سير أعلام النبلاء، ط الحديث

الطبقة التاسعة والعشرون:
4893- سعد الخير 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ، المُحَدِّثُ المُتْقِنُ، الجَوَّالُ الرَّحَّالُ، أَبُو الحَسَنِ، سَعْدُ الخَيْرِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ الأَنْصَارِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، البَلَنْسِيُّ، التَّاجِرُ.
سَارَ مِنَ الأَنْدَلُسِ إِلَى إِقْلِيْمِ الصِّيْنِ، فَترَاهُ يَكتُبُ: سَعْدُ الخَيْرِ الأَنْدَلُسِيُّ، الصِّينِيُّ.
وَكَانَ مِنَ الفُقَهَاءِ العُلَمَاءِ.
سَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ طِرَادٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَابْنِ طلحة النعالي، وابن البطر، وَطَبَقَتِهِم، وَبِأَصْبَهَانَ أَبَا سَعْدٍ المَطَرِّزَ وَطَائِفَةً، وَبِالدُّوْنِ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَمْدٍ.
ثُمَّ سَمَّعَ بِنْتَهُ فَاطِمَةَ مِنْ فَاطِمَةَ الجُوْزْدَانِيَّةِ كَثِيْراً، وَهِيَ حَاضِرَةٌ، وَسَمَّعَهَا بِبَغْدَادَ مِنْ أَصْحَابِ الجَوْهَرِيِّ، وَحصَّلَ الكُتُبَ الجيِّدَةَ، ثُمَّ اسْتَقرَّ بِبَغْدَادَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَالسِّلَفِيُّ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَالمَدِيْنِيُّ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَسَدٍ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَالكِنْدِيُّ، وَابْنتُهُ فَاطِمَةُ، وَزوجُهَا عَلِيُّ بنُ نَجَا الوَاعِظُ.
وَتَفَقَّهَ عَلَى الغَزَّالِيِّ.
وَقرَأَ الأَدبَ عَلَى أَبِي زَكَرِيَّا التِّبْرِيزِيِّ.
مَاتَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَثَّقَهُ ابْنُ الجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ.
ذَكَرَ السَّمْعَانِيَّ أَنَّهُ حُمِلَ إِلَى قَاضِي المرستَان يَسِيرَ عُوْدٍ، فَدَفَعَهُ إِلَى جَارِيَةِ القَاضِي، فَلَمْ تَعرِفْهُ بِهِ لقلَّتِهِ. قَالَ: فَجَاءَ، وَقَالَ: يَا سيِّدَنَا، وَصلَ العُوْدُ? قَالَ: لاَ. قَالَ: دفَعْتُهُ إِلَى الجَارِيَةِ، فَسَأَلهَا عَنْهُ، فَاعْتلَّتْ بقِلَّتِهِ، وَأَحَضَرَتْهُ، فَرمَاهُ القَاضِي، وَقَالَ: لاَ حَاجَةَ لَنَا فِيْهِ. ثُمَّ إِنَّ سَعْدَ الخَيْرِ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُسَمِّعَ وَلدَهُ جَابِراً جُزءَ الأَنْصَارِيِّ، فَحَلَفَ أَنْ لاَ يُحَدِّثهُ به إلَّا بِخَمْسَةِ أَمْنَاء عُوْداً، فَبقِي يُلِحُّ عَلَى القَاضِي أَنْ يُكَفِّرَ يَمِيْنَهُ، فَمَا فَعلَ، وَلاَ هو حمل شيئًا.
__________
1 ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 176"، واللباب لابن الأثير "1/ 176"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 128".

(15/20)


ابن الإخوة، شيخ الشيوخ:
4894- ابن الإخوة:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، أَبُو العَبَّاسِ، أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الإِخْوَةِ البَغْدَادِيُّ العَطَّارُ الوَكِيْلُ، جدُّ المُؤَيَّدِ بنِ الإِخْوَةِ.
سَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ بنَ البُسْرِيِّ، وَغَيْرَهُ، وَتَفَرَّدَ بِـ"المُجْتَنَى" لابْنِ دُرَيْدٍ عَنْ أَبِي مَنْصُوْرٍ العُكْبَرِيِّ.
رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَطَائِفَةٌ خَاتِمَتُهُم الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ.
وَعَاشَ سِتّاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: شَيْخٌ بَهِيٌّ، حَسَنُ المَنْظَرِ، خَيِّرٌ، مُتقَرِّبٌ إِلَى أَهْلِ الخَيْرِ، وَهُوَ أَبُو شَيْخَيْنَا عَبْدِ الرَّحِيْمِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ.
تُوُفِّيَ فِي خَامِسِ رَمَضَانَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
4895- شَيْخُ الشُّيُوْخِ 1:
الشيخ الصالح، أبو البركات، إسماعيل بن أَبِي سَعْدٍ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ دُوْسْتَ، النيسابوري.
وُلِدَ سَنَةَ465 بِبَغْدَادَ.
فَسَمِعَ مِنْ أَبِي القَاسِمِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَلِيٍّ الأَنْمَاطِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ البُسْرِيِّ، وَأَبِي نَصْرٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَرِزْقِ اللهِ، وَجَمَاعَةٍ.
وَعَنْهُ: ابْنَاهُ عَبْدُ الرَّحِيْمِ وَعَبْدُ اللَّطِيْفِ، وَأَبُو القاسم بن عَسَاكِرَ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَسَدٍ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ سُكَيْنَةَ وَهُوَ سِبْطُهُ، وَسُلَيْمَانُ المَوْصِلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ العَاقُوْلِيّ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: وَقورٌ مَهيبٌ، عَلَى شَاكلَةٍ حَمِيدَةٍ، مَا عَرَفْتُ لَهُ هَفْوَةً، قَرَأْتُ عَلَيْهِ الكَثِيْرَ، وَكُنْتُ نَازِلاً بِرِباطِهِ.
قال ابن النجار: سمعت ابن سكينة يقول: كُنْتُ حَاضِراً لَمَّا احتُضِرَ، فَقَالَتْ لَهُ أُمِّي: يَا سيِّدِي مَا تَجِدُ? فَمَا قَدِرَ عَلَى النطق، فكتب على يدها: {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ} [الواقعة: 89] ، ثُمَّ مَاتَ.
قُلْتُ: مَاتَ فِي عَاشرِ جُمَادَى الآخِرَةَ، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَعَمِلُوا لموته وليمةً بنحو ثلاث مائة دينار.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 174"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 280" وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 128".

(15/21)


شافع، ابن الآبنوسي:
4896- شافع 1:
ابن عبد الرشيد، العَلاَّمَةُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الجِيْلِيُّ، ثُمَّ الكَرْخِيُّ، من كبار أئمة الشافعية.
رَحَلَ، وَتَفَقَّهَ عَلَى الغَزَّالِيِّ، وَإِلْكِيَا.
وَسَمِعَ بِالبَصْرَةِ مِنَ القَاضِي أَبِي عُمَرَ النُّهَاوَنْدِيِّ.
وَتَصدَّرَ لِلْعِلْمِ بِبَغْدَادَ.
رَوَى عَنْهُ السَّمْعَانِيُّ.
مَاتَ فِي المُحَرَّمِ، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَهُوَ فِي عشر الثمانين.
4897- ابن الآبنوسي 2:
الفقيه المفتي العابد، أبو الحسن، أحمد بن الإِمَامِ المُحَدِّثِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ الآبَنُوْسِي، البَغْدَادِيُّ الشَّافِعِيُّ الوَكِيْلُ.
وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ بنَ البُسْرِيِّ، وَإِسْمَاعِيْل بنَ مَسْعَدَةَ، وَأَبَا نصر الزينبي، وعدة، وتفق عَلَى قَاضِي القُضَاةِ الحَمَوِيِّ.
وَنَظَرَ فِي الكَلاَمِ وَالاعتزَالِ، ثُمَّ لَطَفَ اللهُ بِهِ، وَصَارَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالمُتَابعَةِ، وَكَانَ يَدْرِي المَذْهَبَ وَالفَرَائِضَ وَالخلاَفَ وَالشُّروطَ، ثِقَةً زَاهِداً مُصَنِّفاً ذكَّاراً، مُتَأَلِّهاً، مؤثرًا للانقطاع.
رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، وَالكِنْدِيُّ، وَسُلَيْمَانُ المَوْصِلِيُّ، وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِنْتُهُ شرفُ النِّسَاءِ.
مَاتَ فِي ثَامنِ ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَمَاتَ أَبُوْهُ بَعْدَ الخمس مائة.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 177".
2 ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 185"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص1294"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 130".

(15/22)


ابن الأشقر، ابن أخت الطويل:
4898- ابْنُ الأَشْقَرِ 1:
أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ، الدَّلاَّلُ البَغْدَادِيُّ ابْنُ الأَشْقَرِ.
سَمِعَ: أَبَا الحُسَيْنِ بنَ المُهْتَدِي بِاللهِ، وَابْنَ هَزَارْمَرْدَ الصَّرِيْفِيْنِيَّ.
وَعَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَأَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، وَتُرْكُ بنُ مُحَمَّدٍ العَطَّارُ، وَأَحْمَدُ بنُ الأَصْفَرِ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي الفَتْحِ، وَعِدَّةٌ.
صَالِحٌ خَيِّرٌ، صَحِيْحُ السَّمَاعِ.
مَاتَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
4899- ابْنُ أُخْتِ الطَّوِيْلِ 2:
الشَّيْخُ الصَّالِحُ المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ هَمَذَانَ، أَبُو بَكْرٍ، هِبَةُ اللهِ بنُ الفَرَجِ، الهَمَذَانِيُّ ابْنُ أُخْتِ الطَّوِيْلِ.
وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ يُوْسُفَ بنِ مُحَمَّدٍ الخطيب، وأبي الفضل القُوْمَسَانِيِّ الإِمَامِ، وَأَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ البجلي الجريري، وبكر ابن حَيْدٍ، وَسُفْيَانَ بنِ الحُسَيْنِ بنِ فَنْجَوَيه، وَعَبْدُوسِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَطَائِفَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: الحَافِظُ أَبُو العَلاَءِ العَطَّارُ، وَأَوْلاَدُهُ؛ أَحْمَدُ، وَعَبْدُ الغَنِيِّ وَوَاثِلَةُ، وَالمُؤَيَّدُ بنُ الإِخْوَةِ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، وَعِدَّةٌ.
وَأَجَازَ -فِيْمَا قِيْلَ لِعَبْدِ الخَالِقِ النِّشْتَبْرِيّ.
وَكَانَ مِنْ خيَارِ الشُّيُوْخِ.
كَانَ الحَافِظُ أَبُو العَلاَءِ يَقُوْلُ: هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْخٍ بِهَمَذَانَ.
وَأَثْنَى عَلَيْهِ السَّمْعَانِيُّ فِي "تَحْبيرِهِ"، وَذَكَرَ مَوْلِدَهُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ، وَقَالَ لأَبِي العَلاَءِ: إِنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ. فَمِنْ مَسْمُوْعَاتِهِ "السُّنَن" مِنَ البَجَلِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ لاَلَ، عَنِ ابْنِ دَاسَةَ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ. وَحَدَّثَ بِهِ، فَسَمِعَهُ مِنْهُ أَحْمَدُ وَعَاتِكَةُ وَلدَا الحَافِظِ أَبِي العَلاَءِ. وَمِنْ سَمَاعَاتِهِ "مَكَارِم الأَخلاَقِ" لابْنِ لاَلَ، سَمِعَهُ مِنَ البَجَلِيِّ عَنْهُ.
تُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، عَنْ تِسْعِيْنَ سنة.
__________
1 ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 186"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 131".
2 ترجمته في التحبير للسمعاني "2/ 362-364".

(15/23)


4900- الدومي 1:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، أَبُو الفَتْحِ، مُفْلِحُ بنُ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ، الدُّوْمِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الوَرَّاقُ.
مَوْلِدُهُ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ الخَطِيْبَ، وَابْنَ هَزَارْمَرْدَ الصَّرِيْفِيْنِيَّ، وَأَبَا الحُسَيْنِ بنَ النَّقُّوْرِ، وَعَلِيَّ بنَ البُسْرِيِّ.
وَعَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَأَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، وَعُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، وَيُوْسُفُ بنُ المُبَارَكِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ السَّاوِي، وَتُرْكُ بنُ مُحَمَّدٍ العَطَّارُ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَتَبْتُ عَنْهُ الكَثِيْرَ، وَكَانَ شَيْخاً لاَ بَأْسَ بِهِ، كَانَ يَعقدُ فِي قطيعَةِ الفُقَهَاءِ بِالكَرْخِ، وَيَكْتُبُ الرِّقَاعَ بِالأُجْرَةِ، وَسَمِعْتُ أَنَّهُ جَمَعَ مَالاً كَثِيْراً، وَدفنَهُ، فَورثَهُ وَلدُهُ مُنجحٌ، كَانَ حرِيصاً، تُوُفِّيَ فِي ثَانِي عشرَ المحرَّمِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: وَوَلَدُهُ مُنجحُ بنُ مُفلِحٍ، يَرْوِي عَنِ ابْنِ البَطِرِ وَنَحْوِهِ. تُوُفِّيَ بَعْدَ سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَحَفِيْدُهُ مُصلحُ بنُ مُنجحِ بنِ مفلحٍ، سَمِعَ هِبَةَ اللهِ بنَ الطّبرِ وَغَيْرَهُ. رَوَى عَنْهُ إِلْيَاسُ بنُ جَامِعٍ.
وَمَاتَ مَعَ مفلحٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ سِبْطُ الخَيَّاطِ، وَأَبُو الفَتْحِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ البيضَاوِيِّ، وَأَبُو طَالِبٍ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصُّوْرِيُّ، وَأَمِيْرُ المُسْلِمِينَ عَلِيُّ بنُ يوسف بن تاشفين، والعلامة عمر ابن مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ لُقْمَانَ النَّسَفِيُّ، وَكوخَانُ طَاغِيَةُ التُّرْكِ وَالخَطَا، وَالخَطِيْبُ أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الْمُهْتَدي بِاللهِ، وَالقَاضِي المنتجب أبو المعالي محمد بن الزكي يحيى القرشي بدمشق.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "5/ 273"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 116".

(15/24)


الشريك، ابن الصباغ:
4901- الشريك:
الإِمَامُ المُسْنِدُ، أَبُو عَمْرٍو، عُثْمَانُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ، البَلْخِيُّ.
سَمِعَ أَبَاهُ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ سُلَيْمَانَ الوَرَّاقَ، وَالحَافِظَ أَبَا عليٍّ الوَخْشِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ المَاسكَانِيَّ، وَأَبَا سَعِيْدٍ الخَلِيْلَ بنَ أَحْمَدَ السِّجْزِيَّ، وَطَائِفَةً.
قَالَ السَّمْعَانِيَّ: كَانَ فَاضِلاً، حَسَنَ السِّيْرَةِ مِنْ أَهْلِ العلم، مكثرًا مِنَ الحَدِيْثِ، مُعَمَّراً، كَتَبَ إِلَيَّ بِمَرْوِيَّاتِهِ، يَرْوِي "المُوَطَّأَ" عَنْ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ أَحْمَدَ الحَدِيْثيِّ، عَنْ زَاهِرِ بنِ أَحْمَدَ السَّرْخَسِيِّ، وَيَرْوِي "تَفْسِيْرَ أَبِي اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْديِّ"، عَنِ الوَخْشِيِّ، عَنْ تَمِيْمِ بنِ زُرْعَةَ، عَنْهُ، وَرَوَى عَنِ الوَخْشِيِّ "سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ"، وَعِدَّةَ تَفَاسير ...
إِلَى أَنْ قَالَ: تُوُفِّيَ بِبَلْخَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ سَبْعٍ وثلاثين وخمس مائة.
4902- ابن الصباغ 1:
العدل الصدوق العالم، أبو القاسم، علي بن العَلاَّمَةِ شَيْخِ الشَّافعيَّةِ أَبِي نَصْرٍ عَبْدُ السَّيِّدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ الصَّبَّاغِ البَغْدَادِيُّ.
سَمِعَ أَبَاهُ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الصَّرِيْفِيْنِيَّ، وَطِرَاداً الزَّيْنَبِيَّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَحَمْزَةُ بنُ القُبَّيْطِيِّ، وَعَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ أَبِي النَّجِيْبِ، وَزَاهِرُ بنُ رُسْتُمَ، وَيُوْسُفُ بنُ الخَفَّافِ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ العَاقُوْلِيّ، وَسُلَيْمَانُ المَوْصِلِيُّ، وَأَخُوْهُ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، وَعَبْدُ المَجِيْدِ بنُ العَلاَءِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ مِنَ الْمُعَدلين بِبَغْدَادَ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: شَيْخٌ، ثِقَةٌ، صَالِحٌ، صَدُوْقٌ، حَسَنُ السِّيْرَةِ، قَالَ لِي: وُلِدْتُ فِي آخِرِ سَنَةِ إحدى وستين.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ الجِيْلِيُّ: تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَتَبِعَهُ خلقٌ عَظِيْمٌ، وَكَانَ شَيْخَ الوَقْتِ، بَقِيَ نَيِّفاً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً شَاهِداً، وَهُوَ آخِرُ مَنْ رَوَى بِبَغْدَادَ كِتَابَ "ابْنِ مُجَاهِدٍ" فِي القِرَاءاتِ.
قَالَ: وَكَانَ شَيْخاً حَسَناً فَاضِلاً مُحترماً، مُقَدَّماً لدِينِهِ وَعلمِهِ وَبَيْتِهِ.
وَفِيْهَا مَاتَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيِّ بنِ الآبَنُوْسِيّ، وَأَبُو جعفر البطروجي، وأبو جعفر بن الباذش المقرىء، وأبو بكر أحمد بن علي ابن الأشقر، ودعوان بن علي المقرىء، وَعُمَرُ بنُ ظَفَرٍ المَغَازلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي الفَتْحِ الطَّرَائِفِيُّ، وَالقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الجُلاَّبِيُّ، وَالفَقِيْهُ نَصْرُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ المَصِّيْصِيُّ، وَهِبَةُ اللهِ بنُ الفَرَجِ ابْن أُخْتِ الطَّوِيْلِ، وَأَبُو السَّعَادَاتِ هِبَةُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بن الشجري النحوي.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 131".

(15/25)


ابن الرزاز، الدهان:
4903- ابن الرزاز 1:
شَيْخُ الشَّافعيَّةِ، أَبُو مَنْصُوْرٍ، سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ بنِ الرَّزَّازِ، الشَّافِعِيُّ البَغْدَادِيُّ، مُدَرِّسُ النِّظَامِيَّةِ.
تَفقَّهَ بِالغزَالِيِّ، وَأَبِي سَعْدٍ المُتولِّي، وَإِلْكِيَا الهرَاسِي، وَأَبِي بَكْرٍ الشَّاشِيِّ، وَأَسْعَدَ المِيْهَنِيِّ.
وَسَمِعَ مِنْ رزقِ اللهِ التَّمِيْمِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
وَتَصدَّرَ، وَأَفَادَ، وَكَانَ ذَا وَقَارٍ وَسَمْتٍ وَحُرْمَةٍ تَامَّةٍ، وَلِيَ تدرِيسَ النّظَامِيَّةِ مُدَّةً، ثُمَّ عُزِلَ. وَتَخَرَّجَ بِهِ الأَصْحَابُ.
رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَسَدٍ، وَطَائِفَةٌ.
مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَصَلَّى عَلَيْهِ وَلدُهُ أَبُو سَعْدٍ، وَعَاشَ سَبْعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
4904- الدَّهَّانُ:
المحدث الصالح، أبو نصر، عبيد الله بن أَبِي عَاصِمٍ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي الفَضْلِ، الهروي الصوفي الدهان، صاحب شيخ الإسلام.
سَمِعَ: أَبَا عَاصِمٍ الفُضَيْلَ بنَ يَحْيَى، وَمُحَمَّدَ بنَ أَبِي مَسْعُوْدٍ الفَارِسِيَّ، وَلاَزَمَ شَيْخَ الإِسْلاَمِ مُدَّةً.
رَوَى عَنْهُ سِبْطُهُ أَبُو رَوْحٍ الهَرَوِيُّ، وَهُوَ الَّذِي حرص عَلَيْهِ، وَسَمَّعَهُ الكَثِيْرَ.
وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَبِالإِجَازَةِ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحِيْمِ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَابْنُ بَوْشٍ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وثلاثين وخمس مائة، وقد قارب الثمانين.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 158"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 276"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 122".

(15/26)


4905- عمر بن ظفر 1:
ابن أحمد، الإِمَامُ، مُفِيْدُ بَغْدَادَ، أَبُو حَفْصٍ الشَّيْبَانِيُّ المَغَازلِيُّ المقرىء.
تَلاَ بِالرِّوَايَاتِ الكَثِيْرَةِ عَلَى أَحْمَدَ بنِ أَبِي الأَشْعَثِ السَّمَرْقَنْديِّ، وَغَيْرِهِ.
تَلاَ عَلَيْهِ يَحْيَى بنُ أَحْمَدَ الأَوَانِيُّ بِالسَّبْعِ.
وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ عَلِيِّ بنِ البُسْرِيِّ، وَمَالِكٍ البَانِيَاسِيِّ، وَطِرَادٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَالنِّعَالِيِّ، وَخَلْقٍ، حَتَّى كَتَبَ عَنِ ابْنِ الحُصَيْنِ وَذَوِيْهِ.
وَرَوَى عَنْهُ: ابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَابْنُ عساكر، وابن الجوزي، وأبو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، وَابْنُ سُكَيْنَةَ، وَيُوْسُفُ بنُ كَامِلٍ، وَعَلِيُّ بنُ مَحْمُوْدٍ القَطَّانُ، وَآخَرُوْنَ.
وَنَسَخَ شَيْئاً كَثِيْراً، وَعنِي بِالرِّوَايَةِ، مَعَ الخَيْرِ وَالصَّلاَحِ وَالعِلْمِ، وَقَدْ خَتَمَ عَلَيْهِ بِمسجدِهِ خَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: هُوَ شَيْخٌ صَالِحٌ، حَسَنُ السِّيْرَةِ، صَحِبَ الأَكَابِرَ، وَخدَمَهُم، قَيِّمٌ بِكِتَابِ اللهِ، خَتَمَ عَلَيْهِ خَلْقٌ، كَتَبْتُ عَنْهُ الكَثِيْرَ، وَأَظهرَ المُبَارَكُ بنُ كَامِلٍ سَمَاعَهُ فِي السَّادِسِ مِنِ انتقَاءِ ابْنِ أَبِي الفَوَارِسِ عَلَى المُخَلِّص عَلَى وَرقَةٍ عَتِيْقَةٍ مِنْ عَلِيِّ بنِ البُسْرِيِّ، فَشنَّعَ أَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْديِّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: مَا سَمِعَ مِنَ البُسْرِيِّ شَيْئاً، وَسِنُّ عُمَرَ مُحْتَمِلٌ.
تُوُفِّيَ فِي حَادِي عشرَ شَعْبَانَ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائة.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 131".

(15/27)


ظاهر بن أحمد، الجلابي

4906- ظَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ:
أَبُو القَاسِمِ البَغْدَادِيُّ المَسَامِيْرِيُّ البَزَّازُ، الرَّجُلُ الصَّالِحُ.
سَمِعَ: رزقَ اللهِ التَّمِيْمِيَّ، وَطِرَاداً الزَّيْنَبِيَّ، وَابْنَ البَطِرِ.
وَعَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَيُوْسُفُ بنُ المُبَارَكِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ القُبَّيْطِيُّ.
تُوُفِّيَ فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائة.
4907- الجلابي 1:
القَاضِي أَبُو عَبْدِ اللهِ، مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ محمد بن محمد بن الطيب ابن الجُلاَّبِيِّ -بِالضَّمِّ- الوَاسِطِيُّ، المَالِكِيُّ، المَغَازلِيُّ، المُعَدَّلُ، الشُّرُوطِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمَّعَهُ أَبُوْهُ مِنْ: أَبِي الحَسَنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مخلدٍ الأَزْدِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ الغَنْدَجَانِيِّ، وَأَبِي عَلِيٍّ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ كُمَارِي، وَأَبِي يَعْلَى عَلِيِّ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ العَلاَّفِ، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ العُكْبَرِيِّ لَمَّا قَدِمَ وَاسطاً، وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنَ الحُمَيْدِيِّ، وَلَهُ إِجَازَةٌ مِنْ أَبِي غَالِبٍ بنِ الخَالَةِ اللُّغَوِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ الخَطِيْبِ، وَأَبِي تَمَّامٍ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ صَاحِبِ ابْنِ المُظَفَّرِ، وَتَفَرَّدَ بِأَشيَاءَ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: شَيْخٌ مُتَوَدِّدٌ، حَسَنُ المُجَالَسَةِ، يَنوبُ عَنْ قَاضِي وَاسِطَ، انحدرْتُ إِلَيْهِ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ الكَثِيْرَ، مِنْ ذَلِكَ مُسْنَدُ الخُلَفَاءِ الرَّاشدينَ لأَحْمَدَ بن سنان، والبر وَالصّلَةُ لابْنِ المُبَارَكِ، وَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ بَعْدَ سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَكَانَ شَيْخُنَا أَحْمَدُ بنُ الأَغْلاَقِيِّ يَرمِيه بِأَنَّهُ ادَّعَى سَمَاعَ شَيْءٍ لَمْ يَسْمَعْهُ، وَأَمَّا ظَاهِرُهُ، فَالصِّدْقُ وَالأَمَانَةُ، وَهُوَ صَحِيْحُ السَّمَاعِ وَالأُصُوْلِ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: الحَسَنُ بنُ مكي المرندي، وأبو المظفر علي ابن نَغُوبَا، وَيَحْيَى بنُ الرَّبِيْعِ الفَقِيْهُ، وَيَحْيَى بنُ الحُسَيْنِ الأَوَانِيُّ، وَأَبُو المَكَارِمِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الجَلَخْتِ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ صدقة الغرافي، وَأَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ المَنْدَائِيُّ.
وَكَانَ أَبُو الفَتْحِ يَغْلَطُ، وَيَقُوْلُ: الجَلاَّبِيُّ بِالفَتْحِ، فَأَنَا رَأَيْتُهُ بِالضَّمِّ بِخَطِّ وَالِدِهِ فِي تَارِيخِ وَاسِطَ وَكَذَا قيَّدَهُ ابْنُ نُقْطَةَ وَغَيْرُهُ. مَاتَ فِي رمضان سنة "542".
__________
1 ترجمته في لسان الميزان "5/ 293"، وتبصير المنتبه "1/ 380"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 131".

(15/28)


ابن المختار، الطرائفي، ابن الداية:
4908- ابن المختار 1:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، مُسْنِدُ وَقتِهِ، أَبُو تَمَّامٍ، أَحْمَدُ بن الشَّيْخِ أَبِي العِزِّ مُحَمَّدِ بنِ المُخْتَارِ بنِ محمد بن عبد الواحد بن المُؤَيَّدِ بِاللهِ، العَبَّاسِيُّ البَغْدَادِيُّ التَّاجِرُ الجَوَّالُ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ الخُصِّ.
وُلِدَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ أَبَا جَعْفَرٍ بنَ المُسْلِمَةِ، فَكَانَ آخِرَ مَنْ رَوَى بِخُرَاسَانَ صِفَةَ المُنَافِقِ لِلْفِرْيَابِيِّ عَنْهُ، وَسَمِعَ أَيْضاً أَبَا نَصْرٍ الزَّيْنَبِيَّ.
رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَابْنُهُ عَبْدُ الرَّحِيْمِ، وَالقَاسِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، وَإِسْمَاعِيْلُ القَارِّيُّ، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ بِنَيْسَابُوْرَ بَعْدَ أَنْ أَكْثَرَ مِنَ التِّجَارَةِ بِالبِحَارِ وَالهِنْدِ وَالتُّرْكِ فِي خَامِسِ ذِي القَعْدَةِ سنة ثلاث وأربعين وخمس مائة.
4909- الطرائفي 2:
المُعَمَّرُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي الفَتْحِ الحَسَنِ، البَغْدَادِيُّ الطَّرَائِفِيُّ.
سَمِعَ "صفَةَ المُنَافِقِ" مِنِ ابْنِ المُسْلِمَةِ، وَأَجَازَ لَهُ هُوَ وَالخَطِيْبُ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ بنُ المَأْمُوْنِ. آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ.
مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ عَنْ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
رَوَى عَنْهُ: حَمْزَةُ بنُ القُبَّيْطِيِّ، وَأَخُوْهُ، وَزَاهِرُ بنُ رُسْتُمَ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ العَاقُوْلِيّ.
4910- ابْنُ الدَّايَةِ 3:
مُحَمَّدُ بن علي، ابْنُ الدَّايَةِ البَغْدَادِيُّ.
سَمِعَ مِنْهُ الفَتْحُ "صفَةَ المُنَافِقِ" بَعْدَ الأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ بِسَمَاعِهِ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ بنِ المُسْلِمَةِ.
يُكْنَى أَبَا غَالِبٍ، عَاشَ سَبْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وحمزة محمد ابْنَا عَلِيِّ بنِ القُبَّيْطِيِّ، وَسُلَيْمَانُ المَوْصِلِيُّ.
تُوُفِّيَ فِي مُحرَّمٍ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: هُوَ أَبُو غَالِبٍ، لاَ يُعْرَفُ اسْمُ جَدِّهِ، كَانَ أَبُوْهُ فَرَّاشاً فِي بيت رئيس الرؤساء، وأمه دَايَةٌ لَهُم، فَرُبِّيَ مَعَهُم، وَسَمِعَ مَعَ الأَوْلاَدِ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ بنِ المُسْلِمَةِ، وَعُمِّرَ، وَسَمِعَ مِنْهُ الحُفَّاظُ وَالكِبَارُ، وَكَانَ يُكَبِّرُ فِي الجَامِعِ خلف الخطيب، وكان سماعه صحيحًا.
__________
1 ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة201"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 135".
2 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 194".
3 ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 206"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1297".

(15/29)


ابن الرماك، الغنوي:
4911- ابن الرماك 1:
مام النَّحْوِ، أَبُو القَاسِمِ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عِيْسَى، الأُمَوِيُّ الإِشبيلِيُّ، قَلَّ أَنْ تَرَى العُيُونُ مِثْلَهُ.
أَقرَأَ كِتَابَ سِيبَوَيْهٍ، وَتَخَرَّجَ بِهِ أَئِمَّةٌ.
أَخَذَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي العَافِيَة، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ الأَخْضَرِ.
حملَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ خَيْرٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ بنُ مَلْكُوْنَ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ طَاهِرٍ الخِدَبُّ.
تُوُفِّيَ كَهْلاً، سَنَةَ إِحْدَى وأربعين وخمس مائة.
4912- الغنوي 2:
لإمام، أَبُو إِسْحَاقَ، إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحْرِزٍ، الغنوي الرَّقِّيُّ، الفَقِيْهُ الشَّافِعِيُّ الصُّوْفِيُّ. مَوْلِدُهُ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ: رزقَ اللهِ التَّمِيْمِيَّ، وَعَبْدَ المُحْسِنِ الشِّيْحِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ بَكْرَان الشَّامِيَّ، وَالحُمَيْدِيَّ، وَعِدَّةً.
وَقَدِمَ الخَطِيْبُ أَبُو القَاسِمِ يَحْيَى بن طاهر بن محمد بن سَيِّدِ الخُطَبَاءِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ نُبَاتَة فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَافداً عَلَى النِّظَامِ الوَزِيْرِ، فَقَالَ: إِنَّ دِيْوَانَ الخُطَبِ سَمَاعِي مِنْ أَبِي، عَنْ جَدِّي، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ نُسْخَةٌ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ الغَنَوِيُّ مِنْ نُسْخَةٍ جديدَةٍ لاَ سَمَاعَ عَلَيْهَا.
وَقَدْ تَفَقَّهَ عَلَى الغزَالِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ الشَّاشِيِّ. وَكَتَبَ كَثِيْراً.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: رَأَيْتُهُ وَلَهُ سَمْتٌ وَصَمْتٌ، وَعَلَيْهِ وَقَارٌ وَخشوعٌ.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَأَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، وَأَبُو حَفْصٍ بنُ طَبَرْزَدَ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ بِبَغْدَادَ فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ. وكان صدوقًا.
__________
1 ترجمته في بغية الوعاة للسيوطي "2/ 86".
2 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 200"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1297"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 135".

(15/30)


ابن الوزير، الجورقاني:
913- ابن الوزير 1:
لحافظ المُفِيْدُ، أَبُو عَلِيٍّ، الحَسَنُ بنُ مَسْعُوْدٍ، ابْنُ الوَزِيْرِ الدِّمَشْقِيُّ.
وَزَرَ جدُّهُ حَسَنٌ الخُوَارِزْمِيُّ لِتُتُش صَاحِبِ دِمَشْقَ.
وَهَذَا طلبَ العِلْمَ، وَرَحَلَ فِي الحَدِيْثِ.
وَتَفَقَّهَ لأَبِي حَنِيْفَةَ. وَسَكَنَ مَرْو، وَسَمِعَ الكَثِيْرَ، وَأَكْثَرَ عَنْ فَاطِمَةَ الجُوْزْدَانِيَّةِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: حَافِظٌ فَطِنٌ، لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالحَدِيْثِ وَالأَنسَابِ، قَالَ لِي: إِنَّهُ وُلِدَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَمَاتَ بِمَرْوَ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: وَلَهُ نظم جيد وفضائل.
4914- الجورقاني 2:
لإمام الحَافِظُ النَّاقِدُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، الحُسَيْنُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الحسين ابن جَعْفَرٍ، الهَمَذَانِيُّ الجَوْرَقَانِيُّ. وَجَوْرَقَانُ: مِنْ قُرَى هَمَذَان.
لَهُ مصَنَّفٌ فِي المَوْضُوْعَاتِ يَسوقهَا بِأَسَانِيْدِهِ.
يَرْوِي عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الدُّوْنِيِّ فَمَنْ بَعْدَهُ.
وَعَلَى كتابه بنى أبو الفرج بن الجَوْزِيِّ كِتَابَ "المَوْضُوْعَات"، لَهُ.
قَالَ ابْنُ شَافعٍ: أَدْرَكَهُ أَجَلُهُ فِي السَّفَرِ، فَبَلَغَنَا فِي رَجَبٍ خَبَرَهُ مِنْ سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَتَبَ وَحصَّلَ، وَصَنَّفَ، وَأَجَادَ تَصنِيفَ كِتَاب "المَوْضُوْعَات" حَدَّثَنَا عَنْهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ الجِيْلِيُّ.
قُلْتُ: وَرَوَى عَنِ ابْنِ طَاهِرٍ المَقْدِسِيِّ، وَيَحْيَى بنِ أَحْمَدَ الغضَائِرِيِّ، وَشِيْرَوَيْه الدَّيْلَمِيِّ، وَحمدِ بنِ نَصْرٍ، وَعَبْدِ المَلِكِ بنِ بنجير، وَيَحْيَى بنِ مَندَةَ، وَأَحْمَدَ بنِ عَبَّادٍ البُرُوْجِرْدِي، وَيَنْزِلُ إِلَى عَبْدِ الخَالِقِ اليُوسفِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ بِالكِتَابِ ابْنُ أُخْتِهِ نَجيبُ بنُ غَانِمٍ الطَّيَّانُ فِي سَنَةِ582.
قَالَ ابْنُ مَشِّقَ: تُوُفِّيَ فِي سَادس عشرَ رَجَبٍ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1297"، وميزان الاعتدال "1/ 523"، ولسان الميزان "2/ 256".
2 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1085"، ولسان الميزان "2/ 269-271"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 136".

(15/31)


4915- أبو الدر ياقوت 1:
لرومي التَّاجِرُ السَّفَّارُ، مَوْلَى عُبَيْدِ اللهِ بنِ البُخَارِيِّ.
سَمَّعَهُ مَوْلاَهُ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الصَّرِيْفِيْنِيِّ سَبْعَةَ مَجَالِسِ المُخَلِّصِ، وَكِتَابَ "المزَاح" لِلزُّبَيرِ بنِ بَكَّارٍ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ شَيْخاً ظَاهِرُهُ الصَّلاَحُ وَالسَّدَادُ، لاَ بَأْسَ بِهِ، حَدَّثَ بِمِصْرَ وَدِمَشْقَ وَبَغْدَادَ.
وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: قَدِمَ مِصْرَ وَدِمَشْقَ مَرَّاتٍ لِلتِّجَارَةِ، وَلَمْ يَكُنْ يَفْهَمُ شَيْئاً، وَمَاتَ بِدِمَشْقَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَابْنُهُ بهَاءُ الدِّينِ القَاسِمُ، وَأَبُو المَوَاهِبِ بنُ صَصْرَى، وَمُحَمَّدُ بنُ الزَّنْفِ، وَالخَضِرُ بنُ كَامِلٍ العَابرُ، وَعَقِيْلُ بنُ أَبِي الجِنِّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سُلْطَانٍ القُرَشِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الجَنْزَوِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ هِلاَلٍ، وَعَبْدُ الصمد ابن جَوْشَن التَّنُوخِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَفِيْهَا مَاتَ أَبُو تَمَّامٍ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ المُخْتَارِ بن المؤيد بِاللهِ التَّاجِرُ بِنَيْسَابُوْرَ، وَالفَقِيْهُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بن محمد بن نبهان الرَّقِّيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مَسْعُوْدٍ ابْنُ الوَزِيْرِ الدِّمَشْقِيُّ بِمَرْوَ، وَأَبُو القَاسِمِ الخَضِرُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَبْدَانَ الأَزْدِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ سَهْلُ بن محمد ابن أَحْمَدَ الحَاجِي بِأَصْبَهَانَ، وَعَبَّادُ بنُ سَرْحَانَ الشَّاطبِيُّ بِالعُدْوَةِ -لَقِي رزقَ اللهِ- وَقَاضِي القُضَاة أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ نورِ الهدَى أَبِي طَالِبٍ الزَّيْنَبِيّ، وَالقَاضِي أَبُو بَكْرٍ بنُ العربِيِّ، وَأَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ ابْنُ الدَّايَةِ، وَالمُبَارَكُ بنُ كَامِلٍ الخَفَّافُ، وَالفَقِيْهُ أَبُو الحجَّاجِ يُوْسُفُ بنُ دونَاسَ الفِنْدَلاَوِيُّ المَالِكِيُّ، وَالقُدْوَةُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الحلحولي.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "5/ 283"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 136".

(15/32)


4916- هبة الرحمن 1:
بن عبد الواحد بن شَيْخِ الإِسْلاَمِ أَبِي القَاسِمِ عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ هَوَازِن، الشَّيْخُ الإِمَامُ، العَالِمُ الخَطِيْبُ، مُسْنِدُ خُرَاسَانَ، أَبُو الأَسْعَدِ القُشَيْرِيُّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، خطيبُ نَيْسَابُوْرَ، وَكَبِيْرُ أهل بيته في عصره.
مَوْلِدُهُ فِي جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ سِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ جدِّهِ أَبِي القَاسِمِ فِي الخَامِسَةِ، وَمِنْ جَدَّتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الدَّقَّاقِ، وَمِنْ أَبِيْهِ، وَعَمَّيْهِ أَبِي سَعْدٍ وَأَبِي مَنْصُوْرٍ، وَمِنْ أَبِي سهلٍ الحفصيِّ صَاحِبِ الكُشْمِيْهَنِيِّ، سَمِعَ مِنْهُ فِي سَنَةِ465 "صَحِيْحَ البُخَارِيِّ"، وَسَمِعَ مِنْ أَبِي صَالِحٍ المُؤَذِّنِ، وَأَبِي نَصْرٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَلِيٍّ التَّاجِرِ، وَيَعْقُوْبَ بنِ أَحْمَدَ الصَّيْرَفِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ مَسْعَدَةَ، وَنَصْرِ بنِ عَلِيٍّ الحَاكمِيِّ، وَمُحَمَّدِ ابن عبد العزيز الصفار، وأبي بكر مُحَمَّدٍ بنِ يَحْيَى بنِ إِبْرَاهِيْمَ المُزَكِّي، وَعِدَّةٍ. وَسَمِعَ مِنَ الحَاكمِيِّ "سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ"، وَمِنْ عَبْدِ الحَمِيْدِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ البَحِيْرِي "مُسْنَدَ أَبِي عوَانَةَ".
وَرَوَى الكَثِيْرَ، وَبَعُدَ صيتُهُ، وَارتحلُوا إِلَيْهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَالمُؤَيَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الطُّوْسِيُّ، وَالقَاسِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ، وَالمُؤَيَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ القُشَيْرِيُّ، وَالمُطَهِّرُ بنُ أَبِي بَكْرٍ البَيْهَقِيُّ، وَأَبُو الفُتُوْحِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَكْرِيُّ، وَأَبُو المُظَفَّرِ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ السَّمْعَانِيِّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
أَملَى مَجَالِسَ كَثِيْرَةً، وَلَهُ أَرْبَعُوْنَ حَدِيْثاً -وَأُخْرَى حيَاتِهِ- ظَهَرَ بِهِ صمم يسمع معه إذا رفع القارىء صَوْتَهُ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ: إِنَّهُ ادَّعَى سَمَاعَ الرِّسَالَةِ مِنْ جدِّهِ، وَمَا ظهرَ لَهُ عَنْ جَدِّهِ إلَّا أَجزَاء أَبِي العَبَّاسِ السراج، وَمَجَالِس أَملاَهَا أَبُو القَاسِمِ، وَكِتَاب "عُيونِ الأَجوبَة فِي فُنُوْن الأَسولَةِ"، وَقَدْ رَوَى بِالإِجَازَةِ عَنْ أَبِي نَصْرٍ الزَّيْنَبِيِّ وَغَيْرِهِ.
تُوُفِّيَ فِي ثَالِثَ عشر سوال سنة ست وأربعين وخمس مائة.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1309"، وطبقات الشافعية للسبكي "7/ 329"، ولسان الميزان "6/ 187"، وشذرات الذهب "4/ 140-141".

(15/33)


البيضاوي، السمذي، الأرموي:
917- البيضاوي 1:
لإمام القَاضِي، أَبُو الفَتْحِ، عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّد بنِ مُحَمَّدِ بنِ البَيْضَاوِيِّ الفَارِسِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الحَنَفِيُّ، أَخُو قَاضِي القُضَاةِ أَبِي القَاسِمِ الزَّيْنَبِيِّ لأُمِّهِ.
سَمِعَ أَبَا جَعْفَرٍ بنَ المُسْلِمَةِ، وَأَبَا الغَنَائِمِ بنَ المَأْمُوْنِ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الصَّرِيْفِيْنِيَّ، وَطَائِفَةً.
وَعَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَالكِنْدِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: شَيْخٌ صَالِحٌ مُتَوَاضِعٌ، متَحَرٍّ فِي قضَائِهِ الخَيْرَ، متثبِّتٌ، تُوُفِّيَ فِي نِصْفِ جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وخمس مائة.
4918- السمذي 2:
بو المَكَارِمِ، المُبَارَكُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، البَغْدَادِيُّ الهُمَانِيُّ السِّمِّذِيُّ.
سَمِعَ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ حُمَّدُوْه، وَأَبَا مُحَمَّدٍ بنَ هَزَارْمَرْدَ، وَأَبَا القَاسِمِ بنَ البُسْرِيِّ.
وَعَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ طَبَرْزَدَ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ جَمَّازٍ القَلْعِيُّ، وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُفَيْجَةَ.
تُوُفِّيَ يَوْم عَاشُورَاءَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وخمس مائة في عشر التسعين.
4919- الأرموي 3:
لشيخ الفَقِيْهُ الإِمَامُ المُعَمَّرُ القَاضِي، مُسْنِدُ العِرَاقِ، أَبُو الفضل محمد ابن عُمَرَ بنِ يُوْسُفَ بنِ مُحَمَّدٍ، الأُرْمَوِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ بِبَغْدَادَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ بِاعتنَاء أَبِيْهِ مِنْ أبي جعفر بن المسلمة، وعبد الصمد بن المأمون، وأبي الحسين بن
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 145"، والنجوم الزاهرة "5/ 273"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 115".
2 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 172"، واللباب لابن الأثير "2/ 137"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 276"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 125".
3 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 225"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 303"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 145".

(15/34)


المُهْتَدِي بِاللهِ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ النَّقُّوْرِ، وَأَبِي بَكْرٍ الخَطِيْبِ، وَجَابِرِ بنِ يَاسينَ، وَأَبِي بَكْرٍ محمد بن علي الخياط المقرىء، وَأَبِي نَصْرٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَطَائِفَةٍ.
وَعَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَالسِّلَفِيُّ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَسَدٍ، وَعُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ البُتَيْتِ، وَالقَاضِي أَسَعْدُ بنُ المُنَجَّى، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الطَّرَّاحِ، وَمُبَارَكُ بنُ صَدَقَةَ الحَاسِبُ، وَيُوْنُسُ بنُ يَحْيَى الهَاشِمِيُّ، وَعُمَرُ بنُ مَسْعُوْدٍ البَزَّازُ الزَّاهِدُ، وَزَاهِرُ بنُ رُسْتُمَ، وَعُثْمَانُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ فَارِسٍ السِّيْبِيُّ، وَأَخُوْهُ إِسْمَاعِيْلُ الخَبَّازُ، وَشُجَاعُ بنُ سَالِمٍ البيطَارُ، وَالتَّاجُ الكِنْدِيُّ، وَدَاوُدُ بنُ مُلاعبٍ، وَأُخْتُهُ حَفْصَةُ بِنْتُ مُلاعبٍ، وَسِبْطُهُ يُوْسُفُ بنُ مُحَمَّدٍ الأُرْمَوِيُّ، وَمُوْسَى بنُ الصَّيْقَلِ الهَاشِمِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ سَعْدِ اللهِ بنِ حَمْدِي، وَمُظَفَّرُ بنُ غَيْلاَنَ الدَّقَّاقُ، وَسَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّزَّازُ، وَمِسْمَارُ بنُ عُوَيْسٍ النَّيَّارُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ المُبَارَكِ بنِ المُشترِي، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ صِرْمَا، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ فَقِيْهاً منَاظراً متكُلَّماً صَالِحاً كَبِيْرَ القَدْرِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: فَقِيْهٌ إِمَامٌ مُتَدَيِّنٌ، ثِقَةٌ صَالِحٌ، حَسَنُ الكَلاَمِ، كَثِيْرُ التِّلاَوَةِ، تَفَقَّهَ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ.
وَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: سَمِعْتُ مِنْهُ بقِرَاءةِ الحَافِظِ ابْنِ نَاصرٍ، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ كَثِيْراً، وَكَانَ ثِقَةً دَيِّناً تَالياً، وَكَانَ شَاهِداً، فَعُزِلَ، تُوُفِّيَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: وَقَدْ وَلِيَ قَضَاءَ دَيْرِ العَاقولِ.
مَاتَ فِي رَابعِ رَجَبٍ، وَلَهُ ثَمَانٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
وَفِيْهَا مَاتَ أَبُو الخَيْرِ جَامِعُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ الجُنَيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ القَاينِي بِهَرَاةَ، وَالمُحَدِّثُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الحَسَنِ الشَّعرِيُّ الصُّوْفِيُّ وَالِدُ زَيْنَبَ، وَالفَقِيْهُ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي صَالِحٍ المُؤَذِّنُ، وَشيخُ القُرَّاءِ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ غُلاَمِ الفرسِ الدَّانِي، وَأَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ الحُرْضِيُّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَأَبُو عَامِرٍ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ يَنق الشَّاطبِيُّ الأَدِيْبُ الطَّبِيْبُ، وَالسُّلْطَانُ مَسْعُوْدُ بنُ مُحَمَّدٍ السَّلْجُوْقِيُّ، والواعظ الشهير أبو منصور مظفر بن أردشير العبادي.

(15/35)


الأموي، الأندي:
920- الأموي 1:
لعلامة، أَبُو عَلِيٍّ، الحَسَنُ بنُ سَعِيْدِ بنِ أَحْمَدَ القُرَشِيُّ الأُمَوِيُّ الجَزَرِيُّ الشَّافِعِيُّ.
قَدِمَ، فَتفقَّهَ بِبَغْدَادَ، وَبَرَعَ.
وَسَمِعَ مِنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَلِيٍّ الأَنْمَاطِيِّ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ البُسْرِيِّ.
وَوَلِيَ قَضَاءَ جَزِيْرَةِ ابْنِ عُمَرَ مُدَّةً، ثُمَّ عُزِلَ، فَتحَوَّلَ إِلَى آمِدَ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: سَأَلتُهُ عَنْ مَوْلِدِهِ، فَقَالَ: سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَقَالَ يُوْسُفُ بنُ مُقلِّدٍ: سَمِعْتُ مِنْهُ، وَمَاتَ بفنك في رمضان سنة544.
4921- الأندي:
لمحدث الجَوَّالُ، أَبُو الحجَّاجِ، يُوْسُفُ بنُ عَلِيٍّ، القُضَاعِيُّ الأندي الحداد القفال.
ارْتَحَلَ، وَحَجَّ.
وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ أَبِي القَاسِمِ بنِ بيَانٍ، وَأَبِي طَالِبٍ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَأَبِي الغَنَائِمِ النَّرْسِيِّ، وَسَمِعَ "صَحِيْحَ مُسْلِمٍ" مِنْ إِسْمَاعِيْلَ وَلدِ عَبْدِ الغَافِرِ الفَارِسِيِّ، وَسَمِعَ المَقَامَات مِنَ الحَرِيْرِيِّ.
وَرجعَ، ثُمَّ ارْتَحَلَ مرَّةً ثَانِيَةً، وَسكنَ المَرِيَّةَ، وَرَوَى الكَثِيْرَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: المُحَدِّثُ رَزِيْنٌ العَبْدَرِيُّ -وَمَاتَ قَبْلَهُ- وَأَبُو مُحَمَّدٍ العُثْمَانِيُّ، وَأَبُو الوَلِيْدِ بنُ الدَّبَّاغِ، وَخطيبُ المَوْصِلِ أَبُو الفَضْلِ، وَابْنُ بَشْكُوَال، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ حُبَيْشٍ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَعِدَّةٌ.
وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَبَّارُ: كَانَ صَدُوْقاً، صَحِيْحَ السَّمَاعِ، لَيْسَ عِنْدَهُ كَبِيْرُ عِلْمٍ، اسْتُشْهِدَ يَوْمَ غلبَةِ العَدُوِّ عَلَى المَرِيَّةِ فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ خَلْقٌ كَثِيْرٌ، وَيُقَالُ: عَاشَ خمسًا وثمانين سنة، رحمه الله.
__________
1 ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي "7/ 60-61".

(15/36)


4922- المرادي 1:
لعلامة الفَقِيْهُ المُحَدِّثُ، أَبُو الحَسَنِ، عَلِيُّ بنُ سُلَيْمَانَ بن أحمد، المرادي القرطبي الشقوري الشافعي.
مَوْلِدُهُ قَبْلَ الخَمْسِ مائَةٍ.
وَارْتَحَلَ إِلَى خُرَاسَانَ، فَتفقَّهَ بِمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، وَسَمِعَ "صَحِيْحَ مُسْلِمٍ"، وَتوَالِيفَ البَيْهَقِيِّ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الفرَاوِي، وَعبدُ الْمُنعم بنُ القُشَيْرِيّ، وَهِبَةِ اللهِ السَّيِّدِيِّ، وَأَقَامَ هُنَاكَ مُدَّةً، ثُمَّ قَدِمَ بَغْدَادَ، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، ثُمَّ قَدِمَ دِمَشْقَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ بِكُتُبِهِ، فَنَزَلَ عَلَى الحَافِظِ ابْنِ عَسَاكِرَ، فَسُرَّ بقدومِهِ، لأَنَّه كَانَ اتَّكَلَ عَلَيْهِ فِي كَثِيْرٍ مِمَّا سمِعَا، فَحَدَّثَ فِي دِمَشْقَ بـ"الصَّحِيْحَيْنِ".
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كُنْتُ آنَسُ بِهِ كَثِيْراً، وَكَانَ أَحَدَ العُبَّادِ، خَرَجْنَا مَعاً إِلَى نُوقَانَ لِسَمَاعِ تَفْسِيْرِ الثَّعْلَبِيِّ، فَلمحتُ مِنْهُ أَخلاَقاً وَأَحْوَالاً قَلَّمَا تَجتمعُ فِي وَرِعٍ، وَعلَّقْتُ عَنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: نُدِبَ لِلتَّدْرِيسِ بِحَمَاةَ، فَمَضَى إِلَيْهَا، ثُمَّ نُدِبَ إِلَى التَّدرِيسِ بِحَلَبَ، فَدرَّسَ بِمَدْرَسَةِ ابْنِ العَجَمِيِّ، وَكَانَ ثَبْتاً صَلْباً فِي السُّنَّةِ.
قُلْتُ: روى عنه القاسم بن عَسَاكِرَ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ الحَرَسْتَانِيِّ، وَيَحْيَى بنُ مَنْصُوْرٍ اليُخْلُفِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ بِحَلَبَ فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
أَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِقٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ العُقَيْلِيُّ، وَابْنُ عَمِّهِ يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ منصور، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا زَاهِرٌ، أَخْبَرَنَا البَيْهَقِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الحَسَنِ العَلَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ بَالُوْيَه، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "من يُطِعِ الأَمِيْرَ فَقَدْ أَطَاعنِي، وَمَنْ يَعصِ الأَمِيْرَ فقد عصاني" 2.
__________
1 ترجمته في اللباب لابن الأثير "2/ 203" وطبقات الشافعية للسبكي "7/ 224-225".
2 صحيح: أخرجه البخاري "2957"، ومسلم "1835"، والنسائي "7/ 154".

(15/37)


4923- الأتابك 1:
الملك عماد الدين الأتابك زنكي بن الحاجب قسيم الدولة آقسنقر ابن عَبْدِ اللهِ التُّرْكِيُّ، صَاحِبُ حَلَبَ.
فَوَّضَ إِلَيْهِ السُّلْطَانُ مَحْمُوْدُ بنُ مَلِكْشَاه شِحْنَكِيَّة بَغْدَاد فِي سنة إحدى عَشْرَةَ وَخَمْس مائَةٍ فِي العَامِ الَّذِي وُلِدَ لَهُ فِيْهِ ابْنُهُ الملكُ العَادلُ نورُ الدِّينِ الشَّهِيْدُ، ثُمَّ إِنَّهُ حَوَّلَهُ إِلَى مدينَةِ المَوْصِلِ، فَجَعَله أَتَابَكاً لولدِهِ المُلَقَّبِ بِالخفَاجِيِّ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
ثُمَّ اسْتولَى عَلَى البِلاَدِ، وَعَظُمَ أَمرُهُ، وَافتَتَحَ الرُّهَا، وَتَملَّكَ حلبَ وَالمَوْصِلَ وَحَمَاةَ وَحِمْصَ وَبَعْلَبَكَّ وَبَانِيَاسَ، وَحَاصَرَ دِمَشْقَ، وَصَالَحهُم عَلَى أَنْ خطبُوا لَهُ بِهَا بَعْدَ حُرُوْبٍ يَطولُ شرحهَا. وَاسْتنقذَ مِنَ الفِرَنْجِ كَفرطَابَ وَالمَعَرَّةَ، وَدَوَّخَهُم، وَشغلهُم بِأَنْفُسِهِم، وَدَانت لَهُ البِلاَدُ.
وَكَانَ بَطَلاً شُجَاعاً مِقْدَاماً كَأَبِيْهِ، عَظِيْمَ الهيبَةِ، مليحَ الصُّوْرَةِ، أَسْمَرَ جَمِيْلاً، قَدْ وَخَطَهُ الشَّيْبُ، وَكَانَ يُضْرَبُ بِشَجَاعَتِهِ المَثَلُ، لاَ يَقرُّ وَلاَ يَنَامُ، فِيْهِ غَيْرَةٌ حَتَّى عَلَى نسَاءِ جندِهِ، عَمَرَ البِلاَدَ.
قَصَدَ حلبَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ، وَكَانَتْ لِلبُرْسُقِيِّ قَدِ انتزعهَا مِنْ بَنِي أُرْتُق، ثُمَّ وَلِيهَا ابْنُهُ مَسْعُوْدٌ، وَالنَّائِبُ بِهَا قَيمَاز، ثُمَّ بَعْدُ قتلغ، فَنَازلهَا جوسلين ملك الفِرَنْج، فَبذلُوا لَهُ مَالاً، فَترحَّلَ، وَجَاءَ التَّقليدُ مِنَ السُّلْطَانِ مَحْمُوْدٍ بِحَلَبَ لزَنْكِي، فَدَخَلهَا، وَرتَّبَ أمورها، وافتتح مدائن عدة، ودوخ الفِرَنْج، وَكَانَ أَعدَاؤُهُ مُحيطينَ بِهِ مِنَ الجهَاتِ، وَهُوَ يَنْتصفُ مِنْهُم، وَيستولِي عَلَى بلادِهِم.
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: لَمْ يُخلِّفْ قسيمُ الدَّوْلَةِ مَمْلُوْكُ السُّلْطَانِ أَلب آرسلاَن وَلداً غَيْر زَنكِي، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ عشر سِنِيْنَ، فَالْتَفَّ عَلَيْهِ غلمَانُ أَبِيْهِ وَربَّاهُ كربوقَا، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ.
قُلْتُ: نَازلَ زَنْكِي قَلْعَةَ جَعْبَر، وَحَاصَرَ ملكَهَا عَلِيَّ بنَ مَالِكٍ، وَأَشرفَ عَلَى أَخْذِهَا، فَأَصْبَحَ مَقْتُولاً، وَفَرَّ قَاتلُهُ خَادمُهُ إِلَى جَعْبَر، وَذَلِكَ فِي خَامِسِ رَبِيْعٍ الآخر سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَتَمَلَّكَ ابْنُهُ نورُ الدِّينِ بِالشَّامِ، وَابْنُهُ غَازِي بِالمَوْصِلِ.
وَقَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: وَثَبَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ مماليكه في الليل، وهربوا إلى جعبر، فصاحب أَهْلُهَا، وَفَرِحُوا.
زَادَ عُمُرُ زَنكِي -رَحِمَهُ اللهُ- على الستين.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 175"، ووفيات الأعيان "2/ ترجمة 245"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 178-279"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 128".

(15/38)


غازي، أبو بكر:
4924- غازي 1:
الملكُ سَيْفُ الدِّينِ غَازِي بنُ زَنكِي.
تَملَّكَ المَوْصِلَ بَعْدَ أَبِيْهِ، وَاعْتَقَلَ أَلب آرسلاَن السَّلْجُوقِيَّ.
وَكَانَ عَاقِلاً حَازِماً، شُجَاعاً جَوَاداً، مُحِبّاً فِي أَهْلِ الخَيْرِ.
لَم تَطُلْ مُدّتُهُ، وَعَاشَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
وَكَانَ أَحْسَنَ المُلُوْكِ شكلاً، وَكَانَ لَهُ مائَةُ رَأْسٍ كُلَّ يَوْمٍ لسِمَاطِهِ.
وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ ركبَ بِالسَّنَاجق فِي الإِقَامَةِ، وَأَلزمَ الأُمَرَاءَ أَنْ يَرْكَبُوا بِالسَّيْفِ وَالدَّبُّوسِ.
وَلَهُ مَدْرَسَةٌ كَبِيْرَةٌ بِالمَوْصِلِ.
وَقَدْ مدحَهُ الحَيْص بَيصَ، فَأَجَازَهُ بِأَلفِ دينار.
تُوُفِّيَ وَلَمْ يَتركْ سِوَى وَلدٍ مَاتَ شَابّاً وَلَمْ يُعقِبْ.
تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ أربع وأربعين وخمس مائة.
وتملك بعد المَوْصِلَ أَخُوْهُ الملِكُ قطبُ الدِّينِ مَوْدُوْد، وَالِدُ مُلُوْكِ المَوْصِلِ.
وَدُفِنَ بِمدرستِهِ. وَكَانَ سِمَاطُهُ فِي العِيْدِ أَلفَ رَأْسِ غنمٍ سِوَى الْخَيل وَالبقر، وَلَمَّا حَاصرَتِ الفِرَنْجُ دِمَشْقَ، بَادرَ غَازِي، وَكشفَ عَنْهَا، وَخلَّفَ وَلداً شَابّاً، فَمَاتَ بَعْدَهُ بِقَلِيْلٍ، وَانقطع عقِبُهُ.
4925- أَبُو بَكْرٍ 2:
يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ البَقَوِيُّ القُرْطُبِيُّ، الشَّاعِرُ الْمُفْلَقِ، مِنْ ذُرِّيَّة بَقِيِّ بنِ مَخْلَدٍ الحَافِظِ.
لَهُ موشحات بديعة.
وكان رفيع رَايَة القرِيض، وَصَاحِب آيَة التَّصرِيح فِيْهِ وَالتعرِيض.
وَهُوَ القَائِلُ:
يَا أَقتل النَّاس أَلحَاظاً وَأَطيبهُم ... رِيقاً مَتَى كَانَ فِيك الصَّاب وَالعَسَلُ
فِي صحْن خَدك وَهُوَ الشَّمْس طَالعَة ... وردٌ يَزِيدك فِيْهِ الرَّاح وَالخجلُ
إِيْمَان حُبّك فِي قَلْبِي يُجدده ... مِنْ خَدك الكُتْبُ أَوْ مِنْ لحظك الرُّسُلُ
لَوِ اطَّلعت عَلَى قَلْبِي وَجَدْت بِهِ ... مِنْ فِعل عَيْنَيْك جُرحاً لَيْسَ يَندملُ
تُوُفِّيَ سنة أربعين وخمس مائة.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 520"، والنجوم الزاهرة "5/ 286"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 139".
2 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "6/ ترجمة 803".

(15/39)


4926- ابن الشجري 1:
العَلاَّمَةُ، شَيْخ النُّحَاة، أَبُو السَّعَادَاتِ، هِبَةُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَمْزَةَ بنِ عَلِيٍّ، الهَاشِمِيُّ العَلَوِيُّ الحَسَنِيّ البَغْدَادِيّ، مِنْ ذُرِّيَّة جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: ابْن الشَّجرِيِّ شَيْخ وَقته فِي مَعْرِفَةِ النَّحْو، دَرَّسَ الأَدب طول عُمُرِهِ، وَكثر تَلاَمِذته، وَطَالَ عُمُرُهُ، وَكَانَ حَسَنَ الخُلُقِ، رفِيقاً.
رَوَى عَنْ: أَبِي الحُسَيْنِ المُبَارَك بن الطيوري كتاب "المغازي" لسعيد ابن يَحْيَى الأُمَوِيّ.
قرَأَ عَلَيْهِ: ابْن الخَشَّاب، وَابْن عبدة، والتاج الكندي، وأبو الحسن ابن الزَّاهِدَة.
وَرَوَى عَنْهُ أَيْضاً: عَبْد المَلِكِ بن المبارك القاضي، وأحمد بن يحيى ابن الدَّبِيْقِيّ، وَسُلَيْمَان بن مُحَمَّدٍ المَوْصِلِيّ، وَعَبْد اللهِ بن عُثْمَانَ البَيِّع، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ نَقيب الطَّالبيين بِالكَرْخ نِيَابَة عَنْ وَلد الطَّاهِر، وَكَانَ أَحَدَ أَئِمَّة النُّحَاة، لَهُ مَعْرِفَةٌ تَامَة بِاللُّغَةِ وَالنَّحْو، وَلَهُ تَصَانِيْف، وَكَانَ فَصِيْحاً، حُلْو الكَلاَم، حسن البيَان وَالإِفهَام، قرَأَ الحَدِيْث عَلَى جَمَاعَة مِنَ المُتَأَخِّرِيْنَ مِثْل أَبِي الحُسَيْنِ بنِ الطُّيُوْرِيِّ، وَأَبِي عَلِيٍّ بنِ نَبْهَانَ. كَتَبْتُ عَنْهُ.
وَقَالَ الكَمَال عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدٍ الأَنْبَارِيّ: شَيْخنَا أَبُو السَّعَادَاتِ، كَانَ فَرِيْد عصره، وَوحيد دَهْره فِي علم النَّحْو، أَنحَى مَنْ رَأَينَا، وَآخِرَ مَنْ شَاهِدنَا مِنْ حُذَاقهِم وَأَكَابِرهِم، وَعَنْهُ أَخذت النَّحْو، وَكَانَ تَامّ المَعْرِفَة بِاللُّغَةِ، أَخَذَ عَنْ أَبِي المُعَمَّر بن طَبَاطَبَا، وَصَنَّفَ، وَأَملَى كتاب "الأَمَالِي"، وَهُوَ كِتَاب نَفِيْس يَشتمل عَلَى فُنُوْنٍ، وَكَانَ فَصِيْحاً، حُلْو الكَلاَم، وَقُوْراً ذَا سَمتٍ، لاَ يَكَاد يَتَكَلَّم فِي مَجْلِسِهِ بكلمَة إلَّا وَتتضمن أَدب نَفْس أَوْ أَدب درس، وَلَقَدِ اخْتصم إِلَيْهِ علويَان، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: قَالَ لِي كَذَا وَكَذَا. قَالَ: يَا بُنَيَّ احْتمل، فَإِنَّ الاحْتِمَال قَبْر المعَايب.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: لمَا فَرغ ابْن الشَّجَرِيِّ مِنْ كِتَاب الأَمَالِي أَتَاهُ ابْن الخَشَّاب لِيَسْمَعَهُ، فَامْتَنَعَ، فَعَادَاهُ، وَرد عَلَيْهِ فِي أَمَاكن مِنَ الكِتَاب، وَخَطَّأَه، فَوَقَفَ ابْن الشَّجَرِيِّ عَلَى رده، فَأَلف كِتَاب الانتصَارِ فِي ذَلِكَ. قَالَ: وُلِدَتْ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
تُوُفِّيَ فِي السَّادِس وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، سَنَة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَدُفِنَ بداره، وإنما سمع الحديث في كهولته.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 198"، وفيات الأعيان "6/ ترجمة 774"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 281"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 132-134".

(15/40)


4927- الميهني:
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، أَبُو الفَضْلِ، أَحْمَدُ بنُ طَاهِرِ بن سعيد بن القُدْوَةِ أَبِي سَعِيْدٍ فضلُ اللهِ بنُ أَبِي الخَيْرِ المِيْهَنِي الخُرَاسَانِيُّ الصُّوْفِيُّ. وَمِيْهَنَةُ: قَرْيَة مَعْرُوْفَة.
وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ بِقَرْيتِه مِنْ أَبِي الفَضْلِ مُحَمَّد بن أَحْمَدَ العَارِف، وَبِنَيْسَابُوْرَ مُوْسَى بن عِمْرَانَ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ خَلَف، وَالحَافِظ الحَسَن بن أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِي، وَجَمَاعَة.
وَلَهُ إِجَازَة مِنَ المُفَسِّرِ أَبِي الحَسَنِ الوَاحِدِيّ رَوَى بِهَا تَفَاسيره.
اسْتَوْطَنَ بَغْدَاد، وَرَوَى الكَثِيْر.
رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيّ، وَغَيْرهُ، وَأَبُو أَحْمَدَ بن سكينة، وأبو اليمن الكندي، والفتح بن عَبْد السَّلاَمِ، وَطَائِفَة، وَتَفَرَّد أَبُو الحَسَنِ ابْن المُقَيَّرِ بِإِجَازته.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: سَافر الكَثِيْر، وَرَأَى المَشَايِخ، وَخدم الصُّوْفِيَّة وَالأَكَابِر، وَهُوَ ظرِيف الجُمْلَة مَطْبُوْع، حسن الشَّمَائِل، مُتَوَاضِع، مَاتَ فِي ثَامن رَمَضَان سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَدفن عَلَى دكَة الجُنَيْد رَحِمَهُ اللهُ سَمِعَ مِنْهُ الفتح الأربعين للحاكم.

(15/41)


4928- ابن العربي 1:
الإِمَامُ العَلاَّمَةُ الحَافِظُ القَاضِي، أَبُو بَكْرٍ، مُحَمَّدُ بنُ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، ابْنُ العَرَبِيِّ الأَنْدَلُسِيّ الإِشْبِيْلِيّ المَالِكِيّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
سَأَله ابْن بَشْكُوَال عَنْ مَوْلِده، فَقَالَ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ من خاله الحسن بن عمر الهزني وَطَائِفَة بِالأَنْدَلُسِ.
وَكَانَ أَبُوْهُ أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ كِبَارِ أَصْحَاب أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ حَزْم الظَّاهِرِي بِخلاَف ابْنه القَاضِي أَبِي بَكْرٍ، فَإِنَّهُ منَافر لابْنِ حَزْم، مُحِطٌّ عَلَيْهِ بنَفْس ثَائِرَة.
ارْتَحَلَ مَعَ أَبِيْهِ، وَسَمِعَا بِبَغْدَادَ مِنْ طِرَاد بن مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ النِّعَالِيّ، وَأَبِي الخَطَّابِ ابْن البَطِرِ، وَجَعْفَر السَّرَّاج، وَابْن الطُّيُوْرِيّ، وَخَلْق، وَبِدِمَشْقَ مِنَ الفَقِيْه نَصْر بن إِبْرَاهِيْمَ المَقْدِسِيّ، وَأَبِي الفَضْلِ بنِ الفُرَاتِ، وَطَائِفَة، وَببَيْت المَقْدِسِ مِنْ مَكِّيّ بن عَبْدِ السَّلاَمِ الرُّمَيْلِيّ، وَبِالحرم الشَّرِيْف مِنَ الحُسَيْن بن عَلِيٍّ الفَقِيْه الطَّبَرِيّ، وَبِمِصْرَ مِنَ القَاضِي أَبِي الحَسَنِ الخِلَعِيّ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ بنِ دَاوُدَ الفَارِسِيّ وَغَيْرِهِمَا.
وَتَفَقَّهَ بِالإِمَام أَبِي حَامِد الغَزَّالِيّ، وَالفَقِيْه أبي بكر الشاشي، والعلامة الأَدِيْب أَبِي زَكَرِيَّا التِّبْرِيْزِيّ، وَجَمَاعَة.
وَذَكَرَ أَبُو القاسم بن عَسَاكِرَ أَنَّهُ سَمِعَ بِدِمَشْقَ أَيْضاً مِنْ أَبِي البركات ابن طَاوُوْسٍ، وَالشَّرِيْف النَسِيْب، وَأَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ عَبْد الرَّحْمَنِ بن صَابر، وَأَخُوْهُ، وَأَحْمَد بن سَلاَمَةَ الأَبَّار، وَرجع إِلَى الأَنْدَلُسِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قُلْتُ: رَجَعَ إِلَى الأَنْدَلُسِ بَعْدَ أَنْ دفن أَبَاهُ فِي رحلته أَظُنّ بِبَيْتِ المَقْدِس وَصَنَّفَ، وَجَمَعَ، وَفِي فُنُوْن العِلْم بَرَعَ، وَكَانَ فَصِيْحاً بَلِيْغاً خَطِيْباً.
صَنّف كِتَاب "عَارِضَةِ الأَحْوَذِيِّ فِي شَرْحِ جَامِع أَبِي عِيْسَى التِّرْمِذِيِّ"، وَفسر القُرْآن الْمجِيد، فَأَتَى بِكُلِّ بَدِيْع، وَلَهُ كِتَاب "كَوْكَب الحَدِيْث وَالمسلسلاَت"، وَكِتَاب "الأَصْنَاف" فِي الفِقْه، وَكِتَاب "أُمَّهَات المَسَائِل"، وَكِتَاب "نُزْهَة النَّاظر"، وَكِتَاب "ستر العورَة"، وَ"المَحْصُوْل" فِي الأُصُوْل، وَ"حسم الدَّاء، فِي الكَلاَمِ عَلَى حديث السوداء"، كتاب في
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان "4/ ترجمة 626"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1081"، والنجوم الزاهرة "5/ 302"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 141".

(15/42)


الرَّسَائِل وَغوَامض النَحْويين، وَكِتَاب "تَرْتِيْب الرّحلَة، لِلتَّرغِيب فِي المِلَّة"، وَ"الفِقْه الأَصْغَر المُعَلَّب الأَصْغَر"، وأشياء سوى ذلك لم نشاهدها.
وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ، وَكَانَ رَئِيْساً مُحْتَشِماً، وَافر الأَمْوَال بِحَيْثُ أَنشَأَ عَلَى إِشْبِيْلِيَة سُوراً مِنْ مَالِهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَحْمَدَ اليُوْسُفِيّ الحَافِظ، وَأَحْمَد بن خَلَفٍ الإِشْبِيْلِيّ القَاضِي، وَالحَسَن بن عَلِيٍّ القُرْطُبِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الفِهْرِيّ، وَالحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الخَثْعَمِي السُّهَيْلِي، وَمُحَمَّد بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ الفَخَّارِ، وَمُحَمَّد بن يُوْسُفَ بنِ سَعَادَةَ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الكُتَامِيّ، وَمُحَمَّد بن جَابِرٍ الثَّعْلَبِيّ، وَنَجَبَة بن يَحْيَى الرُّعَيْنِيّ، وعبد المنعم بن يحيى الخَلُوْف الغَرْنَاطِي، وَعَلِيّ بن أَحْمَدَ بنِ لبَّال الشَّرِيْشِيّ، وَعَدَد كَثِيْر، وَتَخَرَّجَ بِهِ أَئِمَّة، وَآخِرُ مَنْ حَدَّثَ فِي الأَنْدَلُس عَنْهُ بِالإِجَازَةِ فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الشَّقُوْرِيّ، وَأَحْمَد بن عُمَرَ الخَزْرَجِيّ التَّاجِر، أَدخل الأَنْدَلُس إِسْنَاداً عَالِياً، وَعلماً جَمّاً.
وَكَانَ ثَاقب الذّهن، عذب الْمنطق، كَرِيْم الشَّمَائِل، كَامِل السُّؤْدُد، وَلِيَ قَضَاءَ إِشْبِيْلِيَة، فَحُمدت سيَاسته، وَكَانَ ذَا شِدَّة وَسطوَة، فَعزل، وَأَقْبَلَ على نشر العلم وتدوينه.
وَصفه ابْن بَشْكُوَال بِأَكْثَر مِنْ هَذَا، وَقَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَّهُ ارْتَحَلَ إِلَى المَشْرِق فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ بقُرْطُبَة وَبإِشْبِيْلِيَة كَثِيْراً.
وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ أَبُوْهُ رَئِيْساً وَزِيْراً عَالِماً أَدِيْباً شَاعِراً مَاهراً، اتَّفَقَ مَوْته بِمِصْرَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ، فَرَجَعَ ابْنه إِلَى الأَنْدَلُسِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ طَرْخَانَ: قَالَ لِي أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ العَرَبِي: صَحِبتُ ابْنَ حَزْمٍ سَبْعَةَ أَعْوَام، وَسَمِعْتُ مِنْهُ جمِيْع مُصَنّفَاته سِوَى المُجَلَّد الأَخِيْر مِنْ كِتَاب "الفِصَلِ"، وَقَرَأْنَا مِنْ كِتَاب "الإِيصَال" لَهُ أَرْبَعَ مُجَلَّدَاتٍ، وَلَمْ يَفُتْنِي شَيْء مِنْ تَوَالِيْفِهِ سِوَى هَذَا.
كَانَ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ مِمَّنْ يُقَالَ: إِنَّهُ بلغَ رُتْبَة الاجْتِهَاد.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: حَدَّثَ بِبَغْدَادَ بِيَسِيْرٍ، وَصَنَّفَ فِي الحَدِيْثِ وَالفِقْه وَالأُصُوْل وَعُلُوْم القُرْآن وَالأَدب وَالنَّحْو وَالتَّوَارِيخ، وَاتَّسَع حَاله، وَكثر إِفضَاله، وَمدحته الشُّعَرَاء، وَعَلَى بَلَده سور أَنشَأَه مِنْ مَاله.
وَقَدْ ذَكَرَهُ الأَدِيْب أَبُو يَحْيَى اليَسع بن حَزْم، فَبَالغ فِي تَقرِيظه، وَقَالَ: وَلِيَ القَضَاءَ

(15/43)


فَمَحنَ، وَجَرَى فِي أَعْرَاض الإِمَارَة فَلحن، وَأَصْبَح تَتحرك بآثَاره الأَلسِنَة، وَيَأْتِي بِمَا أَجرَاهُ عَلَيْهِ الْقدر النَّومُ وَالسِّنَةُ، وَمَا أَرَادَ إلَّا خَيراً، نصب السُّلْطَان عَلَيْهِ شبَاكه، وَسكَّنَ الإِدبار حرَاكه، فأبداه للناس صورةً تُذمُّ، وَسُوْرَة تَتلَى، لِكَوْنِهِ تَعلّق بِأَذْيَال المُلك، وَلَمْ يَجر مجرَى العُلَمَاء فِي مُجَاهِرَة السَّلاَطِيْن وَحِزْبِهِم، بَلْ دَاهن، ثُمَّ انْتقل إِلَى قُرْطُبَة مُعَظَّماً مُكرَّماً حَتَّى حُوِّلَ إِلَى العُدوَة، فَقَضَى نَحْبَه.
قَرَأْت بِخَطِّ ابْنِ مَسدِي فِي مُعْجَمِهِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُفرج النَّبَاتِيّ، سَمِعْتُ ابْنَ الجَدِّ الحَافِظَ وَغَيْرَه يَقُوْلُوْنَ: حضَر فُقَهَاء إِشْبِيْلِيَة: أَبُو بَكْرٍ بن المُرَجَّى وَفُلاَن وَفُلاَن، وَحضر مَعَهُم ابْن العَرَبِيِّ، فَتذَاكرُوا حَدِيْث الْمِغْفَر1، فَقَالَ ابْنُ المُرَجَّى: لاَ يُعرفُ إلَّا مِنْ حَدِيْثِ مَالِك عَنِ الزُّهْرِيِّ. فَقَالَ ابْنُ العَرَبِيّ: قَدْ رويته مِنْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ طرِيقاً غَيْر طَرِيْق مَالِك. فَقَالُوا: أَفدنَا هَذَا. فَوَعَدهُم، وَلَمْ يُخْرِجْ لَهُم شَيْئاً، وَفِي ذَلِكَ يَقُوْلُ خَلَف بن خَيْر الأَدِيْب:
يَا أَهْل حِمْصَ وَمِنْ بِهَا أُوصيكم ... بِالبر وَالتَّقْوَى وَصيَة مُشْفِقِ
فَخذُوا عَنِ العربِي أَسمَار الدجَى ... وَخذُوا الرِّوَايَة عَنْ إمامٍ متقِ
إِنَّ الفَتَى حُلْو الكَلاَم مهذّبٌ ... إِنْ لَمْ يَجِدْ خَبَراً صَحِيْحاً يَخلقِ
قُلْتُ: هَذِهِ حِكَايَة سَاذجَة لاَ تَدُلُّ عَلَى تَعمد، وَلَعَلَّ القَاضِي -رَحِمَهُ اللهُ- وَهِم، وَسرَى ذِهْنه إِلَى حَدِيْث آخر، وَالشَّاعِر يَخلق الإِفك، وَلَمْ أَنقُمْ عَلَى القَاضِي -رَحِمَهُ اللهُ- إلَّا إِقذَاعَه فِي ذَمّ ابْن حَزْمٍ وَاسْتجهَالَه لَهُ، وابن حزم أوسع دَائِرَة مِنْ أَبِي بَكْرٍ فِي العُلُوْم، وَأَحْفَظ بِكَثِيْر، وَقَدْ أَصَاب فِي أَشيَاء وَأَجَاد، وَزلق فِي مضَايق كغَيْره مِنَ الأَئِمَّةِ، وَالإِنصَافُ عزِيز.
قَالَ أَبُو القَاسِمِ بنُ بَشْكُوَال: تُوُفِّيَ ابْنُ العَرَبِيّ بفَاس فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخِرِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ. وَفِيْهَا وَرخه الحَافِظُ أَبُو الحَسَنِ بنُ المُفَضَّلِ وَابْن خَلِّكَانَ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ المُسْنِدُ الكَبِيْر أَبُو الدُّرّ يَاقُوْت الرُّوْمِيّ السفار صاحب ابن هزارمرد، والمعمر
__________
1 حديث المغفر: أخرجه مالك "523"، ومن طريقه البخاري "1846" و"3044" و"4286" و"5808" ومسلم "1357" عن ابن شهاب الزهري عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل عام الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجل فقال: إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال اقتلوه" والمغفر: هو ما يلبس على الرأس من درع الحديد. وقال العلماء: إنما قتله لأنه كان ارتد عن الإسلام وقتل مسلما كان يخدمه، وكان يهجو النبي -صلى الله عليه وسلم- ويسبه. وكانت له قينتان تغنيان بهجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين.

(15/44)


أَبُو تَمَّام أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ المُخْتَارِ بن المُؤَيَّدِ بِاللهِ الهَاشِمِيّ السَّفَّار صَاحِب ابْن المُسْلِمَةِ بِنَيْسَابُوْرَ، وَالفَقِيْهُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ نبهَان الغَنَوِيّ الرَّقِّيّ الَّذِي يَرْوِي الْخطب، وَالحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ مَسْعُوْدٍ ابْن الوَزِيْر الدِّمَشْقِيّ كَهْلاً بِمَرْوَ، وَقَاضِي القُضَاة أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ نور الهدَى الحُسَيْن بنِ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيّ، وَالمُعَمَّرُ أَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ ابْنُ الدَّايَة، وَمُسْنِد دِمَشْق أَبُو القَاسِمِ الخَضِرُ بن الحُسَيْنِ بنِ عَبْدَان، وَمُفِيْد بَغْدَاد أَبُو بَكْرٍ المُبَارَك بن كَامِلٍ الظَّفَرِيّ الخَفَّاف، وَالشَّهِيْد شَيْخ المَالِكِيَّة أَبُو الحَجَّاجِ يُوْسُف بن دُوْنَاسَ الفَنْدَلاَوِيّ بِدِمَشْقَ.
قُتل بِأَيدِي الفِرَنْج رَحِمَهُ اللهُ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَابِرٍ القَيْسِيّ المقرىء، أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ القَاضِي بِتُوْنُسَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الرَّبِيْعِ بن سَالِمٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حُبَيْش الحَافِظ، حَدَّثَنَا القَاضِي أَبُو بَكْرٍ بنُ العَرَبِيِّ، حَدَّثَنَا طِرَادٌ الزَّيْنَبِيّ، حَدَّثَنَا هِلاَلُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْعَثِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا جَبَلَةَ بنِ سُحَيْمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ جَرَّ ثَوْباً مِنْ ثِيَابِهِ مِنْ مَخِيْلَةٍ، فَإِنَّ اللهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ" 1.
وَأَخْبَرْنَاهُ عَالِياً بِدَرَجَتَيْنِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ وَطَائِفَةٌ قَالُوا: أَخْبَرَنَا طراد النقيب.. فذكره.
__________
1 صحيح على شرط الشيخين: أخرجه عبد الرزاق "19980"، ومالك "2/ 914"، وابن أبي شيبة "8/ 387"، وأحمد "2/ 42 و44 و46 و65 و69 و81 و103 و131 و147"، والبخاري "5783" و"5791"، ومسلم "2085" "42" و"43" و"44" و"45" و"46"، والنسائي "8/ 206"، وابن ماجه "3569"، والبغوي "3074" و"3075" من طرق عن ابن عمر، به.
وقوله: من مخيلة: أي من كبر.

(15/45)


رزين بن معاوية، الكرماني:
4929- رزين بن معاوية 1:
ابن عمار، الإِمَامُ المُحَدِّثُ الشَّهِيْرُ، أَبُو الحَسَنِ العَبْدَرِيُّ الأَنْدَلُسِيُّ السَّرَقُسْطِيُّ، صَاحِبُ كِتَابِ "تَجرِيْدِ الصِّحَاحِ".
جَاورَ بِمَكَّةَ دَهْراً، وَسَمِعَ بِهَا "صَحِيْحَ البُخَارِيِّ" مِنْ عِيْسَى بنِ أَبِي ذَرٍّ، وَ"صَحِيْحَ مُسْلِمٍ" مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الطَّبَرِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: قَاضِي الحَرَمِ أَبُو المُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ، وَالزَّاهِد أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ قُدَامَةَ وَالِد الشَّيْخ أَبِي عُمَرَ، وَالحَافِظُ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، وَالحَافِظ ابْن عَسَاكِرَ، وَقَالَ: كَانَ إِمَامَ المَالِكيين بِالحرم.
قُلْتُ: أَدخل كِتَابهُ زِيَادَات وَاهيَة لَوْ تَنَزَّه عَنْهَا لأَجَاد.
تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ وَقَدْ شَاخَ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرْنَا أَبِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا رَزِيْن بن مُعَاوِيَةَ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الغَافِرِ بن مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرْنَا ابْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِم، حَدَّثَنَا ابْنُ قَعْنَب، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ وَقَاص، عَنْ عُمَرَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لامرىء مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيْبُهَا أَوِ امْرَأَةٌ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ" 2.
4930- الكرماني 3:
شَيْخُ الحَنَفِيَّةِ، مُفْتِي خُرَاسَانَ، أَبُو الفَضْلِ، عَبْدُ الرحمن بن محمد ابن أَمِيْرَوَيْه بنِ مُحَمَّدٍ الكَرْمَانِيُّ.
تَفقَّه بِمَرْوَ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ القَاضِي، وَبَرَعَ، وَأَخَذَ عَنْهُ الأَصْحَاب، وَانتشرت تَلاَمِذته، وَبعد صِيْتُهُ.
وَرَوَى عَنْ أبيه، وأبي الفتح عَبْدِ اللهِ بنِ أَردشير الهِشَامِي.
سَمِعَ مِنْهُ السَّمْعَانِيّ، وَبَالَغَ فِي وَصْفِهِ، وَقَالَ: وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَمَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ543.
__________
1 ترجمته في الصلة لابن بشكوال "1/ 186-187"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1281"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 267"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 106".
2 صحيح: أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ "1"، وَمُسْلِمٌ "1907"، وَأَبُو دَاوُدَ "2201"، وَالتِّرْمِذِيُّ "1647" وَالنَّسَائِيُّ "1/ 58-60"، وابن ماجه "4227".
3 ترجمته في اللباب لابن الأثير "3/ 93".

(15/46)


الزينبي، أبو جعفرك:
4931- الزينبي 1:
الصَّدْرُ الأَكملُ، قَاضِي القُضَاةِ، أَبُو القَاسِمِ، عَلِيُّ بن نور الهدى أبي طالب الحسين ابن مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، الهَاشِمِيُّ العَبَّاسِيُّ الزَّيْنَبِيُّ البَغْدَادِيُّ الحَنَفِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ مِنْ أَبِيْهِ، وَعَمّه النَّقِيْب طِرَاد، وَابْن البَطِرِ، وَجَمَاعَة.
رَوَى عَنْهُ جَمَاعَة آخرهُم الفَتْح بن عَبْدِ السَّلاَمِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ غزِيْر الفَضْل، وَافر العَقْلِ، لَهُ وَقَار وَسُكُوْن وَرزَانَة وَثبَات، وَلِيَ قَضَاءَ العِرَاق سَنَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ، قَرَأْت عَلَيْهِ جُزأَيْنِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ شَافِعٍ: كَانَ يَسْتَدعِي الشُّيُوْخ كَابْنِ الحُصَيْن وَابْن كَادش، فَيُقرَأُ لَهُ عَلَيْهِم، وَقَدْ سَارَ إِلَى المَوْصِل، ولم خَلَعُوا الرَّاشد -وَكَانَ أَيْضاً بِالمَوْصِل- فَطَلبَ مِنَ الزَّيْنَبِيّ إِبطَال عَزله وَصحَة إِمَامته، فَامْتَنَعَ، فَنَاله زِنْكِي بن آقْسُنْقُر بِشَيْءٍ مِنَ العَذَاب، وَأَرَادَ قَتلَه، فَدَفَعَ الله، وَسُجِنَ مديدَة، ثُمَّ عَادَ إِلَى بَغْدَادَ، وَتَمَكَّنَ.
قَالَ أَبُو شُجَاعٍ مُحَمَّد بن الدّهَان: قِيْلَ: إِنَّ الزَّيْنَبِيّ مُنْذُ وَلِيَ القضاء ما رآه أحد إلَّا بطراحة وَخُفٍّ حَتَّى زوجتُه، وَلَقَدْ دَخَلت عَلَيْهِ فِي مرض مَوْتِهِ وَهُوَ نَائِم بِالطَّرحَةِ.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ رَأْساً مَا رَأَينَا وَزِيْراً وَلاَ صَاحِب منصب أَوقرَ مِنْهُ وَلاَ أَحْسَنَ هَيْئَة وَسَمتاً، قلَّ أَنْ يُسْمَع مِنْهُ كلمَةٌ نَاقِصَّة، طَالت وِلاَيته، فَأَحكمه الزَّمَان، وَخدمَ الرَّاشد، وَنَاب فِي الوزَارَة لِلمُقْتَفِي، ثُمَّ إِنَّ المُقْتَفِي أَعرض عَنْهُ..
ثُمَّ ذَكَرَ أَشيَاء تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ فِي القَضَاءِ إلَّا الاسْم، فَمَرِضَ.
تُوُفِّيَ يَوْم الأَضحَى سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وخمس مائة.
4932- أبو جعفرك 2:
العَلاَّمَةُ المُفَسِّرُ، ذُو الفُنُوْنِ، أَبُو جَعْفَرٍ، أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي جَعْفَرٍ البَيْهَقِيُّ، عَالِمُ نيسابور، وصاحب التصانيف، منها "تاج المصادر".
وَخَرَّجَ لَهُ تَلاَمِذَةٌ نُجبَاءُ. وَكَانَ ذَا تَأَلُّهٍ وَعِبَادَةٍ، يُزَارُ وَيُتَبَرَّكُ بِهِ.
مَاتَ فَجْأَةً فِي آخِرِ رَمَضَان، سَنَةَ أَرْبَع وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 205"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1297"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 282"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 135".
2 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1306"، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي "4/ 49-51".

