التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان

39 - ذكر حِصَار عُثْمَان رض =
عَن مُحَمَّد وَطَلْحَة وَأبي عُثْمَان وَأبي حَارِثَة قَالُوا لما كَانَ فِي شَوَّال سنة خمس وَثَلَاثِينَ خرج أهل مصر فِي أَربع رفاق عَلَيْهِم أَرْبَعَة أُمَرَاء المقلل يَقُول سِتّمائَة وَالْمُكثر يَقُول ألف وعَلى الرفاق عبد الرحمان بن عديس البلوي وكنانة بن بشر اللَّيْثِيّ وسودان ابْن حمْرَان السكونِي وقتيرة بن فلَان السكونِي على الْقَوْم جَمِيعًا الغافقي بن حَرْب العكي
وَلم يجترئوا أَن يعلمُوا النَّاس بخروجهم ألى الْحَرْب إِنَّمَا خَرجُوا كالحجاج وَمَعَهُمْ ابْن السَّوْدَاء
وَخرج أهل ألكوفة فِي أَربع رفاق على ألرفاق زيد بن صوحان الْعَبْدي وَالْأَشْتَر النَّخعِيّ وَزِيَاد بن ألنضر الْحَارِثِيّ وَعبد الله بن الْأَصَم أحد بني عَامر بن صعصعة وَعَلَيْهِم جَمِيعًا عَمْرو بن ألأصم وعددهم كعدد أهل مصر
وَخرج أهل ألبصرة فِي أَربع رفاق على ألرفاق حَكِيم بن جبلة ألعبدي وذريح إِبْنِ عباد الْعَبْدي وَبشر بن شُرَيْح بن الحطم بن ضبيعة الْقَيْسِي وَابْن محرش بن عبد عَمْرو الْحَنَفِيّ وعددهم كعدد أهل مصر

(1/109)


وأميرهم جَمِيعًا حرقوص بن زُهَيْر ألسعدي سوى من تلاحق بهم من النَّاس
وَكَانَ أهل مصر يشتهون عليا رض = وَأهل الْبَصْرَة كَانُوا يشتهون طَلْحَة رض = وَأهل الْكُوفَة كَانَ يشتهون الزبير
فَخَرجُوا وهم على الْخُرُوج جَمِيع وَفِي التأمير شَتَّى لَا تشك كل فرقة إلاأن الفلح مَعهَا وَأَن أمرهَا سيتم دون الاخريين فَخَرجُوا حَتَّى إِذا كَانُوا من ألمدينة على ثَلَاث تقدم أنَاس من أهل ألبصرة فنزلوا ذَا خشب وأناس من أهل الْكُوفَة فنزلوا الأعوص وجاءهم أنَاس من أهل مصر وَتركُوا عامتهم بِذِي الْمَرْوَة
وَمَشى فِيمَا بَين أهل مصر وَأهل الْبَصْرَة زِيَاد بن النَّضر وَعبد الله بن الْأَصَم وَقَالا لَا تعجلوا وَلَا تعجلوا حَتَّى ندخل لكم الْمَدِينَة ونرتاد فَإِنَّهُ قد بلغنَا أَنهم قد عسكروا لنا
فوَاللَّه إِن كَانَ أهل الْمَدِينَة قد خافونا واستحلواقت النا وَلم يعلمُوا علمنَا فَإِنَّهُم علينا إذاعلموا علمنَا أَشد وَإِن أمرنَا هَذَا لباطل
وَإِن لم يستحلوا قتالنا وَوجدنَا الَّذِي بلغنَا بَاطِلا لنرجعن اليكم بالْخبر
قَالُوا اذْهَبَا
فَدخل الرّجلَانِ فلقيا أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وعليا رض = وَقَالا إِنَّمَا نروم هَذَا الْبَيْت يَعْنِي مَكَّة ونستعفي هَذَا الْوَالِي من بعض عمالنا
وَمَا جِئْنَا إِلَّا لذَلِك
وإستأذناهم للنَّاس بِالدُّخُولِ فكلهم أَبى وَنهى وَقَالَ بيض مَا يفرخن
فَرَجَعَا إِلَيْهِم
فَاجْتمع من أهل مصر نفر فَأتوا عليا رض = وَمن أهل الْبَصْرَة نفر فَأتوا طَلْحَة وَمن أهل الْكُوفَة نفر أَتَوا ألزبير رض = وَقَالَ كل فريق مِنْهُم إِن بَايعُوا صاحبنا وَإِلَّا كدناهم وفرقنا جَمَاعَتهمْ ثمَّ كررنا حَتَّى نبغتهم
فَأتى المصريون عليا رض = وَهُوَ فِي عَسْكَر عِنْد أَحْجَار الزَّيْت عَلَيْهِ حلَّة أفواف معتم بشقيقة حَمْرَاء يَمَانِية متقلد السَّيْف لَيْسَ عَلَيْهِ قَمِيص وَقد

(1/110)


سرح الْحسن إِلَى عُثْمَان رض = فِيمَن اجْتمع اليه وألحسن جَالس عِنْد عُثْمَان رض = وَعلي رض = عِنْد أَحْجَار ألزيت
فَسلم عَلَيْهِ المصريون وعرضوا لَهُ بالإمارة فصاح بهم وطردهم وَقَالَ قد علم الصالحون أَن جَيش ذِي الْمَرْوَة وَذي خشب والأعوص ملعونون على لِسَان مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَارْجِعُوا لَا صحبكم الله
فانصرفوا من عِنْده على ذَلِك
وأتى البصريون طَلْحَة رض = وَهُوَ إِلَى جنب عل رض = وَقد أرسل ابنيه إِلَى عُثْمَان رض =
فَسلم البصريون عَلَيْهِ وعرضوا لَهُ فصاح بهم وطردهم وَقَالَ لقد علم الْمُؤْمِنُونَ أَن جَيش ذِي الْمَرْوَة وَذي خشب والأعوص ملعونون على لِسَان مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأتى الْكُوفِيُّونَ الزبير رض = وَهُوَ فِي جمَاعَة أُخْرَى وَقد سرح ابْنه عبد الله إِلَى عُثْمَان رض = فَسَلمُوا عَلَيْهِ وعرضوا لَهُ
فصاح بهم وطردهم وَقَالَ لقد علم الْمُسلمُونَ أَن جَيش ذِي الْمَرْوَة وَذي خشب وألأعوص ملعونون على لِسَان مُحَمَّد
فَخرج الْقَوْم وأروهم أَنهم يرجعُونَ
فَارْتَفعُوا عَن ذِي خشب وألأعوص حَتَّى أَتَوا إِلَى عساكرهم وَهِي ثَلَاث مراحل كي يفْتَرق أهل الْمَدِينَة ثمَّ يكرون
فافترق أهل الْمَدِينَة لخروجهم
فَلَمَّا بلغ الْقَوْم عساكرهم كروا بهم فبغتوهم فَلم يفجأأهل الْمَدِينَة إلاوالتكبير فِي نواحي الْمَدِينَة فنزلوا فِي مَوضِع عساكرهم وَأَحَاطُوا بعثمان رض = وَقَالُوا من كف يَده فَهُوَ امن
وَصلى عُثْمَان رض = بِالنَّاسِ أَيَّامًا
وَلزِمَ النَّاس بُيُوتهم
وَلم يمنعوا أحدا من كَلَام
فَأَتَاهُم النَّاس فَكَلمُوهُمْ وَفِيهِمْ عَليّ رض = فَقَالَ لَهُم عَليّ رض = مَا ردكم بعد ذهابكم ورجوعكم عَن رَأْيكُمْ فَقَالُوا أَخذنَا مَعَ بريد كتابا بقتلنا
وأتاهم طَلْحَة رض = فَقَالَ البصريون مثل ذَلِك
وأتاهم الزبير رض = فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ مثل ذَلِك
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ والبصريون فَنحْن ننضر إِخْوَاننَا ونمنعهم وَقَالُوا جَمِيعًا كَأَنَّمَا كَانُوا على ميعاد فَقَالَ لَهُم عَليّ كَيفَ

(1/111)


علمْتُم يَا أهل الْكُوفَة وَيَا أهل الْبَصْرَة بِمَا لَقِي أهل مصر وَقد سِرْتُمْ مراحل ثمَّ طويتم نحونا هَذَا وَالله أَمر أبرم بِالْمَدِينَةِ قَالُوا فضعوه على مَا شِئْتُم
لَا حَاجَة لنا فِي هَذَا الرجل ليعتزلنا وَهُوَ فِي ذَلِك يُصَلِّي بهم وهم يصلونَ خَلفه ويغشى من شَاءَ عُثْمَان رض =
وهم فِي عينه أدق من التُّرَاب وَكَانُوا لَا يمْنَعُونَ أحدا الْكَلَام وَكَانُوا زمرا بِالْمَدِينَةِ يمْنَعُونَ النَّاس من الِاجْتِمَاع
وَكتب عُثْمَان رض = إِلَى أهل الْأَمْصَار يستمدهم أما بعد فَأن الله بعث مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحَقِّ بشيرا وَنَذِيرا فَبلغ عَن الله مَا أمره بِهِ ثمَّ مضى وَقد قضى الَّذِي عَلَيْهِ وَخلف فِينَا كِتَابه فِيهِ حَلَاله وَحَرَامه وَبَيَان الْأُمُور الَّتِي قدر فأمضاها على مَا أحب الْعباد وكرهوا فَكَانَ الْخَلِيفَة أَبُو بكر ثمَّ عمر ثمَّ أدخلت فِي الشورى عَن غير علم وَلَا مسأله عَن مَلأ الأمه ثمَّ أجتمع أهل الشورى عَن مَلأ مِنْهُم وَمن النَّاس عَن غير طلب مني وَلَا محبَّة فَعمِلت فيهم بِمَا يعْرفُونَ وَلَا يُنكرُونَ تَابعا غير مستتبع مُتبعا غير مُبْتَدع مقتديا غير متكلف فَمَا أنتهت الْأُمُور وانتكث الشَّرّ بأَهْله بَدَت ضغائن وَأَهْوَاء على غير احترام وَلَا ترة فِيمَا مضى إِلَّا أمضاء الْكتاب فطلبوا أمرا وأعلنوا غَيره بِغَيْر حجَّة وَلَا عذر فعابوا عَليّ أَشْيَاء مِمَّا كَانُوا يرضون وَأَشْيَاء عَن مَلأ من أهل الْمَدِينَة لَا يصلح غَيرهَا فَصَبَرت لَهُم نَفسِي وكففتها عَنْهُم مُنْذُ سِنِين وَأَنا أرى وأسمع فازدادوا على الله جرْأَة حَتَّى أَغَارُوا علينا فِي جوَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحرمه وَأَرْض الْهِجْرَة وتابت إِلَيْهِم الاعراب فهم كالأحزاب أَيَّام الْأَحْزَاب أَو من غزانا باحد إِلَّا مَا يظهرون فَمن قدر على الحاق بِنَا فليلحق
فَأتى الْكتاب أهل الْأَمْصَار فَخَرجُوا على الصعبة والذلول فَبعث مُعَاوِيَة حبيب بن مسلمة الفِهري فِي جَيش وَبعث عبد الله بن سعد مُعَاوِيَة بن حديج

