سير أعلام
النبلاء، ط الحديث الطبقة السابعة
والعشرون:
4625- الرَّواسِي 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ، الحَافِظُ المُكْثِرُ الجَوَّالُ،
أَبُو الفتيَان عُمَرُ بن عَبْدِ الكَرِيْمِ بن
سَعْدَوَيْه بن مَهْمَت الدِّهِسْتَانِي، الرَّوَّاسِي.
طوَّف فِي هَذَا الشَّأْنِ خُرَاسَانَ وَالحَرَمَيْنِ
وَالعِرَاقَ وَمِصْرَ وَالشَّامَ وَالسوَاحلَ، وَكَانَ
بَصِيْراً بِهَذَا الشَّأْن محققاً.
سَمِعَ بِبلده: المُحَدِّثَ أَبَا مَسْعُوْد البَجَلِيَّ
الرَّازِيَّ وَصَحِبَه، وَبِنَيْسَابُوْرَ: أَبَا حَفْصٍ
بنَ مَسْرُوْر، وَعبد الغَافِر الفَارِسِيّ، وَأَبَا
عُثْمَانَ الصَّابونِي، وَبِحَرَّانَ: مُبَادر بن عَلِيٍّ،
وَبِبَغْدَادَ: القَاضِي أَبَا يَعْلَى بنَ الفَرَّاءِ،
وَأَبَا جَعْفَرٍ بن المسلمة، وأمثالهم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ -شَيْخُه-
وَأَبُو حَامِدٍ الغَزَّالِي، وَأَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ
مُحَمَّدٍ الجُرْجَانِيّ، وَمُحَمَّد بن عبد الوَاحِد
الدَّقَّاق، وَالفَقِيْه نَصْرُ بن إِبْرَاهِيْمَ
المَقْدِسِيّ -شَيْخُه- وَهِبَةُ اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ
الأَكْفَانِي، وَالحَافِظ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ
التَّيْمِيّ، وَمُحَمَّد بن الحَسَنِ الجُوينِي، وَعِدَّة،
وَالسِّلَفِيّ بِالإِجَازَةِ، وَقَدِمَ طُوْس فِي آخِرِ
عُمُرِهِ، فَصَحَّحَ عَلَيْهِ الغَزَّالِي
"الصَّحِيْحَيْنِ"، ثُمَّ سَارَ إِلَى مَرْوَ
بِاسْتِدْعَاءِ مُحَدِّثهَا أَبِي بَكْرٍ السَّمْعَانِيِّ
ليحمِلُوا عَنْهُ، فَأَدْرَكَته المَنِيَّةُ بِسَرْخَس.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ بنُ أَبِي عَلِيٍّ الحَافِظ: مَا
رَأَيْتُ فِي تِلْكَ الدِّيَار أَحْفَظَ مِنْهُ، لاَ بَلْ
فِي الدُّنْيَا كُلِّهَا، كَانَ كِتَّاباً جَوَّالاً دَارَ
الدُّنْيَا لِطلب الحَدِيْث، لَقِيْتُهُ بِمَكَّةَ،
وَرَأَيْتُ الشُّيُوْخ يُثْنُوْنَ عَلَيْهِ،
وَيُحْسِنُوْنَ القَوْل فِيْهِ، ثُمَّ لَقِيْتُهُ
بجُرْجَان، وَصَارَ مِنْ إِخْوَاننَا.
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ التَّيْمِيُّ: هُوَ خِرِّيج أَبِي
مَسْعُوْدٍ البَجَلِيّ، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: دَخَلَ أَبُو
إِسْمَاعِيْلَ دِهِسْتَان، فَاشْتَرَى مِنْ أَبِي رَأْساً
وَدَخَلَ يَأْكُلُه، فَبعثَنِي أَبِي إِلَيْهِ، فَقَالَ
لِي: تَعْرِفُ شَيْئاً? قُلْتُ: لاَ، فَقَالَ لأَبِي:
سلِّمه إِلَيَّ، فَسلمنِي إِلَيْهِ، فَحملنِي إِلَى
نَيْسَابُوْرَ، وَأَفَادنِي، وَانْتَهَى أَمرِي إِلَى
حَيْثُ انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِد
يَقُوْلُوْنَ: إِنَّ أَبَا الفتيَانِ سَمِعَ مِنْ ثَلاَثَة
آلاَف وَسِتّ مائَةٍ شَيْخ.
قَالَ خُزَيْمَة بن عَلِيٍّ المَرْوَزِيّ: سَقَطَتْ
أَصَابِعُ عُمَرَ الرَّوَّاسِي فِي الرِّحلَة مِنَ
البَرْدِ.
__________
1 ترجمته في العبر "4/ 6"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 164"،
وشذرات الذهب "4/ 7".
(14/264)
وَقَالَ الدَّقَّاق فِي "رِسَالَتِهِ":
حَدَّثَ عُمَر بِطُوْسَ بـ "صحيح مسلم" من غير أَصلِه،
وَهَذَا أَقبحُ شَيْء عِنْد المُحَدِّثِيْنَ.
قُلْتُ: قَدْ تَوسَّعُوا اليَوْمَ فِي هَذَا جِدّاً، وَفِي
ذَلِكَ تَفصيل.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ
وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَأَنَّهُ سَمِعَ مِنْ
هِبَة اللهِ بن عَبْدِ الوَارِثِ فِي سَنَةِ "456".
قَالَ ابْنُ طَاهِر، وَغَيْرهُ: الرَّوَّاسِي نِسبَة إِلَى
بيع الرُّؤُوس.
وَقَالَ ابْنُ مَاكُوْلا: كتب عَنِّي الرواسي، وكتبت عنه،
ووجدنه ذكيّاً.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ أَبَا الفَضْل أَحْمَد بن
مُحَمَّدٍ السَّرْخَسِيَّ يَقُوْلُ: لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ
بن أبي الحسن علينا، أملى، فحضر عِدَّة، فَقَالَ: أَنَا
أَكْتُبُ أَسْمَاءَ الجَمَاعَة عَلَى الأَصْل، وَسَأَلهُم
وَأَثْبَت، فَفِي المَجْلِسِ الثَّانِي أَخَذَ الْقَلَم،
وَكتبهُم كُلَّهُم عَلَى ظهر قَلْب، وَمَا سَأَلهُم،
فَقِيْلَ: كَانُوا سَبْعِيْنَ نَفْساً.
قَالَ عَبْدُ الغَافِرِ بن إِسْمَاعِيْلَ: عُمَرُ
الرَّوَّاسِي شيخٌ مَشْهُوْر، عَارِفٌ بِالطّرق، كتبَ
الكَثِيْرَ، وَجَمَعَ الأَبْوَابَ وَصَنَّفَ، وَكَانَ
سَرِيعَ الكِتَابَة، وَكَانَ عَلَى سِيرَة السَّلَف،
مُعِيلاً مُقِلاًّ، خَرَجَ مِنْ نَيْسَابُوْر إِلَى طُوْس،
فأنزله حامد الغزالي عنده، وأكرمه، وقرأ عليه "الصحيح"،
ثُمَّ شَرحه.
وَعَنْ أَبِي الفتيَان الرَّوَّاسِي قَالَ: أُرِيْدُ أَنْ
أَخرج إِلَى مَرْوَ وَسَرْخَسَ عَلَى الطَّرِيْق، وَقَدْ
قِيْلَ: إِنَّهَا مَقْبَرَة العُلَمَاء، فَلاَ أَدْرِي
كَيْفَ يَكُوْن حَالِي بِهَا؛ فَمَاتَ: بِهَا, فِي
رَبِيْعٍ الآخِرِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْس مائَة، كَمَا
هُوَ مُؤرَّخ عَلَى لَوح قَبْره، -رَحِمَهُ الله تعالى-
عاش خمسًا وسبعين سنة.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ تَاجِ
الأُمَنَاءِ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ صَاعِدِ بن
سَعِيْدٍ الطُّوْسِيّ، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا
عُمَرُ بنُ أَبِي الحَسَنِ الحَافِظ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ النَّيْسَابُوْرِيّ، أَخْبَرَنَا
أَبُو الحُسَيْنِ الخَفَّافُ، أَخْبَرَنَا أَبُو
العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ،
حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ،
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
أَخَفَّ النَّاسِ صَلاَةً فِي تمامٍ1.
وَأَخْبَرَنَاهُ عَالِياً مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ
السَّلاَمِ، وَأَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ
المُعِزِّ بنِ محمد،
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "706"، ومسلم "469".
(14/265)
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ،
أَخْبَرَنَا مُحَلَّمُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، أَخْبَرَنَا
الخَلِيْلُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
إِسْحَاقَ السَّرَّاج ... ، فَذَكَره.
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم عَنْ
قُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى اسْتحبَاب
تَخفِيفِ الصَّلاَة، مَعَ إِتمَام فَرَائِضهَا وَسننهَا،
وَقَدْ حَزَرُوا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ يَمْكُثُ فِي السُّجُود قَدْرَ عشر
تسبيحات.
(14/266)
4626- البُرْجِي 1:
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، الأَمِيْنُ المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ
أَصْبَهَانَ، أَبُو القَاسِمِ غَانِمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
عُبَيْدِ اللهِ بن عُمَرَ بنِ أَيُّوْبَ البُرجِي
الأَصْبَهَانِيّ، وَهُوَ غَانم بن أَبِي نَصْرٍ، وَبُرْجُ:
مِنْ قُرَى أَصْبَهَان.
مَوْلِدُهُ فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَة "417".
وَأَجَازَ لَهُ فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ مِنْ
بَغْدَادَ: أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ، وَأَبُو القَاسِمِ
بنُ بِشْرَان، وَالحُسَيْن بن شُجَاعٍ المَوْصِلِيّ مِنْ
بَلَدِهِ، وَالحُسَيْن بن إِبْرَاهِيْمَ الجمَال.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي نُعَيْمٍ الحَافِظ مَا عِنْدَهُ مِنْ
"مُسْنَد الحَارِثِ بن أَبِي أُسَامَةَ"، وَسَمِعَ مِنْ:
أَبِي الحُسَيْنِ بن فَاذشَاه، وَالفَضْل بن مُحَمَّدٍ
القَاشَانِي، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ بن شَهرِيَار،
وَعُمَر بن مُحَمَّدِ بنِ الهَيْثَم، وَعِدَّة، وَسَمِعَ:
"الحليَة" بِفَوْت، وَسَمِعَ "مُسْنَد الطَّيَالِسِيّ"
مِنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَجُزْءَ مُحَمَّدِ بن عَاصِمٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَتَاج الإِسْلاَم أَبُو
بَكْرٍ السَّمْعَانِيّ، وَمُحَمَّد بن أَبِي بَكْرٍ
السِّنْجِيّ، وَأَبُو سَعْدٍ الصَّائِغ، وَأَبُو مُوْسَى
المَدِيْنِيّ، وَالفَضْلُ بن القَاسِمِ الصَّيْدَلاَنِيّ،
وَمَسْعُوْدُ بن أَبِي مَنْصُوْرٍ الجمَال، وَخَلْق.
وَبِالإِجَازَة: أَبُو سَعْدٍ السمعاني، وأبو المكارم
اللبان، وكان صَالِحاً مُكْثِراً، مَاتَ: فِي ذِي
القَعْدَةِ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة.
وَقِيْلَ: مَاتَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ،
وَالأَوّل أَصحُّ.
وَفِيْهَا مَاتَ خطيبُ قُرْطُبَة أَبُو القَاسِمِ خَلَفُ
بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ النَّخَّاس، وَأَبُو طَاهِرٍ
اليُوسفِي رَاوِي "سنَن الدَّارَقُطْنِيّ"، وَالمُحَدِّثُ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن أَحْمَدَ بنِ صَابر الدِّمَشْقِيُّ،
وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ بَاكير
الكَاتِب، وَالمُعَمَّرُ أَبُو عَلِيٍّ بنُ نَبْهَانَ
الكَاتِب، وَالسُّلْطَانُ مُحَمَّد بن مَلِكْشَاه،
وَالحَافِظُ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بن أَبِي عَمْرٍو بن
منده.
__________
1 ترجمته في الأنساب للسمعاني "2/ 132"، والعبر "4/ 24"،
وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 31".
(14/266)
4627- الغَزَّالي 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ البَحْر، حجَّةُ الإِسْلاَم، أُعجوبَة
الزَّمَان، زين الدين أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدِ بنِ
مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الطُّوْسِيّ،
الشَّافِعِيّ، الغَزَّالِي، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ،
وَالذَّكَاءِ المُفرِط.
تَفقَّه بِبَلَدِهِ أَوَّلاً، ثُمَّ تَحَوَّل إِلَى
نَيْسَابُوْرَ فِي مُرَافقَة جَمَاعَة مِنَ الطَّلبَة،
فَلاَزمَ إِمَامَ الحَرَمَيْنِ، فَبَرع فِي الفِقْه فِي
مُدَّة قَرِيْبَة، وَمَهَر فِي الكَلاَمِ وَالجَدَل،
حَتَّى صَارَ عينَ المنَاظرِيْنَ، وَأَعَادَ لِلطَّلبَة،
وَشَرَعَ فِي التَّصنِيف، فَمَا أَعْجَب ذَلِكَ شَيْخَه
أَبَا المعَالِي، وَلَكِنَّهُ مظهرٌ لِلتبجُّح بِهِ، ثُمَّ
سَارَ أَبُو حَامِدٍ إِلَى المُخَيَّم السُّلطَانِي،
فَأَقْبَل عَلَيْهِ نِظَامُ المُلك الوَزِيْر، وَسُرَّ
بِوجُوْده، وَنَاظرَ الكِبَارَ بِحَضْرَته، فَانبهر لَهُ،
وَشَاعَ أَمْرُهُ، فَولاَّهُ النِّظَام تَدْرِيْس
نِظَامِيَة بَغْدَاد، فَقَدمهَا بَعْدَ الثَّمَانِيْنَ
وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَسنّه نَحْو الثَّلاَثِيْنَ، وَأَخَذَ
فِي تَأْلِيفِ الأُصُوْلِ وَالفِقْهِ وَالكَلاَمِ
وَالحِكْمَةِ، وَأَدخله سَيلاَنُ ذِهْنه فِي مضَايق
الكَلاَمِ، وَمَزَالِّ الأَقدَام، وَلله سِرٌّ فِي
خَلْقِهِ.
وَعَظُمَ جَاهُ الرَّجُل، وَازدَادت حِشمتُه بِحَيْثُ
إِنَّهُ فِي دسْت أَمِيْرٍ، وَفِي رُتْبَةِ رَئِيْسٍ
كَبِيْر، فَأَدَّاهُ نَظرُه فِي العُلُوْم وَمُمَارستُهُ
لأَفَانِيْنِ الزُّهْديَات إِلَى رفض الرِّئَاسَة،
وَالإِنَابَة إِلَى دَارِ الْخُلُود، وَالتَأَلُّه،
وَالإِخلاَصِ، وَإِصْلاَحِ النَّفْس، فَحجَّ مِنْ وَقته،
وَزَار بَيْت المَقْدِسِ، وَصَحِبَ الفَقِيْهَ نَصْرَ بنَ
إِبْرَاهِيْمَ بِدِمَشْقَ، وَأَقَامَ مُدَّةً، وَأَلَّف
كِتَاب "الإحياء"، وكتاب "الأَرْبَعِيْنَ"، وَكِتَاب
"القِسطَاس"، وَكِتَاب "مَحكّ النَّظَر". وَرَاض نَفْسَه
وَجَاهدهَا، وَطرد شيطَانَ الرُّعونَة، وَلَبِسَ زِيَّ
الأَتقيَاء، ثُمَّ بَعْدَ سنواتٍ سَارَ إِلَى وَطنه،
لاَزماً لِسَنَنه، حَافِظاً لِوَقْتِهِ، مكباً عَلَى
العِلْم.
وَلَمَّا وَزَرَ فَخرُ المُلك، حضَر أَبَا حَامِد، وَالتمس
مِنْهُ أَنْ لاَ يُبقِيَ أَنفَاسَه عقيمَة، وَأَلحَّ عَلَى
الشَّيْخ، إِلَى أَنْ لاَن إِلَى الْقدوم إِلَى
نَيْسَابُوْرَ، فَدرَّس بِنظَامِيتهَا.
فَذكر هَذَا وَأَضعَافَه عَبْد الغَافِرِ فِي "السِّيَاق"
إِلَى أَنْ قال: ولقد زرته مرارًا، وما كنت
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 168"، واللباب لابن
الأثير "2/ 379"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "4/ 216"،
والعبر "4/ 10"، وطبقات الشافعية للسبكي "6/ 191"، والنجوم
الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 203"، وشذرات الذهب لابن
العماد الحنبلي "4/ 10".
(14/267)
أَحْدُسُ فِي نَفْسِي مَعَ مَا عَهِدْتُه
عَلَيْهِ مِنَ الزَّعَارَّة وَالنَّظَر إِلَى النَّاسِ
بعينِ الاسْتخفَاف كِبراً وَخُيَلاَءَ، وَاعتزَازاً بِمَا
رُزِقَ مِنَ البسطَة، والنطق، والذهن، وطلب العلو؛ أنه صار
إلى الضِّدِّ، وَتَصفَّى عَنْ تِلْكَ الكُدورَات، وَكُنْتُ
أَظنُّه متلفعاً بجلبَاب التَّكلُّف، مُتنمِّساً بِمَا
صَارَ إِلَيْهِ، فَتحقَّقت بَعْد السَّبْرِ
وَالتَّنْقِيْرِ أَنَّ الأَمْر عَلَى خِلاَف المَظنُوْنِ،
وَأَنَّ الرَّجُل أَفَاق بَعْدَ الجُنُوْنِ، وَحَكَى لَنَا
فِي ليالٍ كَيْفِيَةَ أَحْوَالِه مِنِ ابْتدَاء مَا
أُظْهِرَ لَهُ طَرِيْق التَأَلُّه، وَغلبَة الحَال
عَلَيْهِ بَعْد تَبحُّرِه فِي العُلُوْم، وَاسْتطَالتِهِ
عَلَى الكُلّ بكلاَمه، وَالاستعدَادِ الَّذِي خصَّه الله
بِهِ فِي تَحْصِيل أَنْوَاعِ العُلُوْم، وَتَمكُّنه مِنَ
الْبَحْث وَالنَّظَر، حَتَّى تَبرَّم بِالاشتغَال
بِالعُلُوْم العَرِيَّة عَنِ المعَامَلَة، وَتَفكَّر فِي
العَاقبَة، وَمَا يَبْقَى فِي الآخِرَةِ، فَابْتدَأَ
بصُحبَة الشَّيْخ أَبِي عَلِيٍّ الفَارْمَذِي، فَأَخَذَ
مِنْهُ اسْتفتَاحَ الطّرِيقَة، وَامتثل مَا كان يأمره به
من العبَادَات وَالنَّوَافل وَالأَذكَار وَالاجْتِهَاد
طلباً لِلنَّجَاة، إِلَى أَنْ جَاز تِلْكَ العِقَابَ،
وَتَكلَّفَ تِلْكَ المشَاق، وَمَا حَصَلَ عَلَى مَا كَانَ
يَرومُهُ.
ثُمَّ حَكَى أَنَّهُ رَاجع العُلُوْمَ، وَخَاض فِي
الفُنُوْنِ الدَّقيقَة، وَالْتَقَى بِأَربَابِهَا حَتَّى
تَفتَّحت لَهُ أَبْوَابُهَا، وَبَقِيَ مُدَّةً فِي
الوقَائِع وَتَكَافؤ الأَدِلَّة، وَفُتِحَ عَلَيْهِ بابٌ
مِنَ الخَوفِ بِحَيْثُ شَغَلَه عَنْ كُلِّ شَيْء، وَحَمَله
عَلَى الإِعرَاض عَمَّا سِوَاهُ، حَتَّى سَهُلَ ذَلِكَ
عَلَيْهِ، إِلَى أَنِ ارْتَاضَ، وَظهرت لَهُ الحقَائِقُ،
وَصَارَ مَا كُنَّا نَظَنُّ بِهِ نَاموساً وَتَخلقاً،
طبعاً وَتَحققاً، وَأَنَّ ذَلِكَ أَثَرُ السَّعَادَة
المُقَدَّرَة لَهُ.
ثُمَّ سَأَلنَاهُ عَنْ كَيْفِيَةِ رَغبَته فِي الخُرُوْجِ
مِنْ بَيْتِهِ، وَالرُّجُوْع إِلَى مَا دُعِي إِلَيْهِ،
فَقَالَ معتذراً: مَا كُنْتُ أُجَوِّزُ فِي دينِي أَنْ
أَقف عَنِ الدَّعوَة، وَمنفعَة الطَّالبين، وَقَدْ خفَّ
عليَّ أَنْ أَبوح بِالحَقِّ، وَأَنطِقَ بِهِ، وَأَدعُوَ
إِلَيْهِ، وَكَانَ صَادِقاً فِي ذَلِكَ، فَلَمَّا خفَّ
أَمرُ الوَزِيْر، وَعلم أَن وُقُوفَه عَلَى مَا كَانَ
فِيْهِ ظُهُوْرُ وحشةٍ وَخيَالُ طلبِ جاهٍ، تَرَكَ ذَلِكَ
قَبْلَ أَنْ يُتْرَكَ، وَعَاد إِلَى بَيْته، وَاتَّخَذَ
فِي جَوَاره مدرسَةً لِلطَّلبَة، وَخَانقَاه
لِلصُّوْفِيَة، وَوزَّع أَوقَاتَه عَلَى وَظَائِف
الحَاضرِيْنَ مِنْ ختم القُرْآن، وَمُجَالَسَةِ ذَوِي
القُلوبِ، وَالقُعُوْد لِلتَّدرِيس، حَتَّى تُوُفِّيَ
بَعْدَ مقاساةٍ لأَنْوَاع مِنَ الْقَصْد، وَالمُنَاوَأَةِ
مِنَ الخُصُوْم، وَالسَّعِي فِيْهِ إِلَى المُلُوْك، وَحفظ
الله لَهُ عَنْ نوشِ أَيدي النّكبَات.
إِلَى أَنْ قَالَ: وَكَانَتْ خَاتمَةُ أَمره إِقبالَه
عَلَى طلب الحديث، ومجالسة أَهْله، وَمُطَالَعَة
"الصَّحِيْحَيْنِ"، وَلَوْ عَاشَ، لسبق الكُلَّ فِي ذَلِكَ
الْفَنّ بِيَسِيْرٍ مِنَ الأَيَّام. قَالَ: وَلَمْ يَتفق
لَهُ أَنْ يَرْوِيَ، وَلَمْ يُعْقِبْ إلَّا البنَاتِ،
وَكَانَ لَهُ مِنَ الأَسبَاب إِرثاً وَكسباً مَا يَقومُ
بِكفَايته، وَقَدْ عُرِضَتْ عَلَيْهِ أموالٌ، فَمَا
قَبِلَهَا.
قَالَ: وَمِمَّا كَانَ يُعترض بِهِ عَلَيْهِ وُقوعُ خللٍ
مِنْ جِهَةِ النَّحْو فِي أَثْنَاء كلاَمِه، وَرُوجِعَ
فِيْهِ،
(14/268)
فَأَنِصْف، وَاعْتَرف أَنَّهُ مَا مَارسه،
وَاكتفَى بِمَا كَانَ يَحتَاج إِلَيْهِ فِي كلاَمه، مَعَ
أَنَّهُ كَانَ يُؤَلِّفُ الخُطب، وَيَشرحُ الكُتُبَ
بِالعبَارَة الَّتِي يَعْجِزُ الأَدبَاءُ وَالفُصحَاءُ
عَنْ أَمْثَالِهَا.
وَمِمَّا نُقِمَ عَلَيْهِ مَا ذكر مِنَ الأَلْفَاظ
المُسْتبشعَة بِالفَارِسيَة فِي كِتَاب "كِيمِيَاء
السَّعَادَة وَالعُلُوْم" وَشرح بَعْض الصُوْر
وَالمَسَائِل بِحَيْثُ لاَ تُوَافِقُ مَرَاسِمَ الشَّرع
وَظوَاهر مَا عَلَيْهِ قَوَاعدُ المِلَّةِ، وَكَانَ
الأَوْلَى بِهِ -وَالحَقُّ أَحقُّ مَا يُقَالَ- تركَ
ذَلِكَ التَّصنِيف، وَالإِعرَاضَ عَنِ الشَّرح لَهُ،
فَإِنَّ العوَامَّ رُبَّمَا لاَ يُحْكِمُوْنَ أُصُوْلَ
القوَاعد بِالبرَاهين وَالحجج، فَإِذَا سَمِعُوا شَيْئاً
مِنْ ذَلِكَ، تخيَّلُوا مِنْهُ مَا هُوَ المُضِرُّ
بعقَائِدهِم، وَيَنسِبُوْنَ ذَلِكَ إِلَى بيَانِ مَذْهَبِ
الأَوَائِل، عَلَى أَنَّ المُنْصِفَ اللّبِيْب إِذَا
رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ، عَلِمَ أَنَّ أَكْثَر مَا ذَكَرَهُ
مِمَّا رَمَزَ إِلَيْهِ إِشَارَاتُ الشَّرع، وَإِنْ لَمْ
يَبُحْ بِهِ، وَيُوجَدُ أَمثَالُهُ فِي كَلاَم مَشَايِخ
الطّرِيقَة مَرْمُوزَةً، وَمُصَرَّحاً بِهَا متفرقَة،
وَلَيْسَ لفظٌ مِنْهُ إلَّا وَكَمَا تُشعر سَائِرُ وجوهه
بما يُوَافق عقَائِدَ أَهْلِ الملَّة، فَلاَ يَجِبُ حَملُه
إِذاً إلَّا عَلَى مَا يُوَافق، وَلاَ يَنْبَغِي
التَّعلُّقُ بِهِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ إِذَا أَمكن،
وَكَانَ الأَوْلَى بِهِ أَنْ يَتْرُكَ الإِفصَاحَ
بِذَلِكَ، وَقَدْ سَمِعْتُ أَنَّهُ سَمِعَ "سُنَنَ أَبِي
دَاوُدَ" مِنَ القَاضِي أَبِي الفَتْحِ الحَاكمِي
الطُّوْسِيّ، وَسَمِعَ مِنْ مُحَمَّد بن أَحْمَدَ
الخُوَارِي وَالِدِ عبد الجَبَّارِ كِتَابَ "المَوْلِد"
لابْنِ أَبِي عَاصِمٍ بِسمَاعِه مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ
الحَارِثِ عَنْ أَبِي الشَّيْخِ عَنْهُ.
قُلْتُ: مَا نَقَمَهُ عَبْدُ الغَافِرِ عَلَى أَبِي حَامِد
فِي الكيمِيَاء، فَلَهُ أَمثَالُه فِي غُضون
تَوَالِيْفِهِ، حَتَّى قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ العربِي:
شَيخُنَا أَبُو حَامِدٍ بَلَعَ الفَلاسفَةَ، وَأَرَادَ
أَنْ يَتَقَيَّأَهُم، فَمَا اسْتَطَاعَ.
وَمِنْ "مُعْجَم أَبِي عَلِيٍّ الصدفِي"، تَأْلِيفُ
القَاضِي عِيَاض لَهُ، قَالَ: وَالشَّيْخ أَبُو حَامِدٍ
ذُو الأَنبَاء الشَّنِيعَة، وَالتَّصَانِيْفِ العَظِيْمَة،
غلاَ فِي طرِيقَة التَّصَوُّف، وَتَجرَّد لنَصر مَذْهَبهم،
وَصَارَ دَاعِيَةً فِي ذَلِكَ، وَأَلَّف فِيْهِ تَوَالِيفه
المَشْهُوْرَة، أُخِذَ عَلَيْهِ فِيْهَا مَوَاضِعُ،
وَسَاءت بِهِ ظُنُوْنُ أُمَةٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ
بِسِرِّهِ، وَنَفَذَ أَمرُ السُّلْطَان عِنْدنَا
بِالمَغْرِبِ وَفَتْوَى الفُقَهَاء بِإِحرَاقهَا وَالبُعدِ
عَنْهَا، فَامْتُثِلَ ذَلِكَ. مَوْلِدُهُ: سَنَةَ
خَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قُلْتُ: مَا زَالَ العُلَمَاءُ يَخْتلِفُوْنَ،
وَيَتَكَلَّم العَالِمُ فِي العَالِم باجْتِهَاده، وكلٌّ
مِنْهُم مَعْذُور مَأْجُور، وَمَنْ عَاند أَوْ خرق
الإِجْمَاعَ، فَهُوَ مَأْزور، وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ
الأُمُوْر.
وَلأَبِي المُظَفَّر يُوْسُف سِبْطِ ابْنِ الجَوْزِيّ فِي
كِتَاب "رِيَاض الأَفهَام" فِي مَنَاقِب أَهْلِ البَيْت
قَالَ: ذَكَرَ أَبُو حَامِدٍ فِي كِتَابِهِ "سِرّ
العَالمين وَكشف مَا فِي الدَّارين" فَقَالَ فِي حَدِيْث:
"مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ، فعليٌّ مَوْلاَهُ" 1 أَنَّ عُمَر
قَالَ لعلِي: بخٍ بخٍ، أَصْبَحتَ مَوْلَى كل مؤمنٍ ومؤمنة.
قال
__________
1 صحيح: ورد عن جمع من الصحابة منهم: زيد بن أرقم، والبراء
بن عازب، وبريدة بن الحصيب وسعد بن أبي وقاص، وغيرهم.
فأما حديث زيد بن أرقم: فعند الترمذي "3713"، وأحمد "4/
368 و 372".
وأما حديث البراء بن عازب: فعند ابن ماجه "116"، وأحمد "4/
281".
وأما حديث سعد بن أبي وقاص: فعند ابن ماجه "121".
وأما حديث بريدة بن الحصيب: فعند أحمد "5/ 347"، والطبراني
في "الأوسط" "436".
(14/269)
أبو حامد: وهذا تسليم ورضا، ثُمَّ بَعْد
هَذَا غَلَبَ عَلَيْهِ الهَوَى حُباً لِلرِّيَاسَة،
وَعَقْدِ البُنُوْد، وَأَمرِ الخِلاَفَة وَنَهيهَا،
فَحملهُم عَلَى الخلاَف، فَنبذُوهُ وَرَاءَ ظُهُوْرهِم،
وَاشتَرَوْا بِهِ ثَمناً قليلاً، فَبِئس مَا يَشترُوْنَ،
وَسَرَدَ كَثِيْراً مِنْ هَذَا الكَلاَم الفَسْلِ الَّذِي
تَزعمُهُ الإِمَامِيَّة، وَمَا أَدْرِي مَا عُذْرُهُ فِي
هَذَا؟ وَالظَّاهِر أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ، وَتبع الحَقَّ،
فَإِنَّ الرَّجُل مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ، وَاللهُ
أَعْلَمُ.
هَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا وَضَع هَذَا وَمَا ذَاكَ
بِبعيد، فَفِي هَذَا التَّأْلِيف بَلاَيَا لاَ تَتَطَبَّب،
وَقَالَ فِي أَوَّله: إِنَّهُ قرَأَه عَلَيْهِ مُحَمَّدُ
بنُ تُوْمرت المَغْرِبِيّ سِرّاً بِالنَّظَامِيَة، قَالَ:
وَتوسَّمْتُ فِيْهِ المُلْكَ.
قُلْتُ: قَدْ أَلَّفَ الرَّجُلُ فِي ذَمِّ الفَلاَسِفَة
كِتَاب "التهَافت"، وَكَشَفَ عوَارهُم، وَوَافقهُم فِي
موَاضِع ظنّاً مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ حقٌّ، أَوْ مُوَافِقٌ
لِلملَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْمٌ بِالآثَار وَلاَ
خِبْرَةٌ بِالسُّنَنِ النَّبويَّة القَاضِيَة عَلَى
العَقْل، وَحُبِّبَ إِلَيْهِ إِدمَانُ النَّظَر فِي كِتَاب
"رَسَائِلِ إِخْوَانِ الصَّفَا" وَهُوَ دَاءٌ عُضَال،
وَجَرَبٌ مُرْدٍ، وَسُمٌّ قَتَّالٌ، وَلَوْلاَ أَنَّ أَبَا
حَامِد مِنْ كِبَارِ الأَذكيَاء، وَخيَارِ المُخلِصينَ،
لَتَلِفَ. فَالحِذَارَ الحِذَارَ مِنْ هَذِهِ الكُتُب،
وَاهرُبُوا بدينكُم مِنْ شبه الأوائل، وإلا وَقعتُم فِي
الحَيْرَةِ، فَمَنْ رَام النَّجَاةَ وَالفوز، فيلزم
العُبُوديَّة، وَليُدْمِنِ الاسْتغَاثَةَ بِاللهِ،
وَليبتهِلْ إِلَى مَوْلاَهُ فِي الثَّبَاتِ عَلَى
الإِسْلاَمِ وَأَنْ يُتوفَّى عَلَى إيمان الصحابة، وسادة
التابعين، والله الموفق، فيحسن قَصْدِ العَالِمِ يُغْفَرُ
لَهُ وَيَنجُو، إِنْ شَاءَ اللهُ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو بنُ الصَّلاَح: فَصلٌ لِبيَانِ
أَشيَاء مُهِمَّةٍ أُنْكِرَتْ عَلَى أَبِي حَامِد:
ففي تواليفه أشياء لم يرتضاها أَهْلُ مَذْهَبه مِنَ
الشُّذوذ: مِنْهَا قَوْله فِي الْمنطق: هُوَ مقدمَة
العُلُوْمِ كُلِّهَا، وَمَنْ لاَ يُحيطُ بِهِ، فَلاَ ثِقَة
لَهُ بِمَعلُوْم أَصلاً. قَالَ: فَهَذَا مَرْدُوْدٌ، إِذْ
كُلُّ صَحِيْحِ الذّهن منطقي بالطبع، وكم من إمام ما رع
بِالمنطِق رَأْساً.
فَأَمَّا كِتَاب "المضنُوْنِ بِهِ عَلَى غَيْر أَهْله"
فَمَعَاذَ اللهِ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ، شَاهدتُ عَلَى نسخَة
بِهِ بِخَطِّ القَاضِي كَمَال الدّين مُحَمَّد بن عَبْدِ
اللهِ الشَّهْرُزُورِي أَنَّهُ مَوْضُوْع عَلَى الغزَالِي،
وَأَنَّهُ مُخْتَرع مِنْ كِتَاب "مَقَاصِد الفَلاَسِفَة"،
وَقَدْ نَقضه الرَّجُلُ بِكِتَابِ "التَّهَافُت".
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ الجيلِي فِي "تَارِيْخِهِ"
أَبُو حَامِدٍ لُقِّبَ بِالغزَّالِي، بَرَعَ فِي الفِقْه،
(14/270)
وَكَانَ لَهُ ذكاءٌ وَفِطْنَة وَتَصرُّف،
وَقُدرَة عَلَى إِنشَاء الكَلاَم، وَتَأْلِيفِ المَعَانِي،
وَدَخَلَ فِي عُلُوْمِ الأَوَائِل.
إِلَى أَنْ قَالَ: وَغَلَبَ عَلَيْهِ اسْتَعمَالُ
عبَارَاتِهم فِي كُتُبِهِ، وَاسْتُدْعِيَ لِتَدْرِيْس
النِّظَامِيَة بِبَغداد فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ
وَثَمَانِيْنَ، وَبَقِيَ إِلَى أَنْ غلبت عَلَيْهِ
الخلوَةُ، وَترك التَدْرِيْسَ، وَلَبِسَ الثِّيَابَ
الخشنَةَ، وَتَقلَّل فِي مَطْعُومه.
إِلَى أَنْ قَالَ: وَجَاورَ بِالقُدْس، وَشرع فِي
"الإِحيَاء" هُنَاكَ -أَعنِي: بِدِمَشْقَ- وَحَجَّ وَزَار،
وَرجع إِلَى بَغْدَادَ، وَسُمِعَ مِنْهُ كِتَابُهُ
"الإِحيَاء"، وَغَيْرُهُ، فَقَدْ حَدَّثَ بِهَا إِذاً،
ثُمَّ سَرَدَ تَصَانِيْفَه.
وَقَدْ رَأَيْت كِتَابَ "الْكَشْف وَالإِنبَاء عَنْ كِتَاب
الإِحيَاء" لِلمَازَرِي، أَوله: الحَمْدُ للهِ الَّذِي
أَنَار الحَقَّ وَأَدَالَه، وَأَبَارَ البَاطِلَ
وَأَزَاله، ثُمَّ أَوْرَد المَازَرِي أَشيَاءَ مِمَّا
نَقدَه عَلَى أَبِي حَامِد، يَقُوْلُ: وَلَقَدْ أَعْجَبُ
مِنْ قَوْم مالكيةٍ يَرَوْنَ مَالِكاً الإِمَام يَهْرُبُ
مِنَ التّحديد، وَيُجَانب أَنْ يَرْسُمَ رسماً، وَإِنْ
كَانَ فِيْهِ أثرٌ مَا، أَوْ قياسٌ مَا، تَوَرُّعاً
وَتحفظاً مِنَ الفَتْوَى فِيمَا يَحْمِلُ النَّاسَ
عَلَيْهِ، ثُمَّ يَسْتَحسنُوْنَ مِنْ رَجُل فَتَاوَى
مبنَاهَا عَلَى مَا لاَ حقيقَة لَهُ، وَفِيْهِ كَثِيْرٌ
مِنَ الآثَارُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لفَّق فِيْهِ الثَّابتَ بِغَيْرِ الثَّابت،
وَكَذَا مَا أَوْرَد عَنِ السَّلَفِ لاَ يَمكن ثبوتُهُ
كُلُّه، وَأَوْرَدَ مِنْ نَزغَاتِ الأَوليَاء وَنفثَات
الأَصفِيَاء مَا يَجِلُّ موقِعُه، لَكِن مزج فِيْهِ
النَّافِعَ بِالضَّار، كَإِطلاَقَات يَحكيهَا عَنْ بعضهِم
لاَ يَجُوْزُ إِطلاَقُهَا لِشنَاعتهَا، وَإِنْ أُخذت
معَانِيْهَا عَلَى ظوَاهرهَا، كَانَتْ كَالرموز إِلَى قدح
الْمُلْحِدِينَ، وَلاَ تَنْصَرِفُ مَعَانِيْهَا إِلَى
الحَقّ إلَّا بِتعسُّف عَلَى اللَّفْظ مِمَّا لاَ يَتكلف
العُلَمَاءُ مِثْله إلَّا فِي كَلاَم صَاحِب الشَّرع
الَّذِي اضْطرَّتْ المعجزَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى صدقه
المَانعَة مِنْ جَهله وَكذبه إِلَى طلب التَّأْوِيْل،
كَقَوْلِه: "إِنَّ القَلْبَ بَيْنَ أُصْبَعَيْنِ مِنْ
أَصَابِعِ الرَّحْمَن" 1، وَ "إِنَّ السَّمَاوَاتِ عَلَى
إِصْبَع" 2، وَكقوله: "لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ" 3،
وَكقوله: "يَضْحَكُ الله" 4، إلى غير ذَلِكَ مِنَ
الأَحَادِيْثِ الوَارد ظَاهِرُهَا بِمَا أَحَاله العقل.
__________
1 صحيح: ورد عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ:
عند مسلم "2654".
وورد عن أنس بن مالك: عند الترمذي "2140"، وابن ماجه
"3834"، وأحمد "3/ 112 و 257".
2 صحيح: أخرجه البخاري "4811"، ومسلم "2786"، والترمذي
"3239"، وأحمد "1/ 457".
3 صحيح: أخرجه مسلم "179"، وابن ماجه "195" و "196".
4 صحيح: أخرجه البخاري "2826"، ومسلم "1890"، عن أبي هريرة
مرفوعا وتمامه: يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر
كلاهما يدخل الجنة. فقالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: يقاتل
هذا في سبيل الله -عز وجل- فيستشهد ثم يتوب الله على
القاتل فيسلم. فيقاتل في سبيل الله -عز وجل- فيُستشهد".
(14/271)
إِلَى أَنْ قَالَ: فَإِذَا كَانَتِ
العِصْمَةُ غَيْرَ مَقْطُوْع بِهَا فِي حقِّ الوَلِي،
فَلاَ وَجه لإِضَافَة مَا لاَ يَجُوْزُ إِطلاَقُهُ
إِلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَثْبُتَ، وَتَدعُو ضَرُوْرَةٌ إِلَى
نَقله، فَيَتَأَوّل.
إِلَى أَنْ قَالَ: أَلاَ تَرَى لَوْ أَنَّ مُصَنِّفاً
أَخَذَ يَحكِي, عَنْ بَعْضِ الحشويَة مَذْهَبَه فِي قِدَمَ
الصَّوتِ وَالحرف، وَقِدَمَ الوَرَقِ، لَمَّا حَسُنَ بِهِ
أَنْ يَقُوْل: قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقين: إِنَّ
القَارِئَ إِذَا قرَأَ كِتَابَ اللهِ، عَادَ القَارِئُ فِي
نَفْسِهِ قديماً بَعْدَ أَنْ كَانَ مُحْدَثاً، أَوْ قَالَ
بَعْضُ الحذَاق: إِنَّ اللهَ مَحَلٌّ لِلْحوَادث، إِذَا
أَخَذَ فِي حِكَايَة مَذْهَب الكَرَّامِيَّةِ.
وَقَالَ قَاضِي الجَمَاعَة أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ
بنُ حَمْدين القُرْطُبِيّ: إِن بَعْضَ مَنْ يَعِظُ مِمَّنْ
كَانَ يَنْتَحِلُ رسمَ الفِقْه، ثُمَّ تَبرَّأَ مِنْهُ
شغفاً بِالشِّرعَة الغزَّاليَة، وَالنِّحلَة
الصُّوْفِيَّة، أَنشَأَ كُرَاسَةً تَشْتَمِلُ عَلَى
مَعْنَى التعصُّب لِكِتَابِ أَبِي حَامِد إِمَام
بِدعتِهِم، فَأَيْنَ هُوَ مِنْ شُنَعِ مَنَاكِيْره،
وَمَضَاليلِ أَسَاطيرِهِ المُبَاينَة لِلدِّين?! وَزَعَمَ
أَنَّ هَذَا مِنْ علم المعَامِلَة المُفضِي إِلَى علم
المكَاشفَة الوَاقع بِهِم عَلَى سِرِّ الربوبيَة الَّذِي
لاَ يُسفِر عَنْ قِنَاعِهِ، وَلاَ يَفُوزُ بِاطِّلاعه
إلَّا مَنْ تَمَطَّى إِلَيْهِ ثَبَج ضَلاَلَته الَّتِي رفع
لَهُم أَعْلاَمَهَا، وَشرع أَحكَامَهَا. قَالَ أَبُو
حَامِدٍ: وَأَدْنَى النصِيْبِ من هَذَا العِلْم التَّصديقُ
بِهِ، وَأَقلُّ عُقُوبَته أَنْ لاَ يُرْزَقَ المُنْكِرُ
مِنْهُ شَيْئاً، فَاعرض قَوْله عَلَى قَوْلِهِ، وَلاَ
يَشتغِلُ بقِرَاءة قُرْآن، وَلاَ بِكَتْبِ حَدِيْثٍ،
لأَنَّ ذَلِكَ يَقْطَعُهُ عَنِ الْوُصُول إِلَى إِدخَال
رَأْسه فِي كُمِّ جُبَّته، وَالتَّدثر بِكسَائِهِ،
فَيسْمَع نِدَاءَ الحَقِّ، فَهُوَ يَقُوْلُ: ذرُوا مَا
كَانَ السَّلَفُ عَلَيْهِ، وَبَادِرُوا مَا آمُرُكُم بِهِ،
ثُمَّ إِنَّ هَذَا القَاضِي أَقذَع، وَسَبَّ، وَكفَّر،
وَأَسْرَفَ، نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الهَوَى.
وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ: وَصُدُوْرُ الأَحرَارِ قُبُوْرُ
الأَسرَارِ، وَمَنْ أَفشَى سِرَّ الرُّبوبيَة، كفر،
وَرَأَى قَتْلَ مِثْلِ الحَلاَّج خَيراً مِنْ إِحيَاء
عَشْرَة لإِطلاَقه أَلْفَاظاً، وَنَقَلَ عَنْ بعضهِم
قَالَ: لِلرُّبوبيَّة سِرٌّ لَوْ ظهر، لَبَطَلت
النُّبُوَّة، وَللنُبُوَّة سرٌّ لَوْ كُشِفَ، لبَطل
العِلْمُ، وَلِلْعلمِ سرٌّ لَوْ كشف، لَبَطَلت الأَحكَامُ.
قُلْتُ: سِرُّ العِلْم قَدْ كشف لصُوْفَة أَشقيَاء،
فَحلُّوا النّظَام، وَبطل لديهِم الحَلاَلُ وَالحَرَامُ.
قَالَ ابْنُ حَمْدِينَ: ثُمَّ قَالَ الغزَالِي:
وَالقَائِلُ بِهَذَا، إِنْ لَمْ يُرِدْ إِبطَال
النُّبُوَّة فِي حقِّ الضُّعَفَاء، فَمَا قَالَ لَيْسَ
بِحقٍّ، فَإِنَّ الصَّحِيح لاَ يَتنَاقضُ، وَإِنَّ
الكَامِل مَنْ لاَ يُطفئ نُوْرُ مَعْرِفَته نُورَ وَرعه.
وَقَالَ الغزَّالِي فِي العَارِف: فَتتجلَى لَهُ أَنوَارُ
الحَقِّ، وَتنكشِفُ لَهُ العُلُوْم المرموزَةُ المحجوبَةُ
عَنِ الْخلق، فَيعرِفُ مَعْنَى النُّبُوَّة، وَجَمِيْعَ
مَا وَردت بِهِ أَلْفَاظُ الشرِيعَة الَّتِي نَحْنُ
مِنْهَا عَلَى ظَاهِرٍ لاَ عَلَى حقيقَة.
(14/272)
وَقَالَ عَنْ بعضهِم: إِذَا رَأَيْتَهُ فِي
البِدَايَة، قُلْتَ: صديقاً، وَإِذَا رَأَيْتهُ فِي
النِّهَايَة، قُلْتَ: زِنْدِيقاً، ثُمَّ فَسَّره
الغزَّالِي، فَقَالَ: إِذِ اسمُ الزِّنْدِيق لاَ يُلصق
إلَّا بِمعطِّل الفَرَائِضِ لاَ بِمعطِّلِ النَّوَافل.
وَقَالَ: وَذَهَبت الصُّوْفِيَّةُ إِلَى العُلُوْمِ
الإِلهَامِيَة دُوْنَ التَّعليمِيَة، فَيجلس فَارغَ
القَلْب، مجموعَ الهَمِّ يَقُوْلُ: اللهُ اللهُ اللهُ،
عَلَى الدَّوَام، فَلْيُفَرِّغ قَلْبَهُ، وَلاَ يَشتغِلْ
بِتِلاَوَة وَلاَ كتب حَدِيْث. قَالَ: فَإِذَا بلغَ هَذَا
الحدّ، الْتزم الخلوة في بيت مظلمٍ، وتدثر بكسائه، فحينئذ
يسمع نداء الحق: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} ، {يَا
أَيُّهَا الْمُزَّمِّل} .
قُلْتُ: سَيِّدُ الخلقِ إِنَّمَا سمع {يَاأَيُّهَا
الْمُدَّثِّرُ} مِنْ جِبْرِيْل عَنِ اللهِ، وَهَذَا
الأَحْمَقُ لَمْ يَسْمَعْ نِدَاء الحَقِّ أَبَداً، بَلْ
سَمِعَ شيطانًا، أو سمع شئًا لاَ حقيقَةً مِنْ طَيش
دِمَاغِه، وَالتَّوفِيقُ فِي الاعتصَام بِالسُّنَّةِ
وَالإِجْمَاع.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِي: شَحَنَ أَبُو حَامِدٍ
"الإِحيَاء" بِالكَذِبِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلاَ أَعْلَمُ كِتَاباً
عَلَى بَسِيط الأَرْضِ أَكْثَرَ كذباً مِنْهُ، ثُمَّ
شبَّكَهُ بِمَذَاهِبِ الفَلاَسِفَة، وَمعَانِي رَسَائِل
إِخْوَانِ الصَّفَا، وَهُم قَوْم يَرَوْنَ النُّبُوَّة
مكتَسَبَة، وَزعمُوا أَنَّ المعجزَاتِ حِيَلٌ
وَمَخَارِيقُ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِر: حَجَّ أَبُو حَامِدٍ وَأَقَامَ
بِالشَّامِ نَحْواً مِنْ عشر سِنِيْنَ، وَصَنَّفَ،
وَأَخَذَ نَفْسه بِالمُجَاهِدَة، وَكَانَ مُقَامُه
بِدِمَشْقَ فِي المنَارَة الغربيَة مِنَ الجَامِع، سَمِعَ
"صَحِيْح البُخَارِيِّ" مِنْ أَبِي سهل الْحَفْصِي،
وَقَدِمَ دِمَشْق فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ.
وَقَالَ ابْنُ خَلِّكَان: بَعَثَهُ النِّظَام عَلَى
مَدْرَسَته بِبَغْدَادَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ
وَثَمَانِيْنَ، وَتَركهَا فِي سَنَةِ ثَمَانٍ
وَثَمَانِيْنَ، وَتَزَهَّدَ، وَحَجَّ، وَأَقَامَ
بِدِمَشْقَ مُدَّةً بِالزَّاويَة الغربيَة، ثُمَّ انتقلَ
إِلَى بَيْت المَقْدِسِ وَتَعَبَّدَ، ثُمَّ قصد مِصْر،
وَأَقَامَ مُدَّةً بِالإِسْكَنْدَرِيَّة، فَقِيْلَ: عزم
عَلَى المضِي إِلَى يُوْسُفَ بنِ تَاشفِيْن سُلْطَانِ
مَرَّاكُش، فَبَلَغَهُ نَعِيُّه، ثُمَّ عَادَ إِلَى طُوْس،
وَصَنَّفَ: "البَسيطَ" وَ "الوسيطَ" وَ "الوجِيْزَ" وَ
"الخلاَصَة" وَ "الإِحيَاءَ"، وَأَلَّف: "المُسْتصفَى" فِي
أُصُوْل الفِقْه، وَ "المَنْخُوْل" وَ "اللبَاب" وَ
"الْمُنْتَحل فِي الجَدَل" وَ "تَهَافت الفَلاَسِفَة" وَ
"مَحكّ النَّظَر" وَ "مِعيَار العِلْم" وَ "شرح الأَسْمَاء
الحُسْنَى" وَ "مشكَاة الأَنوَار" وَ "المُنْقِذ مِنَ
الضَّلاَل" وَ "حقيقَة الْقَوْلَيْنِ" وَأَشيَاء.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: أَبُو حَامِدٍ إِمَامُ
الفُقَهَاءِ عَلَى الإِطلاَق، وَربَّانِيُّ الأُمَّةِ
بِالاتِّفَاق، وَمُجْتَهِدُ زَمَانه، وَعينُ أَوَانه،
بَرَعَ فِي المَذْهَب وَالأُصُوْل وَالخلاَف وَالجَدَلِ
وَالمنطق، وَقرَأَ الحِكْمَة وَالفَلْسَفَة، وَفَهِمَ
كلاَمهُم، وَتَصَدَّى لِلرَّدِّ عَلَيْهِم، وَكَانَ
شَدِيدَ الذّكَاء، قوِيَّ الإِدرَاك، ذَا فِطْنَة ثَاقبَة،
وَغوص عَلَى المَعَانِي، حَتَّى قِيْلَ: إِنَّهُ أَلَّف
"المَنْخُوْل"، فَرَآهُ أَبُو المَعَالِي، فَقَالَ:
دفنتَنِي وَأَنَا حيٌّ، فَهَلاَّ صَبرتَ الآنَ، كِتَابُك
غطَّى عَلَى كِتَابِي.
(14/273)
ثُمَّ رَوَى ابْنُ النَّجَّار بِسنده:
أَنَّ وَالِد أَبِي حَامِد كَانَ يَغْزِلُ الصُّوفَ
وَيبيعُهُ فِي دُكَّانه بِطُوْسَ، فَأَوْصَى بِوَلَدَيْهِ
مُحَمَّد وَأَحْمَد إِلَى صديقٍ لَهُ صُوْفِي صَالِح،
فَعلمهُمَا الخطَّ، وَفَنِيَ مَا خَلَّفَ لَهُمَا
أَبُوْهُمَا، وَتعذَّر عَلَيْهِمَا القُوْتُ، فَقَالَ:
أَرَى لَكُمَا أَنْ تلجآ إِلَى المدرسَة كَأَنكمَا
طَالبَان لِلْفقه عَسَى يَحصُل لَكُمَا قوتٌ، فَفَعلاَ
ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَد الخطيبِي: كُنْت فِي
حَلْقَة الغزَّالِي، فَقَالَ: مَاتَ أَبِي، وَخلَّف لِي
وَلأَخِي مِقْدَاراً يَسيراً فَفَنِي بِحَيْثُ تَعذَّرَ
عَلَيْنَا القُوْتُ، فَصِرنَا إِلَى مدرسَة نطلُبُ
الفِقْه، لَيْسَ المُرَادُ سِوَى تحصيلِ القُوْت، فَكَانَ
تَعلُّمنَا لِذَلِكَ، لاَ للهِ، فَأَبَى أَنْ يَكُوْنَ
إلَّا لله.
قال أسعد الميني: سمعت أبا حامد يقول: هاجرتا إِلَى أَبِي
نَصْرٍ الإِسْمَاعِيْلِي بجُرْجَان، فَأَقَمْتُ إِلَى أن
أخذت عنه "التعليقة".