(15/47)


الفندلاوي، الأرجاني:
4933- الفندلاوي 1:
الإِمَامُ أَبُو الحَجَّاجِ، يُوْسُفُ بنُ دُوْنَاسَ المَغْرِبِيُّ الفَنْدَلاَوِيُّ المَالِكِيُّ، خَطيبُ بَانِيَاسَ، ثُمَّ مُدَرِّسُ المَالِكِيَّةِ بِدِمَشْقَ.
رَوَى "المُوَطَّأ" بِنُزولٍ.
رَوَى عَنْهُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَقَالَ: كَانَ حَسَنَ المُفَاكهَة، حُلو المحَاضِرَة، شَدِيد التَّعَصُّب لِمَذْهَب أَهْل السُّنَّةِ، كَرِيْماً، مُطَّرِحاً لِلتَّكَلُّفِ، قوِيّ القَلْب، سَمِعْتُ أَبَا تُرَاب بن قَيْسٍ يذكر أَنَّهُ كَانَ يَعتقد اعْتِقَاد الحَشَوِيَّةِ، وَيُبغض الفَنْدَلاَوِيّ لردِّه عَلَيْهِم، وَأَنَّهُ خَرَجَ إِلَى الحَجِّ، وَأُسِرَ، وَأُلقِي فِي جُبٍّ، وَغُطِّي بصخرَةٍ، وَبَقِيَ كَذَلِكَ مُدَّة يُلقِي إِلَيْهِ مَا يَأْكُل، وَأَنَّهُ أَحس لَيْلَة بِحسٍّ يَقُوْلُ: نَاولنِي يَدَكَ. فَنَاوله، فَأَخْرَجَهُ. قَالَ: فَإِذَا هُوَ الفَنْدَلاَوِيّ، فَقَالَ: تُب مِمَّا كُنْت عَلَيْهِ. فَتَاب، وَكَانَ يَخطُبُ ليلة الختم في رمضان رجل فِي حَلْقَة الفَنْدَلاَوِيّ وَعِنْدَهُ أَبُو الحَسَنِ بنُ المُسْلِمِ الفَقِيْه، فَرمَاهُم وَاحِد بِحَجَرٍ، فَلَمْ يُعرف، فَقَالَ الفَنْدَلاَوِيّ: اللَّهُمَّ اقْطَعْ يَده. فَمَا مَضَى إلَّا يَسير حَتَّى أُخِذَ خُضير مِنْ حَلْقَة الحَنَابِلَة، وَوُجِدَ فِي صُنْدُوْقه مفَاتيحُ كَثِيْرَة لِلسرقَة، فَأَمر شَمْسُ المُلُوْك بِقطع يَدَيْهِ، فَمَاتَ مِنْ قَطعِهِمَا.
قُتِلَ الفَنْدَلاَوِيّ وَزَاهِدُ دِمَشْق عَبْد الرَّحْمَنِ الحُلْحُوْلِي يَوْم السَّبْت فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ بِالنَّيربِ فِي حَرْب الفِرَنْج وَمُنَازَلَتِهِم دِمَشْق، فَقُبِر الفَنْدَلاَوِيّ بِظَاهِر بَاب الصَّغِيْر، وَقُبِرَ الحلحُوْلِي بِالجبل، رَحِمَهُمَا الله.
4934- الأَرَّجَانِيُّ 2:
الإِمَامُ الأَوْحَدُ، شَاعِرُ زَمَانِهِ، قَاضِي تُسْتَرَ، أَبُو بكر، أحمد بن مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ، نَاصِحُ الدِّيْنِ الأَرَّجَانِيُّ الشَّافِعِيُّ.
__________
1 ترجمته في اللباب لابن الأثير "2/ 442"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 282"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 136".
2 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 210"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "1/ ترجمة 63"، وترجمة الحفاظ "4/ 1306"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 285"، وشذرات الذهب "4/ 137".

(15/48)


رَوَى جُزءَ لُوَيْنٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ مَاجَه.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الخَشَّاب، ومنوجهر بن تركانشاه، والمنشىء يَحْيَى بن زِيَادَة، وَآخَرُوْنَ. وَنَاب فِي القَضَاءِ بِعَسْكَر مُكْرَمٍ.
وَالَّذِي دُوِّنَ مِنْ شِعْرِهِ لاَ يَكُوْن العُشر، وَقَدْ بلغَ فِي النَّظم الغَايَةَ، سقتُ مِنْهُ جُمْلَةً فِي "تَارِيخ الإِسْلاَم".
مَاتَ بِتُسْتَرَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَأَرَّجَانُ: مُثَقَّلَة الرَّاء، قَيَّده صَاحِب "الصِّحَاح"، وَاسْتَعْمَلهَا المُتَنَبِّي مُخَفَّفَةً مُحرّكَة فِي شِعْرِهِ، وَهِيَ بُليدَةٌ مِنْ كُورِ الأَهواز.
عَاشَ أَرْبَعاً وثمانين سنة.

(15/49)


الزيادي، القاضي عياض:
4935- الزيادي 1:
الرَّئِيْسُ المُسْنِدُ، أَبُو المَحَاسِنِ، أَسَعْدُ بنُ عَلِيِّ بنِ المُوَفَّقِ، الزِّيَادِيُّ الهَرَوِيُّ الحَنَفِيُّ العَابِدُ، نَزِيْلُ قَرْيَةِ مَالِيْنَ.
سَمِعَ مِنَ الدَّاوُوْدِيّ "صَحِيْح البُخَارِيِّ"، وَالدَّارِمِيِّ، وَعَبْدِ بنِ حُمَيْدٍ.
رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الفَامِيُّ، وَعَبْدُ الجَامِع بنُ عَلِيٍّ خَخَّةُ، وَأَبُو رَوْحٍ، وَآخَرُوْنَ.
ذَكَرَ السَّمْعَانِيُّ أَنَّهُ ثِقَة صَالِح عَابِد، دَائِم الأَورَادِ، مُسْتغرقُ الأَوقَاتِ، يَسردُ الصَّوْمَِ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ خَمْس وثمانون سنة.
4936- القاضي عياض 2:
الإِمَامُ العَلاَّمَةُ الحَافِظُ الأَوْحَدُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، القَاضِي أبو الفضل عِيَاضُ بنُ مُوْسَى بنِ عِيَاضِ بنِ عَمْرِو بنِ مُوْسَى بنِ عِيَاضٍ اليَحْصَبيُّ الأَنْدَلُسِيُّ، ثُمَّ السَّبْتِيُّ، المَالِكِيُّ.
وُلِدَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وأربع مائة.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 138".
2 ترجمته في الصلة لابن بشكوال "2/ ترجمة 974"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1083"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 511"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 285"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 138-139".

(15/49)


تَحَوَّل جَدّهُم مِنَ الأَنْدَلُس إِلَى فَاس، ثُمَّ سَكَنَ سَبْتَة.
لَمْ يَحمل القَاضِي العِلْم فِي الحدَاثَة، وَأَوّل شَيْء أَخَذَ عَنِ الحَافِظ أَبِي عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ إِجَازَة مُجرَّدَة، وَكَانَ يُمكِنُه السَّمَاعُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ لحق مِنْ حَيَاته اثْنَيْنِ وَعِشْرِيْنَ عَاماً.
رَحل إِلَى الأَنْدَلُسِ سَنَة بِضْع وَخَمْس مائَة، وَرَوَى عَنِ القَاضِي أَبِي عَلِيٍّ بنِ سُكَّرَةَ الصَّدَفِيّ، وَلاَزمه، وَعَنْ أَبِي بَحْر بن العَاصِ، وَمُحَمَّد بن حَمْدِينَ، وَأَبِي الحُسَيْنِ سرَاج الصَّغِيْر، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ عَتَّابٍ، وَهِشَامِ بنِ أحمد، وعدة.
وَتَفَقَّهَ بِأَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى التَّمِيْمِيِّ، وَالقَاضِي مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ المَسِيْلِيِّ.
وَاستبحر مِنَ العُلُوْم، وَجَمَعَ وَأَلَّفَ، وَسَارَتْ بِتَصَانِيْفِهِ الرُّكبَانُ، وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ فِي الآفَاق.
قَالَ خَلَفُ بنُ بَشْكُوَال: هُوَ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ وَالتفنن وَالذّكَاء وَالفَهْمِ، اسْتُقضِي بِسَبْتَةَ مُدَّة طَوِيْلَة حُمدت سيرتُه فِيْهَا، ثُمَّ نُقِلَ عَنْهَا إِلَى قَضَاء غَرْنَاطَةَ، فَلَمْ يُطَوِّلْ بِهَا، وَقَدِمَ عَلَيْنَا قُرْطُبَة، فَأَخذنَا عَنْهُ.
وَقَالَ الفَقِيْه مُحَمَّد بن حَمَّاده السَّبْتِيُّ: جلس القَاضِي لِلمُنَاظَرَةِ وَلَهُ نَحْوٌ مِنْ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَوَلِيَ القَضَاءَ وَلَهُ خَمْس وَثَلاَثُوْنَ سَنَةً، كَانَ هَيِّناً مِنْ غَيْرِ ضَعفٍ، صَلِيْباً فِي الحَقِّ، تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ التَّمِيْمِيِّ، وَصَحِبَ أَبَا إِسْحَاقَ بنَ جَعْفَرٍ الفَقِيْه، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ بِسَبْتَةَ فِي عصرٍ أكثر توالف مِنْ تَوَالِيْفِهِ، لَهُ كِتَاب "الشفَا فِي شرف المُصْطَفَى" مُجَلَّد، وَكِتَاب "تَرْتِيْب المدَارك وَتَقْرِيْب المسَالك فِي ذكرِ فُقَهَاء مَذْهَب مَالِك" فِي مُجَلَّدَات، وَكِتَاب "العقيدَة"، وَكِتَاب "شرح حَدِيْث أُمِّ زرع"، وكتاب "جامع التَّارِيْخ" الَّذِي أَربَى عَلَى جَمِيْع المُؤلفَات، جَمعَ فِيْهِ أَخْبَار مُلُوْك الأَنْدَلُس وَالمَغْرِب، وَاسْتَوْعَبَ فِيْهِ أَخْبَار سَبتَةَ وَعُلَمَاءهَا، وَلَهُ كِتَاب مشَارقِ الأَنوَار فِي اقتفَاء صَحِيْح الآثَارِ: "المُوَطَّأ" وَ"الصَّحِيْحَيْنِ" ...
إِلَى أَنْ قَالَ: وَحَاز مِنَ الرِّئَاسَة فِي بلدِه وَالرّفعَة مَا لَمْ يَصل إِلَيْهِ أَحَد قَطُّ مِنْ أَهْلِ بَلَده، وَمَا زَاده ذَلِكَ إلَّا تَوَاضعاً وَخَشْيَة للهِ -تَعَالَى- وَلَهُ مِنَ المُؤلفَات الصّغَار أَشيَاءُ لَمْ نَذكرهَا.
قَالَ القَاضِي شَمْس الدِّيْنِ فِي "وَفِيَات الأَعيَان": هُوَ إِمَام الحَدِيْث فِي وَقْتِهِ، وَأَعْرفُ النَّاس بِعُلُوْمِهِ، وَبِالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَكَلاَمِ العَرَبِ وَأَيَّامهِم وَأَنسَابِهِم.
قَالَ: وَمِنْ تَصَانِيْفِهِ كِتَابُ "الإِكمَالِ فِي شَرحِ صَحِيْحِ مُسْلِمٍ" كَمَّل بِهِ كِتَاب "المُعْلَم" لِلمَازَرِي، وَكِتَاب "مشَارق الأَنوَار" فِي تَفْسِيْر غَرِيْب الحَدِيْث، وَكِتَاب "التَّنبيهَات" فِيْهِ فَوَائِد وَغَرَائِب، وَكُلّ تَوَالِيْفِهِ بَدِيْعَة، وَلَهُ شعر حسن.

(15/50)


قُلْتُ: تَوَالِيفه نَفِيْسَة، وَأَجَلهَا وَأَشرفهَا كِتَاب "الشفَا" لَوْلاَ مَا قَدْ حشَاه بِالأَحَادِيْث المفتعلَة، عَمَلَ إِمَامٍ لاَ نَقد لَهُ فِي فَن الحَدِيْث وَلاَ ذَوْق، وَاللهُ يُثيبه عَلَى حسن قصدهِ، وَيَنْفَع بِـ"شِفَائِهِ"، وَقَدْ فَعَلَ، وَكَذَا فِيْهِ مِنَ التَّأْوِيْلاَت البعيدَة أَلوَان، وَنبينَا -صَلَوَاتُ اللهُ عَلَيْهِ وَسلاَمه- غنِيٌّ بِمدحَة التنزِيل عَنِ الأَحَادِيْث، وَبِمَا تَوَاتر مِنَ الأَخْبَار عَنِ الآحَاد، وَبِالآحَاد النّظيفَة الأَسَانِيْد عَنِ الوَاهيَات، فَلِمَاذَا يَا قَوْم نَتشبع بِالمَوْضُوْعَات؟ فَيتطرق إِلَيْنَا مَقَالُ ذَوِي الْغل وَالحسد، وَلَكِن مَنْ لاَ يَعلم مَعْذُور، فَعَلَيْك يَا أَخِي بِكِتَاب "دَلاَئِل النُّبُوَّة" لِلْبَيْهَقِيّ، فَإِنَّهُ شفَاء لمَا فِي الصُّدُوْر وَهدَى وَنور.
وَقَدْ حَدَّثَ عَنِ القَاضِي خلق مِنَ العُلَمَاءِ، مِنْهُم الإِمَام عَبْد اللهِ بن مُحَمَّدٍ الأَشِيْرِيّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ بنُ القَصِيْر الغَرْنَاطِي، وَالحَافِظ خَلَف بن بَشْكُوَال، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ عُبَيْدِ اللهِ الحَجْرِيّ، وَمُحَمَّد بن الحَسَنِ الجَابِرِي، وَوَلَده القَاضِي مُحَمَّد بن عِيَاضٍ قَاضِي دَانِيَة.
وَمِنْ شِعْرِهِ:
انْظُر إِلَى الزَّرْع وَخَامَاته ... تَحكِي وَقَدْ مَاست أَمَام الرِّيَاحْ
كتيبَةً خَضْرَاءَ مهزومَة ... شقَائِقُ النُّعْمَان فِيْهَا جراح
قَالَ القَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ: شُيُوْخ القَاضِي يُقَاربُوْنَ المائَة، تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ فِي رَمَضَانهَا، وَقِيْلَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ مِنْهَا بِمَرَّاكُشَ، وَمَاتَ ابْنه فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ بَشْكُوَال: تُوُفِّيَ القَاضِي مُغَرَّباً عَنْ وَطَنه فِي وَسط سَنَةِ أَرْبَعٍ.
وَقَالَ وَلده القَاضِي مُحَمَّد: تُوُفِّيَ فِي لَيْلَة الجُمُعَة نِصْف اللَّيْلَة التَّاسعَة مِنْ جُمَادَى الآخِرَة، وَدُفِنَ بِمَرَّاكُش، سَنَةَ أَرْبَعٍ.
قُلْتُ: بَلَغَنِي أَنَّهُ قُتل بِالرمَاح لِكَوْنِهِ أَنْكَر عِصْمَة ابْن تُوْمَرْت.
وَفِيْهَا مَاتَ شَاعِر زَمَانِهِ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنٍ الأَرَّجَانِيّ قَاضِي تُسْتَر، وَالعَلاَّمَة المُصَنِّف أَبُو جعفَرَكَ أَحْمَد بن علي بن أَبِي جَعْفَرٍ البَيْهَقِيّ، وَالمُسْنِدُ بِهَرَاةَ أَبُو المَحَاسِنِ أَسَعْد بن عَلِيِّ بنِ المُوَفَّق، وَمُحَدِّث حلب أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ سُلَيْمَانَ المُرَادِيّ القُرْطُبِيّ.
أَخْبَرَنَا القَاضِي مُعِيْن الدِّيْنِ عَلِيّ بن أَبِي العَبَّاسِ المَالِكِيّ بِالإِسْكَنْدَرِيَّة قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بن الجِرْجِ، عَنْ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الحَافِظ، وَأَخْبَرَنِي أبو القاسم

(15/51)


مُحَمَّدُ بنُ عِمْرَانَ الحَضْرَمِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الغَافِقِيّ غَيْرَ مَرَّةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَزْدِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَطِيَّةَ الجَابِرِي، قَالاَ: أَخْبَرَنَا عيَاض بن مُوْسَى القَاضِي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى التَّمِيْمِيّ، وَهِشَام بن أَحْمَدَ، قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ النَّمِرِيّ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ المُؤْمِنِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ التَّمَّار، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ حَيْوَة وَابْنِ لَهِيْعَةَ وَسَعِيْدِ بن أَبِي أَيُّوْبَ، عَنْ كعبِ بن عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو: سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "إِذَا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ فَقُوْلُوا مَا يَقُوْلُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَشْراً، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الوَسِيْلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الجَنَّةِ لاَ تَنَبْغِي إلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُوْنَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ اللهَ لِيَ الوَسِيْلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ" 1.
رَوَاهُ مسلم.
ومن سلالته العلامة:
__________
1 صحيح على شرط مسلم: أخرجه مسلم "384"، وأبو داود "523"، والنسائي "2/ 25-26" وفي "عمل اليوم والليلة" "45"، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" "93"، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" "1/ 143"، والبيهقي "1/ 410"، وأبو عوانة "1/ 336" من طريق حيوة بن شريح، عن كعب بن علقمة به.

(15/52)


4937- أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عِيَاضٍ:
ابْنِ محمد بن القَاضِي عِيَاضِ بنِ مُوْسَى، اليَحْصَبيُّ السَّبْتِيُّ النَّحْوِيُّ.
قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَأَخَذَ عَنْ: أَيُّوْبَ بنِ عَبْدِ اللهِ الفِهْرِيِّ، وَأَخَذَ بِالجَزِيْرَةِ الخَضْرَاءِ كِتَابَ سِيْبَوَيْه تَفَقُّهاً عَنْ أَبِي القَاسِمِ عَبْد الرَّحْمَنِ بن عَلِيٍّ النَّحْوِيّ، وَأَخَذَ بِهَا "الإِيضَاح" لأَبِي عَلِيٍّ الفَارِسِيّ عَنْ أَبِي الحَجَّاج بن مَعزُوز، وَأَجَازَ لَهُ مِنْ أَصْبَهَان أَبُو جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيّ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ، وَوَلِيَ قَضَاءَ الجَمَاعَة بغَرْنَاطَة إِلَى أَنْ مَاتَ. وَكَانَ مِنْ سرَاة القُضَاة وَأَهْل النزَاهَة، شَدِيد التّحرِي، صَابراً عَلَى الضَعِيْف، شدِيداً عَلَى أَهْلِ الجَاهِ، فَاضِلاً وَقُوْراً، يُعرب كَلاَمه دَائِماً، وَكَانَ يُكرم الطلبَة، وَأَجَازَ لَهُ أَيْضاً مِنْ دِمَشْقَ الخُشُوْعِيّ. أَجَازَ لِي، وَمَاتَ فِي جُمَادَى الأُخْرَى سَنَة خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائة -رحمه الله- وتوفي أبوه عايض الفَقِيْه فِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، بِمَالَقَة.

(15/52)


ابن الدباغ، البيع:
4938- ابن الدباغ 1:
لإمام الحَافِظُ المُتْقِن الأَوْحَدُ، أَبُو الوَلِيْدِ، يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ يُوْسُفَ بنِ عُمَرَ بنِ فِيْرُّه اللَّخْمِيُّ الأُنْدِيُّ المَالِكِيُّ، نَزِيْلُ مُرْسِيَةَ.
أَكْثَر عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الصَّدَفِيّ وَلاَزمه، وَسَمِعَ "المُوَطَّأَ" مِنْ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ الخَوْلاَنِيّ، وَأَخَذَ أَيْضاً عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ عتَاب، وَطَائِفَة.
وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ بَشْكُوَال، وَأَبُو عَبْدِ المَلِكِ مَرْوَان بن عَبْدِ العَزِيْزِ الوَزِيْر، وَأَحْمَد بن أَبِي المُطَرِّفِ البَلَنْسِيّ، وَأَحْمَد بن سَلَمَةَ اللُّوْرَقِي، وَمُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ هُذَيْل، وَآخَرُوْنَ.
رَأَيْت "برنَامَجَه"، وَقَدْ سَمِعَ كتباً كِبَاراً، وَلَهُ تَأْلِيْف صَغِيْر فِي تسمِيَة الحُفَّاظ.
قَالَ ابْنُ بَشْكُوَال: كَانَ مِنْ أَنبل أَصْحَابنَا، وَأعرفهِم بِطرِيقَة الحَدِيْث وَأَسْمَاء الرِّجَال وَأَزْمَانِهِم وَثِقَاتِهِم وَضُعفَائِهِم وَأَعمَارهِم وَآثَارهِم، وَمِنْ أَهْلِ العنَايَة الكَامِلَة بِتَقْيِيد العِلْم، وشوور في الأحكام ببلده، ثم خطب بِهِ وَقتاً، قَالَ لِي: مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَمِنْ مَشَايِخه خَلَف بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ النَّخَّاس، وَعَبْد القَادِر الصَّدَفِيّ.
قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: هُوَ أَحَدُ الأَئِمَّةِ المهرَة المُتْقِنِيْنَ، وَمِنْ جهَابذَة النقَاد، اعْتَمدهُ النَّاس فِيمَا قَيَّده، وَكَانَ سَمحاً مُؤثراً عَلَى قلّةِ ذَات يَده، نَزِهَ النَّفْس، وَلِي خطَابَة مُرْسِيَة، ثُمَّ قَضَاء دانية.
قلت: أنبأن بِ"المُوَطَّأ" أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ القُرْطُبِيِّ بسماعه منه.
4939- البيع 2:
لشيخ أَبُو بَكْرٍ، مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ الزُّهْرِيُّ الوَقَّاصِيُّ الدينوري، ثم البغدادي المراتبي البيع.
__________
1 ترجمته في الصلة لابن بشكوال "2/ ترجمة 1510"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1087"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 302"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 142".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 300"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 140".

(15/53)


سَمِعَ أَبَاهُ، وَأَبَا نَصْرٍ الزَّيْنَبِيّ، وَعَاصِمَ بنَ الحَسَنِ، وَرِزْقَ اللهِ التَّمِيْمِيَّ.
وَعَنْهُ: ابْنُ أَخِيْهِ مُحَمَّد بن هِبَةِ اللهِ مِنْ "مَشْيَخَةِ الأَبَرْقُوْهِيّ" شَيْخنَا.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ مِنْ أَوْلاَد المَيَاسير، وَكَانَ شَيْخاً متودداً كيساً مَطْبُوْعاً، غير أنه يلعب الحمام، قَالَ لِي: إِنَّهُ وُلِدَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ خمس وسبعين وأربع مائة.
مَاتَ فِي الثَّالِث وَالعِشْرِيْنَ مِنَ المُحَرَّم سَنَة خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْن بن عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ النَّيْسَابُوْرِيّ الشَّحَّامِيّ -مُكْثِرٌ سَمِعَ مِنِ ابْنِ المُحِبّ- وَأَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَحْمَدَ بنِ رِضَى خطيب قُرْطُبَة، وَأَبُو مُحَمَّدٍ المُبَارَك بن أَحْمَدَ بنِ بركَة الكِنْدِيّ الخَبَّاز، وَأَبُو البَرَكَاتِ مَحْفُوْظ بن الحَسَنِ بنِ صَصْرَى التَّغْلِبِيّ عَنْ ثَمَانِيْنَ سنة.

(15/54)


ابن عبدان، موفق:
4940- ابن عبدان:
لشيخ أَبُو القَاسِمِ، الخَضِرُ بنُ حُسَيْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدَانَ، الأَزْدِيّ الدِّمَشْقِيّ الصَّفَّار.
سَمِعَ أَبَاهُ، وَأَبَا القَاسِمِ بنُ أَبِي العَلاَءِ، وَسَهْلُ بنُ بِشْرٍ، والفقيه نصر ابن إِبْرَاهِيْمَ، وَالحَسَن بن أَبِي الحَدِيْد، وَلَهُ إِجَازَة مِنْ عَبْدِ العَزِيْزِ الكَتَّانِيّ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ وَابْنه القَاسِم، وَأَبُو المَحَاسِنِ بن أَبِي لُقْمَةَ وَغَيْرهُم.
مَاتَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وأربعين وخمس مائة.
4941- موفق:
الخَادِم الأُسْتَاذ، أَبُو السَّدَادِ الحَبَشِيُّ، مَوْلَى الوَزِيْرِ نظام الملك.
سَمِعَ أَبَا نَصْرٍ الزَّيْنَبِيّ، وَالقَاضِي الخِلَعِيَّ بِمِصْرَ، وَقرَّرَ بِرِباطِ الزَّوْزَنِيّ.
رَوَى عَنْهُ: السِّلَفِيّ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الخَشَّاب.
بَقِيَ إِلَى سنة أربع وأربعين وخمس مائة.

(15/54)


الشحامي، الرفاء:
4942- الشحامي 1:
الرَّئِيْس الأَوْحَدُ، أَبُو عَلِيٍّ، الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بن الحسين بن محمد ابن مُحَمَّدٍ الشَّحَّامِيُّ النَّيْسَابُوْرِيُّ.
كَانَ يَخدُمُ الخَاتُوْنَ.
وَكَانَ سَمِعَ الكَثِيْر مِنَ الفَضْل بن المُحِبِّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ خَلَفٍ، وَالصرَام، وَمُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْلَ التفليسِي.
رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيّ وَابْنه عَبْد الرَّحِيْمِ.
تُوُفِّيَ لَيْلَة نِصْف شَعْبَان سَنَة خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وخمس مائة.
4943- الرفاء 2:
شَاعِرُ الشَّامِ، أَبُو الحُسَيْنِ، أَحْمَدُ بنُ مُنَيْرِ بن أحمد بن مفلح، الأَطَرَابُلُسِيُّ الرّفَّاءُ، صَاحِبُ "الدِّيْوَانِ" المَشْهُوْرِ.
لَهُ نَظْمٌ بَدِيْع.
وَكَانَ يُلَقَّبُ بِمُهذَّب الدِّيْنِ، وَيُقَالُ لَهُ: عين الزَّمَان.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: رَأَيْتهُ مَرَّات، وَكَانَ رَافِضِيّاً، خَبِيْث الهَجْو وَالفحش، سجنه بُورِي مُدَّة، وَهَمَّ بِقطع لِسَانه، ثُمَّ تسْحَب، فَلَمَّا وَلِي شَمْس المُلُوْك عَادَ إِلَى دِمَشْقَ، فَبَلَغَ شَمْس المُلُوْك عَنْهُ أَمر، وَأَرَادَ صلبه، فَاخْتَفَى، وَهَرَبَ، ثُمَّ قَدِمَ فِي صُحْبَة الْملك نُوْر الدِّيْنِ، وَتُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَة ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ بِحَلَبَ.
وَكَانَ هُوَ وَالقَيْسَرَانِيّ كفرسي رهان، لكن القيسراني سني دين.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 139- 140".
2 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "1/ ترجمة 64"، وتذكرة الحفاظ "4/ ص1313"، والنجوم الزاهرة "5/ 299"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 146-147".

(15/55)


القيسراني، الإسفراييني:
4944- القيسراني 1:
سَيِّدُ الشُّعَرَاءِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، مُحَمَّدُ بنُ نصر بن صغير بن خالد، القيسراني.
وله بعكَا، وَنَشَأَ بقيسَارِيَة، وَسَكَنَ دِمَشْق، وَامْتَدَح المُلُوْك، وَوَلِيَ إِدَارَة السَّاعَات عَلَى بَابِ الجَامِع فِي أَيَّامِ تَاج المُلُوْك، ثُمَّ سَكَنَ حلب، وَوَلِيَ بِهَا خزَانَة الكُتُب.
قرَأَ الأَدب، وَأَتقن علم الهَيْئَة وَالهَنْدَسَة، وَصَحِبَ الشَّاعِر أَبَا عَبْدِ اللهِ ابْن الخَيَّاط. وَمِنْ نَظمه:
يَا هِلاَلاً لاَح فِي شَفق ... أَعف أَجفَانِي مِنَ الأَرقِ
فُكَّ قَلْبِي يَا مُعذِّبَهُ ... فَهُوَ مِنْ صَدغَيكَ فِي حَنَقِ
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: هُوَ أَشعر مَنْ رَأَيْتهُ بالشام، ولد سنة ثمان وسبعين وَأَرْبَع مائَة، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائة.
4945- الإسفراييني 2:
الشيخ أبو المعالي، الفضل بن سله بنِ بِشْرٍ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ، الدِّمَشْقِيُّ، وَيُلَقَّبُ بِالأَثِيْرِ، الحَلَبِيِّ.
وُلِدَ بِمِصْرَ، وَنَشَأَ بِبَيْتِ المَقْدِس، وَسَافَرَ فِي التجَارَة إِلَى خُرَاسَانَ وَغَيْرهَا، وَوعظ مُدَّة بِحَلَبَ.
سَمِعَ أَبَاهُ، وَأَبَا القَاسِمِ بنَ أَبِي العَلاَءِ، وَلَهُ إِجَازَة مِنْ أَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب، وَعِنْدَهُ عَنْ أَبِيْهِ "السُّنَن الكَبِيْر" لِلنسَائِي.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: يُتَّهَمُ بِالكَذِبِ فِي لَهجَتِهِ، وَسَمَاعه صَحِيْح.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ السَّمْعَانِيّ، وَابْن عَسَاكِرَ، وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ ابْن المُقَيَّرِ.
مَاتَ بِبَغْدَادَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان "4/ ترجمة 677"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1313"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 150"، والنجوم الزاهرة لابن تغربي بردي "5/ 302".
2 ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 238"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1313".

(15/56)


4946- ابن الفراوي 1:
الشَّيْخُ الفَقِيْهُ العَالِم، المُسْنِدُ الثِّقَةُ، أَبُو البَرَكَاتِ، عَبْد اللهِ بن مُحَمَّدِ ابْن الفَضْلِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الفُرَاوِيِّ الصَّاعدِيُّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، صَفِيُّ الدِّيْنِ المُعَدَّلُ.
سَمِعَ مِنْ: جدّه لأُمِّهِ طَاهِر الشَّحَّامِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ الصَّرَّام، وَعُثْمَانُ بنُ مُحَمَّدٍ المَحْمِيّ، وَأَبِي نَصْرٍ مُحَمَّد بن سَهْلٍ السَّرَّاج، وَمُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْلَ التفليسِي، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بن أَحْمَدَ الوَاحِدِيّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ خَلَفٍ الشِّيْرَازِيّ، وَفَاطِمَة بِنْت الدَّقَّاق، وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَالسَّمْعَانِيّ وَوَلَده عَبْد الرَّحِيْمِ، وَالمُؤَيَّد الطُّوْسِيّ، وَمَنْصُوْر بن عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ الفُرَاوِيّ حَفِيْده، وَالصَّفَّار قَاسم بن عَبْدِ اللهِ، وَزَيْنَب بِنْت عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّعْرِيَّة، وَجَمَاعَة.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: هُوَ إِمَام فَاضِل ثِقَة صَدُوْقٌ، دين، حسن الأَخلاَق، لَهُ بَاعَ طَوِيْل فِي الشُّرُوط وَكتبِ السِّجِلاَّت، لاَ يَجرِي أَحَد مَجرَاهُ فِي هَذَا الْفَنّ، وَهُوَ إِمَام مَسْجِد المُطَرز.
وَقَدْ سَمِعَ أَبُو المُظَفَّرِ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ السَّمْعَانِيّ مِنْ لَفظه "مَعْرِفَة عُلُوْم الحَدِيْث" لِلْحَاكِمِ بِسَمَاعه مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ خَلَفٍ عَنْهُ، وَسَمِعَ أَبُو المُظَفَّرِ مِنْهُ جَمِيْع "مُسْنَد أَبِي عوَانَة الإِسْفَرَايِيْنِي" بِسَمَاعه مِنْ أَوله إِلَى فَضَائِل المَدِيْنَة مِنْ عُثْمَانَ المَحْمِيّ، وَمِنْ ثَمَّ إِلَى كِتَاب فَضَائِل القُرْآن مِنَ الصَّرَّام، وَمِنْ ثَمَّ إلى آخِر الكِتَاب مِنْ فَاطِمَة بِنْت أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاق بِسَمَاعِهِم مِنْ أَبِي نُعَيْمٍ الإِسْفَرَايِيْنِي عَنْهُ.
مَاتَ فِي جَائِحَة الغُزّ جوعاً وَبرداً بِنَيْسَابُوْرَ فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَة تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَهَلَكَ خلق مِنَ الْجُوع وَالعَذَاب وَالنهب، فَالأَمْر للهِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هبَةِ اللهِ سَنَة سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ، عَنْ أَبِي المظفرِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ أَبِي سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الفُرَاوِيّ، أَخْبَرَنَا عُثْمَان بن محمد المحمي وَأَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ، عَنِ القَاسِمِ بن عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الأَسَعْد بن القُشَيْرِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ البحيْرِيُّ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ الحَسَنِ سَنَة تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَاقَ الحَافِظ سَنَة سِتَّ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ إِسْحَاقَ القوَاس، حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالاَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُوْلُوا: لاَ إِلَهَ إلَّا اللهُ، فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءهُم وَأَمْوَالَهُم إلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُم عَلَى اللهِ" 2.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 153".
2 صحيح: أخرجه الطيالسي "2441"، وابن أبي شيبة "10/ 122 و124" و"12/ 374"، وأحمد "2/ 314 و377 و423 و439 و475 و482 و502 و528"، ومسلم "21"، وأبو داود "2640"، والترمذي "2606"، والنسائي "6/ 6-7" و"7/ 77-78 و79"، والدارقطني "1/ 231-232" و"2/ 89" وابن منده "23" و"27" و"196" و"199" و"200" و"402" و"403"، وابن الجارود "1032"، والبيهقي "1/ 196" و"3/ 92" و"8/ 19 و196 و202" و"9/ 182"، والبغوي "31" و"32" من طرق عن أبي هريرة، به.

(15/57)


السلطان، أنر:
4947- السلطان 1:
شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ، أَبُو سَعْدٍ، عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بن سهل الدامغاني، ويلقب بالسلطان.
ذكره أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ فِي شُيُوْخه، فَقَالَ: كَانَ إِمَاماً، حسن الكَلاَم، رَقِيق القَلْب، سرِيع الدمعَة، سَمِعَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ خَلَفٍ الشِّيْرَازِيّ، وَأَحْمَد بن إِسْمَاعِيْلَ الشُّجَاعِيّ، وَالحَسَن بن أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِي.
وَكَانَتْ وَفَاتُهُ سَنَة ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقَالَ تَاج الدِّيْنِ عَلِيّ بن أَنْجَب فِي كِتَابِ "الاقتفَاء فِي طَبَقَات الفُقَهَاء": كَانَ إِمَاماً فَاضِلاً مُنَاظراً، وَكَانَ يُعرف بِالسُّلْطَان، تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي حَامِد الغَزَّالِيّ.
قُلْتُ: ذَكَرَ الْقطْب النَّيْسَابُوْرِيّ أَنَّهُ تَفَقَّهَ بعُمر السُّلْطَان، وَبِمُحَمَّد ابن يحيى، وتفقها بالغزالي.
4948- أنر 2:
مَلِكُ الأُمَرَاءِ بِدِمَشْقَ، مُعِيْنُ الدِّيْنِ الطُّغْتِكِيْنِيُّ.
أَمِيْر سَائِس، رَئِيْس شُجَاع، مَهِيب، فَحل الرَّأْي، دبر دَوْلَة أَوْلاَد أُسْتَاذه.
وَكَانَ يُحبّ العُلَمَاء وَالصُّلَحَاء، ويبذل المال، وله مواقف مشهودة، وَغزو كَثِيْر، وَكَانَ حَسَنَ الدّيَانَة، لَهُ المَدْرَسَة المُعِيْنِيَّةُ، وَقُبَّةٌ عَلَى قَبْرِهِ وَرَاء دَار بِطِّيخ، وَكَانَتِ الفِرَنْجُ تَخَافه.
تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَبِنْته: هِيَ عِصْمَة الدِّيْنِ الخَاتُوْنُ، وَاقفَة المَدْرَسَة الخَاتُونِيَّة، تَزَوَّجَ بِهَا الْملك نُوْر الدِّيْنِ مَحْمُوْد بن زِنْكِي.
تُوُفِّيَ أَنُرُ فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الآخِرِ -رَحِمَهُ اللهُ- وَإِلَيه يُنسب قُصَيْر مُعِيْن الدِّيْنِ بِالغَور، وَكَانَ مَمْلُوْكاً لِلملك طُغْتِكِيْنَ. وَطُغْتِكِيْنُ مِنْ غلمَان السُّلْطَان تُتُش السَّلْجُوْقِيّ، وتتش هو أخو السلطان ملكشاه.
__________
1 ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي "7/ 254".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 286".

(15/58)


السنجبستي، العبادي:
4949- السنجبستي:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ، أَبُو عَلِيٍّ، الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ السَّنْجَبَسْتِيُّ، شَيْخٌ عَالِمٌ صَالِحٌ.
سَمِعَ مِنْ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدٍ كُلاَر، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ خَلَفٍ، وَقَارب التِّسْعِيْنَ.
رَوَى عَنْهُ: أبو سعد السمعاني وابنه عبد الرحيم.
مَاتَ بِنَيْسَابُوْرَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَنْجَبَسْتُ: مَنْزِلَةٌ مَعْرُوْفَة بَيْنَ نَيْسَابُوْرَ وَسَرَخْسَ، مِثْلُ قرية.
4950- العبادي 1:
الوَاعِظُ المَشْهُوْرُ المُطْربُ، أَبُو مَنْصُوْرٍ، المُظَفَّرُ بنُ أَرْدَشِيْرَ المَرْوَزِيُّ العَبَّادِيُّ وَيُلَقَّبُ بِالأَمِيْرِ.
وَاعِظ بَاهِر، حُلْو الإِشَارَة، رَشِيق العبَارَة، إلَّا أَنَّهُ قَلِيْل الدِّيْنِ.
سَمِعَ مِنْ نَصْر اللهِ الخُشْنَامِيّ، وَعَبْد الغَفَّارِ الشيروِي، وَجَمَاعَة.
قَدِمَ رَسُوْلاً إِلَى بَغْدَادَ مِنَ السُّلْطَان سَنْجَر سَنَة إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ، فَأَقَامَ ثَلاَثَة أَعْوَام يَعظ بِجَامِع القَصْر وَبِدَارِ السَّلطنَةِ، وَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ المُقْتَفِي وَالكُبَرَاءُ، وَأَملَى بِجَامِعِ القَصْرِ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ الأَخْضَرِ، وَحَمْزَةُ بنُ القُبَّيْطِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُكَرَّمِ.
وَكَانَ يُضْرَبُ حسن وَعظِه المَثَلُ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: لَمْ يَكُنْ بِثِقَةٍ، رَأَيْت رِسَالَةً بِخَطِّهِ جَمَعهَا فِي إباحة شرب الخمر.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: لَهُ كَلِمَات جيدَة، وَكتبُوا عَنْهُ مِنْ وَعظِهِ مُجَلَّدَاتٍ، ذَهبَ لِيُصلِحَ بَيْنَ ملك وكبير، فَحصل لَهُ مِنْهُمَا مَالٌ كَثِيْر، وَمَاتَ بِعَسْكَر مُكْرَمٍ سَنَة سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقِيْلَ: كَانَ يُخِلُّ بِالصَّلاَة لَيْلَةَ حُضُوْرِهِ السَّمَاع، وَذَكَرَ لَيْلَةً مَنَاقِب عليّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَأَنَّ الشَّمْس رُدَّت لَهُ، فَاتَّفَقَ أَنَّ الشَّمْس غَابَت بِالغَيمِ، فَعَمِلَ أَبيَاتاً وَهِيَ:
لاَ تَغْرُبِي يَا شَمْسُ حَتَّى يَنْتَهِي ... مَدْحِي لآلِ المُصْطَفَى وَلِنَجْلِهِ
وَاثْنِيْ عِنَانَكِ إِن أَردتِ ثَنَاءهُم ... أَنَسِيتِ إِذْ كان الوقوف لأجله
إن كان لِلمَوْلَى وُقُوفُكِ فَلْيكُنْ ... هَذَا الوُقُوْف لِخَيْلِهِ وَلرَجْلِهِ
قَالَ: فَطَلعت الشَّمْس مِنْ تَحْتَ الغَيمِ، فَلاَ يُدْرَى مَا رُمِي عَلَيْهِ مِنَ الثِّيَابِ وَالأَمْوَالِ.
عاش ستًا وخمسين سنة، الله يسامحه.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 229"، واللباب لابن الأثير "2/ 310"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 303".

(15/59)


4951- أبو عبد الله مردنيش:
لزاهد المُجَاهِدُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، مُحَمَّدٌ الجُذَامِيُّ المَغْرِبِيُّ.
كَانَ مَعَهُ عِدَّة رِجَال أَبْطَال يُغِيرُ بِهِم يَمنَة وَيسرَة، وَكَانُوا يَحرِثُونَ عَلَى خَيلهِم كَمَا يَحرُثُ أَهْلُ الثَّغْر، وَكَانَ أَمِيْرُ المُسْلِمِيْنَ ابْنُ تَاشفِيْنَ يَمدُّهُم بِالمَالِ وَالآلاَتِ، وَيبرُّهُم.
وَلِمَرْدَنِيْشَ مَغَازِي وَمَوَاقِفُ مَشْهُوْدَةٌ وَفَضَائِلُ، وَهُوَ جد الْملك مُحَمَّد ابن سَعْدِ بنِ مُحَمَّدٍ صَاحِب شَرق الأَنْدَلُس.
فَمِنْ عَجِيْبِ مَا صَحَّ عِنْدِي مِنْ مَغَازِيه -يَقُوْلُ ذَلِكَ اليَسعُ بنُ حَزْم- أَنَّهُ أَغَارَ يَوْماً، فَغنِمَ غَنِيْمَةً كَثِيْرَةً، وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ مِنَ الرُّوْمِ أَكْثَرُ مِنْ أَلفِ فَارِسٍ، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ وَكَانُوا ثَلاَثَ مائَةِ فَارِسٍ: مَا تَرَوْنَ? فَقَالُوا: نَشغَلهُم بِتَركِ الغَنِيْمَةِ. فَقَالَ: أَلَمْ يَقُلِ القَائِلُ: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأَنْفَالُ:65] ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ مُوْرِيْنَ: يَا رَئِيْسُ! اللهُ قَالَ هَذَا. فَقَالَ: اللهُ يَقُوْلُ هَذَا وَتَقعدُوْنَ عَنْ لِقَائِهِم?! قَالَ: فَثَبَتُوا، فَهَزمُوا الرُّوْم.
وَمِنْ غَرِيْب أَمرِهِ أَنَّهُ نَزل ملك الرُّوْم ابْن رُذمِيْرَ، فَأَفسدُوا الزُّروعَ، فَبَعَثَ يَقُوْلُ لَهُ: مِثْلُكَ لاَ يَرْضَى بِالفَسَادِ، وَلاَ بُدَّ لَكَ مِنَ الانْصِرَافِ، فَأُفسِدُ فِي بَلَدك فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مَا لاَ تُفسده فِي جُمُعَة. فَأَمر اللَّعِين أَصْحَابه بِالكَفّ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ يَرغب فِي رُؤيتِه لسُمْعَتِهِ عِنْدَهُم. قَالَ ابْنُ مُوْرِيْنَ: فَجِئْنَا مَعَ الرَّئِيْس، فَقَدَّمنَاهُ، فَأَكْرَمَه، وَأَجْلَسَهُ إِلَى جَنْبِهِ، وَجَعَلَ يَطَّلَّعُ إِلَيْهِ، وَيَقُوْلُ

(15/60)


بِلِسَانِهِ: اسْمُكَ عَظِيْمٌ، وَطلعتُكَ دُوْنَ اسْمِكَ، وَمَا شَخْصُك بِشخصِ فَارِس. وَكَانَ قَصِيْراً، وَأَرَادَ مُمَازحَتَه، وَكَذَا وَجَّه إِلَيْهِ أَمِيْرُ المُسْلِمِيْنَ عَلِيُّ بنُ يُوْسُفَ، فَمَضَى وَاجْتَمَعَ بِهِ، وَاسْتَنَابَ مَوْضِعَه وَلدَه سَعْداً إِلَى أَنْ رَجَعَ.
وَفِي سَنَةِ سَبْعٍ عشرين وَخَمْسِ مائَةٍ سَارَ ابْن رُذمِيْر، فَنَازل مدينَة إِفرَاغَة وَبِهَا ابْن مَرْدَنِيْش، وَطَال الحصَار، فَكَتَبُوا إِلَى أَمِيْرِ المُسْلِمِيْنَ ابْن تَاشفِيْن لِيُغِيثَهُم، فَكَتَبَ إِلَى ابْنِهِ تَاشفِيْن بنِ عَلِيٍّ، وَإِلَى الأَمِيْرِ يَحْيَى بنِ غَانِيَة بِإِغَاثَتِهِم، وَإِدخَالِ المِيْرَةِ إِلَيْهِم، فتهيأ لنجدتهم أربعة آلاف، فما وَصلُوا إِلَى إِفرَاغَة إلَّا وَقَدْ فَنِي مَا بِهَا، وَلَمْ يَبْقَ لابْنِ مَرْدَنِيْشَ سِوَى حِصَانٍ، فَذَبَحَهُ لَهُم، فَحَصَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أُوقيَة أُوقيَة.
قَالَ اليَسع: فَحَدَّثَنِي المَلِكُ المُجَاهِد ابْنُ عِيَاضٍ حَدِيْث هَذِهِ الغَزَاة، قَالَ: لَمَّا وَصلَ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ غَانِيَة مدينَة زَيْتونَة، خَرَجتُ إِلَيْهِ مِنْ لاردَة مَعَ فُرْسَانِي، فَقَالَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ. فَقُلْتُ: الصَّوَابُ جَمعُ جُنْدِ الأَنْدَلُس تَحْتَ راية واحدة، وهلال سليم تحت راية أخرى، ويتقدم الزبير ابن عُمَرَ بِأَهْلِ المَغْرِب وَبِالدوَاب الَّتِي تحمل الأَقوَات، مَعَهُم الطّبول وَالرَّايَات، وَنبقَى نَحْنُ وَالعرب كَمِيناً عَنْ يَمِيْن الجَيْش وَيسَاره، فَإِذَا أَبصر اللَّعِين الرَّايَات وَالطبول وَالزمر حَمل عَلَيْهِ، فَنكر عَلَيْهِ مِنَ الجِهَتَيْنِ. قَالَ: فَصَلَّينَا الصُّبْحَ فِي لَيْلَة سَبْع وَعِشْرِيْنَ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَأَبصر اللَّعِين الجَيْشَ وَقَدِ اسْتَرَاحَ مِنْ جِرَاحَاتِهِ، وَكَانَ عَسْكَرُهُ إِذْ ذَاكَ أَرْبَعَة وَعِشْرِيْنَ أَلْفَ فَارِسٍ سِوَى أَتْبَاعهِم، فَقصدُوا الطّبول، فَانكسرُوا وَتَفَرَّقُوا يَعْنِي المُسْلِمِيْنَ فَأَتينَا الرُّوْم عَنْ أَيْمَانِهِم، وَنَزَلَ النَّصْرُ وَعَمِلَ السَّيْفَ فِي الرُّوْم حَتَّى بَقِيَ ابْنُ رُذمِيْرَ فِي نَحْوِ أَرْبَعِ مائَةِ فَارِسٍ، فَلجؤُوا إِلَى حصن لَهُم، وَبَات المُسْلِمُوْنَ عَلَيْهِ، ثُمَّ هَلَكَ غَمّاً، وَأَصَابه مرض مَاتَ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً مِنْ هَزِيمتِهِ، فلا رحمه الله.

(15/61)


ابن مسهر، ابن نظام الملك:
4952- ابن مسهر 1:
الأديب البارع، مهذب الدين علي بن أَبِي الوَفَاءِ سَعْدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ الواحد الموصلي الشاعر، وديوانه في مجلدين.
مدح الخُلَفَاء وَالمُلُوْك، وَتنقل فِي الولاَيَات بِبلده.
وُلِدَ بآمد، وَمَاتَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ. وَقَالَ العمَاد: سَنَة سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَلَهُ مِنْ أَبْيَات يَصف الْفَهد:
مِنْ كُلِّ أَهْرَتَ بَادِي السُّخطِ مُطَّرِح ال ... حَيَاءِ جهم المحيّا سيّىء الخُلُقِ
وَالشَّمْس مُذْ لقَّبُوْهَا بِالغزَالَة أَع ... طته الرَّشَا جَسَداً مِنْ لَونِهَا اليَقَقِ
وَنقَّطَتْهُ حِبَاءً مِنْ تَسَالُمِهَا ... عَلَى المنَايَا نِعَاجُ الرَّمل بِالحَدَقِ
هَذَا وَلَمْ تَبْرُزَا مَعَ سِلمِ جَانبه ... يَوْماً لِنَاظره إلَّا عَلَى فَرَقِ
وَعَمِلَ فِي عصره الصوري السراج محمد بن أحمد:
شئن البرَاثِنِ فِي فِيْهِ وَفِي يَدِهِ ... فَتكُ الصوَارم وَالعسَّالَة الذُّبُلِ
تَنَافَسَ اللَّيْل فِيْهِ وَالنَّهَار مَعاً ... فَقمَّصَاهُ بجلبابٍ مِنَ المُقَلِ
وَالشَّمْسُ مُذْ لقَّبُوْهَا بِالغزَالَةِ لَمْ ... تَبرزْ لنَاظره إلَّا عَلَى وَجَلِ
4953- ابن نظام الملك 2:
الوزير الكامل، أبو نصر، أحمد بن رَأْسِ الوُزَرَاءِ نِظَامِ المُلْكِ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ الطُّوْسِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
وَزَرَ لِلْخَلِيْفَةِ وَللسُّلْطَانِ، وَآخرُ مَا وَزر لِلمُسْترشد بِاللهِ، ثُمَّ عُزل بَعْدَ سَنَةٍ وَشهر، وَلَزِمَ دَارَهُ. وَكَانَ صدراً مُحْتَشِماً، يملأ العين.
روى عن: عبد الرزاق الحسناباذي وَابْنه.
وَعَنْهُ: السَّمْعَانِيّ، وَحَفِيْده دَاوُد بن سُلَيْمَانَ.
مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ سنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَدُفِنَ بدَارِه.
وَمَاتَ قَبْلَهُ فِي رَمَضَانَ ابْنُ أُخْت الإِمَامِ أَبُو الفَضْلِ نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ نِظَام المُلْكِ، وَكَانَ مِنْ أَقْرَانِهِ، قَاربَ الثَّمَانِيْنَ.
وَرَوَى عَنِ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيْرَازِيِّ.
وَعَنْهُ: عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ السَّمْعَانِيِّ.
مات هذا بطوس.
__________
1ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 477".
2 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 209".

(15/62)


4954- أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنُ عِيَاضٍ المُجَاهِدُ:
عَبْدُ اللهِ، وَقِيْلَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ، المُجَاهِدُ فِي سَبِيْلِ اللهِ، فَارِسُ الأَنْدَلُسِ، وَبطلُهَا المَشْهُوْرُ، اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ شرقِ الأَنْدَلُسِ.
قَالَ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ عَلِيٍّ المَرَّاكُشِيُّ: كَانَ مِنَ الصَّالِحِيْنَ الكِبَارِ، بَلَغَنِي عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّهُ كَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، سَرِيعَ الدَّمعَةِ، رقيقاً، فَإِذَا ركبَ الخيلَ لاَ يَقومُ لَهُ أَحَدٌ، كَانَ النَّصَارَى يَعدُّوْنَهُ بِمائَة فَارِسٍ، فَحمَى اللهُ بِهِ النَّاحيَةَ مُدَّةً إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ، وَلاَ أَتَحقّقُ تَارِيخَ مَوْتِهِ.
وَقَالَ اليَسعُ بنُ حَزْمٍ فِي "أَخْبَار المَغْرِب": حَدَّثَنِي الأَمِيْرُ الملكُ المُجَاهِدُ فِي سَبِيْلِ اللهِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عيَاضٍ أَشجعُ مَنْ ركبَ الخيلَ، وَأَفرسُ مَنْ سَامَ الرُّوْمَ الويلَ، قَالَ: نَزلتُ محلَّةَ الفِرَنْجِ عَلَيْنَا، فَكَانُوا إِذَا رَمَونَا بِالنَّبلِ صَارَ حَائِلاً بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّمْسِ كَالجَرَادِ، وَالَّذِي صَحَّ عِنْدنَا أَنَّ عددَ خيلهِم مائَةُ أَلْفِ فَارِسٍ، وَمِنَ الرَّجْلِ مائةا أَلْفٍ أَوْ أَزْيَدَ، وَكُنَّا نَعدُّ عَلَى مَقرُبَةٍ مِنْ سُورنَا أَرْبَعَ مائَةِ خيمَةٍ ديباجٍ أَوْ نَحْوِهَا نُحقّقُ هَذَا، فَاشتدَّ عَلَيْنَا الحصَارُ، فَخَرَجْنَا في مائةي فَارِسٍ، فَشققنَا الرُّوْمَ نَقتلُ فِيهِم، وَلجَأْنَا إِلَى حصنِ الزَّيْتونَةِ قَاصدينَ بَلَنْسِيَةَ.
قَالَ اليَسعُ: قَالَ لِي مَسْعُوْدُ بنُ عزِّ النَّاسِ: أَبْصَرتُ ابْنَ عِيَاضٍ وَهُوَ شَابٌّ حَدَثٌ، وَقَدْ صَارعَ رُومِيّاً غَلبَ جَمِيْعَ مَنْ فِي بِلاَدِ الأَنْدَلُسِ، فَجَاءهُ الرُّوْمِيُّ، فَدَفَعَهُ ابْنُ عِيَاضٍ عَنْ نَفْسِهِ دفعَةً حسبت أن الرومي انتفضت أَوْصَالُهُ، ثُمَّ أَمسكَ بِخَاصرَةِ الرُّوْمِيِّ حَتَّى رَأَيْتُ الدَّمَ تَحْتَ أَصَابعِ ابْنِ عِيَاضٍ، ثُمَّ رفعَهُ، وَأَلقَى بِهِ الأَرْضَ، فَطَارَ دِمَاغَهُ.
وَلَهُ قِصَّةٌ أُخْرَى: وَذَلِكَ أَنَّهُ وَقَفَ فَارِسٌ مِنْ جُمْلَةِ خيَّالَةِ الرُّوْمِ عَلَى لاردَةَ، وَطلبَ المبَارزَةَ، فَخَرَجَ ابْنُ عِيَاضٍ عَلَيْهِ قَمِيْصٌ طَوِيْلُ الكُمِّ قَدْ أَدخلَ فِيْهِ حجراً مُدَحْرَجاً، وَربطَ رَأْسَ الكُمِّ، وَتَقلَّدَ سَيْفَهُ، وَالرُّوْمِيُّ شَاكٍ فِي سلاَحِهِ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ ابْنُ عِيَاضٍ، فَطَعَنَهُ الرُّوْمِيُّ فِي الطَّارقَةِ، فَنَشَبَ الرُّمْحُ، فَأَطلقهَا ابْنُ عِيَاضٍ مَنْ يَدِهِ، وَبَادرَ فَضَرَبَ الرُّوْمِيَّ بِكُمِّهِ، فَنَثَرَ دِمَاغَهُ، فَعَجِبْنَا، وَكَبَّرنَا، فَاشْتُهِرَ ذِكْرُهُ عَلَى صِغَرِ سنِّهِ، وَأَمَّا أَنَا فَحَضَرتُ مَعَهُ أَيَّامَ مَمْلَكتِهِ حُرُوْباً، كَانَ حجر لاَ يُؤثّر فِيْهِ، وَكَانَ فِي هَيئَتِهِ كَأَنَّهُ بُرجٌ غَرِيْبُ الخِلْقَةِ.
قَالَ مَسْعُوْدٌ: وَلَمَّا وَصلْنَا الزَّيْتونَةَ بَعْدَ قَضَاءِ حَوَائِجنَا، جِئْنَا لاَرِدَةَ فِي السَّحَرِ، فَوَقَعنَا فِي خيَامِ العَدُوِّ المحيطِ بِالبَلَدِ، فَجَعَلنَا نَضربُ عَلَى الطَّوَارقِ، وَنَصِيحُ، فَنفرَتِ الخيلُ، وَنَحْنُ نَقتلُ مَنْ لَقِينَاهُ، فَدَخَلْنَا البلدَ سَالِمِينَ.
قُلْتُ: وَلابْنِ عيَاضٍ مَوَاقِفُ مَشْهُوْدَةٌ، وَكَانَ فَارِسَ الإِسْلاَمِ فِي زَمَانِهِ، لَعَلَّهُ بَقِيَ إِلَى بَعْدَ الأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقَامَ بَعْدَهُ خَادمُهُ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدِ بنِ مَرْدَنِيْش، اسْتخلفَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ عَلَى النَّاسِ، فَدَامَتْ أَيَّامُهُ إِلَى سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ اليَسعُ فِي "تَارِيخ المَغْرِبِ" وَقَدْ خدَمَ ابْنَ عِيَاضٍ، وَصَارَ كاتبًا لَهُ فَذَكَرَ أَنَّ ابْنَ عِيَاضٍ الْتَقَى البَرْشَلُوْنِيّ، وَانتصرَ المُسْلِمُوْنَ، فَلَمَّا انفصلَ المَصَافُّ، قصدَ المُسْلِمُوْنَ المَاءَ ليشربُوا، وَتَجرَّدَ ابْنُ عِيَاضٍ مِنْ درعِهِ، وَنَحْو الخَمْسِ مائَةٍ مِنَ الرُّوْمِ فِي غَابَةٍ عِنْدَ المَاءِ، فَالْتَفَتَ ابْنُ عِيَاضٍ إِلَى أَصْحَابِهِ أَنِ ارمُوا الرُّوْمَ بِالنَّبْلِ، فَجَاءهُ سَهْمٌ فِي فَقَارِ ظَهْرِهِ، فَأُخْرِجَ مِنْهُ بَعْدَ قتلِ أُوْلَئِكَ الخَمْس مائَةٍ، وَإِذَا بِالسهْمِ قَدْ أَصَابَ النُّخَاعَ، فَوَصَلَ مُرْسِيَةَ، وَتُوُفِّيَ بَعْدَ وِلاَيتِهِ إِيَّاهَا أَرْبَعَ سِنِيْنَ، وَوَجَدَ المُسْلِمُوْنَ لفقدِهِ.

(15/63)


ابن أبي ركب، محمد بن سعد:
4955- ابن أبي ركب:
نَحْوِيُّ الأَنْدَلُسِ، الأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ، مُحَمَّدُ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الخُشَنِيُّ الجيَانِيُّ.
أَخَذَ القِرَاءاتِ عَنِ ابْنِ شفِيعٍ وَجَمَاعَةٍ، وَالعَرَبِيَّةَ عَنِ ابْنِ أَبِي العَافِيَةِ، وَابْنِ الأَخْضَرِ.
وَرَوَى عَنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ سرَاجٍ وَعِدَّةٍ.
شرحَ كِتَابَ سِيبَوَيْهٍ، وَلَمْ يُتِمَّهُ.
وَكَانَ رَأْساً فِي الآدَابِ مع الدين والصلاح.
أَخَذَ عَنْهُ ابْنُهُ أَبُو ذَرٍّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ حَمِيْدٍ.
وَعَاشَ ثَلاَثاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً، مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
4956- محمد بن سعد 1:
ابن مُحَمَّدِ بنِ مَرْدَنِيْشَ الجُذَامِيُّ الأَنْدَلُسِيُّ، الملكُ أَبُو عَبْدِ اللهِ، صَاحِبُ مُرْسِيَةَ وَبَلَنْسِيَةَ.
كَانَ صهراً لِلملكِ المُجَاهِدِ الوَرِعِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ بنِ عِيَاضٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ ابْنُ عيَاضٍ، اتَّفَقَ رَأْيُ أَجنَادِهِ عَلَى تَقَدِيْمِ ابْنِ مَرْدَنِيْش هَذَا عَلَيْهِم، وَكَانَ صَغِيْرَ السِّنِّ شَابّاً، لَكنَّهُ كَانَ مِمَّنْ يُضْرَبُ بِشَجَاعَتِهِ المَثَلُ، وَابتُلِيَ بِجَيْشِ عَبْدِ المُؤْمِنِ يُحَارِبُونَهُ، فَاضطرَّ إِلَى الاسْتعَانَةِ بِالفِرَنْجِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ الخَلِيْفَةُ عَبْدُ المُؤْمِنِ تَمَكَّنَ ابْنُ مَرْدَنِيْش، وقوي سلطانه، وجرت له حروب وخطوب.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "7/ 131".

(15/64)


ذَكَرَهُ اليَسعُ فِي "تَارِيْخِهِ"، وَقَالَ: نَازَلَتِ الرُّوْمُ المَرِيَّةَ عِنْدَ عِلمهِم بِمَوْتِ ابْنِ عِيَاضٍ، وَلِكَوْنِ ابْنِ مَرْدَنِيْش شَابّاً، وَلَكِنْ عِنْدَهُ مِنَ الإِقدَامِ مَا لاَ يُوجدُ فِي أَحَدٍ حَتَّى أَضرَّ بِهِ فِي مَوَاضِعَ شَاهَدنَاهَا مَعَهُ، وَالرَّأْيُ قَبْلَ الشَّجَاعَةِ، وَإِلاَّ فَهُوَ فِي القوَّةِ وَالشَّجَاعَةِ فِي مَحلٍّ لاَ يَتمكَّنُ مِنْهُ أَحَدٌ فِي عصرِهِ، مَا اسْتَتمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ عَاماً حَتَّى ظهرَتْ شَجَاعَتُهُ، فَإِنَّ العَدُوَّ نَازلَ إِفرَاغَةَ، فَقَرُبَ فَارِسٌ مِنْهُم إِلَى السُّوْرِ، فَخَرَجَ مُحَمَّدٌ، وَأَبُوْهُ سَعْدٌ لا يَعرِفُ، فَالتقيَا عَلَى حَافَّةِ النَّهْرِ، فَضَرَبَهُ مُحَمَّدٌ أَلقَاهُ مَعَ حِصَانِهِ فِي المَاءِ، فَلَمَّا كَانَ الغَدُ طَلَبَ فَارِسٌ مِنَ الرُّوْمِ مُبَارَزَتَهُ، وَقَالَ: أَيْنَ قَاتَلُ فَارِسنَا بِالأَمسِ? فَامْتَنَعَ وَالِدُهُ مِنْ إِخرَاجِهِ لَهُ، فَلَمَّا كَانَ وَقتُ القَائِلَةِ وَقَدْ نَامَ أَبُوْهُ، رَكِبَ حصَانَهُ، وَخَرَجَ حَتَّى وَصلَ إِلَى خيَامِ العَدُوِّ، فَقِيْلَ لِلملكِ: هَذَا ابْنُ سَعْدٍ. فَأَحضرَهُ مَجْلِسَهُ، وَأَكْرَمَهُ، وَقَالَ: مَا تُرِيْدُ? قَالَ: مَنَعَنِي أَبِي مِنَ المُبَارزَةِ، فَأَيْنَ الَّذِي يُبَارِزُ? فَقَالَ: لاَ تَعصِ أَبَاكَ. فَقَالَ لَهُ: لا بد. فحضر المبارز، فالتقيا، فضر العِلْجُ مُحَمَّداً فِي طَارِقتِهِ، وَضربَ هُوَ العِلْجَ أَلقَاهُ، ثُمَّ أَومَأَ إِلَيْهِ بِالرُّمْحِ لِيَقْتُلَهُ، فَحَالَتِ الرُّوْمُ بَيْنهُمَا، وَأَعْطَاهُ الملكُ جَائِزَةً.
وَمِنْ شَجَاعَتِهِ يَوْمَ نِوَلَه: كَانَ فِي مائَةِ فَارِسٍ، وَالرُّوْمُ فِي أَلْفٍ، فَحَمَلَ بِنَفْسِهِ، فَاجتمعَتْ فِيْهِ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِيْنَ رُمْحاً، فَمَا قَلَبُوهُ، وَلَوْلاَ حَصَانَةُ عُدَّتِهِ لَهَلَكَ، فَكشفَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَانْهَزَمَ الرُّوْمُ، فَاتَّبَعَهُم مِنَ الظُّهْرِ إِلَى اللَّيْلِ، ثُمَّ هَادَنَ الرُّوْمَ عشرَ سِنِيْنَ.
قُلْتُ: وَلليسعِ بنِ حَزْمٍ فِي ابْنِ مَرْدَنِيْش عِدَّةُ تَوَارِيخ، وَقَالَ: لَهُ فِي المَمْلَكَةِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُوْنَ عَاماً إِلَى تَارِيخنَا هَذَا.
قُلْتُ: أَحْسِبُهُ تَملَّكَ بُعَيْدَ الأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ: وَلَمْ تَزلِ الأَيَّامُ تخدمُهُ، وَقَدِ اهتمَّ بِجمعِ الصُّنَّاعِ لآلاَتِ الحُرُوْبِ وَلِلبنَاءِ وَالتَّرْخِيمِ، وَاشْتَغَلَ بِبنَاءِ القُصُوْرِ العَجِيْبَةِ وَالنُّزَهِ وَالبسَاتينِ العَظِيْمَةِ، وَصَاهرَ الرَّئِيْسَ القَائِدَ أَبَا إِسْحَاقَ بنَ هَمُشْك.
قُلْتُ: هَذَا كَانَ فِي أَيَّامِ الملكِ نُورِ الدِّينِ، وَلاَ أَذْكُرُ مَتَى تُوُفِّيَ، فَلَعَلَّهُ بَعْدَ السِّتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
نَعَمْ، قَدْ مرَّ فِي ترجمة ابن عياض أنه ابْنَ مَرْدَنِيْش بَقِيَ إِلَى سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ.

(15/65)


حيدرة بن مفرج، أخوه، ابن حمدين:
4957- حيدرة بن مفرج:
ابن حسن، الوَزِيْرُ ابْنُ الصُّوْفِيِّ الدِّمَشْقِيُّ، زَينُ الدَّوْلَةِ، وَزِيْرُ صاحب دمشق مجبر الدِّينِ أَبَقَ، وَأَخُو الوَزِيْرِ المُسيَّبِ بنِ الصُّوْفِيِّ.
عمِلَ عَلَى أَخِيْهِ المُسَيَّبِ حَتَّى خلعَهُ مِنَ الوزَارَةِ، وَوَلِيَ مَكَانَهُ، فَظلَمَ وَتَمَرَّدَ، وَعسف وَارتَشَى، فَعَلِمَ بِذَلِكَ مَخدُومُهُ مُجِيرُ الدِّينِ، فَانزعجَ، وَطَلَبَهُ إِلَى القَلْعَةِ، فَعَدَلَ بِهِ الجَنْدَارِيَّةُ إِلَى حَمَّامِ القَلْعَةِ، فَذَبَحوهُ صَبْراً، وَنُصِبَ رَأْسُهُ عَلَى خَنْدَقهَا فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
4958- أَخُوْهُ:
الوَزِيْرُ العَمِيدُ أَبُو الذّوَّادِ المُسيَّبُ، كَانَ قَدِ امتنع بدمشق، وحشد وَجَيَّشَ، وَاسْتخدمَ الأَحدَاثَ، فَلاَطفَهُ مَلِكُ دِمَشْقَ، ثُمَّ عَزَلَهُ، وَنَفَاهُ إِلَى صَرْخَد، فَلَمَّا تَملَّكَ نورُ الدِّينَ، رَجَعَ إِلَى دِمَشْقَ متمرِّضاً، ثُمَّ مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَكَانَ جَبَّاراً عَسُوفاً، لقَبُهُ مُؤيَّدُ الدَّوْلَةِ، وَدُفِنَ بِدَارِهِ بِدِمَشْقَ.
4959- ابن حمدين:
مِنْ أَكَابِرِ أَهْلِ قُرْطُبَةَ، تَسَمَّى بِأَمِيْرِ المُسْلِمِيْنَ بعد هلاك ابن تاشفين، وشن الغارت عَلَى بِلاَدِ عَبْدِ اللهِ بنِ عِيَاضٍ، وَتركَ الجِهَادَ لسوءِ رَأْي وُزرَائِهِ، فَاشتعلَتِ الفِتْنَةُ، وَالمُرَابِطونَ بغَرْنَاطَةَ فِي أَلْفَي فَارِسٍ، ثُمَّ إِنَّ ابْنَ حَمْدِين الْتَقَى هُوَ وَيَحْيَى بنُ غَانِيَةَ، فَانْتصرَ ابْنُ غَانِيَةَ، وَانْهَزَمَ ابْنُ حَمْدِين إِلَى قُرْطُبَةَ، وَخذلَهُ أَصْحَابُهُ، فَاتَّبعَهُ ابْنُ غَانِيَةَ، وَأَحسَّ ابْنُ حَمْدِين بِالعجْزِ، فَفَرَّ إِلَى فرنجَوَاش، وَاسْتنجدَ بِالسُّليْطِين طَاغِيَةِ الرُّوْمِ، وَاشترَطَ لَهُ أَمْوَالاً، وَابْنُ غَانِيَةَ مُضَايقٌ لابْنِ حَمْدِين، فَجَاءَ الطَّاغِيَةُ فِي مائَةِ أَلْفٍ، فَفَرَّ ابْنُ غَانِيَةَ، وَدَخَلَ قُرْطُبَةَ، فَنَازلَ اللَّعِينُ وَابْنُ حَمْدِين قُرْطُبَةَ، فَتَقَدَّمَ ابْنُ حَمْدِين إِلَى أَهْلِهَا، فَمَالَ إِلَيْهِ خلقٌ، وَدَخَلَتْهَا الرُّوْمُ لعظَمِ شَوَارِعهَا، فَقتلُوا مَنْ وَجَدُوْهُ، وَتَفَرَّقتِ الكَلِمَةُ مَعَ أَنَّ أَهْلَهَا يَنِيفُوْنَ عَلَى أَرْبَعِ مائَةِ أَلْفِ مقَاتلٍ.
قَالَ ابْنُ اليَسعِ الغَافِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا مَرْوَانَ بنَ مَسرَّةَ وَقَدْ سَأَلَهُ عَبْدُ المُؤْمِنِ عَنْ عِدَّةِ مُقَاتِلَةِ أَهْلِ قُرْطُبَةَ، فَقَالَ: أَحصينَا فِيْهَا مِمَّنْ يَحضرُ المَسَاجِدَ أَرْبَعَ مائَةِ أَلْفِ مقَاتلٍ، وَلَمَّا تَمَكَّنَ العَدُوُّ مِنْهَا زَحَفَ إلى القصر، فَقَاتَلَ ابْنُ غَانِيَةَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَكَانَ عِنْدَهُ نَمطٌ مِنَ الرُّوْمِ، فَأَخْرَجَهُ إِلَى ملكِ الرُّوْمِ طَالباً عَهْدَهُ عَلَى مَالٍ جَعَلَهُ لَهُ، فَحلَّ عَنْ قِتَالِهِ، وَخَرَجَ إِلَيْهِ بِمَالِهِ، وَذَكَّرَ الملكَ

(15/66)


بِأَحْوَالِ المَصَامِدَةِ، وَخوَّفَهُ مِنْ عَبْدِ المُؤْمِنِ بنِ عَلِيٍّ، وَقَالَ لَهُ: إِنِّيْ خَادمُكَ فِي هَذَا البَلَدِ، وَحَائِلٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَ عَبْدِ المُؤْمِنِ، وَكَانَ لِلمصَامِدَةِ إِذْ ذَاكَ وَقْعٌ فِي النُّفُوْسِ، فَاسْتنَابَهُ عَلَيْهَا، وَخَرَجَ السُّليْطِينُ بِجملتِهِ عَنْهَا، وَخَرَجَ عَنْهَا أَيْضاً ابْنُ غَانِيَةَ يُرِيْدُ إِشبيليَّةَ، فَدَخَلَ قُرْطُبَةَ أَبُو الغَمْرِ نَائِباً عَنْ عَبْدِ المُؤْمِنِ، وَهُوَ أَبُو الغمرِ بنُ غَلبُوْنَ أَحَدُ الأَبْطَالِ وَصَاحِبُ رُنْدَةَ، وَثَارَ بِإِشْبِيْلِيَةَ وَبلاَدِهَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ، وَثَارَ بِكُلِّ نَاحِيَةٍ رَئِيْسٌ، ثُمَّ اتَّفَقَ رَأْيُ الجَمِيْعِ عَلَى تَجويزِ المصَامِدَةِ الَّذِيْنَ تلَقَّبُوا بِالموحِّدِين مِنْ سَبْتَةَ إِلَى الجَزِيْرَةِ الخَضْرَاء، وَجَرَتْ فِتَنٌ كِبَارٌ، وَزَالَتْ دَوْلَةُ المُرَابِطِيْنَ، وَأَقْبَلَتْ دَوْلَةُ المُوَحِّدِيْنَ.
وُلِدَ ابْنُ حَمْدِين قَبْلَ الخَمْسِ مائَةٍ بقُرْطُبَةَ.
وَهُوَ القَاضِي أَبُو جَعْفَرٍ حَمْدِين بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ حَمْدِين الثَّعْلَبِيُّ، قَاضِي الجَمَاعَةِ بقُرْطُبَةَ.
وَلِيَ القَضَاءَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، بَعْدَ مَقْتَلِ الشَّهِيْدِ القَاضِي أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ الحَاجِّ.
وَكَانَ مِنْ بَيْتِ حِشْمَةٍ وَجَلاَلَةٍ، صَارَت إِلَيْهِ رِئَاسَةُ قُرْطُبَةَ عِنْدَ اخْتلاَلِ أَمرِ المُلثَّمِيْنَ وَقيَامِ ابْنِ قسِي عَلَيْهِم بِقُرْبِ الأَنْدَلُسِ، فَلُقِّبَ ابْنُ حَمْدِين بِأَمِيْرِ المُسْلِمِيْنَ المَنْصُوْرِ بالله في رمضان سنة تسع وثلاثي وَخَمْسِ مائَةٍ، وَدُعِيَ لَهُ فِي الخطبَةِ عَلَى أَكْثَرِ مَنَابِرِ الأَنْدَلُسِ، وَلَكِنْ لَمْ يَطُلْ ذَلِكَ، ثُمَّ تَعَاوَرَتْهُ المِحَنُ فِي قصصٍ يَطولُ شرحُهَا، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى مَالَقَةَ، وَأَقَامَ بِهَا خَامِلاً إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائة.

(15/67)


4960- خياط الصوف 1:
الصَّالِحُ المُكْثِرُ، أَبُو سَعْدٍ، مُحَمَّدُ بنُ جَامِعِ بنِ أَبِي نَصْرٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، الصَّيْرَفِيُّ.
سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ بنَ خَلَفٍ، وَمُوْسَى بنَ عِمْرَانَ، وَفَاطِمَةَ بِنْتَ الدَّقَّاقِ، وَمُحَمَّدَ بنَ سَهْلٍ السَّرَّاجَ، وَمُحَمَّدَ بنَ عُبَيْدِ اللهِ الصَّرَّامَ، وَطَبَقَتَهُم.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَابْنُهُ عَبْدُ الرَّحِيْمِ. وَقَدْ حَجَّ، وَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ.
مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الآخرِ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي سنة ثلاث وسبعين وأربع مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 319".

(15/67)


الحمامي، ابن البن:
4961- الحمامي 1:
الشَّيْخُ الصَّالِحُ المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ الوَقْتِ، أَبُو القَاسِمِ، إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ أَبِي نَصْرٍ، النَّيْسَابُوْرِيُّ، ثُمَّ الأَصْبَهَانِيُّ الصُّوْفِيُّ، المَشْهُوْرُ بِالحمَّامِيِّ.
وُلِدَ فِي حُدُوْدِ الخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَبَكَّرَ بِهِ أَبُوْهُ بِالسَّمَاعِ، فَسَمِعَ مِنْ أَبِي مُسْلِمٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ مِهْرَبْزُد صَاحِبِ أَبِي بكر بن المقرىء، وأبي منصور بكر بن محمد بن حِيْدٍ، وَالحَافِظِ مَسْعُوْدِ بنِ نَاصرٍ السِّجْزِيِّ، وَعَبْدُ الجَبَّارِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ بُرزَةَ الوَاعِظِ، وَأَبِي سهلٍ حَمْدِ بنِ وَلْكِيْزَ، وَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ العَطَّارِ المُسْتَمْلِي، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ الكَرَوْنِي، وَأَبِي طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ النّقَّاشُ، وَالحَسَنِ بنِ عُمَرَ بنِ يُوْنُسَ، وَعَائِشَةَ بِنْتِ الحَسَنِ الوَرْكَانِيَّةِ، وَانْفَرَدَ فِي الدُّنْيَا عَنْهُم.
وَأَوّلُ سَمَاعِهِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ الشِّيْرَازِيُّ، وَزَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ الثَّقَفِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مَاشَاذه، وَيُوْسُفُ وَخضرٌ ابْنَا مَعْمَرِ بنِ الفَاخرِ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَحْمُوْدِ بنِ خُمَارتَاش الوَاعِظُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَحْمُوْدٍ الصَّبَّاغُ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَارقَانِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ آخرُهُم مُحَمَّدُ بنُ عبد الواحد المديني.
وهو رواي نُسْخَةِ مَأْمُوْنٍ.
عُمِّرَ دَهْراً مُمَتَّعاً بِحَوَاسِّهِ.
مَاتَ فِي سَابعِ صفرٍ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائة.
4962- ابن البن 2:
الشَّيْخُ الفَقِيْهُ العَالِمُ، المُسْنِدُ الصَّدُوْقُ، أَبُو القَاسِمِ، الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ، الأَسَدِيُّ الدِّمَشْقِيُّ الشافعي ابن البن.
مَوْلِدُهُ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ466.
سَمِعَ أَبَا القَاسِمِ بنَ أَبِي العَلاَءِ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ الحَسَنَ بنِ أَبِي الحَدِيْد، وَالفَقِيْهُ نَصْرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المَقْدِسِيَّ وَبِهِ تَفَقَّهَ، وَأَبَا البَرَكَاتِ ابْنَ طَاوُوْسٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ وَابْنُهُ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَأَبُو المَوَاهِبِ بنُ صَصْرَى، وَأَخُوْهُ أَبُو القَاسِمِ بنُ صَصْرَى، وَالقَاضِي أَبُو القَاسِمِ بنُ الحَرَسْتَانِيِّ، وَحَفِيْدُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ البُنِّ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ كَثِيْرَ الرِّوَايَةِ.
ذَكَرَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ، فَقَالَ: خَلَطَ عَلَى نَفْسِهِ، لَكنَّهُ تَابَ تَوبَةً نصوحاً، وَكَانَ حَسَنَ الظَّنِّ بِاللهِ.
مَاتَ فِي نِصْفِ رَبِيْعٍ الآخر سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائة، ودفن بمقبرة باب الفراديس.
وفيها مات إِسْمَاعِيْلُ الحمَّامِيُّ المُعَمَّرُ، وَأَتسزُ بنُ مُحَمَّدٍ صَاحِبُ خُوَارِزْم، وَسَلْمَانُ بنُ مَسْعُوْدٍ الشَّحَّامُ، وَعَتِيْقُ بنُ أَحْمَدَ الأَزْدِيُّ الأَنْدَلُسِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَحْمُوية الأَزْدِيُّ الفَقِيْهُ، وَالوَاعِظُ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ الغَزْنوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بن سلامة. الرُّطَبِيُّ، وَالقُدْوَةُ أَبُو البَيَانِ نَبَأُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَحْفُوْظٍ بِدِمَشْقَ، وَالمعينُ يَحْيَى بنُ سَلاَمَةَ الحصكفي، ويحيى بن عبد الباقي الغزال.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "5/ 324"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 158".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 324"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 158".

(15/68)


ابن مطكود، أخوه علي بن أحمد:
4963- ابن مطكود:
الشَّيْخُ أَبُو القَاسِمِ، نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُقَاتِلِ بنِ مَطْكُوْدٍ السُّوسِيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ.
سَمِعَ مِنْ جدِّهِ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ أَبِي العَلاَءِ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي الحَدِيْدِ، وَسَهْلِ بنِ بِشْرٍ.
وَعَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ وَابْنُهُ، وَأَبُو المَوَاهِبِ، وَأَخُوْهُ أَبُو القَاسِمِ، وَطَرْخَان الشَّاغورِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: شَيْخٌ مَسْتُوْرٌ، لَمْ يَكُنِ الحَدِيْثُ مِنْ شَأْنِهِ، مَاتَ فِي تَاسِعَ عَشَرَ ربيع الأول سنة ثمان وأربعين وخمس مائة.
4964- أخوه علي بن أحمد:
ابن مُقَاتلٍ.
يَرْوِي عَنْ: أَبِي القَاسِمِ بنِ أَبِي العَلاَءِ، فَكَانَ آخِرَ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ بِـ"جزء الصفة" لابن هارون.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ وَابْنُهُ، وَالحُسَيْنُ بنُ صَصْرَى، وَزَينُ الأُمنَاءِ، وَمُكْرَمُ بنُ أَبِي الصَّقْرِ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ سَنَةَ سِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

(15/69)


ابن أبي مروان، حامد بن أبي الفتح، حمزة بن محمد:
4965- ابن أبي مروان:
الإِمَامُ الحَافِظُ، أَبُو عُمَرَ، وَأَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بن أبي مروان عبد الملك ابن مُحَمَّدٍ، الأَنْصَارِيُّ الإِشْبِيْلِيُّ.
قَالَ الأَبَّارُ: سَمِعَ مِنْ شُرَيحِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَأَبِي الحَكَمِ بنِ حَجَّاجٍ، وَمفرِّجِ بنِ سعَادَةَ، وَكَانَ حَافِظاً مُحَدِّثاً، فَقِيْهاً ظَاهِرِيّاً، لَهُ كِتَابُ "الْمُنْتَخب المنتقَى" فِي الحَدِيْثِ، وَعَلَيْهِ بَنَى عَبْدُ الحَقِّ "أَحكَامَهُ"، تَلْمَذَ لَهُ عَبْدُ الحَقِّ، اسْتُشْهِدَ فِي كَائِنَةِ لَبْلَةَ فِي سنة تسع وأربعين وخمس مائة.
4966- حامد بن أبي الفتح 1:
أحمد بن محمد، أَبُو عَبْدِ اللهِ المَدِيْنِيُّ الحَافِظُ، مِنْ أَعْيَانِ الطَّلبَةِ.
سَمِعَ أَبَا عليٍّ الحَدَّادَ، وَيَحْيَى بنَ مندة، وهبة الله بن الحصين، وطبقتهم.
وَعَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَسَدٍ، وَعَبْدُ الرَّحِيْمِ وَلَدُ السَّمْعَانِيِّ.
وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ العُبَّادِ الزُّهَّادِ.
قَالَ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ: مَاتَ بِيَزْدَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
4967- حمزة بن محمد:
ابن بحسول، الإِمَامُ المُفِيْدُ، أَبُو الفَتْحِ الهَمَذَانِيُّ، نَزِيْلُ هَرَاةَ، ثُمَّ بَلْخَ.
ذَكَرَهُ السَّمْعَانِيُّ، فَقَالَ: عَارِفٌ بِطُرُقِ الحَدِيْثِ، سَافرَ الكَثِيْرَ، وَدَخَلَ بَغْدَادَ، وَسَمِعَ أَبَا القَاسِمِ بنَ بيَانٍ، وَابْنَ نَبْهَانَ، وَغَانِماً البُرجِيَّ، وَالحَدَّادَ، وَخَلْقاً، وَعَقَدَ مَجْلِسَ الإِملاَءِ بِبَلْخَ، سَمِعُوا بِهَرَاةَ الكَثِيْرَ بقِرَاءاتِهِ، تُوُفِّيَ بِبَلْخَ فِي رَبِيْعٍ الأول سنة تسع وأربعين وخمس مائة.
__________
1 ستكرر ترجمته برقم عام "4999".

(15/70)


علي بن حيدرة، ابن دادا، الكشميهني:
4968- علي بن حيدرة:
ابن جعفر، نَقيبُ الأَشْرَافِ، أَبُو طَالِبٍ الحُسَيْنِيُّ الدِّمَشْقِيُّ.
سَمِعَ أَبَا القَاسِمِ بنَ أَبِي العَلاَءِ، وَالفَقِيْهَ نَصْرَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ.
وَعَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ وَابْنُهُ، وَأَبُو المواهب بن صصرى، وأخوه الحسين.
مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
سَمِعنَا مِنْ طرِيقِهِ السَّابِعِ مِنْ "فضائل الصحابة" لخيثمة.
4969- ابن دادا 1:
العَلاَّمَةُ القُدْوَةُ، أَبُو جَعْفَرٍ، مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ حُسَيْنٍ الجَرْبَاذْقَانِيُّ.
سَمِعَ غَانِماً الجُلُودِيَّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ مُحَمَّدٍ الحَافِظَ، وَفَاطِمَةَ بِنْتَ البَغْدَادِيِّ، وَبِبَغْدَادَ الأُرْمَوِيَّ، وَابْنَ نَاصرٍ وَلاَزَمَهُ.
وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَكَانَ ثِقَةً مُتْقِناً مُتَثَبِّتاً، صَاحِبَ فِقهٍ وَفنُوْنٍ، مَعَ الزُّهْدِ وَالقنَاعَةِ.
عَظَّمَ قدرَهُ ابْنُ الأَخْضَرِ، وَأَطنبَ فِي وَصْفِهِ.
وَقَالَ المُحَدِّثُ أَبُو الفَضْلِ بنُ شَافعٍ: هَذَا الشَّخْصُ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ زُهْداً وَعلماً، وَتَفنُّناً فِي العُلُوْمِ، تَحقّقَ بِعُلُوْمٍ، وَصَارَ فِيْهَا مُنْتَهياً يُشَارُ إِلَيْهِ فِي جُلِّ غَوَامِضِهَا، وَكَانَ شَافِعِيّاً، لَوْ عَاشَ لَكَانَتِ الرِّحلَةُ إِلَيْهِ مِنَ الآفَاقِ.
تُوُفِّيَ فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ عَنِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ سنة وأيام، رحمه الله تعالى.
4970- الكشميهني 2:
الشَّيْخُ الإِمَامُ الخَطِيْب الزَّاهِد، شَيْخ الصُّوْفِيَّة، أَبُو الفتح، مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي تَوبَةَ الكُشْمِيْهَنِيّ المَرْوَزِيّ.
سَمِعَ "صَحِيْح البُخَارِيِّ" بقِرَاءة أَبِي جَعْفَرٍ الهَمَذَانِيِّ عَلَى المُعَمَّر أَبِي الخَيْرِ مُحَمَّدِ بن أبي
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 154".
2 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1313"، والنجوم الزاهرة "5/ 305"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 150".

(15/71)


عِمْرَانَ الصَّفَّار فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَسَمِعَ مِنَ الإِمَام أَبِي المُظَفَّرِ بن السَّمْعَانِيّ، وَمِنْ أَبِي الفَضْلِ مُحَمَّد بن أَحْمَدَ المِيْهَنِيِّ العَارِف، وَهِبَة اللهِ بن عَبْدِ الوَارِثِ.
وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَة إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ، وَشَرِيْفَة بِنْت أَحْمَد الغَازِي، وَمَسْعُوْدُ بنُ مَحْمُوْدٍ المَنِيْعِيّ، وَعَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ أَبِي سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحِيْمِ: سَمِعْتُ مِنْهُ "الصَّحِيْح" مرَّتين.
وَقَالَ أَبُو سَعْدٍ: كَانَ شَيْخَ مَرْوَ فِي عَصرِهِ، تَفَقَّهَ عَلَى جَدِّي، وَصَاهره، وَكَانَ لِي مِثْلُ الوَالِد، وَكَانَ حَسَنَ السيرَة، عَالِماً سخياً، مُكرماً لِلْغربَاء.
مَاتَ فِي الثَّالِث وَالعِشْرِيْنَ مِنْ جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَمَاتَ فِيْهَا ابْن الطَّلاَّيَةِ، وَأَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ منير الرفاء شاعر الوَقْت، وَقَاضِي الجَمَاعَة أَبُو جَعْفَرٍ حَمدين بن مُحَمَّدِ بنِ حَمدين القُرْطُبِيّ، وَطَاغِيَة الرُّوْم رُجَّار الْمُتَغَلب عَلَى صَقِلِّيَّة، وَمُحَدِّث بَغْدَاد أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَحْمَدَ بنِ يُوْسُفَ، وَأَبُو الفَضْلِ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الإِخْوَةِ، وَأَبُو الفَتْحِ الكَرُوْخِي المُجَاوِر، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ البَلْخِيّ مُدَرِّس الصَّادرِيَة، وَالعَادل عَلِيّ بن السَّلاَّرِ صَاحِب مِصْر، قِيْلَ: وَالفَضْل بن سَهْلِ بنِ بِشْرٍ الإِسْفَرَايِيْنِي، وَأَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكَنْجَرُوْذِيّ، وَالأَفْضَل مُحَمَّد بن الكَرِيْم بن أَحْمَدَ الشَّهْرَستَانِي صَاحِب "الْملَل وَالنحل"، وَالحَافِظ مُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ السِّنْجِيّ، خطيب مَرْو، وَشَاعِر زَمَانِهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ القَيْسَرَانِيّ، وَشيخ الشَّافِعِيَّة مُحَمَّد بن يَحْيَى النَّيْسَابُوْرِيّ، وَنَصْر بن أَحْمَدَ بنِ مقَاتل السُّوْسِيّ، وَهِبَة اللهِ الحَاسِب، وَالقُدْوَة أَبُو الحُسَيْنِ المَقْدِسِيّ الزاهد.

