِنَ النَّارِ،
فَافْعَلْ. قَالَ: عِظْنِي. قُلْتُ: بِمَاذَا أَعِظُكَ?
هَذَا كِتَابُ اللهِ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ، انْظُرْ
مَاذَا عَمِلَ بِمَنْ أَطَاعَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ بِمَنْ
عَصَاهُ، إِنِّيْ رَأَيْتُ النَّاسَ يَغُوصُونَ عَلَى
النَّارِ غَوْصاً شَدِيْداً، وَيَطلُبُوْنَهَا طَلَباً
حَثِيثاً، أَمَا وَاللهِ، لَوْ طَلَبُوا الجَنَّةَ
بِمِثْلِهَا، أَوْ أَيسَرَ، لَنَالُوْهَا. وَقَالَ: عُدْ
إِلَيَّ فَقَالَ: لَوْ لَمْ تَبْعَثْ إِلَيَّ. لَمْ آتِكَ،
وَإِنِ انْتَفعتَ بِمَا سَمِعْتَ، عُدْتُ إِلَيْكَ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الأَشْعَثِ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ
يَقُوْلُ فِي مَرَضِهِ: ارْحَمْنِي بِحُبِّي إِيَّاكَ،
فَلَيْسَ شَيْءٌ إِلَيَّ مِنْكَ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ وَهُوَ يَشتَكِي: مَسَّنِيَ
الضُّرُّ، وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِيْنَ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَنِ اسْتَوْحَشَ مِنَ الوَحْدَةِ،
وَاسْتَأَنَس بِالنَّاسِ، لَمْ يَسْلَمْ مِنَ الرِّيَاءِ،
لاَ حَجَّ وَلاَ جِهَادَ أَشدُّ مِنْ حَبْسِ اللِّسَانِ،
وَلَيْسَ أَحَدٌ أَشَدَّ غَمّاً مِمَّنْ سَجَنَ لِسَانَهُ.
قَالَ الحُسَيْنُ بنُ زِيَادٍ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ
كَثِيْراً يَقُوْلُ: أِحْفَظْ لِسَانَكَ، وَأَقْبِلْ عَلَى
شَأنِكَ، وَاعْرفْ زَمَانَكَ، وَأَخْفِ مَكَانَكَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ:
حَدَّثَنَا الفَيْضُ بنُ إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ الفُضَيْلَ
يَقُوْلُ: وَدِدْتُ أَنَّهُ طَارَ فِي النَّاسِ أَنِّي
مُتُّ حَتَّى لاَ أُذْكَرَ، إِنِّيْ لأَسْمَعُ صَوْتَ
أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، فَيَأْخُذُنِي البَوْلُ فَرَقاً
مِنْهُم.
وَقَالَ الدَّوْرَقِيُّ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ
زِيَادٍ، سَمِعْتُ فُضَيْلاً يَقُوْلُ لأَصْحَابِ
الحَدِيْثِ: لِمَ تُكْرِهُوْنِي عَلَى أَمرٍ تَعْلَمُوْنَ
أَنِّي كَارِهٌ لَهُ -يَعْنِي: الرِّوَايَةَ? لَوْ كُنْتُ
عَبْداً لَكُم فَكَرِهْتُكُم، كَانَ نَولي أَنْ
تَبِيْعُوْنِي، لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إِذَا دَفَعتُ
رِدَائِي هَذَا إِلَيْكُم، ذَهَبْتُم عَنِّي، لَفَعَلتُ.
الدَّورقي: وَسَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ
يَقُوْلُ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يُخَاطِبُ نَفْسَهُ: مَا
أَرَاهُ
(7/402)
أَخْرَجَكِ مِنَ الحِلِّ، فَدَسَّك فِي
الحَرَمِ إِلاَّ لِيُضْعِفَ عَلَيْكِ الذَّنْبَ. أَمَا
تَسْتَحِي تَذْكُرُ الدِّيْنَارَ وَالدِّرْهَمَ وَأَنْتَ
حَوْلَ البَيْت، إِنَّمَا كَانَ يَأْتِيْهِ التَّائِبُ
وَالمُسْتَجِيْرُ.
وَعَنِ الفُضَيْلِ، قَالَ: المُؤْمِنُ يَغْبِطُ، وَلاَ
يَحْسُدُ، الغِبْطَةُ مِنَ الإِيْمَانِ، وَالحَسَدُ مِنَ
النِّفَاقِ.
قُلْتُ: هَذَا يُفَسِّرُ لَكَ قَوْلَهُ -عَلَيْهِ
الصَّلاَةُ وَالتَّسْلِيمُ: "لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي
اثْنَتَيْنِ: رَجُلٍ آتَاهُ اللهُ مَالاً يُنْفِقُهُ فِي
الحَقِّ، وَرَجُلٍ آتَاهُ اللهُ القُرْآنَ، فَهُوَ
يَقُوْمُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَأَطرَافَ النَّهَارِ"
1. فَالحَسَدُ هُنَا، مَعْنَاهُ: الغِبطَةُ، أَنْ تَحْسُدَ
أَخَاكَ عَلَى مَا آتَاهُ الله، لاَ أَنَّكَ تَحْسُدُهُ
بِمَعْنَى: أَنَّك تَوَدُّ زوَالَ ذَلِكَ عَنْهُ، فَهَذَا
بَغْيٌ وَخُبْثٌ.
وَعَنِ الفُضَيْلِ، قَالَ: مِنْ أَخلاَقِ الأَنْبِيَاءِ:
الحِلْمُ، وَالأَنَاةُ، وَقِيَامُ اللَّيْلِ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: أَخْبَرَنَا
أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا
الحَسَنُ بنُ عَبْدِ اللهِ العَسْكَرِيُّ، حَدَّثَنَا
ابْنُ أَخِي أَبِي زُرْعة، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ،
عَنِ الفَضْلِ بنِ مُوْسَى، قَالَ: كَانَ الفُضَيْلُ
شَاطِراً يَقْطَعُ الطريق، فذكر الحكاية، وقد مضت.
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ اللَّيْثِ: حَدَّثَنَا
المُحَدِّث عَلِيُّ بنُ خَشْرَم، قَالَ: أَخْبَرَنِي
رَجُلٌ مِنْ جِيْرَانِ الفُضَيْلِ مِنْ أَبِيْوَرْدَ،
قَالَ: كَانَ الفُضَيْلُ يَقْطَعُ الطَّرِيْق وَحْدَهُ،
فَبَيْنَا هُوَ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَقَدِ انْتَهَتْ إِلَيْهِ
القَافِلَةُ، فَقَالَ بَعْضُهُم: اعْدِلُوا بِنَا إِلَى
هَذِهِ القَرْيَةِ، فَإِنَّ الفُضَيْلَ يَقْطَعُ
الطَّرِيْقَ. فَسَمِعَ ذَلِكَ، فَأُرْعِدَ، فَقَالَ: يَا
قَوْمُ جُوْزُوا، وَاللهِ لأَجْتَهِدنَّ أَنْ لاَ أَعْصِيَ
اللهَ.
وَرُوِيَ نَحْوُهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، لَكِنَّهُ فِي
الإِسْنَادِ ابْنُ جَهْضَم، وَهُوَ هَالِكٌ.
وَبِكُلِّ حَالٍ: فَالشِّرْكُ أَعْظَمُ مِنْ قَطعِ
الطَّرِيْقِ، وَقَدْ تَابَ مِنَ الشِّركِ خَلقٌ، صَارُوا
أَفْضَلَ الأُمَّةِ، فَنَوَاصِي العِبَادِ بِيَدِ اللهِ
-تَعَالَى- وَهُوَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيَهدِي
إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ: قَالَ
لِي المَأْمُوْنُ: قَالَ لِي الرَّشِيْدُ: مَا رَأتْ
عَيْنَايَ مِثْلَ فُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، دَخَلْتُ
عَلَيْهِ. فَقَالَ لِي: فَرِّغْ قَلْبَكَ لِلْحُزنِ
وَلِلْخَوْفِ حَتَّى يَسْكُنَاهُ، فَيَقْطَعَاكَ عَنِ
المَعَاصِي، ويباعداك من النار.
__________
1 صحيح: أخرجه الحميدي "617"، وابن أبي شيبة "10/ 557"،
والبخاري "7529"، وفي "خلق أفعال العباد" "ص124"، ومسلم
"815"، والنسائي في "فضائل القرآن" "97"، وابن ماجه
"4209"، والبيهقي في "السنن" "4/ 188"، والبغوي "3537" من
طرق عن سفيان بن عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
سَالِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ مرفوعا بلفظ: "لاَ حَسَدَ إِلاَّ
فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٍ آتَاهُ اللهُ القُرْآنَ، فَهُوَ
يَقُوْمُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وآناء النهار، ورجل أتاه
الله مالا، فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار".
(7/403)
وَعَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، قَالَ: مَا
رَأَيْتُ بَعْدَ الفُضَيْلِ أَعبَدَ مِنْ وَكِيْعٍ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الأَشْعَثِ: رَأَيْتُ سُفْيَانَ
بنَ عُيَيْنَةَ يُقَبِّلُ يَدَ الفُضَيْلِ مَرَّتَيْنِ.
وَعَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: إِذَا نَظَرْتُ إِلَى
الفُضَيْلِ جَدَّدَ لِيَ الحُزْنَ، وَمَقَتُّ نَفْسِي،
ثُمَّ بَكَى.
قَالَ يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ: دَخَلْتُ مَعَ زَافِرِ بنِ
سُلَيْمَانَ عَلَى الفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ، فَإِذَا مَعَهُ
شَيْخٌ، فَدَخَلَ زَافِرٌ، وَأَقعَدَنِي عَلَى البَابِ.
قَالَ زَافِرٌ: فَجَعَلَ الفُضَيْلُ يَنْظُرُ إِلَيَّ،
ثُمَّ قَالَ: هَؤُلاَءِ المُحَدِّثُونَ يُعْجِبُهُم قُرْبُ
الإِسْنَادِ، أَلاَ أُخْبِرُكَ بِإِسْنَادٍ لاَ شَكَّ
فِيْهِ: رَسُوْلُ اللهِ، عَنْ جِبْرِيْلَ، عَنِ اللهِ:
{نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا
مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ} [التَّحْرِيْمُ: 6] ،
فَأَنَا وَأَنْتَ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ مِنَ النَّاسِ،
ثُمَّ غُشِيَ عَلَيْهِ وَعَلَى الشَّيْخِ، وَجَعَلَ
زَافِرٌ يَنْظُرُ إِلَيْهِمَا، ثُمَّ خَرَجَ الفُضَيْلُ،
وَقُمْنَا، وَالشَّيْخُ مَغْشِيٌّ عَلَيْهِ.
قَالَ سَهْل بنُ رَاهويه: قُلْتُ لابْنِ عُيَيْنَةَ: أَلاَ
تَرَى إِلَى الفُضَيْلِ، لاَ تَكَادُ تَجِفُّ لَهُ
دَمْعَةٌ؟ قَالَ: إِذَا قَرِحَ القَلْبُ، نَدِيَتِ
العَيْنَانِ.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: نَظرَ الفُضَيْلُ إِلَى رَجُلٍ
يَشْكُو إِلَى رَجُلٍ، فَقَالَ: يَا هَذَا تَشْكُو مَنْ
يَرْحَمُكَ إِلَى مَنْ لاَ يَرْحَمُكَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: حَدَّثَنَا أَبُو
عَبْدِ اللهِ الأَنْطَاكِيُّ، قال: اجتمع الفضيل والثوري،
فتذاكروا فَرَقَّ سُفْيَانُ، وَبَكَى، ثُمَّ قَالَ:
أَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ هَذَا المَجْلِسُ عَلَيْنَا
رَحْمَةً وَبَرَكَةً. فَقَالَ لَهُ الفُضَيْلُ: لَكِنِّي
يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَخَافُ أَنْ لاَ يَكُوْنَ
أَضَرَّ عَلَيْنَا مِنْهُ، أَلَسْتَ تَخَلَّصْتَ إِلَى
أَحْسَنِ حَدِيْثِكَ، وَتَخَلَّصْتُ أَنَا إِلَى أَحْسَنِ
حَدِيْثِي، فَتَزَيَّنْتَ لِي، وَتَزَيَّنْتُ لَكَ?
فَبَكَى سُفْيَانُ، وَقَالَ: أَحْيَيْتَنِي، أَحْيَاكَ
اللهُ.
وَقَالَ الفَيْضُ: قَالَ لِي الفُضَيْلُ: لَوْ قِيْلَ
لَكَ: يَا مُرائي، غَضِبْتَ، وَشَقَّ عَلَيْكَ، وَعَسَى
مَا قِيْلَ لَكَ حَقٌّ، تَزَيَّنْتَ لِلدُّنْيَا،
وَتَصَنَّعتَ، وَقَصَّرْتَ ثِيَابَكَ، وَحَسَّنْتَ
سَمْتَكَ، وَكَفَفْتَ أَذَاكَ، حَتَّى يُقَالَ: أَبُو
فُلاَنٍ عَابِدٌ، مَا أَحْسَنَ سَمْتَهُ،
فَيُكْرِمُوْنَكَ، وَيَنْظُرُونَكَ، وَيَقْصِدُونَكَ،
وَيَهْدُوْنَ إِلَيْكَ، مِثْل الدِّرْهَمِ السُّتُّوق1،
لاَ يَعْرِفُه كُلُّ أَحَدٍ، فَإِذَا قُشِرَ، قُشِرَ عَنْ
نُحَاسٍ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ الأَشْعَثِ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ يقول:
بلغني أن العلماء -فيما مضى. كَانُوا إِذَا تَعَلَّمُوا
عَمِلُوا، وَإِذَا عَمِلُوا شُغِلُوا، وَإِذَا شُغِلُوا
فُقِدُوا، وَإِذَا فُقِدُوا طُلِبُوا، فَإِذَا طلبوا
هربوا.
__________
1 السُّتُّوق: هو الردي الذي لا خير فيه، والزيف.
(7/404)
وَعَنْهُ قَالَ: كَفَى بِاللهِ مُحَبّاً،
وَبَالقُرْآنِ مُؤنِساً، وَبَالمَوْتِ وَاعِظاً،
وَبِخَشْيَةِ اللهِ عِلْماً، وَبَالاغْتِرَارِ جَهْلاً.
وَعَنْهُ: خَصْلتَانِ تقسِّيان القَلْبَ: كَثْرَةُ
الكَلاَمِ، وَكَثْرَةُ الأَكلِ.
وَعَنْهُ: كَيْفَ تَرَى حَالَ مَنْ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ،
وَضَعُفَ عِلْمُهُ، وَفَنِيَ عُمُرُهُ، وَلَمْ يَتَزَوَّدْ
لِمَعَادِهِ؟
وَعَنْهُ: يَا مِسْكِيْنُ! أَنْتَ مُسِيءٌ، وَتَرَى
أَنَّكَ مُحْسِنٌ، وَأَنْتَ جَاهِلٌ، وَتَرَى أَنَّكَ
عَالِمٌ، وَتَبْخَلُ، وَترَى أَنَّكَ كَرِيْمٌ،
وَأَحْمَقُ، وَتَرَى أَنَّك عَاقِلٌ، أَجَلُكَ قَصِيْرٌ،
وَأَمَلُكَ طَوِيْلٌ.
قُلْتُ: إِي وَاللهِ، صَدَقَ، وَأَنْتَ ظَالِمٌ وَترَى
أَنَّك مَظْلُوْمٌ، وَآكِلٌ لِلْحَرَامِ وَترَى أَنَّك
مُتَوَرِّعٌ، وَفَاسِقٌ وَتَعتَقِدُ أَنَّكَ عَدْلٌ،
وَطَالِبُ العِلْم لِلدُّنْيَا وَتَرَى أَنَّك تَطْلُبُهُ
للهِ.
عَبَّاسٌ الدُّوري: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ
الأَنْبَارِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ فُضَيْلاً يَقُوْلُ:
لَمَّا قَدِمَ هَارُوْنُ الرَّشِيْدِ إِلَى مَكَّةَ،
قَعَدَ في الحجر هو وولده وقوم من الهَاشِمِيِّينَ،
وَأَحضَرُوا المَشَايِخَ، فَبَعَثَوا إِلَيَّ، فَأَرَدْتُ
أَنْ لاَ أَذهَبَ، فَاسْتَشَرْتُ جَارِي، فَقَالَ: اذْهبْ،
لَعَلَّهُ يُرِيْدُ أَنْ تَعِظَه. فَدَخَلْتُ المَسْجِدَ،
فَلَمَّا صِرْتُ إِلَى الحِجْرِ، قُلْتُ لأَدْنَاهُم:
أَيُّكُم أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ? فَأَشَارَ إِلَيْهِ،
فَقُلْتُ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَمِيْرَ
المُؤْمِنِيْنَ، وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. فَرَدَّ
عَلَيَّ، وَقَالَ: اقعُدْ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا
دَعَونَاكَ لِتُحَدِّثنَا بِشَيْءٍ، وَتَعِظَنَا.
فَأَقْبَلتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا حَسَنَ الوَجْهِ،
حِسَابُ الخَلْقِ كُلِّهُم عَلَيْكَ. فَجَعَلَ يَبْكِي
وَيَشهَقُ، فَرَدَّدْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْكِي، حَتَّى
جَاءَ الخَادِمُ، فَحَمَلُوْنِي وَأَخْرَجُونِي، وَقَالَ:
اذْهَبْ بِسَلاَمٍ.
وَقَالَ مُحْرِزُ بنُ عَوْنٍ: كُنْتُ عِنْدَ الفُضَيْلِ،
فَأَتَى هَارُوْنُ وَمَعَهُ يَحْيَى بنُ خَالِدٍ،
وَوَلَدُهُ جَعْفَرٌ، فَقَالَ لَهُ يَحْيَى: يَا أَبَا
عَلِيٍّ، هَذَا أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ يُسَلِّمُ
عَلَيْكَ. قَالَ: أَيُّكُم هُوَ? قَالُوا: هَذَا فَقَالَ:
يَا حَسَنَ الوَجْهِ، لَقَدْ طُوِّقْتَ أَمْراً عَظِيْماً،
وَكَرَّرَهَا. ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدٌ
المُكْتِبُ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَتَقَطَّعَتْ
بِهِمُ الْأَسْبَابُ} [البَقَرَةُ: 166] ، قَالَ:
الأَوْصَالُ الَّتِي كَانَتْ فِي الدُّنْيَا، وَأَوْمَأَ
بِيَدِهِ إِلَيْهِم.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ خُبيق: قَالَ الفُضَيْلُ:
تَبَاعَدْ مِنَ القُرَّاءِ، فَإِنَّهُم إِنْ أَحَبُّوكَ،
مَدَحُوكَ بِمَا لَيْسَ فِيْكَ، وإن غضبوا، شهدوا عليك،
وقبل منهم.
قَالَ قُطْبة بنُ العَلاَءِ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ
يَقُوْلُ: آفَةُ القُرَّاءِ العُجْبُ.
وَلِلْفُضَيْلِ -رَحِمَهُ اللهُ- مَوَاعِظُ، وَقَدَمٌ فِي
التَّقْوَى رَاسِخٌ، وَلَهُ تَرْجَمَة فِي كِتَابِ
"الحِلْيَة"، وَفِي "تَارِيْخِ أَبِي القَاسِمِ ابْنِ
عَسَاكِرَ".
وَكَانَ يَعِيْشُ مِنْ صِلَةِ ابْنِ المُبَارَكِ،
وَنَحْوِهُ مِنْ أَهْلِ الخَيْرِ، وَيَمتَنِعُ مِنْ
جَوَائِزِ المُلُوْكِ.
قَالَ بَعْضُهُم: كُنَّا جُلُوْساً عِنْد الفُضَيْلِ بنِ
عِيَاضٍ، فَقُلْنَا لَهُ: كَمْ سِنُّكَ? فَقَالَ:
بَلَغتُ الثَّمَانِيْنَ أَوْ جُزتُهَا ... فَمَاذَا
أُؤَمِّلُ أَوْ أنتظر
علتني السنون فأبليتني ... فَدَقَّ العِظَامُ وَكَلَّ
البَصَرْ
قُلْتُ: هُوَ مِنْ أَقرَانِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ فِي
المَوْلِدِ، وَلَكِنَّهُ مات قبله بسنوات.
(7/405)
1286- وكان
ابنه علي 1:
مِنْ كِبَارِ الأَوْلِيَاءِ، وَمَاتَ قَبْلَ وَالِدِهِ.
رَوَى عَنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَبِي رَوَّادٍ،
وَعَبَّادِ بنِ مَنْصُوْرٍ، وَجَمَاعَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَأَبُوْهُ
وَمُوْسَى بنُ أَعْيَنَ، وَجَمَاعَةٌ حِكَايَاتٍ،
وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْنُسَ
اليَرْبُوْعِيُّ. فَرَأْيْتُهُ وَلَهُ حَدِيْثٌ فِي
"سُنَنِ النَّسَائِيِّ"، رَوَاهُ: لَنَا أَحْمَدُ بنُ
سَلاَمَةَ، عَنْ أَبِي الفَضَائِلِ الكَاغِدِيِّ،
وَمَسْعُوْدٍ الحمَّال، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَلِيٍّ، أَخْبَرْنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَمْزَةَ، وَمُحَمَّدُ
بنُ عَلِيِّ بنِ حُبيش، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ
يَحْيَى الحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ
يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ
العَزِيْزِ بنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ، قَالَ: رَأَى رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِيْمَا
يَرَى النَّائِمُ أَنَّهُ قِيْلَ لَهُ: بِأَيِّ شَيْءٍ
يَأْمُرُكُم نَبِيُّكُم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ? قَالَ: أَمَرَنَا أَنْ نُسَبِّحَ ثَلاَثاً
وَثَلاَثِيْنَ، وَنَحمدَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِيْنَ،
وَنُكَبِّرَ أَرْبَعاً وَثَلاَثِيْنَ، فَذَلِكَ مائَةٌ.
قَالَ: فَسبِّحُوا خَمْساً وَعِشْرِيْنَ، وَاحمِدُوا
خَمْساً وَعِشْرِيْنَ، وَكبِّرُوا خَمْساً وَعِشْرِيْنَ،
وَهَلِّلُوا خَمْساً وَعِشْرِيْنَ، فَتلكَ مائَةٌ.
فَلَمَّا أَصْبَحَ ذُكِرَ، ذَلِكَ لِرَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "افعلُوا
كَمَا قَالَ الأَنْصَارِيُّ" 2.
غَرِيْبٌ مِنَ الأَفرَادِ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ
أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَحْمَدَ، فَوَافَقْنَاهُ فِي شَيْخِ
شَيْخِهِ وَعَلِيٌّ: صَدُوْقٌ، قَدْ قَالَ فِيْهِ
النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ.
قُلْتُ: خَرَجَ هُوَ وَأَبُوْهُ مِنَ الضَّعْفِ الغَالِبِ
عَلَى الزُّهَّادِ وَالصُّوفِيَّةِ، وعدا في الثقات
إجماعًا.
__________
1 علي بن الفضيل بن عياض ترجمته في حلية الأولياء "8/
ترجمة 419"، والكاشف "2/ ترجمة 4015" وتهذيب التهذيب "7/
373"، وتقريب التهذيب "2/ 42"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة
5034".
2 حسن: أخرجه النسائي "3/ 76" من طريق أحمد بن يونس، به.
(7/406)
وَكَانَ عَلِيٌّ قَانِتاً للهِ، خَاشِعاً،
وَجِلاً، رَبَّانِيّاً، كَبِيْرَ الشَّأْنِ.
قَالَ الخَطِيْبُ: مَاتَ قَبْلَ أَبِيْهِ بِمُدَّةٍ مِنْ
آيَةٍ سَمِعَهَا تُقْرَأُ، فَغُشِيَ عَلَيْهِ، وَتُوُفِّيَ
فِي الحَالِ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَارِثِ العُبَادِيُّ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَفَّانَ، حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ
فُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ المَغْرِبَ، وَابْنُهُ عَلِيٌّ إِلَى
جَانبِي، فَقَرَأَ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} ، فَلَمَّا
قَالَ: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} سقط عَلِيٌّ عَلَى
وَجْهِهِ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ، وَبَقِيَ فُضَيْلٌ عِنْدَ
الآيَةِ. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: وَيْحَكَ أَمَّا عِنْدَكَ
مِنَ الخَوْفِ مَا عِنْدَ الفُضَيْلِ وَعَلِيٍّ، فَلَمْ
أَزَلْ أَنْتَظِرْ عَلِيّاً، فَمَا أَفَاقَ إِلَى ثلثٍ
مِنَ اللَّيْلِ بَقِيَ. رَوَاهَا: ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا،
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَفَّانَ، وَزَادَ: وَبَقِيَ
فُضَيْلٌ لاَ يُجَاوِزُ الآيَةَ، ثُمَّ صَلَّى بِنَا
صَلاَةَ خَائِفٍ، وَقَالَ: فَمَا أَفَاقَ إِلَى نِصْفٍ
مِنَ اللَّيْلِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي عَبْدُ
الصَّمَدِ بنُ يَزِيْدَ، عَنْ فُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ،
قَالَ: بَكَى عَلِيٌّ ابْنِي فَقُلْتُ: يَا بُنَيَّ! مَا
يُبْكِيْكَ? قَالَ: أَخَافُ أَلاَّ تَجمَعَنَا
القِيَامَةُ.
وَقَالَ لِي ابْنُ المُبَارَكِ: يَا أَبَا عَلِيٍّ! مَا
أَحْسَنَ حَالَ مَنِ انْقَطَعَ إِلَى اللهِ. فَسَمِعَ
ذَلِكَ عَلِيٌّ ابْنِي، فَسَقَطَ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ.
مُسَدَّدُ بنُ قَطَنٍ: حَدَّثَنَا الدَّورقي، وَحَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ نُوْحٍ المَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بنُ نَاجِيَةَ، قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ الفُضَيْلِ،
فَقَرَأَ: {الْحَاقَّةُ} فِي الصُّبْحِ، فَلَمَّا بَلَغَ
إِلَى قَوْلِهِ: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} غَلَبَهُ البُكَاءُ،
فَسَقَطَ ابْنُهُ عَلِيٌّ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ، وَذَكَرَ
الحِكَايَةَ.
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحِيْمِ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ
المُقْرِئُ، أَخْبَرْنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ يَزِيْدَ، سَمِعْتُ
الفُضَيْلَ يَقُوْلُ: أَشْرَفْتُ لَيْلَةً عَلَى عَلِيٍّ،
وَهُوَ فِي صحنِ الدَّارِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: النَّارُ،
وَمتَى الخَلاَصُ مِنَ النَّارِ? وَقَالَ لِي: يَا أَبَةِ!
سَلِ الَّذِي وَهَبَنِي لَكَ فِي الدُّنْيَا، أَنْ
يَهبَنِي لَكَ فِي الآخِرَةِ، ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَزَلْ
مُنْكَسِرَ القَلْبِ حَزِيْناً. ثُمَّ بَكَى الفُضَيْلُ،
ثُمَّ قَالَ: كَانَ يَسَاعِدُنِي عَلَى الحُزنِ
وَالبُكَاءِ، يَا ثمَرَةَ قَلْبِي، شَكَرَ اللهُ لَكَ مَا
قَدْ عَلِمَهُ فِيْكَ.
قَالَ الدَّورقي: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ شُجَاعٍ، عَنْ
سُفْيَانَ، عَنْ عُيَيْنَةَ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً
أَخَوْفَ مِنَ الفُضَيْلِ وَابْنِهِ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي
زِيَادٍ، عَنْ شِهَابِ بنِ عَبَّاد قَالَ: كَانُوا
يَعُوْدُوْن عليَّ بنَ الفُضَيْلِ وَهُوَ يَمْشِي،
فَقَالَ: لَوْ ظَنَنْتُ أَنِّي أَبقَى إِلَى الظُّهرِ،
لَشَقَّ عَلَيَّ.
(7/407)
وَعَنِ الفُضَيْلِ قَالَ: اللَّهُمَّ
إِنِّيْ اجْتَهَدْتُ أَنْ أَؤدِّبَ عَلِيّاً، فَلَمْ
أَقْدِرْ عَلَى تَأَدِيْبِهِ، فَأَدِّبْهُ أَنْتَ لِي.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ: كَانَ عَلِيُّ
بنُ الفُضَيْلِ لاَ يَسْتَطِيْعُ أَنْ يَقْرَأَ
{الْقَارِعَةُ} ، وَلاَ تُقرَأ عَلَيْهِ.
الحَسَنُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الجَرَوي: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بنُ
الفُضَيْلِ عِنْدَ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، فَحدَّثَ
بِحَدِيْثٍ فِيْهِ ذِكْرُ النَّارِ، فَشَهقَ عليٌّ شهقَةً،
وَوَقَعَ، فَالْتَفَتَ سُفْيَانُ، فَقَالَ: لو علمت أنك
هاهنا، مَا حدَّثتُ بِهِ، فَمَا أَفَاقَ إِلاَّ بَعْدَ مَا
شَاءَ اللهُ.
وَبِهِ قَالَ الفُضَيْلُ لابْنِهِ: لَوْ أَعَنْتَنَا عَلَى
دَهْرِنَا، فَأَخَذَ قُفَّةً وَمَضَى إِلَى السُّوْقِ
لِيحملَ، فَأَتَانِي رَجُلٌ، فَأَعْلَمَنِي، فَمضَيْتُ
فَرَدَدْتُهُ، وَقُلْتُ: يَا بُنَيَّ! لَسْتُ أُرِيْدُ
هَذَا، أو لم أرد هذا كلَّه.
وَبَالإِسْنَادِ عَنْ فُضَيْلٍ: أَنَّهُم اشْتَرَوا
شعِيْراً بِدِيْنَارٍ، وَكَانَ الغلاَءُ، فَقَالَتْ أَمُّ
عَلِيٍّ لِلْفُضَيْلِ: قَوَّرْتُهُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ
قُرْصَينِ، فَكَانَ عَلِيٌّ يَأْخذُ وَاحِداً،
وَيَتَصَدَّقُ بِالآخَرِ، حَتَّى كَادَ أَنْ يُصِيْبَهُ
الخَوَاء.
وَبِهِ، أَنَّ عَلِيّاً كَانَ يَحْمِلُ عَلَى أَبَاعِرَ
لأَبِيْهِ، فَنقصَ الطَّعَامُ الَّذِي حملَهُ، فَحُبِسَ
عَنْهُ الكِرَاءُ، فَأَتَى الفُضَيْلُ إِلَيْهِم، فَقَالَ:
أَتفعلُوْنَ هَذَا بِعَلِيٍّ، فَقَدْ كَانَتْ لَنَا شَاةٌ
بِالكُوْفَةِ أَكَلَتْ شَيْئاً يَسِيْراً مِنْ علفِ
أَمِيْرٍ، فَمَا شرِبَ لَهَا لَبَناً بَعْدُ. قَالُوا:
لَمْ نَعْلَمْ يَا أَبَا عَلِيٍّ أَنَّهُ ابْنُكَ.
حمَّاد بنُ الحَسَنِ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ بِشْرٍ
المَكِّيُّ، عَنِ الفُضَيْلِ، قَالَ: أَهدَى لَنَا ابْنُ
المُبَارَكِ شَاةً، فَكَانَ ابْنِي لاَ يَشْرَبُ مِنْهَا،
فَقُلْتُ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّهَا قَدْ رَعَتْ
بِالعِرَاقِ.
أَنْبَأَنِي المقداد القيسي، أخبرنا بن الدَّبِيقِيِّ،
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا
أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ
بنُ بِشْرَانَ، أخبرنا علي ابن مُحَمَّدٍ المِصْرِيُّ،
سَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ الخرَّازَ، سَمِعْتُ
إِبْرَاهِيْمَ بنَ بَشَّارٍ يَقُوْلُ: الآيَةُ الَّتِي
مَاتَ فِيْهَا عَلِيُّ بنُ الفُضَيْلِ فِي الأَنْعَامِ:
{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا
لَيْتَنَا نُرَدُّ} [الأَنْعَامُ: 27] . مَعَ هَذَا
المَوْضِعِ مَاتَ، وَكُنْتُ فِيْمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ
-رَحِمَهُ اللهُ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ
بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ
القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ البَنَّاء،
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو
طَاهِرٍ المُخَلَّص، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى
بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ زُنْبُورٍ المكي،
حَدَّثنَا فُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ
(7/408)
أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أُمِّ
مُبَشِّر، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا فِي نَخلٍ لِي.
فَقَالَ: "مَنْ غَرَسَ هَذَا النَّخْلَ، أَمُسْلِمٌ أَوْ
كَافِرٌ "؟. فَقُلْتُ: مُسْلِمٌ. قَالَ: "إِنَّهُ لاَ
يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْساً، أَوْ يَزرعُ زَرْعاً،
فَيَأْكلُ مِنْهُ إِنْسَانٌ، وَلاَ سَبُعٌ، وَلاَ طَائِرٌ،
إِلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1.
قَرَأْتُ عَلَى إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَميرة المُعَدِّلِ،
أَخْبَرَكُم أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ
الفَقِيْهُ سَنَةَ عَشْرَةٍ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا
خَطِيْبُ المَوْصِلِ، وَتَجنِّي وَشُهدَةُ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا طِرَادُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَقَرَأْتُ عَلَى
مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ الكَاتِبِ، أَخْبَرَنَا
عَلِيُّ بنُ مُخْتَارٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ
السِّلَفي، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ، قالا: أخبرنا
هلال بن محمد الحفار، أخبرنا الحُسَيْنُ بنُ يَحْيَى
القَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ المقْدَام
العِجْلِيُّ، حَدَّثَنَا الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ، عَنْ
هِشَامٍ، عَنِ الحَسَنِ: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ
بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [النِّسَاءُ: 56] ،
قَالَ: تَأَكُلُهُمُ النَّارُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِيْنَ
أَلْفَ مَرَّةٍ، فَلَمَّا أَكَلَتْهُم قِيْلَ لَهُم:
عُوْدُوا، فَيَعُوْدُوْن كَمَا كَانُوا.
وَبِهِ: حَدَّثَنَا الفُضَيْلُ، حَدَّثَنَا عَطَاءِ بنِ
السَّائِبِ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: 7] ، قَالَ:
يَعْلَمُ مَا تُسِرُّ فِي نَفْسِكَ، وَيَعْلَمُ مَا
تَعْمَلُ غَداً.
قَالَ مُجَاهِدُ بنُ مُوْسَى: مَاتَ الفُضَيْلُ سَنَةَ
سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ ومائة.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَابْنُ
مَعِيْنٍ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَالبُخَارِيُّ، وَآخَرُوْنَ:
مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ بِمَكَّةَ. زَادَ بَعْضهُم: فِي
أَوَّلِ المُحَرَّمِ.
وَقَالَ هِشَامُ بنُ عَمَّار: يَوْمَ عَاشُورَاءَ مِنْهَا.
قُلْتُ: وَلَهُ نَيِّفٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، وَهُوَ
حُجَّةٌ كَبِيْرُ القَدْرِ، وَلاَ عِبْرَةَ بِمَا نَقَلَهُ
أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، سَمِعْتُ قُطْبة بنَ
العَلاَءِ يَقُوْلُ: تَرَكْتُ حَدِيْثَ فُضَيْلِ بنِ
عِيَاضٍ، لأَنَّهُ رَوَى أَحَادِيْثَ أَزرَى عَلَى
عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ.
قُلْتُ: فَلاَ نَسْمَعُ قَوْلَ قُطْبَةَ، لِيتَهُ اشْتغَلَ
بِحَالِهِ، فَقَدْ قَالَ البُخَارِيُّ: فِيْهِ نَظَرٌ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: ضَعِيْفٌ. وَأَيْضاً،
فَالرَّجُلُ صَاحِبُ سُنَّةٍ وَاتِّبَاعٍ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الصَّمَدِ بنُ يَزِيْدَ الصَّائِغُ، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ
الفُضَيْلِ -وَأَنَا أَسْمَعُ- الصَّحَابَةُ، فَقَالَ:
اتَّبعُوا فَقَدْ كُفِيْتُم: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ،
وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.
قُلْتُ: إِذَا كَانَ مِثْلُ كُبَرَاءِ السَّابِقِيْنَ
الأَوَّلِيْنَ قَدْ تَكَلَّمَ فِيْهِمُ الرَّوَافِضُ
وَالخَوَارِجُ، وَمِثْلُ الفُضَيْلِ يُتكلَّمُ فِيْهِ،
فَمَنِ الَّذِي يَسْلَمُ مِنْ أَلْسِنَةِ النَّاسِ، لَكِنْ
إِذَا ثبتَتْ إِمَامَةُ الرَّجُلِ وَفَضْلُهُ، لَمْ
يَضُرَّهُ مَا قِيْلَ فِيْهِ، وَإِنَّمَا الكَلاَمُ فِي
العُلَمَاءِ مُفتَقِرٌ إِلَى وَزنٍ بِالعَدْلِ وَالوَرَعِ.
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنُ مَهْدِيٍّ: لَمْ يَكُنْ
بِالحَافِظِ، فَمَعْنَاهُ: لَمْ يَكُنْ فِي عِلْمِ
الحَدِيْثِ كهَؤُلاَءِ الحُفَّاظِ البُحُوْرِ، كشُعْبَةَ،
وَمَالِكٍ، وَسُفْيَانَ، وَحَمَّادٍ، وَابْنِ المُبَارَكِ،
وَنظرَائِهِم، لَكِنَّهُ ثَبْتٌ قَيِّمٌ بِمَا نَقَلَ، مَا
أُخِذَ عَلَيْهِ فِي حَدِيْثٍ فِيْمَا عَلِمتُ.
وَهَلْ يُرَادُ مِنَ العِلْمِ إِلاَّ مَا انْتَهَى
إِلَيْهِ الفُضَيْلُ -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ?
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "1552" "8".
(7/409)
فضيل بن عياض
الخولاني، فضيل بن عياض الصدفي، النعمان:
1287- فُضَيل بنُ عِياض الخَوْلاني 1:
رَوَى عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ- فِي الحث على العمل، لاَ يُعْرَفُ مَنْ ذَا.
رَوَاهُ: الحَارِثُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَارِثِيُّ، عَنْ
مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، عن عبد الكريم ابن مَالِكٍ
الجَزَرِيِّ، عَنْهُ.
1288- فُضَيل بنُ عِيَاضٍ الصَّدفي 2:
شَيْخٌ مِصْرِيٌّ. رَوَى حَدِيْثاً عَنْ أَبِي سَلَمَةَ
بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
وَعَنْهُ: حَيْوة بنُ شُريح، وَمُوْسَى بنُ أَيُّوْبَ
الغَافِقِيُّ.
قَالَ ابْنُ يُوْنُسَ: مَاتَ قَبْلَ سَنَةِ عِشْرِيْنَ
وَمائَةٍ. ذَكَرْتُهُمَا تَمْيِيزاً.
1289- النعمان 3:
ابن عبد السلام بن حبيب الإِمَامُ، مُفْتِي أَصْبَهَانَ،
أَبُو المُنْذِرِ التَّيْمِيُّ -تَيْمُ اللهِ بنُ
ثَعْلَبَةَ- الأَصْبَهَانِيُّ، الفَقِيْهُ، الزَّاهِدُ.
لَهُ مُصَنَّفَاتٌ.
حَدَّثَ عَنْ: ابْنِ جُرَيْجٍ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ،
وَمِسْعَرٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَشُعْبَةَ بنِ
الحَجَّاجِ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: ابْنُهُ مُحَمَّدٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
مَهْدِيٍّ، وَعَفَّانُ، وَسُلَيْمَانُ الشَّاذَكُوْنِيُّ،
وَمُحَمَّدُ بنُ المِنْهَالِ، وَعَامِرُ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ، وَصَالِحُ بنُ مِهْرَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ
المُغِيْرَةِ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ: كَانَ أَحَدَ العُبَّادِ
الزُّهَّادِ، زَهِدَ فِي ضِيَاعٍ لِمُلاَبَسَتِهِ
لِلسُّلْطَانِ، وَكَانَ عَلَى مَذْهَبِ الثَّوْرِيِّ،
وَجَالَسَ أَبَا حَنِيْفَةَ، إِلَى أَنْ قَالَ: تُوُفِّيَ
سَنَةَ ثَلاَثٍ وثمانين ومائة، رحمه الله.
__________
1 ترجمته في ميزان الاعتدال "3/ ترجمة 6769"، تهذيب
التهذيب "8/ 297"، وتقريب التهذيب "2/ 113"، وخلاصة
الخزرجي "2/ ترجمة 5740".
2 ترجمته في ميزان الاعتدال "3/ ترجمة 677"، وتهذيب
التهذيب "8/ 297"، وتقريب التهذيب "2/ 113"، وخلاصة
الخزرجي "2/ ترجمة 5741".
3 ترجمته في التاريخ الكبير "8/ ترجمة 2251"، والجرح
والتعديل "8/ ترجمة 2061"، وحلية الأولياء "10/ ترجمة
661"، وأخبار أصبهان "2/ 328"، والكاشف "3/ ترجمة رقم
5953"، والعبر "1/ 287"، وتهذيب التهذيب "10/ 454"، وتقريب
التهذيب "2/ 304"، وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7531"، وشذرات
الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 305".
(7/410)
1290- إبراهيم
بن أبي يحيى 1: "ق"
هُوَ الشَّيْخُ، العَالِمُ، المُحَدِّثُ، أَحَدُ
الأَعْلاَمِ المَشَاهِيْرِ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ
بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي يَحْيَى الأَسْلَمِيُّ
مَوْلاَهُم، المَدَنِيُّ، الفَقِيْهُ.
وُلِدَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ مائَةٍ، أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ.
وَحَدَّثَ عَنْ: صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأمة، وَابْنِ
شِهَابٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَمُوْسَى بنِ
وَرْدَانَ، وَصَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، وَيَحْيَى بنِ
سَعِيْدٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَصَنَّفَ "المُوَطَّأَ"، وَهُوَ كَبِيْرٌ أَضعَافَ
"مُوَطَّأِ الإِمَامِ مَالِكٍ".
حَدَّثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ قَلِيْلَةٌ، مِنْهُم:
الشَّافِعِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى الفرَّاء،
وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ. وَقَدْ كَانَ الشَّافِعِيُّ
-مَعَ حُسْنِ رَأْيهِ فِيْهِ- إذا روى عَنْهُ، رُبَّمَا
دَلَّسَهُ، وَيَقُوْلُ: أَخْبَرَنِي مَنْ لاَ أَتَّهِمُ،
فَتَجِدُ الشَّافِعِيَّ لاَ يُوَثِّقُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ
عِنْدَهُ لَيْسَ بِمُتَّهَمٍ بِالكَذِبِ، وَقَدِ اعْتَرَفَ
الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ كَانَ قَدَرِيّاً، وَنَهَى ابْنُ
عُيَيْنَةَ عَنِ الكِتَابَةِ عَنْهُ.
وَقَالَ أَبُو هَمَّامٍ السَّكُوني: سَمِعْتُ
إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَبِي يَحْيَى يَشْتِمُ بَعْضَ
السَّلَفِ.
وَقَالَ بِشْر بنُ عُمَرَ: نَهَانِي مَالِكٌ عَنْ
إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي يَحْيَى، فَقُلْتُ: مِنْ أَجْلِ
القَدَرِ تَنْهَانِي? فَقَالَ: لَيْسَ هُوَ فِي حَدِيْثِهِ
بِذَاكَ.
وَقَالَ القَاضِي هَارُوْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ
الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ،
قَالَ: كُنَّا نُسَمِّي إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَبِي يَحْيَى
-وَنَحْنُ نَطلُبُ الحديث- خرافة.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 1013"، والمعرفة
والتاريخ ليعقوب الفسوي "3/ 23 و55"، والجرح والتعديل "2/
ترجمة 390"، المجروحين لابن حبان "1/ 105"، تذكرة الحفاظ
"1/ ترجمة 233"، ميزان الاعتدال "1/ ترجمة 189"، العبر "1/
288"، وتهذيب التهذيب "1/ 158"، تقريب التهذيب "1/ 42".
(7/411)
وَقَالَ سُفْيَانُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ:
سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ: لِمَ تَرَكْتَ حَدِيْثَ
إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي يَحْيَى? قَالَ: كَانَ مُجَاهِراً
بِالقَدَرِ، وَكَانَ صَاحِبَ تَدْلِيْسٍ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَرْعَرَةَ: سَمِعْتُ
يَحْيَى القَطَّانَ يَقُوْلُ: سَأَلْتُ مَالِكاً عَنْ
إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي يَحْيَى: أَثِقَةٌ فِي
الحَدِيْثِ? قَالَ: لاَ، وَلاَ فِي دِيْنِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عَنِ المُعَيطي، عَنْ
يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: كُنَّا نَتَّهِمُهُ
بِالكَذِبِ -يَعْنِي: ابْنَ أَبِي يَحْيَى- ثُمَّ قَالَ
أَحْمَدُ: قَدَرِيٌّ جَهْمِيٌّ، كُلُّ بَلاَءٍ فِيْهِ،
تَرَكُوا حَدِيْثَهُ، وَأَبُوْهُ ثِقَةٌ.
وَرَوَى عَبَّاسٌ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: هُوَ
رَافِضِيٌّ، قَدَرِيٌّ. وَقَالَ مَرَّةً: كَذَّابٌ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ نَحْوَ ذَلِكَ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: قَدَرِيٌّ، جَهْمِيٌّ، تَرَكَهُ
ابْنُ المُبَارَكِ وَالنَّاسُ.
وَقَالَ مُؤَمَّلُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: سَمِعْتُ يَحْيَى
القَطَّانَ يَقُوْلُ: أَشْهَدُ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ بنِ
أَبِي يَحْيَى أَنَّهُ يَكْذِبُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ البَرْقي: كَانَ
يَرَى، أَوْ قَالَ: يُرْمَى بِالقَدَرِ، وَالتَّشَيُّعِ،
وَالكَذِبِ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: مَتْرُوكُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ العُقَيلي: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ
النَّضْرِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عَفَّانَ، قَالَ:
خَرَجَ عَلَيْنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ: أَلاَ
فَاحْذَرُوا ابْنَ أَبِي رَوَّادٍ المُرْجِئَ، لاَ
تُجَالِسوهُ، وَاحْذَرُوا إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَبِي
يَحْيَى، لاَ تُجَالِسُوهُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ: سَمِعْتُ يَزِيْدَ
بنَ هَارُوْنَ يُكَذِّبُ زِيَادَ بنَ مَيْمُوْنٍ،
وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ أَبِي يَحْيَى، وَخَالِدَ بنَ
مَحْدُوْجٍ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: اسْمُ جَدِّهِ أَبِي يَحْيَى:
سَمْعَانُ. كَانَ مَالِكٌ وَابْنُ المُبَارَكِ يَنهَيَانِ
عَنْهُ، وَتَرَكَهُ القَطَّانُ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، إِلَى
أَنْ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَكَانَ يَكْذِبُ فِي
الحَدِيْثِ.
حَجَّاجٌ الأَعْوَرُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ
إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي عَطَاءٍ، عَنْ مُوْسَى بنِ
وَرْدَان، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ مَاتَ
مَرِيْضاً، مَاتَ شَهِيْداً، وَوُقِيَ فَتَّانَ القَبْرِ،
وَغُدِيَ عَلَيْهِ وَرِيْحَ برزقه من الجنة"1.
__________
1 ضعيف جدا: أخرجه ابن حبان في "المجروحين" "1/ 106"، وابن
ماجه "1615" وآفته إبراهيم بن أبي يحيى، فإنه متروك.
(7/412)
وَقَالَ سُفْيَانُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ:
سَأَلْتُ ابْنَ المُبَارَكِ: لِمَ تَرَكْتَ حَدِيْثَ
إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي يَحْيَى? قَالَ: كَانَ مُجَاهِراً
بِالقَدَرِ، وَكَانَ صَاحِبَ تَدْلِيْسٍ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَرْعَرَةَ: سَمِعْتُ
يَحْيَى القَطَّانَ يَقُوْلُ: سَأَلْتُ مَالِكاً عَنْ
إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي يَحْيَى: أَثِقَةٌ فِي
الحَدِيْثِ? قَالَ: لاَ، وَلاَ فِي دِيْنِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عَنِ المُعَيطي، عَنْ
يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ: كُنَّا نَتَّهِمُهُ
بِالكَذِبِ -يَعْنِي: ابْنَ أَبِي يَحْيَى- ثُمَّ قَالَ
أَحْمَدُ: قَدَرِيٌّ جَهْمِيٌّ، كُلُّ بَلاَءٍ فِيْهِ،
تَرَكُوا حَدِيْثَهُ، وَأَبُوْهُ ثِقَةٌ.
وَرَوَى عَبَّاسٌ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: هُوَ
رَافِضِيٌّ، قَدَرِيٌّ. وَقَالَ مَرَّةً: كَذَّابٌ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ نَحْوَ ذَلِكَ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: قَدَرِيٌّ، جَهْمِيٌّ، تَرَكَهُ
ابْنُ المُبَارَكِ وَالنَّاسُ.
وَقَالَ مُؤَمَّلُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: سَمِعْتُ يَحْيَى
القَطَّانَ يَقُوْلُ: أَشْهَدُ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ بنِ
أَبِي يَحْيَى أَنَّهُ يَكْذِبُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ البَرْقي: كَانَ
يَرَى، أَوْ قَالَ: يُرْمَى بِالقَدَرِ، وَالتَّشَيُّعِ،
وَالكَذِبِ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: مَتْرُوكُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ العُقَيلي: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ
النَّضْرِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عَفَّانَ، قَالَ:
خَرَجَ عَلَيْنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ: أَلاَ
فَاحْذَرُوا ابْنَ أَبِي رَوَّادٍ المُرْجِئَ، لاَ
تُجَالِسوهُ، وَاحْذَرُوا إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَبِي
يَحْيَى، لاَ تُجَالِسُوهُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ: سَمِعْتُ يَزِيْدَ
بنَ هَارُوْنَ يُكَذِّبُ زِيَادَ بنَ مَيْمُوْنٍ،
وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ أَبِي يَحْيَى، وَخَالِدَ بنَ
مَحْدُوْجٍ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: اسْمُ جَدِّهِ أَبِي يَحْيَى:
سَمْعَانُ. كَانَ مَالِكٌ وَابْنُ المُبَارَكِ يَنهَيَانِ
عَنْهُ، وَتَرَكَهُ القَطَّانُ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، إِلَى
أَنْ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَكَانَ يَكْذِبُ فِي
الحَدِيْثِ.
حَجَّاجٌ الأَعْوَرُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ
إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي عَطَاءٍ، عَنْ مُوْسَى بنِ
وَرْدَان، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ مَاتَ
مَرِيْضاً، مَاتَ شَهِيْداً، وَوُقِيَ فَتَّانَ القَبْرِ،
وَغُدِيَ عَلَيْهِ وَرِيْحَ برزقه من الجنة"1.
__________
1 ضعيف جدا: أخرجه ابن حبان في "المجروحين" "1/ 106"، وابن
ماجه "1615" وآفته إبراهيم بن أبي يحيى، فإنه متروك.
(7/413)
1291- سفيان بن
عيينة 1: "ع"
ابن أبي عمران ميمون مَوْلَى مُحَمَّدِ بنِ مُزَاحِمٍ،
أَخِي الضَّحَّاكِ بنِ مُزَاحِمٍ، الإِمَامُ الكَبِيْرُ،
حَافِظُ العَصْرِ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أبو محمد الهلالي،
الكوفي، ثم المكي.
مَوْلِدُهُ: بِالكُوْفَةِ، فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَمائَةٍ.
وَطَلَبَ الحَدِيْثَ وَهُوَ حَدَثٌ، بَلْ غُلاَمٌ،
وَلَقِيَ الكِبَارَ، وَحَمَلَ عَنْهُم عِلْماً جَمّاً،
وَأَتقَنَ، وَجَوَّدَ، وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ، وَعُمِّرَ
دَهْراً، وَازدَحَمَ الخَلْقُ عَلَيْهِ، وَانْتَهَى
إِلَيْهِ عُلُوُّ الإِسْنَادِ، وَرُحِلَ إِلَيْهِ مِنَ
البِلاَدِ، وَأَلْحَقَ الأَحْفَادَ بِالأَجدَادِ.
سَمِعَ فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ، وَسَنَةَ
عِشْرِيْنَ، وَبَعدَ ذَلِكَ، فَسَمِعَ مِنْ: عَمْرِو بنِ
دِيْنَارٍ -وَأَكْثَرَ عَنْهُ- وَمِنْ: زِيَادِ بنِ
عِلاقة، وَالأَسْوَدِ بنِ قَيْسٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ
أَبِي يَزِيْدَ، وَابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، وَعَاصِمِ
بنِ أَبِي النَّجُوْدِ، وَأَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيِّ،
وعبد الله بن دينار، وزيد بن أسلم، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ
عُمير، وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَأَبِي
الزُّبَيْرِ، وَحُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
وَسَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، وَشَبِيْبِ بنِ غَرْقدة،
وَعَبْدَةَ بنِ أَبِي لُبَابَةَ، وَعَلِيِّ بنِ زَيْدِ بنِ
جُدْعَانَ، وَعَبْدِ الكَرِيْمِ الجَزَرِيِّ، وَعَطَاءِ
بنِ السَّائِبِ، وَأَيُّوْبَ السَّختياني، وَالعَلاَءِ بنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقَاسِمٍ الرِّجَالِ، وَمَنْصُوْرِ
بنِ المُعْتَمِرِ، وَمَنْصُوْرِ بنِ صَفِيَّةَ
الحَجَبِيِّ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، وَهِشَامِ بنِ
عُرْوَةَ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ
الأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي يَعْفور العَبْدِيِّ، وَابْنِ
عَجْلاَنَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَسُلَيْمَانَ
الأَعْمَشِ، وَمُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي
صَالِحٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي نَجِيح، وَعَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ، وَأُمَيَّةَ بنِ صَفْوَانَ
الجُمَحي، وَجَامِعِ بنِ أَبِي رَاشِدٍ، وَحَكِيْمِ بنِ
جُبَيْرٍ، وَسَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ قَاضِي
المَدِيْنَةِ، وَصَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ -وَقَالَ:
سَمِعْتُ مِنْهُ وَلُعَابُهُ يَسِيْلُ- وَعَبْدُ اللهِ بنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ، وَأَبِي
الزِّنَادِ عَبْدِ اللهِ بنِ ذَكْوَانَ، وَعَبْدِ
العَزِيْزِ بنِ رُفَيْعٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ
بنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
سَعْدٍ، وَأَيُّوْبَ بنِ مُوْسَى، وبُرْد بنِ سِنَانٍ،
وَبَكْرِ بنِ وَائِلٍ، وَبَيَانِ بنِ بِشْرٍ، وَسَالِمِ
بنِ أَبِي حَفْصَةَ، وَأَبِي حَازِمٍ الأَعْرَجِ، وسُمَّي
مَوْلَى أَبِي صَالِحٍ، وَصَدَقَةَ بنِ يَسَارٍ، وصفوان بن
سليم، وعاصم بن
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "5/ 497"، والتاريخ الكبير "4/
ترجمة 2082"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 185"،
والجرح والتعديل "4/ ترجمة 973"، وحلية الأولياء "7/ ترجمة
رقم 390"، وتاريخ بغداد "9/ 174"، ووفيات الأعيان لابن
خلكان "2/ ترجمة 267"، والكاشف "1/ ترجمة 2021"، وتذكرة
الحفاظ "1/ ترجمة 249"، وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 3327"،
جامع التحصيل للعلائي "ترجمة 250"، وتهذيب التهذيب "4/
117"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة 2590".
(7/414)
كُلَيْبٍ الجَرْمي، وَعَبْدُ اللهِ بنُ
أَبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ، وعبد الله بن طاوس، وَعَبْدِ
اللهِ بنِ عُثْمَانَ بنِ خُثَيم، وَمُحَمَّدِ بنِ
جُحَادَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ السَّائِبِ بنِ بَرَكَةَ،
وَيَزِيْدَ بنِ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ الدِّمَشْقِيِّ،
وَيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، وَسُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ،
وَزِيَادِ بنِ سَعْدٍ، وَزَائِدَةَ بنِ قُدامة، وَخَلْقٍ
كَثِيْرٍ. وَتَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْ خَلْقٍ مِنَ
الكِبَارِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الأَعْمَشُ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَشُعْبَةُ
-وَهَؤُلاَءِ مِنْ شُيُوْخِهِ- وَهَمَّامُ بنُ يَحْيَى،
وَالحَسَنُ بنُ حَيٍّ، وَزُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ،
وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ،
وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، وَمُعْتَمِرُ بنُ
سُلَيْمَانَ، وَعَبْدُ الله بن المبارك، وعبد الرحمن بن
مهدي، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَعَبْدُ
الرَّزَّاقِ، وَالحُمَيْدِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ،
وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ،
وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ بَشَّار الرَّمَادِيُّ، وَأَحْمَدُ
بنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ،
وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَإِسْحَاقُ
بنُ رَاهْوَيْه، وَأَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيلي، وَأَبُو
كَرَيب، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَعَمْرُو بنُ
عَلِيٍّ الفَلاَّسُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ أَبِي
عُمَرَ العَدَني، وَعَمْرُو بنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ،
وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ مَنْصُوْرٍ
الكَوْسَج، وَزُهَيْرُ بنُ حَرْبٍ، وَيُوْنُسُ بنُ عَبْدِ
الأَعْلَى، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ،
والحسن بن الصباح البزار، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ بِشْرِ
بنِ الحَكَمِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ،
وَعَلِيُّ بنُ حَرْبٍ، وَسَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ،
وَزَكَرِيَّا بن يحيى المروزي، وبشر بن مطر الزبير بنُ
بَكَّارٍ، وَأَحْمَدُ بنُ شَيْبَانَ الرَّمْلِيُّ،
وَمُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ حِبَّانَ المَدَائِنِيُّ،
وَأُمَمٌ سِوَاهُم، خَاتِمُهُم فِي الدُّنْيَا: شَيْخٌ
مَكِّيٌّ، يُقَالُ لَهُ: أَبُو نَصْرٍ الْيَسَعُ بنُ
زَيْدٍ الزَّيْنَبِيُّ، عَاشَ إِلَى سَنَةِ اثْنَتَيْنِ
وَثَمَانِيْنَ وَمَائَتَيْنِ، وَمَا هُوَ بِالقَوِيِّ.
وَلَقَدْ كَانَ خَلْقٌ مِنْ طَلَبَةِ الحَدِيْثِ
يَتَكَلَّفُوْنَ الحَجَّ، وَمَا المُحَرِّكُ لَهُم سِوَى
لُقِيِّ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ؛ لإِمَامتِهِ وَعُلُوِّ
إِسْنَادِهِ.
وَجَاوَرَ عِنْدَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الحُفَّاظِ.
وَمِنْ كِبَارِ أَصْحَابِهِ المُكْثِرِيْنَ عَنْهُ:
الحُمَيْدِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ المَدِيْنِيِّ،
وَأَحْمَدُ، وَإِبْرَاهِيْمُ الرَّمادي.
قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ: لَوْلاَ مَالِكٌ
وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، لَذَهَبَ عِلْمُ الحِجَازِ.
وَعَنْهُ قَالَ: وَجَدْتُ أَحَادِيْثَ الأَحكَامِ كُلَّهَا
عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ، سِوَى سِتَّةِ أَحَادِيْثَ،
وَوَجَدتُهَا كُلَّهَا عِنْدَ مَالِكٍ سِوَى ثَلاَثِيْنَ
حَدِيْثاً.
فَهَذَا يُوَضِّحُ لَكَ سَعَةَ دَائِرَةِ سُفْيَانَ فِي
العِلْمِ، وَذَلِكَ لأَنَّهُ ضَمَّ أَحَادِيْثَ
العِرَاقِيِّينَ إِلَى أَحَادِيْثِ الحِجَازِيِّينَ.
(7/415)
وَارْتَحَلَ، وَلَقِيَ خَلْقاً كَثِيْراً
مَا لَقِيَهُم مَالِكٌ، وَهُمَا نَظِيْرَانِ فِي
الإِتْقَانِ، وَلَكِنَّ مَالِكاً أَجَلُّ وَأَعْلَى،
فَعِنْدَهُ نَافِعٌ، وَسَعِيْدٌ المَقْبُرِيُّ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: كَانَ ابْنُ
عُيينَةَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِحَدِيْثِ الحِجَازِ.
وَقَالَ أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْتُ
مُحَمَّداً -يَعْنِي: البُخَارِيَّ- يَقُوْلُ: ابْنُ
عُيَيْنَةَ أَحْفَظُ مِنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ.
قَالَ حَرْملَةُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا
رَأَيْتُ أَحَداً فِيْهِ مِنْ آلَةِ العِلْمِ مَا فِي
سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَمَا رَأَيْتُ أَكَفَّ عَنِ
الفُتْيَا مِنْهُ، قَالَ: وَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْسَنَ
تَفْسِيْراً لِلْحَدِيْثِ مِنْهُ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ: لاَ أَعْلَمُ أَحَداً
أَعْلَمَ بِتَفْسِيْرِ القُرْآنِ مِنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ،
وَقَالَ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ أَعْلَمُ بِالسُّنَنِ مِنْ
سُفْيَانَ.
قَالَ وَكِيْعٌ: كَتَبْنَا عَنِ ابن عيينة أيام الأعمش.
قال علي ابن المَدِيْنِيِّ: مَا فِي أَصْحَابِ
الزُّهْرِيِّ أَحَدٌ أَتقَنُ مِنْ سُفْيَانَ بنِ
عُيَيْنَةَ.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَجَّ بِي أَبِي، وَعَطَاءُ بنُ
أَبِي رَبَاحٍ حَيٌّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجلي: كَانَ ابْنُ
عُيَيْنَةَ ثَبْتاً فِي الحَدِيْثِ، وَكَانَ حَدِيْثُهُ
نَحْواً مِنْ سَبْعَةِ آلاَفٍ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ كُتُبٌ.
قَالَ بَهْز بنُ أَسَدٍ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ سُفْيَانَ
بنِ عُيَيْنَةَ. فَقِيْلَ لَهُ: وَلاَ شُعْبَةُ? قَالَ:
وَلاَ شُعْبَةُ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: هُوَ أَثْبَتُ النَّاسِ فِي
عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ.
وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ مِنْ
مَعْرِفَتِهِ بِالقُرْآنِ وَتَفْسِيْرِ الحَدِيْثِ، مَا
لَمْ يَكُنْ عِنْدَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ.
أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ
بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ،
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ،
أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلِيُّ، سَمِعْتُ
عَلِيَّ بنَ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ المُقْرِئَ، سَمِعْتُ
الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ الطُّوْسِيَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ
بنَ إِسْمَاعِيْلَ السُّلَمي، سَمِعْتُ البُوَيْطِيَّ،
سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: أُصُوْلُ الأحكام نيف
وخمسمائة حَدِيْثٍ، كُلُّهَا عِنْدَ مَالِكٍ، إِلاَّ
ثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً، وَكُلُّهَا عِنْدَ ابْنِ
عُيَيْنَةَ، إِلاَّ سِتَّةَ أَحَادِيْثَ.
رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.
القَاضِي أَبُو العَلاَءِ الوَاسِطِيُّ: مِمَّا سَمِعْتُهُ
مِنْهُ، الخَطِيْبُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ موسى
(7/416)
السُّلاَمِيُّ، سَمِعْتُ عَمَّارَ بنَ
عَلِيٍّ اللُّوْرِيَّ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ النَّضْرِ
الهِلاَلِيَّ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كُنْتُ فِي
مَجْلِسِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، فَنَظَرَ إِلَى
صَبِيٍّ، فَكَأَنَّ أَهْلَ المَسْجِدِ تَهَاوَنُوا بِهِ
لِصِغَرِهِ، فَقَالَ سُفْيَانُ: {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ
قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [النِّسَاءُ: 94] ،
ثُمَّ قَالَ: يَا نَضْرُ، لَوْ رَأَيْتَنِي وَلِي عَشْرُ
سِنِيْنَ، طُوْلِي خَمْسَةُ أَشْبَارٍ، وَوَجْهِي
كَالدِّيْنَارِ، وَأَنَا كشُعْلَةِ نَارٍ، ثِيَابِي
صِغَارٌ، وَأَكمَامِي قِصَارٌ، وَذَيْلِي بِمِقْدَارٍ،
وَنَعلِي كآذَانِ الفَارِ، أَخْتَلِفُ إِلَى عُلَمَاءِ
الأَمصَارِ، كَالزُّهْرِيِّ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ،
أَجلِسُ بَيْنهُم كَالمِسْمَارِ، مِحْبَرتِي كَالجَوْزَةِ،
وَمَقْلَمَتِي كَالمَوْزَةِ، وَقَلَمِي كَاللَّوزَةِ،
فَإِذَا أَتَيْتُ، قَالُوا: أَوْسِعُوا لِلشَّيْخِ
الصَّغِيْرِ، ثُمَّ ضَحِكَ.
فِي صحَّةِ هَذَا نَظَرٌ، وَإِنَّمَا سَمِعَ مِنَ
المَذْكُوْرِيْنَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً
أَوْ أَكْثَرَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: دَخَلَ سُفْيَانُ بنُ
عُيَيْنَةَ عَلَى مَعْنِ بنِ زَائِدَةَ -يَعْنِي: أَمِيْرَ
اليَمَنِ- وَلَمْ يَكُنْ سُفْيَانُ تَلَطَّخَ بَعْدُ
بِشَيْءٍ مِنْ أَمرِ السُّلْطَانِ، فَجَعَلَ يَعِظُهُ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ حَرْبٍ الطَّائِيُّ: سَمِعْتُ أَبِي
يَقُوْلُ: أُحِبُّ أَنْ تَكُوْنَ لِي جَارِيَةٌ فِي غُنْج
سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ إِذَا حَدَّثَ.
قَالَ رَبَاحُ بنُ خَالِدٍ الكُوْفِيُّ: سَأَلْتُ ابْنَ
عُيَيْنَةَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، إِنَّ أَبَا
مُعَاوِيَةَ يُحَدِّثُ عَنْكَ بِشَيْءٍ لَيْسَ تَحفَظُهُ
اليَوْمَ، وَكَذَلِكَ وَكِيْعٌ. فَقَالَ: صَدِّقْهُم،
فَإِنِّي كُنْتُ قَبْلَ اليَوْمِ أَحْفَظَ مِنِّي
اليَوْمَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى العَنَزي: سَمِعْتُ ابْنَ
عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ ذَلِكَ لِرَبَاحٍ فِي سَنَةِ إِحْدَى
وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ حَامِدُ بنُ يَحْيَى البَلْخِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ
عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ كَأَنَّ أَسْنَانِي
سَقَطَتْ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلزُّهْرِيِّ، فَقَالَ:
تَموتُ أَسْنَانُكَ، وَتَبْقَى أَنْتَ. قَالَ: فَمَاتَ
أَسْنَانِي وَبَقِيْتُ أَنَا، فَجَعَلَ اللهُ كُلَّ
عَدُوٍّ لِي مُحَدِّثاً.
قُلْتُ: قَالَ هَذَا مِنْ شِدَّةِ مَا كَانَ يَلقَى مِنِ
ازْدِحَامِ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ عَلَيْهِ حَتَّى
يُبْرِمُوْهُ.
قَالَ غِيَاثُ بنُ جَعْفَرٍ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ
يَقُوْلُ: أَوَّلُ مَنْ أَسْنَدَنِي إِلَى
الأُسْطُوَانَةِ: مِسْعَر بنُ كِدَامٍ، فَقُلْتُ لَهُ:
إِنِّيْ حَدَثٌ. قَالَ: إِنَّ عِنْدَكَ الزُّهْرِيَّ,
وَعَمْرَو بنَ دِيْنَارٍ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الرامَهرمزي: حَدَّثَنَا مُوْسَى
بنُ زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا زِيَادُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ
خُزاعي، سَمِعْتُ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ:
كَانَ أَبِي صَيْرَفِيّاً بِالكُوْفَةِ، فَرَكِبَهُ
دَيْنٌ، فَحَمَلَنَا إِلَى مَكَّةَ، فَصِرْتُ إِلَى
المَسْجِدِ، فَإِذَا عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، فَحَدَّثَنِي
بِثَمَانِيَةِ أَحَادِيْثَ، فَأَمْسَكْتُ لَهُ حِمَارَهُ
حَتَّى صَلَّى وَخَرَجَ، فَعَرَضْتُ الأَحَادِيْثَ
عَلَيْهِ، فَقَالَ: بَارَكَ اللهُ فِيْكَ.
(7/417)
وَرَوَى أَبُو مُسْلِمٍ المُسْتَمْلِي:
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ مِنْ عَمْرٍو مَا لَبِثَ
نُوْحٌ فِي قومه -يعني: تسعمائة وخمسين سنة.
قَالَ مُجَاهِدُ بنُ مُوْسَى: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ
يَقُوْلُ: مَا كَتَبتُ شَيْئاً إِلاَّ حَفِظتَهُ قَبْلَ
أَنْ أَكْتُبَهُ.
قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: سُئِلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ
عَنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ: ذَاكَ أَحَدُ
الأَحَدَيْنِ، مَا أَغْرَبَهُ.
وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: قَالَ لِي يَحْيَى
القَطَّانُ: مَا بَقِيَ مِنْ مُعَلِّمِيَّ أَحَدٌ غَيْرُ
سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَهُوَ إِمَامٌ مُنْذُ
أَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ عَلِيٌّ: سَمِعْتُ بِشْرَ بنَ المُفَضَّلِ
يَقُوْلُ: مَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَحَدٌ
يُشْبِهُ ابْنَ عُيَيْنَةَ.
وَحَكَى حَرْمَلَةُ بنُ يَحْيَى أَنَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ
قَالَ لَهُ -وَأَرَاهُ خُبْزَ شَعِيْرٍ: هَذَا طَعَامِي
مُنْذُ سِتِّيْنَ سَنَةً.
الحُمَيْدِيُّ سَمِعَ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: لاَ تَدْخُلُ
هَذِهِ المَحَابِرُ بَيْتَ رَجُلٍ، إِلاَّ أَشْقَى
أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ.
وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً لِرَجُلٍ: مَا حِرْفَتُكَ?
قَالَ: طَلَبُ الحَدِيْثِ. قَالَ: بَشِّرْ أَهْلَكَ
بِالإِفْلاَسِ.
وَرَوَى عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ،
قَالَ: مَن زِيْدَ فِي عَقْلِهِ، نَقَصَ مِنْ رِزْقِهِ.
وَنَقَلَ سُنَيْد بنُ دَاوُدَ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ،
قَالَ: مَنْ كَانَتْ مَعْصِيَتُهُ فِي الشَّهْوَةِ،
فَارْجُ لَهُ، وَمَنْ كَانَتْ مَعْصِيَتُهُ فِي الكِبْرِ،
فَاخْشَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ آدَمَ عَصَى مُشْتَهِياً، فغفر
له، وإبليس متكبرًا، فلعن.
وَمِنْ كَلاَم ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: الزُّهْدُ:
الصَّبْرُ، وَارْتِقَابُ المَوْتِ.
وَقَالَ: العِلْمُ إِذَا لَمْ يَنْفَعْكَ، ضَرَّكَ.
قَالَ عُثْمَانُ بنُ زَائِدَةَ: قُلْتُ لِسُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ: مِمَّنْ نَسْمَعُ? قَالَ: عَلَيْكَ بِابْنِ
عُيَيْنَةَ، وَزَائِدَةَ.
قَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً
أَجْمَعَ لِمُتَفَرِّقٍ مِنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ.
وقال علي بن نصير الجَهْضَمي: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بنُ
الحَجَّاجِ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ غُلاَماً،
مَعَهُ أَلوَاحٌ طَوِيْلَةٌ عِنْدَ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ،
وَفِي أُذُنِهِ قُرْطٌ، أَوْ قال: شَنْف1.
__________
1 الشَّنْفُ: من حُلي الأذن، وجمعه شُنوف، وقيل هو ما
يُعلَّق في أعلاها.
(7/418)
وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: سَمِعْتُ
ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: جَالَسْتُ عَبْدَ الكَرِيْمِ
الجَزَرِيَّ سَنَتَيْنِ، وَكَانَ يَقُوْلُ لأَهْلِ
بَلَدِهِ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الغُلاَمِ يَسْأَلُنِي
وَأَنْتُم لاَ تَسْأَلُوْنِي.
قَالَ ذُؤَيْبُ بنُ عِمَامَةَ السَّهْمِيُّ: سَمِعْتُ
ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مِنْ صَالِحٍ مَوْلَى
التَّوْأَمَةِ هَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ بِيَدَيْهِ
-يَعْنِي: كَثْرَةً- سَمِعْتُ مِنْهُ وَلُعَابُهُ
يَسِيْلُ. فَقَالَ عبد الرحمن بن حَاتِمٍ: فَلاَ
نَعْلَمُهُ رَوَى عَنْهُ شَيْئاً، كَانَ مُنْتَقِداً
لِلرُّوَاةِ.
قَالَ عَلِيٌّ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ: عَمْرُو بنُ
دِيْنَارٍ أَكْبَرُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، سَمِعَ من جابر،
وما سمع الزهري منه.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ النَّيْسَابُوْرِيُّ:
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ مَطَرٍ، قَالَ: كُنَّا عَلَى
بَابِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، فَاسْتَأْذَنَّا
عَلَيْهِ، فَلَمْ يَأْذَنْ لَنَا. فَقُلْنَا: ادْخُلُوا
حَتَّى نَهْجُمَ عَلَيْهِ. قَالَ: فَكَسَرْنَا بَابَهُ،
وَدَخَلْنَا وَهُوَ جَالِسٌ، فَنَظَرَ إِلَيْنَا، فَقَالَ:
سُبْحَانَ اللهِ! دَخَلْتُم دَارِي بِغَيْرِ إِذْنِي،
وَقَدْ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ:
أَنَّ رَجُلاً اطَّلَعَ فِي جُحْرٍ مِنْ بَابِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَ النَّبِيِّ
-صَلَّى الله عليه وسلم- مِدْرَى به يحك رَأْسَهُ،
فَقَالَ: "لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَنْظُرُنِي، لَطَعَنْتُ
بِهَا فِي عَيْنِكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ مِنْ
أَجْلِ النَّظَرِ" 1.
قَالَ: فَقُلْنَا لَهُ: نَدِمْنَا يَا أَبَا مُحَمَّدٍ.
فَقَالَ: نَدِمْتُم? حَدَّثَنَا عَبْدُ الكَرِيْمِ
الجَزَرِيُّ، عَنْ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ
مَعْقِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ: أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
"النَّدَمُ توبة" 2، اخرجوا، فقد أخدتم رَأْسَ مَالِ ابْنِ
عُيَيْنَةَ.
سُلَيْمَانُ هَذَا: هُوَ أَخُو قَتَادَةَ بنِ مَطَرٍ،
صَدُوْقٌ -إِنْ شَاءَ اللهُ. وَزِيَادٌ المَذْكُوْرُ فِي
الحَدِيْثِ: هُوَ ابْنُ أبي مريم.
قال محمد بن سوف الفِرْيَابِيُّ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ
ابْنِ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ، مَا
يُزَهِّدُنِي فِيْكَ إِلاَّ طَلَبُ الحَدِيْثِ. قُلْتُ:
فَأَنْتَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَيَّ شَيْءٍ كُنْتَ
تَعْمَلُ إِلاَّ طَلَبَ الحَدِيْثِ? فَقَالَ: كُنْتُ إِذْ
ذَاكَ صَبِيّاً لاَ أَعقِلُ.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "6901"، ومسلم "2156"، والحميدي
"924" من طريق سفيان، عن الزهري، به.
2 صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة "9/ 361"، والحميدي "105"،
وأحمد "1/ 376 و433" والبخاري في "التاريخ الكبير" "2/ 1/
374"، وابن ماجه "4252"، والحاكم "4/ 243"، والبيهقي في
"شعب الإيمان" "7029"، والخطيب في "موضح أوهام الجمع
والتفريق" "1/ 248-249" من طريق عن سفيان بن عيينة، عن عبد
الكريم الجزري، به.
(7/419)
قُلْتُ: إِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا
الإِمَامِ يَقُوْلُ هذه المقالة في زمن التَّابِعِيْنَ،
أَوْ بَعْدَهُم بِيَسِيْرٍ، وَطَلَبُ الحَدِيْثِ
مَضْبُوْطٌ بِالاتِّفَاقِ، وَالأَخْذُ عَنِ الأَثْبَاتِ
الأَئِمَّةِ، فَكَيْفَ لَوْ رَأَى سُفْيَانُ -رَحِمَهُ
اللهُ- طَلَبَةَ الحَدِيْثِ فِي وَقْتِنَا، وَمَا هُم
عَلَيْهِ مِنَ الهَنَاتِ وَالتَّخْبِيْطِ، وَالأَخْذِ عَنْ
جَهَلَةِ بَنِي آدَمَ، وَتَسْمِيْعِ ابْنِ شَهْرٍ.
أَمَّا الخِيَامُ فَإِنَّهَا كَخِيَامِهِمْ ... وَأَرَى
نِسَاءَ الحَيِّ غَيْرَ نِسَائِهَا
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يُوْنُسَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
عُيَيْنَةَ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ جَالَسْتُ عَبْدُ
الكَرِيْمِ أَبُو أُمَيَّةَ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ
عَشْرَةَ سَنَةً. قَالَ: وَقَرَأْتُ القُرْآنَ وَأَنَا
ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
قَالَ يَحْيَى بنُ آدَمَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً يَخْتَبِرُ
الحَدِيْثَ إِلاَّ وَيُخْطِئُ، إِلاَّ سُفْيَانَ بنَ
عُيَيْنَةَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ
حَمَّادٍ الحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ:
قَالَ حَمَّادُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ -وَلَمْ أَسْمَعْهُ
مِنْهُ: إِذَا قَالَ لامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ
طَالِقٌ, أَنْتِ طَالِقٌ, بَانَتْ بِالأُوْلَى، وَبَطَلَتِ
الثِّنْتَانِ.
قَالَ سُفْيَانُ: رَأَيْتُ حمَّادًا قَدْ جَاءَ إِلَى
طَبِيْبٍ عَلَى فَرَسٍ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: سُفْيَانُ بنُ
عُيَيْنَةَ، إِمَامٌ، ثِقَةٌ، كَانَ أَعْلَمَ بِحَدِيْثِ
عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ مِنْ شُعْبَةَ. قَالَ: وَأَثْبَتُ
أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ هُوَ وَمَالِكٌ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: مَا رَأَيْتُ بَعْدَ ابْنِ
جُرَيْجٍ مِثْلَ ابْنِ عُيَيْنَةَ فِي حُسْنِ المَنْطِقِ.
وَرَوَى إِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، عَنْ يَحْيَى: ثِقَةٌ.
وَعَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: الوَرَعُ طَلَبُ العِلْمِ
الَّذِي بِهِ يُعْرَفُ الوَرَعُ.
رَوَى سُلَيْمَانُ بنُ أَيُّوْبَ سَمِعْتُ سُفْيَانَ بنَ
عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: شَهِدْتُ ثَمَانِيْنَ مَوْقِفاً.
وَيُرْوَى أَنَّ سُفْيَانَ كَانَ يَقُوْلُ فِي كُلِّ
مَوْقِفٍ: اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْهُ آخِرَ العَهدِ
مِنْكَ، فَلَمَّا كَانَ العَامُ الَّذِي مَاتَ فِيْهِ،
لَمْ يَقُلْ شَيْئاً، وَقَالَ: قَدِ اسْتَحْيَيتُ مِنَ
اللهِ -تَعَالَى.
وَقَدْ كَانَ لِسُفْيَانَ عِدَّةُ إِخْوَةٍ، مِنْهُم:
عِمْرَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ
عُيَيْنَةَ، وَآدَمُ بنُ عُيَيْنَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ
عُيَيْنَةَ، فَهَؤُلاَءِ قَدْ رَوَوُا الحَدِيْثَ.
وَقَدْ كَانَ سُفْيَانُ مَشْهُوْراً بِالتَّدْلِيسِ،
عَمَدَ إِلَى أَحَادِيْثَ رُفِعَتْ إِلَيْهِ مِنْ حَدِيْثِ
الزُّهْرِيِّ، فَيَحذِفُ اسْمَ مَنْ حَدَّثَهُ
وَيُدَلِّسُهَا، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يُدَلِّسُ إِلاَّ عَنْ
ثِقَةٍ عِنْدَهُ.
فَأَمَّا مَا بَلَغَنَا عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ
القَطَّانِ، أَنَّهُ قَالَ: اشْهَدُوا أَنَّ ابْنَ
عُيَيْنَةَ اخْتُلِطَ سَنَةَ سَبْعٍ
(7/420)
وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ، فَهَذَا مُنْكَرٌ
مِنَ القَوْلِ، وَلاَ يَصِحُّ، وَلاَ هُوَ بِمُسْتقِيْمٍ،
فَإِنَّ يَحْيَى القَطَّانَ مَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ
ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ، مَعَ قُدُوْمِ الوَفْدِ مِنَ
الحَجِّ، فَمَنِ الَّذِي أَخْبَرَهُ باخْتِلاَطِ
سُفْيَانَ، وَمتَى لَحِقَ أَنْ يَقُوْلَ هَذَا القَوْلَ،
وَقَدْ بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ?
وَسُفْيَانُ حُجَّةٌ مُطْلَقاً، وحديثه في جميع دواوين
الإِسْلاَمِ، وَوَقَعَ لِي كَثِيْرٌ مِنْ عَوَالِيْهِ،
بَلْ وَعِنْدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سِبْطِ الحَافِظِ
السِّلَفِيِّ مِنْ عَوَالِيْهِ جُمْلَةٌ صَالِحَةٌ،
مِنْهَا "جُزءُ ابْنِ عُيَيْنَةَ"، رواية المروزي عنه، وفي
"جزء علي ابن حَرْبٍ"، رِوَايَةَ العَبَّادَانِ، وَجُزْآنِ
لِعَلِيِّ بنِ حَرْبٍ، رِوَايَةَ نَافِلَتِهِ أَبِي
جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ عُمَرَ الطَّائِيِّ،
وَفِي "الثَّقَفِيَّاتِ"، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَدْ جَمَعَ
عَوَالِي ابْنِ عُيَيْنَةَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ
مَنْدَةَ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ، وَبَعْدَهُمَا
أَبُو إِسْحَاقَ الحَبَّالُ.
وَكَانَ سُفْيَانُ -رَحِمَهُ اللهُ- صَاحِبَ سُنَّةٍ
وَاتِّبَاعٍ.
