التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان

وَقَالَ حسان بن ثَابت ... من سره الْمَوْت صرفا لَا مزاج لَهُ
فليأت مأسدة فِي دَار عثمانا
مستشعري حلق الماذي قد سفعت
قبل المخاطم بيض زَان أبدانا
صبرا فدى لكم أُمِّي وَمَا ولدت ... قد ينفع الصَّبْر فِي الْمَكْرُوه أَحْيَانًا
فقد رَضِينَا بِأَهْل الشَّام نافرة
وبالأمير وبالأخوان أخوانا
أَنِّي لمنهم وَأَن غالوا وَأَن شهدُوا ... مَا دمت حَيا وَمَا سميت حسانا
ضحوا بأشمط عنوان السُّجُود بِهِ
يقطع اللَّيْل تسبيحا وقرآنا
لتسمعن وشيكا فِي دِيَارهمْ
الله أكبر يَا ثَارَاتِ عثمانا ...
فَلَمَّا سمع أهل الشَّام زَاد فِيهَا ... يَا لَيْت شعري وليت الطير تُخبرنِي
مَا كَانَ شَأْن عَليّ وأبن عفانا ...
وَقَالَ حَنْظَلَة بن الرّبيع التَّمِيمِي وبلغه قتل عُثْمَان وتنحل شعره هَذَا حسان أبن ثَابت ... أوفت بنوا عمر بن عَوْف عهدها
وتلونت غدرا بَنو النجار
جِيرَانه الأدنون حول بيوته
غدروا بِهِ وَالْبَيْت ذِي الأستار
وتبدلوا يَوْم الحفيظة أَنهم
لَيْسُوا هُنَا لكم من الأخيار
ونسوا وصاة مُحَمَّد فِي صهره
وتبدلوا بالعز دَار بوار ...

(1/208)


.. وتركتموه مجدلا بمضيعة
تنتابه بالغوغا من الْأَمْصَار
لهفان يَدْعُو غَائِبا أنصاره ... يَا وَيحكم يامعشر الْأَنْصَار
هلا وفيتم عِنْدهَا بعهودكم ... وفديتم بِالسَّمْعِ والأبصار ...
وَقَالَ حسان بن ثَابت
ان تمس دَار ابْن أروى الْيَوْم خاويه
بَاب صديع وَبَاب محرق خرب
فقد يُصَادف باغي الْخَيْر حَاجته
فِيهَا ويهوي اليها الذاكر والحسب
ياأيها النَّاس أبدو انفسكم
لَا يَسْتَوِي الصدْق عِنْد الله وَالْكذب
قو بِحَق مليك النَّاس تعترفوا
بغارة عصب من خلفهاعصب
فيهم حبيب شهَاب الْمَوْت يقدمهم
مستلئما قد بدا فِي وَجهه الْغَضَب
وَقَالَ الْوَلِيد بن عقبه
تبدلت من عُثْمَان عمرا وفاتني ... فَللَّه من مولى وَمن نَاصِر وَعَمْرو
ألأ أَن خير النَّاس بعد ثلَاثه
قَتِيل التجِيبِي الَّذِي جَاءَ من مصر
فَأن يَك ظَنِّي بأبن امي صادقي ... عمَارَة لَا يدْرك بذحل وَلَا وتر
يظل وأوتار أبن عَفَّان عندة ... مخيمة بَين الخورنق والجسر ...
وَقَالَ أَيْضا ... ضرب التجِيبِي المضلل ضربه
ردَّتْ بنانا فِي بني شيبانا
والعائدي لمثلهَا متوقع
لما يكن وَكَأَنَّهُ قد كَانَا

(1/209)