(1/112)


السكونِي وَخرج من الْكُوفَة الْقَعْقَاع بن عَمْرو وَكَانَ المحضوضون بِالْكُوفَةِ على إغاثة أهل الْمَدِينَة عقبَة بن عَمْرو وَعبد الله بن أبي أوفى وحَنْظَلَة إِبْنِ الرّبيع التَّمِيمِي فِي أمثالهم من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ المحضوضون بِالْكُوفَةِ من التَّابِعين أَصْحَاب عبد الله بن مَسْرُوق بن الأجدع وَالْأسود بن يزِيد وَشُرَيْح بن الْحَارِث وَعبد الله بن عكيم فِي أَمْثَال لَهُم يَسِيرُونَ فِيهَا ويطوفون على مجالسها وَيَقُولُونَ يَا أَيهَا النَّاس أَن الْكَلَام الْيَوْم وَلَيْسَ غَدا وَأَن النّظر يحسن الْيَوْم ويقبح غَدا أَن الْقِتَال يحل الْيَوْم وَيحرم غَدا أنهضوا إِلَى خليفتكم وعصمت أَمركُم وَقَامَ بِالْبَصْرَةِ عمرَان بن حُصَيْن وَأنس بن مَالك وَهِشَام بن عَامر فِي أمثالهم من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُونَ مثل ذَلِك وَمن التَّابِعين كَعْب بن سور وهرم بن حَيَّان الْعَبْدي وَأَشْبَاه لَهما يَقُولُونَ مثل ذَلِك وَقَامَ بِالشَّام عبَادَة بن الصَّامِت وَأَبُو الدَّرْدَاء وابو إِمَامَة فِي أمثالهم من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُونَ مثل ذَلِك وَمن التَّابِعين شَدِيد بن حباسة النميري وَأَبُو مُسلم الْخَولَانِيّ وَعبد الرحمان بن غنم بِمثل ذَلِك وَقَالَ بِمصْر خَارِجَة بن زيد فِي أشباه لَهُ وَقد كَانَ بعض المحضضين شهد قدومهم فَلَمَّا رَأَوْا حَالهم أنصرفوا إِلَى أمصارهم بذلك فأقاموا فيهم وَلما جَاءَت الْجُمُعَة الَّتِي على أثر نزُول المصريين مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج عُثْمَان رض = فصلى بِالنَّاسِ ثمَّ قَامَ إِلَى الْمِنْبَر فَقَالَ يَا هَؤُلَاءِ الْغُزَاة الله الله الله فوَاللَّه أَن أهل الْمَدِينَة ليعلمون أَنكُمْ لملعونون على لِسَان مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فامحوا الْخَطَأ بِالصَّوَابِ فَإِن الله لَا يمحوا السيء إِلَّا بالْحسنِ فَقَامَ مُحَمَّد بن مسلمة فَقَالَ أَنا أشهد بذلك فَأَخذه حَكِيم بن جبلة فأقعده فَقَامَ زيد بن ثَابت أبغني الْكتاب فثار إِلَيْهِ من ناحيه أُخْرَى مُحَمَّد بن

(1/113)


أبي متيرة فأقعده وَقَالَ فأقطع وثار الْقَوْم بأجمعهم فحصبوا النَّاس حَتَّى أخرجوهم من الْمَسْجِد وحصبوا عُثْمَان رض = حَتَّى صرع عَن الْمِنْبَر مغشيا عَلَيْهِ فَاحْتمل وَأدْخل دَاره وَكَانَ المصريون لَا يطمعون فِي أحد من أهل الْمَدِينَة أَن يساعدهم إِلَّا فِي ثَلَاثَة نفر فَإِنَّهُم كَانُوا يراسلونهم مُحَمَّد بن أبي بكر وَمُحَمّد بن أبي حُذَيْفَة وعمار بن يَاسر وشمر أنَاس من النَّاس فاستقتلوا مِنْهُم سعد بن مَالك وَأَبُو هُرَيْرَة وَزيد بن ثَبت وَالْحسن بن عَليّ رض = فَبعث إِلَيْهِم عُثْمَان رض = بعزمه لما أنصرفوا فانصرفوا وَأَقْبل عَليّ رض = حَتَّى دخل على عُثْمَان رض = وَأَقْبل طَلْحَة رض = حَتَّى دخل عَلَيْهِ وَأَقْبل الزبير رض حَتَّى دخل عَلَيْهِ يعودونه من صرعته ويشكون إِلَيْهِ بثهم ثمَّ رجعُوا إِلَى مَنَازِلهمْ وَذكر إِبْنِ الْأَثِير فِي تَارِيخه أَنه لما جَاءَ عَليّ وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر إِلَى عُثْمَان رض = يعودونه من صرعته ويحكون إِلَيْهِ مَا يَجدونَ وَكَانَ عِنْده نفر من بني امية فَقَالُوا كلهم لعَلي رض = أهلكتنا وصنعت هَذَا الصَّنِيع فَقَالَ مغضبا وَعَاد هُوَ وَالْجَمَاعَة إِلَى مَنَازِلهمْ وَصلى عُثْمَان رض = ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثمَّ منعُوهُ الصَّلَاة وَصلى بِالنَّاسِ أَمِيرهمْ الفافقي وتفرق أهل الْمَدِينَة فِي حيطانهم ولزموا بُيُوتهم ودام الْحصار أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَمن تعرض لَهُم وضعُوا فِيهِ السِّلَاح ومنعوه المَاء
ثمَّ إِن عليا رض = تردد بَينهم وَبَين عُثْمَان رض = وزجرهم وَأمرهمْ بِالرُّجُوعِ فَلم يقبلُوا فَقَالَ عَليّ لعُثْمَان رض = وَالله إِنِّي لأكْثر النَّاس ذبا عَنْك وَلَكِن كلما جئْتُك بِشَيْء أَظُنهُ لَك رضى جَاءَ مَرْوَان بِأُخْرَى فَسمِعت قَوْله وَتركت قولي وأتى عَليّ رض = بَيت المَال ففتحه وَأعْطى النَّاس

(1/114)


فانصرفوا من طَلْحَة حَتَّى بَقِي وَحده وَكَانَ قد اجْتمع عَلَيْهِ النَّاس فسر بذلك عُثْمَان رض = وَجَاء طَلْحَة فَدخل على عُثْمَان رض = وَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أردْت أمرا فحال النَّاس بيني وَبَينه فَقَالَ لَهُ ثَمَان رض = وَالله مَا جِئْت تَائِبًا وَلَكِن جِئْت مَغْلُوبًا الله حَسبك يَا طَلْحَة
وروى مُحَمَّد بن سعد فِي = كتاب الطَّبَقَات بِإِسْنَادِهِ عَن جَابر بن عبد الله رض = أَن المصريين لما أَقبلُوا من مصر يُرِيدُونَ عُثْمَان رض = فنزلوا بِذِي خشب دَعَا عُثْمَان رض = مُحَمَّد بن مسلمة وَقَالَ لَهُ اذْهَبْ إِلَيْهِم فارددهم عني وأعطهم الرِّضَا وَأخْبرهمْ أَنِّي فَاعل فَاعل بالأمور الَّتِي طلبُوا وَنَازع عَن كَذَا كَذَا للأمور الَّتِي تكلمُوا فِيهَا فَركب مُحَمَّد بن مسلمة إِلَيْهِم قَالَ جَابر وَأرْسل مَعَه عُثْمَان رض = خمسين رَاكِبًا من الْأَنْصَار أَنا فيهم وَكَانَ رؤساؤهم أَرْبَعَة عبد الرحمان بن عديس البلوي وسودان بن حمْرَان الْمرَادِي وَابْن النباع وَعَمْرو بن الْحمق الْخُزَاعِيّ فَأَتَاهُم مُحَمَّد بن مسلمة فَقَالَ إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يَقُول كَذَا وَيَقُول كَذَا وَأخْبرهمْ بقوله فَلم يزل بهم حَتَّى رجعُوا فَلَمَّا كَانُوا بالبويب رَأَوْا جملا عَلَيْهِ ميسم الصَّدَقَة فَأَخَذُوهُ فَإِذا غُلَام لعُثْمَان رض = فَأخذُوا مَتَاعه ففتشوه فوجدوا فِيهِ قَصَبَة من رصاص فِيهَا كتاب فِي جَوف الاداوة فِي المَاء ألى عبد الله بن سعد ان افْعَل بفلان كَذَا وبفلان كَذَا من الْقَوْم الَّذين شرعوا فِي عُثْمَان رض = فَرجع الْقَوْم ثَانِيَة حَتَّى نزلُوا بِذِي خشب فَأرْسل عُثْمَان رض = إِلَى مُحَمَّد بن مسلمة فَقَالَ اخْرُج فارددهم عني فَقَالَ لَا أفعل قَالَ فقدموا فحصروا عُثْمَان رض = قَالَ وحَدثني عبد الله بن الْحَارِث بن الْفضل عَن أَبِيه عَن سُفْيَان بن أبي العوجاء قَالَ أنكر عُثْمَان أَن

(1/115)