(15/72)


4971- عَبْدُ الخَالِقِ 1:
بنُ زَاهِرِ بنِ طَاهِرِ بنِ محمد، الشَّيْخُ العَالِمُ الثِّقَة المُحَدِّثُ، أَبُو مَنْصُوْرٍ النَّيْسَابُوْرِيّ الشَّحَّامِيّ.
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سمع مِنْ جدّه، وَعُثْمَان بن مُحَمَّدٍ المَحْمِيّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ خَلَفٍ، وَأَبِي القَاسِمِ عَبْد الرَّحْمَنِ بن أَحْمَدَ الوَاحِدِيّ، وَالفَضْل بن أَبِي حَرْب، وَمُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْلَ التفليسِي، وَمُحَمَّد بن سَهْلٍ السَّرَّاج، وَعَبْد المَلِكِ بن عَبْدِ اللهِ الدَّشْتِي، وَأَبِي المُظَفَّرِ مُوْسَى بن عِمْرَانَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الصَّرَّام، وَهِبَةِ اللهِ بنِ أَبِي الصَّهْبَاءِ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ حَسَّانٍ البُسْتِيِّ، وَخَلْقٍ سِوَاهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَالسَّمْعَانِيّ، وَابْنه عَبْد الرَّحِيْمِ بن أَبِي سَعْدٍ، وَالمُؤَيَّد الطُّوْسِيّ، وَالصَّفَّار قَاسم بن عَبْدِ اللهِ، وَعِدَّةٌ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ ثِقَةً صَدُوْقاً، حَسَنَ السِّيْرَةِ وَالمُعَاشَرَة، لَطيفَ الطَّبعِ، مُكْثِراً مِنَ الحَدِيْثِ، وَلَمَّا كبر كَانَ يَسْتَملِي لِلشُّيُوْخ وَالأَئِمَّة كَأَبِيْهِ وَجده، وَلَمَّا شَاخَ أَملَى بِمَوْضِع أَبِيْهِ وَجده بِالجَامِع المَنِيْعِيّ، وَفُقد فِي كَائِنَة الغُزِّ، فَلاَ يُدْرَى قُتِلَ أَوْ هَلَكَ مِنَ الْبرد؟ ثُمَّ سَمِعْتُ بَعْدُ أَنَّهُ أُحرق.
كَتَبَ إِلَيْنَا أَبُو العَلاَءِ الفَرَضِيّ أَن عَبْد الخَالِقِ مَاتَ فِي العقوبَة والمطالبة فِي شَوَّالٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: وَكَانَ مُتمَيِّزاً فِي الشُّرُوط.
وَمَاتَ مَعَهُ فِي سَنَةِ تِسْع: أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ طاهر بن سعيد بن الإِمَامِ القُدْوَةِ فَضْلِ اللهِ المِيْهَنِيّ عَنْ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَالحَافِظُ أَبُو عُمَرَ أَحْمَد بن أَبِي مَرْوَانَ عَبْد المَلِكِ بن مُحَمَّدٍ الإِشْبِيْلِيّ، وَالظَّافر إِسْمَاعِيْل ابْن الحَافِظ مِنْ خُلَفَاء مِصْر، وَالمُحَدِّث حَمْزَة بن مُحَمَّدِ بنِ بحسول الهَمَذَانِيّ، وَأَبُو الفَتْحِ سَالِم بن عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ العُمَرِيّ الهَرَوِيّ، وَعَائِشَة بِنْت أَحْمَد بن مَنْصُوْرٍ الصَّفَّار، وَالعَبَّاس بن مُحَمَّدِ بنِ أَبِي مَنْصُوْرٍ العَصَّارِيّ عَبَّاسَةُ الوَاعِظ، وَأَبُو البَرَكَاتِ بن الفُرَاوِيّ، وَأَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بنُ جَامِع الصَّيْرَفِيّ خَيَّاط الصُّوف، وَأَبُو العَشَائِرِ مُحَمَّدُ بنُ خَلِيْلِ القَيْسِيّ، وَالقَاضِي فَخْر الدِّيْنِ مُحَمَّد بن عَبْدِ الصَّمَدِ بن الطَّرَسُوْسِيِّ الحَلَبِيّ نَاظر الوُقُوْف، وَأَبُو المُعَمَّر المُبَارَك بن أَحْمَدَ الأَزجِي المُحَدِّث، وَوزِيْر دِمَشْق الْمسيب بن الصُّوْفِيّ، وَنَاصر بن مَحْمُوْدٍ الصائغ بدمشق، وَالفَقِيْه وَهْب بن سَلْمَانَ بن الزَّنفِ، وَأَبُو المحاسن نصر بن المظفر البرمكي.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 319"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 153-154".

(15/73)


عبدان، هبه الله بن الحسين:
972- عبدان 1:
لمقرىء أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدَانُ بنُ زَرِّيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ الدُّوِيْنِيُّ، الضَّرِيرُ، نَزل دِمَشْقَ.
وَرَوَى عَنِ الفَقِيْه نَصْرٍ، وَأَبِي البَرَكَاتِ بنِ طَاوُوْسٍ.
وَعَنْهُ: الحَافِظ وَابْنه القَاسِم، وَأَبُو المَحَاسِنِ بن أَبِي لُقْمَةَ.
مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ أَبُو جعفَرَك أَحْمَد بن عَلِيٍّ البَيْهَقِيّ المُفَسِّرُ صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، وَالقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ الأَرَّجَانِيّ قَاضِي تُسْتَر وَكَانَ شَاعِر الْعَصْر، وَأَسَعْد بن عَلِيِّ بنِ المُوَفَّق بِهَرَاةَ، وَنَائِب دِمَشْق مُعِيْن الدِّيْنِ أَنُر الطُّغْتِكِيْنِيّ، وَأَبُو الفُتُوْحِ عَبْد اللهِ بن عَلِيٍّ الخركوشِي، وَالحَافِظ لِدِيْنِ اللهِ العُبَيْدِي، وَأَبُو الحَسَنِ المرادي بِحَلَبَ، وَالقَاضِي عِيَاض بِسَبتَةَ، وَالنَّحْوِيُّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مَسْعُوْدٍ ابْن أَبِي رُكَبٍ الخُشَنِيّ
4973- هِبَةُ اللهِ بنِ الحُسَيْنِ 2:
بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عبد الله، الشيخ المعمر المسند، أبو القاسم ابن أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي شَرِيْكٍ البَغْدَادِيّ الحَاسِب.
قَالَ: وُلِدَتْ فِي صَفَرٍ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ أَبَاهُ، وَأَبَا الحُسَيْنِ بنَ النَّقُّوْرِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَتَبْتُ عَنْهُ، وَكَانَ عَلَى التركَاتِ، وَكَانَتِ الأَلسَنَة مُجمعَةً عَلَى الثَّنَاء السَّيِّئ عَلَيْهِ، وَكَانُوا يَقُوْلُوْنَ: إِنَّهُ لَيْسَتْ لَهُ طرِيقَة مَحْمُوْدَة، مَاتَ فِي صَفَرٍ -أَوْ أَوَائِل ربيع الأول- سنة ثمان وأربعين وخمس مائة.
قلت: وروى عنه: أبو الفرج بن الجَوْزِيِّ، وَأَبُو الفُتُوْحِ مُحَمَّد بن عَلِيٍّ الجُلاَجِلِيّ، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَآخَرُوْنَ، وَأَجَازَ لِمُحَمَّدِ بنِ عِمَادٍ الحَرَّانِيّ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ اللهِ الكَاتِبُ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ أَبِي شَرِيْكٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ علي، أخبرنا يحيى بن محمد، حدثنا
__________
1 ترجمته في تبصير المنتبه "2/ 602".
2 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 152"، وميزان الاعتدال "4/ 292".

(15/74)


عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ العَلاَءِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ خَالِدٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "من جهر غَازِياً أَوْ حَاجّاً أَوْ مُعْتَمِراً أَوْ خَلَفَهُ في أهله، فله مثل أجره" 1.
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "4/ 114-115 و116" و"5/ 192"، والحميدي "818"، والترمذي "1629"، وابن ماجه "2759"، والدارمي "2/ 209"، وسعيد بن منصور في "سننه" "2328"، والطبراني في "الكبير" "5267" و"5268" و"5270-5277"، وفي "الصغير" "836"، والبيهقي "4/ 230" من طرق عن عطاء، به.
وأخرجه الطيالسي "956"، وأحمد "4/ 115 و116 و117" و"5/ 193"، والبخاري "2843"، ومسلم "1895"، وأبو داود "2509"، والترمذي "1628"، والنسائي "6/ 46"، وسعيد بن منصور "2325" وابن الجارود "1037"، والطبراني في "الكبير" "5225-5234"، والبيهقي "9/ 28 و47 و172" من طرق عن بسر بن سعيد، عن زيد بن خالد الجهني، به.

(15/75)


الحرضي، الرشاطي:
4974- الحرضي 1:
المُعَمَّرُ الصَّالِحُ، أَبُو نَصْرٍ، مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، الحُرْضِيُّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، مِنْ بَيْتِ حِشْمَةٍ نَزلَ بِهِ الزَّمَانُ.
سَمِعَ القُشَيْرِيّ، وَيَعْقُوْبَ بنَ أَحْمَدَ الصَّيْرَفِيَّ، وَالفَضْل بن المُحِبِّ، وَعُثْمَان المَحْمِيّ.
وَعَنْهُ: عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ السَّمْعَانِيّ، وَأَبُوْهُ.
تُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائة وله تسعون سنة.
4975- الرشاطي 2:
الشَّيْخُ الإِمَامُ الحَافِظُ المُتْقِن النَسَّابَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ اللَّخْمِيُّ الأَنْدَلُسِيُّ المَرِيِّيُّ الرُّشَاطِيُّ.
يَرْوِي عَنْ: أَبِي عَلِيٍّ الغَسَّانِيِّ، وَأَبِي الحسن بن الدش، وأبي علي ابن سُكَّرَةَ، وَابْنِ فَتحُوْنَ، وَجَمَاعَة.
وَصَنَّفَ فِيمَا ذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ بنُ الزُّبَيْرِ كِتَابَهُ الحَافل المُسَمَّى بِـ"اقتبَاسِ الأَنوَارِ وَالتمَاسِ الأَزهَارِ فِي أَنسَابِ رُوَاةِ الآثَارِ"، وَكِتَابَ "الإِعلاَم بِمَا فِي كِتَابِ المختلف والمؤتلف للدارقطني مِنَ الأَوهَام"، وَكِتَابَ انتصَاره مِنَ القَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ عَطِيَّةَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ.
وَكَانَ ضَابطاً مُحَدِّثاً مُتْقِناً إِمَاماً، ذَاكراً لِلرِجَال، حَافِظاً لِلتَّارِيخ وَالأَنسَاب، فَقِيْهاً بارعاً، أَحَدَ الجلَّة المُشَار إِلَيْهِم.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ خَيْر، وَابْن مَضَاء، وَأَبُو خَالِدٍ بنُ رِفَاعَةَ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ عَبْدِ الرحيم، وأبو بكر بن أبي جمرة..
إِلَى أَنْ قَالَ: اسْتُشْهِدَ عِنْد دُخُوْلِ العَدُوِّ المرِيَة فِي جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ وَقَدْ قَارب التِّسْعِيْنَ، رَحِمَهُ اللهُ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ وُلِدَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائة.
__________
1 ترجمته في العبر "4/ 127"، وتبصير المنتبه "2/ 494"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 303"، وشذرات الذهب "4/ 145".
2 ترجمته في الصلة لابن بشكوال "1/ ترجمة 653"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 352"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1084".

(15/75)


الأزجي، ابن الطلاية:

4976- الأزجي 1:
الإِمَامُ الحَافِظُ المُفِيْد، أَبُو المُعَمَّرِ، المُبَارَكُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، الأَنْصَارِيُّ الأَزَجِيُّ.
سَمِعَ النِّعَالِيّ، وَابْن البَطِرِ، فَمَنْ بَعْدهَا.
وَعَمِلَ "المُعْجَم" فِي مُجَلَّدٍ.
وَعَنْهُ: السَّمْعَانِيّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَالكِنْدِيُّ.
وَثَّقَهُ ابْنُ نُقْطَة.
مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ عَنْ أَرْبَع وَسَبْعِيْنَ سنة.
4977- ابن الطلاية 2:
الشَّيْخُ الصَّادِقُ الزَّاهِد القُدْوَة، بَركَة المُسْلِمِيْنَ، أَبُو العَبَّاس أَحْمَد بنُ أَبِي غَالِبٍ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ، عُرِفَ بِابْنِ الطَّلاَّيَةِ، الكَاغَدِيُّ البَغْدَادِيّ.
وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وأربع مائة.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 247"، والعبر "4/ 138"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 319"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 154".
2 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 233"، والعبر "4/ 129- 130"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 304"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 145- 146".

(15/76)


رَوَى جُزْءاً عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَلِيٍّ الأَنْمَاطِيّ، وَتَفَرَّد بِهِ، وَهُوَ التَّاسع مِنَ "المُخَلِّصِيَّات" انتقَاء ابْنِ البَقَّال، وَحفظ القُرْآن.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: شَيْخ كَبِيْر، أَفنَى عُمُره فِي العِبَادَةِ وَالقِيَام وَالصيَام، لَعَلَّهُ مَا صرف سَاعَة مِنْ عُمُره إلَّا فِي عبَادَةٍ، وَانْحَنَى حَتَّى لاَ يُتَبَيَّنَ قيَامُهُ مِنْ رُكُوْعِهِ إلَّا بِيَسِيْرٍ، وَكَانَ حَافِظاً لِلْقُرْآنِ، لاَ يَقبل مِنْ أَحَدٍ شَيْئاً، وَلَهُ كفَايَةٌ يَتقنَّعُ بِهَا، دَخَلتُ عَلَيْهِ فِي مسجِدِه مَرَّاتٍ، بِالعَتَّابِيِّين، وَسَأَلتُهُ: هَلْ سَمِعْتُ شَيْئاً? فَقَالَ: سَمِعْتُ مِنْ أَبِي القَاسِمِ عَبْدِ العَزِيْزِ الأَنْمَاطِيِّ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: مَا ظَفِرْنَا بِذَلِكَ، لَكِن قَرَأْتُ عَلَيْهِ "الرَّد عَلَى الجَهْمِيَّة" لنِفْطَوَيْه، سَمِعَهُ مِنْ أَبِي العَبَّاسِ بن قُرَيْش، وَحضر سَمَاعه مَعَنَا شَيْخنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْدِي.
قُلْتُ: ظهر سَمَاعُه مِنَ الأَنْمَاطِيّ بَعْد فِرَاق الحَافِظ أَبِي سَعْدٍ بَغْدَاد، فَرَوَى عَنْهُ الجُزْءَ يُوْنُس بن يحيى الهاشمي، وأحمد بن الحسن العاقولي، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ السِّمِّذِيُّ، وَعَلِيّ بن أَحْمَدَ بنِ العُرَيْبِيِّ، وَشُجَاع البَيْطَار، وَمُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ البَلِّ، وَسَعِيْد بن المُبَارَكِ بن كمونة، وعبيد الله ابن أَحْمَدَ المَنْصُوْرِيُّ، وَعُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، وَأَحْمَدُ بنُ الأَصْفَرِ، وَرَيْحَانُ بنُ تيكَانَ الضّرِيرُ، وَمُظَفَّر بن أَبِي يَعْلَى بن جَحْشويه، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بن تُمَيْرَةَ، وَعَبْد اللهِ بن مَحَاسِنَ بن أَبِي شَرِيْكٍ، وَعَبْد الخَالِقِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصيَّادُ، وَعَبْد السَّلاَمِ بن المُبَارَكِ البَردَغُولِيُّ، وَأَحْمَد بن يُوْسُفَ بنِ صِرْمَا، وَالمُبَارَك بن عَلِيِّ بنِ أَبِي الجُوْدِ شَيْخُ الأَبَرْقُوْهِيِّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أَبُو المظفر بن الجَوْزِيّ: سَمِعْتُ مَشَايِخ الحَرْبِيَّة يَحكُوْن عَنْ آبَائِهِم وَأَجدَادهِم أَنَّ السُّلْطَان مسعُوْداً لَمَّا أَتَى بَغْدَاد، كَانَ يُحبّ زِيَارَة العُلَمَاء وَالصَّالِحِيْنَ، فَالتمسَ حُضُوْر ابْنِ الطَّلاَّيَةِ، فَقَالَ لِلرَّسُوْلِ: أَنَا فِي هَذَا المَسْجَد أنْتَظر دَاعِي الله فِي النَّهَار خَمْس مَرَّات. فَذَهَبَ الرَّسُولُ. فَقَالَ السُّلْطَان: أَنَا أَوْلَى بِالمَشْي إِلَيْهِ. فَزَاره، فَرَآهُ يُصَلِّي الضُّحَى، وَكَانَ يُطَوِّلُهَا يُصلِّيهَا بِثَمَانِيَة أَجزَاء، فَصَلَّى مَعَهُ بَعْضهَا، فَقَالَ لَهُ الخَادِم: السُّلْطَان قَائِم عَلَى رَأْسك. فَقَالَ: أَيْنَ مَسْعُوْد? قَالَ: هَا أَنَا. قَالَ: يَا مَسْعُوْد، اعْدِلْ، وَادعُ لِي، الله أَكْبَر. ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ، فَبَكَى السُّلْطَان، وَكَتَبَ وَرقَةً بِخَطِّهِ بِإِزَالَة المُكُوْس وَالضّرَائِب، وَتَاب تَوبَة صَادِقَة.
مَاتَ ابْنُ الطَّلاَّيَةِ فِي حَادِي عشر رَمَضَان سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَحُمِلَ عَلَى الرُّؤُوس، وَكَانَتْ جِنَازَته كَجَنَازَة أَبِي الحَسَنِ بن القَزْوِيْنِيّ، وَمَا خَلَّف بَعْدَهُ مِثْلَه، دفن إِلَى جَانب أَبِي الحُسَيْنِ بنِ سَمْعُوْنَ، رَحِمَهُمَا اللهُ تعالى.

(15/77)


نصر بن المظفر، ابن البنا:
4978- نصر بن المظفر 1:
ابن الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ خَالِدِ بنِ بَرْمَكَ بنِ آذَرْوَندَارَ، المَوْلَى الرَّئِيْس، أَبُو المَحَاسِنِ البَرْمَكِيُّ الجُرْجَانِيُّ ثُمَّ الهَمَذَانِيُّ، المُلَقَّب بِالشَّخْص العَزِيْز، أَخُو أَبِي الفُتُوْح الفَتْح.
مَوْلِدُهُ بِبَغْدَادَ بَعْد الخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فَإِنَّهُ قَالَ لِلسمِعَانِي: بلغت فِي سَنَةِ الْغَرق سَنَة466. ثُمَّ اسْتَوْطَنَ هَمَذَان.
سَمِعَ أَبَا الحُسَيْنِ بنَ النَّقُّوْرِ، وَإِسْمَاعِيْل بن مَسْعَدَةَ بِبَغْدَادَ، وَأَبَا عَمْرٍو عَبْدَ الوَهَّابِ بنَ مَنْدَةَ، وَأَبَا عِيْسَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ زِيَادٍ، وَسُلَيْمَانَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ الحَافِظ بِأَصْبَهَانَ.
وَانْفَرَدَ بِأَكْثَر مَسْمُوْعَاتِهِ، وَعُمِّرَ دَهْراً، وَقَصَدَهُ الطَّلبَةُ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: هُوَ شَيْخٌ مُسِنٌّ، كَانَ يُصَلِّي بِبَعْض الأَترَاكِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ بِشَخصٍ، قَرَأْت عَلَيْهِ كِتَاب الاسْتِئذَان لابْنِ المُبَارَكِ.
وَقال ابْن النَّجَّار: أَكْثَر الأَسفَار، وَدَخَلَ خُرَاسَان وَبُخَارَى وَسَمَرْقَنْد وَكَاشغر وَالسند ودمشق.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيّ، وَأَبُو العَلاَءِ العَطَّار وَابْنه عَبْد البِرّ، وَدَاوُد بن مَعْمَرٍ، وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ الرُّوذرَاورِي، وَأَحْمَد بن شَهْرَيَار، وَعَبْد الهَادِي بن عَلِيٍّ الوَاعِظ، وَوَكِيْع بن مَانكديم، وَعَبْدُ الجَلِيْل بن مندويَة، وَعِدَّة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: تُوُفِّيَ لَيْلَة القَدْرِ سَنَة تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقِيْلَ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ فِي ربيع الآخر.
4979- ابن البنا 2:
الشَّيْخُ الصَّالِحُ الخَيِّرُ الصَّدُوْق، مُسْند بَغْدَادَ، أَبُو القاسم سعيد بن الشَّيْخِ أَبِي غَالِبٍ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ بنِ أحمد بن البنا، البغدادي الحنبلي.
__________
1 ترجمته في العبر "4/ 138"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 319"، وشذرات الذهب 4/ 154".
2 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 251"، والعبر "4/ 139- 140"، والنجوم الزاهرة "5/ 321"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 155".

(15/78)


وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ أبا القاسم بن البسري، وأبا نصر الزينبي، وَعَاصِمَ بنَ الحَسَنِ، وَجَمَاعَةً.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَأَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ بنِ الغَزَّالِ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مَحَاسِنَ، وَعَلِيُّ بنُ مُبَارَكٍ الصَّائِغُ، وَرَيْحَان بن تيكان الضرير، وموسى بن الشَّيْخِ عَبْد القَادِر، وَأَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الرَّشِيْدِيّ، وَعَلِيّ بن مُحَمَّدٍ السَّقَّاءُ، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بنُ المُبَارَكِ المُشترِي، وَثَابِتُ بنُ مُشَرِّفٍ، وَصَالِحُ بنُ القَاسِمِ بن كوّر، وَظَفَرُ بنُ سَالِمٍ البَيْطَارُ، وَمِسْمَارُ بن العُويس، وَالفَتْحُ بن عبد السَّلاَم، وَأَبُو المُنَجَّى عَبْد اللهِ بن اللَّتِّيِّ خَاتِمَةُ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ، وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُقَيَّرِ.
تُوُفِّيَ فِي رَابِعَ عَشَرَ ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَمَاتَ أَبُوْهُ سَنَة بِضْع وَعِشْرِيْنَ.
وَمَاتَ جدّه سَنَة سَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَمَاتَ وَلده أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَن بن أَبِي القَاسِمِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ وَلَهُ نَحْوٌ مِنْ ثَمَانِيْنَ سَنَةً، يَرْوِي عَنْ جَعْفَرَ السَّرَّاج، وأبي غالب بن الباقلاني.

(15/79)


4980- ابن ناصر 1:
الإِمَامُ المُحَدِّثُ الحَافِظُ، مُفِيْد العِرَاق، أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ نَاصرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عُمَرَ السَّلاَمِيُّ البَغْدَادِيُّ.
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَرُبِّي يَتِيماً فِي كفَالَة جدّه لأُمِّهِ الفَقِيْه أَبِي حِكِيْمٍ الخُبْرِيّ.
تُوُفِّيَ أَبُوْهُ المُحَدِّث نَاصر شَابّاً، فَلقَّنَهُ جدُّه أَبُو حَكِيْمٍ القُرْآنَ، وَسَمَّعَهُ مِنْ أَبِي القَاسِمِ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ البُسْرِيِّ، وَأَبِي طَاهِرٍ بن أَبِي الصَّقْرِ الأَنْبَارِيّ.
ثُمَّ طلب، وَسَمِعَ مِنْ: عَاصِم بنِ الحَسَنِ، وَمَالِك بن أَحْمَدَ البانياسي، وأبي الغنائم بن أبي عثمان، ورزق اللهِ التَّمِيْمِيّ، وَطِرَادٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَابْنِ طَلْحَةَ النِّعَالِيّ، ونصر بن البطر، وأبي
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 252"، واللباب لابن الأثير "2/ 161"، والعبر "4/ 140" وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1079"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 320"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 155- 156".

(15/79)


بَكْرٍ الطُّرَيْثِيْثِيّ، وَأَحْمَد بن عَبْدِ القَادِرِ اليُوْسُفِيِّ، وَالحُسَيْنِ بنِ عَلِيِّ بنِ البُسْرِيِّ، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ الخَيَّاط، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ السَّلاَمِ الأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي الفضل بن خيرون، وجعفر السراج، والمبارك ابن عَبْدِ الجَبَّارِ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ، إِلَى أَنْ يَنْزِل إِلَى أَبِي طَالِبٍ بن يُوْسُفَ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ الحُصَيْنِ، وَالقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَإِسْمَاعِيْل ابْنِ السَّمَرْقَنْدِي.
وَقرَأَ مَا لاَ يُوْصَف كَثْرَةً، وَحصَّل الأُصُوْل، وَجَمَعَ وَأَلَّف، وَبعد صِيْتُهُ، وَلَمْ يَبرع فِي الرِّجَالِ وَالعلل.
وَكَانَ فَصِيْحاً، مليح القِرَاءة، قَوِيّ العَرَبِيَّة، بارعاً فِي اللُّغَة، جمَّ الفَضَائِل.
تَفَرَّد بِإِجَازَات عَالِيَة، فَأَجَازَ لَهُ فِي سَنَةِ بِضْع وَسِتِّيْنَ فِي قرب وِلاَدته الحَافِظُ أَبُو صَالِحٍ أَحْمَد بن عَبْدِ المَلِكِ المُؤَذِّن، وَأَبُو القَاسِمِ الفَضْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ المُحِبِّ، وَفَاطِمَة بِنْت أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاق، وَالحَافِظُ أَبُو إِسْحَاقَ المِصْرِيّ الحَبَّالُ، وَالحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ بنُ مَاكُوْلاَ، وَأَبُو الحُسَيْنِ بنُ النَّقُّوْرِ، وَالخَطِيْب أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ هَزَارْمَرْدَ الصَّرِيْفِيْنِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَلِيَّكَ النَّيْسَابُوْرِيّ، وَعدد سِوَاهُم، بَادر لَهُ أَبُوْهُ -رَحِمَهُ اللهُ- بِالاستجَازَةِ، وَأَخَذَهَا لَهُ مِنَ البِلاَد ابْنُ مَاكُوْلاَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ طَاهِر، وَأَبُو عَامِرٍ العَبْدَرِيّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، وَأَبُو سَعْدٍ السمعاني، وأبو العلاء العطار، وأبو القاسم بن عساكر، وأبو الفرج بن الجَوْزِيِّ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ سُكَيْنَةَ، وَعَبْد العَزِيْزِ بن الأَخْضَر، وَعَبْد الرَّزَّاقِ بن الجيلِي، وَيَحْيَى بن الرَّبِيْعِ الفَقِيْه، وَالتَّاج الكِنْدِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ البَنَّاءِ الصُّوْفِيُّ، وَالفَقِيْهُ مُحَمَّد بن غَنِيَة، وَدَاوُد بن ملَاعِب، وَعَبْد العَزِيْزِ بن النَّاقِدِ، وَأَحْمَد بن ظَفَرِ بنِ هُبَيْرَةَ، وَمُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، وَأَحْمَد بنُ صِرْمَا، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُفَيجَةَ، وَالحَسَنُ بنُ السَّيِّدِ، وَآخَرُوْنَ، خَاتِمَتُهُم بِالإِجَازَةِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ المُقَيَّرِ.
وَمِمَّا أَخْطَأَ فِيْهِ الحَافِظ ابْن مَسْدِي المُجَاوِر أَنَّهُ قرَأَ فِي "الجَعْدِيَّاتِ" أَوْ كُلّهَا عَلَى ابْنِ المُقَيَّرِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أَحْمَدَ المَلِيْحِيّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ أَبِي شُرَيْح، أَخْبَرَنَا البَغَوِيُّ. وَلاَ رَيْب أَنَّ المَلِيْحِيّ سَمِعَ الكِتَاب، وَالنُّسْخَة عِنْدِي مَكْتُوبَة عَنِ المَلِيْحِيّ، لَكنه مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُولد ابْن نَاصر بِأَرْبَع سِنِيْنَ.
قَالَ الشَّيْخُ جَمَال الدِّيْنِ ابْن الجَوْزِيِّ: كَانَ شَيْخُنَا ثِقَةً حَافِظاً ضَابطاً مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، لاَ مَغْمَز فِيْهِ، تَولَى تسمِيْعِي، سَمِعْتُ بقِرَاءته مُسْنَد أَحْمَدَ وَالكُتُب الكِبَار، وَعَنْهُ أَخذتُ علمَ الحَدِيْث، وَكَانَ كَثِيْرَ الذّكرِ، سريع الدمعة.

(15/80)


قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ يُحبّ أَنْ يَقع فِي الناس. فرد ابن الجوزي هَذَا، وَقبَّحه، وَقَالَ: صَاحِبُ الحَدِيْث يَجرحُ وَيُعَدِّلُ، أَفَلاَ تُفرِّقُ يَا هَذَا بَيْنَ الْجرْح وَالغِيبَة?! ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ قَدِ احْتَجَّ بكَلاَم ابْن نَاصر فِي كَثِيْر مِنَ الترَاجم فِي "الذّيل" لَهُ. ثُمَّ بَالغ ابْن الجَوْزِيِّ فِي الْحَط عَلَى أَبِي سَعْدٍ، وَنسبه إِلَى التَّعَصُّب البَارِد عَلَى الحَنَابِلَة، وَأَنَا فَمَا رَأَيْتُ أَبَا سَعْد كَذَلِكَ، وَلاَ رَيْب أَنَّ ابْنَ نَاصرٍ يَتعسف فِي الْحَط عَلَى جَمَاعَة مِنَ الشُّيُوْخ، وَأَبُو سَعْدٍ أَعْلَم بِالتَّارِيْخ، وَأَحْفَظ مِنِ ابْنِ الجَوْزِيّ وَمِنِ ابْنِ نَاصر، وَهَذَا قَوْله فِي ابْن نَاصر فِي "الذّيل"، قَالَ: هُوَ ثِقَةٌ حَافِظ ديِّن مُتْقِن ثَبْتٌ لُغوِي، عَارِف بِالمُتُوْنِ وَالأَسَانِيْد، كَثِيْرُ الصَّلاَة وَالتِّلاَوَة، غَيْر أَنَّهُ يُحِبّ أَنْ يَقع فِي النَّاسِ، وَهُوَ صَحِيْح القِرَاءة وَالنقل، وَأَوّل سَمَاعه فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ مِنْ أَبِي طَاهِرٍ الأَنْبَارِيّ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ فِي "تَارِيْخِهِ": كَانَ ثِقَةً ثَبْتاً، حسنَ الطّرِيقَة، مُتَدَيِّناً، فَقِيراً مُتَعَفِّفاً، نَظِيفاً نَزِهاً، وَقَفَ كُتُبَهُ، وَخلَّف ثِيَاباً خَلِيعاً وَثَلاَثَةَ دَنَانِيْرَ، وَلَمْ يُعقِب، سَمِعْتُ ابْنَ سُكَيْنَة وَابْن الأَخْضَرِ وَغَيْرَهُمَا يُكثرُوْنَ الثَّنَاء عَلَيْهِ، وَيَصِفُوْنَهُ بِالحِفْظ وَالإِتْقَان وَالدِّيَانَة وَالمحَافِظَة عَلَى السُّنَن وَالنوَافل، وَسَمِعْتُ جَمَاعَة مِنْ شُيُوْخِي يذكرُوْنَ أَنَّهُ وَابْنَ الجَوَالِيْقِيّ كَانَا يَقْرَآن الأَدب عَلَى أَبِي زَكَرِيَّا التِّبْرِيْزِيّ، وَيطلبَان الحَدِيْث، فَكَانَ النَّاسُ يَقُوْلُوْنَ: يَخْرُج ابْن نَاصر لغوِي بَغْدَاد، وَيَخْرُج أَبُو مَنْصُوْرٍ بن الجَوَالِيْقِيّ مُحَدِّثهَا، فَانعكس الأَمْر، وَانقَلْب..
قُلْتُ: قَدْ كَانَ ابْنُ نَاصِرٍ مِنْ أئمة اللغة أيضًا.
قال ابن النجار: سمعت ابن سكينة يقول: قُلْتُ لابْنِ نَاصر: أُرِيْد أَنْ أَقرَأَ عَلَيْك ديوان المتنبي، وشرحه لأَبِي زَكَرِيَّا التِّبْرِيْزِيِّ. فَقَالَ: إِنَّك دَائِماً تَقرَأُ عَلَيَّ الحَدِيْثَ مَجَّاناً، وَهَذَا شعر، وَنَحْنُ نَحتَاج إِلَى نَفَقَة. قَالَ: فَأَعْطَانِي أَبِي خَمْسَة دَنَانِيْر، فدفعتها إليهن وَقَرَأْت الكِتَاب.
وَقَالَ أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ: سَمِعَ ابْنُ نَاصر مَعَنَا كَثِيْراً، وَهُوَ شَافعِي أَشعرِي، ثُمَّ انْتقل إِلَى مَذْهَب أَحْمَد فِي الأُصُوْل وَالفُرُوْع، وَمَاتَ عَلَيْهِ، وَلَهُ جُوْدَة حَفِظ وَإِتْقَان، وَحُسنُ مَعْرِفَةٍ، وَهُوَ ثَبْتٌ إِمَامٌ.
وَقَالَ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ: هُوَ مقدمُ أَصْحَابِ الحَدِيْث فِي وَقْتِهِ بِبَغْدَادَ.
أَنْبَؤُوْنَا عَنِ ابْنِ النَّجَّار قَالَ: قَرَأْت بِخَطِّ ابْنِ نَاصرٍ وَأَخْبَرَنِيه عَنْهُ سَمَاعاً يَحْيَى بن الحُسَيْنِ قَالَ: بقيت سِنِيْنَ لاَ أَدخل مَسْجِد أَبِي مَنْصُوْرٍ الخَيَّاط، وَاشْتَغَلت بِالأَدب عَلَى التِّبْرِيْزِيّ، فَجِئْت يَوْماً لأَقرَأَ الحَدِيْث عَلَى الخَيَّاط، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، تركت قِرَاءة القُرْآن، واشتغلت بغيره?!

(15/81)


عد، وَاقرَأْ عَلَيَّ ليَكُوْن لَكَ إِسْنَاد، فَعدتُ إِلَيْهِ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ، وَكُنْت أَقُوْل كَثِيْراً: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لِي أَيَّ المَذَاهِبِ خَيْرٌ. وَكُنْت مرَاراً قَدْ مضيتُ إِلَى القَيْرَوَانِي المُتَكَلِّم فِي كِتَابِ التَّمهيد لِلباقلاَنِي، وَكَأَنَّ مَنْ يَردنِي عَنْ ذَلِكَ. قَالَ: فَرَأَيْت فِي المَنَامِ كَأَنِّيْ قَدْ دَخَلت المَسْجَد إِلَى الشَّيْخ أَبِي مَنْصُوْرٍ، وَبِجَنبه رَجُل عَلَيْهِ ثِيَاب بِيضٌ وَرِدَاء عَلَى عِمَامَتِهِ يُشبِهُ الثِّيَابَ الرِّيفِيَّةَ، دُرِّيَّ اللَّوْنِ، عَلَيْهِ نُورٌ وَبَهَاءٌ، فَسَلَّمتُ، وَجلَسْت بَيْنَ أَيدِيهِمَا، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي لِلرَّجُلِ هَيْبَة وَأَنَّهُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا جلَسْت الْتَفَتَ إِلَيَّ، فَقَالَ لِي: عَلَيْكَ بِمَذْهَبِ هَذَا الشَّيْخِ، عَلَيْكَ بِمَذْهَبِ هَذَا الشَّيْخ. ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَانْتبهت مَرْعُوْباً، وَجِسْمِي يَرجف، فَقصصت ذَلِكَ عَلَى وَالِدتِي، وَبكرتُ إِلَى الشَّيْخ لأَقرَأَ عَلَيْهِ، فَقصصت عَلَيْهِ الرُّؤيَا، فَقَالَ: يَا وَلدِي، مَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ إلَّا حسنٌ، وَلاَ أَقُوْل لَكَ: اتْرُكْهُ، وَلَكِن لاَ تَعتقدْ اعْتِقَادَ الأَشْعَرِيِّ. فَقُلْتُ: مَا أُرِيْدُ أَنْ أَكُوْن نِصْفَيْن، وَأَنَا أُشْهِدك، وَأُشْهِد الجَمَاعَة أَنَّنِي مُنْذُ اليَوْم عَلَى مَذْهَب أَحْمَد بن حَنْبَلٍ فِي الأُصُوْل وَالفُرُوْع. فَقَالَ لِي: وَفقك الله. ثُمَّ أَخذت فِي سَمَاع كتب أَحْمَد وَمَسَائِله وَالتَّفَقُّه عَلَى مَذْهَبه، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ وَغَيْرهُ: تُوُفِّيَ ابْنُ نَاصِرٍ فِي ثَامِنَ عَشَرَ شَعْبَان سَنَة خَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: حَدَّثَنِي الفَقِيْهُ أَبُو بَكْرٍ بنُ الحُصرِي، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ نَاصر فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ? قَالَ: غَفَر لِي، وَقَالَ لِي: قَدْ غَفَرتُ لعَشْرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ فِي زَمَانِكَ لأَنَّك رَئِيْسَهُم وَسيِّدهُم.
قُلْتُ: وَمَاتَ مَعَهُ فِي السَّنَةِ الخَطِيْب المُعَمَّرُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المشكاني راوي "تاريخ البخاري الصغير"، ومقرىء العراق أبو الكرم المبارك بن الحسن الشهروزوري، وَمُفْتِي خُرَاسَان الفَقِيْه مُحَمَّد بن يَحْيَى صَاحِب الغَزَّالِيّ، وَقَاضِي مِصْرَ وَعَالِمهَا أَبُو المَعَالِي مُجلِّي بن جُمَيْعٍ القُرَشِيّ صَاحِب كِتَاب الذّخَائِر فِي المذهب، والواعظ الكبير أبو زكريا يَحْيَى بن إِبْرَاهِيْمَ السّلمَاسِي، وَمُسْنَد نَيْسَابُوْر أَبُو عُثْمَانَ إِسْمَاعِيْل بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ العصَائِدِي عَنْ بِضْع وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَالشَّيْخ أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيُّ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ الكَاتِب جد الفَتْح بن عَبْدِ اللهِ بِبَغْدَادَ.
أَخْبَرَتْنَا أُمُّ مُحَمَّدٍ زَيْنَبُ بِنْت عُمَر بن كِندِي بِبَعْلَبَكَّ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ عَنْ أَبِي الفَتْحِ أَحْمَدَ بنِ ظفر بن يَحْيَى ابن الوَزِيْر، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ نَاصر الحَافِظ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي الصَّقْرِ الخَطِيْب فِي سَنَةِ473، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ الفَرَّاء بِمِصْرَ بِقِرَاءتِي، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أحمد ابن خَرُوْف إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا طَاهِر بن عِيْسَى، حَدَّثَنَا أَصْبَغ بن الفَرَجِ، حَدَّثَنَا

(15/82)


ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ خَالِدِ بنِ كُرَيْبٍ، عَنْ مَالِكِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عن عبد الرحمن بن غنم، عن أبي مَالِكٍ الأَشْعَرِيّ، عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "لَيَشْرَبُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الخَمْرَ يُسَمُّوْنَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، وَيُضْرَبُ عَلَى رُؤُوْسِهِم بِالمَعَازِفِ، يَخْسِفُ اللهُ بِهِمُ الأَرْضَ، وَيَجْعَلُ منهم قردةً وخنازير"1.
__________
1 ضعيف: أخرجه أحمد "5/ 342"، والبخاري في "التاريخ الكبير" "1/ 305"، وأبو داود "3688"، وابن ماجه "420"، والطبراني "3419"، والبيهقي في "السنن" "8/ 295" من طرق عن معاوية بن صالح، حدثني حاتم بن حريث، عن مالك بن أبي مريم، به.
قلت: إسناده ضعيف، مالك بن أبي مريم، مجهول، لم يرو عنه غير حاتم بن حريث، ولم يوثقه غير ابن حبان كعادته في توثيق المجاهيل والمجروحين. وقال الذهبي: لا يعرف. وقال ابن حزم: لا يدري من هو. ولقوله: "يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها" شواهد عن عدد من الصحابة يصح بها: -فمنها عن عائشة: عند الحاكم "4/ 147"، والبيهقي "8/ 294-295".
وعن عبادة بن الصامت: عند أحمد "5/ 318"، وابن ماجه "3385".
وعن أبي أمامة الباهلي عند ابن ماجه "3384".

(15/83)


4981- الجنيد بن محمد 1:
الإِمَامُ القُدْوَةُ المُحَدِّثُ، أَبُو القَاسِمِ القَايِنِيُّ، نَزِيْلُ هَرَاةَ، وَشَيْخُ الصُّوْفِيَّةِ.
سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ بنَ مَاجَه، وَسُلَيْمَان الحَافِظ بِأَصْبَهَانَ، وَأَبَا الفَضْل مُحَمَّد بن أَحْمَدَ العَارِف وَغَيْرهُ بِطَبَسَ، وَسَمِعَ بِهَرَاة محمد بن علي العميري، ونجيب بن ميمون، وَبِمرو مِنْ أَبِي المُظَفَّرِ السَّمْعَانِيّ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: سَمِعْتُ جَمَاعَةَ كُتبٍ مِنْهُ، مَوْلِده سَنَة سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَمَاتَ فِي رَابِعَ عَشَرَ شَوَّالٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ فَقِيْهاً فَاضِلاً، مُحَدِّثاً صَدُوْقاً، مَوْصُوَفاً بِالعِبَادَة، تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي المُظَفَّرِ، وَحصل الأُصُوْل، وَسَمِعَ بِقَايِنَ مِنَ الحَسَنِ ابن إِسْحَاقَ التُّوْنِيِّ. رَوَى عَنْهُ ابْنُ نَاصِرٍ، وَابْن عساكر.
قُلْتُ: وَزِنْكِي بنُ أَبِي الوَفَاءِ المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو رَوْحٍ الهَرَوِيّ، وَعَبْد الرَّحِيْمِ بن السَّمْعَانِيُّ، وَطَائِفَة.
__________
1 ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي "7/ 54-56".

(15/73)


حنبل بن علي، الكروخي:
4682- حَنْبَلُ بنُ عَلِيٍّ 1:
أَبُو جَعْفَرٍ البُخَارِيُّ، ثُمَّ السِّجِسْتَانِيُّ الصُّوْفِيُّ، نَزِيْلُ هَرَاة.
رَوَى عَنْ: شَيْخُ الإِسْلاَمِ، وَأَبِي عَامِرٍ الأَزْدِيّ، وَنَجِيْب الوَاسِطِيّ، وَأَبِي نَصْرٍ التِّرْيَاقِيّ، وَابْن طَلْحَةَ النِّعَالِيّ، وَأَبِي الخَطَّابِ بن البَطِرِ، وَعِدَّةٍ.
وَعَنْهُ: السَّمْعَانِيّ، وَابْن عَسَاكِرَ، وَأَبُو رَوْحٍ عَبْد المُعِزِّ، وَجَمَاعَةٍ. وَكَانَ كَيِّساً ظَرِيفاً.
تُوُفِّيَ بِهَرَاة، فِي شَوَّالٍ، سَنَة إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ وَلَهُ سَبْعٌ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً، رحل وهو أمرد.
4983- الكروخي 2:
الشَّيْخُ الإِمَامُ الثِّقَةُ، أَبُو الفَتْحِ، عَبْدُ المَلِكِ بن أَبِي القَاسِمِ عَبْد اللهِ بن أَبِي سَهْلٍ بنِ القَاسِمِ بنِ أَبِي مَنْصُوْرٍ بنِ مَاح الكَرُوْخِيُّ الهَرَوِيُّ.
قَالَ: وَلدت بِهَرَاةَ في ربيع الأول سنة اثنتي وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَكَرُوْخُ: عَلَى يَوْمٍ مِنْ هَرَاةَ.
حَدَّثَ بِـ"جَامِع" أَبِي عِيْسَى عَنِ القاضي أبي عامر الأزدي، وأحمد ابن عَبْدِ الصَّمَدِ الغُوْرَجِيّ، وَعَبْد العَزِيْزِ بن مُحَمَّد أَبِي نَصْرٍ التِّرْيَاقِيّ سِوَى الجُزْءِ الآخرِ فَلَيْسَ عند الترياق، فَسَمِعَهُ مِنْ أَبِي المُظَفَّرِ عُبَيْد اللهِ بن عَلِيٍّ الدّهَان بِسَمَاعِهِم مِنَ الجَرَّاحِيّ، وَأَوّل الجُزْء المَذْكُوْر مَنَاقِبُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَمِعَ مِنْ أَبِي إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ العُمَيْرِي، وَحَكِيْم ابن أَحْمَدَ الإِسْفَرَايِيْنِي، وَأَبِي عَطَاءٍ المَلِيْحِيّ وَعِدَّة.
حَدَّثَ عَنْهُ خلق كَثِيْر، مِنْهُم: السَّمْعَانِيّ، وَابْن عَسَاكِرَ، وَابْن الجَوْزِيِّ، وَخطيب دِمَشْق عَبْد المَلِكِ بن يَاسِيْنَ الدَّوْلَعِيّ، وَزَاهِر بن رُسْتُمَ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ سُكَيْنَةَ، وَابْنُ الأَخْضَر، وَابْن طَبَرْزَدَ، وَأَحْمَد بن عَلِيٍّ الغَزْنَوِيّ، وَعَلِيّ بن أَبِي الْكَرم المَكِّيّ البَنَّاء، وَأَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، وَعَبْدُ السَّلاَمِ بن أَبِي مَكِّيّ القَيَّارِيّ، وَأَحْمَد بن يَحْيَى بنِ الدَّبِيْقِيّ، وَمُبَارَك بن صَدَقَةَ البَاخَرْزِيّ، وَالفَقِيْه مُحَمَّد بن مَعَالِي الحَلاَوِيّ، وَثَابِت بنُ مُشَرِّفٍ البناء.
__________
1 ترجمته في العبر "4/ 112"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 128".
2 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 237"، واللباب "3/ 95"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1313"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 148".

(15/84)


قَالَ السَّمْعَانِيُّ: هُوَ شَيْخ صَالِح ديِّن خَيِّر، حَسَن السِّيْرَةِ، صَدُوْقٌ ثِقَةٌ، قَرَأْت عَلَيْهِ جَامِعَ الترمذي، وقرىء عَلَيْهِ عِدَّة نوب بِبَغْدَادَ، وَكَتَبَ بِهِ نُسْخَة بِخَطِّهِ، وَوقفهَا، وَوجدُوا سَمَاعه فِي أُصُوْل المُؤتَمَنِ السَّاجِيّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَكُنْت أَقرَأُ عَلَيْهِ، فَمَرِضَ، فَنفذ لَهُ بَعْض السَّامعين شَيْئاً مِنَ الذَّهَبِ، فَمَا قَبِلَه، وَقَالَ: بَعْد السَّبْعِيْنَ وَاقْتِرَاب الأَجَلِ آخُذ عَلَى حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئاً! وَرده مَعَ الاحْتِيَاج إِلَيْهِ، ثُمَّ جَاوَرَ بِمَكَّةَ حَتَّى تُوُفِّيَ، وَكَانَ يَنسخ كِتَابَ أَبِي عِيْسَى بِالأُجرَةِ، وَيَتَقَوَّتُ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: كَانَ صُوْفِيّاً مِنْ جُمْلَةِ مَنْ لَحِقَتْهُ بَرَكَةُ شَيْخِ الإِسْلاَمِ، لاَزمَ الفَقْرَ وَالوَرَعَ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ فِي الخَامِسِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ بَعْد رَحِيلِ الحَاجِّ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، رَحِمَهُ اللهُ.
قُلْتُ: وَهُوَ مِمَّنْ أَجَازَ فِي إِجَازَة النِّشْتِبْرِيّ.
مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَقَرَأَ شَيْخُنَا ابْنُ الظَّاهِرِيِّ عَلَى النِّشْتِبْرِيّ "جَامِع أَبِي عِيْسَى" كُلَّه عَلَيْهِ عَنِ الكَرُوْخِيّ، وَحَدَّثَ أَيْضاً بِـ"الجَامِعِ" عُمَرُ بنُ كَرَمٍ بِإِجَازتِه مِنَ الكَرُوْخِيّ، فَالكَرُوْخِيّ فِي طَبَقَةِ شَيْخِ الحَافِظِ أَبِي عَلِيٍّ بنِ سُكَّرَةَ الصدفي في رواية الكتاب، والله أعلم.

(15/85)


4984- البلخي 1:
الَّذِي تُنسب إِلَيْهِ المَدْرَسَةُ البَلخِيَّةُ بِبَابِ البَرِيْد، هُوَ الإِمَامُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ البَلْخِيّ الحَنَفِيّ، نَزِيْلُ دِمَشْقَ، وَمُدَرِّس الصَّادرِيَّةِ.
وَعظ، وَأَقرَأَ، وَجُعِلتْ لَهُ دَار الأَمِيْر طَرْخَان مَدْرَسَةً، وَثَارَت عَلَيْهِ الحَنَابِلَة لأَنَّه نَال مِنْهُم، وَكَانَ ذَا جَلاَلَة وَوجَاهَة، وَيُلَقَّبُ بِالبُرْهَان البَلْخِيّ.
درس أَيْضاً بِمَسجِدِ خَاتُوْنَ، وَأَبطلَ مِنْ حلب الأَذَانَ بِحَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَل.
اشْتَغَل بِبُخَارَى عَلَى البُرْهَان بنِ مَازه، وَنَاظَرَ فِي الخلاَفِ، ثُمَّ حَجَّ وَجَاور، وَكَثُر أَصْحَابه.
وَحَدَّثَ عَنْ أَبِي المُعين المَكْحُوْلِيِّ، وَغَيْرهِ.
وَعلق عَنْهُ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ.
تُوُفِّيَ بِدِمَشْقَ سَنَة ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ فِي شَعْبَانَ.
وَكَانَ كَرِيْماً لا يدخر شيئًا.
__________
1 ترجمته في العبر "4/ 131"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 148".

(15/85)


الرطبي، ابن الزاغوني:
4985- الرطبي 1:
الشَّيْخُ الجَلِيْل العَدْل المُسْنِدُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ سَلاَّمَةَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مَخْلَد الكَرْخِيُّ، مِنْ كَرْخِ جَدَّانَ، لاَ كَرخِ بَغْدَادَ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ ابْنُ الرُّطبِيِّ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي القَاضِي أَحْمَد بن سَلاَمَةَ ابْنِ الرُّطَبِيِّ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ.
وَسَمِعَ أَبَا القَاسِمِ بنَ البُسْرِيِّ، وَأَبَا نَصْرٍ الزَّيْنَبِيّ، وَعَاصِمَ بنَ الحَسَنِ، وَجَمَاعَة.
وَكَانَ جَمِيْل الأَمْر، لاَزماً لِبَيْته.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيّ، وَعَبْد الخَالِقِ بن أَسَدٍ، وَعَبْد العَزِيْزِ بن الأَخْضَر، وَعُمَر بن أَحْمَدَ بنِ بكرُوْنَ، وَمُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ الطَّرَّاحِ، وَدَاوُد بن ملَاعِب، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ فِي شَوَّالٍ سَنَة إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: نَاب فِي الحِسبَة عَنْ عَمِّهِ أَحْمَدَ، وَكَانَ عَفِيْفاً مُتَدَيِّناً، حسنَ الطّرِيقَة، شَهِدَ عِنْد قَاضِي القُضَاة عَلِيِّ بنِ الحسين الزينبي.
4986- ابن الزاغوني 2:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ الكَبِيْر الصَّدُوْق، أَبُو بَكْرٍ، مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ نصر ابن السَّرِيّ البَغْدَادِيّ، ابْنُ الزَّاغُونِيِّ المُجَلِّدُ.
سَمَّعَهُ أَخُوْهُ الإِمَامُ أَبُو الحَسَنِ مِنْ أَبِي القَاسِمِ عَلِيّ بن البُسْرِيِّ، وَأَبِي نَصْرٍ الزَّيْنَبِيّ، وَعَاصِمِ بنِ الحَسَنِ، وَرِزْق اللهِ، وَمَالِك البَانِيَاسِيّ، وَطِرَاد النَّقِيْبِ، وَأَبِي الفَضْلِ بنِ خَيْرُوْنَ، وَعِدَّةٍ.
وَطَالَ عُمُرُهُ، وَعلاَ إِسْنَادُه، وَتَفَرَّد.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَالسَّمْعَانِيّ، وَابْن الجَوْزِيِّ، وَابْن طَبَرْزَدَ، وَالكِنْدِيّ، وَابْن ملَاعِب، وَمُحَمَّد بن أَبِي المَعَالِي بن البَنَّاءِ، وَعَبْد السَّلاَمِ بن يُوْسُفَ العَبَرْتِيّ، وَمَحَاسِنُ الخَزَائِنِي، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ الجَوَالِيْقِيّ، وَعَبْد السَّلاَمِ بن عَبْدِ اللهِ الدَّاهِرِيّ، وَأَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَطِيْعِيُّ، وَآخَرُوْنَ، وَآخر أَصْحَابه بِالإِجَازَةِ أَبُو الحسن بن المقير.
قال السمعاني: شيخ صالح مُتَدَيِّن، مرضِي الطّرِيقَة، قَرَأْت عَلَيْهِ أَجزَاء، وَكَانَ لَهُ دُكَّانَ يُجلِّدُ فِيْهَا.
قُلْتُ: كَانَ غَايَة فِي حُسن التَّجْلِيد، قَرَّرَهُ المُقْتَفِي لأَمر اللهِ لتجليد خزانة كتبه.
مَاتَ فِي الثَّالِثِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ربيعٍ الآخر سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وثمانون سنة.
__________
1 ترجمته في العبر "4/ 144"، وتبصير المنتبه "2/ 629"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 159".
2 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 267"، والعبر "4/ 150"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 327"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 164".

(15/86)


4987- عبد الخالق بن أحمد 1:
ابْنِ عَبْدِ القَادِرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ، الشَّيْخُ الإِمَامُ الحَافِظُ المُفِيْد، أَبُو الفَرَجِ مُحَدِّثُ بَغْدَاد مَعَ ابْنِ نَاصرٍ.
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ أَبَاهُ، وَأَبَا نصر محمد بن محمد الزينبي، وعاصم بن الحَسَنِ، وَرِزْقَ اللهِ التَّمِيْمِيَّ، وَنَصْرَ بنَ البَطِرِ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ النِّعَالِيَّ، وَطِرَاداً الزَّيْنَبِيَّ، وَخَلْقاً كَثِيْراً، وَارْتَحَلَ، وَسَمِعَ بِأَصْبَهَانَ وَالأَهواز، وَأَلف وَجَمَعَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَابْن عَسَاكِرَ، وَالسَّمْعَانِيّ، وَابْن الجَوْزِيِّ، وَالتَّاج الكِنْدِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُبَادر، وَعَبْد الوَهَّابِ بن عَلِيِّ بنِ الإِخْوَةِ، وَعَبْد السَّلاَمِ البَرْدَغُولِي، وَعَبْد العَزِيْزِ بن الأَخْضَر، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ السِّلَفِيّ: كَانَ مِنْ أَعيَانِ المُسْلِمِيْنَ فَضْلاً وَدِيْناً وَثبتاً وَمُروءةً، سَمِعَ مَعِي كَثِيْراً، وَبِهِ كَانَ أنسِي بِبَغْدَادَ، وَلَمَّا حججتُ أَودعتُ كُتُبِي عِنْدَهُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ مُحَدِّث حَسنُ الخطَّ، كَثِيْر الضَّبْط، خَيِّرٌ مُتَوَاضِع متودد، مُحتَاط فِي قِرَاءة الحَدِيْث، كتب وَحصَّل، وَخَرَّجَ لِنَفْسِهِ.
وَصفه بِهَذَا وَبِأَكْثَرَ مِنْهُ أَبُو سعد السمعاني.
وَتُوُفِّيَ فِي الرَّابِع وَالعِشْرِيْنَ مِنَ المُحَرَّم سَنَة ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ وَلَهُ أَرْبَعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: رَوَى الكَثِيْر، وَجَمَعَ لِنَفْسِهِ مَشْيَخَة فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ جُزْءاً، وَكَانَ صَدُوْقاً فَاضِلاً مُتَدَيِّناً، كتب بِخَطِّهِ كَثِيْراً، وَلَمْ يَزَلْ يَطلُب وَيُفِيد إِلَى حِيْنَ وَفَاته. رَوَى عَنْهُ الحُفَّاظ. أَحْسَن ابْن نَاصر الثَّنَاءَ عَلَيْهِ وعلى بيته.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 236"، والعبر "4/ 130-131"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1313"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 305"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 148".

(15/87)


4988- ابن الإخوة 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ المُحَدِّثُ الأَدِيْب، أَبُو الفَضْلِ، عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ أَحْمَدَ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الإِخْوَةِ البَغْدَادِيُّ اللُؤْلُؤَيُّ، أَخُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقَدْ مَرَّ وَالِدهُمَا مِنْ أَعْوَامٍ.
سَمِعَ بِإِفَادَة خَاله الإِمَامِ أَبِي الحَسَنِ بنِ الزَّاغُونِي مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ طَلْحَةَ النِّعَالِيّ، وَأَبِي الخَطَّابِ بن البَطِرِ، وَعِدَّةٍ، وَارْتَحَلَ، فَسَمِعَ مِنْ عَبْدِ الغفَار الشيروِي، وَأَبِي عَلِيٍّ الحَدَّادِ، وَخَلْقٍ، وَاسْتَوْطَنَ أَصْبَهَان، وَسَمَّعَ أَوْلاَده.
وُلِدَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: شَيْخ فَاضِل يَعرف الأَدبَ، لَهُ شعر رَقِيق، صَحِيْح القِرَاءة وَالنقل، قرَأَ الكَثِيْر بِنَفْسِهِ، وَنَسَخَ بِخَطِّهِ مَا لاَ يَدخُلُ تَحْتَ الحدِّ، مَلِيْحُ الخَطِّ سَرِيعُه، سَافر إِلَى خُرَاسَانَ، وَسَمِعَ بِهَا، كتب لِي بِخَطِّهِ جُزْءاً بِأَصْبَهَانَ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ. سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ عَبْدِ المَلِكِ المَكِّيّ وَكَانَ شَابّاً صَالِحاً يَقُوْلُ: أَفسد عليّ عَبْد الرَّحِيْمِ بن الإِخْوَة سَمَاع "مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ"، كَانَ يقرؤه على فاطمة، فكان يقرأ في سماعة جُزْءاً، أَوْ جُزأَيْنِ، فَقُلْتُ: لَعَلَّهُ يُقَلِّب وَرقتين، فَقَعَدت قَرِيْباً مِنْهُ، وَكُنْت أُسَارقه النَّظَر، فَعمل كَمَا وَقَعَ لِي مِنْ ترك حَدِيْث وَحَدِيْثين، وَتَصفُّح وَرقتين، فَأَحَضَرتُ نُسْخَة، وَعَارضتُ، فَمَا قرَأَ يَوْمَئِذٍ إلَّا يَسيراً، وَظهر ذَلِكَ لِلْحَاضِرِيْنَ، فَانقطعتُ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: أَنَا مَا رَأَيْتُ مِنْهُ إلَّا الخَيْر.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كتب مَا لاَ يُحدُّ، وَكَانَ مَلِيْحَ الخَطِّ، سرِيع القِرَاءة، رَأَيْت بِخَطِّهِ التَّنبِيهَ لأَبِي إِسْحَاقَ، فَذَكَر فِي آخِره أَنَّهُ كَتَبَه فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَكَانَتْ لَهُ مَعْرِفَةٌ، مَاتَ بَشِيْرَاز فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وأربعين وخمس مائة.
__________
1 ترجمته في ميزان الاعتدال "2/ 603"، ولسان الميزان "4/ 3".

(15/88)


4989- ابن السلار 1:
الوَزِيْر الْملك العَادل، سَيْف الدِّيْنِ، أَبُو الحَسَنِ، عَلِيُّ بنُ السَّلاَّرِ الكُرْدِي، وَزِيْر الظَّافر بِاللهِ العُبيدِي بِمِصْرَ.
نشَأَ فِي القَصْر بِالقَاهِرَةِ، وَتَنَقَّلَتْ بِهِ الأَحْوَال، وَوَلِيَ الصّعيد وَغَيْرهُ، وَكَانَ الظَّافر قَدِ اسْتوزر نَجم الدِّيْنِ سَلِيْم بنَ مصَال أحد رؤوس الأمراء، فعظم مُتَوَلِّي الإِسْكَنْدَرِيَّةِ ابْنُ السَّلاَّر هَذَا، وَأَقْبَلَ يَطلُبُ الوزَارَة، فَعدَّى ابْنُ مصَال إِلَى نَحْو الجِيْزَةِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ لَمَّا سَمِعَ بِمَجِيْءِ ابْن السَّلاَّر، وَدَخَلَ ابْنُ السَّلاَّر، وَعَلاَ شَأْنه، وَاسْتَوْلَى عَلَى المَمَالِك بِلاَ ضربَة وَلاَ طعنَة، وَلقب بِالملك العَادل أَمِيْر الجُيُوْش، فَحشد ابْنُ مصَال، وَجَمَعَ، وَأَقْبَلَ، فَأَبرز ابْنُ السَّلاَّر لِمُحَارِبته أُمَرَاء، فَالتَقَوْا، فَكُسِرَ ابْنُ مصَال بِدَلاَص، وَقُتِلَ، وَدُخِلَ بِرَأْسِهِ عَلَى رمح فِي ذِي القَعْدَةِ مِنَ السّنَة، وَاسْتوسق الدَّسْت لِلْعَادل.
وَكَانَ بَطَلاً شُجَاعاً، مِقْدَاماً مَهِيْباً شَافِعِياً سُنِّياً، لَيْسَ عَلَى دين العُبَيْدِيَّة، احْتَفَلَ بِالسِّلَفِيّ، وَبَنَى لَهُ المَدْرَسَة، لَكِنَّهُ فِيْهِ ظلم وَعسف وَجبروت.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: كَانَ جندياً فَدَخَلَ عَلَى المُوَفَّق التِّنِّيْسِيّ، فَشَكَا إِلَيْهِ غرَامَة، فَقَالَ: إِنَّ كَلاَمك مَا يَدخل فِي أُذنِي، فَلَمَّا وَزر اخْتفَى المُوَفَّق، فَنُوْدِيَ فِي البَلَد: مَنْ أَخفَاهُ فَدمُهُ هَدَرٌ. فَخَرَجَ فِي زِيِّ امْرَأَة، فَأُخِذَ، فَأَمر العَادل بِلَوْح وَمِسْمَار، وَسُمِّر فِي أُذُنِهِ إِلَى اللَّوْح، وَلَمَّا صرخَ، قَالَ: دَخَلَ كَلاَمِي فِي أُذُنِكَ أَمْ لاَ?
وَجَاءَ مِنْ إِفْرِيْقِيَة عَبَّاسُ بنُ أَبِي الفُتُوْح بنِ الأَمِيْر يَحْيَى بن بَادِيس صَبِيّاً مَعَ أُمّه، فَتَزَوَّجَهَا العَادل قَبْل الوزَارَة، ثُمَّ تَزَوَّجَ عَبَّاس، وَجَاءهُ ابْنٌ سَمَّاهُ نصراً، فَأَحَبّه العَادل، ثُمَّ جهَّز عبَاساً إِلَى الشَّامِ لِلْجِهَاد، فَكَرِه السَّفَر، فَأَشَارَ عَلَيْهِ أُسَامَة بن مُنْقِذ -فِيْمَا قِيْلَ: بِقَتْلِ العَادلِ، وَأَخْذِ مَنصِبِه، فَقتلَ نَصْرٌ العَادلَ عَلَى فِرَاشه غِيلَة فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ بِالقَاهِرَةِ. وَنَصْرٌ هَذَا هُوَ الذي قتل الظافر.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان "3/ ترجمة 485"، والعبر "4/ 131-132"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 299"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 149".

(15/89)


ابن جهير، البستي، السنجي:
4990- ابن جهير 1:
الوزير الأكمل، أبو نصر، مظفر بن الوزير علي بن الوَزِيْرِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جَهِيْرٍ.
كَانَ معرفاً فِي الوزَارَة، وَلِي أُسْتَاذ دَارِيَة الخَلِيْفَة المُسْترشد، ثُمَّ وَزَرَ لِلمُقْتَفِي سَبْعَة أَعْوَام، وَعُزِلَ سَنَة ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَحَدَّثَ عَنِ الحُسَيْنِ بنِ البُسْرِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ السَّمْعَانِيّ، وَمُحَمَّد بن عَلِيٍّ الدُّوْرِيُّ.
مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ عَنْ بِضْعٍ وستين سنة.
4991- البستي:
الإِمَامُ الزَّاهِدُ، أَبُو العِزِّ، مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ البُسْتِيُّ الصُّوْفِيُّ، الجَوَّالُ.
سَمِعَ مُوْسَى بنَ عِمْرَانَ الأَنْصَارِيّ، وَأَبَا المُظَفَّر السَّمْعَانِيّ، وَالمُبَارَك ابْن الطُّيُوْرِيّ، وَسَمِعَ مِنَ السِّلَفِيِّ بِمَيَّافَارقِيْنَ.
وَأَخذَ عَنْهُ: السِّلَفِيّ، وَأَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ.
وَكَانَ فَقيراً مُجرَّداً يَسْأَلُ، وَمَنْ أَعْطَاهُ أَكْثَر مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ رَدَّهُ.
وَيُقَالُ: سَاءت سيرتُهُ بِأَخَرَةٍ، سَامَحَهُ اللهُ.
مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ بِمَرْوَ الرُّوْذِ وَلَهُ اثْنَتَانِ وسبعون سنة. وكان شيخ فقراء.
4992- السنجي 2:
الشَّيْخُ الإِمَامُ الحَافِظُ الخَطِيْبُ، مُحَدِّثُ مَرْوَ وَخَطِيبُهَا وعالمها، أبو طاهر محمد بنُ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بن أَبِي سَهْلٍ بنِ أَبِي طَلْحَةَ، المَرْوَزِيُّ السِّنْجِيُّ الشافعي المؤذن الخطيب.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 248"، والعبر "4/ 138"، والنجوم الزاهرة "5/ 318"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 154".
2 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 240"، والعبر "4/ 132، 133"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1088"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 150".

(15/90)


وُلِدَ بقَرْيَة سِنْجَ العُظْمَى، فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ أَوْ قَبْلهَا.
وَسَمِعَ إِسْمَاعِيْل بن مُحَمَّدٍ الزَّاهرِي، وَأَبَا بَكْرٍ مُحَمَّد بن عَلِيٍّ الشَّاشِيّ الشَّافِعِيّ، وَعَلِيّ بن أَحْمَدَ بنِ الأَخْرَم، وَنَصْر اللهِ بن أَحْمَدَ الخُشْنَامِيّ، وَفَيْدَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّعرَانِي، وَالشَّرِيْفَ مُحَمَّدَ بنَ عبد السلام، وثابت بن بندار، وأبا البقال الحَبَّال، وَجَعْفَر بن أَحْمَدَ السَّرَّاج، وَأَبَا الحُسَيْنِ بن الطيوري، وعبد الرحمن بن حمد الدُّونِي، وَخَلْقاً كَثِيْراً بِخُرَاسَانَ وَالعِرَاق وَأَصْبَهَانَ وَالحِجَازِ، وَقَدْ سَمِعَ بِأَصْبَهَانَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بن محمد بن أحمد ابن مَرْدَوَيْه، وَطَبَقَتِهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، وَعَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ السَّمْعَانِيّ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ: تَفَقَّهَ أَوَّلاً عَلَى جَدِّي أَبِي المُظَفَّرِ، وَعَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرَّزَّاز، وَكَتَبَ الكَثِيْر، وَحصَّل وَأَلَّف، وَكَانَ إِمَاماً وَرِعاً مُتَهَجِّداً مُتَوَاضِعاً، سرِيع الدمعَة، وَكَانَ مِنْ أَخصِّ أَصْحَاب وَالِدِي حضَراً وَسفراً، سَمِعَ الكَثِيْر مَعَهُ، وَنسخ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْره، وَلَهُ مَعْرِفَةٌ بِالحَدِيْثِ، وَهُوَ ثِقَةٌ دَيِّنٌ قَانِع، كَثِيْر التِّلاَوَة، كَانَ يَتولَّى أُمُوْرِي بَعْد وَالِدِي، وَسَمِعْتُ مِنْ لفظِهِ الكَثِيْر، وَكَانَ يَلِي الخطَابَةَ بِمَرْوَ فِي الجَامِع الأَقدم، تُوُفِّيَ فِي التَّاسع وَالعِشْرِيْنَ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ السَّمْعَانِيّ "سُنَنَ النَّسَائِيِّ" عَنِ: الدُّونِي، وَ"صَحِيْح مُسْلِم" بِرِوَايَتِهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ صَاحِب عَبْد الغَافِر الفَارِسِيّ، وَكِتَاب "الحِلْيَة" لأَبِي نُعَيْمٍ، وَكِتَاب "الرِّقَاق" لابْنِ المُبَارَكِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الزَّاهرِي، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ يَنَال المَحْبُوبِيّ.
أَمَّا:

(15/91)


السبخي، الشهرستاني:
4993- السبخي 1:
فَالشَّيْخُ الإِمَامُ الفَقِيْهُ الزَّاهِدُ المُسْنِدُ، أَبُو طَاهِرٍ، محمد بن أبي بكر ابن عُثْمَانَ بنِ مُحَمَّدٍ السَّبَخِيُّ البَزْدَوِيُّ البُخَارِيُّ الصَّابُوْنِيُّ الحَنَفِيُّ.
سَمِعَ فِي صِبَاهُ مِنَ المُعَمَّر عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّبَيْرِيِّ الوَرْكِيِّ وَجَمَاعَةٍ، وَصحب الزَّاهِد يُوْسُف بن أَيُّوْبَ.
حَدَّثَ عَنْهُ السَّمْعَانِيّ وَابْنه أَبُو المُظَفَّرِ.
مَاتَ بِبُخَارَى، فِي جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
كَتَبته لِلتَّمْيِيْزِ، فُكُلٌّ مِنَ السِّنْجِيِّ وَالسَّبَخِي مِنْ مشايخ أبي المظفر السمعاني ووالده.
4994- الشهرستاني 2:
الأَفْضَلُ مُحَمَّد بن عَبْدِ الكَرِيْمِ بنِ أَحْمَدَ الشهرستاني، أبو الفتح، شَيْخ أَهْل الكَلاَم وَالحِكْمَة، وَصَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
بَرَعَ فِي الفِقْه عَلَى الإِمَامِ أَحْمَد الخوَافِي الشَّافِعِيّ، وَقرَأَ الأُصُوْل عَلَى أَبِي نَصْرٍ بنِ القُشَيْرِيّ، وَعَلَى أَبِي القَاسِمِ الأَنْصَارِيّ.
وَصَنَّفَ كِتَاب "نِهَايَة الإِقدَام"، وَكِتَاب "المِلَلِ وَالنِّحَلِ".
وَكَانَ كَثِيْرَ المَحْفُوْظ، قَوِيّ الفَهْم، مليح الْوَعْظ.
سَمِعَ بِنَيْسَابُوْرَ مِنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ الأَخْرَم.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَتَبْتُ عَنْهُ بِمَرْوَ، وَحَدَّثَنِي أَنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ. وَمَاتَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ. ثُمَّ قَالَ: غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ مُتَّهَماً بِالمَيْلِ إِلَى أَهْلِ القِلاعِ والدعوة إليهم، والنصرة لطاماتهم.
وَقَالَ فِي "التّحبِير": هُوَ مِنْ أَهْلِ شَهْرَسْتَانَه، كَانَ إِمَاماً أُصُوْلياً، عَارِفاً بِالأَدب وَبِالعُلُوْم المهجورَة. قَالَ: وَهُوَ مُتَّهَم بِالإِلْحَاد، غَالٍ فِي التَّشَيُّع.
وَقَالَ ابْنُ أَرْسَلاَن فِي "تَارِيخ خُوَارِزْم": عَالِم كيس مُتَفَنِّن، وَلَوْلاَ مَيْلُهُ إِلَى أَهْلِ الإِلْحَادِ وَتَخَبُّطُهُ فِي الاعْتِقَاد، لَكَانَ هُوَ الإِمَامَ، وَكَثِيْراً مَا كُنَّا نَتعجب مِنْ وُفور فَضله كَيْفَ مَالَ إِلَى شَيْءٍ لاَ أَصل لَهُ?! نَعُوذ بِاللهِ مِنَ الخذلاَن، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لإِعرَاضه عَنْ علم الشَّرْع، وَاشتغَاله بظُلُمَاتِ الفَلْسَفَة، وَقَدْ كَانَتْ بَيْنَنَا مُحَاورَات، فَكَيْفَ يُبَالِغ فِي نُصْرَة مَذَاهِب الفَلاَسِفَة وَالذَّبّ عَنْهُم، حضَرتُ وَعظَه مَرَّات، فَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ قَالَ اللهُ وَلاَ قَالَ رَسُوْله، سَأَله يَوْماً سَائِل، فَقَالَ: سَائِر العُلَمَاء يذكرُوْنَ فِي مَجَالِسِهِم المَسَائِلَ الشرعيَة، وَيُجِيبُوْنَ عَنْهَا بِقَوْلِ أَبِي حَنِيْفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَأَنْت لاَ تَفْعَل ذَلِكَ?! فَقَالَ: مَثَلِي وَمَثَلُكُم كَمثلِ بَنِي إِسْرَائِيْلَ يَأْتيهُم المَنُّ وَالسلوَى، فَسَأَلُوا الثُّومَ وَالبصل ... إِلَى أَنْ قَالَ ابْنُ أَرْسَلاَن: مَاتَ بِشَهْرَسْتَانَةَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ. قَالَ: وَقَدْ حَجَّ سَنَة عَشْرٍ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَوعظ بِبَغْدَادَ.
__________
1 ترجمته في اللباب لابن الأثير "2/ 99"، وتبصير المنتبه "2/ 719".
2 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 611"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1313"، ولسان الميزان "5/ 263-264"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 305"، وشذرات الذهب "4/ 149".

(15/92)


عباسة، الشهرزوري

4995- عباسة:
الوَاعِظُ العَالِمُ، أَبُو مُحَمَّدٍ، العَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدِ بن أبي منصور الطَّابَرَانِيُّ الطُّوْسِيُّ العَصَّارِيُّ، رَاوِي الكَشفِ وَالبَيَانِ فِي التَّفْسِيْرِ لِلثَّعْلَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدٍ الفُرْخرَادِي، عَنْ مُؤلِّفه.
وَسَمِعَ: أَبَا الحَسَنِ بنَ الأَخْرَم.
وَعَنْهُ: المُؤَيَّد الطُّوْسِيّ، وَعَبْد الرَّحِيْمِ السَّمْعَانِيّ، وَأَبُو سَعْدٍ الصَّفَّار.
هلك فِي دُخُوْل الغُزّ نَيْسَابُوْر سنة تسع وأربعين وخمس مائة.
4996- الشهرزوري 1:
الإمام المقرىء المُجَوِّدُ الأَوْحَدُ، شَيْخُ القُرَّاءِ، أَبُو الكَرَمِ، المُبَارَكُ بنُ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ فَتحَانَ الشَّهْرُزُوْرِيُّ البَغْدَادِيُّ، مُصَنِّفُ كِتَابِ "المِصْبَاحِ الزَّاهِرِ فِي العَشْرَةِ البَوَاهِرِ".
وُلِدَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ إِسْمَاعِيْل بنِ مَسْعَدَةَ الإِسْمَاعِيْلِيِّ، وَرِزْق اللهِ التَّمِيْمِيِّ، وَأَبِي الفَضْلِ بنِ خَيْرُوْنَ، وَطِرَادٍ الزَّيْنَبِيّ، وَأَجَازَ لَهُ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ الْمُهْتَدي بِاللهِ، وَعبدَ الصَّمد بن المَأْمُوْنِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ هَزَارْمَرْدَ، وأبو الحسين بن النقور، قاله السمعاني.
وَقَالَ: شَيْخ صَالِح دين خَيِّر، قَيِّم بِكِتَابِ اللهِ، عَارِف بِاخْتِلاَف الرِّوَايَات وَالقِرَاءات، حَسَن السِّيْرَةِ، جَيِّد الأَخْذَ عَلَى الطُلاَّب، عَالِي الرِّوَايَات.
قُلْتُ: تَلاَ عَلَى رِزْق اللهِ، وَعَبْد السَّيِّد بن عَتَّابٍ، وَيَحْيَى بن أَحْمَدَ السِّيْبِيّ، وَالشَّرِيْف عَبْد القَاهِرِ المَكِّيّ، وَمُحَمَّد بن أَبِي بَكْرٍ القَيْرَوَانِي، وَأَبِي البَرَكَات الوَكِيْل، وَأَحْمَد بن مُبَارَك الأَكْفَانِي، وَأَبِي عَلِيٍّ الحَسَن بن مُحَمَّدٍ الكَرْمَانِيّ الزَّاهِد صَاحِب الحُسَيْن بن عَلِيِّ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الرهاوي، والحسن الشهرزوري والده.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 254"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1292"، والعبر "4/ 141" وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 157".

(15/93)


قرَأَ عَلَيْهِ خلق، مِنْهُم: عُمَر بن بكرُوْنَ النَّهْرَوَانِي، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ الكَال الحِلِّيّ، وَصَالِح بن عَلِيٍّ الصرصرِي، وَأَبُو يَعْلَى حَمْزَةُ بنُ القُبَّيْطِيّ، وَعَبْد الوَاحِدِ بن سُلْطَان، وَيَحْيَى بن الحُسَيْنِ الأَوَانِي، وَأَحْمَد بن الحَسَنِ العَاقُوْلِيّ، وَزَاهِر بن رُسْتُمَ إِمَام المقَام، وَعَبْد العَزِيْزِ بن أَحْمَدَ بنِ النَّاقِد، وَمشرف بن عَلِيٍّ الخَالصي الضّرِير، وَعَلِيّ بن أَحْمَدَ الوَاسِطِيّ الدَّبَّاس، وَأَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الرَّاشيدِي الضّرِير، وَعِدَّة.
وَحَدَّثَ عَنْهُ كَثِيْر مِنْ هَؤُلاَءِ، وَمُحَمَّد بن أَبِي المَعَالِي بن البَنَّاءِ، وَأَسَعْدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَلِيِّ بنِ صُعلوك، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَآخَرُوْنَ، وَأَجَازَ لأَبِي الحَسَن ابْن المُقَيَّرِ.
انْتَهَى إِلَيْهِ علو الإِسْنَاد فِي القِرَاءات، فَإِنَّهُ قرَأَ ختمَة لِقَالُوْنَ عَلَى رِزْق اللهِ، عَنْ قِرَاءته عَلَى الحَمَّامِيِّ، وَتَلاَ لِوَرْشٍ على أحمد بن مبارك قال: قَرَأْت بِهَا إِلَى "سَبَأَ" عَلَى الحَمَّامِيّ، وَتَلاَ لِلدُّورِي عَلَى يَحْيَى السِّيْبِيّ، وَرِزْق اللهِ، وَأَبِي نَصْرٍ أَحْمَد بن عَلِيٍّ الهَاشِمِيّ، عَنْ تِلاَوَتِهِم عَلَى الحَمَّامِيّ.
مَاتَ فِي الثَّانِي وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَدُفن إِلَى جَانب الحَافِظ أَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب.
وَفِيْهَا مَاتَ ابْنُ نَاصِرٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العصَائِدِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ البَنَّاءِ، وَسَعِيْدُ بنُ الحُسَيْنِ الجَوْهَرِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ حَمْزَةَ العَلَوِيُّ الهَرَوِيُّ، وَالخَطِيْبُ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ المُشْكَانِيُّ، وَأَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ الكَاتِبُ، وَالقَاضِي مُجَلِّي بنُ جُمَيْعٍ المَخْزُوْمِيُّ المِصْرِيُّ مُصَنِّفُ كِتَابِ الذَّخَائِرِ، وَيَحْيَى بنُ إِبْرَاهِيْمَ السلماسي الواعظ.

(15/94)


4997- ابن خميس 1:
الفَقِيْهُ الإِمَامُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، الحُسَيْنُ بنُ نصر بن محمد بن حسين بن مُحَمَّدِ بنِ خَمِيْسٍ الجُهَنِيُّ الكَعْبِيُّ المَوْصِلِيُّ الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، ضبطَهُ عَنْهُ السَّمْعَانِيُّ.
قَدِمَ بَغْدَادَ وَهُوَ حَدَثٌ، فَتفقَّهَ عَلَى الغزَالِيِّ، وَسَمِعَ مِنْ طِرَادٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَابْنِ طَلْحَةَ النِّعَالِيِّ، وَالقَاضِي مُحَمَّدِ بنِ المُظَفَّرِ الشَّامِيِّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيِّ، وَعِدَّةٍ.
وَسَمِعَ بِالمَوْصِلِ مِنْ أَبِي نَصْرٍ بنِ وَدْعَانَ.
وَوَلِيَ قَضَاءَ الرّحبَةِ مُدَّةً، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بلدِهِ.
وَقَدْ قَدِمَ بَغْدَادَ بَعْدَ الأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَحَدَّثَ بِهَا، فَرَوَى عَنْهُ: سُلَيْمَانُ وَعلِيُّ ابْنَا مُحَمَّدٍ المَوْصِلِيِّ، وَجَمَاعَةٌ، وَمَا وَقَعَ لَنَا حَدِيْثُهُ بِالعلوِّ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: قَرَأْتُ عَلَيْهِ أَحَادِيْثَ، وَهُوَ إِمَامٌ فَاضِلٌ، بَهِيُّ المَنْظَرِ، حَسَنُ الأَخلاَقِ، مليحُ الشَّيْبَةِ، كَثِيْرُ المَحْفُوْظِ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: أَنْبَأَنِي الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ عَمَّارٍ الوَاعِظُ قَالَ: تُوُفِّيَ ابْنُ خَمِيْسٍ فِي تَاسعِ رَبِيْعٍ الآخَرِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ: وَلَهُ مُصَنّفَاتٌ: "مَنْهجُ التَّوحيدِ"، "تَحْرِيْمُ الغِيبَةِ"، "أَخْبَارُ المَنَامَاتِ"، "لُؤْلُؤةُ المَنَاسِكِ"، "مَنَاقِبُ الأَبرَارِ"، "فَرح المُوَضّح عَلَى مَذْهَبِ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ"، "مَنْهجُ المرِيْدِ".
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ بن علي بن الخراز الحريمي، وَقَاضِي وَاسِطَ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ بختيَارِ بنِ عَلِيٍّ المَنْدَائِيُّ، وَصَاحِبُ نصِيْبينَ شَمْسُ المُلُوْكِ إبراهيم بن الملك رضوان بن السُّلْطَانِ تُتُشَ السَّلْجُوْقِيُّ، وَشيخُ مَا وَرَاء النَّهْرِ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ الحُسَيْنِ الأَنْدَقِيُّ الزَّاهِدُ، وَالسُّلْطَانُ الكَبِيْرُ سَنْجَر بنُ مَلِكْشَاه بِمَرْوَ، وَأَبُو منصور عبد الباقي ابن مُحَمَّدٍ التَّمِيْمِيُّ بِدِمَشْقَ، وَعبدُ الصَّبُورِ بنُ عَبْدِ السَّلاَم الهَرَوِيّ، وَأَبُو مَرْوَانَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَسرَّةَ اليَحْصُبِيُّ القُرْطُبِيُّ، وَأَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بنُ عَلِيٍّ البِيْكَنْدِيُّ بِبُخَارَى، وَأَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ عبد الله الحربي المقرىء، وَالإِمَامُ صَدرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللَّطِيْفِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ ثَابِتٍ الخُجَنْدِيُّ، وَالمُسْنِدُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ الزَّاغُونِيِّ، وَالفَقِيْهُ أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الخلِّ الشَّافِعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ الشَّدَنكِ أَبُو الغَنَائِمِ -يَرْوِي عَنْ عَاصِمِ بن الحسن- وَقَاضِي نَيْسَابُوْرَ بُرْهَانُ الدِّينِ مَنْصُوْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الصَّاعدِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ نَصْرُ بنُ نصر العكبري الواعظ.
__________
1 ترجمته في الباب "1/ 318"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 188"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 162".

(15/95)


4998- القيسي 1:
الشَّيْخُ أَبُو العَشَائِرِ مُحَمَّدُ بنُ الخَلِيْلِ بنِ فَارِسٍ القَيْسِيُّ الدِّمَشْقِيُّ، المَعْرُوفُ بِالكُرْدِيِّ.
سَمِعَ مِنَ الفَقِيْهِ نَصْرٍ وَصَحِبَهُ، وَمِنْ أَبِي القَاسِمِ بنِ أَبِي العَلاَءِ، وَالحَسَنِ بنِ أَبِي الحَدِيْدِ.
وَسَكَنَ بَعْلَبَكَّ، وَخَدَمَ مُتَوَلِّيهَا، ثُمَّ قَدِمَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ وَابْنُهُ القَاسِمُ، وَابْنُ أَخِيْهِ زَينُ الأُمَنَاءِ، وَآخَرُوْنَ.
مَاتَ بِبَعْلَبَكَّ فِي ذِي الحِجَّةِ سنة تسع وأربعين وخمس مائة.
__________
1 ترجمته في العبر "4/ 137"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 319"، وشذرات الذهب "4/ 154".

(15/95)


حامد بن أبي الفتح، الخطير:
4999- حامد بن أبي الفتح 1:
الحَافِظُ الزَّاهِدُ الوَرِعُ الإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللهِ المَدِيْنِيُّ.
سَمِعَ أَبَا عليٍّ الحَدَّادَ، وَيَحْيَى بنَ مَنْدَةَ، وَارْتَحَلَ، فَسَمِعَ بَشِيْرَازَ مِنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَبِبَغْدَادَ مِنْ هِبَةِ اللهِ بنِ الحُصَيْنِ، وَأَبِي العِزِّ بن كَادِشٍ.
روى عنه: أبو سعد السمعاني وابنه عبد الرَّحِيْمِ بنُ السَّمْعَانِيِّ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَسَدٍ فِي "مُعْجَمِهِ".
وَكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ الحَدِيْثِ.
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قَالَ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ: تُوُفِّيَ الشَّيْخُ الزَّاهِدُ الحَافِظُ حَامِدٌ المَدِيْنِيُّ بِيَزْدَشير كِرْمَان فِي شَعْبَانَ سَنَةَ تسع وأربعين وخمس مائة.
5000- الخطير:
الكَاتِبُ الصَّدْرُ المُنْشِئُ البَاهرُ، خَطِيْرُ الدَّوْلَةِ أَبُو عَبْدِ اللهِ، صَاحِبُ الخَبَرِ بدِيْوَانِ الزِّمَامِ، وَلَهُ بَاعٌ مَدِيدٌ فِي النَّثرِ وَالنَّظمِ. وَصَنَّفَ خَمْسِيْنَ مقَامَةً.
وَرَوَى عَنْ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ القَادِرِ اليُوْسُفِيِّ.
وَأَخَذَ عَنْ: أَبِي زَكَرِيَّا التِّبْرِيْزِيِّ.
سَمِعَ منه ابن الخشاب، وأحمد بن طارق.
وَكَانَ غَالياً فِي الرَّفضِ، مُتَّهَماً فِي الرِّوَايَةِ.
مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ النَّجَّارِ وَغَيْرُهُ.
وَاسْمُهُ الحُسَيْنُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بن خطاب.
__________
1 ترجم له المؤلف قريبًا برقم ترجمة عام "4966".

(15/96)


العكبري، الشلبي:
5001- العكبري 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ الوَاعِظُ، أَبُو القَاسِمِ، نَصْرُ بنُ نَصْرِ بنِ عَلِيِّ بنِ يُوْنُسَ، العُكْبَرِيُّ الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ أَبَا القَاسِمِ بنَ البُسْرِيِّ، وَعَاصِمَ بنَ الحَسَنِ، وَأَبَا الغَنَائِمِ بنَ أَبِي عُثْمَانَ، وَنِظَامَ المُلْكِ، وَأَبَا اللَّيْثِ التُّنْكَتِيَّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ سُكَيْنَةَ، وَابْنُ الأَخْضَرِ، وَحَفِيْدُهُ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ نَصْرٍ، وَعَبْدُ السَّلاَمِ الدَّاهِرِيُّ، وَعُمَرُ بنُ كَرَمٍ، وَدَاوُدُ بنُ مُلاعبٍ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ الجواليقي، وأبو الحسن بن القطيعي، وسعيد بن محمد الرزاز، آخرون، وَأَجَازَ لأَبِي الحَسَنِ ابْن المُقَيَّرِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: شَيْخٌ وَاعِظٌ متودِّدٌ مُتَوَاضِعٌ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ يَتَكَلَّمُ فِي الأَعزِيَةِ.
وَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: كان ظاهر الكياسة، يعظ وعظ المشايخ، وَيَتَخَيَّرُهُ النَّاسُ لِعَملِ الأَعَزِّيَّةِ، وَنَشَأَ وَلدُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَى طَرِيقَتِهِ.
مَاتَ أَبُو القَاسِمِ فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
5002- الشلبي 2:
العَلاَّمَةُ ذُو الفُنُوْنِ، أَبُو مُحَمَّدٍ، عَبْدُ اللهِ بنُ عِيْسَى بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدٍ الأَنْدَلُسِيُّ، مِنْ بَيْتِ عِلْمٍ وَوِزَارَةٍ وَقَضَاءٍ. حَجَّ وَجَاوَرَ، ثُمَّ قَدِمَ بَغْدَادَ وَخُرَاسَانَ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: اجْتَمَعْتُ بِهِ بِهَرَاةَ، فَوَجَدتُهُ بَحْراً لاَ يُنْزَفُ مِنَ الحَدِيْثِ وَالفِقْهِ وَالنَّحْوِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. سَمِعَ أَبَا بَحْرٍ بنَ العَاصِ، وَالحَسَنَ بنَ عُمَرَ الهَوْزَنِيَّ، وَأَبَا غَالِبٍ بنَ البَنَّاءِ، وَزَاهِراً الشَّحَّامِيَّ، وَكَانَ ذَا زُهْدٍ، وَتعبُّدٍ وَجَلاَلَةٍ، تُوُفِّيَ بِهَرَاةَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ وَلَهُ أَرْبَعٌ وَسِتُّوْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ أبو المظفر بن السمعاني.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 270"، والعبر "4/ 150"، والنجوم الزاهرة "5/ 327" وشذرات الذهب "4/ 166".
2 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 235".