قَالَ الحَافِظُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بنُ الفَضْلِ بنِ مُوْسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
مَنْصُوْرٍ الجَوَّازُ، قَالَ: رأيت سفيان بن عينة
سَأَلَهُ رَجُلٌ: مَا تَقُوْلُ فِي القُرْآنِ? قَالَ:
كَلاَمُ اللهِ، مِنْهُ خَرَجَ، وَإِلَيْهِ يَعُوْدُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ:
حَدَّثَنَا لُوَين، قَالَ: قِيْلَ لابْنِ عُيَيْنَةَ:
هَذِهِ الأَحَادِيْثُ الَّتِي تُرْوَى فِي الرُّؤْيَةِ?
قَالَ: حَقٌّ عَلَى مَا سَمِعْنَاهَا مِمَّنْ نَثِقُ بِهِ
وَنَرْضَاهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّورقي: حَدَّثَنِي
أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ،
وَجَعَلتُ أُلِحُّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: دَعْنِي
أَتَنَفَّسُ. فَقُلْتُ: كَيْفَ حَدِيْثُ عَبْدِ اللهِ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ
الله يحمل السماوات على إصبع" 1.
وَحَدِيْثُ: "إِنَّ قُلُوْبَ العِبَادِ بَيْنَ
أُصْبُعَيْنِ مِنْ أصابع الرحمن" 2.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "4811"، ومسلم "2786"، والترمذي
"3238"، من طريق عبيدة السلماني، عبد الله بن مسعود قال:
جاء حبر إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا محمد أويا أبا القاسم إن الله
تعالى يمسك السماوات يوم القيامة على إصبع، والارضين على
إصبع، والجبال والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع،
وسائر الخلق على إصبع، ثم يهزهن: فيقول أنا الملك أنا
الملك فَضَحِكَ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ
وسلَّم- تعجبا مما قال الحبر تصديقا له. ثم قرأ: {وَمَا
قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا
قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ
مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا
يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67] ، واللفظ لمسلم.
2 صحيح: أخرجه مسلم "2254" من حديث عبد الله بن عمرو
مرفوعا وتمامه: "إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع
الرحمن كقلب واحد، يصرفها حيث شاء" ثم قَالَ رَسُوْلُ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللهم مصرف
القلوب صرف قلوبنا على طاعتك".
(7/421)
وَحَدِيْثُ: "إِنَّ اللهَ يَعْجَبُ -أَوْ
يَضْحَكُ- مِمَّنْ يَذْكُرُهُ فِي الأَسْوَاقِ"1. فَقَالَ
سُفْيَانُ: هِيَ كَمَا جَاءتْ، نُقِرُّ بِهَا، وَنُحَدِّثُ
بِهَا بِلاَ كَيْفٍ2.
أَبُو عُمَرَ بنُ حَيُّوْيَه: حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ
أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمَّارٍ،
حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ شَبَّةَ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بنُ
جنَّادٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ، وَسَأَلُوْهُ أَنْ
يُحَدِّثَ، فَقَالَ: مَا أَرَاكُم لِلْحَدِيْثِ مَوْضِعاً،
وَلاَ أُرَانِي أَنْ يُؤْخَذَ عَنِّي أَهْلاً، وَمَا
مَثَلِي وَمَثَلُكُم إِلاَّ مَا قَالَ الأُوَلُ:
افْتَضَحُوا، فَاصْطَلَحُوا.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الأَشْعَثِ: سَمِعْتُ ابْنَ
عُيَيْنَةَ يقول: من عمل بما يَعْلَمُ، كُفِيَ مَا لَمْ
يَعْلَمْ.
وَعَنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: مَنْ رَأَى
أَنَّهُ خُيْرٌ مِنْ غَيْرِهِ، فَقَدِ اسْتَكْبَرَ، ثُمَّ
ذَكَرَ إِبْلِيْسَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: قُلْتُ
لِسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ: مَا الزُّهْدُ فِي
الدُّنْيَا? قَالَ: إِذَا أُنْعِمَ عَلَيْهِ، فَشَكَرَ،
وَإِذَا ابْتُلِيَ، بِبَلِيَّةٍ فصبر، فذلك الزهد.
قال علي ابن المَدِيْنِيِّ: كَانَ سُفْيَانُ إِذَا سُئِلَ
عَنْ شَيْءٍ، يَقُوْلُ: لاَ أُحْسِنُ. فَنَقُوْل: مَنْ
نَسْأَلُ? فَيَقُوْلُ: سَلِ العُلَمَاءَ، وَسَلِ اللهَ
التَّوفِيْقَ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ: سَمِعْتُ
ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص.
__________
1 لم يرد بهذا اللفظ في شيء من كتب السنة المشرفة
ودواوينها، لكن قد ورد في صفة التعجب عن علي بن أبي طالب
مرفوعا بلفظ: "إن ربك ليعجب من عبده إذا قال: رب اغفر لي
ذنوبي، قال: علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري". أخرجه
أحمد "1/ 97 و115 و128"، والطيالسي "132"، وأبو داود
"2602"، والترمذي "3446"، والحاكم "2/ 99"، والبيهقي في
"الأسماء والصفات" "ص471" من طريق أبي إسحاق عن علي بن
ربيعة، عن علي بن أبي طالب، به مرفوعا.
وفي صفه الضحك ورد عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: "يضحك الله
إلى رجلين، يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة". فقالوا:
كيف يا رسول الله؟ قال: "يقاتل هذا في سبيل الله -عز وجل-
فيستشهد ثم يتوب الله على القاتل فيسلم. فيقاتل في سبيل
الله -عز وجل- فيستشهد".
أخرجه أحمد "2/ 464"، ومسلم "1890"، واللفظ له، وابن ماجه
"191"، وابن خزيمة في "التوحيد" "ص234"، والآجري في
"الشريعة" "ص278" من طريق سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي
الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هريرة، به.
2 مذهب السلف الصالح الإيمان بكل ما وصف الله به نفسه،
ووصفه به رسوله من غير تحريف أو تأويل، أو تمثيل وتكييف.
(7/422)
الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ
مُوْسَى، حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ: قيل لسفيان ابن
عُيَيْنَةَ: إِنَّ بِشْراً المَرِيْسِيَّ يَقُوْلُ: إِنَّ
اللهَ لاَ يُرَى يَوْمَ القِيَامَةِ. فَقَالَ: قَاتَلَ
اللهُ الدُّوَيْبَّةَ، أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى قَوْلِهِ
تَعَالَى: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ
لَمَحْجُوبُونَ} [المُطَفِّفِيْنَ: 15] ، فَإِذَا
احْتَجَبَ عَنِ الأَوْلِيَاءِ وَالأَعْدَاءِ، فَأَيُّ
فَضْلٍ لِلأَوْلِيَاءِ عَلَى الأَعْدَاءِ.
وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ فِي "تَارِيْخِهِ":
حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بنُ أَبِي طَالِبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو
بَكْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَفَّانَ، سَمِعْتُ ابْنَ
عُيَيْنَةَ فِي السَّنَةِ الَّتِي أَخَذُوا فِيْهَا
بِشْراً المَرِيْسِيَّ بِمِنَىً، فَقَامَ سُفْيَانُ فِي
المَجْلِسِ مُغْضَباً، فَقَالَ: لَقَدْ تَكَلَّمُوا فِي
القَدَرِ وَالاعْتِزَالِ، وَأُمِرْنَا بِاجْتِنَابِ
القَوْمِ، رَأَيْنَا عُلَمَاءنَا، هَذَا عَمْرُو بنُ
دِيْنَارٍ، وَهَذَا مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ -حَتَّى
ذَكَرَ أَيُّوْبَ بنَ مُوْسَى وَالأَعْمَشَ وَمِسْعَراً-
مَا يَعْرِفُوْنَهُ إِلاَّ كَلاَمَ اللهِ، وَلاَ
نَعْرِفُهُ إِلاَ كَلاَمَ اللهِ، فَمَنْ قَالَ غَيْرَ ذَا،
فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ مَرَّتَيْنِ، فَمَا أَشْبَهَ
هَذَا بِكَلاَمِ النَّصَارَى، فَلاَ تُجَالِسُوهُم.
قَالَ المسيَّب بنُ وَاضِحٍ: سُئِلَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ
الزُّهْدِ، قَالَ: الزُّهْدُ فِيْمَا حَرَّمَ اللهُ،
فَأَمَّا مَا أَحَلَّ اللهُ، فَقَدْ أَبَاحَكَهُ اللهُ،
فَإِنَّ النَّبِيِّيْنَ قَدْ نَكَحُوا، وَرَكِبُوا،
وَلَبِسُوا، وَأَكَلُوا، لَكِنَّ اللهَ نَهَاهُم عَنْ
شَيْءٍ، فَانْتَهَوْا عَنْهُ، وَكَانُوا بِهِ زُهَّاداً.
وَعَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: إِنَّمَا كَانَ عِيْسَى
ابْنُ مَرْيَمَ لاَ يُرِيْدُ النِّسَاءَ، لأَنَّهُ لَمْ
يُخْلَقُ مِنْ نُطْفَةٍ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ،
قَالَ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ فِيْمَا نَعْلَمُ، أَشَدَّ
تَشَبُّهاً بِعِيْسَى ابْنِ مَرْيَمَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ.
وَرَوَى عَلِيُّ بنُ حَرْبٍ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بنَ
عُيَيْنَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَالشُّهَدَاءِ
وَالصَّالِحِينَ} [النِّسَاءُ: 69] ، قَالَ:
الصَّالِحُوْنَ: هُم أَصْحَابُ الحَدِيْثِ.
وَرَوَى أَحْمَدُ بنُ زَيْدِ بنِ هَارُوْنَ، حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ، سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ
يَقُوْلُ: أَنَا أَحقُّ بِالبُكَاءِ مِنَ الحُطَيْئَةِ،
هُوَ يَبْكِي عَلَى الشِّعْرِ، وَأَنَا أَبْكِي عَلَى
الحَدِيْثِ.
قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ عَقِيْبَ هَذَا: أُرَاهُ قَالَ
هَذَا حِيْنَ حُصِرَ فِي البَيْتِ عَنِ الحَدِيْثِ،
لأَنَّهُ اخْتُلِطَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ.
قُلْتُ: هَذَا لاَ نُسَلِّمُهُ، فَأَيْنَ إِسْنَادُكَ
بِهِ?
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ الحَدَّادُ فِي
كِتَابِهِ، أَنْبَأَنَا مَسْعُوْدٌ الجَمَّالُ،
وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ
الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ، سَمِعْتُ سُفْيَانَ
بنَ عُيَيْنَةَ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ يَقُوْلُ:
عَاصِمٌ، عَنْ زِرٍّ، قَالَ: أَتَيْتُ
(7/423)
صَفْوَانَ بنَ عَسَّالٍ، فَقَالَ: مَا
جَاءَ بِكَ? قُلْتُ: جِئْتُ ابْتِغَاءَ العِلْمِ، قَالَ:
فَإِنَّ المَلاَئِكَةَ تضع أجنحتها لطالب العلم، رضى لما
يَطْلُبُ. قُلْتُ: حَكَّ فِي نَفْسِي -أَوْ صَدْرِي-
مَسْحٌ عَلَى الخُفَّينِ بَعْدَ الغَائِطِ وَالبَوْلِ،
فَهَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ذَلِكَ شَيْئاً? قَالَ: نَعَمْ،
كَانَ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفَراً، أَوْ
مُسَافِرِيْنَ، أَنْ ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن، إلا
من جَنَابَةٍ، لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ، أَوْ بَوْلٍ، أَوْ
نَوْمٍ.
قُلْتُ: هَلْ سَمِعْتَهُ يَذْكُرُ الهَوَى? قَالَ: نَعَمْ،
بَيْنَا نَحْنُ مَعَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي مَسِيْرٍ، إِذْ نَادَاهُ أَعْرَابِيٌّ
بصَوْتٍ لَهُ جَهْوَرِيٍّ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ!
فَأَجَابَهُ عَلَى نَحْوٍ مِنْ كَلاَمِهِ: هَاؤُم. قَالَ:
أَرَأَيْتَ رَجُلاً أَحَبَّ قَوْماً، وَلَمَّا يَلْحَقْ
بِهِم? قَالَ: "المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ". ثُمَّ
أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا: أَنَّ مِنْ قِبَلِ المَغْرِبِ
بَاباً يَفْتَحُ اللهُ لِلتَّوْبَةِ مَسِيْرَةَ عَرْضِهِ
أَرْبَعُوْنَ سَنَةً، فَلاَ يَزَالُ مَفْتُوحاً حَتَّى
تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ قِبَلِهِ، وَذَلِكَ قَوْلَهُ
تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام:
158] الآية1.
وَبِهِ، قَالَ ابْنُ عَاصِمٍ: سَمِعْتُ مِنِ ابْنِ
عُيَيْنَةَ، وَأَنَا مَحْرَمٌ لِبَعْضِ النِّسَاءِ، وَمَنْ
حَجَّ بَعْدِي لَمْ يَرَهُ، مَاتَ: سَنَةَ ثَمَانٍ
وَتِسْعِيْنَ ومائة.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ
بِمِصْرَ، أَخْبَرَنَا أَبُو المَحَاسِنِ مُحَمَّدُ بنُ
هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الدِّيْنَوَرِيُّ
بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا عَمِّي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ
العَزِيْزِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وثلاثين وخمسمائة،
أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو
عُمَرَ بنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ
إِسْمَاعِيْلَ المَحَامِلِيُّ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا أَبُو
مُوْسَى مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ
عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ،
عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا جَاءَ إِلَى مَكَّةَ،
دَخَلَهَا مِنْ أَعْلاَهَا، وَخَرَجَ مِنْ أَسْفَلِهَا2.
أَخْرَجَهُ: الشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُدَ،
وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ المِصْرِيُّ،
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ
السَّلاَمِ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ
القَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ
مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ
السُّكَّرِيِّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ
عَبْدِ الجَبَّارِ الصُّوْفِيُّ سنة ثلاث وثلاثمائة،
حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ
عُيَيْنَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الأَعْرَجِ، عَنْ سُلَيْمَانَ
بنِ عَتِيْقٍ، عن جابر بن عبد
__________
1 حسن: أخرجه الترمذي "3536" من طريق حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ،
عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ بن حبيش، عن صفوان بن عسال
المرادي، به في حديث طويل. وقال الترمذي: حسن صحيح.
قلت: إسناده حسن، عاصم، هو ابن أبي النجود، صدوق كما قال
الحافظ في "التقريب".
2 صحيح: أخرجه البخاري "1577"، ومسلم "1258"، وأبو داود
"1868" و"1869"، والترمذي "853".
(7/424)
اللهِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ بِوَضْعِ الجَوَائِحِ وَنَهَى
عَنْ بَيْعِ السِّنِيْنَ1. أخرجه: أبو داود، عن يحيى.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ
بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ
القَادِرِ سنة ثماني عشرة وستمائة، أخبرنا سعيد بن أحمد
بنُ البَنَّاء، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ
البُنْدار، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الذَّهَبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ
بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ
أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،
عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
رَخَّصَ فِي العَرَايَا2.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ بِنَابُلُسَ،
أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ عَبْدُ اللهِ
بنُ أَحْمَدَ المَقْدِسِيُّ فِي سنة خمس عشرة وستمائة،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، وَكَتَبَ
إليَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ،
وَجَمَاعَةٌ: أَنَّ القَاضِي أَبَا القَاسِمِ عَبْدَ
الصَّمَدِ بنَ مُحَمَّدٍ الأنصاري، أخبرهم في سنة عشر
وستمائة قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ اللهِ
بنُ مُحَمَّدٍ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ
عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَنْبَارِيُّ،
حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ
بنِ أَبِي مُسْلِمٍ الفَرَضِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ
يُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ الكَاتِبُ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ
مَطَرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عن
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "3/ 309"، ومسلم "1554" "17"، وأبو
داود "3374"، والنسائي "7/ 265"، وابن الجارود "640"،
والدارقطني "3/ 31"، والحاكم "2/ 40-41"، والبيهقي "5/
306"، والبغوي "2083" من طرق عن سفيان بن عيينة، عن حميد
الأعرج، به.
وقوله: "الجوائح": هي الآفات التي تصيب الثمار فتهلكها،
يقال جاحهم الدهر يجوحهم وأجاحهم الزمان: إذا أصابهم
بمكروه عظيم.
2 صحيح: أخرجه مالك "2/ 619-620"، والشافعي في "المسند"
"2/ 150"، وعبد الرزاق "14486"، وأحمد "5/ 182 و186-187
و188 و190"، والبخاري "2188" و"2380" ومسلم "1539"،
والنسائي "7/ 267"، وابن ماجه "2269"، والطحاوي "4/ 29"،
والطبراني في "الكبير" "4764" و"4765" و"4766" و"4777"
و"4769-4773"، والبيهقي "5/ 309 و310" من طرق عن نافع،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، به.
وقوله: "العرايا": واحدتها عرية، وهي النخلة يُعريها
صاحبها رجلا محتاجا، والإعراء أن يجعل له ثمرة عامها،
يقول: فرخص لرب النخل أن يبتاع من المُعْرَى تلك النخلة
بتمر لموضع حاجته.
وقال البغوي في "شرح السنة" "8/ 87": العرية: أن يبيع ثمر
نخلات معلومة بعد بُدُوِّ الصلاح فيها خرصًا بالتمر
الموضوع على وجه الأرض كيلا استثناها الشرع من المزابنة
بالجواز كما استثنى السلم بالجواز على بيع ما ليس عنده،
سميت عرية، لأنها عريت من جملة التحريم، أي خرجت، "فعيلة"
بمعنى "فاعلة"، وقيل: لأنها عريت من جملة الحائط بالخرص
والبيع، فعريت عنها، أي: خرجت، وقيل غير ذلك.
(7/425)
ابْنِ أَبِي نَجيح، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ
أَبِي بَكْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ -عَزَّ
وَجَلَّ: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ
الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النِّسَاءُ: 148] ، قَالَ:
ذَلِكَ فِي الضِّيَافَة، إِذَا أَتيتَ رَجُلاً، فَلَمْ
يُضِفْكَ، فَقَدْ رُخِّصَ لَكَ أَنْ تَقُوْلَ.
قَالَ ابْنُ دَاوُدَ فِي كِتَابِ "الشَّرِيْعَةِ":
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ النُّعْمَانِ،
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي بَزَّةَ، سَمِعْتُ سُفْيَانَ بنَ
عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ: لَوْ صَلَّيْتَ خَلْفَ مَنْ يَقْرَأُ
بقِرَاءةِ حَمْزَةَ، لأَعَدْتُ. وَثَبَتَ مِثْلُ هَذَا
عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، وَعَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ
نَحْوَهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحُوَيْطِبِيُّ:
سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ يَقُوْلُ: قِرَاءةُ
حَمْزَةَ بِدْعَةٌ.
قُلْتُ: مُرَادُهُم بِذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ قبيل الأداء،
كالسكت، والإضجاع فِي نَحْوِ: شَاءَ، وَجَاءَ، وَتَغْيِيرِ
الهَمزِ، لاَ مَا فِي قِرَاءتِهِ مِنَ الحُرُوْفِ، هَذَا
الَّذِي يَظْهَرُ لِي، فَإِنَّ الرَّجُلَ حُجَّةٌ، ثِقَةٌ
فِيْمَا يُنْقَلُ.
قَالَ مَحْمُوْدُ بنُ وَالاَنَ: سَمِعْتُ عَبْدَ
الرَّحْمَنِ بنَ بِشْرٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ
يَقُوْلُ: غَضَبُ اللهِ الدَّاءُ الَّذِي لاَ دوَاءَ لَهُ،
وَمَنِ اسْتَغْنَى بِاللهِ، أَحْوَجَ اللهُ إِلَيْهِ
النَّاسَ.
قَالَ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ القبَّاني: حَدَّثَنِي
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ بِشْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ
عُيَيْنَةَ عَشِيَّةَ السَّبْتِ، نِصْفَ شَعْبَانَ، سَنَةَ
سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ يَقُوْلُ: كَمُلَ لِي فِي
هَذَا اليَوْمِ تِسْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً، وُلِدْتُ
لِلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَةٍ.
قُلْتُ: عَاشَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
فِي "فَاصِلِ" الرامَهرمزي، قَالَ مُحَمَّدُ بنُ
الصَّبَّاح الجَرْدَانِيُّ: قَالَ الخُطَيم فِي ابْنِ
عُيَيْنَةَ:
سِيْرِي نَجَاءً وَقَاكِ اللهُ مِنْ عَطَبٍ ... حَتَّى
تُلاَقِي بَعْدَ البَيْتِ سُفْيَانَا
شَيْخُ الأَنَامِ وَمَنْ حَلَّتْ مَنَاقِبُهُ ... لاَقَى
الرِّجَالَ وَحَازَ العِلْمَ أَزْمَانَا
حَوَى بَيَاناً وَفَهْماً عَالِياً عَجَباً ... إِذَا
يَنُصُّ حَدِيْثاً نَصَّ بُرْهَانَا
تَرَى الكُهُولَ جَمِيْعاً عِنْدَ مَشْهَدِهِ ...
مُسْتَنْصِتِيْنَ وَشِيخَاناً وَشُبَّانَا
يَضُمُّ عَمْراً إِلَى الزُّهْرِيِّ يُسْنِدُهُ ...
وَبَعْدَ عَمْرٍو إِلَى الزُّهْرِيِّ صَفْوَانَا
وَعَبْدَةً وَعُبَيْدَ اللهِ ضَمَّهُمَا ... وَابْنَ
السَّبِيْعِيِّ أَيْضاً وَابْنَ جُدْعَانَا
فَعَنْهُمُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ يُوْسِعُنَا ... عِلْماً
وَحُكْماً وَتَأْوِيلاً وَتِبْيَانَا
وَقَالَ الرِّيَاشِيُّ: قَالَ الأَصْمَعِيُّ يَرْثِي ابْنَ
عُيَيْنَةَ:
(7/426)
لِيَبْكِ سُفْيَانَ بَاغِي سُنَّةٍ
دَرَسَتْ ... وَمُسْتبِيْنُ أَثَارَاتٍ وَآثَارِ
وَمُبْتَغِي قُرْبَ إِسْنَادٍ وَمَوْعِظَةٍ ...
وَوَاقِفِيُّوْنَ مِنْ طَارٍ وَمِنْ سَارِي
أَمْسَتْ مَنَازِلُهُ وَحْشاً مُعَطَّلَةً ... مِنْ
قَاطِنِيْنَ وَحُجَّاجٍ وَعُمَّارِ
مِنَ الحَدِيْثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ يُسْنِدُهُ ...
وَلِلأَحَادِيْثِ عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارِ
مَا قَامَ مِنْ بَعْدِهِ مَنْ قَالَ حَدَّثَنَا ... الزهري
في أهل بدو أو بإحضار
وَقَدْ أَرَاهُ قَرِيْباً مِنْ ثَلاَثِ مِنَىً ... قَدْ
خَفَّ مَجْلِسَهُ مِنْ كُلِّ أَقْطَارِ
بَنُو المَحَابِرِ والأقلام مرهفة ... وسماسمات فراها كل
نجار
(7/427)
1292- إِبْرَاهِيْم بنُ عُيَيْنَةَ 1:
أَبُو إِسْحَاقَ، مُحَدِّثٌ، إِمَامُ خَيْرٍ. وُلِدَ:
نَحْو سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا حَيَّانَ التَّيْمِيَّ، وَطَلْحَةَ بنَ
يَحْيَى، وَصَالِحَ بنَ حَسَّانٍ، وَمِسْعَراً، وَلَيْسَ
بِالمُكْثِرِ وَلاَ المُجَوِّدِ.
رَوَى عَنْهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالفَلاَّسُ،
وَالعَدَنِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ،
وَطَائِفَةٌ، آخِرُهُم مَوْتاً: الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ
عَفَّانَ.
قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كَانَ مُسْلِماً، صَدُوقاً، لَمْ
يَكُنْ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
قِيْلَ: توفي سنة تسع وتسعين ومائة.
__________
1 ترجمته في الجرح والتعديل "2/ ترجمة 362"، ميزان
الاعتدال "1/ ترجمة 164"، وتهذيب التهذيب "1/ 149"، وتقريب
التهذيب "1/ 41".
(7/427)
1293- الخُلْقاني 1: "ع"
إسماعيل بن زكريا، المحدث، الحافظ، أبو زياد الكوفي،
الخُلْقاني.
مولده سنة ثمان ومائة.
__________
1 ترجمته في المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 170"،
والجرح والتعديل "2/ ترجمة 570"، والضعفاء الكبير للعقيلي
"1/ ترجمة 84"، وميزان الاعتدال "1/ 228"، وتهذيب التهذيب
"1/ 297".
(7/427)
وَسَمِعَ -وَقَدْ كَبِرَ- مِنْ: عَاصِمٍ
الأَحْوَلِ، وَالعَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
وَبُرَيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، وإسماعيل
بن أبي خالد، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَعُبَيْدِ اللهِ
بنِ عُمَرَ، وَحَجَّاجِ بنِ دِيْنَارٍ، وَطَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: سَعِيْدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ
الصَّبَّاحِ الدُّوْلاَبِيُّ، وَأَبُو الرَّبِيْعِ
الزَّهْرَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ لُوَيْنُ،
وَجَمَاعَةٌ.
اخْتَلَفَ قَوْلُ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، فَمَرَّةً
يَقُوْلُ: ثِقَةٌ، وَمَرَّةً ضَعَّفَهُ، وَمَرَّةً
يَقُوْلُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ مُقَاربُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ المَيْمُوْنِيُّ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ:
كَيْفَ هُوَ? قَالَ: أَمَّا الأَحَادِيْثُ المَشْهُوْرَةُ
الَّتِي يَروِيهَا، فَهُوَ فِيْهَا مُقَاربُ الحَدِيْثِ،
وَلَكِنَّهُ لَيْسَ يَنْشَرِحُ الصَّدْرُ لَهُ، هُوَ
شَيْخٌ لَيْسَ يُعْرَفُ بِالطَّلَبِ.
قَالَ الخَطِيْبُ فِي "تَارِيْخِهِ": إِسْمَاعِيْلُ بنُ
زَكَرِيَّا بنِ مُرَّةَ، أَبُو زِيَادٍ الخُلْقَانِيُّ،
مَوْلَى بَنِي أَسَدِ بنِ خُزَيْمَةَ، كُوْفِيٌّ،
يُلَقَّبُ: شقُوصَا، نَزَلَ بَغْدَادَ.
قَالَ العُقَيلي: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ،
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ الجُنَيْدِ، حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ أَبَانٍ، حَدَّثَنِي خَالِي
إِبْرَاهِيْمُ، سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ الخُلْقَانِيَّ
شقُوصَا يَقُوْلُ: الَّذِي نَادَى مِنْ جَانِبِ الطُّورِ
عَبْدَهُ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ. وَسَمِعْتُهُ
يَقُوْلُ: هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، عَلِيٌّ.
إِسْنَادُهَا مُظْلِمٌ، فَلَعَلَّ إِسْمَاعِيْلَ هَذَا
آخِرُ زِنْدِيقٍ، غَيْرُ الخُلْقَانِيِّ.
تُوُفِّيَ الخُلْقَانِيُّ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ
وَمائَةٍ. وَقِيْلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ. وَعَاشَ: خَمْساً
وَسِتِّيْنَ سنة.
(7/428)
1294- معتمر
1: "ع"
ابن سليمان بن طَرْخان، الإمام، الحافظ، القدوة، أبو محمد
بن الإِمَامِ أَبِي المُعْتَمِرِ التَّيْمِيُّ،
البَصْرِيُّ، وَهُوَ مِنْ مَوَالِي بَنِي مُرَّةَ،
وَنُسِبَ إِلَى تَيْمٍ؛ لِنُزُولِهِ فِيْهِم هُوَ
وَأَبُوْهُ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ،
وَأَيُّوْبَ، وَحُمَيْدٍ، وَعَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ
البَصْرِيِّ القَهْرَمَانِ، وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ،
وفُضيل بن مسيرة، وَإِسْحَاقَ بنِ سُوَيْدٍ، وَأَشْعَثَ
بنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ،
وَحَبِيْبِ بنِ أَبِي مُحَمَّدٍ العَجَمِيِّ، وبَهْز بنِ
حَكِيْمٍ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَعْلى الطَّائِفِيِّ، وَعَاصِمٍ
الأَحْوَلِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَمُحَمَّدِ بنِ
عَمْرٍو، وَيُوْنُسَ بنِ عُبَيْدٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَيَنْزِلُ إِلَى أَنْ يَرْوِيَ عَنْ صَاحِبِهِ: عَبْدِ
الرَّزَّاقِ.
كَانَ مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ،
والقَعْنبِي، وَالأَصْمَعِيُّ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى،
وَمُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَمُسَدَّدٌ، وَأَحْمَدُ،
وإسحاقَ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأُمَيَّةُ
بنُ بِسْطَامَ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ، وَعَمْرٌو
الفَلاَّسُ، وَزِيَادٌ الحَسَّانِيُّ، وَخَلِيْفَةُ بنُ
خَيَّاطٍ، وَالحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ المَرْوَزِيُّ،
وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ،
وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ،
وَهَارُوْنُ بنُ إِسْحَاقَ، وَيَحْيَى بنُ حَبِيْبِ بنِ
عَرَبِيٍّ، وَيَعْقُوْبُ الدَّورقي، وَأَحْمَدُ بنُ
المِقْدَامِ، وَخَلْقٌ عَظِيْمٌ.
قَالَ ابْنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، صَدُوْقٌ.
وَقَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: سَمِعْتُ قُرَّةَ بنَ
خَالِدٍ يَقُوْلُ: مَا مُعْتَمِرٌ عِنْدَنَا بِدُوْنِ
سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ
وَمائَةٍ، وَمَاتَ بِالبَصْرَةِ، سَنَةَ سَبْعٍ
وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مَحْبُوْبٍ: مَاتَ فِي المُحَرَّمِ،
سَنَةَ سَبْعٍ.
وَقَالَ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ: مَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ
سَبْعٍ، وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عِيْسَى الكُرَيْزِي: مَاتَ
مُعْتَمِرٌ يَوْم قُتِلَ زبَّان الطَّليقي بِالبَصْرَةِ،
فَكَانَ النَّاسُ يَقُوْلُوْنَ: مَاتَ اليَوْمَ أَعْبَدُ
النَّاسِ، وَقُتِلَ أَشْطَرُ النَّاسِ.
وَفِي كِتَابِ "السَّابِقِ وَاللاَّحِقِ" لِلْخَطِيْبِ:
أَنَّ مُعْتَمِراً رَوَى عَنْهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ،
وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَبَيْنَهُمَا فِي المَوْتِ
سِتٌّ وَتِسعُوْنَ سَنَةً، فَإِنَّ الثَّوْرِيَّ مَاتَ
سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
وَأَعْلَى مَا يُرْوَى اليَوْمَ حَدِيْثُ مُعْتَمِرٍ، فِي
"جُزْءِ ابْنِ عَرَفَةَ".
فَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَغَيْرُهُ
إِجَازَةً، عَنْ عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ كُليب، أَخْبَرَنَا
عَلِيُّ بن بيان،
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 290"، والتاريخ الكبير "8/
ترجمة 211"، والجرح والتعديل "8/ ترجمة 1845"، وتذكرة
الحفاظ "1/ ترجمة 251"، والكاشف "3/ ترجمة 5645" والعبر
"1/ 195" و"2/ 4"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 8648"،
وتهذيب التهذيب "10/ 227-228"، وتقريب التهذيب "2/ 263"،
وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 7421"، وشذرات الذهب لابن العماد
الحنبلي "1/ 316".
(7/429)
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ,
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا
الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ بنُ
سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ، سَمِعْتُ عَاصِماً الأَحْوَلَ
يَقُوْلُ: حَدَّثَنِي شُرَحْبِيْلُ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا
هُرَيْرَةَ، وَأَبَا سَعِيْدٍ، وَابْنَ عُمَرَ،
يُحَدِّثُونَ: أَنَّ نَبِيَّ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ،
وَزْناً بِوَزْنٍ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، مَنْ زَادَ، أَوِ
ازْدَادَ، فَقَدْ أَرْبَى". إِنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُهُ
مِنْهُم، فَأَدخَلَنِي اللهُ النَّارَ. هَذَا حَدِيْثٌ
غَرِيْبٌ، عَالٍ. وشرحبيل بن سعد: مدني، ليس بقوي1.
__________
1 ضعفه ابن معين، ومالك، والنسائي، وأبو زرعة، والدارقطني،
وابن عدي كما ذكر الحافظ في "ميزان الاعتدال"، لكن للحديث
شاهد عن عبادة بن الصامت عند مسلم "1587"، وأبي داود
"3349"، والترمذي "1240"، والنسائي "7/ 276"، وابن ماجه
"2254".
(7/430)
1295- مروان بن
أبي حفصة 1:
رَأْسُ الشُّعَرَاءِ، أَبُو السَّمْطِ -وَقِيْلَ: أَبُو
الهِنْدَامِ- مروان بن سليمان بن يحيى بن أبي حَفْصَةَ
يَزِيْدَ، مَوْلَى مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ الأُمَوِيِّ.
أَعْتَقَهُ مَرْوَانُ يَوْمَ الدَّارِ2، لِكَوْنِهِ بيَّن
يَوْمَئِذٍ.
وَقِيْلَ: بَلْ كَانَ أَبُو حَفْصَةَ طَبِيْباً
يَهُوْدِياً، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدِ عُثْمَانَ، أَوْ يَدِ
مَرْوَانَ. وَيُقَالُ: إِنَّ أَبَا حَفْصَةَ مِنْ سَبْيِ
اصْطَخْرَ.
وَكَانَ مَرْوَانُ بنُ أَبِي حَفْصَةَ مِنْ أَهْلِ
اليمامة، فقدم بغداد، ومدح المهدي، والرشيد.
قَالَ ابْنُ المُعْتَزِّ: أَجْوَدُ مَا لَهُ
"اللاَّمِيَّةُ" الَّتِي فُضِّلَ بِهَا عَلَى شُعَرَاءِ
زَمَانِهِ فِي مَعْنِ بنِ زَائِدَةَ، فَأَجَازَهُ
عَلَيْهَا بِمَالٍ عَظِيْمٍ. قَالَ: وَأَخَذَ مِنْ
خَلِيْفَةٍ عَلَى بَيْتٍ وَاحِدٍ ثلاثمائة أَلْفِ
دِرْهَمٍ.
قُلْتُ: فَمِنَ اللاَّمِيَّةِ:
بَنُو مَطَرٍ يَوْمَ اللِّقَاءِ كَأَنَّهُمْ ... أُسُودٌ
لَهَا فِي بَطْنِ خَفَّانَ أَشْبُلُ
هُمُ يَمْنَعُوْنَ الجَارَ حَتَّى كَأَنَّمَا ...
لِجَارِهِم بَيْنَ السِّماكين مَنْزِلُ
تَجَنَّبَ لاَ فِي القَوْلِ حَتَّى كَأَنَّهُ ... حَرَامٌ
عَلَيْهِ قَوْلُ لاَ حِيْنَ يُسْأَلُ
تَشَابَهُ يَوْمَاهُ عَلَيْنَا فَأَشْكلاَ ... فَلاَ نحن
ندري أي يوميه أفضل
__________
1 ترجمته في "المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي" "1/ 173"،
والأغاني لأبي الفرج الأصبهاني "10/ 71"، وتاريخ بغداد
"13/ 145"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "5/ 189".
2 أي: دار عثمان بن عفان يوم أن وقعت الفتنة، ولزم عثمان
داره، واستشهد فيها لذا سمى يوم الدار.
(7/430)
أَيَوْمُ نَدَاهُ العُمرُ أَمْ يَوْمُ
بَأْسِهِ ... وَمَا مِنْهُمَا إِلاَّ أَغَرُّ مُحَجَّلُ
بَهَالِيْلُ فِي الإِسْلاَمِ سَادُوا وَلَمْ يَكُنْ ...
كَأَوَّلِهِم فِي الجَاهِلِيَّةِ أَوَّلُ
هُمُ القَوْمُ إِنْ قَالُوا أَصَابُوا وَإِنْ دُعُوا ...
أَجَابُوا وَإِنْ أَعْطَوْا أَطَابُوا وَأَجْزَلُوا
فَمَا يَسْتَطِيْعُ الفَاعِلُوْنَ فِعَالَهُم ... وَإِنْ
أَحْسَنُوا فِي النَّائِبَاتِ وَأَجْمَلُوا
وَيُرْوَى أَنَّ وَلداً لِمَرْوَانَ بنِ أَبِي حَفْصَةَ
دَخَلَ عَلَى الأَمِيْرِ شَرَاحِيْلَ بنِ مَعْنٍ،
فَأَنشَدَهُ:
أَيَا شَرَاحِيْلَ بنَ مَعْنِ بنِ زَائِدَةَ ... يَا
أَكرَمَ النَّاسِ مِنْ عُجْمٍ وَمِنْ عَرَبِ
أَعْطَى أَبُوْكَ أَبِي مَالاً فَعَاشَ بِهِ ...
فَأَعْطِنِي مِثْلَ مَا أَعْطَى أَبُوْكَ أَبِي
مَا حَلَّ قَطُّ أَبِي أَرْضاً أَبُوْكَ بِهَا ... إِلاَّ
وَأَعْطَاهُ قِنْطَاراً من الذهب
فَأَعْطَاهُ شَرَاحِيْلُ قِنْطَاراً مِنَ الذَّهَبِ.
مَاتَ مَرْوَانُ سنة اثنتين وثمانين ومائة.
(7/431)
1296- حفيده
1:
هو مَرْوَانُ بنُ أَبِي الجَنُوْبِ بنِ مَرْوَانَ بنِ
أَبِي حَفْصَةَ، مِنْ فُحُولِ الشُّعَرَاءِ فِي زَمَانِهِ،
ويقال له: مروان الأصغر.
__________
1 ترجمته في الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني "23/ 206"،
ووفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ص193".
(7/431)
1297- مُبَارك 1: "د، ت"
ابن سعيد بن مسروق، الفَقِيْهُ، المُحَدِّثُ، أَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الثَّوْرِيُّ، الكُوْفِيُّ، الضَّرِيْرُ،
نَزِيلُ بَغْدَادَ.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَاصِمِ بنِ أَبِي
النَّجُوْدِ، وَغَيْرِهِمَا.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ -مَعَ تَقَدُّمِهِ-
وَأَبُو النَّضْرِ، وَيَحْيَى بنُ يحيى، وَيَحْيَى بنُ
مَعِيْنٍ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَآخَرُوْنَ.
يَقعُ حَدِيْثَهُ عَالِياً فِي "جُزْءِ ابْنِ عَرَفَةَ"،
وَهُوَ ثِقَةٌ، صَالِحُ الحَدِيْثِ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ ومائة.
وهو أخو سفيان الثوري.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 385"، والتاريخ الكبير "7/
1868"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 42"، والضعفاء
الكبير للعقيلي "4/ ترجمة 1818"، والجرح والتعديل "8/
ترجمة 1558"، وتاريخ بغداد "13/ 216"، والعبر "1/ 277"،
والكاشف "3/ ترجمة 5370"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة
7044"، وتهذيب التهذيب "10/ 28"، وتقريب التهذيب "2/ 227"،
وخلاصة الخزرجي "3/ ترجمة 6837"، وشذرات الذهب لابن العماد
الحنبلي "1/ 294".
(7/431)
1298- معاذ بن مُسْلِم 1:
شَيْخُ النَّحْوِ، أَبُو مُسْلِمٍ الكُوْفِيُّ،
النَّحْوِيُّ، الهَرَّاءُ، مَوْلَى مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ
القُرَظِيِّ.
رَوَى عَنْ: عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَغَيْرِهِ. وَمَا
هُوَ بِمُعْتَمَدٍ فِي الحَدِيْثِ.
وَقَدْ نُقِلَتْ عَنْهُ حُرُوْفٌ فِي القِرَاءاتِ.
أَخَذَ عَنْهُ: الكَسَائِيُّ.
وَيُقَالُ: إِنَّهُ صَنَّفَ فِي العَرَبِيَّةِ، وَلَمْ
يَظْهَرْ ذَلِكَ.
وَكَانَ شِيْعِيّاً، معمَّرًا.
مَاتَ أَوْلاَدُهُ وَأَحْفَادُهُ وَهُوَ بَاقٍ، وَكَانَ
يُصَغِّرُ نَفْسَهُ.
قَالَ عُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: رأيته يشد أسنانه
بالذهب.
وَفِيْهِ يَقُوْلُ سَهْلُ بنُ أَبِي غَالِبٍ
الخَزْرَجِيُّ:
إِنَّ مُعَاذَ بنَ مُسْلِمٍ رَجُلٌ ... لَيْسَ لِمِيْقَاتِ
عُمْرِهِ أَمَدُ
قَدْ شَابَ رَأْسُ الزَّمَانِ وَاكْتَهَلَ الدْ ... دَهر
وَأَثْوَابُ عُمْرِهِ جُدُدُ
قُلْ لِمُعَاذٍ إِذَا مَرَرْتَ بِهِ ... قَدْ ضَجَّ مِنْ
طُوْلِ عُمْرِكَ الأَبَدُ
يَا بِكْرَ حَوَّاءَ كَمْ تَعِيْشُ وَكمْ ... تَسْحَبُ
ذَيْلَ البَقَاءِ يَا لُبَدُ
قَدْ أَصْبَحَتْ دَارُ آدَمٍ خَرِبَتْ ... وَأَنْتَ
فِيْهَا كَأَنَّكَ الوَتِدُ
تَسْأَلُ غِرْبَانُهَا إِذَا نَعَبَتْ ... كَيْفَ يَكُوْنُ
الصُّدَاعُ وَالرَّمَدُ
مُصَححاً كَالظَّلِيمِ تَرْفُلُ فِي ... بُرْدَيْكَ مِثْلَ
السَّعِيْرِ تَتَّقِدُ
صَاحَبْتَ نُوحاً وَرُضْتَ بَغْلَةَ ذي الـ ... ـقرنين
شيخًا لولدك الولد
فَارْحَلْ وَدَعْنَا فَإِنَّ غَايَتَكَ الـ ... ـمَوْتُ
وَإِنْ شَدَّ رُكْنَكَ الجَلَدُ
وَلُبَدُ: هُوَ آخِرُ نُسُورِ لُقْمَانَ الَّذِي عُمِّرَ.