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ الأَشِيرِي: سَمِعْتُ عبد
المُؤْمِن بن عَلِيٍّ القَيْسِيّ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ
اللهِ بنَ تُوْمَرْت يَقُوْلُ: أَبُو حَامِدٍ الغزَالِي
قَرَعَ البَابَ وَفُتِحَ لَنَا.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: بَلَغَنِي أَن إِمَامَ
الحَرَمَيْنِ قَالَ: الغَزَّالِي بَحْرٌ مغرقٌ،
وَإِلْكِيَا أَسَدٌ مُطْرِقٌ، وَالخَوَافِي نَارٌ
تُحْرِقُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ العُثْمَانِيّ، وَغَيْرهُ:
سَمِعْنَا مُحَمَّدَ بَنَ يَحْيَى العَبْدَرِي المُؤَدِّب
يَقُوْلُ: رَأَيْتُ بِالإِسْكَنْدَرِيَّة سَنَةَ خَمْس
مائَة كَانَّ الشَّمْس طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبهَا،
فَعَبَرَهُ لِي عَابِرٌ بِبدعَة تَحْدُثُ فِيهِم، فَبعد
أَيَّام وَصل الخَبَر بِإِحرَاقِ كتب الغزالي من المرية.
وَفِي التَّوَكُّل مِنَ "الإِحيَاء" مَا نَصه: وَكُلُّ مَا
قسمَ اللهُ بَيْنَ عبَاده مِنْ رزقٍ وأجلٍ، وإيمانٍ
وَكفرٍ، فَكُلُّه عدلٌ مَحْض، لَيْسَ فِي الإِمْكَانِ
أَصلاً أَحْسَنُ وَلاَ أَتَمُّ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ
وَادَّخره تَعَالَى مَعَ القُدرَة وَلَمْ يَفعلْه، لَكَانَ
بُخْلاً وَظلماً.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ العَربِي فِي "شَرحِ الأَسْمَاء
الحُسْنَى": قَالَ شيخنَا أَبُو حَامِدٍ قَوْلاً عَظِيْماً
انْتَقدهُ عَلَيْهِ العُلَمَاءُ، فَقَالَ: وَلَيْسَ فِي
قُدرَة الله أَبدعُ مِنْ هَذَا العَالَم فِي الإِتْقَان
وَالحِكْمَة، وَلَوْ كَانَ فِي القدرَة أَبدعُ أَوْ أَحكمُ
مِنْهُ وَلَمْ يَفعله، لَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ قَضَاءً
لِلْجُوْد، وَذَلِكَ مُحَال. ثُمَّ قَالَ: وَالجَوَاب
أَنَّهُ بَاعد فِي اعْتِقَاد عمومِ القدرَة وَنَفْي
النّهَايَة عَنْ تَقدير المقدورَات المُتَعَلِّقَة بِهَا،
وَلَكِن فِي تَفَاصيل هَذَا العَالم المَخْلُوْق، لاَ فِي
سِوَاهُ، وَهَذَا رَأْيٌ فَلسفِي قصَدتْ بِهِ
الفَلاَسِفَةُ قَلْبَ الحقَائِق، وَنسبتِ الإِتْقَانَ
إِلَى الحَيَاةِ مَثَلاً، وَالوجُوْدَ إِلَى السَّمْعِ
وَالبصر، حَتَّى لاَ يَبْقَى فِي القلوبِ سبيلٌ إِلَى
الصَّوَاب، وَأَجْمَعتِ الأُمَّةُ عَلَى خِلاَف هَذَا
الاعتقَاد، وَقَالَتْ عَنْ بُكرَة أَبيهَا: إِنَّ
المقدورَاتِ لاَ نِهَايَةَ لَهَا لِكُلِّ مُقَدَّر
الوُجُوْد، لاَ لِكُلِّ حَاصل الوجُوْد، إِذِ القدرَةُ
(14/274)
صَالِحَة، ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ وهلةٌ لاَ
لَعاً لَهَا، وَمَزَلَّةٌ لاَ تَمَاسكَ فِيْهَا، وَنَحْنُ
وَإِنْ كُنَّا نُقْطَةً مِنْ بحره، فَإِنَّا لاَ نَرُدُّ
عَلَيْهِ إلَّا بِقَوْلِهِ.
قُلْتُ: كَذَا فَليكن الردُّ بأدبٍ وَسكَيْنَة.
وَمِمَّا أُخِذَ عَلَيْهِ، قَالَ: إِنَّ لِلْقدر سِرّاً
نُهينَا عَنْ إِفشَائِهِ، فَأَيُّ سرٍّ للقدر? فَإِنْ
كَانَ مُدْرَكاً بِالنَّظَر، وُصِلَ إِلَيْهِ وَلاَ بُدَّ،
وَإِنْ كَانَ مُدْرَكاً بِالخَبَر، فَمَا ثَبَتَ فِيْهِ
شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ يُدْرَكُ بِالحَال وَالعِرفَان،
فَهَذِهِ دعوَى مَحضَة، فَلَعَلَّهُ عَنَى بِإِفشَائِهِ
أَن نُعَمِّق فِي القَدَرِ، وَنبحثَ فِيْهِ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عبد الكَرِيْم، أَخْبَرَنَا
أَبُو الحَسَنِ السَّخَاوِيُّ، أَخْبَرَنَا حطلبا بن
قمرِيَة الصُّوْفِيّ، أَخْبَرَنَا سَعْدُ بن أَحْمَدَ
الإِسْفَرَايينِي بِقِرَاءتِي، أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ
مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيّ قَالَ:
اعْلم أَنَّ الدِّين شَطرَانِ: أَحَدُهُمَا تَركُ
المَنَاهِي، وَالآخرُ فِعلُ الطَّاعَات، وَتركُ المنَاهِي
هُوَ الأَشَدُّ، وَالطَّاعَات يَقْدِرُ عَلَيْهَا كُلُّ
أَحَدٍ، وَتركُ الشَّهوَات لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا إلَّا
الصِّدِّيْقُوْنَ، وَلذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "المُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السوء،
والمجاهد من جاهد هواه" 1.
وَقَالَ أَبُو عَامِرٍ العبدرِي: سَمِعْتُ أَبَا نَصْرٍ
أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْد القَادِرِ الطُّوْسِيّ
يَحْلِفُ بِاللهِ أَنَّهُ أَبصر فِي نَوْمه كَأَنَّهُ
يَنظر فِي كتب الغزَالِي -رَحِمَهُ اللهُ- فَإِذَا هِيَ
كُلُّهَا تَصَاوِيْر.
قُلْتُ: الغَزَّالِي إِمَامٌ كَبِيْر، وَمَا مِنْ شَرطِ
العَالِم أَنَّهُ لاَ يُخطِئ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ الطُّرْطُوشِي فِي
رِسَالَة لَهُ إِلَى ابْنِ مُظَفَّر: فَأَمَّا مَا ذكرت
مِنْ أَبِي حَامِد، فَقَدْ رَأَيْتُهُ، وَكَلَّمتُهُ،
فَرَأَيْتهُ جَلِيْلاً مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، وَاجتمع
فِيْهِ العَقْلُ وَالفهْمُ، وَمَارسَ العُلُوْمَ طُولَ
عُمُره، وَكَانَ عَلَى ذَلِكَ مُعْظَمَ زَمَانِهِ، ثُمَّ
بدَا لَهُ عَنْ طريق العلماء، ودخل في غمار العمال، ثم
تَصَوَّف، وَهجر العُلُوْمَ وَأَهْلهَا، وَدَخَلَ فِي
عُلُوْم الخوَاطِرِ، وَأَربَابِ الْقُلُوب، وَوسَاوسِ
الشَّيْطَان، ثُمَّ شَابَهَا بآرَاء الفَلاَسِفَةِ،
وَرُموز الحلاَّجِ، وَجَعَلَ يَطْعُنُ عَلَى الفقهاء
والمتكلمين، ولقد كاد أن ينسلخ من الدِّين، فَلَمَّا عمل
"الإِحيَاء"، عَمَدَ يَتَكَلَّم فِي
__________
1 ورد عنه فضالة بن عبيد مرفوعًا بلفظ: "المجاهد من جاهد
نفسه". رواه الترمذي "1621"، وهو صحيح، وأخرجه أحمد "6/
21"، والحاكم "1/ 10- 11"، والطبراني في "الكبير" "18/
796"، من طريق الليث بن سعد قال: حدثني أبو هانئ الخولاني،
عن عمرو بن مالك الجنبي قال: حدثني فضالة بن عبيد قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في حجة
الوداع: "ألا أخبركم بالمؤمن: من أمنه الناس على أموالهم
وأنفسهم، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمجاهد من
جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر الخطايا
والذنوب".
قلت: وإسناده صحيح، رجاله ثقات، وأبو هانئ الخولاني: هو
حميد بن لاحق.
(14/275)
عُلُوْم الأَحْوَال، وَمرَامزِ
الصُّوْفِيَّة، وَكَانَ غَيْرَ أنيسٍ بها، ولا خبير
بمعرفتها، فسقط على أم رَأْسِهِ، وَشحن كِتَابَهُ
بِالمَوْضُوْعَات.
قُلْتُ: أَمَّا "الإِحيَاء" فَفِيْهِ مِنَ الأَحَادِيْثِ
البَاطِلَة جُمْلَةٌ، وَفِيْهِ خَيْر كثر لَوْلاَ مَا
فِيْهِ مِنْ آدَاب وَرسوم وَزُهْد مِنْ طرَائِق الحكمَاء
وَمُنحَرِفِي الصُّوْفِيَّة، نَسْأَل اللهَ عِلْماً
نَافِعاً، تَدْرِي مَا العِلْمُ النَّافِع? هُوَ مَا نَزل
بِهِ القُرْآنُ، وَفسَّره الرَّسُول -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَوْلاً وَفعلاً، وَلَمْ يَأْت نهي
عنه، قال عليه السلام: "مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي،
فَلَيْسَ مِنِّي" 1، فَعَلَيْك يَا أَخِي بتدبُّر كِتَاب
اللهِ، وَبإِدمَان النَّظَر فِي "الصَّحِيْحَيْنِ"، و
"سُنَن النَّسَائِيّ"، وَ "رِيَاض النَّوَاوِي"
وَأَذكَاره، تُفْلِحْ وَتُنْجِحْ، وَإِيَّاكَ وَآرَاءَ
عُبَّادِ الفَلاَسِفَة، وَوظَائِفِ أَهْلِ الرِّيَاضَات،
وَجُوعَ الرُّهبَان، وَخِطَابَ طَيْشِ رُؤُوْسِ أَصْحَابِ
الخلوَات، فُكُلُّ الخَيْر فِي مُتَابعَة الحنِيفِيَة
السَّمحَة، فَواغوثَاهُ بِاللهِ، اللَّهُمَّ اهدِنَا إِلَى
صرَاطك المُسْتقيم.
نعم، وَللإِمَامِ مُحَمَّد بن عَلِيٍّ المَازَرِي
الصَّقَلِّي كلامٌ عَلَى "الإِحيَاء" يَدُلُّ عَلَى
إِمَامته، يَقُوْلُ: وَقَدْ تَكرَّرت مُكَاتبتكُم فِي
اسْتَعلاَمِ مَذْهَبِنَا فِي الكِتَابِ المُتَرْجَمِ
بِـ"إِحيَاءِ عُلُوْمِ الدِّينِ"، وَذَكَرتُم أَنَّ آرَاء
النَّاس فِيْهِ قَدِ اخْتلفت، فطائفةٌ انْتَصَرت وَتعصَّبت
لإِشهَاره، وَطَائِفَة حَذَّرت مِنْهُ وَنفَّرت،
وَطَائِفَة لِكُتُبِهِ أَحرقت، وَكَاتِبنِي أَهْلُ
المَشْرِق أَيْضاً يَسْأَلونِي، وَلَمْ يَتقدم لِي قِرَاءة
هَذَا الكِتَاب سِوَى نُبَذٍ مِنْهُ، فَإِنْ نَفَّسَ اللهُ
فِي العُمُرِ، مَدَدتُ فِيْهِ الأَنفَاس، وَأَزلتُ عَنِ
الْقُلُوب الالْتِبَاس: اعْلمُوا أَنَّ هَذَا رَأَيْتُ
تَلاَمِذَتَهُ، فُكُلٌّ مِنْهُم حَكَى لِي نوعاً مِنْ
حَالِهِ مَا قَامَ مقَام العِيَانِ، فَأَنَا أَقتصرُ عَلَى
ذكر حَاله، وَحَالِ كِتَابِهِ، وَذِكْرِ جُمَلٍ مِنْ
مَذَاهِب الموحِّدين وَالمتصَوِّفَة، وَأَصْحَابِ
الإِشَارَات، وَالفَلاَسِفَة، فَإِنَّ كِتَابهُ مترددٌ
بَيْنَ هَذِهِ الطّرَائِق.
ثُمَّ إِنَّ المَازرِي أَثْنَى عَلَى أَبِي حَامِد فِي
الفِقْه، وَقَالَ: هُوَ بِالفِقْه أَعْرفُ مِنْهُ بأصوله،
وأما علم الكلام الذي هو أصل الدّين، فَإِنَّهُ صَنَّف
فِيْهِ، وَلَيْسَ بِالمتبحر فِيْهَا، وَلَقَدْ فَطِنْتُ
لِعدم اسْتبحَاره فِيْهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَرَأَ
عُلُوْمَ الفَلْسَفَة قَبْل اسْتبحَاره فِي فَن الأُصُوْل،
فَأَكسبته الفَلْسَفَة جُرْأَةً عَلَى المَعَانِي،
وَتسهُّلاً لِلْهجوم عَلَى الحقَائِق، لأَنْ الفَلاَسِفَة
تَمرُّ مَعَ خَوَاطِرِهَا، لاَ يَزَعُهَا شَرْعٌ،
وَعَرَّفنِي صَاحِب لَهُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عُكُوفٌ عَلَى
"رَسَائِل إِخْوَان الصَّفَا"، وَهِيَ إِحْدَى
وَخَمْسُوْنَ رِسَالَةً، أَلَّفهَا مَنْ قَدْ خَاض فِي علم
الشَّرع وَالنَّقل، وَفِي الحِكْمَة، فَمزج بَيْنَ
الْعلمين، وَقَدْ كَانَ رَجُل يُعْرَفُ بِابْنِ سِينَا
ملأَ الدُّنْيَا تَصَانِيْفَ، أَدَّتْهُ قوته في الفلسفة
إلى أن
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "5063"، ومسلم "1401"، والنسائي "6/
60"، وأحمد "3/ 241 و 259 و 285"، من حديث أنس بن مالك.
(14/276)
حَاول ردَّ أُصُوْلِ العقَائِد إِلَى علم
الفَلْسَفَة، وَتلطَّفَ جُهْدَهُ، حَتَّى تَمَّ لَهُ مَا
لَمْ يَتُم لغَيْره، وَقَدْ رَأَيْتُ جُمَلاً مِنْ
دَوَاوِيْنه، وَوجدتُ أَبَا حَامِد يُعَوِّلُ عَلَيْهِ فِي
أَكْثَر مَا يُشيرُ إِلَيْهِ مِنْ عُلُوْم الفَلْسَفَة.
وَأَمَّا مَذَاهِبُ الصُّوْفِيَّة، فَلاَ أَدْرِي عَلَى
مَنْ عوَّل فِيْهَا، لَكِنِّي رَأَيْتُ فِيمَا عَلَّق
بَعْضُ أَصْحَابه أَنَّهُ ذكر كُتُبَ ابْنِ سينَا وَمَا
فِيْهَا، وَذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ كُتبَ أَبِي حَيَّانَ
التَّوحيدي، وَعِنْدِي أَنَّهُ عَلَيْهِ عوَّل فِي مَذْهَب
التَّصَوُّف، وَأُخْبِرْتُ أَنَّ أَبَا حَيَّان أَلَّف
دِيْوَاناً عَظِيْماً فِي هَذَا الفنّ، وَفِي "الإِحيَاء"
مِنَ الوَاهيَات كَثِيْر. قَالَ: وَعَادَةُ المتورِّعين
أَنْ لاَ يَقولُوا: قَالَ مَالِكٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ،
فِيمَا لَمْ يثبت عِنْدَهُم.
ثُمَّ قَالَ: وَيَستحسنُ أَشيَاءَ مبنَاهَا عَلَى ما لا
حقيقة له، كقص الأظافر أَنْ يَبدَأَ بِالسَّبَّابَة، لأَنْ
لَهَا الفَضْلَ عَلَى باقِي الأَصَابع، لأَنَّهَا
المسبِّحَة، ثُمَّ قصّ مَا يَلِيهَا مِنَ الوُسطَى،
لأَنَّهَا نَاحِيَة اليَمِينِ، وَيَخْتِم بِإِبْهَامِ
اليُمْنَى، وَرَوَى فِي ذَلِكَ أَثراً.
قُلْتُ: هُوَ أَثر مَوْضُوْع.
ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ: مَنْ مَاتَ بَعْدَ بلوَغه وَلَمْ
يَعلم أَنَّ البَارِئ قديم، مَاتَ مسلماً إِجمَاعاً.
قَالَ: فَمَنْ تسَاهل فِي حِكَايَة الإِجْمَاع فِي مِثْلِ
هَذَا الَّذِي الأَقْرَبُ أَنْ يَكُوْنَ الإِجْمَاعُ فِي
خِلاَفه، فَحقيق أَنْ لاَ يُوثقَ بِمَا رَوَى، وَرَأَيْتُ
لَهُ فِي الجُزْء الأَوّل يَقُوْلُ: إِنَّ فِي عُلُوْمِهِ
مَا لاَ يَسوَغ أَنْ يُودَعَ فِي كِتَاب، فَليت شعرِي
أحقٌّ هُوَ أَوْ بَاطِل?! فَإِنْ كَانَ بَاطِلاً،
فَصَدَقَ، وَإِنْ كَانَ حَقّاً، وَهُوَ مُرَادُهُ بِلاَ
شكّ، فَلِمَ لاَ يُودَعُ فِي الكُتُبِ، أَلِغُموضه
وَدِقَّته?! فَإِنْ كَانَ هُوَ فَهِمَه، فَمَا المَانع
أَنْ يَفهمه غَيْرُهُ?!
قَالَ أَبُو الفَرَجِ ابْن الجَوْزِيّ: صَنَّفَ أَبُو
حَامِدٍ "الإِحيَاء"، وَملأَه بِالأَحَادِيْث البَاطِلَة،
وَلَمْ يَعلم بطلاَنهَا، وَتَكلّم عَلَى الْكَشْف،
وَخَرَجَ عَنْ قَانُوْنِ الفِقْه، وَقَالَ: إِنَّ
المُرَادَ بِالكَوْكَب وَالقَمَر وَالشَّمْس اللوَاتِي
رَآهن إِبْرَاهِيْم، أَنوَار هِيَ حُجُبُ الله -عَزَّ
وَجَلَّ-، وَلَمْ يُرد هَذِهِ المَعْرُوْفَات، وَهَذَا
مِنْ جنس كَلاَمِ البَاطِنِيَّة، وَقَدْ ردَّ ابْنُ
الجَوْزِيّ عَلَى أَبِي حَامِد فِي كِتَابِ "الإِحيَاء"،
وَبَيَّنَ خَطَأَه فِي مُجَلَّدَات، سَمَّاهُ كِتَابَ
"الأَحيَاءِ".
وَلأَبِي الحَسَنِ ابْن سُكَّر رَدٌّ عَلَى الغَزَّالِي
فِي مُجَلَّدٍ سَمَّاهُ: "إِحيَاء ميت الأَحْيَاء فِي
الرَّدِّ عَلَى كِتَابِ الإِحيَاءِ".
قُلْتُ: مَا زَالَ الأَئِمَّةُ يُخَالِف بَعضهُم بعضاً،
وَيَردُّ هَذَا عَلَى هَذَا، وَلَسْنَا مِمَّنْ يَذُمُّ
العَالِم بِالهَوَى وَالجَهْل.
(14/277)
نعم، وَلِلإِمَامِ كِتَاب "كيمِيَاء
السَّعَادَة"، وَكِتَاب "الْمُعْتَقد"، وَكِتَاب "إِلجَام
العوَام"، وَكِتَاب "الرَّدّ عَلَى البَاطِنِيَّة"،
وَكِتَاب "مُعْتَقد الأَوَائِل"، وَكِتَاب "جَوَاهر
القُرْآن"، وَكِتَاب "الغَايَة القصوَى"، وَكِتَاب
"فَضَائِح الإِباحيَة"، وَ "مَسْأَلَة عَوز الدّور"،
وَغَيْر ذَلِكَ.
قَالَ عَبْد الغَافِرِ الفَارِسِيّ: تُوُفِّيَ يَوْم
الاثْنَيْنِ رَابِعَ عَشَرَ جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ
خَمْسٍ وَخَمْس مائَة، وَلَهُ خَمْس وَخَمْسُوْنَ سَنَةً،
وَدُفِنَ بِمَقْبَرَة الطَّابرَان قصبَة بِلاَدِ طُوْس،
وَقَوْلُهُم: الغَزَّالِي، وَالعطَّارِي، وَالخَبَّازِيّ،
نِسبَة إِلَى الصّنَائِعِ بِلِسَان الْعَجم، بِجمع يَاء
النِّسبَة وَالصيغَة.
وَلِلغَزَّالِي أَخ واعظٌ مَشْهُوْر، وَهُوَ أَبُو
الفُتُوْح أَحْمَد، لَهُ قبولٌ عَظِيْم فِي الْوَعْظ،
يُزَنُّ برقَة الدّين وَبِالإِباحَة، بَقِيَ إِلَى حُدُوْد
العِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقَدْ نَاب عَنْ أَخِيْهِ
فِي تَدْرِيْس النّظَامِيَة بِبَغْدَادَ لَمَّا حَجَّ
مُديدَة.
قَرَأْت بِخَطِّ النَّوَاوِي -رَحِمَهُ اللهُ-: قَالَ
الشَّيْخُ تَقِيّ الدين بن الصَّلاَحِ: وَقَدْ سُئِلَ:
لِمَ سُمِّيَ الغَزَّالِي بِذَلِكَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي
مِنْ أَثِقُ بِهِ، عَنْ أَبِي الْحرم المَاكسِي الأَدِيْب،
حَدَّثَنَا أَبُو الثَّنَاء مَحْمُوْد الفَرَضِيّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا تَاجُ الإِسْلاَم ابْن خَمِيْس، قَالَ لِي
الغَزَالِي: النَّاس يَقُوْلُوْنَ لِي: الغَزَّالِي،
وَلَسْتُ الغَزَّالِي، وَإِنَّمَا أَنَا الغَزَالِيُّ
مَنْسُوْب إِلَى قَرْيَةٍ يُقَالَ لَهَا: غَزَالَةُ، أَوْ
كَمَا قَالَ.
وَفِي أَوَاخرِ "المَنْخُوْل" لِلْغزَالِي كَلاَم فَجٌّ
فِي إِمَام لاَ أَرَى نَقله هُنَا.
وَمِنْ عقيدَة أَبِي حَامِد -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-
أَوَّلهَا: الحَمْدُ للهِ الَّذِي تَعرَّف إِلَى عبَاده
بِكِتَابِه المُنْزَل عَلَى لِسَانِ نَبِيِّه الْمُرْسل،
بِأَنَّهُ فِي ذَاته وَاحِد لاَ شَرِيْكَ لَهُ، فَردٌ لاَ
مِثْل لَهُ، صمدٌ لاَ ضِدَّ لَهُ، لَمْ يَزَلْ وَلاَ
يَزَالُ منعوتاً بِنعوت الجلاَل، وَلاَ تُحيطُ بِهِ
الجِهَاتُ، وَلاَ تَكنُفه السَّمَاوَاتُ، وَأَنَّهُ
مُسْتوٍ عَلَى الْعَرْش عَلَى الوَجْه الَّذِي قَالَهُ،
وَبِالمَعْنَى الَّذِي أَرَادَه، منزَّهاً عَنِ الممَاسَة
وَالاستقرَار وَالتمكن وَالحُلُوْل وَالانتقَالِ، وَهُوَ
فَوْقَ كُلِّ شَيْء إِلَى التّخوم، وَهُوَ أَقْرَبُ
إِلَيْنَا مِنْ حَبل الورِيْد، لاَ يُمَاثِلُ قُرْبُهُ
قربَ الأَجسَام، كَانَ قَبْلَ خلقِ المَكَان وَالزَّمَان،
وَهُوَ الآنَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ بائنٌ
بصفَاته مِنْ خلقه، مَا فِي ذَاته سِوَاهُ، وَلاَ فِي
سِوَاهُ ذَاتُه، مُقدَّس عَنِ التَّغَيُّر وَالانتقَالِ،
لاَ تَحُلُّه الحوَادِثُ، وَأَنَّهُ مَرْئِي الذَّاتِ
بِالأَبْصَار فِي دَارِ القرَار، إِتمَاماً لِلنعم
بِالنَّظَر إِلَى وَجهه الكَرِيْم.
إِلَى أَنْ قَالَ: وَيُدْرِكُ حركَة الذَّرِّ فِي الهوَاء،
لاَ يَخْرُج عَنْ مَشِيئَته لفتَةُ نَاظر، وَلاَ فَلتَةُ
خَاطر، وَأَنَّ القُرْآن مَقْرُوء بِالأَلسِنَة،
مَحْفُوْظٌ فِي الْقُلُوب، مكتوبٌ فِي المَصَاحِف،
وَأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ قائمٌ بِذَات الله، لاَ يَقْبَلُ
الانفصال بِالانتقَالِ إِلَى الْقُلُوب وَالصّحف، وَأَنَّ
مُوْسَى سَمِعَ
(14/278)
كَلاَم الله بِغَيْرِ صَوْت وَلاَ حرف،
كَمَا تُرَى ذَاتُه مِنْ غَيْرِ شكل وَلاَ لَوْنٍ،
وَأَنَّهُ يُفرق بِالموت بَيْنَ الأَرْوَاح وَالأَجسَام،
ثُمَّ يُعيدُهَا إِلَيْهَا عِنْد الْحَشْر، فَيبعثُ مَنْ
فِي القُبُوْر.
مِيزَان الأَعْمَال مِعْيَار يُعبِّر عَنْهُ بِالمِيزَان،
وَإِنْ كَانَ لاَ يُسَاوِي مِيزَانَ الأَعْمَال مِيزَانَ
الجِسْم الثَّقِيل، كَمِيزَان الشَّمْس، وَكَالمسطرَة
الَّتِي هِيَ مِيزَان السُّطور، وَكَالعَروضِ مِيزَان
الشّعر.
قُلْتُ: بَلْ مِيزَانُ الأَعْمَالِ لَهُ كِفَّتَان، كَمَا
جَاءَ فِي "الصَّحِيح"1 وَهَذَا الْمُعْتَقد غَالِبُهُ
صَحِيْح، وَفِيْهِ مَا لَمْ أَفهمه، وَبعضُه فِيْهِ نِزَاع
بَيْنَ أَهْلِ المَذَاهِب، وَيَكفِي المُسْلِمَ فِي
الإِيْمَان أَنْ يُؤمِنَ بِاللهِ، وَملاَئِكته، وَكُتبه،
وَرُسله، وَالقَدَرِ خَيْرِه وَشَرِّه، وَالبَعْثِ بَعْدَ
المَوْتِ، وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ كَمِثلِه شَيْءٌ أَصلاً،
وَأَنَّ مَا وَرَدَ مِنْ صِفَاته المُقَدَّسَةِ حقّ،
يُمرُّ كَمَا جَاءَ، وَأَنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ الله
وَتَنزِيلُه، وَأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوْق، إِلَى أَمثَال
ذَلِكَ مِمَّا أَجْمَعت عَلَيْهِ الأُمَّةُ، وَلاَ عِبْرَة
بِمَنْ شَذَّ مِنْهُم، فَإِنِ اخْتلفتِ الأُمَّةُ فِي
شَيْءٍ مِنْ مُشْكِلِ أُصُوْلِ دينِهِم، لزَمَنَا فِيْهِ
الصَّمْت، وَفَوَّضنَاهُ إِلَى اللهِ، وَقُلْنَا: اللهُ
وَرَسُوْلُهُ أَعْلَم، وَوَسِعَنَا فِيْهِ السُّكوتُ.
فَرحمَ اللهُ الإِمَامَ أَبَا حَامِد، فَأَيْنَ مِثْلُه
فِي عُلُوْمه وَفَضَائِله، وَلَكِن لاَ نَدَّعِي عِصمتَه
مِنَ الغَلطِ والخطأ، ولا تقليد في الأصول.
__________
1 ورد الميزان في الكتاب والسنة المشرفة الصحيحة أما
الكفتان: فقد أخرج أحمد "3/ 213" والترمذي "2639"، والبغوي
"4321" من طرق عن عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا الليث
بن سعد قال: حدثني عامر بن يحيى، عن أبي عبد الرحمن
المعافري الحبلي قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص
يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "إن الله سيخلص رجلًا من أمتي على رؤوس الخلائق
يوم القيامة، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلًا، كل سجل مد
البصر، ثم يقول له: أتنكر شيئًا من هذا؟ أظلمك كتبتي
الحافظون؟ فيقول: لا يارب. فيقول: أفلك عذر أو حسنة؟ فيبهت
الرجل. ويقول: لا يا رب. فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة،
وإنه لا ظلم عليك اليوم، فيخرج له بطاقة فيها: أشهد أَنْ
لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عبده ورسوله.
فيقول: احضر وزنك، فيقول: يا رب، ما هذه البطاقة مع هذه
السجلات؟ فيقول: إنك لا تظلم. قال: فتوضع السجلات في كفة
والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة، قال: فلا
يثقل اسم الله شيء" وهو صحيح.
(14/279)
4628- خَميسُ بنُ عَلي 1:
ابن أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ، الإِمَامُ
الحَافِظُ، مُحَدِّثُ وَاسِط، أَبُو الْكَرم الحَوْزِي,
الوَاسِطِيُّ.
سَمِعَ: أبا القاسم بن البسري، وأبا نصر الزينبي،
وَعَاصِمَ بن الحَسَنِ، وَعَلِيَّ بن مُحَمَّدٍ
الوَاسِطِيّ النّديم، وَيَحْيَى بنَ هِبَةِ اللهِ
البَزَّاز، وَأَبَا الفَتْح عَبْد الوَهَّابِ بنَ حَسَنٍ
القَاضِي، وَهِبَةَ اللهِ بن الجَلَخْتِ، وَخَلْقاً
كَثِيْراً، وَأَمْلَى مَجَالِسَ، وَجَرَّحَ وَعَدَّل.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الجَوَائِز سَعْدُ بن عبد الكريم،
وأبو طاهر السلفي، وَأَحْمَدُ بنُ سَالِمٍ المُقْرِئ،
وَيَحْيَى بنُ هِبَةِ اللهِ البَزَّاز، وَعَبْدُ
الوَهَّابِ بن حَسَنٍ الفَرَضِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ
اللهِ بنُ مَنْصُوْرٍ البَاقِلاَّنِيّ المُقْرِئ،
وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ السِّلَفِيّ يُثنِي عَلَيْهِ، وَقَالَ: كَانَ
عَالِماً, ثِقَةً, يُمْلِي مِنْ حِفْظِهِ كُلَّ مَنْ
أَسْأَله عَنْهُ، وَكَانَ لاَ يُؤْبَهُ لَهُ.
وَفِي "مُعْجَم السَّفَرِ" لِلسِّلَفِيِّ: حَدَّثَنَا
خميسٌ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ البَاقِي بنُ
مُحَمَّدٍ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَلِيٍّ
الأَنْمَاطِيُّ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا المُخَلِّص، فَذَكَرَ
حَدِيْثاً.
ثُمَّ قَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ خميسٌ مِنْ أَهْلِ الأَدبِ
البَارعِ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: وَالحَوزُ: قَرْيَةٌ بِشَرْقِيِّ
وَاسِطَ, وَكَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالحَدِيْثِ والأدب،
مولده: فِي شَعْبَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ
وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَفِي شَعْبَانَ مَاتَ سَنَةَ عَشْرٍ
وَخَمْس مائَة.
أَخْبَرَنَا الدَّشتِي، أَخْبَرْنَا ابْنُ رَوَاحَة،
حَدَّثَنَا السِّلَفِيُّ، حدثنا خميس بجزء من فوائده.
__________
1 ترجمته في الأنساب للسمعاني "4/ 269"، ومعجم الأدباء
لياقوت الحموي "11/ 81"، والعبر "4/ 20"، وتذكرة الحفاظ
"4/ ترجمة 1065"، وبغية الوعاة للسيوطي "1/ 561"، وشذرات
الذهب لابن العماد "4/ 27".
(14/280)
4629- أبو
الخطاب 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ الوَرِعُ، شَيْخُ
الحنَابلَة، أَبُو الخَطَّابِ مَحْفُوْظُ بنُ أَحْمَدَ بنِ
حَسَنِ بنِ حسن العراقي، الكلواذاني، ثُمَّ البَغْدَادِيّ،
الأَزَجِي، تِلْمِيْذ القَاضِي أَبِي يَعْلَى بن
الفَرَّاءِ.
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ
وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، وَأَبَا علي محمد
بن الحسين الجازري، وأبا طالب العُشَارِيّ، وَجَمَاعَة،
وَرَوَى كِتَاب "الجَلِيْس وَالأَنِيس" عَنِ الجَازرِي
عَنْ مُؤلفه المُعَافَى.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ ناصر، والسلفي، وأبو المعمر الأنصاري،
والمبارك ابن خُضير، وَأَبُو الْكَرم بن الغَسَّال،
وَتَخَرَّجَ بِهِ الأصحاب، وصنف التصانيف.
__________
1 ترجمته في الأنساب للسمعاني "10/ 461"، واللباب لابن
الأثير "3/ 107"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 190"، وتذكرة
الحفاظ "4/ ص1261"، والعبر "4/ 21"، والنجوم الزاهرة لابن
تغري بردي "5/ 212"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 27".
(14/280)
قَالَ أَبُو الْكَرم بن الشَّهرُزُورِي:
كَانَ إِلكِيَا إِذَا رَأَى أَبَا الخَطَّاب الكَلوذَانِي
مُقْبِلاً قَالَ: قد جاء الجبل.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ النَّقُّوْرِ: كَانَ إِلكيَا
الهَرَّاسِي إِذَا رَأَى أَبَا الخَطَّاب قَالَ: قَدْ جاء
الفقه.
قال السلفي: هو ثقة رضا، مِنْ أَئِمَّة أَصْحَاب أَحْمَد.
وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ مُفْتِياً صَالِحاً، عَابِداً
وَرِعاً، حَسَنَ العِشْرَة، لَهُ نَظْمٌ رَائِقٌ، وَلَهُ
كِتَابُ "الهِدَايَةِ"، وَكِتَاب "رُؤُوْس المَسَائِل"،
وَكِتَاب "أُصُوْل الفِقْه"، وَقَصِيدَة فِي الْمُعْتَقد
يَقُوْلُ فِيْهَا:
قَالُوا أَتَزْعُمُ أَنْ عَلَى العَرشِ اسْتوَى ... قُلْتُ
الصَّوَابُ كَذَاكَ خَبَّرَ سَيِّدِي
قَالُوا فَمَا مَعْنَى اسْتِوَاهُ أَبِنْ لَنَا ...
فَأَجَبْتُهُم هَذَا سُؤَالُ المُعْتَدِي
تُوُفِّيَ أَبُو الخَطَّابِ فِي الثَّالِث وَالعِشْرِيْنَ
مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ عَشْرٍ وَخَمْس مائَة.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا نَصْرُ
بنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ القَاضِي، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ
هَدِيَّة الفَقِيْه، أَخْبَرَنَا أَبُو الخَطَّابِ
مَحْفُوْظُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ الكَلوذَانِي،
أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ
القَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ مُوْسَى بنُ
عِيْسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَاغندي،
حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ زُغْبَةَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ،
عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: صَلَّى معاذٌ
بِأَصْحَابِهِ العشَاء، فَطوَّلَ عَلَيْهِم، فَانْصَرَفَ
رَجُلٌ مِنَّا، فَصَلَّى وَحْدَهُ، فَأُخبر معاذٌ عَنْهُ،
فَقَالَ: إِنَّهُ مُنَافِق، فَلَمَّا بلغَ ذَلِكَ
الرَّجُلَ، دَخَلَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ مُعَاذ،
فَقَالَ: "أَتُرِيْدُ أَنْ تَكُوْنَ فَتَّاناً يَا
مُعَاذُ؟ إِذَا أَمَمْتَ النَّاسَ، اقْرَأْ بِالشَّمْسِ
وَضُحَاهَا، وَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، واقرأ
سورة والليل إذا يغشى" 1.
قُلْتُ: كَانَ أَبُو الخَطَّابِ مِنْ مَحَاسِن العُلَمَاء،
خَيِّراً صَادِقاً، حسنَ الخُلُقِ، حُلْوَ النَّادرَةِ،
مِنْ أَذكيَاء الرِّجَال، رَوَى الكَثِيْر، وَطَلَبَ
الحَدِيْثَ وَكتبه، وَلابْنِ كُلَيْبٍ مِنْهُ إِجَازَة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: درس الفِقْه عَلَى أَبِي يَعْلَى،
وَقرَأَ الفَرَائِضَ عَلَى الوَنِّي، وَصَارَ إِمَامَ
وَقتِه، وَشيخ عصره، وَصَنَّفَ فِي المَذْهَب وَالأُصُوْل
وَالخلاَف وَالشّعرِ الْجيد.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "701"، ومسلم "465"، وأبو داود
"790"، والنسائي "2/ 172- 173"، وابن ماجة "986".
(14/281)
إلكيا، الزينبي:
4630- إلْكِيَا 1:
العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الشَّافعيَة، وَمُدَرِّس
النِّظَامِيَة، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
عَلِيِّ الطبري الهراسي.
رَحل، فَتفقَّه بِإِمَام الحَرَمَيْنِ، وَبَرَعَ فِي
المَذْهَب وَأُصُوْله، وَقَدِمَ بَغْدَاد، فَولِي
النِّظَامِيَة سَنَة "493" وَإِلَى أَنْ مَاتَ.
تَخرَّج بِهِ الأَئِمَّة، وَكَانَ أَحَدَ الفصحَاء، وَمِنْ
ذَوِي الثروَة وَالحِشْمَة، لَهُ تَصَانِيْف حَسَنَة.
حَدَّثَ عَنْ: زَيْدِ بنِ صَالِحٍ الآملِي، وَجَمَاعَة.
رَوَى عَنْهُ: سَعْدُ الخَيْرِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ غَالِبٍ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ.
قَالَ السِّلَفِيّ: سَمِعْتُ الفُقَهَاءَ يَقُوْلُوْنَ:
كَانَ الجُوَيْنِيّ يقول في تلامذته إذا ناظروا: التحقيق
للخوافي، وَالجَرَيَانُ لِلْغزَّالِي، وَالبَيَانُ
لِلْكِيَا.
مَاتَ إِلكِيَا فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْس
مائَة، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً وَشهرَانِ،
وَكَانُوا يُلقِّبُونه شَمْسَ الإِسْلاَمِ.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: اتُّهِمَ إِلكيَا مُدَرِّس
النِّظَامِيَة بِأَنَّهُ بَاطنِي، فَقَبَضَ عَلَيْهِ
السُّلْطَانُ مُحَمَّد، فَشَهِدُوا ببراءة الساحة، فأطلق.
قُلْتُ: وَصَنَّفَ كِتَاباً فِي الرَّدِّ عَلَى مُفردَات
الإمام أحمد فلم ينصف فيه.
4631- الزَّيْنَبِي 2:
الشَّرِيْفُ الكَبِيْرُ المُعَمَّرُ، شَيْخُ بَنِي
هَاشِمٍ، أَبُو يعلى حمزة بن محمد بن علي العباسي،
الزَّيْنَبِيّ، أَخُو المُسْنِد أَبِي نَصْرٍ
الزَّيْنَبِيِّ، وَالنقيبِ طِرَاد الزَّيْنَبِيّ، وَنُورِ
الهدَى.
وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَحَدَّثَ عَنِ: القَاضِي أَبِي العَلاَءِ مُحَمَّدِ بنِ
عَلِيٍّ الوَاسِطِيّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ الخَلاَّل،
وَقرَأَ "الفَصِيْحَ" عَلَى النَّحْوِيّ عَلِيِّ بنِ
عِيْسَى الربعِي، وَأَنَا أَتعجَّبُ مِنْ هَذَا! كَيْفَ
لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي الحُسَيْنِ بن بِشْرَان، وَأَبِي
علي بن شاذان.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَقَالَ:
قَالَ لِي: عَوَّل ابْنُ أَبِي الرّيَان الوَزِيْر عَلَى
حَمْلِي إِلَى أَبِي الحَسَنِ بنِ الحمَامِي، فَلَمْ
يَتَّفِقْ ذَلِكَ.
قُلْتُ: أَرَّخ السَّمْعَانِيّ مَوْلِده، قَالَ: وتوفي سنة
أربع وخمس مائة.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 167"، ووفيات الأعيان
لابن خلكان "3/ 286"، والعبر "4/ 8"، وطبقات الشافعية
للسبكي "7/ 231"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 201"
وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 8".
2 ترجمته في العبر "4/ 8"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي
"5/ 202"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 8".
(14/282)
4632- أخوه:
نور الهدى 1:
الإِمَامُ القَاضِي، رَئِيْسُ الحَنَفِيَّة، صَدْرُ
العِرَاقين، نورُ الهدى, أَبُو طَالِبٍ الحُسَيْنُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ بن حَسَنٍ الزَّيْنَبِيّ
الحَنَفِيّ.
مَوْلِدُهُ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا طَالِبٍ بنَ غَيْلاَنَ، وَأَبَا القَاسِمِ
الأَزْهَرِيّ، وَالحَسَن بن المُقْتَدِر، وَأَبَا
القَاسِمِ التَّنُوْخِي.
وَحَجَّ، فَسَمِعَ "الصَّحِيح" مِنْ كَرِيْمَةَ
المَرْوَزِيَّة، وَتَفَرَّد بِهِ عَنْهَا، وَقصَدَهُ
النَّاس.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْد الغَافِرِ الكَاشْغَرِي -وَمَاتَ
قَبْلَهُ بدهرٍ- وَابْنُ أَخِيْهِ عَلِيّ بنُ طِرَاد،
وَهِبَةُ اللهِ الصَّائِن، وَعبدُ المُنْعِم بن كُلَيْبٍ،
وَسَمِعَ مِنْهُ "الصَّحِيح" لِلْبُخَارِيِّ، وَقَدْ كَانَ
قَرَأَ القُرْآنَ على أبي الحسن بن القزويني الزَّاهِدِ،
وَدرَّس مُدَّةً طَوِيْلَةً بِمَدرَسَةِ شَرفِ المُلك،
وَتَرَسَّل إِلَى مُلُوْكِ الأَطرَافِ، وَوَلِيَ نَقَابَةَ
العَبَّاسِيِّيْنَ وَالطَّالِبيين، ثُمَّ اسْتَعفَى بَعْدَ
أشهرٍ، فَوَلِيهَا أَخُوْهُ طرادٌ، وَتَفَقَّهَ عَلَى
قَاضِي القُضَاةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ الدَّامَغَانِي،
وَلِلغزِّي الشَّاعِر فِيْهِ قَصِيدَة مَدحه بِهَا،
وَكَانَ مكرماً لِلْغُربَاء، عَارِفاً بِالمَذْهَب، وَافر
العظمَة.
تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَخَمْس
مائَة، فَالإِخْوَة الأَرْبَعَةُ اتَّفَقَ لَهُم أَن
مَاتُوا فِي عَشْرِ المائَةِ، وَهَذَا نَادر.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: أَفْتَى وَدرَّس بِالمدرسَة
الَّتِي أَنشَأَهَا شَرفُ المُلكِ أَبُو سَعْدٍ، وَوَلِيَ
نِقَابَة العَبَّاسِيِّيْنَ وَالطَّالبيين مَعاً فِي أَوّل
سَنَة اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، فَبقِي
مُدَّةً عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ
__________
1 ترجمته في الأنساب للسمعاني "6/ 346"، والمنتظم لابن
الجوزي "9/ 201"، والعبر "4/ 27" وتذكرة الحفاظ "4/
ص1249"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 217"، وشذرات
الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 34".
(14/283)
اسْتَعفَى، وَكَانَ شَرِيْفَ النَّفْس،
قوِيّ الدّين، وَافرَ العِلْم، شَيْخَ أَصْحَابِ الرَّأْي
فِي وَقته وَزَاهِدَهُم، وفقيه بني العباس وواهبهم، لَهُ
الوجَاهَةُ الكَبِيْرَة عِنْد الخُلَفَاء.
قَالَ السِّلَفِيّ: سألت شجاعًا الحافظ عن أبي طالب
الزيني، فَقَالَ: إِمَامٌ عَالِم مُدَرِّس، مِنْ أَصْحَابِ
أَبِي حنيفة، سمع بمكة من كريمة "الصحيح".
وَقَالَ ابْنُ نَاصر: كَانَ سَمَاعُ أَبِي طَالِبٍ
صَحِيْحاً، وَكَانَ يُتَّهم بِالاعتزَال، وَلَمْ أَسْمَعْ
مِنْهُ شيئًا من ذلك.
وقال السلفي: وأبو طالب الزيني أَجَلُّ هَاشِمِيٍّ
رَأَيْتُهُ فِي حضَرِي وَسفرِي، وَأَكْثَرُهُم عِلْماً،
وَأَوفرُهُم عِلْماً، وَيُعَدُّ فِي فُحُوْل النُّظَّار.
قُلْتُ: قَدْ وُجِدَ لَهُ سَمَاع مِنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ
قَشِيش سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ الكَرْخِيّ الشَّافِعِيّ
الفَقِيْهُ: مَرِضْتُ مرضَةً شَدِيْدَة، فَعَادنِي نُورُ
الهدَى، فَجَعَلَ يَدعُو لِي، فَتَبَرَّكتُ بِزِيَارَتِه
وَعُوفِيتُ.
(14/284)
4633- شُجَاع بن فارس 1:
ابن حُسَيْنِ بنِ فَارِسِ بنِ حُسَيْنِ بنِ غَرِيْبِ بنِ
بَشِيْرٍ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، الحَافِظُ،
المُفِيْدُ، أَبُو غَالِبٍ الذُّهْلِيُّ،
السُّهْرَوَرْدِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الحَرِيْمِيُّ،
النَّاسخُ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَأَبَا طَالب بنَ غَيْلاَنَ، وَعَبْدَ
العَزِيْزِ بن عَلِيٍّ الأَزَجِي، وَأَبَا مُحَمَّدٍ بنَ
المُقْتَدِر، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، وَأَبَا
جَعْفَرٍ بنَ المُسْلِمَة، وَأَبَا بَكْرٍ الخَطِيْبَ،
وَخَلْقاً كَثِيْراً، إِلَى أَنْ يَنْزِل إِلَى أَصْحَاب
عَبْدِ المَلِكِ بن بشران، وَابْن رِيذه، وَكَتَبَ عَنْ
أَقرَانه.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي،
وَعَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ، وَابْنُ ناصر،
والسلفي، وعمر بن ظفر، وسلمانبن جروَانَ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: نسخ بخطِّه مِنَ التَّفْسِيْر
وَالحَدِيْثِ وَالفِقْه مَا لَمْ يَنسخه أَحَدٌ مِنَ
الوَرَّاقين، قَالَ لِي عَبْد الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ:
دَخَلتُ عَلَيْهِ يَوْماً، فَقَالَ لِي: تَوِّبنِي.
قُلْتُ: مَنْ أَي شَيْء؟ قَالَ: كَتَبتُ شعرَ ابْن
الحَجَّاجِ بخطِّي سَبْعَ مَرَّاتٍ. قَالَ عَبْدُ
الوَهَّابِ: وَقلَّ بلدٌ يُوجد مِنْ بلاَد الإِسْلاَم
إِلاَّ وفيه شيء بخط شجاع الذهلي.
__________
1 ترجمته في الأنساب للسمعاني "7/ 198"، والمنظم لابن
الجوزي "9/ 176"، والعبر "4/ 13"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة
1052"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 16".
(14/284)
وَكَانَ مُفِيدَ وَقته بِبَغْدَادَ،
ثِقَةً، سَدِيدَ السِّيرَة، أَفنَى عُمُره فِي الطَّلَب،
وَعَمِلَ مُسَوَّدَةً لِـ "تَارِيخ بَغْدَاد" ذَيْلاً
عَلَى "تَارِيخ الخَطِيْب"، فَغسَلَه فِي مرض مَوْته،
وُلدَ شُجَاع فِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ، وَمَاتَ فِي ثَالِث
جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْس مائَة؛ وَقَدْ
سَأَله السِّلَفِيّ عَنْ أَحْوَالِ الرِّجَال، وَأَجَابَ
وَأَفَاد.
قَرَأْتُ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ الخَلاَّلِ، أَخْبَرَنَا
جَعْفَرٌ الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ
عَنْهُ.
وَمَاتَ مَعَهُ: أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ
بَدْرَانَ الحُلْوَانِيّ المُقْرِئُ، وَابْنُ طَاهِرٍ
المَقْدِسِيّ، وَالمُؤْتَمَنَ السَّاجِيّ، وَالإِمَامُ
أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بن أَحْمَد الشَّاشِيّ، وَأَبُو
المُظَفَّرِ الأَبِيوَرْدِي الشَّاعِر، وَأَبُو بَكْرٍ
مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى بنِ اللّبَانَة شَاعِر الأَنْدَلُس،
وَهَادِي بن إِسْمَاعِيْلَ العَلَوِيّ.
أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ،
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ النَّجَّار "ح".
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَلَغْزَا، أَخْبَرَنَا
البَهَاءُ عَبْد الرَّحْمَنِ الفَقِيْه، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو السَّعَادَاتِ نَصْرُ اللهِ القَزَّاز،
أَخْبَرَنَا شُجَاع بن فَارِس الحَافِظ، وَمُحَمَّد بن
الحُسَيْنِ الإِسكَافُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ
عَلِيٍّ الخَيَّاط، زَادَ شُجَاع، فَقَالَ: وَأَبُو سَعْدٍ
بنُ السِبْط، وَأَبُو طَالِبٍ العُشَارِي، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ دُوست،
أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو
بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ
عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ ضَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ،
قَالَ: اجْتَمَع مَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ وَمُحَمَّد بن
وَاسِعٍ، فَتذَاكرُوا العيشَ، فَقَالَ مَالِكٌ، مَا شَيْء
أَفْضَل مِنْ أَنْ يَكُوْنَ لِلرَّجُلِ غلَةٌ يَعيشُ
مِنْهَا. فَقَالَ مُحَمَّد: طُوْبَى لِمَنْ وَجد غداء ولم
يجد عشاء، ووجد عشا وَلَمْ يَجِدْ غَدَاءً، وَهُوَ عَنِ
اللهِ راضٍ، والله عنه راضٍ.
(14/285)
4634- الغَسَّال 1:
الإِمَامُ المُقْرِئُ النَّحْوِيُّ، أَبُو الخَيْرِ
المُبَارَكُ بنُ الحسين بن أحمد الغسَّالُ،
البَغْدَادِيُّ، الشَّافِعِيُّ، أَحَدُ الأَئِمَّةِ
الأَثْبَاتِ.
وُلِدَ سَنَةَ بِضْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي مُحَمَّدٍ الخَلاَّلِ، وَأَبِي
جَعْفَرٍ بنِ المُسْلِمَةِ، وَالقَاضِي أَبِي يَعْلَى.
وَتَلاَ بِالرِّوَايَاتِ عَلَى: أَبِي بَكْرٍ الخَيَّاط،
وَأَبِي القَاسِمِ بنِ الغُورِيِّ، وَأَبِي عَلِيٍّ
غُلاَمِ الهَرَّاسِ، وَعِدَّة.
وَتَصدَّر لِلإِقْرَاءِ، وَاشْتُهِرَ، تَلاَ عَلَيْهِ
أَبُو مُحَمَّدٍ سِبْط الخَيَّاط، وَغَيْرهُ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ
السِّنْجِيُّ، وَسَعْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَعبدُ
المُنْعِم بنُ كُلَيْبٍ، وَآخَرُوْنَ، لَيَّنه شَيْئاً
ابْنُ نَاصر.
تُوُفِّيَ فِي غُرَّةِ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ عَشْرٍ
وَخَمْس مائَة، وَكَانَ عَالِماً مُجَوِّداً، بَصِيْراً
بِاللُّغَةِ.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 190"، والعبر "4/
21"، وميزان الاعتدال "3/ 430"، ولسان الميزان "5/ 8"،
وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي"4/ 27".
(14/285)
4635- النسيب
1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ، المُحَدِّثُ الشَّرِيْفُ النسيبُ،
خطيبُ دِمَشْق وشيخها، نَسِيبُ الدَّوْلَة، أَبُو
القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ العَبَّاسِ بنِ
الحَسَنِ بنِ العَبَّاسِ بن الحَسَنِ ابْنِ السَّيِّدِ
الرَّئِيْسِ أَبِي الجِنِّ حُسَيْنِ بنُ عَلِيِّ بنِ
مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ إِسْمَاعِيْلَ ابنِ سَيِّدِ
الهَاشِمِيين جَعْفَرٍ الصَّادِقِ بنِ مُحَمَّدٍ البَاقِرِ
بنِ عَلِيٍّ زَيْنِ العَابِدِيْنَ ابنِ الشَّهِيْدِ سِبْطُ
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَرَيْحَانته أَبِي عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنِ ابْنِ
الإِمَامِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ العَلَوِيُّ،
الحَسَنِي، الدِّمَشْقِيّ.