(15/97)


الفامي، المبارك بن كامل:
5003- الفامي 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ المُحَدِّثُ الحَافِظُ، أَبُو النَّضْرِ، عَبْدُ الرحمن بن عبد الجَبَّارِ بنِ عُثْمَانَ بنِ مَنْصُوْرٍ الهَرَوِيُّ الفَامِيُّ الشُّرُوطِيُّ العَدْلُ.
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ أَبَا إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنُ عَلِيٍّ العُمَيْرِيُّ، وَنَجِيْبُ بنُ مَيْمُوْنٍ الوَاسِطِيُّ، وَالقَاضِي أَبَا عَامِرٍ الأَزْدِيَّ وَطَبَقَتَهُم، وَارْتَحَلَ فِي كُهُولَتِهِ لِلْحَجِّ فِيمَا أُرَى، فَسَمِعَ مِنْ هِبَةِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ البُخَارِيِّ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ الحُصَيْنِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَأَبُو رَوْحٍ عَبْدُ المُعِزِّ البَزَّازُ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ حَسَنَ السِّيرَةِ، جَمِيْلَ الطّرِيقَةِ، دَمِثَ الأَخلاَقِ، كَثِيْرَ الصَّدَقَةِ وَالصِّيَامِ، دَائِمَ الذِّكْرِ، متودِّداً مُتَوَاضِعاً، لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالحَدِيْثِ وَالأَدبِ، يُكرِمُ الغُربَاءَ، وَيُفِيدُهُم عَنِ الشُّيُوْخِ، وَكَانَ ثِقَةً مَأْمُوْناً، كَتَبْتُ عَنْهُ بِهَرَاةَ وَنوَاحيهَا، مَاتَ فِي الخَامِسِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: وَلقَبُهُ ثِقَةُ الدِّينِ، وَلَهُ "تَارِيخٌ" صَغِيْرٌ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَنْبَأَنَا أَبُو رَوْحٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ الفَضْلِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ الرَّفَّاءُ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الدُّبَّاءِ وَالمُزَفَّتِ أَنْ يُنْتَبَذَ فيه2.
5004- المبارك بن كامل 3:
ابن أبي غالب الخفاف، الشَّيْخُ العَالِمُ المُحَدِّثُ، مُفِيْدُ العِرَاقِ، أَبُو بَكْرٍ البغدادي الظفري.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحافظ "4/ ترجمة 1086"، والعبر "4/ 124"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 301"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 140" ووقع عنده [أبو نصر] بالصاد المهملة بدل [أبو نضر] بالضاد المعجمة.
2 صحيح: أخرجه البخاري "5587"، ومسلم "1992"، والنسائي "8/ 305"، من حديث أنس، به.
3 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 208"، والعبر "4/ 119-120"، ولسان الميزان "5/ 11- 12"، وشذرات الذهب "4/ 135-136".

(15/98)


مولده في سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ أَبَا القَاسِمِ بنَ بَيَانٍ، وَأَبَا عَلِيٍّ بنَ نَبْهَانَ، وَابْنَ فَتحَان الشَّهرُزُورِيَّ، وَأَبَا طَالبٍ بنَ يُوْسُفَ، وَابْنَ الحُصَيْنِ، وَأُمَماً لاَ يُحصَوْنَ.
أَفنَى عُمُرَهُ فِي الطَّلَبِ، وَكَتَبَ عَمَّنْ دَبَّ وَدَرَجَ، وَسَمِعَ العَالِي وَالنَّازلَ، لاَ يَسْمَعُ بِمَنْ يَقدَمُ إلَّا وَيُبَادرُ إِلَى السَّمَاعِ مِنْهُ.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: أَبُو بَكْرٍ المُفِيْدُ يُعْرَفُ أَبُوْهُ بِالخَفَّافِ، سَمِعَ خلقاً كَثِيْراً، وَمَا زَالَ يَسْمَعُ وَيَتبعُ الأَشيَاخَ فِي الزَّوَايَا، وَيَنْقلُ السَّمَاعَاتِ، فَلَو قِيْلَ: إِنَّهُ سَمِعَ مِنْ ثَلاَثَةِ آلاَفِ شَيْخٍ، لَمَا رُدَّ قَوْلُ القائل، وانتهت إليه معرفة المَشَايِخِ وَمِقْدَارُ مَا سَمِعُوا، وَعِلمُ الإِجَازَاتِ لِكَثْرَةِ دُرْبَتِهِ، صَحِبَ هزَارسب بنَ عَوَضٍ، وَمَحْمُوْداً الأَصْبَهَانِيَّ، إلَّا أَنَّهُ كَانَ قَلِيْلَ التَّحقِيقِ فِيمَا يَنقُلُ لِكَوْنِهِ كَانَ يَأْخذُ عَنْ ذَلِكَ ثَمناً، كَانَ فَقِيراً، كَثِيْرَ الأَوْلاَدِ وَالتَّزوُّجِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: سرِيعُ القِرَاءةِ وَالخطِّ، يُشبِهُ بَعْضُهُ بَعْضاً فِي الرَّدَاءةِ، سَمِعَ مِنِّي، وَسَمِعْتُ مِنْهُ، تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الأُولَى سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: جمعَ كِتَابَ "سلوَة الأَحزَان" نَحْو ثَلاَث مائَة جُزءٍ أَوْ أَكْثَر، رَوَى لَنَا عَنْهُ وَلدَاهُ يُوْسُفُ وَلاَمعَةُ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الغَرَّادُ، وَكَانَ صَدُوْقاً مَعَ قلَّةِ فَهمِهِ وَمَعْرِفَتِهِ.

(15/99)


5005- ابن الخل 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ المُفْتِي، شَيْخُ الشَّافعيَّةِ، أَبُو الحَسَنِ، محمد بن أَبِي البقَاءِ المُبَارَكِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ بنِ الخَلِّ البَغْدَادِيُّ.
تَفقَّهَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الشَّاشِيِّ المُسْتظهرِيِّ، وَدرَّسَ وَأَفتَى، وصنف وأفاد وتفرد ببغداد بالفتوى فِي مَسْأَلَةِ الدَّوْرِ لابْنِ سُرَيْجٍ.
وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ عَلَّقَ عَلَى كِتَابِ التَّنْبِيهِ شرحاً، وَلَهُ كِتَابٌ فِي أُصُوْلِ الفِقْهِ.
وَقَدْ سَمِعَ مِنِ ابْنِ طَلْحَةَ النِّعَالِيِّ، وَنَصْرِ بنِ البَطِرِ، وَثَابِتِ بن بندار، والحسين بن علي بن البسري، وَجَعْفَرٍ السَّرَّاجِ، وَأَبِي بَكْرٍ الطُّرَيْثِيْثِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ الأَنْصَارِيِّ، وَعِدَّةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَسَدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ طَارِقٍ الكَرْكِيُّ، وَالفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، وَأَبُو الحَسَنِ القطيعي، وآخرون.
وكان مقدمًا في كتاب المَنْسُوْبِ، فَقِيْلَ: كَانُوا يَأْخذُوْنَ خَطَّهُ فِي الفَتَاوَى لِمُجَرَّدِ خَطِّهِ البَدِيْعِ فِي بَعْضِ الوَقْتِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: هُوَ أَحَدُ الأَئِمَّةِ الشَّافِعيَّةِ بِبَغْدَادَ، مُصِيْبٌ في فتاويه، وَلَهُ السِّيرَةُ الحَسَنَةُ، وَالطَّرِيقَةُ الحَمِيدَةُ، خَشِنُ العَيْشِ، تَارِكٌ لِلتَّكَلُّفِ، عَلَى طَرِيقَةِ السَّلَفِ، حِلْسُ مَسجِدِهِ الَّذِي بِالرَّحْبَةِ. وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَمَاتَ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقَعَ لِي الجُزْءُ الأَوَّلُ مَنْ "مشيخَتِهِ".
وَمَاتَ مَعَهُ فِي العَامِ أَخُوْهُ أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ الشَّاعِرُ المَشْهُوْرُ عَنْ سبعينَ سَنَةً، وَقِيْلَ: اسْمُ أَبِي الحُسَيْنِ: الحَسَنُ، كَذَا سَمَّاهُ ابْن النَّجَّارِ.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ المُؤَرِّخُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ الفَقِيْهُ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى السُّكَّرِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بنُ عَبْدِ اللهِ التَّرْقُفِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الإِيْمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّوْنَ، أَوْ بِضْعٌ وَسَبْعُوْنَ بَاباً، أَفْضَلُهَا شهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيْقِ، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيْمَانِ" 2. هَذَا حَدِيْثٌ صحيح عال.
__________
1 ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 269"، ووفيات الأعيان "4/ ترجمة 593"، والعبر "4/ 150"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 327"، وشذرات الذهب "4/ 164-165".
2 صحيح: أخرجه أحمد "2/ 414"، وابن أبي شيبة "11/ 40"، ومسلم "35"، وأبو داود "4676"، والنسائي "8/ 110"، وابن ماجه "57"، وابن منده في "الإيمان" "147" و"171" و"172"، والبغوي "17" و"18"، والآجرى في "الشريعة" "110" من طريق عبد الله بن دينار، به.

(15/100)


5006- بكبرة 1:
الشَّيْخُ الفَاضِلُ العَابِدُ الخَيِّرُ، أَبُو الفَتْحِ، عَبْدُ السلام بن أحمد بن إسماعيل الهروي الإسكاف المقرىء.
سَمِعَ أَبَا عَاصِمٍ الفُضَيْلَ بنَ يَحْيَى، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ الفَارِسِيَّ، وَشَيْخَ الإِسْلاَمِ، وَرَوَى جَامِعَ أَبِي عِيْسَى عَنْ أَبِي الظَّفَرِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَطَاءٍ.
وَعَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ وَابْنُهُ عَبْدُ الرحيم، وأبو الضوء الشهاب الشَّذَبَانِيُّ، وَعَبْدُ المُعِزِّ الصُّوْفِيُّ، وَحَمَّادٌ الحَرَّانِيُّ، وَنَصْرُ بنُ عَبْدِ الجَامِعِ الفَامِيُّ.
وَطَالَ عُمُرُهُ، وَتَفَرَّدَ، وَبَقِيَ إِلَى قَرِيْبِ سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائة.
__________
1 ترجمته في تبصير المنتبه "1/ 102".

(15/100)


5007- أبو الوقت 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ الزَّاهِدُ الخَيِّرُ الصُّوْفِيُّ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، مسند الآفاق، أبو الوقت، عبد الأول بن الشَّيْخِ المُحَدِّثِ المُعَمَّرِ أَبِي عَبْدِ اللهِ عِيْسَى بنُ شُعَيْبِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ إِسْحَاقَ، السِّجْزِيُّ، ثم الهروي الماليني.
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ مِنْ جَمَالِ الإِسْلاَمِ أَبِي الحَسَنِ عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدٍ الدَّاوُوْدِيّ "الصحيح" وكتاب الدارمي، ومنتخب مُسْنَدِ عَبْدِ بنِ حُمَيْدٍ بِبُوشَنْج، وَسَمِعَ مِنْ أَبِي عَاصِمٍ الفُضَيْلِ بنِ يَحْيَى، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي مَسْعُوْدٍ الفَارِسِيِّ، وَأَبِي يَعْلَى صَاعِدِ بنِ هِبَةِ اللهِ، وَبِيْبَى بِنْتِ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَفِيْفٍ حَدَّثوهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي شُرَيحٍ، وَسَمِعَ مِنْ أَحْمَدَ بنِ أَبِي نَصْرٍ كَاكُو، وَعَبْدِ الوَهَّابِ بنِ أَحْمَدَ الثَّقَفِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ العَاصِمِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ الفَضْلُويِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي عَاصِمٍ الجَوْهَرِيِّ، وَشيخِ الإِسْلاَمِ أَبِي إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيِّ -وَكَانَ مِنْ مُرِيْدِيهِ- وَأَبِي عَامِرٍ مَحْمُوْدِ بن القاسم الأزدي، وعبد الله ابن عَطَاءٍ البغَاوردَانِيِّ، وَحَكِيْمِ بنِ أَحْمَدَ الإِسْفَرَايِيْنِيِّ، وَأَبِي عدنان القاسم ابن عَلِيٍّ القُرَشِيِّ، وَأَبِي القَاسِمِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ الكَلْوَذَانِيِّ، وَنَصْرِ بنِ أَحْمَدَ الحَنَفِيِّ، وَطَائِفَةٍ.
وَحَدَّثَ بِخُرَاسَانَ وَأَصْبَهَانَ وَكَرْمَانَ وَهَمَذَانَ وَبَغْدَادَ، وَتَكَاثرَ عَلَيْهِ الطَّلَبَةُ، وَاشْتُهِرَ حَدِيْثُهُ، وَبَعُدَ صِيتُهُ، وَانْتَهَى إِلَيْهِ عُلُوُّ الإِسْنَادِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ الشِّيْرَازِيُّ، وَارْتَحَلَ إِلَيْهِ إِلَى كِرْمَانَ، وَسُفْيَانُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَنْدَةَ، وَأَبُو ذَرٍّ سُهَيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ البوشنجي،
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 274"، والباب لابن الأثير "2/ 105"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 403"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 328"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 166".

(15/101)


وَأَبُو الضّوءِ شِهَابٌ الشَّذَبَانِيُّ، وَعَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيُّ، وَالقَاضِي عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ بُنْدَارَ الهَمَذَانِيُّ، وَعَبْدُ الجَلِيْلِ بنُ مَنْدَوَيْه، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ السُّلَمِيُّ العَطَّارُ، وَعُثْمَانُ بنُ عَلِيٍّ الوَرْكَانِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ مَحْمُوْدٍ الأَصْبَهَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الفَتَّاحُ البُوْشَنْجِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَطِيَّةَ اللهِ الهَمَذَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَرَايَا المَوْصِلِيُّ، وَمَحْمُوْدُ بنُ وَاثقٍ البَيْهَقِيُّ، وَمُقَرّبُ بنُ علي الهمذاني، والفقيه يحيى بن سعد الرازي، وَيُوْسُفُ بنُ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ نِظَامِ المُلْكِ، وَحَمَّادُ بنُ هِبَةِ اللهِ الحَرَّانِيُّ، وَعُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، وَسَعِيْدُ بنُ محمد الرزاز، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الدِّيْنَوَرِيُّ الصُّوْفِيُّ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ السُّهْرَوَرْدِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ الرُّوذَرَاورِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ ظَفَرِ بنِ هُبَيْرَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ مُكرَّمٍ، وَمُظَفَّرُ بنُ حَرِّكْهَا، وَعَلِيُّ بنُ يُوْسُفَ بنِ صَبُوخَا، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ صِرْمَا، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ المَيْنُدِيُّ، وَزَيْدُ بنُ يَحْيَى البَيِّعُ، وَعَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ عَسْكَرٍ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الرَّيَّانِ، وَأَسَعْدُ بنُ صُعْلُوكٍ، وَالنَّفِيْسُ بنُ كَرَمٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ شَرِيْفِ الرَّحْبَةِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ خَلِيْفَةَ الرُّوبَانِيُّ بِمُوَحَّدَةٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ البَيِّعُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الهَمَذَانِيُّ الخَطِيْبُ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ بُورْندَازَ، وَعُمَرُ بنُ أَعزَّ السُّهْرَوَرْدِيُّ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ مُحَمَّدُ بنُ لَيْثٍ الوسْطَانِيُّ، وَصَاعِدُ بنُ عَلِيٍّ الوَاعِظُ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ المُسْتعمِلُ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ الجَوَالِيْقِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ النَّفِيْسِ بنِ عَطَاءٍ، وَالمهَذَّبُ بنُ قُنَيْدَةَ، وَعَبْدُ السَّلاَمِ بنُ سُكَيْنَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَتِيقِ بنِ صيلاَ، وَأَبُو الرِّضَى مُحَمَّدُ بنُ عَصيَّةَ، وَعَبْدُ السَّلاَمِ الدَّاهِرِيُّ، وَأَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ النَّرْسِيُّ، وَعُمَرُ بنُ كَرَمٍ، وَالحُسَيْنُ بنُ الزُّبَيْدِيِّ، وَأَخُوْهُ الحَسَنُ، وَظَفَرُ بنُ سَالِمٍ البيطَارُ، وَعَبْدُ البَرِّ بنُ أَبِي العَلاَءِ العَطَّارُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَطِيْعِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مَوْلَى ابْنِ باقَا، وَزَكَرِيَّا العُلَبِيُّ، وَعَلِيُّ بن روزبه، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ المَدِيْنِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَطِيْعِيُّ، وَأَبُو المُنَجّى عَبْدُ اللهِ بنُ اللَّتِّيِّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ بَهْرُوْزَ، وَأَبُو سَعْدٍ ثَابِتُ بنُ أَحْمَدَ الخُجَنْدِيُّ نَزِيْلُ شيرَاز وَهُوَ آخِرُ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ مَوْتاً بَقِيَ إِلَى سَنَةِ637، وَسَمَاعُهُ فِي الخَامِسَةِ، وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ أَبُو الكَرَمِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ المُتَوَكِّلِيُّ، وَكَرِيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الوَهَّابِ القُرَشِيَّةُ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: شَيْخٌ صَالِحٌ، حَسَنُ السَّمْتِ وَالأَخلاَقِ، مُتودِّدٌ مُتَوَاضِعٌ، سلِيمُ الجَانبِ، اسْتَسْعَدَ بصحبَةِ الإِمَامِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ، وَخَدَمَهُ مُدَّةً، وَسَافَرَ إِلَى العِرَاقِ وَخُوزستَانَ وَالبَصْرَةَ، نَزلَ بَغْدَادَ بِرِباطِ البِسْطَامِيِّ فِيمَا حَكَاهُ لِي، وَسَمِعْتُ مِنْهُ بِهَرَاةَ وَمَالِيْنَ، وَكَانَ صَبُوْراً عَلَى القِرَاءةِ، مُحِبّاً لِلرِّوَايَةِ، حَدَّثَ بِـ"الصَّحِيْحِ"، وَ"مُسْنَدِ عَبْدٍ"، وَ"الدَّارِمِيِّ" عِدَّةَ نُوَبٍ، وَسَمِعْتُ أَنَّ أَبَاهُ سَمَّاهُ مُحَمَّداً، فَسَمَّاهُ عَبْدُ اللهِ الأَنْصَارِيُّ عَبْدَ الأَوّلِ، وَكَنَّاهُ بِأَبِي الوَقْتِ، ثُمَّ قَالَ: الصُّوْفِيُّ ابْنُ وَقتِهِ.

(15/102)


وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ فِي "التَّحبِيرِ": إِنَّ وَالِدَ أَبِي الوَقْتِ أَجَازَ لَهُ، وَإِنَّ مَوْلِدَهُ بسِجِسْتَانَ سَنَةَ عَشْرٍ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَإِنَّهُ سَمِعَ مِنْ عَلِيِّ بنِ بُشرَى اللَّيْثِيِّ مَنَاقِبَ الشَّافِعِيَّ لِلآبرِيِّ بِفَوتٍ، ثُمَّ سَكَنَ هَرَاةَ، وَإِنَّهُ شَيْخٌ صَالِحٌ مُعَمَّرٌ، حرصَ عَلَى سَمَاعِ الحَدِيْثِ، وَحَمَلَ وَلدَهُ أَبَا الوَقْتِ عَلَى عَاتقِهِ إِلَى بُوشَنْجَ، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ الأَنْصَارِيُّ يُكرِمُهُ وَيُرَاعِيْه، مَاتَ بِمَالِيْن فِي شَوَّالٍ سَنَة اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، عَاشَ مائة وثلاث سنين.
وَقَالَ زكِيُّ الدّينِ البِرزَالِيُّ: طَافَ أَبُو الوَقْتِ العِرَاقَ وَخُوزستَانَ، وَحَدَّثَ بِهَرَاةَ وَمَالِيْن وَبُوشَنْج وَكِرمَانَ وَيَزْدَ وَأَصْبَهَانَ وَالكَرْجِ وَفَارِسٍ وَهَمَذَانَ، وَقَعَدَ بَيْنَ يَدَيْهِ الحُفَّاظُ وَالوُزَرَاءُ، وَكَانَ عِنْدَهُ كُتُبٌ وَأَجزَاءُ، سَمِعَ عَلَيْهِ مَنْ لاَ يُحصَى وَلاَ يُحصرُ.
وَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ صَبُوْراً عَلَى القِرَاءةِ، وَكَانَ صَالِحاً، كَثِيْرَ الذِّكْرِ وَالتَّهَجُّدِ وَالبُكَاءِ، عَلَى سَمْتِ السَّلَفِ، وَعَزَمَ عَامَ مَوْتِهِ عَلَى الحَجِّ، وَهَيَّأَ مَا يَحتَاجُ إِلَيْهِ، فَمَاتَ.
وَقَالَ يُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ الشِّيْرَازِيُّ فِي "أَرْبَعِيْنَ البُلْدَانِ" لَهُ: لَمَّا رَحَلْتُ إِلَى شَيْخنَا رحلَةِ الدُّنْيَا وَمُسْنِدِ العصر أبي الوقت، قدر الله لي الوصولي إِلَيْهِ فِي آخِرِ بِلاَدِ كِرْمَانَ، فَسَلَّمتُ عَلَيْهِ، وَقَبَّلْتُهُ، وَجلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لِي: مَا أَقدَمَكَ هَذِهِ البِلاَدَ ? قُلْتُ: كَانَ قَصدِي إِلَيْكَ، وَمُعَوَّلِي بَعْدَ اللهِ عَلَيْكَ، وَقَدْ كَتَبتُ مَا وَقَعَ إِلَيَّ مِنْ حَدِيْثِكَ بِقَلَمِي، وَسَعَيْتُ إِلَيْكَ بِقَدَمِي، لأُدْرِكَ بَرَكَةَ أَنْفَاسِكَ، وَأَحظَى بِعُلُوِّ إِسْنَادِكَ. فَقَالَ: وَفَّقَكَ اللهُ وَإِيَّانَا لِمَرضَاتِهِ، وَجَعَلَ سَعْيَنَا لَهُ، وَقَصْدَنَا إِلَيْهِ، لَوْ كُنْتَ عَرَفْتَنِي حقَّ مَعْرِفَتِي، لَمَّا سلَّمْتَ عَلَيَّ، وَلاَ جلَسْتَ بَيْنَ يَدَيَّ، ثُمَّ بَكَى بُكَاءً طَوِيْلاً، وَأَبَكَى مَنْ حضَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اسْتُرْنَا بِسَتْرِكَ الجَمِيْلِ، وَاجعَلْ تَحْتَ السَّتْرِ مَا تَرضَى بِهِ عَنَّا، يَا وَلَدِي، تَعْلَم أَنِّي رَحَلْتُ أَيْضاً لِسَمَاعِ الصَّحِيْحِ مَاشِياً مَعَ وَالِدِي مِنْ هَرَاةَ إِلَى الدَّاوُوْدِيِّ بِبوشَنْجَ وَلِي دُوْنَ عشرِ سِنِيْنَ، فَكَانَ وَالِدِي يَضعُ عَلَى يَدَيَّ حَجَرَيْنِ، وَيَقُوْلُ: احْمِلْهُمَا. فَكُنْتُ مِنْ خوفِهِ أَحْفَظهُمَا بِيَدَيَّ، وَأَمْشِي وهُوَ يَتَأَمَّلُنِي، فَإِذَا رَآنِي قَدْ عَيِيْتُ أَمرنِي أَنْ ألقي حجرًا واحدًا، فألقي، ويخف عَنِّي، فَأَمْشِي إِلَى أَنْ يَتبيَّنَ لَهُ تَعَبِي، فَيَقُوْلُ لِي: هَلْ عَيِيْتَ? فَأَخَافُهُ، وَأَقُوْلُ: لاَ. فَيَقُوْلُ: لِمَ تُقَصِّرُ فِي المَشْي? فَأُسْرِعُ بَيْنَ يَدَيْهِ سَاعَةً، ثُمَّ أَعجَزُ، فَيَأْخذُ الآخرَ، فَيُلْقِيهِ، فَأَمْشِي حَتَّى أَعْطَبَ، فَحِيْنَئِذٍ كَانَ يَأْخُذُنِي وَيَحْمِلُنِي، وَكُنَّا نَلْتَقِي جَمَاعَةَ الفَلاَّحِينَ وَغَيْرَهُم، فَيَقُوْلُوْنَ: يَا شَيْخ عِيْسَى، ادْفَعْ إِلَيْنَا هَذَا الطِّفْلَ نُرْكِبْه وَإِيَّاكَ إِلَى بُوشَنْج، فَيَقُوْلُ: مَعَاذَ اللهِ أَنْ نَركَبَ فِي طَلَبِ أَحَادِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ نَمْشِي، وَإِذَا عجزَ أَركبتُهُ عَلَى رَأْسِي إِجلاَلاً لِحَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ وَرَجَاءَ ثوَابِهِ. فَكَانَ ثمَرَةَ ذَلِكَ مِنْ حُسْنِ نِيَّتِهِ أَنِّي انتفعتُ بِسَمَاعِ هَذَا الكِتَابِ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ أَقرَانِي أَحَدٌ سِوَايَ، حَتَّى

(15/103)


صَارَتِ الوُفُوْدُ تَرْحَلُ إِلَيَّ مِنَ الأَمصَارِ. ثُمَّ أَشَارَ إِلَى صَاحِبِنَا عَبْدِ البَاقِي بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ الهَرَوِيِّ أَنْ يُقَدِّمَ لِي حَلْوَاء، فَقُلْتُ: يَا سيِّدِي، قِرَاءتِي لِـ"جزءِ أَبِي الجَهْمِ" أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَكْلِ الحلوَاء. فَتبسَّمَ، وَقَالَ: إِذَا دَخَلَ الطَّعَامُ خَرَجَ الكَلاَمُ. وَقَدَّمَ لَنَا صحنًا فيه حلواء الفانيذ، فَأَكَلْنَا، وَأَخْرَجتُ الجُزْءَ، وَسَأَلتُهُ إِحضَارَ الأَصْلِ، فَأَحضرَهُ، وَقَالَ: لاَ تَخفْ وَلاَ تَحرِص، فَإِنِّي قَدْ قَبَرْتُ مِمَّنْ سَمِعَ عَلَيَّ خَلْقاً كَثِيْراً، فَسَلِ اللهَ السَّلاَمَةَ. فَقَرَأْت الجُزْءَ، وَسُرِرْتُ بِهِ، وَيَسَّرَ اللهُ سَمَاعَ "الصَّحِيْحِ" وَغَيْرِهِ مرَاراً، وَلَمْ أَزَلْ فِي صُحْبَتِهِ وَخِدْمَتِهِ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ فِي لَيْلَةِ الثُّلاَثَاءِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ -قُلْتُ: وَبَيَّضَ لِليَوْمِ وَهُوَ سَادس الشَّهْرِ- قَالَ: وَدَفَنَّاهُ بِالشُّونِيزِيَّةِ. قَالَ لِي: تدْفُنُنِي تَحْتَ أَقدَامِ مَشَايِخنَا بِالشُّونِيزِيَّةِ. وَلَمَّا احتُضِرَ سنَدْتُهُ إِلَى صَدْرِي، وَكَانَ مُسْتَهْتَراً بِالذِّكْرِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ الصوفي، وأكب عَلَيْهِ، وَقَالَ: يَا سيِّدِي، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ لاَ إِلَهَ إلَّا اللهُ دَخَلَ الجَنَّةَ" 1، فَرَفَعَ طَرْفَهُ إِلَيْهِ، وَتَلاَ: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس: 26 و27] ، فَدهش إِلَيْهِ هُوَ وَمَنْ حضَرَ مِنَ الأَصْحَابِ، وَلَمْ يَزَلْ يَقرَأُ حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ، وَقَالَ: الله الله الله، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ جالس على السجادة.
وقال أبو الفرج بن الجَوْزِيِّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ التَّكرِيتِيُّ الصُّوْفِيُّ قَالَ: أَسندتُهُ إِلَيَّ، وَكَانَ آخِرَ كَلمَةٍ قَالَهَا: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس: 26 و27] ، وَمَاتَ.
قُلْتُ: قَدِمَ بَغْدَادَ فِي شَوَّالٍ، فَأَقَامَ بِهَا سَنَةً وَشهراً، وَكَانَ مَعَهُ أُصُوْلُهُ، فَحَدَّثَ مِنْهَا.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ الوَزِيْرُ أَبُو المُظَفَّرِ بنُ هُبَيْرَةَ قَدِ اسْتَدْعَاهُ، وَنَفَّذَ إِلَيْهِ نَفَقَةً، ثُمَّ أَنْزَلَهُ عِنْدَهُ، وَأَكْرَمَهُ، وَأَحضرَهُ فِي مَجْلِسِهِ، وَسَمِعَ عَلَيْهِ "الصَّحِيْحَ" فِي مَجْلِسٍ عَامٍّ أَذِنَ فِيْهِ لِلنَّاسِ، فَكَانَ الجمعُ يَفوتُ الإِحصَاءَ، ثُمَّ قرَأَهُ عَلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الخَشَّابِ بالنظامية، وحضر خلق كثير دون هؤلاء، وقرىء عَلَيْهِ بِجَامِعِ المَنْصُوْرِ، وَسَمِعَهُ جَمعٌ جمٌّ، وَآخِرُ من قرآه عليه
__________
1 صحيح: ورد عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، من كان آخر كلامه لا إله إلا الله عند الموت دخل الجنة يوما من الدهر وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه" أخرجه ابن حبان "719" موارد وورد عن أبي هريرة موقوفا بلفظ: "من كان عند موته: لا إله إلا الله أنجته يوما من الدهر، أصابه قبل ذلك ما أصابه" أخرجه عبد الرزاق "6045".
وورد عن معاذ بن جبل مرفوعا بلفظ: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة"، وهو عند أبي داود "3116"، والحاكم "1/ 351".

(15/104)


شَيْخُنَا ابْنُ الأَخْضَرِ، وَكَانَ شَيْخاً صَدُوْقاً أَمِيناً، مِنْ مَشَايِخِ الصُّوْفِيَّةِ وَمَحَاسِنِهِم، ذَا وَرَعٍ وَعِبَادَةٍ مَعَ عُلوِّ سِنِّهِ، وَلَهُ أُصُوْلٌ حَسَنَةٌ، وَسَمَاعَاتٌ صَحِيْحَةٌ.
ثُمَّ قَالَ: قَرَأْتُ فِي كِتَابِ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ الجِيْلِيِّ: تُوُفِّيَ شَيْخنَا أَبُو الوَقْتِ لَيْلَةَ الأَحَدِ سَادسَ ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ ضَاحِي نَهَارِ اليَوْمِ بِرِباطِ فَيْرُوْزٍ الَّذِي كَانَ نَازلاً فِيْهِ، ثُمَّ صُلِّيَ عَلَيْهِ بِالجَامِعِ، وَأَمَّنَا الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِرِ الجِيْلِيُّ، وَكَانَ الجمعُ مُتَوَفِّراً، وَكُنْت يَوْمَ خَامِسِ الشَّهْرِ عِنْدَهُ، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ الحَدِيْثَ إِلَى وَقتِ الظُّهْرِ، وَكَانَ مُسْتقيمَ الرَّأْيِ، حَاضِرَ الذّهنِ، وَلَمْ نَرَ فِي سنِّهِ مِثْلَ سنَدِهِ، وَكَانَ شَيْخاً صَالِحاً سُنِّيّاً، قَارِئاً لِلْقُرْآنِ، قد صَحِبَ الأَشيَاخَ، وَعَاشَ حَتَّى أَلْحَقَ الصّغَارَ بِالكِبَارِ، وَرَأَى مِنْ رِئَاسَةِ التَّحْدِيْثِ مَا لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنْ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ، وَسَمِعَ مِنْهُ مَنْ لَمْ يَرغبْ فِي الرِّوَايَةِ قَبْلَهُ، وَكَانَ آخِرَ مَنْ رَوَى فِي الدُّنْيَا عَنِ الدَّاوُوْدِيِّ وَبَقِيَّةِ أَشيَاخِهِ، وَقُرِئَتِ الكُتُبُ الَّتِي مَعَهُ كُلّهَا عَلَيْهِ وَالأَجزَاءُ مَرَّاتٍ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ، وَسَمِعَهَا مِنْهُ أُلُوفٌ مِنَ النَّاسِ، وَصلَ بَغْدَادَ فِي حَادِي عشرَ شَوَّالٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ، صَحِبَ شَيْخَ الإِسْلاَمِ نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً.
أَنْبَأَنَا طَائِفَةٌ عَنِ ابْنِ النَّجَّار، قَالَ: أَنشدنَا دَاوُدُ بنُ مُعَمَّرٍ بِأَصْبَهَانَ، أَنشدَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ العُقَيْلِيُّ لِنَفْسِهِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ:
أَتَاكُمُ الشَّيْخُ أَبُو الوقت ... بأحسن الأحبار عن ثبت
طَوَى إِلَيْكُمْ نَاشراً عِلْمَهُ ... مَرَاحِلَ الأَبْرَقِ وَالخَبْتِ
أَلْحَقَ بِالأَشيَاخِ أَطفَالَكُم ... وَقَدْ رَمَى الحَاسدَ بِالكَبْتِ
فَمِنَّةُ الشَّيْخِ بِمَا قَدْ رَوَى ... كَمِنَّةِ الغَيْثِ عَلَى النَّبْتِ
بَارَكَ فِيْهِ اللهُ مِنْ حاملٍ ... خُلاَصَةَ الفِقْهِ إِلَى المُفْتِي
انْتَهِزُوا الفُرْصَةَ يَا سَادَتِي ... وَحَصِّلُوا الإِسْنَادَ فِي الوَقْتِ
فَإِنَّ مَنْ فَوَّتَ مَا عِنْدَهُ ... يَصِيْرُ ذَا الحَسْرَةِ وَالمَقْتِ
وَفِيْهَا مَاتَ: الحَافِظُ عَبْدُ الجَلِيْلِ بنُ مُحَمَّدٍ كوتاه الأصبهاني، وعلي ابن عَسَاكِرَ بنِ سرُوْرٍ الخَشَّابُ بِدِمَشْقَ، وَالإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الصَّفَّارِ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وأبو الفتح المبارك بن أحمد بن رزيق الواسطي الحداد المقرىء، وَأَبُو المَحَاسِنِ مَسْعُوْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الغَانِمِيُّ الهَرَوِيُّ.

(15/105)


المشكاني، محمد بن يحيى:
5008- المشكاني 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ الخَطِيْبُ، أَبُو الحَسَنِ، عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الرُّوذْرَاورِيُّ المُشْكَانِيُّ الشَّافِعِيُّ، خطيبُ مشكان، وهي قرية من عمر رُوذْرَاورَ، عَلَى سِتِّ فَرَاسخَ مِنْ هَمَذَانَ.
وُلِدَ سنة ست وستين وأربع مائة بمشكان.
فَقَدِمَ عَلَيْهِمُ الشَّيْخُ المُعَمَّرُ أَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْنُسَ النُّهَاوندِيُّ سَنَةَ نَيِّفٍ وَسَبْعِيْنَ، فَسَمِعَ هَذَا مِنْهُ "التَّارِيْخَ الصَّغِيْرَ" لِلْبُخَارِيِّ بِسَمَاعِهِ مِنَ القَاضِي أَبِي العَبَّاسِ بنِ زَنْبِيلٍ النُّهَاوندِيِّ، عَنِ القَاضِي عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الأَشْقَرِ، عَنِ البُخَارِيِّ، فَتَفَرَّدَ الخَطِيْبُ بِعُلُوِّ هَذَا الكِتَابِ مُدَّةً، وَلَكِنْ قَلَّ مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ لِبُعْدِ الدِّيَارِ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: قَدِمَ هَذَا بَغْدَادَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وثلاثين، فقصدته وهو مريض، فأخرج إليه التَّارِيْخَ وَقَدْ سَمِعَهُ بقِرَاءةِ الحَافِظِ حَمْزَةَ الرُّوذْرَاورِيِّ، وَقَدْ قرَأَه عَلَيْهِ أَبُو العَلاَءِ العَطَّارُ المُقْرِئُ، فَفَرحِتُ بِهِ لِعُلُوِّ السَّنَدِ وَعِزَّةِ الكِتَابِ، فَأَعْلَمتُ جَمَاعَةً، وَقَرَأْتُهُ عَلَيْهِ، وَرد إِلَى بلدِهِ، وَرَحَلَ الحافظ أبو القاسم بن عَسَاكِرَ إِلَى مُشْكَانَ، فَسَمِعَهُ مِنْهُ، وَكَانَ شَيْخاً بَهِيّاً، حَسَنَ المَنْظَرِ، مَطْبُوْعاً، متودِّداً، صَدُوْقاً.
قُلْتُ: وَرَوَى عَنْهُ هَذَا الكِتَابَ بِالإِجَازَةِ قَاضِي دِمَشْقَ أَبُو القَاسِمِ بنُ الحَرَسْتَانِيِّ، وَطَالَ عُمُرُ أَبِي الحَسَنِ هَذَا إِلَى أَنْ أَدْركَهُ الحَافِظُ يُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ الشِّيْرَازِيُّ، فَارْتَحَلَ إِلَى مُشْكَانَ، وَسَمِعَ مِنْهُ فِي سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، قَالَ: وَفِي هَذِهِ السّنَةِ تُوُفِّيَ، وَتَارِيخُ سَمَاعِهِ لِلتَّارِيخِ كَانَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قُلْتُ: آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالسَّمَاعِ عَبْدُ البَرِّ بنُ أَبِي العَلاَءِ، وَعَاشَ أَرْبَعاً وَثَمَانِيْنَ سنةً.
5009- محمد بن يحيى 2:
ابن منصور، الإمام العلامة، شيخ الشافعية، أبو سَعْدٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، صَاحِبُ الغَزَّالِيِّ وَأَبِي المُظَفَّرِ أَحْمَدِ بنِ مُحَمَّدٍ الخَوَافِي، تَفَقَّهَ بِهِمَا، وَبَرَعَ فِي المَذْهَبِ، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ فِي الفِقْهِ وَالخِلاَفِ، وَتَخَرَّجَ بِهِ الأَصْحَابُ، وَانتَهَتْ إِلَيْهِ رِئَاسَةُ المَذْهَبِ بِنَيْسَابُوْرَ، وقصده الفقهاء من النواحي، وبعد صيته.
__________
1 ترجمته في اللباب لابن الأثير "3/ 217-218".
2 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 591"، وطبقات الشافعية للسبكي "7/ 25- 28"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 305"، وشذرات الذهب "4/ 151".

(15/106)


أَلَّفَ كِتَابَ "المُحيطِ فِي شَرحِ الوَسِيطِ"، وَلَهُ كِتَابُ "الانتصَافُ فِي مَسَائِلِ الخلاَفِ".
وَدرَّسَ بِنظَامِيَّةِ بَلَدِهِ، وَهُوَ أُسْتَاذُ الفُقَهَاءِ المُتَأَخِّرِيْنَ مَعَ الزُّهْدِ وَالدِّيَانَةِ وَسَعَةِ العِلْمِ.
مَوْلِدُهُ بِطُرَيْثِيثَ مِنْ خُرَاسَانَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ نَصْرِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ الخُشْنَامِيّ، وَعَبْدِ الغَفَّارِ بنِ مُحَمَّدٍ الشِّيروِي، وَأَبِي حَامِدٍ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدُوسٍ الحَذَّاءِ، وَالحَافِظِ أَبِي الفِتْيَانِ عُمَرَ بنِ أَبِي الحَسَنِ الرَّوَّاسِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ البَحِيْرِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ وَوَلَدُهُ، وَمَنْصُوْرُ بنُ أَبِي الحَسَنِ الطَّبَرِيُّ، وَالفَقِيْهُ يَحْيَى بنُ الرَّبِيْعِ بنِ سُلَيْمَانَ الواسطي، وغيرهم.
أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ الصَّيْقَلِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ الرَّبِيْعِ سَنَةَ سِتِّ مائَةٍ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا أَبُو سعد محمد ابن يَحْيَى الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيْدٍ بنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُلْقَابَاذِيُّ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا أَبُو حَسَّانٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ مَطَرٍ، أَخْبَرَنَا حَامِدُ بنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيْدٌ، عَنْ قَتَادَةُ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي مُوْسَى، أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي بَعِيرٍ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً، فَجَعَلَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ1.
قَتَلَتْهُ الغُزُّ -لاَ بُورِكَ فِيهِم- حِيْنَ فَتكُوا بِنَيْسَابُوْرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَرثَاهُ عَلِيُّ بنُ أَبِي القَاسِمِ البَيْهَقِيُّ، فَقَالَ:
يَا سَافكاً دَمَ عالمٍ متبحّرٍ ... قَدْ طَارَ فِي أَقْصَى المَمَالِكِ صيتُهُ
بِاللهِ قُلْ لِي يَا ظلُوْمُ وَلاَ تَخَفْ ... مَنْ كَانَ مُحْيِي الدِّينِ كَيْفَ تميته
وقال آخر في محيي الدين ابن يَحْيَى -رَحِمَهُ اللهُ:
رُفَاتُ الدِّينِ وَالإِسْلاَمِ تُحْيَى ... بِمُحيِي الدِّينِ مَوْلاَنَا ابْنِ يَحْيَى
كَأَنَّ اللهُ رَبَّ العرشِ يُلقِي ... عَلَيْهِ حِيْنَ يُلقِي الدَّرْسَ وحيا
وَمِمَّا قِيْلَ إِنَّهُ لابْنِ يَحْيَى:
وَقَالُوا يَصِيْرُ الشَّعْرُ فِي المَاءِ حَيَّةً ... إِذَا الشَّمْسُ لاَقَتْهُ فَمَا خِلْتُهُ حَقَّا
فَلَمَّا الْتَوَى صُدْغَاهُ فِي مَاءِ وَجْهِهِ ... وَقَدْ لَسَعَا قَلْبِي تَيَقَّنْتُهُ صِدْقَا
__________
1 صحيح: أخرجه أبو داود "3613" و"3614" و"3615"، والنسائي "8/ 248"، وابن ماجه "2330"، والحاكم "4/ 95"، والبيهقي "10/ 257 و259" من طريق قتادة، به.
وأخرجه البيهقي "10/ 257" من طريق قتادة، عن أبي مجلز، عن أبي بردة، به.
وأبو مجلز: هو لاحق بن حميد ثقة من كبار الطبقة الثالثة، روى له الجماعة.

(15/107)


ابن ناجية، أحمد بن وقشي الزبيدي:
5010- ابن ناجية 1:
العلامة أبو القاسم، أحمد بن أَبِي المَعَالِي عَبْدِ اللهِ بنِ بَرَكَةَ، الحَرْبِيُّ الفَقِيْهُ الوَاعِظُ، عُرِفَ بِابْنِ نَاجِيَةَ، وَهِيَ أُمُّهُ. سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللهِ بنَ البُسْرِيِّ، وَأَبَا الحُسَيْنِ بنَ الطُّيُوْرِيِّ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ سُكَيْنَةَ، وَابْنُ الأَخْضَرِ، وَأَحْمَدُ بنُ يَحْيَى بنِ هِبَةِ اللهِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: فَقِيْهٌ دَيِّنٌ، حُلوُ الوَعْظِ، تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي الخَطَّابِ، ثُمَّ تَحَوَّلَ حَنَفِيّاً، ثُمَّ شَافِعِيّاً، وَقَالَ لِي: أَنَا اليَوْمُ مُتَّبِعٌ لِلدَّلِيْلِ، مَا أُقَلِّدُ أَحَداً، كَتَبْتُ عَنْهُ، مَاتَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائة وله تسع وسبعون سنة.
5011- أَحْمَدُ بنُ وَقْشِيٍّ:
مُؤَلِّفُ كِتَابِ خَلعِ النَّعْلَيْنِ فِيْهِ مَصَائِبُ وَبِدَعٌ.
وَكَانَ أَوَّلاً يَدَّعِي الوِلاَيَةَ، وَكَانَ ذَا مَكْرٍ وَفَصَاحَةٍ وَبَلاغَةٍ وَحِيَلٍ وَشَعْبَذَةٍ، فَالْتَفَّ عَلَيْهِ خلقٌ، ثُمَّ خَرَجَ بِحصنِ مَارْتُلة، وَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ، وَبَايعُوْهُ، ثُمَّ اخْتلف عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ، وَدسَّ عَلَيْهِ الدَّوْلَةُ مَنْ أَخْرَجَهُ مِنَ الحِصنِ بِحيلَةٍ، فَقَبَضَ عَلَيْهِ أَعْوَانُ عَبْدِ المُؤْمِنِ، وَأَتَوهُ بِهِ، فَقَالَ لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّهُ دَعَوْتَ إِلَى الهدَايَةِ?! فَكَانَ مِنْ جَوَابِهِ أَنْ قَالَ: أَلَيْسَ الفَجْرُ فَجْرَيْنِ كَاذِبٌ وَصَادِقٌ? قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَأَنَا كُنْتُ الفَجْرَ الكَاذِبَ. فَضَحِكَ، وَعَفَا عَنْهُ، وَبَقِيَ فِي حَضْرَةِ السُّلْطَانِ عَبْدِ المُؤْمِنِ، ثُمَّ لَمْ يَنشَبْ أَن قَتَلَهُ صَاحِبٌ لَهُ على شيء رآه منه.
5012- الزبيدي 2:
الإِمَامُ القُدْوَةُ العَابِدُ الوَاعِظُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ علي ابن مُسْلِمِ بنِ مُوْسَى بنِ عِمْرَانَ القُرَشِيُّ اليَمنِيُّ الزبيدي، نزيل بغداد، وجد المشايخ الرواة.
مولده سنة ستين وأربع مائة.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 277" ووقع عنده [أحمد بن معالي بن بركة الحربي] وليس [أحمد بن أبي المعالي] .
2 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 288"، وتبصير المنتبه "2/ 654".

(15/108)


وَقَدِمَ دِمَشْقَ بَعْدَ الخَمْسِ مائَةٍ، فَوَعَظَ بِهَا، وَأَخَذَ يَأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ، فَلَمْ يَحْتَمِلْ لَهُ المَلِكُ طُغْتِكين، وَكَانَ نَحْويّاً فَقيراً قَانِعاً مُتَأَلِّهاً، ثُمَّ قَدِمَ دِمَشْقَ رَسُوْلاً مِنَ المُسْترشدِ فِي شَأْنِ البَاطِنِيَّةِ، وَكَانَ حَنَفِيّاً سَلَفِيّاً.
قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: جلست معه من بُكرَةً إِلَى قَرِيْبِ الظُّهْرِ وَهُوَ يَلُوكُ شَيْئاً، فَسَأَلتُهُ، فَقَالَ: نَوَاةٌ أَتَعَلَّلُ بِهَا لَمْ أَجِدْ شَيْئاً.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ يَقُوْلُ الحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرّاً، لاَ تَأْخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ، قِيْلَ: دَخَلَ عَلَى الوَزِيْرِ الزَّيْنَبِيِّ وَعَلَيْهِ خِلْعَةُ الوزَارَةُ، وَهُم يُهَنِّئونَهُ، فَقَالَ: هُوَ ذَا يَوْمُ عزَاءٍ، لاَ يَوْمَ هنَاءٍ، فَقِيْلَ: ولم? قال: أهنىء عَلَى لُبْسِ الحَرِيْرِ?!
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: حَدَّثَنِي الفَقِيْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عِيْسَى، سَمِعْتُ الزَّبِيْدِيُّ قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى المَدِيْنَةِ عَلَى الوَحْدَةِ، فآوَانِي اللَّيْلُ إِلَى جبلٍ، فَصعدتُ، وَنَادَيتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اللَّيْلَةَ ضَيْفُكَ. ثُمَّ نُوْدِيْتُ: مَرْحَباً بضيفِ اللهِ، إنك مع طلع الشَّمْسِ تَمُرُّ بِقَوْمٍ عَلَى بِئرٍ يَأْكلُوْنَ خُبزاً وَتَمراً، فَإِذَا دَعَوْكَ فَأَجِبْ، فَسِرْتُ مِنَ الغَدِ، فَلاَحَتْ لِي أَهدَافُ بِئرٍ، فَجِئْتُهَا، فَوَجَدْتُ عِنْدَهَا قَوْماً يَأْكلُوْنَ خُبزاً وَتَمراً، فَدعُوْنِي، فَأَجبتُ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ يَعْرِفُ النَّحْوَ، وَيَعظُ، وَيسْمَعُ مَعَنَا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ مِنَ القَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ، وَكَانَ فَنّاً عَجِيْباً، وَكَانَ فِي أَيَّامِ المسترشد يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ، وَيَرْكُبُ حِمَاراً مَخْضُوْباً بِالحِنَّاءِ، وَكَانَ يَجلسُ وَيَجْتَمِعُ عِنْدَهُ العوَامُّ، ثُمَّ فَتَرَ سُوقُهُ، ثُمَّ إِنَّ الوَزِيْرَ ابْنَ هُبَيْرَةَ رَغِبَ فِيْهِ، وَنَفَقَ عَلَيْهِ، وَسَمِعْتُ جَمَاعَةً يَحكُوْنَ عَنْهُ أَشيَاءَ السُّكُوتُ عَنْهَا أَوْلَى، وَقِيْلَ: كَانَ يَذْهَبُ إِلَى مَذْهَبِ السَّالمِيَّةِ، وَيَقُوْلُ: إِنَّ الأَمْوَاتَ يَأْكلُوْنَ وَيَشربُوْنَ وَيَنكِحُوْنَ فِي قُبُوْرِهِم، وَإِنَّ الشَّارِبَ وَالزَّانِي لاَ يُلاَمُ، لأَنَّه يَفعلُ بقَضَاءِ اللهِ وَقدرِهِ.
قُلْتُ: يَحْتَجُّ بقِصَّةِ آدَمَ وَمُوْسَى عَلَيْهِمَا السَّلاَم، وَبقولِ آدم: وأنه حج موسى1، ولو
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "2/ 264 و268 و398"، وابنه عبد الله في "السنة" "701" والبخاري "3409" و"4736" و"4738" و"7515"، ومسلم "2652" والترمذي "2134" وابن أبي عاصم "139-141" و"146-152" و"157-160"، وابن خزيمة ص "9 و54 و55 و57 و109"، والآجري في "الشريعة" "ص324"، واللالكائي "1033-1035"، والبيهقي في "الاعتقاد" "ص99"، وفي "الأسماء والصفات" "ص190-191 و232-233 و284 و315 و316"، والبغوي "69" من طرق عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: "احتج آدم وموسى. فقال له موسى: أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة؟ فقال له آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه، ثم تلومني على أمر قد قدر علي قبل أن أخلق؟ فحج آدم موسى". واللفظ لمسلم.

(15/109)


سَلَّمنَا أَنَّ الزَّانِي لاَ يُلاَم، فَعَلَيْنَا أَن نَحدَّهُ وَنُغَرِّبَهُ، وَنذمَّ فَعلَهُ، وَنَرُدَّ شَهَادَتَهُ، وَنكرِهَهُ، فَإِنْ تَابَ وَاتَّقَى أَحببنَاهُ وَاحْتَرَمنَاهُ، فَالنِّزَاعُ لفظِيٌّ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عَبْدِ المَلِكِ يَقُوْلُ: زَادَ الزَّبِيْدِيُّ فِي أَسْمَاءِ الله أَسَامِي: الزَّارِعُ، وَالمُتَمِّمُ، وَالمُبهمُ، وَالمُظهِرُ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: قَالَ وَلدُهُ إِسْمَاعِيْلُ: كَانَ أَبِي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَليلَةٍ مِنْ أَيَّامِ مرضِهِ يَقُوْلُ: الله الله، نَحْواً مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ مرَّةً، فَمَا زال يقولها حتى طفىء.
وَقَالَ ابْنُ شَافِعٍ، كَانَ لَهُ فِي علمِ العَرَبِيَّةِ وَالأُصُوْلِ حظٌّ وَافرٌ، وَصَنَّفَ فِي فُنُوْنِ العِلْمِ نَحْواً مِنْ مائَةِ مصَنَّفٍ، وَلَمْ يُضَيِّعْ شيئًا من عمره، وكان يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ، وَيَعتَمُّ مُلْتَحِياً دَائِماً، حُكِيَتْ لِي عَنْهُ مِنْ جهَاتٍ صَحِيْحَةٍ غَيْرُ كرَامَةٍ، مِنْهَا رُؤيتُهُ لِلْخضِرِ.
تُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وخَمْسِ مائَةٍ رَحِمَهُ اللهُ.

(15/110)


البروجردي، الحصكفي:
5013- البروجردي:
الحَافِظُ المُفِيْدُ، أَبُو الفَضْلِ، مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ العَلاَءِ البُرُوْجِرْدِيُّ، تِلْمِيْذُ ابْنِ طَاهِرٍ.
سَمِعَ أَبَا مُحَمَّدٍ الدُّونِيَّ، وَمَكِيَّ بنَ بنجير، وَيَحْيَى بنَ مَنْدَةَ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كُنْتُ أَنسخُ بِجَامِعِ بُرُوْجِرْدَ، فَقَالَ شَيْخٌ رَثُّ الهَيْئَةِ: مَا تكتب? فكرهت جوابه، وقلت: الحديث. فقال: كأنك طَالبٌ? قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ? قُلْتُ: مِنْ مَرْو. قَالَ: عَمَّنْ رَوَى البُخَارِيُّ مِنْ أَهْلِ مَرْو? قُلْتُ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُثْمَانَ وَصَدَقَةَ بنِ الفَضْلِ. قَالَ: لِمَ لُقِّبَ عَبْدُ اللهِ بِعَبْدَانَ? فَتَوَقَّفْتُ، فَتَبَسَّمَ، فَنَظَرتُ إِلَيْهِ بِعَيْنٍ أُخْرَى، وَقُلْتُ: يُفِيدُ الشَّيْخُ. قَالَ: كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللهِ، فَاجْتَمَعَ فِيْهِ العَبْدَانِ، فَقِيْلَ: عَبْدَانُ. فَقُلْتُ: عَمَّنْ هَذَا? قَالَ: سَمِعتُهُ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ طَاهِر.
5014- الحصكفي 1:
الإِمَامُ العَلاَّمَةُ الخَطِيْبُ، ذُو الفُنُوْنِ، معينُ الدِّينِ، أبو الفضل، يحيى بن سلامة بن حسين بن أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ الدِّيَارَبكرِيُّ الطَّنْزِيُّ الحَصْكَفِيُّ، نَزِيْلُ مَيَّافَارِقِيْنَ.
تَأَدَّبَ بِبَغْدَادَ عَلَى الخَطِيْبِ أَبِي زَكَرِيَّا التِّبْرِيْزِيِّ، وَبَرَعَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَفِي الفَضَائِلِ.
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ سِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ تَقْرِيْباً.
وَوَلِيَ خطَابَةَ ميَّافَارقينَ، وَتَصدَّرَ لِلْفَتْوَى، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ، وَلَهُ "دِيْوَانُ" خُطَبٍ، وَ"دِيْوَانُ" نَظْمٍ وَتَرَسُّلٍ.
ذَكرَهُ العمَادُ فِي الخَرِيْدَةِ، فَقَالَ: كَانَ عَلاَّمَةَ الزَّمَانِ فِي علمِهِ، وَمَعَرِّيَّ العصرِ فِي نثرِهِ وَنظمِهِ، لَهُ التَّرصيعُ البَدِيْعُ، وَالتَّجنِيسُ النَّفِيْسُ، وَالتَّطبيقُ وَالتَّحْقِيْقُ، وَاللَّفْظُ الجَزْلُ الرَّقيقُ، وَالمَعْنَى السَّهلُ العَمِيْقُ، وَالتَّقسيمُ المُسْتقيمُ.
قُلْتُ: مَوْلِدُهُ بِطَنْزَةَ: بُلَيْدَةٌ مِنْ ديَارِ بكرٍ بِقُرْبٍ مِنْ جَزِيْرَةِ ابْنِ عمر -وَكَانَ مُفْتِي تِلْكَ البِلاَد فِي عَصرِهِ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقِيْلَ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ.
وَهُوَ القَائِلُ:
وخليعٍ بِتُّ أَعْذُلُهُ ... وَيَرَى عَذْلِي مِنَ العَبَثِ
وَذَكَرَ الأَبيَاتَ السَّائِرَةَ.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 276"، واللباب لابن الأثير "1/ 369" و"2/ 286"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "6/ ترجمة 804"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 328"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 168-169".

(15/110)


5015- علي بن مهدي:
كَانَ أَبُوْهُ مِنْ قَرْيَةٍ بِزَبِيْدٍ مِنَ الصُّلَحَاءِ، فَنشَأَ عَلِيٌّ فِي تَزَهُّدٍ، وَحَجَّ، وَلَقِيَ العُلَمَاءَ، وَحَصَّلَ، ثُمَّ وَعَظَ، وَذَمَّ الجُنْدَ.
وَكَانَ فَصِيْحاً صَبِيْحاً طَوِيْلاً، أَخضرَ اللَّوْنِ، طيِّبَ الصَّوتِ، غزِيْرَ المَحْفُوْظِ، متصوِّفاً، خبيثَ السَّرِيرَةَ، دَاهِيَةً، يَتَكَلَّمُ عَلَى الخوَاطِرِ، فَربطَ الخلقَ، وَكَانَ يَعِظُ وَيَنتحبُ.
قَالَ عُمَارَةُ اليَمنِيُّ: لاَزَمْتُهُ سَنَةً، وَتَرَكتُ التَّفَقُّهَ، وَنَسَكْتُ، فَأَعَادَنِي أَبِي إِلَى المَدْرَسَةِ، فَكُنْتُ أَزُورُهُ فِي الشَّهْرِ، فَلَمَّا اسْتفحَلَ أَمرُهُ تَركتُهُ، وَلَمْ يَزَلْ مِنْ سَنَةِ530 يَعِظُ وَيُخَوِّفُ فِي القُرَى، وَيَحُجُّ على نجيب، وأطلقت له السَّيِّدَةُ أُمُّ فَاتِكٍ وَلأَقَارِبِهِ خَرَاجَ أَملاَكِهِم، فَتموَّلُوا إِلَى أَنْ صَارَ جَمعُهُ نَحْوَ أَرْبَعِيْنَ أَلْفَ مقَاتِلٍ، وَحَارَبَ، وَكَانَ يَقُوْلُ: دَنَا الوَقْتُ، أَزِفَ الأَمْرُ، كَأَنَّكُم بِمَا أَقُوْلُ لَكُم عَيَاناً، ثُمَّ ثَار بِبلاَدِ خَوْلاَنَ، وَعَاثَ وَسبَى، وَأَهْلكَ النَّاسَ، ثُمَّ لَقِيْتُهُ عِنْدَ الدَّاعِي بِجبلَةَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ يَسْتَنجدُ بِهِ، فَأَبَى، ثُمَّ دبَّرَ عَلَى قتلِ وَزِيْرِ آلِ فَاتِكٍ، ثُمَّ زَحَفَ إِلَى زَبِيْدٍ، فَقَاتلَهُ أَهْلُهَا نَيِّفاً وَسَبْعِيْنَ زَحْفاً، وَقُتِلَ خَلاَئِقُ مِنَ الفَرِيْقَيْنِ، ثُمَّ قُتِلَ فَاتِكٌ مُتَوَلِّي زَبِيْدٍ، وَأَخَذَهَا ابْنُ مَهْدِيٍّ فِي رَجَبٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَمَا مُتِّعَ، وَهَلَكَ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ، وَقَامَ بَعْدَهُ ابْنُهُ عَبْدُ النَّبِيِّ، وَعَظُمَ، حَتَّى اسْتَولَى عَلَى سَائِرِ اليَمَنِ، وَجَمَعَ أَمْوَالاً لاَ تُحصَى، وَكَانَ حَنَفِيَّ المَذْهَبِ -أَعنِي الأَبَ- يَرَى التَّكْفِيرَ بِالمَعَاصِي، وَيَستِحلُّ وَطْءَ سَبَايَا مَنْ خَالفَهُ، وَيَعتَقِدُ فِيْهِ قَوْمُهُ فَوْقَ اعْتِقَادِ الخَلْقِ فِي نَبِيِّهِم.
قَالَ: وَحُكِيَ لِي عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَثِقْ بِيَمِيْنِ مَنْ يَصحبُهُ حَتَّى يَذْبَحَ وَلَدَهُ أَوْ أَخَاهُ، وَكَانَ يَقتُلُ بِالتَّعذِيبِ فِي الشَّمْسِ، وَلاَ يَشفعُ أَحَدٌ عِنْدَهُ، وَلَيْسَ لأَحدٍ مِنْ عَسْكَرِهِ فَرَسٌ يَملكُهُ وَلاَ سلاَحٌ، بَلِ الكُلُّ عِنْدَهُ إِلَى وَقتِ الحَرْبِ، وَالمنهزمُ مِنْهُم يُقتَلُ جَزْماً، وَالسَّكرَانُ يُقتلُ، وَمَنْ زنَى أَوْ سَمِعَ غنَاءً يُقتلُ، وَمَنْ تَأَخَّرَ عن صلاة الجماعة قتل.

(15/111)


خوارزمشاه، الشحام:
5016- خوارزمشاه:
صَاحِبُ خُوَارِزْم، الملكُ أَتسِزُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ نوشتكين.
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ تِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَتَمَلَّكَ مُدَّةً طَوِيْلَةً، وَكَانَ مُطِيعاً لِلسُّلْطَانِ سَنْجَرَ، تَعَلَّلَ مُدَّةً بِالفَالِجِ، فَأُعْطِيَ حَرَارَاتٍ بِلاَ أَمْرِ الطِّبِّ، فَاشتدَّ الأَلَمُ، وَضَعُفَتِ القوَّةُ، وَتُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَكَانَ يَتَأَسَّفُ، وَيَقُوْلُ: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ، هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة: 28، 29] ، فتملك بعده ابنه خوارزمشاه أَرْسَلاَن، فَقَتَلَ جَمَاعَةً مِنْ أَعمَامِهِ.
وَكَانَ أَتسِزُ عَادِلاً، مُحَبَّباً إِلَى رَعيتِهِ.
وَمَاتَ ابْنُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَكَانَ بَطَلاً شجاعًا، حارب الخطا، وهو والدتكش.
5017- الشحام 1 م:
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، أَبُو مُحَمَّدٍ، سَلْمَانُ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ حَسَنٍ البَغْدَادِيُّ الشَّحَّامُ، مِمَّنْ سَمِعَ الكَثِيْرَ.
وَكَانَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالصِّدْقِ، خَرَّجَ لَهُ اليُوْنَارَتِيُّ الحَافِظُ خَمْسَةَ أَجزَاءٍ مِنْ سَمَاعِهِ عَلَى ثَابِتِ بنِ بُنْدَارَ، وَجَعْفَرٍ السَّرَّاجِ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ الطُّيُوْرِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَعَبْدُ الخالق بن أسد، وابن الجوزي، وأبو الحَسَنِ القَطِيْعِيُّ، وَطَائِفَةٌ. وَبِالإِجَازَةِ: أَبُو الحَسَنِ بنُ المُقَيَّرِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: شَيْخٌ صَالِحٌ، مُشْتَغِلٌ بِكسبِهِ، وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ، وَمَاتَ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ. كَذَا وَرَّخَهُ السَّمْعَانِيُّ.
وَقَالَ القَطِيْعِيُّ: هَذَا سَهْوٌ لأَنَّه أَجَازَ فِي ذِي القَعْدَةِ مِنْ سَنَةِ إِحْدَى، وَقرَأَ عَلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الخَشَّابِ جُزْءاً فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ مِنَ السَّنَةِ.
قُلْتُ: الظَّاهِرُ مَوْتُهُ في المحرم سنة اثنتين وخمسين.
__________
1 ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 257".

(15/112)


5018- الغزنوي 1:
الوَاعِظُ المُحسنُ الشَّهيرُ، أَبُو الحَسَنِ، عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ الغَزْنَوِيُّ.
سَمِعَ بِغَزْنَةَ "الصَّحِيْحَ" مِنْ حَمْزَةَ القَايِنِيّ بِسَمَاعِهِ مِنْ سَعِيْدٍ العَيَّارِ، وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ من أبي سعد بن الطُّيُوْرِيِّ وَغَيْرِهِ. وَسَمَّعَ وَلدَهُ المُعَمَّرَ أَحْمَدَ "جَامِعَ أَبِي عِيْسَى" مِنَ الكَرُوْخِيّ.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ مليحَ الإِيرَادِ، لَطِيفَ الحَرَكَاتِ، بَنَتْ لَهُ زَوْجَةُ الخَلِيْفَةِ رِباطاً، وَصَارَ لَهُ جَاهٌ عَظِيْمٌ لِمَيْلِ العجمِ، كَانَ السُّلْطَانُ يَزورُهُ وَالأُمَرَاء، وَكثُرَتْ عِنْدَهُ المُحتَشِمُوْنَ، وَاسْتعبدَ طوَائِفَ بِنَوَالِهِ وَعطَائِهِ. وكَانَ مَحْفُوْظُهُ قَلِيْلاً، فَحَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ مِنَ القُرَّاءِ أَنَّهُ كان يعين لهم ما يَقْرَؤُونَهُ، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: حُزمَةُ حُزنٍ خَيْرٌ مِنْ أَعدَالِ أَعْمَالٍ.
وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: رُبَّ طَالبٍ غَيْرُ وَاجدٍ، وَوَاجدٍ غَيْرُ طَالبٍ.
وَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ يَمِيْلُ إِلَى التَّشَيُّعُ، وَلَمَّا مَاتَ السُّلْطَانُ أُهينَ، وَكَانَتْ بِيَدِهِ قَرْيَة، فَأُخِذتْ، وَطولِبَ بِغَلِّهَا، وَحُبسَ، ثُمَّ أُخرجَ وَمُنِعَ مِنَ الوَعظِ لأَنَّه كَانَ لاَ يُعظِّمُ الخِلاَفَةَ كَمَا يَنْبَغِي، ثُمَّ ذَاقَ ذُلاًّ.
مَاتَ فِي المُحَرَّمِ سنة إحدى وخمسين وخمس مائة.
__________
1 ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 258"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 323-324"، وشذرات الذهب "4/ 159".

(15/113)


مجلي، أبو البيان، الخراز:
5019- مجلي 1:
شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ بِمِصْرَ، أَبُو المَعَالِي، مُجَلِّي بنُ جُمَيْعِ بنِ نَجَا القُرَشِيُّ المَخْزُوْمِيُّ الأُرسُوفِيُّ الشَّامِيُّ، ثُمَّ المِصْرِيُّ، مُصَنِّفُ كِتَابِ "الذَّخَائِرِ" وَهُوَ مِنْ كُتُبِ المَذْهَبِ المُعتَبَرَةِ.
وَلِيَ قَضَاءَ مِصْرَ بتفويضٍ مِنَ العَادلِ بنِ السَّلاَّرِ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ، ثم عزل بعد سنتين.
مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَة خَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِي كِتَابِهِ مُخبّآت لاَ تُوجدُ فِي غيره.
5020- أبو البيان 2:
الشَّيْخُ القُدْوَةُ الكَبِيْرُ، أَبُو البَيَانِ، نبأُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَحْفُوْظٍ القُرَشِيُّ الحَوْرَانِيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ الشَّافِعِيُّ اللُّغَوِيُّ الأَثرِيُّ الزَّاهِدُ، شَيْخُ البيَانِيَّةِ، وَصَاحِبُ الأَذكَارِ المسجوعَةِ.
سَمِعَ مِنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ الموَازِينِيِّ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ قُبَيْسٍ المَالِكِيِّ.
رَوَى عَنْهُ: يُوْسُفُ بنُ وَفَاءٍ السُّلَمِيُّ: وَالفَقِيْهُ أَحْمَدُ العِرَاقِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَبْدَانَ، وَالقَاضِي أَسَعْدُ بنُ المُنَجَّا.
وَكَانَ حَسَنَ الطَّرِيقَةِ، صَيِّناً دَيِّناً تَقيّاً، مُحِبّاً لِلسُّنَّةِ وَالعِلْمِ وَالأَدبِ، لَهُ أَتْبَاعٌ وَمُحبُّوْنَ، أَنشَأَ الملكُ نورُ الدِّينِ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ رِباطاً كَبِيْراً عِنْدَ دربِ الحجرِ. وَكَانَ صديقاً لِلشَّيْخِ رسلاَن الزَّاهِدِ.
تُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائة، رحمه الله.
5021- الخراز 3:
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، أَبُو عَلِيٍّ، أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ الحَرِيْمِيُّ البَغْدَادِيُّ ابْنُ الخَرَّازِ.
وُلِدَ سَنَةَ475.
سَمِعَ أَبَا الغَنَائِمِ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي عُثْمَانَ، وَمُحَمَّدَ بنَ الجَبَّانِ، وَمَالِكاً البَانِيَاسِيَّ، وَطِرَاداً الزَّيْنَبِيَّ.
وَعَنْهُ: عَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَسَدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ المُسْتعمِلِ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ ابن الزَّبِيْدِيِّ، وَابْنُ طَبَرْزَدَ، وَآخَرُوْنَ. وَبِالإِجَازَةِ: ابْنُ المُقَيَّرِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: شَيْخٌ صَالِحٌ مُتَديِّنٌ، لاَزِمٌ لِمَسجدِهِ، مات فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائة -رحمه الله.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "4/ ترجمة 556"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 157".
2 ترجمته في تبصير المتنبه "1/ 221"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 160".
3 ترجمته في تبصير المنتبه "1/ 331"، وشذرات الذهب "4/ 161" ووقع عنده [الخرار] بالراء المهملة دل [الخراز] بالزاي المعجمة.

(15/114)


صاحب نصيبين، عبد الصبور:
5022- صاحب نصيبين:
شمس الملوك، أبو نصر، إبراهيم بن صاحب حلب رضوان بن السُّلْطَانِ تَاجِ الدَّوْلَةِ تُتُشَ بنِ أَلبِ أَرْسَلاَنَ السَّلْجُوْقِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَمَاتَ أَبُوْهُ وَهُوَ صَبِيٌّ.
ثُمَّ أَقْبَلَ مَعَهُ صَاحِبُ الحِلَّةِ دُبَيْسٌ وَبغدوينُ الفِرَنْجِيُّ مُحَاصرِيْنَ لِحَلبَ فِي سَنَةِ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَجَرَتْ أُمُوْرٌ، ثُمَّ إِنَّهُ تَملَّكَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ حلبَ، وَفرحُوا بِهِ، فَأَقْبَلَ صَاحِبُ أَنطَاكيَةَ، فَنَازلَ حلبَ، فَتردَّدَتِ الرُّسُلُ فِي صُلْحٍ وَهُدْنَةٍ، فَعُقِدَتْ هُدنَةٌ فِيْهَا وَهَنٌ عَلَى أَهْلِ حلبَ وَحِمْلُ ذَهَبٍ فِي العَامِ، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ أَخَذَ الأَتَابِكُ زِنْكِي مِنْ شَمْسِ المُلُوْكِ حلبَ، وَأَعْطَاهُ نَصِيْبِيْن، فَمَا زَالَ بِهَا إِلَى أَنْ مَاتَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
5023- عبد الصبور 1:
بن عبد السلام، الشَّيْخُ الصَّادِقُ الجَلِيْلُ، أَبُو صَابرٍ، الهَرَوِيُّ الفَامِي التَّاجِرُ السَّفَّارُ، صَالِحٌ خَيِّرٌ مُسمّتٌ أَمِيْنٌ.
وُلِدَ سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ "الجَامِعَ" مِنْ أَبِي عَامِرٍ الأَزْدِيِّ، وَسَمِعَ مِنْ شَيْخِ الإِسْلاَمِ، وَنَجِيْبٍ الوَاسِطِيِّ، وَإِلْيَاسَ بنِ مُضَرَ.
حَدَّثَ بِهَمَذَانَ وببغداد في سنة تسع وثلاثين ولما حَجَّ بِالجَامِعِ.
رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ وَابْنُهُ عَبْدُ الرَّحِيْمِ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ نَجَا الوَاعِظُ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ العَاقُوْلِيُّ.
تُوُفِّيَ بِهَرَاةَ فِي شَعْبَانَ سنة اثنتين وخمسين وخمس مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "5/ 327"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 162".

(15/115)


5024- كوتاه 1:
لشيخ الإِمَامُ الحَافِظُ المُتْقِنُ، مُحَدِّثُ أَصْبَهَانَ، أَبُو مَسْعُوْدٍ، عبد الجليل بن محمد بن عبد الواحد بنِ مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيُّ كُوْتَاه.
وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ رِزْقَ اللهِ التَّمِيْمِيَّ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ مَاجَه الأَبْهَرِيَّ، وَالقَاسِمَ بنَ الفَضْلِ الثَّقَفِيَّ، وَأَحْمَدَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الذَّكْوَانِيَّ، وَابْنَ أَشْتَةَ، وَعدداً كَثِيْراً مِنْ أَصْحَابِ أَبِي سَعِيْدٍ النَّقَاشِ وَأَبِي نُعَيْمٍ، ثُمَّ أَصْحَابِ أَبِي طَاهِرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحِيْمِ.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو مُوْسَى: هُوَ أَوْحَدُ وَقتِهِ فِي علمِهِ مَعَ حُسْنِ طَرِيقتِهِ وَتوَاضعِهِ، حَدَّثَنَا لفظاً وَحفظاً عَلَى مِنْبَرِ وَعظِهِ فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائة........، فذكر حديثًا.
وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ: مِنْ أَوْلاَدِ المُحَدِّثِيْنَ، حَسَنُ السِّيْرَةِ، مُكْرِمٌ لِلْغربَاءِ، فَقِيْرٌ قَنُوعٌ، صَحِبَ أَبِي مُدَّةَ مُقَامِهِ بِأَصْبَهَانَ، وَسَمِعَ بقِرَاءتِهِ الكَثِيْرَ، وَلَهُ مَعْرِفَةٌ تامة بالحديث، هو من مقدمي أصحاب شيخنا إسماعيل ابن مُحَمَّدٍ الحَافِظِ، حضَرْتُ مَجْلِسَ إِملاَئِهِ، وَكَتَبتُ عَنْهُ، سَمِعْتُ أَبَا القَاسِمِ الحَافِظَ بِدِمَشْقَ يُثْنِي عَلَيْهِ ثَنَاءً حَسَناً، وَيُفخِّمُ أَمرَهُ، وَيَصِفُهُ بِالحِفْظِ وَالإِتْقَانِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: لَمَّا وَردْتُ أَصْبَهَانَ كَانَ مَا يَخْرُجُ مِنْ دَارِهِ إلَّا لِحَاجَةٍ مُهمَّةٍ، كَانَ شَيْخُهُ إِسْمَاعِيْلُ الحَافِظُ هَجَرَهُ، وَمَنَعَهُ مِنْ حُضُوْرِ مَجْلِسِهِ لِمَسْأَلَةٍ جَرَتْ فِي النُّزَولِ، وَكَانَ كُوتَاهُ يَقُوْلُ: النُّزُولُ بِالذَّاتِ، فَأَنْكَرَ إِسْمَاعِيْلُ هَذَا، وَأَمرَهُ بِالرُّجُوْعِ عَنْهُ، فَمَا فَعلَ.
قُلْتُ: وَقَدِ ارْتَحَلَ إِلَى نَيْسَابُوْرَ، وَسَمِعَ مِنْ عَبْدِ الغَفَّارِ الشِّيرَوِيِّ.
حدث عنه: أبو القاسم بن عَسَاكِرَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ الشِّيْرَازِيُّ، وَطَائِفَةٌ، وَرَوَتْ عَنْهُ كَرِيْمَةُ الدِّمَشْقيَّةُ بِالإِجَازَةِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ أَبُو سَعْدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الخَالِقِ الشَّحَّامِيُّ، حَدَّثَنَا صَاعِدُ ابن سَيَّارٍ الحَافِظُ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا عَبْدُ الجَلِيْل بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بِالمَدِيْنَةِ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الخَرجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا ابن خرزاذ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ رَوْحَانَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سنان، سمعت شيبان ابن يَحْيَى يَقُوْلُ: مَا أَعْلَمُ طرِيقاً إِلَى الجَنَّةِ أَقصَدَ مِمَّنْ يَسلُكُ طَرِيْقَ الحَدِيْثِ.
مَاتَ كُوْتَاه فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَهُوَ مِنْ رُوَاةِ نُسْخَةِ لُوَيْنٍ عَنِ ابْنِ مَاجَه الأَبْهَرِيِّ.
وَمَسْأَلَةُ النُّزَولِ فَالإِيْمَانُ بِهِ وَاجِبٌ، وَتَرْكُ الخوضِ فِي لوازِمِهِ أَوْلَى، وَهُوَ سَبِيْلُ السَّلَفِ، فَمَا قَالَ هَذَا: نُزُولُهُ بِذَاتِهِ، إلَّا إِرغَاماً لِمَنْ تَأَوَّلَهُ، وَقَالَ: نُزولُهُ إِلَى السَّمَاءِ بِالعِلْمِ فَقَطْ. نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ المِرَاءِ فِي الدِّينِ.
وَكَذَا قَوْلُهُ: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجرُ: 22] ، وَنَحْوُهُ، فَنَقُوْلُ: جَاءَ، وَيَنْزِلُ، وَننَهَى عَنِ القَوْلِ: يَنْزِلُ بِذَاتِهِ، كَمَا لاَ نَقُوْلُ: يَنْزِلُ بِعِلْمِهِ، بَلْ نَسكتُ وَلاَ نَتفَاصَحُ عَلَى الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- بعبارات مبتدعة، والله أعلم.
__________
1 ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 273"، واللباب لابن الأثير "1/ 302" وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1089"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 329"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 167".

(15/116)


5025- العباسي 1:
لشيخ الإِمَامُ الصَّالِحُ العَابِدُ المُسْنِدُ، أَبُو جَعْفَرٍ، أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنُ عَلِيِّ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَلِيِّ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ يعقوب بن إبراهيم بن محمد بن الأَمِيْرِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ العَبَّاسِيُّ المَكِّيُّ، نَقِيبُ الهَاشِمِيِّينَ بِمَكَّةَ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وأربع مائة.
وَسَمَّعَ جَمَاعَةَ أَجزَاءٍ مِنْ أَبِي عَلِيٍّ الحَسَنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيِّ، تَفَرَّدَ بِعُلُوِّهَا.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: شَيْخٌ ثِقَةٌ صَالِحٌ مُتَوَاضِعٌ، مَا رَأَيْتُ فِي الأَشْرَافِ مِثْلَهُ، قَدِمَ عَلَيْنَا أَصْبَهَانَ لِدَينٍ رَكِبَهُ وَمَعَهُ خَمْسَةُ أَجزَاءٍ، فَسَمِعْتُ مِنْهُ، وَقَدْ سَمِعَ فِي الكُهُوْلَةِ، وَنَسَخَ الكَثِيْرَ، ثُمَّ قَدِمَ أَصْبَهَانَ رَاجِعاً مِنْ كِرْمَانَ فِي سَنَةِ547.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ صَدُوْقاً زَاهِداً عَابِداً، قَرَأْتُ بِخَطِّهِ قَالَ: سَمِعْتُ الحَدِيْثَ مِنْ أَبِي عَلِيٍّ الشَّافِعِيِّ وَعُمُرِي سَبْعُ سِنِيْنَ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَالقَاضِي أَسَعْدُ بنُ مُنَجَّا، وَثَابِتُ بنُ مُشَرِّفٍ، وَعَبْدُ السَّلاَمِ الدَّاهِرِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَطِيْعِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ عُلْوَانَ الحَلَبِيُّ وَآخَرُوْنَ، وَتَفَرَّدَ عَنْهُ بِالإِجَازَةِ أَبُو الحَسَنِ بنُ المُقَيَّرِ.
تُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَهُوَ جدُّ المُحَدِّثِ الحَافِظِ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ العَبَّاسِيِّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعَ أَبَا عليٍّ الشَّافِعِيَّ، وَعَبْدَ القاهر العباسي المقرىء، وَعِيْسَى بنَ أَبِي ذَرٍّ، وَعَبْدَ السَّاتِرِ بنَ عَبْدِ اللهِ الزِّيَادِيَّ، وَبِبَغْدَادَ مِنِ ابْنِ الحُصَيْنِ، وأبي غالب بن البَنَّاءِ، وَكَتَبَ بِخَطِّهِ كَثِيْراً، كتبَ عَنْهُ ابْنُ نَاصرٍ، حَدَّثَنَا عَنْهُ ابْنُ سُكَيْنَةَ، وَابْنُ الأَخْضَرِ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَمْدُوْنَ، وَتُرْكُ بنُ مُحَمَّدٍ الكَاتِبُ، سَمِعْتُ عَامَّةَ شُيُوْخِنَا يُثنُوْنَ عَلَيْهِ، وَيَصفُوْنَهُ بِالزُّهْدِ وَالعِبَادَةِ وَالوَرَعِ وَالنَّزَاهَةِ.
__________
1 ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 278"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 331"، وشذرات الذهب "4/ 1710".

(15/117)


5026- ابن غبرة:
لشيخ الجَلِيْلُ المُسْنِدُ، أَبُو الحَسَنِ، مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ عَلَوِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدِ بنِ غَبرَةَ، الهَاشِمِيُّ الحَارِثِيُّ الكُوْفِيُّ المُعَدَّلُ، وَيُعْرَفُ قَدِيْماً بِابْنِ المُعَلِّمِ، وَهُوَ مِنْ ذُرِّيَّةِ ابْنِ عَمِّ رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَبِيْعَةَ بنِ الحَارِثِ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ سَنَة خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ مِنْ أَبِي الفَرَجِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عِلاَّنَ المُعَدَّلِ، وَأَبِي غَالِبٍ بنِ المَنْثُوْرِ الجُهَنِيِّ، وَأَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَمْدَانَ، وَالحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ الدِّهْقَانِ، وَجَمَاعَةٍ، وَتَفَرَّدَ بِأَجزَاءَ عَالِيَةٍ، وَرُحِلَ إِلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: رَوَى لَنَا عَنْهُ جَمَاعَةٌ سَمِعُوا مِنْهُ بِالكُوْفَةِ، وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ الجِيْلِيُّ، وَأَبُو الفَرَجِ بنُ النَّقُّوْرِ، حَدَّثَ بِبَغْدَادَ قَدِيْماً.
قُلْتُ: آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ كَرِيْمَةُ القُرَشِيَّةُ.
قَالَ مَسْعُوْدُ بنُ النَّادِرِ: مَاتَ ابْنُ غَبرَةَ فِي سَلْخِ ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ: كَانَ ثِقَةً فِي رِوَايَتِهِ، سَمِعْتُ عَلَيْهِ بِقِرَاءتِي الأَجزَاءَ الَّتِي ظَهرَتْ لَهُ، وَمَاتَ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: مَا وَقَعَ لَنَا حديثه إلَّا وفي الطريق إجازة.

(15/118)


5027- ابن محمويه 1:
لإمام العلامة الفقيه المقرىء، أَبُو الحَسَنِ، عَلِيُّ بنِ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ بنِ مَحْمُويه، اليَزدِيُّ الشَّافِعِيُّ، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
موُلِدُهُ بِيَزْدَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ -أَوْ أَرْبَعٍ.
وَسَمِعَ مِنَ الحُسَيْنِ بنِ الحَسَنِ بنِ جُوَانشير، وَأَبِي المَكَارِمِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ الفَسَوِيِّ المقرىء، وَمُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ بَلُّوكٍ الصُّوْفِيِّ، وَغِيَاثِ بنِ أَبِي مُضَرَ الأَصْبَهَانِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ مَحْمُوْدٍ الثَّقَفِيِّ.
وَتَلاَ بِالرِّوَايَاتِ فِي أَصْبَهَانَ عَلَى أَبِي الفَتْحِ الحَدَّادِ.
وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنِ ابْنِ الطُّيُوْرِيِّ، وَابْنِ خُشَيْشٍ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ العَلاَّفِ، وَأَبِي القَاسِمِ الرَّبَعِيِّ، وَعِدَّةٍ. وَسَمِعَ بِالدُّوْن "سُنَنَ النَّسَائِيِّ" مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَمْدٍ، وَبِهَمَذَانَ مِنْ نَاصرِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَبِأَصْبَهَانَ أَيْضاً مِنْ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَرْدُويه.
وَتَفَقَّهَ بِوَاسِطَ عَلَى أَبِي عَلِيٍّ الفَارقِيِّ، وَبِبَغْدَادَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الشاشي. وسمع بالبصرة والكوفة ومكة.
وَكَانَ يَسكنُ بقَرَاح ظَفَرٍ، وَصَنَّفَ كُتُباً نَافِعَةً فِي الفِقْهِ وَالحَدِيْثِ وَالزُّهْدِ، وَحَدَّثَ بِهَا وَبِـ"سُنَنِ النَّسَائِيِّ".
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ مِنْ أَعيَانِ الفُقَهَاءِ، وَمَشْهُوْرِي الزُّهَّادِ وَالعُبَّادِ وَأَهْلِ الوَرَعِ وَالاجْتِهَادِ، رَوَى لَنَا عَنْهُ أَبُو أَحْمَدَ بنُ سُكَيْنَةَ، وَابْنُ الأَخْضَرِ.
وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ: نَزلَ بَغْدَادَ، فَقِيْهٌ فَاضِلٌ زَاهِدٌ، حَسَنُ السِّيْرَةِ، جَمِيْلُ الطّرِيقَةِ، عَزِيزُ النَّفْسِ، سَخِيُّ الطَّبعِ بِمَا يَملكُهُ، قَانِعٌ بِمَا هُوَ فِيْهِ، كَثِيْرُ الصَّوْمِ وَالعِبَادَةِ، صَنَّفَ تَصَانِيْفَ فِي الفِقْهِ، وَأَوْرَدَ فِيْهَا أَحَادِيْثَ مُسْنَدَةً عَنْ شُيُوْخِهِ، سَمِعْتُ مِنْهُ، وَسَمِعَ مِنِّي، وَكَانَ دَائِمَ البِشْرِ، مُتَوَاضِعاً، كَثِيْرَ المَحْفُوْظِ، وَكَانَ لَهُ عِمَامَةٌ وَقَمِيْصٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيْهِ، إِذَا خَرَجَ ذَاكَ قَعَدَ هَذَا فِي البَيْتِ، وَدَخَلتُ عَلَيْهِ مَعَ الوَاعِظِ الغَزنوِيِّ، فَوَجَدنَاهُ عُرْيَاناً مُتَّزِراً، فَاعْتذرَ، وَقَالَ: نَحْنُ كَمَا قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ:
قومٌ إِذَا غَسَلُوا ثِيَابَ جَمَالِهِم ... لَبِسُوا البُيُوْتَ إِلَى فَرَاغِ الغَاسِلِ
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْتُ حَمْزَةَ بنَ عَلِيٍّ الحَرَّانِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ شَيْخُنَا عَليٌّ اليَزدِيُّ يَقُوْلُ لَنَا: إِذَا مُتُّ فَلاَ تَدْفِنُوْنِي إلَّا بَعْدَ ثَلاَثٍ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُوْنَ بِي سَكتَةٌ. قَالَ: وَكَانَ جَثيثاً صَاحِبَ بَلْغَمٍ، وَكَانَ يَصُوْمُ شَهْرَ رَجَبٍ، فَقَبْلَ أَيَّامٍ مِنْهُ قَالَ لَنَا: قَدْ رَجَعتُ عَنْ قَوْلِي، فَإِذَا مُتُّ فَادْفِنُوْنِي فِي الحَالِ، فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ يَقُوْلُ: يَا عليُّ، صُمْ رَجَباً عِنْدنَا. قَالَ: فمات ليلة رجب.
قَالَ ابْنُ شَافِعٍ: مَاتَ فِي تَاسعٍ وَعِشْرِيْنَ، سَنَةً إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ "السُّنَنَ" الخَطِيْبُ الدَّوْلَعِيّ، وَتَلاَ عَلَيْهِ حَمْزَةُ بنُ القُبَّيْطِيِّ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ النَّاقِدِ، وَعَلِيُّ بن الدباس.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 324"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 159".