وَكَانَ مُعَاذٌ صَدِيْقاً لِلْكُمَيْتِ الشَّاعِرِ.
يُقَالَ: عَاشَ تِسْعِيْنَ عَاماً. وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ
سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَلَهُ شِعْرٌ قَلِيْلٌ.
والهرَّاء: هُوَ الَّذِي يَبِيْعُ الثِّيَابَ
الهَرَوِيَّةَ، وَلَوْلاَ هَذِهِ الكَلِمَةُ السَّائِرَةُ،
لَمَا عَرَفنَا هَذَا الرَّجُلَ، وَقَلَّ ما روى.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 725"،
والعبر "1/ 298".
(7/432)
1299- علي بن
مسهر 1: "ع"
العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، أَبُو الحَسَنِ القُرَشِيُّ،
الكُوْفِيُّ، قَاضِي المَوْصِلِ، أَخُو قَاضِي جَبُّلَ2؛
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُسْهِرٍ، ذَاكَ المُغَفَّلُ
الَّذِي بَلَغَهُ أَنَّ المَأْمُوْنَ قَادِمٌ عَلَى
نَاحِيَةِ جَبُّلَ، فَكَلَّمَ أَهْلَ جَبُّلَ لِيُثْنُوا
عَلَيْهِ عِنْدَ المَأْمُوْنِ، فَوَجَدَ مِنْهُم فُتُوراً،
وَأَخْلَفُوهُ المَوْعِدَ، فَلَبِسَ ثِيَابَهُ، وَسَرَّحَ
لِحْيَتَه، وَوَقَفَ عَلَى جَانِبِ دِجْلَةَ، فَلَمَّا
حَاذَاهُ المَأْمُوْنُ، سَلَّمَ بِالخِلاَفَةِ، وَقَالَ:
يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! نَحْنُ فِي عَافِيَةٍ
وَعَدْلٍ بِقَاضِينَا ابْنِ مُسْهِرٍ. فَغَلَبَ الضحك
عَلَى يَحْيَى بنِ أَكْثَمَ، فَعَجِبَ مِنْهُ
المَأْمُوْنُ، وَقَالَ: مَا بِكَ? قَالَ: يَا أَمِيْرَ
المُؤْمِنِيْنَ! إِنَّ الَّذِي يُبَالِغُ فِي الثَّنَاءِ
عَلَى قَاضِي جَبُّلَ هُوَ القَاضِي. فَضَحِكَ
المَأْمُوْنُ كَثِيْراً، ثُمَّ قَالَ لِيَحْيَى: اعْزِلْ
هَذَا، فَإِنَّهُ أَحْمَقُ.
فَأَمَّا عَلِيٌّ هَذَا، فَكَانَ مِنْ مَشَايِخِ
الإِسْلاَمِ.
وُلِدَ فِي حُدُوْدِ العِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
سَمِعَ: يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيَّ، وَمُطَرِّفَ
بنَ طَرِيْفٍ، وَهِشَامَ بنَ عُرْوَةَ، وَعَاصِماً
الأَحْوَلَ، وَالمُخْتَارَ بنَ فُلْفُلٍ، وَالأَعْمَشَ،
وَأَبَا إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيَّ، وَأَبَا حَيَّانَ
التَّيْمِيَّ، وَدَاوُدَ بنَ أَبِي هِنْدٍ، وَأَجْلَحَ بنَ
عَبْدِ اللهِ، وَأَشْعَثَ بنَ سَوَّارٍ، وَبُرَيْدُ بنُ
عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، وإسماعيل بن أبي خالد،
وَزَكَرِيَّا بنَ أَبِي زَائِدَةَ، وَسَعْدَ بنَ طَرِيْفٍ
الإِسْكَافَ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ، وَمُوْسَى
الجُهَنِيَّ، وَيَزِيْدَ بنَ أَبِي زِيَادٍ، وَأَبَا
مَالِكٍ الأَشْجَعِيَّ، وخلقًا كثيرًا.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 388"، والتاريخ الكبير "6/
ترجمة 2456"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 495"
و"2/ 554 و561"، والضعفاء الكبير للعقيلي "3/ ترجمة 1250"،
والجرح والتعديل "6/ ترجمة 1119"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة
270"، والكاشف "2/ ترجمة 4029"، والعبر "1/ 303"، وتهذيب
التهذيب "7/ 383-384"، وتقريب التهذيب "2/ 44"، وخلاصة
الخزرجي "2/ ترجمة 5051"، وشذرات الذهب لابن العماد
الحنبلي "1/ 325".
2 جبل: نسبة إلى بليدة بين النعمانية وواسط في الجانب
الشرقي. وينسب إليها جماعة من أهل العلم.
(7/433)
حَدَّثَ عَنْهُ: خَالِدُ بنُ مَخْلَد،
وَزَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ، ومُعَلَّى بنُ مَنْصُوْرٍ
الرَّازِيُّ، وَفَرْوَةُ بنُ أَبِي المَغْرَاءِ،
وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبَانٍ الوَرَّاقُ، وَإِسْمَاعِيْلُ
بنُ الخَلِيْلِ، وَبِشْرُ بنُ آدَمَ الضَّرِيْرُ،
وَالسَّرِيُّ السَّقَطِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي
شَيْبَةَ، وَسَهْلُ بنُ عُثْمَانَ، وَسُوَيْدُ بنُ
سَعِيْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَامِرِ بنِ زُرَارَةَ،
وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، وعثمان بن أبي شيبة، وعلي ابن
حَكِيْمٍ الأَوْدِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ سَعِيْدِ بنِ
مَسْرُوْقٍ، ومُحْرِز بنُ عَوْنٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ
عُبَيْدٍ المُحَارِبِيُّ، ومِنْجَاب بنُ الحَارِثِ،
وَأَبُو هَمَّامٍ السَّكوني، وَهَنَّادٌ، وَخَلْقٌ
سِوَاهُم.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ أَثْبَتُ مِنْ أَبِي
مُعَاوِيَةَ فِي الحَدِيْثِ.
وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: قُلْتُ لابْنِ مَعِيْنٍ:
عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَوْ أَبُو
خَالِدٍ الأَحْمَرُ? فَقَالَ: عليٌّ أحبُّ إليَّ. قُلْتُ:
فعليٌّ وَيَحْيَى بنُ أَبِي زائدةَ? فَقَالَ: كِلاَهُمَا
ثِقَتَانِ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ
نُمَيْرٍ: كَانَ عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ يَجِيئُنِي،
فَيَسْأَلُنِي: كَيْفَ حَدِيْثُ كَذَا? وَكَانَ قَدْ
دَفَنَ كُتُبَهُ.
قَالَ يَحْيَى: عليٌّ أَثْبَتُ مِنِ ابْنِ نُمَيْرٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجلي: عَلِيُّ بنُ
مُسْهِر قُرَشي مِنْ أَنْفُسِهِم، كَانَ مِمَّنْ جَمَعَ
الحَدِيْثَ وَالفِقْهَ، ثِقَةٌ.
وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو الحَجَّاجِ: هُوَ مِنْ خُزَيْمَةَ
بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبٍ، وَهُم عَائِذَةُ قُرَيْشٍ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: صَدُوْقٌ، ثِقَةٌ.
وَعَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: وَلِيَ قَضَاءَ
إِرْمِيْنِيَةَ، فَلَمَّا سَارَ إِلَيْهَا، اشْتَكَى
عَيْنَهُ، فَجَعَلَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ مُتَطَبِّبٌ،
فَقَالَ القَاضِي الَّذِي كَانَ بِإِرْمِيْنِيَةَ:
أَكْحِلْهُ بِشَيْءٍ يُذْهِبُ عَيْنَهُ حَتَّى أُعْطِيَكَ
كَذَا وَكَذَا، فَكَحَّلَهُ بِشَيْءٍ، فَذَهَبتْ عَيْنُهُ،
فَرَجَعَ إِلَى الكُوْفَةِ أَعْمَى.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ مَنْجَوَيْه: مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ
وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ
بنُ أَحْمَدَ، قالا: أخبرنا موسى بن الشَّيْخِ عَبْدِ
القَادِرِ الجِيْلِيُّ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ
أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ البُنْدَارُ،
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ
مُسْهِرٍ قَاضِي المَوْصِلِ، عَنْ سَعْدِ بنِ طَارِقٍ،
عَنْ رِبْعِيِّ بنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بنِ
اليَمَانِ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم: "إِنَّ حَوْضِي لأَبْعَدُ مِنْ أَيْلَةَ
وَعَدَنٍ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لآنِيَتُهُ
أَكْثَرُ مِنْ عَدِدِ النُّجُوْمِ، وَهُوَ أَشَدُّ
بَيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ العَسَلِ،
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّيْ لأَذُوْدُ عَنْهُ
الرِّجَالَ، كَمَا يَذُوْدُ الرَّجُلُ الغَرِيْبَةَ مِنَ
الإِبِلِ عَنْ حَوْضِهِ". قَالَ: قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ
اللهِ! وَهَلْ تَعْرِفُنَا يَوْمَئِذٍ? قَالَ: "نَعَمْ،
تَرِدُوْنَ عَلَيَّ غُرّاً مُحَجَّلِيْنَ مِنْ آثَارِ
الوُضُوْءِ، لَيْسَتْ لأَحَدٍ غَيْرِكُم". هَذَا حَدِيْثٌ
صَحِيْحٌ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1، وَابْنُ مَاجَه، عَنْ
عُثْمَانَ، وَهُوَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "248" "38"، وابن ماجه "4302" من طريق
عثمان عن علي بن مسهر، به.
(7/434)
1300- غُنْجَار 1: "خت، ق"
مُحَدِّثُ بُخَارَى، الشَّيْخُ، أَبُو أَحْمَدَ عِيْسَى
بنُ مُوْسَى البُخَارِيُّ، الأَزْرَقُ، غُنْجَارُ. لَهُ
رِحلَةٌ، وَمَعْرِفَةٌ.
حَدَّثَ عَنْ: سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَعِيْسَى بنِ
عُبَيْدٍ الكِنْدِيِّ، وَوَرْقَاءَ بنِ عُمَرَ، وَأَبِي
حَمْزَةَ السُّكَّرِيِّ، وَخَلْقٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: بَحِيْرُ بنُ النَّضْرِ، وَمُحَمَّدُ بنُ
سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ حَمْزَةَ
البُخَارِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أُمَيَّةَ السَّاوِيُّ،
وَمُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الحَاكِمُ: هُوَ إِمَامُ عَصرِه، طَلَبَ الحَدِيْثَ
عَلَى كِبَرِ السِّنِّ، وَرَحَلَ، وَهُوَ فِي نَفْسِهِ
صَدُوْقٌ، تَتَبَّعْتُ رِوَايَاتِهِ عَنِ الثِّقَاتِ،
فَوَجَدْتُهَا مُسْتقِيْمَةً، يَرْوِي عَنْ أَكْثَرَ مِنْ
مائَةِ شَيْخٍ مِنَ المَجْهُوْلِيْنَ.
قُلْتُ: لَهُ حَدِيْثٌ مُعَلَّقٌ فِي "صَحِيْحِ
البُخَارِيِّ"، وَهُوَ: رَوَى عِيْسَى، عَنْ رَقَبَةَ،
عَنْ قَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ فِي: بَدْءِ الخَلْقِ2، وَقَدْ
سَقطَ رَجُلٌ بَيْنَ عِيْسَى وَرَقَبَةَ، وَهُوَ أَبُو
حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ، وَمَا أَدْرَكَ
غنجار رقبة.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "6/ ترجمة 2751"، والجرح
والتعديل "6/ ترجمة 1856"، والأنساب للسمعاني "9/ 176"،
والكاشف "2/ ترجمة 4470"، والعبر "1/ 293"، وميزان
الاعتدال "3/ ترجمة 9614"، وتهذيب التهذيب "8/ 232"،
وتقريب التهذيب "2/ 102"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5604".
2 رواه البخاري "3192" معلقا فقال: وروى عيسى "غنجار" عن
رقبة، عن قَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بنِ شِهَابٍ
قال: سمعت عمر -رضي الله عنه- يقول: قام فينا النبي -صلى
الله عليه وسلم- مقاما، فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل
الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه، ونسيه
من نسيه.
قال الحافظ في "الفتح" "6/ 290": قوله "وروى عيسى -غنجار-
عن رقبة" كذا للأكثر وسقط منه رجل فقال ابن الفلكي: ينبغي
أن يكون بين عيسى ورقبة أبو حمزة، وبذلك جزم أبو مسعود،
وقال الطرقي: سقط أبو حمزة من كتاب الفربري وثبت في رواية
حماد بن شاكر فعنده عن البخاري وروى عيسى بن =
(7/435)
تُوُفِّيَ غُنْجَارُ فِي آخِرِ سَنَةِ
سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: غُنْجَارُ لاَ شَيْءٌ.
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ،
وَفَاطِمَةُ بِنْتُ عَلِيٍّ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ
بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا
ابْنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ المُزَكِّي،
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ حَمْدُوْنَ بنِ رُسْتُمَ، قَالَ:
قُلْتُ بِبَلْخَ لِمُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ البُخَارِيِّ:
حَدَّثَكُم عِيْسَى بنُ مُوْسَى غُنْجَارُ، حَدَّثَنَا
أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ
أَيُّوْبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم: "لاَ يَقُوْلَنَّ أَحَدُكُم لِلْعِنَبِ
الكَرْمَ، فَإِنَّمَا الكَرْمُ قَلْبُ ابْنِ آدَمَ" 1.
فَأَقَرَّ بِهِ، وَقَالَ: نَعَمْ، غَرِيْبٌ، مَا رَوَاهُ
عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَيُّوْبَ، غَيْرُ أَبِي حَمْزَةَ،
وَلاَ عَنْهُ سِوَى غُنْجَارُ. وَقَعَ لَنَا عَالِياً.
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، عَنْ مُحَمَّدِ
بنِ إِبْرَاهِيْمَ الرَّازِيِّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ
بنُ مُحَمَّدٍ المُؤَدِّبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا
غُنْجَارُ.
__________
= أبي حمزة عن رقبة، وكذا قال ابن رميح عن الفربري، قلت:
وبذلك جزم أبو نعيم في "المستخرج" وهو يروي الصحيح عن
الجرجاني عن الفربري، فالاختلاف فيه حينئذ عن الفربري، ثم
رأيته سقط أيضا من رواية النسفي، لكن جعل بين عيسى ورقبة
ضبة، ويغلب على الظن أن أبا حمزة ألحق لي رواية الجرجاني،
وقد وصفوه بقلة الإتقان، وعيسى المذكور هو ابن موسى
البخاري ولقبه غنجار بمعجمة مضمومة ثم نون ساكنة ثم جيم،
وليس له في البخاري إلا هذا الموضع، وقد وصل الحديث
المذكور من طريق عيسى المذكور عن أبي حمزة وهو محمد بن
ميمون السكري عن رقبة الطبراني في مسند رقبة المذكور، وهو
بفتح الراء والقاف والموحدة الخفيفة ابن مصقلة بفتح الميم
وسكون الصاد المهملة وقد تبدل سينا بعدها قاف، ولم ينفرد
به عيسى فقد أخرجه أبو نعيم من طريق علي بن الحسن شقيق عن
أبي حمزة نحوه، لكن بإسناد ضعيف.
1 صحيح: أخرجه الطبراني في "المعجم الصغير" "1/ 77" وقد
تحرف فيه "عيسى بن موسى" إلى "أبو عيسى". وأخرجه البخاري
"6183"، ومسلم "2247" من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: "لا
تقولوا: كرم؛ فإن الكرم قلب المؤمن" وفي لفظ عند مسلم:
"لاَ تُسَمُّوا العِنَبَ الكَرْمَ فَإِنَّ الكَرْمَ
الرَّجُلُ المسلم". وفي لفظ عند مسلم أيضا "2247" "10" من
حديث أبي هريرة مرفوعا: "لا يقولن أحدكم للعنب الكرم، إنما
الكرم الرجل المسلم".
ووقع عند مسلم "2247" "12" من حديث علقمة بن وائل، عن أبيه
مرفوعا بلفظ: لا تقولوا: الكرم، ولكن قولوا: العنب
والحبلة". والحبلة: هي شجر العنب.
(7/436)
1301- عيسى بن
يونس 1: "ع"
ابن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله، الإِمَامُ، القُدْوَةُ،
الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو عَمْرٍو، وَأَبُو مُحَمَّدٍ
الهَمْدَانِيُّ، السَّبِيْعِيُّ، الكُوْفِيُّ، المُرَابِطُ
بِثَغْرِ الحَدَثِ2، أَخُو الحَافِظِ إِسْرَائِيْلَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ غَدِيْرٍ
الطَّائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ،
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلِّمِ، أَخْبَرَنَا
الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ
أَحْمَدَ الغَسَّانِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ
عَلِيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ العُمَرِيُّ بِالمَوْصِلِ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ أَبِي
خِدَاشٍ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، عَنْ مُحَمَّدُ
بنُ عَمْرِوٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَضَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الجَنِيْنِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ،
أَوْ أَمَةٍ، أَوْ فَرَسٍ، أَوْ بغل3. هذا حديث غريب جدًا.
قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ
المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمٌ
المُؤَدِّبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوْذِيُّ،
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، حَدَّثَنَا
أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن جباب، حَدَّثَنِي
عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ
أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "غَيِّرُوا الشَّيْبَ
وَلاَ تَشَبَّهُوا بِاليَهُوْدِ" 4. أَخْرَجَهُ:
النَّسَائِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ خُرَّزَاذَ، عَنْ
أَحْمَدَ بنِ جناب.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 488"، والتاريخ الكبير "6/
ترجمة 2798"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 261"
و"2/ 295" و"3/ 194 و229"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة رقم
1618"، وتاريخ بغداد "11/ 152"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة
261"، والكاشف "2/ ترجمة 4478"، والعبر "1/ 203 و300
و449"، وتهذيب التهذيب "8/ 237"، وتقريب التهذيب "2/ 103"،
وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 5615"، وشذرات الذهب لابن العماد
الحنبلي "1/ 320".
2 ثغر الحدث: قلعة حصينة بين ملطية وسميساط ومرعش من
الثغور الشامية، ويقال لها الحمراء، وقلعتها على جبل يقال
له: الأحيدب.
3 ليس في شيء من دواوين السنة بهذا اللفظ، لكن ورد عن أبي
هريرة أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى، فطرحت
جنينها، فقضى فِيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بغُرة: عبد أو وليدة". أخرجه مالك "2/
855"، ومن طريقه أخرجه أحمد "2/ 236"، والبخاري "5759"
و"6904" ومسلم "1618" "34" والنسائي "8/ 48-49"، والطحاوي
"3/ 205"، والبيهقي "8/ 112-113"، والبغوي "2544" عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أبي هريرة، به.
4 صحيح لغيره أخرجه أحمد "2/ 261 و499"، والترمذي "1752"،
والنسائي "8/ 137" من حديث ابن عمر، به.
وورد عن أبي هريرة: عند أحمد "2/ 240 و401"، وابن أبي شيبة
"8/ 431"، والبخاري "3462" و"5899"، ومسلم "2103"، وأبو
داود "4203"، والنسائي "8/ 137"، والبيهقي "7/ 309".
(7/437)
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَأَخِيْهِ،
وَلَمْ يُدْرِكِ السَّمَاعَ مِنْ جَدِّهِ، كَانَ صَبِيّاً
فِي زَمَانِهِ. وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: سُلَيْمَانَ
التَّيْمِيِّ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَأَبِي حَيَّانَ
التَّيْمِيِّ، وَالجُرَيْرِيِّ، وَزَكَرِيَّا بنِ أَبِي
زَائِدَةَ، وَالأَعْمَشِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي
خَالِدٍ، وَطَلْحَةَ بنِ يَحْيَى، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ
أَبِي سُلَيْمَانَ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي زِيَادٍ
القَدَّاحِ، وَعُمَرَ بنِ سَعِيْدِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ،
وَعَوْفٍ، وَمُجَالِدٍ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ،
وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَعُمَرَ مَوْلَى
غُفْرَةَ، وَحُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، وَهِشَامِ بنِ
حَسَّانٍ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَمَعْمَرٍ،
وَالأَوْزَاعِيِّ، وَشُعْبَةَ، وَمِسْعَرٍ،
وَالثَّوْرِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَكَانَ وَاسِعَ العِلْمِ، كَثِيْرَ الرِّحلَةِ، وَافِرَ
الجَلاَلَةِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: بَقِيَّةُ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَالوَلِيْدُ
بنُ مُسْلِمٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بن عَيَّاشٍ، وَطَائِفَةٌ
مِنْ أَقْرَانِهِ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ -أَحَدُ
شُيُوْخِهِ- وَالحَكَمُ بنُ مُوْسَى، وبشر الحافي، وسليمان
بن بِنْتِ شُرَحْبِيْلَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي
شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه، وَعَلِيُّ بنُ
حُجْرٍ، وَعَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ، وَمُسَدَّدٌ، وَعَمْرٌو
النَّاقِدُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مِهْرَانَ الجَمَّالُ،
وَمُؤَمَّلُ بنُ الفَضْلِ، وَنَصْرُ بنُ عَلِيٍّ
الجَهْضَمِيُّ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَيَزِيْدُ بنُ
مَوْهِبٍ، وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَهِشَامُ بنُ
عَمَّارٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ الحَلَبِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ
جَنَابٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، وَالحَسَنُ
بنُ عَرَفَةَ، وَسَعِيْدُ بنُ يَحْيَى الأُمَوِيُّ،
وَسُفْيَانُ، وَوَكِيْعٌ، وَالنُّفَيْلِيُّ، وَأُمَمٌ
سِوَاهُم.
وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ أَبُوْهُ؛ يُوْنُسُ بنُ أَبِي
إِسْحَاقَ، وَمَاتَ أَبُوْهُ قَبْلَ ابْنِ عَرَفَةَ
بِأَكْثَرَ مِنْ مائَةِ عَامٍ.
وَثَّقَهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَالنَّسَائِيُّ،
وَابْنُ خِرَاشٍ، وَطَائِفَةٌ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ أَصَحُّ حَدِيْثاً مِنْ
أَبِيْهِ. قِيْلَ لَهُ: فَإِسْرَائِيْلُ? قَالَ: مَا
أَقْرَبَهُمَا! وَقَالَ المَرْوَذِيُّ: عَنْ أَحْمَدَ:
ثَبْتٌ، وَكُنَّا نُخَبَّرُ أَنَّهُ سَنَةً فِي الغَزْوِ،
وَسَنَةً فِي الحَجِّ، وَقَدْ قَدِمَ بَغْدَادَ فِي شَيْءٍ
مِنْ أَمْرِ الحُصُوْنِ، فَأُمِرَ لَهُ بِمَالٍ، فَأَبَى
أَنْ يَقْبَلَهُ.
الأَثْرَمُ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: كَانَ عِيْسَى بنُ
يُوْنُسَ يُسْنِدُ حَدِيْثَ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقْبَلُ
الهَدِيَّةَ، وَيُثِيْبُ عَلَيْهَا1. وَالنَّاسُ يرسلونه.
وكذا قال: ابن معين.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "2585"، وأبو داود "3536"، والترمذي
"1953" من طرق عن عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، عَنْ هِشَامٍ،
عَنْ أَبِيْهِ، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: فذكرته.
(7/438)
قَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: سَأَلْتُ
يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، قُلْتُ: فَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ
أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَوْ أَبُو مُعَاوِيَةَ? فَقَالَ:
ثِقَةٌ، وَثِقَةٌ. وَقَالَ حرب بن إسماعيل: سئل علي ابن
المَدِيْنِيِّ عَنْ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، فَقَالَ: بَخٍ
بَخٍ، ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَمَّارٍ: هُوَ أَثْبَتُ مِنْ
إِسْرَائِيْلَ، عِيْسَى حُجَّةٌ.
وَقَالَ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، يَسْكُنُ الثَّغْرَ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ زَارَ ابْنَ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ:
مَرْحَباً بِالفَقِيْهِ ابْنِ الفَقِيْهِ ابْنِ
الفَقِيْهِ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: كَانَ حَافِظاً.
وَقَالَ أَبُو هَمَّامٍ السَّكُوْنِيُّ: حَدَّثَنَا
عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ الثِّقَةُ الرِّضَى.
وَقَالَ ابْنُ رَاهْوَيْه: قُلْتُ لِوَكِيْعٍ: إِنِّيْ
أُرِيْدُ أَنْ أَذهَبَ إِلَى عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ. قَالَ:
تَأَتِي رَجُلاً قَدْ قَهَرَ العِلْمَ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ هَاشِمٍ البَغَوِيُّ: سَمِعْتُ بِشْرَ
بنَ الحَارِثِ يَقُوْلُ: كَانَ عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ
يُعْجِبُهُ خَطِّي، فَكَانَ يَأْخُذُ القِرْطَاسَ،
فَيَقْرَؤُهُ عَلَيَّ. قَالَ: كَتَبتُ مِنْ نُسْخَةِ
قَوْمٍ شَيْئاً لَيْسَ مِنْ حَدِيْثِهِ. قَالَ: كَأَنَّهُم
لَمَّا رَأَوْا إِكْرَامَهُ لِي، أَدْخَلُوا عَلَيْهِ فِي
حَدِيْثِهِ. قَالَ: فَجَعَلَ يَقْرَأُ عَلَيَّ، وَيَضرِبُ
عَلَى تِلْكَ الأَحَادِيْثِ، فَغَمَّنِي ذَلِكَ، فَقَالَ:
لاَ يَغُمُّكَ، لَوْ كَانَ وَاواً، مَا قَدِرُوا أَنْ
يُدْخِلُوْهُ عَلَيَّ، أَوْ قَالَ: لَوْ كَانَ وَاواً
لَعَرَفْتُهُ.
وَرَوَى حَنْبَلٌ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ: أَنَّهُ فَضَّلَ
عِيْسَى بنَ يُوْنُسَ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ بنِ يُوْسُفَ
السَّبِيْعِيِّ، وَقَالَ: لَمْ يَسْمَعْ إِبْرَاهِيْمُ
مِنْ أَبِيْهِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ دَاوُدَ الحُدَّاني: سَمِعْتُ عِيْسَى
بنَ يُوْنُسَ يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ مِنْ أَسْنَانِي -أَوْ
قَالَ: مَنْ أَتْرَابِي- أَبصَرُ بِالنَّحْوِ مِنِّي،
فَدَخَلَنِي مِنْهُ نَخْوَةٌ، فَتَرَكْتُهُ.
قَالَ: وَرَأَيْتُ فَرَجًا خَادِمَ أَمِيْرِ
المُؤْمِنِيْنَ جَاءَ إِلَى عِيْسَى وَهُوَ قَاعِدٌ
بِدَرْبِ الحَدَثِ عَلَى بَابِهِ، فَكَلَّمَه، فَمَا
رَفَعَ بِهِ رَأْساً، وَلاَ نَظَرَ إِلَيْهِ، فَانْصَرَفَ
ذَلِيْلاً.
أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ أَبِي
الرُّطَيْلِ، عَنْ أَبِي بِلاَلٍ الأَشْعَرِيِّ، عَنْ
جَعْفَرٍ البَرْمَكِيِّ، قَالَ: مَا رَأَيْنَا فِي
القُرَّاءِ مِثْلَ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، أَرْسَلَنَا
إِلَيْهِ، فَأَتَانَا بِالرَّقَّةِ، فَاعْتَلَّ قَبَلَ
أَنْ يَرْجِعَ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَمْرٍو! قَدْ
أَمَرْنَا لَكَ بِعَشْرَةِ آلاَفٍ. فَقَالَ: هِيه. قُلْتُ:
خَمْسُوْنَ أَلْفاً. قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيْهَا.
فَقُلْتُ: وَلِمَ؟ وَاللهِ، لأُهَنِّيَنَّكَهَا، هِيَ
-وَاللهِ- مائَةُ أَلْفٍ. قَالَ:
(7/439)
لاَ وَاللهِ، لاَ يَتَحَدَّثُ أَهْلُ
العِلْمِ أَنِّي أَكَلْتُ لِلسُّنَّةِ ثَمَناً، أَلاَ
كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تُرْسِلُوا إِلَيَّ، فَأَمَّا
عَلَى الحَدِيْثِ، فَلاَ، وَلاَ شُربَةَ مَاءٍ، وَلاَ
إِهْلِيْلَجَةً1.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ دَاوُدَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ
عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيَّ يَقُوْلُ لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ:
أَلاَ تَكُوْنُوْنَ مِثْلَ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، كَانَ
إِذَا أَقْبَلَ إِلَى الأَعْمَشِ، وَمَعَهُ الشَّبَابُ
وَالشُّيُوْخُ، يَنْظُرُوْنَ إِلَيْهِ، وَإِلَى هَدْيِهِ
وَسَمْتِهِ.
وَرَوَى مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، عَنْ مُحَمَّدِ بن عبيد،
قال: رأيت أصحاب الأَعْمَشِ الَّذِيْنَ لاَ
يُفَارِقُونَهُ: عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ
عَيَّاشٍ، وَحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ.
الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الحُلْوَانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ
دَاوُدَ، سَمِعْتُ عِيْسَى بنَ يُوْنُسَ يَقُوْلُ:
أَرْبَعُوْنَ حَدِيْثاً حَدَّثَنَا بِهَا الأَعْمَشُ،
فِيْهَا ضَرْبُ الرِّقَابِ، لَمْ يَشْرَكْنِي فِيْهَا
غَيْرُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، وَرُبَّمَا قَالَ لَهُ
الأَعْمَشُ: مَنْ مَعَكَ? فَيَقُوْلُ: عِيْسَى.
فَيَقُوْلُ: ادْخُلاَ، وَأَجِيْفَا البَابَ. وَكَانَ
يَسْأَلُهُ عَنْ حَدِيْثِ الفِتَنِ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ،
قَالَ: مَا أُبَالِي مَنْ خَالَفَنِي فِي الأَوْزَاعِيِّ،
مَا خَلاَ عِيْسَى بنَ يُوْنُسَ، فَإِنِّي رَأَيْتُ
أَخْذَهُ أَخْذاً مُحْكَماً.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ جَناب: غَزَا عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ
خَمْساً وَأَرْبَعِيْنَ غَزْوَةً، وَحجَّ كَذَلِكَ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: رَأَيْتُ عِيْسَى بنَ
يُوْنُسَ عَلَيْهِ قِبَاءٌ مَحْشُوٌّ، وَخُفَّانِ
أَحْمَرَانِ -يَعْنِي: كَانَ بِزِيِّ الأَجْنَادِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ الكِنْدِيُّ: جَاءَ
المَأْمُوْنُ إِلَى عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، فَسَمِعَ
مِنْهُ، فَأَعْطَاهُ عَشْرَةَ آلاَفٍ، فَرَدَّهَا.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ جَنَابٍ، وَسُلَيْمَانُ بنُ عَمْرٍو،
وَعَلِيُّ بنُ بَحْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ: مَاتَ
سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ. وَقَالَ المَدَائِنِيُّ،
وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَالدَّانِيُّ، وَمُحَمَّدُ
بنُ مُصَفَّى: سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ.
زَادَ ابن مصفى: في نصف شعبان.
__________
1 الإهليلج: عقير من الأدوية معروف، وهو معرب.
(7/440)
1302- أبو بكر
بن عياش 1: "خ، 4"
ابن سالم الأسدي، الكُوْفِيُّ، الحَنَّاطُ -بِالنُّوْنَ-
المُقْرِئُ، الفَقِيْهُ، المُحَدِّثُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ،
وَبَقِيَّةُ الأَعْلاَمِ، مَوْلَى وَاصِلٍ الأَحْدَبِ.
وَفِي اسْمِهِ أَقْوَالٌ: أَشهَرُهَا شُعْبَةُ، فَإِنَّ
أَبَا هَاشِمٍ الرِّفَاعِيَّ، وَحُسَيْنَ بنَ عَبْدِ
الأَوَّلِ، سَأَلاَهُ عَنِ اسْمِهِ. فَقَالَ شُعْبَةُ:
وَسَأَلَه يَحْيَى بنُ آدَمَ، وَغَيْرُهُ عَنِ اسْمِهِ،
فَقَالَ: اسْمِي كُنْيَتِي. وَأَمَّا النَّسَائِيُّ،
فَقَالَ: اسْمُهُ مُحَمَّدٌ. وَقِيْلَ: اسْمُهُ مُطَرِّفٌ.
وَقِيْلَ: رُؤْبَةُ. وَقِيْلَ: عَتِيْقٌ. وَقِيْلَ:
سَالِمٌ. وَقِيْلَ: أَحْمَدُ، وَعَنْتَرَةُ، وَقَاسِمٌ،
وَحُسَيْنٌ، وَعَطَاءٌ، وَحَمَّادٌ، وَعَبْدُ اللهِ.
قَالَ هَارُوْنُ بنُ حَاتِمٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ:
وُلِدْتُ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ.
قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ القُرْآنَ، وَجَوَّدَهُ ثَلاَثَ
مَرَّاتٍ عَلَى: عَاصِم بنِ أَبِي النَّجُوْدِ. وَعَرَضَه
أَيْضاً -فِيْمَا بَلَغَنَا- عَنْ عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ،
وَأَسْلَمَ المِنْقري.
وَحَدَّثَ عَنْ: عَاصِمٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ
السَّبِيْعِيِّ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ،
وَإِسْمَاعِيْلَ السُّدِّيِّ، وَصَالِحٍ مَوْلَى عَمْرِو
بنِ حريث حدثه، عن أَبِي هُرَيْرَةَ، وَحُصَيْنِ بنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبِي حُصَيْنٍ عُثْمَانَ بنِ
عَاصِمٍ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَالأَعْمَشِ، وَهِشَامِ
بنِ حَسَّانٍ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ،
وَمُغِيْرَةَ بنِ مِقْسَمٍ، وَمُطَرِّفِ بنِ طَرِيْفٍ،
وَيَحْيَى بنِ هَانِئٍ المُرَادِيِّ، وَدَهْثَمَ بنِ
قُرَّانَ، وَسُفْيَانَ التَّمَّارِ، وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي
ثَابِتٍ -وَهُوَ مِنْ كِبَارِ شُيُوْخِه- وَعَبْدِ
العَزِيْزِ بنِ رُفَيْعٍ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ،
وَخَلْقٍ سِوَاهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَالكَسَائِيُّ،
وَوَكِيْعٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ،
وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَإِسْحَاقُ
بنُ رَاهْوَيْه، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شيبة، وَأَبُو
كُرَيْبٍ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ،
وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَأَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ،
وَيَحْيَى الحِمَّانِيُّ، وَهَنَّادُ بنُ السَّرِيِّ،
وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، آخِرُهُم مَوْتاً: أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ
الجَبَّارِ العُطاردي.
وَتَلاَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، مِنْهُم: أَبُو الحَسَنِ
الكَسَائِيُّ -وَمَاتَ قَبْلَه- وَيَحْيَى العُلَيْمِيُّ،
وَأَبُو يُوْسُفَ الأَعْشَى، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ
صَالِحٍ البُرْجُمِيُّ، وَعُرْوَةُ بنُ مُحَمَّدٍ
الأَسَدِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَمَّادٍ.
وَأَخَذَ عَنْهُ الحروف تحريرًا وإتقانًا: يحيى بن آدم.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "9/ ترجمة 100"، والمعرفة
والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 150 و182" و"2/ 172"، وحلية
الأولياء "8/ ترجمة 421"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 250"،
وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 10016"، وتهذيب التهذيب "12/
34"، وشذرات الذهب لابن العماد "1/ 334".
(7/441)
ذَكَرَهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَقَالَ:
ثِقَةٌ، رُبَّمَا غَلِطَ، صَاحِبُ قُرْآنٍ وَخَيْرٍ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ صَالِحٍ
الأَنْمَاطِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ
يَقُوْلُ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ، أَلْقَاهُ إِلَى
جِبْرِيْلَ، وَأَلْقَاهُ جِبْرِيْلُ إِلَى مُحَمَّدٍ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُ بَدَأَ،
وَإِلَيْهِ يَعُوْدُ.
وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَسرَعَ
إِلَى السُّنَّةِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: إِنَّهُ صَدُوْقٌ وَلَهُ
أَوهَامٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ لاَ
يَعْبَأُ بِأَبِي بَكْرٍ، وَإِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ، كَلَحَ
وَجْهُهُ.
وَرَوَى مُهَنَّا بنُ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بنِ
حَنْبَلٍ، قَالَ: أَبُو بَكْرٍ كَثِيْرُ الغَلَطِ جِدّاً،
وكتبه ليس فيها خطأ.
قال علي بن المَدِيْنِيِّ: سَمِعْتُ يَحْيَى القَطَّانَ
يَقُوْلُ: لَوْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ بَيْنَ
يَدِيَّ، مَا سَأَلتُهُ عَنْ شَيْءٍ، ثُمَّ قَالَ:
إِسْرَائِيْلُ فَوْقَهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ: أَبُو
بَكْرٍ ضَعِيْفٌ فِي الأَعْمَشِ، وَغَيْرِهِ.
وَقَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ: أَبُو بَكْرٍ،
وَأَخُوْهُ حَسَنٌ: لَيْسَا بِذَاكَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ أَبِي
بَكْرٍ، وَأَبِي الأَحْوَصِ، فَقَالَ: مَا أَقْرَبَهُمَا،
لاَ أُبَالِي بِأَيِّهِمَا بَدَأْتُ. وَقَالَ أَبِي: أَبُو
بَكْرٍ وَشَرِيْكٌ فِي الحِفظِ سَوَاءٌ، غَيْرَ أَنَّ
أَبَا بَكْرٍ أَصَحُّ كِتَاباً.
وَقَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ
يَقُوْلُ: سَخَاءُ الحَدِيْثِ كَسَخَاءِ المَالِ.
قُلْتُ: فَأَمَّا حَالُهُ فِي القِرَاءةِ، فَقَيِّمٌ
بِحَرفِ عَاصِمٍ، وَقَدْ خَالَفَه حَفْصٌ فِي أَزْيَدَ
مِنْ خَمْسِ مائَةِ حَرْفٍ، وَحَفْصٌ أَيْضاً حُجَّةٌ فِي
القِرَاءةً، لَيِّنٌ فِي الحَدِيْثِ.
وَقَدْ وَقَعَ لِي حَدِيْثُ أَبِي بَكْرٍ عَالِياً،
فَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، وَالخَضِرُ بنُ
عَبْدِ اللهِ بنِ حَمُّوَيْه، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي
عَصْرُوْنَ، عَنْ أَبِي الفَرَجِ بنِ كُلَيْبٍ،
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ بَيَانٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ
بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو
بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ
البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُه،
فَأَحْرَمْنَا بِالحَجِّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ،
قَالَ: "اجْعَلُوا حَجَّكُمْ عُمْرَةً". فَقَالَ النَّاسُ:
يَا رَسُوْلَ اللهِ! فَكَيْفَ نَجْعَلُهَا عُمْرَةً،
وَقَدْ أَحْرَمْنَا بِالحَجِّ? قَالَ: "انْظُرُوا الَّذِي
آمُرُكُمْ بِهِ، فَافْعَلُوا". فَرَدُّوا عَلَيْهِ
القَوْلَ، فَغَضِبَ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى
عَائِشَةَ غَضْبَانَ، فَرَأَتِ الغَضَبَ فِي وَجْهِه،
(7/442)
فَقَالَتْ: مَنْ أَغْضَبَكَ؟ أَغْضَبهُ
اللهُ. قَالَ: "وَمَا لِيَ لاَ أَغْضَبُ، وَأَنَا آمُرُ
بِالأَمْرِ، فَلاَ أُتَّبَعُ". هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ
مِنَ العَوَالِي، يَرْوِيْهِ: عدة في وقتنا، عن النحيب،
وَابْنِ عَبْد الدَّائِمِ، بِسَمَاعِهِمَا مِنِ ابْنِ
كُلَيْبٍ. أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَه1، عَنِ الثِّقَةِ، عَنْ
أَبِي بَكْرٍ.
قَالَ عُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: أَحْضَرَ هَارُوْنُ
الرَّشِيْدُ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ مِنَ الكُوْفَةِ،
فَجَاءَ وَمَعَهُ وَكِيْعٌ، فَدَخَلَ وَوَكِيْعٌ
يَقُودُهُ، فَأَدنَاهُ الرَّشِيْدُ، وَقَالَ لَهُ: قَدْ
أَدْرَكتَ أَيَّامَ بَنِي أُمَيَّةَ وَأَيَّامَنَا،
فَأَيُّنَا خَيْرٌ? قَالَ: أَنْتُم أَقْوَمُ بِالصَّلاَةِ،
وَأُوْلَئِكَ كَانُوا أَنْفَعَ لِلنَّاسِ. قَالَ:
فَأَجَازَهُ الرَّشِيْدُ بِسِتَّةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ،
وَصَرَفَهُ، وَأَجَازَ وَكِيْعاً بِثَلاَثَةِ آلاَفِ.