كَانَ صدراً مُعَظَّماً، وَسَيِّداً مُحْتَشِماً، وَثِقَة
مُحَدِّثاً، وَنبيلاً مُمَدَّحاً، مِنْ أَهْلِ السّنَة
وَالجَمَاعَة، وَالأَثرِ وَالرِّوَايَة، كُلُّ أَحَدٍ
يُثنِي عَلَيْهِ، انْتخب عَلَيْهِ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ
الخَطِيْبُ عِشْرِيْنَ جُزْءاً سَمِعْنَاهَا، تُعْرَفُ بِـ
"فَوَائِد النَّسِيب"، وَتَجد تَفرِيغه عَلَى أَكْثَر
تَوَالِيف الخَطِيْب.
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ
مائَةٍ. وَقَرَأَ القُرْآنَ عَلَى الأستاد أَبِي عَلِيٍّ
الأَهْوَازِيّ، وَغَيْرِهِ.
وَسَمِعَ فِي سَنَةِ ثمان وثلاثين، وبعدها من: أبي الحسن
مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي نَصْرٍ
التَّمِيْمِيّ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ سُلْوَانَ
المَازِنِيّ، وَرشَأِ بن نَظيف، وَسليْم بن أَيُّوْبَ
الفَقِيْه، وَالقَاضِي مُحَمَّد بن سَلاَمَةَ القُضَاعِي،
وَكَرِيْمَةَ المَرْوَزِيَّة، وَأَبِي القَاسِمِ
الحِنَّائِي، وَوَالِدِهِ مُسْتخص الدَّوْلَة،
وَالخَطِيْب، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: هِبَةُ اللهِ بنُ الأَكْفَانِيِّ،
وَالخَضِرُ بنُ شِبْلٍ الحَارِثِيُّ، وَعبدُ البَاقِي بن
مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ، وَأَبُو المَعَالِي بنُ صَابرٍ،
وَأَبُو القاسم ابن عساكر، وَأَخُوْهُ الصَّائِن هِبَةُ
اللهِ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: كَانَ ثِقَةً، مُكْثِراً، لَهُ
أُصُوْلٌ بِخُطُوط الوَرَّاقين، وَكَانَ مُتَسِّنناً،
وَسَبَبُ تَسنُّنه مُؤَدِّبُهُ أَبُو عِمْرَانَ
الصَّقَلِي، وَإِكثَارُهُ مِنْ سَمَاعِ الحَدِيْثِ.
إِلَى أَنْ قَالَ: سَمِعَ مِنْهُ شَيْخُهُ عَبْد
العَزِيْزِ الكتَانِيُّ، وَأَكْثَرتُ عَنْهُ، وَقَدْ حَكَى
لِي أَنَّنِي لما
__________
1 ترجمته في العبر "4/ 17"، والنجوم الزاهرة لابن تغري
بردي "5/ 208"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 23".
(14/286)
وُلِدْتُ سَأَلَ أَبِي: مَا سَمَّيتَه
وَكَنَّيْتَه؟ فَقَالَ: أَبُو القَاسِمِ عليّ. فَقَالَ:
أَخذتَ اسمِي وَكُنْيَتِي.
قَالَ لِي أَبُو القَاسِمِ السُّمَيْسَاطِي، أَوْ قَالَ:
قَالَ لِي أَبُو القَاسِمِ بنُ أَبِي العَلاَءِ: إِنَّهُ
مَا رَأَى أَحَداً اسْمُهُ عَلِي، وَكُنِي أَبَا
القَاسِمِ، إِلاَّ كَانَ طَوِيْلَ العُمُرِ، وَذَكَرَ
أَنَّهُ صَلَّى مرَّة عَلَى جَنَازَة، فَكَبَّرَ عَلَيْهَا
أَرْبَعاً. قَالَ: فَجَاءَ كِتَابُ صَاحِبِ مِصْر إِلَى
أَبِيْهِ يُعَاتبه فِي ذَلِكَ. فَقَالَ لَهُ أَبُوْهُ: لاَ
تُصَلِّ بَعْدهَا عَلَى جَنَازَة.
قُلْتُ: كَانَ أَصْحَابُ مِصْر رَافِضَّةً.
ثُمَّ قَالَ: وَكَانَتْ لَهُ جِنَازَةٌ عَظِيْمَةٌ،
وَأَوْصَى أَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ جَمَالُ الإِسْلاَمِ
أَبُو الحَسَنِ الفَقِيْه، وَأَن يُسَنَّم قَبْرُه، وَأَنْ
لاَ يَتولاَهُ أَحَدٌ مِنَ الشِّيْعَة، وَحَضَرتُ دفنَه،
تُوُفِّيَ فِي الرَّابع وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْع
الآخِرِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْس مائَة، وَدُفِنَ
بِالمَقْبَرَة الفخرِيَة عِنْد المصلَّى.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: المُعَمَّر الصَّالِحُ أَبُو
الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ فَتحَان الشَّهرزُورِي
البَغْدَادِيّ الَّذِي رَوَى مَجْلِساً عَنِ ابْنِ
بِشرَانَ، وَلَهُ خَمْسٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً،
وَالمُسْنِدُ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ
الخَوْلاَنِيّ الأَنْدَلُسِيّ عَنْ تِسْعِيْنَ سَنَةً،
وَأَبُو الْوَحْش سُبيعُ بنُ المسلم الدمشقي المقرئ، وابو
الخَيْر هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الأَبَرْقُوْهِيّ،
وَمُسْنِدُ هَمَذَانَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ
الحُسَيْنِ التوبي.
(14/287)
4636- محمد بن
طاهر 1:
ابن علي بن أحمد الإِمَامُ الحَافِظُ، الجَوَّال
الرّحَالُ، ذُو التَّصَانِيْفِ، أَبُو الفَضْلِ بنُ أَبِي
الحُسَيْنِ بن القَيْسَرَانِيِّ المَقْدِسِيُّ،
الأَثرِيُّ، الظَّاهِرِي، الصُّوْفِيّ.
وُلِدَ بِبَيْتِ المَقْدِس، فِي شَوَّال، سَنَةَ ثَمَانٍ
وَأَرْبَع مائَة.
وَسَمِعَ بِالقُدْس ومصر، والحرميين وَالشَّام،
وَالجَزِيْرَة وَالعِرَاق، وَأَصْبَهَان وَالجِبَالِ،
وَفَارِسَ وَخُرَاسَانَ، وَكَتَبَ مَا لاَ يُوصَفُ
كَثْرَةً بِخطِّه السَّرِيع، القوِيّ الرّفِيع، وَصَنَّفَ
وَجَمَعَ، وَبَرَعَ فِي هَذَا الشَّأْنِ، وَعُنِيَ بِهِ
أَتَمَّ عِنَايَة، وَغَيْرُهُ أَكْثَرُ إِتقَاناً
وَتَحرِّياً مِنْهُ.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي عَلِيٍّ الحسين بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الشَّافِعِيّ وَطَبَقَتِهِ بِمَكَّةَ، وَمِنْ سَعْد
الزَّنْجَانِي، وَهَيَّاجِ بنِ عُبَيْدٍ. وَسَمِعَ
بِالمَدِيْنَةِ: الحسين بن علي الطَّبَرِيّ، وَجَمَاعَة.
وَسَمِعَ بِمِصْرَ مِنْ: أَبِي الحَسَنِ الخلعِي، وَأَبِي
إِسْحَاقَ الحبَال، وَعِدَّة. وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ من:
أبي محمد الصريفيني،
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 177"، ووفيات الأعيان
لابن خلكان "4/ 287"، والعبر "4/ 14"، وميزان الاعتدال "3/
587"، ولسان الميزان "5/ 207"، وشذرات الذهب لابن العماد
"4/ 18".
(14/287)
وَابْنِ النَّقُّوْرِ، وَعَلِيّ بن
البُسْرِيِّ، وَخَلْق، وَبِدِمَشْقَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ
بنِ أَبِي العَلاَءِ، وَعِدَّةٍ. وَبِأَصْبَهَانَ مِنْ:
مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَعَبْد الوَهَّابِ بنُ
أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ مَنْدَةَ، وَطَبَقَته، وَبجُرْجَان
مِنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ مَسْعَدَةَ الإِسْمَاعِيْلِي،
وَببَيْت المَقْدِسِ مِنَ: الفَقِيْه نَصْر،
وَبِنَيْسَابُوْرَ مِنَ: الفَضْل بنِ الْمُحب،
وَطَبَقَتِه، وَبِهرَاة مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ أَبِي
مَسْعُوْدٍ الفَارِسِيّ، وَعبدِ الرَّحْمَن بن عَفِيْف
كُلارَ، وَطَائِفَة، وَبِمَرْوَ: مُحَمَّد بن الحَسَنِ
المِهْرَبَنْدَقْشَايِي، وَبِالإِسْكَنْدَرِيَّة مِنَ:
الحُسَيْن بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّفرَاوِي،
وَبِتِنِّيس: عَلِيّ بن الحُسَيْنِ بنِ الحَدَّاد، رَوَى
لَهُ عَنْ جَدِّهِ عَنِ الوَشَّاء عَنْ عِيْسَى زُغبَة،
وَبِحَلبَ مِنَ: الحَسَنِ بنِ مَكِّيّ، وَبَالجَزِيْرَة
مِنْ: عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ مُحَمَّدٍ اليَمنِي صَاحِب
أَبِي عُمَرَ بن مَهْدِيٍّ، وَبآمِدَ مِنْ: قَاسم بن
أَحْمَدَ الأَصْبَهَانِيّ الخَيَّاط، رَوَى لَهُ عَنِ
ابْنِ جِشْنِسَ عَنِ ابْنِ صَاعِد، وَبإِسْتِرَابَاذَ:
عَلِيَّ بن عَبْدِ المَلِكِ الْحَفْصِي، وَبِالبَصْرَةِ:
عَبْدَ الْملك بن شَغَبَة، وَبَالدِّينَوَرِ: ابْنَ
عَبَّاد. وَبَالرَّيّ: إِسْمَاعِيْلَ بنَ عَلِيٍّ،
وَبسَرْخَسَ مُحَمَّد بن المُظَفَّر، وَبَشِيْرَازَ
عَلِيَّ بنَ مُحَمَّدٍ الشُّروطِي، وَبقَزْوِيْن مُحَمَّدَ
بن إِبْرَاهِيْمَ العِجْلِيّ، وَبِالكُوْفَةِ أَبَا
القَاسِمِ حُسَيْنَ بنَ مُحَمَّدٍ، وَبِالمَوْصِلِ هِبَةَ
اللهِ بن أَحْمَدَ المُقْرِئَ، وَبِمَرْوَ الرُّوذِ،
وَسَاوَة، وَالرَّحبَة، وَالأَنبارِ، وَالأَهوازِ،
وَنُوقَان، وَهَمَذَان، وَوَاسطَ، وَأَسَدَابَاذ،
وَإِسفرَايين، وَآمُلَ، وَبِسْطَام، وَخُسْرَوْجِرْدَ،
وَطُوس.
حَدَّثَ عَنْهُ: شِيْرَوَيْه بنُ شهردَار، وَأَبُو
جَعْفَرٍ بنُ أَبِي عَلِيٍّ الهَمَذَانِيّ، وَأَبُو نَصْرٍ
أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ الغَازِي، وَعَبْدُ الوَهَّابِ
الأَنْمَاطِيّ، وَابْنُ نَاصر، وَالسِّلَفِيّ، وَأَبُو
زُرْعَةَ طَاهِرُ بن مُحَمَّدٍ، وَوَلَدُهُ، وَمُحَمَّدُ
بن إِسْمَاعِيْلَ الطَّرَسُوسِيّ، وطائفة سواهم.
قال أبو القاسم بن عَسَاكِرَ: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ بن
مُحَمَّدٍ الحَافِظ يَقُوْلُ: أَحْفَظُ مَنْ رَأَيْتُ
مُحَمَّدُ بنُ طَاهِر.
وَقَالَ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بن مَنْدَه: كَانَ ابْنُ
طَاهِر أَحَدَ الحُفَّاظِ، حسنَ الاعتقَاد، جَمِيْلَ
الطّرِيقَة، صَدُوْقاً، عَالِماً بِالصَّحِيح وَالسَّقيم،
كَثِيْرَ التَّصَانِيْف، لاَزماً لِلأَثر.
وَقَالَ السِّلَفِيّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ طَاهِر
يَقُوْلُ: كَتَبتُ "الصَّحِيْحَيْنِ" وَ"سُنَنَ أَبِي
دَاوُدَ" سَبْعَ مَرَّاتٍ بِالأُجرَة، وَكَتَبتُ "سُنَنَ
ابْنِ مَاجَه" عشر مَرَّات بِالرَّيِّ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: سَأَلْتُ الفَقِيْه
أَبَا الحَسَنِ الكَرْجِيّ عَنِ ابْنِ طَاهِرٍ، فَقَالَ:
مَا كَانَ عَلَى وَجه الأَرْض لَهُ نظيرٌ، وَكَانَ دَاوُدي
المَذْهَب، قَالَ لِي: اخْترتُ مَذْهَبَ دَاوُد. قُلْتُ:
وَلِمَ? قَالَ: كَذَا اتَّفَقَ، فَسَأَلتُهُ: مَنْ
أَفْضَلُ مَنْ رَأَيْتَ? فَقَالَ: سَعْدُ بنُ عَلِيٍّ
الزَّنجَانِي، وَعَبْدُ اللهِ بن محمد الأنصاري.
(14/288)
قَالَ أَبُو مَسْعُوْدٍ عَبْدُ الرَّحِيْمِ
الحَاجِي: سَمِعْتُ ابْنَ طَاهِر يَقُوْلُ: بُلْتُ الدَّم
فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ مرَّتين، مرَّة بِبَغْدَادَ،
وَأُخْرَى بِمَكَّةَ، كُنْتُ أَمْشِي حَافِياً فِي الحرِّ،
فَلحقنِي ذَلِكَ، وَمَا رَكبتُ دَابَّة قَطُّ فِي طَلَبِ
الحَدِيْثِ، وَكُنْت أَحْمِلُ كُتُبِي عَلَى ظهريٍ، وَمَا
سَأَلتُ فِي حَال الطَّلَب أَحَداً، كُنْت أَعيشُ عَلَى
مَا يَأْتِي.
وَقِيْلَ: كَانَ يَمْشِي دَائِماً فِي اليَوْمِ والليلة
عشرين فرسخًا، وكان قادرًا عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرَهُ
الدَّقَّاق فِي "رِسَالَتِهِ"، فَحطَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ:
كَانَ صُوْفِيّاً مَلاَمتيّاً، سكنَ الرَّيَّ، ثُمَّ
هَمَذَان، لَهُ كِتَاب "صَفوَةِ التَّصَوُّفِ"، وَلَهُ
أَدْنَى مَعْرِفَة بِالحَدِيْثِ فِي بَابِ شُيُوْخِ
البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا.
قُلْتُ: يَا ذَا الرَّجُل، أَقْصِرْ، فَابْنُ طَاهِرٍ
أَحْفَظُ مِنْكَ بِكَثِيْر.
ثُمَّ قَالَ: وَذُكِرَ لِي عَنْهُ الإِباحَةِ.
قُلْتُ: مَا تَعْنِي بِالإِباحَةِ? إِن أَردتَ بِهَا
الإِباحَة المطلقَة، فَحَاشَا ابْن طَاهِر، هُوَ _ وَاللهِ
_ مُسْلِمٌ أَثرِيٌّ، مُعَظِّمٌ لِحُرُمَاتِ الدِّينِ،
وَإِنْ أَخْطَأَ أَوْ شَذَّ، وَإِن عَنِيتَ إِباحَةً
خَاصَّةً، كَإِباحَةِ السَّمَاعِ، وَإِباحَةِ النَّظَر
إِلَى المُرْدِ، فَهَذِهِ مَعصيَةٌ، وَقول لِلظَاهِرِيَة
بِإِباحتهَا مَرْجُوح.
قَالَ ابْنُ نَاصر: مُحَمَّدُ بنُ طَاهِر لاَ يُحْتَجُّ
بِهِ، صَنَّفَ فِي جَوَازِ النَّظَر إِلَى المُرد، وَكَانَ
يَذْهَبُ مَذْهَبَ الإِباحَةِ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: سَأَلْتُ
إِسْمَاعِيْل بن مُحَمَّدٍ الحَافِظ عَنِ ابْنِ طَاهِرٍ،
فَتَوقَّف، ثُمَّ أَسَاء الثَّنَاءَ عَلَيْهِ، وَسَمِعْتُ
أَبَا القَاسِمِ بنَ عساكر يقول: جَمَعَ ابْنُ طَاهِرٍ
أَطرَاف "الصَّحِيْحَيْنِ" وَأَبِي دَاوُدَ، وَأَبِي
عِيْسَى، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه، فَأَخْطَأَ فِي
مَوَاضِعَ خَطَأً فَاحشاً.
وَقَالَ ابْنُ نَاصر: كَانَ لُحَنَةً وَيُصَحِّف، قَرَأَ
مرَّة: وَإِن جَبِينَه لَيَتَفَصَّدُ عَرَقاً1 -بِالقَافِ-
فَقُلْتُ: بِالفَاء، فَكَابَرَنِي.
وَقَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ فَاضِلاً يَعْرِفُ، لَكنَّه
لُحَنَة، قَالَ لِي المُؤتَمَنُ السَّاجِيّ: كَانَ
يَقرَأُ، وَيَلْحَنُ عِنْد شَيْخُ الإِسْلاَمِ بِهَرَاةَ،
فَكَانَ الشَّيْخُ يُحرِّكُ رَأْسَه، وَيَقُوْلُ: لا حول
ولا قوة إلَّا بالله.
__________
1 هي قطعة من حديث رواه البخاري "2" من حديث عائشة -رضي
الله عنها- أن الحارث بن هشام -رضي الله عنه- سَأَلَ
رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ
يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي
فيفصم عني ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد
البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقًا".
(14/289)
وَقَالَ شِيْرَوَيْه بنُ شَهردَارَ فِي
"تَارِيخ هَمَذَانَ": ابْنُ طَاهِر سَكَنَ هَمَذَانَ،
وَبَنَى بِهَا دَاراً، دَخَلَ الشَّامَ، وَالحِجَاز،
وَمِصْر، وَالعِرَاق, وَخُرَاسَان، وَكَتَبَ عَنْ عَامَّةِ
مَشَايِخ الوَقْتِ، وَرَوَى عَنْهُم، وَكَانَ ثِقَةً
صَدُوْقاً، حَافِظاً، عَالِماً بِالصَّحِيح وَالسَّقيم،
حَسنَ المَعْرِفَة بِالرِّجَال وَالمُتُوْنِ، كَثِيْرَ
التَّصَانِيْفِ، جَيِّدَ الخَطِّ، لاَزِماً لِلأَثرِ،
بَعِيداً مِنَ الفُضُولِ وَالتَّعصُّب، خَفِيفَ الرُّوحِ،
قَوِيَّ السَّيرِ فِي السَّفَرِ، كَثِيْرَ الحَجّ
وَالعُمْرَةِ، مَاتَ بِبَغْدَادَ مُنْصَرِفاً مِنَ الحَجّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَرَأْتُ بِخَطِّ شُجَاعٍ
الذُّهْلِيّ: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
أَحْمَدَ البَزَّازُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرِ بن
عَلِيٍّ المَقْدِسِيُّ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بن
مُحَمَّدٍ المَحْمِي بِنَيْسَابُوْرَ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
أَنبَؤُونَا عَنْ شِهَاب الحَاتِمِي، أَخْبَرَنَا أَبُو
سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، سَمِعْتُ مِنْ أَثِقُ بِهِ
يَقُوْلُ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ
الأَنْصَارِيُّ الهَرَوِيّ: يَنْبَغِي لِصَاحِبِ
الحَدِيْثِ أَنْ يَكُوْنَ سَرِيعَ القِرَاءة، سرِيعَ
النَّسخ، سرِيعَ المشِي، وَقَدْ جَمَعَ اللهُ هَذِهِ
الخِصَالَ فِي هَذَا الشَّابّ، وَأَشَارَ إِلَى ابْنِ
طَاهِرٍ، وَكَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ.
وَبِهِ قَالَ السَّمْعَانِيّ: وَسَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ
السَّاوِي يَقُوْلُ: كُنْتُ بِالمَدِيْنَةِ مَعَ ابْنِ
طَاهِرٍ، فَقَالَ: لاَ أَعْرِفُ أَحَداً أَعْلَم بِنَسَبِ
هَذَا السَّيِّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنِّي، وَآثَارِهِ وَأَحْوَالِهِ.
وَسَمِعْتُ بَعضَهُم يَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ طَاهِرٍ
يَمْشِي فِي ليلةٍ وَاحِدَةٍ قَرِيْباً مِنْ سَبْعَةَ
عَشَرَ فَرْسَخاً.
أَنبَؤُونَا عَنْ عَبْدِ القَادِرِ الرُّهَاوِيِّ،
سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحِيْم بنَ أَبِي الوَفَاءِ العَدْلَ،
سَمِعْتُ ابْنَ طَاهِرٍ الحَافِظ يَقُوْلُ: رحلتُ مِنْ
طُوْس إِلَى أَصْبَهَانَ لأَجْلِ حَدِيْث أَبِي زُرْعَةَ
الرَّازِيّ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْهُ ذَاكرنِي
بِهِ بَعْضُ الرّحَالَة بِاللَّيْلِ، فَلَمَّا أَصْبَحتُ،
سرتُ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَلَمْ أَحْلُلْ عَنِّي حَتَّى
دَخَلتُ عَلَى الشَّيْخ أَبِي عَمْرٍو، فَقرَأْتُهُ عه،
عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ القَطَّان، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ،
وَدَفَعَ إِلَيَّ ثَلاَثَةَ أرغفةٍ وَكُمَّثْرَاتَيْنِ،
فَمَا كَانَ لِي قوتٌ تِلْكَ اللَّيْلَة غَيْره، ثُمَّ
لَزِمتُهُ إِلَى أَنْ حصَّلت مَا أُرِيْدُ، ثُمَّ خَرَجتُ
إِلَى بَغْدَادَ، فَلَمَّا عُدْتُ، كَانَ قَدْ تُوُفِّيَ.
قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ: كُنْت يَوْماً أَقرَأُ عَلَى أَبِي
إِسْحَاقَ الحَبَّالِ جُزْءاً، فَجَاءنِي رجلٌ مِنْ أهل
__________
1 وهو الحديث الذي رواه مسلم "2739" حدثنا عبيد الله بن
عبد الكريم، أبو زرعة، حدثنا ابن بكير حدثني يَعْقُوْبُ
بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، عَنْ
عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، عَنِ عبد الله بن عمر قال:
كان من دعاء رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوْذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ
نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع
سخطك".
(14/290)
بَلَدِي، وَأَسَرَّ إِلَيَّ كَلاَماً قَالَ
فِيْهِ: إِن أَخَاك قَدْ وَصل مِنَ الشَّام، وَذَلِكَ
بَعْدَ دُخُوْل التّرْك بَيْتَ المَقْدِسِ، وَقتلَ النَّاس
بِهَا، فَأَخَذتُ فِي القِرَاءةِ، فَاختلطت عليَّ
السُّطورُ، وَلَمْ يُمكنِي أَقرَأُ، فَقَالَ أَبُو
إِسْحَاقَ: مَا لَكَ? قُلْتُ: خَيْر، قَالَ: لاَ بُدَّ
أَنْ تُخبرنِي، فَأَخْبَرتُه، فَقَالَ: وَكم لَكَ لَمْ
تَرَ أَخَاك? قال: سِنِيْنَ، قَالَ: وَلِمَ لاَ تَذْهَبُ
إِلَيْهِ? قُلْتُ: حَتَّى أُتِمَّ الجُزْء، قَالَ: مَا
أَعْظَم حرصَكم يَا أَهْلَ الحَدِيْث، قَدْ تَمَّ
المَجْلِس، وَصَلَّى الله عَلَى مُحَمَّدٍ، وَانْصَرَفَ.
وَأَقَمْتُ بِتنِّيسَ مُدَّةً عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ
الحَدَّادِ وَنُظَرَائِهِ، فَضَاق بِي، فَلَمْ يَبْقَ
مَعِي غَيْرُ دِرْهَمٍ، وَكُنْت أَحتَاج إِلَى حبرٍ
وَكَاغَدَ، فَترددت فِي صرفه فِي الحَبْر أَوِ الكَاغد
أَوِ الْخبز، وَمَضَى عَلَى هَذَا ثَلاَثَةُ أَيَّام لَمْ
أَطْعَمْ فِيْهَا، فَلَمَّا كَانَ بكرَةَ اليَوْم
الرَّابع، قُلْتُ فِي نَفْسِي: لَوْ كَانَ لِي اليَوْم
كَاغَدَ، لَمْ يُمكنِي أَنْ أَكْتُب مِنَ الجُوع، فَجَعَلت
الدِّرْهَم فِي فَمِي، وَخَرَجتُ لأَشْتَرِي خُبزاً،
فَبلعتُهُ، وَوَقَعَ عليّ الضَّحكُ، فَلقينِي صديقٌ
وَأَنَا أَضحك، فَقَالَ: مَا أَضحكك? قُلْتُ: خَيْر،
فَأَلَحَّ عَلِيَّ، وَأَبِيْتُ أَنْ أُخْبِرَهُ، فَحَلَفَ
بِالطَّلاَق لَتَصْدُقَنِّي، فَأَخْبَرتُهُ، فَأَدخلنِي
مَنْزِلَه، وَتَكَلَّفَ أَطعمَةً، فَلَمَّا خَرَجْنَا
لِصَلاَةِ الظُّهْرِ، اجْتَمَع بِهِ بَعْضُ وُكلاَء عَامِل
تِنِّيس ابْن قَادوس، فَسَأَلَهُ عَنِّي، فَقَالَ: هُوَ
هَذَا، قَالَ: إِنَّ صَاحِبِي مُنْذُ شَهرٍ أَمر بِي أَنْ
أُوصِلَ إِلَيْهِ كُلَّ يومٍ عَشْرَةَ دَرَاهمَ قِيمتُهَا
ربعُ دِيْنَار، وَسهوتُ عَنْهُ، فَأَخَذَ مِنْهُ ثَلاَث
مائة، وجاء بها.
قال: وَكُنْت بِبَغْدَادَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ
وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَتُوُفِّيَ القَائِم بِأَمر الله،
وَبُوْيِع لِلمقتدي بِأَمر الله، فَلَمَّا كَانَ عَشِيَّة
اليَوْم، دخلنَا عَلَى أَبِي إِسْحَاق الشِّيرَازِي،
وَسَأَلْنَاهُ عَنِ البَيْعَة، كَيْفَ كَانَتْ? فَحكَى
لَنَا مَا جرَى، وَنظر إِلَيَّ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ
مُخْتَطٌّ، فَقَالَ: هُوَ أَشْبَه النَّاس بِهَذَا،
وَكَانَ مَوْلِدُ الْمُقْتَدِي فِي عَام مَوْلِدي، وَأَنَا
أَصْغَرُ مِنْهُ بِأَرْبَعَة أَشْهُرٍ، وَأَوّلُ مَا
سَمِعْتُ مِنَ الفَقِيْه نَصْر فِي سَنَةِ سِتِّيْنَ
وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَرحلتُ إِلَى بَغْدَادَ سَنَة سبعٍ،
ثُمَّ رَجَعتُ، وَأَحرمتُ مِنْ بَيْت المَقْدِسِ إِلَى
مَكَّةَ.
قُلْتُ: قَدْ كتب ابْنُ طَاهِر عَنِ ابْنِ هَزَارْمَرْدَ
الصَّرِيفِيْنِي، وَبِيْبَى الهَرْثَمِيَّة، وَهَذِهِ
الطَّبَقَة، ثُمَّ كتب عَنْ أَصْحَابِ هِلاَل الحَفَّار،
ثُمَّ نَزل إِلَى أَصْحَاب أَبِي نُعَيْمٍ، إِلَى أَنْ كتب
عَنْ أَصْحَابِ الجَوْهَرِيّ، بِحَيْثُ إِنَّهُ كتب عَنْ
تِلْمِيْذه أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيّ، وَسَمِعَ وَلده
أَبَا زُرْعَةَ المَقْدِسِيّ مِنْ أَبِي مَنْصُوْرٍ
المقومِي، وَعبدوس بن عَبْدِ اللهِ، وَالدُّوْنِي،
وَخَلْق، وَطَال عُمُرُ أَبِي زُرْعَةَ، وَرَوَى
الكَثِيْرَ وَبَعُد صِيتُه.
أُنْبِئتُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّرَسُوسِيّ عَنِ ابْنِ
طَاهِر قَالَ: لَوْ أَنَّ مُحَدِّثاً مِنْ سَائِر الفِرَق
أَرَادَ أَنْ يَرْوِيَ حَدِيْثاً وَاحِداً بِإِسْنَاد
إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُوَافِقهُ الكُلُّ فِي عَقده، لَمْ يَسلم له ذلك،
(14/291)
وَأَدَّى إِلَى انْقطَاع الزوَائِد
رَأْساً، فَكَانَ اعتِمَادُهُم فِي العَدَالَة عَلَى
صِحَّة السَّمَاع وَالثِّقَة مِنَ الَّذِي يُرْوَى عَنْهُ،
وَأَنْ يَكُوْنَ عَاقِلاً مُمَيِّزاً.
قُلْتُ: العُمدَةُ فِي ذَلِكَ صِدقُ المُسْلِم الرَّاوِي،
فَإِنْ كَانَ ذَا بدعَةٍ أُخِذَ عَنْهُ، وَالإِعرَاضُ
عَنْهُ أَوْلَى، وَلاَ يَنْبَغِي الأَخذُ عَنْ مَعْرُوف
بِكَبِيْرَة، وَاللهُ أَعْلَمُ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ فِي كِتَابِهِ، عَنِ
مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الطَّرَسُوسِيّ، عَنْ
مُحَمَّدِ بنِ طَاهِر، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بِمَكَّةَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ
إِبْرَاهِيْمَ بنِ فِرَاس، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ
الرَّبِيْعِ الجِيْزِي، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ
أَبِي رُومَانَ بِالإِسْكَنْدَرِيَّة، حَدَّثَنَا ابْنُ
وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ قَالَ ابْنُ
طَاهِر: وَأَخْبَرَنَا الفَضْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ
المُفَسِّرُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ الخَفَّاف،
حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ الحَنْظَلِيّ، أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ
يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ المُعَلِّم، عَنْ بُديل بن
مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِي الجَوْزَاءِ، عَنْ عَائِشَةَ،
قَالَتْ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِحُ صَلاَتَهُ بِالتَّكْبِيْرِ
وَالقِرَاءة بِالحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالِمِين، وَكَانَ
إِذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْهُ،
وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوْع، اسْتَوَى
قَائِماً، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ
السَّجْدَةِ، لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِساً،
وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عَقِبِ الشَّيْطَانِ، وَكَانَ
يَفْرُشُ رِجْلَهُ اليُسْرَى، وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ
اليُمْنَى، وَكَانَ يَكره أَنْ يَفترشَ ذِرَاعَيْه
افْترَاشَ الكَلْبِ، وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلاَة
بِالتَّسْلِيمِ، وَكَانَ يَقرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ
التَّحِيَّةَ1.
وَقَرَأْنَاهُ عَلَى أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنِ
القَاسِمِ بنِ أَبِي سَعْدٍ، أخبرنا وجيه ابن طَاهِر،
أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ القُشَيْرِيّ، أَخْبَرَنَا
الخَفَّاف، فذكره.
أَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِق، وَصَالِحٌ الفَرَضِيّ،
قَالاَ: أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الحَنْبَلِيّ"ح"،
وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ
مُحَمَّدِ هَذَا، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ
الحَافِظُ سَنَة سِتٍّ وَخَمْس مائَة، أَخْبَرَنَا قَاسم
بن أَحْمَدَ بآمِد، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ
أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جِشْنِس، حَدَّثَنَا الحَسَنُ
بنُ عَلِيٍّ العَدَوِيّ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بنُ
فَرُّوْخٍ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَبُو هُرْمُز، عَنْ أَنَسِ
بنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَلَيْكُم بِرَكْعَتَي الفَجْرِ،
فَإِنَّ فِيْهِمَا الرَّغَائِبَ"2.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: أَنشدنَا والدي لنفسه:
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "498"، وأبو داود "783"، وابن ماجه
"812".
2 ضعيف جدًا: أفته نافع أبو هرمز، قال أبو حاتم: متروك.
وكذبه ابن معين.
(14/292)
يَا مَنْ يُدِلُّ بِقَدِّهِ ...
وَبِخَدِّهِ وَالمُقْلَتَيْنِ
وَيَصُوْلُ بِالصُّدْغِ المُعَقْ ... رَبِ شِبْهَ لامٍ
فَوْقَ عَيْنِ
ارْحَمْ فَدَيْتُكَ مُدْنِفاً ... وَسْطَ الفَلاَةِ
صَرِيْعَ بَيْنِ
قَتَلَتْهُ أَسْهُمُكَ الَّتِي ... مِنْ تَحْتِ قَوْسِ
الحَاجِبَيْنِ
الله ما بين الفر ... اق وبين من أهوى وبيني
وَلَهُ:
أَضْحَى العَذُوْلُ يَلُوْمُنِي فِي حُبِّهِم ...
فَأَجَبْتُهُ وَالنَّارُ حَشْوُ فُؤَادِي
يَا عَاذلِي لَوْ بِتُّ مُحْتَرِقَ الحَشَا ... لَعَرَفْتَ
كَيْفَ تَفَتَّتُ الأَكْبَادِ
صَدَّ الحَبِيْبُ وَغَابَ عَنْ عَيْنِي الكَرَى ...
فَكَأَنَّمَا كَانَا عَلَى مِيْعَادِ
وَلَهُ:
سَارُوا بِهَا كَالبَدْرِ فِي هودجٍ ... يَمِيسُ
مَحْفُوَفاً بِأَتْرَابِهِ
فَاسْتَعْبَرَتْ تَبْكِي فَعَاتَبْتُهَا ... خَوَفاً مِنَ
الوَاشِي وَأَصْحَابِهِ
فَقُلْتُ لاَ تَبْكِي عَلَى هالكٍ ... بَعْدَكِ لَنْ
يَبْقَى عَلَى مَا بِهِ
لِلْمَوْتِ أبوابٌ وَكُلُّ الوَرَى ... لاَ بُدَّ أَنْ
يَدْخُلَ مِنْ بَابِهِ
وَأَحْسَنُ المَوْتِ بِأَهْلِ الهَوَى ... مَنْ مَاتَ مِنْ
فُرْقَةِ أَحْبَابِهِ
ابْنُ النَّجَّار: أَنْبَأَنَا ذَاكر، عَنْ شُجَاع
الذُّهْلِيّ قَالَ: مات ابن طاهر عند قدومه مِنَ الحَجّ
فِي يَوْمَ الجُمُعَةِ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيتَا من شهر روى
عنه، سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِ مائَةٍ، قَالَ: وَقَرَأْتُ
فِي كِتَاب عَبْدِ اللهِ بن أَبِي بَكْرٍ بنِ الخَاضِبَة
أَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي ضُحَى يَوْمَ الخَمِيْسِ،
العِشْرِيْنَ مِنَ الشَّهْر، وَلَهُ حجَات كَثِيْرَة عَلَى
قَدَمَيْهِ، وَكَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِعِلْم التَّصَوُّف
وَأَنْوَاعه، متفنناً فِيْهِ، ظرِيفاً مطبوعاً، لَهُ
تَصَانِيْفُ حَسَنَةٌ مُفِيدَةٌ فِي علم الحَدِيْثِ،
رَحِمَهُ اللهُ.
(14/293)
تاج الإسلام، ابن
اللبانة:
4637- تاج الإسلام 1:
العلامة الحافظ الأوحد، أبو بكر محمد بن الإمام الكبير
أَبِي المُظَفَّرِ مَنْصُوْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ
الجَبَّارِ التَّمِيْمِيّ, السَّمْعَانِيّ،
الخُرَاسَانِيّ, المَرْوَزِيّ، وَالِد سَيِّدِ الحُفَّاظ
أَبِي سَعْدٍ.
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ
مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي الخَيْرِ مُحَمَّد بن أَبِي
عِمْرَانَ الصَّفَّار "صَحِيْح البُخَارِيِّ" حُضُوْراً،
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ, وَأَبِي القَاسِمِ الزَّاهرِي،
وَعَبْدِ اللهِ بن أَحْمَدَ الطَّاهرِي، وَأَبِي الفَتْحِ
عُبيد الله الهَاشِمِيّ، وَارْتَحَلَ، فَسَمِعَ
بِنَيْسَابُوْرَ مِنْ علي بن أحمد بن الأخرم، ونصر الله بن
أَحْمَدَ الخُشنَامِي، وَعبدِ الوَاحِد بن أَبِي القَاسِمِ
القُشَيْرِيّ، وَطَائِفَة، وَدَخَلَ بَغْدَادَ سَنَةَ
سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ، فَسَمِعَ مِنْ: ثَابِت بن بُنْدَار،
وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْد السَّلاَمِ الأَنْصَارِيّ،
وَعِدَّة، وَبِالكُوْفَةِ مِنْ: أَبِي البقَاء الحبَّال،
وَبِمَكَّةَ، وَالمَدِيْنَة، وَوعظ بِبَغْدَادَ مُدَّةً
بِالنِّظَامِيَة، وَقرَأَ "تَارِيخَ الخَطِيْب" عَلَى
أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ الآبَنُوْسِي، وَسَمِعَ بِهَمَذَانَ
مِنْ: أَبِي غَالِبٍ العَدْل، وَبِأَصْبَهَانَ مِنْ: أَبِي
بَكْرٍ حَفِيْدِ ابْنِ مَرْدَوَيْه، وَأَبِي الفَتْحِ
الحَدَّادِ.
قَالَ وَلَدُهُ: ثُمَّ ارْتَحَلَ سَنَة تِسْعٍ وَخَمْس
مائَة بِي وَبِأَخِي، فَأَسْمَعَنَا مِنَ الشِّيروِي،
وَغَيْرهِ، وَأَملَى مائَة وَأَرْبَعِيْنَ مَجْلِساً
بِجَامِعِ مَرْوَ، كُلُّ مَنْ رَآهَا، اعترف له أَنَّهُ
لَمْ يُسْبَقْ إِلَى مِثْلِهَا، وَكَانَ يَرْوِي في الوعظ
الأحاديث بِأَسَانِيْدِهِ، وَقَدْ طلب مرَّةً لِلَّذِيْن
يَقْرَؤُونَ فِي مَجْلِسِهِ، فَجَاءَه لَهُم أَلفُ
دِيْنَارٍ مِنْ أَهْلِ المَجْلِس.
تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ, سَنَةَ عَشْرٍ وَخَمْس مائَة, عَنْ
ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً. حَدَّثَ عَنْهُ:
السِّلَفِيّ، وَأَبُو الفُتُوْح الطَّائِيُّ، وَأَبُو
طَاهِرٍ السِّنْجِيُّ، وآخرون.
4638- ابن اللبَّانة 2:
شَاعِرُ الأَنْدَلُسِ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى
بن محمد اللخمي, الداني، صَاحِبُ "الدِّيْوَان"،
وَالتَّصَانِيْف الأَدبيَة، مدح الْملك ابْنَ عباد، وان
صُمَادِح، وَكَانَ مُحْتَشِماً، كَبِيْرَ القَدْرِ.
تُوُفِّيَ بِمَيُورقَة, سنة سبع وخمس مائة.
__________
1 ترجمته في الأنساب للسمعاني "7/ 140" واللباب لابن
الأثير "3/ 139"، والمنتظم لابن الجوزي "9/ 188"، ووفيات
الأعيان لابن خلكان "3/ 210"، والعبر "4/ 22"، وتذكرة
الحفاظ "4/ ترجمة 1068"، وطبقات الشافعية للسبكي "7/ 5"،
وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 29".
2 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ 39"، وفوات
والوفيات لمحمد بن شاكر الكتبي "4/ 27"، والعبر "4/ 15"،
وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 20".
(14/294)
محمود بن الفضل،
ظريف بن محمد:
4639- محمود بن الفضل 1:
ابن محمود بن عبد الواحد، الإِمَامُ الحَافِظُ، مُفِيدُ
الطَّلبَةِ بِبَغْدَادَ، أَبُو نَصْرٍ الأَصْبَهَانِيّ
الصَّبَّاغُ.
سَمِعَ: عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن مَنْدَه، وَأَخَاهُ عَبْد
الوَهَّابِ ابْنَيْ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ مَنْدَه،
وَأَبَا الفَضْل البُزَانِي، وَأَبَا بَكْرٍ بن ماجه،
وعائشة بنت الحسين الوَرْكَانِيَة، وَبِبَغْدَادَ رزق الله
التَّمِيْمِيّ، وَطِرَاداً الزَّيْنَبِيَّ، وَخَلْقاً
كَثِيْراً، حَتَّى إِنَّهُ كتب عَنْ أَصْحَابِ
الصَّرِيفِيْنِي، وَعَلِيِّ بنِ البُسْرِيِّ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ نَاصِر، وَأَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ
بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْد السَّلاَمِ، وَالمُبَارَكُ بنُ
كَامِلٍ، وَالسِّلَفِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ شِيْرَوَيْه الدَّيلمِي: قَدِمَ عَلَيْنَا هَمَذَان
سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْس مائَة، وَكَانَ حَافِظاً
ثِقَة، يُحْسِنُ هَذَا الشَّأْنَ، حسنَ السِّيْرَةِ،
عَارِفاً بِالأَسْمَاء وَالنَّسَبِ، مُفِيداً لِطلبَة
العِلْم.
وَقَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ رفِيقنَا مَحْمُوْدُ بنُ
الفَضْلِ يَطلُب الحَدِيْث، وَيَكْتُبُ العَالِي
وَالنَّازِلَ، فَعَاتَبتُهُ فِي كَتْبِهِ النَّازِلَ،
فَقَالَ: وَاللهِ إِذَا رَأَيْتُ سَمَاعَ هَؤُلاَءِ لاَ
أَقْدِرُ أَنْ أَترُكَه، قَالَ: فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ
مَوْتِه، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ? قَالَ: غَفَر
لِي بِهَذَا، وَأَخْرَج مِنْ كُمِّه جُزْءاً.
قُلْتُ: مَاتَ بِبَغْدَادَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى سَنَة
اثْنَتَيْنِ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، مِنْ أَبْنَاءِ
السِّتِّيْنَ.
4640- ظَرِيفُ بن محمد:
ابن عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ أَحْمَدَ بنِ شَاذَانَ،
العَالِمُ الرّحَالُ، أَبُو الحَسَنِ الحِيْرِيّ،
النَّيْسَابُوْرِيّ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَأَبَا حَفْصٍ بنَ مَسْرُوْر، وَأَبَا
عُثْمَانَ الصَّابونِي، وَأَبَا عَامِرٍ الحَسَنَ بنَ
مُحَمَّدٍ، وَأَبَا مَسْعُوْد أَحْمَدَ بن مُحَمَّدٍ
البَجَلِيّ، وَأَبَا سَعْد الطَّبِيْب.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو شُجَاعٍ البِسْطَامِي، وَأَبُو
المُعَمَّر الأَزَجِي، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ،
وَشُهْدَةُ الكَاتِبَة، وَعَبدُ المُنْعِم بن الفُرَاوِي،
وَأَبُو الحَسَنِ بنُ الْخلّ، وآخرون.
قَدِمَ بَغْدَاد لِلْحَجِّ، وَحَدَّثَ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: كَانَ ثِقَةً، مَأْمُوْناً، حَسَنَ
السِّيْرَةِ، جَمِيْلَ الطّرِيقَة، مِنْ أَوْلاَد
المُحَدِّثِيْنَ.
وَقَالَ عبدُ الغَافِر: ثِقَةٌ, أَمِيْن، عِنْدَهُ سَمَاعُ
"الإِكليلِ" لِلْحَاكِمِ، وَ"المُسْتَدرَكِ".
تُوُفِّيَ فِي ذِي القَعْدَةِ, سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ
وخمس مائة بنيسابور، وله ثمان وثمانون سنة.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 202"، وتذكرة الحفاظ
"4/ ترجمة 1058".
(14/295)
4641- ابن سُكَّرة 1:
الإِمَامُ العَلاَّمَةُ الحَافِظُ القَاضِي أَبُو عَلِيٍّ
الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ فِيرّه بن حَيُّونَ بن
سُكَّرَة الصَّدفِي الأَنْدَلُسِيّ, السَّرَقُسْطِي.
رَوَى عَنْ: أَبِي الوَلِيْدِ البَاجِي، وَمُحَمَّدِ بنِ
سَعدُوْنَ القَروِي، وَحَجَّ فِي سَنَةِ إِحْدَى
وَثَمَانِيْنَ، وَدَخَلَ عَلَى أَبِي إسحاق الحبال، وهو
مَمْنُوْعٌ مِنَ التَّحْدِيْثِ كَمَا مرّ.
وَسَمِعَ بِالبَصْرَةِ من: عبد الملك ابن شَغَبَة،
وَجَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ العبَّادَانِي، وَبَالأَنبارِ
مِنْ: خَطيبِهَا أَبِي الحَسَنِ، وَبِبَغْدَادَ مِنْ:
عَلِيِّ بنِ قُرَيْش، وَعَاصِم الأَدِيْب، وَمَالِك
البَانِيَاسِيّ. وَبِوَاسِط مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ عبد
السَّلاَّم بن أُحمولَةَ، وَحَمَلَ "التَّعليقَة" عَنْ
أَبِي بَكْرٍ الشَّاشِيّ. وَأَخَذَ بِدِمَشْقَ عَنِ:
الفَقِيْه نَصْر، وَرَجَعَ بعلمٍ جَمٍ، وَبَرَعَ فِي
الحَدِيْثِ مَتْناً وَإِسْنَاداً مَعَ حُسن الخطّ
وَالضَّبط، وَحُسنِ التَّأْلِيف، وَالفِقْه وَالأَدب مَعَ
الدّين وَالخَيْر وَالتَّوَاضع.
قَالَ ابْنُ بَشْكُوَال: هُوَ أَجْلُّ مَنْ كَتَبَ إِلَيَّ
بِالإِجَازَةِ.
وَخَرَّج لَهُ القَاضِي عِيَاض "مشيخَةً"، وَأَكْثَرَ
عَنْهُ.
وَأُكْرِهَ عَلَى القَضَاءِ، فَوَلِيَهُ بِمُرسيَة، ثُمَّ
اخْتفَى حَتَّى أُعفِي.
وَتَلاَ بِالرِّوَايَات عَلَى: ابْنِ خَيْرُوْنَ، وَرِزقِ
الله، كتب عَنْهُ شَيْخُهُ الفَقِيْه نَصْرٌ ثَلاَثَةَ
أَحَادِيْثَ، وَرَوَى عَنْهُ: ابْنُ صَابر، وَالقَاضِي
مُحَمَّد بن يَحْيَى الزَّكوِي، وَالقَاضِي عِيَاض،
فَرَوَى عَنْهُ "صَحِيْح مُسْلِم"، أخبرنا به أحمد ابن
دلهاث العذري.
استُشْهِدَ أَبُو عَلِيٍّ فِي ملحمَة قُتَنْدَة فِي
رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْس
مائَة، وَهُوَ مِنْ أَبْنَاءِ السِّتِّيْنَ، وَكَانَتْ
معيشتُهُ مِنْ بضَاعَة لَهُ مَعَ ثِقَات إِخْوَانِهِ،
وَخَلَّفَ كُتُباً نَفِيْسَةً، وَأُصُوْلاً مُتْقَنَةً
تَدُلُّ عَلَى حِفْظِهِ وَبَرَاعَتِهِ.
وَتَلاَ أَيْضاً عَلَى: الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
مُبَشِّرٍ صَاحِب أَبِي عَمْرٍو الدَّانِي، وَمَوْلِدُهُ
فِي نَحْو سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ
مائَةٍ، وَكَانَ ذَا دينٍ وَورعٍ وَصُوْنٍ، وإكبابٍ عَلَى
العِلْم، وَيدٍ طُولَى فِي الفِقْه، لاَزم أَبَا بَكْرٍ
الشاشي خمس سنين حتى علق عند "تَعلِيقَته" الكُبْرَى فِي
مَسَائِل الخلاَف، ثُمَّ اسْتَوْطَنَ مُرسيَة، وَتَصدَّر
لنشر الكِتَاب وَالسّنَة، وَتَنَافس الأَئِمَّةُ فِي
الإِكثَار عَنْهُ، وَبَعُدَ صِيتُه، وَلَمَّا عَزلَ
نَفْسَه مِنَ القَضَاءِ، وَردتْ كُتُبُ السُّلْطَانِ
عَلِيّ بن يُوْسُفَ بنِ تَاشفِيْن بِرُجُوْعه إِلَى
القَضَاء، وَهُوَ يَأْبَى، وَبَقِيَ ذَلِكَ أَشْهُراً
حَتَّى كتب الطُّلاَب وَالرَّحَّالُوْنَ كِتَاباً يَشكُوْن
فِيْهِ إِلَى أَمِيْرِ المؤمنين بن تاشفين حالهم ونفاذ
نَفقَاتِهِم، وَانقطَاعَ أَمْوَالِهِم، فَسعَى لَهُ قَاضِي
الجَمَاعَة عِنْدَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَبَيَّنَ
لَهُ وَجْهَ عُذْرِهِ، فَسَكَتَ عَنْهُ.
قَالَ القَاضِي عِيَاض: لَقَدْ حَدَّثَنِي الفَقِيْهُ
أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ جَعْفَرٍ أَنَّ أَبَا
عَلِيٍّ الحَافِظ قَالَ لَهُ: خُذِ الصَّحِيحَ، فَاذكُرْ
أَيَّ متنٍ شِئْتَ مِنْهُ، أَذْكُرْ لَكَ سَنَدَه، أَوْ
أَيَّ سندٍ، أَذْكُرْ لَكَ مَتْنَه.
__________
1 ترجمته في الصلة لابن بشكوال "1/ 144"، والعبر "4/ 32"،
وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1059"، والديباج المذهب لابن
فرحون المالكي "1/ 3301"، وشذرات الذهب لابن العماد
الحنبلي "4/ 43".
(14/296)
النهاوندي، ابن
مرزوق:
4642- النُّهاوَندي 1:
القَاضِي العَلاَّمَةُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ
نَصْرِ بن المُرهف النُّهَاوَنديُّ، ثُمَّ الأَيْدَبْنِيُّ
_ وَأَيْدَبْنُ: من قرى ديار بكر _ الشافعي، قاضي
نُهَاوَنْد مُدَّةً طَوِيْلَة.
سَمِعَ مِنْ: أَبِي طَاهِر مُحَمَّد بن هِبَةِ اللهِ
المَوْصِلِيّ بآمِد، ثُمَّ قَدِمَ بَغْدَاد، وَبَرَعَ فِي
الفِقْه عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِي، وَأَحكم
الأُصُوْلَ، وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ،
وَالقَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَأَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحُسَيْنُ بن خُسْرو، وَأَبُو طَاهِرٍ
السِّلَفِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ
البَاجِسْرَائِي، وَغَيْرهُم.
قَالَ السِّلَفِيّ: قَالَ لِي: إِنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ
اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَكَانَ
مِنْ كِبَارِ أَصْحَاب أَبِي إِسْحَاقَ، وَوَلِيَ قَضَاءَ
نُهَاوَنْد مُدَّةً مديدَةً، وَلَمْ يَكُنْ يُقيم بِهَا.
وَقَالَ المُبَارَكُ بنُ كَامِلٍ الخَفَّاف: مَاتَ
بِنَهَاوَنْد فِي مُحرَّمٍ, سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْس مائَة.
4643- ابْنُ مَرْزُوْقٍ 2:
الحَافِظُ المُفِيْدُ الرّحَّالُ، أَبُو الخَيْرِ عَبْدُ
اللهِ بنُ مَرْزُوْق الأَصَمّ الهَرَوِيّ، مَوْلَى شَيْخِ
الإِسْلاَمِ.
سَمِعَ: أَبَا عُمَر المَلِيْحِيَّ، وَأَحْمَدَ بنَ أَبِي
نصر الكوفاني، وأبا القاسم بن البُسْرِيّ، وَعبدَ
الرَّحْمَن بن مَنْدَه، وَطَبَقَتَهُم، وَجَمَعَ،
فَأَوعَى.
أَخَذَ عَنْهُ: هِبَةُ اللهِ السَّقَطِيّ، وَأَبُو مُوْسَى
المَدِيْنِيّ، وَجَمَاعَة.
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ التَّيْمِيُّ: هُوَ حافظ متقن.
قُلْتُ: مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ, سَنَةَ سَبْعٍ
وَخَمْسِ مائَةٍ, عن ست وستين سنة.
__________
1 ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي "7/ 80".
2 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1054"، وشذرات الذهب
لابن العماد الحنبلي "4/ 16".
(14/297)
4644- ابن بَدْرَان 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ، المُقْرِئُ المُسْنِدُ، أَبُو بَكْرٍ
أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ بَدْرَانَ بنِ عَلِيٍّ
الحُلْوَانِيّ, البَغْدَادِيّ, المُقْرِئ، عُرِفَ
بِخَالَوْه، شَيْخٌ صَالِح، دينٌ، عَارِف بِالقِرَاءات،
عَالِي الرِّوَايَة.