(15/119)


الأغرجي، البيكندي:
028- الأغرجي:
الإِمَامُ ذُو الفُنُوْنِ، شَيْخُ العُلَمَاءِ بِخُوَارِزْمَ، أَبُو الفَرَجِ، مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي سَعِيْدٍ.
رَوَى عَنْ أَبِي عَلِيٍّ إِسْمَاعِيْلَ بنِ البَيْهَقِيِّ، والزمخشري.
وكان ثقةً عادلًا، وَاعِظاً مُنَاظِراً مُفْتِياً، مُحِبّاً لِلْحَدِيْثِ، جَاوَزَ ثَمَانِيْنَ سَنَةً.
مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَازْدَحَمُوا عَلَى نَعْشِهِ، رَحِمَهُ الله.
ذكره ابن رسلان في "تاريخه".
5029- البيكندي 1:
لشيخ الفَاضِلُ العَابِدُ المُسْنِدُ، أَبُو عَمْرٍو، عُثْمَانُ بنُ علي بن محمد ابن علي البخاري البيكندي.
مَوْلِدُهُ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ عَبْدَ الوَاحِدِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الوركي المعمر، وأبا بكر محمد ابن خُواهِرْزَادَه، وَالقَاضِي أَبَا الخَطَّابِ الطَّبَرِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ أَبِي سَهْلٍ الفَقِيْهَ، وَعِدَّةً.
وَتَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عَنِ الإِمَامِ أَبِي المُظَفَّرِ عَبْدِ الكَرِيْمِ، الأَنْدقِيِّ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ وَابْنُهُ أَبُو المُظَفَّرِ عَبْدُ الرَّحِيْمِ، وَغَيْرُهُمَا.
وَلَمَّا حَانَ وَقتُ رِوَايَةِ الرُّوَاةِ عَنْهُ، أَخذَتِ التَّتَارُ البِلاَدَ بِالسَّيْفِ، وَانسَدَّ بَابُ الرِّوَايَةِ بِخُرَاسَانَ أَقَاصيهَا وَأَدَانِيْهَا.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ: هُوَ إِمَامٌ فَاضِلٌ وَرِعٌ عَفِيْفٌ نَزِهٌ عَابِدٌ، قَانِعٌ بِاليَسِيْرِ، ثِقَةٌ صَالِحٌ، تُوُفِّيَ فِي تَاسعِ شَهْرِ شَوَّالٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وخمسين وخمس مائة، وشيعه أمم.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 327"، وشذرات الذهب "4/ 162" ووقع عنده [السكندري] بالسين بدل الباء الموحدة التحتية.

(15/120)


5030- ابن الصفار 1:
لإمام العَلاَّمَةُ القُدْوَةُ، أَبُو حَفْصٍ، عُمَرُ بنُ أَحْمَدَ بن منصور بن الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ بنِ حَبِيْبٍ، النَّيْسَابُوْرِيُّ الشَّافِعِيُّ، زَوجُ بِنْتِ الإِمَامِ أَبِي نصر ابن القشيري.
وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ بقِرَاءةِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَبْدِ الغَافِرِ الفَارِسِيِّ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ خَلَفٍ الأَدِيْبِ، وَأَبِي المُظَفَّرِ مُوْسَى بنِ عِمْرَانَ، وَأَبِي تُرَابٍ عَبْدِ البَاقِي المَرَاغِيِّ، وَأَبِي القَاسِمِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَحْمَدَ الوَاحِدِيِّ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ الأَخْرَمِ، وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ الصَّفَّارِ، وَحَفِيْدُهُ القَاسِمُ بنُ أَبِي سَعْدٍ، وَالمُؤَيَّدُ الطُّوْسِيُّ، وَمَنْصُوْرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، وَيَحْيَى بنُ الرَّبِيْعِ الوَاسِطِيُّ الفَقِيْهُ، وَسُلَيْمَانُ بنُ مُحَمَّدٍ المَوْصِلِيُّ، وَأَخُوْهُ عَلِيٌّ، وَزَيْنَبُ الشَّعْرِيَّةُ، وَأَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ الرَّافِعِيُّ وَالِدُ صَاحِبِ الشَّرْحِ. وَكَانَ يُلَقَّبُ بِعِصَامِ الدِّينِ.
قَالَ حَفِيْدُهُ القَاسِمُ: كَانَ جَدِّي نَظيراً لِمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الفَقِيْهِ، وَكَانَ يَزِيْدُ عَلَيْهِ بِمَعْرِفَةِ الأَصْلَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: هُوَ إِمَامٌ بارِعٌ مُبَرِّزٌ، جَامِعٌ لأَنْوَاعِ الفَضْلِ مِنَ العُلُوْمِ، وَكَانَ سديدَ السِّيرَةِ، مُكْثِراً مِنَ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ عَبْدُ الغَافِرِ فِي "تَارِيْخِهِ": شَابٌّ فَاضِلٌ دَيِّنٌ وَرِعٌ، أَحَدُ وُجُوهِ الفُقَهَاءِ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: تُوُفِّيَ يَوْمَ النَّحْرِ سَنَةَ ثلاث وخمسين وخمس مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 329"، وشذرات الذهب "4/ 168".

(15/121)


الكرماني، ابن القطان:
031- الكرماني 1:
لشيخ الصَّالِحُ المُعَمَّرُ، أَبُو سَعْدٍ، عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ الحَسَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ الكَرْمَانِيُّ، ثُمَّ النَّيْسَابُوْرِيُّ.
وُلِدَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ خَلَفٍ، وَمُوْسَى بنِ عِمْرَانَ الأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي سهلٍ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عَبْدِ اللهِ الدَّشْتِيِّ، وَتَفَرَّدَ فِي وَقتِهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ وَوَلَدُهُ عَبْدُ الرَّحِيْمِ، وَمُحَمَّدُ بنُ نَاصرِ بنِ سَلْمَانَ، وَجَمَاعَةٌ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
5032- ابْنُ القَطَّانِ 2:
لشيخ الأَدِيْبُ البَارعُ، شَاعِرُ بَغْدَادَ، أَبُو القَاسِمِ، هِبَةُ الله بن الفضل ابن عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ مُحَمَّدٍ، البَغْدَادِيُّ المَتُّوثِي ابْنُ القَطَّانِ.
سَمِعَ أَبَاهُ، وَأَبَا الفَضْلِ بنَ خَيْرُوْنَ، وَأَبَا طَاهِرٍ أَحْمَدَ بنَ الحَسَنِ البَاقِلاَّنِيَّ، وَابْنَ طَلْحَةَ النِّعَالِيَّ.
وَلَهُ هِجَاءٌ مُقْذِعٌ، وَمديحٌ فَائِقٌ.
رَوَى عَنْهُ السَّمْعَانِيُّ، وَقَالَ: سأَلتُهُ عَنْ مولدِهِ، فَقَالَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الفِطْرِ سنة ثمان وخمسين وخمس مائة، وديوانه مَشْهُوْرٌ، وَقَدْ هجَا الْحَيْصُ بَيْص.
وَجدُّهُ هُوَ شَيْخُ الخَطِيْبِ المُحَدِّثُ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ الفَضْلِ القَطَّانُ، وَكَانَ فِيْهِ دُعَابَةٌ وَانطبَاعٌ، وَمِمَّنْ يتقى لسانه.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "5/ 366"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 187".
2 ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 300"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "6/ ترجمة 776"، ولسان الميزان "6/ 189".

(15/122)


5033- جَعْفَرُ بنُ زَيْدِ 1:
بنِ جَامِعِ بنِ حُسَيْنٍ، الإِمَامُ الفَاضِلُ، أَبُو الفَضْلِ الطَّائِيُّ الشَّامِيُّ الحَمَوِيُّ، وَيُلَقَّبُ بِأَبِي زَيْدٍ.
سَكَنَ بَغْدَادَ بِقَطُفْتَا.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعَ الكَثِيْرَ مِنْ أَبِي الحُسَيْنِ المُبَارَكِ، وَأَبِي سَعْدٍ أَحْمَدَ ابْنَيْ عَبْدِ الجَبَّارِ الصَّيْرَفِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ، وَأَبِي طَالِبٍ اليُوْسُفِيِّ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ الحُصَيْنِ، وَأَبِي العِزِّ بنِ كَادشٍ، وَكَتَبَ بِخَطِّهِ كَثِيْراً، وَخَطُّهُ مَضْبُوْطٌ، وَخَرَّجَ تَخَارِيجَ، وَسَمِعَ مِنْهُ القُدَمَاءُ، وَكَانَ مَشْهُوْراً بِالدِّينِ وَالصَّلاَحِ وَحُسْنِ الطَّرِيقَةِ، روى عنه أبو الفرج بن الجوزي، وأبو عبد الله بن الزبيدي.
وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ: أَبُو زَيْدٍ الحَمَوِيُّ شَيْخٌ صَالِحٌ خَيِّرٌ، كَثِيْرُ العِبَادَةِ، دَائِمُ التِّلاَوَةِ، مُشْتَغِلٌ بِنَفْسِهِ، لاَ يَخْرُجُ إلَّا مِنْ جُمُعَةٍ إِلَى جُمُعَةٍ، كَتَبْتُ عَنْهُ.
قُلْتُ: مَا أُرَاهُ أَدْرَكَ أَبَا الحُسَيْنِ بنَ الطُّيُوْرِيِّ، بَلَى سَمِعَ مِنْ أَخِيْهِ.
قَالَ: وُلِدْتُ سَنَةَ ثَلاَثٍ -أَوْ خَمْس- وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَمَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: لَهُ كِتَابُ "البُرْهَانِ" فِي السُّنَّةِ، سَمِعْنَاهُ، وَعَلَيْهِ فِيْهِ مَآخذُ رَحِمَهُ اللهُ.
أَخْبَرْنَا ابْنُ مُؤْمِنٍ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ زَيْدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ العُكْبَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ الحَرْبِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ مَرْدَكَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: نُثْبِتُ هَذِهِ الصِّفَاتِ الَّتِي جَاءَ بِهَا القُرْآنُ وَوَرَدَتْ بِهَا السُّنَّةُ، وَننفِي التَّشبيهَ عَنْهُ كَمَا نَفَى عَنْ نَفْسِهِ، فَقَالَ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشُّورى: 11] .
وَفِيْهَا مَاتَ أَبُو سَعْدٍ مُنجحُ بنُ مفلِحٍ الدُّومِيُّ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ النَّيْسَابُوْرِيُّ سِبْطُ القُشَيْرِيِّ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحسن بن جعفر بن المُتَوَكِّلِ، وَأَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ بنُ قَفَرْجَلَ، وَأَبُو جعفر أحمد بن محمد ابن عبد العزيز العباسي.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 279"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 331"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 171".

(15/123)


5034- عدي:
لشيخ الإِمَامُ الصَّالِحُ القُدْوَةُ، زَاهِدُ وَقتِهِ، أَبُو مُحَمَّدٍ، عَدِيُّ بنُ صَخرٍ الشَّامِيُّ، وَقِيْلَ: عَدِيُّ بنُ مُسَافِرِ وَهَذَا أَشهرُ ابْنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُوْسَى الشَّامِيُّ، ثُمَّ الهَكَّارِيُّ مَسْكَناً.
قَالَ الحَافِظُ عَبْدُ القَادِرِ: سَاح سِنِيْنَ كَثِيْرَةً، وَصَحِبَ المَشَايِخَ، وَجَاهدَ أَنْوَاعاً مِنَ المُجَاهِدَاتِ، ثُمَّ إِنَّهُ سَكَنَ بَعْضَ جبالِ الموصلِ فِي مَوْضِع لَيْسَ بِهِ أَنِيسٌ، ثُمَّ آنسَ اللهُ تِلْكَ المَوَاضِعَ بِهِ، وَعمَّرهَا بِبَرَكَاتِهِ، حَتَّى صَارَ لاَ يَخَافُ أَحَدٌ بِهَا بَعْدَ قطْعِ السُّبُلِ، وَارتدَّ جَمَاعَةٌ مِنْ مفسدِي الأَكرَادِ بِبَرَكَاتِهِ، وَعُمِّرَ حَتَّى انتفعَ بِهِ خَلْقٌ، وَانتشرَ ذِكْرُهُ، وَكَانَ مُعَلِّماً لِلْخيرِ، نَاصحاً متشرِّعاً، شدِيداً فِي اللهِ، لاَ تَأْخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ، عَاشَ قَرِيْباً مِنْ ثَمَانِيْنَ سَنَةً، مَا بَلَغَنَا أَنَّهُ بَاعَ شَيْئاً وَلاَ اشْتَرَى، وَلاَ تلَبَّسَ بِشَيْءٍ مِنْ أَمرِ الدُّنْيَا، كَانَتْ لَهُ غُلَيْلَةٌ يَزْرَعُهَا بِالقَدُومِ فِي الجبلِ، وَيَحصدُهَا، ويتقوت، وكان يزرع القطنَ، وَيَكْتَسِي مِنْهُ، وَلاَ يَأْكُلُ مِنْ مَالِ أَحَدٍ شَيْئاً، وَكَانَتْ لَهُ أَوقَاتٌ لاَ يُرَى فِيْهَا مُحَافظَةً عَلَى أَورَادِهِ، وَقَدْ طُفْتُ مَعَهُ أَيَّاماً فِي سوَادِ المَوْصِلِ، فَكَانَ يُصَلِّي مَعَنَا العشَاءَ، ثُمَّ لاَ نَرَاهُ إِلَى الصُّبْحِ، وَرَأَيْتُهُ إِذَا أَقْبَلَ إِلَى قَرْيَةٍ يَتلقَّاهُ أَهْلُهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَسْمَعُوا كَلاَمَهُ تَائِبينَ رِجَالُهُم وَنِسَاؤُهُم إلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ مِنْهُم، وَلَقَدْ أَتَيْنَا مَعَهُ عَلَى دَيرِ رُهبَانٍ، فَتَلَقَّانَا مِنْهُم رَاهِبَانِ، فكشفا رأسيهما، وقبلا رجليه، وقال: ادْعُ لَنَا فَمَا نَحْنُ إلَّا فِي بَرَكَاتِكَ، وَأَخْرَجَا طبقاً فِيْهِ خُبْزٌ وَعَسَلٌ، فَأَكَلَ الجَمَاعَةُ. وَخَرَجتُ إِلَى زِيَارَةِ الشَّيْخِ أَوّلَ مرَّةٍ، فَأَخَذَ يحادثنا، وَيَسْأَلُ الجَمَاعَةَ، وَيُوَانِسهُم، وَقَالَ: رَأَيْتُ البَارِحَةَ فِي النَّوْمِ كَأَنَّنَا فِي الجَنَّةِ وَنَحْنُ يَنْزِلُ عَلَيْنَا شَيْء كَالبَرَدِ. ثُمَّ قَالَ: الرَّحْمَةُ، فَنظرتُ إِلَى فَوْقَ رَأْسِي، فَرَأَيْتُ نَاساً، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاَءِ? فَقِيْلَ: أَهْلُ السُّنَّةِ وَالصِّيتُ لِلْحَنَابِلَةِ، وَسَمِعْتُ شَخْصاً يَقُوْلُ لَهُ: يَا شَيْخ! لاَ بَأْسَ بِمُدَارَاةِ الفَاسِقِ؟ فَقَالَ: لاَ يَا أَخِي! دِينٌ مكتُوْمٌ دين ميشوم. وكان لا يُوَاصِلُ الأَيَّامَ الكَثِيْرَةَ عَلَى مَا اشْتُهِرَ عَنْهُ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ كَانَ يَعتقدُ أَنَّهُ لاَ يَأْكُلُ شَيْئاً قَطُّ، فَلَمَّا بلَغَهُ ذَلِكَ أَخَذَ شَيْئاً، وَأَكَلَهُ بِحضرَةِ النَّاسِ، وَاشْتُهِرَ عَنْهُ مِنَ الرِّيَاضَاتِ وَالسِّيَرِ وَالكَرَامَاتِ وَالانتِفَاعِ بِهِ مَا لَوْ كَانَ فِي الزَّمَانِ القَدِيْمِ لَكَانَ أُحْدُوثَةً، وَرَأَيْتُهُ قَدْ جَاءَ إِلَى المَوْصِلِ فِي السَّنَةِ الَّتِي مَاتَ فِيْهَا، فَنَزَلَ فِي مَشْهدٍ خَارِجَ المَوْصِلِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ السُّلْطَانُ وَأَصْحَابُ الولاَيَاتِ وَالمَشَايِخُ وَالعوَامُّ حَتَّى آذوهُ مِمَّا يُقبِّلُوْنَ يَدَهُ، فَأُجْلِسَ فِي مَوْضِعٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ شُبَّاكٌ بِحَيْثُ لاَ يَصلُ إِلَيْهِ أَحَدٌ إلَّا رُؤْيَةً، فَكَانُوا يُسلِّمُوْنَ عَلَيْهِ، وَيَنصرفُوْنَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى زَاوِيَتِهِ.
وَقَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: أَصلُهُ مِنْ بَيْتِ فَار من بلاد بعلبك، وتوجه إلى جبلِ الهَكَّارِيَّةِ، وَانقطعَ، وَبَنَى لَهُ زَاويَةً، وَمَال إِلَيْهِ أَهْلُ البِلاَدِ مَيْلاً لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ، وَسَارَ ذِكْرُهُ فِي الآفَاقِ، وَتَبِعَهُ خَلْقٌ جَاوَزَ اعْتِقَادُهُم فِيْهِ الحدَّ، حَتَّى جَعَلُوْهُ قِبْلَتَهُم الَّتِي يُصلُّوْنَ إِلَيْهَا، وَذَخيرتَهُم فِي الآخِرَةِ، صَحِبَ الشَّيْخَ عَقِيلاً المَنْبِجِيَّ، وَالشَّيْخَ حَمَّاداً الدَّبَّاسَ وَغَيْرَهُمَا، وَعَاشَ تِسْعِيْنَ سَنَةً، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ مُظَفَّرُ الدِّينِ صَاحِبُ إِرْبِل: رَأَيْتُ الشَّيْخَ عَدِيَّ بنَ مُسَافِرٍ وَأَنَا صَغِيْرٌ بِالمَوْصِلِ، وَهُوَ شَيْخٌ رَبْعَةٌ، أَسْمَرُ اللَّوْنِ، رَحِمَهُ اللهُ.
قُلْتُ: نَقلَ الحَافِظُ الضِّيَاءُ عَنْ شَيْخٍ لَهُ أَنَّ وَفَاتَهُ كَانَتْ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ مِنَ السنة.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان "3/ ترجمة 415"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 362".

(15/124)


5035- ابن الحطيئة 1:
لشيخ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ القُدْوَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ هشام اللخمي المغربي الفاسي المقرىء النَّاسخُ ابْنُ الحُطَيْئَةِ.
مَوْلِدُهُ بِفَاسٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وسبعين وأربع مائة.
وَحَجَّ، وَلَقِيَ الكِبَارَ، وَتَلاَ بِالسَّبْعِ عَلَى أَبِي القَاسِمِ بنِ الفَحَّامِ الصَّقَلِّيِّ، وَغَيْرِهِ.
وَسَمِعَ مِنْ أَبِي الحَسَنِ بنُ مُشَرِّفٍ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الحَضْرَمِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَصَنِيعَةُ المُلْكِ ابْنُ حَيْدَرَةَ، وَشُجَاعُ بنُ مُحَمَّدٍ المُدْلِجِيّ، وَالأَثيرُ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بِنَانٍ -وَقرَأَ عَلَيْهِ- وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ اللَّمْطِيُّ، وَالنَّفِيْسُ أَسَعْدُ بنُ قَادوسٍ خَاتمَةُ أَصْحَابِهِ.
وَقَدْ دَخَلَ الشَّامَ، وَزَارَ، وَسَكَنَ مِصْرَ، وَتَزَوَّجَ، وَكَانَ يَعيشُ مِنَ الوِرَاقَةِ، وَعلَّمَ زوجتَهُ وَبِنْتَهُ الكِتَابَةَ، فَكَتَبتَا مِثْلَهُ، فَكَانَ يَأْخذُ الكِتابَ وَيَقسِمُهُ بَيْنَهُ وَبينهُمَا، فَيْنسخُ كُلٌّ مِنْهُمَا طَائِفَةً مِنَ الكِتَابِ، فَلاَ يُفرَّقُ بَيْنَ الخُطُوطِ إلَّا فِي شَيْءٍ نَادِرٍ، وَكَانَ مُقيماً بِجَامِعِ رَاشِدَةَ خَارِجَ الفُسْطَاطِ، وَلأَهْلِ مِصْرَ حَتَّى أُمرَائِهَا العُبَيْدِيَّةُ فِيْهِ اعْتِقَادٌ كَبِيْرٌ، كَانَ لاَ يَقبلُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئاً، مَعَ العِلْمِ وَالعملِ وَالخوفِ وَالإِخْلاَصِ.
وَتَلاَ أَيْضاً بِالسَّبْعِ عَلَى أَبِي عَلِيٍّ بنِ بَلِّيمَةَ، وَعَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الحَضْرَمِيِّ.
وَأَحكَمَ العَرَبِيَّةَ وَالفِقْهَ، وَخَطُّهُ مرغوبٌ فِيْهِ لإتقانه وبركته.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "1/ ترجمة 69"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 370"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 188".

(15/125)


وَقَدْ كَانَ حَصَلَ قَحطٌ بِمِصْرَ، فَبذلَ لَهُ غير واحد عطاءً، فأبى وقنع، فَخطبَ الفَضْلُ بنُ يَحْيَى الطَّوِيْلُ إِلَيْهِ بِنْتَهُ، فَزوَّجَهُ، ثُمَّ طلبَ مِنْهُ أُمَّهَا لِتُؤنِسَهَا، فَفَعَل، فَمَا أَجْمَلَ تلطُّفَ هَذَا المَرْء فِي بِرِّ أَبِي العَبَّاسِ؟
قَالَ السِّلَفِيُّ: كَانَ ابْنُ الحطيئَةِ رَأْساً فِي القِرَاءاتِ، وَقَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي الطَّاهِرِ بنِ الأَنْمَاطِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ شَيْخنَا شُجَاعاً المُدْلِجِيّ وَكَانَ مِنْ خيَارِ عُبَّادِ اللهِ يَقُوْلُ: كَانَ شَيْخُنَا ابْنُ الحطيئَةِ شدِيداً فِي دِينِ اللهِ، فَظّاً غليظاً عَلَى أَعْدَاءِ اللهِ، لَقَدْ كَانَ يَحضُرُ مَجْلِسَهُ دَاعِي الدُّعَاةِ مَعَ عِظَمِ سُلْطَانِهِ وَنُفوذِ أَمرِهِ، فَمَا يَحتشمُهُ، وَلاَ يُكرِمُهُ، وَيَقُوْلُ: أَحْمَقُ النَّاسِ فِي مَسْأَلَةِ كَذَا وَكَذَا الرَّوَافضُ، خَالفُوا الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَكفرُوا بِاللهِ، وَكُنْتُ عِنْدَهُ يَوْماً فِي مسجدِهِ بشرَفِ مِصْرَ وَقَدْ حضَرَهُ بَعْضُ وُزرَاءِ المِصْرِيّينَ أَظنُّهُ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَاسْتسقَى فِي مَجْلِسِهِ، فَأَتَاهُ بَعْضُ غِلمَانِهِ بِإِنَاء فِضَّةٍ، فَلَمَّا رَآهُ ابْنُ الحطيئَةِ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى فُؤَادِهِ، وَصرَخَ صرخَةً ملأَتِ المَسْجَدَ، وَقَالَ: وَاحرَّهَا عَلَى كبدِي! أَتَشْرَبُ فِي مَجْلِسٍ يُقرَأُ فِيْهِ حَدِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي آنِيَةِ الفِضَّةِ?! لاَ وَاللهِ لاَ تَفْعَلْ، وَطَردَ الغُلاَمَ، فَخَرَجَ، وَطلبَ الشَّيْخُ كُوزاً، فَجِيْءَ بِكُوزٍ قَدْ تَثَلَّمَ، فَشرِبَ، وَاسْتَحيَى مِنَ الشَّيْخِ، فَرَأَيْتُهُ وَاللهِ كَمَا قَالَ اللهُ: {يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِغُهُ} [إِبراهِيمُ: 17] .
قَالَ: وَأَتَى رَجُلٌ إِلَى شَيْخِنَا ابْنِ الحطيئَةِ بِمِئْزَرٍ، وَحَلَفَ بِالطَّلاَقِ ثَلاَثاً لاَ بُدَّ أَنْ يَقبَلَهُ، فَوبَّخَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ: عَلِّقْهُ عَلَى ذَاكَ الوتَدِ. فَلَمْ يَزَلْ عَلَى الوتدِ حَتَّى أَكَلَهُ العُثُّ، وَتَسَاقَطَ، وَكَانَ يَنسخُ بِالأُجْرَةِ، وكان له على الجِزْيَةِ فِي السَّنَةِ ثَلاَثَةُ دَنَانِيْرَ، وَلَقَدْ عرضَ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الأُمَرَاءِ أَنْ يَزِيْدَ جَامِكيَّتَهُ، فَمَا قَبِلَ، وَكَانَ لَهُ مِنَ الموقِعِ فِي قُلُوْبِهِم مَعَ كَثْرَةِ مَا يُهِينُهُم مَا لَمْ يَكُنْ لأَحدٍ سِوَاهُ، وَعَرَضُوا عَلَيْهِ القَضَاءَ بِمِصْرَ، فَقَالَ: وَاللهِ لاَ أَقضِي لَهُم.. إِلَى أَنْ قَالَ شُجَاعٌ: وَكَتَبَ صَحِيْحَ مُسْلِمٍ كُلَّهُ بِقَلَمٍ وَاحِدٍ، وَسَمِعتُهُ وقِيْلَ لَهُ: فُلاَنٌ رُزِقَ نِعمَةً وَمَعدَةً، فَقَالَ: حَسَدُوْهُ عَلَى التَّردُّدِ إِلَى الخلاَءِ، وَسَمِعته كَثِيْراً إِذَا ذُكِرَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُوْلُ: طُوِيَتْ سَعَادَةُ المُسْلِمِيْنَ فِي أَكْفَانِ عُمَرَ.
وَذَكرنَا فِي "طَبَقَاتِ القُرَّاءِ" أَنَّ النَّاسَ بَقُوا بِمِصْرَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ بِلاَ قَاضٍ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ، فَوَقَعَ اخْتيَارُ الدَّوْلَةِ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي العَبَّاسِ، فَاشترَطَ عَلَيْهِم شُرُوطاً صعبَةً، مِنْهَا أَنَّهُ لاَ يَقضِي بِمَذْهَبِهِم يَعْنِي الرَّفْضَ، فَلَمْ يُجيبُوا إلَّا أَنْ يَقضِيَ عَلَى مَذْهَبِ الإِمَامِيَّةِ.
تلوتُ بِالسَّبْعِ مِنْ طرِيقِهِ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرٍ النَّحْوِيِّ، عَنِ الكَمَالِ العَبَّاسِيِّ، عَنْ شُجَاعٍ المدلجي، عنه.

(15/126)


وَقَرَأْتُ بِخَطِّ ابْنِ الأَنْمَاطِيِّ، قَالَ لِي شَيْخُنَا شُجَاعٌ: كَانَ الشَّيْخُ أَبُو العَبَّاسِ قَدْ أَخَذَ نَفْسَهُ بِتقَلِيْلِ الأَكلِ، بِحَيْثُ بَلَغَ فِي ذَلِكَ إِلَى الغَايَةِ، وَكَانَ يَتَعَجَّبُ مِمَّنْ يَأْكُلُ ثَلاَثِيْنَ لُقْمَةً، وَيَقُوْلُ: لَوْ أَكلَ النَّاسُ مِنَ الضَّارِ مَا آكُلُ أَنَا مِنَ النَّافِعِ مَا اعتلُّوا. قَالَ: وَحَكَى لَنَا شُجَاعٌ أَنَّ أَبَا العَبَّاسِ وُلِدَتْ لَهُ بِنْتٌ، فَلَمَّا كَبُرَتْ أَقرَأَهَا بِالسَّبْعِ، وقرأت عليه "الصحيحين" وغير ذلك، وكتبت الكَثِيْرَ، وَتَعلَّمَتْ عَلَيْهِ كَثِيْراً مِنَ العِلْمِ، وَلَمْ يَنْظُرْ إِلَيْهَا قَطُّ، فَسَأَلتُ شُجَاعاً: أَكَانَ ذَلِكَ عَنْ قَصْدٍ? فَقَالَ: كَانَ فِي أَوِّلِ العمرِ اتِّفَاقاً، لأَنَّه كَانَ يَشتغلُ بِالإِقْرَاءِ إِلَى المَغْرِبِ، ثُمَّ يَدخلُ بَيْتَهُ وَهِيَ فِي مَهْدِهَا، وَتَمَادَى الحَالُ إِلَى أَنْ كَبُرَتْ، فَصَارَت عَادَةً، وَزَوَّجَهَا، وَدَخَلَتْ بَيْتهَا وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَنْظُرْ إِلَيْهَا قَطُّ.
قُلْتُ: لاَ مدحَ فِي مِثْلِ هَذَا، بَلِ السُّنَّةُ بِخلاَفِهِ، فَقَدْ كَانَ سَيِّدُ البَشَرِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحملُ أُمَامَةَ بِنْتَ ابْنتِهِ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ1. تُوُفِّيَ ابْنُ الحطيئَةِ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ سِتِّيْنَ وخمس مائة، وقبره بالقرافة ظاهر يزار.
__________
1 صحيح: أخرجه مالك "1/ 170" والشافعي "1/ 96"، وأحمد "5/ 295 و296 و297 و303 و304 و310 و311"، والطيالسي "1/ 109"، والحميدي "422"، والبخاري "516"، ومسلم "543" "42"، والنسائي "3/ 10"، والدارمي "1/ 316"، والطبراني في "الكبير" "22/ 1066-1071" من طرق عَنْ عَامِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَمْرِو بنِ سُلَيْم الزُّرَقِي، عَنْ أَبِي قَتَادَة الأنصاري قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يؤم الناس وأمامة بنت أبي العاص وهي ابنة زينب بنت النبي -صلى الله عليه وسلم- على عاتقه، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع من السجود أعادها" واللفظ لمسلم.

(15/127)


5036- الدَّارَانِيُّ:
أَبُو مُحَمَّدٍ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الحسن بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ اللهِ الكِنَانِيُّ الدَّارَانِيُّ الدِّمَشْقِيُّ.
سَمَّعَهُ خَالُهُ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ النَّسَائِيُّ مِنْ سَهْلِ بنِ بِشْرٍ الإِسْفَرَايِيْنِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَبِي الفَضْلِ بنِ الفُرَاتِ.
وَعَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ وَابْنُهُ، وَالمُسَلَّمُ المَازِنِيُّ، وَمُكْرمٌ، وَكَرِيْمَةُ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: لَمْ يَكُنِ الحَدِيْثُ من صنعته، توفي في جمادى الأُوْلَى سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ. رَوَى كَثِيْراً مِنْ سُنَنِ النَّسَائِيِّ الكَبِيْرِ عَنِ الإِسْفَرَايِيْنِيِّ.

(15/127)


الجواد، ابنه جلال الدين علي، سديد الدولة:
5037- الجواد 1:
الوَزِيْرُ الصَّاحبُ، المُلَقَّبُ بِالجَوَادِ، أَبُو جَعْفَرٍ، مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي مَنْصُوْرٍ الأَصْبَهَانِيُّ، وَزِيْرُ صَاحِبِ المَوْصِلِ زِنْكِي الأَتَابَكِ.
وَلاَّهُ زِنْكِي نِيَابَةَ الرَّحبَةِ وَنَصِيْبِيْن، وَاعتمدَ عَلَيْهِ.
وَكَانَ كَرِيْماً نَبِيلاً، مُحبَّباً إِلَى الرَّعِيَّةِ، دَمِثَ الأَخلاَقِ، كَامِلَ الرِّئَاسَةِ، امْتَدَحَهُ القَيْسَرَانِيُّ بِهَذِهِ الكَلِمَةِ:
سَقَى اللهُ بِالزَّوْرَاءِ مِنْ جَانبِ الغَرْبِ ... مَهاً وَرَدَتْ مَاءَ الحَيَاةِ مِنَ القَلْبِ
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: كَانَ يُنفِّذُ فِي السَّنَةِ إِلَى الحَرَمَيْنِ مَا يَكفِي الفُقَرَاءَ، وَوَاسَى النَّاسَ فِي قَحطٍ حَتَّى افْتَقَرَ وَبَاعَ بَقْيَارَهُ، وَأَجرَى المَاءَ إِلَى عرفَاتَ أَيَّامَ المَوْسِمِ، وَأَنشَأَ مَدْرَسَةً بِالمَدِيْنَةِ، ثُمَّ وَزَرَ لغَازِي بنِ زنكي، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ لأَخِيهِ مَوْدُوْدٍ، ثُمَّ إِنَّهُ اسْتكثَرَ إِقطَاعَهُ، وَثقُلَ عَلَيْهِ، فَسَجَنَهُ فِي سَنَةِ558، فَمَاتَ مُضَيَّقاً عَلَيْهِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ، وَكَانَتْ جِنَازَتُهُ مَشْهُوْدَةً مِنْ ضجيجِ الضُّعَفَاءِ وَالأَيْتَامِ، وَدُفِنَ بِالمَوْصِلِ، ثُمَّ نُقِلَ بَعْدَ عَامٍ، فَدُفِنَ بِالمَدِيْنَةِ النَّبَوِيَّةِ.
5038- ابْنُهُ جَلاَلُ الدِّينِ عَلِيٌّ 2:
وَكَانَ ابْنُهُ جَلاَلٌ عَلِيٌّ أَحَدَ البُلَغَاءِ، دُوِّنَتْ رَسَائِلُهُ، وَعَنْهُ أَخَذَ مَجدُ الدِّينِ المُبَارَكُ بنُ الأَثِيْرِ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقَدْ وَزَرَ أيضًا.
5039- سديد الدولة 3:
كَاتِبُ السِّرِّ لِلْخِلاَفَةِ، سَدِيدُ الدَّوْلَةِ، مُحَمَّدُ بنُ عبد الكريم بن إبراهيم ابن رِفَاعَةَ الشَّيْبَانِيُّ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ.
أَقَامَ فِي كِتَابَةِ الإِنشَاءِ خَمْسِيْنَ سَنَةً، وَنَابَ فِي الوزَارَةِ، وَنُفِّذَ رسولًا إلى الشام وإلى خراسان.
__________
1 ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 301"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 704"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 365"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 185".
2 ترجمته في وفيات الأعيان "5/ 146".
3 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 299"، وشذرات الذهب "4/ 184".

(15/128)


وَكَانَ مِنْ نُبَلاَءِ الرِّجَالِ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الحَرِيْرِيِّ مُرَاسلاَتٌ قَدْ دُوِّنَتْ.
حَدَّثَ عَنْ: هِبَةِ اللهِ بنِ الحُصَيْنِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ.
أخذ عنه: المبارك بن النقور، وغيره.
وَعَاشَ نَيِّفاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
حكَى أَنَّ الحَرِيْرِيَّ كَتَبَ إِلَيْهِ رُقعَةً، قَالَ: فَأَجبتُهُ:
أَهْلاً بِمَنْ أَهدَى إِلَيَّ صَحِيْفَةً ... صَافَحْتُهَا بِالرُّوحِ لاَ بِالرَّاحِ
وَتَبَلَّجَتْ فَتَأَرَّجَتْ نَفحَاتُهَا ... كَالمِسْكِ شِيْبَ نَسِيْمُهُ بِالرَّاحِ
فَكَتَبَ إِلَى جَوَابِ هَذِهِ: لَقَدْ صَدَقَتْ رُوَاةُ الأَخْبَارِ: أن معدن الكتابة الأنبار.

(15/129)


اللباد، البزري:
5040- اللباد 1:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ، أَبُو الحَسَنِ، عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي العَبَّاسِ، الأَصْبَهَانِيُّ اللَّبَّادُ.
سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ ماجة، ورزق الله التميمي، ورجاء ابن قَوْلويه، وَالرَّئِيْسَ الثَّقَفِيَّ، وَأَبَا نَصْرٍ السِّمْسَارَ، وَلَهُ إِجَازَةٌ صَحِيْحَةٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ خَلَفٍ الأَدِيْبِ.
انتخبَ عَلَيْهِ مَعْمَرُ بنُ الفَاخرِ "جُزْءاً".
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ مَكِّيٍّ، وَأَهْلُ تِلْكَ الدِّيَارِ.
وَلَمْ يَقعْ لَنَا حَدِيْثُهُ مُتَّصِلاً.
وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ ابْنُ اللَّتِّيِّ، وَكَرِيْمَةُ، وَغَيْرُهُمَا.
تُوُفِّيَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ سِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَكَانَ من أبناء التسعين.
5041- البزري 2:
الإِمَامُ عَالِمُ أَهْلِ الجَزِيْرَةِ، أَبُو القَاسِمِ، عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عِكْرِمَةَ، ابْنُ البَزْرِيِّ الجَزَرِيُّ الشَّافِعِيُّ.
ارْتَحَلَ، وَأَخَذَ المَذْهَبَ عَنِ الغَزَالِيِّ، وَإِلْكِيَا، وَطَائِفَةٍ.
وَبَرَعَ فِي غَوَامضِ الفِقْهِ، وَتَخَرَّجَ بِهِ أَئِمَّةٌ.
وَلَهُ مُصَنَّفٌ كَبِيْرٌ شرحَ فِيْهِ إِشكَالاَتِ "المُهَذَّبِ".
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: كَانَ أَحْفَظَ مَنْ بَقِيَ فِي الدُّنْيَا عَلَى مَا يُقَالُ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَكَانَ يُلَقَّبُ بِزَيْنِ الدِّينِ جَمَالِ الإِسْلاَمِ، لَمْ يَدَعْ بِالجَزِيْرَةِ نَظيرَهُ، تُوُفِّيَ فِي أَحَدِ الرَّبِيْعَيْنِ سَنَةَ سِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ وَلَهُ تِسْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
وَهذه نِسبَةٌ إِلَى عَمَلِ البَزْرِ وَبيعِهِ وَهُوَ اسْتخرَاجُ زَيْتِ الكَتَّانِ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 370"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 189".
2 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "3/ ترجمة 495"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 370"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 189".

(15/129)


الحراني، ابن الفراء:
5042- الحراني 1:
العَدْلُ الجَلِيْلُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بن العباس بن عبد الحميد الحراني ثم البَغْدَادِيُّ.
سَمِعَ رِزْقَ اللهِ التَّمِيْمِيَّ، وَهِبَةَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الأَنْصَارِيَّ، وَطِرَاداً الزَّيْنَبِيَّ، وَبِأَصْبَهَانَ أَبَا الفَتْحِ الحَدَّادَ، وَجَمَاعَةً.
رَوَى عَنْهُ بِنْتُهُ خَدِيْجَةُ، وَعَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ القُبَّيْطِيِّ. وَأَجَازَ لِلرَّشِيْدِ بنِ مَسْلَمَةَ.
وَلَهُ نَظْمٌ حَسَنٌ، أَلَّفَ كِتَاباً سَمَّاهُ "رَوْضَةَ الأُدبَاءِ".
وَكَانَ آخرَ مَنْ مَاتَ مِنْ شُهُوْدِ القَاضِي أَبِي الحَسَنِ بنِ الدَّامَغَانِيّ.
تُوُفِّيَ فِي ثَانِي عشرَ جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ ستين وخمس مائة.
5043- ابن الفراء 2:
شَيْخُ الحَنَابِلَةِ، المُفْتِي القَاضِي، أَبُو يَعْلَى الصَّغِيْرُ، محمد بن أبي خازم محمد بن القَاضِي الكَبِيْرِ أَبِي يَعْلَى بنِ الفَرَّاءِ البَغْدَادِيُّ، مِنْ أَنْبَلِ الفُقَهَاءِ وَأَنْظَرِهِم.
تَخَرَّجَ بِهِ خَلْقٌ.
سمع من أبي الحسن بن العلاف، والحسن بن محمد التككي، وطائفة.
وولي قَضَاءَ وَاسِطَ مُدَّةً، ثُمَّ عُزِلَ، وَلَزِمَ الإِفَادَةَ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الفَتْحِ المَنْدَائِيُّ، وَابْنُ الأَخْضَرِ.
تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ سِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ وَلَهُ سِتٌّ وَسِتُّوْنَ سَنَةً.
تَفقَّهَ بِأَبِيْهِ وَبعَمِّهِ أَبِي الحُسَيْنِ مُحَمَّدٍ.
وَقَدْ أَضَرَّ بِأَخَرَةٍ، وكان أحد الأذكياء.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 303"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 368-369"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 189".
2 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 304"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 370"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 190".

(15/130)


ابن التلميذ، ابن الصابوني:
5044- ابن التلميذ 1:
قِسِّيسُ النَّصَارَى، وَبُقرَاطُ وَقتِهِ، أَمِيْنُ الدَّوْلَةِ، أَبُو الحسن، هبة الله ابن صَاعِدٍ، المَسِيْحِيُّ الطَّبِيْبُ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
كَانَ كَثِيْرَ الأَمْوَالِ وَالتَّجَمُّلِ، وَعَاشَ أَرْبَعاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
مَاتَ سنة ستين وخمس مائة.
5045- ابن الصابوني 2:
المقرى الإِمَامُ، أَبُو الفَتْحِ، عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ المَالِكِيُّ -مِنْ قَرْيَة المَالِكِيَّةِ- البَغْدَادِيُّ الصَّابُوْنِيُّ أَبُوْهُ الخَفَّافُ الحَنْبَلِيُّ.
قرَأَ بِالعَشْرِ عَلَى ابْنِ بَدْرَانَ، وَأَبِي العِزِّ القَلاَنسِيِّ.
وَسَمِعَ الكَثِيْرَ مِنَ النِّعَالِيِّ، وَابْنِ البَطِرِ، وَثَابِتِ بنِ بُنْدَارَ، وَابْنِ الطُّيُوْرِيِّ.
رَوَى عَنْهُ: سِبْطُهُ عُمَرُ بنُ كَرَمٍ تِلْكَ "الأَرْبَعِيْنَ" المخرَّجَةِ لَهُ، وَابْنُ الأَخْضَرِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ ثَبْتاً صَدُوْقاً، قَيِّماً بِمَعْرِفَةِ القِرَاءاتِ.
وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ: صَدُوْقٌ صَالِحٌ، حَسَنُ السِّيْرَةِ بِكِتَابِ اللهِ، يَأْكُلُ مِنْ كَدِّ يَدِهِ، كَتَبْتُ عَنْهُ، وَقَالَ لِي: وُلِدْتُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَكَانَ يَصنعُ خِفَافَ النِّسَاءِ.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "6/ ترجمة 779"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 190-191".
2 ترجمته في اللباب لابن الأثير "3/ 152"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 361"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 177".

(15/131)


علي بن عساكر، ابن قفرجل:
5046- علي بن عساكر 1:
ابن سرور، الشَّيْخُ الأَمِيْنُ المُعَمَّرُ، أَبُو الحَسَنِ المَقْدِسِيُّ الخَشَّابُ، نَزِيْلُ دِمَشْقَ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ فِي سَنَةِ سَبْعِيْنَ مِنَ الفَقِيْهِ نَصْرٍ المَقْدِسِيِّ، وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي الحَدِيْدِ.
وَقَدِمَ دِمَشْقَ فِي تِجَارَةٍ، ثُمَّ سَكَنَهَا بَعْدَ اسْتيلاَءِ النَّصَارَى عَلَى بَيْتِ المَقْدِسِ.
وَكَانَ يَصحبُ الفَقِيْهَ نَصْرَ اللهِ المَصِّيْصِيَّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ وَابْنُهُ القَاسِمُ، وَأَبُو المَوَاهِبِ بنُ صصرى، وأخوه أبو القاسم الحُسَيْنِ، وَجَمَاعَةٌ.
مَاتَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقَعَ لِي جُزءٌ مِنْ عواليه.
5047- ابن قفرجل:
الشَّيْخُ الثِّقَةُ المُسْنِدُ، أَبُو القَاسِمِ، أَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ عَبْدِ البَاقِي بنِ مُحَمَّدِ بنِ قفرجل البغدادي الذهبي القطان المقرىء، أَخُو الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَحْمَدَ بنِ المُبَارَكِ الَّذِي يَرْوِي عَنْ طِرَادٍ وَمَاتَ قَبْلَ أَبِي القَاسِمِ بِعَشْرِ سِنِيْنَ.
وَأَبُو القَاسِمِ هَذَا سَمِعَ عَاصِمَ بنَ الحَسَنِ، وَطِرَادَ بنَ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيَّ، وَرِزْقَ اللهِ التَّمِيْمِيَّ، وَالفَضْلَ بنَ أَبِي حربٍ الجُرْجَانِيَّ، وَأَبَا الغَنَائِمِ بنَ أَبِي عُثْمَانَ، وَأَبَا الفَضْلِ بنَ خَيْرُوْنَ، وَأَبَا طَاهِرٍ البَاقِلاَّنِيَّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَسَعْدُ بنُ طَاهِرٍ البَلْخِيُّ، وَزَيْدُ بنُ يَحْيَى البَيِّعُ، وَمُحَمَّدُ بنُ لَيْثٍ الوسْطَانِيُّ، وَعِدَّةٌ. وَأَجَازَ لأَبِي الحَسَنِ بنِ المُقَيَّرِ.
وَكَانَ شَيْخاً مَسْتُوْراً لاَ بَأْسَ بِهِ.
مَاتَ فِي سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَهُوَ فِي عشر التسعين.
وَقَعَ لِي مِنْ المَحَامِلِيَّاتِ مِنْ طرِيقِهِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: رَوَى لَنَا عَنْهُ ابْنُ سُكَيْنَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ الأَخْضَرِ، وَثَابِتُ بنُ مُشَرِّفٍ، مَوْلِدُهُ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، ومات يوم عاشوراء سنة ست وخمسين.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 329"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 167-168".

(15/132)


ابن الحبوبي، الأقليشي:
5048- ابن الحبوبي 1:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ المُسْنِدُ، أَبُو يَعْلَى، حَمْزَةُ بنُ عَلِيِّ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ حَسَنِ بنِ عَلِيٍّ، الثَّعْلَبِيُّ الدِّمَشْقِيُّ البَزَّازُ ابْنُ الحُبُوبِيِّ.
وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ أَبَا القَاسِمِ بنَ أَبِي العَلاَءِ، وَأَبَا الفَتْحِ نَصْرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المَقْدِسِيُّ، وَسَهْلُ بنُ بشر الإسفراييني. سَمَّعَهُ عَمُّهُ أَبُو المَجْدِ مَعَالِي بنُ الحُبُوبِيِّ.
وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: لاَ بَأْسَ بِهِ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ وَابْنُهُ، وَأَبُو المَوَاهِبِ بنُ صَصْرَى، وَأَخُوْهُ الحُسَيْنُ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَسَدٍ، وَابْنُهُ غَالِبٌ، وَحَمْزَةُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، وَابْنُهُ أَحْمَدُ بنُ حَمْزَةَ ابْنُ الحُبُوبِيِّ، ومكرم بن أبي الصقر، وأبو نصر بن الشِّيْرَازِيِّ، وَكَرِيْمَةُ الزُّبَيْرِيَّةُ وَهِيَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عنه.
مَاتَ فِي جمَادَى الأُولَى سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وخمس مائة، ودفن بسفح قاسيون.
5049- الأقليشي 2:
العَلاَّمَةُ، أَبُو العَبَّاسِ، أَحْمَدُ بنُ مَعَدِّ بنِ عِيْسَى بنِ وَكيلٍ التُّجِيْبِيُّ، الأُقْلِيشِيُّ الدَّانِي.
سَمِعَ أَبَاهُ، وَتَفَقَّهَ بِأَبِي العَبَّاسِ بنِ عِيْسَى.
وَسَمِعَ مِنْ صِهْرِهِ طَارِقِ بنِ يَعيشَ، وَابْنِ الدَّبَّاغِ، وَبِمَكَّةَ مِنْ أَبِي الفَتْحِ الكَرُوْخِيّ، وَبِالثَّغْرِ مِنَ السِّلَفِيِّ.
وَلَهُ تَصَانِيْفُ مُمتعَةٌ، وَشعرٌ، وَفَضَائِلُ، وَيدٌ فِي اللُّغَةِ.
مَاتَ بِقُوْصٍ بَعْدَ الخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 333"، وشذرات الذهب "4/ 174"، ووقع عنده [أبو يعلى بن الجبري] بدل [أبو يعلى ابن الحبوبي] .
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 321"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 154-155".

(15/133)


ابن التريكي، الغانمي:
5050- ابن التريكي 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ المُسْنِدُ العَدْلُ، خَطِيبُ جَامِعِ المَهْدِيِّ، أبو المظفر، مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، الهَاشِمِيُّ العَبَّاسِيُّ، المَعْرُوفُ بِابْنِ التُّرَيْكِيِّ.
وُلِدَ سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِي نَصْرٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَعَاصِمِ بنِ الحَسَنِ، وَرِزْقِ اللهِ التَّمِيْمِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ هارون الحلي، وأبو الفرج محمد ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الوَاسِطِيُّ التَّاجِرُ، وَعَبْدُ السَّلاَمِ بنُ سُكَيْنَةَ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي المُظَفَّرِ الحَنَفِيُّ مُدَرِّسُ النَّفِيْسِيَّةِ، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ فِي نِصْفِ ذِي القَعْدَةِ سنة خمس وخمسين وخمس مائة.
5051- الغانمي:
الإِمَامُ الفَقِيْهُ العَابِدُ الأَدِيْبُ، أَبُو المَحَاسِنِ، مَسْعُوْدُ بن محمد بن غانم ابن محمد الغانمي الهروي.
وُلِدَ بِطُوْسَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَأَجَازَ لَهُ الإِمَامَانِ أَبُو القَاسِمِ القُشَيْرِيُّ، وَأَبُو صَالِحٍ المُؤَذِّنُ.
وَسَمِعَ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيَّ، وَطَائِفَةً. وَسَمِعَ "مُسْنَدَ الهَيْثَمِ الشَّاشِيِّ" مِنْ: أَبِي القَاسِمِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الخَلِيْلِيّ.
وَعَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَالتَّاجُ المَسْعُوْدِيُّ، وعبد الرحيم ابن السَّمْعَانِيِّ. سَمِعَ مِنْهُ عَبْدُ الرَّحِيْمِ: "مُسْنَدَ" الشَّاشِيِّ، وَ"رِسَالَةَ" القُشَيْرِيِّ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ: كَانَ إِمَاماً وَرِعاً، كَثِيْرَ العِبَادَةِ، تَورَّعَ عَنْ طَعَامِ وَالِدِهِ لاختلاَطِهِ بِالدَّوْلَةِ، وَعُمِّرَ فِي الطَّاعَةِ، وَكَانَ سَرِيعَ النَّظْمِ، مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ ثلاث وخمسين وخمس مائة.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 287"، واللباب لابن الأثير "1/ 215"، وتبصير المنتبه "1/ 145"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 333"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 175".

(15/134)


5052- الطائي 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ الصَّالِحُ الوَاعِظُ المُحَدِّثُ، أَبُو الفُتُوْحِ، محمد بن أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ، الطائي الهمذاني، صاحب "الأربعين" المشهورة.
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ بِهَمَذَانَ.
سَمِعَ: فَيْدَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّعرَانِيَّ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ حَمْدٍ الدُّونِيَّ، وَظرِيفَ بنَ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُوْرِيَّ، وَالأَدِيْبَ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي العَبَّاسِ الأَبيوردِيَّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ الحَسَنِ السَّنْجَبَسْتِيَّ، وَعَبْدَ الغَفَّارِ بنَ مُحَمَّدٍ الشِّيرَوِيَّ، وَالعَلاَّمَةَ أَبَا المَحَاسِنِ الرُّويَانِيَّ، وَأَبَا القَاسِمِ بنَ بيَانٍ الرَّزَّازَ، وَشِيرويه الدَّيلمِيَّ، وَابْنَ طَاهِرٍ المَقْدِسِيَّ، وَمُحْيِي السُّنَّةِ البَغَوِيَّ، وَتَاجَ الإِسْلاَمِ أَبَا بَكْرٍ السَّمْعَانِيَّ، وَتَفَقَّهَ عَلَيْهِمَا بِمَرْوَ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ يَرْجِعُ إِلَى نَصِيْبٍ مِنَ العُلُوْمِ فِقهٍ وَحَدِيْثٍ وَأَدبٍ وَوَعظٍ، حضَرْتُ وَعظَهُ بِهَمَذَانَ، فَاسْتحسنْتُهُ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ البَنَّاءِ الصُّوْفِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ الزَّبِيْدِيِّ، وَأَخُوْهُ الحَسَنُ، وَأَبُو المُنَجَّا بنُ اللَّتِّيِّ، وَجَمَاعَةٌ سَمِعُوا مِنْهُ بِبَغْدَادَ.
تُوُفِّيَ بِهَمَذَانَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ مُؤرِّخُ دِمَشْقَ العَمِيدُ حَمْزَةُ بنُ أَسَدٍ التَّمِيمِيُّ ابْنُ القَلاَنسِيِّ، وَحَمْزَةُ بنُ عَلِيِّ ابْنُ الحُبُوبِيِّ، وَالفَائِزُ عِيْسَى بنُ الظَّافرِ خَلِيْفَةُ العُبَيْدِيَّةِ وَلَهُ عشرُ سِنِيْنَ، وأمير المؤمنين المقتفي، والشيخ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الزَّبِيْدِيُّ الوَاعِظُ، وَأَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ البُخَارِيُّ الصَّابُوْنِيُّ، وَمَسْعُوْدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ الحُصَيْنِ الشَّيْبَانِيُّ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّوْسِيُّ ابْنُ تَاجِ القُرَّاءِ، وَأَبُو المُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ ابْنُ التُّرَيْكِيِّ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 333"، وشذرات الذهب "4/ 175".

(15/135)


5053- سنجر 1:
السلطان، ملك خراسان، معز الدين، سنجر بن السُّلْطَانِ مَلِكْشَاه بنِ أَلب أَرْسَلاَن بنِ جغرِيبَك بنِ مِيكَائِيْلَ بنِ سَلْجُوْقٍ الغُزِّيّ التركِي السَّلْجُوْقِيّ، صَاحِب خُرَاسَانَ وَغَزْنَة وَبَعْض مَا وَرَاء النَّهْر.
خُطِب لَهُ بِالعِرَاقِ وَأَذْرَبِيْجَانَ وَالشَّامِ وَالجَزِيْرَةِ وَديَارِ بكر وَأَرَّان وَالحَرَمَيْنِ.
وَاسْمُهُ بِالعربِي أَبُو الحَارِثِ أَحْمَد بن حَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ. كَذَا قَالَ السَّمْعَانِيُّ، لَكِن قَالَ فِي أَبِيْهِ: حسن إِنْ شَاءَ اللهُ.
وُلِدَ بِسِنْجَارَ مِنَ الجَزِيْرَة فِي رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائة إذ تَوجّه أَبُوْهُ لِغزوِ الرُّوْم، وَنَشَأَ بِبلاَد الخوزِ، ثُمَّ سَكَنَ خُرَاسَانَ، وَتَديَّر مَرْو.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: وَلِي نِيَابَةً عَنْ أَخِيْهِ السُّلْطَان بَرْكِيَارُوْق سَنَة تِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، ثُمَّ اسْتَقلَّ بِالملك فِي سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ فِي أَيَّامِ أَخِيْهِ يُلَقَّبُ بِالملك المُظَفَّر إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ أَخُوْهُ مُحَمَّد بِالعِرَاقِ فِي آخِرِ سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ، فَتسلطن، وَرِثَ الْملك عَنْ آبَائِهِ، وَزَادَ عَلَيْهِم، وَملك البِلاَد، وَقهر العبَاد، وَخُطِبَ لَهُ عَلَى أَكْثَر مَنَابِر الإِسْلاَم.
وَكَانَ وَقُوْراً حَيِيّاً، كَرِيْماً سخياً، مُشفِقاً، نَاصحاً لِرَعيَّتِهِ، كَثِيْر الصَّفْحِ، جَلَسَ عَلَى سَرِيرِ الْملك قَرِيْباً مِنْ سِتِّيْنَ سَنَةً.
قَال: وحكَى أنه دَخَلَ مَعَ أَخِيْهِ مُحَمَّد عَلَى المُسْتظهر بِاللهِ، قَالَ: فَلَمَّا وَقفنَا ظَنَّنِي السُّلْطَان، فَافْتَتَحَ كَلاَمه مَعِي، فَخَدَمْتُ، وَقُلْتُ: يَا مَوْلاَنَا، هُوَ السُّلْطَان، وَأَشرتُ إِلَى أَخِي، فَفَوض إِلَيْهِ السّلطنَة، وَجَعَلنِي وَلِيّ عَهْدِهِ. أَجَازَ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ المَدِيْنِيّ لسَنْجَر مَسْمُوْعَاته، فَقَرَأْت عَلَيْهِ بِهَا أَحَادِيْث، وَقَدْ ثقل سَمْعُهُ.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: حَارب سَنْجَر الغُزَّ يَعْنِي قَبْلَ سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ -فَأَسَرُوهُ، ثُمَّ تَخَلَّص بَعْد مُدَّة.
وَقَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: كَانَ مِنْ أَعْظَمِ المُلُوْكِ همةً، وأكثرهم عطاءً، ذكر أنه اصطبح خمسة
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 263"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "2/ ترجمة 280" والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 326-327"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 161-162".

(15/136)


أَيَّام مُتوَالِيَة ذهب بِهَا فِي الجُود كُلَّ مَذْهَبٍ، فَبَلَغَ مَا وَهب مِنَ العَيْنِ سَبْع مائَة أَلْف دِيْنَار سِوَى الْخلْع وَالخيل.
قَالَ: وَقَالَ خَازِنُهُ: اجْتَمَع فِي خَزَائِنه مِنَ الأَمْوَال مَا لَمْ يُسْمَعْ أَنَّهُ اجْتَمَع فِي خَزَائِن ملك، قلت له يومًا: حصل من خَزَائِنك أَلف ثَوْب دِيبَاج أَطلس، وَأُحبُّ أَنْ تَرَاهَا، فَسَكَتَ، فَأَبرزت جَمِيْعهَا، فَحَمِدَ الله، ثُمَّ قَالَ: يَقبح بِمثلِي أَنْ يُقَالَ: مَال إِلَى المَال. وَأَذِنَ لِلأُمَرَاء فِي الدّخول، وَفرَّق عَلَيْهِم الثِّيَاب. قَالَ: وَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ مِنَ الجَوَاهِر أَلف رَطْل وَنَيِّف، وَلَمْ يُسْمَعْ عِنْد ملك مَا يقارب هذا.
قال ابن خلكان: لم يَزل فِي ازديَادٍ إِلَى أَنْ ظَهرت عَلَيْهِ الغُزّ فِي سَنَةِ548 وَهِيَ وَقْعَة مَشْهُوْرَة اسْتُشْهِدَ فِيْهَا الفَقِيْه مُحَمَّد بن يَحْيَى، فَكسروهُ، وَانحل نِظَام ملكه، وَملكُوا نَيْسَابُوْر، وَقتلُوا خلقاً كَثِيْراً، وَأخذُوا السُّلْطَان، وَضَرَبُوا رقَاب عِدَّة مِنْ أُمَرَائِهِ، ثُمَّ قَبَّلُوا الأَرْض، وَقَالُوا: أَنْتَ سُلْطَاننَا، وَبَقِيَ مَعَهُم مِثْل جندِي يَرْكُب اكديشاً، وَيَجوع وَقتاً، وَأَتَوْا بِهِ، فَدَخَلُوا مَعَهُ مَرْوَ، فَطَلَبَهَا مِنْهُ أَمِيْرُهُم بختيَار إِقطَاعاً، فَقَالَ: كَيْفَ يَصِيْر هَذَا?! هَذِهِ دَار الْملك. فَصفَى لَهُ، وَضحكُوا، فَنَزَلَ عَنِ الْملك، وَدَخَلَ إِلَى خَانْقَاه مَرْو، وَعملت الغُزّ مَا لاَ تَعْمَلُه الكُفَّارُ مِنَ العظَائِم، وَانضمت العَسَاكِر، فَمَلَّكُوا مَمْلُوْك سَنْجَرَ أَيَبَه، وَجَرَتْ مصَائِب عَلَى خُرَاسَانَ، فَبقِي فِي أَسرهِم ثَلاَث سِنِيْنَ وَأَرْبَعَة أَشْهُرٍ، ثُمَّ أُفلت مِنْهُم، وَعَاد إلى خراسان، وَزَال بِمَوْتِهِ مُلْكُ بَنِي سَلْجُوْق عَنْ خُرَاسَان، وَاسْتَوْلَى عَلَى أَكْثَر مَمْلَكته خُوَارِزْم شَاه أُتْسِزُ بن مُحَمَّدِ بنِ نوشتكين، وَمَاتَ أُتْسِز قَبْل سَنْجَر.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: مَاتَ فِي الرَّابِع وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَدُفِنَ فِي قُبَّةٍ بَنَاهَا، وَسَمَّاهَا دَار الآخِرَة.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: لَمَّا جَاءَ خَبَرُ مَوْتِهِ إِلَى بَغْدَادَ، قُطِعَت خُطبته، وَلَمْ يُعقد لَهُ عَزَاء.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: تَسَلَّطن بَعْدَهُ ابْن أُخْته الخَاقَان مَحْمُوْد بن مُحَمَّدِ بنِ بغرَاجَان.
قُلْتُ: وَقَدْ عَمِلَ فِي أَثْنَاءِ دَوْلَته مَصَافّاً مَا سُمِعَ بِمِثْلِهِ أَبَداً مَعَ كَافِر ترك، انْكَسَرَ سَنْجَرُ فِيْهَا، وَقُتِلَ مِنْ جُنْده سَبْعُوْنَ ألفًا.

(15/137)


أبق، عبد المؤمن بن علي:
5054- أبق 1:
المَلِكُ المُظَفَّرُ، مُجِيْرُ الدِّيْنِ، أَبُو سَعِيْدٍ، أَبَقُ، صَاحِبُ دِمَشْقَ وَابْنُ صَاحِبهَا جَمَالِ الدِّيْنِ مُحَمَّدِ بنِ تَاجِ المُلُوْكِ بُورِي بنِ طُغْتِكِيْنَ البَعْلَبَكِّيُّ المَوْلِد.
تَملك بَعْد أَبِيْهِ وَهُوَ حَدَثٌ، وَدبر الدولة أنر الطغتكيني والوزير ابن الصُّوْفِيّ، فَلَمَّا مَاتَ أَنُر اسْتَقلَّ بِالملك مُجِيرُ الدِّيْنِ، ثُمَّ نَفَى الوَزِيْرَ إِلَى صَرْخَد، وَاسْتَوْزَرَ أَخَاهُ حَيْدَرَة مُدَّة، ثُمَّ قَتَلَهُ، وَقَدَّمَ عَلَى الجَيْش عَطَاء البَعْلَبَكِّيّ، ثُمَّ قَتَلَهُ، فَقصد نُوْر الدِّيْنِ دِمَشْق، وَعَامله أَهْلهَا، فَأَخَذَهَا بِالأَمَان، وَعوض مُجِيْر الدِّيْنِ بِحِمْصَ، فَأَقَامَ بِهَا، ثُمَّ أَمره نُوْر الدِّيْنِ بِالتَّحَوُّل إِلَى بَالِسَ، فَسَارَ إِلَيْهَا، ثُمَّ تركهَا، وَقَدِمَ عَلَى الخَلِيْفَة، فَأَعْطَاهُ خُبْز سَبْعِيْنَ فَارِساً إِلَى أَنْ مَاتَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ كَهْلاً.
5055- عَبْدُ المُؤْمِنِ بن علي 2:
ابن علوي، سُلْطَان المَغْرِبِ الَّذِي يُلَقَّبُ بِأَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ، الكُوْمِيُّ القَيْسِيُّ، المَغْرِبِيُّ.
مَوْلِدُهُ بِأَعْمَال تِلِمْسَان. وَكَانَ أَبُوْهُ يَصنع الفخَار.
قِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ -أَعنِي عَبْد المُؤْمِنِ: إِنَّمَا نَحْنُ مِنْ قَيْس غَيْلاَن بن مُضَرَ بن نِزَارٍ، وَلكُومِيَة عَلَيْنَا حقُّ الولاَدَة، والمنشأ فيهم، وهم أخوالي.
وَكَانَ الخُطَبَاء إِذَا دَعَوا لَهُ بَعْد ابْنِ تومرت، قالوا: قسميه فِي النَّسَبِ الكَرِيْم.
مَوْلِده سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَكَانَ أَبْيَضَ جَمِيْلاً، ذَا جِسْم عَمَمٍ، تَعلُوْهُ حُمْرَة، أَسود الشّعر، مُعْتَدِل القَامَة، جَهورِي الصَّوْت، فَصِيْحاً جزل الْمنطق، لاَ يَرَاهُ أَحَد إلَّا أَحَبّه بَدِيهَة، وَكَانَ فِي كِبَرِهِ شَيْخاً وَقُوْراً، أَبيض الشّعر، كَثّ اللِّحْيَة، وَاضِح بيَاضِ الأَسْنَان، وَكَانَ عَظِيْمَ الهَامَة، طَوِيْل القعدَة، شَثن الكَفّ، أَشهل الْعين، عَلَى خَدّه الأَيْمَن خَالٌ، يُقَالُ: كَانَ فِي صِبَاهُ نَائِماً، فَسَمِعَ أَبُوْهُ دوياً، فَإِذَا سَحَابَة سَمْرَاء مِنَ النَّحْل قَدْ أَهوت مُطْبِقَةً عَلَى بَيْتِهِ، فَنَزَلت كُلّهَا عَلَى الصَّبيّ، فَمَا اسْتيقظ، فَصَاحت أُمّه، فَسكنهَا أَبُوْهُ، وَقَالَ: لاَ بَأْسَ، لَكِنِّي مُتَعَجب مِمَّا تدل عليه، ثم طارت
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "5/ 188-189"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 381" وشذرات الذهب لابن العماد "211-212".
2 ترجمته في وفيات الأعيان "3/ ترجمة 408"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 263"، وشذرات الذهب "4/ 183".

(15/138)


عَنْهُ، وَقَعَدَ الصَّبيّ سَالِماً، فَذَهَبَ أَبُوْهُ إِلَى زَاجر، فَذَكَر لَهُ مَا جرَى، فَقَالَ: يُوشك أَنْ يَكُوْنَ لابنِكَ شَأْن، يَجتمع عَلَيْهِ طَاعَة أَهْل المَغْرِب.
وَكَانَ مُحَمَّدُ بنُ تُوْمَرْت قَدْ سَافر فِي حُدُوْدِ الخَمْس مائَة إِلَى المَشْرِق، وَجَالَس العُلَمَاء، وَتزَهَّد، وَأَقْبَلَ عَلَى الإِنْكَار عَلَى الدَّوْلَة بِالإِسْكَنْدَرِيَّة وَغَيْرهَا، فَكَانَ يُنفَى وَيُؤذَى، فَفِي رجعته إلى إفريقية هو ورفيقه الشَّيْخ عُمَر الهِنْتَاتِيّ صَادفَ عَبْد المُؤْمِنِ، فَحَدثه وَوَانسه، وَقَالَ: إِلَى أَيْنَ تُسَافر? قَالَ: أَطلب العِلْم. قَالَ: قَدْ وَجَدْتَ طَلِبَتَكَ. فَفَقهه، وَصحبه، وأحبه، وأقضى إِلَيْهِ بِأَسرَاره لِمَا رَأَى فِيْهِ مِنْ سِمَاتَ النّبل، فَوَجَد همَّته كَمَا فِي النَّفْس، فَقَالَ ابْنُ تُوْمَرْتَ يَوْماً لخوَاصه: هَذَا غَلاَّب الدُّول. وَمَضَوا إِلَى جبل تِيْنمَلّ بِأَقْصَى المَغْرِب، فَأَقْبَل عَلَيْهِم البَرْبَر، وَكثرُوا، وَعَسْكَرُوا، وَشَقُّوا العصَا عَلَى ابْنِ تَاشفِيْن، وَحَاربوهُ مَرَّات، وَعظم أَمرهُم، وَكثرت جُمُوْعهُم، وَاسْتفحل أَمرهُم، وَخَافتهُم المُلُوْك، وَآل بِهِم الحَال إِلَى الاسْتيلاَء عَلَى المَمَالِك، وَلَكِن مَاتَ ابْنُ تُوْمَرْتَ قَبْل تَمكُّنِهِم فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ. وَكَانَتْ وَقْعَة البُحَيْرَة بِظَاهِر مَرَّاكُش بَيْنَ ابْن تَاشفِيْن صَاحِب المَغْرِب وَبَيْنَ أَصْحَاب ابْن تُوْمَرْت فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ، فَانْهَزَم فِيْهَا الموحدُوْنَ، وَاسْتَحَرَّ بِهِم الْقَتْل، وَلَمْ يَنج مِنْهُم إلَّا نَحْو مِنْ أَرْبَع مائَة مقَاتل، وَلَمَّا تُوُفِّيَ ابْنُ تُوْمَرْتَ كتمُوا مَوْتَه، وجعلوا يخرون مِنَ البَيْت، وَيَقُوْلُوْنَ: قَالَ المَهْدِيّ كَذَا، وَأَمر بِكَذَا، وَبَقِيَ عَبْد المُؤْمِنِ يُغِير فِي عَسْكَره عَلَى القرَى، وَيَعيشُوْنَ مِنَ النّهب، وَضَعف أَمرهُم، وَكَذَلِكَ اخْتلف جَيْش ابْن تَاشفِيْن الَّذِيْنَ يُقَالُ لَهُم: المُرَابِطُوْنَ، وَيُقَالُ لَهُم: الملثمُوْنَ، فَخَامر مِنْهُم الفلاَكِيُّ مِنْ كِبَارهِم، وَسَارَ إِلَى عَبْدِ المُؤْمِنِ، فَتلقَّاهُ بِالاحْتِرَامِ، وَاعتضد بِهِ، فَلَمَّا كَانَ بَعْد خَمْسَة أَعْوَام أَفصحُوا بِمَوْتِ ابْنِ تُوْمَرْت، وَلَقَّبُوا عَبْدَ المُؤْمِنِ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، وَصَارَت حُصُوْنُ الفلاَكِي لِلموحِّدين، وَأَغَارُوا عَلَى نوَاحِي أَغمَات وَالسوس الأَقْصَى، واستفحل بهم البلاء.
وَقَالَ صَاحِب "الْمُعْجب" عَبْد الوَاحِدِ المَرَّاكُشِيُّ: اسْتدعَى ابْن تُوْمَرْت قَبْل مَوْته الرِّجَال المُسَمَّين بِالجَمَاعَة وَأَهْلَ الخَمْسِيْنَ وَالثَّلاَثَةَ عُمَر أَرتَاج، وَعُمَر إِيْنْتِي، وَعَبْدَ اللهِ بنَ سُلَيْمَانَ، فَحَمِدَ الله، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللهَ -سُبْحَانَهُ، وَلَهُ الْحَمد- مَنَّ عَلَيْكُم أَيَّتُهَا الطَّائِفَة بتَأْيِيْدِه، وَخصكم بِحقيقَةِ تَوحيدِه، وَقيض لَكُم منْ أَلفَاكُم ضُلاَّلاً لاَ تَهتدُوْنَ، وَعُمياً لاَ تُبصرُوْنَ، قَدْ فَشت فِيْكُم البِدَع، وَاسْتهوتكُم الأَبَاطيل، فَهدَاكُم الله بِهِ، وَنَصَركُم، وَجَمَعكُم بَعْد الفُرقَة، وَرَفَعَ عَنْكُم سُلْطَان هَؤُلاَءِ المَارقينَ، وَسَيُورِّثُكُم أَرْضَهُم وَدِيَارَهُم، ذَلِكَ بِمَا كسبت أَيدِيهِم، فَجَدَّدُوا للهِ خَالِصَ نِيَّاتِكُم، وَأَرُوهُ مِنَ الشّكر قَوْلاً وَفعلاً مِمَّا يُزكِي بِهِ سعيكُم، وَاحذرُوا الفرقَة، وَكونُوا يَداً وَاحِدَة عَلَى عَدُوّكُم، فَإِنَّكُم إِنْ فَعَلتُم ذَلِكَ هَابكُمُ النَّاس، وَأَسرعُوا إِلَى

(15/139)


طَاعتكُم، وَإِنْ لاَ تَفْعَلُوا شَمَلكُم الذُّلّ، وَاحتقرتكُم العَامَّة، وَعليكُم بِمَزجِ الرَّأْفَة بِالغلظَة، وَاللينِ بِالعُنفِ، وقد اخرنا لَكُم رَجُلاً مِنْكُم، وَجَعَلْنَاهُ أَمِيْراً بَعْدَ أَنْ بلونَاهُ، فَرَأَينَاهُ ثَبْتاً فِي دِيْنِهِ، مُتَبَصِّراً فِي أَمره، وَهُوَ هَذَا -وَأَشَارَ إِلَى عَبْدِ المُؤْمِنِ- فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطيعُوا مَا أَطَاع رَبّهُ، فَإِنْ بدل فَفِي المُوَحِّدِيْن بركَة وَخير، وَالأَمْر أَمر الله يُقلده مَنْ يَشَاء. فَبَايَع القَوْمُ عَبْد المُؤْمِنِ، وَدَعَا لَهُم ابْن تُوْمَرْت.
وَقَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: مَا اسْتَخلَفَه بَلْ أَشَارَ بِهِ. قَالَ: فأول ما أخذ من البِلاَد وَهرَانَ، ثُمَّ تِلِمْسَان، ثُمَّ فَاس، ثُمَّ سَلاَ، ثُمَّ سَبتَة، ثُمَّ حَاصر مَرَّاكُش أَحَدَ عشرَ شَهْراً، فَأَخَذَهَا فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَامتدّ ملكه، وَافتَتَح كَثِيْراً مِنَ الأَنْدَلُس، وَقصدته الشُّعَرَاء، وَلَمَّا قَالَ فِيْهِ التِّيْفَاشِيّ قَصيدَتَه:
مَا هَزَّ عِطْفَيْهِ بَيْنَ البِيضِ وَالأَسَلِ ... مِثْلُ الخَلِيْفَةِ عَبْدِ المُؤْمِنِ بنِ عَلِي
أَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ يَقتصر عَلَى هَذَا الْمطلع، وَأَمَرَ لَهُ بِأَلف دِيْنَار، وَانقطعت الدعوَة العَبَّاسِيَّة بِمَوْت أَمِيْر المُسْلِمِيْنَ عَلِيّ بن تَاشفِيْن وَوَلَده تَاشفِيْن، وَكَانَتْ دَوْلَة تَاشفِيْن ثَلاَث سِنِيْنَ.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ فِي "المِرْآةِ": اسْتولَى عَبْد المُؤْمِنِ عَلَى مَرَّاكُش، فَقتل المُقَاتلَة، وَكفّ عَنِ الرَّعِيَّةِ، وَأَحْضَرَ اليَهُوْدَ وَالنَّصَارَى، وَقَالَ: إِنَّ المَهْدِيّ أَمرنِي أَنْ لاَ أُقرَّ النَّاس إلَّا عَلَى مِلَّة الإِسْلاَم، وَأَنَا مُخيِّرُكُم بَيْنَ ثَلاَث، إِمَّا أَنْ تُسلمُوا، وَإِمَّا أَنْ تلحقُوا بِدَارِ الحَرْب، وَإِمَّا القتلُ. فَأَسْلَمَ طَائِفَة وَلحقت أُخْرَى بِدَارِ الحَرْب، وَخَرَّب كَنَائِسهُم، وَعملهَا مَسَاجِد، وَأَلغَى الجِزْيَة، فَعل ذَلِكَ فِي جَمِيْع مَدَائِنِهِ، وَأَنفق بيُوت الأَمْوَال، وَصَلَّى فِيْهَا اقتدَاء بعلِيٍّ، وَلِيُرِي النَّاس أَنَّهُ لاَ يَكنِزُ المَال، وَأَقَامَ كَثِيْراً مِنْ معَالِم الإِسْلاَم مَعَ سيَاسَة كَامِلَة، وَنَادَى: مَنْ تَركَ الصَّلاَة ثَلاَثاً فَاقتلُوْهُ، وَأَزَال المُنْكَر، وَكَانَ يؤم بِالنَّاسِ، ويتلو في اليوم سبعًا، ويلبس الصُّوف الفَاخر، وَيَصُوْمُ الاثْنَيْنَ وَالخَمِيْسَ، وَيَقسم الفَيْء بِالشرع، فَأَحَبّوهُ.
قَالَ عزِيز فِي كِتَابِ "الْجمع": كَانَ عَبْدُ المُؤْمِنِ يَأْخذ الحَقّ إِذَا وَجب عَلَى وَلَدِهِ، وَلَمْ يَدع مشركاً فِي بِلاَده لاَ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِياً، فَجَمِيْع رَعيته مُسْلِمُوْنَ.
وَقَالَ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ عَلِيٍّ: وَزر لَهُ أَوَّلاً عُمَر أَرتَاج، ثُمَّ رَفعه عَنِ الوزَارَة، وَاسْتَوْزَرَ أَبَا جَعْفَرٍ أَحْمَد بن عَطِيَّةَ الكَاتِب، فَلَمَّا أَخَذَ بِجَايَة اسْتكتب مِنْ أَهْلهَا أَبَا القَاسِمِ القَالمِي، ثُمَّ فِي سَنَةِ "53" قتل ابْنَ عَطِيَّةَ، وَأَخَذَ أَمْوَاله، وَاسْتَوْزَرَ عَبْد السَّلاَمِ الكُوْمِيّ، ثُمَّ قَتَلَهُ سَنَة سَبْعٍ، وَاسْتَوْزَرَ ابْنه عُمَر، وَوَلَّى قَضَاءهُ ابْن جَبَل الوهرَانِي، ثُمَّ عَبْد اللهِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَالقِي، وَأَسَرَ يَحْيَى الصِّنْهَاجِيّ صَاحِب بِجَايَة، وَكَانَ هُوَ وَآبَاؤُه مِنْ بقايا نواب بني عبيد الرافضة، ثم

(15/140)


أحس إِلَى يَحْيَى، وَصَيَّرَهُ مِنْ قوَاده، وَكَانَ عَبْدُ المُؤْمِنِ مُؤثراً لأَهْل العِلْمِ، مُحِباً لَهُم، وَيُجزل صِلاَتِهِم، وَسُمِّيت المصَامُدَّة بِالمُوَحِّدِيْنَ لأَجْل خَوْض المَهْدِيّ بِهِم فِي علم الاعْتِقَاد وَالكَلاَمِ.
وَكَانَ عَبْدُ المُؤْمِنِ رَزِيناً وَقُوْراً، كَامِل السُّؤْدُد، سَرِيّاً، عَالِي الهِمَّة، خليقاً لِلإِمَارَة، وَاختلت أَحْوَال الأَنْدَلُس، وَتَخَاذل المُرَابِطُوْنَ، وَآثرُوا الرَّاحَة، وَاجترَأَ عَلَيْهِم الفِرَنْجُ، وَانْفَرَدَ كل قائد بمدينة، وهاجت عليهم الفِرَنْجُ، وَطَمِعُوا، فَجَهَّزَ عَبْد المُؤْمِنِ عُمَر إِينتِي، فَدَخَلَ إِلَى الأَنْدَلُسِ، فَأَخَذَ الجَزِيْرَة الخَضْرَاء، ثُمَّ رُندَة، ثُمَّ إِشْبِيْلِيَة وَقُرْطُبَة وَغَرْنَاطَة، ثُمَّ سَارَ عَبْد المُؤْمِنِ بِجُيُوْشه، وَعدَى البَحْر مِنْ زقَاق سَبْتَة، فَنَزَلَ جبل طَارِق، وَسَمَّاهُ جبل الفَتْحِ، فَأَقَامَ أَشْهُراً، وَبَنَى هُنَاكَ قُصُوْراً وَمدينَة، وَوَفَدَ إِلَيْهِ كُبَرَاء الأَنْدَلُس، وَقَامَ بَعْض الشُّعَرَاء مُنشداً:
مَا لِلْعدَى جنّةٌ أَوقَى مِنَ الهَرَبِ ... أَيْنَ المفرُّ وَخيل الله فِي الطَّلَبِ
وَأَيْنَ يَذْهَب مَنْ فِي رَأْس شاهقةٍ ... وَقَدْ رَمَتْهُ سِهَام الله بِالشُّهب
حَدِّثْ عَنِ الرُّوْم فِي أَقطَار أندلسٍ ... وَالبَحْرُ قَدْ ملأَ البَرَّيْنِ بِالعرب
فَأُعْجَب بِهَا عَبْد المُؤْمِنِ، وَقَالَ: بِمِثْلِ هَذَا يُمدح الخُلَفَاء. ثُمَّ أَمَّر عَلَى إِشْبِيْلِيَة وَلده يُوْسُف، وَعَلَى قُرْطُبَة أَبَا حَفْصٍ عُمَر أَينتِي، وَعَلَى غَرْنَاطَة عُثْمَانَ وَلَدَه، وَقرر بِالأَنْدَلُسِ جَيْشاً كثيفاً مِنَ المصَامدَة وَالعرب وَقبَائِل بنِي هِلاَل، وَكَانَ قَدْ حَارَبَهُم مُدَّة، وَظَفِرَ بِهِم، وَأَذلهُم، ثُمَّ كَاتَبَهُم وَلاَطفهُم، فَخدمُوا مَعَهُ، وَخلعَ عَلَيْهِم، وَكَانَ دُخُوْله إِلَى الأَنْدَلُسِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ، وَمِمَّا لاَطف بِهِ العربَ وَاسْتمَالَهُم قصيدَةٌ لَهُ وَهِيَ:
أَقيمُوا إِلَى العليَاءِ هُوْجَ الرَّوَاحِلِ ... وَقُودُوا إِلَى الهيجَاءِ جُرْدَ الصَّوَاهلِ
وَقُومُوا لِنَصْرِ الدِّيْنِ قَوْمَةَ ثائرٍ ... وَشُدُّوا عَلَى الأَعْدَاءِ شَدَّةَ صَائِلِ
فَمَا العِزُّ إلَّا ظَهرُ أَجردَ سابحٍ ... وَأَبيضُ مأثورٌ وليس بسائل
بنِي الْعم مِنْ عَليَا هِلاَل بن عامرٍ ... وَمَا جَمَعتْ مِنْ باسلٍ وَابْنِ باسلِ
تَعَالَوا فَقَدْ شُدت إِلَى الغَزْو نيّةٌ ... عواقبُهَا منصورةٌ بِالأَوَائِل
هِيَ الغَزْوَة الغرَاء وَالموعدُ الَّذِي ... تَنَجَّزَ مِنْ بَعْدِ المدَى المتطَاولِ
بِهَا نَفتح الدُّنْيَا بِهَا نبلغُ المنَى ... بِهَا نُنْصِف التّحقيقَ مِنْ كُلِّ بَاطِلِ
فَلاَ تَتَوَانَوْا فَالبِدَارُ غنيمةٌ ... وَللمُدلِجِ السَّارِي صفَاءُ المنَاهلِ
قَالَ عَبْدُ الوَاحِدِ المَرَّاكُشِيُّ: حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ أَن عَبْد المُؤْمِنِ لَمَّا نَزل سَلاَ -وَهِيَ عَلَى

(15/141)


البَحْر الْمُحِيط يَنْصبُّ إِلَيْهَا نَهْر عَظِيْم، وَيَمرّ فِي البَحْر عَبَرَ النَّهْرَ، وَضُربت لَهُ خيمَة، وَجَعَلت جُيُوْشه تَعبر قَبيلَةً قبيلَةً، فَخر سَاجِداً، ثُمَّ رفع وَقَدْ بَلَّ الدمعُ لِحْيتَهُ، فَقَالَ: أَعْرف ثَلاَثَة وَرَدُوا هَذِهِ المَدِيْنَة، لاَ شَيْء لَهُم إلَّا رَغِيْفٌ وَاحِد، فَرَامُوا عُبُور هَذَا النَّهْر، فَبذلُوا الرَّغِيْف لِصَاحِب القَاربِ عَلَى أَنْ يعدي بهم، فقال: لا آخذه إلَّا عن اثْنَيْنِ، فَقَالَ أَحَدهُم وَكَانَ شَابّاً: تَأَخُذُ ثِيَابِي وَأَنَا أَسبح، فَفَعَل، فَكَانَ الشَّابّ كُلَّمَا أَعيَا، دنَا مِنَ القَاربِ، وَوَضَعَ يَده عَلَيْهِ يَسْتَرِيحُ، فَيَضرِبُه بِالمِجذَافِ، فَمَا عَدَّى إلَّا بَعْد جُهدٍ. فما شك السماعون أَنَّهُ هُوَ السَّابِحُ، وَالآخرَانِ ابْن تُوْمَرْت، وَعَبْد الوَاحِدِ الشَّرْقِيّ.
قَالَ: ثُمَّ نَزل عَبْد المُؤْمِنِ مَرَّاكُش، وَأَقْبَلَ عَلَى البنَاء وَالغرَاس وَتَرْتِيْب ملكه، وَبسط العَدْل، وَبَقِيَ ابْنه عَبْد اللهِ بِبجَايَة يشن الغارات على نَوَاحِي إِفْرِيْقِيَةَ، وَضَايقَ تُوْنُس، ثُمَّ حَاصرهَا مُدَّة، وَأَفسد مِيَاههَا، وَقطع أَشجَارهَا، وَبِهَا ابْن خُرَاسَان نَائِب صَاحِب صَقِلِّيَّة لُوجَار بن الدوقَة الرُّوْمِيِّ، فَطَالَ عَلَى ابْنِ خُرَاسَان الحصَار، فَبَرَزَ، وَالتَقَى المُوَحِّدِيْن، فَهَزمهُم، وَقَتَلَ خلقاً مِنْهُم، فَبَعَثَ عَبْدُ اللهِ يَسْتَمد أَبَاهُ، فَتَهَيَّأَ فِي سَنَةِ553 لِتُونس، وَأَقْبَلَ فِي جُيُوْشه حَتَّى نَازَلَهَا، فَأَخَذَهَا عَنْوَة، وَانْتَقَلَ إِلَى المهديَة وَهِيَ لِلنَّصَارَى لَكِن رعيَّتهَا مُسْلِمُوْنَ، فَطَالَ الحصَار لحصَانتهَا، يُقَالَ: عَرضُ سُورِهَا مَمَرُّ سِتَّة أَفرَاس، وَأَكْثَرهَا فِي البَحْر، فَكَانَتِ النّجدَات تَأْتِيهَا مِنْ صَقِلِّيَّة.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: نَازل عَبْد المُؤْمِنَ المهديَة، فَبَرَزَ شجعَان الفِرَنْج، فَنَالُوا مِنْ عَسْكَره، فَأَمر بِبنَاء سور عَلَيْهِم، وَصَابرهَا، وَأَخَذَ سَفَاقِس وَطَرَابُلُس وَقَابِسَ، وَجَرَتْ أُمُوْرٌ وَحُرُوْب يَطول شرحُهَا، وَجَهَّزَ مَنِ افْتَتَحَ تَوْزَرَ وَبِلاَدَ الجرِيْدِ، وَطرد عَنْهَا الفِرَنْج، وَطهر إِفْرِيْقِيَة مِنَ الكُفْر، وَتَكمَّل لَهُ ملك المَغْرِب مِنْ طَرَابُلُس إِلَى السوس الأَقْصَى وَأَكْثَر مَمْلَكَة الأَنْدَلُس، وَلَوْ قصد مِصْر لأَخَذَهَا، وَلَمَا صَعُبت عَلَيْهِ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ مرَّ بِقَريتِهِ ليصلَ بِهَا ذَوِي رَحِمِهِ، وَيزور قَبْر أُمّه، فَلَمَّا أَطل عَلَيْهَا وَجُيُوْشه قَدْ ملأَت الفضَاء، وَالرَّايَات وَالبنُوْدُ عَلَى رأسه، وضرب نحو من مائةي طَبْل، وَطُبولهُم كِبَارِ جِدّاً تُزعج الأَرْض، فَقَالَتْ عجوز منهم: هَكَذَا يَعُوْد الغَرِيْبُ إِلَى بَلَدِهِ?! وَصَاحَتْ بِذَلِكَ.
وَلَمَّا دَخَلت سَنَة ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ أَمر الجَيْش بِالجهَاز لجِهَاد الرُّوْم، وَاسْتنفر النَّاس عَاماً، ثُمَّ سَارَ حَتَّى نَزَلَ بِسلاَ، فَمَرِضَ، وَجَاءهُ الأَجَلُ بِهَا فِي السَّابِع وَالعِشْرِيْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَة، وَارتجَّت المَغْرِب لِمَوْتِهِ، وَكَانَ قَدْ جَعَلَ وَلِيّ عَهْدِهِ ابْنه مُحَمَّداً، وَكَانَ لاَ يَصلح لطيشه وَجُذَامٍ بِهِ وَلِشُرْبِه الخَمْر، فَتَمَلَّكَ أَيَّاماً، وَخَلَعُوْهُ، وَاتَّفَقُوا عَلَى تَوليَة أَخِيْهِ يُوْسُف بن عَبْدِ المُؤْمِنِ، فَبقِي فِي الْملك اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً. وَخلَّف عَبْدُ المُؤْمِنِ سِتَّةَ عَشَرَ وَلداً ذَكَراً.
قَالَ صَاحِب كِتَاب "الْجمع": وَقفت عَلَى كِتَاب كَتَبَهُ عَنْ عَبْدِ المُؤْمِنِ بَعْضُ كُتَّابِهِ: مِنَ الخَلِيْفَة المَعْصُوْم الرضِي الزَّكِيّ، الَّذِي بشر بِهِ النَّبِيّ العربِي، القَامع لِكُلِّ مُجَسِّمٍ غَوِي، النَّاصِرُ لِدِيْنِ اللهِ العلِي، أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عَبْد المُؤْمِنِ بن علي.