وَقَالَ الْوَلِيد بن عقبه
بني هَاشم ردوا سلَاح ابْن أختكم ... وَلَا تنبهوه لَا يحل تناهبه
بني هَاشم إِلَّا تردوا فإننا
سَوَاء علينا قاتلاه وسالبه
... بني هَاشم كَيفَ الهواده بَيْننَا ... وَسيف ابْن أروى عنْدكُمْ وحرائبه
قتلتم أَمِير الْمُؤمنِينَ جِنَايَة
كَمَا غدرت يَوْمًا بكسرى مرازبه
جنيتم بقتل الكهل حَربًا طَوِيلَة وشرا طَويلا مَا تغيب كواكبه
فوَاللَّه لَا انس ابْن أُمِّي معيشتي
وَهل ينسين المَاء من كَانَ شَاربه
هُوَ الْأنف والعينان مني فَلَيْسَ لي ... سوى الْأنف والعينين وَجها أعاتبه ...
وَقَالَ كَعْب بن مَالك ... يَا للرِّجَال للبك المخطوف
ولدمعك المترقرق المنزوف ... وَيْح لامرقد أَتَانِي رائع
هد الْجبَال فأنغضت برجوف
قتل الْخَلِيفَة كَانَ أمرا مفظعا
قَامَت بِذَاكَ بلية التخويف
قتل الْأَمَام لَهُ النُّجُوم خواضع ... وَالشَّمْس بازغة لَهُ بكسوف
يَا لهف نَفسِي إِذْ توَلّوا غدْوَة
بالنعش فَوق عواتق وكتوف ... ولوا ودلوا فِي الضريح أَخَاهُم
مَاذَا أجن ضريحه المسقوف
من نائل أَو سؤدد وحمالة
سبقت لَهُ فِي النَّاس أَو مَعْرُوف
كم من يَتِيم كَانَ يجْبر عظمه
امسى بِمَنْزِلَة الضّيَاع يطوف
فرجتها عَنهُ برحمك بَعْدَمَا
كَادَت وأيقن بعْدهَا بحتوف
مَا زَالَ يقبلهم ويراب ظلمهم
حَتَّى سَمِعت برنة التلهيف ...

(1/210)


.. أَمْسَى مُقيم بِالبَقِيعِ وَأَصْبحُوا
مُتَفَرّقين قد أَجمعُوا بحفوف
النَّار موعدهم بقتل إمَامهمْ
عُثْمَان طهر فِي الْبِلَاد عفيف
جمع الْحمالَة بعد حلم رَاجِح
وَالْخَيْر فِيهِ مُبين مَعْرُوف
يَا كَعْب لَا تنفك تبْكي هَالكا
مَا دمت حَيا فِي الْبِلَاد تَطوف
فابكي أَبَا عَمْرو عفيفا واصلا
ولرأيه اذ كَانَ غير سخيف
وليبكه عِنْد الْحفاظ لمعظم
وَالْخَيْل بَين مقانب وصفوف
قتلوك يَا عُثْمَان غير مدنس
قتلا لعمرك وَاقعا بسقيف ...
وَقَالَ أَيْضا يرثي عُثْمَان رض = ... من بلغ الْأَنْصَار عني أَيَّة ... رسلًا تقص عَلَيْهِم التبيانا
رسلًا تخبركم بِمَا أوليتم
أَن الْبلَاء يكْشف الأنسانا
أَن قد فَعلْتُمْ فعلة مَذْكُورَة
رمت الشُّيُوخ وأبدت الشنانا
بقعودكم فِي داركم وأميركم
تغشى ضواحي دَاره النيرانا
حَتَّى اذا خلصوا الى أبوابه
دخلُوا عَلَيْهِ صَائِما عطشانا
أنسيتم عهد النَّبِي فِيكُم ... وَلَقَد ألظ ووكد الأيمانا
بمنى غَدَاة تَلا الصَّحِيفَة فِيكُم
فأهجتم وقبلتم الاديانا
إِلَّا توالوا مَا تغور رَاكب
أخزى الْمنون مواليا أعوانا
وَالله لَو شهد أبن قيس ثَابت
ومعاشر كَانُوا لَهُ إخْوَانًا
وَرِفَاعَة الْعمريّ وَابْن معاذهم
وأخو الْمشَاهد من بني العجلانا ...

(1/211)