رَوَاهَا مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ، عن أبيه.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بنُ سَعِيْدٍ
المَرْوَزِيُّ -وَكَانَ ثِقَةً- قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا
بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ، فَقُلْتُ: قَدْ بَلَغَكَ مَا كَانَ
مِنْ أَمْرِ ابْنِ عُلَيَّةَ فِي القُرْآنِ. قَالَ:
وَيْلَكَ! مَنْ زَعَمَ أَنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ
عِنْدَنَا كَافِرٌ زِنْدِيقٌ، عَدُوُّ اللهِ، لاَ
نُجَالِسُهُ، وَلاَ نُكَلِّمُهُ.
رَوَى يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ
النَّخَعِيِّ، قَالَ: لَمْ يُفْرَشْ لأَبِي بَكْرٍ بنِ
عَيَّاشٍ فِرَاشٌ خَمْسِيْنَ سَنَةً.
ابْنُ أَبِي شَيْخٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ،
قَالَ: زَامَلْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ إِلَى
مَكَّةَ، فَمَا رَأَيْتُ أَوْرَعَ مِنْهُ، لَقَدْ أَهْدَى
لَهُ رَجُلٌ رُطَباً، فَبَلَغَهُ أَنَّهُ مِنْ بُستَانٍ
أُخِذَ مِنْ خَالِدِ بنِ سَلَمَةَ المَخْزُوْمِيِّ،
فَأَتَى آلَ خَالِدٍ، فَاسْتَحَلَّهُم، وَتَصَدَّقَ
بِثَمَنِهِ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ المُعَيْطِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا
بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ بِمَكَّةَ، جَاءهُ سُفْيَانُ بنُ
عُيَيْنَةَ، فَبَرَكَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَجَاءَ رَجُلٌ
يَسْأَلُ سُفْيَانَ عَنْ حَدِيْثٍ، فَقَالَ: لاَ
تَسْأَلْنِي عَنْ حَدِيْثٍ مَا دَامَ هَذَا الشَّيْخُ
قَاعِداً. رَوَاهَا: يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ، عَنِ
المُعَيْطِيِّ، وَقَالَ: فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يَقُوْلُ:
يَا سُفْيَانُ! كَيْفَ أَنْتَ، وَكَيْفَ عَائِلَةُ
أَبِيْكَ?
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ
يَقُوْلُ: قَالَ لِي عَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ:
حَدِّثْنِي. وَكُنْتُ أُحَدِّثُ أَبَا إِسْحَاقَ
السَّبِيْعِيَّ، فَيَستَمِعُ إليَّ، وَكُنْتُ أُحَدِّثُ
الأَعْمَشَ، فَيَستَعِيْدُنِي.
قَالَ أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ
يَقُوْلُ: أنا أكبر من سفيان الثوري بسنتين.
وَقَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: أَبُو بَكْرٍ أَكْبَرُ
مني بعشر سنين.
__________
1 ضعيف: أخرجه أحمد "4/ 286"، وابن ماجه "2982" من طريق
أبي بكر بن عياش، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته أبو إسحاق عمرو بن عبد الله
السبيعي، اختلط بآخره كما أنه مشهور بالتدليس، وقد عنعنه.
(7/443)
وَقَالَ الأَخْنَسِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا
بَكْرٍ يَقُوْلُ: وَاللهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَداً
يَطْلُبُ الحَدِيْثَ بِمَكَانَ كَذَا وَكَذَا، لأَتَيْتُ
مَنْزِلَهُ حَتَّى أُحَدِّثُه.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى بنِ الطَّبَّاعِ، قَالَ:
شَهِدَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ عِنْد شَرِيْكٍ،
فَكَأَنَّهُ رَأَى مِنْ شَرِيْكٍ اسْتِخْفَافاً، فَقَالَ:
أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُوْنَ جَبَّاراً. قَالَ: فَقَالَ
شَرِيْكٌ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ هَذَا الحَنَّاطَ
هَكَذَا أَحْمَقُ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ: كُنْتُ عِنْدَ
الثَّوْرِيِّ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ
غَائِباً، فَجَاءهُ أَخُوْهُ الحَسَنُ بنُ عَيَّاشٍ،
فَقَالَ سُفْيَانُ: أَيْش حَالُ شُعْبَةَ، قَدِمَ بَعْدُ?
يَعْنِي أَخَاهُ.
وَقَالَ بِشْرٌ الحَافِي: قَالَ عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ:
سَأَلْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ عَنِ الحَدِيْثِ،
فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ تُحَدِّثَ، فَلَسْتَ
بِأَهْلٍ أَنْ تُؤْتَى، وَإِنْ كُنْتَ تَكرَهُ أَنْ
تُؤْتَى، فَبِالحَرِيِّ أَنْ تَنْجُوَ.
قَالَ يَعْقُوْبُ الفَسَوِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ
يُوْنُسَ -وَذَكَرُوا لَهُ حَدِيْثاً أَنْكَرُوهُ مِنْ
حَدِيْثِ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ- فَقَالَ: كَانَ
الأَعْمَشُ يَضرِبُ هَؤُلاَءِ وَيَشْتِمُهُم
وَيَطْرُدُهُم، وَكَانَ يأخذ بيد أن أَبِي بَكْرٍ،
فَيَجْلِسُ مَعَهُ فِي زَاوِيَةٍ لِحَالِ القُرْآنِ.
وَقَالَ أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ
بنُ عَيَّاشٍ لِلْحَسَنِ بنِ الحَسَنِ بِالمَدِيْنَةِ: مَا
أَبقَتِ الفِتْنَةُ مِنْكَ? فَقَالَ: وَأَيُّ فِتْنَةٍ
رَأَيْتَنِي فِيْهَا? قَالَ: رَأَيْتُهُم يُقَبِّلُوْنَ
يَدَكَ وَلاَ تَمنَعُهُم.
أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ
عَيَّاشٍ يَقُوْلُ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيْقُ خَلِيْفَةِ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في
نَصِّ القُرْآنِ، لأَنَّ اللهَ -تَعَالَى- يَقُوْلُ:
{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ
دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ
اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحَشْرُ: 8] . قَالَ:
فَمَنْ سَمَّاهُ اللهُ صَادِقاً، فَلَيْسَ يَكْذِبُ، هُم
قَالُوا: يَا خَلِيْفَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ الحَافِظُ: كَانَ أَبُو
بَكْرٍ مَعْرُوْفاً بِالصَّلاَحِ البَارِعِ، وَكَانَ لَهُ
فِقْهٌ، وَعِلْمُ الأَخْبَارِ، وَفِي حَدِيْثِهِ
اضْطِرَابٌ.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الفَضْلُ بنُ دُكَيْنٍ: لَمْ
يَكُنْ فِي شُيُوْخِنَا أَحَدٌ أَكْثَرُ غَلَطاً مِنْ
أَبِي بَكْرٍ.
وَقَالَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ بن
عياش فَاضِلاً، لَمْ يَضَعْ جَنْبَهُ عَلَى الأَرْضِ
أَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ الحِمَّانِيُّ:
حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: جِئْتُ
لَيْلَةً إِلَى زَمْزَمَ، فَاسْتَقَيْتُ مِنْهُ دَلْواً
لَبَناً وعسلا.
(7/444)
قَالَ أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ:
سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ يَقُوْلُ: الخَلْقُ أَرْبَعَةٌ:
مَعْذُورٌ، وَمَخْبُورٌ، وَمَجْبُورٌ، وَمَثْبُورٌ،
فالمعذور: البهائم، وَالمَخْبُورُ: ابْنُ آدَمَ،
وَالمَجْبُورُ: المَلِكُ، وَالمَثْبُورُ: الجِنُّ.
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، قَالَ: أَدْنَى نفع
السُّكُوتِ السَّلاَمَةُ، وَكَفَى بِهِ عَافِيَةً،
وَأَدْنَى ضَرَرِ المَنْطِقِ الشُّهرَةُ، وَكَفَى بِهَا
بَلِيَّةً.
رَوَى عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، عَنْ يَحْيَى
بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: الحَسَنُ بنُ عَيَّاشٍ، وَأَخُوْهُ
أَبُو بَكْرٍ: ثِقَتَانِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ يَزِيْدَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ
عَيَّاشٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ الأَعْمَشَ يَقُوْلُ
لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ إِذَا حَدَّثَ بِثَلاَثَةِ
أَحَادِيْثَ: قَدْ جَاءكُمُ السَّيْلُ، وَأَنَا اليَوْمَ
مِثْلُ الأَعْمَشِ.
فَقُلْتُ: مَنْ فَوَائِدِ أَبِي عَمْرٍو أَحْمَدَ بنِ
مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُوْرِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو تُرَابٍ
مُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدَ بنَ
عَبْدِ اللهِ الكُوْفِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ فِي سِكَّةِ
أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ كَلْبٌ، إِذَا رَأَى صَاحِبَ
مِحْبَرَةٍ، حَمَلَ عَلَيْهِ، فَأَطْعَمَهُ أَصْحَابُ
الحَدِيْثِ شَيْئاً، فَقَتَلُوْهُ. فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ،
فَلَمَّا رَآهُ مَيْتاً، قَالَ: إِنَّا للهِ، ذَهَبَ
الَّذِي كَانَ يَأْمُرُ بِالمَعْرُوْفِ، وَيَنْهَى عَنِ
المُنْكَرِ.
قَالَ يَحْيَى بنُ آدَمَ: قَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ:
تَعَلَّمْتُ مِنْ عَاصِمٍ القُرْآنَ، كَمَا يَتَعَلَّمُ
الصَّبِيُّ مِنَ المُعَلِّمِ، فَلَقِيَ مِنِّي شِدَّةً،
فَمَا أُحْسِنُ غَيْرَ قِرَاءتِهِ، وَهَذَا الَّذِي
أُحَدِّثُكَ بِهِ مِنَ القِرَاءاتِ إِنَّمَا تَعَلَّمْتُهُ
مِنْ عَاصِمٍ تَعَلُّماً.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: أَتَيْتُ
عَاصِماً وَأَنَا حَدَثٌ.
وَقَالَ هَارُوْنُ بنُ حَاتِمٍ: سَمِعْتُ رَجُلاً أَنَّهُ
سَأَل أَبَا بَكْرٍ: أَقَرَأْتَ عَلَى أَحَدٍ غَيْرِ
عَاصِمٍ? قَالَ: نَعَمْ، عَلَى: عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ،
وَأَسْلَمَ المِنْقَرِيِّ.
هَذَا إِسْنَادٌ لَمْ يَصِحَّ.
قَالَ يَحْيَى بنُ آدَمَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ،
قَالَ: تَعَلَّمْتُ القُرْآنَ مِنْ عَاصِمٍ خَمْساً
خَمْساً، وَلَمْ أَتَعَلَّمْ مِنْ غَيْرِهِ، وَلاَ
قَرَأْتُ عَلَى غَيْرِهِ.
يَحْيَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: اخْتَلَفْتُ إِلَى
عَاصِمٍ نَحْواً مِنْ ثَلاَثِ سِنِيْنَ، فِي الحَرِّ
وَالشِّتَاءِ وَالمَطَرِ، حَتَّى رُبَّمَا اسْتَحْيَيْتُ
مِنْ أَهْلِ مَسْجِدِ بَنِي كَاهِلٍ.
وَقَالَ لِي عَاصِمٌ: احْمَدِ اللهَ -تَعَالَى- فَإِنَّكَ
جِئْتَ وَمَا تُحْسِنُ شَيْئاً. فَقُلْتُ: إِنَّمَا
خَرَجْتُ مِنَ المَكْتَبِ، ثُمَّ جِئْتُ إليك.
(7/445)
قَالَ: فَلَقَدْ فَارَقتُ عَاصِماً وَمَا
أُسقِطَ مِنَ القُرْآنِ حَرفاً.
قَالَ عُبَيْدُ بنُ يَعِيْشَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ
يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَقرَأَ مِنْ عَاصِمٍ،
فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَفْقَهَ
مِنَ المُغِيْرَةِ1، فَلَزِمْتُهُ.
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، قَالَ: الدُّخُولُ فِي
العِلْمِ سَهْلٌ، لَكِنَّ الخُرُوْجَ مِنْهُ إِلَى اللهِ
شَدِيْدٌ.
وَعَنْ بِشْرِ بنِ الحَارِثِ سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ بنَ
عَيَّاشٍ يَقُوْلُ: يَا مَلَكَيَّ ادْعُوَا اللهَ لِي،
فَإِنَّكُمَا أَطْوَعُ للهِ مِنِّي.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وُجُوْهٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَنَّ أَبَا
بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ مَكَثَ نَحْواً مِنْ أَرْبَعِيْنَ
سَنَةً يَخْتِمُ القُرْآنَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ
مَرَّةً.
وَهَذِهِ عِبَادَةٌ يُخْضَعُ لَهَا، وَلَكِنْ مُتَابَعَةُ
السُّنَّةِ أَوْلَى، فَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَبْدَ اللهِ
بنَ عَمْرٍو أَنْ يَقْرَأَ القُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ
ثَلاَثٍ2، وَقَالَ -عَلَيْهِ السلام: "لم يفقه مَنْ قَرَأَ
القُرْآنَ فِي أَقلَّ مِنْ ثَلاَثٍ" 3.
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ بنُ مَسْرُوْقٍ: حدثنا يحيى
الحمَّاني، قال: لما حَضَرَتْ أَبَا بَكْرٍ الوَفَاةُ،
بَكَتْ أُخْتُهُ، فَقَالَ لَهَا: مَا يُبْكِيْكِ? انْظُرِي
إِلَى تِلكَ الزَّاوِيَةِ، فَقَدْ خَتَمَ أَخُوْكِ فِيْهَا
ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ ختمة.
__________
1 هو: المُغِيْرَةِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ
بنِ هشام بن المغيرة المخزومي، أبو هاشم، ويقال أبو هشام
المدني، ذَكَرَهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَةِ
الثَّانِيَة مِنْ أهل المدينة، كان ثقة قليل الحديث.
2 صحيح: أخرجه أحمد "2/ 158"، والبخاري "5052"، ومسلم
"1159" "182"، والنسائي "4/ 210"، والبيهقي في "السنن" "2/
396" من طرق عن عبد الله بن عمرو في حديث طويل مرفوعا،
وفيه: "واقرأ القرآن في كل شهر". قال: قلت: يا نبي الله
إني أطيق أفضل من ذلك. قال: "فاقرأه في كل عشرين". قال:
قلت: يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك. قال: "فاقرأه في
كل عشر". قال قلت: يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك. قال:
"فاقرأه في كل سبع، ولا تزد على ذلك، فإن لزوجك عليك حقا
ولزورك عليك حقا، ولجسدك عليك حقا". قال: فشددت فشدد علي.
قال: وقال لي النبي -صلى الله عليه وسلم: "إنك لا تدري
لعلك يطول بك عمر". واللفظ لمسلم. وأخرجه مسلم "1159"
"184" عن عبد الله بن عمرو مثله.
3 صحيح: على شرطهما: أخرجه أحمد "2/ 164 و189 و195"، وأبو
داود "1390"، والترمذي "2949"، وابن ماجة "1347" من طريق
قتادة، عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله، عَبْدِ اللهِ بنِ
عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم. فذكره.
(7/446)
قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ لِي
أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: رَأَيْتُ الدُّنْيَا فِي
النَّوْمِ عَجُوْزاً مُشَوَّهَةً.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ
عُبَيْدٍ القُرَشِيِّ -وَهُوَ وَالِدُهُ، إِنْ شَاءَ
اللهُ- قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: وَدِدْتُ
أَنَّهُ صُفِحَ لِي عَمَّا كَانَ مِنِّي فِي الشَّبَابِ،
وَأَنَّ يَدَيَّ قُطِعَتَا.
سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَنِ القُرْآنِ، فَقَالَ: هُوَ
كَلاَمُ اللهِ، غَيْرُ مَخْلُوْقٍ.
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: إِمَامُنَا1 يَهْمِزُ
"مُؤْصَدَةً"، فَأَشْتَهِي أَنْ أَسُدَّ أُذُنَيَّ إِذَا
هَمَزَهَا.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ: قُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ بنِ
عَيَّاشٍ: لِي جَارٌ رَافِضِيٌّ قَدْ مَرِضَ. قَالَ:
عُدْهُ مِثْلَ مَا تَعُوْدُ اليَهُوْدِيَّ،
وَالنَّصْرَانِيَّ، لاَ تَنْوِي فِيْهِ الأَجْرَ.
قَالَ يُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ الصفَّار: سَمِعْتُ أَبَا
بَكْرٍ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ،
وَأَخَذْتُ رِزْقَ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ،
وَمَكَثْتُ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ، مَا شَرِبتُ مَاءً، مَا
أَشْرَبُ إِلاَّ النَّبِيْذَ.
قُلْتُ: النَّبِيْذُ الَّذِي هُوَ نَقِيْعُ التَّمْرِ،
وَنَقِيْعُ الزبيب، ونحو ذلك، وَالفُقَاعُ، حَلاَلٌ
شُرْبُهُ، وَأَمَّا نَبِيْذَ الكُوْفِيِّيْنَ الَّذِي
يُسْكِرُ كَثِيْرُهُ، فَحَرَامٌ الإِكْثَارُ مِنْهُ عِنْدَ
الحَنَفِيَّةِ، وسائر العلماء، وكذلك يحرم يسيره عنه
الجُمْهُوْرِ، وَيَتَرَخَّصُ فِيْهِ الكُوْفِيُّوْنَ،
وَفِي تَحْرِيْمِهِ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ.
وَكَانَ الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ قَدْ قَطَعَ الإِقْرَاءَ
قَبْلَ مَوْتِهِ بِنَحْوٍ مِنْ عِشْرِيْنَ سَنَةً، ثُمَّ
كَانَ يَرْوِي الحُرُوْفَ، فَقَيَّدَهَا عَنْهُ يَحْيَى
بنُ آدَمَ عَالِمُ الكُوْفَةِ، وَاشْتُهِرَتْ قِرَاءةُ
عَاصِمٍ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَتَلَقَّتْهَا الأُمَّةُ
بِالقَبُولِ، وَتَلَقَّاهَا أَهْلُ العِرَاقِ.
وَأَمَّا الحَدِيْثُ: فَيَأْتِي أَبُو بَكْرٍ فِيْهِ
بِغَرَائِبَ وَمَنَاكِيْرَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: ذَكَرتُ لِعَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ: حَدِيْثَ أَبِي بَكْرٍ بنِ
عَيَّاشٍ، عَنْ مَنْصُوْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ سَعِيْدِ
بنِ المُسَيِّبِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لاَ تُقْطَعُ
الخَمْسُ إِلاَّ فِي خَمْسٍ. وَحَدِيْثَ مُطَرِّفٍ، عَنِ
الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ: لاَ يرث قاتل خطاء
وَلاَ عَمْداً، حَدَّثَ بِهِمَا أَبُو بَكْرٍ،
فَأَيُّهُمَا أَنْكَرُ عِنْدَكَ? -وَكَانَ حَدِيْثُ
مُطَرِّفٍ عِنْدِي أَنْكَرُ- فَقَالَ: حَدِيْثُ
مَنْصُوْرٍ. ثُمَّ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَدْ
سَمِعْتُهُمَا مِنْهُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يُوْنُسَ: حَدَّثَنَا
أَبُو بكر، عن هشام، عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ أَهْلَهُ، فَرَأَى مَا
بِهِم مِنَ الخَصَاصَةِ، فَخَرَجَ إِلَى البَرِّيَّةِ،
فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مَا
يُعْتَجَنُ وَيُخْتَبَزُ. قَالَ: فَإِذَا الجَفْنَةُ
مَلأَى عَجِيْناً، وإذا الرحى تطحن، وإذا التنور
__________
1 هو: عاصم بن بهدلة، وهو ابن أبي النجود، أحد القراء
السبعة. وهو إمامه في القراءة.
(7/447)
مَلأَى جنُوبَ شِوَاءٍ. فَجَاءَ زَوجُهَا،
فَقَالَ: عِنْدَكُم شَيْءٌ? قَالَتْ: نَعَمْ، رِزْقُ
اللهِ. فَجَاءَ، فَكَنَسَ مَا حَوْلَ الرَّحَى، فَذُكِرَ
ذَلِكَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "لَوْ تَرَكَهَا لَدَارَتْ -أَوْ:
لَطَحَنَتْ- إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ"1. فَهَذَا حَدِيْثٌ
مُنْكَرٌ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ
يُنْكِرُ: حَدِيْثَ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ. قَالَ:
ذُكِرَ عِنْدَ ابْنِ مَسْعُوْدٍ امْرَأَةٌ، فَقَالُوا:
إِنَّهَا تَغْتَسِلُ ثُمَّ تَتَوَضَّأُ. فَقَالَ: أَمَّا
إِنَّهَا لَوْ كَانَتْ عِنْدِي لَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ.
قَالَ أَحْمَدُ: نَرَاهُ وَهِمَ أَبُو بَكْرٍ، وَإِنَّمَا
هَذَا يَرْوِيْهِ الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ
عَلْقَمَةَ.
الحَسَنُ بنُ عُلَيْلٍ العَنَزِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بنُ إِسْمَاعِيْلَ القُرَشِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ
عَيَّاشٍ، قَالَ: قَالَ لِي الرَّشِيْدُ: كَيْفَ
اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ? قُلْتُ:
يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! سَكَتَ اللهُ، وَسَكَتَ
رَسُوْلُهُ، وَسَكَتَ المُؤْمِنُوْنَ. فَقَالَ: وَاللهِ
مَا زِدْتَنِي إِلاَّ عَمَىً. قُلْتُ: مَرِضَ رَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَمَانِيَةَ
أَيَّامٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ بِلاَلٌ فَقَالَ: "مُرُوا
أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ". فَصَلَّى بِالنَّاسِ
ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ وَالوَحْيُ يَنْزِلُ، فَسَكَتَ
رَسُوْلُ اللهِ لِسُكُوتِ اللهِ، وَسَكَتَ المُؤْمِنُوْنَ
لِسُكُوتِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ: بَارَكَ اللهُ
فِيْكَ.
زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ
الجَبَّارِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ،
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي بَكْرٍ بن عياش، قال:
طلب الرشيد أبي، فَمَضَى إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّ أَبَا
مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنِي بِحَدِيْثٍ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "يَكُوْنُ
قَوْمٌ بَعْدِي يُنْبَزُوْنَ بِالرَّافِضَّةِ،
فَاقْتُلُوْهُم، فَإِنَّهُم مُشْرِكُوْنَ"، فَوَاللهِ
لَئِنْ كَانَ الحَدِيْثُ حَقّاً، لأَقْتُلَنَّهُم.
فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ، خِفْتُ، وَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ
المُؤْمِنِيْنَ! لَئِنْ كَانَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُم
لَيُحِبُّونَكُم أَشَدَّ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، وَهُمْ
إِلَيْكُم أَمْيَلُ. قَالَ: فَسُرِّيَ عَنْهُ، وَأَمَرَ
لِي بِأَرْبَعِ بِدَرٍ، فَأَخَذْتُهَا.
قُلْتُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ: مَجْهُوْلٌ.
قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ: قَدِمَ جَرِيْرُ بنُ
عَبْدِ الحَمِيْدِ، فَأُخْلِيَ لَهُ مَجْلِسُ أَبِي بَكْرٍ
بنِ عَيَّاشٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللهِ لأُخْرِجَنَّ
غَداً مِنْ رِجَالِي رَجُلَينِ، لاَ يَبْقَى عِنْدَ
جَرِيْرٍ أَحَدٌ. قَالَ: فَأَخْرَجَ أَبَا إِسْحَاقَ
السبيعي، وأبا حصين.
__________
1 منكر: أخرجه العقيلي في "الضعفاء الكبير" "2/ 189" من
طريق العباس بن الفضل الأسفاطي، قال حدثنا أحمد بن يونس،
به.
وقال العقيلي في إثره: يروي أبو بكر عن البصريين عن حميد
وهشام غير حديث منكر.
وذكر الحديث الحافظ الذهبي في ترجمة أبي بكر بن عياش "4/
500" وعدَّهُ من جملة منكراته.
(7/448)
الأَحْمَسِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً
أَحْسَنَ صَلاَةً مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ.
قَالَ نُعيم بنُ حَمَّاد: كَانَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ
يَبْزُقُ فِي وُجُوْهِ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ.
وَقَدِ اعْتَنَى أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ بِأَمرِ أَبِي
بَكْرٍ، وَقَالَ: لَمْ أَرَ لَهُ حَدِيْثاً مُنْكَراً مِنْ
رِوَايَةِ ثِقَةٍ عَنْهُ.
قَالَ يُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ الصَّفَّارُ، وَغَيْرُهُ،
وَيَحْيَى بنُ آدَمَ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَاتَ
أَبُو بَكْرٍ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
قُلْتُ: عَاشَ سِتّاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
أَخْبَرَنَا ابْنُ قَوَامٍ، وَجَمَاعَةٌ قَالُوا:
أَخْبَرَنَا، ابْنُ الزُّبَيْدِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو
الوَقْتِ، أخبرنا الداودي، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَمُّوَيْه،
أَخْبَرَنَا الفِرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا البُخَارِيُّ،
حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ رَاشِدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ
عبد الله، حدثنا أبو بَكْرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ،
سَمِعَهُ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "إِذَا كَانَ يَوْمُ
القِيَامَةِ، شَفِعْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ! أَدْخِلِ
الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ خَرْدَلَةٌ،
فَيَدْخُلُوْنَ، ثُمَّ أَقُوْلُ: يَا رَبِّ! أَدْخِلِ
الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى شَيْءٍ" 1.
فَقَالَ أَنَسٌ: كَأَنِّيْ أَنْظُرُ إِلَى أَصَابعِ
رَسُوْلِ اللهِ.
هَذَا مِنْ أَغْرِبِ مَا فِي الصَّحِيْحِ. وَيُوْسُفُ:
هُوَ القَطَّانُ، نَسَبَهُ إِلَى جَدِّه. وَأَحْمَدُ: هو
اليربوعي.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "7509".
(7/449)
1303- عَبيدة بن حُميد 1: "خ، 4"
ابن صهيب، العَلاَّمَةُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكُوْفِيُّ، الحَذَّاءُ. يُقَالُ:
وَلاَؤُهُ لِبَنِي تَيْمٍ. وَقِيْلَ: لِبَنِي لَيْثٍ.
وَقِيْلَ: لِضَبَّةَ، وَلَمْ يَكُنْ حَذَّاءً.
حَدَّثَ عَنِ: الأَسْوَدِ بنِ قَيْسٍ، وَيَزِيْدَ بنِ
أَبِي زِيَادٍ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ،
وَالرُّكَيْنِ بنِ الرَّبِيْعِ، وَالأَعْمَشِ،
وَمَنْصُوْرٍ، وَيُوْسُفَ بنِ صُهَيْبٍ، وَمُوْسَى بن أبي
عائشة، وعبد العزيز
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 329"، والتاريخ الكبير "6/
ترجمة 1788"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 171"،
والجرح والتعديل "6/ ترجمة 479"، وتاريخ بغداد "11/ 120"،
والكاشف "2/ ترجمة 3697"، وميزان الاعتدال "3/ ترجمة
5458"، والعبر "1/ 306"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 288"،
وتهذيب التهذيب "7/ 81"، وتقريب التهذيب "1/ 547"، وخلاصة
الخزرجي "2/ ترجمة 4673"، وشذرات الذهب لابن العماد
الحنبلي "1/ 326".
(7/449)
ابن رُفَيْعٍ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ
عُمَيْرٍ، ومُطَرَّف بنِ طَرِيْفٍ، وَأَبِي مَالِكٍ
الأَشْجَعِيِّ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَعَطَاءِ بنِ
السَّائِبِ، وَقَابُوْسِ بنِ أَبِي ظَبيان، وَخَلْقٍ
سواهم.
وَعَنْهُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ -وَهُوَ أَكْبَرُ
مِنْهُ- وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَفَرْوَةُ بنُ أَبِي
المَغْرَاءِ، وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ
بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَخُوْهُ عُثْمَانُ، وَعَلِيُّ بنُ
حُجْرٍ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَهَنَّادُ بنُ السَّرِيِّ،
وَوَهْبُ بنُ بَيَانٍ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ
بنُ مُجَشِّرٍ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ
الزَّعْفَرَانِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: سُئِلَ
أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: هُوَ أَحَبُّ إليَّ مِنْ زِيَادٍ
البَكَّائِيِّ، وَأَصلَحُ حَدِيْثاً.
وَرَوَى الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ
حَنْبَلٍ، قَالَ: مَا أَحْسَنَ حَدِيْثَهُ! هُوَ أحبُّ
إليَّ مِنْ زِيَادِ بنِ عَبْدِ اللهِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ: أَحْسَنَ أَبُو عَبْدِ
اللهِ الثَّنَاءَ عَلَى عَبِيْدَةَ بنِ حُمَيْدٍ جِدّاً،
وَرَفَعَ أَمْرَهُ، وَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا لِلنَّاسِ
وَلَهُ? ثُمَّ ذَكَرَ صِحَّةَ حَدِيْثِهِ، فَقَالَ: كَانَ
قليل السقط، وأما التصحيف، فليس تجده عنده.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: أَوَّلُ مَا كَتَبتُ عَنْهُ فِي
مَسْجِدِ عَفَّانَ، ثُمَّ كَتَبتُ عَنْهُ سَنَةَ
ثَمَانِيْنَ، وَسَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ، فِي
مَدِيْنَةِ الوَضاح.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ:
ثِقَةٌ.
وَرَوَى عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: مَا
بِهِ المِسْكِيْنُ مِنْ بَأْسٍ، لَيْسَ لَهُ بَخْتٌ.
وَقَالَ جَعْفَرُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ الطَّيالسي: عَنْ
يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ، كَانَ
يَنْزِلُ فِي دَرْبِ المُفَضَّلِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى
قَصْرِ وَضَاحٍ، فَعَابُوْهُ أَنَّهُ يَقعُدُ عِنْدَ
أَصْحَابِ الكُتُبِ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: أَحَادِيْثُه صِحَاحٌ،
وَمَا رَوَيتُ عَنْهُ شَيْئاً. وَضَعَّفَهُ، وَقَالَ
مَرَّةً: مَا رَأَيْتُ أَصَحَّ حَدِيْثاً مِنْ عَبِيْدَةَ
الحَذَّاءِ، وَلاَ أَصَحَّ رِجَالاً.
وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: لَمْ يَكُنْ مِنَ
الحُفَّاظِ المُتْقِنِيْنَ.
ذَكَرَهُ سَعْدَوَيْه يَوْماً، فَقَالَ: كَانَ صَاحِبَ
كِتَابٍ، وَكَانَ مُؤَدِّباً لِلأَمِيْنِ، وَكَانَ
حَذَّاءً.
وَقَالَ ابْنُ عمَّار: ثِقَةٌ.
وَقَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ، هُوَ
مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ، كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ
يَقُوْلُ: هُوَ قَلِيْلُ السَّقَطِ، وَأَمَّا
التَّصحِيْفُ، فَلَيْسَ تَجِدُه عِنْدَهُ، وَرَفَعَ
أَمرَهُ جِدّاً.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَعَنِ ابْنِ نُمير، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَيْهِ القُرْآنَ
مُنْذُ خَمْسِيْنَ سَنَةً، وَكَتَبتُ عَنْهُ صَحِيْفَةً
عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، وَكَانَ شَرِيْكٌ
يَسْتَعِيْنُ بِهِ فِي المَسَائِلِ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ، صَالِحُ الحَدِيْثِ،
صَاحِبُ نَحْوٍ، وَعَرَبِيَّةٍ، وَقِرَاءةٍ، قَدِمَ مِنَ
الكُوْفَةِ أَيَّامَ هَارُوْنَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ،
فَصَيَّرَهُ مَعَ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ، فَلَمْ يَزَلْ مَعَهُ
حَتَّى مَاتَ.
قَالَ هَارُوْنُ بنُ حَاتِمٍ: سَأَلْتُ عَبِيْدَةَ بنَ
حُمَيْدٍ: مَتَى وُلِدْتَ? قَالَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَةٍ.
قَالَ: وَمَاتَ سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَالَ مُطيَّن: مات سنة تسعين.
(7/450)
1304- عَبدة بن سُليمان 1: "ع"
الحَافِظُ، الحُجَّةُ، القُدْوَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ
الكِلابي، الكُوْفِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَهِشَامِ بنِ
عُرْوَةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ،
وَالأَعْمَشِ، وَطَائِفَةٍ.
وَعَنْهُ: أَحْمَدُ، وَابْنُ رَاهْوَيْه، وَأَبُو
خَيْثَمَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَأَبُو سَعِيْدٍ
الأَشَجُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ ثِقَةٌ ثِقَةٌ
وَزِيَادَةٌ، مَعَ صَلاَحٍ وَشِدَّةِ فَقرٍ، عَلَيْهِ
فَرْوَةٌ خَلِقَةٌ، لاَ تُسَاوِي كَبِيْرَ شَيْءٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ العِجلي: ثِقَةٌ، صَالِحٌ، صَاحِبُ
قُرْآنٍ، كَانَ يُقرئ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي ثَالِثِ رَجَبٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ
وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، بِالكُوْفَةِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ
قَرَابَتُهُ المُحَدِّثُ مُحَمَّدُ بنُ ربيعة الكلابي.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 390"، والتاريخ الكبير "6/
ترجمة 1879"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "2/ 167"،
والجرح والتعديل "6/ ترجمة 457"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة
290"، والعبر "1/ 299"، والكاشف "2/ ترجمة 3574"، وتهذيب
التهذيب "6/ 458"، وتقريب التهذيب "1/ 530"، وخلاصة
الخزرجي "2/ ترجمة 4518"، وشذرات الذهب لابن العماد
الحنبلي "1/ 320".
(7/451)
1305- عبَّاد بن العَّوام 1: "ع"
ابن عمر بن عبد الله بن المنذر، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ،
الصَّدُوْقُ، أَبُو سَهْلٍ الكِلابي، الوَاسِطِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، وَعَبْدِ
اللهِ بنِ أَبِي نَجِيْحٍ المَكِّيِّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ
الشَّيْبَانِيِّ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَسَعِيْدٍ الجُريري،
وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ،
وَزِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، وَعَلِيُّ بنُ مُسْلِمٍ
الطُّوْسِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، وَخَلْقٌ
سِوَاهُم.
وَثَّقَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ مِنْ نُبَلاَءِ الرِّجَالِ
فِي كُلِّ أَمْرِهِ. قَالَ: وَكَانَ يَتَشَيَّعُ،
فَحَبَسَهُ الرَّشِيْدُ زَمَاناً، ثُمَّ خَلَّى عَنْهُ،
فَأَقَامَ بِبَغْدَادَ.
قُلْتُ: أَظُنُّه خَرَجَ مَعَ إِبْرَاهِيْمَ، فَلِذَلِكَ
سَجَنَهُ.
قَالَ الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ: سَأَلَنِي وَكِيْعٌ عَنْ
عَبَّادِ بنِ العَوَّام، ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ عِنْدَكُم
أَحَدٌ يُشْبِهُهُ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ بِضْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ، أَخْبَرَنَا مُوْسَى،
أَخْبَرَنَا ابْنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ
البُسْرِيِّ، أَخْبَرَنَا المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي
سَمِيْنَةَ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بنُ العَوَّامِ، عَنْ
حَجَّاجٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ عِمْرَانَ
بنِ حُصَيْنٍ: "أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُوْتِرُ بِثَلاَثٍ: يَقْرَأُ
فِي الأُوْلَى: بِـ "سَبِّحِ"، وَفِي الثَّانِيَةِ: بِـ
{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، وَفِي الثَّالِثَةِ:
بِـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 2.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 330"، والمعرفة والتاريخ
ليعقوب الفسوي "1/ 427" و"2/ 271"، والجرح والتعديل "6/
ترجمة 425"، وتاريخ بغداد "11/ 104"، والكاشف "2/ ترجمة
2596"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 248"، والعبر "1/ 203
و293"، وتهذيب التهذيب "5/ 99"، وتقريب التهذيب "1/ 393"،
وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة 3316"، وشذرات الذهب لابن العماد
الحنبلي "1/ 310".
2 صحيح: أخرجه النسائي "3/ 247"، من طريق شبابة، عَنْ
شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بنِ أَوْفَى،
عَنْ عمران، به.
وأخرجه النسائي "3/ 235" من طريق علي بن ميمون، عن مخلد بن
يزيد الحرَّاني، حدثنا سفيان الثوري، عن زُبيد اليامي، عن
سعيد بن عبد الرحمن أبزى، عن أبيه، عن أبي بن كعب، به
ورواه الطبراني "12679"، وابن عدي في "الكامل" "5/
367-368"، وأبو نعيم في "الحلية" "5/ 62" والبيهقي "3/ 41"
من طرق عن عطاء بن مسلم الخفاف، حدثنا العلاء بن المسيب،
عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنِ ابْنِ عباس، به.
قلت: إسناده ضعيف، عطاء بن مسلم الخفاف، ليس بالقوي. وحبيب
بن أبي ثابت، مدلس، وقد عنعنه.
(7/452)
1306- عمر بن
علي 1: "ع"
ابن عطاء بن مُقَدِّم، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ،
المُدَلِّسُ، أَبُو حَفْصٍ الثَّقَفِيُّ مَوْلاَهُم،
المُقَدَّمِيُّ، البَصْرِيُّ، وَالِدُ مُحَمَّدٍ
وَعَاصِمٍ، وَعمُّ الإِمَامِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ
المُقَدَّمِيِّ.
يَرْوِي عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَأَبِي حَازِمٍ
الأَعْرَجِ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ
أَبِي خَالِدٍ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، وَالأَعْمَشِ،
وَطَبَقَتِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ، وَعَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، وَابْنُ
المَدِيْنِيِّ، وَخَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ، وَأَحْمَدُ بنُ
المِقْدَامِ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ، وَحَفْصُ بنُ
عَمْرٍو الرَّبَالِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ،
وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَثَّقَهُ ابْنُ سَعْدٍ، وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: مَا بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ، كَانَ يُدَلِّسُ
تَدْلِيساً شَدِيْداً، يَقُوْلُ: سَمِعْتُ وَحَدَّثَنَا،
ثُمَّ يَسكُتُ سَاعَةً، ثُمَّ يَقُوْلُ: هِشَامُ بن عروة،
سليمان الأعمش.
قُلْتُ: قَدِ احْتَمَلَ أَهْلُ الصِّحَاحِ تَدْلِيْسَهُ،
وَرَضُوا بِهِ.
تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ تِسْعِيْنَ
وَمائَةٍ.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ العَلَوِيُّ،
أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ القَطِيْعِيُّ، أَخْبَرَنَا
أَبُو بَكْرٍ بنُ الزَّاغُوْنِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو
نَصْرٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ
الذَّهَبِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ
دَاوُدَ المُنْكَدِرِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ عَلِيٍّ
المُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ
أَبَا سَعْدٍ الخَطْمِيَّ، قَالَ ابْنُ صَاعِدٍ -وَهُوَ
شُرَحْبِيْلُ بنُ سَعْدٍ- قَالَ: سَمِعْتُ جَابِراً
يَقُوْلُ: صَلَّى بي رسول الله صلى الله وبجبار بن صخر،
فأقامنا خلفه. غريب.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 291"، والتاريخ الكبير "6/
ترجمة 2098"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 169
و595 و613" و"2/ 95"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 678"،
والكامل لابن عدي "5/ ترجمة 1213"، وتذكرة الحفاظ "1/
ترجمة 272"، والكاشف "2/ ترجمة 4164"، والعبر "1/ 306"
وميزان الاعتدال "3/ ترجمة 6172"، وتهذيب التهذيب "1/
485"، وتقريب التهذيب "2/ 61"، وخلاصة الخزرجي "2/ ترجمة
5215"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 326".
(7/453)
1307- الأشجعي
1: "خ، م، ت، س، ق"
عبيد الله بن عبيد الرحمن -وَقِيْلَ: ابْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، الحَافِظُ، الثَّبْتُ، الإِمَامُ، أَبُو
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَشْجَعِيُّ، الكُوْفِيُّ نَزِيْلُ
بَغْدَادَ.
حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ
عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي
خَالِدٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ سَعِيْدِ بنِ أَبْجَرَ،
وَمُجَمِّعِ بنِ يَحْيَى الأَنْصَارِيِّ، وَهَارُوْنَ بنِ
عَنْتَرَةَ، وَمُسَاوِرٍ الوَرَّاقِ، وَمَالِكِ بنِ
مِغْوَلٍ، وَسُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ، وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَأَبُو النَّضْرِ هَاشِمٌ،
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ غَزْوَانَ قُرَادٌ، وَأَحْمَدُ
بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ يَمَانِ بنِ مَعِيْنٍ،
وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَعُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ،
وَأَحْمَدُ بنُ حُمَيْدٍ الكُوْفِيُّ، وَأَبُو كُرَيْبٍ،
وَأَبوَ هَمَّامٍ السَّكُوْنِيُّ، وَيَعْقُوْبُ
الدَّوْرَقِيُّ، وَخَلْقٌ، وَابْنَاهُ: أَبُو عُبَيْدَةَ،
وَعَبَّادٌ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ النَّضْرِ:
سَمِعْتُ الأَشْجَعِيَّ: سَمِعْتُ مِنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: كَانَ عِنْدَ
الأَشْجَعِيِّ، وَيَحْيَى بنِ آدَمَ، عَنْ سُفْيَانَ:
ثَلاَثُوْنَ أَلْفاً.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: رَوَى الأَشْجَعِيُّ كُتُبَ
الثَّوْرِيِّ عَلَى وَجْهِهَا، وَرَوَى عَنْهُ
"الجَامِعَ".
وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ، فَلَمْ يَزَلْ
بِبَغْدَادَ حَتَّى مَاتَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ الرُّهَاوِيُّ: سَمِعْتُ
قَبِيْصَةَ يَقُوْلُ: لَمَّا مَاتَ سُفْيَانُ، أَرَادُوا
الأَشْجَعِيَّ عَلَى أَنْ يَقعُدَ -يَعْنِي: مَكَانَ
سُفْيَانَ- فَأَبَى، حَتَّى كَلَّمُوا زَائِدَةَ،
فَقَعَدَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ
حَنْبَلٍ عَنْ أَصْحَابِ سُفْيَانَ، فَقَالَ: يَحْيَى
القَطَّانُ، وَوَكِيْعٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ
الأشجعي.
__________
1 ترجمته في المعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 716"،
وتاريخ بغداد "10/ 311" وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة 289"،
والعبر "1/ 282"، وتهذيب التهذيب "7/ ترجمة 64".
(7/454)
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ،
قَالَ: كَانَ الأَشْجَعِيُّ يَكْتُبُ فِي المَجْلِسِ،
فَمِنْ ذَاكَ، صَحَّ حَدِيْثُه.
وَرَوَى عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قَالَ:
لَيْسَ أَحَدٌ فِي حَدِيْثِ الثَّوْرِيِّ يُشبِهُ
هَؤُلاَءِ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ،
وَوَكِيْعٌ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ،
فَقِيْلَ لَهُ: وَالأَشْجَعِيُّ? قَالَ: الأَشْجَعِيُّ:
ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، وَلَكِنْ هَاتُوا مَنْ يَرْوِي
عَنْهُ.
قُلْتُ: صَدَقَ، فَإِنَّ الرِّوَايَةَ عَنْهُ عَزِيْزَةٌ؛
لِتَقَدُّمِ مَوْتِهِ، وَقِلَّةِ مَا خَرَجَ عَنْهُ.
ثُمَّ قَالَ: وَبَعدَ هَؤُلاَءِ فِي سُفْيَانَ: يَحْيَى
بنُ آدَمَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو
أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ،
وَقَبِيْصَةُ، وَمُعَاوِيَةُ بنُ هِشَامٍ،
وَالفِرْيَابِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ الحَفَرِيُّ.
وَرَوَى عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ:
ثِقَةٌ، صَالِحٌ.
وَرَوَى أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحْرِزٍ، عَنْ ابْنِ
مَعِيْنٍ، قَالَ: مَا كَانَ بِالكُوْفَةِ أَحَدٌ أَعْلَمَ
بِسُفْيَانَ مِنَ الأَشْجَعِيِّ، كَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِ
ابْنِ مَهْدِيٍّ، وَمِنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ ... ،
وَسَمَّى جَمَاعَةً.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ،
عَنْ مِهرَانَ بنِ أَبِي عُمَرَ، وَالأَشْجَعِيِّ، فِي
سُفْيَانَ، فَقَالَ: الأَشْجَعِيُّ -كَأَنَّهُ قَدَّمَهُ-
وَمِهْرَانُ كَانَتْ فِيْهِ عُجْمَةٌ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: عُبَيْدُ الرَّحْمَنِ أَخُو
مُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ، عَنْ بَكْرٍ المُزَنِيِّ،
يَرْوِي عَنْهُ مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ:
وَلَيْسَ فِي المُحَدِّثِيْنَ عُبَيْدُ الرَّحْمَنِ
سِوَاهُ، وَوَالِدُ الأَشْجَعِيِّ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: فِي أَوَّلِ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ
وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ مَاتَ الأَشْجَعِيُّ.
وَقَالَ الأَشْجَعِيُّ: كَتَبْتُ عَنْ سُفْيَانَ
ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بنُ أَبِي الفَتْحِ، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ القَاضِي، أَخْبَرَنَا
أَبُو الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ
بنُ عُمَرَ الحَرْبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ
الحَسَنِ الصُّوْفِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ،
حَدَّثَنَا الأَشْجَعِيُّ، عَنْ مُوْسَى، فَرَوَى عَنِ
الحَسَنِ، قَالَ: إِنَّ أَزْهَدَ النَّاسِ فِي العَالِمِ
جِيْرَانُهُ، وَشَرَّ النَّاسِ لِمَيِّتٍ أَهْلُهُ،
يَبْكُوْنَ عَلَيْهِ، وَلاَ يَقْضُوْنَ دَيْنَهُ.
(7/455)
1308- عبد الله
بن مصعب 1:
ابن ثَابِتِ، ابْنِ الخَلِيْفَةِ عَبْدِ اللهِ بنِ
الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ، الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو
بَكْرٍ الأَسَدِيُّ، الزُّبَيْرِيُّ، وَالِدُ مُصْعَبٍ
الزُّبَيْرِيِّ.
رَوَى عَنْ: مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، وَأَبِي حَازِمٍ،
وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ.
وَعَنْهُ: ابنه، وهشام بن يوسف، وآخرون.
وكان جَمِيْلاً، سَرِيّاً، مُحْتَشِماً، فَصِيْحاً،
مُفَوَّهاً، وَافِرَ الجَلاَلَةِ، مَحْمُوْدَ الوِلاَيَةِ،
كَانَ يُحِبُّه المَهْدِيُّ، وَيَحتَرِمُهُ.
جَمَعَ لَهُ الرَّشِيْدُ مَعَ اليَمَنِ إِمْرَةَ
المَدِيْنَةِ.
بَعَثَ إِلَيْهِ الوَزِيْرُ أَبُو عُبَيْدِ اللهِ
بِأَلْفَيْ دِيْنَارٍ، فَأَبَى، وَقَالَ: لاَ أَقْبَلُ
إِلاَّ مِنْ خَلِيْفَةٍ.
وَقَدْ لَيَّنَهُ ابْنُ مَعِيْنٍ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ مِنْ بَابَةِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي الزِّنَادِ.
قُلْتُ: عَاشَ سَبْعِيْنَ سَنَةً، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ أربع
وثمانين ومائة.
__________
1 ترجمته في تاريخ بغداد "10/ 173".
(7/456)
1309- حاتم بن
إسماعيل 1: "ع"
المُحَدِّثُ، الحَافِظُ، أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الكُوْفِيُّ،
ثُمَّ المَدَنِيُّ، مَوْلَى بَنِي عَبْدِ المَدَانِ.
حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي
عُبَيْدٍ، وَجَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وخُثَيم بنِ عِرَاكٍ،
والجُعَيد بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُعَاوِيَةَ بنِ
أَبِي مُزَرِّد، وَعِمْرَانَ القَصِيْرِ.
وَعَنْهُ: القَعْنَبِيُّ، وَقُتَيْبَةُ، وَإِسْحَاقُ،
وَهَنَّادٌ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو
كُريب، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ أَحَبُّ إلي من
الدراوردي.
ووثقه جَمَاعَةٌ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى،
فِي تَاسِعِهِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
__________
1 ترجمته في الجرح والتعديل "3/ ترجمة 1154"، وميزان
الاعتدال "1/ ترجمة 1595"، والعبر "1/ 292"، وتهذيب
التهذيب "2/ 128"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/
309".
(7/456)
1310- بقية بن
الوليد 1: "خت، م، 4"
ابن صائد بن كعب بن حَريز، الحافظ، العالم، محدِّث حمص،
أَبُو يُحْمِدَ الحِمْيَرِيُّ، الكَلاَعِيُّ، ثُمَّ
المَيْتَمِيُّ، الحِمْصِيُّ، أَحَدُ المَشَاهِيْرِ
الأَعْلاَمِ.
وُلِدَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَةٍ، سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ:
يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ رَبِّهِ الجُرْجُسي.
وَرَوَى عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ الأَلْهَانِيِّ،
وَصَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو السَّكْسكي، وَبَحِيْرِ بنِ
سَعْدٍ، وَثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ، وَبِشْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ
بنِ يَسَارٍ، وَحَبِيْبِ بنِ صَالِحٍ الطَّائِيِّ،
وَحُصَيْنِ بنِ مَالِكٍ الفَزَارِيِّ، وَالسَّرِيِّ بنِ
يَنْعُمَ الجُبْلاني، وضُبَارة بنِ مَالِكٍ، وَعُثْمَانَ
بنِ زُفَرَ، وَعُتْبَةَ بنِ أَبِي حَكِيْمٍ، وَمُحَمَّدِ
بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عِرْق اليَحْصُبِيِّ،
وَمُحَمَّدِ بنِ الوَلِيْدِ الزُّبَيْدِيِّ، وَمُسْلِمِ
بنِ زِيَادٍ، وَيُوْنُسَ بنِ يَزِيْدَ الأَيْلِيِّ،
وَالوَضِيْنِ بنِ عَطَاءٍ، وَيَزِيْدَ بنِ عَوْفٍ، وَأَبِي
بَكْرٍ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَحَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ،
وَأُمَمٍ سِوَاهُم، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَشُعْبَةَ،
وَمَالِكٍ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَيَنْزِل إِلَى:
يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَأَقْرَانِه. وَقَدْ رَوَى عَنْ:
تِلْمِيْذِه؛ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه.
وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، لَكِنَّهُ كَدَّرَ
ذَلِكَ بِالإِكثَارِ عَنِ الضُّعَفَاءِ، وَالعَوَّامِ
وَالحَمْلِ عَمَّنْ دَبَّ وَدَرَجَ.
وَرَوَى عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَالحَمَّادَانِ،
وَالأَوْزَاعِيُّ، وَابْنُ جُرَيْجٍ -وَهُم مِنْ
شُيُوْخِهِ- وَابْنُ المُبَارَكِ، وَيَزِيْدُ بنُ
هَارُوْنَ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَوَكِيْعٌ -وَهُم
مِنْ أَقرَانِهِ- وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ -وَهُوَ
أَكْبَرُ مِنْهُ- وحَيوة بنُ شُريح، وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ
رَبِّهِ، وَأَسَدُ بنُ مُوْسَى، وَدَاوُدُ بنُ رُشَيْدٍ،
وَإِسْحَاقُ بن راهويه، وعلي بن جحر، وَنُعَيْمُ بنُ
حَمَّادٍ، وَهِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ
مُوْسَى الفَرَّاءُ، وَسُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، وَعَمْرُو
بنُ عُثْمَانَ بنِ سَعِيْدٍ، وَأَخُوْهُ؛ يَحْيَى، وَأَبُو
التَّقِيِّ هِشَامُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، وَمُحَمَّدُ بنُ
مُصفى، وَعِيْسَى بنُ أَحْمَدَ العَسْقَلاَنِيُّ،
وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ حَنَانٍ، وَمُهَنَّا بنُ
يَحْيَى، وَهِشَامُ بنُ خَالِدٍ الأَزْرَقُ، وَيَعْقُوْبُ
الدَّوْرَقِيُّ، وَعَبْدَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ
المَرْوَزِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، خَاتِمَتُهُم: أَبُو
عُتْبَةَ أَحْمَدُ بنُ الفَرَجِ الحِجَازِيُّ.
رَوَى رَبَاحُ بنُ زَيْدٍ الكُوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ
المُبَارَكِ، قَالَ: إِذَا اجْتَمَعَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ
عَيَّاشٍ، وَبَقِيَّةُ بنُ الوليد، فبقية أحب إلي.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "2/ ترجمة 2012"، والضعفاء
الكبير للعقيلي "1/ ترجمة 203"، والجرح والتعديل "2/ ترجمة
1728"، والمجروحين لابن حبان "1/ 200"، والكامل لابن عدي
"2/ ترجمة 302"، وتاريخ بغداد "7/ 123"، وتذكرة الحفاظ "1/
ترجمة 269"، وميزان الاعتدال "1/ ترجمة 1250"، وتهذيب
التهذيب "1/ 473"، وتقريب التهذيب "1/ 105".
(7/457)
وَرَوَى سُفْيَانُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ،
عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: بَقِيَّةُ كَانَ صَدُوقاً،
لَكِنَّهُ يَكْتُبُ عَمَّنْ أَقْبَلَ وَأَدبَرَ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ المُغِيْرَةِ الرَّازِيُّ، عَنِ ابْنِ
عُيَيْنَةَ: لاَ تَسْمَعُوا مِنْ بَقِيَّةَ مَا كَانَ فِي
سُنَّةٍ، وَاسْمَعُوا مِنْهُ مَا كَانَ فِي ثَوَابٍ
وَغَيْرِه.
قُلْتُ: لِهَذَا أَكْثَرَ الأَئِمَّةُ عَلَى التَّشَدِيْدِ
فِي أَحَادِيْثِ الأَحكَامِ، والترخيص قليلا، لا كل
الترخيص فِي الفَضَائِلِ وَالرَّقَائِقِ، فَيَقْبَلُوْنَ
فِي ذَلِكَ مَا ضَعُفَ إِسْنَادُهُ، لاَ مَا اتُّهِم
رُوَاتُهُ، فَإِنَّ الأَحَادِيْثَ المَوْضُوْعَةَ،
وَالأَحَادِيْثَ الشَّدِيْدَةَ الوَهنِ، لاَ
يَلْتَفِتُوْنَ إِلَيْهَا، بَلْ يَرْوُونَهَا لِلتَّحذِيرِ
مِنْهَا، وَالهَتْكِ لِحَالِهَا، فَمَنْ دَلَّسَهَا، أَوْ
غَطَّى تِبْيَانَهَا، فَهُوَ جَانٍ عَلَى السُّنَّةِ،
خَائِنٌ للهِ وَرَسُوْلِه، فَإِنْ كَانَ يجهل ذلك، فقد
يعذر بالجهل، ولكن سلو أَهْلَ الذِّكرِ إِنْ كُنْتُم لاَ
تَعْلَمُوْنَ1.
قال أَبُو مُعِيْنٍ الرَّازِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ
مَعِيْنٍ، قَالَ: كَانَ شُعْبَةُ مُبَجِّلاً لِبَقِيَّةَ
حَيْثُ قَدِمَ بَغْدَادَ.
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: سُئِلَ
أَبِي عَنْ بَقِيَّةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ، فَقَالَ:
بَقِيَّةُ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَإِذَا حَدَّثَ عَنْ قَوْمٍ
لَيْسُوا بِمَعْرُوْفِيْنَ، فَلاَ تَقبَلُوْهُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: سُئِلَ ابْنُ مَعِيْنٍ، عَنْ
بَقِيَّةَ، فَقَالَ: إِذَا حَدَّثَ عَنِ الثِّقَاتِ مِثْلِ
صَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو، وَغَيْرِه، وَأَمَّا إِذَا حَدَّثَ
عَنْ أُوْلَئِكَ المَجْهُوْلِيْنَ، فَلاَ، وَإِذَا كَنَّى
الرَّجُلَ أَوْ لَمْ يسم اسمه، فليس يساوي شيئًا.
__________
1 يقول محمد أيمن الشبراوي -عفا الله عنه: حقيق بالذكر أن
الأحاديث الضعيفة لا يجوز العمل بها في مجال العقائد
والأحكام باتفاق العلماء. أما العمل بالأحاديث الضعيفة في
مجال فضائل الأعمال فقد اشترط العلماء للعمل بها ثلاثة
شروط: الأول: أن يشهد لهذا الحديث الضعيف أصل من أصول
الدين أو قاعدة كلية. الشرط الثاني: أن لا يكون الحديث
ضعيفا شديد الضعف فلا يجوز العمل بخبر انفرد به كذاب أو
متهم بالكذب. الشرط الثالث: أن لا يعتقد عند العمل به
ثبوته بل يعتقد الاحتياط.
أما الأحاديث الشديدة الضعف فلا يجوز العمل بها في العقائد
أو الأحكام أو الفضائل باتفاق العلماء.
وقد أنكر جمهرة من العلماء العمل بالأحاديث الضعيفة في
فضائل الأعمال مثل البخاري، ومسلم، وداود الظاهري، وابن
حزم، وغيرهم من العلماء. وقالوا بأن أحاديث فضائل الأعمال
أعمال لها أحكام، ولا تخرج عن الأحكام الخمسة: الواجب,
والمندوب، والحرام، والمكروه، والمباح. ففي الصحيح غنية عن
الاستدلال بالضعيف من الأحاديث. أما رواية الأحاديث
الموضوعة والشديدة الضعف فلا يجوز روايتها إلا على سبيل
التحذير منها وهتك أستار كل من رواها من الوضاعين
والمتهمين. وقد أجمع علماء السلف والخلف قاطبة على عدم
جواز العمل بهاتيك الأحاديث الموضوعة أو الشديدة الضعف لا
في مجال العقائد أو الأحكام أو فضائل الأعمال.
(7/458)
وَسُئِلَ: أَيُّمَا أَثْبَتُ هُوَ أَوْ
إِسْمَاعِيْلُ? قَالَ: كِلاَهُمَا صَالِحَانِ.
يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ عَنْ أَحْمَدَ بنِ العَبَّاسِ،
سَمِعَهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: بَقِيَّةُ
يُحَدِّثُ عَمَّنْ هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ، وَعِنْدَهُ
أَلْفَا حَدِيْثٍ عَنْ شُعْبَةَ صِحَاحٌ، كَانَ يُذَاكِرُ
شُعْبَةَ بِالفِقْهِ. وَلَقَدْ قَالَ لِي أَبُو نُعَيْمٍ:
كَانَ بَقِيَّةُ يَضِنُّ بِحَدِيْثِهِ عَنِ الثِّقَاتِ،
طَلَبْتُ مِنْهُ كِتَابَ صَفْوَانَ، قَالَ: كِتَابُ
صَفْوَانَ? ثُمَّ قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: كَانَ يُحَدِّثُ
عَنِ الضُّعَفَاءِ بِمائَةِ حَدِيْثٍ قَبْلَ أَنْ
يُحَدِّثَ عَنِ الثِّقَةِ بحديث.
قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: بَقِيَّةُ: ثِقَةٌ، حَسَنُ
الحَدِيْث إِذَا حَدَّثَ عَنِ المَعْرُوْفِيْنَ،
وَيُحَدِّثُ عَنْ قَوْمٍ مَتْرُوْكِي الحَدِيْثِ،
وَضُعَفَاءَ، وَيَحِيْدُ عَنْ أَسْمَائِهِم إِلَى
كُنَاهُم، وَعَنْ كُنَاهُم إِلَى أَسْمَائِهِم،
وَيُحَدِّثُ عَمَّنْ هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ.
حَدَّثَ عَنْ سُوَيْدِ بنِ سَعِيْدٍ الحَدَثَانِيِّ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ بَقِيَّةُ ثِقَةً فِي
الرِّوَايَةِ عَنِ الثِّقَاتِ، ضَعِيْفاً فِي رِوَايَتِهِ
عَنْ غَيْرِ الثِّقَاتِ.
قُلْتُ: وَهُوَ أَيْضاً ضَعِيْفُ الحَدِيْثِ إِذَا قَالَ:
عَنْ، فَإِنَّهُ مُدَلِّسٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: ثِقَةٌ عَنِ
المَعْرُوْفِيْنَ، فَإِذَا رَوَى عَنْ مَجْهُوْلٍ،
فَلَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: بَقِيَّةُ عَجَبٌ، إِذَا رَوَى
عَنِ الثِّقَاتِ، فَهُوَ ثِقَةٌ، وَيُحَدِّث عَنْ قَوْمٍ
لاَ يُعرَفُوْنَ، وَلاَ يَضبِطُوْنَ. وَقَالَ: مَا لَهُ
عَيبٌ، إِلاَّ كَثْرَةُ رِوَايَتِهِ عَنِ
المَجْهُوْلِيْنَ، فَأَمَّا الصِّدْقُ، فَلاَ يُؤْتَى مِنَ
الصِّدْقِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ، وَلاَ
يُحْتَجُّ بِهِ، وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ
إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ: إِذَا
قَالَ: حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا، فَهُوَ ثِقَةٌ، وَإِذَا
قَالَ: عَنْ فُلاَنٍ، فَلاَ يُؤْخَذُ عَنْهُ؛ لأَنَّهُ لاَ
يُدْرَى عَمَّنْ أَخَذَه.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: يُخَالِفُ فِي بعض
روايته الثقات، وإذا رَوَى عَنْ أَهْلِ الشَّامِ،
فَإِنَّهُ ثَبتٌ، وَإِذَا رَوَى عَنْ غَيْرِهِم، خَلَّطَ،
وَإِذَا رَوَى عَنِ المَجْهُوْلِيْنَ، فَالعُهدَةُ
مِنْهُم، لاَ مِنْهُ، وَهُوَ صَاحِبُ حَدِيْثٍ، يَرْوِي
عَنِ الصِّغَارِ وَالكِبَارِ، وَيَرْوِي عَنْهُ الكِبَارُ
مِنَ النَّاسِ، وَهَذِهِ صِفَةُ بَقِيَّةَ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: سَمِعَ بَقِيَّةُ مِنْ شُعْبَةَ،
وَمَالِكٍ، وَغَيْرِهِمَا أَحَادِيْثَ مُسْتقِيْمَةً،
ثُمَّ سَمِعَ مِنْ أَقْوَامٍ كَذَّابِيْنَ عَنْ شُعْبَةَ،
وَمَالِكٍ، فَرَوَى عَنِ الثِّقَاتِ بِالتَّدْلِيسِ مَا
أَخَذَ عَنِ الضُّعَفَاءِ.
قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ الغَسَّانِيُّ: أَحَادِيْثُ
بَقِيَّةَ لَيْسَتْ نَقِيَّةً، فَكُنْ مِنْهَا عَلَى
تَقِيَّةٍ.
(7/459)
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الجُوْزَجَانِيُّ:
رَحِمَ اللهُ بَقِيَّةَ، مَا كَانَ يُبالِي إِذَا وَجَدَ
خُرَافَةً عَمَّنْ يَأْخُذُه، فَإِنْ حَدَّثَ عَنِ
الثِّقَاتِ، فَلاَ بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنِ
ضَمْرَةَ، وَبَقِيَّةَ، فَقَالَ: ضَمْرَةُ أَحَبُّ
إِلَيْنَا، ضَمْرَةُ ثِقَةٌ، رَجُلٌ صَالِحٌ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: بَقِيَّةُ أَحْسَنُ حَالاً مِنَ
الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَ النَّاسِ
كَذَا.
قَالَ حَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ: سُئِلَ سُفْيَانُ بنُ
عُيَيْنَةَ عَنْ حَدِيْثٍ مِنْ هَذِهِ المُلَحِ، فَقَالَ:
أَبُو العَجَبِ أَخْبَرَنَا، بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ
أَخْبَرَنَا.
قَالَ إِمَامُ الأَئِمَّةِ ابْنُ خُزَيْمَةَ: لاَ
أَحْتَجُّ بِبَقِيَّةَ. ثم قال: حدثنا أحمد ابن الحَسَنِ
التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ:
تَوَهَّمتُ أَنَّ بَقِيَّةَ لاَ يُحَدِّثُ المَنَاكِيْرَ
إِلاَّ عَنِ المَجَاهِيلِ، فَإِذَا هُوَ يُحَدِّثُ
المَنَاكِيْرَ عَنِ المَشَاهِيْرِ، فَعَلِمتُ مِنْ أَيْنَ
أُتِيَ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ: دَخَلْتُ حِمْصَ،
وَأَكْبَرُ هَمِّي شَأْنُ بَقِيَّةَ، فَتَتَبَّعتُ
حَدِيْثَه، وَكَتَبتُ النُّسَخَ عَلَى الوَجْهِ،
وَتَتَبَّعتُ مَا لَمْ أَجِدْ بِعُلُوٍّ مِنْ رِوَايَةِ
القُدَمَاءِ عَنْهُ، فَرَأْيْتُهُ ثِقَةً، مَأْمُوْناً،
وَلَكِنَّهُ كَانَ مُدَلِّساً، يُدَلِّسُ عَلَى عُبَيْدِ
اللهِ بنِ عُمَرَ، وَشُعْبَةَ، وَمَالِكٍ، مَا أَخَذَه
عَنْ مِثْلِ مُجَاشِعِ بنِ عَمْرٍو، وَالسَّرِيِّ بنِ
عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَعُمَرَ بنِ مُوْسَى المَيْتَمي،
وَأَشبَاهِهِم، فَرَوَى عَنْ أُوْلَئِكَ الثِّقَاتِ
الَّذِيْنَ رَآهُم بِالتَّدْلِيسِ مَا سَمِعَ مِنْ
هَؤُلاَءِ الضُّعَفَاءِ عَنْهُم، فَكَانَ يَقُوْلُ: قَالَ
عُبَيْدُ اللهِ، وَقَالَ مَالِكٌ، فَحَمَلُوا عَنْ
بَقِيَّةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، وَعَنْ بَقِيَّةَ بنِ
مَالِكٍ، وَسَقَطَ الوَاهِي بَيْنَهُمَا، فَالتَزَقَ
المَوْضُوْعُ بِبَقِيَّةَ، وَتَخَلَّصَ الوَاضِعُ مِنَ
الوَسطِ.
وَكَانَ ابْنُ مَعِيْنٍ يُوَثِّقُه.
وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ مُحَمَّدٍ الخُزَاعِيُّ
بِدِمَشْقَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا
بَقِيَّةُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "مِنْ أَدْمَنَ على حاجبه بالمشط، عوفي من
الوباء"1.
__________
1 باطل: أخرجه ابن حبان في "المجروحين" "1/ 201-202" حدثنا
سُلَيْمَانُ بنُ مُحَمَّدٍ الخُزَاعِيُّ، بِدِمَشْقَ،
حَدَّثَنَا هِشَامُ بن خالد الأزرق، حدثنا بقية، به.
وقال ابن حبان في إثره: "موضوع، يشبه أن يكون بقية سمعه من
إنسان ضعيف عن ابن جريج فدلس عليه فالتزق كل ذلك به".
(7/460)
وَبِهِ: إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا جَامَعَ أَحَدُكُمْ
زَوْجَتَهُ، فَلاَ يَنْظُرْ إِلَى فَرْجِهَا، فَإِنَّ
ذَلِكَ يُوْرِثُ العَمَى"1.
وَبِهِ: قَالَ -عليه الصلاة السلام: "تَرِّبُوا الكِتَابَ
وَسُحُّوْهُ مِنْ أَسْفَلِهِ، فَإِنَّهُ أَنْجَحُ
للحاجة"2.
وَبِهِ: "مَنْ أُصِيْبَ بِمُصِيْبَةٍ، فَاحْتَسَبَ وَلَمْ
يَشْكُ إِلَى النَّاسِ، كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ
يغفر له"3.
__________
1 موضوع: أخرجه ابن حبان في "المجروحين" "1/ 200"، وابن
عدي في "الكامل" "2/ 75"، وابن الجوزي في "الموضوعات" من
طريق هِشَامُ بنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنِ
ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عباس، به
مرفوعا.
وقال ابن حبان: "كان بقية يروي عن كذابين ويدلس، وكان له
أصحاب يسقطون الضعفاء من حديثه ويسوونه، فيشبه أن يكون هذا
من بعض الضعفاء عن ابن جريج ثم دلس عنه، وهذا موضوع".
وقال ابن أبي حاتم "2/ 295" بعد أن ذكر هذا الحديث وحديثين
آخرين معه: "وقال أبي: هذه الثلاثة الأحاديث موضوعة لا أصل
لها، وكان بقية يدلس، فظن هؤلاء أنه يقول في كل حديث:
"حدثنا" ولم يفتقدوا الخبر منه". وأقره الذهبي في
"الميزان" وجعله أصل قوله في ترجمة هشام: "يروى عن ثقات
الدماشقة، لكن يروج عنه".
2 منكر: أخرجه ابن حبان في "المجروحين" "1/ 202"، وابن عدي
في "الكامل" "2/ 75" من طريق هشام بن خالد الأزرق حدثنا
بقية، حدثني ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، به.
وقال ابن حبان بعد أن ذكر أحاديث بهذا الإسناد: كلها
موضوعة.
وقد تقدم تخريجنا لهذا الحديث من طريق جابر في تعليقنا
السابق رقم "426" في هذا الجزء فراجعه ثمت فإنك ستقف على
شواهد منكرة له لا يزيد الحديث بها إلا وهنا على وهن
فراجعه ثمت تفد علما ثرا وهذا من فضل الله علي لقوله
للتحدث بنعمة الله علينا كما قال تعالى: {وَأَمَّا
بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11] ، فالحمد لله
على نعمائه حمدا كثيرا طيبا ملء السموات وملء الأرض وملء
ما بينهما وملء ما شاء من شيء بعد.
3 موضوع: أخرجه الطبراني في "الكبير" "11/ 11438" من طريق
هشام بن خالد، حدثنا بقية، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن
عباس -رضي الله عنهما- مرفوعا.
وأورده الهيثمي في "المجمع" "2/ 331" وقال: رواه الطبراني
في "الكبير"، وفيه بقية مدلس".
قلت: ومن طريقه رواه ابن أبي حاتم في "العلل" "2/ 126/
1871" وقال في إثره: "قال أبي هذا حديث موضوع لا أصل له،
وكان بقية يدلس فظنوا هؤلاء أنه يقول في كل حديث حدثنا ولا
يعتقدون الخبر منه".
(7/461)
وَحَدِيْثُ: "لاَ تَأْكُلُوا بِالخَمْسِ،
فَإِنَّهَا أَكْلَةُ الأَعْرَابِ، وَلاَ بِالمُشِيْرَةِ
وَالإِبْهَامِ، وَلَكِنْ بِثَلاَثٍ، فَإِنَّهَا سُنَّةٌ"1.
وَهَذِهِ بَوَاطِيْلُ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ فِي حَدِيْثِ: يُورِثُ العَمَى،
وَحَدِيْثِ: المُصِيْبَةِ، وَحَدِيْثِ: الأَكْلِ
بِالخَمْسِ: هَذِهِ مَوْضُوْعَاتٌ لاَ أَصلَ لَهَا2.
أَحْمَدُ بنُ يُوْنُسَ الحِمْصِيُّ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ
بنُ مُسْلِمٍ، عَنْ بقية، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ
عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "رَخَّصَ رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي دَمِ الحُبُون"3.
عُمَرُ بنُ سِنَانٍ المَنْبِجِيُّ، وَعَبْدَانُ:
حَدَّثَنَا أَبُو التَّقِيِّ هِشَامُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ،
حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنِي مَالِكُ بنُ أَنَسٍ،
عَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ الهَمْدَانِيِّ، عَنْ أَبِي
حَمْزَةَ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ الأَذَانَ
وَالإِقَامَةَ، فَقَالَ: "إِنَّ اللهَ يُجَاوِزُ عَنْ
أُمَّتِي السَّهْوَ فِي الصَّلاَةِ"4. ثُمَّ قَالَ ابْنُ
حِبَّانَ عَقِيْبَهُ: عَبْدُ الكَرِيْمِ: هُوَ
الجَزَرِيُّ، وَأَبُو حَمْزَةَ: هُوَ أَنَسُ بنُ مَالِكٍ،
حَدَّثَنَاهُ عَبْدَانُ وَابْنُ سِنَانٍ.
__________
1 موضوع: أخرجه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول"، وهو من
مظان الأحاديث الضعيفة والموضوعة وما لا أصل له، ومتن
الحديث تمجه الأفهام المستقيمة، والعقول المستنيرة بضياء
السنة المشرفة الصحيحة، لذا قال ابن أبي حاتم في "العلل"
"2/ 295/ 2394" بعد أن ذكر هذا الحديث والحديثين الذين
ذكرناهما قبل: "قال أبي هذه الثلاثة الأحاديث موضوعة لا
أصل لها وكان بقية يدلس فظن هؤلاء أنه يقول في كل حديث
حدثنا ولم يفتقدوا الخبر منه".
2 قاله ابن أبي حاتم في "العلل" "2/ 295/ 2394"، فقد ذكر
هذه الأحاديث ثمت وأردفها بالقول السابق الذين ذكرناه في
التعليق السابق".
3 موضوع: أخرجه ابن عدي في "الكامل" "2/ 75" من طريق محمد
بن عوف، حدثنا أحمد بن يونس الحمصي، به، وذكر الذهبي
الحديث في ترجمة "بقية بن الوليد" "1/ 333" مع الأحاديث
السابقة، وعد جميعها من الموضوعات.
4 باطل: أخرجه ابن عدي في "الكامل" "2/ 75" حدثنا عمر بن
سنان وعبدان قالا حدثنا هشام بن عبد الملك، حدثنا بقية،
به.
وقال ابن عدي في إثره: وهذا الحديث باطل لا يرويه عن مالك
غير بقية، وعبد الكريم الهمداني، هو عبد الكريم الجزري،
وأبو حمزة، إنما يريد به أنس بن مالك، وإنما نبت عبدان
الأهوازي على هذا الحديث حتى أدخله في مسند أنس بن مالك،
وقد روى بقية هذا الحديث بإسناد آخر والعتبة على عبدان،
فقال أخبرنا هشام بن عبد الملك، عن بقية وهو مرسل فقلت له:
إنما هو أبو حمزة يعني به أنس، فقال: ما علمت، ودعا بمسند
أنس فكتبه فيه، وعند بقية لهذا الحديث إسناد آخر عن مجهول.
(7/462)
قُلْتُ: هَذَا الحَدِيْثُ لاَ يُحتَمَلُ،
وَقَدْ رَوَاهُ الوَلِيْدُ بنُ عُتْبَةَ المُقْرِئُ،
قَالَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدٌ رَجُلٌ
مِنْ هَمْدَانَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ!
الرَّجُلُ يَنْسَى الأَذَانَ وَالإِقَامَةَ؟ فَهَذَا
أَشْبَهُ، مَعَ أَنَّ عُبَيْداً لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ،
فَهُوَ آفَتُهُ1.
مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَاغَنْدِيُّ: حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ بنُ سَلَمَةَ الخبَائِرِيُّ، حَدَّثَنَا
بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ -عليه الصلاة السلام: "انْتِظَارُ
الفَرَجِ عِبَادَةٌ"2. وَهَذَا بَاطِلٌ، مَا رَوَاهُ
مَالِكٌ، بَلْ وَلاَ بَقِيَّةُ، بَلِ المُتَّهَمُ بِهِ
سُلَيْمَانُ.
وَكَذَلِكَ الآفَةُ فِي حَدِيْثِ الخَضِرِ: بَيْنَمَا هُوَ
يَمْشِي فِي سُوْقِ بَنِي إِسْرَائِيْلَ، بِطُوْلِهِ.
رَوَاهُ: عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ الضَّحَّاكِ -ذَاكَ
العُرْضي المُتَّهَمُ- وَسُلَيْمَانُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ
الرَّقِّيُّ -الَّذِي قَالَ فِيْهِ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ:
لَيْسَ بِشَيْءٍ- كِلاَهُمَا عَنْ بَقِيَّةَ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ
البَاهِلِيِّ، مَرْفُوْعاً.
وَلِبَقِيَّةَ، عَنْ يُوْنُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مَرْفُوْعاً: "مَنْ أَدْرَكَ
رَكْعَةً مِنَ الجُمُعَةِ وَتَكْبِيْرَتَهَا فَقَطْ،
فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ".
فَهَذَا مُنْكَرٌ، وَإِنَّمَا يَرْوِي الثِّقَاتُ عَنِ
الزُّهْرِيِّ بَعْضَ هَذَا بدون ذكر الجُمُعَةِ، وَدُوْنَ
قَوْلِه: "وَتَكْبِيْرَتَهَا فَقَطْ".
وَلِبَقِيَّةَ: حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ
جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بنِ الخِرِّيْتِ،
عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مَرْفُوْعاً:
"نَهَى عَنْ طَعَامِ المُتَبَارِيَيْنِ"3. وَهَذَا الصواب
مرسل.
__________
1 ذكره ابن عدي في "الكامل" "2/ 76".
2 موضوع: أخرجه ابن عدي في "الكامل" "2/ 76"، والخطيب في
"تاريخه" "2/ 155" من طريق سليمان بن سلمة، به، وقال ابن
عدي في إثره: وهذا حديث باطل عن مالك بهذا الإسناد لا يروى
عنه غير بقية.
قلت: بقية مشهور بالتدليس، ولا يغتر بتصريحه بالتحديث فإن
الراوي عنه سليمان بن سلمة الخبائري، وهو كذاب كما قال
الذهبي في ترجمته، وذكر هذا الحديث.
3 صحيح لغيره: أخرجه أبو داود "3754"، وابن عدي في
"الكامل" "2/ 77" من طريق جرير بن حازم، عن الزبير بن
خريت، به.
قلت: هو مرسل صحيح الإسناد، وللحديث شاهد عن أبي هريرة
مرفوعا بلفظ "المتباريان لا يجابان ولا يؤكل طعامهما".
أخرجه ابن السماك في جزئه "ورقة 64/ 1" حدثنا سعيد بن
عثمان الأهوازي، أخبرنا معاذ بن أسد، نا علي بن الحسن
الضرير، عن أبي حمزة السكري، عن الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي
صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، به.
قلت: إسناده صحيح رجاله ثقات.
(7/463)
عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو
خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، عَنْ
يَزِيْدَ الجُرْجُسِيُّ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنِ
الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ
أَبِيْهِ، رَفَعَهُ: أَنَّهُ سَلَّمَ تَسْلِيمَةً1.
فَحَاصِلُ الأَمْرِ: أَنَّ لِبَقِيَّةَ عَنِ الثِّقَاتِ
أَيْضاً مَا يُنْكَرُ، وما لا يتابع عليه.
مُهَنَّا بنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنْ
سَعِيْدِ بن عبد العزيز، عن مكحول، عن أبي هريرة، مرفوعًا:
"يحشر الحكارون، وقتلة النفس إِلَى جَهَنَّمَ فِي دَرَجَةٍ
وَاحِدَةٍ"2. تَفَرَّدَ بِهِ: مُهَنَّا، وَهُوَ صَدُوْقٌ.
وَفِي سَنَدِهِ انْقِطَاعٌ.
بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ: قَالَ شَرِيْكٌ، عَنْ كُلَيْبِ
بنِ وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مَرْفُوْعاً: "لاَ
تُسَاكِنُوا الأَنْبَاطَ فِي بِلاَدِهِم، وَلاَ
تُنَاكِحُوا الخُوْزَ، فَإِنَّ لَهُم أُصُوْلاً
تَدْعُوْهُم إِلَى غَيْرِ الوَفَاءِ"3. وَهَذَا مُنْكَرٌ
جِدّاً، قَدْ أَسقَطَ بَقِيَّةُ مَنْ حَدَّثَهُ بِهِ عَنْ
شَرِيْكٍ.
قَالَ العُقَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الحَكَمِ، عَنْ
وَكِيْعٍ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ أَحَداً أَجرَأَ عَلَى أَنْ
يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مِنْ بَقِيَّةَ.
قَالَ عَبْدُ الحَقِّ فِي "الأَحْكَامِ" لَهُ فِي
مَوَاضِعَ: بَقِيَّةُ لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. وَرَوَى أَيْضاً
لَهُ أَحَادِيْثَ سَاكِتاً عَنْ تَلْيِينِهَا.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو الحَسَنِ بنُ القَطَّانِ: بَقِيَّةُ
يُدَلِّسُ عَنِ الضُّعَفَاءِ، وَيَسْتبِيْحُ ذلك، وهذا إن
صح، مفسد لعدالته.
__________
1 أخرجه ابن عدي في "الكامل" "2/ 77" من طريق سلميان بن
سلمة، حدثنا بقية، عن الزبيدي، به.
قلت: إسناده موضوع، فيه بقية، وهو مدلس يدلس تدليس
التسوية، والراوي عنه سليمان بن سلمة الخبائري كذاب كما
قال الذهبي. لكن أحاديث الاقتصار على التسليمة الواحدة
وردت عن عدد من الصحابة، عن عائشة، وعن أنس، وسعد بن أبي
وقاص، ومن حديث سهل بن سعد الساعدي، وسلمة ابن الأكوع، وهي
صحيحة بمجموعها.
2 منكر: أخرجه ابن عدي في "الكامل" "2/ 78" من طريق مهنأ
بن يحيى الشامي، به.
قلت: إسناده واه، فيه بقية بن الوليد، مدلس، يدلس تدليس
التسوية. وفيه مهنأ بن يحيى الشامي، قال الأزدي: منكر
الحديث. وقال الدارقطني: ثقة نبيل.
والحديث ذكره السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" "2/ 146" وقال
في إثره: "لا يصح بقية مدلس عن الضعفاء والمتروكين".
3 منكر: أخرجه ابن عدي في "الكامل" "2/ 78"، وهو منكر ظاهر
النكارة وكذا قال ابن عدي في إثره: "وهذا حديث منكر لا
أعلم يرويه غير بقية".