(15/142)


5056- شهردار 1:
ابن شِيْرَوَيْه بنُ شَهْردَارَ بنِ شِيْرَوَيْه بنِ فَنَّاخُسْره، الإمام العالم المحدث المفيد، أبو منصور بن الحَافِظِ المُؤَرِّخ أَبِي شُجَاع الدَّيْلَمِيّ الهَمَذَانِيّ، مِنْ ذُرِّيَّة الضَّحَّاك بن فَيْرُوْز الدَّيْلَمِيّ -رَضِيَ اللهُ عنه.
أَجَازَ لَهُ عَامَ مَوْلِدِهِ بِاعْتنَاء وَالِدِهِ أَبُو بَكْرٍ بنُ خَلَفٍ الشِّيْرَازِيّ، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ المُقومِيّ سَنَة483.
وَسَمِعَ: أَبَاهُ، وَأَبَا الفَتْح عَبْدُوْس بن عَبْدِ اللهِ، وَمكِيَّ بن عَلاَّنَ السَّلاَّر، وَحَمْد بن نَصْرٍ الأَعْمَش، وَأَبَا مُحَمَّدٍ الدُّوْنِي، وَفَيْد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبَا بَكْرٍ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ زَنْجَوَيْه فَقِيْه زَنْجَان ذكر أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ مُسْنَد الإِمَام أَحْمَد فِي سَنَةِ خَمْسِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ الفَلاَّكِيّ، أَخْبَرَنَا القَطِيْعِيّ. وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ أَبُو مُسْلِمٍ أَحْمَدُ، وَأَبُو سَهْلٍ عَبْد السَّلاَمِ بن فَتْحَةَ السَّرْفُوْلِيّ الَّذِي رَوَى عَنْهُ الأَلقَاب لِلشيرَازِي، وَأَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ وَقَالَ: كَانَ حَافِظاً عَارِفاً بِالحَدِيْثِ، فَهماً، عَارِفاً بِالأَدب، ظرِيفاً خفِيفاً، لاَزِماً مَسْجده، متبعاً أَثر وَالِده فِي الحَدِيْثِ وَالسَّماع وَالطلب، رَحل مَعَ أَبِيْهِ سَنَة خَمْسٍ وَخَمْسِ مائَةٍ إِلَى أَصْبَهَانَ، كَتَبْتُ عَنْهُ، وَكَانَ يَجْمَع أَسَانِيْد كِتَابِ الفِرْدَوْس لِوَالِده، وَرتب ذَلِكَ تَرْتِيْباً حسناً عَجِيْباً، ثُمَّ رَأَيْت الكِتَابَ بِمَرْوَ سَنَة سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ فِي ثَلاَث مُجَلَّدَاتٍ ضَخْمَة وَقَدْ فَرغ مِنْهُ، وَهذَّبه، وَنقحه.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحِيْمِ الحَاجِيّ: تُوُفِّيَ شَهْرَدَار فِي رَجَبٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُؤَيَّدِ الزَّاهِدُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ السَّلاَّم بن فتحَة سَنَة ثَمَان عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَة حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ شَهْرَدَار بن شِيْرَوَيْه الدَّيْلَمِيّ سَنَة554، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ البَيّع، أَخْبَرَنَا حُمَيْد بن مأمون، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشيرَازِيّ الحَافِظ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيْدٍ هُوَ عَبْدُ اللهِ ابن مُحَمَّدِ بنِ مَحْبُور التَّمِيْمِيّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ هُوَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ ابن مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مالك، عن أبي الزناد، عن
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 182".

(15/143)


الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَمَّا قَضَى اللهُ الخَلْقَ، كَتَبَ كِتَاباً، فَهُوَ عِنْدَهُ عَلَى عَرْشِهِ: إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي" 1.
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ شُعَيْبِ بنِ شُعَيْبِ بنِ إِسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ قُدَامَة الزَّاهِد وَالِدُ الشَّيْخ مُوَفَّق الدِّيْنِ، وَسَلاَمَة بن أَحْمَدَ بنِ الصَّدْر، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بن أَبِي الحَسَنِ الدَّارَانِيّ بِدِمَشْقَ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ زَيْدِ بنِ الفَضْلِ الوَرَّاق، وَعَبْد المُؤْمِنِ صَاحِب المَغْرِب، وَكمَال بِنْت المُحَدِّثِ عَبْد اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَصَاحِب الإِنشَاء سَدِيد الدَّوْلَة مُحَمَّد بن عَبْدِ الكَرِيْمِ ابْنُ الأَنْبَارِيّ عَنْ نَيِّف وَثَمَانِيْنَ سَنَةً وَهِبَة اللهِ بن الفَضْلِ بنِ القَطَّان المَتُّوْثِيّ، أَحَد الشُّعَرَاء، وَلَهُ ثَمَانُوْنَ سَنَةً، وَشيخ الشافعية باليمن أبو الخير يحيى ابن سَالِمٍ العِمْرَانِيّ صَاحِب كِتَاب "البَيَانِ فِي المَذْهَب".
__________
1 صحيح: أخرجه أحمد "2/ 242"، والبخاري "3194"، ومسلم "2751"، من حديث أبي هريرة، به.

(15/144)


5057- الباغبان 1:
الشَّيْخُ المُعَمَّرُ الثِّقَةُ الكَبِيْرُ، أَبُو الخَيْرِ، مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ بنِ عُمَرَ بنِ القَاسِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيِّ بنِ إِسْحَاقَ بنِ سندَارَ، الأَصْبَهَانِيُّ المُقَدِّرُ المُهَنْدِسُ المُؤَذِّنُ الصُّوْفِيُّ، شُهِرَ بِالبَاغْبَانِ.
وُلِدَ سَنَةَ بِضْعٍ وَسِتِّيْنَ وأربع مائة.
وسمع أبا عمرو عبد الوهاب بن مَنْدَةَ، وَأَبَا عِيْسَى بن زِيَادٍ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ مَاجَه، وَالمُطَهَّر البُزَانِيّ، وَأَبَا الطَّيِّبِ محمد بن أحمد بن سلى صَاحِب أَبِي عَلِيٍّ بنِ البَغْدَادِيّ، وَالعَلاَّمَة أَبَا نَصْرٍ بن الصَّبَّاغ فِي الرسليَة، وَأَبَا مَنْصُوْرٍ بن شَكْرُوَيْه، وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ السِّمْسَار، وَإِبْرَاهِيْم بن محمد القفال، وحكيم ابن مُحَمَّدٍ الإِسْفَرَايِيْنِي سَمِعَ مِنْهُ مُسْنَد الشَّافِعِيّ، أَخْبَرَنَا جدي لأمي علي ابن مُحَمَّدٍ السَّقَّاء.
وَحَدَّثَ بِحضرَة الحَافِظ أَبِي العَلاَءِ العَطَّار بِهَمَذَان وَبِأَصْبَهَانَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيّ، وَجَامِعُ بن خمارتاش، ومحمد بن أحمد بن أَبِي الفَتْحِ النَّجَّار، وَمُحَمَّد بن مَكِّيّ الحَنْبَلِيّ، وَدَاوُد بن مَعْمَرٍ، وَعَبْدُ البَرِّ بنُ أَبِي العَلاَءِ، وَأَبُو الوَفَاءِ مَحْمُوْدُ بنُ مَنْدَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ المُعَلِّمُ، وَآخَرُوْنَ.
وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ كَرِيْمَةُ القُرَشِيَّةُ، وَعَجِيْبَةُ البَاقدَارِيَةُ.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: هُوَ ثِقَةٌ صَحِيْحُ السَّمَاعِ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحِيْمِ الحَاجِّي: مَاتَ فِي ثَانِيَ عَشَرَ شَوَّال سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ المُسْنِدُ أَبُو سَعْدٍ عَبْد الوَهَّابِ بن الحَسَنِ الكَرْمَانِيّ، وَعَلِيّ بن حَمْزَةَ بن إِسْمَاعِيْلَ المُوْسَوِيّ الهَرَوِيُّ، وَأَبُو المَعَالِي عُمَر بن عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيّ الخَفَّاف، وَالحَافِظ مُحَمَّد بن الحُسَيْنِ الزَّاغُوْلِيّ بمرو.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 366"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 187".

(15/144)


5058- الشيخ رسلان 1:
هُوَ الشَّيْخُ الزَّاهِدُ العَابِدُ، بَقِيَّة المَشَايِخ، رِسْلاَن بن يَعْقُوْبَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجَعْبَرِيّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيّ، النَّشَّارُ، مِنْ أَوْلاَد الأَجْنَاد الَّذِيْنَ بِقَلْعَةِ جعبر.
صَحِبَ الشَّيْخ أَبَا عَامِرٍ المُؤَدِّب الَّذِي هُوَ مَدْفُوْن مَعَ الشَّيْخ رسلاَن فِي قُبَّتِهِ بِظَاهِرِ بَابِ تُوْمَا وَدُفِنَ عِنْدَهُمَا ثَالِثٌ وَهُوَ أَبُو المَجْدِ خَادم رسلاَن وَكَانَ أَبُو عَامِرٍ قَدْ صَحِبَ الشَّيْخ يَاسين تِلْمِيْذَ الشَّيْخ مَسْلَمَة. وَقِيْلَ: إِنَّ مَسْلَمَة الزَّاهِدَ صَحِبَ الشَّيْخَ عقيلاً، وَهُوَ صَحِبَ الشَّيْخَ عَلِيَّ بنَ عُلَيْمٍ صَاحِبَ أَبِي سَعِيْدٍ الخَرَّازِ.
كَانَ نَشَّاراً فِي الخَشَب، فَقِيْلَ: بَقِيَ سِنِيْنَ يَأْخذُ أُجرته، وَيدفعهَا لِشيخه أَبِي عَامِرٍ، وَشيخه يُطعمه. وَقِيْلَ: بَلْ كَانَ يَقسم أُجرته، فَثلث يَتصدَّق بِهِ، وَثلث لقُوته، وَثلث لباقِي مصَالِحه.
وَكَانَ يَتعبد بِمسجدٍ دَاخِلَ بَابِ تُوْمَا جَوَارَ بَيْتِهِ، ثُمَّ انْتقل إِلَى مَسْجِد درب الْحجر، فَأَقَامَ بِجِهَتِهِ الشَّرْقِيَّة، وَكَانَ الشَّيْخ أَبُو البَيَانِ فِي جَانِبِهِ الغَرْبِيِّ، فَتعبَّدَا مُدَّة، وَصَحِبَ كُلاًّ مِنْهُمَا جَمَاعَةٌ، ثُمَّ خَرَجَ الشَّيْخ بِأَصْحَابِهِ، فَأَقَامَ بِمسجد خَالِد بن الوَلِيْدِ الَّذِي تجاه قبته، وعبد الله إلى أَن مَاتَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَقَدْ سقت مِنْ أَخْبَاره فِي "تَارِيخنَا الكَبِيْر".
وَكَانَ وَرِعاً قَانِتاً، صَاحِب أَحْوَال وَمَقَامَات، وَلَمْ تَبْلُغْنِي أَخْبَارُه كَمَا ينبغي، وما عملته كان له اشتغال في العلم.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 160".

(15/145)


5059- أبو الحسين الزاهد 1:
هُوَ الزَّاهِد القُدْوَة الوَلِيُّ، أَبُو الحُسَيْنِ بن أبي عبد الله بن حمزة المقدسي.
أَلف الحَافِظ الضِّيَاء سيرَته فِي جُزْء، أَنْبَأَنِي بِهِ الشَّيْخ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ الكَمَال وَغَيْرهُ بِسَمَاعِهِم مِنْهُ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي الإِمَام عَبْد اللهِ بن أَبِي الحَسَنِ الجُبَّائِيّ قَالَ: مَضَيْت إِلَى زِيَارَة أَبِي الحُسَيْنِ الزَّاهِد بِحَلَبَ، وَلَمْ تَكن نِيَّتِي صَادِقَة، فَقَالَ: إِذَا جِئْت إِلَى المَشَايِخ، فَلتكن نِيَّتُك صَادِقَة فِي الزِّيَارَة.
سَأَلتُ خَالِي أَبَا عُمَرَ: هَلْ رَأَيْتَ أَبَا الحُسَيْنِ يَأْكُل شَيْئاً ? فَقَالَ: رَأَيْتهُ يَأْكُل خَرُّوباً يَمُصُّه وَيَرمِي بِهِ، وَرَأَيْتُهُ يَأْكُل بقلاً مصلوقاً.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: سَمِعْتُ سِنَانَ بنَ مُشَيّعٍ الرَّقِّيّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَبَا الحُسَيْنِ المَقْدِسِيّ بِرَأْس عين فِي مَوْضِعٍ عُرْيَاناً قَدِ اتَّزر بقمِيْصه وَمَعَهُ حِمَار، وَالنَّاس قَدْ تَكَابُّوا عَلَيْهِ، فَقَالَ: تَعَال: فَتقدمتُ، فَأَخَذَ بِيَدِي، وَقَالَ: نَتواخَى? قُلْتُ: مَا لِي طَاقَة. قَالَ: أَيش لَكَ فِي هَذَا؟ وَآخَانِي. وَقَالَ لوَاحِد مِنَ الجَمَاعَة: حِمَارِي يَحتَاج إِلَى رسن. فَقَالُوا: ثمنه أَرْبَعَةُ فُلوس. فَأَشَارَ إِلَى مَوْضِع فِي الْحَائِط، فإِني جزتُ هَا هُنَا، وخبأتُ ثَمَّ أَربع فُلُوس، اشتَرُوا لِي بِهَا حبلاً. ثُمَّ قَالَ: أُرِيْد أَنْ تَشترِي لِي بدِيْنَار سمكاً. قُلْتُ: كرَامَة، وَمِنْ أَيْنَ لَكَ ذهب? قَالَ: بَلَى مَعِي ذهب كَثِيْر. قُلْتُ: الذّهب يَكُوْن أَحْمَر. قَالَ: أَبصِرْ تَحْتَ الْحَشِيش. فَأَخَذتُ الْحَشِيش، فَخَرَجَ دِيْنَار، فَاشْتَرَيْت لَهُ بِهِ سَمكاً، فَنظفه، وَشوَاهُ، ثُمَّ قَلاَهُ، ثُمَّ أَخرج مِنْهُ الْجلد وَالعِظَام، وَجَعَله أَقرَاصاً، وَجففه، وَتركه فِي جِرَابه، وَمَضَى وَلَهُ سنُوْنَ مَا أَكل الْخبز. وَكَانَ يَسكن جبالَ الشَّام، وَيَأْكُل البَلُّوْط وَالخرنوب.
قَالَ الضِّيَاء: قَرَأْت بِخَطِّ يُوْسُف بن مُحَمَّدِ بنِ مُقَلّد الدِّمَشْقِيّ أَنَّهُ سمع مِنَ الشَّيْخ أَبِي الحُسَيْنِ أَبيَاتاً، ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ عَظِيْمَ الشَّأْن، يَقعد خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً لاَ يَأْكُل سِوَى أَكلَةٍ، وَيَتقوت مِنَ الخَرُّوبِ البري، ويجفف السمك، وحدثني يوسف بن الشَّيْخِ أَبِي الحُسَيْنِ أَنَّ الشَّيْخ اسْتفَّ مِنْ صُرَّةٍ، فَرَآهُ رَجُل، فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفَّ مِنْهُ، فَإِذَا هُوَ مُرٌّ، فَلَمَّا جَاءَ الشَّيْخ، قَالَ: يَا سَيِّدِي، مَا فِي الصُرَّةِ? فَنَاوله مِنْهَا كفًا، فإذا هو سكر وقلب لوز.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1313"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 152".

(15/146)


وَأَخْبَرَنَا أَبُو المُظَفَّرِ السَّمْعَانِيّ عَنْ أَبِيْهِ: سَمِعْتُ عَبْدَ الوَاحِدِ بنَ عَبْدِ المَلِكِ الزَّاهِد بِالكَرَجِ، سَمِعْتُ أَبَا الحُسَيْنِ المَقْدِسِيّ وَكَانَ صَاحِبَ آيَاتٍ وَكَرَامَاتٍ عَجِيْبَةٍ، وَكَانَ طَاف الدُّنْيَا يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَعْجَمِياً بِخُرَاسَانَ يَعظُ، اسْمُهُ يُوْسُفُ بنُ أَيُّوْبَ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو تَمَّامٍ حَمْدُ بنُ تركِي بن ماضي قال: حدثني جدي قال: كان بِعَسْقَلاَنَ فِي يَوْم عِيدٍ، فَجَاءَ أَبُو الحُسَيْنِ الزَّاهِد إِلَى امْرَأَة مَعَهَا خُبْزٌ سُخْن، فَقَالَ: تَشتهِي لِزَوْجِك مِنْ هَذَا الْخبز وَكَانَ فِي الحَجّ فَنَاولَتْه رَغِيْفَيْنِ، فَلفَّهمَا فِي مِئْزَر، وَمَضَى إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ: خُذْ هَذَا مِنْ عِنْد أَهْلك. وَأَخْرَجَهُ سُخناً، وَرجع، فَرَأَوهُ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ وَبعَسْقَلاَن، وَجَاءَ الرَّجُل، وَقَالَ: أَمَا أَعْطيتَنِي الرَّغِيْفَيْنِ ? فَقَالَ: لاَ تَفْعَل، قَدِ اشتبهَ عَلَيْك. فَحَدَّثَنِي جَدِّي مَاضِي قَالَ: كَانَ أَبُو الحُسَيْنِ بِعَسْقَلاَنَ، فَوصَّوْا عَلَيْهِ البوَّابين لاَ تُخَلُّوْهُ يَخْرُج خَوْفاً مِنَ الفِرَنْجِ، فَجَاءَ وَعَدَا وَقمِيْصُه فِي فَمِهِ، فَإِذَا هُوَ فِي جبلِ لُبْنَانَ، فَقَالَ لِنَفْسِهِ: وَيْلَكِ وَأَنْتِ مِمَّنْ بلغَ هَذِهِ الرُّتبَة?!
وَعَنْ مَسْعُوْدٍ اليَمَنِيّ: قَالَتِ الفِرَنْج: لَوْ أَنَّ فِيْكُم آخر مثل أبي الحسين لاَتَّبَعْنَاكُم عَلَى دينكُم، مَرُّوا يَوْماً، فَرَأَوهُ رَاكِباً عَلَى سَبُعٍ وَفِي يَدِهِ حَيَّة، فَلَمَّا رَآهُم، نَزل وَمَضَى.
السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الوَاحِدِ بِالكَرَجِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ الكُفَّار يَقُوْلُوْنَ: الأُسُوْد وَالنُّمور كَأَنَّهَا نَعَمُ أَبِي الحُسَيْنِ.
قَالَ الضِّيَاء: سَمِعْنَا لَهُ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَشْيِ الأَسَدِ مَعَهُ، وَقِيْلَ: عَمِلَ حَلاَوَةً مِنْ قُشُوْر الْبِطِّيخ، فَغرف حَلاَوَةً مِنْ أَحْسَن الحَلاَوَة.
وَحَدَّثَنِي عَنْهُ المُحْسِنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الشَّيْخِ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: كَانَ وَالِدِي يَعملُ لَنَا الحَلاَوَةَ مِنْ قُشُوْر الْبِطِّيخ، وَيَسُوْطهَا بِيَدِهِ، فَعملْنَا بَعْدَهُ، فَلَمْ تَنعمل، فَقَالَتْ أُمِّي: بقيت تُعْوِزُ المِغْرفَة.
حَدَّثَنِي خَالِي أَبُو عُمَرَ قَالَ: كَانَ أَبُو الحُسَيْنِ يَجِيْء إِلَيْنَا، وَكَانَ يَقطع الْبِطِّيخ وَيطبخه، وَاسْتعَار مِنِّي سكِّيناً، فَجرحَتْهُ، فَقَالَ: مَا سكِّينُك إلَّا حَمْقَى.
وَعَنِ امْرَأَةٍ: أَنَّ أَبَا الحُسَيْنِ دَخَلَ تَنُّوراً، وَخَرَجَ مِنْهُ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الإِمَامُ بِمَرْدَا، حَدَّثَنَا أَبُو يُوْسُفَ حسن قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي الحُسَيْنِ الزَّاهِد، فَقَالَ لِنَاسٍ: أَعْطُونِي مِنْ نَارِكُم، فَمَلَؤُوا لَهُ قطعَة جرَّة، فَقَالَ: صُبُّوْهَا فِي مِلْحَفَتِي. فَصَبُّوْهَا فِي مِلْحَفَتِهِ، فَأَخَذَهَا وَمَضَى. وَقِيْلَ: إِنَّهُ رش مَاء عَلَى زَمِنَةٍ، فَمشت. سَمِعْتُ خَالِي مُوَفَّق الدِّيْنِ يَقُوْلُ: حُكِي أَنَّ أَبَا الحُسَيْنِ أَرَادَ لِصٌّ أَنْ يَأْخذ حِمَاره، قَالَ: فَيبست يَدُه، فَلَمَّا أَبعد عَنْهُ، عَادت.
قَالَ الضِّيَاءُ: وَبَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُلبس سرَاويله حِمَارَه، وَيَقُوْلُ: نُوَارِي عَوْرَتَه. فَيَضْحَك النَّاس.
وَقِيْلَ: كَانَ إِذَا عُرف بِمَكَان سَافر، وَقَبْره يُزَار بِظَاهِر حلب.
مَاتَ -ظَنّاً: سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَقِيْلَ: أَعْطت زَوْجَةُ سُلْطَان حلب لزَوْجَة أَبِي الحُسَيْنِ شقَّةَ حَرِيْرٍ، فَعملهَا سرَاويلَ لحمَارِه. وَرَأَى حَمَّالاً قَدْ رَمَى قَفَصَ فَخَّار، فَتطحَّن، فَجمعه لَهُ، وَجَاءَ مَعَهُ إِلَى الفاخورة، فحطه، فوجده صحاحًا.

(15/147)


5060- مسعود 1:
السُّلْطَان الكَبِيْر، غِيَاث الدِّيْنِ، أَبُو الفَتْحِ، مَسْعُوْدُ بن السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ ابْنِ السُّلْطَانِ مَلِكْشَاه السَّلْجُوْقِيُّ.
نشَأَ بِالمَوْصِل مَعَ أَتَابَك مَوْدُوْد، وَرباهُ، ثُمَّ مَعَ آقْسُنْقُر البرسقِي، ثُمَّ مَعَ خُوش بِك صَاحِب الموصل، فلما مات والده، حسن له خوشبك الخُرُوج عَلَى أَخِيْهِ مَحْمُوْد، فَالتقيَا، فَانْكَسَرَ مَسْعُوْد، ثُمَّ تَنقَّلَت بِهِ الأَحْوَال، وَاسْتقلَّ بِالسلطنَة فِي سَنَةِ528، وَقَدِمَ بَغْدَادَ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: كَانَ عَادِلاً لَيِّناً، كَبِيْرَ النَّفْس، فَرَّق مَمْلَكته عَلَى أَصْحَابه، وَمَا نَاوَأَهُ أَحَد إلَّا وَظَفِرَ بِهِ، وَقَتَلَ خلقاً مِنْ كِبَارِ الأُمَرَاء وَالخَلِيفَتَيْنِ الرَّاشد وَالمُسْترشد، لأَنَّه وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ المُسْترشد لاستطَالَة نوَاب مَسْعُوْد عَلَى العِرَاقِ، وَعَارضُوا الخَلِيْفَة فِي أَملاَكه، فَبَرَزَ لِحَرْبِهِ، فَجَيْش مَسْعُوْد بِهَمَذَان، فَالتقيَا، فَانْكَسَرَ جَيْش المُسْترشد، وَأُسِرَ فِي عِدَّة مِنْ أُمَرَائِهِ، وَطَافَ بِهِم مَسْعُوْد بِأَذْرَبِيْجَان، وَقُتِلَ الخَلِيْفَة بِمرَاغَة، وَأَقْبَلَ مَسْعُوْد عَلَى اللَّذَات وَالبطَالَة، وَحَدَّثَ له علة الغثيان مدة، وجرت بينه وبني عَمّه سَنْجَر منَازعَة، ثُمَّ تَصَالَحَا.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: كَانَ كَثِيْرَ المزَاح، حَسَنَ الْخلق، كَرِيْماً، عَفِيْفاً عَنْ أَمْوَال الرَّعِيَّةِ، مِنْ أَحْسَن السَّلاَطِيْن سيرَة، وَأَليَنِهِم عرِيكَة.
قُلْتُ: أَبطل مُكوساً وَمظَالِم كَثِيْرَة، وَعدل، وَاتَّسَع ملكه، وَكَانَ يَمِيْل إِلَى العلماء والصالحين، ويتواضع لهم.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 231"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "5/ ترجمة 720"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 303"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 145".

(15/148)


قَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُوْرِيّ، أَخْبَرَنَا السُّلْطَان مَسْعُوْد، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ قَاضِي المَرَسْتَان، أَخْبَرَنَا البَرْمَكِيّ بِحَدِيْث مِنْ "جُزْءِ الأَنْصَارِيِّ".
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ بَطَلاً شُجَاعاً، ذَا رَأْي وَشَهَامَة، تلِيق بِهِ السّلطنَة، سَمِعَ مِنْهُ جَمَاعَة، مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَة سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: نُقل إِلَى أَصْبَهَانَ، فَدُفِنَ بِهَا، وَعَاشَ خَمْساً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ قَدْ أَحَبّ خَاص بَك التركمَانِي، فرقاه، وقدمه على جميع قواده، وَكثرت أَمْوَاله، فَلَمَّا مَاتَ السُّلْطَان، قَالَ خَاص بَك لوَلَده مَلِكْشَاه: سَأَقبض عَلَيْك صُوْرَة، وَأَطلب أَخَاك مُحَمَّداً لأُملكه، فَإِذَا جَاءَ أَمسكنَاهُ، وَتستقل أَنْتَ. قَالَ: فَافْعَلْ. فَمَا نَفق خُبثه عَلَى مُحَمَّدٍ، وَجَاءَ إِلَى هَمَذَان، فَبَادر العَسْكَر إِلَيْهِ، فَقَالَ: كَلاَمكُم مَعَ خَاص بَك فَهُوَ الوَالِد، فَوَصَلَ هَذَا القَوْل إِلَى خَاص بَك، فَاطِمَأَنَّ، وَتلقَاهُ، وَقَدَّمَ لَهُ تُحَفاً، ثُمَّ قُتِلَ خَاص بِك، وَخلَّف أَمْوَالاً جَزِيْلَة مِنْ بَعْضهَا سَبْعُوْنَ أَلفَ ثَوْبِ أَطلس.
قَالَ المُؤَيَّد: بَدرهُ السُّلْطَان مُحَمَّد ثَانِي يَوْم مِنْ قُدومه، وَقَتَلَه، وَقَتَلَ معه آخر.

(15/149)


5061- الخجندي 1:
العَلاَّمَةُ الأَكملُ، صَدْرُ الدِّيْنِ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللَّطِيْفِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ ثَابِتٍ الخُجَنْدِيُّ، ثُمَّ الأَصْبَهَانِيُّ الشَّافِعِيُّ.
سَمِعَ أَبَا عَلِيٍّ الحَدَّادَ وَغَيْرهُ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ صدر العِرَاق عَلَى الإِطلاَق، إِمَاماً فَحلاً، مُنَاظراً، مليح الْوَعْظ، جَوَاداً مَهِيْباً، كَانَ السُّلْطَان مَحْمُوْد يَصدر عَنْ رأيه، وَكَانَ بِالوُزَرَاء أَشْبَه مِنْهُ بِالعُلَمَاء، وَكَانَ يَرْوِي الحَدِيْث عَلَى المِنْبَرِ مِنْ حِفْظِهِ.
وَقَالَ ابْنُ الجوزي: قدم وولي التدريس النِّظَامِيَّة، حضَرتُ مُنَاظرته. وَهُوَ يَتَكَلَّم بكَلِمَات مَعْدُوْدَة كَأَنَّهَا الدُّرّ، وَوعظ بِجَامِع القَصْر، وَمَا كَانَ يَندَار فِي الْوَعْظ، وَكَانَ مَهِيْباً، وَحَوْلَهُ السُّيوف.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: ذهب إِلَى أَصْبَهَانَ، فَنَزَلَ قَرْيَة بِقُرْبِ هَمَذَان، فَنَام فِي عَافِيَة، وَأَصْبَح مَيتاً فِي شَوَّالٍ سَنَة اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: جرت لِمَوْتِهِ فِتْنَة قُتلَ فيها خلق أصبهان.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 268"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 163".

(15/149)


ابن المتوكل، ابن القلانسي:
5062- ابن المتوكل 1:
الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ جَعْفَرِ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ ابْنِ المُتَوَكِّل عَلَى اللهِ، الهَاشِمِيُّ العَبَّاسِيُّ.
سَمِعَ أَبَا غَالِب البَاقِلاَّنِي، وَعَلِيّ بن مُحَمَّدٍ العَلاَّف، وَجَمَاعَة.
رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيّ، وَعَبْد المُغِيْث بن زُهَيْرٍ، وَأَبُو المُنَجَّا ابْن اللَّتِّيِّ. وَكَانَ يُلَقَّبُ بهَاء الشَّرَف.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: لَهُ معرفة بالأدب والشعر، وكان صالحًا.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: لَهُ كِتَاب سُرعَة الجَوَابِ أَتَى فِيْهِ بِكُلِّ مَلِيْحٍ.
وَقِيْلَ: جَمَعَ "سيرَة" لِلمُقْتَفِي.
تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
5063- ابن القلانسي 2:
الصَّاحبُ العَمِيدُ، أَبُو يَعْلَى، حَمْزَةُ بنُ أَسَدِ بنِ عَلِيٍّ، التَّمِيْمِيُّ الدِّمَشْقِيُّ ابْنُ القَلاَنسِيِّ الكَاتِبُ، صَاحِبُ "التَّارِيْخِ".
رَوَى عَنْ: سَهْلِ بنِ بِشْرٍ الإِسْفَرَايِيْنِي، وَحَامِد بن يُوْسُفَ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: كَانَ كَاتِباً أَدِيْباً، تَولَى رِئَاسَة دِمَشْق مرَّتين، وَكَانَ يَكتب لَهُ فِي سَمَاعه أَبُو العَلاَءِ المُسَلَّمُ، فَذَكَر هُوَ أَنَّهُ هُوَ، وَأَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ يُسَمَّى، صَنّف "تَارِيخاً" لِلْحوَادث، تُوُفِّيَ فِي ربيع الأول سنة خمس وخمسين وخمس مائة.
قُلْتُ: نَيَّفَ عَلَى الثَّمَانِيْنَ، وَحَدَّثَ عَنْهُ أَبُو القاسم بن صصرى، وَمُكْرَم بن أَبِي الصَّقْرِ، وَجَمَاعَة.
وَكَانَ مُتَمَيزاً فِي الكِتَابَتَينِ الإِنشَاء وَالِدِّيْوَان، وَحُمدت وِلاَيته، وَفِي عقبه رؤساء وعلماء.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 280"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 171".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 332"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 174" ووقع عنده [حمزة بن راشد] بدل [حمزة بن أسد] .

(15/150)


صاحب عزنة، الكرخي:
5064- صاحب غزنة 1:
السلطان خسروشاه بن السلطان بهرام شاه بن السلطان مسعود بن إبراهيم بن مسعود بن فَاتِح الهِنْد السُّلْطَانِ مَحْمُوْدِ بنِ سُبُكْتِكِيْنَ. تَمَلَّك بَعْد أَبِيْهِ تِسْعَة أَعْوَام.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: كَانَ عَادِلاً، حَسَن السِّيْرَةِ، مُحِبّاً لِلْخير، مُقرِّباً لِلْعُلَمَاء، رَاجِعاً إِلَى قَوْلِهِم، تُوُفِّيَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْس مائَة، وَقَامَ بَعْدَهُ ابْنه السُّلْطَان مَلِكْشَاه، فَقصدهُ ملك الغُوْر عَلاَء الدِّيْنِ، وَحَاصَرَ غَزْنَة، فَنَزَلَ عَلَيْهِم ثَلج كَثِيْر، فَترحَّلُوا.
قَالَ المُؤَيَّد: صَاهَرَ الأَمِيْر مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الغُوْرِيُّ لِلسُّلْطَانِ بَهْرَامَ شَاه بنِ مَسْعُوْدٍ، فَاسْتوحش السُّلْطَان مِنْ مُحَمَّد، فَأَمسكه، ثُمَّ ذَبَحَهُ، فَحشد أَخُوْهُ سورِي وَأَقْبَلَ، فَالتَقَوا، فَأَسره بَهْرَامَ شَاه، فَقَتَلَهُ أَيْضاً، فَأَقْبَل أَخُوْهُمَا الْملك عَلاَء الدِّيْنِ حُسَيْن بن حُسَيْنٍ، وَهَزَمَ بَهْرَامَ شَاه، واستولى عَلَى غَزْنَةَ، وَاسْتنَاب عَلَيْهَا أَخَاهُ سَيْف الدِّيْنِ سَامَ بن الحُسَيْنِ، ثُمَّ التَقَى بَهْرَامَ شَاه هُوَ وَسَام، فَقُتلَ سَام، وَتَمَكَّنَ بَهْرَامَ شَاه إِلَى أَنْ مَاتَ، وَتَملَّكَ خُسرو، فَقَصَدهُ ملك الغُوْر عَلاَء الدِّيْنِ الْملك المُعَظَّم، فَهَرَبَ خُسرو إِلَى نهَاور، وَتَملَّك عَلاَءُ الدِّيْنِ حُسَيْن غَزْنَةَ، وَنَهَبَهَا، وَدَانَتْ لَهُ الأُمَمُ، وَاسْتَعْمَلَ وَلَدَي أَخِيْهِ غِيَاثَ الدِّيْنِ وَشِهَابَ الدِّيْنِ ابْنَيْ سَامَ اللَّذَيْنِ تَمكنَا وَتَملَّكَا، فَحَاربا عمهُمَا، فَهَزمَاهُ، وَقهرَاهُ، وَأَسرَاهُ، لَكِن أَكرمَاهُ، وَأَعَادَاهُ إِلَى مَمْلَكته، وَوقفَا فِي خِدْمَته، فَزوَّجَهُمَا بِابْنَتَيْهِ، وَجَعَلَهُمَا وَلِيَّي عَهْده، وَدَام ذَلِكَ إِلَى أَنْ مَاتَ هُوَ سَنَة سِتٍّ وخمسين وخمس مائة.
5065- الكرخي 2:
القَاضِي العَلاَّمَةُ، أَبُو طَاهِرٍ، مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرِ بنِ الكَرْخِيِّ.
حَدَّثَ عَنْ: النِّعَالِيِّ، وَالحُسَيْنِ بنِ البُسْرِيِّ.
وَعَنْهُ: عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ الأَخْضَرِ، وَغَيْرُهُ. وَوَلِيَ القَضَاءَ بِبَابِ الأَزجِ وَبِوَاسِطَ.
تَفَقَّه بِإِلْكِيَا الهَرَّاسِيّ، وَالشَّاشِيّ، وَشَهِدَ عَلَى أَبِي الحَسَنِ بنِ الدَّامَغَانِيِّ. وَلَهُ فَضَائِلُ.
مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ بَعْدَ عِلَّةٍ طَوِيْلَةٍ وَلَهُ ثَمَانُوْنَ سنة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "5/ 333"، وشذرات الذهب "4/ 175".
2 ترجمته في المنتظم "10/ ترجمة 292"، وتبصير المنتبه "3/ ص 1210".

(15/151)


ابن المادح، ابن كروس:
5066- ابن المادح 1:
الشَّيْخُ المُعَمَّرُ الصَّدُوْقُ، أَبُو مُحَمَّدٍ، مُحَمَّدُ بنُ أحمد بن عبد الكريم ابن مُحَمَّدِ بنِ المَادِحِ التَّمِيْمِيُّ البَغْدَادِيُّ.
شيخ مُعَمَّر، عِنْدَهُ نَحْوٌ مِنْ سِتَّة أَجزَاء عَالِيَةٍ.
سَمِعَ: أَبَا نَصْرٍ الزَّيْنَبِيّ، وَأَبَا الحَسَنِ عَلِيّ بن مُحَمَّدٍ الأَنْبَارِيّ، وَأَبَا الغَنَائِم بن أَبِي عُثْمَانَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّعَّار، وَأَحْمَد بن طَارِقٍ، وَعُمَر بن مُحَمَّدٍ الدِّيْنَوَرِيّ، وَأَحْمَد بن يَحْيَى بنِ هِبَةِ اللهِ، وَعَبْد الحَقّ بن المَقْرُوْنِ، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بن الغَزَّالِ، وَأَبُو الفُتُوْحِ نَصْر بن الحُصْرِيِّ، وَثَابِتُ بنُ مُشَرِّفٍ، وعلي بن برورنداز، وَعَبْد اللَّطِيْفِ بن عَبْدِ الوَهَّابِ الطَّبَرِيّ، وَمُحَمَّد ابن مُحَمَّدِ بنِ أَبِي حَرْب النَّرْسِيّ.
وَكَانَ أَبُوْهُ نَوَّاحاً، مدَّاحاً لِلصحَابَة بِالقصَائِد فِي الموَاسم بِصَوْت مُطربٍ.
مَاتَ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَة سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ فِي عَشْرِ التِّسْعِيْنَ.
وَفِيْهَا مَاتَ أَبُو حَكِيْم إِبْرَاهِيْم بن دينار النهرواني الفقيه الزاهد، وأمير مِصْرَ الصَّالِح طلاَئِع بن رُزِّيْكٍ، وَأَبُو الفَتْحِ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الصَّابُوْنِيِّ، وَمقبل بن أَحْمَدَ بنِ الصَّدْر الحَنْبَلِيّ، وَصَاحِبُ مَا وَرَاء النَّهْر مَحْمُوْدُ خَاقَانَ بنُ مُحَمَّدٍ.
5067- ابْنُ كروس 2:
الشَّيْخُ المُحَدِّثُ المُسْنِدُ، أَبُو يَعْلَى، حَمْزَةُ بنُ أَحْمَدَ بنِ فَارِسِ بنِ المُنَجَّا بنِ كَرُّوْسٍ السُّلَمِيُّ الدِّمَشْقِيُّ.
مَوْلِده يَوْم الأَضحَى سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ "مُوَطَّأَ" يَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ عَنْ مَالِكٍ مِنَ الفَقِيْه نَصْر بن إِبْرَاهِيْمَ المَقْدِسِيّ، وَسَمِعَ مِنْ مَكِّيّ بن عَبْدِ السَّلاَمِ الرُّمَيْلِيّ، وَسَهْل بن بِشْرٍ الإِسْفَرَايِيْنِي.
وَطَلَبَ فِي وَقت بِنَفْسِهِ، وَنسخ بِخَطِّهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَابْنه القَاسِم، وَعُمَر بن عَلِيٍّ القُرَشِيّ، وَأَخُوْهُ عَبْدُ الوَهَّابِ، وَالقَاضِي عَبْد الرَّحْمَنِ بن سلطان، وأبو القاسم بن صَصْرَى، وَمُكْرَم بن أَبِي الصَّقْرِ، وَإِسْحَاق بن طَرْخَانَ الشَّاغُوْرِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: كَتَبْتُ عَنْهُ بَعْد مَا تَابَ، وَكَانَ شَيْخاً حسن السَّمْت، تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ سَنَة سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَفِيْهَا مَاتَ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ نَاقَةَ الكُوْفِيّ المُحَدِّث، وَزُمُرُّذ خَاتُوْنَ أُمُّ شَمْس المُلُوْك صَاحِبَةُ الخَاتُونِيَّةِ الَّتِي عَلَى الشَّرَف، وَصَدَقَةُ بنُ وَزِيْرٍ الوَاسِطِيّ الوَاعِظ، وَالوَاعِظ عَبْد الرَّحْمَنِ المَعَرِيّ بِدِمَشْقَ، وَالشَّيْخ عَدِيّ بن مُسَافِرٍ الزَّاهِد، وَإِلْكِيَا الصَّبَّاحِيّ البَاطِنِي صَاحِبُ أَلموتَ، وَهِبَة الله الشلبي القصار صاحب أبي نصر الزينبي.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "5/ 361"، وشذرات الذهب "4/ 178" ووقع عنده [ابن المارح] بالراء المهملة بدل [ابن المادح] بالدال المهملة.
2 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 362"، وشذرات الذهب "4/ 178".

(15/152)


5068- الشبلي 1:
الشيخ المسند، بقية المشايخ، خاتم من سمع من أبي نصر محمد ابن مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيِّ، أَبُو المُظَفَّرِ هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الشِّبْلِيِّ البَغْدَادِيُّ القَصَّارُ الدقاق المؤذن.
وُلِدَ سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ: أَبِي الغَنَائِمِ بنِ أَبِي عُثْمَانَ، وَطِرَادِ بنِ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَأَبِي نَصْرٍ بنِ المُجْلِي.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ الجِيْلِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ البَاقدرَائِي، وَأَبُو العَلاَءِ العَطَّار، وَعَبْد المُغِيْثِ بن زُهَيْرٍ، وَأَحْمَد بنُ طَارِقٍ، وَأَبُو طَالِبٍ بنُ عَبْدِ السَّمِيْعِ، وَعَلِيّ بن أَبِي سَعْدٍ بنِ تُمَيْرَةَ، وَأَبُو الفُتُوْحِ بنُ الحُصْرِيِّ، وَزَيْد ابن يَحْيَى البَيِّعُ، وَظَفِرَ بن سَالِمٍ البَيْطَار، وَأُخْته يَاسمِينُ، وَالشَّيْخ شِهَاب الدِّيْنِ عُمَر السُّهْرَوَرْدِيّ، وَالنَّفِيْسُ بنُ كَرَمٍ، وَهِبَة اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ كَمَالٍ القَطَّانُ، وَعِدَّة. وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ عَجِيْبَةُ البَاقدَارِيَة.
تُوُفِّيَ فِي سَلْخِ ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَمِنْ غَرِيْب الاتِّفَاق أَنَّ فِيْهَا مَاتَ سَمِيُّه أَبُو بَكْرٍ هِبَة اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الحَفَّار بِبَغْدَادَ، سَمِعَ مِنْ رِزْق اللهِ التَّمِيْمِيّ، وأجاز لكريمة.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 362"، وشذرات الذهب "4/ 181".

(15/153)


الموسوي، الزيادي:
5069- الموسوي 1:
السَّيِّدُ العَالِمُ الزَّاهِدُ الصَّالِحُ، شَيْخ هَرَاة، أَبُو الحسن، علي بن حمزة ابن إِسْمَاعِيْلَ بنِ حَمْزَةَ، الهَاشِمِيُّ العَلَوِيُّ المُوْسَوِيُّ الهَرَوِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: مُحَمَّد بن عَلِيٍّ العُمَيْرِيّ، وَنَجِيْب بن مروان، وَأَبِي عَامِرٍ الأَزْدِيّ، وَصَاعِد بن سَيَّار، وَالحَافِظ عبد الله بن يوسف الجرجاني، وجماعة.
وَخَرَّجَ الحَافِظُ أَبُو النَّضْرِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الفَامِي لَهُ "جُزْءاً" عَنْ مَشَايِخه.
وَمِنْ مَرْوِيَّاته كِتَاب العَوَالِي لابْنِ عَدِيّ.
وَسَمِعَ "جَامِع" أَبِي عِيْسَى مِنَ الأَزْدِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ وَوَلَده، وَعَبْد اللهِ بن عِيْسَى بنِ أَبِي حَبِيْبٍ، وَحَفِيْده مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْلَ بن عَلِيٍّ، وَحَفِيْده الآخر عَلِيّ بن مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، وَيَحْيَى بن مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ، وَأَبُو رَوْحٍ عَبْد المُعِزِّ بن مُحَمَّدٍ البَزَّاز، وَآخَرُوْنَ.
وَعَاشَ نَيِّفاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: عَلَوِي حَسَن السِّيْرَةِ، مَرضِي، جَمِيْل الظَّاهِر وَالبَاطِن، كَثِيْر العِبَادَة وَالخَيْر، يَتفقد الفُقَرَاء، وَيُرَاعِيْهِم، مُحْتَرم عِنْد أَهْل بَلَده، مَاتَ سَنَةَ تسع وخمسين وخمس مائة.
5070- الزيادي:
الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللهِ، مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ البغوي المقرىء الصُّوْفِيُّ، بَقِيَّةُ الكِبَارِ.
سَمِعَ جَامِع أَبِي عِيْسَى مِنْ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي صَالِحٍ الدَّبَّاس فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
ذَكَرَهُ ابْن نُقْطَة وَأَنَّهُ تُوُفِّيَ بِهَرَاةَ سَنَةَ سِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائة، فلو أنه كان بِبَغْدَادَ لَبَقِي أَصْحَابه إِلَى بَعْد الأَرْبَعِيْنَ وَسِتِّ مائة.
عاش أكثر من تسعين سنة.
__________
1 ترجمته في شذرات لابن العماد "4/ 187".

(15/154)


أبو حكيم، الزيات:
5071- أبو حكيم 1:
العَلاَّمَةُ القُدْوَةُ، أَبُو حَكِيْمٍ، إِبْرَاهِيْمُ بنُ دِيْنَارٍ النُّهْرُوَانِيُّ الحَنْبَلِيُّ، أَحَدُ أَئِمَّةِ بَغْدَادَ.
إِمَام زَاهِد وَرع خَيِّرٌ حَلِيْمٌ، إِلَيْهِ المُنْتَهَى فِي عِلمِ الفَرَائِضِ.
أَنشَأَ بِبَابِ الأَزجِ مَدْرَسَةً، وَانقطع بِهَا يَتعبَّدُ.
وَكَانَ يُؤثر الخُمُوْل وَالقُنوع، وَيَقتَاتُ مِنَ الخياطة، فيأخذ على القميص حبتين فقط، ولد جهد جَمَاعَةٌ فِي إِغضَابِهِ، فَعَجَزُوا، وَكَانَ يَخدُم الزَّمْنَى وَالعجَائِز بوجهٍ طَلْق، وَسَمَاعُه صَحِيْحٌ.
سَمِعَ أَبَا الحَسَنِ بنَ العَلاَّفِ، وَأَبَا القَاسِمِ بنَ بَيَانٍ.
وَعَنْهُ: ابْنُ الجَوْزِيِّ، وَابْنُ الأَخْضَر، وَأَبُو نَصْرٍ عُمَر بن مُحَمَّد.
عَاشَ خَمْساً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَتُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَة سِتٍّ وخمسين وخمس مائة.
5072- الزيات 2:
الشَّيْخُ الصَّالِحُ، أَبُو النَّدَى، حَسَّانُ بنُ تَمِيْمِ بنِ نَصْرٍ، الدِّمَشْقِيُّ الزَّيَّاتُ.
سَمِعَ مِنَ الفَقِيْه نَصْر بن إِبْرَاهِيْمَ المَقْدِسِيّ مِنْ مَجَالِسه.
وَعَاشَ بِضْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ وَابْنُهُ، وَعَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَسَدٍ، وَأَبُو المَوَاهِب التَّغْلِبِيُّ، وَمُكْرمٌ القُرَشِيُّ، وَكَرِيْمَةُ بِنْتُ الحَبَقْبَقِ، وَآخَرُوْنَ.
تُوُفِّيَ فِي تَاسِعَ عَشَرَ رَجَبٍ سَنَة سِتِّيْنَ وخمس مائة، ودفن بمقبرة باب الفراديس.
وفيها مَاتَ أَبُو الفَضْلِ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ القُزَّةِ الدِّمَشْقِيُّ رَاوِي "الصَّحِيْح" عَنِ الفَقِيْه نصر، عن ابن السمسار.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 290"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 360"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 176".
2 ترجمته في شذرات لابن العماد "4/ 188".

(15/155)


5073- الصالح 1:
وَزِيْرُ مِصْرَ، الْملك الصَّالِحُ، أَبُو الغَارَاتِ، طَلاَئِعُ بنُ رُزِّيك الأَرْمَنِيّ المِصْرِيّ الرَّافضِي، وَاقف جَامِع الصالح الذي بالشارع.
وَلِي نوَاحِي الصّعيد، فَلَمَّا قُتل الظَّافر، نَفَّذ آلُ الظَّافر وَحرمُهُ إِلَى ابْنِ رُزِّيك كُتُباً مُسخَّمَة فِي طَيِّهَا شُعورُ أَهْلِه مقصوصَةً، يَسْتَنفِرُوْنَهُ ليَأْخُذَ بِالثَّأْر، فَحشد وَجَمَعَ، وَأَقْبَلَ، وَاسْتَوْلَى عَلَى مِصْرَ.
وَكَانَ أَدِيْباً عَالِماً شَاعِراً سَمحاً جَوَاداً ممدحًا شجاعًا سائسًا.
ولد "دِيْوَان" صَغِيْر.
وَلَمَّا مَاتَ الفَائِز، أَقَامَ العَاضد، فَتزوَّج العَاضد بِبنتِه، وَكَانَ الحلّ وَالعقد إِلَى الصَّالِح، وَكَانَ العَاضد مُحتجباً عَنِ الأُمُوْر لصبَاهُ، وَاغترَّ الصَّالِح بطول السَّلاَمَة، وَنقصَ أَرزَاقَ الأُمَرَاء، فَتعَاقدُوا عَلَى قَتلِهِ، وَوَافَقَهُم العَاضد، وَقرر قتلَه مَعَ أَوْلاَد الدَّاعِي، وَأَكمنهُم فِي القَصْر، فَشدُّوا عَلَيْهِ، وَجرحوهُ عِدَّة جرَاحَات، فَبَادَرَ مَمَالِيْكُهُ، فَقتلُوا أُوْلَئِك، وَحُمِلَ، فَمَاتَ ليَوْمِهِ فِي تَاسِعَ عَشَرَ رَمَضَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَخُلعَ عَلَى ابْنِهِ العَادِل رُزِّيْك، وَوَلِيَ الوزَارَة.
قَالَ الشَّرِيْف الجوَانِي: كَانَ فِي نَصْر المَذْهَب كَالسِّكَّة المُحمَاة لاَ يُفرَى فَرِيُّه، وَلاَ يُبارَى عبقرِيُّه، وَكَانَ يَجْمَع العُلَمَاء، وَيُنَاظِرهُم عَلَى الإِمَامَة.
قُلْتُ: صَنّف فِي الرَّفْضِ وَالْقَدَرِ. وَلعُمَارَة اليَمَنِيِّ فِيْهِ مدائح ومراثي.
وَلَقَدْ قَالَ لِعَلِيِّ بنِ الزُّبْدِ لمَا ضجَّت الغوَغَاءُ يَوْم خِلاَفَة العَاضد وَهُوَ حَدَثٌ: يَا عَلِيُّ، تَرَى هَؤُلاَءِ القَوَّادِيْنَ دُعَاة الإِسْمَاعِيليَة يَقُوْلُوْنَ: مَا يَموت الإِمَام حَتَّى يَنُصَّهَا فِي آخَرَ، وَمَا عَلِمُوا أَنِّي مِنْ سَاعَةٍ كُنْت أَسْتعرضُ لهم خليفةً كما أستعرض الغنم.
__________
1 ترجمته في وفيات الأعيان "2/ ترجمة 311"، وتبصير المنتبه "2/ 643"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 345"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 177".

(15/156)


5074- المقتفي لأمر الله 1:
أمير المؤمنين، أبو عبد الله، محمد بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي بالله عبد الله بن الذخيرة محمد بن القَائِمُ بِأَمْرِ اللهِ عَبْدُ اللهِ بنُ القَادِرِ بالله أحمد بن الأمير إسحاق بن المُقْتَدِرِ، الهَاشِمِيّ العَبَّاسِيّ البَغْدَادِيّ الحَبَشِيّ الأُمُّ.
مَوْلِدُهُ فِي رَبِيْع الأَوّل سَنَة تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ العَلاَّفِ، وَمِنْ مُؤَدِّبِهِ أَبِي البَرَكَات السِّيْبِيّ.
وَبُوْيِع بِالإِمَامَة فِي سَادِسَ عَشَرَ ذِي القَعْدَةِ سَنَة ثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: وَأَظُنُّهُ سَمِعَ "جُزْءَ ابْنِ عَرَفَةَ" مِنِ ابْنِ بَيَانٍ، كَتَبتُ إِلَيْهِ قِصَّةً أَسْأَلُه الإِنعَامَ بِالإِذن فِي السَّمَاع مِنْهُ، فَأَنْعَم، وَفتش عَلَى الجُزْء، وَنفَّذه إِلَيَّ عَلَى يَدِ إِمَامِهِ ابْنِ الجَوَالِيْقِيّ، فَسمِعتُه مِنِ ابْنِ الجواليقي عنه، حَدَّثَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ بن الجَوَالِيْقِيّ، أَخْبَرَنَا المُقْتَفِي لأَمْرِ اللهِ ... فَذَكَرَ حَدِيْثاً. قَرَأْته عَلَى الأَبَرْقُوْهِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ الجَوَالِيْقِيّ، أَخْبَرَنَا الوَزِيْر عَوْن الدِّيْنِ، أَخْبَرَنَا المُقْتَفِي، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الصَّرِيْفِيْنِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ الوَرَّاق، حَدَّثَنَا حَفْصٌ الرَّبَالِيّ، حَدَّثَنَا أَبُو سُحَيْم، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "لا يَزْدَادُ الأَمْرُ إلَّا شِدَّةً، وَلاَ النَّاسُ إلَّا شُحّاً، وَلاَ تَقُوْمُ السَّاعَةُ إلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ"2. وَأَنْبَأَنَاهُ جَمَاعَة سَمِعُوْهُ مِنْ أَبِي اليُمْنِ الكِنْدِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ البَيْضَاوِيّ، أَخْبَرَنَا الصَّرِيْفِيْنِيّ.
كَانَ المُقْتَفِي عَاقِلاً لَبِيْباً، عَامِلاً مَهِيْباً، صَارِماً، جَوَاداً، مُحِبّاً لِلْحَدِيْثِ وَالعِلْمِ، مُكْرماً لأَهْلِهِ، وَكَانَ حَمِيْدَ السيرَةِ، يَرْجِع إِلَى تديُّنٍ وَحُسنِ سِيَاسَةٍ، جدَّد معَالِمَ الخِلاَفَة، وَبَاشر المُهمَّاتِ بِنَفْسِهِ، وَغَزَا فِي جُيُوْشه.
قَالَ أَبُو طَالِبٍ بنُ عَبْدِ السميع: كانت أيامه نضرةً بالعدل زهرة بِالخَيْرِ، وَكَانَ عَلَى قَدَمٍ مِنَ العِبَادَة قَبْل الخِلاَفَة وَمَعَهَا، وَلَمْ يُرَ مَعَ لينه بَعْد المُعْتَصِم فِي شهَامتِه مَعَ الزُّهْد وَالوَرَع، وَلَمْ تزل جيوشه منصورة.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 286"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 332-333" وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 172-174".
2 منكر: في إسناده أبو سحيم، مبارك بن سحيم، له نسخة معروفة عن عبد العزيز بن صهيب. قال أبو زرعة: ما أعرف له حديثا صحيحا. وقال النسائي: لا يكتب حديثه. وقال البخاري: منكر الحديث.

(15/157)


قُلْتُ: وَكَانَ مِنْ حَسَنَاتِهِ وَزِيْرُهُ عَوْنُ الدِّينِ بنُ هُبَيْرَةَ، وَقِيْلَ: كَانَ لاَ يَجرِي فِي دَوْلَتِهِ شَيْءٌ إلَّا بِتَوقِيعِهِ، وَكَتَبَ فِي خِلاَفَتِهِ ثَلاَثَ رَبَعَاتٍ، وَوَزَرَ لَهُ عَلِيُّ بنُ طِرَادٍ، ثُمَّ أَبُو نَصْرٍ بنُ جَهِيرٍ، ثُمَّ عَلِيُّ بنُ صَدَقَةَ، ثُمَّ ابْنُ هُبَيْرَةَ، وَحجبَهُ أَبُو المَعَالِي بنُ الصَّاحبِ، ثُمَّ كَامِلُ بنُ مُسَافِرٍ، ثُمَّ ابْنُ المعوّجِ، ثُمَّ أَبُو الفَتْحِ بنُ الصَّيْقَلِ، ثُمَّ أَبُو القَاسِمِ بنُ الصَّاحبِ.
وَكَانَ أَسْمَرَ آدَمَ، مَجْدُورَ الوَجْهِ، مليحَ الشَّيْبَةِ، أَقَامَ حِشْمَةَ الخِلاَفَةِ، وَقطعَ عَنْهَا أَطمَاعَ السَّلاَطِيْنِ السَّلْجُوْقيَّةِ وَغَيْرِهِم، وَكَانَ مِنْ سَلاَطِيْنِ خِلاَفَتِهِ صَاحِبُ خُرَاسَانَ سَنْجَرُ بنُ مَلِكْشَاه، وَالملكُ نورُ الدِّينِ صَاحِبُ الشَّامِ، وَأَبُوْهُ قسيمُ الدَّوْلَةِ.
أَنْبَؤُوْنَا عَنِ ابْنِ الجَوْزِيِّ قَالَ: قَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي الفَرَجِ الحَدَّادِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ أَثقُ بِهِ أَنَّ المُقْتَفِي رَأَى فِي مَنَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَخلَفَ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ لَهُ: سيصِلُ هَذَا الأَمْرُ إِلَيْكَ، فَاقتَفِ بِي. فَلِذَا لُقِّبَ المُقْتَفِي لأَمرِ اللهِ.
وَكَانَ قَدْ قَدِمَ بَغْدَادَ السُّلْطَانُ مَسْعُوْدٌ السَّلْجُوْقِيُّ، وَذَهَبَ الرَّاشدُ مِنْ بَغْدَادَ، فَاجْتَمَعَ القُضَاةُ وَالكُبَرَاءُ، وَخلعُوا الراشد -كما ذكرنا- لعدم أهليته، وَحكمَ بِخلعِهِ ابْنُ الكَرْخِيِّ القَاضِي، وَبَايَعُوا عَمَّهُ.
قَالَ السَّديدُ بنُ الأَنْبَارِيِّ: نَفَّذَ السُّلْطَانُ إِلَى عَمِّهِ سَنْجَر: مَنْ نَستخلفُ? فَكَتَبَ إِلَيْهِ: لاَ تُوَلِّ إلَّا مَنْ يَضمنُهُ الوَزِيْرُ، وَصَاحِبُ المخزنِ، وَابْنُ الأَنْبَارِيِّ. قَالَ: فَاجْتَمَعَ بِنَا مَسْعُوْدٌ، فَقَالَ الوَزِيْرُ: نُوَلِّي الدَّيِّنَ الزَّاهِدَ مُحَمَّدَ بنَ المُسْتظهِرِ. قال: تضمنه ? قال: نعم. وكان صهراً لِلوزِيْرِ عَلَى بِنْتِهِ تَزَوَّجَ بِهَا فِي دَوْلَةِ أَبِيْهِ.
وَأَخَذَ مَسْعُوْدٌ كُلَّ حَوَاصِلِ دَارِ الخِلاَفَةِ بِحَيْثُ لَمْ يَدعْ فِي إِصطبلِ الخِلاَفَةِ سِوَى أَرْبَعَةِ أَفرَاسٍ وَثَمَانِيَةِ بغَالٍ. فَقِيْلَ: بَايَعُوا مُحَمَّداً عَلَى أَنْ لاَ يَكُوْنَ عِنْدَهُ خيلٌ وَلاَ عِدَّةُ سفرٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ مِنْ سِنِيِّهِ صَادرَ مَسْعُوْدٌ أَهْلَ بَغْدَادَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ ابْنُ الكوَّازِ الزَّاهِدُ، وَوعظَهُ، فَتركَ، وَلَمْ يَدعْ لِلْخَلِيْفَةِ سِوَى العَقَار، ثُمَّ تَزَوَّجَ الخَلِيْفَةُ بِأُخْتِ مَسْعُوْدٍ.
وَفِيْهَا اقتتلَ مَسْعُوْدٌ وَعَسَاكِرُ أَذْرَبِيْجَانَ وَالرَّاشدُ المخلوعُ، وَتَمَّتْ وَقْعَةٌ مَهُولَةٌ، وَكَتَبَ الخَلِيْفَةُ لِزِنْكِي بِعَشْرَةِ بِلاَدٍ، وَأَنْ لاَ يُعِينَ الرَّاشدَ، فَخُطِبَ بِالمَوْصِلِ لِلمُقْتَفِي، فَنَفَّذَ الرَّاشدُ يَقُوْلُ لِزِنْكِي: غدرتَ. قَالَ: مَا لَنَا طَاقَةٌ بِمَسْعُوْدٍ، وَفَارقَ الرَّاشدَ وَزِيْرُهُ ابْنُ صَدَقَة، وَقلَّ جَمعُهُ، وَتَحيَّزَ إِلَى مرَاغَةَ، وَبَكَى عِنْدَ قَبْرِ أَبِيْهِ، وَحَثَا عَلَى رَأْسِهِ التُّرَابَ، فَثَارَ مَعَهُ أَهْلُ مَرَاغَةَ، وَبذلُوا لَهُ الأَمْوَالَ، وَقَوِيَ بِالملكِ دَاوُدَ، وَعَمِلَ مَصَافّاً مَعَ مَسْعُوْدٍ، فَاسْتظهَرَ دَاوُدَ.
وَفِيْهَا هَرَبَ وَزِيْر مِصْر تاج الدولة بهرام الأنصاري الأرمني، وكان قد تمكن، واستعمل

(15/158)


الأَرمن، فَظلم الرَّعِيَّة، فَجمعَ رِضْوَانُ الولخشِي جَيْشاً، وَقصد القَاهِرَةَ، فَسَارَ بَهْرَامُ فِي جَيْشِهِ إِلَى الصّعيد وَأَكْثَرهُم أَرمن نَصَارَى، فَمنعه أَمِيْر أُسْوَان مِنْ دُخُوْلهَا، فَاقْتَتَلُوا، وَقُتِلَ عِدَّةٌ مِنَ الأَرمن وَالسودَان، ثُمَّ بَعَثَ يَطلب أَمَاناً مِنَ الحَافِظِ العبيدِي، فَآمَنَهُ، فَعَاد وَحُبِس بِالقَاهِرَةِ، ثُمَّ ترهَّبَ، ثُمَّ أُطْلِقَ، وَوزر لِلْحَافِظ رِضْوَان، وَلُقب بِالملك الأَفْضَل، ثُمَّ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الحَافِظ بَعْد سنتَيْن، فَهَرَبَ إِلَى الشَّامِ، فَنَزَلَ عَلَى أَمِيْرِ الدَّوْلَة كَمشتِكين صَاحِب صَرْخَد، فَأَكْرَمَه، وَعظَّمه.
وَأُعِيْدت إِلَى المُقْتَفِي ضِيَاعه وَمعَامِلاَتُهُ، وَتَمَكَّنَ، وَنَصْر عَسْكَر دِمَشْق وَعَلَيْهِم بزوَاش عَلَى فِرْنَج طَرَابُلُس، وَالتَقَى زِنْكِي وَالفِرَنْج أَيْضاً فَهَزمهُم، وَاسْتَوْلَى عَلَى قَلْعَةٍ لَهُم، ثُمَّ سَارَ وَأَخَذَ بَعْلَبَكَّ، وَأَخَذتِ الرُّوْم بُزَاعَةَ بِالأَمَانِ، وَتنصَّر قَاضِيهَا وَجَمَاعَة، فَلله الأَمْر.
وَتَزَوَّجَ السُّلْطَان مَسْعُوْدٌ بِبنتِ دُبَيْسٍ الأَسَدِيِّ لِملاَحتهَا، وَأُغلقت بَغْدَاد لِلْعرس أُسْبُوْعاً فِي سَنَةِ "532".
وَفِيْهَا اسْتفحل أَمر الرَّاشد، وَالتف عَلَيْهِ عَسَاكِر، فَقتلته البَاطِنِيَّة، وَنَازلت عَسَاكِر الرُّوْم حلب، وَحمِي الحَرْب، وَقُتِلَ خَلْقٌ مِنَ النَّصَارَى، وَقُتِلَ بِطْرِيْقُهُم، ثُمَّ نَازلُوا شَيْزَر مُدَّة، وَعَاثُوا فِي الشَّام، وَمَا قحم عَلَيْهِم زِنْكِي، بَلْ ضَايقهُم، وَطلب النّجدَة مِنَ السُّلْطَان مَسْعُوْد، ثُمَّ قلعهُم الله.
وَفِي سَنَةِ533 زلْزلت جَنْزَة. قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: فَأَهْلكت مائتي أَلفٍ وَثَلاَثِيْنَ أَلْفاً، فَسَمِعْتُ شَيْخنَا ابْنَ نَاصِرٍ يَقُوْلُ: جَاءَ الخَبَر أَنَّهُ خُسفت جَنْزَة، وَصَارَ مَكَان البَلَدِ مَاءٌ أَسودُ. وَكَذَا عدهُم ابْن الأَثِيْرِ فِي كَامِلِه لَكِن أَرَّخهَا فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ.
وَفِيْهَا حَاصر زِنْكِي دِمَشْق غَيْرَ مَرَّةٍ، وَعُزِلَ ابْنُ طِرَاد مِنَ الوِزَارَة، وَوَلِيهَا أُسْتَاذ الدَّار أَبُو نَصْرٍ بنُ جَهِيْرٍ، وَعَظُمَ الخطبُ بِالعَيَّارِيْنَ، وَأَخَذُوا الدُّور بِالشُّموع وَالثِّيَاب مِنَ الحمَامَات، وَأَعَانَهُم وَزِيْر السُّلْطَان، فَتَحَزَّب النَّاسُ لَهُم، وَأَذِنَ فِي ذَلِكَ السُّلْطَانُ، وَتَتَبَّعُوهُم.
وَفِيْهَا كَانَتْ وَقْعَةٌ عُظْمَى بَيْنَ سَنْجَر السُّلْطَان وَبَيْنَ كَافِر ترك بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ، فَانْكَسَرَ المُسْلِمُوْنَ، وَنَجَا سَنْجَر فِي طَائِفَةٍ، فَتوصَّل إِلَى بَلْخَ فِي سِتَّة نَفرٍ، وَقُتِلَ خَلْقٌ كَثِيْرٌ مِنَ الجَيْش حَتَّى قِيْلَ: قُتل مائَةُ أَلْف، وَسَارَ اللعينُ فِي ثَلاَثِ مائَةِ أَلْفِ فَارِسٍ، وَأَحَاطُوا بِسَنْجَرَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ.
وَفِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ حَاصَرَ زِنْكِي الفِرَنْج بِالرُّهَا، وَافْتَتَحَهَا، ثُمَّ بَعْد سَنَوَات أَخَذَتهَا الفِرَنْج.

(15/159)


وَفِيهَا افْتَتَحَ عَبْدُ المُؤْمِنِ مدينَة تِلِمْسَان، ثُمَّ فَاس.
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ حَاصر زِنْكِي قَلْعَة جَعْبَرَ، فَوَثَبَ عَلَيْهِ ثَلاَثَةٌ مِنْ غِلمَانِه، فقتلوه، وعارضه شِحْنَةُ مَسْعُوْدٍ المُقْتَفِي فِي دَارِ الضَّرب، فَأَمر بِحَبسِهِ، وَعظُم المُقْتَفِي، وَأَخَذتِ الفِرَنْجُ طَرَابُلُسَ المَغْرِبِ، واستفحل أمر الْمَلِكِ عَبْدِ المُؤْمِنِ، وَغَلَبَ عَلَى مَمَالِكِ المَغْرِبِ.
وَفِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَلِي ابْن هُبَيْرَةَ دِيْوَانَ الزِّمَام، وَعُزل مِنِ ابْنِ جَهِيْر، وَوزر أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ صَدَقَةَ.
وَفِي سَنَةِ543 جَاءت ثَلاَثَةُ مُلُوْكٍ مِنَ الفِرَنْجِ إِلَى القُدْسِ، مِنْهُم طَاغِيَةُ الأَلمَانِ، وَصَلَّوْا صَلاَة المَوْت، وَفَرَّقُوا عَلَى جُندهِم سَبْع مائَة أَلْف دِيْنَارٍ، فَلَمْ يَشعُر بِهِم أَهْل دِمَشْقَ إلَّا وَقَدْ صبَّحوهُم فِي عَشْرَة آلاَف فَارِس وَسِتِّيْنَ أَلْفَ رَجُلٍ، فَخَرَجَ المسلمون فارسهم وراجلهم، والتقوا، فاستشهد نحو المائةين، مِنْهُم الفَنْدَلاَوِيّ، وَعَبْد الرَّحْمَنِ الحَلْحُوْلِيّ، ثُمَّ اقْتَتَلُوا مِنَ الغَدِ، وَقُتِلَ خَلْقٌ مِنَ الفِرَنْج، فَلَمَّا كَانَ خَامِس يَوْم وَصل مِنَ الجَزِيْرَة غَازِي ابن زِنْكِي فِي عِشْرِيْنَ أَلْفاً، وَتَبِعَهُ أَخُوْهُ نُور الدِّيْنِ، وَكَانَ الضَّجِيج وَالدُّعَاء وَالتَّضَرُّع بِدِمَشْقَ لاَ يُعَبَّرُ عَنْهُ، وَوَضَعُوا المُصْحَف العُثْمَانِيّ فِي صَحنِ الجَامِعِ، وَكَانَ قِسِّيسُ العَدُوّ قَالَ: وَعَدَنِي المَسِيْحُ بِأَخْذَ دِمَشْق، فَحفُّوا بِهِ، وَرَكِبَ حِمَارَه وَفِي يَدِهِ الصَّليب، فَشدَّ عَلَيْهِ الدَّمَاشقَة، فَقتلُوْهُ، وَقتلُوا حِمَاره، وَجَاءت النّجدَات، فَانْهَزَمَ الفِرَنْجُ.
وَقَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: سَارَ ملكُ الأَلمَان مِنْ بِلاَدِه لِقَصْدِ المُسْلِمِيْنَ، وَانضمَّ إِلَيْهِم فِرْنَجُ الشَّامِ، فَنَازلَ دِمَشْقَ، وَبِهَا الْملك مُجِيْرُ الدِّيْنِ أَبَقُ وَأَتَابَكُهُ مُعِيْنُ الدِّيْنِ أَنُر، فَنَجَدَه أَوْلاَدُ زِنْكِي، وَنَزَلَ ملكُ الألمان بالميدان الأخضر، وَأَيِسَ أَهْلُ دِمَشْقَ، وَوصل صَاحِبُ المَوْصِلِ إِلَى حِمْصَ، فَرَاسلَ أَنُر مُلُوْكَ فِرْنَجِ السَّاحِلِ يَقُوْلُ: بأَيِّ عقل تُسَاعِدُوْنَ الأَلمَان عَلَيْنَا?! وَإِنْ ملكُوا أَخذُوا مِنْكُم السوَاحل، وَأَنَا إِذَا عجزت سلَّمت دِمَشْق إِلَى ابْنِ زِنْكِي، فَلاَ تَقُوْمُوْنَ بِهِ، فَتخَاذلُوا، وَبَذَلَ لَهُم بَانِيَاس، فَخوَّفُوا ملك الأَلمَان مِنْ عَسَاكِر الشَّرْق، فَرد إِلَى بِلاَده، وَهِيَ وَرَاء قُسْطَنْطِيْنِيَّة.
وَفِيْهَا ظُهُوْر الدَّوْلَة الغُورِيَة، فَقصد سُوْرِيُّ بنُ حُسَيْنٍ مَدينَةَ غَزْنَةَ، وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا، فَجرت بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَهْرَامَ شَاه وَقْعَةٌ، فَقُتلَ سُورِي، فَغضبت الغُوْر لِقَتلِهِ، وَحَشَدُوا، فَكَانَ خُرُوْجُهُم فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَالملكُ فِي بَقَايَاهُم إِلَى اليَوْمِ، وَافْتَتَحُوا إِقْلِيْم الهِنْد.

(15/160)


وَاشتدَّ بِإِفْرِيْقِيَةَ القَحطُ، لاَ بَلْ كَانَ القَحطُ عَامّاً، فَقَالَ المُؤَيَّد عِمَادُ الدِّيْنِ: فِيْهَا كَانَ الغلاَءُ العَامُّ مِنْ خُرَاسَانَ إِلَى العِرَاقِ إِلَى الشَّامِ إِلَى بِلاَد المَغْرِبِ.
وَفِي سَنَةِ44 كسر نُوْر الدِّيْنِ مَحْمُوْد صَاحِبُ حلب الفِرَنْجَ، وَقَتَلَ صَاحِب أَنطَاكيَة فِي أَلف وَخَمْس مائَة مِنْهُم، وَأَسَرَ مِثْلهُم، ثُمَّ أَخَذَ مِنْهُم حصن فَامِيَة. وَكَانَ جُوسلين طَاغِيَةُ تلّ باشِر قَدْ أَلهبَ المُسْلِمِيْنَ بِالغَارَات، وَاسْتَوْلَى عَلَى إِلبيرَة وَبَهَسْنَا وَمَرْعَش وَالرَّاوندَان وَعين تَابَ وَعَزَاز، فَحَارَبَهُ سلحدَار نُوْرِ الدين، فأسره جوسلين، فدس نور الدين جَمَاعَة مِنَ التُّركمَان، وَقَالَ: مَنْ جَاءنِي بِجُوسلين فَلَهُ مَا طلبَ. فَنَزَلُوا بِنَاحيَة عين تَابَ، وَأَغَار عَلَيْهِم جُوسلين، وَأَخَذَ مِنْهُم امْرَأَة مليحَة، وَافتضَّهَا تَحْتَ شَجَرَة،، فَكمن لَهُ التُّرُكْمَانُ، وَأَسروهُ، فَأَعْطَاهُم نُوْر الدِّيْنِ عَشْرَة آلاَف دِيْنَار، وَاسْتَوْلَى نُوْر الدِّيْنِ عَلَى بِلاَدِه، وَاشتدَّ القَحط بِالعِرَاقِ عَام أَوّل، وَزَال فِي العَامِ، وَوزر ابْن هُبَيْرَةَ، وَنكثتْ فِرْنَج السوَاحل، فَشن أَنُر الغَارَات عَلَيْهِم، وَفعل مِثْلَه العربُ وَالتُّرُكْمَان، حَتَّى طلبُوا تَجديد الهُدنَة، وَأَنْ يَتركُوا بَعْض القطيعَة. وَالتَقَى نُوْر الدِّيْنِ الفِرَنْج، فَهَزمهُم، وَقَتَلَ قَائِدهُم البُرْنُس أَحَد الأَبْطَال، وَمَرِضَ أَنُر بِحَوْرَان وَمَاتَ، ثُمَّ دُفِنَ بِالمُعَيْنِيَّةِ.
وَمَاتَ الحَافِظُ صَاحِب مِصْرَ، وَقَامَ وَلَدُهُ الظَّافرُ، وَوزر لَهُ ابْن مصَال، ثُمَّ اخْتلف المِصْرِيّون، وَقُتِلَ خَلْقٌ.
وَفِي سَنَةِ545 ضَايق نُور الدِّيْنِ دِمَشْقَ، فَأَذْعَنُوا، وَخطبُوا لَهُ بِهَا بَعْد ملكهَا، فَخلع عَلَى ملكهَا، وَطوَّقه، وَردَّه إِلَى البَلَد، وَاسْتدعَى الرَّئِيْس مُؤَيَّد الدِّيْنِ إِلَى مُخيَّمه، وَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَردَّ إِلَى حلب.
وَفِيْهَا أُخِذَ ركبُ العِرَاق، وَقلَّ مَنْ نَجَا، وَقُتِلَ ابْنُ مصَال الوَزِيْر، وَغلبَ ابْنُ السَّلاَّر.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: جَاءَ بِاليَمَنِ مَطَرٌ كُلُّه دَم.
وَفِي سَنَةِ46 عَاود نُوْر الدِّيْنِ مُحَاصرَة دِمَشْق، وَرَاسلهُم نُوْر الدِّيْنِ: إِنِّيْ أُوْثِر إِصْلاَح الرَّعِيَّة وَجِهَاد الفِرَنْج، فَإِنْ أَعَاننِي عَسْكَركُم عَلَى الغَزْو، فَهُوَ المُرَاد. فَنفرُوا، وَامتنعُوا، وَخربت الغُوْطَة، وَعَاث العَسْكَر، وَتحركت الفِرَنْج إِنجَاداً لملك دِمَشْق، فَضَاقت صُدُور الأَخيَار، وَجُرح خلق، ثُمَّ تَحَوَّلَ نُوْر الدِّيْنِ إِلَى البِقَاع لَمَّا جَاءت جُيُوْش الفِرَنْج نَجدَة، فَطَلبُوا مِنْ دِمَشْقَ مَال القطيعَة المَبْذُوْلَة لَهُم عَلَى تَرْحِيلُ نُوْر الدِّيْنِ، ثُمَّ عَادَ نُوْرُ الدِّيْنِ إِلَى دَارَيَّا، وَبَرَزَ عَسْكَر البَلَد، وَوقعت المنَاوشَة، وَتَصَالَحُوا، ثُمَّ سَارَ ملك دِمَشْق مُجِيْر الدِّيْنِ إِلَى خدمَة نُوْر الدِّيْنِ إِلَى حلب، فَأَكْرَمَه، وَبَقِيَ كَنَائِبٍ لِنُوْر الدِّيْنِ بِدِمَشْقَ، وَافتَتَح نُوْر الدِّيْنِ أَنطرطوس وَتل

(15/161)


بَاشر وَعِدَّة معَاقل لِلْفرنج، وَنَازلت أَرْبَعونَ أَلْفاً مِنَ الفِرَنْج قُرْطُبَة ثَلاَثَة أَشْهُرٍ، حَتَّى كَادُوا أَنْ يَأْخذوهَا، فَكشف عَنْهَا جَيْشُ عَبْد المُؤْمِنِ، وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً، وَقَدِمَ السُّلْطَان مَسْعُوْد بَغْدَاد.
وَفِي سَنَةِ47 مَاتَ مَسْعُوْد، وَقَامَ بَعْدَهُ أَخُوْهُ مُحَمَّد، وَعظم شَأْن المُقْتَفِي، وَسَارَ إِلَى وَاسِط، فَمهدهَا، وَعطف إِلَى الكُوْفَةِ، ثُمَّ عَادَ مُؤيداً مَنْصُوْراً، فَعُملتْ لَهُ قِبَاب الزِّينَة.
وَفِي سَنَةِ48 أَخذت الفِرَنْج عَسْقَلاَن، وَاشتدَّ الغلاَء بِدِمَشْقَ، وَمَاتَ الفُقَرَاء، فَطمع نُوْر الدِّيْنِ فِي أَخْذِهَا، فَفِي أَوَّلِ سَنَة تِسْع قَدِمَ شِيْركُوه رَسُوْلاً، فَنَزَلَ فِي أَلف فَارِس، فَلَمْ يَخْرُجُوا لِتلقيه، وَقَوِيت الوحشَة، وَأَقْبَلَ نُوْر الدِّيْنِ، فَنَزَلَ بِبَيْتِ الأَبَّار، وَزَحَفَ عَلَى البَلَد مَرَّتين، وَأَقْبَلَ عَسْكَره إِلَى بَاب كَيْسَان، فَإِذَا لَيْسَ عَلَى السُّوْر كَبِيْر أَحَد، فَتَقَدَّم رَاجل، فَرَأَتْه يَهُوْديَة، فَدلَّت لَهُ حبلاً، فَصَارَ عَلَى السُّوْر، وَتَبِعَهُ جَمَاعَة، فنصبوا سَنْجَقاً، وَصَاحُوا: نُوْر الدِّيْنِ يَا مَنْصُوْر. وَفتر القِتَال، وَبَادر قطَّاع خشب بفَأْسه، فَكسر قفل بَاب شرقِي، وَدَخَلَ نُوْر الدِّيْنِ، وَفرحت بِهِ الرَّعِيَّة، فَتحصن الْملك مُجِيْر الدِّيْنِ بِالقَلْعَة طَالباً لِلأَمَان، ثُمَّ نَزل، فَطيب نُوْر الدِّيْنِ قَلْبه، وَخَرَجَ بِأَمْوَاله إِلَى الدَّارِ الأَتَابَكيَة، ثُمَّ ذهب إِلَى حِمْصَ، وَكُتِبَ لَهُ بِهَا مَنْشُوْر.
وَأَقْبَلت الغُزّ التُّرُكْمَان، فَنهبُوا نَيْسَابُوْر، وَعَذَّبُوا وَقتلُوا بِهَا أُلُوْفاً، وَخدمُوا السُّلْطَان سَنْجَر، وَأَخَذوهُ مَعَهُم، فَصَارَ فِي حَال زرِيَة بَعْد الْعِزّ وَالملك، يَرْكُب أَكدُشاً، وَرُبَّمَا جَاع.
وَفِيْهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ ثَانِي شَوَّال وَقعت صَاعِقَة عَظِيْمَة فِي التَّاج الَّذِي بِدَارِ الخِلاَفَة، فَتَأَججت فِيْهِ وَفِي القُبَّة وَالدَّار، فَبقيت النَّار تَعْمَل فِيْهِ تِسْعَة أَيَّام، حَتَّى أُطْفِئَتْ بَعْدَ أَنْ صَيَّرته كَالحُمَمَة، وَكَانَتْ آيَة هَائِلَة وَكَائِنَة مدهشَة، وَكَانَ هَذَا التَّاج مِنْ مَحَاسِن الدُّنْيَا، أَنشَأَه المكتفِي فِي دَوْلَته، وَكَانَ شَاهقاً بَدِيْع البنَاء، ثُمَّ رُمَّ شَعْثُه وَطُرِّي.
وَفِي سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ سَارَ المُقْتَفِي إلى الكوفة، واجتاز يسوقها، وَقُتِلَ فِي العَامِ المَاضِي الظَّافرُ بِمِصْرَ، وَقَدِمَ طلاَئِع بن زُرِّيك مِنَ الصّعيد لِلأَخْذَ بِثَأْر الظَّافر مِنْ قَاتِلِه عَبَّاسٍ، فَفَرَّ عَبَّاس نَحْو الشَّام بِأَمْوَاله، فَأَخَذتْهُ فِرْنَجُ عَسْقَلاَن، فَقَتَلُوْهُ، وَبَاعُوا ابْنه نصرَا لِلمِصرِيِّينَ، وَاضْطَرَب أَمرُ مِصْر، وَعزمت الفِرَنْج عَلَى أَخْذِهَا، وَأَرست مَرَاكِب جَاءت مِنْ صَقِلِّيَّة عَلَى تِنِّيْسَ، فَهجموهَا، وَقتلُوا، وَسَبَوْا، وَافتَتَح نُوْر الدِّيْنِ قِلاعاً لِلْفرنج وَبَعْض بِلاَدِ الرُّوْم بِالأَمَانِ، وَاتَّسَعَ مُلكُه، فَبَعَثَ إِلَيْهِ المُقْتَفِي تَقلِيداً، ولقبه بالملك العادل، وأمره بقصد مصر.
وَفِي سَنَةِ551 سَارَ المُقْتَفِي وَالسُّلْطَان سُلَيْمَان بن مُحَمَّدِ بنِ مَلِكْشَاه إِلَى حُلْوَان، ثُمَّ نَفَّذ

(15/162)


المُقْتَفِي العَسَاكِر مَعَ السُّلْطَان، وَفِي رَمَضَانهَا هَرَبَ سَنْجَر مِنَ الغُزّ فِي خوَاصه إِلَى تِرْمِذ، وَتَمنع بِهَا.
وَكَانَ أَتْسِز خُوَارِزْمشَاه وَابْن أُخْت سَنْجَر الخَاقَانُ مَحْمُوْد يُحَاربَان الغُزّ، وَالحَرْب بَيْنهُم سجَال، وَذلَّت الغُزّ بِمَوْت عليّ بِك، وَأَتَتِ الأَترَاك الفَارغليَة إِلَى خدمَة سَنْجَر، وَعظم حَاله، وَرجع إِلَى دَار ملكه مَرْو.
وَفِيْهَا جَاءت الزَّلْزَلَة العُظْمَى بِالشَّامِ.
وَفِي سَنَةِ52 وَرد كِتَاب السُّلْطَان سَنْجَر إِلَى الْملك نُوْر الدِّيْنِ يَتودد فِيْهِ، وَأَنَّهُ انْتَصر عَلَى الغُزّ بحيلَة، وَيَعده بِنصره عَلَى الفِرَنْج، فَزُيِّنَت دِمَشْق وَالقَلْعَة بِالمغَانِي، وَكسر عَسْكَر نُوْر الدِّيْنِ الفِرَنْج، وَأَخَذَ نُوْر الدِّيْنِ بَانِيَاس بِالسَّيْف، ثُمَّ التَقَى نُوْرُ الدِّيْنِ، وَنُصِرَ عَلَيْهِم، وَللهِ الحَمْدُ.
وَفِيْهَا نَازل مُحَمَّد شَاه بنُ مَحْمُوْدٍ وَعلِي كوجك بَغْدَاد فِي ثَلاَثِيْنَ أَلْفاً، وَاقْتَتَلُوا أَيَّاماً، وَعظم الْخطب، وَقُتِلَ خَلْقٌ كَثِيْر، وَبَذَلَ المُقْتَفِي الأَمْوَال وَالغلاَل، ثُمَّ ترحلُوا، وَسَارَ المُقْتَفِي إِلَى أَوَانَا، وَتَصيد، وَمَاتَ سَنْجَر السُّلْطَان، وَهَزَمَ نُوْر الدِّيْنِ الفِرَنْج عَلَى صَفد، وَأُخِذت غزَة مِنَ الفِرَنْج.
وَفِي سَنَةِ53 سَارَ المُقْتَفِي إِلَى وَاسِط، وَزَار مشْهد الحُسَيْن، وَرد، ثُمَّ سَارَ إِلَى المَدَائِن، وَشَهِدَ العِيْد في تجمل باهر.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: كَانَ مصرع الإِسْمَاعِيليَة الخُرَاسَانِيين، نَزلُوا وَكَانُوا أَلْفاً وَسَبْع مائَة، فَأَخذُوا زَوَّقَ تركمَان، فَتنَاخت التُّرُكْمَان، وَكَرُّوا عَلَيْهِم، وَوضعُوا فِيهِم السَّيْف، فَمَا نَجَا مِنْهُم إلَّا تِسْعَة أَنْفُس.
وَكَانَتْ ملحمَة كُبْرَى بَيْنَ الغُزّ وَبَيْنَ أُمَرَاء خُرَاسَان، وَدَام المَصَافّ يَوْمَيْنِ، وَانتصرت الغُزّ، وَاسْتَغْنَوْا، وَشرعُوا فِي العَدْل قَلِيْلاً.
وَفِيْهَا التَقَى المِصْرِيّون وَالفِرَنْجُ بِفِلَسْطِيْن، فَاسْتُبيحت الفِرَنْج.
وَفِيْهَا التَقَى نُوْر الدِّيْنِ وَالفِرَنْج، فَانْهَزَم عَسْكَرُهُ، وَنَجَا نُوْرُ الدِّيْنِ، وَانْهَزَمَ العَدُوُّ أَيْضاً.
وَفِيْهَا أَقْبَل صَاحِب قُسْطَنْطِيْنِيَّة فِي جُيُوْش الرُّوْم، وَأَغَار أَوَائِلُهُم عَلَى بِلاَدِ أَنطَاكيَة.
وَفِي سَنَةِ554 مرض نُوْر الدِّيْنِ، وَعهد بِالمُلك بَعْدَهُ لأَخِيهِ مَوْدُوْدٍ، وَصَالَحَ صَاحِبَ القُسْطَنْطِيْنِيَّة، وَأَطلق لَهُ مُقدَّمين مِنْ أَسرَى الفِرَنْج، فَبَعَثَ هُوَ إِلَى نُوْر الدِّيْنِ هدَايَا وَتحفاً، وَسَارَ نُوْر الدِّيْنِ، فَتَمَلَّكَ حرَان، وَمد سِمَاطاً لأَخِيه مَوْدُوْد لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ.
وَفِي سَنَةِ4 كَانَ الفَسَاد بِالغز عَمَّالاً، وَسَارَ الخَلِيْفَة إِلَى وَاسِط، وَسَارَ عَبْد المُؤْمِنِ سُلْطَان المَغْرِب، فَحَاصَر المهديَة سَبْعَة أَشهر، وَأَخَذَهَا بِالأَمَان، وَبِهَا خلق مِنَ النَّصَارَى، وَكَانَتْ بِأَيْدِيهِم مِنِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وافتتح أيضًا قبلها تونس.
وَفِي "كَامِل" ابْن الأَثِيْرِ أَنَّ نَقيب العَلَوِيَّة بِنَيْسَابُوْرَ ذُخْرَ الدِّيْنِ قتل شَافعِيٌّ بَعْض أَصْحَابه، فَطَلَبَهُ مِنْ رَئِيْس الشَّافِعِيَّة المُوفَّقِي، فَحمَاهُ، فَاقْتَتَلُوا أَيَّاماً، وَعظم الْخطب، وَأُحرقت المدَارس وَالأَسواق، وَاسْتَحَرَّ الْقَتْل بِالشَّافِعِيَّة بِحَيْثُ اسْتُؤصل البَلَد، فَلله الأَمْر.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: مرض المُقْتَفِي بعلَة الترَاقِي، وَقِيْلَ: بِدُمَّل فِي عُنُقه، فَتُوُفِّيَ فِي ثَانِي ربيع الأول سنة خمس وخمسين وخمس مائة وَلَهُ سِتٌّ وَسِتُّوْنَ سَنَةً سِوَى ثَمَانِيَة وَعِشْرِيْنَ يَوْماً، وَكَذَا مَاتَ أَبُوْهُ بعلَة الترَاقِي.