يكون كتب ذَلِك الْكتاب أرسل ذَلِك الرَّسُول وَقَالَ فعل ذَلِك دوني وَفِي رِوَايَة أُخْرَى قَالَ مُحَمَّد بن مسلمة صدق هَذَا فعل مَرْوَان وروى أَيْضا بِإِسْنَادِهِ عَن أبي إِسْحَاق عَن عَمْرو بن الصم قَالَ كنت فِيمَن أرسلو من جَيش ذِي خشب قَالَ فَقَالُوا لنا سلوا أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاجْعَلُوا اخر من تسْأَلُون عليا رض = أنقدم قَالَ فسألناهم فَقَالُوا أقدموا إِلَّا عليا رض = قَالَ لَا امركم فَإِن أَبَيْتُم فيضى فليفرخ
وروى سيف بن عمر التَّمِيمِي عَن أبي عَمْرو عَن الْحسن قَالَ قلت لَهُ شهِدت حصر عُثْمَان رض = قَالَ نعم وَأَنا يَوْمئِذٍ غُلَام فِي أتراب لي فِي الْمَسْجِد فَإِذا كثر اللَّغط جثوت على ركبتي أَو قُمْت وَأَقْبل الْقَوْم حَتَّى نزلُوا الْمَدِينَة الْمَسْجِد وَمَا حوله وَاجْتمعَ إِلَيْهِم النَّاس من أهل الْمَدِينَة يعظمون إِلَيْهِم مَا صَنَعُوا وَأَقْبلُوا على أهل الْمَدِينَة يتواعدونهم فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك فِي لغطهم حرك الْبَاب فطلع عُثْمَان رض = فَكَأَنَّمَا كَانَت نَار فأطفئت فَعمد إِلَى الْمِنْبَر فصعده فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ فثار رجل فَتكلم فأقعده رجل وَقَامَ أخر فأقعده أخر حَتَّى ثار الْقَوْم فحصبوا عُثْمَان رض = حَتَّى صرع فَحمل فَأدْخل وَصلى بهم عشْرين يَوْمًا ثمَّ منعُوهُ من الصَّلَاة
وَعَن مُحَمَّد وَطَلْحَة وَأبي حَارِثَة قَالُوا صلى عُثْمَان رض = بِالنَّاسِ بعد مَا نزلُوا بِهِ فِي الْمَسْجِد ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثمَّ إِنَّهُم منعُوهُ الصَّلَاة فصلى بِالنَّاسِ أَمِيرهمْ الغافقي دَان لَهُ المصريون والكوفيون والبصريون وتفرق أهل الْمَدِينَة إِلَى حيطانهم ولزموا بُيُوتهم لايخرج أحد مِنْهُم وَلَا يجلس إِلَّا وَعَلِيهِ سَيْفه يمْتَنع بِهِ من رهق الْقَوْم فَكَانَ الْحصار أَرْبَعِينَ وفيهن كَانَ الْقَتْل وَمن تعرض لَهُم وضعُوا فِيهِ السِّلَاح وَكَانُوا قبل ذَلِك ثَلَاثِينَ يَوْمًا يكفون عَن النَّاس ويحتملون لَهُم الْكَلَام

(1/116)


وَلما رأى زيد وَزِيَاد وَعَمْرو بن الْأَصَم أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ عُثْمَان رض = إِلَى وَأَنَّهُمْ لَا يجيبونهم رجعُوا من بَين أهل الْكُوفَة وَعَاد عُثْمَان رض = مكَاتبه الْأُمَرَاء فَكتب إِن أَمر هَؤُلَاءِ قد بَان وَأَنَّهُمْ قد صاولوا الْإِسْلَام وَلم يجترئوا على المباداة وان يبقوا فسيبدن مَا يكنون قد أعذرنا إِلَى الْقَوْم واحتججنا عَلَيْهِم مرّة بعد مرّة كلما ثبتَتْ عَلَيْهِم حجَّة أَو بَلغهُمْ عذر عاندوا وكابروا وهم بِالْمَدِينَةِ زمر قد خربوا وَمنعُوا منا الصَّلَاة وحالوا بيني وَبَين الْمَسْجِد وانتزوا الْأَمر وكثروا وعزوا أهل الْبَلَد فَلَمَّا لم يَجدوا جرحا أجرح بِهِ وَلَا دَمًا أقتل بِهِ وَلَا ضَرْبَة سَوط إلابحق وَلَا درهما إِلَّا بِحَق قَالُوا لَا نرضى إِلَى بِأَن تعتزلنا وهيهات لَهُم وَالله من أَمر ينَال بِهِ الشَّيْطَان فِيمَا بعد الْيَوْم من سُلْطَان الله حَاجته فأدركوا الْفِتْنَة قبل تدفقها وَلما ورد الْكتاب على مُعَاوِيَة قَامَ فِي النَّاس وَتكلم وَقَالَ إِن من الْحق المعونة على الْحق وَمن كَانَ مَعَ الْحق كَانَ الله مَعَه انهضوا إِلَى سُلْطَان الله فأعزو يعزكم الله وينصركم وَلَا تخذلوه فيستبدل الله بكم غَيْركُمْ ويدال مِنْكُم
وَقد كَانَ أَقوام من أهل ألأمصار شهدُوا أول هَذَا الْأَمر بِالْمَدِينَةِ ثمَّ ضربوا إِلَى أمصارهم مِنْهُم عَمْرو بن الْعَاصِ أَتَى فلسطين وحَنْظَلَة الْكتاب أَتَى الْكُوفَة وَأَبُو أُمَامَة أَتَى الشَّام وَسمرَة بن جُنْدُب أَتَى الْبَصْرَة
وَقَامَ ابْن عَامر بِالْبَصْرَةِ فَقَالَ أمدوا خليفتكم وذودوا عَن سلطانكم وسابقوا إِلَيْهِ عَدو الله وعدو الْمُسلمين فوَاللَّه لَئِن أدركتموه لتعصمن وَلَئِن سبقتم إِلَيْهِ ليبلون فَقَامَ أَبُو مُوسَى رض = فَقَالَ إِن الله قد إفترض عَلَيْكُم نصر دينه وَإِنَّمَا قوام هَذَا الدّين السُّلْطَان بَادرُوا سُلْطَان الله لَا

(1/117)


يستذل ففضل الْقَوْم عَن بلدانهم وضربوا نَحْو المدينه وَبلغ الْقَوْم بالمدينه الْخَبَر فزين لَهُم الشَّيْطَان سوء أَعْمَالهم ليغلقهم فيرتهنهم بهَا فضيقوا على عُثْمَان ر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واشتدو على من يعرض لَهُم بالبسط وَفتح عُثْمَان الْبَاب وَسمع بذلك أَبُو هُرَيْرَة فَقَالَ طَابَ أمضرب وَسمع بذلك زيد بن ثَابت فَقَالَ يَا معشر اللأنصار انصرو الله مرَّتَيْنِ وَسمع بذلك سعد بن مَالك فأفبل محتجزا قوسه وَالسيف فَبعث إِلَيْهِم عُثْمَان رض = إِن كُنْتُم ترَوْنَ الطَّاعَة وَالْحق فأغمدوا اسيافكم وَانْصَرفُوا عَنَّا وَلَا تستقتلوا وَجَاء كثير بن الصَّلْت فِي عديد من بني اميه فَدخل عَلَيْهِ وَقَالَ لَو خرجت فَأريت النَّاس وَجهك فقدانكسر النَّاس فَقَالَ يَا كثير البارحه رَأَيْتنِي وَكَأَنِّي دخلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ وَأَبُو بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ قد صبرت فَلم يدْرك الْمُسلمُونَ حَتَّى تقتل فَارْجِع فَإنَّك مفطر عِنْدِي يَوْم كَذَا وَكَذَا وَلنْ تغيب الشَّمْس وَالله يَوْم كَذَا ألاوأنامن أهل الاخرة وَفِي روايه قَالَ دخل عَلَيْهِ كثير بن السلط فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ اخْرُج فأجلس فِي الفناء فَيرى وَجهك النَّاس فَإِنَّهُ إِن فعلت إرتدعوا ارتدعوا فَضَحِك وَقَالَ يَا كثير رَأَيْت البالرحه وَكَأَنِّي دخلت على نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعِنْده ابو بكر وَعمر رض = عَنْهُمَا فَقَالَ إرجع فَإنَّك مفطر عِنْدِي غَدا وَلنْ تغيب الشَّمْس وَالله غَدا اَوْ يَوْم كَذَا وَكَذَا إِلَّا وَأَنا من أهل الأخرة وَوضع سعد وَأَبُو هُرَيْرَة السِّلَاح وأقبلا حَتَّى دخلا على عُثْمَان رض = عَنْهُم

40 - ذكر أَمر عُثْمَان رض = النَّاس بالكف عَن الْقِتَال
قدذكر أَن عُثْمَان رض = قَالَ لابي هُرَيْرَة وَزيد بن ثَابت وَسعد بن مَالك رض = لما جاؤوا بِالسِّلَاحِ ليذبوا عَنهُ وهومحصور إِن كُنْتُم ترَوْنَ الطاعه وَالْحق فأغمدوا أسيافكم وَانْصَرفُوا عَنَّا وَلَا تستقلوا

(1/118)