(7/464)
قُلْتُ: نَعَمْ، تَيَقَنَّا أَنَّهُ كَانَ
يَفْعَلُه، وَكَذَلِكَ رَفِيْقُهُ الوَلِيْدُ بنُ
مُسْلِمٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَلَكِنَّهُم مَا يُظَنُّ
بِهِم أَنَّهُمُ اتَّهَمُوا مَنْ حَدَّثَهُم بالوضع لذلك،
فَاللهُ أَعْلَمُ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الخَالِقِ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ
بِبَعْلَبَكَّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ
الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدٍ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُوْسُ بنُ عَبْدِ اللهِ الهَمْدَانِيُّ،
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ
الطُّوْسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ
الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عُتْبَةَ، حَدَّثَنَا
بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنِي
أَزْهَرُ بنِ عَبْدِ اللهِ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ
بُسْرٍ صَاحِبَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: كُنَّا نَسْمَعُ أَنَّهُ يُقَالُ:
إِذَا اجْتَمَعَ عِشْرُوْنَ رَجُلاً أَوْ أَكْثَرُ، أَوْ
أَقَلُّ فَلَمْ يَكُنْ فِيْهِم مَنْ يُهَابُ فِي اللهِ،
فَقَدْ حَضَرَ الأَمْرُ.
كَثِيْرُ بنُ عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، حَدَّثَنِي عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنْ أَبِي
قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ،
مَرْفُوْعاً: "مَنْ تكفل لي أن لا يسأل امرأ شَيْئاً،
أَتَكَفَّلُ لَهُ بِالجَنَّةِ" 1. غَرِيْبٌ جِدّاً.
مُحَمَّدُ بنُ مُصَفَّى، وَآخَرُ، قَالاَ: حَدَّثَنَا
بَقِيَّةُ، عَنِ الأوزاعي، عَنِ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ
أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، مرفوعًا: "مجوس هذه
الأمة القدرية" 2.
__________
1 صحيح: أخرجه أبو داود "1643" من طريق عبيد الله بن معاذ،
عن أبيه، عن شعبة، عن عاصم، عن أبي العالية، عن ثوبان
قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم: "من تكفل لي أن لا يسأل الناس شيئا أتكفل لَهُ
بِالجَنَّةِ، فَقَالَ ثَوْبَانُ: أَنَا، فَكَانَ لاَ يسأل
أحدا شيئا".
قلت: إسناده حسن، عاصم، هو ابن بهدلة، صدوق. وأخرجه أحمد
"5/ 276" من طريق محمد بن جعفر، عن شعبة، به، وأخرجه
النسائي "5/ 96" من طريق يحيى، عن ابن أبي ذئب، عن محمد بن
قيس، عن عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية، عن ثوبان مرفوعا
بلفظ: "من يضمن لي واحدة وله الجنة"، قال يحيى: هاهنا كلمة
معناها: أن لا يسأل الناس شيئا.
2 حسن لغيره: أخرجه ابن ماجه "92"، والطبراني في "الصغير"
"ص127"، وابن أبي عاصم في "السنة" "328"، والآجري في
"الشريعة" "ص190" من طريق محمد بن مصفى، به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه أبو الزبير المكي محمد بن مسلم بن
تدرس، وهو مدلس وقد عنعنه. وفيه ابن جريج مدلس أيضا، وقد
عنعنه. وقد صرح بقية بن الوليد بالتحديث في سند ابن أبي
عاصم في "السنة" فأمنا شر تدليسه.
وللحديث شاهد عن حذيفة مرفوعا: "إن لكل أمة مجوسا وإن مجوس
هذه الأمة الذين يزعمون أن لا قدر فإن مرضوا فلا تعودوهم،
وإن ماتوا فلا تشهدوهم هم شيعة الدجال".
أخرجه أبو داود، وأحمد "5/ 406، 407" من طريق سفيان عن عمر
مولى غفرة، عن رجل، عن حذيفة به مرفوعا. =
(7/465)
عَطِيَّةُ بنُ بَقِيَّةَ: حَدَّثَنَا
أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ،
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"السُّبَّاقُ أَرْبَعَةٌ: أَنَا سَابِقُ العَرَبِ،
وَبِلاَلٌ سَابِقُ الحَبَشَةِ، وَصُهَيْبٌ سَابِقُ
الرُّوْمِ، وَسَلْمَانُ سَابِقُ الفُرْسِ" 1. وَهَذَا
حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ، فَرْدٌ، وَالأَظهَرُ أَنَّ بِلاَلاً
لَيْسَ بِحَبَشِيٍّ، وَأَمَّا صُهَيْبٌ، فَعَرَبِيٌّ مِنَ
النَّمِرِ بنِ قَاسِطٍ.
صَحَّ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ:
بَقِيَّةُ أَحَبُّ إليَّ مِنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَيَّاشٍ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ2، عَنِ ابْنِ رَاهْوَيْه، عَمَّنْ
حَدَّثَهُ: أَنَّ ابْنَ المُبَارَكِ قَالَ: نِعْمَ
الرَّجُلُ بَقِيَّةُ، لَوْلاَ أَنَّهُ يُكْنِي
الأَسْمَاءَ، وَيُسَمِّي الكُنَى، كَانَ دَهْراً
يُحَدِّثنَا عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الوُحَاظِيِّ،
فَنَظَرْنَا، فَإِذَا هُوَ عَبْدُ القُدُّوْسِ.
أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، قَالَ:
رَوَى بَقِيَّةُ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ مَنَاكِيْرَ.
وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: قُلْتُ لِيَحْيَى:
أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ: بَقِيَّةُ أَوْ محمد ابن حرب?
فقال: ثقة، وثقة.
قُلْتُ: وَكَانَ بَقِيَّةُ شَيْخاً حِمْصِيّاً مَزَّاحاً.
قَالَ أَبُو التَّقِيِّ اليَزَنِيُّ: سَمِعْتُ بَقِيَّةَ
يَقُوْلُ: مَا أرحمني ليوم الثلاثاء، ما يصومه أحد.
__________
= قلت: إسناده ضعيف لجهالة الرجل الذي لم يسم، وعمر مولى
غفرة ضعيف، وفيه اضطراب في إسناده فأخرجه أحمد "2/ 86"
حدثنا أنس بن عياض، حدثنا عمر بن عبد الله مولى غفرة، عن
عبد الله بن عمر مرفوعا به. وأخرجه أحمد "2/ 125" من طريق
عبد الرحمن بن صالح بن محمد الأنصاري، عن عمر بن عبد الله
مولى غفرة، عن نافع عن ابن عمر، به. وتابعه زكريا بن
منظور، حدثنا أبو حازم، عن نافع، به دون قوله: "هم شيعة
الدجال" أخرجه الآجري "ص190". وزكريا بن منظور ضعيف،
فيتقوى أحدهما بالآخر فيما اتفقا عليه. لا سيما ويشهد له
الحديث قبله. وقد رواه من طريق زكريا الطبرانيُّ في
"الأوسط" كما في "مجمع الزوائد" للهيثمي "7/ 205" وقال:
وثقه أحمد بن صالح وغيره، وضعفه جماعة.
1 حسن لغيره: أخرجه ابن عدي في "الكامل" "2/ 75" من طريق
عطية، به.
قلت: إسناده ضعيف، فيه بقية، وهو مدلس، يدلس تدليس
التسوية. وله شاهد عن أنس: أخرجه الحاكم "3/ 285" من طريق
مُحَمَّدُ بنُ غَالِب، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ،
حَدَّثَنَا عمرة بن زادان، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ
-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- به قلت: وإسناده ضعيف عمارة بن
زادان البصري، ضعيف، ضعفه الدارقطني، وأبو داود.
2 ذكره مسلم في "مقدمة صحيحه" "ص26" قال: حدثنا إسحاق بن
إبراهيم الحنظلي، قال سمعت بعض أصحاب عبد الله قال: قال
ابن المبارك: نعم الرجل بقية ... " فذكره.
(7/466)
ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ
بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ بَرَكَةَ بنَ
مُحَمَّدٍ الحَلَبِيَّ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ
بَقِيَّةَ فِي غُرْفَةٍ، فَسَمِعَ النَّاسَ
يَقُوْلُوْنَ: لاَ، لاَ. فَأَخْرَجَ رَأْسَهُ مِنَ
الرَّوْزَنَةِ، وَجَعَلَ يَصِيْحُ مَعَهُم: لاَ، لاَ.
فَقُلْنَا: يَا أَبَا يُحْمِدَ، سُبْحَانَ اللهِ!
أَنْتَ إِمَامٌ يُقْتَدَى بِكَ! قَالَ: اسْكُتْ،
هَذِهِ سُنَّةُ بَلَدِنَا. بَرَكَةُ وَاهٍ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيُّ الحَافِظُ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ البَرْدَعِيُّ
بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بنُ بَقِيَّةَ،
قَالَ: قَالَ أَبِي: دَخَلْتُ عَلَى هَارُوْنَ
الرَّشِيْدِ، فَقَالَ لِي: يَا بَقِيَّةُ! إِنِّيْ
أُحِبُّكَ. فَقُلْتُ: وَلأَهْلِ بَلَدِي يَا أَمِيْرَ
المُؤْمِنِيْنَ? قَالَ: إِنَّهُم جُنْدُ سُوءٍ، لَهُم
كَذَا كَذَا غَدْرَةً. ثُمَّ قَالَ: حَدِّثْنِي؟
فَقُلْتُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ، عَنْ
أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "أَنَا سَابِقُ العَرَبِ ...
"، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ. فَقَالَ: زِدنِي. فَقُلْتُ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي
أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ
يُدْخِلَ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِيْنَ أَلْفاً،
مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعِيْنَ أَلْفاً، وَثَلاَثَ
حَثَيَاتٍ مِنْ حَثَيَاتِ رَبِّي" 1. قَالَ:
فَامْتَلأَ مِنْ ذَلِكَ فَرَحاً، وَقَالَ: يَا غلام!
الدواة. وكان القيم بأمره الفضل بنُ الرَّبِيْعِ،
وَمَرْتَبَتُهُ بُعَيْدَهُ، فَنَادَانِي: يَا
بَقِيَّةُ! نَاوِلْ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ
الدَّوَاةَ بِجَنبِكَ. قُلْتُ: نَاوِلْهُ أَنْتَ يَا
هَامَانُ. فَقَالَ: أَسْمَعتَ مَا قَالَ أَمِيْرَ
المُؤْمِنِيْنَ? قَالَ: اسْكُتْ، فَمَا كُنْتَ
عِنْدَهُ هَامَانَ حَتَّى أَكُوْنَ أَنَا عِنْدَهُ
فِرْعَوْنَ.
مُحَمَّدُ بنُ مُصفَّى: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، قَالَ:
قَالَ لِي شُعْبَةُ: بَحِّرْ لَنَا، بَحِّرْ لَنَا،
أَي: حَدِّثْنَا عَنْ بَحِيْرِ بنِ سَعْدٍ. وَقَالَ
حَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، قَالَ
لِي شُعْبَةُ: أَهْدِ لِي حَدِيْثَ بَحِيْرٍ. فَبَعَثَ
بِهَا إِلَيْهِ، يَعْنِي: صَحِيْفَة بَحِيْرٍ فَمَاتَ
شُعْبَةُ، وَلَمْ تَصِلْ إِلَيْهِ.
عُمَرُ بنُ سِنَانٍ المَنْبِجِي: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الوَهَّابِ بن الضحاك، قال لي بقية: فقال لِي
شُعْبَةُ: يَا أَبَا يُحْمِدَ! نَحْنُ أَبصَرُ
بِالحَدِيْثِ وَأَعْلَمُ بِهِ مِنْكُم. قُلْتُ:
أَتَقُوْلُ ذَا يَا أَبَا بِسْطَامَ? قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَمَا تَقُوْلُ فِي رَجُلٍ ضُرِبَ عَلَى
أَنفِهِ، فَذَهَبَ شَمُّهُ? فَتَفَكَّرَ فِيْهَا،
وَجَعَلَ يَنْظُرُ، وَقَالَ: أَيْش تَقُوْلُ يَا أَبَا
يُحْمِدَ? فَقُلْتُ: حَدَّثَنَا ابْنُ ذِيْ حَمَايَةَ،
قَالَ: كَانَ مَشْيَخَتُنَا يَقُوْلُوْنَ: يُجعَلُ فِي
أَنْفِهِ الخَرْدَلُ، فَإِنْ حَرَّكَهُ، عَلِمنَا
أَنَّهُ كَاذِبٌ، وَإِنْ لَمْ يُحَرِّكْهُ، فَقَدْ
صَدَقَ.
ابْنُ أَبِي السَّرِيِّ العَسْقَلاَنِيُّ: عَنْ
بَقِيَّةَ، قَالَ لِي شُعْبَةُ: مَا أَحسَنَ
حَدِيْثَكَ! وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَرْكَانٌ.
فَقُلْتُ: حَدِيْثُكُم أَنْتُم لَيْسَ لَهُ أَرْكَانٌ
تجيئني بغالب القطان، وحميد الأعرج، وأبي
__________
1 حسن: أخرجه أحمد "5/ 268"، والترمذي "2437"، وابن
ماجه "4286"، وابن أبي عاصم في "السنة" "589" من طرق
عن إسماعيل بن عياش، عن محمد بن زياد الألهاني، به.
قلت: إسناده حسن، إسماعيل بن عياش، صدوق في روايته عن
أهل بلده، وقد روى عن الألهاني، وهو حمصي شامي مثله.
(7/467)
التَّيَّاحِ، وَأَجِيئُكَ بِمُحَمَّدِ بنِ
زِيَادٍ الأَلْهَانِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي
مَرْيَمَ الغَسَّانِيِّ، وَصَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو
السَّكْسَكِيِّ، يَا أَبَا بِسْطَامَ! أَيش تَقُوْلُ
لَوْ ضَرَبَ رَجُلٌ رَجُلاً، فَذَهَبَ شَمُّهُ? قَالَ:
مَا عِنْدِي فِيْهَا شَيْءٌ ... ، الحَدِيْثَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هبَةِ اللهِ
بنِ تَاجِ الأُمَنَاءِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ
أَبِي سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ
الفُرَاوِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ
اللهِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ حَسَنٍ،
أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا
سَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو السَّكُوْنِيُّ، وَعَطِيَّةُ بنُ
بَقِيَّةَ، وَأَبُو عُتْبَةَ الحِمْصِيُّونَ، قَالُوا:
حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْدِيُّ،
عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "مَنْ
دُعِيَ إِلَى عُرْسٍ أَوْ نَحْوِهِ، فَلْيُجِبْ" 1.
وَبِهِ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا
الدَّبَرِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ
مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا دَعَا أَحَدُكُم أَخَاهُ،
فَلْيُجِبْ، عُرْساً، كَانَ أَوْ غَيْرَهُ" 2.
وَبِهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا
أَبُو أُمَيَّةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ،
حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بنِ غَنْجٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ، عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا دَعَا أَحَدُكُم أَخَاهُ،
فَلْيَأْتِهِ، عُرْساً، أَوْ نَحْوَهُ". وَهَذَا
صَحِيْحٌ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ مُسْلِمٌ. وَأَخْرَجَ
الأَوَّلَ عَنِ ابْنِ رَاهْوَيْه، عَنْ عِيْسَى بنِ
المُنْذِرِ، عَنْ بَقِيَّةَ، وَلَيْسَ لِبَقِيَّةَ فِي
الصَّحِيْحِ سِوَاهُ.
قَالَ أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ: كُنْيَةُ
بَقِيَّةَ: أَبُو يُحْمِدَ، وَأَهْلُ الحَدِيْثِ
تَقُوْلُه لِفَتْحِ اليَاءِ.
قَالَ حَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ: سَمِعْتُ بَقِيَّةَ
يَقُوْلُ: لَمَّا قَرَأْتُ عَلَى شُعْبَةَ أَحَادِيْثَ
بَحِيْرِ بنِ سَعْدٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا يُحْمِدَ!
لَوْ لَمْ أَسْمَعْهَا مِنْكَ، لَطِرتُ.
أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بن القاسم، حدثنا مسهر، حَدَّثَنَا
بَقِيَّةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي
رَاشِدٍ، قَالَ: أَخَذَ بِيَدِي أَبُو أُمَامَةَ
وَقَالَ: أَخَذَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِي، ثُمَّ قَالَ: "يَا أَبَا
أُمَامَةَ، إِنَّ مِنَ المُؤْمِنِيْنَ مَنْ يَلِيْنُ
لَهُ قَلْبِي"3.
قَالَ أَبُو التَّقِيِّ اليَزَنِيُّ: مَنْ قَالَ:
إِنَّ بَقِيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا، فَقَدْ كَذَبَ،
مَا قَالَ قَطُّ إِلاَّ: حَدَّثَنِي فُلاَنٌ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَمُطَيَّنٌ، وَطَائِفَةٌ: مَاتَ
بَقِيَّةُ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
قُلْتُ: وَفِيْهَا مَاتَ حَافِظُ العِرَاقِ وَكِيْعٌ،
وَحَافِظُ مِصْرَ ابْنُ وَهْبٍ، وَهِشَامُ بنُ
يُوْسُفَ قَاضِي اليَمَنِ، وَشُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ
بِالمَدَائِنِ، وَعُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ وَرْشٌ
مُقْرِئُ مِصْرَ.
وَعَاشَ بَقِيَّةُ: سبعًا وثمانين سنة -رحمه الله.
__________
1 صحيح: وقد صرح بقية بالتحديث فأمنا شر تدليسه،
فالإسناد صحيح.
2 صحيح: أخرجه عبد الرزاق "19667"، ومن طريق مسلم
"1429" "100"، وأبو داود "3738" عن معمر، به.
3 ضعيف: في إسناده بقية بن الوليد، وهو مدلس، مشهور
بتدليس التسوية، وقد عنعنه. وهو عند ابن عدي في
"الكامل" "2/ 72 و76" من طريق بقية، عن محمد بن زياد
الألهاني، به. وقال ابن عدي في إثره: وهذا الحديث لا
أعرفه إلا ببقية.
(7/468)
1311- العباس
1:
ابن مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عباس،
الأَمِيْرُ، نَائِبُ الشَّامِ، أَبُو الفَضْلِ
العَبَّاسِيُّ.
وَلِي الشَّامَ لأَخِيْهِ المَنْصُوْرِ، وَوَلِيَ
الجَزِيْرَةَ لِلرَّشِيْدِ، وَحَجَّ بِالنَّاسِ
مَرَّاتٍ، وَغَزَا الرُّوْمَ مَرَّةً فِي سِتِّيْنَ
أَلْفاً.
قَالَ شَبَابٌ: دَخَلَ الرُّوْمَ، وَبَثَّ سَرَايَاهُ،
فغنم، ونصر في سنة تسع وخمسين.
وَنَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ العَبَّاس هَذَا،
كَانَ مِنْ رِجَالاَتِ بَنِي هَاشِمٍ جُوْداً،
وَرَأْياً، وَشَجَاعَةً، وَكَانَ الرَّشِيْدُ يَهَابُه
وَيُجِلُّه.
قَالَ شَبَابٌ: وُلِدَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ.
وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَكَانَ أَنبَلَ بَنِي العَبَّاسِ فِي وَقْتِه.
__________
1 ترجمته في تاريخ بغداد "1/ 95" و"12/ 124"، والعبر
"1/ 192"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 120"،
وتهذيب تاريخ دمشق "7/ 253".
(7/469)
1312- القاضي
أبو يوسف 1:
هُوَ الإِمَامُ، المُجْتَهِدُ، العَلاَّمَةُ،
المُحَدِّثُ، قَاضِي القُضَاةِ، أَبُو يُوْسُفَ
يَعْقُوْبُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ حَبِيْبِ بنِ
حُبَيْشِ بنِ سَعْدِ بنِ بُجَيْرِ بنِ معاوية
الأنصاري، الكوفي.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "8/ ترجمة 3463"، والمعرفة
والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 133" و"3/ 4"، وتاريخ
بغداد "14/ 242"، وفيات الأعيان لابن خلكان "6/ 378"،
وتاريخ جرجان للسهمي "444"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة
273"، وميزان الاعتدال "4/ ترجمة 9794"، والعبر "1/
284"، ومرآة الجنان لليافعي "1/ 382"، والنجوم الزاهرة
لابن تغري بردي "2/ 107"، وشذرات الذهب لابن العماد
الحنبلي "1/ 298".
(7/469)
وَسَعْدُ بنُ بُجَير لَهُ صُحْبَةٌ، وَهُوَ
سَعْدُ ابن حَبْتَة؛ وهي أمه، وهو بَجَلي، من حلفاؤء
الأَنْصَارِ، شَهِدَ الخَنْدَقَ، وَغَيْرَهَا.
مَوْلِدُ أَبِي يُوْسُفَ فِي سَنَةِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ
وَمائَةٍ.
حَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَيَحْيَى بنِ
سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ،
وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ
الشَّيْبَانِيِّ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ،
وَالأَعْمَشِ، وَحَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ، وَأَبِي
حَنِيْفَةَ، وَلَزِمَه، وَتَفَقَّهَ بِهِ، وَهُوَ
أَنبَلُ تَلاَمِذَتِه، وَأَعْلَمُهُم، تَخَرَّجَ بِهِ
أَئِمَّةٌ: كَمُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، وَمُعَلَّى بنِ
مَنْصُوْرٍ، وَهِلاَلٍ الرَّأْيِ، وَابْنِ سَمَاعَةَ،
وَعِدَّةٍ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدُ
بنُ حَنْبَلٍ، وَعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وَأَسَدُ بنُ
الفُرَاتِ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَعَلِيُّ بنُ
مُسْلِمٍ الطُّوْسِيُّ، وَعَمْرُو بنُ أَبِي عَمْرٍو
الحَرَّانِيُّ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَعَدَدٌ
كَثِيْرٌ.
وَكَانَ أَبُوْهُ فَقِيْراً، لَهُ حَانُوتٌ ضَعِيْفٌ،
فَكَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ يَتَعَاهَدُ أَبَا يُوْسُفَ
بِالدَّرَاهِمِ، مائَةً بَعْدَ مائَةٍ.
فَرَوَى عَلِيُّ بنُ حَرْملَةَ التَّيْمِيُّ، عَنْهُ
قَالَ: كُنْتُ أَطْلُبُ العِلْمَ وَأَنَا مُقِلٌّ،
فَجَاءَ أَبِي، فَقَالَ: يَا بُنِيَّ! لاَ تمدَّنَّ
رِجْلَكَ مَعَ أَبِي حَنِيْفَةَ، فَأَنْتَ مُحْتَاجٌ.
فَآثَرتُ طَاعَةَ أَبِي، فَأَعْطَانِي أَبُو
حَنِيْفَةَ مائَةَ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: الْزَمِ
الحَلْقَةَ، فَإِذَا نَفَذَتْ هَذِهِ، فَأَعْلِمْنِي.
ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ أَعْطَانِي مائَةً.
وَيُقَالُ: إِنَّهُ رُبِّيَ يَتِيْماً، فَأَسلَمَتْه
أُمُّهُ قَصَّاراً.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ، قَالَ: مَرِضَ أَبُو
يُوْسُفَ، فَعَادَهُ أَبُو حَنِيْفَةَ، فَلَمَّا
خَرَجَ، قَالَ: إِنْ يَمُتْ هَذَا الفَتَى، فَهُوَ
أَعْلَمُ مَنْ عَلَيْهَا.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: أَوَّلُ مَا كَتَبتُ
الحَدِيْثَ، اخْتَلَفتُ إِلَى أَبِي يُوْسُفَ، وَكَانَ
أَمْيَلَ إِلَى المُحَدِّثِيْنَ مِنْ أَبِي حَنِيْفَةَ
وَمُحَمَّدٍ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي دَاوُدَ البُرُلُسي:
سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ فِي
أَصْحَابِ الرَّأْيِ أَثبَتَ فِي الحَدِيْثِ، وَلاَ
أَحْفَظَ، وَلاَ أَصَحَّ رِوَايَةً مِنْ أَبِي
يُوْسُفَ.
وَرَوَى عَبَّاسٌ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: أَبُو
يُوْسُفَ صَاحِبُ حَدِيْثٍ، صَاحِبُ سنة.
وعن يحي البَرْمَكِيِّ، قَالَ: قَدِمَ أَبُو يُوْسُفَ،
وَأَقَلُّ مَا فِيْهِ الفِقْهُ، وَقَدْ مَلأَ
بِفِقْهِهِ الخَافِقَيْنِ.
قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ أَبُو يُوْسُفَ مُنصِفاً فِي
الحَدِيْثِ.
(7/470)
وَعَنْ أَبِي يُوْسُفَ، قَالَ: صَحِبتُ
أَبَا حَنِيْفَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
وَعَنْ هِلاَلٍ الرَّأْيِ، قَالَ: كَانَ أَبُو
يُوْسُفَ يَحفَظُ التَّفْسِيْرَ، وَيَحفَظُ
المَغَازِي، وَأَيَّامَ العَرَبِ، كَانَ أَحَدَ
عُلُوْمِهِ الفِقْهُ.
وَعَنِ ابْنِ سَمَاعَةَ، قَالَ: كَانَ وِرْدُ أَبِي
يُوْسُفَ فِي اليَوْمِ مائَتَيْ رَكْعَةٍ.
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: مَا أُخِذَ عَلَى أَبِي
يُوْسُفَ إِلاَّ حَدِيْثُهُ فِي الحجْرِ، وَكَانَ
صَدُوقاً.
قَالَ يَحْيَى بنُ يَحْيَى التَّمِيْمِيُّ: سَمِعْتُ
أَبَا يُوْسُفَ عِنْد وَفَاتِهِ يَقُوْلُ: كُلُّ مَا
أَفْتَيْتُ بِهِ، فَقَدْ رَجَعتُ عَنْهُ، إِلاَّ مَا
وَافَقَ الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ. وَفِي لَفْظٍ: إِلاَّ
مَا فِي القُرْآنِ، وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ
المُسْلِمُوْنَ.
قَالَ بِشْرُ بنُ الوَلِيْدِ: سَمِعْتُ أَبَا
يُوْسُفَ: مَن طَلَبَ المَالَ بِالكِيْمِيَاءِ،
أَفلَسَ، وَمَنْ طَلَبَ الدِّيْنَ بِالكَلاَمِ،
تَزَندَقَ، وَمَنْ تَتَبَّعَ غَرِيْبَ الحَدِيْثِ،
كُذِّبَ.
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لاَ بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ فِي "طَبَقَاتِ الحَنَفِيَّةِ":
وَأَبُو يُوْسُفَ ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكتب حَدِيْثُهُ.
بَكَّارُ بنُ قُتَيْبَةَ: سَمِعْتُ أَبَا الوَلِيْدِ،
قَالَ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو يُوْسُفَ البَصْرَةَ مَعَ
الرَّشِيْدِ، اجْتَمَعَ الفُقَهَاءُ وَالمُحَدِّثُونَ
عَلَى بَابِهِ، فَأَشرَفَ عَلَيْهِم، وَقَالَ: أَنَا
مِنَ الفَرِيْقَيْنِ جَمِيْعاً، وَلاَ أُقدِّمُ
فِرقَةً. عَلَى فِرقَةٍ قَالَ: وَكَانَ قَاضِيَ
الآفَاقِ، وَوَزِيْرَ الرَّشِيْدِ، وَزَمِيْلَهُ فِي
حَجِّه.
مُحَمَّدُ بنُ شُجَاعٍ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ أَبِي
مَالِكٍ، سَمِعْتُ أَبَا يُوْسُفَ يَقُوْلُ: لاَ
نُصَلِّي خَلْفَ مَنْ قَالَ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ.
وَلاَ يُفْلِحُ مَنِ اسْتَحلَى شَيْئاً مِنَ
الكَلاَمِ.
قُلْتُ: بَلَغَ أَبُو يُوْسُفَ مِنْ رِئَاسَةِ
العِلْمِ مَا لاَ مَزِيْدَ عَلَيْهِ، وَكَانَ
الرَّشِيْدُ يُبَالِغُ فِي إِجْلاَلِه.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدَانَ: حَدَّثَنَا أَبُو
سُلَيْمَانَ الجُوْزَجَانِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا
يُوْسُفَ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى الرَّشِيْدِ وَفِي
يده دُرَّتان يقبلهما، فَقَالَ: هَلْ رَأَيْتَ
أَحْسَنَ مِنْهُمَا? قُلْتُ: نَعَمْ يَا أَمِيْرَ
المُؤْمِنِيْنَ. قَالَ: وَمَا هُوَ? قُلْتُ: الوِعَاءُ
الَّذِي هُمَا فِيْهِ. فَرَمَى بِهِمَا إِلَيَّ،
وَقَالَ: شَأْنُكَ بِهِمَا.
قَالَ بِشْرُ بنُ الوَلِيْدِ: تُوُفِّيَ أَبُو
يُوْسُفَ يَوْمَ الخَمِيْسِ، خَامِسَ رَبِيْعٍ
الأَوَّلِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ
وَمائَةٍ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: مَاتَ فِي غُرَّةِ رَبِيْعٍ
الآخِرِ، وَعَاشَ تِسْعاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً. وَقَدْ
أَفرَدتُ لَهُ تَرْجَمَةً فِي كراس.
وَمَا أَنبَلَ قَوْلَه الَّذِي رَوَاهُ جَمَاعَةٌ،
عَنْ بِشْرِ بنِ الوَلِيْدِ، سَمِعْتُ أَبَا يُوْسُفَ
يَقُوْلُ: العِلْمُ بِالخُصُوْمَةِ وَالكَلاَمِ جَهلٌ،
وَالجَهْلُ بِالخُصُوْمَةِ وَالكَلاَمِ عِلْمٌ.
قُلْتُ: مِثَالُهُ شُبَهٌ وَإِشْكَالاَتٌ مِنْ
نَتَائِجِ أَفَكَارِ أَهْلِ الكَلاَمِ، تُورَدُ فِي
الجِدَالِ عَلَى آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيْثِهَا،
فَيُكَفِّرُ هَذَا هَذَا، وَيَنْشَأُ الاعْتِزَالُ،
وَالتَّجَهُّمُ، وَالتَّجسِيْمُ، وَكُلُّ بَلاَءٍ.
نَسْأَلُ اللهَ العافية.
(7/471)
1313- أبو
إسحاق الفزاري 1: "ع"
الإِمَامُ، الكَبِيْرُ، الحَافِظُ، المُجَاهِدُ،
إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَارِثِ بنِ
أَسْمَاءَ بنُ خَارِجَةَ بنِ حِصْنِ بنِ حُذَيْفَةَ
بنِ بَدْرِ بنِ عَمْرِو بنِ جُوَيَّةَ بنِ لَوْذَان
بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ عَدِيِّ بنِ فَزَارَةَ بنِ ذُبيان
بنِ بَغيض بنِ رَيْث بنِ غَطَفَانَ بنِ سَعْدِ بنِ
قَيْسِ عَيْلاَنَ بنِ مُضَرَ بنِ نِزَارِ بنِ مَعَدِّ
بنِ عَدْنَانَ الفَزَارِيُّ، الشَّامِيُّ.
وَلِجَدِّهِم خَارِجَةُ صُحْبَةٌ، وَهُوَ أَخُو
عُيَيْنَةَ بنِ حِصْنٍ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيِّ،
وَكُلَيْبِ بنِ وَائِلٍ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ،
وَلَيْثِ بنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ
عُمَيْرٍ، وَسُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَأَسْلَمَ
المِنْقَرِيِّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ،
وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ،
وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ،
وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَيَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ
الأَنْصَارِيِّ، وَعَاصِمِ بنِ كُلَيْبٍ، وَالعَلاَءِ
بن المسيب، وَالثَّوْرِيِّ، وَزَائِدَةَ، وَابْنِ
شَوْذَبٍ، وَشُعَيْبِ بنِ أَبِي حَمْزَةَ، وَمَالِكٍ،
وَخَلْقٍ.
وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ
-وَهُمَا مِنْ شُيُوْخِهِ- وَابْنُ المُبَارَكِ،
وَبَقِيَّةُ، وَابْنُ عَمِّهِ؛ مَرْوَانُ بنُ
مُعَاوِيَةَ الفَزَارِيُّ، وَأَبُو أُسَامَةَ،
وَزَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ، وَعَاصِمُ بنُ يُوْسُفَ
اليَرْبُوْعِيُّ، وَأَبُو تَوْبَةَ الحَلَبِيُّ،
وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَوْنٍ الخَرَّازُ، وَعَبْدُ
المَلِكِ بنُ حَبِيْبٍ المَصِّيْصِيُّ -شَيْخٌ لأَبِي
دَاوُدَ- وَمَحْبُوْبُ بنُ مُوْسَى الفَرَّاءُ،
وَمُوْسَى بنُ أَيُّوْبَ النَّصِيْبِيُّ،
وَمُعَاوِيَةُ بنُ عَمْرٍو الأَزْدِيُّ، وَعَمْرٌو
النَّاقِدُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
سَهْمٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ الحلبي، وخلق كثير.
__________
1 ترجمته في التاريخ الكبير "1/ ترجمة 1005"، والمعرفة
والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/ 177"، وتذكرة الحفاظ "1/
ترجمة 259"، والعبر "1/ 290"، وتهذيب التهذيب "1/
151".
(7/472)
ذَكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ، فَقَالَ:
الثِّقَةُ، المَأْمُوْنُ الإِمَامُ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، أَحَدُ
الأَئِمَّةِ.
قَالَ الخَلِيْلِيُّ: قَالَ الحُميدي: قَالَ لِي
الشَّافِعِيُّ: لَمْ يُصَنِّفْ أَحَدٌ فِي السِّيَرِ
مِثْلَ كِتَابِ أَبِي إِسْحَاقَ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: اتَّفَقَ العُلَمَاءُ عَلَى
أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ الفَزَارِيَّ إِمَامٌ يُقْتَدَى
بِهِ، بِلاَ مُدَافَعَةٍ.
قَالَ: وَقَالَ الحُمَيْدِيُّ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى
ابْنِ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو
إِسْحَاقَ عَنْكَ بِكَذَا. فَقَالَ: وَيْحَكَ! إِذَا
سَمِعْتَ أَبَا إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ عَنِّي، فَلاَ
يَضُرُّكَ أَنْ لاَ تَسْمَعَهُ مِنِّي.
وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: كَانَ ثِقَةً، صَاحِبَ
سُنَّةٍ، صَالِحاً، هُوَ الَّذِي أَدَّبَ أَهْلَ
الثَّغْرِ، وَعَلَّمَهُم السُّنَّةَ، وَكَانَ يَأمُرُ
وَيَنْهَى، وَإِذَا دَخَلَ الثَّغْرَ رَجُلٌ
مُبْتَدِعٌ، أَخْرَجَهُ، وَكَانَ كَثِيْرَ الحَدِيْثِ،
وَكَانَ لَهُ فِقْهٌ.
أَمَرَ سُلْطَاناً وَنَهَاهُ، فَضَرَبَهُ مائَتَيْ
سَوْطٍ، فَغَضِبَ لَهُ الأَوْزَاعِيُّ، وَتَكَلَّمَ
فِي أَمرِهِ.
قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ إِمَاماً.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الأَصْبَهَانِيُّ
البَنَّاءُ: حَدَّثَ الأَوْزَاعِيُّ بِحَدِيْثٍ،
فَقَالَ: حَدَّثَنِي الصَّادِقُ المَصْدُوقُ أَبُو
إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ.
وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ الفَرَّاءُ: لَقِيْتُ
الفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ، فَعَزَّانِي بِأَبِي
إِسْحَاقَ، وَقَالَ: رُبَّمَا اشْتَقْتُ إِلَى
المَصِّيْصَةِ، مَا بِي فَضْلُ الرِّبَاطِ، إِلاَّ
أَنْ أَرَى أَبَا إِسْحَاقَ -رَحِمَهُ اللهُ.
قُلْتُ: آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ وَفَاةً: عَلِيُّ
بنُ بَكَّارٍ المَصِّيْصِيُّ الصَّغَيْرُ، وَبَقِيَ
إِلَى نَحْوِ سَنَةِ سِتِّيْنَ وَمَائَتَيْنِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا إِسْحَاقَ رَوَى حَدِيْثاً عَنْ
أَبِي طُوَالَةَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
وَالصَّوَابُ أَنَّ بَيْنَهُمَا زَائِدَةُ. وَاللهُ
أَعْلَمُ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ
وَمائَةٍ.
وَأَمَّا مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، فَوَهِمَ، وَقَالَ:
مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
قُلْتُ: مَنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِيْنَ هُوَ، أَوْ
جَاوَزَهَا بِقَلِيْلٍ.
قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: قَدِمَ أَبُو إِسْحَاقَ
الفَزَارِيُّ دِمَشْقَ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ
لِيَسْمَعُوا مِنْهُ، فَقَالَ:
(7/473)
اخْرُجْ إِلَى النَّاسِ، فَقُلْ لَهُم:
مَنْ كَانَ يَرَى القَدَرَ، فَلاَ يَحْضُرْ
مَجْلِسَنَا، وَمَنْ كَانَ يَرَى رَأْيَ فُلاَنٍ،
فَلاَ يَحضُرْ مَجْلِسَنَا. فَخَرَجْتُ،
فَأَخْبَرْتُهُم.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، عَظِيْمُ
الغَنَاءِ فِي الإِسْلاَمِ.
وَيُرْوَى أَنَّ هَارُوْنَ الرَّشِيْدَ أَخَذَ
زِنْدِيقاً لِيَقْتُلَهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَيْنَ
أَنْتَ مِنْ أَلْفِ حَدِيْثٍ وَضَعْتُهَا? قَالَ:
فَأَيْنَ أَنْتَ يَا عَدُوَّ اللهِ مِنْ أَبِي
إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ، وَابْنِ المُبَارَكِ
يَتَخَلَّلاَنِهَا، فَيُخْرِجَانِهَا حَرفاً حَرفاً.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: تُوُفِّيَ أَبُو
إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ وَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ
الأَرْضِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْهُ.
وَعَنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: وَاللهِ مَا
رَأَيْتُ أَحَداً أُقَدِّمُهُ عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ
الفَزَارِيِّ.
وَقَالَ عَطَاءٌ الخَفَّافُ: كُنْتُ عِنْدَ
الأَوْزَاعِيِّ، فَأَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى أَبِي
إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ، فَقَالَ لِكَاتِبِهِ: ابْدَأْ
بِهِ، فَإِنَّهُ -وَاللهِ- خَيْرٌ مِنِّي.
قَالَ عَلِيُّ بنُ بَكَّارٍ الزَّاهِدُ: رَأَيْتُ
ابْنَ عَوْنٍ فَمَنْ بَعْدَهُ، مَا رَأَيْتُ فِيْهِم
أَفْقَهَ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: إِذَا
رَأَيْتَ شَامِيّاً يُحِبُّ الأَوْزَاعِيَّ، وَأَبَا
إِسْحَاقَ، فَاطْمَئِنَّ إِلَيْهِ.
قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: دَخَلْتُ عَلَى
هَارُوْنَ، فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ! إِنَّكَ فِي
مَوْضِعٍ وَفِي شَرَفٍ قُلْتُ: يَا أَمِيْرَ
المُؤْمِنِيْنَ! ذَاكَ لاَ يُغْنِي عَنِّي فِي
الآخِرَةِ شَيْئاً.
وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ بنَ
عِيَاضٍ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، وَإِلَى
جَنْبِهِ فُرْجَةٌ فَذَهَبْتُ لأَجْلِسَ، فَقَالَ:
هَذَا مَجْلِسُ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ
القَرَافِيُّ، أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بنُ أَبِي
الجُوْدِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي غَالِبٍ
العَابِدُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ
عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ الحَضْرَمِيُّ،
حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ
مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"مَنْ أَدْخَلَ عَلَى مُؤْمِنٍ سُرُوْراً، فَقَدْ
سَرَّنِي، وَمَنْ سَرَّنِي، فَقَدِ اتَّخَذَ عِنْدَ
اللهِ عَهْداً، وَمَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ اللهِ عَهْداً،
فَلَنْ تَمَسَّهُ النَّارُ أَبَداً". هَذَا حَدِيْثٌ
شِبْهُ مَوْضُوْعٍ، مَعَ لَطَافَةِ إِسْنَادِهِ،
وَزَيْدٌ هَذَا: لَمْ أَجِدْ لَهُ ذِكراً فِي
دَوَاوِيْنِ الضُّعَفَاءِ، وَالآفَةُ منه.
(7/474)
إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ:
قُلْتُ لأَبِي أُسَامَةَ: أَيُّهُمَا أَفْضَلُ:
فُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ، أَوْ أَبُو إِسْحَاقَ
الفَزَارِيُّ? فَقَالَ: كَانَ فُضَيْلٌ رَجُلَ
نَفْسِهِ، وَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ رَجُلَ عَامَّةٍ.
وَقَالَ عُبَيْدُ بنُ جَنَّاد: قَالَ عَطَاءُ بنُ
مُسْلِمٍ: قُلْتُ لأَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ:
أَلاَ تَسُبُّ مَنْ ضَرَبَكَ? قَالَ: إِذاً أُحِبُّهُ.
فَلَمَّا مَاتَ أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ عَطَاءٌ: مَا
دَخَلَ عَلَى الأُمَّةِ مِنْ مَوْتِ أَحَدٍ، مَا
دَخَلَ عَلَيْهِم مِنْ مَوْتِ أَبِي إِسْحَاقَ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: كَانَ الأَوْزَاعِيُّ
وَالفَزَارِيُّ إِمَامَينِ فِي السُّنَّةِ.
وَرَوَى مُعَاوِيَةُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، قَالَ الأَوْزَاعِيُّ فِي الرَّجُلِ
يُسْأَلُ: أَمُؤْمِنٌ أَنْتَ حَقّاً? قَالَ: إِنَّ
المَسْأَلَةَ عَنْ ذَلِكَ بِدْعَةٌ، وَالشَّهَادَةَ
عَلَيْهِ تَعَمُّقٌ لَمْ نُكَلَّفْهُ فِي دِيْنِنَا،
وَلَمْ يَشْرَعْه نَبِيُّنَا القَوْلُ فِيْهِ جَدَلٌ،
وَالمُنَازَعَةُ فِيْهِ حَدَثٌ، وَذَكَرَ فَصْلا
نافعًا.