تَلاَ بِالسَّبْع عَلَى: أَبِي عَلِيٍّ الحَسَن بن
غَالِبٍ، وَعَلِيّ بن فَارِس الخَيَّاط.
تَلاَ عَلَيْهِ جَمَاعَة، مِنْهُم: أَبُو الْكَرم
الشَّهْرُزُورِي، وَقَدْ سَمِعَ مِنْ: أَبِي الطَّيِّب
الطَّبَرِيّ، وَالقَاضِي أَبِي الحَسَنِ المَاوردي،
وَمُحَمَّدِ بن عَلِيِّ بنِ شبَانَة الدِّيْنَوَرِيّ،
وَأَبِي مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، وَانتقَى عَلَيْهِ
الحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيّ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي،
وَابْنُ نَاصر، وَالسِّلَفِيّ، وَأَبُو طَالِبٍ بنُ
خُضَيْرٍ، وَخطيب المَوْصِل أَبُو الفَضْلِ، وَعَبدُ
المُنْعِمِ بنُ كُلَيْبٍ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ نَاصِرٍ: شَيْخٌ, صَالِح, ضَعِيْف، لاَ
يُحْتَجُّ بِحَدِيْثِهِ، لَمْ تَكُنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ
بِالحَدِيْثِ.
وُلِدَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَقَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ ثِقَةً زَاهِداً.
قَالَ ابْنُ نَاصر: مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ
سَبْعٍ وَخَمْسِ مائَةٍ، وأوصى بأن يُدْفَنَ إِلَى جَانب
إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ.
قُلْتُ: وَمِمَّنْ تَلاَ عَلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدٍ سِبْطُ
الخَيَّاط، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بن مُحَمَّدٍ الصَّابونِي.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: تلوتُ عَلَيْهِ بِكِتَابِ
"الجَامِع" لأَبِي الحَسَن الخَيَّاط، وتلا به على المصنف.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 175"، والعبر "4/ 12"
وميزان الاعتدال "1/ 122"، ولسان الميزان "1/ 227", وشذرات
الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 16".
(14/298)
ابن ملة، أحمديل:
4645- ابن مَلَّة 1:
الشَّيْخُ العَالِمُ، المُحَدِّثُ الوَاعِظُ، أَبُو
عُثْمَانَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ
مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرِ بنِ أَبِي سَعِيْدٍ بنِ مَلَّةَ
الأَصْبَهَانِيّ, المُحْتَسِب, صَاحِبُ تِلْكَ المَجَالِسِ
المَشْهُوْرَة.
سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ بنَ رِيْذَةَ صَاحِبَ
الطَّبَرَانِيِّ، وَأَبَا طَاهِرٍ بن عبد الرحيم، وَأَبَا
مَنْصُوْرٍ عَبْدَ الرَّزَّاقِ بن أَحْمَدَ الخَطِيْب،
وَأَبَا القَاسِمِ عَبْدَ العَزِيْزِ بن أَحْمَدَ،
وَعَلِيَّ بنَ شُجَاعٍ المَصْقَلِي، وَأَبَا العَبَّاسِ
أَحْمَد بن محمد بن النعمان، وَأَملَى بِبَغْدَادَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نَاصر، وَظَاعِن بنُ مُحَمَّدٍ
الزُّبَيْرِيّ الخَيَّاط، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ،
وَقَوْمٌ، آخِرهُم عبدُ المُنْعِم بن كُلَيْبٍ.
قَالَ ابْنُ نَاصر: وَضَع حَدِيْثاً, وَأَملاَهُ، وَكَانَ
يُخَلِّط.
قُلْتُ: ثُمَّ رِوَايَتُه عَنِ ابْنِ رِيْذَه حُضُوْر،
فَإِنَّ مَوْلِده -فِيمَا ذكر- سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ
فِي رَجَبِهَا، وَمَاتَ ابْنُ رِيذه سَنَة أَرْبَعِيْنَ.
وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ اليُونَارْتِي فِي "مُعْجَمه": كَانَ
ابْنُ ملَّة مِنَ الأَئِمَّةِ الْمَرضِيِّينَ، يَرْجِعُ
فِي كُلِّ فَنٍّ مِنَ العِلْمِ إِلَى حظٍّ وَافِرٍ.
وَقَالَ السِّلَفِيّ: هُوَ مِنَ المُكْثِرِيْنَ، يَرْوِي
عَنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ بن فَادويه، وَأَبِي القَاسِمِ
عَبْد الرَّحْمَنِ بن الذَّكوَانِي، وَكَانَ أَبُوْهُ
يَرْوِي عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ البَيِّع صَاحِبِ
المَحَامِلِيّ.
مَاتَ أَبُو عُثْمَانَ فِي ثَانِي رَبِيْع الأَوّلِ،
سَنَةَ تسع وخمس مائة, بأصبهان.
4646- أَحْمَديلُ 2:
صَاحِبُ مَرَاغَةَ، أَحَدُ الأَبْطَال، كَانَ إِقطَاعُه
يُغِلُّ فِي السَّنَةِ أَرْبَع مائَة أَلْفِ دِيْنَار،
وَعَسْكَرُه خَمْسَةُ آلاَفِ فَارِسٍ، كَانَ فِي مَجْلِس
السُّلْطَان مُحَمَّد بن مَلِكْشَاه، فَأَتَاهُ مِسْكِيْن،
فَتضرَّع إِلَيْهِ فِي قِصَّة يقدِّمُهَا، فَيَضْرِبُهُ
بِسكِّين، فَبَرَكَ أَحْمَديل فَوْقه، فَوَثَبَ باطنِي آخر
فَوْقَ أَحْمَديل، فَجرحه، فَأَضرتهُمَا السُّيوفُ،
فَوَثَبَ ثَالِث، وَضرب أَحْمَديل أَثخنه، وَذَلِكَ فِي
أَوَّلِ سَنَةِ عَشْرٍ وَخَمْس مائَة، وَكَانَ أَحْمَديل
إِلَى جَانب أَمِيْر دِمَشْق طُغْتِكِين قَدْ قَدِمَا
بَغْدَاد إِلَى خدمَة مُحَمَّد.
__________
1 ترجمته في العبر "4/ 18"، وميزان الاعتدال "1/ 248"،
ولسان الميزان "1/ 434"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/
22".
2 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 185"، والعبر "4/
15"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 208"، وشذرات
الذهب لابن العماد "4/ 21".
(14/299)
أبو العز، ابن
المطلب، الباقرحي:
4647- أَبُو العِزِّ 1:
مُحَمَّدُ بنُ المُخْتَارِ بنِ مُحَمَّدِ بن عبد الواحد بن
عَبْدِ اللهِ بن المُؤَيَّدِ بِاللهِ الهَاشِمِيّ
العَبَّاسِيّ البَغْدَادِيّ، وَالِد المُعَمَّر أَبِي
تَمَّام أَحْمَدَ بن مُحَمَّدٍ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ الخُص.
كَانَ ثِقَةً صَالِحاً ديناً، جَلِيْلاً محترماً، مِنْ
أَهْلِ الْحرم الطَّاهرِي.
سَمِعَ الكَثِيْر مِنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ بن عَلِيٍّ
الأَزَجِي، وَأَبِي الحَسَنِ القَزْوِيْنِيّ، وَأَبِي
إِسْحَاقَ البَرْمَكِيّ، وَأَبِي عَلِيٍّ بنِ المُذْهِب.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَلِيٍّ الرَّحَبِيّ، وَأَحْمَدُ بنُ
السَّدنك، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَنَصْرُ اللهِ
القَزَّاز، وَعبدُ المُنْعِم بن كليب, وآخرون.
تُوُفِّيَ فِي يَوْم عَاشُورَاءَ، مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ
وَخَمْس مائَة، وَعَاشَ ثَمَانِيْنَ عَاماً.
4648- ابْنُ المُطَّلِب:
الوَزِيْرُ الكَبِيْر، أَبُو المَعَالِي هِبَةُ اللهِ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بن المُطَّلِبِ الكِرْمَانِيّ،
الفَقِيْه الشَّافِعِيّ.
كَانَ مِنْ كِبَارِ الأَعيَان، رَأْساً فِي حسَاب
الدِّيْوَان، سَاد وَعظم، وَوَزَرَ لِلمُسْتظهِر بِاللهِ
سنتَيْن وَنِصْفاً، ثُمَّ عُزِلَ.
رَوَى عَنْ: عَبْدِ الصَّمَدِ بن المَأْمُوْن وَطَبَقَته،
وَكَانَ ذَا مَعْرُوف وَبِرٍّ، يُلَقَّبُ بِمُجيرِ
الدِّين، لَهُ خِبْرَة وَفضِيْلَة وَذكَاء، صُرِفَ فِي
سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَخَمْس مائَة، وَلَزِمَ بَيْتَه إِلَى
أَنْ تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وخمس مائة.
4649- البَاقَرْحِي 2:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ المُسْنِدُ، أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ
بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ
مَخْلَدٍ البَاقَرْحِي، ثُمَّ البَغْدَادِيّ، رَجُل
مستورٌ، مِنْ بَيْت الرِّوَايَة، سَمِعَ الكَثِيْر.
مَوْلِده سَنَة سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وأربع مائة.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 182".
2 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 238"، والعبر "4/
36"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 48".
(14/300)
سَمِعَ: أَبَا الحَسَنِ بنَ
القَزْوِيْنِيّ، وَأَبَا بَكْرٍ بن بشران، وأبا الفتح
شِيطَا، وَأَبَا طَاهِر مُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ
العَلاَّف، وَأَبَا إِسْحَاقَ البَرْمَكِيّ، وَأَبَا
القَاسِمِ التَّنُوخِي.
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَجَمَاعَة، وَآخر مَنْ
رَوَى عَنْهُ: ذَاكرُ بن كَامِلٍ، وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ
أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحِيْمِ اليُوسفِي.
مَاتَ فِي رجب، سنة سعيد عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: صَاحِبُ مَاردين، وَأَبُو مُلُوْكهَا
نَجْمُ الدِّيْنِ أَيل غَازِي بن أَرتُق التُّركمَانِي،
وَمُحيِي السّنَة أَبُو مُحَمَّدٍ البَغَوِيّ، والحافظ أبو
محمد عبد الله ابن أَحْمَدَ بنِ السَّمَرْقَنْدي أَخُو
إِسْمَاعِيْل، وَشيخُ القُرَّاء أبو القاسم عبد الرحمن بن
بَكْرٍ بنِ الفَحَّام الصَّقَلِّي, مُصَنّف
"التَّجرِيْدِ"، وَصَاحِبُ "المقَامَات" أَبُو مُحَمَّدٍ
القَاسِم بن عَلِيٍّ الحَرِيْرِيّ البَصْرِيُّ، وَأَبُو
عَدْنَانَ مُحَمَّدُ بن أَحْمَدَ بنِ المُطَهِّر بن أَبِي
نِزَارٍ الرَّبعِي الأَصْبَهَانِيّ، وَالحَافِظُ مُحَمَّد
بن عبد الوَاحِد الدَّقَّاق، وَأَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ
هِبَةِ اللهِ بنِ مُميلٍ الشِّيرَازِي معيد النظامية.
(14/301)
الشقاق، أبو طالب
اليوسفي:
4650- الشقَّاق 1:
العَلاَّمَةُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ
البغدادي, ابن الشقاق الفرضي، لِشق قُرُوْنِ القسِي.
أَخَذَ الفَرَائِضَ وَالحسَابَ عَنِ الخَبْرِيِّ، وَعَبْدِ
المَلِكِ الهَمْدَانِيِّ، وَبَقِيَ بِلاَ نَظِيرٍ،
وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ.
قَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ آيَةً مِنْ آيَاتِ الزَّمَانِ
فِي الفَرَائِضِ وَالحسَابِ، يُقرِئ ذَلِكَ.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِي الحُسَيْنِ بن الْمُهْتَدي بِاللهِ،
وَسَمِعَ مِنْهُ ابْن نَاصر، وَالسِّلَفِيّ، وَخَطِيبُ
المَوْصِل.
مَاتَ فِي آخِرِ سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة،
وَلَهُ نَيِّفٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً، رَحِمَهُ اللهُ.
4651- أبو طالب اليُوسُفي 2:
الشَّيْخُ الأَمِيْنُ، الثِّقَةُ العَالِمُ المُسْنِدُ،
أَبُو طَالِبٍ عبد القادر بن محمد بن عبد القادر بن
مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ البَغْدَادِيّ, اليُوسفِي ابْن أبي
بكر.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 194".
2 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 239"، والعبر "4/
38"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 49".
(14/301)
وُلِدَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَثَلاَثِيْنَ
وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ المُصَنَّفَات الكِبَارَ مِنْ: أَبِي عَلِيٍّ بنِ
المُذْهِبِ، وَأَبِي إِسْحَاقَ البَرْمَكِيّ، وَأَبِي
بَكْرٍ بنِ بِشْرَان، وَأَبِي مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ،
وَعِدَّة، وَتَفَرَّد فِي وَقته.
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيُّ، وَأَبُو العَلاَءِ
العَطَّارُ، وَهِبَةُ اللهِ الصَّائِن، وَأَبُو بَكْرٍ
ابْن النَّقُّوْرِ، والشيخ عبد القادر، وعبد الحق اليوسفي،
وأبو منصور بنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، وَيَحْيَى بن بَوْش،
وَعَدَدٌ كَثِيْر.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: شَيْخٌ صَالِحٌ, ثِقَةٌ, ديِّنٌ،
متحرٍّ فِي الرِّوَايَة، كَثِيْرُ السَّمَاع، انْتَشَرت
عَنْهُ الرِّوَايَة فِي البُلْدَان، وَحُمِلَ عَنْهُ
الكَثِيْر.
وَقَالَ السِّلَفِيّ: تربَى أَبُو طَالِبٍ عَلَى طرِيقَةِ
وَالِدِهِ فِي الاحْتِيَاطِ التَّام فِي الدِّين فِي
التَّدَيُّنِ مِنْ غَيْرِ تَكلف، وَكَانَ كَامِلَ الفَضْل،
حسنَ الجُمْلَة، ثِقَةً متحرِياً، إِلَى غايةٍ مَا
عَلَيْهَا مزِيدٌ، قَلَّ مَنْ رَأَيْتُ مِثْله، وَكَانَ
أَبُوْهُ أَبُو بَكْرٍ أَزْهَدَ خلق الله.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَطَّافٍ: تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ
فِي آخِرِ يَوْمِ الجُمُعَةِ ثَامنَ عشرَ ذِي الحِجَّةِ،
سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
(14/302)
4652- ابن الفحَّام 1:
الإِمَامُ شَيْخُ القُرَّاءِ، أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي بكرٍ عتيق بن خلف القُرَشِيّ,
الصَّقَلِّي, المُقْرِئ النَّحْوِيّ, ابْن الفَحَّام،
نَزِيْلُ الإِسْكَنْدَرِيَّة، وَمُؤلف "التَّجرِيْد فِي
القِرَاءات".
تَلاَ بِالسَّبْعِ عَلَى: أَبِي العَبَّاسِ بن نَفِيْس،
وَأَبِي الحُسَيْنِ نَصْر بن عَبْدِ العَزِيْزِ
الفَارِسِيّ، وَعبد البَاقِي بن فَارِس، وَإِبْرَاهِيْمَ
بنِ إِسْمَاعِيْلَ المَالِكِيّ بِمِصْرَ، وَطَالَ
عُمُرُهُ، وَتَفَرَّد، وَتزَاحم عَلَيْهِ القُرَّاء.
تَلاَ عَلَيْهِ: أَبُو العَبَّاسِ بنُ الحطيَة، وَابْنُ
سَعدُوْنَ القُرْطُبِيّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بن خَلَفِ
الله، وَعِدَّة.
وَتلوتُ كِتَابَ اللهِ مِنْ طرِيقه بِعُلُوّ وَبِغَيْر
عُلُوٍّ.
أَخَذَ النَّحْوَ عَنِ ابْنِ بَابْشَاذ، وَعَمِلَ "شرحاً"
لِمُقَدِّمَتِهِ.
قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الأَنْدَلُسِيّ:
مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ بِالقِرَاءات مِنِ ابْنِ
الفَحَّامِ، لاَ بِالمَشْرِقِ وَلاَ بِالمَغْرِبِ، وَرَوَى
عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ العُثْمَانِيّ،
وَغَيْرهُمَا، وَثَّقَهُ السِّلَفِيّ وَابْن المُفَضَّلِ.
وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ أَوْ خمس وَأَرْبَعِ مائَةٍ،
وَهُوَ يَشُكُّ. وَتُوُفِّيَ: فِي ذِي القَعْدَةِ, سَنَةَ
سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة بِالثَّغْرِ، وَلَهُ نيفٌ
وَتِسْعُوْنَ سَنَةً، وَآخرُ أَصْحَابه فِي الدُّنْيَا
بِالإِجَازَةِ أَبُو طَاهِرٍ الخُشُوْعِيّ.
وَقَدْ ذَكَرَهُ السِّلَفِيّ، فَقَالَ: هُوَ مِنْ خيَار
القُرَّاء، رحلَ سنة ثمان وَثَلاَثِيْنَ، فَأَدْرَكَ ابْنَ
هُشَيْم، وَابْن نَفِيْس، علَّقت عَنْهُ فَوَائِدَ،
وَكَانَ حَافِظاً لِلْقِرَاءات صَدُوْقاً، مُتْقِناً،
عَالِماً، كَبِيْرَ السِّنّ، وَقِيْلَ: كَانَ يَحفظ
القِرَاءات كالفاتحة.
__________
1 ترجمته في العبر "4/ 37"، والنجوم الزاهرة لابن تغري
بردي "5/ 225"، وحسن المحاضرة للسيوطي "1/ 495"، وشذرات
الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 49".
(14/302)
غيث بن علي، عيسى بن
شعيب:
4653- غيثُ بنُ علي 1:
ابن عبد السلام، المُحَدِّثُ المُفِيْدُ، أَبُو الفَرَجِ
الأَرْمَنَازِي، ثُمَّ الصُّوْرِيّ، خطيبُ صُوْر
وَمُحَدِّثُهَا.
سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ الخَطِيْب، وَعَلِيَّ بن عُبَيْد
اللهِ الهَاشِمِيّ، وَبِدِمَشْقَ أَبَا نصر بن طلاب،
وطائفة، وبنتنيس مِنْ رَمَضَانَ بن عَلِيٍّ، وَبِمِصر،
وَالثَّغْرِ، وَكَتَبَ الكَثِيْر، وسوَّد "تَارِيخاً"
لصُوْر، وَكَانَ ثِقَةً، حسنَ الخطّ.
رَوَى عَنْهُ شَيْخُهُ؛ الخَطِيْبُ، وَأَبُو القَاسِمِ
ابنُ عَسَاكِرَ، وَذَلِكَ مِنْ نَمط "السَّابِق
وَاللاَّحِق"، فَبَيْنَ الحَافِظَيْن فِي المَوْت مائَة
سَنَةٍ وَثَمَانُ سِنِيْنَ.
مَاتَ غَيْثٌ بِدِمَشْقَ، فِي صَفَرٍ، سَنَةَ تِسْعٍ
وَخَمْسِ مائَة، عَنْ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
4653- عيسى بن شُعيب 2:
ابن إبراهيم، المُحَدِّثُ العَالِمُ الزَّاهِدُ، شَيْخُ
المُعَمَّرِيْنَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ السِّجْزِيّ,
الصُّوْفِيّ، نَزِيْلُ هَرَاةَ، وَوَالِد الشَّيْخ أبي
الوقت.
لمولده بسِجِسْتَان, فِي سَنَةِ عَشْرٍ وَأَرْبَع مائَة،
فَسَمِعَ مِنْ عَلِيِّ بنِ بُشرَى اللَّيْثِيّ الحَافِظ
جُمْلَةً، وَسَمِعَ بِهَرَاةَ مِنْ: عَبْدِ الوَهَّابِ بن
مُحَمَّدٍ الخَطَّابِيّ، وَبِغَزْنَةَ مِنَ: الخَلِيْلِ
بنِ أَبِي يَعْلَى، وَطَائِفَة، وَحَمَلَ ابْنه عبدَ
الأَوّل عَلَى ظَهْرِهِ مِنْ هَرَاة إِلَى بُوشَنْج
مَرْحَلَةً، فَسمِعَا "الصَّحِيحَ" مِنْ جَمَالِ
الإِسْلاَمِ الدَّاوُودِيّ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: هُوَ صَحِيْح صَالِح،
حرِيصٌ عَلَى السَّمَاعِ، أَجَازَ لِي مَرْوِيَّاته، ثُمَّ
ذَكَرَ مَوْلِدَه، قَالَ: وَتُوُفِّيَ بِمَالِينَ مِنْ
هَرَاة, فِي ثَانِي عَشَرَ شَوَّالٍ, سَنَةَ اثْنَتَيْ
عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، وَلَهُ مائَة وَسَنتَانِ.
وَفِيْهَا مَاتَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ المُسْتظهر بالله
أبو العباس أحمد بن الْمُقْتَدِي بِاللهِ عَبْد اللهِ بن
مُحَمَّدِ بنِ القَائِم العَبَّاسِيّ، وَلَهُ اثنتَانِ
وَأَرْبَعُوْنَ سَنَةً، وَكَانَتْ دَوْلَتُه خَمْساً
وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَمُفْتِي بُخَارَى شَمْسُ
الأَئِمَّة الجَابِرِي، وَنُورُ الهدَى الحُسَيْنُ بنُ
مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيّ، وَالعَلاَّمَةُ أَبُو القَاسِمِ
سَلْمَانُ بن نَاصر الأَنْصَارِيّ النَّيْسَابُوْرِيّ
الأُصُوْلِي صَاحِبُ إِمَام الحَرَمَيْنِ، وَالمُعَمَّرُ
أَبُو العَلاَءِ عُبَيْد بن مُحَمَّدٍ القُشَيْرِيّ،
وَشَيخُ الكَلاَم أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَتِيق
بن أبي كدية القيرواني الشعري بِبَغْدَادَ عَنْ سِنٍّ
عَالِيَة، وَالحَافِظُ مَحْمُوْد بن نصر الأصبهاني الصباغ
ببغداد.
__________
1 ترجمته في الأنساب للسمعاني "1/ 189"، والعبر "4/ 18"،
وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 24".
2 ترجمته في التجبير للسمعاني "1/ 611- 613".
(14/303)
4655- أبو الفتح الهَرَوي 1:
الإِمَامُ القُدْوَةُ الزَّاهِدُ، العَابِدُ المُعَمَّرُ،
أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ
الحَنَفِيّ الهَرَوِيّ.
سَمِعَ مِنْ: جَدِّه لأُمِّهِ أَبِي المُظَفَّر مَنْصُوْر
بن إِسْمَاعِيْلَ الهَرَوِيّ، الرَّاوِي عَنْ أَبِي
الفَضْلِ بنِ خَمِيْرُوَيْه، وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي
يَعْقُوْبَ القرَّاب الحَافِظ، وَأَبِي الحَسَنِ
الدَّبَّاس, وَجَمَاعَة. وَخَرَّج لَهُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ
أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيّ "فَوَائِدَ" فِي
ثَلاَثِ مُجلَّدَاتٍ، وَكَانَ أَسندَ مَنْ بَقِيَ بِبلده
وَأَزْهَدَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: جَمَاعَةٌ بِهَرَاةَ وَمرو وَبُوشَنْج
مِنْ مَشَايِخ السَّمْعَانِيّ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ عَشْرٍ وَخَمْسِ مائَة، لاَ بَلْ
تُوُفِّيَ فِي سَابع شَعْبَانَ, سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ
وَخَمْس مائَة.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: هُوَ نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ
إِبْرَاهِيْمَ بن أَسَدِ بنِ أَحْمَدَ، مِنْ وَلد حنِيفَة
بن لُجَيم بن صَعب بن عَلِيِّ بنِ بَكْر بن وَائِلٍ.
قَالَ: وَهُوَ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ وَالسَّدَاد
وَالصَّلاَح، أَفنَى عُمُرَه فِي كِتَابَةِ العِلْم،
وَتَفَرَّد بِالرِّوَايَة الكَثِيْرَة. سَمِعَ: أَبَاهُ،
وَجدَّه، وَجدّه لأُمِّهِ، وَأَبَا عُثْمَانَ سَعِيْد بن
العَبَّاسِ القُرَشِيّ، وَإِسْحَاقَ بنَ أَبِي إِسْحَاقَ
القرَاب، وَعَبْدَ الوَهَّابِ ابن مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى،
وَمُحَمَّد بن الفُضَيْل، وَمَوْلِدُهُ: سَنَةَ تِسْعَ
عَشْرَةَ وَأَرْبَع مائَة.
قُلْتُ: عَاشَ اثنتين وتسعين سنة.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ص1262".
(14/304)
أبو يعلى بن
الهبارية، الشاشي:
4656- أبو يعلى بن الهباريَّة 1:
الشَّرِيْفُ، كَبِيْرُ الشُّعَرَاءِ، مُحَمَّدُ بن صَالِحِ
بنِ حَمْزَةَ العَبَّاسِيّ، مِنْ ذُرِّيَّة وَلِي العَهْد
عِيْسَى بنِ مُوْسَى، وَلقبُهُ نِظَام الدّين
البَغْدَادِيّ، رأسٌ فِي الهَجْو وَالخلاعَة، وَشِعْرُهُ
فَائِق، خدم نِظَامَ المُلك، وَسُعِدَ بِهِ، وَقَدْ نَظم
كِتَاب "كَلِيْلَةَ وَدِمْنَةَ" جَوَّده وَحرره.
قيل: مَاتَ بِكَرمَان, سَنَةَ أربع وخمس مائة.
4657- الشَّاشِي 2:
الإِمَامُ العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الشَّافعيَة، فَقِيْهُ
الْعَصْر، فَخرُ الإِسْلاَم، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ
أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ بنِ عُمَرَ الشَّاشِيّ,
التُّركِي، مصَنّف "المُسْتظهرِي" فِي المَذْهَب، وَغَيْر
ذَلِكَ.
مَوْلِدُهُ بميَّافارقين فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ
وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَتَفَقَّهَ بِهَا عَلَى قَاضِيهَا
أَبِي مَنْصُوْرٍ الطُّوْسِيّ، وَالإِمَامِ مُحَمَّد بن
بَيَانٍ الكَازْرُوْنِي، ثُمَّ قَدِمَ بَغْدَاد، وَلاَزَمَ
أَبَا إِسْحَاقَ، وَصَارَ مُعيدَه، وَقرَأَ كِتَاب
"الشَّامِلِ" عَلَى مُؤلفه.
وَرَوَى عَنِ الكَازْرُوْنِي شَيْخِهِ، وَعَنْ ثَابِتِ بنِ
أَبِي القَاسِمِ الخَيَّاطِ، وَأَبِي بَكْرٍ الخطيب، وهياج
بن عبيد المجاور، وعدة.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ 453"، ولسان
الميزان "5/ 367"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/
210"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 24".
2 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 179"، ووفيات الأعيان
"4/ 219"، والعبر "4/ 13"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص1241"،
وطبقات الشافعية للسبكي "6/ 70"، والنجوم الزاهرة لابن
تغري بردي "5/ 206"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/
16".
(14/305)
وَانتهت إِلَيْهِ رِيَاسَةُ المَذْهَب،
وَتَخَرَّج بِهِ الأَصْحَاب ببغداد، وصنف. وكتاب "الحليَة"
فِيْهِ اخْتِلاَف العُلَمَاء، وَهُوَ الكِتَابُ المُلَقَّب
بِالمُسْتظهرِي، لأَنَّه صنفه لِلْخَلِيْفَة المُسْتظهِر
بِاللهِ، وَوَلِيَ تَدْرِيْسَ النّظَامِيَة بَعْد
الغَزَّالِي، وَصُرِفَ، ثُمَّ وَلِيَهَا بَعْدَ إِلْكِيَا
الهَرَّاسِي سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْس مائَة، وَدرَّس
أَيْضاً بِمَدرسَة تَاجِ الْملك وَزِيْر السُّلْطَان
مَلِكْشَاه.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو المُعَمَّر الأَزَجِي، وَعَلِيُّ بن
أحمد اليزدي، وأبو بكر بن النَّقُّوْرِ، وَأَبُو طَاهِرٍ
السِّلَفِيُّ، وَفخرُ النِّسَاءِ شُهْدَة.
مَاتَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْس مائَة، وَدُفِنَ
إِلَى جَنْبِ شَيْخِهِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِي،
وَقِيْلَ: دُفِنَ مَعَهُ.
وَقَعَ لِي مِنْ حَدِيْثِهِ.
قَالَ أَبُو القَاسِمِ يُوْسُفُ الزَّنْجَانِي: كَانَ
أَبُو بَكْرٍ الشَّاشِيّ يَتَفَقَّه مَعَنَا، وَكَانَ
يُسَمَّى الجُنَيْدَ لدينه وورعه وزهده، رحمه الله تعالى.
(14/306)
4658- ابن مَنْدَه 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ، الحَافِظُ المُحَدِّثُ، أَبُو
زَكَرِيَّا يَحْيَى بن أبي عمرو عبد الوهاب بن الحَافِظِ
الكَبِيْرِ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ بن
الحَافِظِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ مَنْدَةَ
العَبْدِيُّ, الأَصْبَهَانِيُّ.
وُلِدَ فِي شَوَّالٍ, سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ
وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَبَكَّر بِهِ وَالِدُهُ، فَسَمَّعَهُ الكَثِيْرَ مِنْ
أَبِي بَكْرٍ بنِ رِيْذَةَ، وَأَبِي طَاهِرٍ بنِ عَبْدِ
الرَّحِيْمِ، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الفضَاض. وَطلب
هَذَا الشَّأْن، فَسَمِعَ مِنْ أَحْمَد بن مَحْمُوْدٍ
الثَّقَفِيّ، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ الجَصَّاصِ،
وَإِبْرَاهِيْمَ بن منصور سبط بحرويه، وَأَبِي الفَضْلِ
عَبْد الرَّحْمَنِ بن أَحْمَدَ الرَّازِيّ، وَأَبِي بَكْرٍ
البَيْهَقِيِّ الحَافِظ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ، وَأَكْثَرَ
عَنْ أَبِيْهِ، وَعَمِّه أَبِي القَاسِمِ، وَأَجَازَ لَهُ
مِنْ بَغْدَادَ أَبُو طَالِبٍ بنُ غَيْلاَنَ، وَطَائِفَةٌ،
وَأَملَى، وَصَنَّفَ، وَجَمَعَ.
رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ، وَابْنُ
نَاصر، وَعَلِيُّ بن أَبِي تُرَاب، وَأَبُو طَاهِرٍ
السِّلَفِيُّ، وَعَبْدُ الحَقِّ اليُوسفِي، وَأَبُو
مُحَمَّدٍ بنُ الخَشَّاب النَّحْوِيّ، وَمُحَمَّدُ بن
إِسْمَاعِيْلَ الطَّرَسُوسِيّ، وَأَبُو مُوْسَى
المَدِيْنِيّ، وَخَلْق.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: شَيْخٌ جَلِيْلُ الْقدر، وافر
الفضل، واسع الرواية، ثقة حَافظ، مُكْثِر صَدُوْقٌ،
كَثِيْرُ التَّصَانِيْف، حَسْنُ السِّيْرَةِ، بَعِيدٌ مِنَ
التَّكلف، أَوحد بَيْته فِي عصره، أَجَازَ لِي. وَسَأَلت
إِسْمَاعِيْلَ الحَافِظَ عَنْهُ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ،
وَوَصَفَه بِالحِفْظِ وَالمَعْرِفَةِ وَالدِّرَايَة،
وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بن أبي نصر اللفتواني الحافظ يقول:
بين بَنِي مَنده بُدِئَ بِيَحْيَى، وَخُتِمَ بِيَحْيَى.
مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ, سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْس
مائة.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 204"، ووفيات الأعيان
لابن خلكان "6/ 168"، والعبر "4/ 25"، وتذكرة الحفاظ "4/
ترجمة 1057"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 214"،
وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 32".
(14/306)
4659- المستظهر
بالله 1:
الإمام، أمير المؤمنين، أبو العباس أحمد بن المقتدي بأمر
الله أبي القاسم عبد الله بن الذخيرة محمد بن القَائِمُ
بِأَمْرِ اللهِ عَبْدُ اللهِ بنُ القَادِرِ الهَاشِمِيّ
العَبَّاسِيّ, البَغْدَادِيّ.
مَوْلِدُهُ فِي شَوَّالٍ, سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ
مائَةٍ، وَاسْتُخْلِفَ عِنْد وَفَاة أَبِيْهِ فِي تَاسع
عشر المُحَرَّم، وَلَهُ سِتَّ عَشْرَةَ سنة وثلاثة أشهر،
وذلك في سبع وثمانين.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَانَ مَوْصُوَفاً بِالسَّخَاء
وَالجُود، وَمَحبَّةِ العُلَمَاء, وَأَهْلِ الدِّين،
وَالتفقد لِلمسَاكينِ، مَعَ الفَضْل وَالنُّبلِ
وَالبَلاغَةِ، وَعُلوِّ الهِمَّة، وَحُسْنِ السِّيْرَةِ،
وَكَانَ رَضِيَّ الأَفعَالِ، سَدِيدَ الأَقْوَال.
وَحَكَى أَبُو طَالِبٍ بنُ عبد السَّمِيْع عَنْ أَبِيْهِ
أَنَّ المُسْتظهرَ بِاللهِ طلب مَنْ يُصَلِّي بِهِ،
وَيُلقِّن أَوْلاَدَه، وَأَنْ يَكُوْنَ ضرِيراً، فَوَقَعَ
اخْتيَارُهُ عَلَى القَاضِي أَبِي الحَسَنِ المُبَارَك بن
مُحَمَّدِ بنِ الدَّوَاس مُقْرِئ وَاسِط قَبْل القلاَنسِي،
فَكَانَ مُكرِماً لَهُ، حَتَّى إِنَّهُ مِنْ كَثْرَةِ
إِعجَابه بِهِ كَانَ أَوّل رَمَضَان قَدْ شَرَعَ فِي
التَّرَاويح، فَقَرَأَ فِي الرَّكعتين الأُوليين آيَةً
آيَةً، فَلَمَّا سلَّم، قَالَ لَهُ المُسْتظهر: زِدْنَا
مِنَ التِّلاَوَةِ، فَتَلاَ آيتينِ آيتينِ، فَقَالَ لَهُ:
زِدْنَا، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى كَانَ يَقومُ كُلَّ
لَيْلَةٍ بِجُزء، وَإِنَّهُ لَيْلَةً عَطِشَ، فَنَاوله
الخَلِيْفَةُ الكُوزَ، فَقَالَ خَادم: ادْعُ لأَمِيْرِ
المُؤْمِنِيْنَ، فَإِنَّهُ شَرَّفَكَ بِمُنَاولته
إِيَّاكَ، فَقَالَ: جَزَى العَمَى عَنِّي خَيْراً، ثُمَّ
نَهَضَ إِلَى الصَّلاَةِ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ السِّلَفِيّ: قَالَ لِي أَبُو الخَطَّابِ ابْن
الجَرَّاح: صَلَّيْتُ بِالمُسْتظهِرِ فِي رَمَضَانَ،
فَقَرَأْتُ: {إِنَّ ابْنَكَ سَرَق} * [يُوْسُف: 81] ،
رِوَايَةً روينَاهَا عَنِ الكِسَائِيّ، فَلَمَّا سلمتُ،
قَالَ: هَذِهِ قِرَاءة حَسَنَة، فِيْهِ تنزيه أولاد
الأنياء عن الكذب.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 200"، والعبر "4/
26"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 215"، وشذرات
الذهب لابن العماد "4/ 33".
* بضم السين وتشديد الراء مبنيًا للمفعول، وهي قراءة ابن
عباس، والكسائي.
(14/307)
قلت: كيف بقولهم: {فَأَكَلَهُ الذِّئْب} ،
{وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} [يوسف:17، 18]
.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ شَاتيل
المقرئ، حدثني أبو سَعْد بن أَبِي عِمَامَة قَالَ: كُنْتُ
لَيْلَة جَالِساً فِي بَيْتِي، وَقَدْ نَامَ النَّاسُ،
فَدُقَّ البَابُ، فَإِذَا بفرَّاشٍ وخادمٍ مَعَهُ شَمعَة،
فَقَالَ: بِسْمِ اللهِ، فَأُدْخِلْتُ عَلَى المُسْتظهر،
وَعَلَيْهِ أَثَرُ غَمٍّ، فَأَخَذتُ فِي الحِكَايَات
وَالموَاعِظِ وَتَصْغِيْرِ الدُّنْيَا، وَهُوَ لاَ
يَتَغَيَّرُ، وَأَخَذتُ فِي حِكَايَات الكِرَام وَغَيْر
ذَلِكَ، فَقُلْتُ: هَذَا لاَ يَنَامُ، وَلاَ يَدعُنِي
أَنَامُ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، لِي
مَسْأَلَةٌ، قَالَ: قُلْ، قُلْتُ: وَلاَ تَكْتُمنِي?
قَالَ: لاَ، قُلْتُ: بِاللهِ حَلَّ عَلَيْك نقدةٌ
لِلبَائِع، أَوِ انكسَرَ زورقُكَ، أَوْ وَقعُوا عَلَى
قافلةٍ لَكَ، وَضَاق وَقْتُكَ? عِنْدِي طبقُ خلافٍ أَنَا
أُقرِضه لَكَ، وَتبقَى بَارزِياً فِي الدُّروب وَمَا
يُخلِي الله مِنْ رِزق، فَهَذَا هَمٌّ عَظِيْم، وَقَدْ
مرستَنِي اللَّيْلَة، فَضَحِكَ حَتَّى اسْتلقَى، وَقَالَ:
قُمْ، فَعلَ اللهُ بِكَ وَصنع، فَقُمْتُ، وَتبعنِي الخادم
بدنانير وتخت وثياب.
قِيْلَ: إِنَّ ابْنَ مُقَلد العَوَّاد غَنَّى المُسْتظهر،
فَسَرَّه، فَأَعْطَاهُ مائَتَيْ دِيْنَار، وَقطعَةَ
كَافُوْر زِنَةَ ثَلاَثَةِ أَرطَالٍ مُقَمَّعَة بِذَهَبٍ.
قَالَ أَبُو طَالِبٍ بنُ عبد السمِيْع: كَانَ مِنْ
أَلْفَاظ المُسْتظهر:
خيرُ ذَخَائِرِ المَرْءِ لِدنِيَاهُ ذكرٌ جميلٌ،
وَلآخِرَتِهِ ثَوَابٌ جَزِيل.
شُحُّ المَرْءِ بِفَلْسِهِ مِنْ دَنَاءةِ نَفْسِهِ.
الصَّبْرُ عَلَى الشَّدَائِدِ يُنْتج الفَوَائِد.
أَدبُ السَّائِلِ أَنفعُ مِنَ الوَسَائِل.
بضَاعَة العَاقِلِ لاَ تَخْسَرُ، وَرِبْحُهَا يَظْهَرُ فِي
المَحْشَرِ.
وَلَهُ نَظْمٌ حسن.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الهَمَذَانِيّ:
تُوُفِّيَ المُسْتظهر بِاللهِ سحر لَيْلَة الخَمِيْس,
سَادسَ عِشْرِيْنَ رَبِيْعٍ الآخرِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ
عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، وَمَرِضَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ
يَوْماً مِنْ تَرَاقِي ظَهَرَ بِهِ، وَبَلَغَ إِحْدَى
وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً وَسِتَّةَ أَيَّامٍ، وَكَانَ
لَيِّنَ الجَانبِ، كَرِيْمَ الخَلاَئِقِ، مشكورَ
المسَاعِي، إِذَا سُئِلَ مكرُمَةً، أَجَابَ إِلَيْهَا،
وَإِذَا ذُكِّرَ بمثوبةٍ تَشوَّف نَحْوهَا.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَنْشَدَ قَبْل مَوْته بِقَلِيْلٍ،
وَبَكَى:
يَا كَوْكَباً مَا كان أقصر عمره ... وكذاك عمر كواكب
الأسحار
(14/308)
وَفِي أَوّل خِلاَفَته، جهَّز السُّلْطَان
بَرْكْيَا رُوْق بن مَلِكْشَاه جَيْشاً مَعَ قسيم
الدَّوْلَة جدِّ نور الدّين وَبُوزبَان، فَالتقَاهُم تَاجُ
الدَّوْلَة تُتُش بِظَاهِرِ حلبَ، فَأَسر قَسيمَ
الدَّوْلَة، وَذَبَحَه تُتُش، وأخذ حلب بعد حصار، وذبح
بوزبان، وَسَجَن كَرْبوقَا، وَسَارَ، فَتملَّك
الجَزِيْرَةَ، ثُمَّ خِلاَطَ، ثُمَّ أَذْرَبِيْجَانَ
كُلَّهَا، وَاسْتفحل أَمره، وَكبس عَسْكَره بَرْكيَارُوْق،
فَانْهَزَم، وَرَاحت خَزَائِنُهُ، وَذَهَبَ إِلَى
أَصْبَهَانَ، فَفَتحُوا لَهُ خديعَةً، فَأَمسكوهُ، فَمَاتَ
أَخُوْهُ صَاحِبُ أَصْبَهَان مَحْمُوْد، وَلَهُ سَبْعُ
سِنِيْنَ بِالجُدَرِيّ، فَملَّكُوا بَرْكْيَارُوْق
وَوَزَرَ لَهُ المُؤَيَّدُ بنُ نِظَام الْملك، وَجَمَعَ
وَحَشَدَ، وَمَاتَ صَاحِبُ مِصْر المُسْتَنْصِر،
وَأَمِيْرُ الجُيُوْش بدرٌ، وَوَالِي مَكَّة مُحَمَّدُ بنُ
أَبِي هَاشِمٍ الَّذِي نهب الوَفْدَ، ثُمَّ التَقَى
بَرْكْيَارُوْق وَعَمُّه تُتُش، فَقُتِلَ فِي المعركَة
تُتُش، وَتَملَّك بَعْدَهُ دِمَشْق ابْنُهُ دُقَاقُ شَمْسُ
المُلُوْك، وَقُتِلَ صَاحِبُ سَمَرْقَنْد أَحْمَد خَان،
وَكَانَ قَدْ حَسَّنُوا لَهُ الإِباحَة، وَتزندق، فَقَبَضَ
عَلَيْهِ الأُمَرَاءُ، وَشَهِدُوا عَلَيْهِ، فَأَفتَى
العُلَمَاءُ بِقَتْلِهِ، وَمَلَّكُوا ابْن عَمِّهِ.
وَقُتِلَ سَنَةَ تِسْعِيْنَ صَاحِبُ مَرْوَ أَرغون أَخُو
السُّلْطَان مَلِكْشَاه، وَكَانَ ظَلُوْماً جَبَّاراً،
قَتله مملوكٌ لَهُ، وَكَانَ حَاكماً عَلَى نَيْسَابُوْر،
وَبلخ أَيْضاً، تَمرَّدَ وَخَرَّبَ أَسوَارَ بِلاَدِهِ.
وَعصَى نَائِبُ العُبَيْدِيَّةِ بِصُوْرَ، فَجَاءَ
عَسْكَرٌ، وَحَاصَرُوهَا وَافْتَتَحُوهَا، وَقَتَلُوا
بِهَا خلقًا، منهم نائبها.
وجهز السلطان بركياروق جَيْشاً مَعَ أَخِيْهِ سَنْجَر،
فَبَلَغَهُم قتل أَرغون، فَلحقهُم السُّلْطَانُ،
فَتَمَلَّك جَمِيْعَ خُرَاسَانَ، وَخُطِبَ لَهُ بسمرقند،
ودانت له الأمم، فاستناب أخوه سنجر بخراسان، وكان حدثًا،
وأمر بركياروق عَلَى خُوَارزم مُحَمَّد بن نُوشْتِكِين
مَوْلَى السَّلجوقيَة، وَكَانَ فَاضِلاً أَدِيباً
عَادِلاً، ثُمَّ قَامَ بَعْدَهُ وَلَدُهُ خُوَارزم شَاه
أَتسِز وَالِدُ خُوَارزم شَاهُ علاء الدين.
وَفِي سَنَةِ تِسْع: كَانَ أَوّل ظُهُوْرِ الفِرَنْج
بالشام قدموا في بحر قسطنطينية في جمع كثير، وانزعجت
الملوك، وعم الخطبُ، لاَ سِيَّمَا ابْن قُتُلمش صَاحِبُ
الرُّوْمِ، فَالتقَاهُم، فَطَحَنُوهُ.
وَأَمَّا ابْنُ الأَثِيْرِ، فَقَالَ: ابْتِدَاءُ
دَوْلَتِهِم فِي سَنَةِ "478"، فَأَخذُوا طُلَيْطُلَة
وَغَيْرهَا، ثُمَّ صَقِلِّيَّة، وَأَخَذُوا بَعْض
أَفْرِيْقِيَة، وَجَمَعَ ملكهُم بَغْدَوِين جَمعاً،
وَبَعَثَ يَقُوْلُ لرُجَّار صَاحِب صَقِلِّيَّة: أَنَا
واصل إليك لنفتح إفريقية، فبعث أفريقية, يَقُوْلُ:
الأَوْلَى فَتْحُ القُدْس، فَقَصَدُوا الشَّام.
وَقِيْلَ: إِنَّ صَاحِبَ مِصْر لَمَّا رَأَى قُوَّةَ آلِ
سلجوق واستيلائهم عَلَى المَمَالِك، كَاتَبَ الفِرَنْجَ،
فَمرُوا بَسِيس، وَنَازلُوا أَنطَاكيَة، فَخَافَ
صَاحِبُهَا يَاغِي بَسَان، فَأَخْرَجَ النَّصَارَى إِلَى
الخَنْدَق وَحبسهُم بِهِ، فَدَام حصَارُهَا تِسْعَةَ
أَشهر، وَفنِيَ الفِرَنْجُ قتلاً وَمَوتاً، ثُمَّ إِنَّهُم
عاملوا
(14/309)
الزراد المقدم، بذلوا لَهُ مَالاً،
فَكَاشرَ لَهُم عَنْ بدنه، فَفَتحُوا شُبَّاكاً, وَطلعُوا
مِنْهُ خَمْس مائَة فِي اللَّيْلِ، فَفَتح يَاغِي بَسَان،
وَهَرَبَ، وَاسْتُبيح الْبَلَد _ فَإِنَّا للهِ _ فِي
سَنَةِ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ، وَسَقَطَت قوَة ياغي بسان
أسفًا، وانهزم غلمانه، فذبحم حَطَّاب أَرْمَنِيّ. ثُمَّ
أَخَذُوا المَعَرَّةَ، فَقَتَلُوا وَسَبَوْا، وَتَجَمَّعتْ
عَسَاكِرُ المَوْصِلِ وَغَيْرُهَا، فَالتَقَوْا،
فَانْهَزَم المُسْلِمُوْنَ، واستشهد ألوف، وَصَالَحَهُم
صَاحِبُ حِمْصَ، وَأَقْبَلَ ابْنُ أَمِيْرِ الجُيُوْشِ،
فَأَخَذَ القُدْسَ مِنِ ابْنِ أَرتُقَ، وَانتشرت
البَاطِنِيَّةُ بِأَصْبَهَانَ، وَتَمَّتْ حُرُوْبٌ
مُزعِجَة بَيْنَ مُلُوْكِ الْعَجم، وَأَخَذتِ الفِرَنْجُ
بَيْتَ المَقْدِسِ، نَصَبُوا عَلَيْهِ أَرْبَعِيْنَ
منجنِيقاً، وَهَدُّوا سُورَه، وَجَدُّوا فِي الحصَار
شَهراً وَنِصْفاً، ثُمَّ مَلَكُوهُ مِنْ شَمَاليِّه فِي
شَعْبَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ، وَقتلُوا بِهِ
نَحْواً مِنْ سَبْعِيْنَ أَلْفاً.
قَالَ يُوْسُفُ ابنُ الجَوْزِيِّ وَالعهدَة عَلَيْهِ:
سَارَتِ الفِرَنْجُ، وَمقدَّمهم كُندفرِي فِي أَلفِ أَلفٍ،
مِنْهُم خَمْسُ مائَة أَلْفِ مقَاتل، وَعَمِلُوا برجًا من
خشب ألصقوه بالسور، وحكموا بِهِ عَلَى الْبَلَد، وَسَارَ
الأَفْضَلُ أَمِيْرُ الجُيُوْش، مِنْ مِصْرَ فِي
عِشْرِيْنَ أَلْفاً نَجدَةً، فَقَدِمَ عَسْقَلاَن وَقَدِ
اسْتُبيحت القُدْسُ، ثُمَّ كبست الفِرَنْجُ المِصْرِيّين،
فَهَزموهُم، وَانحَاز الأَفْضَلُ إِلَى عَسْقَلاَن،
وَتَمَزَّقَ جَيْشه، وَحُوْصِرَ، فَبذلَ لَهُم أَمْوَالاً،
فَتَرَحَّلُوا عَنْهُ.
وتملك محمد بن ملكشاه، وهزم أَخَاهُ بَرْكْيَارُوْق، ثُمَّ
حَارب عَسْكَر المَوْصِل، وَجَرَتْ عَجَائِب، ثُمَّ فَرَّ
بَرْكْيَارُوْقُ إِلَى خُرَاسَانَ، وَعَسَفَ، وَعَمِلَ
مَصَافّاً مَعَ أَخِيْهِ سَنْجر، فَانْهَزَم كُلٌّ
مِنْهُمَا، ثُمَّ سَارَ بَرْكْيَارُوْق عَلَى جُرْجَانَ
طَالباً أَصْبَهَان.
وَالْتَقَى ابْن الدَّانشهد جَيْشَ الفِرَنْج فَنقل ابن
الأثير أنهم كانوا ثلاث مائَةِ أَلْف، فَلَمْ يُفْلِتْ
أَحَدٌ مِنْهُم سِوَى ثَلاَثَة آلاَف.
وَكَانَتْ وَقْعَة بَيْنَ المِصْرِيِّينَ وَالفِرَنْج
عَلَى عَسْقَلاَنَ، فَقُتِلَ مُقَدَّم المِصْرِيّينَ
سَعْدُ الدَّوْلَة، لَكِنِ انتَصَرَ المُسْلِمُوْنَ.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: فَيُقَالُ: قُتِلَ مِنَ
الفِرَنْجِ ثَلاَثُ مائَةِ أَلْفٍ.
قُلْتُ: هَذِهِ مُجَازفَة عَظِيْمَة.
وَالْتَقَى السُّلْطَان مُحَمَّدُ بنُ مَلِكْشَاه
وَأَخُوْهُ بَرْكْيَارُوْق مَرَّات، وَغَلَتِ الأَقطَارُ
بِالبَاطِنِيَّةِ، وَطَاغُوتُهُم الحَسَن بن الصَّبَّاحِ
المَرْوَزِيّ الكَاتِب، كَانَ دَاعِيَةً لِبَنِي عُبَيْدٍ،
وَتَعَانَوْا شُغْلَ السِّكِّين، وَقَتَلُوا غِيلَةً
عِدَّةً مِنَ العُلَمَاءِ وَالأُمَرَاء، وَأَخَذُوا
القِلاعَ، وَحَاربُوا، وَقَطعُوا الطُّرقَ، وَظهرُوا
أَيْضاً بِالشَّامِ، وَالتفَّ عَلَيْهِم كُلُّ شَيطَانٍ
وَمَارِق، وَكُلُّ مَاكِرٍ وَمُتَحَيِّل.
(14/310)
قَالَ الغَزَّالِي فِي "سِرِّ العَالمين":
شَاهَدتُ قِصَّة الحَسَن بنِ الصَّبَّاحِ لَمَّا تَزَهَّد
تَحْتَ حِصن الأَلَموت، فَكَانَ أَهْلُ الْحصن يَتمنَّوْنَ
صُعُوْدَه، وَيَتَمَنَّعُ وَيَقُوْلُ: أَمَا تَرَوْنَ
المُنْكَرَ كَيْفَ فَشَا، وَفَسَدَ النَّاسُ، فَصَبَا
إِلَيْهِ خلق، وَذَهَبَ أَمِيْرُ الحِصن يَتَصَيَّدُ،
فَوَثَبَ عَلَى الْحصن فَتملَّكَه، وَبَعَثَ إِلَى
الأَمِيْرِ مَنْ قَتَلَهُ، وَكثرت قِلاعُهُم، وَاشْتَغَل
عَنْهُم أَوْلاَدُ مَلِكْشَاه بِاخْتِلاَفِهِم.
وَلابْنِ البَاقِلاَّنِي، وَالغزَالِي، وَعَبْدِ
الجَبَّارِ المُعْتَزِلِي كتبٌ فِي فَضَائِح هَؤُلاَءِ.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: وَفِي سَنَةِ "494" أَمر
السُّلْطَانُ بَرْكْيَارُوْق بقتل الباطنية، وهم
الإسماعيلية، وهو الذين كانوا قدمًا يُسَمَّوْنَ
القرَامِطَةَ.
قَالَ: وَتَجرد بِأَصْبَهَانَ لِلانتقَامِ مِنْهُم
الخُجَنْدِيُّ، وَجَمَعَ الجمَّ الغفِيرَ بِالأَسلحَة،
وَأَمر بِحفرِ أَخَادِيدَ أُوقِدَتْ فِيْهَا النِّيرَانُ،
وَجَعَلُوا يَأْتُوْنَ بِهِم، وَيُلقُونَهُم فِي النَّارِ،
إِلَى أَنْ قتلُوا مِنْهُم خَلقاً كَثِيْراً.