وَعَن مُحَمَّد وطلحه وابي حارثه وَأبي عُثْمَان قَالُوا لما وضع الْقَوْم السِّلَاح ودخلوا على عُثْمَان رض = وغشيه النَّاس قَالُوا مَا رَأْيك وَقَالُوا هَلُمَّ نشري ونستقتل قَالَ فَمن للامر غَدا ورد وَالله هَؤُلَاءِ لَو عرضتكم لذَلِك لصرحوا غَدا بِمَا يكنون الْيَوْم وَإِن رَأْيِي الْيَوْم رَأْيِي أمس فدعوني واخرجوا عني فَلَمَّا جعل لايأتيه أحد للشراء ولاستقتال أحب ان يجد من يعنيه على صرفهم وَجَاء عبد الله بن سَلام حَتَّى دخل فَقَالَ يَا أبن سَلام مَا ترى فِي الشِّرَاء والاستقتال قَالَ اَوْ أمرت بِالصبرِ إِلَّا قَلِيلا إصبر فَإنَّا نجد فِي كتاب الله الْمنزل أَنَّك يَوْم القيامه أَمِير على الْقَاتِل الامر وَفِي روايه أُخْرَى لما دخل عبد الله على عُثْمَان رض = فِي أخر مَا دخل عَلَيْهِ النَّاس فَقَالَ لعُثْمَان رض = مَا ترى فِي الْقَتْل والكف قَالَ الْكَفّ أبلغ للحجه وَإِنَّا لنجد فِي كتاب الله أَنَّك يَوْم الْقِيَامَة امير على الْقَاتِل والامر
وَعَن مُحَمَّد وطلحه وَأبي الحارثه وَأبي ة عُثْمَان قَالُوا لما رأى الْقَوْم أَن النَّاس قد ثابوا إِلَى عُثْمَان رض = وضعُوا على عَليّ رض = رقيبا فِي نفر ملازمه ورقيبه خَالِد بن ملجم وعَلى طلحه رض = رقيبا فِي نفر فلازمه ورقيبه سودان ابْن حمْرَان وعَلى الزبير رض = رقيبا فِي نفر فلازمه ورقيبه قتيرة وعَلى نفر بالمدينه قَالُوا لَهُم إِن تحركوا فاقتلوهم وَذكر النَّاس بهم فراسه عمر رض = أَيَّام مرورا بِهِ فتردد فِي إرْسَال بهم وَجعل يَقُول مَا مر بِي قوم من الْعَرَب أكره لي مِنْهُم فازدادالناس بَصِيرَة وبهم علما
وَلما لم يَسْتَطِيع هؤلاءالنفر غشيان عُثْمَان رض = بعثوا أبنائهم الى عُثْمَان رض = فَأقبل الْحسن بن عَليّ رض = حَتَّى قَامَ علية وَقَالَ مرنا امرك فَقَالَ يَا أبن أخي اوصيك بِهِ نَفسِي وَتَأَول {واصبر وَمَا صبرك إِلَّا بِاللَّه وَلَا تحزن عَلَيْهِم وَلَا تَكُ فِي ضيق مِمَّا يمكرون} من سُورَة النَّحْل 127 وو 4 الله لأقينكم بنفسي ولأبذلنها دونكم أَو تعرضوا لَهُم فَأنْتم وَذَاكَ

(1/119)


وَجَاء النُّعْمَان بن بشير فَقَالَ مقاله الْحسن رض = ورد عَلَيْهِ عُثْمَان رض = مثل ذَلِك وَجَاء عبد الله بن الزبير رض = فَقَالَ لَهُ مثل ذَلِك وَجَاء مُحَمَّد بن طَلْحَة رض = فَقَالَ لَهُ مثل ذَلِك وَجَاء أَبُو الْهَيْثَم بن التيهَان فَقَالَ كَيفَ بت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ بِخَير قَالَ أَبُو الْهَيْثَم بِأبي أَنْت وَأمي أَصْبِر وَلَا تعط الدُّنْيَا وَلَا تهدم سُلْطَان الله فَقَالَ عُثْمَان رض = متمثلا ... لعمري لمَوْت لَا عُقُوبَة بعده ... لذِي اللب أشفى من شقا لَا يزايله ...
فَعرف النَّاس أَنه لَا يعطيهم شَيْئا وأفرحهم بذلك
وَعَن ابْن ابي الْقَاسِم الثنوي عَن نَافِع قَالَ ورافقني بالسَّاحل فسألة عَن امْر عُثْمَان رض = فَقَالَ سَمِعت عبد الله بن عَن عمر رَضِي الله عَنهُ يَقُول أرسل إِلَى عُثْمَان رض وَهُوَ مَحْصُور وَقد فتح الْبَاب وَدخل عَلَيْهِ النَّاس فَقَالَ مَا ترى فِيمَا يعرض هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء الَّذين يأمرونه بالأسقتال وَالَّذين يحصرونه على الْخلْع أَو الْقَتْل فَقَالَ وَمَا يعرضون عَلَيْك فَقَالَ أما هَؤُلَاءِ فاستقتال وَوَاللَّه مَا أجد مَا أمتع بِهِ وَلَا أمنعهم بِهِ وَأما هَؤُلَاءِ فأنهم يعرضون عَليّ أَن أخلعها وَألْحق بمنزلي فوَاللَّه لَهُم أَهْون عَليّ أَن لم أوجر عَلَيْهَا من قتال فَقلت لَهُ أَن تستقتل تقتل أَعْلَام الدّين وَلَا يبْقى أحد فَلَا تفعل وَأما مَا عرض هَؤُلَاءِ فَلَا تفعل أمخلد أَنْت إِذْ أَنْت خلعتها قَالَ لَا قلت فقاتلوك أَن أَنْت لم تخلعها قَالَ زَعَمُوا ذَاك قلت يملكُونَ تَعْجِيل يَوْمك أَو تَأْخِيره قَالَ لَا قلت أيملكون لَك جنه أَو نَار قَالَ لَا قلت فَلَا أرى أَن تخلع قَمِيصًا قمصك الله فَيكون ذَلِك سنة كلما كره قوم خليفتهم أَو إمَامهمْ خلعوه حَتَّى لَا يقوم لله دينا وَلَا للْمُسلمين نظام وَأدْخل معي فِي ذَلِك غَيْرِي فَفعل فَادْخُلْ فِي ذَلِك من شهد أَو غَابَ عَنهُ فَاجْتمع الملاء بِأَن الْخَيْر فِي الصَّبْر فَقَالَ اللَّهُمَّ أَنِّي أشري بنفسي فِي صَلَاح الدّين فجاد وَالله بِنَفسِهِ نظرا لله ولدينه وحقنا لدماء الْمُسلمين

(1/120)


41 - ذكر الصَّلَاة خلف المصريين
عَن المبشر بن الفضيل عَن سَالم قَالَ قلت لَهُ كَيفَ صَنِيع النَّاس بِصَلَاة خلف المصريين قَالَ كرهها كلهم إِلَّا الْأَعْلَام فَإِنَّهُم خَافُوا على أنفسهم فَكَانُوا يشهدونها إِذا شهدوها ويلوذون مِنْهَا بصياعهم إِذا تركُوا وَعَن سهل بن يُوسُف عَن أَبِيه قَالَ كره النَّاس الصَّلَاة خلف االمصريين مَا خلاا عُثْمَان رض = فَإِنَّهُ قَالَ من دعَاكُمْ إِلَى الصَّلَاة فأجيبوه فَأَنَّهُ خير حَتَّى يستوجبوا حدا إِلَى أَن يُقَام عليصاحبه أَو يَتُوب
وَعَن ياسين بن معَاذ الزيات عَن الزُّهْرِيّ عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن عبد الله بن عدي بن الْخِيَار قَالَ دخلت على عُثْمَان رض = فِي الدَّار وَهُوَ مَحْصُور وكنانة بن بشر يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَقلت كَيفَ ترى فِي الصَّلَاة مَعَ هَؤُلَاءِ وَأَنت الْأَمِير فَقَالَ أَن الصَّلَاة من أحسن مَا عمل النَّاس فَإِذا أَحْسنُوا فَأحْسنُوا مَعَهم وَإِذا أساؤوا فَأحْسنُوا إسائتهم وَهَذِه النُّصُوص تدل على جَوَاز الصَّلَاة خلف الْبُغَاة والمتغلبين وَلِأَن هَؤُلَاءِ الْقَوْم كَانُوا بغاة
وَعَن بدر بن عُثْمَان عَن عَمه قَالَ أخر خطْبَة خطبهَا عُثْمَان رض = فِي جمَاعَة قَالَ إِن الله إِنَّمَا أَعْطَاكُم الدُّنْيَا لتطلبوا بهَا الأخرة وَلم يعطكموها لتركنوا إِلَيْهَا إِن الدُّنْيَا تفنى والأخر تبقى فَلَا تبطرنكم الفانية وَلَا تشغلنكم عَن الأخرة فأثر مَا يبْقى على مَا يفنى فَإِن الدُّنْيَا مُنْقَطِعَة وَأَن الْمصير إِلَى الله أتقوا الله فَإِن تقواه جنه من بأسه ووسيلة عِنْده وأحذروا من الله الْغَيْر وألزموا جماعتكم وَلَا تصيروا أحزابا {واذْكُرُوا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ كُنْتُم أَعدَاء فألف بَين قُلُوبكُمْ فأصبحتم بنعمته إخْوَانًا} ال عمرَان 103 إِلَى أخر الأيتين

(1/121)


الْبَاب السَّادِس
فِيمَا قيل لعُثْمَان رض = فِي الْخلْع وَمَا قَالَ لَهُم
عَن مُحَمَّد وَطَلْحَة وَأبي حَارِثَة وَأبي عُثْمَان قَالُوا لما أستشار عُثْمَان رض = وعزم لَهُ الْمُسلمُونَ على الصَّبْر والأمتناع عَلَيْهِم بسُلْطَان الله قَالَ إخرجوا رحمكم الله فكونوا بِالْبَابِ وليجامعكم هَؤُلَاءِ الَّذين حبسوا عني وَأرْسل إِلَيّ عَليّ وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر رض = أَن أدنوا فَاجْتمعُوا فَأَشْرَف عُثْمَان رض = فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس أجلسوا فجلسوا جَمِيعًا الْمُحَارب الطاريء والمسالم الْمُقِيم فَقَالَ يَا أهل الْمَدِينَة أستودعكم الله وأسأله أَن يحسن عَلَيْكُم الْخلَافَة من بعدِي إِنِّي وَالله لَا أَدخل عَليّ أحد بعد يومي هَذَا حَتَّى يقْضِي الله فِي وقضائه لأدعن هَؤُلَاءِ وَمَا وَرَاء بَابي غير معطيهم شَيْئا يتخذونه عَلَيْكُم دخلا فِي دين أَو دنيا وَحَتَّى يكون الله الصَّانِع فِي ذَلِك مَا أحب وَأمر أهل الْمَدِينَة بِالرُّجُوعِ وَأقسم عَلَيْهِم فَرَجَعُوا إِلَّا الْحسن وَمُحَمّد وَابْن الزبير رض = وَأَشْبَاه لَهُم فجلسوا بِالْبَابِ عَن أَمر أبائهم وثاب إِلَيْهِم أنَاس وَلزِمَ عُثْمَان الدَّار
وروى إِبْنِ سعد فِي الطَّبَقَات بأسناده عَن إِبْنِ عمر رض = قَالَ قَالَ

(1/123)