وَأَبُو دُجَانَة وَابْن أقرم ثَابت
وأخو مَعُونَة لم يخف خذلانا
كَانُوا يرَوْنَ الْحق نصرا مَا يهم
ويرون طَاعَة امْرَهْ لرعايا
لَا يجنبون عَن الْعَدو وَلَا ترى
يَوْم الْحفاظ جموعهم تيهانا
وقوام أَمر الْمُسلمين إمَامهمْ
يَزع السَّفِيه ويقمع العدوانا
فوددت لَو كُنْتُم بذلتم عهدكم
لبقي أميركم على مَا كَانَا
وكررتم كرّ المحافظ إِنَّمَا
يسْعَى الْحَلِيم لمثله أَحْيَانًا
فمنعتموه أَو قتلتم حوله ... متلبين الْبيض والأبدانا
وَلَقَد عتبت على معاشر مِنْكُم ... يَوْم الوقيعة أَسْلمُوا عثمانا
وليعلين الله كَعْب وليه
وليجعلن عده الذلانا
إِنِّي رَأَيْت مُحَمَّدًا إختاره
صهرا وَكَانَ لنَفسِهِ خلصانا
مَحْض الضرائب ماجدا أعراقه
من خير خَنْدَق منصبا ومكانا
عرفت لَهُ عليا معد كلهَا
بعد النَّبِي الْمجد والسلطانا
من معشر لَا يغدرون بجارهم
كَانُوا بِمَكَّة يرتعون زَمَانا
يُعْطون سائلهم ويأمن جارهم فيهم ويردون الكماة طعانا ...
والعمري رِفَاعَة بن عبد الْمُنْذر وأبن معَاذ سعد بن معَاذ وأخو الْمشَاهد معن بن عدي وَأَبُو دُجَانَة سماك بن خَرشَة وَابْن أقرم ثَابت ابْن أقرم قَتله طَلْحَة بن خويلد وأخو مَعُونَة الْمُنْذر بن عَمْرو وَقَالَ حسان بن ثَابت يرثي عُثْمَان بن عَفَّان رض = ... الامن بلغ الْأَنْصَار عني
رِسَالَة نَاصح من أبي الْوَلِيد
فَإِنِّي خَائِف شفق عَلَيْك
مغبة رَأْيكُمْ غير الرشيد ...

(1/212)


فررتم من زعانف عاندوه
فَعِنْدَ الله عادات الشَّهِيد
فعثمان بن عَفَّان سلوة
تصيبوا أَمركُم لَا من بعيد
وَقومُوا دونه بالبيض شهرا ... كَمَا زحفت بخفان أسود
فأنكم على أثباج أَمر ... ورأي غير معتدل رشيد
فوَاللَّه فِي عُثْمَان حَقًا
وَمَا أعطيتموه من العهود
مهلا لَا تَقولُوا لليالي
وللأيام فِي عمياء عودي
فانا لن نعود إِلَى أنيس
بِخَير غير معترك العبيد
وَأَنِّي قد أرى رَأيا وأمرا
سيكشف بعد عَن أَمر شَدِيد
سيوشك أَن يكْشف عَن قَلِيل ... لأهل الرَّأْي عَن أَمر حميد
فَبَصر أَهلهَا واعن بِرَأْي ... يعاش بفضله رَأْي سعيد ...

وَقَالَ خَالِد بن عقبَة بن أبي معيط لأزهر بن سيحان الْمحَاربي وَكَانَ من أَصْحَاب عُثْمَان يَوْم الدَّار وأنفلت يَوْمئِذٍ
لعمرك مَا نَادَى وَلَكِن رأيتة
بِعَيْنَيْك أذ مسعاك فِي الدَّار وَاسع ...
فَأَجَابَهُ أَزْهَر بن سيحان الْمحَاربي ... يَقُول رجال قد دعَاك فَلم تجب
وَذَاكَ دُعَاء من خليلى رائع
فان كَانَ نَادَى دَعْوَة فسمعتها
فشلت يَدي وأستك مني المسامع
وَألا فَكَانَت بِالَّذِي هُوَ قَالَهَا
ودأرت عَلَيْهِ الدائرات القوارع
تَلُومُونَنِي أَن جلت فِي الدَّار حاسرا
وَقد فر عَنهُ خَالِد وَهُوَ دارع ...
ونادى رجل منى قتلة عُثْمَان يُقَال لَهُ خَلِيل بن لخم من يبارز ... فيا لَيْتَني ألقا فوارس ناعق ... وأثبته الْأَزْدِيّ ثمَّ أَمُوت ... فَحمل عَلَيْهِ أثْبته بن عبد الله الْأَزْدِيّ فَضَربهُ فَقتله وَقَالَ فِي ذَلِك ... ألم يَأْتِ عُثْمَان الْخَلِيفَة مقدمي ... على البطل اللَّخْمِيّ وَالْجمع حَابِس

(1/213)


.. وأثبتت فِيهِ زاعبيا كَأَنَّهُ
شهَاب أضائة للْمُغِيرَة قابس
فلولا ثَلَاث هن من عيشة الْفَتى ... وَجدك لم أحفل مَتى قَامَ رامس ...