التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان

وَقَالَ عبد الله بن وهب بن زَمعَة بن الْأسود ... أليت جهدا لَا أبايع بعده ... أماما وَلَا أرعى لما قَالَ قَائِل ... وَلَا أَبْرَح الْبَابَيْنِ مَا هبت الصِّبَا
بِذِي رنق قد أخلصته الصياقل
حسام كلون الْملح لَيْسَ بعائد ... إِلَى الجفن مَا هبت ريَاح شمائل
نُقَاتِل من دون أبن عَفَّان أَنه ... أَمَام وَقد جَاشَتْ عَلَيْهِ الْقَبَائِل ...
وَقَالَ الْمُغيرَة بن الْأَخْنَس ... وكف يَدَيْهِ ثمَّ أغلق بَابه ... وأيقن أَن الله لَيْسَ بغافل
وَقَالَ لأهل الدَّار لَا لَا تقاتلوا
عَفا الله عَن كل أمرىء لم يُقَاتل ...
فَكيف رَأَيْت الله ألْقى عَلَيْهِم الْعَدَاوَة والبغضاء بعد التواصل ... وَكَيف رَأَيْت الْخَيْر أدبر بعده
عَن النَّاس أدبار النعام الجوافل
وَكَيف رَأَيْت الشَّرّ يقبل نحوهم
وَيكْتب عَن أَيْمَانهم وَالشَّمَائِل ...
وَقَالَ حسان بن ثَابت رض = ... مَاذَا أردتم من أخي الدّين باركت
يَد الله فِي ذَاك الْأَدِيم المقدد
قتلتم ولي الله فِي جَوف دَاره
وجئتم بِأَمْر جَائِر غير مهتد ...

(1/214)


.. فَهَلا رعيتم ذمَّة الله بَيْنكُم
وأوفاكم قدما لَدَى كل مشْهد
فَلَا ظَفرت أَيْمَان قوم تتابعوا
على قتل عُثْمَان الرشيد الْمسند ...

وَقَالَ كَعْب بن مَالك يرثي عُثْمَان رض = ... فان أمس قد أنْكرت جسمي وقوتي
وأدركني مَا يدْرك الْمَرْء فِي الْعُمر
فَلَا ضير أَن الله أعْطى ونالني
مَوَاقِف ترجى غير من وَلَا فَخر
واني من الْقَوْم الَّذين سَمِعْتُمْ ... أجابوا وليا دَعْوَة الله فِي الْأَمر
أنابوا وَلم يفتنهم مَا أَصَابَهُم
من النكث فِيهَا وَالْبَلَاء بل الْوتر
فجادوا بحوباء النُّفُوس وَلم يرَوا ... لَهُم هَذِه الدُّنْيَا كعاقبة الدَّهْر
وَمَا جعلُوا من دون أَمر رسولهم
لدن أزروه من وُرُود وَلَا صدر
وَيَأْمُرهُمْ أَمْثَال سعد وَمُنْذِر
وأمثال عبد الْحَارِث الْحسن الذّكر
ونعمان وأبن الْجد معن وثابت بن
قيس وأمثال ابْن عفراء بِالصبرِ
وَمثل ابْن عَمْرو وأمرىء الْقَيْس مِنْهُم
وأمثال مَحْمُود وَمثل أبي عَمْرو
وَمثل رجال فيهم لم أُسَمِّهِم
وَكم من نجيب فِي طوائفهم شمر
ورهط مَعَ الْفَارُوق والمرء عَامر
وَزيد وَزيد والأمير أبي بكر
مَعَ ابْن كنُود وَابْن جحش وَمصْعَب
وَذي العاتق الْمَضْرُوب يَوْم رحى بدر
وَطَلْحَة وَالْحجاج مِنْهُم وحاطب
وَلَيْسَ ابْن عوام بناس وَلَا عَمْرو
وَعَمْرو وَعُثْمَان بن عَفَّان والفتى ... أَبُو مرْثَد سقيا لذَلِك من ذكر
أُولَئِكَ أَقوام لَهُم مَا تقدمُوا
هم مهلوا قبل الْبَريَّة فِي الْأجر
تضَاعف مَا أسدا من الْخَيْر كُله ... وَمَا أَمر مَعْرُوف الْمشَاهد كالنكر ...