لي عُثْمَان رض = وَهُوَ مَحْصُور فِي الدَّار مَا ترى فِيمَا أَشَارَ عَليّ بِهِ المغير إِبْنِ الْأَخْنَس قَالَ قلت مَا أَشَارَ بِهِ عَلَيْك فَقَالَ أَن هَؤُلَاءِ الْقَوْم يُرِيدُونَ خلعي فان خلعت تركوني وَأَن لم أَخْلَع قتلوني قَالَ فَقلت أَرَأَيْت أَن خلعة تتْرك مخلدا فِي الدُّنْيَا قَالَ لَا قَالَ قلت فَهَل يملكُونَ الْجنَّة وَالنَّار قَالَ لَا قَالَ قلت أَرَأَيْت إِن لم تخلع هَل يزِيدُونَ على قَتلك قَالَ لَا قلت فَلَا أرى أَن تسن هَذِه السّنة فِي الأسلام كلما سخط قوم على أَمِيرهمْ خلعوه فَلَا تخلع قَمِيصًا قمصك الله وَقد تقدم معنى هَذَا قَالُوا وَكَانُوا يدْخلُونَ على عُثْمَان رض = وَهُوَ مَحْصُور فَيَقُولُونَ أعتزلنا فَيَقُول لأ أنزع سرب الاسربلنيه الله وَلَكِن أنزع عَمَّا تَكْرَهُونَ
وروى أَيْضا باسناده عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن قيس قَالَ أَخْبرنِي أَبُو سهله مولى عُثْمَان رض = قَالَ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَرضه وددت أَن عِنْدِي بعض أَصْحَابِي قَالَت عَائِشَة رض = فَقلت يَا رَسُول الله أدعوا لَك يَا أَبَا بكر فأسكت فَعرفت أَنه لَا يُريدهُ فَقلت أدعوا لَك عليا فأسكت فَعرفت أَنه لَا يُريدهُ قلت فأدعوا لَك إِبْنِ عَفَّان قَالَ نعم فدعوته فَلَمَّا جَاءَ أَشَارَ إِلَيّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تباعدي فجَاء عُثْمَان رض = فَجَلَسَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَهُ ولون عُثْمَان يتَغَيَّر قَالَ قيس فَأَخْبرنِي أَبُو سهله قَالَ لما كَانَ يَوْم الدَّار قيل لعُثْمَان رض أَن لَا تقَاتل فَقَالَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عهد إِلَيّ عهدا وَأَنِّي صابر عَلَيْهِ قَالَ أَبُو سهلة فيرون أَنه ذَلِك الْيَوْم وروى أَيْضا بأسناده أَن أبي بكر بن أبي مَرْيَم بن عبد الرحمان بن جُبَير قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعُثْمَان رض أَن الله كساك يَوْمًا سربالا فَأن أرادك المُنَافِقُونَ على خلعه فَلَا تخلعه لظَالِم

(1/124)


روى أَبُو أَمَامه بن سهل بن حنيف قَالَ كنت مَعَ عُثْمَان رض = فِي الدَّار وَهُوَ مَحْصُور قَالَ فَكُنَّا ندخل مدخلًا إِذا دَخَلنَا سمعنَا كَلَام من عَليّ البلاط قَالَ فَدخل عُثْمَان رض = يَوْمًا لحجة فَخرج إِلَيْنَا منتقعا لَونه فَقَالَ أَنهم ليتوعدونني بِالْقَتْلِ أنفًا قَالَ قُلْنَا يكفيكهم الله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ وَلنْ يقتلونني وَقد سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لايحل دم إمرى مُسلم الا فِي إحد ثَلَاث رجل كفر بعد إيمَانه أَو زني بعد إحْصَانه أَو قتل نفس بِغَيْر نفس فو الله مَا زَنَيْت فِي جاهليه وَلَا إِسْلَام قطّ وَلَا تمنيت ان لي بديني بَدَلا مُنْذُ هَدَانِي الله وَلَا قتلت نفسا فَفِيمَ يقتلونني
وَعَن مُجَاهِد قَالَ أشرف عُثْمَان رض = على الَّذين حاصروة فَقَالَ يَا قوم لاتقتلوني فَإِنِّي وأل = وَأَخ مُسلم فوَاللَّه إِن أردْت أَلا ألإصلاح مَا إستطعت أصبت أم أَخْطَأت وأنكم إِن تقتلوني لَا تصلو جَمِيعًا أبدا وَلَا تغزو جَمِيعًا أبدا وَلَا يقسم فيئكم قَالَ فَلَمَّا أَبَوا قَالَ أنْشدكُمْ الله هَل دعوتم عِنْد وَفَاة أَمِير الْمُؤمنِينَ بِمَا دعوتم بِهِ وأمركم جَمِيعًا لم يفْتَرق وَأَنْتُم أهل دينه وَحقه فتقولون ان الله لم يجب دعوتكم أم تَقولُونَ هان الَّذين على الله أم تَقولُونَ إِنِّي أخذت هَذَا الْأَمر بِالسَّيْفِ وَالْغَلَبَة وَلم اخذه عَن مشورة من الْمُسلمين أم تَقولُونَ إِن الله لم يعلم من أول أَمْرِي شَيْئا لم يُعلمهُ من اخر فَلَمَّا أَبُو قَالَ اللَّهُمَّ أحصهم عددا واقتلهم بددا ولاتبق مِنْهُم أحدا قَالَ مُجَاهِد فَقتل الله مِنْهُم من قتل فِي الْفِتْنَة وَبعث يزِيد إِلَى الْمَدِينَة عشْرين ألفا فأباحوا الْمَدِينَة ثَلَاثًا يصنعون مَا شَاءُوا لمداهنتهم فِي أَمر عُثْمَان رض =

(1/125)


وروى أَيْضا باسناده عَن عَمْرو بن عُثْمَان بن أبي لَبِيبَة إِن عُثْمَان بن عَفَّان رض = لما حصر أشرف عَلَيْهِم من كوَّة فِي الدَّار فَقَالَ أنْشدكُمْ بِاللَّه هَل فِيكُم طَلْحَة قَالُوا نعم قَالَ أنْشدك الله هَل تعلم أَنه لما اخى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار اخى بيني وَبَين نَفسه فَقَالَ طَلْحَة اللَّهُمَّ نعم فَقيل لطلْحَة فِي ذَلِك فَقَالَ نشدني وَأمر رَأَيْته أَلا أشهد بِهِ
وَعَن رَاشد بن كيسَان الْعَبْسِي أَن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ بعث إِلَى عَليّ رض = وَهُوَ مَحْصُور فِي الدَّار أتني فَقَامَ غلي رض = لياتيه فَقَامَ بعض ال عَليّ رض = حَتَّى حَبسه وَقَالَ أَلا ترى إل مَا بَين يَديك من الْكَتَائِب لَا تخلص اليه وعَلى عَليّ رض = عِمَامَة سَوْدَاء فنفضها عَن رَأسه ثمَّ رمى بهَا إِلَى رَسُول عُثْمَان رض = وَقَالَ أخبرهُ بِالَّذِي قد رَأَيْت ثمَّ خرج عَليّ رض من الْمَسْجِد حَتَّى انْتهى إِلَى أَحْجَار الزَّيْت فِي سوق الْمَدِينَة فَأَتَاهُ قَتله فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي ابرأاليك من دَمه أَن أكون قتلت أَو مالأت على قَتله
وَعَن عَلْقَمَة بن وَقاص قَالَ قَالَ عمر بن الْعَاصِ لعُثْمَان رض = وَهُوَ على الْمِنْبَر يَا عُثْمَان إِنَّك قد ركبت بِهَذِهِ الْأمة نهابير من الْأَمر أَي شَدَائِد فتب وليتوبوا مَعَك قَالَ فحول وَجهه إِلَى الْقبْلَة فَرفع يَدَيْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك وَرفع النَّاس أَيْديهم
عَن سبابة بن سوار الْفَزارِيّ قَالَ حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن سعد عَن أَبِيه عَن جده قَالَ سَمِعت عُثْمَان بن عَفَّان رض = يَقُول إِن وجدْتُم فِي كتاب الله أَن تضعوا رجْلي فِي قيود فضعوها
وروى سيف بن عمر عَن الضريس بن مُعَاوِيَة بن صعصعة عَن هِلَال بن

(1/126)


جاوان عَن صعصعة بن مُعَاوِيَة التَّمِيمِي قَالَ أرسل عُثْمَان رض = وَهُوَ مَحْصُور ألى عَليّ وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وأقوام من الصَّحَابَة رض = فَقَالَ أحضروا غَدا وَكُونُوا حَيْثُ تَسْمَعُونَ مَا أَقُول لهَذِهِ الْخَارِج فَفَعَلُوا وأشرف عَلَيْهِم عُثْمَان رض = فَقَالَ أنْشدكُمْ الله من سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من يَشْتَرِي هَذَا المربد ويزيده فِي مَسْجِدنَا وَله الْجنَّة وأجره فِي الدُّنْيَا مَا بَقِي دَرَجَات لَهُ فاشتريته بِعشْرين الْفَا وزدته فِي الْمَسْجِد قَالُوا اللَّهُمَّ نعم وَقَالَ الْخَوَارِج صدقُوا وَلَكِن غيرت قَالَ أنْشدكُمْ الله من سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من يُجهز جَيش الْعسرَة وَله الْجنَّة فجهزته حَتَّى مَا فقدوا عقَالًا وَلَا خطاما قَالُوا نعم فَقَالَ الْخَوَارِج صدقُوا وَلَكِنَّك غيرت قَالَ أنْشدكُمْ الله من سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من يَشْتَرِي بِئْر رومة وَله الْجنَّة فاشتريتها فَقَالَ أجعلها للْمَسَاكِين وَلَك أجرهَا قَالُوا اللَّهُمَّ نعم وَقَالَ الْخَوَارِج صدقُوا وَلَكِنَّك غيرت وَعدد أَشْيَاء وَقَالَ الله أكبر وَيْلكُمْ خصمتم وَالله كَيفَ يكون من يكون هَذَا لَهُ مغيرا يَا أَيهَا النَّفر من أهل الشورى أعلمُوا أَنهم سيقولون لكم غَدا كَمَا قَالُوا لي الْيَوْم فَلَمَّا خَرجُوا بعد على عَليّ رض = جعل ينشد النَّاس عَن مثل ذَلِك وَيشْهد لَهُ بِهِ وَيَقُولُونَ صدقُوا وَلَكِنَّك غيرت فَقَالَ مَا الْيَوْم قلت وَلَكِنِّي قتلت يَوْم قتل إِبْنِ بَيْضَاء يَعْنِي عُثْمَان رض = رَوَاهُ أَحْمد فِي الْمسند
43 - ذكر منع عُثْمَان رض = من المَاء
عَن أبي حَارِث وَأبي عُثْمَان وَمُحَمّد وَطَلْحَة قَالُوا كَانَ الْحصْر أَرْبَعِينَ لَيْلَة وَالنُّزُول سبعين فَلَمَّا مَضَت من الْأَرْبَعين ثَمَانِيَة عشرَة لَيْلَة قدم ركبان من الْوُجُوه فَأخْبرُوا خبر من قد تهيء إِلَيْهِم من الأفاق حبيب من الشَّام