قَالَ: وَكَانَ ابْنُ صَبَّاح شَهْماً، عَالِماً
بِالهندسَة وَالنُّجُوْم وَالسّحر، مِنْ تلاَمذَة ابْنِ
غَطَّاشٍ الطَّبِيْب الَّذِي تَملَّك قَلْعَة أَصْبَهَان،
وَمِمَّنْ دخل بمصر على المستنصر، فأعطاه مالًا، وأمر
بِالدعوَة لابْنِهِ نِزَار، وَهُوَ الَّذِي بَعَثَ مَنْ
قتل نِظَام الْملك، وَقَدْ قتل صَاحِبُ كِرْمَان أَرْبَعَة
آلاَف لِكَوْنِهِم سُنَّةً، وَاسْمُهُ تيرَانشَاه
السَّلْجُوْقِي، حَسَّن لَهُ رَأْيَ البَاطِنِيَّة أَبُو
زُرْعَةَ الكَاتِب، فَانسلخَ مِنَ الدِّينِ، وَقَتَلَ
أَحْمَد بن الحُسَيْنِ البَلْخِيّ شَيْخُ الحَنَفِيَّة،
فَقَامَ عَلَيْهِ جندُه وَحَاربوهُ، فَذلَّ، وَتَبِعَهُ
عَسْكَر، فَقتلُوْهُ، وَقتلُوا أَبَا زُرْعَةَ، وَصَارَت
الأُمَرَاءُ يُلاَزمُوْنَ لُبْس الدُّرُوْع تَحْتَ
الثِّيَاب خوَفاً مِنْ فَتكِ هَؤُلاَءِ الملاَحدَةِ، وَركب
السُّلْطَان بَرْكْيَارُوْق فِي تَطلُّبِهِم، وَدَوَّخهُم،
حَتَّى قتلَ جَمَاعَةً بُرَآء، سَعَى بِهِم الأَعْدَاءُ،
وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ أَهْل عَانَة، وَاتُّهم إِلكيَا
الهَرَّاسِي بِأَنَّهُ مِنْهُم، وَحَاشَاهُ، فَأَمر
السُّلْطَانُ مُحَمَّد بن مَلِكْشَاه بِأَنْ يُؤْخَذَ،
حَتَّى شَهِدُوا لَهُ بِالخَيْرِ، فَأُطلق.
وَفِيْهَا كَسَرَ دُقَاق صَاحِبُ دِمَشْق الفِرَنْجَ،
وَحَاصَرَ صَاحِبُ القُدْس كندفرِي عكَّا، فَقُتِلَ
بِسَهمٍ، وَتَملَّكَ أَخُوْهُ بغدوين، وأخذت الفرنج سروج
بِالسَّيْف، وَأَرْسُوفَ وَحَيْفَا بِالأَمَان،
وَقَيْسَارِيَّةَ عَنْوَةً.
وَفِي سَنَةِ "459": مَاتَ المُسْتعلِي صَاحِبُ مِصْر،
وَوَلِيَ الآمِرُ، وَكَانَتْ حروبٌ بَيْنَ الأَخوينِ
بَرْكْيَارُوْق وَمُحَمَّد، وَبلاَءٌ وَحصَار، وَنَازلت
الفِرَنْجُ طَرَابُلُس، فَسَارَ لِلْكشف عَنْهَا جُنْدُ
دِمَشْقَ وَحِمْصَ، فَانكسرُوا، ثُمَّ التَقَى العَسْكَر،
وَبغدوين، فَهَزمُوْهُ، وَقَلَّ مَنْ نَجَا مِنْ
أَبْطَاله، وَظَفِرَ ثلاثةٌ مِنَ البَاطِنِيَّة عَلَى
جَنَاحِ الدَّوْلَة صَاحِب حِمْص، فَقَتَلُوْهُ فِي
الجَامِع،
(14/311)
فَنَازلتهَا الفِرَنْجُ، فَصُولحُوا عَلَى
مَال، وَتَسَلَّمهَا شَمْسُ المُلُوْك، وَقَتلَتْ
البَاطِنِيَّة الأَعزَّ، وَزِيْر بَرْكْيَارُوْق، وَمَاتَ
كُربوقَا صَاحِبُ المَوْصِلِ بِخَوَيّ، وَقَدِ اسْتولَى
عَلَى أَكْثَر أَذْرَبِيْجَانَ.
وَخَطَبَ سَنْجَرُ بِخُرَاسَانَ لأَخِيه مُحَمَّد، وحارب
قدرخان صاحب ما وراء النهر، فأسر سَنْجَر وَقتله، وَملَّكَ
ابْنَ بغرَاجَان سَمَرْقَنْدَ، وَنَازل المُسْلِمُوْنَ
بَلَنْسِيَةَ، وَاسْتَرجَعُوهَا مِنَ الفِرَنْجِ بَعْدَ
أَنْ تَمَلَّكُوهَا ثَمَانِيَة أَعْوَامٍ، ثُمَّ رَاحت
مِنَ المُسْلِمِينَ فِي سَنَةِ "636".
وَفِي سَنَة سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ: سَارَ شَمْسُ المُلُوْك،
فَحَاصَر الرَّحْبَة، وَأَخَذَهَا، وَجَاءَ عَسْكَرُ
مِصْر، فَالتَقَوا الفِرَنْجَ بِيَافَا، وَخُذِلَتْ
الفِرَنْجُ، وَتَصَالَحَ بَرْكْيَارُوْقُ وَأَخُوْهُ،
وَملُّوا مِنَ الحَرْب، وَتَحَالفُوا، وَطَال حِصَارُ
الفِرَنْج لِطَرَابُلُس، وَأَخَذُوا جُبيلَ، وَأَخَذُوا
عكَّا، وَنَازلُوا حَرَّانَ، فَجَاءَ العَسْكَر، وَوَقَعَ
المَصَافُّ، وَنَزَلَ النصر، وأبيدت الملاعين، وبلغت
قَتْلاَهُم اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً، وَمَاتَ شَمْسُ
المُلُوْك دُقَاقُ، وَتَملَّكَ وَلدُهُ بِدِمَشْقَ،
وَأَتَابِكُهُ طُغْتِكِين.
وَفِي سَنَة ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ مَاتَ بَرْكْيَارُوْق،
وَسلطنُوا ابْنه ملكشَاه وَهُوَ صَبِيّ، وَالتقَى
المُسْلِمُوْنَ وَالفِرَنْج، فَأُصِيْب المُسْلِمُوْنَ،
ثُمَّ قَدِمَ عَسْكَر مِصْر، وَانضمَّ إِلَيْهِم عَسْكَر
دِمَشْق، فَكَانَ المَصَافّ مَعَ بغدوين عِنْد عَسْقَلاَن،
وَثبت الفَرِيقَان، وَقُتِلَ مِنَ الفِرَنْج فَوْقَ
الأَلف، وَمِنَ المُسْلِمِين مِثْلُهُم، ثُمَّ تَحَاجزُوا،
وَفِيْهَا تَمَكَّنَ السُّلْطَان مُحَمَّد وَبسط العَدْل.
وَفِي سَنَةِ "496": كبس الأَتَابك طُغْتِكِين الفِرَنْج
بِالأُرْدُنّ، فَقتل وَأَسَرَ، وَزُيِّنت دِمَشْق،
وَأَخَذَ مِنَ الفِرَنْج حِصْنَيْنِ.
وَاستَولَتِ الإِسْمَاعِيْليَّة عَلَى فَامِيَة، وَقتلُوا
صَاحِبَهَا ابْنَ مُلاَعِبٍ، وَكَانَ جَبَّاراً يَقطع
الطَّرِيْق.
وَفِي سَنَةِ خَمْسِ مائَةٍ: مَاتَ صَاحِبُ المَغْرِب
وَالأَنْدَلُس يُوْسُفُ بن تَاشفِيْن، وَتَملَّكَ بَعْدَهُ
ابْنُهُ عَلِيّ، وَكَانَ يَخطُب لِبَنِي العَبَّاسِ،
وَجَاءته خِلَع السَّلطنَة وَالأَلْويَةِ، وَكَانَ أَنشَأَ
مَرَّاكُشَ.
وَقُتِلَ واحدٌ مِنَ الإِسْمَاعِيْليَّة فَخرَ المُلك بنَ
نِظَام الْملك، وَزَرَ لِبَرْكْيَارُوْق، ثُمَّ لسنجر.
وَقبض مُحَمَّد عَلَى وَزِيْرِهِ سَعْدِ المُلك، وَصَلَبَه
بِأَصْبَهَانَ، وَاسْتَوْزَرَ أَحْمَد بن نظَامِ المُلك.
وَقُتِلَ مُقدَّم الإِسْمَاعِيْليَّة بِقَلْعَةِ
أَصْبَهَان أَحْمَدُ بنُ غطَّاش، قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ:
قَتَلَ أَتْبَاعُهُ خلقاً لاَ يُمْكِنُ إِحْصَاؤهُم ... ،
إِلَى أَنْ قَالَ: وَخرَّب السُّلْطَانُ مُحَمَّد
القَلْعَةَ، وَكَانَ أَبُوْهُ مَلِكْشَاه أَنشَأَهَا عَلَى
جبل، يُقَال: غَرِمَ عَلَيْهَا أَلفَيْ أَلف دِيْنَار
وَزِيَادَة، فَتَحَيَّلَ ابْنُ غَطَّاش حَتَّى
تَمَلَّكهَا، وَبَقِيَ بِهَا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً.
(14/312)
وَعَزَلَ المُسْتظهرُ وَزِيْرَه أَبَا
القَاسِمِ بن جَهير، وَوَزَرَ هِبَة اللهِ بن المُطَّلِبِ.
وَغَرِقَ ملكُ قُوْنِيَة قلج رسلاَن بن سُلَيْمَانَ بن
قتلمش السلجوقي.
وفي سنة إحدى وخمسين وَخَمْسِ مائَة مَاتَ صَاحِبُ
الحِلَّةِ سَيْفُ الدَّوْلَةِ صَدَقَةُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ
دُبَيْسٍ الأَسَدِيّ مَلِك الْعَرَب الَّذِي أَنشَأَ
الحِلَّة عَلَى الرَّفض، قُتِلَ فِي وَقْعَةٍ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ السُّلْطَانِ مُحَمَّد بنِ مَلِكْشَاه.
وَفِيْهَا سَارَ طُغْتِكِين فِي جُنْدِ دِمَشْقَ، فَهَزمَ
الفِرَنْجَ، وَأَسَرَ صَاحِبَ طَبَرَيَّة جرمَاس،
وَحَاصَرَ بغدوين الكلبُ صُوْرَ، وَبَنَى بِإِزَائِهَا
حِصناً، ثُمَّ بذل له أَهْلُهَا سَبْعَة آلاَف دِيْنَار،
فَتَرحَّلَ عَنْهُم.
وَفِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ: سَارَ طُغْتِكِين فِي
أَلْفَيْنِ، فَالتَقَى الفِرَنْجَ، فَانْهَزَم جَمعُه،
وَثبتَ هُوَ، ثُمَّ تَرَاجعُوا إِلَيْهِ، وَنُصِرُوا،
وَأَسَرُوا قَوْمصاً، بَذَلَ فِي نَفْسِهِ جُمْلَةً،
فَأَبَى طُغْتِكِين وَذَبحه، ثُمَّ هَادن بغدوين
أَرْبَعَةَ أَعْوَام.
وَفِيْهَا تَزَوَّجَ المُسْتظهر بِأُختِ السُّلْطَان
مُحَمَّد عَلَى مائَة أَلْف دِيْنَار.
وَفِيْهَا أَخذت الإِسْمَاعِيْليَّةُ شَيْزَر بِحيلَةٍ،
فَرَجَعَ صَاحِبُهَا مِنْ مَوْكِبه، فَوَجَد بلدَه قَدْ
رَاح مِنْهُ، فَيَعمد نِسَاؤُه مِنَ القُلَّة فَدَلَّوْا
حِبالاً، وَاسْتقَوهُ وَأَجنَاده، فَوَقَعَ القِتَالُ،
وَاسْتَحَرَّ القتلُ بِالملاَحدَةِ، وَكَانُوا مائَةً،
قَدْ خدم أَكْثَرُهُم حَلاَّجِينَ فِي شَيْزَرَ، فَمَا
نَجَا مِنْهُم أَحَدٌ، وَقُتِلَ مِنَ الأَجْنَادِ عِدَّة.
وَفِي سَنَةِ ثَلاَثٍ أُخِذَتْ طَرَابُلُس فِي آخِر
السّنَةِ بَعْد حِصَارِ سِتّ سِنِيْنَ أَخَذُوهَا
بِأَبرَاجٍ خَشَبٍ صُنِعَتْ وَأُلْصِقَتْ بِسُورِهَا،
وَأَخَذُوا بَانِيَاسَ، وَجُبيلَ بِالأَمَان، ثُمَّ
طَرَسُوْس، وَحِصنَ الأَكرَادِ.
وَفِي سَنَةِ خَمْسٍ تَنَاحَب عَسَاكِرُ العِرَاق
وَالجَزِيْرَة، وَأَقْبَلُوا لِغزو الفِرَنْج، وَعدَّوا
الفُرَات، فَقل مَا نَفعُوا، ثُمَّ رَجَعُوا والأعداء تجول
في الشام.
وَتَمَّت بِالأَنْدَلُسِ غَزْوَةٌ كُبْرَى -نَصْر اللهِ-،
وَانحطمتِ الفِرَنْج، وَقُتِلَ ابْنُ مَلِكِهِم.
وَفِي سَنَةِ سِتٍّ: مات مَلِكُ الأَرمَنِ، فَسَارَ
صَاحِبُ أَنطَاكيَة تَنكرِي لِيَتَمَلَّك سِيسَ، فَمَرِضَ،
وَمَاتَ.
وَمَاتَ قرَاجَا صَاحِبُ حِمْص، فَتَمَلَّكَ ابْنُه
خَيْرخَان.
(14/313)
وَفِي أَوّل سَنَةِ سبعٍ أَقْبَلَ عَسْكَرُ
الجَزِيْرَة نَجدَةً لِطُغتِكِين، فَالتَقَوُا الفِرَنْجَ
بِالأُرْدُنّ، وَصبر الفرِيقَانِ، ثُمَّ اسْتَحَرَّ القتلُ
بِالفِرَنْج، وَأُسِرَ طَاغِيتُهُم بغدوين، لَكِن أَسَاء
الَّذِي أَسره، فَشلَّحه، وَأَطلقَه جَرِيحاً، ثُمَّ
تَرَاجعَ العَدُوّ، وَجَاءتْهُم نَجدَةٌ، فَعملُوا
المَصَافَّ مِنَ الغَدِ، وَحَمِي القِتَالُ، وَطَاب
المَوْتُ، وَتَحَصَّنَ الكِلاَبُ بِجبلٍ، فَرَابط الجَيْشُ
بِإِزَائِهِم يَترَامَوْنَ بِالنُّشَاب وَيَقْتتلُوْنَ،
فَدَام ذَلِكَ كَذَلِكَ سِتَّةً وَعِشْرِيْنَ صَبَاحاً
حَتَّى عُدِمَتِ الأَقْوَاتُ، وَتَحَاجَزَ الجَمْعَانِ.
وَفِيْهَا وَثَبَ بَاطِنِيٌّ بِجَامِعِ دِمَشْقَ عَلَى
صَاحِبِ المَوْصِلِ مَوْدُوْدِ بن أَلتونتِكِين
فَقَتَلَهُ، وَهُوَ قَدْ صَلَّى الجُمُعَة مَعَ طغتكين،
وأحرق الباطني.
قال ابن القلانسي فِي "تَارِيْخِهِ": قَامَ هُوَ
وَطُغْتِكِين حَوْلَهُمَا التُّركُ وَالأَحدَاثُ
بِأَنْوَاع السِّلاَح مِنَ الصوَارم وَالصمصَامَات
وَالخنَاجِر المُجَرَّدَة، كَالأَجمَة المشتبكَة، فَوَثَبَ
رَجُل لاَ يُؤْبَهُ لَهُ، وَدَعَا لِمَوْدُوْد، وَشحذ
مِنْهُ، وَقَبضَ بَنْدَ قَبَائِهِ، وَضَرَبَه تَحْتَ
سُرَّتِه ضَربتَينِ، وَالسُّيوفُ تَنْزِلُ عَلَيْهِ،
وَدُفِنَ بِخَانقَاه الطّوَاويس، ثُمَّ نُقِلَ، وَكَانَ
بِطَبَرِيَّةَ مُصحفٌ أَرْسَله عُثْمَانُ -رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ- إِلَيْهَا، فَنَقَلَهُ طُغْتِكِين إِلَى جَامِعِ
دِمَشْقَ.
وَفِيْهَا تَملَّكَ حلبَ أَرْسَلاَنُ بنُ رِضوَان
السَّلْجُوْقِي بَعْدَ أَبِيْهِ، وَقَتَلَ أَخويه،
وَرَأْسَ الإِسْمَاعِيْليَّة أَبَا طَاهِر الصَّائِغ،
وَعِدَّةً مِنْهُم.
وَفِي سَنَة ثَمَانٍ وَخَمْسِ مائَةٍ: هَلَكَ بغدوين مِنْ
جُرحه. وَقَتَلَتِ البَاطِنِيَّةُ صَاحِبَ مَرَاغَة
أَحْمَديل.
وَتَخَنْزَرتِ الفِرَنْجُ فِي سَنَةِ تِسْعٍ، وَعَاثُوا
بِالشَّامِ، وَأَخَذُوا رَفَنِيَّةَ، فَسَاق طُغْتِكِين،
وَاسْتنقذهَا، وَكَانَ قَدْ عصَى عَلَى السُّلْطَان،
وَحَارَبَ بعض عسكره، فندم، وسار بنفسه على العراق بتحف
سنية، فرأى من الاحترام فَوْقَ آمَالِهِ، وَكَتبُوا لَهُ
تَقليداً بِإِمْرَة الشَّام كُلِّه.
وَفِي سَنَةِ عَشْرٍ قَدِمَ البُرسُقِي صَاحِبُ المَوْصِل
إِلَى الشَّامِ غَازِياً، وَسَارَ مَعَهُ طُغْتِكِين،
فَكَبَسُوا الفِرَنْجَ، وَنَزَلَ النَّصْرُ، فَقُتِلَ
أُلُوْفٌ مِنَ الفِرَنْج، وَاسْتحكمت المَوَدَّةُ بَيْنَ
البُرسُقِي وَبَيْنَ صَاحِب دِمَشْق.
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ كَبَسَتِ الفِرَنْجُ
حَمَاة، وَقتلُوا مائَة وَعِشْرِيْنَ رَجُلاً، وَبدَّعُوا،
وَجَاءَ سيلٌ هدم سُورَ سِنجَار، وَغرَّق خَلاَئِقَ،
وَأَخَذَ بَابَ المَدِيْنَة، ثُمَّ ظهر تَحْتَ الرملِ
بَعْد سِنِيْنَ عَلَى مَسِيرَة بَرِيْد، وَسَلِمَ
مَوْلُوْدٌ فِي سَرِيْرِهِ عامَ بِهِ، وَتَعَلَّق فِي
زَيْتونَةٍ.
وَفِيْهَا تَسَلَّطن السُّلْطَانُ مَحْمُوْدٌ بَعْدَ
أَبِيْهِ مُحَمَّد، وَأُنفقت خَزَائِنُ أَبِيْهِ فِي
العَسَاكِر، فَقِيْلَ: كَانَتْ أَحَدَ عشرَ أَلفَ أَلفِ
دِيْنَارٍ.
وَتُوُفِّيَ المُسْتظهر بِاللهِ عَنْ سَبْعَة بَنِيْنَ،
وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُه المُسْترشد بالله.
وَبعدَه مَاتَتْ جَدَّتُه لأَبِيْهِ أَرْجُوَانُ
الأَرمنِيَةُ، وَقَدْ رَأَتِ ابْنهَا خَلِيْفَةً، وَابْنَ
ابْنِهَا، وَابْنَ ابْنِ ابْنِهَا، وَمَا اتَّفَقَ هَذَا
لِسِوَاهَا.
(14/314)
أبو القاسم
الأنصاري، صاحب إفريقية:
4660- أبو القاسم الأنصاري 1:
إِمَامُ المُتَكَلِّمِين، سَيْفُ النَّظَر، سَلْمَانُ بنُ
نَاصر بن عِمْرَانَ النَّيْسَابُوْرِيّ, الصُّوْفِيّ
الشَّافِعِيّ، تِلْمِيْذُ إِمَامِ الحَرَمَيْنِ.
رَوَى عَنْ فَضلِ الله المِيهَنِي، وَعَبْدِ الغَافِرِ
الفَارِسِيّ، وَكَانَ يَتوَقَّدُ ذكَاءً، لَهُ تَصَانِيْفُ
وَشُهرَةٌ وَزُهْدٌ وَتعبُّدٌ، شرح كِتَاب "الإِرشَادِ"
وَغَيْر ذَلِكَ. مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْس
مائَة.
4661- صاحب إفريقية 2:
الملك أبو طاهر يحيى بن الْملك تَمِيمِ بن المُعزِّ بن
بَادِيس الحِمْيَرِيّ، قَامَ فِي المُلك بَعْد أَبِيْهِ،
وَخلعَ عَلَى قُوَّاده وَعَدَلَ، وَافتَتَحَ حُصُوْناً مَا
قَدَرَ أَبُوْهُ عَلَيْهَا، وَكَانَ عَالِماً، كَثِيْرَ
المُطَالَعَةِ، جَوَاداً مُمَدَّحاً، مُقرِّباً
لِلْعُلَمَاء، وَفِيْهِ يَقُوْلُ أَبُو الصَّلْتِ
أُمَيَّةُ الشَّاعِر:
فَارْغَبْ بِنَفْسِكَ إلَّا عَنْ نَدَى وَوَغَى ...
فَالمَجْدُ أَجْمَعُ بَيْنَ البَأْسِ وَالجُودِ
كَدَأْبِ يَحْيَى الَّذِي أَحْيَتْ مَوَاهِبُهُ ... مَيْتَ
الرَّجَاءِ بِإِنْجَازِ المَوَاعِيدِ
مُعْطِي الصَّوَارِمِ وَالهِيْفِ النَّوَاعمِ وَالـ ...
جُرْدِ الصُّلاَدِمِ وَالبُزْلِ الجَلاَمِيدِ
إِذَا بَدَا بِسَرِيرِ المُلْكِ مُحْتَبِياً ... رَأَيْتَ
يُوْسُفَ فِي مِحْرَابِ دَاوُدِ
مَاتَ يَحْيَى يَوْم النَّحْر فَجْأَةً، فَكَانَ مَوْتُهُ
وَسطَ النَّهَار سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِ مائَة، فَكَانَتْ
دَوْلَتُهُ ثَمَانِيَ سِنِيْنَ، وَخلَّف لِصُلبِه
ثَلاَثِيْنَ ابْناً، فَتَمَلَّك مِنْهُم ابنه علي، فقال
سِتَّةَ أَعْوَام، وَمَاتَ، فَملَّكُوا وَلده الحَسَنَ بن
علي صبيا مراهقا، فَامتدَّتْ أَيَّامُه، إِلَى أَنْ أَخذت
الفِرَنْج طَرَابُلُسَ المَغْرِب بِالسَّيْف سَنَةَ
إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ، فَهَرَبَ الحَسَنَ مِنَ
المَهديَّةِ هُوَ وَأَكْثَر أَهْلهَا، ثُمَّ انضمَّ إِلَى
السُّلْطَان عبد المُؤْمِن.
وَقَدْ وَقَفَ ليَحْيَى ثَلاَثَةُ غربَاء، وَزعمُوا
أَنَّهُم يَعملُوْنَ الكيمِيَاء، فَأَحضرَهُم لِيَتَفَرَّج
وَأَخلاَهُم، وَعِنْدَهُ قَائِدُ عَسْكَره إِبْرَاهِيْم،
وَالشَّرِيْف أَبُو الحَسَنِ، فَسلَّ أَحَدهُم سِكِّيناً،
وَضرب المَلِكَ، فَمَا صَنَعَ شَيْئاً، وَرَفَسَه الْملك
دَحرَجَهُ، وَدَخَلَ مَجْلِساً وَأَغلقه، وَقُتِلَ الآخِر
الشَّرِيْف، وَشدَّ إِبْرَاهِيْم بِسَيفِهِ عَلَيْهِم،
وَدَخَلَ المَمَالِيْكُ، وَقتلُوا الثَّلاَثَة، وَكَانُوا
باطنية، أظن الآمر العبيدي ندبهم لذلك.
__________
1 ترجمته في تاريخ ابن خلدون "6/ 106"، وشذرات الذهب لابن
العماد "4/ 34"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 34".
2 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "6/ 211"، والعبر
"4/ 19"، وشذرات الذهب "4/ 26".
(14/315)
الدرزيجاني، شمس
الأئمة:
4662- الدَّرْزِيجَاني 1:
الإِمَامُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو الفَضْلِ جَعْفَرُ
بنُ الحَسَنِ الفَقِيْهُ, الحَنْبَلِيّ, المُقْرِئ،
صَاحِبُ القَاضِي أَبِي يَعْلَى.
سَمِعَ مِنْهُ، وَمِنْ: أَبِي عَلِيٍّ بنِ البَنَّاء،
وَلَقَّن خلقاً كَثِيْراً، وَكَانَ قَوَّالاً بِالْحَقِّ،
أَمَّاراً بِالعُرف، كَبِيْرَ الشَّأْنِ، عَظِيْمَ
الهيبَة.
أَثْنَى عَلَيْهِ ابْنُ النَّجَّار، وَبَالَغَ فِي
تَعْظِيْمِهِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يَخْتِمُ كُلَّ
يَوْم فِي رَكْعَة واحدة، وأنه تفقه بأبي يعلى.
وَقَالَ أَحْمَدُ الجِيْلِيُّ: جَعْفَر ذُو المقَامَاتَ
المَشْهُوْرَة، وَالمَهِيبُ بِنُوْرِ الإِيْمَان
وَاليَقِينَ لَدَى المُلُوْك وَالمُتَصَرِّفِيْن.
مَاتَ فِي الصَّلاَةِ سَاجِداً, فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ،
فدفُن بدَاره بِدَرْزِيْجَانَ، -رَحِمَهُ اللهُ-، مِنْ
سَنَةِ ست وخمس مائة.
4663- شمس الأئمة 2:
الإِمَامُ العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الحَنَفِيَّةِ، مُفْتِي
بُخَارَى، شَمْسُ الأئمة, أبو الفضل بكر بن محمد بن
عَلِيِّ بن الفَضْلِ الأَنْصَارِيّ الخَزْرَجِيّ،
السَّلَمِيّ, الجَابِرِي، البُخَارِيّ, الزَّرَنْجَرِي.
وَزَرَنْجَرُ: مِنْ قرَى بُخَارَى.
كَانَ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي حِفْظِ المَذْهَب، قَالَ
لِي الحَافِظُ أَبُو العَلاَءِ الفَرَضِيّ: كَانَ
الإِمَامَ عَلَى الإِطلاَق، وَالمَوفُودَ إِلَيْهِ مِنَ
الآفَاقِ، رَافَقَ فِي أَوّل أَمرِهِ برهَانَ الأَئِمَّة
المَاضِي عَبْد العَزِيْزِ بن مَازه، وَتَفَقَّهَا مَعاً
عَلَى شَمْسُ الأَئِمَّة مُحَمَّدُ بنُ أَبِي سَهْل
السَّرْخَسِيّ.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 15".
2 ترجمته في الأنساب للسمعاني "6/ 270"، والمنتظم لابن
الجوزي "9/ 200"، ولسان الميزان "2/ 58"، والنجوم الزاهرة
لابن تغري بردي "5/ 216"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/
33".
(14/316)
مَوْلِده سَنَة سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ
وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَتَفَقَّهَ أيضًا على شمس الأئمة عبد
العزيز أَحْمَدَ الحَلْوَائِيّ.
وَسَمِعَ: أَبَاهُ، وَعُمَرَ بنَ مَنْصُوْرِ بنِ خنْب،
وَالحَافِظ أَبَا مَسْعُوْد أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ
البَجَلِيّ، وَمَيْمُوْنَ بنَ عَلِيٍّ المَيْمُوْنِيّ،
وَأَبَا سهل أَحْمَد بنَ عَلِيٍّ الأَبِيْوَرْديَّ،
فَسَمِعَ مِنْهُ الصَّحِيح بِسمَاعِه مِنِ ابْنِ حَاجِبٍ
الكُشَانِي، وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ إِبْرَاهِيْم بن
عَلِيٍّ الطَّبَرِيّ، وَالحَافِظ يُوْسُفَ بنِ مَنْصُوْرٍ،
وَمُحَمَّدِ بن سُلَيْمَانَ الكَاخُسْتُوَانِي.
وَتَفَرَّد، وَعَلاَ سَنَدُه، وَعَظُمَ قَدرُه، حَتَّى
كَانَ يُقَالُ لَهُ: أَبُو حَنِيفَة الأَصْغَرُ، وَكَانَ
يَدْرِي التَّارِيْخَ وَالأَنسَابَ، سَأَلُوْهُ مرَّة عَنْ
مَسْأَلَة غَرِيبَةٍ، فَقَالَ: كَرَّرتُ عَلَيْهَا
أَرْبَعَ مائَةِ مَرَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ طَاهِرٍ
الفَرْغَانِي، وأبو جعفر أحمد بن مُحَمَّد الخُلْمِي
البَلْخِيّ، وَمُحَمَّد بن يَعْقُوْبَ نَزِيْلُ سرخس، وعبد
الحليم ابن مُحَمَّدٍ البُخَارِيّ, وَعِدَّة، وَتَفَقَّهَ
عَلَيْهِ وَلَدُه عُمَرُ، وَشَيخُ الإِسْلاَم برْهَان
الدِّين عَلِيّ بن أَبِي بَكْرٍ الفَرْغَانِي, وَطَائِفَة.
مَاتَ فِي تَاسِعَ عَشَرَ شَعْبَان سَنَةَ اثْنَتَيْ
عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة.
وَتُوُفِّيَ وَلَدُه العَلاَّمَة عمَادُ الدّين عُمَر: فِي
سَنَةِ أربع وثمانين وخمس مائة.
(14/317)
4664- القَيْرَواني 1:
العَلاَّمَةُ الأُصُوْلِي، شَيْخُ القُرَّاءِ، أَبُو
عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَتِيقِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
هِبَة اللهِ بنِ مَالِكٍ التَّمِيْمِيُّ القَيْرَوَانِيُّ،
المَعْرُوف بِابْنِ أَبِي كُديَّة.
درس الكَلاَمَ بِالقَيْرَوَان عَلَى الحُسَيْنِ بنِ
حَاتِمٍ صَاحِبِ ابْنِ البَاقِلاَّنِيِّ.
وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ عَبْدِ البَرِّ، وَمِنَ القَاضِي
مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمَةَ القُضَاعِيِّ، وَتَلاَ
بِالروَايَات عَلَى أَبِي العَبَّاسِ بنِ نَفِيْسٍ،
وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ: عَبدِ البَاقِي بنِ مُحَمَّدٍ
العَطَّارِ.
وَحَدَّثَ بِصُوْرَ، فَسَمِعَ مِنْهُ الفَقِيْه نَصْرٌ
المَقْدِسِيّ، وَرَوَى عَنْهُ: أَبُو عَامِرٍ العبدرِي،
وَعبد الحَقّ اليُوسفِي، وَالسِّلَفِيُّ، وَآخَرُوْنَ،
وَتَصدَّرَ لإِقْرَاء الأُصُوْلِ، وَكَانَ مُتَعَصِّباً
لِمَذْهَبِ الأَشْعَرِيِّ.
تَلاَ عليه بالروايات أبو الكرم الشهرزوري.
قَالَ ابْنُ عَقِيْلٍ: هُوَ شَيْخ هَشٌّ، حَسَنُ
العَارضَةِ، جَارِي العِبَارَةِ، حُفَظَةٌ مُتَدَيِّنٌ
صَلِفٌ، تَذَاكرنَا، فَرَأَيْتُهُ مَمْلُوْءاً عِلْماً
وَحِفظاً.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي ذِي الحِجَّةِ, سَنَةَ اثْنَتَيْ
عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة، عَنْ نحوٍ مِنْ تِسْعِيْنَ
سَنَةً.
وَقَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ مُشَاراً إِلَيْهِ فِي
الكَلاَمِ، قَالَ لِي: أَنَا أَدْرُسُ الكَلاَمَ مِنْ
سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ، جَرَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
الحنَابلَة فِتَنٌ، وَأُوذِيَ غَايَةَ الإِيذَاءِ،
سَأَلتُهُ عَنْ مَسْأَلَةِ الاسْتِوَاءِ، فَقَالَ: أَحَدُ
الوَجهَيْنِ لِلأَشعرِي أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى مَا وَرد
وَلاَ يُفَسَّر.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ شَافعٍ: قَالَ ابْنُ نَاصرٍ
وَجَمَاعَةٌ: كَانَ أَصْحَابُ القَيْرَوَانِيِّ يَشهدُوْنَ
عَلَيْهِ أَنَّهُ لاَ يُصَلِّي وَلاَ يَغْتَسِلُ مِنْ
جنَابَة فِي أَكْثَرِ أَحْوَاله، وَيُرمَى بِالفِسْقِ مَعَ
المُرْدِ، وَاشْتُهِرَ بِذَلِكَ، وَادَّعَى قِرَاءة
القُرْآن عَلَى ابن نفيس.
قلت: هذا كلام بهوى.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغرى بردى "5/ 217".
(14/317)
4665- خُوروَسْت َ1:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ، المُقْرِئُ الصَّالِحُ، بَقِيَّةُ
المَشْيَخَة، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ
مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنِ بنِ الحَارِثِ الأَصْبَهَانِيّ,
المُجَلّد، يُعرف بِخُوْروَسْتَ، وَيُكْنَى أَيْضاً أَبَا
الفَتْح.
وُلِدَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ
وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ: أَبَا الحُسَيْنِ بنَ فَاذشَاه، وَأَبَا القَاسِمِ
عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ العَطَّارُ المُقْرِئُ،
وَأَبَا بَكْرٍ بنَ رِيذه، وَأَحْمَدَ بنَ حَسَنِ بنِ
فُوْرَكَ الأَدِيْب، وَهَارُوْن بن مُحَمَّدٍ النَّانِي،
وَعَبْد الْملك بن الحُسَيْنِ بنِ عبد رَبّه، وَأَبَا
طَاهِر بن عَبْدِ الرَّحِيْمِ، وَعِدَّةٍ، وَعِنْدَهُ
"المُسْتخرجُ عَلَى صَحِيْح مُسْلِمٍ" لأَبِي الشَّيْخِ
يَرْوِيْهِ عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ القُرقُوبِي عَنْهُ،
وَعِنْدَهُ "مَغَازِي ابْنِ إِسْحَاقَ" سمعه من ابن عبد
الرحيم.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحَافِظُ أَبُو مُوْسَى، وَالحَافِظُ
أَبُو العَلاَءِ العَطَّار، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ
بنُ أَحْمَدَ بنِ نَصْر الصَّيْدَلاَنِيّ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ شَيْخاً
صَالِحاً يُلَقِّنُ الصِّبْيَانَ، ثُمَّ سَرَدَ شُيُوْخه.
مَاتَ: فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ
وَخَمْس مائَة، وَعَاشَ أَخُوْهُ أَبُو المُظَفَّرِ
أَحْمَدُ بَعْدَهُ سَنَوَاتٍ، وَشيخُهُ ابْنُ فُورك
مِمَّنْ سَمِعَ مِنَ الطَّبَرَانِيّ.
وَمَاتَ فِيْهَا: شَيْخُ الحنَابلَة أَبُو الوَفَاء
عَلِيُّ بن عَقِيْل، وَقَاضِي القُضَاة علي بن قَاضِي
القُضَاة مُحَمَّد بن عَلِيٍّ الدَّامغَانِي، وَأَبُو
الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ السُّلَمِيّ ابْن
الموَازِينِي، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ طرخَان
التُّركِي، وَالعَلاَّمَة أَبُو سَعْدٍ المُبَارَك بن
عَلِيٍّ المُخَرِّمِيّ الحَنْبَلِيّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ
مُحَمَّدُ بنُ عبد البَاقِي الدُّوْرِيّ.
وَفِيْهَا كشفت الفِرَنْجُ عَنْ مَغَارَةِ الخَلِيْل
-عَلَيْهِ السَّلاَمُ- وَفَتَحُوا عَلَيْهِ، وَشُوهِدَ
هُوَ وَابْنُه إِسْحَاق وَحَفِيْدُهُ يَعْقُوْب لَمْ
يَبْلُوا، وَوُجِدَ عِنْدَهُم قَنَادِيْلُ الذَّهَبِ
وَالفِضَّةِ، نَقَلَهُ حَمْزَةُ بنُ أَسَدٍ في "تاريخه".
__________
1 ترجمته في العبر "4/ 30"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/
41".
(14/318)
ابن مفوز، ابن حمدين:
4666- ابن مُفَوَّز 1:
الحَافِظُ البَارعُ المُجَوِّدُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ
بنُ حَيْدَرَة بن مفوَّز بن أَحْمَدَ بنِ مفوَّز
المَعَافِرِيّ الشَّاطبِي.
وُلِدَ فِي عَام مَوْت أَبِي عُمَرَ بن عَبْد البَرِّ
سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَأَجَازَ
لَهُ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ بنُ الحَذَّاء، وَالقَاضِي
أَبُو الوَلِيْدِ البَاجِي.
وَسَمِعَ مِنْ: عَمّه طَاهِر بن مُفوَّز، وَأَبِي عَلِيٍّ
الجَيَّانِي، فَأَكْثَر، وَأَبِي مَرْوَانَ بنِ سِرَاجٍ،
وَمُحَمَّد بن الفَرَجِ الطلاَّعِي، وَخَلَفَ شَيْخه أَبَا
عَلِيٍّ فِي حَلْقَتِهِ.
وَلَهُ ردٌّ عَلَى ابْنِ حَزْمٍ، وَكَانَ حَافِظاً
لِلْحَدِيْثِ، وَعِلله، عَالِماً بِالرِّجَالِ، مُتْقِناً
أَدِيباً شَاعِراً، فَصِيْحاً نَبِيلاً، أَسْمَعَ النَّاسَ
بِقُرْطُبَةَ، وفاجأه المَوْتُ قَبْل أَوَانِ الرِّوَايَة،
وَعَاشَ نَيِّفاً وَأَرْبَعِيْنَ سنة.
توفي سنة خمسٍ وخمس مائة.
4667- ابن حَمْدِين 2:
العَلاَّمَةُ قَاضِي الجَمَاعَةِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ
مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ محمد بن عبد العزيز بنِ
حَمْدِيْنَ الأَنْدَلُسِيّ, المَالِكِيُّ، صَاحِبُ
فُنُوْنٍ وَمَعَارِفَ وَتَصَانِيفَ.
وَلِيَ القَضَاءَ ليُوْسُفَ بنِ تَاشفِيْن الْملك، فَسَارَ
أَحْسَنَ سِيرَةٍ، وَحَمَلَ عَنْ أَبِيْهِ.
رَوَى عَنْهُ القَاضِي عِيَاضٌ وَعظَّمه، وَقَالَ:
تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِ مائَة، وَلِيَ قَضَاءَ
قُرْطُبَة، وَلَهُ إِجَازَةٌ مِنْ أَبِي عُمَرَ بن عَبْد
البَرِّ، وَأَبِي العَبَّاسِ بن دِلْهَاث، وَتَفَقَّهَ
بِأَبِيْهِ، وَبِمُحَمَّدِ بنِ عَتَّابٍ، وَحَاتِمِ بنِ
مُحَمَّدٍ، وَكَانَ ذَكِيّاً، بارعاً فِي العِلْمِ،
مُتَفنِّناً أُصُوْلياً، لُغويّاً, شَاعِراً، حَمِيْدَ
الأَحكَامِ.
مَاتَ فِي المُحَرَّمِ، لِثَلاَثٍ بَقِيْنَ مِنْهُ، عَنْ
تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
وَكَانَ يَحُطُّ عَلَى الإِمَامِ أَبِي حَامِدٍ فِي
طَرِيقَة التَّصَوُّفِ، وألف في الرد عليه.
__________
1 ترجمته في الصلة لابن بشكوال "2/ 567"، وتذكرة الحفاظ
"4/ ترجمة 1060".
2 ترجمته في الصلة لابن بشكوال "2/ 570".
(14/319)
محمد بن طرخان، ابن
صابر:
4668- محمد بن طَرَخان 1:
ابن بلتكين بن مبارز بُجْكَمَ، الإِمَامُ الفَاضِلُ،
المُحَدِّثُ المُتْقِنُ, النَّحْوِيُّ، أَبُو بَكْرٍ
التُّركِي, البَغْدَادِيّ.
سَمِعَ: أَبَا جَعْفَرٍ بن المُسْلِمَة، وَعبدَ الصَّمدِ
بن المَأْمُوْن، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الصريفيني، وأبا الحسن
بن الغرِيق، وَابْن النَّقُّوْرِ، وَمَنْ بَعْدَهُم،
وَصَحِبَ الحُمَيْدِيّ وَلاَزمه.
وَكَتَبَ بِخطِّه الكَثِيْرَ، وَسَمِعَ كِتَاب "الإِكمَال"
مِنَ الأَمِيْرِ أَبِي نَصْرٍ، وَتَفَقَّهَ عَلَى الشَّيْخ
أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَخَذَ الكَلاَمَ عَنْ أَبِي عبد الله
القيرواني، وكان يورق الناس، وَخَطُّه جيدٌ مُعرب، وَكَانَ
ذَا حَظٍّ مِنْ تَأَلُّه وَعِبَادَة وَأَورَاد، وَزُهْدٍ
وَصدق، يُذْكَرُ بِإِجَابَة الدعوَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: القَاضِي أَبُو بَكْرٍ بنُ العربِي،
وَعَبدُ الجَلِيْل كُوتَاهُ، وَأَبُو طَاهِرٍ
السِّلَفِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَثَّقَهُ ابْنُ نَاصر.
تُوُفِّيَ فِي ثَامنَ عَشَرَ صَفَرٍ, سَنَةَ ثَلاَثَ
عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة, عَنْ سَبْع وَسِتِّيْنَ سَنَةً،
وَكَانَ يَفْهَمُ وَيَحْفَظُ، رحمه الله.
4669- ابن صابر:
الإِمَامُ المُحَدِّثُ، مُفِيدُ دِمَشْقَ، أَبُو مُحَمَّدٍ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيّ بنِ صَابِرٍ
السُّلَمِيّ الدِّمَشْقِيّ، المَعْرُوفُ بِابْنِ سَيِّده.
سَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ بن أَبِي العَلاَءِ
المَصِّيْصِيِّ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ أَبِي
الحَدِيدِ، وَالفَقِيْه نصراً، وَطَبَقَتَهُم.
وَعَنْهُ السِّلَفِيّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، وَابْنُهُ أَبُو
المَعَالِي عَبْدُ اللهِ بنُ صَابِرٍ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِر: سَمِعْنَا بِقِرَاءتِهِ الكَثِيْرَ،
وَكَانَ ثِقَةً مُتحرزاً، عَاشَ خَمْسِيْنَ سَنَةً،
تُوُفِّيَ فِي رَمَضَانَ, سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْس
مائَة.
وَقَالَ السِّلَفِيُّ: بَخيلٌ بِالإِفَادَة، وَكَانَ
جَسَداً مُلِئَ حَسَداً.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 215"، والعبر "4/
30"، وطبقات الشافعية للسبكي "6/ 106"، وشذرات الذهب لابن
العماد "4/ 14".
(14/320)
4670- ابن القُشَيري 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ، المُفَسِّرُ العَلاَّمَة، أَبُو
نَصْرٍ عَبْد الرحيم بن الإِمَامِ شَيْخِ الصُّوْفِيَّةِ
أَبِي القَاسِمِ عَبدِ الكَرِيْمِ بن هوزان القُشَيْرِيّ,
النَّيْسَابُوْرِيّ، النَّحْوِيّ, المُتَكَلِّم، وَهُوَ
الوَلَدُ الرَّابع مِنْ أَوْلاَد الشَّيْخ.
اعْتَنَى بِهِ أَبُوْهُ، وَأَسْمَعَهُ، وَأَقرَأَه حَتَّى
بَرَعَ فِي العَرَبِيَّة وَالنَّظم وَالنَّثر
وَالتَّأْوِيْل، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ بِأَسرعِ خطّ،
وَكَانَ أَحَدَ الأذكياء، لازم إمام الحَرَمَيْنِ، وَحصل
طرِيقَة المَذْهَب وَالخلاَف، وَسَاد، وَعَظُمَ قَدْرُهُ،
وَاشْتُهِرَ ذِكْرُهُ.
وَحَجَّ، فَوَعَظ بِبَغْدَادَ، وَبَالَغَ فِي التَّعَصُّبِ
لِلأَشَاعِرَة، وَالغضِّ مِنَ الحنَابلَةِ، فَقَامَتِ
الفِتْنَةُ عَلَى ساقٍ، وَاشتَدَّ الخطبُ، وَشَمَّرَ
لِذَلِكَ أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الصُّوْفِيّ
عَنْ سَاق الجدّ، وَبَلغَ الأَمْرُ إِلَى السَّيْفِ،
وَاختَبَطَتْ بَغْدَادُ، وَظَهَرَ مُبَادرُ البَلاَء،
ثُمَّ حَجَّ ثَانِياً، وَجَلَسَ، وَالفِتْنَةُ تَغلِي
مَرَاجِلُهَا، وَكَتَبَ وُلاَةُ الأَمْرِ إِلَى نِظَامِ
المُلك لِيَطلُبَ أَبَا نَصْرٍ بنَ القُشَيْرِيِّ إِلَى
الحضرَةِ إِطفَاءً لِلنَّائِرَةِ، فَلَمَّا وَفَدَ
عَلَيْهِ، أَكرمه وَعَظَّمه، وَأَشَارَ عَلَيْهِ
بِالرُّجُوْعِ إِلَى نَيْسَابُوْرَ، فَرَجَعَ، وَلَزِمَ
الطَّرِيْقَ المُسْتَقِيمَ، ثُمَّ نُدِبَ إِلَى الوَعظِ
وَالتَّدرِيسِ، فَأَجَابَ، ثُمَّ فَتَرَ أَمرُه، وَضَعُفَ
بَدَنُه، وَأَصَابَهُ فَالِج، فَاعْتُقِلَ لِسَانُه إِلاَّ
عَنِ الذِّكر نَحْواً مِنْ شهر، وَمَاتَ.
سَمِعَ: أَبَا حَفْصٍ بنَ مَسْرُوْر، وَأَبَا عُثْمَانَ
الصَّابونِي، وَعبدَ الغَافِر الفَارِسِيّ، وَأَبَا
الحُسَيْنِ بن النَّقُّوْرِ، وَسَعْدَ بن عَلِيٍّ
الزَّنجَانِي، وَأَبَا القَاسِمِ المهروَانِي، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: سِبْطُهُ أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ
عُمَرَ بنِ الصَّفَّار، وَأَبُو الفُتُوْح الطَّائِيّ،
وَخطيبُ المَوْصِل أَبُو الفَضْلِ الطُّوْسِيّ، وَعبدُ
الصَّمد بن عَلِيٍّ النَّيْسَابُوْرِيّ، وَعِدَّة،
وَبِالإِجَازَة: أَبُو القَاسِمِ ابنُ عَسَاكِرَ، وَأَبُو
سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ.
ذكره عَبْد الغَافِرِ فِي "سيَاقه"، فَقَالَ: هُوَ زَينُ
الإِسْلاَم أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحِيْمِ، إِمَامُ
الأَئِمَّة، وَحَبْرُ الأُمَّة، وَبحرُ العُلُوْم،
وَصَدْرُ القُروم، أَشْبَههُم بِأَبِيْهِ خلقاً، حَتَّى
كَأَنَّهُ شُقَّ مِنْهُ شَقاً، كَمُلَ فِي النَّظم
وَالنَّثر، وَحَاز فِيْهِمَا قَصَبَ السَّبق، ثُمَّ لَزِمَ
إِمَام الحَرَمَيْنِ، فَأَحكم المَذْهَبَ وَالأُصُوْل
وَالخلاَفَ، وَلاَزمه يَقْتَدِي بِهِ، ثُمَّ خَرَجَ
حَاجّاً، وَرَأَى أَهْلُ بَغْدَادَ فَضلَه وَكمَالَه،
وَوجد مِنَ الْقبُول مَا لَمْ يُعْهَدْ لأَحدٍ، وَحضر
مَجْلِسَه الخَوَاصُّ، وَأَطبقُوا عَلَى أَنَّهُم مَا
رَأَوْا مِثْلَه فِي تَبحره ... إِلَى أَنْ قَالَ: وَبلغ
الأَمْرُ فِي التَّعصُّب لَهُ مَبْلَغاً كَادَ أَنْ
يُؤَدِّي إِلَى الفِتْنَة.
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو بنُ الصَّلاَح: قَالَ شيخنَا أَبُو
بَكْرٍ القَاسِم بن الصَّفَّار: وُلِدَ أَبِي أَبُو سَعْدٍ
سَنَة ثَمَانٍ وَخَمْسِ مائَة، وَسَمِعَ مِنْ جَدِّه
وَهُوَ ابْنُ أَرْبَع سِنِيْنَ أَوْ أَزْيَد، وَالعجبُ
أَنَّهُ كتب بِخَطِّهِ الطَّبَقَة، وَحَيِي إِلَى سَنَةِ
سِتّ مائَة.
مَاتَ أَبُو نَصْرٍ فِي الثَّامن وَالعِشْرِيْنَ مِنْ
جُمَادَى الآخِرَةِ, سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ
مائة في عشر الثمانين.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 220"، ووفيات الأعيان
لابن خلكان "3/ 207"، والعبر "4/ 33"، وطبقات الشافعية
للسبكي "7/ 159"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 45".
(14/321)
4671- الدَّوري 1:
الشَّيْخُ العَالِمُ، الثِّقَةُ الصَّالِحُ المُسْنِدُ،
أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الباقي بن محمد
بنِ يُسر الدُّوْرِيّ، ثُمَّ البَغْدَادِيّ, السِّمْسَار.
وُلِدَ سَنَةَ أربعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ بنَ بِشْرَان، وَأَبَا طَالب
العُشَارِي، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، وَطَائِفَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عَامِرٍ العَبْدَرِي، وَابْنُ
نَاصر، وَالسِّلَفِيّ، وَالصَّائِنُ هِبَةُ اللهِ،
وَذَاكرُ بن كَامِلٍ، وعدةٌ، وَبِالإِجَازَة: عبدُ
المُنْعِم بن كُلَيْبٍ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ شَيْخاً
صَالِحاً ثِقَةً خَيراً.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: هُوَ مُحَمَّدُ بنُ عبد البَاقِي
بن مُحَمَّدِ بن أبو الْيُسْر.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ, سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ
وَخَمْسِ مائَة.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ ابْنُ عَقِيْلٍ الحَنْبَلِيّ،
وَقَاضِي القُضَاة عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بن
الدَّامغَانِي، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ
الموَازِينِي، وَمُحَمَّد بن طَرخَان، وَمُحَمَّد بنُ
عَبْدِ اللهِ خُوروست، وَأَبُو سَعْدٍ المُبَارَك بن
عَلِيٍّ المخرمي الحنبلي.
__________
1 ترجمته في العبر "4/ 31"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/
41".
(14/322)
المخرمي، الأشقر:
4672- المُخَرِّمِي 1:
العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الحنَابلَة، أَبُو سعدٍ المُبَارَكُ
بنُ عَلِيٍّ المُخَرِّمِيّ, البَغْدَادِيّ.
تَفقَّه بِالقَاضِي أَبِي يَعْلَى، ثُمَّ بِأَبِي جَعْفَرٍ
بنِ أَبِي مُوْسَى، وَيَعْقُوْب بن سُطورَا البَرْزبينِي،
وَلاَزمهُمَا حَتَّى سَاد، وَبَنَى مدرسَةً بِبَابِ
الأَزَج، درَّس بَعْدَهُ بِهَا تِلْمِيْذُه الشَّيْخُ
عَبْدُ القَادِرِ وَكبَّرهَا، وَكَانَ نَزهاً عَفِيْفاً،
نَاب فِي القَضَاءِ، وَحَصَّل كُتُباً عَظِيْمَةً، وَفتحت
عَلَيْهِ الدُّنْيَا، وَبَنَى دَاراً وَحَمَّاماً
وَبُستَاناً.
وَحَدَّثَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ بن المُسْلِمَة، وَأَبِي
الغنَائِمِ بنِ المَأْمُوْنِ، وَتَفَقَّهَ بِهِ خلق.
رَوَى عَنْهُ المُبَارَكُ بنُ كَامِلٍ.
مَاتَ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ
مائَة، وَقَدْ شَاخَ.
4673- الأشْقَر 2:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ الثِّقَةُ، أَبُو مَنْصُوْرٍ
مَحْمُوْدُ بنُ إسماعيل بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ
عَبْدِ اللهِ الأَصْبَهَانِيُّ الصَّيْرَفِيُّ الأَشْقَرُ،
رَاوِي كِتَاب "المُعْجَمِ الكَبِيْرِ" لِلطَّبَرَانِيِّ
عَنْ أَبِي الحُسَيْنِ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ فَاذشَاه.
وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ: أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ
اللهِ بنِ شَاذَانَ الأَعْرَجِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِ
"التَّرْغِيْبِ"، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو
العَلاَءِ الهَمْدَانِيُّ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ،
وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ المَهَّادُ،
وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الطَّرَسُوسِيُّ،
وَمُحَمَّد بن أَبِي زَيْدٍ الكَرَّانِيّ الخَبَّازُ،
وَبَالحُضُوْرِ أَبُو جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيّ، وَهُوَ
محمود بن أبي العلاء.
مَوْلِدُهُ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ سَنَةَ إِحْدَى
وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَمَاتَ -عَلَى مَا أَرَّخَهُ أَبُو مُوْسَى-: فِي ذِي
القَعْدَةِ، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
قَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ رَجُلاً صَالِحاً، لَهُ اتِّصَال
بِبَنِي مَنْدَه، وَبإِفَادَتِهِم سَمِعَ الحَدِيْث.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ
بنِ عَلِيِّ بنِ البُخَارِيّ، وَهُوَ المُبَخِّر، أَخُو
هِبَة اللهِ، وَمُقْرِئ الثَّغْرِ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَن
بن خَلَف بن بَلِّيمَة القروِي، وَرَئِيْس البُلغَاء
مُؤَيَّدُ الدِّينِ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الحُسَيْنُ بنُ
عَلِيِّ الطُّغْرَائِي الأَصْبَهَانِيّ، وَالحَافِظُ أَبُو
عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة الصَّدفِي، وَأَبُو نَصْرٍ عَبْدُ
الرَّحِيْمِ بن أَبِي القَاسِمِ القُشَيْرِيّ، وَمُقْرِئ
المرِيَّة أَبُو الحَسَنِ بنُ شفِيع، وَالمُسْنِدُ أَبُو
الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ الموَازِينِي، وَأَبُو
نَصْرٍ المُعَمَّرُ بن مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ البيِّع،
وَقَاضِي سَمَرْقَنْد العَلاَّمَة أَبُو بكر محمود بن
مسعود الشعيبي.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 215"، والعبر "4/
31"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 40".
2 ترجمته في العبر "4/ 34"، والنجوم الزاهرة لابن تغري
بردي "5/ 221"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 46".
(14/323)
4674- أبو علي
بن المهدي 1
الشَّيْخُ الإِمَامُ، الخَطِيْبُ الثِّقَةُ الشَّرِيْفُ،
أَبُو عَلِيٍّ محمد بن الشَّيْخِ أَبِي الفَضْلِ مُحَمَّد
بن عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ العَبَّاسِ بنِ المَهْدِيِّ
بِاللهِ الهَاشِمِيّ البَغْدَادِيّ, الحريمي.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَأَبَا طَالبِ بنَ غَيْلاَنَ، وَعبيدَ
الله بنَ شَاهِيْن، وَأَبَا الحَسَنِ أَحْمَدَ بنَ
مُحَمَّدٍ العَتِيْقِيّ، وَأَبَا إِسْحَاقَ البَرْمَكِيّ،
وَأَبَا القَاسِمِ التَّنُوْخِي، وَعِدَّة.
وَكَانَ ثِقَةً مُكْثِراً معمَّراً.
رَوَى عَنْهُ السِّلَفِيّ: وَأَبُو العَلاَءِ العَطَّار،
وَابْنُ نَاصر، وَدَهْبَلُ بنُ كَاره، وَأَخُوْهُ لاَحِق،
وَأَحْمَد بن مَوْهُوْبِ بنِ السَّدنك، وَأَخُوْهُ
يَحْيَى، وَذَاكرُ بنُ كَامِلٍ، وَالمُبَارَكُ بن
الْمَعْطُوشِ، وَآخَرُوْنَ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ
عَنْ أَبِي مَنْصُوْرٍ مُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ
السَّوَّاق، وَتَفَرَّد بِإِجَازَة مُحَمَّد بن عبد
الوَاحِد بن رِزمَة.
مَوْلِدُهُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ. قَالَ
عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ: ثِقَةٌ صَالِحٌ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّار: ثِقَةٌ نَبِيل مِنْ ظِرَاف
البَغْدَادِيِّيْنَ، قَالَ الأَنْمَاطِيّ: دَخَلت
عَلَيْهِ، فَقَالَ: اليَوْمَ كَانَ عِنْدِي رَسُوْلاَنِ
مِنْ رسل مَلَك المَوْتِ، فَتَبَسَّمتُ، وَقُلْتُ: كَيْفَ?
قَالَ: جَاءَ جَمَاعَةٌ حَتَّى أشْهدتُهُم عَلَى شهَادَةٍ
عِنْدِي، وَجَاءَ المُحَدِّثُونَ لِيَسْمَعُوا مِنِّي
حَتَّى يَروُوا عَنِّي. ثُمَّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي
الحُسَيْنِ بن الْمُهْتَدي بِاللهِ، وَاتَّفَقَ لَهُ مِثْل
هَذَا، فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ.
قَالَ الأَنْمَاطِيّ: تُوُفِّيَ لَيْلَةَ السَّبْتِ,
سَادسَ عَشرَ شَوَّالٍ, سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ
مائَة.
وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنْ شُهُودِ القَائِمِ بِأَمرِ
الله.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: مُسْنِدُ الوَقْت أَبُو عَلِيٍّ
الحَدَّاد بأصبهان، وأمير الجيوش الأفضل بن أَمِيْر
الجُيُوْش بدر الجمَالِي، وَالوَزِيْرُ أَبُو طَالِبٍ
عَلِيُّ بنُ حَرْبٍ السُّمَيْرمِي، وَأَبُو القَاسِمِ
عَلِيُّ بنُ جَعْفَرِ بنِ القطَاع اللُّغَوِيّ، وَهزَارسب
بن عوض الهروي المحدث.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 230"، والعبر "4/
35"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 222"، وشذرات
الذهب لابن العماد "4/ 48".
(14/324)
السميرمي، ابن
القطاع:
4675- السُّمَيرِمي 1:
الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو طَالِبٍ عَلِيُّ بنُ
أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ السُّمَيْرمِي، وَزِيْرُ
السُّلْطَانِ مَحْمُوْد السَّلْجُوْقِي، صَدْرٌ مُعظَّمٌ،
كَبِيْرُ الشَّأْنِ، شَدِيدُ الوَطْأَة، ذُو عَسْفٍ
وَظُلْمٍ، وَسُوءِ سِيرَة، وَقَفَ مدرسةُ بِأَصْبَهَانَ،
وَعَمِلَ بِهَا خِزَانَةَ كتبٍ نَفِيْسَةٍ، وَكَانَ
يَقُوْلُ: قَدِ اسْتحييت مِنْ كَثْرَةِ الظُّلم
وَالتَّعدي، وَلَمَّا عزم علَى السَّفَر، أَخَذَ الطَّالع،
وَركب فِي مَوْكِب عَظِيْم، وَبَيْنَ يَدَيْهِ عِدَّةٌ
بِالسُّيوف وَالحرَاب وَالدَّبَابيس، قَالَ ابْنُ
النَّجَّار: فَمَرَّ بِمضيقٍ، وَتَقدَّمه الكُلُّ،
وَبَقِيَ منفرداً، فَوَثَبَ عَلَيْهِ باطنِي مِنْ دكة،
فضربه بسكين، فرقعت فِي البَغْلَة، وَهَرَبَ، فَتبعه كُلُّ
الأَعْوَان، فَوَثَبَ عليه آخر، فيضربه في خاصرته، وجذبه
ورماه عَنِ البَغْلَة إِلَى الأَرْضِ وَجرحه فِي أَمَاكن،
فَرد الأَعْوَان، فَوَثَبَ اثْنَانِ فَحَملاَهُمَا
وَالقَاتِلُ عَلَيْهِم، فَانْهَزَم الجَمعُ، وَبَقِيَ
الوَزِيْر، فَكرَّ قَاتِلُه، وَجرَّه، وَالوَزِيْر
يَسْتَعطِفُه وَيَتضرع لَهُ، فَمَا أَقلع حَتَّى ذبحه،
وَهُوَ يُكبِّر وَيَصيح: أَنَا مُسْلِم موحِّد فَقُتِلَ
هُوَ وَالثَّلاَثَة، وَحُمِلَ الوَزِيْر إِلَى دَار
أَخِيْهِ النَّصِيْر، ثُمَّ دُفِنَ وَذَلِكَ فِي سلخ
صَفَرٍ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة.
وَقِيْلَ: إِنَّ الَّذِي قَتله عبدٌ كَانَ لِلمُؤيد
الطُّغْرَائِي وَزِيْرِ السُّلْطَان مَسْعُوْد، فَإِنَّ
السُّمَيْرمِي قَتَلَ أُسْتَاذَه ظلماً، وَنبزه بِأَنَّهُ
فَاسِد الاعتقَاد، وَكُلُّ قَاتِلَ مقتول.
4676- ابن القطَّاع 2:
العَلاَّمَةُ شَيْخُ اللُّغَة، أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ
بنُ جعفر بن علي السعدي, الصَّقَلِي, ابْن القطَّاع،
نَزِيْلُ مِصْر، وَمُصَنِّف كِتَاب "الأَفعَال"، وَمَا
أَغْزَر فَوَائِدَه!، وَلَهُ كِتَاب "أَبنِيَة
الأَسْمَاء"، وَلَهُ مُؤلَّفٌ فِي العَروض، وَكِتَاب فِي
أَخْبَار الشُّعَرَاء.
أَخَذَ بصَقَلّيَة عَنِ ابْنِ البِرِّ اللُّغَوِيّ
وَغَيْرهِ، وَأَحكم النَّحْو، وَتَحوَّل مِنْ صَقَلِّية،
ثُمَّ اسْتولت النَّصَارَى عَلَيْهَا بَعْدَ السِّتِّيْنَ
وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فَاحتفل المِصْرِيّون لِقدومه
وَصُدُوْره، وَسَمِعُوا مِنْهُ "صِحَاحَ" الجَوْهَرِيّ،
وَلَمْ يَكُنْ بِالمُتْقِن لِلرِّوَايَةِ، وَلَهُ نظم جيد
وفضائل.
تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة، عَنِ
اثنتين وثمانين سنة.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 239"، والعبر "4/
38"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 50".
2 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ 322"، والوافي
بالوفيات لصلاح الدين الصفدي "12/ 18"، ولسان الميزان "4/
209"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 45".
(14/325)
4677- إيلغازي
1:
الْملك نَجْمُ الدِّيْنِ ابْنُ الأَمِيْرِ أَرتُق بن أَكسب
التّركمَانِي، صَاحِبُ مَاردين، كَانَ هُوَ وَأَخُوْهُ
الأَمِيْرُ سُقمَان مِنْ أُمَرَاءِ تَاج الدَّوْلَة تُتُش
صَاحِبِ الشَّام، فَأَقطعهُمَا القُدْسَ، وَجَرَتْ لَهُمَا
سِيَرٌ، ثُمَّ اسْتولَى إِيلغَازِي عَلَى مَاردين.
وَكَانَ ذَا شجَاعَةٍ، وَرَأْي، وَهَيْبَة وَصِيت، حَارب
الفِرَنْجَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَأَخَذَ حلبَ بَعْدَ أَوْلاَد
رضوَان بن تُتُش، وَاسْتَوْلَى عَلَى مَيَّافَارِقين
وَغَيْرهَا قَبْلَ مَوْته بِسَنَةٍ، ثُمَّ سَارَ منجداً
لأَهْل تَفْلِيْسَ هُوَ وَزوجُ بِنْته ملكُ الْعَرَب دُبيس
الأَسَدِيّ، وَانضمَّ إِلَيهُمَا طُغَان صَاحِبُ أَرزن،
وَطغرِيل أَخُو السُّلْطَان مَحْمُوْد السَّلْجُوْقِي،
وَسَارُوا عَلَى غَيْر تَعبِئَة، فَانحدر عَلَيْهِم
دَاوُدُ طَاغِيَةُ الكُرْجِ، فَكبسهُم، فَهَزمهُم، وَنَازل
اللعين تفليس وأخذها بِالسَّيْفِ، وَبدَّع، ثُمَّ جَعَلهُم
رَعِيَةً لَهُ، وَعدل وَمكَّنهُم مِنْ شِعَار الإِسْلاَم،
وَأَمر أَنْ لاَ يُذبح فِيْهَا خِنْزِيْرٌ، وَبَقِيَ
يَجِيْء وَيسَمِعُ الخطبَة، وَيُعْطِي الخَطِيْبَ
وَالمُؤذِّنِيْنَ الذّهبَ، وَعَمَّر رُبطاً لِلصَّوَفَةِ،
وَكَانَ جَوَاداً مُحترماً لِلمُسْلِمِين.
وَأَمَّا إِيلغَازِي، فَتُوُفِّيَ فِي رَمَضَانَ،
بِمَيَّافَارقين، سَنَة سِتَّ عَشْرَةَ، فَهَذَا أَوَّلُ
مَنْ تَملَّك مَاردين، وَاسْتمرت فِي يَدِ ذُرِّيَته إِلَى
السَّاعَة، فَأَخَذَ مَيَّافَارقين ابْنُهُ شَمْسُ الدولة
سليمان، واستولى ابنه حسان الدّين تَمرتَاش عَلَى
مَارْدِين، وَاسْتَوْلَى عَلَى حلب ابْنُ أَخِيْهِ
الأَمِيْرُ سُلَيْمَانُ بن عَبْد الجَبَّارِ بن أَرْتُق،
إِلَى أَنْ أَخَذَهَا مِنْهُ ابْنُ عَمِّهِ بلَك بن
بَهْرَامَ.
وَقَالَ سِبْطُ ابْنِ الجَوْزِيّ: تُوُفِّيَ إِيلغَازِي
سَنَة خَمْسَ عَشْرَةَ، وَكَانَ تَحْتَه بِنْتُ صَاحِب
دِمَشْق طُغْتِكِين، وَتَزَوَّجَ ابْنُه سُلَيْمَانُ
بِبنتِ صَاحِب الرُّوْم، فَمَاتَ سَنَةَ ثَمَانِي عشرة،
فتسلم تمرتاش ميافارقين.
__________
1 ترجمته في العبر "4/ 36"، والنجوم الزاهرة لابن تغري
بردي "5/ 223"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 48".
(14/326)
الحنائي، ابن
الموازيني:
4678- الحنَّائي 1:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ الثِّقَةُ، أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ
بنُ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ
الحِنَّائِي، الدِّمَشْقِيّ، مِنْ أَهْلِ بَيْت حَدِيْثٍ
وَعَدَالَةٍ، وَسُنَّةٍ وَصدق.
سَمِعَ: أَبَاهُ أَبَا القَاسِمِ الحِنَّائِي، وَأَبَا
الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بنُ العَفِيْفِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بنِ أَبِي نَصْرٍ، وَأَخَاهُ أَبَا عَلِيٍّ أَحْمَدَ،
وَمُحَمَّدَ بن يَحْيَى بنِ سُلْوَان، وَمُحَمَّد بن عبد
الوَاحِد الدَّارِمِيّ، وَابْن سختَام، وَأَبَا عَلِيٍّ
الأَهْوَازِيّ، وَرشَأَ بن نَظيف، وَمُحَمَّدَ بنَ عبد
السَّلام بن سعدَان، وَالحَسَنَ بنَ عَلِيِّ بنِ شوَاش،
وَعِدَّة، وَتَفَرَّد بِأَجزَاء كَثِيْرَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَالصَّائِن بنُ عَسَاكِرَ،
وَأَخُوْهُ الحَافِظُ، وَالخَضِر بن شِبْل الحَارِثِيّ،
وَأَبُو طاهر بن الحصني، والخضر بن طاوس، وَالفَضْلُ بن
البَانِيَاسِيِّ، وَأَبُو المَعَالِي بنُ صَابر،
وَآخَرُوْنَ.
وَاعْتَنَى بِهِ وَالِدُه، وَأَوَّلُ سَمَاعِه كَانَ فِي
سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَلَهُ
سِتّ سِنِيْنَ.
مَاتَ فِي ثَالِث جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ عَشْرٍ
وَخَمْسِ مائَة، وَلَهُ سَبْعٌ وَسَبْعُوْنَ سنة.
4679- ابن الموازيني 2:
الشَّيْخُ العَالِمُ المُسْنِدُ، المُقْرِئُ الثِّقَةُ،
شَيْخُ دِمَشْق، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ
الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ السُّلَمِيّ، الدِّمَشْقِيّ، ابْنُ
الموَازِينِي.
مَوْلِدُهُ فِي رَجَب، سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ
مائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا عَلِيٍّ أَحْمَد، وَأَبَا الحُسَيْنِ
مُحَمَّداً: ابْنَيْ عَبْد الرَّحْمَنِ بن أَبِي نَصْرٍ،
وَرشَأَ بن نَظيف، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ سُلْوَانَ،
وَمُحَمَّد بن عَبْدِ السَّلام بن سعدَان، وَأَبَا
القَاسِمِ بنَ الفُرَاتِ، وَأَبَا عَلِيٍّ الأَهْوَازِيّ،
وَعَبْد اللهِ بن عَلِيِّ بنِ أَبِي عَقيل، وَعِدَّةً،
وَتَفَرَّد وعلا إسناده.
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ حَمْزَةَ،
وَأَبُو القَاسِمِ ابنُ عَسَاكِرَ، وَحَفِيْدُه أَحْمَد بن
حَمْزَةَ بن الموَازِينِي، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بن نَصْرٍ
النَّجَّار، وَعبدُ الرَّحْمَن بن عَلِيِّ بنِ الخرقِي،
وَالفَضْلُ بن الحُسَيْنِ البَانِيَاسِيّ، وَخَلْق.
قَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ حَسَنَ الأَخلاَقِ، مَرضِيَّ
الطّرِيقَةِ، شُيُوْخُه هُم شُيُوْخُ أَبِي طَاهِر
الحِنَّائِي، سَمِعَا مَعاً الكَثِيْرَ.
وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِر: شَيْخٌ مَسْتُوْر ثِقَة، حَافظٌ
لِلْقُرْآن، سَمِعْتُ مِنْهُ أَجزَاءً يَسِيْرَة. مَاتَ:
سَنَةَ أَرْبَعَ عشرة وخمس مائة.
__________
1 ترجمته في الأنساب للسمعاني "4/ 245"، والعبر "4/ 21"،
وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 29".
2 ترجمته في العبر "4/ 33"، والنجوم الزاهرة لابن تغري
بردي "5/ 221"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 46".
(14/327)
محمد بن الحسن،
البغوي:
أخوه:
4680- محمد بن الحسن 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ الفَرَضِيّ الفَقِيْهُ العَابِدُ،
أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ ابْن الموَازِينِي.
سَمِعَ: ابْنَ سُلْوَان، وَأَبَا القَاسِمِ بن الفُرَاتِ،
وَأَبَا الحُسَيْنِ مُحَمَّد بن مَكِّيّ، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ،
وَالفَضْلُ بن البَانِيَاسِيّ، وَجَمَاعَة.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَمَاتَ فِي رجب، سنة ثلاث عشرة وخمس مائة.
4681- البغوي 2:
الشَّيْخُ الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ القُدْوَةُ الحَافِظُ،
شَيْخُ الإِسْلاَمِ، مُحْيِي السُّنَّة، أَبُو مُحَمَّدٍ
الحُسَيْن بن مَسْعُوْدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الفَرَّاء
البَغَوِيّ، الشَّافِعِيّ، المُفَسِّرُ، صَاحِبُ
التَّصَانِيْفِ، كَـ "شرح السُّنَّةِ" وَ "مَعَالِم
التَّنْزِيل" وَ "المصَابيح"، وَكِتَاب " التَّهْذِيب" فِي
المَذْهَب، وَ "الْجمع بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ"، وَ
"الأَرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً"، وأشياء.
تفقيه عَلَى شَيْخِ الشَّافعيَة القَاضِي حُسَيْن بن
مُحَمَّدٍ المَرْوَرُّوْذِيّ صَاحِب "التَّعليقَةِ" قَبْل
السِّتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: مِنْهُ، وَمِنْ: أَبِي عُمَرَ عبد الوَاحِد بن
أَحْمَدَ المَلِيْحِي، وَأَبِي الحَسَنِ مُحَمَّد بن
مُحَمَّدٍ الشِّيرزِي، وَجَمَالِ الإِسْلاَمِ أَبِي
الحَسَنِ عَبْدِ الرلحمن بن مُحَمَّدٍ الدَّاوُودِيّ،
وَيَعْقُوْبَ بنِ أَحْمَدَ الصَّيْرَفِيّ، وَأَبِي
الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ يُوْسُفَ الجُوَيْنِيّ، وَأَبِي
الفضل زياد بن محمد الحنفي،
__________
1 ترجمته في العبر "4/ 30"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/
41".
2 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "2/ 136"، وتذكرة
الحفاظ "4/ ترجمة 1062"، والعبر "4/ 37"، وطبقات الشافعية
للسبكي "7/ 75"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 223"،
وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 48".
(14/328)
وَأَحْمَدَ بنِ أَبِي نَصْرٍ الكُوَفَانِي،
وَحَسَّان المَنِيْعِيّ، وَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ
أَبِي الهَيْثَمِ التُّرَابِي، وَعِدَّةٍ. وَعَامَّةُ
سَمَاعَاته فِي حُدُوْدِ السِّتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائة،
وَمَا علمتُ أَنَّهُ حَجَّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَسْعَد
العطَّارِي عُرِفَ بِحفدَة، وَأَبُو الفُتُوْح مُحَمَّدُ
بنُ مُحَمَّدٍ الطَّائِيّ، وَجَمَاعَةٌ. وَآخِرُ مَنْ
رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: أَبُو المَكَارِمِ وفضل الله
بن مُحَمَّدٍ النَّوقَانِي، الَّذِي عَاشَ إِلَى سَنَةِ
سِتّ مائَة، وَأَجَازَ لِشيخنَا الفَخْرِ بنِ عَلِيٍّ
البُخَارِيّ.
وَكَانَ البَغَوِيُّ يُلَقَّبُ بِمُحْيِي السُّنَّةِ
وَبِرُكْنِ الدِّين، وَكَانَ سَيِّداً إِمَاماً، عَالِماً
علاَّمَة، زَاهِداً قَانِعاً بِاليَسِيْرِ، كَانَ يَأْكُلُ
الْخبز وَحْدَه، فَعُذِلَ فِي ذَلِكَ، فَصَارَ يَأْتَدِمُ
بزَيْت، وَكَانَ أَبُوْهُ يَعمل الفِرَاء وَيبيعُهَا،
بُورِكَ لَهُ فِي تَصَانِيْفه، وَرُزِقَ فِيْهَا القبولَ
التَّام، لِحُسن قَصده، وَصِدق نِيَّتِه، وَتنَافس
العُلَمَاءُ فِي تَحصيلهَا، وَكَانَ لا يلقى الدرس إلى
عَلَى طهَارَةٍ، وَكَانَ مقتصداً فِي لِبَاسه، لَهُ ثَوْب
خَام، وَعِمَامَةٌ صغِيرَة عَلَى مِنْهَاج السَّلَف حَالاً
وَعقداً، وَلَهُ القدمُ الرَّاسخ فِي التَّفْسِيْر، والباع
المديد في الفقه، رحمه الله.
تُوُفِّيَ بِمَرْو الرُّوذ -مدينَةٍ مِنْ مَدَائِن
خُرَاسَانَ- فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْسِ
مائَة، وَدُفِنَ بِجنب شَيْخه القَاضِي حُسَيْن، وَعَاشَ
بِضْعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، رَحِمَهُ اللهُ.
وَمَاتَ أَخُوْهُ العَلاَّمَةُ المُفْتِي أَبُو عَلِيٍّ
الحَسَنُ بن مَسْعُوْدِ بنِ الفَرَّاء سَنَة تِسْعٍ
وَعِشْرِيْنَ، وَلَهُ إِحْدَى وَسَبْعُوْنَ سَنَةً، رَوَى
عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ خَلَفٍ الأَدِيْبِ وَجَمَاعَة.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الأَدِيْب، وَعبدُ
الخَالِق بن عُلْوَانَ القَاضِي، وَأَحْمَدُ بن مُحَمَّدِ
بنِ سَعْدٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بن عَمِيْرَةَ، وَأَحْمَدُ
بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ القُدَامِي، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الصُّوْرِيّ، وَخَدِيْجَةُ بِنْتُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ
الحُسَيْنِ بنِ بَهْرَامَ الصُّوْفِيّ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ
أَسْعَد الفَقِيْه سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ، أَخْبَرَنَا مُحْيِي السُّنَّة حُسَيْنُ بن
مَسْعُوْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ
الشِّيرزِي، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ،
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ،
أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ مَالِكٍ،
عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: إِنْ كأن رسول الله صلى الله
عليه وسلم لَيُصَلِّي الصُّبْحَ، فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ
مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوْطِهِنَّ، مَا يعرفن من الغلس1.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "578"، ومسلم "645"، وأبو داود
"423"، والترمذي "153".
(14/329)
4682- ابن عَقيل 1:
الإِمَامُ العَلاَّمَةُ البَحْرُ، شَيْخُ الحنَابلَة،
أَبُو الوَفَاء عَلِيُّ بنُ عَقِيْل بن مُحَمَّدِ بنِ
عَقِيْلِ بنِ عَبْدِ اللهِ البَغْدَادِيّ، الظَّفَرِيّ،
الحَنْبَلِيّ، المُتَكَلِّم، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ،
كَانَ يَسكن الظَّفَرِيَة، وَمَسجِدُه بِهَا مشهور.
وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ بنَ بِشْرَان، وَأَبَا الفَتْح بن
شيطَا، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، وَالحَسَنَ بنَ
غَالِبٍ المُقْرِئ، وَالقَاضِي أَبَا يَعْلَى بنَ
الفَرَّاءِ، وَتَفَقَّهَ عَلَيْهِ. وَتَلاَ بِالعَشرِ
عَلَى: أَبِي الفَتْحِ بن شِيطَا. وَأَخَذَ العَرَبِيَّة
عَنْ: أَبِي القَاسِمِ بنِ بَرْهَان. وَأَخَذَ عِلْمَ
العَقْلِيَّات عَنْ شَيْخَي الاعتزَال: أبي علي بن الوليد،
وأبي القاسم بن التَّبَّانِ صَاحِبَي أَبِي الحُسَيْنِ
البَصْرِيِّ، فَانْحَرَفَ عَنِ السنة.
وَكَانَ يَتوَقَّدُ ذكَاءً، وَكَانَ بحرَ معَارِفَ، وَكنزَ
فَضَائِل، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي زَمَانِهِ نَظير عَلَى
بدعته، وَعَلَّق كِتَاب "الفُنُوْنِ"، وَهُوَ أَزْيَدُ
مِنْ أَرْبَع مائَة مُجلَّد، حشد فِيْهِ كُلَّ مَا كَانَ
يَجرِي لَهُ مَعَ الفُضَلاَء وَالتَّلاَمذَة، وَمَا
يَسْنَحُ لَهُ مِنَ الدَّقَائِق وَالغَوَامِضِ، وَمَا
يسمعه من العجائب والحوادث.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو حَفْصٍ المغَازلِي، وَأَبُو
المُعَمَّر الأَنْصَارِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ
السِّنْجِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيّ، وَأَبُو
طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو الفَضْلِ خطيبُ المَوْصِل،
وَابْنُ نَاصر، وَآخَرُوْنَ.
أَنبؤونَا عَنْ حَمَّادٍ الحَرَّانِيّ، سَمِعَ السِّلَفِيّ
يَقُوْلُ: مَا رَأَتْ عَيْنِي مِثْلَ أَبِي الوَفَاء بن
عَقِيْل الفَقِيْه، مَا كَانَ أَحَدٌ يَقدِرُ أَنْ
يَتَكَلَّم مَعَهُ لِغزَارَة عِلْمه، وَحُسن إِيرَاده،
وَبَلاغَةِ كَلاَمِه، وَقُوَّة حجَّته، تَكَلَّمَ يَوْماً
مَعَ شيخنَا إِلْكِيَا أَبِي الحَسَنِ، فَقَالَ لَهُ
إِلكيَا: هَذَا لَيْسَ مَذْهَبك. فَقَالَ: أَكُوْنُ مِثْل
أَبِي عَلِيٍّ الجُبَّائِي، وَفُلاَن وَفُلاَن لاَ
أَعْلَمُ شَيْئاً؟! أَنَا لِي اجْتِهَاد مَتَى مَا
طَالبنِي خصمٌ بِالحُجَّة، كَانَ عِنْدِي مَا أَدفع بِهِ
عَنْ نَفْسِي وَأَقومُ لَهُ بِحجتِي. فَقَالَ إِلكيَا:
كَذَاكَ الظَّنُّ بِكَ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيْلٍ: عصمنِي اللهُ فِي شبَابِي
بِأَنْوَاعٍ مِنَ العِصْمَة، وَقَصَرَ مَحَبَّتِي عَلَى
العِلْم، وَمَا خَالطتُ لَعَّاباً قَطُّ، وَلاَ عَاشرتُ
إِلاَّ أَمثَالِي مِنْ طَلبَةِ العِلْم، وَأَنَا فِي
عَشْرِ الثَّمَانِيْنَ أَجِدُ مِنَ الحِرْصِ عَلَى العِلْم
أَشدّ مِمَّا كُنْتُ أَجده وَأَنَا ابْنُ عِشْرِيْنَ،
وَبلغتُ لاِثْنَتَيْ عشرة سنة، وأنا اليوم
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 212"، والعبر "4/
29"، وميزان الاعتدال "3/ 146" ولسان الميزان "4/ 243"،
والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 219"، وشذرات الذهب
لابن العماد الحنبلي "4/ 35".
(14/330)
لاَ أَرَى نَقصاً فِي الخَاطر وَالفِكرِ
وَالحِفْظ، وَحدَّةِ النَّظَر بِالعين لرُؤْيَة الأَهلَةِ
الخفِيَة إلَّا أَنَّ القوَّة ضَعِيْفَة.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ ابْنُ عَقِيْلٍ ديناً،
حَافِظاً لِلْحُدُوْدِ، تُوُفِّيَ لَهُ ابْنَانِ، فَظَهَرَ
مِنْهُ مِنَ الصَّبْر مَا يُتَعَجَّب مِنْهُ، وَكَانَ
كَرِيْماً يُنفِق مَا يَجد، وَمَا خلَّف سِوَى كتبِه
وَثِيَابِ بدنه، وَكَانَتْ بِمِقْدَار، توفي بكرة الجمعة
ثاني عشر جُمَادَى الأُوْلَى, سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ
وَخَمْسِ مائة، وكان الجمع يفوت الإحصاء، قال ابن نَاصر
شَيْخُنَا: حزرتُهُم بِثَلاَثِ مائَةِ أَلْف.
قَالَ المُبَارَكُ بنُ كَامِلٍ: صُلِّي عَلَى شَيخنَا
بِجَامِع القَصْر، فَأَمَّهُم ابْنُ شَافع، وَكَانَ الجمعُ
مَا لا يحصى، وحمل على جَامِع المَنْصُوْر، فَصُلِّي
عَلَيْهِ، وَجَرَتْ فتنةٌ، وَتَجَارَحُوا، وَنَال
الشَّيْخُ تَقطيع كفن، وَدُفِنَ قَرِيْباً مِنَ الإِمَام
أَحْمَد.
وَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ أَيْضاً فِيْهِ: هُوَ فَرِيْدُ
فَنِّه، وَإِمَامُ عصره، كَانَ حَسَنَ الصُوْرَة، ظَاهِرَ
المَحَاسِن. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى القَاضِي أَبِي يَعْلَى
مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَإِلَى أَنْ
تُوُفِّيَ، وَحظيتُ مِنْ قُربه بِمَا لَمْ يَحظ بِهِ
أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مَعَ حدَاثَة سِنِّي، وَكَانَ
أَبُو الحَسَنِ الشِّيرَازِي إِمَامَ الدُّنْيَا
وَزَاهِدَهَا، وَفَارِسَ المنَاظرَة وَواحدَهَا، يعلمنِي
المنَاظرَة، وَانتفعتُ بِمُصَنّفَاته ... , ثُمَّ سَمَّى
جَمَاعَة مِنْ شُيُوْخِهِ.
ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ أَصْحَابُنَا الحنَابلَة
يُرِيْدُوْنَ مِنِّي هِجرَان جَمَاعَةٍ مِنَ العُلَمَاءِ،
وَكَانَ ذَلِكَ يَحرِمنِي عِلْماً نَافِعاً.
قُلْتُ: كَانُوا يَنهونه عَنْ مُجَالَسَةِ المُعْتَزِلَة،
وَيَأْبَى حَتَّى وَقَعَ فِي حَبَائِلهِم، وَتَجسَّر عَلَى
تَأْويلِ النُّصُوص، نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ.
قَالَ: وَأَقْبَلَ عَليَّ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُوْرٍ بنُ
يُوْسُفَ، وَقَدَّمنِي عَلَى الفتَاوِي، وَأَجلَسَنِي فِي
حَلْقَةِ البَرَامِكَةِ بِجَامِعِ المَنْصُوْر لَمَّا
مَاتَ شَيخُنَا فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وأربع مائة، وقام بكل
مؤنتي وتجملي.
وَأَمَّا أَهْلُ بَيْتِي، فَإِنَّهُم أَربَابُ أَقلاَم
وَكِتَابَة وَأَدب، وَعَانَيْتُ مِنَ الفَقْر وَالنسخ
بِالأُجرَة مَعَ عِفَّةٍ وَتُقَى، وَلَمْ أُزَاحم
فَقِيْهاً فِي حَلْقَة، وَلاَ تَطلب نَفْسِي رُتْبَةً مِنْ
رتب أَهْل العِلْمِ القَاطعَة عَنِ الفَائِدَة، وَأُوْذِيت
مِنْ أَصْحَابِي، حَتَّى طُلب الدَّمُ، وَأُوْذِيت فِي
دَوْلَةِ النِّظَام بِالطلب وَالحَبْس.
وَفِي "تَارِيخ ابْن الأَثِيْرِ" قَالَ: كَانَ قَدِ
اشْتَغَل بِمَذْهَب المُعْتَزِلَةِ فِي حَدَاثَتِهِ عَلَى
ابْنِ الوَلِيْدِ، فَأَرَادَ الحَنَابِلَةُ قَتْلَه،
فَاسْتجَارَ بِبَابِ المَرَاتِب عِدَّة سِنِيْنَ، ثُمَّ
أَظهر التَّوبَة.
(14/331)
وَقَالَ ابْنُ عَقِيْلٍ فِي "الفُنُوْنِ":
الأَصْلحُ لاعتقَاد العوَامِّ ظوَاهر الْآي، لأَنَّهُم
يَأْنسُوْنَ بِالإِثْبَات، فَمتَى مَحَونَا ذَلِكَ مِنْ
قلوبهِم، زَالت الحِشْمَة.
قَالَ: فَتهَافُتهُم فِي التَّشبيه أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ
إِغرَاقِهِم فِي التَّنْزِيه، لأَنَّ التَّشبيه
يَغْمِسُهُم فِي الإِثْبَات، فَيخَافُوْنَ وَيَرجُوْنَ،
وَالتَّنْزِيه يَرمِي بِهِم إِلَى النَّفْي، فَلاَ طَمَعَ
وَلاَ مَخَافَة فِي النَّفْي، وَمنْ تدبَّر الشَّرِيعَة،
رَآهَا غَامسَة لِلمُكلفين فِي التَّشبيه بِالأَلْفَاظ
الظَّاهِرَة الَّتِي لاَ يُعطِي ظَاهِرهَا سِوَاهُ، كقول
الأعرابي: أويضحك رَبُّنَا? قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نِعْمَ"1، فَلَمْ يَكفهِرَّ
لِقَوْلِهِ، تَركه وَمَا وَقَعَ له.
قُلْتُ: قَدْ صَارَ الظَّاهِرُ اليَوْم ظَاهِرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا حق، والثاني باطل، فالحق أبو يَقُوْلَ:
إِنَّهُ سمِيْع بَصِيْر، مُرِيْدٌ متكلّم، حَيٌّ عَلِيْم،
كُلّ شَيْء هَالك إلَّا وَجهَهُ، خلق آدَمَ بِيَدِهِ،
وَكلَّم مُوْسَى تَكليماً، وَاتَّخَذَ إِبْرَاهِيْمَ
خَلِيْلاً، وَأَمثَال ذَلِكَ، فَنُمِرُّه عَلَى مَا جَاءَ،
وَنَفهَمُ مِنْهُ دلاَلَةَ الخِطَابِ كَمَا يَليق بِهِ
تَعَالَى، وَلاَ نَقُوْلُ: لَهُ تَأْويلٌ يُخَالِفُ
ذَلِكَ.
وَالظَّاهِرُ الآخر وَهُوَ البَاطِل، وَالضَّلاَل: أَنْ
تَعتَقِدَ قيَاس الغَائِب عَلَى الشَّاهد، وَتُمَثِّلَ
البَارِئ بِخلقه، تَعَالَى الله عَنْ ذَلِكَ، بَلْ
صفَاتُهُ كَذَاته، فَلاَ عِدْلَ لَهُ، وَلاَ ضِدَّ لَهُ،
وَلاَ نظير له، ولا مثيل لَهُ، وَلاَ شبيهَ لَهُ، وَلَيْسَ
كَمثله شَيْء، لاَ فِي ذَاته، وَلاَ فِي صفَاته، وَهَذَا
أمرٌ يَسْتَوِي فِيْهِ الفَقِيْهُ وَالعَامِيُّ، وَاللهُ
أَعْلَمُ.
قَالَ السِّلَفِيّ: سَمِعْتُ ابْنَ عَقِيْل يَقُوْلُ:
كَانَ جَدِّي كَاتِبَ بهَاءِ الدَّوْلَة بن بُويه، وَهُوَ
الَّذِي كتب نُسخَة عزل الطَّائِع، وَتوليَة القَادِر،
وَهِيَ عِنْدِي بِخَطِّ جَدِّي.
وَقَالَ أَبُو المُظَفَّرِ سِبْطُ ابْن الجَوْزِيّ: حَكَى
ابْنُ عَقِيْل عَنْ نفسه قال: حججت، فالتقطت عقد لؤلؤ فيه
خيط أَحْمَرَ، فَإِذَا شَيْخٌ أَعْمَى يَنشُدُه، وَيبذُلُ
لِمُلْتَقِطِهِ مائَة دِيْنَارٍ، فَرددتُهُ عَلَيْهِ،
فَقَالَ: خُذِ الدَّنَانِيْر، فَامتنعتُ. وَخَرَجتُ إِلَى
الشَّامِ، وَزُرْتُ القُدْس، وَقصدتُ بَغْدَادَ، فَأَويتُ
بِحَلَبَ إِلَى مَسْجِد وَأَنَا بردَانُ جَائِع،
فَقَدَّمُوْنِي، فَصَلَّيْتُ بِهِم، فَأَطعمُوْنِي،
وَكَانَ أَوَّلَ رَمَضَان، فَقَالُوا: إِمَامُنَا
تُوُفِّيَ, فَصَلِّ بِنَا هَذَا الشَّهْرَ، فَفَعَلتُ،
فَقَالُوا: لإِمَامِنَا بنتٌ، فَزُوِّجْتُ
__________
1 ضعيف: أخرجه أحمد "4/ 11"، وابن ماجه "1/ 181"، من طريق
يزيد بن هارون، أنبأنا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ
يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ، عن وكيع بن عدس، عن عمه أبي رزين
قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم: ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره" قال: قلت: يا
رسول الله أو يضحك الرب؟ قال: نعم. قلت: لن نعدم من رب
يضحك خيرًا.
قلت: إسناده ضعيف، آفته وكيع بن عدس، قال الذهبي في
"الميزان": لا يعرف.
(14/332)
بِهَا، فَأَقَمْتُ مَعَهَا سَنَة،
وَأَوْلَدْتُهَا وَلداً ذكراً، فَمَرِضَتْ فِي نَفَاسهَا،
فَتَأَمَّلتُهَا يَوْماً فَإِذَا فِي عُنُقِهَا العقدُ
بِعَيْنِهِ بِخَيطِهِ الأَحْمَر، فَقُلْتُ لَهَا: لِهَذَا
قِصَّة، وَحكيتُ لَهَا، فَبكت، وَقَالَتْ: أَنْتَ هُوَ
وَاللهِ، لَقَدْ كَانَ أَبِي يَبْكِي، وَيَقُوْلُ:
اللَّهُمَّ ارزُقْ بِنْتِي مِثْل الَّذِي رَدَّ العقدَ
عَلِيَّ، وَقَدِ اسْتَجَاب اللهُ مِنْهُ، ثُمَّ مَاتَتْ،
فَأَخَذتُ العِقدَ وَالمِيْرَاثَ، وَعُدْتُ إِلَى
بَغْدَادَ.
وَحَكَى عَنْ نَفْسِهِ، قَالَ: كَانَ عِنْدَنَا
بِالظَّفَرِيَة دارٌ، كلَمَّا سكنهَا ناسٌ أَصْبَحُوا
مَوْتَى، فَجَاءَ مرَّة رجلٌ مُقْرِئ، فَاكترَاهَا،
وَارتضَى بِهَا، فَبَاتَ بِهَا وَأَصْبَح سَالِماً، فَعجبَ
الجيرَانُ، وَأَقَامَ مُدَّةً، ثُمَّ انْتقل، فَسُئِلَ،
فَقَالَ: لَمَّا بِتُّ بِهَا، صَلَّيْتُ العشَاء،
وَقَرَأْتُ شَيْئاً، وَإِذَا شَابّ قَدْ صَعِدَ مِنَ
البِئْر، فَسَلَّمَ عليَّ، فَبُهِتُّ، فَقَالَ: لاَ بَأْسَ
عَلَيْك، عَلِّمنِي شَيْئاً مِنَ القُرْآن، فَشرعتُ
أُعَلِّمُه، ثُمَّ قُلْتُ: هَذِهِ الدَّار، كَيْفَ
حَدِيْثُهَا? قَالَ: نَحْنُ جِنٌّ مُسْلِمُوْنَ، نَقرَأُ
وَنُصلِي، وَهَذِهِ الدَّار مَا يَكترِيهَا إلَّا
الفُسَّاقُ، فَيَجْتَمِعُوْنَ عَلَى الخَمْر، فَنخنقهُم،
قُلْتُ: فَفِي اللَّيْلِ أَخَافُك، فَجِئ نَهَاراً، قَالَ:
نَعَمْ، فَكَانَ يَصْعَدُ مِنَ البِئْر فِي النَّهَار،
وَأَلِفْتُه، فَبَيْنَمَا هُوَ يَقرَأُ، إِذَا بِمعزم فِي
الدَّرب يَقُوْلُ: المُرقِي مِنَ الدَّبِيْب، وَمِنَ
العَينِ، وَمِنَ الجِنِّ، فَقَالَ: أيشٍ هَذَا? قُلْتُ:
مُعَزِّم، قَالَ: اطلبْه، فَقُمْتُ وَأَدَخَلتُهُ، فَإِذَا
بِالجنِّي قَدْ صَارَ ثُعبَاناً فِي السَّقف، فَعزَّمَ
الرَّجُل، فَمَا زَالَ الثُّعبَانُ يَتدلَى حَتَّى سقط فِي
وَسط المَنْدَل، فَقَامَ لِيَأْخذه وَيَضعَه فِي
الزِّنْبِيل، فَمنعتُهُ، فَقَالَ: أَتَمنَعُنِي مِنْ
صيدي?! فَأَعْطيتُهُ دِيْنَاراً وَرَاح، فَانْتفض
الثُّعبَان، وَخَرَجَ الجِنِّي، وَقَدْ ضَعُفَ وَاصْفَرَّ
وَذَاب، فَقُلْتُ: مَا لَكَ? قَالَ: قتلنِي هَذَا بِهَذِهِ
الأَسَامِي، وَمَا أَظننِي أُفْلِحُ، فاجعل بالك الليلة،
متى سمعت من البِئْر صُرَاخاً، فَانْهَزِمْ. قَالَ:
فَسَمِعْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ النّعِيَّ، فَانْهَزَمتُ.
قَالَ ابْنُ عَقِيْلٍ: وَامْتَنَعَ أَحَدٌ أن يسكن تلك
الدار بعدها.
أخبرنا إسماعيل بنُ طَارِقٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو البَقَاءِ
يَعيش، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الخَطِيْبُ،
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَقِيْلٍ الفَقِيْه، أَخْبَرَنَا
أَبُو مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا
القَطِيْعِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا
هَوْذَةُ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي
الحَسَنِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، إِذْ
أَتَاهُ رجلٌ، فَقَالَ: إِنَّمَا معيشتِي مِنَ
التَّصَاوير، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُوْلُ: "مَنْ صَوَّرَ
صُوْرَةً, عَذَّبَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى
يَنْفُخَ فِيْهَا، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فيها أبدًا" 1.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "2225"، ومسلم "2110"، والنسائي "8/
215"، وأحمد "1/ 241" من حديث ابن عباس، به.
(14/333)
ابن أبي عمامة،
عثمان بن علي:
4683- ابن أبي عِمامَة 1:
المُفْتِي الوَاعِظُ الكَبِيْرُ، أَبُو سَعْدٍ المُعَمَّرُ
بنِ عَلِيِّ بنِ المُعَمَّر بن أَبِي عِمَامَة
البَغْدَادِيّ، الحَنْبَلِيّ.
وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: مِنِ ابْنِ غَيْلاَنَ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ
المقتدِر، وَالحَسَن بنِ مُحَمَّدٍ الخَلاَّل، وَعَبْدِ
العَزِيْزِ بن عَلِيٍّ الأَزَجِي، وَأَبِي القَاسِمِ
التَّنُوخِي، وَرَوَى اليَسِيْرَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نَاصر، وَأَبُو المُعَمَّر
الأَنْصَارِيُّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: درسَ الفِقْهَ عَلَى شُيُوْخِ
زَمَانه، وَأَفتَى وَنَاظر، وَحَفِظَ مِنَ الآدَاب
وَالشِّعر وَالنوَادِرِ فِي الجدِّ وَالهَزْلِ مَا لَمْ
يَحفظْه غَيْرُه، وَانْفَرَدَ بِالوعظِ، وَانتفعُوا
بِمَجَالِسه، فَكَانَ يُبْكِي النَّاسَ وَيُضْحِكهُم،
وَلَهُ قبولٌ عَظِيْم عِنْد الخَاصِّ وَالعَامِّ، وَكَانَ
لَهُ مِنْ حِدَّة الخَاطر، وَخِفَّةِ الرُّوح مَا شَاع
وَذَاع وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الإِجْمَاعُ، وَكَانَ يَؤُمُّ
بِالإِمَامِ الْمُقْتَدِي بِأَمرِ الله فِي التَّرَاويح
وَيُنَادِمُهُ.
مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْس
مائَة، وَشيَّعه خلق كَثِيْر، وَسَاقَ ابْنُ النَّجَّار
نَوَادِرَ وَطِيبَ مُزَاحٍ لَهُ.
أخوه:
4684- عثمان بن علي 2:
الشَّيْخُ المُعَمَّرُ، أَبُو المَعَالِي عُثْمَانُ بنُ
عَلِيِّ بنِ المُعَمَّر بن أَبِي عِمَامَة البَغْدَادِيّ،
البَقَّال.
سمع من: أبي طالب بن غيلان، وعمربن عَبْدِ المَلِكِ
الرزَّان، وَقرَأَ الأَدبَ عَلَى: عبدِ الوَاحِد بن
بَرْهَان، وَالحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ الدَّهَّان، وَرَوَى
قليلاً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَانَ عَسِراً، غَيْرَ مرضِي
السِّيرَة، يُخِلُّ بِالصَّلَوَات، وَيَرتكِبُ المحظورَات،
رَوَى عَنْهُ ابْنُ الإِخْوَة، وَالسِّلَفِيّ. قَالَ
السِّلَفِيّ: قرَأَ اللُّغَةَ عَلَى ابْنِ بَرْهَان إِلاَّ
أَنَّ فِي عَقْله خللاً، وَهُوَ حَسَنُ الطّرِيقَةِ.
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الوَهَّابِ
الأَنْمَاطِيّ يَقُوْلُ: رَأَينَا أَبَا المعَالِي ابْنَ
أَبِي عِمَامَة فِي جَامِعِ المَنْصُوْر، وَمَعَنَا
جُزْءٌ، فَأَردنَا أَن نَقرَأَه عَلَيْهِ، فَسَأَلنَاهُ،
فَأَبَى، فَأَلححنَا عَلَيْهِ، فَرَفَعَ صَوْتَه، وَقَالَ:
أَيُّهَا النَّاس، اشْهَدُوا أَنِّي كَذَّاب، ثُمَّ قَالَ:
لاَ يَحلُّ لَكُم أَنْ تَسْمَعُوا مِنْ كَذَّاب، قُوْمُوا،
قَالَ: وَكَانَ شَاعِراً هَجَّاءً، خَبِيثَ اللِّسَان.
مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ
وخمس مائة، وله إحدى وتسعون سنة.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 173"، والعبر "4/
11"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 205"، وشذرات
الذهب لابن العماد "4/ 14".
2 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 248"، وميزان
الاعتدال "3/ 49"، ولسان الميزان "4/ 148".
(14/334)
الطغرائي، السعيدي:
4685- الطُّغْرَائي 1:
العَمِيدُ، فَخرُ الكُتَّاب، مُؤَيَّدُ الدِّينِ أَبُو
إِسْمَاعِيْلَ الحسين بن علي بن محمد بن عبد الصَّمَدِ
الأَصْبَهَانِيّ المُنْشِئ، الشَّاعِر، ذُو بَاعٍ مَدِيد
فِي الصِّنَاعَتَينِ، وَلَهُ لاَمِيَّةُ الْعَجم بَدِيعَة،
وَمَا أَملح قَوْلَه:
يَا قَلْبُ مَالَكَ وَالهَوَى مِنْ بعد ما ... طاب السلو
وأقصر العشاق
أوَما بَدَا لَكَ فِي الإِفَاقَةِ وَالأُلَى ...
نَازَعْتَهُم كَأْسَ الغرام أفاقوا
مَرِضَ النَّسِيْمُ وَصَحَّ وَالدَّاءُ الَّذِي ...
تَشْكُوهُ لاَ يُرْجَى لَهُ إِفْرَاقُ
وَهَذَا خُفُوْقُ البَرْق وَالقَلْبُ الَّذِي ... تُطْوَى
عَلَيْهِ أَضَالِعِي خَفَّاقُ
قُتِلَ سَنَةَ أربع عشرة وخمس مائة.
4686- السَّعِيدي 2:
الشَّيْخُ العَلاَّمَةُ، البَارعُ المُعَمَّرُ، شَيْخُ
العَرَبِيَّة وَاللُّغَة، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ
بنُ بَرَكَاتِ بنِ هِلاَلِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ
السَّعيدي, المِصْرِيّ, الأَدِيْب.
مَوْلِدُهُ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ
مائَةٍ.
وَلَوْ سَمِعَ فِي صِبَاهُ، لَسَمِعَ مِنْ مُسْنِدِ مِصْرَ
أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ نَظيف الفَرَّاء.
وَقَدْ سَمِعَ فِي الكِبَرِ مِنَ القَاضِي أَبِي عَبْدِ
اللهِ القُضَاعِي، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بن الحَسَنِ
الضَّرَاب، وَكَرِيْمَةَ المَرْوَزِيَّة، فَجَاور،
وَسَمِعَ مِنْهَا "صَحِيْح البُخَارِيِّ".
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَالشَّرِيْفُ أَبُو
الفُتُوْح الخَطِيْب، وَإِسْمَاعِيْلُ بن عَلِيٍّ
النَّحْوِيّ، وَمُنْجِبٌ المُرشدي، وأبو القاسم هبة الله
البوصيري، وآخرون.
أَرَّخ السِّلَفِيُّ مَوْلِدَهُ، وَقَالَ: كَانَ شَيْخَ
مِصْرَ فِي عصره فِي اللُّغَة.
تُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ, سَنَةَ عِشْرِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ مائَةُ سَنَةٍ وَثَلاَثَة
أَشْهُرٍ. ذكره العمَاد الكَاتِب، فَقَالَ: عمل فِي
مُسَافِر العَطَّار:
يَا عُنُقَ الإِبرِيْقِ مِنْ فِضَّةٍ ... وَيَا قَوَامَ
الغُصْنِ الرَّطْبِ
هَبْكَ تَجَافَيْتَ وَأَقْصَيْتَنِي ... تَقْدِرُ أَنْ
تَخْرُجَ مِنْ قَلْبِي
__________
1 ترجمته في العبر "4/ 32"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/
185"، والعبر "4/ 32"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/
220"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 41".
2 ترجمته في العبر "4/ 47"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص1271"،
وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 62".
(14/335)
ابن برهان، أبو
عدنان:
4687- ابن بَرْهان:
العَلاَّمَةُ الفَقِيْهُ، أَبُو الفَتْحِ أَحْمَدُ بنُ
عَلِيِّ بنِ بَرْهَان بن الحمَّامِي، البَغْدَادِيّ,
الشَّافِعِيّ.
كَانَ أَحَدَ الأَذكيَاء، بارعاً فِي المَذْهَب
وَأُصُوْله، من أصحاب ابن عقيل، ثُمَّ تَحَوَّلَ
شَافعيّاً، وَدَرَّس بِالنِّظَامِيَّةِ.
تَفقَّهَ بِالشَّاشِيّ وَالغزَالِي.