(1/215)


وَقَالَ رجل من الْعَرَب ... هلا على عُثْمَان يبكي مدفع
عَن الْبَاب أنباه الْحجاب غَرِيب
وهلا على عُثْمَان تبْكي أرمل ... ظلمن فَمَا يعْطى لَهُنَّ نصيب ...

وَقد ذكر عمر بن شبة النميري فِي مَقْتَله أبياتا لحسان بن ثَابت وَهِي ... خذلته الأنصا إِذا حضر الْمَوْت
وَكَانَت ثقاته الْأَنْصَار
من عذيري من الزبير وَمن طَلْحَة ... هاجا أمرا لَهُ إعصار
فَوَلِيه مُحَمَّد بن أبي بكر ... جهارا وَخَلفه عمار
وَعلي فِي بَيته يسْأَل النَّاس
بِظهْر وَعِنْده الْأَخْبَار
ينظر الْأَمر أَن يزف اليه ... كَالَّذي سببت لَهُ الأقدار ...

75 - ذكر نوح الْجِنّ على عُثْمَان رض = قَالَ مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الأجري فِي = كتاب الشَّرِيعَة لما قتل عُثْمَان رض = بَكَى عَلَيْهِ كثير من الصَّحَابَة وَلزِمَ قوم بُيُوتهم فَمَا خَرجُوا إِلَّا إِلَى قُبُورهم وبكته الْجِنّ وناحث عَلَيْهِ فروى عُثْمَان بن مرّة قَالَ حَدَّثتنِي أُمِّي قَالَت لما قتل عُثْمَان رض = بَكت الْجِنّ على مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثًا وَكَانَت تنشدنا مَا قَالَت الْجِنّ على عُثْمَان رض = وأرضاه ... لَيْلَة الْمَسْجِد اذ ... ير مون بالصم الصلاب
ثمَّ قَامُوا بكرَة
ينعون صقرا كالشهاب
زينهم فِي الْحَيّ والمجلس ... فكاك الرّقاب ...

قَالَ الأجري وَحدثنَا أبن أبي دَاوُد وَقَالَ حَدثنَا عبد الله بن سعيد قَالَ حَدثنَا أَبُو نميلَة قَالَ ذكر مُحَمَّد بن أسْحَاق قَالَ سمع صَوت الْجِنّ ... تبكيك نسَاء الْحَيّ
يبْكين شجيات
ويخشمن وُجُوهًا
كالدنانير نقيات
ويلبس ثِيَاب السود
بعد القصبيات ...

(1/216)


الْبَاب الثَّانِي عشر فِي ذكر الْأَخْذ بثأر عُثْمَان رض = مِمَّن بَاشر قَتله أَو أعَان عَلَيْهِ
76 - أعلم أَنه لما قتل عُثْمَان رض = أنتدب لأخذ ثَأْره من قتلته مُعَاوِيَة رض = وَترك عَلَيْهِم المراصد وجد فِي طَلَبهمْ وحرض أهل الشَّام وألبس مِنْبَر دمشق قَمِيص عُثْمَان رض = الَّذِي قتل فِيهِ وعلق أَصَابِع نائلة بنت الفرافصة زَوْجَة عُثْمَان رض = على الْقَمِيص وَمكث أهل الشَّام يَبْكُونَ حول الْقَمِيص سنة يوضع كل يَوْم على الْمِنْبَر ويجلله أَحْيَانًا فيلبسه وعلق فِي أردانه أَصَابِع نائلة
وَكَانَ أول من قتل مِنْهُم رجل من أهل الْبَصْرَة وَذَلِكَ أَن مُعَاوِيَة كَانَ قد كتب إِلَى أُمَرَاء الأجناد ليوافوه بالعساكر لما حصر عُثْمَان رض = وَسَارُوا نَحوه فَسَار مجاشع بن مَسْعُود فَبلغ النباج وَهُوَ مَوضِع وعَلى مقدمته زفر بن الْحَارِث فَاسْتَقْبلهُ رجل مِمَّن كَانَ شخص من أهل الْبَصْرَة فَقَالَ مَا وَرَاءَك قَالَ قتل نعثل قَالَ مَا نعثل قَالَ عُثْمَان فَأَخذه فأضجعه ثمَّ ذبحه فَكَانَ ذَلِك الرجل أول من قتل على دم عُثْمَان رض = بعد يَوْم الدَّار وَقد ذكرنَا ذَلِك فِيمَا تقدم