(1/127)


وَمُعَاوِيَة من مصر والقعقاع من الْكُوفَة ومجاشع من البصره فَعندهَا حالوا بَين النَّاس وَبَين عُثْمَان رض = ومانعوه كل شَيْء حَتَّى المَاء وَقد كَانَ يدْخل عَلَيْهِ بالشَّيْء مِمَّا يُرِيد فطلبوا الْعِلَل فَلم تطلع عَلَيْهِم عله فعثروا فرموا بِالْحِجَارَةِ فِي دَاره بالحجاره ليرموا فيقولوا قوتلنا وَذَلِكَ لَيْلًا فناداهم أَلا تَتَّقُون الله أما تعلمُونَ أَن فِي الدَّار غَيْرِي قَالُوا لَا وَالله مَا رميناك قَالَ فَمن رمانا قَالُوا الله قَالَ كَذبْتُمْ إِن الله لَو رمانا لم يخطئنا وَأَنْتُم تخطئوننا ثمَّ أشرف عُثْمَان رض على أل حزم وهم جِيرَانه فسرح إبنان لعمر بن حزم إِلَى عَليّ رض = أَنهم منعونا المَاء فان قدرتم أَن تُرْسِلُوا إِلَيْنَا بِمَاء فَفَعَلُوا وَإِلَى طَلْحَة وَالزُّبَيْر رض = وَإِلَى عَائِشَة رض = وأواج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ أَوَّلهمْ إنجادا لَهُ عَليّ وَأم حبيب رض = جَاءَ عَليّ فِي الْغَلَس فَقَالَ يَا ايها النَّاس ان الَّذِي تَصْنَعُونَ لَا يشبه امْر الْمُؤمنِينَ وَلَا أَمر الْكَافرين لَا تقطعوا عَن هَذَا الرجل الْمَادَّة فَإِن الرّوم وَفَارِس لتأسر فتطعم وتسقي وَمَا تعرض لكم هَذَا الرجل فِي شَيْء فيمَ تستحلون حصره وَقَتله فَقَالُوا لَا وَالله وَلَا نعْمَة عين لَا نتركه يَأْكُل وَلَا يشرب فَرمى بعمامته فِي الدَّار بِأَنِّي قدا نهضت فِيمَا أنهضتني لَهُ فَرجع وجأت ام حَبِيبه رض = على بغلة لَهَا برحاله مُشْتَمل على أدوات فَقيل أم الْمُؤمنِينَ أم حبيب فَضربُوا وَجه بغلتها فَقَالَت أَن وَصَايَا بني أُميَّة إِلَى هَذَا الرجل وَأحب أَن القاه وأسأله عَن ذَلِك كي لَا تهْلك أَمْوَال أَيْتَام وأرامل فَقَالُوا كَاذِب وأهوو لَهَا فَقطعُوا حَبل البغلت بِسيف فندت بِأم حَبِيبه فتلقاها النَّاس وَقد مَالَتْ رحالتها فتعلقوا بهَا فَأَخَذُوهَا وَقد كَادَت تهْلك فَذَهَبُوا بهَا إِلَى بَيتهَا وتجهزة عَائِشَة رض = خَارِجَة إِلَى الْحَج هاربه وَقد أستتبعت أخاها فابى فَقَالَت أما وَالله لَان أستطعت أَن يحرمهم الله مَا يحاولون لَأَفْعَلَنَّ وَجَاء حَنْظَلَة الْكَاذِب حَتَّى قَامَ على مُحَمَّد بن أبي بكر فَقَالَ يَا

(1/128)


مُحَمَّد تستتبعك أم الْمُؤمنِينَ فَلَا تتبعها وتدعوك ذؤبان الْعَرَب إِلَى مَا لَا يحل فتتبعهم فَقَالَ مَا أَنْت وَذَاكَ يَا إِبْنِ التميمة فَقَالَ يَا إِبْنِ الختعمية أَن هَذَا الْأَمر أَن صَار إِلَى التغالب غلبك عَلَيْهِ بنوا عبد منَاف وأنصرف عَنهُ وَهُوَ يَقُول ... عجبت لما يَخُوض النَّاس فِيهِ ... يرْمونَ الْخلَافَة أَن تَزُولَا
وَلَو زَالَت لزال الْخَيْر عَنْهُم ... وَلَا قوا بعْدهَا ذلا ذليلا وَكَانُوا كاليهود أَو النَّصَارَى ... سَوَاء كلهم ضلوا السَّبِيل
وَلحق بِالْكُوفَةِ وَخرجت عَائِشَة رض = وَهِي ممتلئة غيضا على أهل مصر وجاءها مَرْوَان بن الحكم فَقَالَ ياأم الْمُؤمنِينَ لَو أَقمت كَانَ أَجْدَر أَن يراقبوا هَذَا الرجل فَقَالَت أَتُرِيدُ أَن يصنع بِي كَمَا صنع بِأم حبيب ثمَّ لَا أحد من يَمْنعنِي لَا وَالله لَا أغتر وَلَا أَدْرِي إلام يسلم هَذَا أَمر هَؤُلَاءِ وَبلغ طَلْحَة وَالزُّبَيْر مَا لَقِي عَليّ وَأم حَبِيبَة رض = عَنْهُم فلزموا بُيُوتهم وَبَقِي عُثْمَان رض = يسْقِيه أل حزم فِي الغفلات وَعَلَيْهِم الرقباء وأشرف عُثْمَان رض = على النَّاس فَقَالَ يَا عبد الله بن عَبَّاس فدعي لَهُ فَقَالَ أذهب فَأَنت على الْمَوْسِم وَكَانَ مِمَّا لزم الْبَاب فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لجهاد هَؤُلَاءِ أحب إِلَى من الْحَج فأقسم عَلَيْهِ لينطلقن فَانْطَلق إِبْنِ عَبَّاس رض على الْمَوْسِم تِلْكَ السّنة وَرمى عُثْمَان رض = عَنهُ إِلَى الزبير بوصيته فأنصرف بهَا وَفِي الزبير أختلاف أأدرك مَقْتَله أَو خرج قبله فَقَالَ عُثْمَان رض = {وَيَا قوم لَا يجرمنكم شقاقي أَن يُصِيبكُم مثل مَا أصَاب قوم نوح أَو قوم هود أَو قوم صَالح وَمَا قوم لوط مِنْكُم بِبَعِيد} سُورَة هود 89 اللَّهُمَّ حل بَين الْأَحْزَاب وَبَين مَا يأملون كَمَا فعل بأشياعهم من قبل
عَن عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان عَن رجل عَن أبي ليلى الْكِنْدِيّ قَالَ

(1/129)


كنت غُلَاما لرجل من كنده فادركت عُثْمَان رض = وَأَنا محتلم فرأيته اشرف على النَّاس وَهُوَ مَحْصُور فَقَالَ يَا قوم لَا تقتلوني يَا قوم لَا يجر مِنْكُم شقاقي {يَا قوم إِن قتلتموني كُنْتُم هَكَذَا وَشَبك بَين اصابعه وخنس}
عَن عمر وبن مُحَمَّد بعثت ليلى بنت عُمَيْس الى مُحَمَّد بن ابي بكر وَمُحَمّد بن جَعْفَر فَقَالَت ان الْمِصْبَاح يَأْكُل نَفسه ويضيء للنَّاس فَلَا تأثما فِي أَمر تسوقانه إِلَى من الا ياثم فِيهِ فَإِن هَذَا الْأَمر الَّذِي تحاولون الْيَوْم لغيركم غَدا فَاتَّقُوا أَن يكون عَمَلكُمْ الْيَوْم حسر عَلَيْكُم غَدا فلجا وخرجا مغضبين يَقُولَانِ لَا ننسا مَا صنع بِنَا عُثْمَان وَتقول مَا صنع بكما إِلَّا مَا ألزمكما الله فلقيهما سعيد بن الْعَاصِ وَقد كَانَ بَين مُحَمَّد بن أبي بكر وَبَينه شَيْء فَأنكرهُ حِين لقِيه خَارِجا من عِنْد ليلى فتمثل لَهُ فِي تِلْكَ الْحَال بَيْتا ... أستبقي ودك للصديق وَلَا تكن ... قتبا يعَض بغاربي ملحاحا ...
فَأَجَابَهُ سعيد بن الْعَاصِ متمثلا ... ترَوْنَ إِذْ ضربا صميما من الَّذِي ... لَهُ جَانب ناء عَن الحزم معور ...