(15/163)


5075- المستنجد بالله 1:
الخليفة أبو المظفر يوسف بن المقتفي لأمر الله محمد بن المستظهر بن المقتدِي العَبَّاسِيّ.
عَقَدَ لَهُ أَبُوْهُ بِوِلاَيَةِ العَهْد فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ، وَعمره يَوْمَئِذٍ تِسْع وَعِشْرُوْنَ سَنَةً.
فَلَمَّا احْتضرَ المُقْتَفِي رَام طَائِفَة عزل المُسْتَنْجِد، وَبعثَت حَظِيَّةُ المُقْتَفِي أُمُّ عليّ إِلَى الأُمَرَاءِ تَعدِهُم وَتُمَنِّيهم ليُبَايعُوا ابْنهَا عَلِيّ بن المقتفي، قالوا: كَيْفَ هَذَا مَعَ وُجُوْد وَلِي العَهْد يُوْسُف ? قَالَتْ: أَنَا أَكفِيكمُوْهُ، وَهَيَّأَتْ جَوَارِي بِسكَاكين ليثبن عليه، فرأى خويدم يوسف الحَرَكَةَ، وَرَأَى بِيَدِ عَلِيّ وَأُمّه سَيْفَيْن، فَبَادر مذعوراً إِلَى سيِّده، وَبعثَت هِيَ إِلَى يُوْسُف: أَن احْضر مَوْت أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ. فَطَلبَ أُسْتَاذَ الدَّار، وَلَبِسَ درعاً، وَشهر سَيْفه، وَأَخَذَ مَعَهُ جَمَاعَة مِنَ الحوَاشِي، وَالفَرَّاشين، فَلَمَّا مرّ بِالجَوَارِي ضَرَبَ جَارِيَةً بِالسَّيْفِ جَرَحَهَا، وَتَهَارب الجَوَارِي، وَأَخَذَ أَخَاهُ وَأُمّه، فَحَبَسَهُمَا، وَأَبَاد الجَوَارِي تَغرِيقاً وَقَتلاً، وَتَمَكَّنَ. وَأُمّه كرجيَة اسْمهَا طَاوُوْس.
قَالَ الدُّبَيْثِيّ: كَانَ يَقُوْلُ الشّعر، وَنقشُ خَاتِمه: مَنْ أَحَبّ نَفْسه عَمل لَهَا.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: حَكَى ابْن صَفِيَّة أَنَّ المُقْتَفِي رَأَى ابْنه يُوْسُف في الحر، فقال: أيش في
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ 192-194"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 386"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 218-219".

(15/164)


فَمِك? قَالَ: خَاتم يَزْدَن عَلَيْهِ أَسْمَاء الاثْنَيْ عَشَرَ، وَذَلِكَ يُسكِّن الْعَطش. قَالَ: وَيْلَك يُرِيْد يَزْدَن أَنْ يُصَيِّرك رَافِضِيّاً، سَيِّدُ الاثْنَيْ عَشَرَ الحُسَيْن -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَمَاتَ عطشَان.
وَللمُسْتنجد:
عَيَّرَتْنِي بِالشَّيبِ وَهُوَ وَقَارُ ... لَيتَهَا عَيَّرتْ بِمَا هُوَ عَارُ
إِنْ تَكُنْ شَابَتِ الذَّوَائِب مِنِّي ... فَاللَّيَالِي تَزِينُهَا الأَقمَارُ
نَبأَنِّي جَمَاعَة عَنِ ابْنِ الجَوْزِيّ، حَدَّثَنِي الوَزِيْر ابْن هُبَيْرَةَ، حَدَّثَنِي المُسْتَنْجِد قَالَ: رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ مُنْذُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فقال لِي: يَبْقَى أَبُوْك فِي الخِلاَفَة خَمْساً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً. فَكَانَ كَمَا قَالَ، فَرَأَيْتهُ قَبْل مَوْت أَبِي بِأَرْبَعَة أَشْهُرٍ، فَدَخَلَ بِي مِنْ بَاب كَبِيْر، ثُمَّ ارْتفعنَا إِلَى رَأْس جبل، وَصَلَّى بِي رَكْعَتَيْنِ، وَأَلْبَسَنِي قمِيْصاً، ثُمَّ قَالَ لِي: قل: اللَّهُمَّ اهدنِي فِيْمَنْ هديت.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: أَقر المُسْتَنْجِد أَربَاب الولاَيَات، وَأَزَال المُكُوْس وَالضّرَائِب.
وَنَقَلَ صَاحِب "الرَّوْضَتين" أَنه كَانَ مَوْصُوَفاً بِالعَدْل وَالرّفق، وَأَطلق المُكُوْس بِحَيْثُ إِنَّهُ لَمْ يَتركْ بِالعِرَاقِ مكساً، وَكَانَ شدِيداً عَلَى الْمُفْسدينَ، سجن عوَانِياً كَانَ يَسْعَى بِالنَّاسِ مُدَّة، فَبذل رَجُل فِيْهِ عَشْرَة آلاَف دِيْنَار، قَالَ المُسْتَنْجِد: فَأَنَا أَبذل عَشْرَة آلاَف دِيْنَار لِتَأْتِينِي بآخر مِثْله أَحبسه.
قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ فِي "كَامِلِه": كَانَ المُسْتَنْجِد أَسْمَر، تَامّ القَامَة، طَوِيْل اللحية، اشتد مرضه، وكان قد خافه أُسْتَاذ الدَّار عضد الدَّوْلَة بن رَئِيْس الرُّؤسَاء وَقَايمَاز المُقتَفَوِي كَبِيْرُ الأُمَرَاء، فَوَاضَعَا الطَّبِيْب عَلَى أَذِيَّته، فَوصف لَهُ الحَمَّام، فَامْتَنَعَ لضَعْفه، ثُمَّ أُدخل الحَمَّام، وَأُغلق عَلَيْهِ، فَتَلِفَ، هَكَذَا سَمِعْتُ غَيْر وَاحِد مِمَّنْ يَعلم الحَال. قَالَ: وَقِيْلَ: إِنَّ الخَلِيْفَة كَتَبَ إِلَى وَزِيْره مَعَ ابْنِ صَفِيَّة الطَّبِيْب يَأْمره بِالقبض عَلَى قَايمَاز وَعضد الدَّوْلَة وَصَلْبهمَا، فَأَرَى ابْنُ صَفِيَّة الْخط لِعَضُدِ الدولة، فاجتمع بقايماز ويزدن، فَاتَّفَقُوا عَلَى قَتله، فَدَخَلَ إِلَيْهِ يَزدن وَآخر، فَحملاَهُ إِلَى الحَمَّام وَهُوَ يَسْتَغِيث، وَأَغلقَاهُ عَلَيْهِ.
قُلْتُ: أَوَّل مَنْ بَايَع المُسْتَنْجِد عَمُّه أَبُو طَالِبٍ، ثُمَّ أَخُوْهُ أَبُو جَعْفَرٍ، ثُمَّ ابْن هُبَيْرَةَ، وَقَاضِي القُضَاة الدَّامَغَانِيّ.
وَفِي سَنَةِ55 قبض الأُمَرَاء بِهَمَذَان عَلَى سُلَيْمَانَ شَاه، وَملَّكُوا أَرْسَلاَن شَاه، وَمَاتَ بِمِصْرَ الفَائِز بِاللهِ، وَبَايعُوا العَاضد.

(15/165)


وَفِي سَنَةِ56 قُتل بِمِصْرَ الصَّالِحُ وَزِيْرُهَا، وَاسْتَوْلَى شَاور، وَسَافَرَ لِلصيد المُسْتَنْجِد مَرَّات، وَالتَقَى صَاحِب أَذْرَبِيْجَان وَالكُرْج، فَنَصَرَ اللهُ، وَتَملك نَيْسَابُوْر المُؤَيَّد أَيَبَه، وَاسْتنَاب مَمْلُوْكَهُ يَنكز عَلَى بِسْطَامَ وَدَامَغَان، وَتَمَكَّنَ، وَهَزَمَ الجُيُوْش، وَهُوَ مِنْ تَحْتِ أَمر السُّلْطَان رسلاَن.
وَفِيْهَا كسرت الفِرَنْج نُوْر الدِّيْنِ تَحْتَ حصن الأَكرَاد، وَنجَا هُوَ بِالجهد، وَنَزَلَ عَلَى بُحيرَة حِمْص، وَحَلَفَ لاَ يَسْتَظل بِسَقْف حَتَّى يَأْخذ بِالثَّأْر، ثُمَّ التقَاهُم فِي سَنَةِ59 فَطحَنهُم، وَأَسَرَ ملوكهُم، وَقُتِلَ مِنْهُم عَشْرَة آلاَف بِحَارمَ، ثُمَّ جهَّز جُيُوْشه مَعَ أَسد الدِّيْنِ مُنجِد الشَّاور وَانتصر، وَقَتَلَ ضدَّه ضِرغَاماً، ثُمَّ اسْتنجد بِالفِرَنْج، فَأَقْبَلُوا، وَضَايقُوا أَسد الدِّيْنِ بِبَلْبِيْس، وَافتَتَح نُوْر الدِّيْنِ حَارم وَبَانِيَاس، وَضَاع مَنْ يَده خَاتم بِفَصٍّ يَاقُوْت يُسَمَّى الْجَبَل، ثُمَّ وَجَدُوْهُ.
وَفِيْهَا أَقْبَل صَاحِب قُسْطَنْطِيْنِيَّة بجَيْشه مُحَارِباً لملك الرُّوْم قلج رسلاَن، فَنَصَرَ اللهُ، وَأَخَذَ المسلمون منهم حصونًا.
وَفِي سَنَةِ60 وُلدت بِبَغْدَادَ بِنْتُ أَبِي الْعِزّ الأَهْوَازِيّ أَرْبَعَ بنَات جُمْلَةً.
وَفِيْهَا هَاجت فِتْنَةٌ صمَاء بِسَبَب العقَائِد بِأَصْبَهَانَ، وَدَام القِتَال بَيْنَ العلماء أيامًا، وقتل خلق كثير. قال ابْنُ الأَثِيْرِ.
وَفِي سَنَةِ561 عَملت الرَّافِضَّة مَأْتَم عَاشُورَاء، وَبَالغُوا، وَسبُّوا الصَّحَابَة، وَخَرَجت الكَرَج، وَبدَّعُوا فِي الإِسْلاَمِ، وَغَزَا نُوْر الدِّيْنِ مَرَّات.
وَفِي سَنَةِ62 كَانَ مسير شِيْركُوه إِلَى مِصْرَ ثَانِي مرَّة فِي أَلْفَيْن، وَحَاصَرَ مِصْر شَهْرَيْنِ، وَاسْتنجد شَاور بِالفِرَنْج، فَدَخَلُوا مِنْ دِمْيَاط، وَحَارَبَهُم شِيْركُوه، وَانتصر، وَقتلت أُلُوف مِنَ الفِرَنْج، وَسَارَ شِيْركُوه، وَاسْتَوْلَى عَلَى الصّعيد، وَافتَتَح وَلد أَخِيْهِ صلاَح الدِّيْنِ الإِسْكَنْدَرِيَّة، ثُمَّ نَازلته الفِرَنْج، وَحَاصروهُ بِهَا أَشْهُراً حَتَّى ردّ شِيْركُوه، فَهَرَبت الفِرَنْج عَنْهَا، وَاسْتقر بِمِصْرَ لِلْفرنج شحنَة وَقطيعَةُ مائَةِ أَلْف دِيْنَار فِي العَامِ، وَقَدِمَ شِيْركُوه، وَأَعْطَاهُ نُوْر الدِّيْنِ حِمْص.
وَفِي سَنَةِ564 غزوُ شِيْركُوه مِصْر ثَالِثَ مرَّة، وَملكت الفِرَنْج بَلْبِيْس، وَنَازلُوا القَاهِرَة، فَذل لَهُم شَاور، وَطلب الصُّلح عَلَى قطيعَة أَلف أَلف دِيْنَار فِي العَامِ، فَأَجَابَهُ الطَّاغِيَة مَرِّي إِلَى ذَلِكَ، فَعجل لَهُ مائَة أَلْف دِيْنَار، وَاسْتنجد بِنُوْرِ الدِّيْنِ، وَسود كِتَابهُ، وَجَعَلَ فِي طَيِّه ذوَائِب النِّسَاء، وَوَاصِل كتبه يَحُثُّه، وَكَانَ فِي حلب، فَجَهَّزَ عَسْكَره، وَاسْتخدم أَسد الدِّيْنِ حَتَّى قِيْلَ: كَانَ فِي سَبْعِيْنَ أَلْفاً مِنْ بَيْنِ فَارِس وَرَاجل، فَتقهقر الفِرَنْج لقُدُومِهِ وَذلُوا، وَدَخَلَ القَاهِرَة فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، وَجَلَسَ فِي دست المَمْلَكَة، وَخلعَ عَلَيْهِ العَاضد خلع السّلطنَة، وَكَتَبَ لَهُ التَّقْلِيد،

(15/166)


وَعلاَمَة العَاضد بِخَطِّهِ: هَذَا عهد لَمْ يُعهد مِثْلُه لوزِيْر، فَتقلَّدْ أَمَانَةً رَآك أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ لَهَا أَهْلاً، وَالحُجَّةُ عَلَيْك عِنْد الله بِمَا أَوضحه لَكَ مِنْ مرَاشِد سُبُله، فَخذ كِتَاب أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ بِقُوَّة، وَاسحب ذَيل الفخَار بِأَنِ اعتزَّتْ بِك بُنُوَّةُ النُّبُوَّةِ، وَاتَّخِذْ لِلْفوزِ سَبِيلاً: {وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} [النحلُ: 91] .
وَقَام شَاور لضيَافَة الجَيْش، فَطَلبُوا مِنْهُ النفقَة، فَمَاطل، ثُمَّ شدَّ عَلَيْهِ أُمَرَاء، فَقبضُوا عَلَيْهِ، وَذُبحَ، وَحُمِلَ رَأْسه إِلَى العَاضد، وَمَاتَ شِيْركُوه بَعْد الوِلاَيَة بِشَهْرَيْنِ.
قَالَ العمَاد: أَحرق شَاور مِصْر، وَخَافَ عَلَيْهَا مِنَ الفِرَنْج، وَدَامت النَّار تَعْمَل فِيْهَا أَرْبَعَة وخمسين يومًا.
وقلد العاضد منصب شيركوه لابن أَخِيْهِ صلاَح الدِّيْنِ، فَغَضِبَ عَرَبُ مِصْر وَسودَانُهَا، وَتَأَلبُوا، وَأَقْبَلُوا فِي خَمْسِيْنَ أَلْفاً، فَكَانَ المَصَافّ بَيْنَ القَصْرَيْنَ يَوْمَيْن، وَرَاح كَثِيْر مِنْهُم تَحْتَ السَّيْف، وَكَانَتِ الزَّلْزَلَة العُظْمَى بصِقِلِّيَّةَ أَهْلكت أُمَماً.
وَفِي سَنَة خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ جَاءت زلاَزل عِظَام بِالشَّامِ، وَدكت الْقِلَاع، وَأَفنت خلقاً، وَحَاصرت الفِرَنْج دِمْيَاط خَمْسِيْنَ يَوْماً، فَعَجَزُوا، وَرحلُوا، وَأَخَذَ نُوْر الدِّيْنِ سِنْجَار، وَتوجّه إِلَى المَوْصِل، وَرَتَّبَ أُمُوْرهَا، وَبَنَى بِهَا الجَامِع الأَكْبَر، وَسَارَ فَحَاصَر الْكرْك، وَنصبَ عَلَيْهَا مِنجنِيقَينِ، وَجدَّ فِي حصَارهَا، فَأَقْبَلت نَجدَة الفِرَنْج، فَقصدهُم نُوْر الدِّيْنِ، وَحصدهُم، وَتَمَكَّنَ بِمِصْرَ صلاَح الدِّيْنِ وَذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُوْهُ، فَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً، ركب العَاضد بِنَفْسِهِ لِتلقيه. قَالَ صلاَح الدِّيْنِ: مَا رَأَيْتُ أَكرم مِنَ العَاضد، بعث إِلَيَّ مُدَّة مُقَام الفِرَنْج عَلَى حِصَار دِمْيَاط أَلفَ أَلفِ دِيْنَار مِصرِيَة سِوَى الثِّيَاب وَغَيْرهَا.
وَقِيْلَ: إِنَّ المُسْتَنْجِد كَانَ فِيْهِ عدل وَرِفق، بطَّل مُكُوْساً كَثِيْرَة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ مَوْصُوَفاً بِالفَهْم الثَّاقب، وَالرَّأْي الصَّائِب، وَالذّكَاء الغَالِب، وَالفَضْل البَاهر، لَهُ نَظْمٌ وَنثر، وَمَعْرِفَة بِالأَسْطُرْلاَب، تُوُفِّيَ فِي ثَامنِ رَبِيْع الآخر سَنَة سِتٍّ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَقَامَ بَعْدَهُ ابْنه المُسْتضيء.
قُلْتُ: الإِمَام إِذَا كَانَ لَهُ عقل جَيِّد وَدين مَتِين، صلح بِهِ أَمر المَمَالِك فَإِنْ ضعف عَقْله، وَحسنت ديَانتُه، حَمله الدِّيْنُ عَلَى مشَاورَة أَهْل الْحزم، فَتسددت أُمُوْرُه، وَمشت الأَحْوَال، وَإِنْ قلَّ دينُه، وَنَبُلَ رَأْيه، تَعبت بِهِ البِلاَد وَالعبَاد، وَقَدْ يَحمله نبل رَأْيه عَلَى إِصْلاَح ملكه وَرعيته لِلدُّنْيَا لاَ لِلتَّقْوَى، فَإِنْ نقص رأيه، وقد دينه وَعَقْله، كثر الفسَاد، وَضَاعت الرَّعِيَّة، وَتعبُوا بِهِ، إلَّا أَنْ يَكُوْنَ فِيْهِ شجَاعَة وَلَهُ سطوَة وَهَيْبَة فِي النُّفُوْس، فَيْنجبر الحَال، فَإِنْ كَانَ جَبَاناً، قَلِيْلَ الدِّيْنِ، عَدِيْمَ الرَّأْي، كَثِيْر الْعَسْف، فَقَدْ تَعرَّض لبلاَء عَاجِل، وَرُبَّمَا عُزل وَسُجن إِنْ لَمْ يُقتل، وَذَهَبت عَنْهُ الدُّنْيَا، وَأَحَاطت بِهِ خطَايَاهُ، وَنَدِمَ -وَاللهِ- حَيْثُ لاَ يُغنِي النّدم، وَنَحْنُ آيِسُوْنَ اليَوْمَ مِنْ وُجُوْد إِمَام رَاشِد مِنْ سَائِر الوُجُوه، فَإِنْ يَسَّر الله للأمة بإمام فيه كثرة محاسن وفيه مساوىء قليلة، فمن لنابه، اللَّهُمَّ فَأَصلح الرَّاعِي وَالرَّعِيَّة، وَارحمْ عبَادَك، وَوَفِّقْهُم، وأيد سلطانهم، وأعنه بتوفيقك.

(15/167)


أبو البركات، كمال:
5076- أبو البركات:
العَلاَّمَةُ الفَيْلَسُوْف، شَيْخ الطِّبِّ، أَوحدُ الزَّمَانِ، أَبُو البَرَكَاتِ، هِبَةُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ ملكَا البَلَدِيُّ، اليَهُوْدِيُّ كَانَ، ثُمَّ أَسْلَمَ فِي أَوَاخِرِ عُمُرِهِ، خدم الخَلِيْفَة المُسْتَنْجِد.
قَالَ المُوَفَّق بن أَبِي أَصِيْبعَة: تَصَانِيْفُه فِي غَايَة الجَوْدَة، وَلَهُ فِطرَة فَائِقَة، أَضَرَّ بِأَخَرَةٍ، وَكَانَ يُمْلِي عَلَى الجمَال بن فَضْلاَن، وَابْن الدَّهَّان، وَالمُهذَّب ابْنِ النَّقَّاش، وَوَالِدِ المُوفَّق عَبْد اللَّطِيْفِ، كِتَابهُ المُسَمَّى بِـ"المُعتبر".
قِيْلَ: سَبَب إِسلاَمه أَنَّهُ دَخَلَ إِلَى الخَلِيْفَة، فَقَامَ لَهُ الكُلّ سِوَى القَاضِي، فَقَالَ: يَا أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ، إِنْ كَانَ القَاضِي لم يقم لأني غَيْر مِلَّتِه، فَأَنَا أُسْلِمُ. فَأَسْلَمَ.
خلف ثَلاَث بنَات، وَعَاشَ نَحْو الثَّمَانِيْنَ.
وَهُوَ صَاحِبُ تِريَاق برشعثَا، وَلَهُ رِسَالَةٌ فِي مَاهيَة العَقْل.
وَمِنْ تَلاَمِذته الْمُهَذّب عَلِيّ بنُ هبَل.
مَاتَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ. وَبَرَعَ فِي علم الفلسفة إلى الغاية.
5077- كَمَالُ:
بِنْتُ المُحَدِّثِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ بنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، أُمُّ الحَسَنِ، صَالِحَةٌ خَيِّرَةٌ، وَهِيَ زَوْجَةُ المُحَدِّثِ عَبْدِ الخَالِقِ اليُوْسُفِيِّ.
سَمِعَتْ مِنْ: طِرَاد، وَابْن البَطِرِ، وَالنِّعَالِيّ.
وَعَنْهَا: إِبْرَاهِيْم بن بَرْهَان النسَاج، وَهِبَة الله بن عمر بن كمال الحلاج.
توفي سنة ثمان وخمسين وخمس مائة.

(15/168)


أبو المظفر هبة الله، الخزرجي، الحرستاني:
أَخُوْهَا:
5078- أَبُو المُظَفَّرِ هِبَةُ اللهِ:
سَمِعَ النِّعَالِيّ، وَجَعْفَراً السَّرَّاج.
رَوَى عَنْهُ مُوَفَّق الدِّيْنِ المَقْدِسِيّ.
مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
5079- الخَزْرَجِيُّ:
الإِمَامُ الفَقِيْهُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الحَقِّ بنِ أَحْمَدَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الحَقِّ، الخَزْرَجِيّ القُرْطُبِيّ المَالِكِيّ.
سَمِعَ المُوَطَّأَ وَغَيْرَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ فرج الطلاعي، وعني بالفقه.
وَسَمِعَ فِي كُهولته مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ عتَاب وَطَائِفَة.
رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ القَاضِي عَبْد الحَقّ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ بنُ بَقِيٍّ وَغَيْرُهُمَا.
وَتُوُفِّيَ قَرِيْباً مِنْ سَنَةِ سِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ هَارُوْنَ فِي كِتَابِهِ مِنْ تُوْنُس سَنَة سبعِ مائَة قَالَ: سَمِعْتُ المُوَطَّأ مِنِ ابْنِ بَقِيٍّ، أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ الحَقِّ حَدَّثَهُ سَمَاعاً عَنِ الطلاعي.
5080- الحرستاني:
الشَّيْخُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ جَعْفَرٍ، القُرَشِيُّ الحَرَسْتَانِيُّ الدِّمَشْقِيُّ البُسْتَانِيُّ، رَاوِي جُزْءِ الرَّافقِي، سَمِعَهُ فِي سَنَةِ ثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي الحَدِيْد، وَهُوَ الَّذِي عرَّفهُم بِسَمَاعِه لَمَّا رَآهُم قَدْ خَرَجُوا يَسْمَعُوْنَ بِالقَرْيَة، فَقَالَ: مَا أَنسَى ابْن أَبِي الحَدِيْد وَقَدْ طلع، وَسَمِعنَا عَلَيْهِ، وَفَرطْتُ لَهُم مِنْ هَذِهِ الجَوزَة، فَدَخَلَ الطلبَة، فَنبشُوا سَمَاعَه.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ وَابْنه، وَمَحْمُوْد بن شُتَيّ، وَأَبُو القاسم بن صَصْرَى، وَابْنُ غَسَّانَ، وَمُكْرم، وَكَرِيْمَة.
تُوُفِّيَ فِي شَوَّالٍ سَنَة إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ عَنْ نيف وتسعين سنة.

(15/169)


الفلكي، العلوي:
5081- الفلكي 1:
المَوْلَى الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ الزَّاهِدُ الصَّالِحُ، أَبُو المُظَفَّرِ، سَعِيْدُ بنُ سَهْلِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، النَّيْسَابُوْرِيُّ الأَصْلِ، الخُوَارِزْمِيُّ، المَشْهُوْرُ بِالفَلَكِيِّ.
سَمِعَ مِنْ نَصْر اللهِ بن أَحْمَدَ الخُشْنَامِيّ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ الأَخْرَم المُؤَذِّن.
وَاستوطن دِمَشْق بِالسُّمَيْسَاطيَة.
حَدَّثَ عَنْهُ بِالجُزْء المَنْسُوْب إِلَيْهِ: ابْن عَسَاكِرَ وَابْنه بَهَاء الدِّيْنِ، وَأَبُو المَوَاهِب بن صَصْرَى، وَأَخُوْهُ الحُسَيْن، وَمُحَمَّد بن الحُسَيْنِ المُجَاوِر، وَزَين الأُمَنَاءِ أَبُو البَرَكَاتِ، وَمُحَمَّد بن غَسَّانَ، وَمُكْرَم بن أَبِي الصَّقْرِ، وَطَائِفَة.
وَقَدْ كَانَ وَزر بِخُوَارِزْمَ لِصَاحِبهَا.
وَكَانَ ذَا هَيْبَة وَشَهَامَة وَنَهضَة بِأَعبَاء الأَمْر وُجُوْدٍ وَبَذْلٍ، ثُمَّ إِنَّهُ خَاف مِنَ الْملك، فَحجَّ، وَتَصدَّق بِأَمْوَال ضَخْمَة، وَقَدِمَ دِمَشْق، وَنَزَلَ بِالخَانْقَاه، وَجدد بِهَا الصُّفَّةَ الغربيَة وَالبِركَة وَالقنَاةَ مِنْ مَالِه، وَبَاشر النَّظَر في وقفها.
وَكَانَ ثِقَةً، مُتَوَاضِعاً، صَالِحاً، حسن الاعْتِقَاد، أَثْنَى عَلَيْهِ ابْن عَسَاكِرَ وَغَيْرهُ.
مَاتَ فِي شَوَّالٍ سَنَة سِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَدُفِنَ بِمقَابر الصُّوْفِيَّة.
وَفِيْهَا مَاتَ بِبَغْدَادَ شَيْخ الطِّبّ وَصَاحِبُ التَّصَانِيْفِ أمين الدولة هبة الله ابن صَاعِد ابْن التِلْمِيْذ النَّصْرَانِيُّ الشقِيُّ، وَكَانَ قِسِّيس النصارى عمر أربعًا وتسعين سنة.
5082- العلوي 2:
المَوْلَى الشَّرِيْفُ، أَبُو طَالِبٍ، مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي زَيْدٍ، العَلَوِيُّ الحَسَنِيُّ البَصْرِيُّ، نَقيب الطَّالبيين بِبلده.
سَمِعَ مِنْ أَبِي عَلِيٍّ عَلِيّ بن أَحْمَدَ التُّسْتَرِيّ، فَحَدث عَنْهُ بِـ"سُنَن" أَبِي دَاوُدَ سَمَاعاً لِلْجزء الأَوّل، وَإِجَازَة لسَائِر الكِتَاب إِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَاعاً، وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ جَعْفَر بن مُحَمَّدٍ العبَّادَانِي، وَأَبِي عُمَرَ الحَسَن بن غَسَّانَ النَّحْوِيِّ، وَمُحَمَّد بن علي المؤدب ابن العلاف.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 370"، وشذرات الذهب "4/ 188".
2 ترجمته في النجوم الزاهرة "5/ 370"، وشذرات الذهب "4/ 190".

(15/170)


قَالَ السَّمْعَانِيُّ: قَدِمَ بَغْدَادَ مَرَّاتٍ، وَانحدرتُ فِي صُحْبَتِه إِلَى البَصْرَةِ، وَكَانَ ظرِيفاً مَطْبُوْعاً، كَانَ أَصْحَابُنَا البَصْرِيّون يَقُوْلُوْنَ: إِنَّهُ يَكْذِب كَثِيْراً فَاحشاً فِي أَحَادِيْث النَّاس.
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَة: قَدِمَ بَغْدَادَ سَنَة555، وَحَدَّثَ بِهَا بـ"سُنَن أَبِي دَاوُد"، حَدَّثَنَا عَنْهُ أَبُو طَالِبٍ عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ السَّمِيْعِ، وَسَمَاعُهُ مِنَ التُّسْتَرِيِّ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ عَلِيٍّ القُرَشِيُّ: أَخْبَرَنَا الشَّرِيْفُ أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الحُسَيْنِ مُحَمَّدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بن عبيد الله ابن عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيِّ بنِ باغِر بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنِ بن جَعْفَرِ بنِ الحَسَنِ بنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ العَلَوِيّ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ أَبِي زَيْدٍ، قَالَ لِي: وُلِدَتُ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَة إحدى وستين وأربع مائَةٍ.
قَالَ: وَتُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ سِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَأَمَّا السَّمْعَانِيُّ، فَقَالَ: وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَأَلت النَّقِيْب أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ مُحَمَّدٍ عَنْ وَالِده: مَتَى وُلد ? فَقَالَ: سَنَة تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ.
قُلْتُ: اسْتَقدمه الوَزِيْر ابْن هُبَيْرَةَ، وَسَمِعَ مِنْهُ "السُّنَن" لأَبِي دَاوُدَ، وَقَدْ حَدَّثَ بِهِ عَنْهُ الحَافِظُ أَبُو الفُتُوْحِ نَصْر بن الحُصْرِيِّ بِالسَّمَاع المُتَّصِل، وَقَالَ: أُخْبِرتُ أَنَّ سَمَاعه لَهُ ظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ نُقْطَة: هَذَا القَوْلُ عِنْدِي فِيْهِ نَظَرٌ، لأَنَّا لَمْ نَسْمَع أَحَداً قَالَهُ غَيْرَ ابْنِ الحُصَرِيّ، وَالصَّحِيْح عِنْدِي مَا قَيده أَبُو المَحَاسِنِ القُرَشِيّ -يَعْنِي الجُزْء الأَوّل فَقَطْ- وَآخرُه كرَاهيَةُ مسِّ الذَّكَرِ فِي الاسْتبرَاءِ.
قُلْتُ: قَدْ رَوَى الكِتَاب المِقْدَاد بن أَبِي القَاسِمِ القَيْسِيّ سَمَاعاً مِنِ ابْنِ الحُصَرِيّ مُتَّصِلاً، وَأَجَازَ لِي رِوَايَته.
وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلاَمَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ طَارِقٍ، أَنَّ أَبَا طَالبٍ العَلَوِيَّ أَنشَدَهُم لِنَفْسِهِ:
لاَ تَشكُوَنَّ دَهْراً سَطَا ... شَكْوَاكُهُ عَيْنُ الخَطَا
وَاصْبِرْ عَلَى حَدَثَانِه ... إِنْ جَارَ يَوْماً وَامْتَطَى
الدَّهْرُ دهرٌ قلّبٌ ... يَوْمَاهُ بؤسٌ أَوْ عَطَا
وَفِيْهَا مَاتَ أَبُو العَبَّاسِ بنُ الحُطَيْئَةِ، وَأَبُو النَّدَى حَسَّانُ بنُ تَمِيْمٍ الزَّيَّاتُ، وَخُزَيْفَةُ بنُ سَعْدِ بنِ الهَاطِرَا، وَالوَزِيْرُ سَعِيْدُ بنُ سَهْلٍ الخُوَارِزْمِيُّ الفَلَكِيُّ بِدِمَشْقَ، وَأَبُو الفَضْلِ عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ القُزَّةِ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيُّ اللَّبَّادُ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُقَاتِلٍ السُّوْسِيُّ، وَمُفْتِي الجَزِيْرَةِ أَبُو القَاسِمِ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ البَزْرِيِّ الشَّافِعِيُّ عَنْ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَالعَدْلُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ العَبَّاسِ الحَرَّانِيُّ بِبَغْدَادَ، وَأَبُو يَعْلَى الصَّغِيْرُ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَازِمٍ بنِ أَبِي يَعْلَى بنِ الفَرَّاءِ شَيْخُ الحَنَابِلَةِ، وَالوَزِيْرُ عَوْنُ الدِّيْنِ بنُ هُبَيْرَةَ، وصاحب ملطية ياغي أرسلان بن دانشمد.

(15/171)


5083- ابن هبيرة 1:
لوزير الكَامِلُ، الإِمَامُ العَالِمُ العَادلُ، عَوْنُ الدِّينِ، يَمِيْنُ الخِلاَفَةِ، أَبُو المُظَفَّرِ يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ هُبَيْرَةَ بنِ سَعِيْدِ بنِ الحَسَنِ بنِ جَهْمٍ، الشَّيْبَانِيُّ الدُّوْرِيُّ العِرَاقِيُّ الحَنْبَلِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
مَوْلِدُهُ بِقَرْيَة بَنِي أَوْقرَ مِنَ الدُّورِ أَحَدِ أَعْمَالِ العِرَاقِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَدَخَلَ بَغْدَادَ فِي صِبَاهُ، وَطَلَبَ العِلْمَ، وَجَالَسَ الفقهاء، وتفقه بأبي الحسين بن القَاضِي أَبِي يَعْلَى وَالأُدبَاءِ، وَسَمِعَ الحَدِيْثَ، وَتَلاَ بِالسَّبْعِ، وَشَاركَ فِي عُلُوْمِ الإِسْلاَمِ، وَمَهَرَ فِي اللُّغَةِ، وَكَانَ يَعرفُ المَذْهَبَ وَالعَرَبِيَّةَ وَالعَرُوضَ، سَلَفِيّاً أَثرِيّاً، ثُمَّ إِنَّهُ أَمضَّهُ الفَقْرُ، فَتعرَّضَ لِلْكِتَابَةِ، وَتَقدَّمَ، وَتَرقَّى، وَصَارَ مُشَارفُ الخزَانَةِ، ثُمَّ وَلِيَ دِيْوَانَ الزِّمَامِ لِلمُقْتَفِي لأَمْرِ اللهِ، ثُمَّ وَزَرَ لَهُ فِي سَنَةِ544، وَاسْتمرَّ وَوَزَرَ مِنْ بَعْدِهِ لابْنِهِ المُسْتَنْجِدِ.
وَكَانَ دَيِّناً خَيِّراً مُتَعَبِّداً عَاقِلاً وقورًا متواضعًا، جزل الرأي، بارًا بِالعُلَمَاءِ، مُكِبّاً مَعَ أَعبَاءِ الوزَارَةِ عَلَى العِلْمِ وَتَدوينِهِ، كَبِيْرَ الشَّأْنِ، حَسَنَةَ الزَّمَانِ.
سَمِعَ أَبَا عُثْمَانَ بنَ ملَّةَ، وَهِبَةَ اللهِ بنَ الحُصَيْنِ، وَخَلْقاً بَعْدَهُمَا.
وَسَمِعَ الكَثِيْرَ فِي دَوْلَتِهِ، وَاسْتحضَرَ المَشَايِخَ، وَبَجَّلَهُم، وَبَذَلَ لَهُم.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ يَجتهِدُ فِي اتِّبَاعِ الصَّوَابِ، وَيَحذَرُ مِنَ الظُّلْمِ وَلاَ يَلْبَسُ الحَرِيْرَ، قَالَ لِي: لَمَّا رَجَعتُ مِنَ الحِلَّةِ، دَخَلتُ عَلَى المُقْتَفِي، فَقَالَ لِي: ادْخُلْ هَذَا البَيْتَ، وَغَيِّرْ ثيَابَكَ، فَدَخَلتُ، فَإِذَا خَادمٌ وَفَرَّاشٌ مَعَهُم خِلَعُ الحَرِيْرِ، فَقُلْتُ: والله ما ألبسها. فخرج الخادم،
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 306"، ووفيات الأعيان لابن خلكان "6/ ترجمة 807"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 369-370"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 191-197".

(15/172)


فَأَخبرَ الخَلِيْفَةَ، فَسَمِعْتُ صَوْتَهُ يَقُوْلُ: قَدْ -وَاللهِ- قُلْتُ: إِنَّهُ مَا يَلبَسُهُ. وَكَانَ المُقْتَفِي مُعْجَباً بِهِ، وَلَمَّا اسْتُخْلِفَ المُسْتَنْجِدُ، دَخَلَ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَكفِي فِي إِخْلاَصي أَنِّي مَا حَابَيْتُكَ فِي زَمَنِ أَبِيكَ، فَقَالَ: صَدَقتَ.
قَالَ: وَقَالَ مُرجَانُ الخَادِمُ: سَمِعْتُ المُسْتَنْجِدَ بِاللهِ يُنْشِدُ وَزِيْرَهُ وَقَدْ قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي أَثْنَاءِ مُفَاوضَةٍ تَرجِعُ إِلَى تَقرِيرِ قوَاعدِ الدِّينِ وَالصَّلاَحِ، وَأَنشدَهُ لِنَفْسِهِ:
ضَفَتْ نِعْمَتَانِ خَصَّتَاكَ وَعَمَّتَا ... فَذِكْرُهُمَا حتّى القيامة يذكر
وُجُوْدُكَ وَالدُّنْيَا إِلَيْكَ فقيرةٌ ... وَجُوْدُكَ وَالمَعْرُوفُ فِي النَّاسِ يُنْكَرُ
فَلَو رَامَ يَا يَحْيَى مَكَانَكَ جعفرٌ ... وَيَحْيَى لَكَفَّا عَنْهُ يَحْيَى وَجَعْفَرُ
وَلَمْ أَرَ مَنْ يَنوِي لَكَ السُّوْءَ يَا أَبَا ال ... مُظَفَّرِ إلَّا كُنْتَ أَنْتَ المُظَفَّرُ
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: وَكَانَ مبَالِغاً فِي تَحصيلِ التَّعْظِيْمِ لِلدَّولَةِ، قَامِعاً لِلمخَالفِيْنَ بِأَنْوَاعِ الحِيَلِ، حَسَمَ أُمُوْرَ السَّلاَطِيْنِ السَّلْجُوْقيَّةِ، وَقَدْ كَانَ آذَاهُ شحنَةٌ فِي صِبَاهُ، فَلَمَّا وَزَرَ، اسْتحضَرَهُ وَأَكْرَمَهُ، وَكَانَ يَتحدَّثُ بِنِعَمِ اللهِ، وَيذكرُ فِي منصبِهِ شِدَّةَ فَقرِهِ القَدِيْمِ، وَقَالَ: نَزلتُ يَوْماً إِلَى دِجْلَةَ وَلَيْسَ مَعِي رَغِيْفٌ أَعبرُ بِهِ. وَكَانَ يُكثِرُ مُجَالَسَةَ العُلَمَاءِ وَالفُقَرَاءِ، وَيبذلُ لَهُم الأَمْوَالَ، فَكَانَتِ السَّنَةُ تَدورُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ، وَقَالَ: مَا وَجبَتْ عليَّ زَكَاةٌ قَطُّ. وَكَانَ إِذَا اسْتفَادَ شَيْئاً مِنَ العِلْمِ، قَالَ: أَفَادَنِيْهِ فُلاَنٌ. وَقَدْ أَفدتُهُ مَعْنَى حَدِيْثٍ، فَكَانَ يَقُوْلُ: أَفَادَنِيهِ ابْنُ الجَوْزِيِّ، فَكُنْتُ أستحييى، وَجَعَلَ لِي مَجْلِساً فِي دَارِهِ كُلَّ جُمُعَةٍ، وَيَأْذنُ لِلْعَامَّةِ فِي الحُضُوْرِ، وَكَانَ بَعْضُ الفُقَرَاءِ يَقرَأُ عِنْدَهُ كَثِيْراً، فَأَعْجَبَهُ، وَقَالَ لزوجتِهِ: أُرِيْدُ أَنْ أُزَوِّجَهُ بِابْنَتِي، فَغضبَتِ الأُمُّ. وَكَانَ يُقرَأُ عِنْدَهُ الحَدِيْثُ كُلَّ يَوْمٍ بَعْدَ العَصرِ، فَحضرَ فَقِيْهٌ مَالِكِيٌّ، فَذَكَرْتُ مَسْأَلَةً، فَخَالفَ فِيْهَا الجمعَ، وَأَصرَّ، فَقَالَ الوَزِيْرُ: أَحِمَارٌ أَنْتَ! أَمَا تَرَى الكُلَّ يُخَالِفونَكَ?! فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، قَالَ لِلْجَمَاعَةِ: إِنَّهُ جرَى مِنِّي بِالأَمسِ فِي حقِّ هَذَا الرَّجُلِ مَا لاَ يَليقُ، فَليَقُلْ لِي كَمَا قُلْتُ لَهُ، فَمَا أَنَا إلَّا كَأَحَدِكُم، فَضجَّ المَجْلِسُ بِالبُكَاءِ، وَاعْتَذَرَ الفَقِيْهُ، قَالَ: أَنَا أَوْلَى بِالاعتذَارِ، وَجَعَلَ يَقُوْلُ: القِصَاصَ القصَاصَ، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى قَالَ يُوْسُفُ الدِّمَشْقِيُّ: إِذْ أَبَى القِصَاصَ فَالفِدَاءَ، فَقَالَ الوَزِيْرُ: لَهُ حُكمُهُ. فَقَالَ الفَقِيْهُ: نِعَمُكَ عَلَيَّ كَثِيْرَةٌ، فَأَيُّ حُكْمٍ بَقِيَ لِي ? قَالَ: لاَ بُدَّ. قَالَ: عَلَيَّ دَينٌ مائة دينار. فأعطاه مائةي دِيْنَارٍ، وَقَالَ: مائَةٌ لإِبرَاءِ ذِمَّتِهِ، وَمائَةٌ لإِبرَاءِ ذِمَّتِي.
وَمَا أَحلَى شِعْرَ الحَيْص بَيص فِيْهِ حَيْثُ يَقُوْلُ:
يَهُزُّ حَدِيْثُ الجُودِ سَاكِنَ عِطْفِهِ ... كَمَا هَزَّ شَرْبَ الحَيِّ صَهْبَاءُ قَرْقَفُ
إِذَا قِيْلَ عَوْنُ الدِّينِ يَحْيَى تَأَلَّقَ ال ... غَمَامُ وَمَاسَ السَّمْهَرِيُّ المُثَقَّفُ

(15/173)


قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ الوَزِيْرُ يَتَأَسَّفُ عَلَى مَا مَضَى، وَيَندمُ عَلَى مَا دَخَلَ فِيْهِ، وَلَقَدْ قَالَ لِي: كَانَ عِنْدَنَا بِالقَرْيَة مَسْجِدٌ فِيْهِ نَخْلَةٌ تحملُ أَلْفَ رطلٍ، فَحَدَّثْتُ نَفْسِي أَنْ أُقيمَ فِي ذَلِكَ المَسْجَدِ، وَقُلْتُ لأَخِي مَجْدِ الدِّيْنِ: أَقعدُ أَنَا وَأَنْتَ، وَحَاصِلُهَا يَكفِيْنَا، ثُمَّ انْظُرْ إِلَى مَا صرتُ. ثُمَّ صَارَ يَسْأَلُ اللهَ الشَّهَادَةَ، وَيَتعرَّضُ لأَسبَابهَا، وَفِي لَيْلَةِ ثَالِثَ عشرَ جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ سِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائة استيقظ وقت السحر، فقاء، فحضر طيبه ابْنُ رشَادَةَ، فَسَقَاهُ شَيْئاً، فَيُقَالُ: إِنَّهُ سَمَّهُ، فَمَاتَ، وَسُقِيَ الطَّبِيْبُ بَعْدَهُ بنِصْفِ سَنَةٍ سُمّاً، فَكَانَ يَقُوْلُ: سَقَيتُ فَسُقِيتُ، فَمَاتَ، وَرَأَيْتُ أَنَا وَقتَ الفَجْرِ كَأَنِّي فِي دَارِ الوَزِيْرِ وَهُوَ جَالِسٌ، فَدَخَلَ رَجُلٌ بِيَدِهِ حَرْبَةٌ، فَضَرَبَهُ بِهَا، فَخَرَجَ الدَّمُ كَالفَوَّارَةِ، فَالْتَفَتَ فَإِذَا خَاتمٌ ذَهَبٌ، فَأَخَذتُهُ، وَقُلْتُ: لِمَنْ أُعْطيهِ? أَنْتظرُ خَادِماً يَخْرُجُ فَأُسلِّمُهُ إِلَيْهِ، فَانْتبهْتُ، فَأَخْبَرتُ مَنْ كَانَ مَعِي، فَمَا اسْتَتْمَمْتُ الحَدِيْثَ حَتَّى جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: مَاتَ الوَزِيْرُ، فَقَالَ رَجُلٌ: هَذَا مُحَالٌ، أَنَا فَارقتُهُ فِي عَافِيَةٍ أَمسِ العصرَ، فَنفَّذُوا إِلَيَّ، وَقَالَ لِي وَلدُهُ: لاَ بُدَّ أَنْ تُغَسِّلَهُ، فَغسَّلتُهُ، وَرفعتُ يَدَهُ ليدخُلَ المَاءُ فِي مَغَابِنِهِ، فَسَقَطَ الخَاتمُ مِنْ يَدِهِ حَيْثُ رَأَيْتُ ذَلِكَ الخَاتمَ، وَرَأَيْتُ آثَاراً بِجَسَدِهِ وَوَجهِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَسْمُوْمٌ، وَحُمِلَتْ جِنَازَتُهُ إِلَى جَامِعِ القَصْرِ، وَخَرَجَ مَعَهُ جَمْعٌ لَمْ نَرَهُ لمَخْلُوْقٍ قَطُّ، وَكثُرَ البُكَاءُ عَلَيْهِ لِمَا كَانَ يَفعلُهُ مِنَ البِرِّ وَالعَدْلِ، وَرَثَتْهُ الشُّعَرَاءُ.
قُلْتُ: لَهُ كِتَابُ "الإِفصَاحِ" عَنْ مَعَانِي "الصِّحَاحِ" شَرَحَ فِيْهِ "صَحِيْحَي البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ" فِي عَشْرِ مُجَلَّدَاتٍ، وَأَلَّفَ كِتَابَ "العِبَادَاتِ" عَلَى مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَلَهُ أُرْجُوزَةٌ فِي "المَقصُوْرِ وَالمَمْدُوْدِ"، وَأُخْرَى فِي "عِلمِ الخَطِّ"، وَاختصرَ كِتَابَ "إِصْلاَحِ المَنطِقِ" لابْنِ السِّكِّيتِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ الحَيْصَ بَيْصَ دَخَلَ عَلَى الوَزِيْرِ، فَقَالَ الوَزِيْرُ: قَدْ نَظمتُ بَيْتَيْنِ، فَعزِّزْهُمَا:
زَارَ الخَيَالُ نَحِيْلاً مِثْلَ مُرْسِلِهِ ... فَمَا شَفَانِي مِنْهُ الضَّمُّ وَالقُبَلُ
مَا زَارَنِي الطَّيْفُ إلَّا كَي يُوَافِقَنِي ... عَلَى الرّقاد فينفيه ويرتحل
فَقَالَ الحَيْص بَيْص بَدِيهاً:
وَمَا دَرَى أَنَّ نَوْمِي حيلةٌ نُصِبَتْ ... لِوَصْلِهِ حِيْنَ أَعْيَا اليَقْظَةَ الحِيَلُ
قَالَ أَبُو المُظَفَّرِ سِبْطُ ابْنِ الجَوْزِيِّ: وَقَدِ اضطرَّ وَرثَةُ الوَزِيْرِ ابْنِ هُبَيْرَةَ إِلَى بَيْعِ ثِيَابِهِم وَأَثَاثِهِم، وَبِيعَتْ كُتُبُ الوَزِيْرِ المَوْقُوْفَةُ عَلَى مَدرَسَتِهِ، حَتَّى لَقَدْ أُبِيْعَ البُسْتَانُ لأَبِي اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيِّ فِي الرَّقَائِقِ بِخَطِّ مَنْسُوْبٍ وَكَانَ مُذَهَّباً بِدَانِقَيْنِ وَحَبَّةٍ، وَقيمَتُهُ عَشْرَةُ دَنَانِيْرَ، فَقَالَ وَاحِدٌ: مَا أَرخصَ هَذَا البُسْتَانَ! فَقَالَ جَمَالُ الدِّيْنِ بنُ الحُصَيْنِ: لِثِقَلِ مَا عَلَيْهِ مِنَ الخَرَاجِ يُشِيرُ إِلَى الوَقْفِيَّةِ فَأُخِذَ وَضُرِبَ وَحُبِسَ.

(15/174)


قُلْتُ: وَزَرَ بَعْدَهُ الوَزِيْرُ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ البَلَدِيِّ، فَشرَعَ فِي تَتَبُّعِ بَنِي هُبَيْرَة، فَقَبَضَ عَلَى وَلَدَي عَوْنِ الدِّينِ مُحَمَّدٍ وَظَفرٍ، ثُمَّ قَتَلَهُمَا، وَجَرَى بَلاَءٌ عَظِيْمٌ، نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ بِمَنِّهِ.
قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ بنِ الوَبْرِيِّ، أَخبركَ الحَسَنُ بنُ إِسْحَاقَ الكَاتِبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو المُظَفَّرِ يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ الوَزِيْرُ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى المُقْتَفِي لأَمْرِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ العَبَّاسِيِّ، حدَّثَكُم أَبُو البَرَكَاتِ أَحْمَدُ بن عبد الوَهَّابِ السِّيْبِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الصريفيني وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بنُ أَبِي الجُوْدِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي غَالِبٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَلِيٍّ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ الحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ مُسَاوِرٍ، حَدَّثَنَا يَغْنَمُ بنُ سَالِمٍ، حَدَّثَنَا أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "طوبى لمن رآني وَآمَنَ بِي، وَمَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي، وَمَنْ رَأَى مَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي"1.
هَذَا الحَدِيْثُ تُسَاعِي لَنَا، لَكنَّهُ وَاهٍ لِضَعْفِ يَغْنَمَ، فَإِنَّهُ مجمع على تركه.
__________
1 موضوع: آفته يغنم بن سالم، قال ابن حبان: كان يضع على أنس بن مالك، وقال ابن يونس: حدث عن أنس فكذب. وقال ابن عدي: عامة أحاديثه غير محفوظة وذكر الذهبي هذا الحديث في ترجمته في "الميزان" وعده من بلاياه.

(15/175)


5084- الرستمي 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ المُفْتِي القُدْوَةُ المُسْنِدُ، شَيْخُ أَصْبَهَانَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، الحَسَنُ بنُ العَبَّاسِ بنِ عَلِيِّ بنِ حَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ رُسْتُمَ، الرُّسْتُمِيُّ الأَصْبَهَانِيُّ، الفَقِيْهُ الشَّافِعِيُّ، الزَّاهِدُ.
مَوْلِدُهُ فِي صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَسَمِعَ أَبَا عَمْرٍو عَبْدَ الوَهَّابِ بنَ مَنْدَةَ، وَمَحْمُوْدَ بنَ جَعْفَرٍ الكَوْسَجَ، وَالمُطَهَّرَ بنَ عَبْدِ الوَاحِدِ البُزَانِيَّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدٍ الطَّيَّانَ، وَأَبَا بَكْرٍ محمد ابن أَحْمَدَ السِّمْسَارَ، وَالفَضْلَ بنَ عَبْدِ الوَاحِدِ، وَعَبْدَ الكَرِيْمِ بنَ عَبْدِ الوَاحِدِ الصَّحَّافَ، وَأَبَا عِيْسَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ زِيَاد، وَأَبَا مَنْصُوْرٍ بنَ شَكْرُويه، وَسُلَيْمَان بنَ إِبْرَاهِيْمَ الحَافِظ، وَأَحْمَد بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الذَّكْوَانِيَّ، وَسَهْلَ بنَ عَبْدِ اللهِ الغَازِي، وَأَبَا الخَيْرِ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ رَرَا، وَرِزْقَ اللهِ التَّمِيْمِيَّ، وَالرَّئِيْسَ الثقفي، وطرادًا الزينبي، وطائفةً.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 307"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 372"، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "4/ 198".

(15/175)


حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، وَأَبُو مُوْسَى المديني، وشرف ابن أَبِي هَاشِمٍ البَغْدَادِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الخِرَقِيُّ، وَأَبُو الوَفَاءِ مَحْمُوْدُ بنُ مَنْدَةَ، وَعدَدٌ أَمثَالُهُم.
وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: أَبُو المُنَجَّا ابْنُ اللَّتِّيِّ، وَكَرِيْمَةُ وَصَفِيَّةُ بِنْتَا عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ الحَبَقْبَقِ، وعجيبة بنت الباقداري.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: إِمَامٌ فَاضِلٌ، مُفْتِي الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ عَلَى طَرِيقَةِ السَّلَفِ، لَهُ زَاويَةٌ بِجَامِعِ أَصْبَهَانَ، مُلاَزِمُهَا فِي أَكْثَرِ أَوقَاتِهِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ الجُبَّائِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَكْثَرَ بُكَاءً مِنَ الرُّسْتُمِيِّ.
وَقَالَ الجُبَّائِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ سَالار، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ الرُّستمِيَّ يَقُوْلُ: وَقفتُ عَلَى ابْنِ مَاشَاذَه وَهُوَ يَتَكَلَّمُ عَلَى النَّاسِ، فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلِ، رَأَيْتُ رَبَّ العِزَّةِ فِي المَنَامِ وَهُوَ يَقُوْلُ لِي: يَا حسنُ، وَقفتَ عَلَى مُبْتَدِعٍ، وَنظرتَ إِلَيْهِ، وَسَمِعْتَ كَلاَمَهُ، لأَحرمَنَّكَ النَّظَرَ فِي الدُّنْيَا. فَاسْتيقظتُ كَمَا تَرَى.
قَالَ الجُبَّائِيُّ: كَانَتْ عَينَاهُ مَفْتُوْحتَينِ وَهُوَ لاَ يَنظرُ بِهِمَا.
قُلْتُ: وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ الحَافِظُ عَبْدُ القَادِر الرُّهَاوِيُّ، وَقَالَ فِيْهِ: كَانَ فَقِيْهاً زَاهِداً وَرِعاً بَكَّاءً، عَاشَ نَيِّفاً وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، وَمَاتَ سَنَةَ سِتِّيْنَ. كَذَا قَالَ، ثُمَّ قَالَ: وَحَضَرْتُهُ يَوْمَ مَوْتِهِ وَخَرَجَ النَّاسُ إِلَى قَبْرِهِ أَفوَاجاً، وَأَملَى شَيْخُنَا الحَافِظُ أَبُو مُوْسَى عِنْدَ قَبْرِهِ مَجْلِساً فِي مَنَاقِبِهِ، وَكَانَ عَامَّةُ فُقَهَاءِ أَصْبَهَانَ تَلاَمِذتَهُ حَتَّى شَيْخُنَا أَبُو مُوْسَى عَلَيْهِ تَفَقَّهَ، وَكَانَ أَهْلُ أَصْبَهَانَ لاَ يَثِقُوْنَ إلَّا بِفَتوَاهُ، وَسَأَلنِي شَيْخُنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ عَنْ شُيُوْخِ أَصْبَهَانَ، فَذَكَرْتُهُ لَهُ، فَقَالَ: أَعْرفُهُ فَقِيْهاً متنسكًا.
وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ: إِمَامٌ مُتَدَيِّنٌ وَرعٌ، يُزجِي أَكْثَرَ أَوقَاتِهِ فِي نشرِ العِلْمِ وَالفُتْيَا.
وَقَالَ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ: أَقرَأَ الرُّستمِيُّ المَذْهَبَ كَذَا كَذَا سَنَةً، وَكَانَ مِنَ الشِّدَادِ فِي السُّنَّةِ.
قَالَ عَبْدُ القَادِرِ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا الأَصْبَهَانِيِّينَ يَحكِي عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ يَنْفَرِدُ يَبْكِي فِيْهِ، فَبَكَى حَتَّى ذَهَبَتْ عَينَاهُ، وَكُنَّا نَسْمَعُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي رَثَاثَةٍ مِنَ المَلْبَسِ وَالمفرَشِ لاَ يُسَاوِي طَائِلاً، وَكَذَلِكَ مَنْزِلُهُ، وَكَانَتِ الفِرَقُ مُجْتَمِعَةً عَلَى مَحَبَّتِهِ.
قَالَ أَبُو مُوْسَى: تُوُفِّيَ مسَاءَ يَوْمِ الأَرْبعَاءِ ثَانِي صفرٍ سَنَةَ إحدى وستين وخمس مائة.

(15/176)


5085- ابن رفاعة 1:
لشيخ الفَقِيْهُ العَالِمُ الفَرَضِيُّ الإِمَامُ، مُسْنِدُ وَقتِهِ، أَبُو محمد، عبد الله بن رفاعة بن غدير بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي عُمَرَ بنِ أَبِي الذَّيَّالِ بنِ ثَابِتِ بنِ نُعَيمٍ، السَّعْدِيُّ المِصْرِيُّ الشَّافِعِيُّ.
مَوْلِدُهُ فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَلاَزَمَ القَاضِي أَبَا الحَسَنِ الخِلَعِيَّ وَأَكْثَرَ عَنْهُ، وَتَفَقَّهَ بِهِ، وَسَمِعَ مِنْهُ السيرة الهشامية، والفوائد العشرين، والسنن لأبي داود، وغير ذَلِكَ، فَكَانَ خَاتمَةَ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ.
حَدَّثَ عنه: التاج المسعودي، وأبو الجود المقرىء، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ أَبِي الرَّدَّادِ، وَيَحْيَى بنُ عَقِيْلِ بنِ شَرِيْفِ بنِ رِفَاعَةَ، وَالقَاضِي عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُجَلِّي الشَّافِعِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ عَقِيْلٍ، وَأَبُو البَرَكَاتِ عَبْدُ القوِيِّ بنُ الجَبَّابِ، وَهِبَةُ اللهِ بنُ حَيْدَرَةَ، وَمُحَمَّدُ بن عماد، وأبو صادق ابن صَبَّاحٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ مُقَدَّماً فِي الفَرَائِضِ وَالحسَابِ.
وَلِيَ قَضَاءَ الجِيْزَةِ مُدَّةً، ثُمَّ اسْتَعفَى، فَأُعْفِيَ، وَاشْتَغَلَ بِالعِبَادَةِ.
مَاتَ فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ حَمَّادٌ الحَرَّانِيُّ: حَكَى لِي ابْنُ رِفَاعَةَ قَالَ: كُنْتُ يَتيماً، وَكَانَ الخِلَعِيُّ يُؤوينِي، فَمررتُ يَوْماً بِجَامِعِ مِصْرَ، فَجلَسْتُ فِي حَلْقَةِ حَدِيْثٍ، وَسَمِعْتُ جُزْءاً، فَسَأَلتُ: مَنْ ذَا الشَّيْخُ? فَقِيْلَ: هُوَ الحَبَّالُ، فَعدتُ إِلَى الخِلَعِيِّ، فَأَخْبَرتُهُ، فَعَنَّفَنِي، وَطردنِي، وَكَانَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ أَظنُّهُ مِنْ جِهَةِ الاعْتِقَادِ، فَلَمْ أَعُدْ إِلَى الحَبَّالِ، وَلَمْ أَظفَرْ بِمَا سَمِعْتُ مِنْهُ.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو الطَّاهِرِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ الأَنْمَاطِيِّ: سَمِعْتُ أَبِي -وَكَانَ قَدْ صَحِبَ ابْنَ رِفَاعَةَ كَثِيْراً وَسَمِعَ مِنْهُ- يَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ رِفَاعَةَ قَدِ انْقَطَعَ فِي مَسْجِدٍ بقرَافَةِ مِصْرَ، وَكَانَتْ كُتُبُهُ عِنْدَهُ فِي عُلِّيَّةٍ يُحيِي اللَّيْلَ كُلَّهُ فِيْهَا، وَكَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ صَالِحَةٌ، وَكَانَ يَمنعُهَا مِنَ المَبِيْتِ فِي العُلِّيَّةِ، فَسَأَلَتْهُ لَيْلَةً المَبِيْتَ بِهَا، فَأَجَابَهَا، فَجلَسَتْ، وَقَامَ يُصَلِّي وِرْدَهُ، فَسَمِعَتْ صَوْتَ إِنْسَانٍ يُعَذَّبُ، فَغُشِيَ عَلَيْهَا، وَبَكَتْ وَاضْطَرَبَتْ، وَأَصْبَحَتْ مَرِيْضةً، وَمَاتَتْ بَعْدَ أَيَّامٍ، وَأَرَانِي أَبِي قَبْرَهَا.
قَالَ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ العُلَيْمِيُّ: تَطلَّبْتُ سَمَاعَ ابْنِ رِفَاعَةَ لفَوَائِدِ الخِلَعِيِّ، وَهُوَ عِشْرُوْنَ جُزْءاً فِي يَدِهِ، فَإِذَا سَمَاعُهُ فِيْهَا سِوَى الأَوَّلِ وَالسَّادِسِ لَمْ أَجِدْ سَمَاعَهُ، وَالثَّانِي عشرَ قد سمع منه
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "5/ 372"، وشذرات الذهب "4/ 198".

(15/177)


قِطعَةً، وَالجُزْءِ العِشْرِيْنَ لَمْ أَقفْ عَلَى الأَصْلِ بِهِ، بَلْ رَأَيْتُ بِيَدِ الشَّيْخِ بِهِ فَرْعاً. قُلْتُ: هَذَا نَقلتُهُ مِنْ خطِّ ابْنِ سَامَةَ، عَنْ نَقلِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ الكَافِي، عَنْ أَبِي الحَسَنِ الحِصْنِيِّ، قَالَ: وَجَدْتُ ذَلِكَ بِخَطِّ الرَّشِيْدِ العَطَّارِ عَنِ الأَصْلِ، ثُمَّ كتبَ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ تَحْتَ خطِّ العُلَيْمِيِّ: لَقَدْ طلبَ وَاجتهدَ، وَلَكِنْ وَجدَ غَيْرُهُ مَا لَمْ يَجِدْ. وَكَانَ ابْنُ رِفَاعَةَ صَادِقاً فِي ذِكْرِ سَمَاعِهِ، فَإِنَّهُ خدمَ الخِلَعِيَّ، وَلزِمَهُ، وَكَانَ أَلزمَ النَّاسِ لَهُ، حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مُذْ لَزِمْتُ الخِلَعِيَّ مَا انْقَطَعتُ عَنْهُ إلَّا يَوْماً وَاحِداً، حضَرتُ مَجْلِسَ الحبَّالِ.. فَذَكَرَ الحِكَايَةَ، ثُمَّ قال: ولم أنقطع عن شيء قرىء عَلَيْهِ إِلَى أَنْ مَاتَ.
قَالَ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ: أَخرجَ إِلَيْنَا شَيْخُنَا حَمَّادٌ الحَرَّانِيُّ بِخَطِّهِ وَحَدَّثَنِي قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى ظَهْرِ الجُزْءِ الثَّانِي مِنْ حَدِيْثِ الزَّعْفَرَانِيِّ ثَبَتَ كُتُبٍ سَمِعَهَا شَيْخُنَا عَبْدُ اللهِ بنُ غَديرٍ السَّعْدِيُّ، وَالنُّسْخَةُ لِلمسعُوْدِيِّ، سَمِعَ جَمِيْعَ كِتَابِ "السُّنَنِ" لأَبِي دَاوُدَ عَلَى الخِلَعِيِّ، عَلَى مُحَمَّدٍ الرُّوحَانِيِّ بقِرَاءةِ أَبِي عَلِيٍّ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ الصَّدَفِيِّ وَخَادمِ القَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ عبد الله بن رفاعة ابن غَديرٍ. قَالَ: وَسَمِعُوا عَلَيْهِ "السِّيرَةَ" تَهْذِيْبَ ابْنِ هِشَامٍ، وَجَمِيْعَ "الفَوَائِدِ" عِشْرِيْنَ جُزْءاً لِلْخلعِيِّ، وَجَمِيْعَ أَحَادِيْثِ الزَّعْفَرَانِيِّ، وَأَحَادِيْثَ يُوْنُسَ، وَ"مُعْجَمَ ابْنِ الأَعْرَابِيِّ"، وَفَوَائِدَ أُخْرَى بقِرَاءةِ المَذْكُوْرِ وَغَيْره، وَذَلِكَ فِي مُدَّةِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَنَةِ تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وأربع مائة، وأكثر ذلك بالقرافة.
قَالَ ابْنُ الأَنْمَاطِيِّ: ثُمَّ رَأَيْتُ أَصلَ الثَّبْتِ فِي ذَلِكَ، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ بقرَافَةِ مِصْرَ، وَسَمِعَ مَعَهُم عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ المُؤْمِنِ النَّحْوِيُّ وَالخطُّ لَهُ، كَتَبَهُ تَذْكِرَةً لأَبِي الحَسَنِ الرُّوحَانِيِّ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ القُرَشِيّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِمَادٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ رِفَاعَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ الخِلَعِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيْدٍ بنُ الأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "التسبيح في الصلاة للرجال، والتصفيق للنساء" 1.
__________
1 صحيح: أخرجه الشافعي "1/ 117"، وأحمد "2/ 241"، والحميدي "948"، والبخاري "1203"، ومسلم "422" "106"، وأبو داود "939"، والترمذي "369"، والنسائي "3/ 11"، وابن ماجه "1034"، والدارمي "1/ 317"، وابن الجارود "210"، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" "1/ 447"، والبيهقي "2/ 246"، والبغوي "748"، من طرق عن سفيان، به.

(15/178)


خزيفة، الشيخ عبد القادر:
086- خزيفة 1:
لإمام المقرىء المُجَوِّدُ، أَبُو المُعَمَّرِ، عَبْدُ اللهِ بنُ سَعْدِ بن الحسين ابن الهَاطِرِ، البَغْدَادِيُّ العَطَّارُ الوَزَّانُ الأَزَجِيُّ، يُعْرَفُ بِخُزَيْفَةَ.
تلا بالروايات، وتفق عَلَى أَبِي الخَطَّابِ.
وَسَمِعَ الكَثِيْر مِنْ: نَصْرِ بنِ البَطِرِ، وَالنِّعَالِيِّ، وَأَبِي الفَضْلِ بنِ خَيْرُوْنَ، والحسين بن البسري.
وَكَانَ صَالِحاً صَادِقاً، صَابراً عَلَى التَّحْدِيْثِ، حَسَنَ الأَخلاَقِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: حَدَّثَنَا عَنْهُ ابْنُ الأَخْضَرِ، وَأَحْمَدُ بنُ البَنْدَنِيْجِيِّ، وَعُمَرُ بنُ السُّهْرَوَرْدِيِّ، وَطَاوُوْسُ بنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَمَاتَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ سِتِّيْنَ وخمس مائة ببغداد.
5087- الشيخ عبد القادر 2:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَالِمُ الزَّاهِدُ العَارِفُ القُدْوَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، عَلَمُ الأَوْلِيَاءِ، مُحْيِي الدِّينِ، أَبُو مُحَمَّدٍ، عبد القادر بن أبي صالح عبد الله ابن جنكِي دَوَّسَتْ الجِيْلِيُّ الحَنْبَلِيُّ، شَيْخُ بَغْدَادَ.
مَوْلِدُهُ بِجيلاَنَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَقَدِمَ بَغْدَادَ شَابّاً، فَتفقَّهَ عَلَى أَبِي سَعْدٍ المخرمي.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي غَالِبٍ البَاقِلاَّنِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ المُظَفَّرِ بنِ سُوسٍ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ بَيَانٍ، وَجَعْفَرِ بنِ أَحْمَدَ السَّرَّاجِ، وَأَبِي سَعْدٍ بنِ خُشَيْشٍ، وَأَبِي طَالِبٍ اليُوْسُفِيِّ، وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَعُمَرُ بنُ عَلِيٍّ القُرَشِيُّ، وَالحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ، وَالشَّيْخ مُوَفَّق الدِّيْنِ ابْن قُدَامَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَمُوْسَى وَلَدَاهُ، وَالشَّيْخُ عَلِيُّ بنُ إِدْرِيْسَ، وَأَحْمَدُ بنُ مُطِيْعٍ البَاجِسْرَائِيُّ، وَأَبُو هريرة، محمد ابن لَيْثٍ الوسْطَانِيُّ، وَأَكْمَلُ بنُ مَسْعُوْدٍ الهَاشِمِيُّ، وَأَبُو طَالِبٍ عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ القُبَّيْطِيِّ، وَخَلْقٌ، وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ الرَّشِيْدُ أَحْمَدُ بنُ مَسْلَمَةَ.
أَخْبَرَنَا القَاضِي تَاجُ الدِّين عَبْدُ الخَالِقِ بنُ عُلْوَانَ بِبَعْلَبَكَّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الله بن
__________
1 ترجمته في تبصير المنتبه "1/ 421" وشذرات الذهب "4/ 189".
2 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 308"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 371"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 198- 202".

(15/179)


أَحْمَدَ الفَقِيْهُ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا شَيْخُ الإِسْلاَمِ عَبْدُ القَادِرِ بنُ أَبِي صَالِحٍ الجيلي، أخبرنا أحمد ابن المُظَفَّرِ التَّمَّارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ بنِ نَجِيْحٍ، أَخْبَرَنَا يَعْقُوْبُ بنُ يُوْسُفَ القَزْوِيْنِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ قَالَ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيْلَ اسْتخلفُوا خَلِيْفَةً عَلَيْهِم بَعْدَ مُوْسَى، فَقَامَ يُصَلِّي فِي القَمَرِ فَوْقَ بَيْتِ المَقْدِسِ، فَذَكَرَ أُمُوْراً كَانَ صَنَعَهَا، فَخَرَجَ، فَتَدَلَّى بِسَبَبٍ، فَأَصْبَحَ السَّبَبُ مُعلَّقاً فِي المَسْجَدِ، وَقَدْ ذَهَبَ، فَانْطَلقَ حَتَّى أَتَى قَوْماً عَلَى شطِّ البَحْرِ، فَوَجَدَهُم يَصنعُوْنَ لَبِناً، فَسَأَلَهُم: كَيْفَ تَأَخذُوْنَ هَذَا اللَّبِنَ? فَأَخبروهُ، فَلَبَّنَ مَعَهُم، وَكَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَملِ يَدِهِ، فَإِذَا كَانَ حِيْنَ الصَّلاَةِ، تَطهَّرَ فَصَلَّى، فَرَفَعَ ذَلِكَ العُمَّالُ إِلَى قَهْرَمَانِهِم، أنَّ فِيْنَا رَجُلاً يَفعلُ كَذَا وَكَذَا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَأَبَى أَنْ يَأْتِيَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ إِنَّهُ جَاءهُ بِنَفْسِهِ يَسِيرُ عَلَى دَابَّتِهِ، فَلَمَّا رَآهُ فَرَّ، وَاتَّبعَهُ فَسَبَقَهُ، فَقَالَ: أَنظِرْنِي أُكلِّمْكَ. قَالَ: فَقَامَ حَتَّى كَلَّمَهُ، فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُ خَبَرَهُ، وَأَنَّهُ كَانَ مَلِكاً، وَأَنَّهُ فَرَّ مِنْ رَهِبَةِ اللهِ، قَالَ: إِنِّيْ لأَظُنُّ أَنِّي لاَحِقٌ بِكَ. فَلَحِقَهُ، فَعَبَدَا اللهَ حَتَّى مَاتَا برملَةِ مِصْرَ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ: لَوْ كُنْتُ ثَمَّ لاَهتديتُ إِلَى قَبْرَيهِمَا مِنْ صفَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّتِي وَصفَ.
هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ عَالٍ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ عَبْدُ القَادِرِ مِنْ أَهْلِ جيلاَنَ إِمَامَ الحَنَابِلَةِ وَشيخَهُم فِي عصرِهِ، فَقِيْهٌ صَالِحٌ دَيِّنٌ خَيِّرٌ، كَثِيْرُ الذِّكْرِ، دَائِمُ الفِكْرِ، سرِيعُ الدَّمْعَةِ، تَفَقَّهَ عَلَى المُخَرِّمِيِّ، وَصَحِبَ الشَّيْخَ حَمَّاداً الدَّبَّاسَ، وَكَانَ يَسكنُ بِبَابِ الأَزَجِ فِي مَدْرَسَةٍ بُنِيَتْ لَهُ، مَضَيْنَا لزِيَارتِهِ، فَخَرَجَ وَقَعَدَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ، وَخَتمُوا القُرْآنَ، فَأَلقَى دَرْساً مَا فَهِمْتُ مِنْهُ شَيْئاً، وَأَعْجَبُ مِنْ ذَا أَنَّ أَصْحَابَهُ قَامُوا وَأَعَادُوا الدَّرسَ، فَلعلَّهُم فَهِمُوا لإِلفهِم بكَلاَمِهِ وَعبَارَتِهِ.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ أَبُو سَعْدٍ المُخَرِّمِيُّ قَدْ بَنى مَدْرَسَةً لطيفَةً بِبَابِ الأَزَجِ، فَفُوِّضَتْ إِلَى عَبْدِ القَادِرِ، فَتكلَّمَ عَلَى النَّاسِ بِلِسَانِ الوعظِ، وَظهرَ لَهُ صِيْتٌ بِالزُّهْدِ، وَكَانَ لَهُ سَمْتٌ وَصَمْتٌ، وَضَاقَتِ المَدْرَسَةُ بِالنَّاسِ، فَكَانَ يَجلسُ عِنْدَ سورِ بَغْدَادَ مُسْتَنِداً إِلَى الرِّباطِ، وَيَتوبُ عِنْدَهُ فِي المَجْلِسِ خَلْقٌ كَثِيْرٌ، فَعُمِّرَتِ المَدْرَسَةُ، وَوُسِّعَتْ، وَتعصَّبَ فِي ذَلِكَ العوَامُّ، وَأَقَامَ فيها يدرس ويعظ إلى أن توفي.
أَنبَأَنِي أَبُو بَكْرٍ بنُ طَرْخَانَ، أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ وَسُئِلَ عَنِ الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ فَقَالَ: أَدْرَكْنَاهُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، فَأَسْكَنَنَا فِي مدرستِهِ، وَكَانَ يُعنَى بنا، وربما

(15/180)


أَرْسَلَ إِلَيْنَا ابْنَهُ يَحْيَى، فَيُسْرِجَ لَنَا السِّرَاجَ، وَرُبَّمَا يُرْسِلُ إِلينَا طَعَاماً مِنْ مَنْزِلِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي الفرِيضَةَ بِنَا إِمَاماً، وَكُنْتُ أَقرَأُ عَلَيْهِ مِنْ حِفْظِي مِنْ كِتَابِ الخِرَقِيِّ غُدْوَةً، وَيَقرَأُ عَلَيْهِ الحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ مِنْ كِتَابِ الهِدَايَةِ فِي الكِتَابِ، وَمَا كَانَ أَحَدٌ يَقرَأُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ سِوَانَا، فَأَقمنَا عِنْدَهُ شَهْراً وَتِسْعَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ مَاتَ، وَصلَّيْنَا عَلَيْهِ ليلاً فِي مدرستِهِ، وَلَمْ أَسْمَعْ عَنْ أَحَدٍ يُحْكَى عَنْهُ مِنَ الكَرَامَاتِ أَكْثَرَ مِمَّا يُحَكَى عَنْهُ، وَلاَ رَأَيْتُ أَحَداً يُعَظِّمُهُ النَّاسُ لِلدِّينِ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَسَمِعنَا عَلَيْهِ أَجزَاءَ يَسِيْرَةً.
قَرَأْتُ بِخَطِّ الحَافِظِ سَيْفِ الدِّينِ ابْنِ المَجْدِ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مَحْمُوْدٍ المَرَاتِبِيَّ، سَمِعْتُ الشَّيْخَ أَبَا بَكْرٍ العمَادَ -رَحِمَهُ اللهُ- يَقُوْلُ: كُنْتُ قَرَأْتُ فِي أُصُوْلِ الدِّينِ، فَأَوقع عِنْدِي شَكّاً، فَقُلْتُ: حَتَّى أَمضِي إِلَى مَجْلِسِ الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ، فَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ عَلَى الخوَاطِرِ، فَمضَيْتُ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ: اعْتِقَادُنَا اعْتِقَادُ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَالصَّحَابَةِ. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا قَالَهُ اتِّفَاقاً، فَتكلَّمَ ثُمَّ التَفَتَ إِلَى نَاحِيَتِي، فَأَعَادَهُ، فَقُلْتُ، الوَاعِظُ قَدْ يَلتَفِتُ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ ثَالِثَةً، وَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، فَأَعَادَ القَوْلَ: ثُمَّ قَالَ: قُمْ قَدْ جَاءَ أَبُوْكَ. وَكَانَ غَائِباً، فَقُمْتُ مُبَادراً، وَإِذَا أَبِي قَدْ جَاءَ.
وَحَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، حَدَّثَنِي شَيْخُنَا جَمَالُ الدِّيْنِ يحيى ابن الصَّيْرَفِيِّ، سَمِعْتُ أَبَا البقَاءِ النَّحْوِيَّ قَالَ: حضَرتُ مَجْلِسَ الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ، فَقَرَؤُوا بَيْنَ يَدَيْهِ بِالأَلحَانِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: تُرَى لأَيِّ شَيْءٍ مَا يُنكِرُ الشَّيْخُ هَذَا? فَقَالَ: يَجِيْءُ وَاحِدٌ قَدْ قرَأَ أَبْوَاباً مِنَ الفِقْهِ يُنكِرُ. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَعَلَّ أَنَّهُ قَصَدَ غَيْرِي، فَقَالَ: إِيَّاك نَعنِي بِالقَوْلِ، فَتُبْتُ فِي نَفْسِي مِنْ اعترَاضِي، فَقَالَ: قَدْ قَبِلَ اللهُ تَوبَتَكَ.
وَسَمِعْتُ الإِمَامَ أَبَا العَبَّاسِ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ الحَلِيْمِ، سَمِعْتُ الشَّيْخَ عِزَّ الدِّيْنِ الفَارُوثِيَّ، سَمِعْتُ شَيْخَنَا شِهَابَ الدِّينِ السُّهْرَوَرْدِيَّ يَقُوْلُ: عزمْتُ عَلَى الاشتغَالِ بِأُصُوْلِ الدِّينِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: أَسْتشيرُ الشَّيْخَ عَبْدَ القَادِرِ، فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ قَبْلَ أَنْ أَنْطقَ: يَا عُمَرُ، مَا هُوَ مِنْ عُدَّةِ القَبْرِ، يَا عُمَرُ، مَا هُوَ مِنْ عُدَّةِ القَبْرِ.
قَالَ الفَقِيْهُ مُحَمَّدُ بنُ مَحْمُوْدٍ المَرَاتِبِيُّ: قُلْتُ لِلشَّيْخِ الموفَّقِ: هَلْ رَأَيتُم مِنَ الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ كرَامَةً? قَالَ: لاَ أَظُنُّ، لكنْ كَانَ يَجلسُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَكُنَّا نَتْرُكُهُ وَنَمضِي لِسَمَاعِ الحَدِيْثِ عِنْدَ ابْنِ شَافعٍ فُكُلُّ مَا سَمِعْنَاهُ لَمْ نَنتفِعْ بِهِ. قَالَ الحَافِظُ السَّيْفُ: يَعْنِي لِنُزولِ ذَلِكَ.
قَالَ شَيْخُنَا الحَافِظُ أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ الشَّيْخَ عَبْدَ العَزِيْزِ بنَ عَبْدِ السَّلاَمِ الفَقِيْهَ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: مَا نُقِلَتْ إِلَيْنَا كَرَامَاتُ أَحَدٍ بِالتَّوَاتُرِ إلَّا الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِرِ، فَقِيْلَ لَهُ: هَذَا مَعَ اعْتِقَادِهِ، فَكَيْفَ هَذَا ? فَقَالَ: لاَزِمُ المَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ.

(15/181)


قُلْتُ: يُشِيْرُ إِلَى إِثبَاتِهِ صِفَةَ العُلُوِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمَذْهَبُ الحَنَابِلَةِ فِي ذَلِكَ مَعْلُوْمٌ، يَمشُوْنَ خَلْفَ مَا ثَبَتَ عَنْ إِمَامِهِم -رَحِمَهُ اللهُ- إلَّا مَنْ يَشِذُّ مِنْهُم، وَتَوَسَّعَ فِي العِبَارَةِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ فِي تَارِيْخِهِ: دَخَلَ الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِر بَغْدَادَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فَتفقَّهَ عَلَى ابْنِ عَقِيْلٍ، وَأَبِي الخَطَّابِ، وَالمُخَرِّمِيِّ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ الفَرَّاءِ، حَتَّى أحكم الأصول والفروع وَالخلاَفَ، وَسَمِعَ الحَدِيْثَ، وَقرَأَ الأَدبَ عَلَى أَبِي زَكَرِيَّا التِّبْرِيْزِيِّ، وَاشْتَغَلَ بِالوَعظِ إِلَى أَنْ برَّزَ فِيْهِ، ثُمَّ لاَزَمَ الخَلْوَةَ وَالرِّيَاضَةَ وَالمُجَاهِدَةَ وَالسِّيَاحَةَ وَالمقَامَ فِي الخرَابِ وَالصَّحرَاءِ، وَصَحِبَ الدَّبَّاسَ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ أَظَهْرَهُ لِلْخَلْقِ، وَأَوقَعَ لَهُ القبولَ العَظِيْمَ، فَعَقَدَ مَجْلِسَ الوعظِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ، وَأَظهرَ اللهُ الحِكْمَةَ عَلَى لِسَانِهِ، ثُمَّ درس، وأفتى، وصار يقصد بالزيار وَالنُّذُورِ، وَصَنَّفَ فِي الأُصُوْلِ وَالفُرُوْعِ، وَلَهُ كَلاَمٌ عَلَى لِسَانِ أَهْلِ الطَّرِيقَةِ عَالٍ. وَكَتَبَ إِلَيَّ عبد الله بن أبي الحسن الجبائي: قال لِي الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِرِ: طَالَبَتْنِي نَفْسِي يَوْماً بِشَهْوَةٍ، فَكُنْتُ أُضَاجِرُهَا، وَأَدخُلُ فِي دَرْبٍ، وأَخرُجُ مِنْ آخرَ أَطلُبُ الصَّحرَاءَ، فَرَأَيْتُ رُقعَةً مُلْقَاةً، فَإِذَا فِيْهَا: مَا لِلأَقْوِيَاءِ وَالشَّهوَاتِ، وَإِنَّمَا خُلِقَتِ الشَّهوَاتُ لِلضُّعَفَاءِ. فَخَرَجَتِ الشَّهْوَةُ مِنْ قَلْبِي. قَالَ: وَكُنْتُ أَقتَاتُ بِخَرُّوبِ الشَّوْكِ وَوَرَقِ الخَسِّ مِنْ جَانِبِ النَّهْرِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللهِ بنِ نَصْرِ بنِ حَمْزَةَ التَّيْمِيِّ، سَمِعْتُ الشَّيْخَ عَبْدَ القَادِرِ يَقُوْلُ: بَلغَتْ بِي الضَّائِقَةُ فِي الغِلاَءِ إِلَى أَنْ بَقِيْتُ أَيَّاماً لاَ آكُلُ طَعَاماً، بَلْ أَتَّبَّعُ المَنبُوذَاتِ، فَخَرَجتُ يَوْماً إِلَى الشَّطِّ، فَوَجَدْتُ قَدْ سَبَقَنِي الفُقَرَاءُ، فَضَعُفْتُ، وَعَجَزْتُ عَنِ التَّمَاسُكِ، فَدَخَلتُ مَسْجِداً، وَقعدتُ، وَكِدْتُ أُصَافِحُ المَوْتَ، وَدَخَلَ شَابٌّ أَعْجَمِيٌّ وَمَعَهُ خُبْزٌ وَشِوَاءٌ، وَجَلَسَ يَأْكُلُ، فَكُنْتُ أَكَادُ كُلَّمَا رَفَعَ لُقْمَةً أَنْ أَفتحَ فَمِي، فَالْتَفَتَ فَرَآنِي، فَقَالَ: بِاسمِ اللهِ، فَأَبَيْتُ، فَأَقسمَ عَلَيَّ، فَأَكَلتُ مُقَصِّراً، وَأَخَذَ يَسْأَلُنِي، مَا شُغْلُكَ، وَمِنْ أَيْنَ أَنْتَ? فَقُلْتُ: متفقِّهٌ مِنْ جيلاَنَ. قَالَ: وَأَنَا مِنْ جيلاَنَ، فَهَلْ تَعرفُ لِي شَابّاً جَيلاَنِيّاً اسْمُهُ عَبْدُ القَادِر، يُعرَفُ بِسِبْطِ أَبِي عَبْدِ اللهِ الصَّوْمعِيِّ الزَّاهِدِ? فَقُلْتُ: أَنَا هو. فاضطرب لذلك، وتغير وَجهُهُ، وَقَالَ: وَاللهِ يَا أَخِي، لَقَدْ وَصلتُ إِلَى بَغْدَادَ وَمعِي بَقِيَّةُ نَفَقَةٍ لِي، فَسَأَلتُ عنك، فلم يرشدني أحد إلى أن نفدت نَفَقَتِي، وَبقيتُ بَعْدهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لاَ أَجِدُ ثَمَنَ قُوتِي إلَّا مِنْ مَالِكَ، فَلَمَّا كَانَ هذا اليوم الرابع، قلت: قد تجاوزتني ثلاثة أَيَّامٍ، وَحَلَّتْ لِي المَيْتَةُ، فَأَخَذتُ مِنْ وَدِيعَتِكَ ثمنَ هَذَا الخبزِ وَالشِّوَاءِ، فُكُلْ طَيِّباً، فَإِنَّمَا هُوَ لَكَ، وَأَنَا ضَيفُكَ الآنَ. فَقُلْتُ: وَمَا ذَاكَ? قَالَ: أُمُّكَ وَجَّهَتْ مَعِي ثَمَانِيَةَ دَنَانِيْرَ، وَاللهِ مَا خُنْتُكَ فِيْهَا إِلَى اليَوْمِ، فَسَكَّنْتُهُ، وَطَيَّبْتُ نَفْسَهُ، وَدَفَعْتُ إِلَيْهِ شَيْئاً مِنْهَا.

(15/182)


قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَتَبَ إِلَيَّ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي الحَسَنِ الجُبَّائِيُّ، قَالَ: قَالَ لِي الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِرِ: كُنْتُ فِي الصَّحرَاءِ أُكَرِّرُ فِي الفِقْهِ وَأَنَا فِي فَاقَةٍ، فَقَالَ لِي قَائِلٌ لَمْ أَرَ شَخْصَهُ: اقتَرِضْ مَا تَسْتعينُ بِهِ عَلَى طلبِ الفِقْهِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ أَقترِضُ وَأَنَا فَقيرٌ وَلاَ وَفَاءَ لِي? قَالَ: اقترِضْ وَعَلَيْنَا الوَفَاءُ. فَأَتيتُ بَقَّالاً، فَقُلْتُ: تُعَامِلُنِي بِشَرْطٍ إِذَا سَهَّلَ اللهُ أَعْطيتُكَ، وَإِن مُتُّ تَجعَلْنِي فِي حِلٍّ، تُعطِيَنِي كُلَّ يَوْمٍ رَغِيْفاً وَرشَاداً. فَبَكَى، وَقَالَ: أَنَا بِحُكْمِكَ. فَأَخَذتُ مِنْهُ مُدَّةً، فَضَاقَ صَدْرِي، فَأَظُنُّ أَنَّهُ قَالَ: فَقِيْلَ لِي: امضِ إِلَى مَوْضِعِ كَذَا، فَأَيَّ شَيْءٍ رَأَيْتَ عَلَى الدِّكَّةِ، فَخُذْهُ، وَادفعْهُ إِلَى البَقَّالِ. فَلَمَّا جِئْتُ رَأَيْتُ قطعَةَ ذَهَبٍ كَبِيْرَةً، فَأَعْطيتُهَا البَقْلِي.
وَلَحِقَنِي الجُنُوْنُ مرَّةً، وَحُمِلْتُ إِلَى المَارستَان، فَطَرَقَتْنِي الأَحْوَالُ حَتَّى حَسِبُوا أَنِّي مُتُّ، وَجَاؤُوا بِالكَفَنِ، وَجَعَلونِي عَلَى المُغْتَسَلِ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنِّي، وَقُمْتُ، ثُمَّ وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنْ أَخرجَ مِنْ بغداد لكثرة الفتن، فَخَرَجتُ إِلَى بَابِ الحَلَبَةِ، فَقَالَ لِي قَائِلٌ: إِلَى أَيْنَ تَمْشِي?! وَدَفَعَنِي دفعَةً خَرَرْتُ مِنْهَا، وَقَالَ: ارْجِعْ فَإِنَّ لِلنَّاسِ فِيكَ مَنْفعَةً. قُلْتُ: أُرِيْدُ سَلاَمَةَ دِينِي. قَالَ: لَكَ ذَاكَ وَلَمْ أَرَ شَخْصَهُ. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ طَرَقَتْنِي الأَحْوَالُ، فَكُنْتُ أَتَمنَّى مَنْ يَكشِفُهَا لِي، فَاجتزْتُ بِالظَّفَرِيَّةِ، فَفَتَحَ رَجُلٌ دَارَهُ، وَقَالَ: يَا عَبْدَ القَادِرِ، أَيشٍ طلبتَ البَارِحَةَ? فَنَسيتُ، فَسَكَتُّ، فَاغتَاظَ، وَدفعَ البَابَ فِي وَجْهِي دفعَةً عَظِيْمَةً، فَلَمَّا مَشيتُ ذَكَرْتُ، فَرَجَعتُ أَطلبُ البَابَ، فَلَمْ أَجِدْهُ، قَالَ: وَكَانَ حَمَّاداً الدَّبَّاسَ، ثُمَّ عَرَفْتُهُ بَعْدُ، وَكشفَ لِي جَمِيْعَ مَا كَانَ يُشكِلُ عَلَيَّ، وَكُنْتُ إِذَا غبتُ عَنْهُ لِطلبِ العِلْمِ وَجِئْتُ، يَقُوْلُ: أَيشٍ جَاءَ بِكَ إِلَيْنَا، أَنْتَ فَقِيْهٌ، مُرَّ إِلَى الفُقَهَاءِ، وَأَنَا أَسكتُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ جُمُعةٍ خَرَجتُ مَعَ الجَمَاعَةِ فِي شِدَّةِ البَرْدِ، فَدَفَعنِي أَلقَانِي فِي المَاءِ، فَقُلْتُ: غُسْلُ الجُمُعَةِ، بِاسمِ اللهِ، وَكَانَ عَلَيَّ جُبَّةٌ صُوْفُ، وَفِي كُمِّي أَجزَاءٌ، فَرفعتُ كُمِّي لِئَلاَّ تَهلِكَ الأَجزَاءُ، وَخَلَّوْنِي، وَمَشَوا، فَعصَرْتُ الجُبَّةَ، وَتَبِعْتُهُم، وَتَأَذَّيْتُ بِالبَردِ كَثِيْراً، وَكَانَ الشَّيْخُ يُؤذِينِي وَيَضربُنِي، وَإِذَا جِئْتُ يَقُوْلُ: جَاءنَا اليَوْمَ الخُبْزُ الكَثِيْرُ وَالفَالوذَجُ، وَأَكلنَا ومَا خَبَّأْنَا لَكَ وَحشَةً عَلَيْكَ، فَطمِعَ فِيَّ أَصْحَابُهِ، وَقَالُوا: أَنْتَ فَقِيْهٌ، أَيشٍ تَعْمَلُ مَعَنَا? فَلَمَّا رَآهُم يُؤذُونَنِي، غَارَ لِي؛ وَقَالَ: يَا كِلاَبُ لِمَ تُؤْذُونَهُ? وَاللهِ مَا فِيْكُم مِثْلُهُ، وَإِنَّمَا أُوذِيْهِ لأَمتحِنَهُ، فَأَرَاهُ جبلاً، لاَ يَتحرَّكُ، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ، قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ هَمَذَانَ يُقَالَ لَهُ: يُوْسُفُ الهَمَذَانِيُّ، وَكَانَ يُقَالُ: إِنَّهُ القطب، ونزل في رباط، فمشيت إليه، فلم أَرَهُ، وَقِيْلَ لِي: هُوَ فِي السِّرْدَابِ، فَنَزَلْتُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَآنِي قَامَ، وَأَجلسنِي، فَفَرشنِي، وَذَكَرَ لِي جَمِيْعَ أَحْوَالِي، وَحلَّ لِي المُشْكِلَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ لِي: تَكَلَّمْ عَلَى النَّاسِ، فَقُلْتُ: يا سيدي، أنا رجل أَعْجَمِيٌّ قُحٌّ أَخرسُ، أَتكلَّمُ عَلَى فُصَحَاءِ بَغْدَادَ؟! فَقَالَ لِي: أَنْتَ حَفِظتَ الفِقْهَ وَأُصُوْلَهُ، وَالخلاَفَ وَالنَّحْوَ وَاللُّغَةَ وَتَفسيرَ القُرْآنِ لاَ يَصلُحُ لَكَ أَنْ تَتكلَّمَ؟! اصعَدْ عَلَى الكُرْسِيِّ، وَتَكلَّمْ، فَإِنِّي أَرَى فِيكَ عِذْقاً سيصِيْرُ نَخْلَةً.