(1/217)


أما سودان بن حمْرَان عَلَيْهِ الْعنَّة فانه هُوَ الَّذِي ضرب عُثْمَان رض = فَقتله فَلَمَّا رَآهُ عبد لعُثْمَان رض = وثب عَلَيْهِ فَقتله فَوَثَبَ قتيرة على الْغُلَام فَقتله فَوَثَبَ عبد آخر لعُثْمَان رض = على قتيره فَقتله فَكَانَ سودان بن حمْرَان أول من قتل يَوْم الدَّار
77 - ذكر مقتل مَالك الأشتر
كَانَ مُحَمَّد بن أبي بكر عَاملا على مصر من قبل عَليّ بن أبي طَالب رض = فاضطربت عَلَيْهِ وَذَلِكَ سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ فَبعث عَليّ رض = الأشتر ليَكُون عَاملا عَلَيْهَا فَعظم ذَلِك على مُعَاوِيَة وَعلم أَنه أَن قدم الأشتر مصر كَانَ أَشد عَلَيْهِ من مُحَمَّد فَبعث مُعَاوِيَة إِلَى الْمُقدم على الْخراج بالقلزم وَقَالَ إِن كفيتني الأشتر لم آخذ مِنْك خراجا مَا بقيت وَبقيت
وَخرج الأشتر من الْعرَاق يُرِيد مصر فَلَمَّا أنْتَهى إِلَى القلزم أستقبله ذَلِك الرجل وَعرض عَلَيْهِ النُّزُول فَنزل عِنْده فَأَتَاهُ بِطَعَام فَأكل وَأَتَاهُ بشراب من عسل وَقد سمه فَلَمَّا شربه مَاتَ فِي الْحَال وَكَانَ مُعَاوِيَة يَقُول لأهل الشَّام إِن عليا قد بعث الأشتر إِلَى مصر فَادعوا الله عَلَيْهِ فَكَانُوا يدعونَ الله عَلَيْهِ كل يَوْم فَأقبل الَّذِي سقَاهُ إِلَى مُعَاوِيَة فَأخْبرهُ بمهلك الأشتر فَخَطب مُعَاوِيَة النَّاس وأعلمهم بذلك
لما بلغ عليا رض = مَوته قَالَ لِلْيَدَيْنِ والفم وَكَانَ قد ثقل عَلَيْهِ الأشتر لِأَشْيَاء نقلت عَنهُ وَقيل أَنه لما بلغ مَوته أسترجع ونعاه إِلَى النَّاس وَكَانَ هَذَا هُوَ الصَّحِيح لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَارِهًا لَهُ لما ولاه مصر
وَكَانَ الأشتر قد روى الحَدِيث عَن عمر وَعلي خَالِد بن الْوَلِيد وَأم ذَر وروى عَنهُ جمَاعَة لكنه كَانَ منحرفا عَن عُثْمَان وَكَانَ مِمَّن ألب النَّاس عَلَيْهِ وَمِمَّنْ سَار إِلَيْهِ فَقتله وَقد ذكرنَا ذَلِك

(1/218)