44 - ذكر بذل عُثْمَان رض = نَفسه دون دِمَاء الْمُسلمين قَالُوا جَاءَ زيد بن ثَابت الى عُثْمَان رض = فَقَالَ هَذِه الانصار بِالْبَابِ يَقُولُونَ إِن شِئْت كُنَّا أنصار الله مرَّتَيْنِ فَقَالَ عُثْمَان رض = أما الْقِتَال فَلَا وَعَن أبي صَالح عَن أبي هريره رض = قَالَ دخلت على عُثْمَان رض = يَوْم

(1/130)


الدَّار فَقلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ طَابَ أمضرب فَقَالَ يَا أَبَا هريره أَيَسُرُّك أَن تقتل النَّاس جَمِيعًا وإياي قَالَ قلت فأنك وَالله إِن قتلت رجل فأنك قتلت النَّاس جَمِيعًا قَالَ رجعت وَلم أقَاتل وَعَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عبد الله بن الزبير رض = قَالَ قلت لعُثْمَان يَوْم الدَّار قَاتلهم فوَاللَّه لقد احل الله لَك قِتَالهمْ فَقَالَ لَا وَالله لَا أقاتلهم أبدا قَالَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَهُوَ صَائِم قَالَ وَقد كَانَ عُثْمَان رض = عَنهُ أَمر عبد الله بن الزبير رض = على الدَّار قَالَ عُثْمَان رض = من كَانَت لي عَلَيْهِ طَاعَة فليطع عبد الله بن الزبير وَعَن أبن أبي مليكَة عَن عبد الله بن الزبير رض = قَالَ قلت لعُثْمَان رض = يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن مَعَك فِي الدَّار عصباية مستنصرة ينصر الله بأ قل مِنْهُم فَأذن لي فلأقاتل فَقَالَ عُثْمَان رض = أشدك الله رجل أوقال اذكر بِاللَّه رجلا أهراق فِي دَمه أَو قَالَ أهراق فِي دم وَعَن ابْن عون عَن ابْن سِيرِين قَالَ كَانَ مَعَ عُثْمَان رض = يَوْمئِذٍ فِي الدَّار سبعمائه لَو يدعهم لضربوهم إِن شَاءَ الله حَتَّى يخرجوهم من أقطارها مِنْهُم إِبْنِ عمر وَالْحسن إِبْنِ عَليّ وَعبد الله بن الزبير رضى الله عَنْهُم قَالُوا وَأخرج رَأسه من كوَّة يَقُول {أَيهَا النَّاس لَا تقتلوني وإستتيبوني فوَاللَّه لَئِن قتلتموني لَا تصلونَ جَمِيعًا أبدا وَلَا تجاهدون عدوا جَمِيعًا أبدا} ثمَّ قَالَ {وَيَا قوم لَا يجرمنكم شقاقي أَن يُصِيبكُم مثل مَا أصَاب قوم نوح أَو قوم هود أَو قوم صَالح وَمَا قوم لوط مِنْكُم بِبَعِيد} هود 89 وَأرْسل إِلَى عبد الله بن سَلام فَقَالَ مَا ترى قَالَ الْكَفّ الْكَفّ فَإِنَّهُ أبلغ لَك فِي الْحجَّة
وروى إِبْنِ سعد بِإِسْنَادِهِ عَن أبي جَعْفَر القارىء مولى ابْن عَبَّاس المَخْزُومِي قَالَ كَانَ المصريون الَّذين حصروا عُثْمَان رض = سِتّمائَة رَأْسهمْ

(1/131)


عبد الرَّحْمَن بن عديس البلوي وكنانة بن بشر بن عتاب الْكِنْدِيّ وَعَمْرو بن الْحمق الْخُزَاعِيّ وَالَّذين قدمُوا من الْكُوفَة مِائَتَيْنِ رَأْسهمْ مَالك الأشتر النَّخعِيّ وَالَّذين قدمُوا من الْبَصْرَة مائَة رجل رَأْسهمْ حَكِيم إِبْنِ جبلة الْعَبْدي وكانو يدا وَاحِدَة فِي الشَّرّ وَكَانَ حثالة من النَّاس قد ضووا إِلَيْهِم قد مرجت عهودهم وأماناتهم مفتونون وَكَانَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذين خذلوه كَرهُوا الْفِتْنَة وظنوا أَن الْأَمر لَا يبلغ إِلَى قَتله فَنَدِمُوا على مَا صَنَعُوا فِي أمره ولعمري لَو قَامُوا أَو قَامَ بَعضهم فَحَثَا فِي وُجُوههم التُّرَاب لَا نصرفوا خاسرين وَلَكِن ليقضي الله أَمر كَانَ مَفْعُولا
قَالَ إِبْنِ سعد حَدثنِي الحكم بن الْقَاسِم عَن أبي عون مولى الْمسور إِبْنِ مخرمَة قَالَ مَا زَالَ المصريون كافين عَن دَمه وَعَن الْقِتَال حَتَّى قدمت أَمْدَاد الْعرَاق من الْكُوفَة وَمن الْبَصْرَة وَمن الشَّام فَلَمَّا جَاءُوا شجع الْقَوْم حِين بَلغهُمْ أَن الْبعُوث قد فصلت من الْعرَاق من عِنْد ابْن عَامر وَمن مصر من عِنْد عبد الله بن سعد فَقَالُوا نعاجله قبل أَن تقدم الأمداد قَالُوا وَخرج سعد بن أبي وَقاص رض = حَتَّى دخل على عُثْمَان رض = وَهُوَ مَحْصُور ثمَّ خرج من عِنْده فَرَأى عبد الرَّحْمَن بن عديس ومالكا الأشتر وَحَكِيم بن جبلة فَصَفَّقَ بيدَيْهِ إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى ثمَّ أظهر الْكَلَام فَقَالَ وَالله إِن أمرا هَؤُلَاءِ رؤساؤه لأمر سوء

(1/132)


الْبَاب السَّابِع فِي ذكر قتل عُثْمَان رض =
قد ذكرنَا انه لما عَاد المصريون ألى المدينه خرج أليهم مُحَمَّد بن مسلمه فَسَأَلَهُمْ عَن سَبَب عودهم فأخرجواصحيفه فِي أنبوب رصاص وَقَالُوا وجدناها مَعَ غُلَام لعُثْمَان يَأْمر فِيهَا بجلد عبد الرَّحْمَن بن عديس وَعمر بن الاحمق وَعُرْوَة بن النباع وحبسهم وَحقّ رؤوسهم ولحاهم وصلب بَعضهم وَلما عَادوا عَاد الْكُوفِيُّونَ والبصريون وَدخل على وَمُحَمّد بن مسلمه على عُثْمَان رض = عَنْهُم فَأَخْبَرَاهُ بقول المصرين فأقسم بِاللَّه مَا كتب وَلَا علم ولاأمرى بِهِ فَقَالَ مُحَمَّد صدق هَذَا منفعل مَرْوَان وَدخل عَلَيْهِ المصريون فَلم يسلمُوا عَلَيْهِ بالخلافه قَالُوا لَهُ أَخْلَع نَفسك فَقَالَ لَا أنزع قَمِيصًا البسنيه الله وَلَكِنِّي أَتُوب وَكَثُرت الْأَصْوَات واللغط فَقَامَ عَليّ رض = فَخرج وَأخرج المصريون وحصروا عُثْمَان رض = فَكتب الى مُعَاوِيه الى أبن عَامر وأمرأء الأجناد يستنجدهم وَيَأْمُرهُمْ بالتعجيل وإرسال الْجنُود إِلَيْهِ فَتوجه جنود الشَّام نَحوه فَلَمَّا كَانُوا بوادي الْقرى بَلغهُمْ قَتله فَرَجَعُوا وَسَار جند الْبَصْرَة مَعَ مجاشع بن مسعودفبلغوا الربذَة وَبَلغت

(1/133)


مقدمتهم صرارا من نَاحيَة المدينه وأتاهم قَتله فَرَجَعُوا وَقيل أَن عُثْمَان امْر عليا رض = عَنْهُمَا أَن يردهم ويعطيهم كل مَا يرضيهم ليطاولهم فَأَجَابَهُ وَكَتَبُوا بَينهم كتابا على رد كل مظْلمَة وعزل كل عَامل كرهوه فَكف النَّاس فَجعل يستعد ويتأهب لِلْقِتَالِ وَاتخذ جندا وَمضى الْأَجَل وَلم يُغير شَيْئا وَخرج عَمْرو بن حزم الأنصري الى المصريين واعلمهم الْحَال وهم بِذِي خشب فقدموا المدينه وحصروه وأشتد الْحصار ومنعوهم المَاء فَأَشْرَف عَلَيْهِم فَسلم عَلَيْهِم ثمَّ قَالَ أنْشدكُمْ الله هَل تعلمُونَ أَنِّي أشتريت بِئْر رومة مَالِي ليستعذب بهَا وَجعلت رشائي فِيهَا كَرجل من الْمُسلمين فَقَالُوا نعم قَالَ فَلم تَمْنَعُونِي أَن أشْرب مِنْهَا حَتَّى أفطر على مَاء الْبَحْر ثمَّ قَالَ انشدكم الله هَل تعلمُونَ أَنِّي أشتريت ارْض كَذَا فزدتها فِي الْمَسْجِد قَالُوا نعم قَالَ فَهَل علمْتُم أَن أحدا منع ان يُصَلِّي فِيهِ قبلي ثمَّ قَالَ أنْشدكُمْ الله هَل تعلمُونَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عني كَذَا وَكَذَا لِأَشْيَاء فِيهِ شانه فَجعل النَّاس يَقُولُونَ مهلا عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَامَ الأشتر فَقَالَ قد مكر بِهِ وبكم فجدوا فِي قِتَاله
روى مُحَمَّد بن سعد بِإِسْنَادِهِ عَن أبي عون عَن الْحسن قَالَ أنبأني وثاب وَكَانَ مِمَّن أدْركهُ عتق أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر رض = فَكَانَ بَين يَدي عُثْمَان قَالَ دَعَاني عُثْمَان رض = فدعوت لَهُ الأشتر فجَاء قَالَ أَبُو عون أَظُنهُ قَالَ فطرحت لأمير الْمُؤمنِينَ وسَادَة وَله وسَادَة فَقَالَ يَا اشْتَرِ مَا يُرِيد النَّاس مني قَالَ ثَلَاث لَيْسَ لَك من أحداهن بُد فَقَالَ مَا هن قَالَ يخيرونك بَين أَن تخلع لَهُم أَمرهم ققول هَذَا أَمركُم فَاخْتَارُوا لَهُ من شِئْتُم وَبَين أَن تقص من نَفسك فَإِن أَبيت هَاتين فَإِن الْقَوْم قاتلوك قَالَ

(1/134)