(15/183)


قَالَ الجُبَّائِيُّ: وَقَالَ لِي الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِرِ: كُنْتُ أُومَرُ وَأُنْهَى فِي النَّوْمِ وَاليقظَةِ، وَكَانَ يغلبُ عَلَيَّ الكَلاَمُ، وَيزدحِمُ عَلَى قَلْبِي إِنْ لَمْ أَتكلَّمْ بِهِ حَتَّى أَكَادُ أَخْتنقُ، وَلاَ أَقدرُ أَسكتُ، وَكَانَ يَجلسُ عِنْدِي رَجُلاَنِ وَثَلاَثَةٌ، ثُمَّ تَسَامعَ النَّاسُ بِي، وَازدحَمَ عَلَيَّ الخَلْقُ، حَتَّى صَارَ يَحضرُ مَجْلِسِي نَحْوٌ مِنْ سَبْعِيْنَ أَلْفاً. وَقَالَ: فَتَّشْتُ الأَعْمَالَ كُلَّهَا، فَمَا وَجَدْتُ فِيْهَا أَفْضَلُ مِنْ إِطعَامِ الطَّعَامِ، أَودُّ لَوْ أَنَّ الدُّنْيَا بِيَدِي فَأُطعِمَهَا الجيَاعَ، كَفِّي مثقوبَةٌ لاَ تضبطُ شَيْئاً، لَوْ جَاءنِي أَلفُ دِيْنَارٍ لَمْ أُبَيِّتْهَا، وَكَانَ إِذَا جَاءهُ أَحَدٌ بِذَهَبٍ، يَقُوْلُ: ضَعْهُ تَحْتَ السَّجَّادَةِ، وَقَالَ لِي: أَتَمَنَّى أَنْ أَكُوْنَ فِي الصَّحَارَى وَالبَرَارِي كَمَا كُنْتُ فِي الأَوّلِ لاَ أَرَى الخَلْقَ وَلاَ يَرُوْنِي. ثُمَّ قَالَ: أَرَادَ اللهُ مِنِّي مَنْفعَةَ الخلقِ، فَقَدْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيَّ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِ مائَةٍ، وَتَابَ عَلَى يَدَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مائَةِ أَلْفٍ، وَهَذَا خَيْرٌ كَثِيْرٌ، وَتَرِدُ عَلَيَّ الأَثقَالُ الَّتِي لَوْ وُضِعَتْ عَلَى الجِبَالِ تَفَسَّخَتْ، فَأَضعُ جَنْبِي عَلَى الأَرْضِ، وَأَقُوْلُ: إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً، إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً، ثُمَّ أَرْفَعُ رَأْسِي وَقَدِ انفرَجَتْ عَنِّي. وَقَالَ: إِذَا وُلِدَ لِي وَلدٌ أَخذتُهُ عَلَى يَدِي، وَأَقُوْلُ: هَذَا مَيِّتٌ، فَأُخْرِجُهُ مِنْ قَلْبِي، فَإِذَا مَاتَ لَمْ يُؤثِّرْ عِنْدِي مَوْتُهُ شَيْئاً.
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ابْنُ الشَّيْخِ: وُلِدَ لأَبِي تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُوْنَ وَلداً، سبعة وعشرون ذكرًا، والباقي إناث.
وَقَالَ الجُبَّائِيُّ: كُنْتُ أَسْمَعُ فِي الحِلْيَةِ عَلَى ابْنِ نَاصرٍ، فَرَقَّ قَلْبِي، وَقُلْتُ: اشتهيتُ لَوِ انْقَطَعْتُ، وَأَشتغلُ بِالعِبَادَةِ، وَمضيتُ، فَصَلَّيْتُ خلفَ الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ، فَلَمَّا جَلَسْنَا، نَظَرَ إِلَيَّ، وَقَالَ: إِذَا أَردتَ الانقطَاعَ، فَلاَ تَنقطِعْ حَتَّى تَتَفَقَّهَ وَتُجَالِسَ الشُّيُوْخَ وَتتَأَدَّبَ، وَإِلاَّ فَتنقطِعُ وَأَنْتَ فُرَيخٌ مَا رَيَّشْتَ.
وَعَنْ أَبِي الثَّنَاءِ النَّهْرملكِي قَالَ: تَحدَّثْنَا أَنَّ الذُّبَابَ مَا يَقعُ عَلَى الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ، فَأَتَيْتُهُ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ، وَقَالَ: أَيشٍ يَعملُ عِنْدِي الذُّبَابُ، لاَ دِبْسَ الدُّنْيَا، وَلاَ عَسَلَ الآخِرَةِ.
قَالَ أَبُو البَقَاءِ العُكْبَرِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ نَجَاحٍ الأَدِيْبَ يَقُوْلُ: قُلْتُ فِي نَفْسِي: أُرِيْدُ أنْ أُحصيَ كَمْ يَقصُّ الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِرِ شعرَ تَائِبٍ، فَحَضَرتُ المَجْلِسَ وَمعِي خَيْطٌ، فَلَمَّا قصَّ شَعْراً، عقدتُ عُقدَةً تَحْتَ ثِيَابِي مِنَ الخيطِ وَأَنَا فِي آخِرِ النَّاسِ، وإذا به يقول: أنا حل وَأَنْتَ تَعقدُ؟!
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْتُ شَيْخَ الصُّوْفِيَّةِ عُمَرَ بنَ مُحَمَّدٍ السُّهْرَوَرْدِيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ أَتفقَّهُ فِي صِبَايَ، فَخطرَ لِي أَنْ أَقرَأَ شَيْئاً مِنْ عِلمِ الكَلاَمِ، وَعزمتُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ أَتكلَّمَ بِهِ، فَصَلَّيْتُ مَعَ عَمِّي أَبِي النَّجِيْبِ، فَحضرَ عِنْدَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِرِ مُسلِّماً، فَسَأَلَهُ عمِّي الدُّعَاءَ

(15/184)


لِي، وَذَكَرَ لَهُ أَنِّي مُشْتَغِلٌ بِالفِقْهِ، وَقُمْتُ فَقبَّلْتُ يَدَهُ، فَأَخَذَ يَدِي، فَقَالَ: تُبْ مِمَّا عزَمْتَ عَلَيْهِ مِنَ الاشتغَالِ بِهِ، فَإِنَّكَ تُفْلِحُ، ثُمَّ سكتَ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ عَزمِي عَنِ الاشتغَالِ بِالكَلاَمِ حَتَّى شُوِّشَتْ عَلَيَّ جَمِيْعُ أَحْوَالِي، وَتَكدَّرَ وقتي، فعلمت أن ذلك بمخالفة الشيخ.
ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ بنَ الأَخْضَر يَقُوْلُ: كُنْتُ أَدخل عَلَى الشَّيْخ عَبْد القَادِر فِي وَسط الشِّتَاء وَقُوَّةِ بَرْدِهِ وَعَلَيْهِ قَمِيْصٌ وَاحِد، وَعَلَى رَأْسه طَاقيَّة، وَحَوْلَهُ مَنْ يُروحهُ بِالمِرْوَحَة. قَالَ: وَالعرق يَخْرُج مِنْ جَسَدِه كَمَا يَكُوْن فِي شِدَّةِ الحَرِّ.
ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْتُ عَبْدَ العَزِيْز بنَ عَبْدِ المَلِكِ الشَّيْبَانِيّ، سَمِعْتُ الحَافِظُ عَبْد الغَنِيِّ، سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ بنَ الخَشَّاب النَّحْوِيّ يَقُوْلُ: كُنْتُ وَأَنَا شَابّ أَقرَأُ النَّحْو، وَأَسْمَعُ النَّاس يَصفُوْنَ حسن كَلاَم الشَّيْخ عَبْد القَادِر، فَكُنْت أُرِيْد أَنْ أَسْمَعه وَلاَ يَتَّسِع وَقتِي، فَاتَّفَقَ أَنِّي حضَرت يَوْماً مَجْلِسه، فَلَمَّا تَكَلَّمَ لَمْ أَسْتحسن كَلاَمه، وَلَمْ أَفهمه، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: ضَاع اليَوْم مِنِّي. فَالْتَفَت إِلَى نَاحِيَتِي، وَقَالَ: وَيْلَك تُفضِّلُ النَّحْو عَلَى مَجَالِس الذِّكرِ، وَتَختَارُ ذَلِكَ؟! اصحَبْنَا نُصَيِّرْكَ سِيبَوَيْه.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ ظفر بن هُبَيْرَةَ: سَأَلت جَدِّي أَنْ أَزور الشَّيْخ عَبْد القَادِر، فَأَعْطَانِي مبلغًا من الذهب لأعطيه، فلما نزل عن المِنْبَرِ سلمت عَلَيْهِ، وَتحرجتُ مِنْ دفع الذَّهَبِ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْجمع، فَقَالَ: هَاتِ مَا مَعَكَ وَلاَ عَلَيْك مِنَ النَّاس، وَسلِّمْ عَلَى الوَزِيْرِ.
قَالَ صَاحِب "مِرْآة الزَّمَان": كَانَ سكُوت الشَّيْخ عَبْد القَادِر أَكْثَرَ مِنْ كَلاَمه، وَكَانَ يَتَكَلَّم عَلَى الخوَاطر، وَظهر لَهُ صيت عَظِيْم وَقبول تَامّ، وَمَا كَانَ يَخْرُج مِنْ مَدْرَسَته إلَّا يَوْمَ الجُمُعَةِ أَوْ إِلَى الرِّبَاط، وَتَاب عَلَى يَده مُعْظَم أَهْل بَغْدَادَ، وَأَسْلَمَ خلق، وَكَانَ يَصدع بِالْحَقِّ عَلَى المِنْبَرِ، وَكَانَ لَهُ كرامات ظاهرة.
قُلْتُ: لَيْسَ فِي كِبَارِ المَشَايِخ مَنْ لَهُ أَحْوَالٌ وَكَرَامَاتٌ أَكْثَر مِنَ الشَّيْخ عَبْد القَادِر، لَكِن كَثِيْراً مِنْهَا لاَ يَصحُّ، وَفِي بَعْضِ ذَلِكَ أَشيَاءُ مُسْتحيلَة.
قَالَ الجُبَّائِيّ: كَانَ الشَّيْخ عَبْد القَادِر يَقُوْلُ: الخَلْقُ حِجَابُكَ عَنْ نَفْسِكَ، وَنَفْسُكَ حِجَابُكَ عَنْ رَبِّكَ.
عَاشَ الشَّيْخ عَبْد القَادِر تِسْعِيْنَ سَنَةً، وَانْتَقَلَ إِلَى اللهِ فِي عَاشر رَبِيْع الآخر سَنَة إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَشيَّعه خلق لاَ يُحصَوْنَ، وَدُفِنَ بِمَدرسَتِهِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
وَفِيْهَا مَاتَ أَبُو المَحَاسِنِ إِسْمَاعِيْل بن عَلِيِّ بنِ زَيْدِ بنِ شَهْرَيَارَ الأَصْبَهَانِيّ -سَمِعَ مِنْ

(15/185)


رِزْق اللهِ التَّمِيْمِيّ، وَالمُحَدِّثُ العَلاَّمَةُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ الأَشِيْرِيّ المَغْرِبِيّ وَدُفِنَ بِظَاهِر بَعْلَبَكَّ، وَالإِمَام الرَّئِيْس أَبُو طَالِبٍ عَبْد الرَّحْمَنِ بنِ الحَسَنِ ابْن العَجَمِيّ وَاقف المَدْرَسَة بحلب، وعلي ابن أَحْمَدَ الحَرَسْتَانِيّ رَاوِي جُزْء الرَّافقِي، وَأَبُو رَشِيْدٍ مُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ الأَصْبَهَانِيّ البَاغْبَانُ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الرُّسْتَمِيّ، وَأَبُو طَاهِرٍ إِبْرَاهِيْم بن الحَسَنِ ابْنُ الحصنِي الشَّافِعِيّ بِدِمَشْقَ، وَالقَاضِي مُهَذَّب الدِّيْنِ الحَسَنُ بن عَلِيِّ بنِ الرَّشِيْد ابْنُ الزُّبَيْرِ الأُسْوَانِي الشَّاعِر أَخُو الرَّشِيْد أَحْمَدَ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ الحسين بن رواحة الأنصاري الحموي المقرىء الشاعر، والمسند ابن رفاعة، والفقيه المقرىء عبد الصمد ابن الحُسَيْنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ تَمِيْمٍ التَّمِيْمِيّ الدِّمَشْقِيّ، وَشيخ القُرَّاء أَبُو حُمَيْدٍ عَبْد العَزِيْزِ بن عَلِيٍّ السُّمَانِيّ الإِشْبِيْلِيّ وَالشَّيْخ عَلِيّ بن أَحْمَدَ الحَرَسْتَانِيّ رَاوِي جُزْء الرَّافقِي.
وَفِي الجُمْلَة الشَّيْخ عَبْد القَادِر كَبِيْرُ الشَّأْنِ، وَعَلَيْهِ مَآخِذ فِي بَعْضِ أَقْوَالِه وَدَعَاويه، وَاللهُ المَوْعِدُ، وَبَعْضُ ذَلِكَ مكذوب عليه.

(15/186)


5088- عَبْدُ الجَلِيْلِ بنُ أَبِي سَعْدٍ 1:
مَنْصُوْرِ بنِ إسماعيل بن أَبِي سَعْدٍ بنِ أَبِي بِشْرٍ، العَدْلُ الجَلِيْلُ الصَّالِحُ المُعَمَّرُ، مُسْنِدُ هَرَاةَ، أَبُو مُحَمَّدٍ الهَرَوِيُّ الفَامِيُّ.
آخِرُ مَنْ سَمِعَ فِي الدُّنْيَا مِنْ بِيْبَى بِنْتِ عَبْدِ الصَّمَدِ الهَرْثَمِيَّةِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدٍ كُلاَر البُوْشَنْجِيّ، وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ شيخ الإسلام عبد الله ابن مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ وَوَلَدُهُ أَبُو المُظَفَّرِ، وَعَبْد البَاقِي بن عَبْدِ الوَاسِع الأَزْدِيّ، وَالحَافِظ عَبْد القَادِر الرُّهَاوِيّ، وَهُوَ أَكْبَر شَيْخ لقيه في سعة راحلته.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: هُوَ شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الخَيْر وَالصِّدْق، وُلِدَ فِي شَهْرِ شَعْبَانَ سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
قُلْتُ: وَتُوُفِّيَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَهُوَ آخِرُ مَنْ رَوَى حديث أبي القاسم البغوي عاليًا.
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1318" وشذرات الذهب "4/ 205".

(15/186)


عبد الهادي، البسطامي:
5089- عبد الهادي:
ابن أَبِي سَعِيْدٍ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بن مأمون، الإِمَامُ القُدْوَةُ الزَّاهِدُ العَابِدُ، أَبُو عَرُوْبَةَ السِّجِسْتَانِيُّ الَّذِي ارْتَحَلَ إِلَيْهِ الحَافِظ عَبْد القَادِر الرُّهَاوِيّ، وَبَالَغَ فِي تَعْظِيْمِهِ، وَقَالَ: سَمِعَ مِنْ جدّه فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَلَمَّا حَجَّ قَرَأَ عَلَيْهِ ابْن نَاصر "مُسلسلاَت ابْن حِبَّانَ".
وَقَالَ: عَاشَ تِسْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَمَا عَرَفْتُ لَهُ زَلَّة، وَكَانَ مُنْتَشِر الذّكر، وَلَهُ رِبَاط كَانَ يَعظ فِيْهِ وَمرِيْدُوْنَ. تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ رَحِمَهُ اللهُ.
5090- البَسْطَامِيُّ 1:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ المُحَدِّثُ، أَبُو شُجَاعٍ، عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ نَصَرٍ -بِالتَّحرِيك- البَسْطَامِيُّ، ثُمَّ البَلْخِيُّ، إِمَام مَسْجِدِ رَاغُومَ.
قَالَ: وُلِدْت سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ أَبَاهُ، وَأَبَا القَاسِمِ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ الخَلِيْلِيّ، وَإِبْرَاهِيْم بن مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيّ، وَأَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ الحسين السمنجاني، وتفقه عليه.
وَكَانَ طَلاَّبَةً لِلْعِلْمِ، صَاحِبَ فُنُوْنٍ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: هُوَ مَجْمُوْع حسن، وَجُملَة مليحَة، مُفتٍ مُنَاظر مُحَدِّث مُفسر وَاعِظ أَدِيْب شَاعِر حَاسِب، وَمَعَ فَضَائِله كَانَ حَسَنَ السيرَةِ، مليح الأَخلاَق، مَأْمُوْنَ الصُّحْبَة، نَظيف الظَّاهِر وَالبَاطِن، لَطيف العُشْرَة، فَصيح العبَارَة، مليح الإِشَارَة، فِي وَعظه كَثِيْرُ النّكتِ وَالفَوَائِد، وَكَانَ عَلَى كِبَرِ السِّنّ حرِيصاً عَلَى طلب الحَدِيْث وَالعِلْمِ، مُقتبِساً مِنْ كُلِّ أَحَد، كَتَبْتُ عَنْهُ بِمَرْوَ وَهرَاة وَبُخَارَى وَسَمَرْقَنْد، وَكَتَبَ عَنِّي الكَثِيْر، وَحصَّل نُسْخَةً بِمَا ذَيَّلتُه عَلَى تَارِيْخ الخَطِيْبِ، وَكَتَبَ إِلَيَّ مِنْ بَلْخ:
يَا آلَ سَمْعَان مَا أَسنَى فَضَائِلَكُم ... قَدْ صِرنَ فِي صُحُفِ الأَيَّام عُنوَانَا
مَعَاهداً أَلِفَتْهَا النَّازلُوْنَ بِهَا ... فَمَا وَهتْ بِمُرُوْر الدَّهْر أَرْكَانَا
حَتَّى أَتَاهَا أَبُو سعدٍ فَشيَّدهَا ... وَزَادهَا بِعُلُوّ الشَّأْن بنيانا
__________
1 ترجمته في تذكرة الحفاظ "4/ 1318"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 376"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 206".

(15/187)


كَانُوا مَلاَذَ بَنِي الآمَالِ فَانقَرَضُوا ... مُخَلِّفِيْن بِهِ مِثْلَ الَّذِي كَانَا
لَوْلاَ مَكَانُ أَبِي سعدٍ لَمَا وَجَدُوا ... عَلَى مَفَاخرِهِم لِلنَّاسِ بُرْهَانَا
وَقَاهُ رَبِّي مِنْ عينِ الكَمَال فَمَا ... أَبْقَتْ عُلاَهُ لِرَدِّ العَيْنِ نُقْصَانَا
قُلْتُ: سَمِعَ أَبُو شُجَاعٍ مِنَ الخَلِيْلِيِّ "مُسْنَدَ الهَيْثَمِ الشَّاشِيِّ"، وَ"غَرِيْبَ الحَدِيْثِ" لابْنِ قُتَيْبَةَ، وَكِتَابَ "الشَّمَائِلِ"، وَقَدْ صَنَّفَ كِتَاباً حَسَناً فِي أَدبِ المَرِيْضِ وَالعَائِدِ.
وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ فِي مَكَانٍ آخر: لاَ يُعرف أَجْمَع لِلْفَضَائِل مِنْهُ مَعَ الوَرَع التَّام، وَسَمِعَ أَيْضاً مِنْ أَبِي حَامِد أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ الشُّجَاعِيّ، وأبي نصر مُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ المَاهَانِي، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بن عَبْدِ الرَّحِيْمِ القَاضِي.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيّ وَابْنه أَبُو المُظَفَّرِ، وَأَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ، وَالافتخَارُ عَبْدُ المُطَّلِبِ الهَاشِمِيّ، وَالتَّاجُ الكِنْدِيُّ، وَأَبُو أحمد ابن سُكَيْنَةَ، وَأَبُو الفَتْحِ المَنْدَائِيُّ، وَأَبُو رَوْحٍ عَبْد المُعِزِّ الهَرَوِيّ، وَجَمَاعَة.
تُوُفِّيَ بِبَلْخَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَكَانَ مُحَدِّث تِلْكَ الدِّيَار وَمُسْنِدَهَا.
قَالَ عَلِيُّ بنُ مَحْمُوَيْه اليَزْدِيُّ الفَقِيْه: مَا رَأَيْتُ فِي مَشَايِخِ أَصْحَابِنَا مِثْلَ أَبِي شُجَاعٍ عَقْلاً وَعِلماً وَلطفاً وَجِدّاً.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: تُوُفِّيَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ.

(15/188)


5091- الكيزاني 1:
الإمام المقرىء الزَّاهِدُ الأَثَرِيُّ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ ثَابِتٍ، المِصْرِيُّ الكِيْزَانِيُّ الوَاعِظُ، لَهُ تَلاَمِذَةٌ وَأَصْحَابٌ، وَلَهُ شِعرٌ كَثِيْرٌ مُدَوَّنٌ، وَكَلاَمٌ فِي السُّنَّةِ.
قَالَ أَبُو المُظَفَّرِ سِبْطُ ابْنِ الجَوْزِيِّ: كَانَ يَقُوْلُ: أَفعَال العبَادِ قَدِيْمَة، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْل بلدِهِ نِزَاعٌ، وَكَانَ قَدْ دُفن عِنْد ضرِيحِ الشَّافِعِيِّ، فَتعصَّبَ عَلَيْهِ الخُبُوْشَانِيّ، وَنَبَشَه، وَقَالَ: هَذَا حَشَوِيٌّ لاَ يَكُوْن عِنْد الإِمَام. ودفن في موضع آخر.
وَمِنْ شِعْرِهِ:
يَا مَنْ يَتِيه عَلَى الزَّمَان بِحُسنه ... اعْطِفْ عَلَى الصَّبِّ المَشُوق التَّائِهِ
أَضحَى يَخَاف عَلَى احترَاقِ فُؤَاده ... أَسفاً لأَنَّك مِنْهُ فِي سَودَائِهِ
تُوُفِّيَ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وستين وخمس مائة.
__________
1 ترجمته في اللباب لابن الأثر "3/ 125"، ووفات الأعيان لان خلكان "4/ ترجمة 678"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 368 و376".

(15/188)


القنطري، السمعاني:
5092- القنطري:
العَلاَّمَةُ الحَافِظُ، أَبُو القَاسِمِ، مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مسعود ابن مُفَرّجٍ، الأَنْدَلُسِيّ الشِّلْبِيُّ، المَعْرُوفُ بِالقَنْطَرِيِّ.
سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ بنَ غَالِب، وَأَبَا الحُسَيْنِ بنَ صَاعِدٍ، وَبإِشْبِيْلِيَة أَبَا الحَكَم بن بَرَّجَانَ، وَالقَاضِي ابْنَ العَرَبِيّ، وَبقُرْطُبَةَ يُوْنُس بنَ مُغِيْث، وَابْنَ أَبِي الخِصَالِ، وَعِدَّة.
ذكره الأَبَّار، فَقَالَ: كَانَ مِنْ أَهْلِ المَعْرِفَةِ الكَامِلَةِ بصِنَاعَة الحَدِيْث، بعيد الصِّيْت فِي الحِفْظِ وَالإِتْقَانِ، جَمَّاعَةً لِلْكتبِ، وَقَدْ شُوْوِرَ فِي الأَحكَام، وَلَهُ زِيَادَة عَلَى ابْنِ بَشْكُوَال فِي تَارِيْخِهِ، رَوَى عَنْهُ يَعيشُ بن القَدِيْم وَغَيْرهُ، تُوُفِّيَ بِمَرَّاكُش فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ إحدى وستين وخمس مائة.
5093- السمعاني 1:
الإِمَامُ الحَافِظُ الكَبِيْرُ الأَوْحَدُ الثِّقَةُ، مُحَدِّثُ خُرَاسَانَ، أبو سعد عبد الكريم بن الإمام الحافظ الناقد أبي بكر محمد بن العَلاَّمَةِ مُفْتِي خُرَاسَانَ أَبِي المُظَفَّرِ مَنْصُوْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ، التميمي السمعاني الخراساني المَرْوَزِيُّ، صَاحِبُ المُصَنَّفَاتِ الكَثِيْرَةِ.
وُلِدَ بِمَرْوَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَحضَّره أَبُوْهُ فِي الرَّابِعَةِ عَلَى مُسْنِدِ زَمَانِهِ عَبْدِ الغَفَّارِ بن مُحَمَّدٍ الشِّيْرَوِيّ، وَعُبَيْدِ بنِ مُحَمَّدٍ القُشَيْرِيِّ، وَسَهْلِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ السُّبْعِيّ، وَطَائِفَة.
وَسَمِعَ بِاعْتنَاء أَبِيْهِ مِنْ أَبِي مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بن الكراعي، والمحدث محمد بن عبد الواحد الدقاق.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 317"، واللباب لابن الأثير "1/ 13-16"، وتذكرة الحفاظ "4/ ترجمة 1090"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 375"، وشذرات الذهب "4/ 205-106".

(15/189)


وَتُوُفِّيَ الوَالِدُ وَأَبُو سَعْدٍ صَغِيْرٌ، فَكَفَلَهُ عَمُّه وَأَهْلُه، وَحُبِّب إِلَيْهِ الحَدِيْث، وَلاَزَمَ الطَّلَبَ مِنَ الحدَاثَةِ.
وَرَحَلَ إِلَى نَيْسَابُوْرَ عَلَى رَأْسِ الثَّلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَأَكْثَر عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الفُرَاوِيِّ، وَأَبِي المُظَفَّرِ بنِ القُشَيْرِيِّ، وَهِبَة اللهِ بنِ سَهْلٍ السَّيِّدِيِّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي بَكْرٍ القارىء، وَفَاطِمَةَ بِنْتِ زَعْبَل، وَزَاهِرِ بنِ طَاهِرٍ، وَأَخِيْهِ وَجِيهٍ، وَطَبَقَتِهِم.
وَتوجَّه إِلَى أَصْبَهَانَ، فَسَمِعَ الحُسَيْن بن عبد الملك الخلال، وسعيد ابن أَبِي الرَّجَاءِ، وَأُمَّ المُجْتَبَى فَاطِمَةَ، وَالمَوْجُوْدين، وَأَكْثَر عَنِ الحَافِظِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيِّ.
وَبَادر إِلَى بَغْدَادَ، فَأَكْثَر عَنِ القَاضِي أَبِي بَكْرٍ الأنصاري، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ الشَّيْبَانِيِّ، وَعَبْدِ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيِّ، وَأَبِي سَعْدٍ الزَّوْزَنِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
ثُمَّ حَجَّ، وَقَدِمَ دِمَشْق، فَسَمِعَ بِهَا مِنْ أَبِي الفَتْحِ نَصْرِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ المَصِّيْصِيِّ، وَالقَاضِي أَبِي المَعَالِي مُحَمَّد بن يَحْيَى القُرَشِيّ، وَالمَوْجُوْدين.
وَلاَ يُوْصَف كَثْرَةُ البِلاَدِ وَالمَشَايِخِ الَّذِيْنَ أَخَذَ عَنْهُم.
وَقَدْ أَلَّف كِتَاب التَّحْبِيْرِ فِي مُعْجَمِهِ الكَبِيْرِ، يكون ثلاث مجلدات.
فَسَمِعَ بِآمُلِ طَبَرِسْتَانَ مِنْ أَبِي نَصْرٍ الفَضْل بن أَحْمَدَ بنِ الفَضْلِ بنِ أَحْمَدَ البَصْرِيِّ وَطَبَقَتِهِ.
وَبِأَبِيْوَرْدَ مِنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عَلِيٍّ الزُّهْرِيّ.
وَبإِسْفَرَايِيْنَ مِنْ طَلْحَةَ بنِ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ القَاضِي حَدَّثَهُ عَنْ جَدِّهِ.
وَبِالأَنْبَارِ مِنْ يَحْيَى بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الأَخْضَر حَدَّثَهُ عَنِ الخَطِيْب الحَافِظ.
وَببُخَارَى مِنْ عُثْمَانَ بن عَلِيٍّ البِيْكَنْدِيّ وَعِدَّة.
وَبِبَرُوْجِرْدَ مِنَ القَاضِي أَبِي المُظَفَّرِ شَبِيْب بن الحُسَيْنِ، وَأَبِي تَمَّام إِبْرَاهِيْم بن أَحْمَدَ حَدَّثَاهُ عَنْ يُوْسُفَ بنِ مُحَمَّدٍ الهَمَذَانِيّ.
وَببِسْطَامَ مِنَ المُحَسِّنِ بنِ النُّعْمَانِ المُعَلِّم حَدَّثَهُ عَنْ طَاهِر الشَّحَّامِيّ.
وَبِالبَصْرَةِ مِنْ طَلْحَةَ بنِ عَلِيٍّ الشَّاهدِ رَوَى لَهُ عَنْ جَعْفَرٍ العَبَّادَانِيّ.
وَبِبَغْشُوْرَ مِنْ صَالِح بن أحمد بن مدوسة المقرىء وَغَيْرِهِ مِنْ "جَامِع التِّرْمِذِيّ".
وَبِبَلْخَ مِنَ القَاضِي عُمَرَ بنِ عَلِيٍّ المَحْمُوْدِيِّ صَاحِب الوَخْشِيّ.

(15/190)


وَبِتِرْمِذَ مِنْ أَسَعْد بن عَلِيٍّ.
وَبِجُرْجَانَ مِنْ أَبِي عَامِرٍ سَعْدِ بنِ عَلِيٍّ العَصَّارِيِّ وَجَمَاعَةٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الوَاسِعِ الجُرْجَانِيِّ.
وَبِحَلَبَ مِنَ الرَّئِيْسِ أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْطَاكِيِّ.
وَبِحَمَاةَ مِنْ كَامِلِ بنِ عَلِيِّ بنِ سَالِمٍ السِّنْبِسِيِّ عَنْ أَبِيْهِ.
وَبِحِمْصَ مِنْ قَاضِيهَا أَبِي البَيَانِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ التَّنُوْخِيِّ.
وَبِخَرْتَنْكَ عِنْد قَبْرِ البُخَارِيِّ مِنْ أَبِي شُجَاع عُمَر بن مُحَمَّدٍ البِسْطَامِيِّ.
وَبِخُسْروجِرْدَ مِنْ عَبْدِ الحَمِيْدِ بن مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الخُوَارِيّ صَاحِب البَيْهَقِيِّ.
وَبِخُوَارِ الرَّيِّ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ مُحَمَّدٍ المَغَازِلِيّ، عَنْ أَبِي مَنْصُوْرٍ بن شَكْرُوَيْه.
وَبِالرَّحْبَةِ مِنَ الحَافِظ أَبِي سَعْدٍ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ البَغْدَادِيّ.
وَبِالرَّيّ مِنَ القَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ الحَسَن بن مُحَمَّدٍ الحَنَفِيّ حَدَّثَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ كَثِيْرٍ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا ابْنُ الصَّلْت المُجْبِر.
وَبِسَاوَةَ مِنْ أَبِي حَاتِمٍ مُحَمَّد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرَّازِيّ.
وَبِسَرَخْسَ مِنْ أَبِي نَصْرٍ مُحَمَّد بن مَحْمُوْدٍ الشُّجَاعِيِّ وَآخر قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ العَبَّاسِيِّ العَبْدُوْسِيّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ الحَجَّاجِيّ، حَدَّثَنَا الحَافِظُ أَبُو العَبَّاسِ الدَّغُوْلِيّ.
وَبِسَمَرْقَنْدَ مِنَ الخَطِيْب أَبِي المَعَالِي مُحَمَّدِ بنِ نَصْرِ بنِ مَنْصُوْرٍ المَدِيْنِيّ حَدَّثَهُ عَنِ السَّيِّد أَبِي المَعَالِي مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ الحَافِظ.
وَبِسِمْنَانَ مِنْ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ العَالِم المُضَرِيّ عَنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ الأَخْرَم.
وَبِسِنْجَارَ مِنَ القَاضِي أَبِي مَنْصُوْرٍ المُظَفَّرِ بنِ القَاسِمِ الشَّهْرُزُوْرِيِّ، سَمِعَ أَبَا نَصْرٍ الزَّيْنَبِيّ.
وَبِهَمَذَانَ وَهَرَاةَ وَالحَرَمَيْنِ وَالكُوْفَةِ وَطُوْسَ وَالكَرْخِ وَنَسَا وَوَاسِطَ وَالمَوْصِلِ وَنُهَاوَنْدَ وَالطَّالْقَانِ وَبُوْشَنْجَ وَالمَدَائِنِ، وَبِقَاعٍ يَطُول ذِكرُهَا بِحَيْثُ إِنَّهُ زَار القُدْس وَالخَلِيْل وَهُمَا بِأَيدِي الفِرَنْج، تحيل، وَخَاطر فِي ذَلِكَ، وَمَا تَهَيَّأَ ذَلِكَ لِلسِّلَفِيِّ وَلاَ لابْنِ عَسَاكِر.

(15/191)


ذكره أَبُو القَاسِمِ الحَافِظُ فِي تَارِيْخِ دِمَشْقَ، فَقَالَ: أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ الفَقِيْه الشَّافِعِيّ الحَافِظ الوَاعِظ الخَطِيْب ... إِلَى أَنْ قَالَ: سَمِعَ بِبلاَدٍ كَثِيْرَة، اجْتَمَعتُ بِهِ بِنَيْسَابُوْرَ وَبَغْدَاد وَدِمَشْق، وَعَاد إِلَى خُرَاسَانَ، وَدَخَلَ هَرَاةَ وَبَلخَ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَهُوَ الآنَ شَيْخُ خُرَاسَان غَيْرَ مُدَافَعٍ، عَنْ صدقٍ وَمَعْرِفَةٍ وَكَثْرَةِ رِوَايَةٍ وَتَصَانِيفَ، سَمِعَ بِبلاَدٍ كَثِيْرَةٍ، وَحصَّل النُّسخ الكَثِيْرَة، وَكَتَبَ عَنِّي، وَكَتَبْتُ عَنْهُ، وَكَانَ مُتَصَوِّناً عَفِيْفاً حَسَنَ الأَخلاَقِ. ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ بِدِمَشْقَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الغَفَّارِ الشِّيْرَوِيّ.. فَذَكَر مِنْ "جُزءِ ابْنِ عُيَيْنَةَ" حَدِيْثَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، مَتَى السَّاعَةُ? وَرَوَاهُ مَعَهُ ابْنُه أَبُو مُحَمَّدٍ القَاسِم. ثُمَّ ذَكَرَ وَفَاته.
حَدَّثَ أَيْضاً عَنْ أَبِي سَعْدٍ: وَلدَاهُ أَبُو المُظَفَّرِ عَبْد الرَّحِيْمِ وَمُحَمَّدٌ، وَأَبُو رَوْحٍ عَبْد المُعِزِّ بن مُحَمَّدٍ الهَرَوِيُّ، وَأَبُو الضَّوْء شِهَابٌ الشذِيَانِي، وَالافتخَارُ أَبُو هَاشِمٍ عَبْد المُطَّلِبِ الحَلَبِيّ الحَنَفِيّ، وَعَبْد الوَهَّابِ بن سُكَيْنَة، وَأَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغ، وَعَبْد العَزِيْزِ بن مَنِيْنَا، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: نَقُلْتُ أَسْمَاء تَصَانِيْفه مِنْ خطِّه: "الذَّيل" عَلَى "تَارِيْخ الخَطِيْبِ" أَرْبَع مائَة طَاقَةٍ، "تَارِيخ مَرْو" خمس مائة طاقة، "معجم البُلْدَانِ" خَمْسُوْنَ طَاقَةً، "مُعْجَم شُيُوْخِه" ثَمَانُوْنَ طَاقَةً، "أَدب الطَّلَبِ" مائَة وَخَمْسُوْنَ طَاقَةً، "الإِسفَار عَنِ الأَسفَار" خَمْس وَعِشْرُوْنَ طَاقَةً، "الإِملاَء وَالاستملاَءُ" خَمْسَ عَشْرَةَ طَاقَةً، "تُحْفَة المُسَافِرِ" مائَة وَخَمْسُوْنَ طَاقَةً، "الهديَة" خَمْس وَعِشْرُوْنَ طَاقَةً، "عِزُّ العُزلَةِ" سَبْعُوْنَ طَاقَةً، "الأَدب وَاسْتعمَال الْحسب" خَمْس طَاقَاتٍ، "المَنَاسِكُ" سِتُّوْنَ طَاقَةً، "الدعوَات" أَرْبَعُوْنَ طَاقَةً، "الدعوَات النَّبَوِيَّةُ" خَمْسَ عَشْرَةَ طَاقَةً، "دُخُوْل الحَمَّامِ" خَمْسَ عَشْرَةَ طَاقَةً، "صَلاَة التّسبيح" عشر طَاقَاتٍ، "تُحْفَة العِيْد" ثَلاَثُوْنَ طَاقَةً "التّحَايَا" سِتُّ طَاقَاتٍ، "فَضلُ الدِّيكِ" خَمْسُ طَاقَاتٍ، "الرَّسَائِل وَالوَسَائِلُ" خَمْسَ عَشْرَةَ طَاقَةًُ، "صَوْمُ الأَيَّامِ البِيْضِ" خَمْسَ عَشْرَةَ طَاقَةً، "سُلوَة الأَحبَابِ" خَمْس طَاقَاتٍ، "فَرطُ الغرَام إِلَى سَاكنِي الشَّامِ" خَمْسَ عَشْرَةَ طَاقَةً، "مقَام العُلَمَاء بَيْنَ يَدِي الأُمَرَاءِ" إِحْدَى عَشْرَةَ طَاقَةً "المُسَاوَاة وَالمُصَافحَةُ" ثَلاَثَ عَشْرَةَ طَاقَةً، "ذِكرَى حَبِيْب رَحل وَبُشرَى مَشيبٍ نَزَل" عِشْرُوْنَ طَاقَةً، "التَّحْبِيْر فِي المُعْجَم الكبير" ثلاث مائة طاقة، "الأمالي" له مائةا طَاقَةٍ، خَمْس مائَة مَجْلِسٍ، "فَوَائِد الموَائِد" مائَةُ طَاقَةٍ، "فَضل الهِرِّ" ثَلاَث طَاقَاتٍ، "رُكُوْب البَحْر" سَبْع طَاقَاتٍ، "الهرِيسَة" ثَلاَث طَاقَاتٍ، "وَفِيَّاتُ المُتَأَخِّرِيْنَ" خَمْسَ عَشْرَةَ طَاقَةً، كِتَاب "الأَنسَاب" ثَلاَث مائَةٍ وخمسون طاقة، "الأمالي" ستون طاقة، "بخار بَخُورِ البُخَارِيّ" عِشْرُوْنَ طَاقَةً، "تَقَدِيْم الجِفَانِ إِلَى الضِّيفَانِ" سَبْعُوْنَ طَاقَةً، "صَلاَةُ الضُّحَى" عشرُ طَاقَاتٍ، "الصِّدْقُ فِي الصَّدَاقَةِ"، "الرِّبحُ فِي التِّجَارَةِ"، "رَفعُ الارتيَابِ عَنْ كِتَابَةِ الكِتَابِ" أَرْبَع طَاقَاتٍ،

(15/192)


"النُزوعُ إِلَى الأَوطَانِ" خَمْس وَثلاَثُوْنَ طَاقَةً، "تَخفِيف الصَّلاَةِ" فِي طَاقَتَيْنِ، "لَفتَةُ المُشتَاق إِلَى سَاكنِي العِرَاقِ" أَرْبَع طَاقَاتٍ، "مَنْ كُنيَتُهُ أَبُو سَعْدٍ" ثلاَثُوْنَ طَاقَةً، "فَضلُ الشَّامِ" فِي طَاقَتَيْنِ، "فَضل يس" فِي طَاقَتَيْنِ.
قُلْتُ: وَانتخبَ عَلَى غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ مَشَايِخِهِ، وَخَرَّجَ لِوَلَدِهِ أَبِي المُظَفَّرِ "مُعْجَماً" فِي مُجَلَّدٍ كَبِيْرٍ.
وَكَانَ ظَرِيفَ الشَّمَائِل، حُلوَ المذَاكرَةِ، سَرِيعَ الفَهْمِ، قَوِيَّ الكِتَابَة سَرِيعَهَا، درَّس وَأَفتَى وَوعظ، وَسَاد أَهْل بَيْتِهِ، وَكَانُوا يُلَقِّبُونه بِلَقَب وَالِده تَاجِ الإِسْلاَمِ، وَكَانَ أَبُوْهُ يُلَقَّبُ أَيْضاً مُعِيْنَ الدِّيْنِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: سَمِعْتُ مَنْ يذكر أَن عدد شُيُوْخ أَبِي سَعْدٍ سَبْعَةُ آلاَف شَيْخ. قَالَ: وَهَذَا شَيْء لَمْ يَبلُغْه أَحَد، وَكَانَ مَليحَ التَّصَانِيْف، كَثِيْرَ النشوَارِ وَالأَنَاشيدِ، لَطيفَ المِزَاجِ، ظَرِيفاً، حَافِظاً، وَاسِعَ الرِّحلَةِ، ثِقَةً صَدُوْقاً دَيِّناً، سَمِعَ مِنْهُ مَشَايِخُهُ وَأَقرَانُهُ.
قُلْتُ: حَكَى أَبُو سَعْدٍ فِي "الذَّيلِ" أن شيخه قاضي المرستان رأى مَعَهُ جُزْءاً قَدْ سَمِعَهُ مِنْ شَيْخِ الكُوْفَةِ عُمَر بن إِبْرَاهِيْمَ الزَّيْدِيّ. قَالَ: فَأَخَذَهُ، وَنَسخَهُ، وَسَمِعَهُ مِنِّي.
قُلْتُ: رَأَيْتُ ذَلِكَ الجُزْء بِخَطِّ القَاضِي أَبِي بَكْرٍ.
وَالطَّاقَةُ يُخَالُ إِلَيَّ أَنَّهَا الطَّلحيَّةُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هبَةِ اللهِ بنِ تَاجِ الأُمَنَاءِ قِرَاءةً عَلَيْهِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الغَفَّارِ بن مُحَمَّد حُضُوْراً، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الحِيْرِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ الأَصَمّ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، مَتَى السَّاعَةُ? قَالَ: "وَمَا أَعددتَ لَهَا"؟. فلم يذكر كبيرًا إلَّا أن يُحبّ الله وَرَسُوْله، قَالَ: "فَأَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الحَافِظ أَبَا القَاسِمِ وَابْنه المُحَدِّث بَهَاء الدِّيْنِ رويَاهُ عَنْ أَبِي سَعْدٍ، وَقَدْ سَمِعْنَاهُ مِنْ جَمَاعَة سَمِعُوْهُ مِنْ جَمَاعَة قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بنُ عَلاَّنَ. وَسَمِعنَاهُ مِنْ عَائِشَةَ بِنْت عِيْسَى، عَنْ جَدِّهَا الفَقِيْه أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الكَامخِي قَالاَ: أَخْبَرَنَا القَاضِي أَبُو بَكْرٍ الحِيْرِيُّ.. فَذَكَرَهُ.
مَاتَ الحَافِظُ أَبُو سَعْدٍ فِي مستهل ربيع الأول، سنة اثنتين وستين وَخَمْس مائَة بِمَرْوَ وَلَهُ سِتٌّ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً.

(15/193)


وَمَاتَ مَعَهُ فِي السَّنَةِ مُسْنِدُ وَقتِهِ عَبْد الجَلِيْل بن أَبِي سَعْدٍ المُعَدَّل بِهَرَاةَ، وَمُحَدِّثُ مَا ورَاء النَّهْر الإِمَامُ أَبُو شُجَاعٍ عُمَر بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ البِسْطَامِيُّ ثُمَّ البَلْخِيُّ، وَمُسْنِدُ بَغْدَادَ أَبُو المَعَالِي مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَيَّانِ اللَّحَّاسُ، وَمُسْنِدُ أَصْبَهَانَ بَلِ الدنيا الرئيس مسعود بن الحسن بن الرَّئِيْس أَبِي عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيّ عَنْ مائَة عَامٍ، وَمُسْنِدُ العِرَاق أَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ بنِ هِلاَلٍ الدَّقَّاقُ فِي عَشْرِ المائَةِ، وَعَالِمُ سِجِسْتَانَ أَبُو عَرُوْبَةَ عَبْدُ الهَادِي بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ مَأْمُوْنٍ، وَعَالِمُ دِمَشْقَ جَمَالُ الأَئِمَّة عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ ابْنُ المَاسِحِ، وَخَطِيبُ دِمَشْق أَبُو البركات الخضر ابن شِبْلِ بنِ عَبْدٍ الحَارِثِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كُنْت أَنسخُ بِجَامِع بُرُوْجِرْدَ، فَدَخَلَ شَيْخٌ رَثُّ الهَيْئَة، ثُمَّ قَالَ: أَيشٍ تَكتب? فَكَرِهت جَوَابه، وَقُلْتُ: الحَدِيْثَ. فَقَالَ: كَأَنَّك طَالب حَدِيْث? قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: مَنْ أَيْنَ أَنْتَ? قُلْتُ: مَنْ مَرْوَ. قَالَ: عَمَّنْ يَرْوِي البُخَارِيُّ مِنْ أَهْلِهَا? قُلْتُ: عَنْ عَبْدَانَ وَصَدَقَةَ بنِ الفَضْلِ وَعَلِيِّ ابن حُجْرٍ. فَقَالَ: مَا اسْمُ عَبْدَان? فَقُلْتُ: عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ. فَقَالَ: وَلِمَ قِيْلَ لَهُ: عَبْدَانُ? فَتوقفتُ، فَتبسَّمَ، وَنظرتُ إِلَيْهِ بعينٍ أُخْرَى، وقلت: يَذْكُرُ الشَّيْخ. فَقَالَ: كُنْيَتُه أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَاجْتَمَعَ فِي اسْمِهِ وَفِي كُنْيَتِهِ العَبْدَانِ، فَقِيْلَ: عَبْدَانُ. فَقُلْتُ عَمَّنْ? قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ طَاهِرٍ يَقولُه. وَإِذَا هُوَ الحَافِظُ أَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ العَلاَءِ البُرُوْجِرْدِيُّ، فَرَوَى لَنَا عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الدُّوْنِيّ وَطَائِفَة.

(15/194)


5094- ابن اللحاس 1:
الشَّيْخُ الثِّقَةُ المُسْنِدُ، أَبُو المَعَالِي، مُحَمَّدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ محمد الحَرِيْمِيُّ العَطَّارُ، عُرفَ بِابْنِ الجَبَّانِ اللَّحَّاسِ.
سَمِعَ مِنْ جدِّه مُحَمَّد فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ في أيام أبي نصر الزينبي، وَسَمِعَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَطَاءٍ الإِبْرَاهِيْمِيّ، وَالحُسَيْن بن مُحَمَّدٍ السَّرَّاجِ، وَطِرَاد بن مُحَمَّدٍ النَّقِيْب، وَرَوَى الكَثِيْر بِإِجَازَة أَبِي القَاسِمِ عَلِيّ بن أَحْمَدَ بنِ البُسْرِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ المُسْتعمل، وَمُحَمَّد بن أَبِي البَرَكَاتِ بنِ صَعْنِيْنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحسن بن البواب، وأنجب ابن أَبِي السَّعَادَاتِ الحَمَّامِيُّ، وَأَبُو المُنَجَّا عَبْدُ اللهِ بنُ اللَّتِّيِّ، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ السَّبَّاكِ، وَأَحْمَد بن يَعْقُوْبَ المَارستَانِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الدُّبَيْثِيُّ: ثقة، صحيح السماع.
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ شَيْخاً صَالِحاً عَفِيْفاً صَدُوْقاً، حسنَ الأَخلاَقِ، لَطِيفاً، رَوَى الكَثِيْرَ.
قُلْتُ: مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ. وَتُوُفِّيَ فِي تَاسِعَ عَشَرَ رَبِيْع الآخرِ سَنَة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ عَنْ أَرْبَع وَتِسْعِيْنَ سنة.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 206".

(15/194)


5095- الأشيري 1:
الإِمَامُ العَلاَّمَةُ، أَبُو مُحَمَّدٍ، عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ، الصِّنْهَاجِيُّ الأَشِيْرِيُّ.
وَأَشِيْرُ: بُليدَةٌ آخرَ إِقْلِيْم إِفْرِيْقِيَة مِمَّا يَلِي الْغرب، وَهِيَ قَلْعَةٌ لِبَنِي حَمَّادٍ مُلُوْك إِفْرِيْقِيَةَ.
سَمِعَ بِبَغْدَادَ مَعَ وَلده فِي أَيَّامِ ابْن هُبَيْرَةَ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ المَالِكِيَّة، فَحَدَّثَ عَنْ: أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ غَزْلُوْنَ، وَعَلِيّ بن عَبْدِ اللهِ بنِ مَوْهَبٍ الجُذَامِيِّ، وَالقَاضِي عِيَاضٍ، وَجَمَاعَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الفُتُوْحِ بنُ الحُصْرِيِّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ عَلُّوْنَ الأَسَدِيُّ.
قَالَ ابْنُ الحُصْرِيِّ: كَانَ إِمَاماً فِي الحَدِيْثِ، ذَا معرفة بفقهه ورجاله، وَلَهُ يَد بَاسِطَة فِي النَّحْوِ وَاللُّغَة، وَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الوَزِيْر ابْن هُبَيْرَةَ كَلاَم فِي دعائه -عليه السلام- يَوْم بَدْرٍ: "إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ العِصَابَةُ"2 وَكَانَ الصَّوَابُ مَعَهُ.
قُلْتُ: نَازع الوَزِيْر بِعُنف، فَأَحرجَهُ حَتَّى قَالَ لَهُ الوَزِيْر: تَهذِي! لَيْسَ كَلاَمُك بصَحِيْح. وَانفض النَّاس، ثُمَّ اعْتذر إِلَيْهِ الوَزِيْر بِكُلِّ طَرِيْقٍ، وَوَصَلَهُ بِمَال، وَمَا وَدَعَهُ حَتَّى قَالَ لَهُ مِثْلَ قَوْلِهِ لَهُ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: كَانَ يَكتُبُ لِصَاحِبِ المَغْرِبِ، فَلَمَّا مَاتَ، خَافَ وَنَزَحَ، وَقَرَّرَ لَهُ الملكُ نُوْرُ الدِّيْنِ بِحَلَبَ كِفَايَتَهُ، ثُمَّ حَجَّ. اتَّفَقَ مَوْتُهُ بِاللَّبوَة فِي شَوَّالٍ سَنَة إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
__________
1 ترجمته في اللباب لابن الأثير "1/ 68- 69"، وتبصير المنتبه "1/ 46"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 372"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 198".
2 صحيح: أخرجه مسلم "1763"، وأبو داود "2690"، والترمذي "3081"، وهو جزء من حديث طويل عن عبد الله بن عباس قال: حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر، نَظَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى المشركن وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا فاستقبل نبي الله -صلى الله عليه وسلم- القبلة، ثم مد يديه فجعل يهتف بربه: "اللهم أنجز لي ما وعدتني. اللهم آت ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض ... ".

(15/195)


ابن الماسح، البارزي:
5096- ابن الماسح 1:
العلامة، جمال الأئمة، أبو القاسم، علي بن أبي الفضائل الحسن ابن الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ، الكِلاَبِيُّ الدِّمَشْقِيُّ الشَّافِعِيُّ الفَرَضِيُّ النَّحْوِيُّ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ المَاسِحِ، أَحَدُ أَئِمَّة المَذْهَبِ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَتَلاَ لابْنِ عَامِرٍ عَلَى أَبِي الْوَحْش سُبَيْعٍ، وَسَمِعَ مِنْهُ، وَمِنْ أَبِي تُرَابٍ حَيْدَرَةَ، وَعَبْدِ المُنْعِمِ بن الْغمر.
وَتَفَقَّهَ بِجَمَال الإِسْلاَمِ، وَنَصْر اللهِ المَصِّيْصِيّ.
وَكَانَتْ لَهُ حَلْقَة كَبِيْرَة بِالجَامِع لِلإِقْرَاءِ وَالفِقْه وَالنَّحْو، وَأَعَاد بِالأَمِينِيَّة، وَدرَّس بِالمُجَاهِديَّة، وَعَلَيْهِ العُمدَة فِي الفَتْوَى وَفِي القسمَة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو المَوَاهِبِ بنُ صَصْرَى، وَأَخُوْهُ أبو القاسم، وَجَمَاعَة.
مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وستين وخمس مائة.
5097- البارزي:
الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ البَارِزِيِّ البَغْدَادِيُّ، البَزَّازُ بخان الصفة.
سَمِعَ: ابْنَ طَلْحَةَ، وَابْنَ البَطِرِ، وَثَابِتَ بنَ بُنْدَارَ، وَجَمَاعَةً.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ الأَخْضَرِ، وَالحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ، وَالشَّيْخُ المُوفَّقُ، وَعَلِيُّ بنُ رَشِيدٍ، وَجَمَاعَةٌ، وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ الرَّشِيْد بن مَسْلَمَةَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ صَالِحاً مُتَدَيِّناً، عَلَى طرِيقَة السَّلَف.
تُوُفِّيَ فِي شَوَّالٍ سَنَة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ وَلَهُ اثْنَتَانِ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: يَقع لِي مِنْ عَوَالِيْهِ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 375"، وبغية الوعاة للسيوطي "2/ 155".

(15/196)


5098- مَسْعُوْد بن الحَسَنِ 1:
ابنِ الرَّئِيْس أَبِي عَبْد اللهِ القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَحْمَدَ بنِ مَحْمُوْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، الشَّيْخُ المُعَمَّرُ الفَاضِلُ، مُسْنِدُ العصرِ، أَبُو الفَرَجِ الثَّقَفِيُّ الأَصْبَهَانِيُّ.
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
سَمِعَ مِنْ: جَدِّهِ، وَمِنْ أَبِي عَمْرٍو عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ مَنْدَةَ، وَأَبِي عِيْسَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زِيَادٍ، وَالمُطَهِّرِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ البُزَانِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ السِّمْسَارِ، وَإِبْرَاهِيْم بن مُحَمَّدٍ الطَّيَّانِ، وَسَهْل بن عَبْدِ اللهِ الغَازِي، وَأَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ تَانَة، وَأَبِي الخَيْرِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ رَرَا، وَسُلَيْمَانَ ابن إِبْرَاهِيْمَ، وَغَانِمِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ، وَعِدَّةٍ.
وَخَرَجت لَهُ فَوَائِد فِي تِسْعَة أَجزَاء وَعَوَالِي. وَعُمِّر وَتَفَرَّد، وَأَلحق الأَبْنَاء بِالآبَاء.
وَقَدْ كَانَ رَوَى الكَثِيْر بِإِجَازَة أَبِي الغَنَائِمِ بن المَأْمُوْنِ، وَأَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ المُهْتَدِي بِاللهِ، وَجَمَاعَة مِنَ البغَاددَة اعتمَاداً مِنْهُ عَلَى مَا نَقل المُحَدِّثُ أَبُو الخَيْرِ عَبْد الرَّحِيْمِ بن مُوْسَى، فَقَامُوا عَلَى أَبِي الخَيْرِ، وَكَذَّبه الحَافِظُ أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ، فَطَالبوهُ بِالأَصْل، فَغَالطهُم.
وَلَهُ إِجَازَة مِنْ أَبِي القَاسِمِ بنِ مَنْدَةَ، وَغَيْرِهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الآمُلِيّ، وَعَبْد اللهِ بن أَبِي الفَرَجِ الجُبَّائِيّ، وَالحُسَيْن بن مُحَمَّدٍ الجَرْبَاذْقَانِيّ، وَعَبْد الأَوّل بن ثَابِتٍ المَدِيْنِيّ، وَالحَافِظ عَبْد القَادِر الرُّهَاوِيّ، وَمُحَمَّد بن مَكِّيّ الحَنْبَلِيّ، وَمَحْمُوْد بن مُحَمَّدٍ الحَدَّاد، وَأَبُو الوَفَاء مَحْمُوْد بن مَنْدَةَ، وَآخَرُوْنَ، وَبِالإِجَازَة: أَبُو المُنَجَّا عَبْدُ اللهِ بنُ اللَّتِّيِّ، وَكَرِيْمَة القُرَشِيَّة، وَأُخْتهَا صَفِيَّة، وَعَجِيْبَة البَاقدَارِيَة.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: لَمْ يَتفق أَنْ أَسْمَع مِنْهُ لاشتغَالِي بِغَيْره، وَمَا كَانُوا يُحسِنُوْنَ الثَّنَاء عَلَيْهِ -وَاللهِ يَرحمه- وَكَتَبَ إلي بالإجازة، وقد حدثني محمد ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفَيْجُ أَنَّهُ قرَأَ عَلَى الرَّئِيْس أَبِي الفَرَجِ جميعَ تَارِيْخِ الخَطِيْبِ فِي سَنَةِ سِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: ثُمَّ تَبيَّنَ وَهنُ إِجَازَة الخَطِيْب لَهُ، وَامْتَنَعَ الرَّجُل مِنَ الرِّوَايَة بِالإِجَازَةِ عَنِ البَغْدَادِيِّيْنَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ فِي كثرة سماعاته العالية شغل شَاغل، وَكَانَ ذَا حِشْمَة وَأَمْوَال، عَاشَ مائَةَ عَامٍ.
تُوُفِّيَ يَوْم الاثْنَيْن غُرَّةَ رَجَبٍ سَنَةَ اثنتين وستين وخمس مائة.
__________
1 ترجمته في لسان الميزان "6/ 24- 25"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 206-207".

(15/197)


5099- الدقاق 1:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ، مُسْنِدُ بَغْدَادَ، أَبُو القَاسِمِ، هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ بنِ هِلاَلِ بنِ عَلِيِّ بنِ حِمْصَاءَ العِجْلِيُّ السَّامَرِّيُّ الكَاتِبُ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ ابْنُ الدَّقَّاقِ، شَيْخٌ مُعَمَّرٌ، صَحِيْحُ الرِّوَايَةِ، مِنْ أَهْلِ الظَّفرِيَّةِ.
وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ أَبَا الحَسَنِ عَلِيّ بن مُحَمَّدٍ الأَنْبَارِيّ، وَعَاصِمَ بنَ الحَسَنِ، وَعَبْدَ اللهِ بن عَلِيِّ بنِ زِكْرِيّ، وَأَبَا الغَنَائِم مُحَمَّد بن أَبِي عُثْمَانَ، وَعَبْد الوَاحِدِ بن فَهْد العَلاَّف، وَعَبْد المَلِكِ بن أَحْمَدَ السُّيُوْرِيّ، وَتَفَرَّد بِأَجزَاء.
حَدَّثَ عَنْهُ: السَّمْعَانِيّ، وَعَبْد الغَنِيِّ بن عَبْدِ الوَاحِدِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ قُدَامَة، وَمُحَمَّد بن عُمَرَ بنِ الذَّهَبِيّ، وَإِسْمَاعِيْل بن باتكين الجَوْهَرِيّ، وَعَبْد اللَّطِيْفِ بن مُحَمَّدٍ القُبَّيْطِيّ، وَعِدَّة، وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ إِجَازَة الرَّشِيْد أَحْمَد بن مَسْلَمَةَ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ شَيْخاً لاَ بَأْسَ بِهِ، ظَاهِره الخَيْر وَالصَّلاَح.
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: هُوَ فِيمَا أَظُنُّ أَقدمُ مَشَايِخِنَا سَمَاعاً.
وَقَالَ ابْنُ مَشِّق: تُوُفِّيَ فِي تَاسِعَ عَشَرَ المُحَرَّم سَنَة اثنتين وستين وَخَمْس مائَة.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ الدّقَاقُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الفَرَجِ الجُشَمِيّ، حَدَّثَنَا عَوْنُ بنُ عُمَارَةَ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ" 2.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيْثِ حُمَيْد الطَّوِيْل وَغَيْرِهِ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ صَدُوْقاً صَحِيْحَ السَّمَاع، هُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عن عاصم وابن أبي عثمان.
__________
1 ترجمته في شذرات الذهب لابن العماد "4/ 207".
2 صحيح: أخرجه أحمد "3/ 282"، والبخاري "1548"، ومسلم "1251"، وأبو داود "1795"، والترمذي "821"، والنسائي "5/ 150"، وابن ماجه "2968" و"2969"، والحاكم "1/ 472"، والبيهقي "5/ 9 و40"، وابن الجارود "430"، والبغوي "1881" و"1882" من طرق عن حمد، عن أنس، به.

(15/198)


الباجسرائي، ابن المقرب:
5100- الباجسرائي 1:
الشَّيْخُ المُسْنِدُ، أَبُو المَعَالِي، أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الغني بن محمد بن حنيفة الباجسرائي التانىء، نَزِيْلُ بَغْدَادَ.
سَمِعَ مِنْ: نَصْر بن البَطِرِ، وَالنِّعَالِيّ، وَثَابِت بن بُنْدَار، وَالحُسَيْن بن عَلِيِّ بنِ البُسْرِيِّ، وَعِدَّةٍ. وَرَوَى الكَثِيْر.
وَقَدْ رَكبه دين، وَنزح إِلَى هَمَذَان، فَمَاتَ هُنَاكَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ، وَالشَّيْخ المُوَفَّق، وَمُحَمَّد بن عماد، وَعَبْد اللَّطِيْفِ بن القُبَّيْطِيّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الكَاشغرِيُّ، وَآخَرُوْنَ. وَبِالإِجَازَة: الرَّشِيْد بن مَسْلَمَةَ.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ ثِقَةً.
وَقَالَ الدُّبَيْثِيّ: مَاتَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ بِهَمَذَان، وَلَمْ يُحَدِّث بِهَا، وَعَاشَ أَرْبَعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً وشهرًا.
5010- ابن المقرب 2:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ الثِّقَةُ المُسْنِدُ، أَبُو بَكْرٍ، أَحْمَدُ بن المقرب بن الحسين ابن الحَسَنِ البَغْدَادِيُّ الكَرْخِيُّ.
شيخ دَيِّن كَيِّسٌ مُتودِّد، صَحِيْح السَّمَاع.
سَمِعَ طِرَاداً الزَّيْنَبِيَّ، وَابْنَ طَلْحَةَ النِّعَالِيَّ، وَابْنَ سَوَّارٍ.
وَعَنْهُ: السَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَعَبْدُ الغَنِيِّ، وَالمُوفَّقُ، وَعَبْدُ اللَّطِيْفِ القُبَّيْطِيُّ، وَابْنُ الخَازِنِ، وَالحُسَيْن بن رَئِيْس الرُّؤسَاء، وَخَلْق.
وَتَلاَ بِالسَّبْع، وَتَفَقَّهَ، وَنسخ الأَجزَاء، وَلَهُ أُصُوْل حَسَنَة.
مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وخمس مائة.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 312"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 379"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 207".
2 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 314"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 379"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 208".

(15/199)


الطامذي، أبو النجيب:
5102- الطامذي 1:
الشيخ الإمام المقرىء الزَّاهِد المُعَمَّر، بَقِيَّة السَّلَف، أَبُو مُحَمَّدٍ، عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَصْبَهَانِيُّ الطَّامِذِيُّ. وَطَامِذُ: مَكَانٌ بِأَصْبَهَانَ.
سَمِعَ أَبَا نَصْرٍ عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدٍ السِّمْسَار، وَعِدَّة.
وَارْتَحَلَ فَسَمِعَ بِالبَصْرَةِ مِنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْل العَبَّادَانِيّ، وَبِبَغْدَادَ مِنْ طِرَادِ بنِ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَابْنِ طَلْحَةَ النِّعَالِيِّ، وَجَمَاعَةٍ.
وَقرَأَ الحَدِيْث عَلَى المَشَايِخ، وَعُمِّرَ دَهْراً، خَرَّجُوا لَهُ ثَلاَثَة أَجزَاء.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ مَكِّيٍّ الحَنْبَلِيّ، وَعَبْد القَادِر بنُ عَبْدِ اللهِ الرُّهَاوِيّ، وَمُحَمَّد بن أَبِي غَالِبٍ شعرَانَة، وَمُحَمَّد بن مَحْمُوْدٍ الرُّوَيْدَشْتِيّ، وَجَمَاعَة، وَبِالإِجَازَة: كَرِيْمَة الزُّبَيْرِيَّة.
وَقَدْ غلط أَبُو الفَتْحِ الأَبِيْوَرْدِي، فَقَرَأَ عَلَى الرَّشِيْد إِسْمَاعِيْل العِرَاقِي بِإِجَازته مِنَ الطَّامِذِيّ، وَلاَ يُمْكِن ذَلِكَ، فَإِنَّ الطَّامِذِيّ مَاتَ فِي العِشْرِيْنَ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ عَنْ سنّ عَالِيَة وَلَمْ يَكُنِ الرَّشِيْدُ وُلِدَ بَعْدُ.
وَفِيْهَا مَاتَ أَبُو المَعَالِي البَاجِسْرَائِيّ، وأبو المظفر أحمد بن محمد ابن عَلِيٍّ الكَاغَدِي، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ المُقَرِّبِ، وقاضي القضاة جعفر ابن عَبْدِ الوَاحِدِ الثَّقَفِيُّ، وَأَبُو المَنَاقِب حَيْدَرَة بن عمر الزيدي، والخضر ابن الفَضْلِ الصَّفَّارُ الأَصْبَهَانِيُّ رَجُلٌ، وَشَاكِرُ بنُ عَلِيٍّ الأَسْوَارِيُّ، وَالشَّيْخ أَبُو النَّجِيْبِ السُّهْرَوَرْدِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْن تَاج القُرَّاء، وَأَبُو المَعَالِي عُمَر بن بُنَيْمَانَ البَغْدَادِيّ، وَأَبُو بكر محمد ابن أَحْمَدَ بنِ نُمَارَةَ البَلَنْسِيّ، وَالشَّرِيْف نَاصر بن الحَسَنِ الزَّيْدِيّ الخَطِيْب، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ علي بن ياسر الجياني، ونفيسة بنت محمد البَزَّازُ، وَالصَّائِنُ هِبَةُ اللهِ بنُ عَسَاكِرَ.
5103- أَبُو النجيب 2:
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَالِم المُفْتِي المُتَفَنِّنُ الزَّاهِدُ العَابِدُ القُدْوَةُ شَيْخ المَشَايِخ، أَبُو النَّجِيْب، عَبْدُ القَاهِرِ بن عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمُّوْيَه بن سَعْد بن الحَسَنِ بنِ القَاسِمِ بِنِ عَلْقَمَةَ بنِ النَّضْرِ بنِ
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة "5/ 380"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 208".
2 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 318"، واللباب "2/ 157"، ووفيات الأعيان "3/ ترجمة 393"، والنجوم الزاهرة "5/ 380"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 208-209".

(15/200)


معاذ بن الفَقِيْهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، القُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ البَكْرِيُّ السُّهْرَوَرْدِيّ الشَّافِعِيّ الصُّوْفِيّ الوَاعِظ، شَيْخ بَغْدَاد.
وُلد تقريبًا بسهرورد فِي سَنَةِ تِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَقَدِمَ بَغْدَادَ نَحْو سَنَة عَشرٍ، فَسَمِعَ مِنْ أَبِي عَلِيٍّ بنِ نَبْهَانَ كِتَاب غَرِيْب الحَدِيْث، وَسَمِعَ مِنْ زَاهِر الشَّحَّامِيّ، وَأَبِي بَكْرٍ الأَنْصَارِيّ وَجَمَاعَةٍ، فَأَكْثَر، وَحصَّل الأُصُوْل، وَكَانَ يَعظ النَّاس فِي مدرسَتِه.
أَثْنَى عَلَيْهِ السَّمْعَانِيّ كَثِيْراً، وَقَالَ: تَفَقَّهَ فِي النِّظَامِيَّة، ثُمَّ هبَّ لَهُ نَسِيمُ الإِقبال وَالتَّوفِيقِ، فَدلَّهُ عَلَى الطَّرِيْقِ، وَانقطعَ مُدَّةً، ثُمَّ رَجَعَ، وَدَعَا إِلَى اللهِ، وَتَزَهَّدَ بِهِ خلقٌ، وَبَنَى لَهُ رِباطاً عَلَى الشَّطِّ، حضَرتُ عِنْدَهُ مَرَّاتٍ، وَانتفعتُ بِكَلاَمِهِ، وَكَتَبتُ عَنْهُ.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ عَلِيٍّ القُرَشِيُّ: هُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ، وَعلمٌ مِنْ أَعْلاَم الصُّوْفِيَّةِ، ذكر لِي أَنَّهُ دَخَلَ بَغْدَاد سَنَة سَبْعٍ، وَسَمِعَ "غَرِيْبَ الحَدِيْث"، وَتَفَقَّهَ عَلَى أَسْعَدَ المِيْهَنِيّ، وَتَأَدَّبَ عَلَى الفَصِيْحِيّ، ثُمَّ آثر الانقطَاعَ، فَتَجرَّد، وَدَخَلَ البَرِيَّة حَافِياً، وَحَجّ، وَجَرَتْ لَهُ قصَص، وَسلك طرِيقاً وَعراً فِي المُجَاهِدَةِ، وَدَخَلَ أَصْبَهَان، وَجَالَ فِي الجِبَالِ، ثُمَّ صحب الشيخ حَمَّاداً الدَّبَّاس، ثُمَّ شَرعَ فِي دُعَاءِ الخَلقِ إِلَى اللهِ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَصَارَ لَهُ قَبُولٌ عَظِيْمٌ، وَأَفلح بِسَبِبِهِ أُمَّةٌ صَارُوا سُرُجاً، وَبَنَى مَدْرَسَةً وَرِبَاطَيْنِ، وَدرَّس وَأَفتَى، وَوَلِيَ تَدرِيس النِّظَامِيَّةِ، وَلَمْ أَرَ لَهُ أَصلاً يُعتمدُ عَلَيْهِ بِـ"الغَرِيْبِ".
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ مُطَّرحاً لِلتَّكَلُّفِ فِي وَعظِهِ بِلاَ سَجع، وَبَقِيَ سِنِيْنَ يَسْتَقِي بِالقِرْبَةِ بِالأُجْرَةِ، وَيَتَقَوَّتُ، وَيُؤثِرُ مَنْ عِنْدِهِ، وَكَانَتْ لَهُ خَرِبَةٌ يَأْوِي إِلَيْهَا هُوَ وَأَصْحَابُه، ثُمَّ اشْتَهَرَ، وَصَارَ لَهُ الْقبُول عِنْد المُلُوْك، وَزَاره السُّلْطَان، فَبنَى الخَرِبَةَ رِباطاً، وَبَنَى إِلَى جَانبه مَدْرَسَةً، فَصَارَ حِمَىً لِمَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ مِنَ الخَائِفِيْن يُجير مِنَ الخَلِيْفَة وَالسُّلْطَان، وَدرَّس بِالنِّظَامِيَّةِ سَنَة45، ثُمَّ عُزل بَعْد سنتَيْن، أَملَى مَجَالِس، وَصَنَّفَ مُصَنَّفَات ... إِلَى أَنْ قَالَ: وَصَحِبَ الشَّيْخ أَحْمَدَ الغَزَّالِيّ الوَاعِظَ، وَسلَّكه.
قُلْتُ: قَدْ أُوذِي عِنْدَ مَوْتِ السُّلْطَان مَسْعُوْد، وَأُحضر إِلَى بَابِ النُّوْبِي، فَأُهينَ، وَكُشِف رَأْسُه، وَضُرب خَمْسَ دُرَر، وَحُبس مُدَّةً لأَنَّه درَّس بِجَاه مَسْعُوْد.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: وَأَنْبَأَنَا يَحْيَى بنُ القَاسِمِ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّجِيْبِ قَالَ: كُنْتُ أَدخلُ عَلَى الشَّيْخِ حَمَّادٍ وَفِيَّ فُتورٌ، فَيَقُوْلُ: دَخَلتَ عَلَيَّ وَعَلَيْكَ ظُلْمَةٌ، وَكُنْتُ أَبقَى اليَوْمَيْنِ وَالثَّلاَثَةَ لاَ أَسْتطعِمُ بزَادٍ، فَأَنْزِلُ فِي دِجْلَةَ أَتقَلَّبُ لِيسكُنَ جُوعِي، ثُمَّ اتَّخَذتُ قُربَةً أَسْتقِي بِهَا، فَمَنْ

(15/201)


أَعْطَانِي شَيْئاً أَخذتُهُ، وَمَنْ لَمْ يُعْطنِي لَمْ أُطَالِبْهُ، وَلَمَّا تَعَذَّرَ ذَلِكَ فِي الشِّتَاءِ عَلَيَّ، خَرَجتُ إِلَى سُوقِ، فَوَجَدْتُ رَجُلاً بَيْنَ يَدَيْهِ طبرزد، وعنده جماعة يدقون الأرز، فقلت: اسْتَعْمِلْنِي. قَالَ: أَرِنِي يَدَكَ. فَأَرَيتُه، قَالَ: هَذِهِ يَدٌ لاَ تَصلُحُ إلَّا لِلْقلمِ، وَأَعْطَانِي وَرقَةً فِيْهَا ذَهبٌ، فَقُلْتُ: لاَ آخذُ إلَّا أُجرَةَ عَمَلِي، فَإِنْ شِئْتَ نَسختُ لَكَ بِالأُجرَةِ. قَالَ: اصعدْ، وَقَالَ لِغُلاَمِه: نَاوِلْهُ المِدَقَّةَ، فَدَقَقتُ مَعَهُم وَهُوَ يَلحَظُنِي، فَلَمَّا عَمِلتُ سَاعَةً، قَالَ: تَعَالَ، فَنَاوَلَنِي الذّهبَ، وَقَالَ: هَذِهِ أُجرتُكَ، فَأَخَذتُهُ، ثُمَّ أَوقعَ اللهُ فِي قَلْبِي الاشتغَالَ بِالعِلْمِ، فَاشْتَغَلتُ حَتَّى أَتقنتُ المَذْهَبَ، وَقَرَأْتُ الأَصْلَينِ، وَحَفِظتُ الوسيطَ لِلوَاحِدِيِّ فِي التَّفْسِيْرِ، وَسَمِعْتُ كُتُبَ الحَدِيْثِ المَشْهُوْرَةَ.
قال أبو القاسم بن عَسَاكِرَ: ذَكَرَ لِي أَبُو النَّجِيْبِ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ أَبِي عَلِيٍّ الحَدَّادِ، وَاشْتَغَل بِالمُجَاهِدَةِ، ثُمَّ اسْتَقَى بِالأُجرَةِ، ثُمَّ وَعظَ وَدرَّسَ بِالنِّظَامِيَّةِ، قَدِمَ دِمَشْقَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ لِزِيَارَةِ بَيْتِ المَقْدِسِ، فَلَمْ يَتفقْ لَهُ لانْفِسَاخِ الهُدنَةِ.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ هُوَ وَالقَاسِمُ ابْنُه، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ سُكَيْنَةَ، وزين الأمناء، وأبو نصر بن الشِّيْرَازِيِّ، وَابْنُ أَخِيْهِ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّيْنِ عُمَرُ، وَخَلْقٌ.
مَاتَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَدُفِنَ بِمَدرَسَتِهِ.

(15/202)


5104- ابن تاج القراء 1:
الشَّيْخُ الزَّاهِدُ المُعَمَّرُ، أَبُو الحَسَنِ، عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ محمد ابن رَافِعٍ الطُّوْسِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ تَاجِ القُرَّاءِ.
بَكَّرَ بِهِ وَالِدُهُ، فَسَمِعَ مِنْ: مَالِكِ بنِ أَحْمَدَ البَانِيَاسِيِّ، وَيَحْيَى بنِ أَحْمَدَ السِّيْبِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ الطُّرَيْثِيْثِيِّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عَبْدُ الغَنِيِّ الحَافِظُ، وَالشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عُثْمَانَ الكاشغري، وآخرون، وبالإجازة: الرشيد بن مسلمة.
قال الشَّيْخُ المُوَفَّقُ: سَمِعْنَا مِنْهُ جُزْأَيْنِ يَرْويهِمَا عَنِ البَانِيَاسِيِّ.
وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ صُوْفِياً خَدَمَ المَشَايِخَ، وَتَخَلَّقَ بِأَخلاَقِهِم، طَلَبْتُهُ عِدَّةَ نُوَبٍ، فَمَا صَدَفْتُهُ.
__________
1 ترجمته في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "5/ 380"، وشذرات الذهب "4/ 209".

(15/202)


قَالَ: وَهُوَ أَخُو شَيْخِنَا يَحْيَى.
وَقَالَ ابْنُ مَشِّقْ: تُوُفِّيَ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي صَفَرٍ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قُلْتُ: هُوَ رَاوِي "جُزْءِ البَانِيَاسِيِّ".
وَمَاتَ مَعَهُ فِي العَامِ خَلْقٌ، مِنْهُم أَبُو المَعَالِي عُمَرُ بنُ بُنَيْمَانَ، بَغْدَادِيٌّ ثِقَةٌ سَمِعَ ثَابِتَ بنَ بُنْدَارَ وَطَبَقَتَهُ، وَأَبُو المظفر أحمد بن محمد بن علي الكاغدي البَغْدَادِيُّ رَاوِي "مَشْيَخَةِ الفَسَوِيِّ"، وَأَبُو المَنَاقِبِ حَيْدَرَةُ بن أَبِي البَرَكَاتِ عُمَرَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الحُسَيْنِيُّ الزَّيْدِيُّ عِنْدَهُ مَجْلِسَانِ لِطِرَادٍ، وَأَبُو طَاهِرٍ الخَضِرُ بنُ الفَضْلِ الصَّفَّارُ الأَصْبَهَانِيُّ، عُرِفَ بِرَجُلٍ، تَفَرَّدَ بِإِجَازَةِ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ مَنْدَةَ، وَأَبُو الفَضْلِ شَاكِرُ بن علي الأسواري، وأبو الحسن مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ هِلاَلِ بن المحسن بن الصابىء الكاتب، سمع النعالي، ومقرىء مِصْرَ الشَّرِيْفُ نَاصرُ بنُ الحَسَنِ الحُسَيْنِيُّ الخَطِيْبُ، وَالإِمَامُ المُحَدِّثُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ يَاسِرٍ الجَيَّانِيُّ، وَنَفِيْسَةُ بِنْتُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ البَزَّازَةُ، سَمِعَتْ مِنْ طِرَادٍ، فَأَكْثَرَتْ، وَهِبَةُ الله بن الحَافِظِ عَبْدِ اللهِ بنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ البَغْدَادِيُّ، سَمِعَ مِنَ النِّعَالِيِّ، وَالعَلاَّمَةُ مُدَرِّسُ النِّظَامِيَّةِ يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ بُنْدَارَ الدِّمَشْقِيُّ الشَّافِعِيُّ صَاحِب أَسْعَدَ المِيْهَنِيِّ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُعَدَّلُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ رَافِعٍ الطُّوْسِيُّ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بنُ أَحْمَدَ الفَرَّاءُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن محمد ابن مُوْسَى بنِ القَاسِمِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الهَاشِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا إِذَا بَايَعنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَايَعْنَاهُ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، يَقُوْلُ لَنَا: "فِيْمَا اسْتَطَعْتَ" 1.
أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ عن ابن يوسف التنيسي، عن مالك.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "7202".

(15/203)


5105- ابن البطي 1:
الشَّيْخُ الجَلِيْلُ العَالِمُ الصَّدُوْقُ، مُسْنِدُ العِرَاقِ، أَبُو الفَتْحِ، مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي بنِ أَحْمَدَ بنِ سَلْمَانَ، البَغْدَادِيُّ الحَاجِبُ ابْنُ البَطِّيِّ.
وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
اعْتَنَى بِهِ والده من الصغر، أجاز له أبو نصر مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ.
وَسَمِعَ مِنْ: عَاصِمِ بنِ الحَسَنِ العَاصِمِيِّ، وَمَالِكِ بنِ أَحْمَدَ البَانِيَاسِيِّ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الأَنْبَارِيّ الخَطِيْب، وَرِزْقِ اللهِ التَّمِيْمِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيِّ بنِ زِكْرِيٍّ الدَّقَّاقِ، وَطِرَادٍ الزَّيْنَبِيِّ، وَالحُسَيْنِ بنِ طَلْحَةَ النِّعَالِيِّ، وَأَبِي الفَضْلِ بنِ خَيْرُوْنَ، وَعَبْدِ الواحد بن علي ابن فهد، وثابت بن بدار، وَنَصْرِ بنِ البَطِرِ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيِّ، وَحَمْدِ بنِ أَحْمَدَ الحَدَّادِ سَمِعَ مِنْهُ كِتَابَ الحلية كله، وأحمد بن عمر السمرقندي المقرىء، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ الخَاضِبَةِ، وَهُوَ الَّذِي حَرصَ عليه وأسمه، وَحَمْزَةَ بنِ مُحَمَّدٍ الزُّبَيْرِيِّ صَاحِبِ الحُرْفِيِّ، وَأَحْمَدَ بن عبد القادر ابن يُوْسُفَ، وَأَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ أَيُّوْبَ، وَأَبِي بَكْرٍ الطُّرَيْثِيْثِيِّ، وَالحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ البُسْرِيّ، وَعَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ الرَّبَعِيِّ، وَأَبِي طاهر أحمد ابن الحَسَنِ الكَرْخِيِّ، وَعَبْدِ الجَلِيْلِ بنِ مُحَمَّدٍ السَّاوِيِّ، وأبي سعد محمد بن عَلِيِّ بنِ السّرْفَرْتَجِ الأَصْبَهَانِيِّ، وَجَعْفَرٍ السَّرَّاجِ، وَالحَسَنِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ اليُوْسُفِيِّ، وَجَمَاعَةٍ سِوَاهُم.
وَعُمِّرَ، وَتَفَرَّدَ، وَرُحِلَ إِلَيْهِ، وَرَوَى شَيْئاً كَثِيْراً.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَابْنُ الأَخْضَرِ، وَالحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ، وَأَبُو الفُتُوْحِ بنُ الحُصْرِيِّ، وَالشَّيْخُ المُوَفَّقُ، وَإِبْرَاهِيْمُ ابْنُ البَرْنِيِّ، وَالشَّيْخُ الفَخْرُ ابْنُ تَيْمِيَةَ، وَالشِّهَابُ أَبُو حَفْصٍ السُّهْرَوَرْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المَغَازِلِيُّ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الرَّيَّانِ، وَعَلِيُّ بنُ كُبَّةَ، وَتَامِرُ بنُ مُطْلِقٍ، وَزُهْرَةُ بِنْتُ حَاضِرٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ بَاتكِيْنَ، وَعَلِيُّ بنُ الجَوْزِيّ، وَسَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَاسِيْنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ السَّبَّاكِ، وَالأَنْجَبُ بن أبي السعدات، ومحمد بن عماد، والحسين بن علي بن رَئِيْسِ الرُّؤَسَاءِ، وَخَلِيْلٌ الجَوْسَقِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يَحْيَى بنِ البَرَّاجِ، وَالمُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ يُوْسُفَ، وَدَاوُدُ بنُ الفَاخِرِ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ الجَوَالِيْقِيِّ، وَعَلِيُّ بنُ أَبِي الفَخَّارِ الهَاشِمِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ اللَّتِّيِّ، وَعَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ مُحَمَّدٍ القُبَّيْطِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ بَهْرُوْزَ الطَّبِيْبُ، وَأَحْمَدُ بنُ المُعِزِّ الحَرَّانِيُّ، وَجَمَالُ النِّسَاءِ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الغَرَّافِ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عُثْمَانَ الكَاشْغَرِيُّ، وَآخِرُ من روى عنه بالإجازة الرشيد بن مسلمة، وعيسى بن سلامة الحراني.
قَالَ ابْنُ نُقْطَةَ: حَدَّثَ ابْنُ البَطِّيِّ بِـ"حِلْيَةِ الأَوْلِيَاءِ" عَنْ حَمْدٍ الحَدَّادِ، وَهُوَ ثِقَةٌ، صَحِيْحُ السَّمَاعِ، سَمِعَ مِنْهُ الأَئِمَّةُ وَالحُفَّاظُ.
وَقَالَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ: هُوَ شَيْخُنَا وَشَيخُ أَهْلِ بَغْدَادَ فِي وَقْتِهِ، وَأَكْثَرُ سَمَاعَاتِهِ عَلَى أَبِي الفَضْلِ بنِ خَيْرُوْنَ، وَمَا رَوَى لَنَا عَنْ رِزْقِ اللهِ وَالحُمَيْدِيِّ وَحَمْدٍ غَيْرُهُ، وَكَانَ ثِقَةً سهلًا في السماع.
__________
1 ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "10/ ترجمة 325"، والنجوم الزاهرة "5/ 382"، وشذرات الذهب لابن العماد "4/ 213-214".

(15/204)


وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ حَرِيصاً عَلَى نَشْرِ العِلْمِ، صَدُوْقاً، حصَّلَ أَكْثَرَ مَسْمُوْعَاتِه شِرَاءً وَنَسخاً، وَوَقَفَهَا، سَمِعَ مِنْهُ الحَافِظُ ابْنُ نَاصِرٍ، وَسَعْدُ الخَيْرِ، وَالكِبَارُ.
قَالَ ابْنُ مَشِّقْ: تُوُفِّيَ يَوْمَ الخَمِيْسِ سَابِعَ وَعِشْرِيْنَ جُمَادَى الأُوْلَى سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ بَابِ أَبرز.
وَمَاتَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي أَخُو ابْنِ البَطِّيِّ بَعْدَهُ بِسَنَةٍ وَقَدْ شَاخَ، رَوَى عَنِ ابْنِ طَلْحَةَ النِّعَالِيِّ، وَأَبِي القَاسِمِ الرَّبَعِيِّ.
وَمَاتَ مَعَ ابْنِ البَطِّيِّ سَعْدُ اللهِ بنُ نَصْرٍ الدَّجَاجِيُّ، وَالمُظَفَّرُ مُجِيْرُ الدِّيْنِ أَبَقُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ تَاجِ المُلُوْكِ الَّذِي كَانَ صَاحِبَ دِمَشْقَ، فَأَخَذَهَا مِنْهُ نُوْرُ الدِّيْنِ، وَوزِيْرُ مِصْرَ شَاورُ بنُ مُجِيْرٍ السَّعْدِيُّ، وَوَزِيْرُ مِصْرَ أسد الدين شِيرْكُوْه بنُ شَاذِي، وَالمُحَدِّثُ عَبْدُ الخَالِقِ بنُ أَسَدٍ الحَنَفِيُّ، وَأَبُو مَرْوَانَ بنُ قُزْمَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ القُرْطُبِيُّ الفَقِيْهُ، وَشَيْخُ القُرَّاءِ ابْنُ هُذَيْلٍ، وَقَاضِي دِمَشْقَ الزَّكِيُّ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى القُرَشِيُّ، وَمَعْمَرُ بنُ الفَاخِرِ، وَالشَّيْخُ عَلِيٌّ الهيتي.

(15/205)