(7/475)
1314- البَكَّائي 1: "خَ، م، ت، ق"
الشَّيْخُ، الحَافِظُ، المُحَدِّثُ، أَبُو مُحَمَّدٍ
زِيَادُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الطُّفَيْلِ
العَامِرِيُّ، البكَّائي، الكُوْفِيُّ، رَاوِي
السِّيْرَةِ النَّبَوِيَّةِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ.
حَدَّثَ عَنْ: حُصين بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدُ
المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ،
وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ،
وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: عَبْدُ المَلِكِ بنُ هِشَامٍ النَّحْوِيُّ،
وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَمْرُو بنُ عَلِيٍّ
الفَلاَّسُ، وَزِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، وَالحَسَنُ بنُ
عَرَفَةَ، وَزَكَرِيَّا زَحْمَوَيْه، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ: ليس به بأس.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ: مَا أَحَدٌ فِي
ابْنِ إِسْحَاقَ أَثْبَتُ مِنْ زِيَادٍ البَكَّائِيِّ؛
لأنه أملى عليه مرتين.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 396"، والتاريخ الكبير
"3/ ترجمة 1218"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/
444" و"3/ 276"، والضعفاء الكبير للعقيلي "2/ ترجمة
529"، والجرح والتعديل "3/ ترجمة 2425"، والمجروحين
لابن حبان "1/ 306"، والكامل لابن عدي "3/ ترجمة 691"،
وتاريخ بغداد "8/ 476"، والأنساب للسمعاني "1/ 270"،
ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 248" والعبر "1/
287"، والكاشف "1/ ترجمة 1712"، وميزان الاعتدال "2/
ترجمة 2949"، وتهذيب التهذيب "3/ 375"، وخلاصة الخزرجي
"1/ ترجمة 2208".
(7/475)
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ فِي ابْنِ
إِسْحَاقَ.
وَرَوَى عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: لَيْسَ
بِشَيْءٍ، قَدْ كَتَبتُ عَنْهُ المَغَازِي.
وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: لاَ أَرْوِي عَنْهُ
شَيْئاً.
وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: هو في نَفْسُهُ ضَعِيْفُ
الحَدِيْثِ، لَكِنَّهُ مِنْ أَثبَتِ النَّاسِ فِي
المَغَازِي، بَاعَ دَارَهُ، وَخَرَجَ يَدُورُ مَعَ
ابْنِ إِسْحَاقَ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: صَدُوْقٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: كَثِيْرُ المَنَاكِيْرِ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ
سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا زحمويه، حدثنا زِيَادٌ، عَنْ
إِدْرِيْسَ الأَوْدِيِّ، عَنْ عَوْنِ بنِ أبي جُحَفية،
عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: أَذَّنَ بِلاَلٌ لِرَسُوْلِ
اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَثْنَى
مَثْنَى، وَأَقَامَ مِثْلَ ذَلِكَ1.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: هَذَا بَاطِلٌ، قَدْ
رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، وَالنَّاسُ، عَنْ عَوْنٍ،
وَلَمْ يَذْكُرُوا تَثْنِيَةَ الإِقَامَةِ.
تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ ثلاث وثمانين ومائة.
__________
1 صحيح لغيره: أخرجه ابن حبان في "المجروحين" "1/
303"، والدارقطني "1/ 242" من طريق زكريا بن يحيى
زحمويه حدثنا زياد بن عبد الله بن الطفيل، به.
قلت: إسناده ضعيف، آفته زياد بن عبد الله بن الطفيل،
قال أَبُو حَاتِمٍ: لاَ يُحتج بِهِ. وَقَالَ ابْنُ
المديني والنسائي، وابن سعد، ضعيف. والحديث ذكره
الذهبي في ترجمته في "الميزان" وعده من مناكيره. وقال
ابن حبان في إثر هذا الحديث: "هذا خبر باطل ما أَذَّنَ
بِلاَلٌ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم- مثنى "مثنى" و"ما" أقام مثل ذلك إنما كان أذانه
مثنى "مثنى" وإقامته فرادى وهذا الخبر رواه الثوري
والناس عن عون بن أبي جحيفة بطوله ولم يذكروا فيه
تثنية الأذان و"لا" الإقامة وإنما قالوا: خرج بلال
فأذن فقط". ثم قال: "قال ابن عدي: زياد بن عبد الله قد
روى عنه الثقات من الناس وما أرى في روايته بأسا".
يقول محمد أيمن الشبراوي: لكن الحديث قد رواه عبد الله
بن زيد: عند ابن أبي شيبة في "مسنده" "136"، والطحاوي
"79-80"، وابن خزيمة "380"، والبيهقي "1/ 240" من طريق
وكيع، عن الأعمش عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي
ليلى، حدثنا أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- أن عبد
الله بن زيد الأنصاري ...
قلت: وإسناده صحيح. وصححه ابن خزيمة فقال: "أما ما
رواهُ العراقيون عن عبد الله بن زيد فقد ثبت من جهة
النقل"، ورواه أبو محذورة: عند أبي داود "502"،
والترمذي "192"، والنسائي "1/ 103"، وابن ماجه "709"،
والطحاوي في "شرح معاني الآثار" "1/ 130 و135"، وابن
أبي شيبة "1/ 203"، وأحمد "3/ 409". فإفراد الإقامة
وتثنيتها صحيح، وكلاهما وارد صحيح، والعمل بأيهما
جائز.
(7/476)
1315- عبد
الواحد 1: "ع"
ابن زياد، الإِمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو بِشْرٍ
-وَقِيْلَ: أَبُو عُبيدة- العَبْدِيُّ مَوْلاَهُمْ،
البَصْرِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: كُلَيْبِ بنِ وَائِلٍ، وَحَبِيْبِ بنِ
أَبِي عَمْرَةَ، وَالمُخْتَارِ بنِ فُلْفُلٍ،
وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ،
وَعُمَارَةَ بنِ القَعْقَاعِ، وَطَبَقَتِهِم.
وَعَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَعَفَّانُ،
وَمُسَدَّدٌ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَعُبَيْدُ اللهِ
القَوَارِيْرِيُّ، وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيْدٍ،
وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَثَّقَهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَلَيَّنَهُ يَحْيَى القَطَّانُ، وَقَالَ: قَلَّمَا
رَأَيْتُهُ يَطلُبُ العِلْمَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: عَمَدَ عَبْدُ
الوَاحِدِ إِلَى أَحَادِيْثَ كَانَ الأَعْمَشُ
يُرْسِلُهَا، فَوَصَلَهَا كُلَّهَا.
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: سَمِعْتُ القَطَّانَ
يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ عَبْدَ الوَاحِدِ يَطلُبُ
حَدِيْثاً قَطُّ بِالبَصْرَةِ، وَلاَ الكُوْفَةِ،
فَكُنَّا نَجلِسُ عَلَى بَابِهِ يَوْمَ الجُمُعَةِ
بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَأُذَاكِرُهُ حَدِيْثَ
الأَعْمَشِ، لاَ يَعْرِفُ مِنْهُ حَرفاً.
قُلْتُ: قَدْ كَانَ مِنْ عُلَمَاءِ الحَدِيْثِ،
وَحَدِيْثُهُ مُخَرَّجٌ فِي الصِّحَاحِ، وَلَكِنَّ
عَبْدَ الوَارِثِ أَحْفَظُ مِنْهُ وَأَتقَنُ.
قَالَ الفَلاَّسُ، وَغَيْرُهُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ
سِتٍّ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: سَنَةَ سَبْعٍ
وَسَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 289"، والتاريخ الكبير
"6/ ترجمة 1706"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/
168 و344" و"3/ 122"، والضعفاء الكبير للعقيلي "3/
ترجمة 1015"، والجرح والتعديل "6/ ترجمة 108"، والكامل
لابن عدي "5/ ترجمة 1443"، وتذكرة الحفاظ "1/ ترجمة
244"، والكاشف "2/ ترجمة 3549"، والعبر "1/ 269"،
وميزان الاعتدال "2/ ترجمة 5287"، وتهذيب التهذيب "6/
434"، وتقريب التهذيب "1/ 526"، وخلاصة الخزرجي "2/
ترجمة 4490".
(7/477)
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ،
عَنْ أَبِي رَوْحٍ، أَخْبَرَنَا تَمِيْمٌ المُؤَدِّبُ،
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الأَدِيْبُ، أَخْبَرَنَا
أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو
يَعْلَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَجَّاجِ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا
عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، وَهُوَ ابْنُ
سَرْجِسَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَكَلتُ مَعَهُ خُبْزاً
وَلَحْماً -أَوْ قَالَ: ثَرِيْداً- فَقُلْتُ: غَفَرَ
اللهُ لَكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ. قَالَ: "وَلَكَ".
قُلْتُ لَهُ: أَسْتَغْفَرَ لَكَ رَسُوْلُ اللهِ?
قَالَ: نَعَمْ، وَلَكَ، وَتَلاَ: {وَاسْتَغْفِرْ
لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}
[محمد: 19] 1.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "2346"، وأحمد "5/ 82" من طريق
عاصم الأحول، به.
(7/478)
1316- جرير بن
عبد الحميد 1: "ع"
ابن يزيد، الإِمَامُ، الحَافِظُ، القَاضِي، أَبُو
عَبْدِ اللهِ الضَّبِّيُّ، الكُوْفِيُّ.
نَزَلَ الرَّيَّ، وَنَشَرَ بِهَا العِلْمَ. وَيُقَالُ:
مَوْلِدُهُ بِأَعْمَالِ أَصْبَهَانَ. وَنَشَأَ
بِالكُوْفَةِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ حُميد، عَنْ جَرِيْرٍ: وُلِدْتُ
سَنَةَ مَاتَ الحسن، سنة عشر3.
حَدَّثَ عَنْ: عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ،
وَبَيَانِ بنِ بِشْرٍ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ
رُفَيْعٍ، وَمُغِيْرَةَ بنِ مِقْسَمٍ، وَمُطَرِّفِ بنِ
طَرِيْفٍ، وَالعَلاَءِ بنِ المُسَيَّبِ، وَثَعْلَبَةَ
بنِ سُهَيْلٍ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَسُلَيْمَانَ
التَّيْمِيِّ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَيَحْيَى بنِ
سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ
مُحَمَّدِ بنِ المُنْتَشِرِ، وَرَقَبَةَ بنِ
مَصْقَلَةَ، وَعَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، وَلَيْثِ بنِ
أَبِي سُلَيْمٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ،
وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَأَبِي حَيَّانَ
التَّيْمِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ،
وَمُوْسَى بنِ أَبِي عَائِشَةَ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي
زِيَادٍ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَقَابُوْسِ
بنِ أَبِي ظِبْيَانَ، وَالمُخْتَارِ بنِ فُلْفُل،
وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَيَنْزِلُ إِلَى ابْنِ إِسْحَاقَ، وَمَالِكٍ، وَكَانَ
مِنْ مَشَايِخِ الإِسْلاَمِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَمُحَمَّدُ بنُ
عِيْسَى بنِ الطبَّاع، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى،
وَقُتَيْبَةُ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ
مَعِيْنٍ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَأَبُو
بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وإسحاق بن
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 381"، والتاريخ الكبير
"2/ ترجمة 2235"، والضعفاء الكبير للعقيلي "1/ ترجمة
244"، والجرح والتعديل "2/ ترجمة 2080"، وتاريخ بغداد
"7/ 253"، وميزان الاعتدال "1/ ترجمة 1466"، وتذكرة
الحفاظ "1/ ترجمة 257"، والكاشف "1/ ترجمة 780"،
وتهذيب التهذيب "2/ 75"، وتقريب التهذيب "1/ 127"،
والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "2/ 127".
3 أي: عشر ومائة.
(7/478)
رَاهَوَيْه، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى
الفَرَّاءُ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَإِسْحَاقُ بنُ
مُوْسَى الخَطْمِيُّ، وَزِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ،
وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَذْرَمِيُّ1،
وَسُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ، وَعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ،
وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو زُنَيج، وَمُحَمَّدُ بنُ
قُدَامَةَ بنِ أَعْيَنَ، وَيَحْيَى بنُ أَكْثَمَ،
وَيَعْقُوْبُ الدَّوْرَقِيُّ، وَيُوْسُفُ بنُ مُوْسَى،
وَعَمْرُو بنُ رَافِعٍ، وَعُثْمَانُ بنُ أَبِي
شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ قُدَامَةَ الطُّوْسِيُّ،
وَمُحَمَّدُ بنُ قُدَامَةَ بنِ إِسْمَاعِيْلَ
السُّلَمِيُّ البُخَارِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَقَدْ نَسَبَهُ عِيْسَى بنُ سُلَيْمَانَ الوَرَّاقُ،
عَنْ يُوْسُفَ بن موسى، فَقَالَ: جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ
الحَمِيْدِ بنِ جَرِيْرِ بنِ قُرْطِ بنِ هِلاَلِ بنِ
أَبِي قَيْسٍ بنِ وَحْفِ بنِ عَبْدِ بنِ غَنْمِ بنِ
عَبْدِ اللهِ بنِ بَكْرِ بنِ سَعْدِ بنِ ضَبَّةَ بنِ
أُدٍّ؟ قَالَ: وَعَاشَ سَبْعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
قَالَ ابنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، كَثِيْرَ العِلْمِ،
يُرحَلُ إِلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَمَّار: هُوَ حُجَّةٌ، كَانَتْ
كُتُبُهُ صِحَاحاً، وَمَا كَانَ زِيُّه زِيَّ
مُحَدِّثٍ، فَإِذَا حَدَّثَ ... أَيْ: كَانَ يُشْبِهُ
العُلَمَاءَ.
وَقَالَ زُنَيج2: سَمِعْتُ جَرِيْراً يَقُوْلُ:
رَأَيتُ ابْنَ أَبِي نَجيح، وَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ
شَيْئاً، وَرَأَيتُ جَابِراً الجُعْفِيَّ، فَلَمْ
أَكْتُبْ عَنْهُ شَيْئاً، وَرَأَيتُ ابْنَ جُرَيْجٍ،
وَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ:
ضَيَّعتَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ. قَالَ: لاَ، أَمَّا
جَابِرٌ، فَكَانَ يُؤْمِنُ بِالرَّجعَةِ، وَأَمَّا
ابْنُ أَبِي نَجِيْحٍ، فَكَانَ يَرَى القَدَرَ،
وَأَمَّا ابْنُ جُرَيْجٍ، فَإِنَّهُ أَوْصَى بَنِيْهِ
بِسِتِّيْنَ امْرَأَةً، وَقَالَ: لاَ تَزَوَّجُوا
بِهِنَّ، فَإِنَّهُنَّ أُمَّهَاتُكُم -كَانَ يَرَى
المُتعَةَ.
قُلْتُ: أَمَّا امْتنَاعُهُ مِنَ الجعفي، فمعذور؛ لأنه
كان مبتدعًا، ولم يَكُنْ بِالثِّقَةِ، وَأَمَّا
الآخَرَانِ، فَفَرَّطَ فِيْهِمَا، وَهُمَا مِنْ
أَئِمَّةِ العِلْمِ، وَإِنْ غَلِطَا فِي
اجْتِهَادِهِمَا.
قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ: كَانَ جَرِيْرُ بنُ
عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَأَبُو عَوَانَةَ يَتَشَابَهَانِ
فِي رَأْيِ العَيْنِ، مَا كَانَا يَصْلُحَانِ إِلاَّ
أَنْ يَكُوْنَا رَاعِيَيْ غَنَمٍ. وَقَدْ كَتَبتُ عَنْ
جَرِيْرٍ بِمَكَّةَ.
يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ أَبَا الوَلِيْدِ
الطَّيَالِسِيَّ، قَالَ قَدِمْتُ الرَّيَّ بِعَقِبِ
مَوْتِ شُعْبَةَ، وَمَعِيَ أَبُو دَاوُدَ، وَحَمَلْتُ
مَعِي أَصلَ كِتَابِي عَنْ شُعْبَةَ. قَالَ: فَكَانَ
جَرِيْرٌ يُجَالِسُنَا عِنْدَ تَاجِرٍ، فَسَمِعَنَا
نَذْكُرُ الحَدِيْثَ، قَالَ: فَيُعْجَبُ بِالحَدِيْثِ
إِعجَابَ رجل سمع العلم وليس له حفظ،
__________
1 نسبة إلى أذرمة، وهي قرية عند نصيبين من الجزيرة كما
ذكر ابن الأثير في "اللباب".
2 زُنَيج: هو محمد بن عمرو بن بكر الرازي، أبو غسان،
ثقة، وهو من الطبقة العاشرة وهم كبار الآخذين عن تبع
الأتباع، ممن لم يلق التابعين. روى له مسلم، وأبو
داود، وابن ماجه.
(7/479)
فَسَمِعَنِي أَذْكُرُ: عَنْ شُعْبَةُ، عَنْ
عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلِمَةَ،
حَدِيْثَ صَفْوَانَ بنِ عَسَّالٍ1، أَوْ حَدِيْثَ:
"إِنَّكُمَا عِلْجَانِ، فعالجا عن دِيْنِكُمَا"2.
فَقَالَ: اكْتُبْهُ لِي. فَكَتَبْتُهُ لَهُ،
وَحَدَّثتُهُ بِهِ. قَالَ: وَتَحَدَّثتُ بِحَدِيْثِ
فَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ: حديث القلادة3، قال:
فاستحسنه، وقال: اكْتُبْه لِي، فَكَتبْتُهُ لَهُ،
وَحَدَّثتُهُ بِهِ عَنْ لَيْثِ بنِ سَعْدٍ. فَقَالَ
لِي: قَدْ كَتَبتُ عن
__________
1 ضعيف: أخرجه أحمد "4/ 239 و240"، والترمذي "2733"
و"3144" وقال حسن صحيح، والنسائي "7/ 111"، وابن ماجه
"3705"، والبيهقي في "دلائل النبوة" "6/ 286" والعقيلي
في "الضعفاء" "2/ 261" من طرق عن شعبة، به ولفظه عن
صفوان بن عسال قال: قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى
هذا النبي فقال صاحبه: لا تقل نبي، إنه لو سمعك كان له
أربعة أعين، فأتينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
فسألاه عن تسع آيات بينات، فقال لهم: "لا تشركوا بالله
شيئا، ولا تسرفوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي
حرم الله إلا بالحق، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان
ليقتله، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا
محصنة، ولا تولوا الفرار يوم الزحف، وعلكيم خاصة
اليهود أن لا تعتدوا في السبت، قال: فقبلوا يده
ورجله"، فقال: نشهد أنك نبي. قال: "فما يمنعكم أن
تتبعوني؟ ". قالوا: إن داود دعا ربه أن لا يزال في
ذريته نبي، وإنا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا اليهود".
قلت: إسناده ضعيف، عبد الله بن سلمة المرادي، تغيَّر
حفظه كما قال الحافظ في "التقريب" وقال البخاري: لا
يتابع في حديثه. وقال أبو حاتم: تعرفُ وتُنْكرُ.
وقال شعبة: روى عبد الله بن سلمة هذا الحديث بعد ما
كبر -أي بعد تغير حفظه.
2 ضعيف: أخرجه أحمد "1/ 107"، والطيالسي "101"، وأبو
داود "229"، وابن ماجه "594"، والحاكم "1/ 152"،
والبزار "708"، وأبو يعلى "406" و"408"، وابن خزيمة
"208"، والبيهقي "1/ 88-89" من طرق عن شعبة، به. ولفظه
عن عبد الله بن سلمة قال: دخلت على عليٍّ -رضي الله
عنه- أنا ورجلان رجل منا ورجل من بني أسد أحسب،
فبعثهما عليٌّ -رضي الله عنه- وجها -أي إلى جهة
يتوجهان إليها- وقال: إنكم علجان فعالجا عن دينكما، ثم
قال فدخل المخرج، ثم خرج فدعا بماء فأخذ منه حفنة
فتمسح بها ثم جعل يقرأ القرآن، فأنكروا ذلك، فقال: إن
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يخرج من الخلاء
فيقرئنا القرآن ويأكل معنا اللحم ولم يكن يحجبه -أو قل
يحجزه- عن القرآن شيء ليس الجنابة".
قلت: وإسناده ضعيف، لأجل عبد الله بن سلمة المرادي،
وقد علمت أقوال الأئمة فيه في الحديث السابق، فراجعه
ثمَّت.
3 صحيح: أخرجه أحمد "6/ 21"، ومسلم "1591" "90"، وأبو
داود "3352"، والترمذي "1255"، والنسائي "7/ 279" من
طريق قتيبة بن سعيد، حدثنا ليث، عن أبي شجاع سعيد بن
يزيد، عن خالد بن أبي عمران، عن حنش الصنعاني، عن
فَضالة بن عُبيد قال: اشتريتُ يوم خيبر قلادةً باثني
عشر دينارا فيها ذهب وخرز ففصَّلتها. فوجدت فيها أكثر
من اثني عشر دينارا فذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه
وسلم- فقال: "لا تباع حتى تُفصَّل".
قوله: بقلادة: القلادة من حلي النساء. تعلقها المرأة
في عنقها.
ففصلتها: أي ميزت ذهبها وخرزها.
(7/480)
مَنْصُوْرٍ، وَمُغِيْرَةَ ... ، وَجَعَلَ
يَذْكُرُ الشُّيُوْخَ. فَقُلْتُ لَهُ: حَدِّثْنَا.
فَقَالَ: لَسْتُ أَحْفَظُ، كُتُبِي غَائِبَةٌ عَنِّي،
وَأَنَا أَرْجُو أَنْ أُوْتَى بِهَا، قَدْ كَتَبتُ فِي
ذَلِكَ، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ، إِذْ ذَكَرَ
يَوْماً شَيْئاً مِنَ الحَدِيْثِ. فَقُلْتُ: أَحْسِبُ
أَنَّ كُتُبَكَ قَدْ جَاءتْ. قَالَ: أَجَلْ. فَقُلْتُ
لأَبِي دَاوُدَ: جَلِيسُنَا جَاءتْهُ كُتُبُهُ مِنَ
الكُوْفَةِ، اذْهَبْ بِنَا نَنْظُرْ فِيْهَا. قَالَ:
فَأَتَيْنَاهُ، فَنَظَرْنَا فِي كُتُبِهِ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ هَاشِمٍ: مَا قَالَ لَنَا
جَرِيْرٌ قَطُّ بِبَغْدَادَ: حَدَّثَنَا، وَلاَ فِي
كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ. فَقُلْتُ: تُرَاهُ لاَ يَغلَطُ
مَرَّةً، فَكَانَ رُبَّمَا نَعَسَ، فَنَامَ، ثُمَّ
يَنْتَبِهُ، فَيَقرَأُ مِنَ المَوْضِعِ الَّذِي
انْتَهَى إِلَيْهِ.
وَنَزَلَ بِبَغْدَادَ عَلَى ابْنِ المُسَيَّبِ،
فَلَمَّا عَبَرَ إِلَى الجَانِبِ الشَّرْقِيِّ، جَاءَ
المَدُّ، فَقُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: تَعْبُرُ?
فَقَالَ: أُمِّي لاَ تَدَعُنِي. فَعَبَرْتُ أَنَا،
فَلَزِمْتُهُ، وَلَمْ يَكُنْ السِّنْدِيُّ يَدَعُ
أَحَداً يَعبُرُ -يَعْنِي: لِكَثْرَةِ المَدِّ-
فَلَبِثتُ عِنْدَهُ عِشْرِيْنَ يَوْماً، فكتبت عنه
ألفًا وخمسمائة حَدِيْثٍ، وَكَتَبتُ عَنْهُ قَبْلَ
أَنْ يَخْرُجَ إِلَى مَكَّةَ حَدِيْثاً
بِالسَّفِيْنَتَيْنِ عَلَى دَابَّتِهِ.
يَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ
المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: كَانَ جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ
الحَمِيْدِ صَاحِبَ لَيْلٍ وَكَانَ لَهُ رَسَنٌ،
يَقُوْلُوْنَ: إِذَا أَعْيَى، تَعَلَّقَ بِهِ
-يُرِيْدُ أنه كان يصلي.
ثُمَّ قَالَ يَعْقُوْبُ: ذُكِرَ لأَبِي خَيْثَمَةَ
إِرسَالُ جَرِيْرٍ لِلْحَدِيْثِ، وَأَنَّهُ لَمْ
يَكُنْ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا، وقيل لَهُ: تُرَاهُ
كَانَ يُدَلِّسُ? فَقَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ: لَمْ
يَكُنْ يُدَلِّسُ؛ لأَنَّا كُنَّا إِذَا أَتَيْنَاهُ
وَهُوَ فِي حَدِيْثِ الأَعْمَشِ، أَوْ مَنْصُوْرٍ،
أَوْ مُغِيْرَةَ، ابْتَدَأَ، فَأَخَذَ الكِتَابَ،
فَقَالَ: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ، ثُمَّ يُحَدِّثُ عَنْهُ
مِنْهُم فِي حَدِيْثٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُوْلُ بَعْدُ:
مَنْصُوْرٌ مَنْصُوْرٌ، أَوِ الأَعْمَشُ الأَعْمَشُ،
لاَ يَقُوْلُ فِي كُلِّ حَدِيْثٍ: حَدَّثَنَا حَتَّى
يَفْرُغَ المَجْلِسُ.
قَالَ يَعْقُوْبُ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ
الشَّاذَكُوْنِيَّ يَقُوْلُ: قَدِمْتُ عَلَى جَرِيْرٍ،
فَأُعجِبَ بِحِفْظِي، وَكَانَ لِي مُكْرِماً. قَالَ:
فَقَدِمَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالبَغْدَادِيُّوْنَ
الَّذِيْنَ مَعَهُ، وَأَنَا ثَمَّ، فَرَأَوْا
مَوْضِعِي مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُهُم: إِنَّ
هَذَا إِنَّمَا بَعَثَهُ يَحْيَى القَطَّانُ، وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ، لِيُفْسِدَ حَدِيْثَكَ عَلَيْكَ،
وَيَتْبَعَ عَلَيْكَ الأَحَادِيْثَ، وَكَانَ قَدْ
حَدَّثَنَا عَنْ مُغِيْرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ،
قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا عِنْد ابْنِ أَخِيْهِ يَوْماً،
إِذْ رَأَيتُ عَلَى ظَهرِ كِتَابٍ لابْنِ أَخِيْهِ:
عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ
مُغِيْرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ قَالَ: فَقُلْتُ
لابْنِ أَخِيْهِ، عَمُّكَ هَذَا مَرَّةً يُحَدِّثُ
بِهَذَا عَنْ مُغِيْرَةَ، وَمَرَّةً عَنْ سُفْيَانَ،
عَنْ مُغِيْرَةَ، وَمَرَّةً عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ
عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُغِيْرَةَ، فَيَنْبَغِي أَنْ
تَسْأَلَهُ مِمَّنْ سَمِعَهُ -وَكَانَ هَذَا
الحَدِيْثُ مَوْضُوْعاً. قَالَ: فَوَقَفْتُ جَرِيْراً
عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: حَدِيْثُ طَلاَقِ الأَخرَسِ
مِمَّنْ سَمِعْتَه؟ قَالَ: حَدَّثَنِيْهُ رَجُلٌ مِنْ
خُرَاسَانَ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ. قُلْتُ: فَقَدْ
رَوَيْتَه مَرَّةً: عَنْ مُغِيْرَةَ، ومرة عن سفيان عن
مغيرة، ومرة عن رَجُلٍ عَنِ ابْنِ
(7/481)
المُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ
مُغِيْرَةَ، وَلَسْتُ أُرَاكَ تَقِفُ عَلَى شَيْءٍ،
فَمَنِ الرَّجُلُ? قَالَ: رَجُلٌ من أصحاب الحديث
جَاءنَا. قَالَ: فَوَثَبُوا بِي، وَقَالُوا: أَلَمْ
نَقُلْ لَكَ: إِنَّمَا جَاءَ لِيُفْسِدَ عَلَيْكَ
حَدِيْثَكَ؟ قَالَ: فَوَثَبَ بِي البَغْدَادِيُّوْنَ،
وَتَعَصَّبَ لِي قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الرَّيِّ، حَتَّى
كَانَ بَيْنَهُم شَرٌّ شَدِيْدٌ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ: فَقُلْتُ
لِعُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ: حَدِيْثُ طَلاَقِ
الأَخرَسِ عَمَّنْ هُوَ عِنْدَكَ? قَالَ: عَنْ
جَرِيْرٍ، عَنْ مُغِيْرَةَ قَوْله.
"وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ": وَكَانَ عُثْمَانُ
يَقُوْلُ لأَصْحَابِنَا: إِنَّمَا كَتَبْنَا عَنْ
جَرِيْرٍ مِنْ كُتُبِهِ. فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا
أَبَا الحَسَنِ! كَتَبْتُم عَنْ جَرِيْرٍ مِنْ
كُتُبِهِ? قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ؟! وَجَعَلَ يَرُوْغُ.
قُلْتُ لَهُ: مَنْ أُصُوْلِهِ، أَوْ مِنْ نُسَخٍ?
فَجَعَلَ يَحِيْدُ، وَيَقُوْلُ مِنْ كُتُبٍ. فَقُلْتُ:
نَعَمْ، كَتَبْتُم عَلَى الأَمَانَةِ مِنَ النُّسَخِ؟
فَقَالَ: كَانَ أَمْرُهُ عَلَى الصِّدْقِ، وَإِنَّمَا
حَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا أَنَّ جَرِيْراً قَالَ لَهُم
حِيْنَ قَدِمُوا -عَلَيْهِ وَكَانَتْ كُتُبُهُ
تَلِفَتْ: هَذِهِ نُسْخَةٌ أُحَدِّثُ بِهَا عَلَى
الأَمَانَةِ، وَلَسْتُ أَدْرِي، لَعَلَّ لَفْظاً
يُخَالِفُ لَفظاً، وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى الأَمَانَةِ.
عَبَّاسٌ، عَنْ يَحْيَى، سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ
يَقُوْلُ: قَالَ لِي ابْنُ شُبْرُمَةَ: عَجَباً
لِهَذَا الرَّازِيِّ! عَرَضتُ عَلَيْهِ أَنْ أُجْرِيَ
عَلَيْهِ مائَةَ دِرْهَمٍ فِي الشَّهرِ مِنَ
الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: يَأْخُذُ المُسْلِمُوْنَ
كُلُّهُم مِثْلَ هَذَا? قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَلاَ
حَاجَةَ لِي فِيْهَا. ثُمَّ قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ
جَرِيْراً يَقُوْلُ: عُرِضَتْ عَلَيَّ بِالكُوْفَةِ
أَلْفَا دِرْهَمٍ يُعطُونِي مَعَ القُرَّاءِ،
فَأَبَيْتُ، ثُمَّ جِئْتُ اليَوْمَ أَطْلُبُ مَا
عِنْدَهُم، أَوْ مَا فِي أَيْدِيْهِم!
قُلْتُ: يُزْرِي بذلك على نفسه.
الحُمَيدي عَنْ سُفْيَانَ: رَأَيْتُ جَرِيْراً يَقُودُ
مُغِيْرَةَ، فَقُلْتُ لِعُمَرَ بنِ سَعِيْدٍ: مَنْ
هَذَا الشَّابُّ? قَالَ لِي عُمَرُ: هَذَا شَابٌّ لاَ
بَأْسَ بِهِ.
قَالَ حَنْبَلٌ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: مَنْ
أَحَبُّ إِلَيْكَ: شَرِيْكٌ أَوْ جَرِيْرٌ? فَقَالَ:
جَرِيْرٌ أَقَلُّ سَقْطاً، شَرِيْكٌ كَانَ يُخْطِئُ.
عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ: قُلْتُ لِيَحْيَى: جَرِيْرٌ
أَحَبُّ إِلَيْك فِي مَنْصُوْرٍ، أَوْ شَرِيْكٌ?
قَالَ: جَرِيْرٌ أَعْلَمُ بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: جَرِيْرٌ: كُوْفِيٌّ،
ثِقَةٌ، نَزَلَ الرَّيَّ، وَكَانَ رَبَاحٌ إِذَا
أَتَاهُ الرَّجُلُ يَقُوْلُ: أُرِيْدُ أَنْ أَكْتُبَ
حَدِيْثَ الكُوْفَةِ، قَالَ: عَلَيْكَ بِجَرِيْرٍ،
فَإِنْ أَخطَأَكَ، فَعَلَيْكَ بِمُحَمَّدِ بنِ
فُضَيْلٍ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ
الأَحْوَصِ وَجَرِيْرٍ فِي حَدِيْثِ حُصَيْنٍ،
فَقَالَ: كان
(7/482)
جَرِيْرٌ أَكْيَسَ الرَّجُلَيْنِ، جَرِيْرٌ
أَحَبُّ إليَّ. قُلْتُ: يُحتَجُّ بِحَدِيْثِهِ؟ قَالَ:
نَعَمْ، جَرِيْرٌ ثِقَةٌ، وَهُوَ أَحَبُّ إليَّ فِي
هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ مَنْ يُوْنُسَ بنِ بُكَير.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ خِراش: صَدُوْقٌ.
وَقَالَ أَبُو القَاسِمِ اللاَّلْكَائِيُّ: مُجْمَعٌ
عَلَى ثِقَتِهِ.
قَدْ ذُكِرَ أَنَّهُ قَالَ: وُلِدْتُ سَنَةَ عَشْرٍ.
وَأَمَّا حَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي
أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ وُلِدَ جَرِيْرٌ سَنَةَ
سَبْعٍ وَمائَةٍ.
قُلْتُ: وَفِي سَنَةِ سَبْعٍ وُلِدَ سُفْيَانُ بنُ
عُيَيْنَةَ، لَكِنْ سُفْيَانُ بكَّر قَبْلَ جَرِيْرٍ
بِالطَّلَبِ، فَلَقِيَ زِيَادَ بنَ عِلاقة، وَعَمْرَو
بنَ دِيْنَارٍ، وَالكِبَارَ بِالكُوْفَةِ
وَالحَرَمَيْنِ.
وَقَالَ يُوْسُفُ بنُ مُوْسَى القَطَّانُ: مَاتَ
جَرِيْرٌ عَشِيَّةَ الأَرْبعَاءِ، لِيَوْمٍ خَلاَ مِنْ
جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ
وَمائَةٍ. قَالَ: وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ
سَنَةً إِلَى التِّسْعِ وَالسَّبْعِيْنَ، وَصَلَّى
عَلَيْهِ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ.
قُلْتُ: وَفِيْهَا أَرَّخَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ -وَأَنَا
فِي الرَّابِعَةِ- أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ
المُسَلَّمِ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ طَلاَّبٍ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ جُمَيْعٍ،
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الحكم
البزار بكفربَيَّا1، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
قُدَامَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ
الحَمِيْدِ، عَنِ المُخْتَارِ بنِ فُلْفُلٍ، عَنْ
أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَا أَوَّلُ
مَنْ يَشْفَعُ فِي الجَنَّةِ، وَأَنَا أَكْثَرُ
الأَنْبِيَاءِ تَبَعاً".
تَابَعَهُ زَائِدَةُ بنُ قُدَامَةَ. أَخْرَجَهُ
مُسْلِمٌ2 من طريقهما، فوقع لنا عاليًا.
__________
1 بكفربَيَّا: مدينة بإزاء المصيصة على شاطئ جيحان
-معجم البلدان لياقوت الحموي.
2 صحيح: أخرجه مسلم "196" "330" و"332".
(7/483)
1317- سويد
1: "ت، ق"
ابن عبد العزيز قَاضِي بَعْلَبَكَّ، أَبُو مُحَمَّدٍ
السُّلَمي مَوْلاَهُمْ، الدِّمَشْقِيُّ، الفقيه
المقرئ.
تَلاَ عَلَى يَحْيَى الذِّماري، وَغَيْرِهِ.
أَخَذَ القِرَاءةَ عَنْهُ: أَبُو مُسْهِر،
وَالرَّبِيْعُ بنُ ثَعْلَبٍ، وَهِشَامٌ.وَحَدَّثَ
عَنْ: أَيُّوْبَ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، وَحُصَيْن،
وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: دُحَيم، وَابْنُ عَائِذٍ، وَابْنُ ذَكوان،
وَدَاوُدُ بنُ رُشَيد، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي السَّري.
وُلِدَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَمائَةٍ.
وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: هُوَ وَاسِطِيٌّ، سَكَنَ
دِمَشْقَ، لَيْسَ حَدِيْثُهُ بِشَيْءٍ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يُعْتَبَرُ به.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "7/ 407"، والتاريخ الكبير
"4/ ترجمة 2282"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/
183" و"2/ 307 و316 و399"، والضعفاء والمتروكين
للنسائي "ترجمة 259"، والضعفاء الكبير للعقيلي "2/
157"، والمجروحين لابن حبان "1/ 350"، والجرح والتعديل
لابن أبي حاتم "4/ ترجمة 1020"، والكامل لابن عدي "3/
424"، والعبر "1/ 314"، وميزان الاعتدال "2/ 249"،
والكاشف "1/ ترجمة 2216"، وتهذيب التهذيب "4/ 276"،
وتقريب التهذيب "1/ 340"، وخلاصة الخزرجي "1/ ترجمة
2829"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "1/ 341".
(7/484)
1318- أبو خالد
الأحمر 1: "ع"
الإِمَامُ، الحَافِظُ سُلَيْمَانُ بنُ حَيَّان
الأَزْدِيُّ، الكُوْفِيُّ.
كَانَ مَوْلِدُهُ بِجُرْجَان فِي سَنَةِ أَرْبَعَ عشرة
ومائة.
حَدَّثَ عَنْ: حُميد الطَّوِيْلِ، وَسُلَيْمَانَ
التَّيْمِيِّ، وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَلَيْثِ بنِ
أَبِي سُلَيْمٍ، وَأَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ،
وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ
عَبْدِ اللهِ بن نُمَيْر، وأبو بكر أبن أَبِي
شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه، وَأَبُو
كُرَيْبٍ، وَأَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، وَيُوْسُفُ بنُ
مُوْسَى، وَهَنَّادٌ، وَالحَسَنُ بنُ حَمَّادٍ
سَجَّادَةٌ، وَالحَسَنُ بنُ حَمَّادٍ الضَّبِّيُّ،
وَالحَسَنُ بنُ حَمَّادٍ المُرَادِيُّ، وَخَلْقٌ.
قَالَ العِجلي: ثِقَةٌ، يُؤَاجِرُ نَفْسَهُ مِنَ
التُّجَّارِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، وَوَثَّقَهُ
جَمَاعَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: صَدُوْقٌ، وَلَيْسَ
بِحُجَّةٍ، وَتَابَعَهُ عَلَى هَذَا ابْنُ عَدِيٍّ.
وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ:
هُوَ ثِقَةٌ، وَلَيْسَ بِثَبْتٍ.
قُلْتُ: كَانَ مَوْصُوْفاً بِالخَيْرِ وَالدِّيْنِ،
وَلَهُ هَفْوَةٌ، وَهِيَ خُرُوْجُهُ مَعَ
إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ،
وَحَدِيْثُهُ محتجٌّ بِهِ فِي سَائِرِ الأُصُوْلِ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُثَنَّى السِّمْسَار: قَالَ
بِشْرٌ الحَافِي: سَمِعْتُ أَبَا خَالِدٍ الأَحْمَرَ
يَقُوْلُ: يَأْتِي زَمَانٌ تُعَطَّلُ فِيْهِ
المَصَاحِفُ، يَطْلبُوْنَ الحَدِيْثَ وَالرَّأْيَ،
فَإِيَّاكُم وَذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُصَفِّقُ الوَجْهَ،
وَيَشْغَلُ القَلْبَ، وَيُكْثِرُ الكَلاَمَ.
وَقَعَ لِي مِنْ عَوَالِي أَبِي خَالِدٍ فِي
"المَحَامِلِيَّاتِ"2، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ، منافرًا للكلام
والرأي والجدال.
__________
1 ترجمته في طبقات ابن سعد "6/ 391"، والتاريخ الكبير
"4/ ترجمة 1780"، والمعرفة والتاريخ ليعقوب الفسوي "1/
276 و727" و"2/ 187" و"3/ 142 و219"، والكنى للدولابي
"1/ 162" والضعفاء الكبير "2/ 124"، والجرح والتعديل
"4/ ترجمة 477"، والكامل لابن عدي "3/ ترجمة 750"،
وحلية الأولياء "10/ ترجمة 500"، وميزان الاعتدال "2/
ترجمة 3443"، والكاشف "1/ ترجمة 2100"، وتذكرة الحفاظ
"1/ ترجمة 258"، وتهذيب التهذيب "4/ 181"، وخلاصة
الخزرجي "1/ ترجمة 2681"، وشذرات الذهب لابن العماد
الحنبلي "1/ 325".
2 المحامليات للقاضي الإمام العلامة الحافظ شيخ بغداد
ومحدثها أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل بن محمد الضبي
البغدادي، كان نظير ابن صاعد في العلو والثقة،
والمحاملي نسبة إلى المحامل التي يحمل فيها الناس في
السفر، كتابه هذا ستة عشر جزءا حديثيا. توفي سنة
ثلاثين وثلاثمائة. وآخر من روى حديثه عاليا أبو القاسم
سبط السلفي.
(7/485)
|