أما من أحداهن بُد قَالَ لَا من أحداهن بُد قَالَ عُثْمَان رض = اما أَن أَخْلَع لَهُم امرهم فَمَا كنت لأخلع سربالا سربلنيه الله وَفِي روايه قَالَ وَالله لِأَن أقدم فَتضْرب عنقِي أحب الي من أَن أَخْلَع أمتة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعْضهَا على بعض وَأما أَن أقص من نسي فوَاللَّه لقد علمت أَن صَاحِبي بَين يَدي قد كَانَا يعاقبان وَمَا يقوم بدني للْقصَاص وأماأن يقتلوني فوَاللَّه لَئِن يقتلوني لَا يتحابوا بعدِي أبدا وَلَا يصلوا بعدِي جَمِيعًا ابدا وَلَا يقاتلوا بعد ي عدوا جَمِيعًا ابدا ثمَّ قَامَ فَانْطَلق
وَعَن مُحَمَّد وطلحه وابي حارثه وَأبي عُثْمَان قَالُوا لما قدم السَّابِق الَّذِي مضى ليكشف خبر النَّاس واخبرهم عَن اهل الْمَوْسِم أَنهم يُرِيدُونَ جَمِيعًا المصريين واشياعهم وَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَن يجمعوا ذَلِك الى حجهم فَلَمَّا اتاهم ذَلِك عَنْهُم مَعَ مَا بَلغهُمْ من نفور اهل الامصار أعلقهم الشَّيْطَان وَقَالُوا لَا يخرجنا مِمَّا وقعنا فِيهِ إِلَّا قتل هَذَا الرجل فيشتغل بذلك النَّاس عَنَّا وَلم تبْق خصْلَة يرجون بهَا النجَاة إِلَّا قَتله فراموا الْبَاب فَمَنعهُمْ من ذَلِك الْحسن وَابْن الزبير وَمُحَمّد بن طَلْحَة ومروان بن الحكم وَسَعِيد بن الْعَاصِ وَمن كَانَ من ابناء الصحابه وَمن قَامَ مَعَهم واجتلدوا أوقتتلوا فَنًّا داهم عُثْمَان رض = الله الله انتم فِي حل من نصرتي فأبواففتح الْبَاب وَخرج وَمَعَهُ الترس وَالسيف ليمنعهم فَلَمَّا رَأَوْهُ أدبر المصريون وركبهم هَؤُلَاءِ فزجرهم فتراجعوا وَعظم على الْفَرِيقَيْنِ وَأقسم على أَصْحَابه ليدخلن إِذا أَبَوا أَن ينصرفوا ودخلوا فأغلق الْبَاب دون المصريين
وَقد كَانَ الْمُغيرَة بن الْأَخْنَس بن شريق فِيمَن حج ثمَّ تعجل فِي نفر حجُّوا مَعَه فَأدْرك عُثْمَان رض قبل أَن يقتل وَشهد المناوشة وَدخل

(1/135)


الدَّار فِيمَن دخل وَجلسَ على الْبَاب من دَاخل وَقَالَ مَا عذرنا عِنْد الله إِن نَحن تَرَكْنَاهُ وَنحن نستطيع أَلا ندعهم حَتَّى نموت
وَاتخذ عُثْمَان رض = الْقُرْآن الْكَرِيم تِلْكَ الْأَيَّام نجيا يُصَلِّي وَعِنْده الْمُصحف فَإِذا أعيا جلس فَقَرَأَ فِيهِ وَكَانُوا يعدون الْقِرَاءَة فِي الْمُصحف من الْعِبَادَة وَكَانَ الْقَوْم الَّذِي كفكفهم بَينه وَبَين الْبَاب فَلَمَّا بَقِي المصريون لَا يمنعهُم أحد من الْبَاب وَلَا يقدرُونَ على الدُّخُول جَاءُوا بِنَار فأحرقوا الْبَاب والسقيفة فتأجج الْبَاب والسقيفة حَتَّى إِذا أحترق الْخشب خرت السَّقِيفَة على الْبَاب وثار أهل الدَّار وَعُثْمَان رض = يُصَلِّي حَتَّى منعوهم من الدُّخُول وَكَانَ عُثْمَان رض = قد أفْتَتح طه مَا شغله مَا سمع مَا يخطىء وَلَا يتتعتع حَتَّى أَتَى عَلَيْهَا فَلَمَّا فرغ جلس إِلَى الْمُصحف يقْرَأ فِيهِ {الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس إِن النَّاس قد جمعُوا لكم فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُم إِيمَانًا وَقَالُوا حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل} ال عمرَان 173 وَقَالَ لمن عِنْده إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عهد إِلَى عهدا فَأَنا صابر عَلَيْهِ وَلم يحرقوا الْبَاب إِلَّا وهم يطْلبُونَ مَا هُوَ أعظم مِنْهُ وَأقسم على من عِنْده أَلا يقاتلوا وَأمرهمْ بِالْخرُوجِ فَخرج الْحسن بن عَليّ رض = وَهُوَ يَقُول ... لَا دينهم ديني وَلَا أَنا مِنْهُم ... حَتَّى نصير إِلَى طمار شمام ...
ثمَّ خرج مُحَمَّد بن طَلْحَة رض = وَهُوَ يَقُول ... أَنا ابْن من حامي عَلَيْهِ بِأحد ... ورد أحزابا على رغم معد ...

وَخرج سعد بن الْعَاصِ وَهُوَ يَقُول ... صَبرنَا غَدَاة الدَّار وَالْمَوْت واقب ... بأسيافنا دون أبن أروى نضارب
وَكُنَّا غَدَاة الروع فِي الدَّار نصْرَة ... نشافههم بِالضَّرْبِ وَالْمَوْت ثاقب ...

(1/136)


وَكَانَ آخر من خرج عبد الله بن الزبير رض = أرْسلهُ عُثْمَان رض = إِلَى أَبِيه فِي وَصيته وَأمره أَن يَأْتِي أهل الدَّار فيأمرهم بالانصراف ألى مَنَازِلهمْ فَخرج عبد الله آخِرهم وَكَانَ يحدث النَّاس بآخر مَا كَانَ عَلَيْهِ قَالَ آخر وَصِيَّة أوصى بهَا عُثْمَان رض = اللَّهُمَّ إِنِّي أوصِي من أَطَاعَنِي بتقواك وطاعتك والأستقام حَتَّى الْمَمَات والأستعانة بك والأستغناء والتعري عَن الدُّنْيَا والأكتفاء بِاللَّه يَا عباد الله إِن الله جَاعل ل برهانا يسْتَدلّ بِهِ على مَا لدي ومهلك قاتلي لِأَنِّي لم أت شَيْئا وَلم أَدَعهُ إِلَّا أردْت بِهِ الله أثرت فِيهِ ديني وخلقه على نَفسِي اللَّهُمَّ أياك أعبد وأياك أدعوا وأستعين وأياك أشكر وَبِك أكتفي فَإِن عجلت لَهُم عذَابا دون الْعَذَاب الْأَكْبَر فابلهم بِالْحيرَةِ حَتَّى لَا يهتدوا لأمر دنيا وَلَا أَخّرهُ وأغر بهم خلقك وأرهم أَعْمَالهم حسرات عَلَيْهِم وَنكل بهم من بعدهمْ وَأَقْبل أَبُو هُرَيْرَة رض = وَالنَّاس محجمون عَن الدَّار إِلَّا أُولَئِكَ العصبية فدسروا وأقتتلوا فَقَامَ مَعَهم فَقَالَ هَذَا يومم طابم ضرابم وَهَذِه لُغَة دوس ونادى {وَيَا قوم مَا لي أدعوكم إِلَى النجَاة وتدعونني إِلَى النَّار} غَافِر 41 وبارز مَرْوَان يَوْمئِذٍ ونادى رجلا رجلا فبرز لَهُ رجل من بني لَيْث يدعى النباع فاختلفا ضربتين فَضَربهُ مَرْوَان أَسْفَل رجلَيْهِ وضربه الْأُخَر على أصل الْعُنُق فانكب مَرْوَان واستلقى الْأُخَر فاجتر هَذَا أَصْحَابه وأجتر الْأُخَر أَصْحَابه
عَن مُحَمَّد بن أسحق عَن يَعْقُوب بن عتبَة بن الْمُغيرَة بن الْأَخْنَس عَن الْحَارِث أبن أبي بكر عَن أَبِيه أبي بكر بن الْحَارِث بن هِشَام قَالَ إِنِّي وَالله لقائم انْظُر عُثْمَان رض = محصورا فِي الدَّار إِذْ حرق الْبَاب فَخرج أهل الدَّار على الْقَوْم بِأَيْدِيهِم السيوف ففتحوا وَقَالَ مَرْوَان من يبارز وَعبد الرَّحْمَن بن عديس جَالس لأَصْحَابه فَقَالَ لشاب جسيم أحد بني النباع من

(1/137)


بني لَيْث قُم إِلَيْهِ فبارزه فَوَثَبَ الرجل فَاسْتَوَى قَائِما كَأَنِّي أنظر إِلَيْهِ قد أَخذ أَسْفَل درعه فَجعله فِي منطقته فَخرجت سَاقه وَأبْصر مَرْوَان سَاقه وعورته وَخرجت أم إِبْرَاهِيم بن عدي الْكِنَانِي يَوْمئِذٍ فِيمَا حَدثنَا اسماعيل تَقول إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يقسم عَلَيْك لترجعن فَلم يفعل وأهوى لساقه فَضَربهُ الْأُخَر على عُنُقه فَاسْتَدَارَ فَوَقع وَوَقع الْأُخَر على أسته فَلَمَّا وَقع مَرْوَان وثب عَلَيْهِ عبيد بن أم رَافع ليدفف عَلَيْهِ فأكبت عَلَيْهِ أم إِبْرَاهِيم وَكَانَت قد أرضعت عبد الْملك بن مَرْوَان فَقَالَت مَا تُرِيدُ إِلَى الحم أَن تقطعه إِن كُنْتُم تُرِيدُونَ قَتله فقد قَتَلْتُمُوهُ فاستحيا الْأُخَر وَانْصَرف واحتملت الْأُخْرَى مَرْوَان فأدخللته بَيتهَا
وَعَن غبن أسحق قَالَ أقبل الْمُغيرَة بن الْأَخْنَس فَقَالَ مَا عُذْري عندالله إِذا لَقيته وَقد خذلتك وَكَانَ قد حج فتعجل فِي يَوْمَيْنِ فَأقبل فَأدْرك عُثْمَان رض = وَهُوَ مَحْصُور فنصره وَفِي رِوَايَة فأستاذنه فِي الْقِتَال فَأبى وَعَن أبي عمر عَن الْحسن قَالَ قلت أتعقل مقتل عُثْمَان رض = قَالَ نعم قلت فَهَل تعرف أحدا قَامَ بذلك قَالَ نعم قهر الرجل فَلم يجد ناصرا فجَاء أَبُو هُرَيْرَة وَسعد بن مَالك رض = فجثيا بحياله وناديا يَا عُثْمَان أَبَد لنا صفحتك فَأَشْرَف عَلَيْهِمَا وَقَالَ وَالله لَا تقتلان نفسيكما إِن رَأَيْتُمَا الطَّاعَة فانصرفا فَقَالَ وَالله ليضربنهم الله بذل وَلَا ينَال بهم إِبْلِيس مني أمرا يدْخل بِهِ على سُلْطَان الله عز وَجل دخلا بَينهم