وَسَمِعَ مِنَ: النِّعَالِيّ، وَابْن البَطِرِ،
وَبقِرَاءته سَمِعَ ابْنُ كُلَيْب "الصَّحِيحَ" مِنْ أَبِي
طَالِبٍ الزَّيْنَبِيّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَانَ خَارقَ الذَّكَاء، لاَ
يَكَادُ يَسْمَع شَيْئاً إلَّا حَفِظَهُ، حَلاَّلاً
لِلمشكلاَت، يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي تَبَحُّرِهِ،
تَصدَّر لِلإِفَادَة مُدَّةً، وَصَارَ مِنْ أَعْلاَم
الدّين، مَاتَ كَهْلاً سَنَة ثَمَانِي عَشْرَةَ وَخَمْسِ
مائَة.
4688- أبو عدنان:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، المُعَمَّر النَّبِيْلُ، أَبُو
عَدْنَان مُحَمَّدُ بن أحمد بن الشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ
المُطَهَّر بن أَبِي نِزَارٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ
مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ بُجَيْرٍ الرَّبعِيُّ,
الأَصْبَهَانِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ "المُعْجَمَ الصَّغِيْرَ" مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ
رِيْذَةَ، وَسَمِعَ مِنْ جَدِّهِ المُطَهَّر، وَجَعْفَرِ
بنِ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ، وَسَمِعَ كتاب "الرهبان"
لِلأَسَلِي، مِنْ أَبِي القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ
أَبِي بكرٍ الذَّكوَانِيُّ، وَكِتَابَ "شُيُوْخ شُعْبَة"
لِلطَّيَالسِي مِنْهُ عَنْ أَبِي الشَّيْخِ، وَكِتَاب
"العِيْد" لأَبِي الشَّيْخِ, وَكِتَاب "الأَطعمَة" لابْنِ
أَبِي عَاصِمٍ، وَكِتَاب "السّنَة" ليَعْقُوْب الفَسَوِيّ،
وَكِتَابَ "المِحنَةِ" جَمع صَالِح بن أَحْمَدَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو العَلاَءِ العَطَّار، وأبو موسى
المديني، ويحيى بن محمود الثقفي وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: هُوَ شَيْخٌ، سديدٌ، صَالِحٌ، هُوَ
أَبُو شَيْخَيْنَا عَبْدِ المُغِيْث وَعبدِ الجَلِيْل.
قَالَ أَبُو مُوْسَى: تُوُفِّيَ فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ
الأول، سنة ست عشرة وخمس مائة.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 250"، ووفيات الأعيان
لابن خلكان "1/ 99"، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي
"7/ 207"، وطبقات الشافعية للسبكي "6/ 30"، وشذرات الذهب
لابن العماد الحنبلي "4/ 61".
(14/336)
العلوي، ابن سارة:
4689- العَلَوي 1:
الشَّيْخُ الكَبِيْرُ، شَيْخُ الصُّوْفِيَّة
بِأَصْبَهَانَ، السَّيِّدُ أَبُو مُحَمَّدٍ حَمْزَةُ بنُ
العَبَّاسِ بنِ عَلِيٍّ العَلَوِيّ الحُسَيْنِيّ،
الأَصْبَهَانِيّ, الصُّوْفِيّ، مُكْثِر عَنْ أَبِي طَاهِر
بن عَبْدِ الرَّحِيْمِ، وَكَانَ مُقَدَّم الطَّائِفَة،
وَيُعْرَفُ ببرطلة.
رَوَى عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَأَبُو سَعْدٍ الصَّائِغ،
وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبدِ
الخَالِق بن أَبِي شكر الجَوْهَرِيّ، وَعَفِيفَةُ
الفَارفَانِيَة خاتمَة أَصْحَابِهِ، وَذَكَرَهُ
السَّمْعَانِيُّ فِي شُيُوْخِهِ بِالإِجَازَةِ.
تُوُفِّيَ فِي سَادس عَشَر جُمَادَى الأُوْلَى, سَنَةَ
سَبْعَ عَشْرَةَ وخمس مائة.
4690- ابن سارة 2:
شَاعِرُ الأَنْدَلُسِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ صَارَة، وَيُقَالُ: سَارَة -اللُّغَوِيّ,
الشَّنْتَرِينِي، نزيل إشبيلية.
نَسَخَ بِخطِّه المَلِيْحِ لِلنَّاسِ كَثِيْراً، وَمَدَحَ
الأُمَرَاء، وَكَتَبَ لِبَعْضِهِم، وَلَهُ "دِيْوَانٌ"
مَشْهُوْر. تُوُفِّيَ سَنَةَ سبع عشرة وخمس مائة.
__________
1 ترجمته في العبر "4/ 40"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/
55".
2 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ 93"، والعبر "4/
40"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 55".
(14/337)
4691- الحريري
1:
العَلاَّمَةُ البَارعُ، ذُو البلاغتين، أَبُو مُحَمَّدٍ
القَاسِم بن علي بن مُحَمَّد بن عُثْمَانَ البَصْرِيّ
الحرَامِي الحَرِيْرِيّ، صَاحِبُ "المقَامَات".
وُلِدَ بقَرْيَة المَشَانِ مِنْ عمل البَصْرَة.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي تَمَام مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ
مُوْسَى، وَأَبِي القَاسِمِ الفَضْلِ القصَبَانِي،
وَتَخَرَّجَ بِهِ فِي الأَدب.
قَالَ ابْنُ افْتخَارٍ: قَدِمَ الحَرِيْرِيُّ بَغْدَاد،
وَقرَأَ عَلَى عَلِيِّ بنِ فَضَال المُجَاشِعِيّ،
وَتَفَقَّهَ عَلَى ابْنِ الصَّبَّاغ، وَأَبِي إِسْحَاقَ
الشِّيرَازِي، وَقرَأَ الفَرَائِضَ عَلَى الخَبْرِيِّ،
ثُمَّ قَدِمَ بَغْدَادَ سَنَةَ خَمْس مائَة، وَحَدَّثَ
بِهَا بِجُزْءٍ مِنْ حَدِيْثِهِ وَبِمقَامَاتِهِ، وَقَدْ
أَخَذَ عَلَيْهِ فِيْهَا ابن الخشاب أوهامًا يسيرة اعْتذر
عَنْهَا ابْنُ بَرِّي.
قُلْتُ: وَأَملَى بِالبَصْرَةِ مَجَالِسَ، وَعَمِلَ
"دُرَّةَ الغَوَّاصِ فِي وَهْمِ الخَوَاصِ"، وَ
"المُلْحَةَ" وَشَرَحَهَا، وَ "دِيْوَاناً" فِي الترسُّل،
وغير ذلك، وخضع لنظمه نثره البُلغَاءُ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ؛ أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ،
وَالوَزِيْرُ عَلِيّ بن طِرَاد، وَقِوَامُ الدّين عَلِيُّ
بن صَدَقَةَ، وَالحَافِظُ ابْنُ نَاصر، وَأَبُو العَبَّاسِ
المَنْدَائِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ النَّقُّوْرِ،
وَمُحَمَّدُ بنُ أَسْعَد العِرَاقِي، وَالمُبَارَكُ بن
أَحْمَدَ الأَزَجِي، وَعَلِيُّ بنُ المُظَفَّر الظهيرِي،
وَأَحْمَد بن النَّاعم، ومنوجهر بن تركانشاه، وأبو الكرام
الكَرَابِيسِي، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ المُتَوَكِّل،
وَآخَرُوْنَ.
وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ أَبُو طَاهِرٍ
الخُشُوْعِيّ الَّذِي أَجَازَ لِشُيُوْخنَا، فَعن
الحَرِيْرِيِّ قَالَ: كَانَ أَبُو زَيْد السَّرُوجِي
شَيْخاً شَحَّاذاً بَلِيْغاً، وَمُكْدِياً فَصِيْحاً،
وَرَدَ البَصْرَةَ عَلَيْنَا، فَوَقَفَ فِي مَسْجِدِ بَنِي
حَرَام، فَسَلَّمَ، ثُمَّ سَأَلَ، وَكَانَ الوَالِي
حَاضِراً، وَالمَسْجَدُ غَاصٌّ بِالفُضَلاَء،
فَأَعْجَبتهُم فَصَاحَتُهُ، وَذَكَرَ أَسْرَ الرُّوْم
وَلدَه كَمَا ذكرنَا فِي "المقَامَة الحرَامِيَة" فَاجتمع
عِنْدِي جماعةٌ، فَحكيتُ أَمرَه، فَحكَى لِي كُلُّ وَاحِدٍ
أَنَّهُ شَاهَدَ مِنْهُ فِي مَسْجِدٍ مِثْل مَا شَاهدتُ،
وَأَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ معنى فِي فَصل، وَكَانَ يُغَيِّر
شكلَه، فَتَعجَّبُوا مِنْ جريانه في ميدانه، وتصرفه في
__________
1 ترجمته في الأنساب للسمعاني "4/ 95 و 121"، والمنتظم
لابن الجوزي "9/ 241"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "16/
261"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "4/ 63"، وتذكرة الحفاظ
"4/ ص1257"، والعبر "4/ 38"، ووفيات الأعيان لابن خلكان
"4/ 63"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص 1257"، والعبر "4/ 38"،
وطبقات الشافعية للسبكي "7/ 266"، والنجوم الزاهرة لابن
تغرى بردى "5/ 225"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/
50".
(14/338)
تَلُوُّنِهِ، وَإِحسَانه، وَعَلَيْهِ
بَنَيْتُ هَذِهِ المقَامَات. نَقل هَذِهِ القِصَّة التَّاج
المَسْعُوْدِيّ, عَنِ ابْنِ النَّقُّوْرِ عَنْهُ.
قُلْتُ: اشتهرتِ المقَامَاتُ، وَأَعْجَبت وَزِيْرَ
المُسْترشد شرفَ الدّين أَنوشِروَان القَاشَانِي،
فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِإِتمَامهَا، وَهُوَ القَائِلُ فِي
الخطبَة: فَأَشَارَ مَنْ إِشَارته حكمٌ، وَطَاعته غنمٌ.
وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ الرَّاوِي لَهَا بالحارث بن همام،
فعنى به نَفْسَه أَخْذاً بِمَا وَرَدَ فِي الحَدِيْثِ:
"كُلُّكُمْ حَارِثٌ، وَكُلُّكُم همَّام"1 فَالحَارِثُ:
الكَاسب، وَالهمَّام: الكَثِيْرُ الاهتمَامِ، فَقصَدَ
الصِّفَة فِيْهِمَا، لاَ العَلَمِيَّة.
وَبنُو حَرَام: بِحَاء مَفْتُوْحَة وَرَاءٍ، وَالمشَان
بِالفَتْح: بُليدَة فَوْقَ البَصْرَة مَعْرُوْفَة بِالوخم.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَان: وَجَدْت فِي عِدَّة تَوَارِيخَ
أَنَّ الحَرِيْرِيَّ صَنَّفَ "المقامات" بإشارة أنوشروان،
إِلَى أَنْ رَأَيْتُ بِالقَاهِرَةِ نسخَةً بِخَطِّ
المصَنّف، وَقَدْ كتب أَنَّهُ صنفهَا لِلوزِيْر جلاَل
الدّين أَبِي عَلِيٍّ بنِ صَدَقَةَ وَزِيْرِ المُسْترشدِ،
فَهَذَا أَصَحُّ، لأَنَّه بِخَطِّ المُصَنِّفِ.
وَفِي "تَارِيخ النُّحَاةِ" لِلْقِفطِيِّ أَنَّ أَبَا
زَيْدٍ السَّروجِي اسْمُهُ مُطهَّر ابن سلاَّر، وَكَانَ
بَصْرِيّاً لغوياً، صَحِبَ الحَرِيْرِيّ، وَتَخَرَّج بِهِ،
وَتُوُفِّيَ بَعْد عَامِ أَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ،
سَمِعَ أَبُو الفَتْحِ المَنْدَائِيُّ مِنْهُ "المُلحَة"
بِسمَاعه مِنَ الحَرِيْرِيّ.
وَقِيْلَ: إِنَّ الحَرِيْرِيّ عَمِلَ المقَامَات
أَرْبَعِيْنَ وَأَتَى بِهَا إِلَى بَغْدَادَ، فَقَالَ
بَعْضُ الأَدبَاء: هَذِهِ لِرَجُلٍ مَغْرِبِي مَاتَ
بِالبَصْرَةِ، فَادَّعَاهَا الحَرِيْرِيُّ، فَسَأَلَهُ
الوَزِيْرُ عَنْ صنَاعته، فَقَالَ: الأَدبُ، فَاقترح
عَلَيْهِ إِنشَاءَ رِسَالَةٍ فِي واقعةٍ عَيَّنهَا، فانفرد
وقعد زمانا لم يفتح عليه ما يَكتُبُه، فَقَامَ خجلاً.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ أَفلح الشَّاعِر:
شيخٌ لَنَا مِنْ رَبِيْعَةَ الفَرَسِ ... يَنْتِفُ
عُثْنُونَه مِنَ الهَوَسِ
أَنْطَقَهُ اللهُ بِالمَشَانِ كَمَا ... رماه وسط الديوان
بالخرس
__________
1 ورد عند أبي داود "4950" والنسائي "6/ 218- 219"، وأحمد
"4/ 345" من حديث أبي وهب الجشمي مرفوعًا بلفظ:- "تسموا
بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد
الرحمن وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومرة". وهو حديث
صحيح دون قوله: "تسموا بأسماء الأنبياء" فإنها ضعيفة لا
تصح.
(14/339)
وَكَانَ يذكر أَنَّهُ مِنْ رَبِيْعَة
الفَرَس، وَكَانَ يَعْبَثُ بِلحيته، فَلَمَّا ردَّ إِلَى
بَلَده، كَمَّلَهَا خَمْسِيْنَ وَنفَّذهَا، وَاعْتَذَرَ
عَنْ عِيِّهِ بِالهَيْبَةِ.
وَقِيْلَ: بَلْ كَرِهَ المُقَامَة بِبَغْدَادَ،
فَتَجَاهَلَ، وَقَبَّل صغِيراً بحلقة. وَكَانَ غنِيّاً
لَهُ ثَمَانِيَةَ عشرَ أَلفَ نَخلَةٍ.
وَقِيْلَ: كَانَ عفشاً زَرِيَّ اللِّباس فِيْهِ بخل،
فَنَهَاهُ الأَمِيْرُ عَنْ نَتف لِحْيته، وَتوعَّده،
فَتكلّم يَوْماً بِشَيْءٍ أَعْجَبَ الأَمِيْرَ، فَقَالَ:
سَلْنِي مَا شِئْت، قَالَ: أَقطعنِي لحيتِي، فَضَحِكَ،
وَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ.
تُوُفِّيَ الحَرِيْرِيّ فِي سَادِس رَجَب, سَنَةَ سِتَّ
عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة بِالبَصْرَةِ، وخلَّف ابْنِيْنَ:
نَجم الدّين عَبْد اللهِ، وَقَاضِي البَصْرَةِ ضيَاء
الإِسْلاَم عُبيد الله، وَعُمُرُهُ سَبْعُوْنَ سَنَةً.
(14/340)
4692- ابن السَّمَرْقَندي 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ، المُحَدِّثُ المُتْقِنُ، أَبُو
مُحَمَّدٍ عَبْدُ الله بن المُقْرِئِ المُحَقِّقِ أَحْمَد
بن عُمَرَ بنِ أَبِي الأَشْعَثِ بن السَّمَرْقَنْدي،
الدِّمَشْقِيُّ المَوْلِد، البَغْدَادِيُّ الدَّارِ،
اللُّغَوِيّ، أَخُو المُحَدِّث إِسْمَاعِيْل.
سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ الخَطِيْب، وَعَبْدَ العَزِيْزِ
الكَتَانِي، وَأَبَا نَصْرٍ بنَ طَلاَّب، وَعبدَ الدَّائِم
الهِلاَلِي بِدِمَشْقَ، وَأَبَا الحُسَيْنِ بن
النَّقُّوْرِ، وَالصَّرِيفِيْنِي، وَعِدَّةً بِبَغْدَادَ،
وَعبدَ الرَّحْمَن بن مُحَمَّدِ بنِ عَفِيْفٍ بِبُوشنج،
وَعَلِيُّ بنَ مُوْسَى الموسوِي بِمَرْوَ، وَكَامِلَ بن
إِبْرَاهِيْمَ الخَنْدَقِي بجرجان، وَالفَضْلَ بنَ
المُحِبِّ، وعدةٌ بِنَيْسَابُوْرَ، وَأَبَا مَنْصُوْرٍ بن
شكرويه وَطَبَقَتَهُ بِأَصْبَهَانَ.
وَعُنِيَ بِالحَدِيْثِ، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَكَانَ
يَفهَم وَيَدْرِي، مَعَ الإِتْقَان وَالتَّحرِّي
وَالدِّيْنِ، وَسَعَةِ الأَدبِ، وَكَانَ يَقرَأُ لنِظَام
المُلك عَلَى الشُّيُوْخِ، وَيُفِيدُهُ.
خَرَّجَ لِنَفْسِهِ "المُعْجَمَ".
مَوْلِدُهُ سَنَةَ "444".
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَقَالَ: كَانَ فَاضِلاً
عَالِماً، ثِقَةً، ذَا لسنٍ وعربيةٍ، إِذَا قرَأَ أَعربَ
وَأَغرب.
قُلْتُ: مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ
وَخَمْس مائَة، وَكَانَ أَبُوْهُ مِنْ كِبَارِ تَلاَمذَةِ
أَبِي عَلِيٍّ الأَهْوَازِيّ فِي القِرَاءات، وَسيَأْتِي
أَخُوْهُ إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ يَكتُب
مَلِيحاً، وَيَضْبِطُ صَحِيْحاً، كَانَ مَوْصُوَفاً
بِالحِفْظ وَالثِّقَة. رَوَى عَنْهُ: أَخُوْهُ وَبِنْتُه
كَمَال، وَابْنُ نَاصر، وَهِبَةُ اللهِ بن مُكرَّم،
وَشَيْخَانَا ذَاكرُ بنُ كَامِلٍ، وَيَحْيَى بنُ بَوشٍ.
وَقَالَ عَبدُ الغَافِر فِي "السِّيَاق": أَبُو مُحَمَّدٍ
السمرقندي شاب، فَاضِلٌ، حَافظٌ، حديدُ الخَاطرِ، خَفِيفُ
الرُّوح.
إِلَى أن قال: كان حافظ وقته.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 238"، والعبر "4/
37"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1065"، وشذرات الذهب لابن
العماد "4/ 49".
(14/340)
4693- أبو سعد
بن الطيوري 1:
الشَّيْخُ الصَّدُوْقُ المُسْنِدُ، أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدَ
بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ بنِ أَحْمَدَ بنِ القَاسِمِ
الصَّيْرَفِيِّ, ابنُ الطيورِي البَغْدَادِيُّ، المُقْرِئُ
الدَّلاَّلُ فِي الكُتُبِ، أَخُو المُحَدِّث أَبِي
الحُسَيْنِ.
كَانَ صَالِحاً، مُقْرِئاً، مُكْثِراً.
سَمِعَ: أَبَا طَالب بن غَيْلاَنَ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ
الخَلاَّل، وَأَبَا الطَّيِّب الطَّبَرِيّ،
وَالجَوْهَرِيّ، وَالعُشَارِي، وَعِدَّةً.
وَأَجَازَ لَهُ: أَبُو عَلِيٍّ الأَهْوَازِيّ، وَالحَافِظُ
مُحَمَّد بن عَلِيٍّ الصُّوْرِيّ، وَالحَسَنُ بنُ
مُحَمَّدٍ الخَلاَّل، وَطَائِفَة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: قرَأَ بِالروَايَاتِ عَلَى أَبِي
بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الخَيَّاط، وأبي علي بن
البناء.
قَالَ: وَأَجَازَ لَهُ عَبْدُ العَزِيْزِ بن عَلِيٍّ
الأَزَجِي وَغَيْرهُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَالصَّائِنُ
بنُ عَسَاكِرَ، وَابْن بَوش، وَذَاكرُ بنُ كَامِلٍ
وَعِدَّة، وَتَفَرَّد بِإِجَازته: يَحْيَى بن بَوش،
وَعفِيفَةُ الفَارفَانِيَة.
تُوُفِّيَ فِي رَجَبٍ, سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ
مائَة, وَكَانَ مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ
وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: صدوقٌ، صَحِيْحُ السَّمَاع،
دَلاَّلٌ فِي الكُتُبِ.
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، أَنْبَأَنَا يَحْيَى
بنُ بَوش، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ
قِرَاءةً عَلَيْهِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ،
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا
الحَارِثُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ،
أَخْبَرْنَا ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ حَكِيْمِ بنِ
جَابِرٍ، عَنْ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ: سَمِعْتُ
رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُوْلُ: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ،
يَداً بِيَدٍ" وَذَكَرَ الحَدِيْثَ2.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 247"، والعبر "4/
39"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص1265"، وشذرات الذهب لابن العماد
الحنبلي "4/ 53".
2 صحيح: أخرجه أحمد "5/ 320"، ومسلم "1587"، وأبو داود
"3349"، والترمذي "1240"، والدارمي "2/ 258"، والبيهقي "5/
278 و 284".
(14/341)
ابن المهتدي بالله،
الفرضي:
4694- ابن المُهْتَدِي بالله 1:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، الصَّالِحُ العَدْلُ الصَّادِقُ،
أَبُو الغَنَائِمِ مُحَمَّدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ
بنِ مُحَمَّدِ بنِ الْمُهْتَدي بِاللهِ الهَاشِمِيُّ
العَبَّاسِيُّ، البَغْدَادِيُّ الحَرِيْمِيُّ، الخَطِيْبُ،
مِنْ بَقَايَا المُسْنِدِينَ بِبَغْدَادَ.
سَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ بنَ لُؤْلُؤ، وَأَبَا الحَسَنِ
القَزْوِيْنِيّ، وَأَبَا إِسْحَاقَ البَرْمَكِيّ، وَأَبَا
مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ نَاصر، وَالسِّلَفِيّ، وَذَاكرُ بنُ
كَامِلٍ، وَأَبُو طَاهِرٍ المُبَارَك بن الْمَعْطُوشِ،
وَآخَرُوْنَ، وَأَجَازَ لِلْخُشوعِي.
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ستٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ
مائَةٍ، ومات: في ربيع الأول سنة "517".
4695- الفَرَضِي
الشَّيْخُ أَبُو المَعَالِي هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ
بنِ أَحْمَدَ بنِ مُسْلِمٍ البَغْدَادِيّ، الفَرَضِيّ،
أَخُو نَصْرِ اللهِ.
سَمِعَ: أَبَا طَالب بن غَيْلاَنَ، وأبا محمد بن الخلال،
والجوهري.
رَوَى عَنْهُ المُبَارَكُ بنُ كَامِلٍ، وَيَحْيَى بن بَوش،
وَغَيْرهُمَا.
ذكره ابْن النَّجَّار.
مَاتَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ
مائَة، وَلَهُ تسعون سنة, رحمه الله.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 248"، والعبر "4/
41"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 57".
(14/342)
النوحي، الزعفراني:
4696- النُّوحي 1:
الإِمَامُ المُحَدِّثُ، الفَقِيْهُ الخَطِيْبُ الكَبِيْرُ،
أَبُو إِبْرَاهِيْمَ إِسْحَاق بنُ مُحَمَّدِ بنِ
إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ نُوْح
النُّوحِي, النَّسفِي, الحَنَفِيّ، شَيْخُ الحَنَفِيَّة،
رَاوِي كِتَاب "تَنبيه الغَافلين" عَنْ مُحَمَّدِ بنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَافلَةِ مُحَمَّد بن عَلِيٍّ
التِّرْمِذِيّ صَاحِبِ المُؤلف أَبِي اللَّيْثِ
السَّمَرْقَنْدي، وَرَوَى أَيْضاً عَنْ: عُمَرَ بنِ
أَحْمَدَ بنِ شَاهِيْنٍ السَّمَرْقَنْدي، وَعَلِيِّ بنِ
الحُسَيْنِ السَّعْدِيّ، وَعَلِيِّ بن حَسَنِ بنِ مَكِّيّ
النَّسفِي، وَالعَلاَّمَة عَبْدِ العَزِيْزِ بن أَحْمَدَ
الحَلوَائِي، وَالحَافِظ أَبِي مَسْعُوْدٍ أَحْمَدَ بنِ
مُحَمَّدٍ البَجَلِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عُمَرُ بنُ حَسَن الدَّرْغِي،
وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ يَعْقُوْبَ الوَاعِظ، وَمُحَمَّدُ بنُ
مُحَمَّدٍ السَّعْدِيّ المُؤَدِّب، وَمُحَمَّد بن يُوْسُفَ
النُّجَانِيكثي، وَأَسَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ
القَطَوَانِي، وَمُحَمَّدُ بن محمد بن فَارِس الهَاشِمِيّ،
وَمَحْمُوْدُ بنُ عَلِيٍّ النَّسفِي، وَعَلِيّ بن عبد
الخَالِق اليَشْكُرِيّ مشيخَةِ أَبِي المُظَفَّر
السَّمْعَانِيّ، وَعِدَّة.
أَملَى مُدَّة بِسَمَرْقَنْدَ مِنْ أُصُوْله، وَكَانَ مِنْ
كِبَارِ الأَئِمَّة.
مَاتَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ
وَخَمْسِ مائَة، وَلَهُ خمسٌ وثمانون سنة.
4697- الزَّعْفَراني 2:
الشَّيْخُ الإِمَامُ، الفَقِيْهُ العَلاَّمَةُ،
المُحَدِّثُ الثَّبْتُ, الصَّالِحُ، أَبُو الحَسَنِ
مُحَمَّدُ بنُ مَرْزُوْق بن عَبْدِ الرَّزَّاقِ بن
مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيّ, الزَّعْفَرَانِيّ، الجَلاَّب،
الشَّافِعِيّ.
مولده سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ
مائَةٍ، وَكَانَ تَاجِراً جَوَّالاً.
سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ الخَطِيْب، فَأَكْثَر، وَأَبَا جعفر
بن المسلمة، وعبد الصمد بن المأمون، وَأَبَا الحُسَيْنِ بن
الْمُهْتَدي بِاللهِ، وَابْن النَّقُّوْرِ، وَسَمِعَ
بِدِمَشْقَ: أَبَا نَصْرٍ بن طَلاَّب، وَبِالبَصْرَةِ:
مُحَمَّد بن عَلِيٍّ السِّيرَافِي، وَأَبَا عَلِيٍّ
التُّسْتَرِيّ، وَبِأَصْبَهَانَ: أَبَا مَنْصُوْرٍ بن
شكرويه، وَطَائِفَة. وَبمصر مِنْ: صَالِح بن إِبْرَاهِيْمَ
بنِ رِشْدِيْنَ، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَحرَّر، وَقيَّدَ
وَجَمَعَ وَصَنَّفَ، وَتَفَقَّهَ عَلَى الشيخ أبي إسحاق،
فبرع في المذهب.
حَدَّثَ عَنْهُ: يُوْسُفُ بنُ مَكِّيٍّ، وَأَبُو طَاهِرٍ
بن الحصني، وهبة الله ابن الحَسَنِ الصَّائِنُ، وَأَبُو
طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَعَبْدُ الحَقِّ اليُوسُفِيُّ،
وَأَخُوْهُ عَبْدُ الرَّحِيْمِ، وَيَحْيَى بن بَوشٍ،
وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ بِبَغْدَادَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ
وَخَمْسِ مائَة.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو سَعْدٍ بنُ الطُّيورِي، وَأَبُو
عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ
الخَيَّاط التَّغْلِبِيّ، شَاعِر الشَّام، وَأَبُو
مُحَمَّدٍ حَمْزَةُ بنُ العَبَّاسِ العَلَوِيّ، وَظرِيفُ
بنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُوْرِيّ، وَأَبُو نَهْشَل عبدُ
الصَّمد بن أَحْمَدَ العَنْبَرِيُّ، وَأَبُو الغَنَائِمِ
بنُ الْمُهْتَدي بِاللهِ، وَأَبُو صَادِقٍ مُرْشِدُ بنُ
يَحْيَى المَدِيْنِيُّ، وَأَبُو عِمْرَانَ مُوْسَى بنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أبي تليد الشاطبي.
__________
1 ترجمته في اللباب لابن الأثير "3/ 329".
2 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 249"، والعبر "4/
41"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص1265"، وشذرات الذهب لابن العماد
"4/ 57".
(14/343)
الدشتج، المرتب:
4698- الدَّشتج 1:
الشَّيْخُ المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ الوَقْت، أَبُو طَاهِرٍ
عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ
الهَيْثَمِ الأصبهاني, الذهبي، الصباغ, الدشتي، ويقال:
الدشتج.
خَاتمَةُ مَنْ رَوَى عَنْ: أَبِي نُعَيْمٍ الحَافِظ،
وَعبدِ الرَّحْمَن بن أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ الصَّفَّار.
وَقَدْ سَمِعَ أَيْضاً مِنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ رِيذه،
وَأَبِي الوَفَاء مَهْدِيّ بن مُحَمَّدٍ، وَعبيدِ الله بن
المُعتز، وَغَيْرِهِم.
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَأَبُو مُوْسَى
المَدِيْنِيّ، وَأَحْمَدُ بنُ الفَضْلِ الكَرَّانِيّ،
وَعفِيفَةُ الفَارفَانِيَة، وَعبدُ الوَاحِد بن أَبِي
المطهَّر، وَآخَرُوْنَ، وَبَالحُضُوْر يَحْيَى الثَّقفِي،
وَأَبُو جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيّ، وَسمَاعُهُ مِنْ أَبِي
نُعَيْمٍ حُضُوْر.
مَاتَ فِي ثَانِي عشرَ رَبِيْعٍ الأَوّلِ سَنَةَ ثَمَانَ
عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة، وَلَهُ نَيِّفٌ وَتِسْعُوْنَ
سَنَةً.
4699- المُرَتَّب
الإمام أبو الحسن علي بن أَبِي القَاسِمِ أَحْمَدَ بنِ
مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيّ، الدَّهَّان، المُرتِّب، كَانَ
مُرتِّباً لِلصُّفوف بِجَامِعِ المَنْصُوْر، وَكَانَ
يُؤرِّخُ، وَيُذَاكر، لَكنَّه أُمِّي.
سَمِعَ: أَبَا الغنَائِم بنَ المَأْمُوْن، وَابْنَ
المُهتدي بِاللهِ، وَصَحِبَ أَبَا علي بن الشبل.
رَوَى عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَخطيبُ المَوْصِل، وَمُحَمَّد
بن درمَا الصِّلحِي، وَطَائِفَة.
تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَان عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: سَمِعَ المُرَتِّب لِنَفْسِهِ فِي
جزءٍ عَلَى الخَطِيْب، وَأَرَّخَهُ سَنَةَ خمس وستين،
فافتضح.
__________
1 ترجمته في العبر "4/ 43".
(14/344)
الدقاق، أبو صادق
المديني:
4700- الدقاق 1:
الحَافِظُ الأَوحدُ، المُفِيْدُ الرَّحَّال، أَبُو عَبْدِ
اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بن محمد الأصبهاني,
الدَّقَّاق.
كَانَ يَقُوْلُ: عُرِفْتُ بَيْنَ الطَّلبَةِ بِالدَّقَّاق
بِصديقِي أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاق، وَوُلِدْتُ بِمحلَة
جُروَاءان سَنَةَ بضعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعْتُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ مِنَ:
الخَطِيْب عَبْدِ اللهِ بنِ شَبِيْبٍ الضَّبِّيّ،
وَأَحْمَد بنِ الفَضْلِ البَاطِرْقَانِي، وَسَعِيْد
العيَّار، وَأَبِي الفَضْلِ عَبْد الرَّحْمَنِ بن أَحْمَدَ
الرَّازِيّ، وَأَصْحَابِ ابْنِ المُقْرِئ، وَشيخنَا أَبِي
القَاسِمِ ابْن مَنْدَه.
وَأَوَّلُ رِحلتِي كَانَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ،
وَسَمِعْتُ بِنَيْسَابُوْرَ وَطُوسَ، وَسَرْخَسَ وَمَرْوَ،
وَهَرَاةَ وَبَلْخَ، وَجُرْجَانَ، وَبُخَارَى،
وَسَمَرْقَنْد, وَكِرْمَان، وَلَمْ نَصِلْ إِلَى
العِرَاقِ.
إِلَى أَنْ قَالَ: فَأَمَّا الَّذِيْنَ كَتَبتُ عَنْهُم
بِأَصْبَهَانَ، فَأَكْثَر مِنْ أَلفِ شَيْخ، وَكَتَبتُ فِي
الرّحلَة عَنْ أَكْثَر مِنْ أَلفٍ أُخْرَى، فَقَدْ
سَمِعْتُ بِهَرَاةَ وَنِيسَابُوْر مِنْ سِتِّ مائَة.
قُلْتُ: كَانَ الدَّقَّاق مُحَدِّثاً مُكْثِراً، أَثرِيّاً
متبعاً، فَقيراً متعففاً ديِّناً.
حَدَّثَ عنه: السلفي، وأبو سعد الصائغ، وأبو موسى
المَدِيْنِيّ، وَخَلِيْلُ بنُ بَدْرٍ الرَّارَانِيّ،
وَعِدَّة.
مَاتَ فِي شَوَّال، فِي سَادِسِهِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ
وخمس مائة.
4701- أبو صادق المديني 2:
المُحَدِّثُ الثِّقَةُ العَالِمُ، أَبُو صَادِق مرشدُ بنُ
يَحْيَى بنِ القَاسِمِ المَدِيْنِيّ، ثُمَّ المِصْرِيّ.
سَمِعَ: أَبَا الحَسَنِ عَلِيّ بن حِمِّصَة، وَعَلِيَّ بنَ
رَبِيْعَةَ، وَأَبَا القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ
الفَارِسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الطَّفَال،
وَدَاجِناً السَّدُوْسِيَّ، وَالحكيمِي، وعدة.
وَأَجَازَ لَهُ عَلِيُّ بنُ مُنِيْر الخَلاَّل، وَأَبُو
الحَسَنِ بنُ صَخْر، وَطَائِفَة.
قَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ ثقةٌ، صَحِيْحَ الأُصُوْل،
أَكْثَرُهَا بِخَطِّ ابْنِ بقَاء وَبقِرَاءته.
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ
الرَّحَبِيّ، وَعشيرُ بن عَلِيٍّ المزَارع، وَعَلِيُّ بنُ
هِبَةِ اللهِ الكَامِلِي، وَعَبْد اللهِ بن برِّي
النَّحْوِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ
البُوصِيْرِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وخمس
مائة.
__________
1 ترجمته في العبر "4/ 38"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة
1061"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 53".
2 ترجمته في العبر "4/ 41"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/
57".
(14/345)
4702- ابن الخيَّاط 1:
شَاعِرُ عَصْرِهِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بن يَحْيَى بنِ صَدَقَة
التَّغْلِبِيّ, الدِّمَشْقِيّ, الكَاتِبُ، مِنْ كِبَارِ
الأَدبَاء، وَنظمُهُ فِي الذِّرْوَةِ، وَ "دِيْوَانُهُ"
شَائِع، عَاشَ سَبْعاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً، وَتُوُفِّيَ:
سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائة.
وَلَهُ:
أَوَ مَا تَرَى قَلَقَ الغَدِيْرِ كَأَنَّهُ ... يَبْدُو
لِعَيْنِكَ مِنْهُ حَلْيُ مَنَاطِقِ
مُتَرَقْرِقٍ لَعِبَ الشُّعَاعُ بِمَائِهِ ... فَارْتَجَّ
يَخْفِقُ مِثْلَ ثَلْبِ العَاشِقِ
فَابْن الخَيَّاط الدِّمَشْقِيّ، هُوَ أَحْمَد بن سنِي
الدَّوْلَة أَبِي الكَتَائِب الكَاتِب ابْنِ عَلِيٍّ،
وَهُوَ مِنْ طَرَابُلُس، وَكَتَبَ أَبُو عَبْدِ اللهِ
بحَمَاة لأَبِي الفوَارس بن مَانك، وَخدمه مُدَّةً، ثُمَّ
اشْتُهِرَ بِالشّعر، وَمدحَ المُلُوْكَ وَالأُمَرَاءَ،
وَاجتمع بِحَلَبَ بِالأَمِيْر أَبِي الفِتيَان بن حيُّوس،
وَرَوَى عَنْهُ، وَعَنِ: السَّابِق مُحَمَّد بن الخَضِر بن
أَبِي مَهْزُول المعرِي، وَحَسَّان بن الحُبَابِ، وَأَبِي
نَصْرٍ بن الخيسِي، وَعَبْد اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ
الدويدَة.
رَوَى عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الطُّليطُلِيُّ،
وَمُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ القَيْسَرَانِيّ الشَّاعِر،
وَتَخَرَّج بِهِ.
وَقَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ ابْنُ الخَيَّاط شَاعِرَ
الشَّام.
وَقَالَ لِي أَبُو الفوَارس نَجَاءُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ
العُمَرِيّ بِدِمَشْقَ سَنَة عَشْرٍ _ وَكَانَ شَاعِراً
مُفلقاً _ ابْنُ الخَيَّاط فِي عصره أَشعرُ الشَّامِيّين
بِلاَ خلاف.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "1/ 145"، والعبر
"4/ 39"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 226"، وشذرات
الذهب لابن العماد "4/ 54".
(14/346)
قَالَ السِّلَفِيّ: وَقَدِ اخْترتُ مِنْ
شِعْرِهِ "مجلدَة" لطيفَة، وَسَمِعتُهَا مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ الخَيَّاط: دَخَلتُ فِي الصِّبَا عَلَى
الأَمِيْرِ ابْن حيُّوس بِحَلَبَ وَهُوَ مُسِنٌّ،
فَأَنشدتُهُ لِي:
لَمْ يَبْقَ عِنْدِي مَا يُبَاعُ بدرهمٍ ... وَكَفَاكَ
عَيْنُ مَنْظَرِي عَنْ مخبري
إِلاَّ صُبَابَةَ مَاءِ وجهٍ صُنْتُهَا ... مِنْ أَنْ تباع
وأين المُشْتَرِي
فَقَالَ لَهُ ابْنُ حيوس: لَوْ قُلْتُ:
وَأَنْتَ نِعْمَ المُشْتَرِي.
لَكَانَ أَحْسَنَ. ثُمَّ قَالَ: كَرُمْتَ عِنْدِي، وَنعيتَ
إِلَيَّ نَفْسِي، فَإِنَّ الشَّام لاَ يَخلو مِنْ شَاعِر
مُجيد، فَأَنْت وَارثي، فَاقصِدْ بنِي عَمَّار
بِطَرَابُلُس، فَإِنَّهُم يُحبُّوْنَ هَذَا الفنَّ، ثُمَّ
وَصَلَه بِثِيَابٍ، وَدَنَانِيْر، وَمَضَى إِلَى بنِي
عَمَّار، فَوصلُوْهُ، وَمدحهُم.
قَالَ العمَادُ الكَاتِب: ابْنُ حيُّوس أَصْنَعُ مِنِ
ابْنِ الخَيَّاط، لَكِن لِشعر ابْنِ الخَيَّاط طَلاَوَةٌ
لَيْسَتْ لَهُ، وَمَنْ كَانَ يَنظر إِلَى ابْنِ الخَيَّاط،
يَعتقِدُه جَمَّالاً أَوْ حَمَّالاً، لِبزَّته وَشكله
وَعرضه.
فَمَنْ قَوْله فِي عضد الدَّوْلَة أبق بن عَبْدِ
الرَّزَّاقِ الأَمِيْر بِدِمَشْقَ قَصِيدَته المَشْهُوْرَة
الفَائِقَة، وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعِيْنَ بَيْتاً،
أَوَّلُهَا:
خُذَا مِنْ صَبَا نجدٍ أمانًا لقلبه ... فقد كاد رياها
يطير بلبه
وَمدح القَاضِي فَخر الْملك أَبَا عَلِيٍّ بن مُحَمَّدِ
بنِ عَمَّارٍ بِطَرَابُلس بِهَذِهِ:
هَبُوا طَيْفَكُمْ أَعْدَى عَلَى النَّاسِ مَسْرَاهُ ...
فَمَنْ لمشوقٍ إِنْ تَهَوَّمَ جَفْنَاهُ
وَهِيَ طَوِيْلَة.
وَلَهُ فِي الرَّئِيْس وَجيهِ المُلْكِ أَبِي الذّوَاد
مُفَرَج بن الحَسَنِ الصُّوْفِيّ:
لَوْ كُنْتَ شَاهِدَ عَبْرَتِي يَوْمَ النَّقَا ...
لَمَنَعْتَ قَلْبَكَ بَعْدَهَا أَنْ يَعْشَقَا
وَعَذَرْتَ فِي أَنْ لاَ أُطِيْقَ تَجَلُّداً ...
وَعَجِبْتَ مِنْ أَنْ لاَ أَذُوْبَ تَحَرُّقَا
إِنَّ الظِّبَاءَ غَدَاةَ رَامَةَ لَمْ تَدَعْ ... إِلاَّ
حَشَىً قَلِقاً وَقَلْباً شَيِّقَا
سَنَحَتْ وَمَا مَنَحَتْ وَكَمْ مِنْ عارضٍ ... قَدْ مَرَّ
مُجْتَازاً عَلَيْكَ وَمَا سَقَى
وَهِيَ طَوِيْلَة.
(14/347)
وَلَهُ فِي أَبق الأَمِيْرِ المَذْكُور
قصيدتُهُ المَشْهُوْرَة:
سَلُوْا سَيْفَ أَلْحَاظِهِ المُمْتَشَقْ ... أَعِنْدَ
القُلُوْبِ دمٌ لِلْحَدَقْ
أَمَا مِنْ معينٍ وَلاَ عاذرٍ ... إِذَا عَنَّفَ الشَّوْقُ
يَوْماً رَفَقْ
تَجَلَّى لَنَا صَارِمُ المُقْلَتَيْـ ... ـنِ مَاضِي
المُوَشَّحِ وَالمُنْتَطَقْ
مِنَ التُّرْكِ مَا سَهْمُهُ إِذْ رَمَى ... بِأَفْتَكَ
مِنْ طَرْفِهِ إذا رَمَقْ
وَليْلَةَ وَافَيْتُهُ زَائِراً ... سَمِيْرَ السُّهَادِ
ضَجِيْعَ القَلَقْ
وَقَدْ رَاضَتِ الكَأْسُ أَخْلاَقَهُ ... وَوَقَّرَ
بِالسُّكْرِ مِنْهُ النَّزَقْ
وَخَفَّ العِنَاقُ فَقَبَّلْتُهُ ... شَهِيَّ المُقبَّلِ
والمعتنق
وَبِتُّ أُخَالِجُ شَكِّي بِهِ ... أزورٌ طَرَا أَمْ خيالٌ
طَرَقْ
أُفَكِّرُ فِي الهَجْرِ كَيْفَ انْقَضَى ... وَأَعْجَبُ
لِلوَصْلِ كَيْفَ اتَّفَقْ
فَلِلْحُبِّ مَا عَزَّ مِنِّي وَهَان ... وَلِلْحُسْنِ مَا
جَلَّ مِنْهُ وَدَقْ
لقد أبق الدمع من راحتي ... لَمَّا أَحَسَّ بِنُعْمَى
أَبَقْ
تَطَاوَحَ يَهْرُبُ مِنْ جُوْدِهِ ... وَمَنْ أَمَّهُ
السَّيْلُ خَافَ الغَرَقْ
وَلَهُ في أبي النجم هبة الله بَدِيع الأَصْبَهَانِيّ
وَزِيْر الْملك تُتُش، مِنْهَا:
وخيلٍ تَمَطَّتْ بِي وليلٍ كَأَنَّهُ ... تَرَادُفُ وَفْدِ
الهَمِّ أَوْ زَاخِرُ اليَمِّ
شَقَقْتُ دُجَاهُ وَالنُّجُوْمُ كَأَنَّهَا ... قلاَئِدُ
نَظْمِي أَوْ مَسَاعِي أَبِي النَّجْمِ
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ الطُّليطلِي: كَانَ
ابْنُ الخَيَّاط أَوّل مَا دَخَلَ طَرَابُلُس وَهُوَ شَابّ
يغشَانِي فِي حَلقتِي، وَيُنشدنِي مَا أَسْتكثرُهُ لَهُ،
فَأَتَّهِمُهُ لأَنَّنِي كُنْتُ إِذَا سَأَلتُهُ عَنْ
شَيْءٍ مِنَ الأَدب، لاَ يَقومُ بِهِ، فَوبَّختُهُ يَوْماً
عَلَى قِطعَة عملهَا، وَقُلْتُ: أَنْتَ لاَ تَقُوْم بنَحْو
وَلاَ لُغَة، فَمِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا الشِّعر? فَقَامَ
إِلَى زَاويَة، فَفَكَّر، ثُمَّ قَالَ: اسَمِع:
وفاضلٍ قَالَ إِذْ أَنْشَدْتُهُ نُخَباً ... مِنْ بَعْضِ
شِعْرِي وَشِعْرِي كُلُّهُ نُخَبُ
لاَ شَيْءَ عِنْدَكَ مِمَّا يَسْتَعِيْنُ بِهِ ... مَنْ
شَأْنُهُ مُعْجِزَاتُ النَّظْمِ وَالخُطَبُ
فَلاَ عروضٌ وَلاَ نحوٌ وَلاَ لغةٌ ... قُلْ لِي فَمِنْ
أَيْنَ هَذَا الفَضْلُ والأدب
(14/348)
فَقُلْتُ قَوْلَ امرئٍ صَحَّتْ
قَرِيْحَتُهُ ... إِنَّ القَرِيحَةَ علمٌ ليس يكتسب
ذَوْقِي عَرُوضِي وَلَفْظِي جُلُّهُ لُغَتِي ...
وَالنَّحْو طَبْعِي فَهَلْ يَعْتَاقُنِي سَبَبُ
فَقُلْتُ: حسبُك، وَاللهِ لاَ اسْتَعظمتُ لَكَ بَعْدَهَا
عَظِيْماً، وَلزَمَنِي بَعْدَ ذَلِكَ، فأفاد من الأدب وما
اسْتَقلَّ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ القَيْسَرَانِيّ: وَقَّعَ هِبَةُ اللهِ بن
بَدِيع أَبُو النّجم لابْنِ الخَيَّاط بِأَلفِ دِيْنَار،
وَهُوَ آخِرُ شَاعِر فِي زَمَانِنَا وقع له بِأَلف
دِيْنَار.
وَلَهُ فِي سديدِ المُلْكِ أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ
مُقَلِّد بنِ نَصْرِ بنِ مُنْقِذ بِشَيْزَرَ:
يَقينِي يَقينِي حَادِثَاتِ النَّوَائِب ... وَحزمِي
حَزْمِي فِي ظُهُوْرِ النَّجَائِبِ
سَيُنْجِدُنِي جيشٌ مِنَ العَزْمِ طَالَمَا ... غَلَبْتُ
بِهِ الخَطْبَ الَّذِي هُوَ غَالِبِي
وَمَنْ كَانَ حَرْبَ الدَّهْرِ عَوَّدَ نَفْسَهُ ...
قِرَاعَ اللَّيَالِي لاَ قِرَاعَ الكَتَائِبِ
وَمَا كُلُّ دانٍ مِنْ مرامٍ بظافرٍ ... وَلاَ كُلُّ ناءٍ
عَنْ رجاءٍ بِخَائِبِ
وَإِنَّ الغِنَى مِنِّي لأَدْنَى مسافةً ... وأقرب مما بين
عيني وحاجبي
سَأَصحَبُ آمَالِي إِلَى ابْنِ مُقَلَّدٍ ... فَتُنْجِحُ
مَا أَلوَى الزَّمَانُ بِصَاحِبِ
فِي أَبيَات.
(14/349)
4703- ابن
الخازن 1:
الأَدِيْبُ أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ
الفَضْل ابْن الخَازن الدِّيْنَوَرِيّ، ثُمَّ
البَغْدَادِيّ، الشَّاعِرُ، صَاحِبُ الخطِّ الفَائِقِ،
وَالنَّظْمِ الرَّائِقِ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَان عَشْرَةَ.
وَخطُّه يُقَارِبُ خَطَّ الكَاتِب أَبِي الفوَارس ابْن
الخَازن.
وَلَهُ ولدٌ نسخ المقَامَاتِ كَثِيْراً، وَهُوَ أَبُو
الفَتْحِ نَصْرُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ الخَازن.
وَكَانَ أَبُو الفوَارس يَرْوِي عَنِ الجَوْهَرِيّ.
قَالَ فِيْهِ السِّلَفِيّ: كَانَ أَحْسَن الناس خطًا.
قُلْتُ: قِيْلَ: نسخَ خَمْسَ مائَة ختمَة، وَلَهُ نظمٌ
أَيْضاً.
تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِ مائَة، وَاسْمُهُ
حُسَيْن بن عَلِيِّ بنِ حُسَيْنٍ الدَّيلمِي، ثم البغدادي.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 204"، ووفيات الأعيان
لابن خلكان "1/ 149"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/
229"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 57".
(14/349)
4704- أبو نَهْشَل:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ المُعَمَّرُ، أَبُو نَهْشَل عَبْدُ
الصَّمَدِ بنُ أَبِي الفوَارس أَحْمَد بن الفَضْلِ
العَنْبَرِيّ، التَّمِيْمِيّ الأَصْبَهَانِيّ.
وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
أَجَازَ لَهُ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ فَاذشَاه، وَقَدْ
سَمِعَ مِنْهُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ
"جُزْءَ الزُّهْد" لأَسَد بن مُوْسَى، شَاهَدتُ الأَصْلَ
بِذَلِكَ، فَهُوَ خَاتِمَة مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ، وَرَوَى
أَيْضاً: عَنْ هَارُوْنَ بنِ مُحَمَّدٍ، وَأَبِي بَكْرٍ
بنِ شَاذَانَ الأَعْرَج، وَابْن رِيذه؛ سَمِعَ مِنْهُ
"مُعْجَمِي الطَّبَرَانِيّ" الأَكْبَر وَالأَصْغَر،
وَسَمِعَ "فَضَائِل القُرْآن" لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ
هَارُوْنَ عَنِ الطَّبَرَانِيّ، وَسَمِعَ "برِّ
الوَالِدّين" لأَبِي الشَّيْخِ، وَأَشيَاء تَفَرَّد بِهَا.
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَأَبُو مُوْسَى
المَدِيْنِيُّ، وَأَبُو جعفر محمد بن إسماعيل الطوسي،
وَمَسْعُوْدُ بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ الجمَّال، وَمَسْعُوْدُ
بنُ مَحْمُوْدٍ العِجْلِيّ، وَعبدُ الوَاحِد بنُ أَبِي
الْمُطهر الصَّيْدَلاَنِيّ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: أَجَازَ لِي، وَكَانَ
مُكْثِراً مُعَمَّراً، وَكَانَ أَبُوْهُ مِنْ فُضلاَءِ
الأُدبَاءِ، وَكَانَ عبدُ الصَّمد مِنْ غُلاَة العَبْد
الرّحمَانِيَة، وَمِنْ مَرْوِيَّاته بِعُلُوٍّ: "فَضَائِل
القُرْآن" لإِسْمَاعِيْلَ بنِ عَمْرٍو البَجَلِيّ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ سَبْعَ
عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة.
أَنْبَأَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي مَنْصُوْرٍ الفَقِيْه،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ سَنَة ثَمَانٍ
وَسِتِّ مائَةٍ، "ح" وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ
مُحَمَّدٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ يَحْيَى قَالاَ: أَخْبَرَنَا
يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ قَالاَ: أَخْبَرَنَا مَسْعُوْدٌ
الجمَال- زَادَ ابْنُ عَبْد الغَنِيِّ، فَقَالَ:
وَأَخْبَرَنَا مَسْعُوْدُ بنُ مَحْمُوْدِ بن خَلَفٍ،
وَعبدُ الوَاحِد بن أَبِي المطهَّر قَالُوا: أَخْبَرَنَا
عبدُ الصَّمد بن أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ سَنَة "432"، أَخْبَرَنَا
سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ
يَزِيْدَ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بنُ مُوْسَى، حَدَّثَنَا
إِسْرَائِيْلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ
بنِ بَشِيْرٍ، سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُوْلُ: "إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ
النَّارِ عَذَاباً يَوْمَ القِيَامَةِ رجلٌ فِي أَخْمَصِ
قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ،
كَمَا يَغْلِي المِرْجَلُ أَوِ القُمْقُمُ" 1.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ شُعْبَةُ، والأعمش عن أبي إسحاق.
أخرجه البخاري ومسلم بطرق.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "6561"، ومسلم "213"، والترمذي
"2604".
(14/350)
ابن الدنف، ابن
الحداد:
4705- ابن الدَّنِف 1:
الإِمَامُ الفَقِيْهُ، العَابِدُ المُقْرِئُ، بَقِيَّةُ
السَّلَفِ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ
عُبَيْد اللهِ بنِ الدَّنِف البَغْدَادِيّ الحَنْبَلِيّ,
الإِسكَافُ.
تَفقَّه بِأَبِي جَعْفَرٍ بن أَبِي مُوْسَى.
وَسَمِعَ مِنْ: عَبْدِ الصَّمَدِ بن المَأْمُوْن، وَأَبِي
جَعْفَرٍ بن المُسْلِمَة، وَالصَّرِيفِيْنِي، وَعِدَّة.
أَخَذَ عَنْهُ ابْنُ نَاصر، وَلاَحِق بن كَاره، وَذَاكرُ
بنُ كَامِلٍ، وَابْن بَوش، وكان من جلة مشايخ العلم.
قرَأَ عَلَيْهِ جماعةٌ، وَانتفعُوا بِهِ.
مَاتَ فِي شَوَّالٍ, سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ
مائَة، وَلَهُ بِضْعٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً.
ذكره ابْنُ النَّجَّار.
4706- ابْنُ الحَدَّاد 2:
الإِمَامُ الحَافِظُ، المُتْقِنُ الثِّقَةُ، العَابِدُ
الخَيِّرُ، أَبُو نُعَيْمٍ عُبَيْد اللهِ ابْن الشَّيْخ
أَبِي عَلِيٍّ الحَسَن بن أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ
الأَصْبَهَانِيّ الحَدَّاد، مفِيدُ أَصْبَهَان فِي
زَمَانِهِ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وستين وأربع مائة.
وسمع: أبا عمرو عبد الوَهَّابِ بن مَنده، وَحَمْدَ بنَ
وَلْكِيز، وَأَبَا طَاهِر أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ النقَاش،
وَسُلَيْمَانَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَعِدَّةً
بِأَصْبَهَانَ، وَأَبَا المُظَفَّر مُوْسَى بنَ عمران،
وأبا بكر بن
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 230"، وشذرات الذهب
لابن العماد "4/ 47".
2 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 247"، والعبر "4/
41"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1067"، وشذرات الذهب لابن
العماد الحنبلي "4/ 56".
(14/351)
خَلَفٍ الشِّيرَازِي، وَخَلْقاً
بِأَصْبَهَانَ، وَشيخَ الإِسْلاَمِ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ
العُمَيْرِي، وَنَجيبَ بنَ مَيْمُوْنٍ، وَأَبَا عَامِرٍ
الأَزْدِيّ بِهَرَاةَ، وَأَبَا الغنَائِم بنَ أَبِي عثمان،
والنعالي، وطراد بن محمد ببغداد.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عبد الوَاحِد: هُوَ صَدِيْقٌ لِي،
أَحَدُ العُلَمَاء فِي فنونٍ كَثِيْرَة، بلغَ مَبْلَغَ
الإِمَامَة بِلاَ مُدَافَعَةٍ، وَلَهُ عِنْدِي أيادٍ
كَثِيْرَة، سفراً وَحضراً، جمع مَا لَمْ يَجْمَعْه أحدٌ
مِنْ أَقْرَانِهِ مِنَ الكُتُب وَالسَّمَاعَات الغزِيْرَة،
صَدُوْقٌ فِي جمعه وَكتبه، أمينٌ فِي قِرَاءته.
قُلْتُ: قَلَّ مَا رَوَى، وَقَدْ نسخ الكَثِيْرَ،
وَصَنَّفَ، وَكَانَ يُكْرِمُ الغربَاء وَيُفِيدهُم،
وَيهبُهُم الأَجزَاء، وَفِيْهِ دينٌ وَتَقوَى وَخَشْيَة،
وَمَحَاسِنُهُ جَمَّة، جمع أَطرَافَ "الصَّحِيْحَيْنِ"،
وَانتشرت عَنْهُ، وَاسْتحسنهَا الفُضَلاَءُ، وَانتقَى
عَلَيْهِ الشُّيُوْخُ، فَالثقفِيَّاتُ مِنْ تخرِيجه.
مَاتَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ
وَخَمْسِ مائَة.
وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: عفِيفَة
الفَارفَانِيَة.
أَنبؤونَا عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مَكِّيّ الحَنْبَلِيّ،
قَالَ: قِيْلَ: إِنَّ أَبَا نُعَيْمٍ بن الحَدَّاد نَاظر
شهردَار بن شِيْرَوَيْه -وَكَانَ قَدْ تَأَخر عَنْ أَبِي
عَلِيٍّ الحَدَّاد لأَجْل سَمَاع "صَحِيْح مُسْلِم" عن
أَبِي الحَسَنِ النَّيْسَابُوْرِيّ- فَقَالَ لَهُ:
سُبْحَانَ اللهِ، تركتَ العَوَالِي عِنْد أَبِي،
وَاشْتَغَلتَ بِالنَّوازل?! فَقَالَ: لَيْسَ عِنْد أَبيك
"صَحِيْح مُسْلِم"، وَهُوَ عَالٍ، قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِن
عِنْدَهُ المخرَّج عَلَيْهِ لأَبِي نُعَيْمٍ الحَافِظ،
وَفِيْهِ عَامَّةُ عَوَالِيه، فَإِذَا سَمِعْتَ تِلْكَ
مِنْ أَبِي، فَكَأَنَّك سمِعتهَا مِنْ عَبْد الغَافِرِ
الفَارِسِيّ، وَلَوْ شِئْتُ لقُلْتُ: كَأَنَّك سَمِعْتَ
بعْضَهَا مِنَ الجُلُودي، وَإِنْ قُلْت: كَأَنَّك
سَمِعتَهَا مِنِ ابْنِ سُفْيَان لَمْ أَكْذِبْ، وَإِنْ
شِئْتُ قُلْتُ: كَأَنَّك سمِعتهَا مِنْ مُسْلِم.
ثُمَّ قَالَ: وَفِيْهِ أَحَادِيْثُ أَعْلَى مِنْ هَذَا،
إِذا سَمِعتهَا من أبي، ساويت البخاري ومسلم، وَمِنْ
جُملتهَا حَدِيْثُ المِسْوَر: "إِنَّمَا فَاطِمَةُ بضعةٌ
مِنِّي".
أَخْبَرَنَا طَائِفَةٌ إِجَازَة أَن عفِيفَة أَنبأَتهُم
عَنْ عُبيد الله بن الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ الوَاحِدي، أَخْبَرَنَا أَبُو
عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ
بنُ عَبْدِ اللهِ الأَصْبَهَانِيّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
بنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا ثَابِتُ بنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي
الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لاَ يَقْطَعُ
الصَّلاَةَ الكَشْرُ، وَلَكِن يَقْطَعُهَا القَرْقَرَةُ"
1.
هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَثَابِت واهٍ.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3714"، ومسلم "2449"، وقد خرجت هذا
الحديث مرارًا في هذا الكتاب، وفي كتاب "منهاج السنة
النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية" ط. دار الحديث.
(14/352)
الميداني، الطرطوشي:
4707- الميداني 1:
العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الأَدب، أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ المَيدَانِي,
النَّيْسَابُوْرِيّ، الكَاتِبُ اللُّغَوِيّ، تِلْمِيْذُ
الوَاحِدي المُفَسِّرُ، لَهُ كِتَاب فِي "الأَمثَال" لَمْ
يُعَمل مِثْلُهُ، وَكِتَاب "السَّامِي فِي الأَسَامِي".
تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائة في
رمضان.
وَمَاتَ ابْنُهُ العَلاَّمَة أَبُو سَعْدٍ سَنَةَ تِسْعٍ
وثلاثين وخمس مائة.
4708- الطُّرْطُوشي 2:
الإِمَامُ العَلاَّمَةُ، القُدْوَةُ الزَّاهِدُ، شَيْخُ
المَالِكِيَّة، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ
خَلَفِ بن سُلَيْمَانَ بن أَيُّوْبَ الفِهْرِيّ
الأَنْدَلُسِيّ, الطُّرْطُوشِي الفَقِيْه، عَالِمُ
الإِسْكَنْدَرِيَّة، وَطُرْطُوشَة: هِيَ آخِرُ حَدِّ
المُسْلِمِين مِنْ شِمَالِي الأَنْدَلُس، ثُمَّ اسْتولَى
العَدُوّ عَلَيْهَا مِنْ دَهْرٍ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ
يُعْرَفُ فِي وقته بتبن أَبِي رَنْدَقَه.
لاَزَمَ القَاضِي أَبَا الوَلِيْدِ البَاجِي
بِسَرقُسْطَةَ، وَأَخَذَ عَنْهُ مَسَائِلَ الخلاَفِ، ثُمَّ
حَجَّ، وَدَخَلَ العِرَاق.
وَسَمِعَ بِالبَصْرَةِ "سُنَن أَبِي دَاوُدَ" من أبي علي
التستري، وسمع بِبَغْدَادَ مِنْ قَاضِيهَا أَبِي عَبْدِ
اللهِ الدَّامغَانِي، وَرزقِ الله التَّمِيْمِيِّ، وَأَبِي
عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيّ، وَعِدَّة.
وَتَفَقَّهَ أَيْضاً عِنْد أَبِي بَكْرٍ الشَّاشِيّ،
وَنَزَلَ بَيْتَ المَقْدِسِ مُدَّة، وَتَحَوَّل إِلَى
الثَّغْر، وَتَخَرَّج بِهِ أَئِمَّة.
قَالَ ابْنُ بَشْكُوَال: كَانَ إِمَاماً عَالِماً،
زَاهِداً وَرِعاً، ديناً مُتَوَاضِعاً، متقشِّفاً
متقلِّلاً مِنَ الدُّنْيَا، رَاضياً بِاليسير، أَخْبَرَنَا
عَنْهُ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ بنُ العربِي، وَوصفه
بِالعِلْمِ، وَالفَضْل، وَالزُّهْدِ، وَالإِقبالِ عَلَى
مَا يَعْنِيْهِ، قَالَ لِي: إِذَا عَرَضَ لَكَ أمرُ
دُنْيَا وَأَمرُ آخِرَة، فَبَادِرْ بِأَمرِ الآخِرَة،
يَحْصُلْ لَكَ أَمرُ الدنيا والأخرى.
__________
1 ترجمته في معجم الأدباء لياقوت الحموي "5/ 45"، ووفيات
الأعيان لابن خلكان "1/ 148"، وشذرات الذهب لابن العماد
"4/ 58".
2 ترجمته في الصلة لابن بشكوال "2/ 575"، ووفيات الأعيان
لابن خلكان "4/ 262"، والعبر "4/ 48"، والديباج المذهب
لابن فرحون المالكي "2/ 244"، والنجوم الزاهرة تغري بردي
"5/ 231"، وحسن المحاضرة للسيوطي "1/ 452"، وشذرات الذهب
لابن العماد الحنبلي "4/ 62".
(14/353)
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَهْدِيِّ بنِ
قليُنَا: كَانَ شيخُنَا أَبُو بَكْرٍ زُهْدُهُ وَعبَادتُهُ
أَكْثَرُ مِنْ عِلْمه، وَحَكَى بَعْضُ العُلَمَاء أَنَّ
أَبَا بَكْرٍ الطُّرطُوشِي أَنجبَ عَلَيْهِ نَحْوٌ مِنْ
مائَتَيْ فَقِيْهٍ مُفْتِي، وَكَانَ يَأْتِي إِلَى
الفُقَهَاء وَهُم نِيَام، فَيَضع فِي أَفوَاهِهِم
الدَّنَانِيْر، فَيَهُبُّوْن، فيرونهَا فِي أَفوَاهِهِم.
قَالَ القَاضِي شَمْسُ الدِّيْنِ ابْنُ خَلِّكَان: دَخَلَ
الطُّرطُوشِي عَلَى الأَفْضَلِ ابْن أَمِيْر الجُيُوْش
بِمِصْرَ، فَبسط تَحْته مِئْزَره، وَكَانَ إِلَى جَانبِ
الأَفضل نَصْرَانِي، فَوَعَظ الأَفْضَلَ حَتَّى أَبكَاهُ،
ثُمَّ أَنشده:
يَا ذَا الَّذِي طَاعَتُهُ قُرْبَةٌ ... وَحَقُّهُ
مُفْتَرَضٌ وَاجِبُ
إِنَّ الَّذِي شُرِّفْتَ مِنْ أَجْلِهِ ... يَزْعُمُ هَذَا
أَنَّهُ كَاذِبُ
وَأَشَارَ إِلَى ذَلِكَ النَّصْرَانِيّ، فَأَقَامَ
الأَفْضَلُ النَّصْرَانِيَّ مِنْ مَوْضِعه.
وَقَدْ صَنَّفَ أَبُو بَكْرٍ كِتَاب "سرَاج المُلُوْك"
لِلْمَأْمُوْنِ بن البطائحي الَّذِي وَزَرَ بِمِصْرَ
بَعْدَ الأَفْضَلِ، وَلَهُ مُؤلَّف فِي طرِيقَة الخلاَفِ،
وَكَانَ المَأْمُوْنُ قَدْ نَوَّه بِاسْمِهِ، وَبَالَغَ
فِي إِكْرَامِهِ.
قِيْلَ: كَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ
وَأَرْبَعِ مائَةٍ
وَدَخَلَ بَغْدَاد فِي حَيَاة أَبِي نَصْرٍ الزَّيْنَبِيّ،
وَأَظُنُّهُ سَمِعَ مِنْهُ، وَقَالَ: رَأَيْتُ بِهَا آيَةً
فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ بَعْدَ الْعَصْر،
فَسمِعنَا دوياً عَظِيْماً، وَأَقْبَلَ ظلاَمٌ، فَإِذَا
رِيحٌ لَمْ أَرَ مِثْلهَا، سَوْدَاءُ ثخينَةٌ، يَبينُ لَكَ
جِسْمُهَا، فَاسوَدَّ النَّهَارُ، وَذَهَبت آثَارُهُ،
وَذَهَبَ أَثَرُ الشَّمْس، وَبقينَا كَأَنَّنَا فِي
أَشَدِّ ظُلْمَةٍ، لاَ يُبْصِرُ أَحَدٌ يَدَهُ، وَمَاجَ
النَّاسُ، وَلَمْ نشكَّ أَنَّهَا القِيَامَة، أوخسف، أَوْ
عَذَاب قَدْ نَزل، وَبَقِيَ الأَمْرُ كَذَلِكَ قدر مَا
يَنْضِجُ الْخبز، وَرجع السَّوَادُ حُمْرَةً كلهبِ
النَّار، أَوْ جمراً يَتَوَقَّدُ، فَلَمْ نَشُك حِيْنَئِذٍ
أَنَّهَا نَارٌ أَرْسَلهَا الله عَلَى العبَاد،
وَأَيِسْنَا مِنَ النَّجَاة، ثُمَّ مَكَثتْ أَقلَّ مِنْ
مُكْثِ الظَّلاَمِ، وَتَجَلَّتْ بِحَمْدِ اللهِ عَنْ
سلاَمَة، وَنَهبَ النَّاسُ بعضَهُم بعضاً فِي الأَسواقِ،
وَخطفُوا العَمَائِمَ وَالمَتَاع، ثُمَّ طَلَعتِ
الشَّمْسُ، وَبقيت سَاعَةً إِلَى الغُروب.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ،
وَالفَقِيْه سلاَّر بن الْمُقدم، وَجَوْهَرُ بن لُؤْلُؤ
المُقْرِئ، وَالفَقِيْهُ صَالِحُ ابْن بِنْت مُعَافَى
المالكي، وعبد اللهبن عَطَّافٍ الأَزْدِيّ، وَيُوْسُفُ بنُ
مُحَمَّدٍ القروِي الفَرَضِيّ، وَعَلِيُّ بن مَهْدِيِّ بن
قلينَا، وَأَبُو طَالِبٍ أحمد المسلم اللخمي، وظاهر بن
عَطِيَّةَ، وَأَبُو الطَّاهِرِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَوْف،
وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
العثماني، وعبد المجيد بن دليل، وآخرون.
وَبِالإِجَازَة أَبُو طَاهِرٍ الخُشُوْعِيّ وَغَيْرهُ،
وَلَهُ مُؤلَّف فِي تَحْرِيْم الغِنَاء، وَكِتَاب فِي
الزُّهْد،
(14/354)
وَتعليقَة فِي الخلاَف، وَمُؤلَّف فِي
البِدَع وَالحوَادث، وَبرِّ الوَالِدّين، وَالرَّدّ عَلَى
اليَهُوْد، وَالعمد فِي الأُصُوْل، وَأَشيَاء.
أَنْبَأَنَا ابْنُ عَلاَّن، عَنِ الخُشُوْعِيّ، عَنِ
الطُّرطُوشِي: أَنَّهُ كتب هَذِهِ الرِّسَالَة جَوَاباً
عَنْ سَائِلٍ سَأَله مِنَ الأَنْدَلُس عَنْ حقيقَة أَمرِ
مُؤلف "الإِحيَاء"، فَكَتَبَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ
مُظَفَّر: سلاَمٌ عَلَيْكَ، فَإِنِّي رَأَيْتُ أَبَا
حَامِدٍ، وَكَلَّمتُهُ، فَوَجَدتُهُ امْرءاً وَافِرَ
الفَهْمِ وَالعقل، وَمُمَارسَةً لِلْعلُوْم، وَكَانَ
ذَلِكَ مُعْظَمَ زَمَانِهِ، ثُمَّ خَالَفَ عَنْ طَرِيْق
العُلَمَاء، وَدَخَلَ فِي غِمَار العُمَّال، ثُمَّ
تَصَوَّف، فَهَجَرَ العُلُوْمَ وَأَهْلَهَا، وَدَخَلَ فِي
عُلُوْم الخوَاطِرِ، وَأَربَابِ الْقُلُوب، وَوسَاوسِ
الشَّيْطَان، ثُمَّ سَابهَا، وَجَعَلَ يَطْعُنُ عَلَى
الفُقَهَاء بِمَذَاهِبِ الفَلاَسِفَة، وَرموزِ الحلاَّج،
وَجَعَلَ يَنْتحِي عَنِ الفُقَهَاء والمتكلمين، ولقد كاد
أن ينسلخ من الدين.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ: إِن مُحَمَّدَ بنَ
الوليد هذا ذكر في غيره هذه الرِّسَالَة كِتَابَ
"الإِحيَاء". قَالَ: وَهُوَ -لَعَمْرُو الله- أَشْبَهُ
بِإِمَاتَةِ عُلُوْم الدّين، ثُمَّ رَجَعنَا إِلَى تَمَام
الرِّسَالَة.
قَالَ: فَلَمَّا عَمِلَ كِتَابهُ "الإِحيَاء" عَمَدَ
فَتكلَّم فِي عُلُوْم الأَحْوَال، وَمرَامزِ
الصُّوْفِيَّة، وكان غير أنيس بها، ولا خبير بمعرفتها،
فَسَقَطَ عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ، فَلاَ فِي عُلَمَاءِ
المُسْلِمِين قَرَّ، وَلاَ فِي أَحْوَال الزَّاهِدينَ
اسْتَقرَّ، ثُمَّ شَحَنَ كِتَابهُ بِالكَذِبِ عَلَى
رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلاَ
أَعْلَمُ كِتَاباً عَلَى وَجه بسيطِ الأَرْض أَكْثَر كذباً
عَلَى الرَّسُول مِنْهُ، ثُمَّ شبَّكه بِمَذَاهِبِ
الفَلاَسِفَة، وَرموزِ الْحَلَّاج، وَمعَانِي رَسَائِلِ
إِخْوَان الصَّفَا، وَهُم يَرَوْنَ النُّبُوَّة اكتسَاباً،
فَلَيْسَ النَّبِيُّ عِنْدَهُم أَكْثَرَ مِنْ شَخْص
فَاضِل، تخلَّق بِمَحَاسِنِ الأَخلاَق، وَجَانَبَ
سَفْسَافَهَا، وَسَاسَ نَفْسَه حَتَّى لاَ تغلِبه شَهْوَة،
ثُمَّ سَاق الخَلْقَ بِتِلْكَ الأَخلاَقِ، وَأَنْكَرُوا
أَنْ يَكُوْنَ اللهُ يَبعثُ إِلَى الْخلق رَسُوْلاً،
وَزعمُوا أَنَّ المعجزَاتٍ حِيَلٌ وَمخَارِيق، وَلَقَدْ
شرَّف اللهُ الإِسْلاَمَ، وَأَوضح حُجَجَه، وَقطعَ
العُذْرَ بِالأَدلَّة، وَمَا "مَثَلُ" مَنْ نَصَرَ
الإِسْلاَمَ بِمَذَاهِب الفَلاَسِفَةِ، وَالآرَاء
المنطقيَةِ، إِلاَّ كَمَنْ يغسِلُ الثَّوْب بِالبول، ثُمَّ
يَسُوْقُ الكَلاَم سوقاً يُرْعِدُ فِيْهِ وَيُبْرِقُ،
وَيُمنِّي وَيُشَوِّقُ، حَتَّى إِذَا تَشوَّفت لَهُ
النُّفُوْسُ، قَالَ: هَذَا مِنْ علم المعَامِلَة، وَمَا
وَرَاءَهُ مِنْ علم المكَاشفَة لاَ يَجُوْزُ تسطيرُه فِي
الكُتُبِ، وَيَقُوْلُ: هَذَا مِنْ سرِّ الصَّدْر الَّذِي
نُهينَا عَنْ إِفشَائِهِ. وَهَذَا فِعْلُ البَاطِنِيَّة
وَأَهْلِ الدَّغَلِ وَالدَّخَلِ فِي الدّين يَسْتَقِلُّ
المَوْجُوْدَ وَيُعلِّقُ النُّفُوْسَ بِالمفقود، وَهُوَ
تَشويشٌ لعقَائِد الْقُلُوب، وَتوهينٌ لمَا عَلَيْهِ
كلمَةُ الجَمَاعَة، فَلَئِنْ كَانَ الرَّجُلُ يَعتقد مَا
سطَّره، لَمْ يَبْعُدْ تَكفِيرُهُ، وَإِنْ كَانَ لاَ
يَعتقِدُه، فَمَا أَقْرَبَ تضليلَه.
وَأَمَّا مَا ذكرتَ مِنْ إِحرَاق الكِتَابِ، فَلعمرِي
إِذَا انْتَشَر بَيْنَ من لا معرفة له بمسمومه القاتلة،
(14/355)
خِيْفَ عَلَيْهِم أَنْ يَعتقدُوا إِذاً
صِحَّة مَا فِيْهِ، فَكَانَ تَحْرِيْقُه فِي مَعْنَى مَا
حرَّقته الصَّحَابَة مِنْ صُحف المَصَاحِفِ الَّتِي
تُخَالِفُ المُصْحَفَ العُثْمَانِيّ، وَذَكَرَ تَمَامَ
الرِّسَالَة.
قَالَ ابْنُ المُفَضَّلِ: تُوُفِّيَ بِالإِسْكَنْدَرِيَّة،
فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ، رَحِمَهُ اللهُ.
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو الوَلِيْدِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ
اللهِ بن طَرِيْفٍ القُرْطُبِيّ، وَأَبُو الفُتُوْح
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الغزَالِي الوَاعِظ
أَخُو الإِمَامِ أَبِي حَامِد، وَالأَمِيْرُ قسيمُ
الدَّوْلَة آقسُنْقُر البرسُقِي الَّذِي اسْتولَى عَلَى
المَوْصِلِ وَعَلَى حلب، وَأَبُو بَحْرٍ سُفْيَانُ بنُ
العَاصِ الأَسَدِيّ بقُرْطُبَة، وَصَاعِدُ بن سَيَّار
الهَرَوِيّ الحَافِظ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ عتَاب
القُرْطُبِيّ، وَقَاضِي الجَمَاعَة أَبُو الوَلِيْدِ بنِ
رشد، وَمُحَمَّد بن بَرَكَات السَّعِيدِي رَاوِي صَحِيْح
البُخَارِيِّ.
(14/356)
4709- القَلانِسي 1:
الإِمَامُ الكَبِيْرُ، شَيْخُ القُرَّاءِ، أَبُو العِزِّ
مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ بُنْدَار الوَاسِطِيّ،
القَلاَنسِي، صَاحِبُ التصانيف في القراءات.
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ،
وَتَلا بِالعشر عَلَى أَبِي عَلِيٍّ غُلاَم الهرَّاس،
وَأَخَذَ عَنْ أَبِي القَاسِمِ الهُذَلِيّ صَاحِبِ
الكَامِل، وَارْتَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ سَنَة إِحْدَى
وَسِتِّيْنَ، وَسَمِعَ مِنْ: أبي جعفر بن المسلمة، وعبد
الصَّمَدِ بن المَأْمُوْن، وَأَبِي الحُسَيْنِ بن المُهتدي
بِاللهِ، وَعِدَّةٍ. وَقرَأَ ختمَةً لأَبِي عَمْرٍو عَلَى
الأَوَانِي صَاحِبِ أَبِي حَفْصٍ الكَتَّانِي.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: قرَأَ عَلَيْهِ عَالَمٌ مِنَ
النَّاس، وَرُحِلَ إِلَيْهِ مِنَ الأَقطَار، وسمعت عبد
الوهاب الأنماطي يسئ الثَّنَاء عَلَيْهِ، وَنسبَه إِلَى
الرّفض، ثُمَّ وَجَدْتُ لأَبِي الْعِزّ أَبيَاتاً فِي
فَضِيْلَة الصَّحَابَة.
وَقَالَ ابْنُ نَاصر: أَلحق سَمَاعَه فِي جُزء مِنْ هَاءات
الكِنَايَة لِعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَبِي هَاشِمٍ من أبي
علي بن البناء.
قُلْتُ: كَانَ يَأْخُذُ الذّهبَ عَلَى إِقْرَاء العَشْرَة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ
البَنْدَنِيجِي يَقُولُ: سَأَلتُ أَبَا جَعْفَرٍ أَحْمَدَ
بنَ القَاصّ:
هَلْ قَرَأْتَ عَلَى أَبِي العزِّ؟ فَقَالَ: لَمَّا قَدِمَ
بَغْدَاد، أَردتُ أَنْ أَقرَأَ عَلَيْهِ، فَطَلبَ مِنِّي
ذهباً، فَقُلْتُ: وَاللهِ إِنِّيْ قَادِر، وَلَكِن لاَ
أُعْطيك عَلَى القُرْآن أَجراً، فَلَمْ أَقرَأْ عَلَيْهِ.
قَالَ خَمِيْسٌ الحوزِي: هُوَ أَحَدُ الأَئِمَّةِ
الأَعيَان فِي عُلُوْم القُرْآن، بَرَعَ فِي القِرَاءات.
قُلْتُ: تَلاَ عَلَيْهِ: سِبْطُ الخَيَّاط، وَأَبُو
الفَتْحِ بنُ زُرَيْقٍ الحَدَّاد، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ
البَاقلاَنِي، وَعَلِيُّ بنُ عَسَاكِرَ البطَائِحِي،
وَعَدَد كَثِيْر، وَاشْتُهِرَ ذِكْرُهُ.
مَاتَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وخمس
مائة.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 8"، والعبر "4/ 50"،
وميزان الاعتدال "3/ 525"، وطبقات الشافعية للسبكي "6/
97"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 64".
(14/356)
المتوكلي، ابن أبي
روح:
4710- المُتَوكِّلِى 1:
الشَّرِيْفُ، أَبُو السَّعَادَاتِ، أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ
بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَحْمَدَ العَبَّاسِيّ.
رَوَى عَنِ ابن المسلمة، والخطيب.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَابْن الجَوْزِيّ،
وَجَمَاعَة.
مَاتَ شهيداً، بَعْدَ أَنْ صَلَّى التَّرَاويح، لَيْلَةَ
سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ، مِنْ سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ
وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقَعَ مِنَ السَّطح فَمَاتَ، رَحِمَهُ
اللهُ.
4711- ابن أبي رَوْح 2:
رَأْسُ الرّفض بِالشَّامِ، القَاضِي أَبُو الفَضْلِ
أَسَعْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي رَوْح الأَطَرَابُلُسِي،
صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
أَخَذَ عَنِ ابْنِ البرَاج، وَسَكَنَ صيدَا إِلَى أَنْ
أَخذتهَا الفِرَنْجُ، فَقُتِلَ بِهَا، وَكَانَ ذَا تَعبُّد
وَتهجُّد وَصمتٍ، نَاظرَ مَغْرِبيّاً فِي تَحْرِيْم
الفقَاع، فَقطعه، فَقَالَ المَغْرِبِيُّ المَالِكِيُّ:
كُلْنِي؟! قَالَ: مَا أَنَا عَلَى مَذْهَبك، أَي: جَوَازِ
أَكلِ الْكَلْب.
قِيْلَ لَهُ: مَا الدَّلِيْل عَلَى حَدَثِ القُرْآن؟
قَالَ: النَّسخُ، فَالقَدِيْمُ لاَ يَتبدل.
قِيْلَ لَهُ: مَا الدَّلِيْل عَلَى أَنَّا مُخَيَّرَوْنَ
فِي أَفعَالنَا، غَيْرُ مجبورِيْنَ؟ قَالَ: بِعْثَةُ
الرُّسل.
وَلَهُ كِتَاب "عُيُون الأَدلَة" فِي مَعْرِفَةِ الله،
وَكَتَبَ فِي الخلاَف، وَكِتَاب "حقيقَة الآدَمِيّ"،
وَأَشيَاء ذكرهَا ابْن أَبِي طيّ فِي "تَارِيخ
الإِمَامِيَة".
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 7"، والعبر "4/ 49"،
والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 232"، وشذرات الذهب
لابن العماد "4/ 64".
2 ترجمته في ميزان الاعتدال "1/ 210"، ولسان الميزان "1/
386".
(14/357)
الفراء، ابن رشد:
4712- الفَرَّاء 1:
الشَّيْخُ العَالِمُ، الثِّقَةُ المُحَدِّثُ، أَبُو
الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عُمَرَ بنِ الفَرَّاء
المَوْصِلِيّ، ثُمَّ المِصْرِيّ.
سَمِعَ مِنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ بن الحَسَنِ بنِ الضّرَاب
كِتَاب "المُجَالَسَة" لِلدِّينَورِي. وَسَمِعَ مِنْ: عبد
البَاقِي بن فَارِس، وَالحَافِظ عَبْدِ الرحيم بن أحمد
البخاري، وعبدا لله بن المَحَامِلِيّ، وَأَبِي
إِبْرَاهِيْمَ أَحْمَدَ بنِ القَاسِمِ بن مَيْمُوْنٍ،
وَأَبِي الحُسَيْنِ مُحَمَّد بن مَكِّيّ الأَزْدِيّ،
وَكَرِيْمَةَ المَرْوَزِيَّة؛ لقيهَا بِمَكَّةَ، وَابْن
الغرَّاء بِالقُدْس، وَأَضعَافِهم.
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَأَبُو القَاسِمِ البوصيري،
وجماعة.
وَبِالإِجَازَة أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَرتَاحِي، وَسَمِعَ
مِنْهُ البُخَارِيُّ.
قَالَ السِّلَفِيّ: هُوَ مِنْ ثِقَاتِ الرُّوَاة،
وَأَكْثَرُ شُيُوْخِنَا بِمِصْرَ سَمَاعاً، أُصُوْلُه
أُصُوْلُ أَهْلِ الصِّدْق، وَقَدِ انتخبتُ مِنْ أَجزَائِهِ
مائَة جُزء، وَقَالَ لِي: إِنَّهُ وُلِدَ فِي سَنَةِ
ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فِي أَوّل
يَوْمٍ مِنْهَا.
تُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ
وَخَمْسِ مائَة.
وَفِيْهَا مَاتَ لُغوِي زَمَانِهِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ
بنُ عَبْد الجَبَّارِ بن عيذُوْنَ التُّوْنُسِيّ،
وَوزِيْرُ مِصْرَ المَأْمُوْن أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ
البطَائِحِي، وَأَبُو البَرَكَاتِ هِبَةُ اللهِ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ البخاري المعدل.
4713- ابن رُشْد ِ2:
الإِمَامُ العَلاَّمَةُ، شَيْخُ المَالِكِيَّة، قَاضِي
الجَمَاعَة بقُرْطُبَة، أَبُو الوَلِيْدِ مُحَمَّدُ بنُ
أَحْمَدَ بنِ أَحْمَدَ بنِ رشد القُرْطُبِيُّ،
المَالِكِيُّ.
تَفقَّه بِأَبِي جَعْفَرٍ أحمد بن رزق.
__________
1 ترجمته في العبر "4/ 44"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/
59".
2 ترجمته في الصلة لابن بشكوال "2/ 576"، والعبر "4/ 47"،
وتذكرة الحفاظ "4/ ص127" وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي
"4/ 62".
(14/358)
وَحَدَّثَ عَنْهُ: وَعَنْ أَبِي مَرْوَانَ
بن سرَاج، وَمُحَمَّد بن خَيْرَة، وَمُحَمَّدِ بنِ فَرج
الطلاعِي، والحافظ أبي علي.
وَأَجَازَ لَهُ أَبُو العَبَّاسِ بنُ دِلهَاث.
قَالَ ابْنُ بَشْكُوَال: كَانَ فَقِيْهاً عَالِماً،
حَافِظاً لِلْفقه، مقدَّماً فِيْهِ عَلَى جَمِيْع أَهْلِ
عصره، عَارِفاً بِالفَتْوَى، بَصِيْراً بِأَقْوَال
أَئِمَّة المَالِكيَة، نَافذاً فِي علم الفَرَائِض
وَالأُصُوْل، مِنْ أَهْلِ الرِّيَاسَة فِي العِلْمِ،
وَالبرَاعَة وَالفَهْمِ، مَعَ الدِّينِ وَالفَضْلِ،
وَالوَقَار وَالحِلْم، وَالسَّمتِ الحَسَن، وَالهَدْي
الصَّالِح، وَمِنْ تَصَانِيْفِهِ كِتَابُ "المُقَدِّمَاتِ"
لأَوَائِل كتب المدوَّنَة، وَكِتَاب "البيَان وَالتحصيل
لمَا فِي المُسْتخرجَة مِنَ التَّوجيه وَالتَّعليل"،
وَاختصَار "المبسَوْطَة"، وَاختصَار "مُشكل الآثَار"
لِلطَّحَاوِي، سَمِعْنَا عَلَيْهِ بعضَهَا، وَسَارَ فِي
القَضَاءِ بِأَحْسَنِ سِيرَة، وَأَقومِ طرِيقَة، ثُمَّ
اسْتَعفَى مِنْهُ، فَأُعْفِيَ، وَنشر كتبَه، وَكَانَ
النَّاسُ يُعَوِّلُوْنَ عَلَيْهِ وَيلجؤون إِلَيْهِ،
وَكَانَ حَسَنَ الخُلُقِ، سَهْلَ اللِّقَاء، كَثِيْرَ
النَّفع لِخَاصَّته، جَمِيْلَ العَشْرَة لَهُم، بارّاً
بِهِم.
عَاشَ سَبْعِيْنَ سَنَةً. وَمَاتَ: فِي ذِي القَعْدَةِ،
سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَصَلَّى عَلَيْهِ
ابْنُه أَبُو القَاسِمِ، وَرَوَى عَنْهُ أَبُو الوَلِيْدِ
بنِ الدَّبَّاغ، فَقَالَ: كَانَ أَفْقَهَ أَهْلِ
الأَنْدَلُس، صَنَّفَ "شرح العتبيَة"، فَبَلَغَ فِيْهِ
الغَايَة.
قُلْتُ: وَحَفِيْدُهُ هُوَ فَيْلَسُوْفُ زَمَانِهِ،
وَللقَاضِي عيَاض "سُؤَالاَت لابْنِ رشد"، مؤلف نفيس.
(14/359)
4714- حفيدُ البيهقي 1:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ، أَبُو الحَسَنِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ
مُحَمَّدِ ابنِ شَيْخِ الإِسْلاَمِ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ
بنِ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ البَيْهَقِيُّ،
الخُسْرَوْجِرْدِي.
سَمِعَ الكُتُبَ مِنْ جَدِّهِ. وَسَمِعَ مِنْ أَبِي
يَعْلَى بن الصَّابونِي، وَأَبِي سَعْدٍ أَحْمَد بن
إِبْرَاهِيْمَ المُقْرِئ، وَعِدَّة. وَحَجَّ، فَحَدَّثَ
بِبَغْدَادَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ نَاصر، وَأَبُو المُعَمَّر
الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ ابنُ عَسَاكِرَ،
وَأَبُو الفَتْحِ المَنْدَائِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِر: مَا كَانَ يَعْرِفُ شَيْئاً،
وَكَانَ يَتَغَالَى بِكِتَابَة الإِجَازَة، وَيَقُوْلُ:
مَا أُجِيْزُ إِلاَّ بِطَسُّوج.
قَالَ: وَسَمَّعَ لِنَفْسِهِ فِي جُزء، وَكَانَ سَمَاعُهُ
فِيمَا عَدَاهُ صَحِيْحاً.
قُلْتُ: سَمِعَ مِنْهُ أَبُو الفَتْحِ المَنْدَائِيُّ
كِتَاب جَدِّهِ فِي "الأَسْمَاء وَالصِّفَات".
قَالَ ابْنُ نَاصر: مَاتَ بِبَغْدَادَ، بَعْد مرضِ ثلاثة
عشر يومًا، في ثالث جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ: جَعْفَرُ بنُ عبد الوَاحِد الثَّقَفِيّ،
وَمَقْتَلُ وَزِيْر دِمَشْق كَمَال الدّين طَاهِر بن
سَعْدٍ المردقَانِي فِي أُلُوْفٍ مِنَ البَاطِنِيَّة
بِدِمَشْقَ، وَأَبُو الحجَاج يُوْسُفُ بن عَبْدِ
العَزِيْزِ المَيُورْقِي، وَحَمْزَة بن هِبَةِ اللهِ
العَلَوِيّ بِنَيْسَابُوْرَ عَنْ ست وتسعين سنة.
__________
1 ترجمته في العبر "4/ 54"، وميزان الاعتدال "3/ 15"،
ولسان الميزان "4/ 116"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/
67".
(14/359)
4715- فَاطِمَةُ 1:
بِنْتُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ القَاسِمِ بنِ
عَقِيْلٍ، المعمَرَّة، الصَّالِحَةُ، مُسْنِدَةُ الوَقْت،
أُمُّ إِبْرَاهِيْم، وَأُمُّ الغَيْث، وَأُمُّ الخَيْر
الجُوْزْدَانِيَّة، الأَصْبَهَانِيَّة.
آخِر مَنْ رَوَى فِي الدُّنْيَا عَنِ ابْنِ رِيذه، وَهِيَ
مُكْثِرَةٌ عَنْهُ.
حَدَّثَ عَنْهَا: أَبُو العَلاَءِ العَطَّار، وَأَبُو
مُوْسَى المَدِيْنِيّ، وَمَعْمَر بن الفَاخر، وَأَبُو
جَعْفَر الصَّيْدَلاَنِيّ، وَأَبُو الفَخْر أَسَعْدُ بنُ
رَوْحٍ، وَعفِيفَةُ بِنْت أَحْمَد، وَأَبُو سَعِيْدٍ
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَرَّجَانِي، وَدَاوُد بن نِظَام
الْملك، وَشُعَيْبُ بن الحَسَنِ السَّمَرْقَنْدي، وَعبدُ
الرَّحِيْم بن الإِخْوَة، وَعَائِشَةُ وَمُحَمَّدٌ وَلدا
مَعْمرٍ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيّ: قَدِمَتْ عَلَيْنَا
مِنْ قَرْيَة جُوْزْدَان، وَمَوْلِدُهَا نَحْو سَنَة
خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَسَمِعَتْ مِنْ
أَبِي بَكْرٍ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ.
أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَتْنَا
كَرِيْمَةُ القُرَشِيَّة، أَنْبَأَنَا أَبُو مَسْعُوْدٍ
عَبْدُ الرَّحِيْمِ الحَاجِي، أَنَّهَا تُوُفِّيَت فِي
غُرَّة شَعْبَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ
مائَةٍ.
وَقَالَ الحافظ ابن نقطة: توفيت فيرابع عَشَرَ رَجَبٍ.
قُلْتُ: سَمِعَتْ المُعْجَمَيْن "الكَبِيْرَ" وَ
"الصَّغِيْر" لِلطَّبَرَانِيِّ، وَكِتَاب "الْفِتَن"
لِنُعيمٍ مِنِ ابْنِ ريذه.
__________
1 ترجمته في العبر "4/ 56"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/
69".
(14/360)
السلطان، أمير
الجيوش:
4716- السلطان 1:
صَاحِبُ العِرَاق، الْملك غِيَاثُ الدّين، أَبُو شُجَاعٍ
محمد ابن السلطان ملشكاه بنِ أَلب أَرْسَلاَن التُّركِي،
السَّلْجُوْقِي.
لَمَّا مَاتَ أَبُوْهُ فِي سَنَةِ "485": اقتسمُوا
الأَقَالِيمَ، فَكَانَ بَرْكْيَارُوْق هُوَ المُشَارَ
إِلَيْهِ، ثُمَّ قَدِمَ أَخوَاهُ مُحَمَّد وَسَنجر،
فَجَلَسَ لَهُمَا المُسْتَظْهِرُ بِاللهِ، وَسَلَطَنَ
مُحَمَّداً، وَأُلبس سَبْعَ خِلَع، وَتَاجاً، وَطوقاً،
وَسوَارِيْنَ، وَعَقَدَ لَهُ لوَاءَ السّلطنَة بِيَدِهِ،
وَقلَّده سَيْفَيْنِ، ثُمَّ خلع عَلَى سَنجر قَرِيْباً
مِنْهُ، وَقَطَعَ خُطبَةَ أَخِيْهِمَا بَرْكْيَارُوْق فِي
سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ، فَتحرَّك بَرْكْيَارُوْقُ،
وَحَشَدَ وَجَمَعَ، وَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَمَّد
خَمْسُ مَصَافَّات، ثُمَّ عَظُمَ شَأْنُ مُحَمَّد،
وَتَفَرَّد بِالسلطنَة، وَدَانت لَهُ البِلاَدُ، وَكَانَ
أَخُوْهُ يَخطُبُ لَهُ بِخُرَاسَانَ، وَقَدْ كَانَ
مُحَمَّدٌ فَحلَ آل سَلْجُوق، وَلَهُ بِرٌّ فِي
الجُمْلَةِ، وَحُسْنُ سيرَة مشوبَة، فَمِنْ عدلِه أَنَّهُ
أَبطل بِبَغْدَادَ المَكْسَ وَالضَّرَائِب، وَمَنَع مِنِ
اسْتِخْدَام يَهُوْدي أَوْ نَصْرَانِي، وكسا في نهار
أَرْبَعَ مائَة فَقير، وَكَانَ قَدْ كَفَّ مَمَاليكَه عَنِ
الظُّلْمِ، وَدَخَلَ يَوْماً إِلَى قُبَّةِ أَبِي
حَنِيْفَةَ، وَأَغلقَ عَلَى نَفْسِهِ يُصَلِّي وَيَدعُو.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ خَلَّف مِنَ الذَّهَبِ العِينِ أَحَدَ
عَشَرَ أَلفَ أَلفِ دِيْنَارٍ.
وَمَاتَ مَعَهُ فِي العَامِ: صَاحِبُ قُسْطَنْطِيْنِيَّة،
وَصَاحِبُ القُدْس بغدوين، لعنهُمَا الله.
وَقَدْ حَارب الإِسْمَاعِيْليَّة، وَأَبَادَ مِنْهُم،
وَأَخَذَ مِنْهُم قَلْعَة أَصْبَهَان، وَقَتَلَ ابْنَ
غطَّاش مَلِكَهُم، ثُمَّ تَعلل مُدَّة، وَمَاتَ فِي آخِرِ
سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة، بِأَصْبَهَانَ،
وَدُفِنَ بِمدرسَة كَبِيْرَةٍ لَهُ، وَخَلَّفَ أَمْوَالاً
لاَ تُحصَى، وَقَدْ تَزَوَّجَ المقتفِي بِابْنتِه
فَاطِمَة، وَعَاشَ ثَمَانِياً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً،
وتسلطن بعده ابنه محمود.
4717- أمير الجيوش 2:
الملكُ الأَفْضَلُ، أَبُو القَاسِمِ شَاهِنشَاهُ ابْنُ
الْملك أمير الجيوش بدر الجمالي، الأرمني.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 196"، ووفيات الأعيان
لابن خلكان "5/ 71"، والعبر "4/ 23"، والنجوم الزاهرة لابن
تغري بردي "5/ 214"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 30".
2 ترجمته في الأعيان لابن خلكان "2/ 448"، والنجوم الزاهرة
لابن تغري بردي "5/ 222"، وشذرات الذهب لابن العماد
الحنبلي "4/ 47".
(14/361)
كَانَ أَبُوْهُ نَائِباً بِعَكَّا، فَسَارَ
فِي البَحْر فِي تَرمِيمِ دَوْلَةِ المُسْتَنْصِرِ
العُبيدي، فَاسْتولَى عَلَى الإِقْلِيْم، وَأَبَادَ عِدَّة
أُمَرَاء، وَدَانت لَهُ المَمَالِك إِلَى أَنْ مَاتَ،
فَقَامَ بَعْدَهُ ابْنُه هَذَا، وَعظم شَأْنُهُ، وَأَهْلك
نِزَاراً وَلَدَ المُسْتَنْصِرِ صَاحِبِ دَعْوَة
البَاطِنِيَّة وَأَتَابِكَه أَفتكين مُتَوَلِّي الثَّغْر،
وَكَانَ بَطَلاً شُجَاعاً، وَافِرَ الهيبَة، عَظِيْمَ
الرُّتبَة، فَلَمَّا هَلَكَ المُسْتعلِي، نصبَ فِي
الإِمَامَة ابْنَه الآمِرَ، وحجر عليه وقمعه، وكان الآمر
طباشًا فَاسِقاً، فَعمِلَ عَلَى قتل الأَفْضَل، فَرتب
عِدَّة وَثبُوا عَلَيْهِ، فَأَثخنوهُ، وَنَزَلَ إِلَيْهِ
الآمِرُ، تَوَجَّع لَهُ، فَلَمَّا قضَى، اسْتَأْصل
أَمْوَالَه، وَبَقِيَ الْآمِر فِي دَارِهِ أَرْبَعِيْنَ
صَبَاحاً وَالكَتَبَة تَضْبِطُ تِلْكَ الأَمْوَال
وَالذَّخَائِر، وَحَبَسَ أَوْلاَدَه، وَكَانَتْ أَيَّامُه
ثَمَانِياً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَكَانَتِ الأُمَرَاء
تَكرهُهُ لِكَوْنِهِ سُنِّياً، فَكَانَ يُؤذِيْهِم،
وَكَانَ فِيْهِ عدل، فَظَهَرَ بَعْدَهُ الظُّلمُ
وَالبدعَةُ، وَوَلِيَ الوزَارَة بَعْدَهُ المَأْمُوْن
البطَائِحِي.
قتلُوْهُ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ
مائَة، وَلَهُ ثَمَانٌ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً.
قَالَ ابْنُ خلكان في "تاريخه" قال صاحب الدولة
المُنْقَطِعَة: خلَّف الأَفْضَلُ سِتَّ مائَةِ أَلْفِ
أَلفِ دِيْنَار، وَمائتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ إِردَبّاً مِنَ
الدَّرَاهِم، وَخَمْسِيْنَ أَلفَ ثَوْبِ دِيبَاج،
وَعِشْرِيْنَ أَلْفَ ثَوْبِ حَرِيْر، وَثَلاَثِيْنَ
رَاحِلَة كَذَا وَكَذَا، وَدوَاةً مُجَوْهَرَة بِاثْنَيْ
عشرَ أَلفَ دِيْنَار، وَعَشْرَة مَجَالِس؛ فِي المَجْلِسِ
مَضْرُوب عَشْرَة مسَامِيْر مِنَ الذّهب، عَلَى المسمَار
منْدِيل مشدودٌ فِيْهِ بدلَة ثِيَاب، وَخَمْس مائَة
صُنْدُوق، فِيْهَا كِسْوَة وَمَتَاع، سِوَى الدَّوَابّ
وَالمَمَالِيْك وَالبقر وَالغنم، وَلبن موَاشيه يُبَاع فِي
السَّنَةِ بِثَلاَثِيْنَ أَلف دِيْنَار.
قُلْتُ: هَذِهِ الأَشيَاء مُمْكِنَة، سِوَى الدَّنَانِيْرِ
وَالَدّرَاهِم، فَلاَ أُجَوِّز ذَلِكَ، بَلْ أَسْتبعد
عُشره، وَلاَ رِيبَ أَنَّ جَمعه لهَذِهِ الأَمْوَال موجبٌ
لضعف جَيْشِ مِصْر، فَفِي أَيَّامِهِ اسْتولت الفِرَنْجُ
عَلَى القُدْس وَعكَّا، وَصُوْر وَطَرَابُلُس
وَالسَّوَاحل، فَلَو أَنفق ربعَ مَاله، لَجَمع جَيْشاً
يَملأُ الفضَاء، وَلأَبَاد الفِرَنْجَ، وَلَكِن ليقضِي
الله أَمراً كَانَ مَفْعُوْلاً.
قَالَ أَبُو يَعْلَى بن القلاَنسِي: كَانَ الأَفْضَلُ حسنَ
الاعتقَاد، سُنِّياً، حَمِيْد السِّيرَة، كَرِيْمَ
الأَخلاَق، لَمْ يَأْت الزَّمَانُ بِمِثْلِهِ.
قُلْتُ: وصُلِبَ البطَائِحِي المُتولِّي بَعْدَهُ سَنَة
تِسْعَ عَشْرَةَ.
وَوزر بَعْد هَلاَكِ الآمرِ أَمِيْرُ الجُيُوْش أَبُو
عَلِيٍّ أَحْمَد بن الأَفْضَل، وَكَانَ شَهْماً مُطَاعاً،
وَبطلاً شُجَاعاً، سَائِساً سُنِّياً، كَأَبِيْهِ وَجدِّه،
فَحجر عَلَى الحَافِظ، وَمَنَعه مِنْ أَعبَاءِ الأُمُوْر،
فَشدَّ عَلَيْهِ مَمْلُوْكٌ لِلْحَافظ إِفرنجِي، فَطعنه
قَتَلَه، وَوَزَرَ ياَنس الحَافِظِي، وَكَانَ أَبُو
عَلِيٍّ أَحْمَد قَدْ بَالغ فِي الاحْتِجَار عَلَى
الحَافِظ، وَحَوَّل ذخَائِر القَصْر إِلَى دَارِهِ،
وَادَّعَى أَنَّهَا أَمْوَال أبيه.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ ترك مِنَ الخُطبَة اسمَ الحَافِظ،
وَخَطَبَ لِنَفْسِهِ، وَقطع الأَذَان بِحَيَّ عَلَى خَيْرِ
العَمَلِ، فَنفرتْ مِنْهُ الرَّعِيَّةُ، وَغَالِبُهُم
شيعَة، فَقُتِلَ وَهُوَ يَلعب بِالكُرَة، سَنَةَ سِتٍّ
وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَجدَّدُوا البَيْعَة
حِيْنَئِذٍ لِلْحَافظ، فَمَاتَ الوَزِيْر يانس بَعْد
ثَلاَث سِنِيْنَ، فَوزر وَلِيُّ العَهْدِ حسن ابن الحافظ.
(14/362)
4718- البُرْسُقى 1:
الملكُ، قسيمُ الدَّوْلَة، أَبُو سَعِيْدٍ آقسُنْقُر
مَمْلُوْك بُرْسُق، غُلاَمُ السُّلْطَان طُغْرُلْبَك.
وَلِي المَوْصِل وَالرَّحبَة، وقد ولي شحنكية بغداد، وكان
بلك قَدْ قتل بِمَنْبِج، فَتملَّك ابْنُ عَمِّهِ تَمرتَاش
بن إيغازى حلب، وَكَانَ بَلَك قَدْ أَسر بغدوين صَاحِبَ
القُدْس، فَاشْتَرَى نَفْسَه، وَهَادَنَهُ، فَغَدَرَ
بغدوين، وَحَاصَرَ حلبَ، هُوَ وَدُبَيس الأَسَدِيّ،
وَمَعَهُمَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ صَاحِب حلب رضوَان بن تُتُش
السَّلْجُوْقِي، فَهلك أَهْلُهَا جُوعاً وَموتاً، فَخَرَجَ
فِي اللَّيْلِ قَاضيهَا أَبُو غَانم، وَالشَّرِيْفُ
زُهْرَة، وَآخر إِلَى تَمرتَاش بِمَاردين، وَفَاتُوا
الفِرَنْجَ، فَأَخَذَ يُمَاطِلُهُم تَمرتَاش، فَانْملسُوا
مِنْهُ إِلَى المَوْصِل، فَوَجَدُوا البُرْسُقِي مَرِيضاً،
فَقُلْنَا: عاهد الله إن عافك أَنْ تَنْصُرَنَا، فَقَالَ:
إِي وَاللهِ، فَعُوفِي بَعْدَ ثَلاَثٍ، فَنَادَى
الْغُزَاة، وَلَمَّا أَشْرَف عَلَى حلب، تَقهقرتِ
الفِرَنْجُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ مُقَاتِلتُهَا، وَحَملُوا
عَلَى العَدُوّ هزموهُم، وَرتَّبَ أُمُوْرَ الْبَلَد،
وَأَمدَّهُم بِالغلاَّت، فَبَادرُوا، وَبذرُوا فِي آذَار،
وَنقعُوا الْقَمْح وَالشَّعيرَ، فَرتب بِهَا ابْنَه وَرجع،
وَكَانَ قَدْ أَبَاد فِي الإِسْمَاعِيْليَّة، فَشدَّ
عَلَيْهِ عَشْرَةٌ بِالجَامِع، فَقَتَلَ بِيَدِهِ مِنْهُم
ثَلاَثَة، وَقُتِلَ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي ذِي القَعْدَةِ،
سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، كَانُوا بزي الصوفية،
نجا منهم واحد.
وَكَانَ -رَحِمَهُ اللهُ- ديناً عَادِلاً، حسنَ الأَخلاَق،
وَصَّى قَاضِيَه بِالعَدْل، بِحَيْثُ إِنَّهُ أَمرَ زَوجته
أَنْ تدَّعِي عَلَيْهِ بِصدَاقهَا، فَنَزَلَ إِلَى
قَاضِيه، وجلس بين يديه، فتأدب كل أحد.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "9/ 254"، ووفيات الأعيان
لابن خلكان "1/ 242"، والعبر "4/ 46"، والنجوم الزاهرة
لابن تغري بردي "5/ 230"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/
61".
(14/363)
|