78 - ذكر مقتل مُحَمَّد بن أبي بكر وكنان بن بشر التجِيبِي
ثمَّ أَن مُعَاوِيَة بعث عَمْرو بن الْعَاصِ إِلَى مصر لقِتَال جندها فَخرج وَسَار فَنزل قَرِيبا مِنْهَا وراسل مُحَمَّدًا وَأمره بِالْخرُوجِ عَن مصر فَبعث مُحَمَّد إِلَى عَليّ رض = يُخبرهُ بذلك ويستمده فَكتب إِلَيْهِ عَليّ رض = يَأْمُرهُ بِالصبرِ والقتال ويعد أنفاذ الجيوش
ثمَّ خرج مُحَمَّد لقِتَال عَمْرو وعَلى مقدمته كنَانَة بن بشر التجِيبِي فِي أَلفَيْنِ وَمَعَ مُحَمَّد أَيْضا أَلفَانِ فاقتتل كنَانَة بن بشر هُوَ وعسكر عَمْرو قتالا شَدِيدا فَقتل كنَانَة بن بشر وَكَانَ مِمَّن دخل على عُثْمَان رض = وباشر قَتله وَقيل أَنه قتل يَوْم الدَّار ولأول أصح
وَلما بلغ قَتله مُحَمَّد بن أبي بكر تفرق عَنهُ أَصْحَابه وَأَقْبل نَحوه عَمْرو أبن الْعَاصِ وَمَا بَقِي مَعَه أحد فَخرج مُحَمَّد يمشي فِي الطَّرِيق فأنتهى إِلَى خربة فِي نَاحيَة الطَّرِيق فأوى إِلَيْهَا وَسَار عَمْرو حَتَّى دخل فسطاط مصر وَخرج مُعَاوِيَة بن حديج السكونِي فِي طلب مُحَمَّد فَانْتهى على جمَاعَة على قَارِعَة الطَّرِيق فَسَأَلَهُمْ عَنهُ فَقَالَ أحدهم دخلت تِلْكَ الخربة فَرَأَيْت فِيهَا رجلا جَالِسا فَقَالَ أبن حديج هُوَ هُوَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فاستخرجوه وَقد كَاد يَمُوت عطشا وَأَقْبلُوا بِهِ نَحْو الْفسْطَاط فَقَالَ أَخُوهُ عبد الرحمان بن أبي بكر رض لعَمْرو بن الْعَاصِ أتقتل أخي صبرا أبْعث إِلَى ابْن حديج فانهه عَنهُ فَبعث اليه عَمْرو يَأْمُرهُ أَن يَأْتِيهِ بِمُحَمد فَقَالَ قتلتم كنَانَة بن بشر وأخلي أَنا مُحَمَّدًا هَيْهَات هَيْهَات فَقَالَ مُحَمَّد أسقوني مَاء فَقَالَ مُعَاوِيَة بن حديج أَنكُمْ منعتم عُثْمَان المَاء وَالله لأَقْتُلَنك حَتَّى يسقيك الله من الْحَمِيم فَسَبهُ فَغَضب مِنْهُ وَقَتله ثمَّ أدخلهُ فِي جيفة حمَار ثمَّ أحرقه بالنَّار فَلَمَّا بلغ ذَلِك عَائِشَة رض = جزعت عَلَيْهِ جزعا شَدِيدا وقنتت فِي

(1/219)


دبر الصَّلَاة تدعوا على مُعَاوِيَة بن حديج وَعمر بن الْعَاصِ وَأخذت عِيَال مُحَمَّد اليها وَلم تَأْكُل شواء من ذَلِك الْوَقْت حَتَّى توفيت وَكَانَت رض = تَقول لَهُ مذمما بدل مُحَمَّد
وَملك عَمْرو مصر وسر أهل الشَّام بقتل مُحَمَّد وَلما بلغ خبر قَتله إِلَى عَليّ رض = حزن عَلَيْهِ حزنا شَدِيدا ونعاه وَلَام أَصْحَابه فِي ترك النفير اليه ومساعدته
وَكَانَ مُحَمَّد منحرفا عَن عُثْمَان رض = لأجل الْحَد الَّذِي أَخذه مِنْهُ وَكَانَ مِمَّن دخل على عُثْمَان رض = وَقَتله وَقيل أَنه ناشده فاستحيا وَتَركه وَخرج وَلم يُبَاشر قَتله وَكَانَ مُحَمَّد يَدعِي مذمما لقبته بذلك عَائِشَة رض = لسوء صَنِيعه فلقي عُقُوبَة ذَلِك فِي الدُّنْيَا من الْقَتْل والحرق وَعند الله يجْتَمع الْخُصُوم
79 - ذكر مقتل طَلْحَة وَالزُّبَيْر رض =
كَانَت عائشه رض = لما قتل عُثْمَان رض = عظم ذَلِك عَلَيْهَا وَرَأَتْ أمورا مُنكرَة وَرَأَتْ قتلة عُثْمَان رض = وَالَّذين حصروه قد أنضموا إِلَى عَسْكَر عَليّ رض = فساءها ذَلِك فَخرجت تُرِيدُ مَكَّة وأنضم إِلَيْهَا طَلْحَة وَالزُّبَيْر رض = فِي جمَاعَة
ثمَّ أَنهم سَارُوا نَحْو الْبَصْرَة مطالبين بِدَم عُثْمَان رض = يتتبعون قتلته فَبلغ خبرهم عليا رض = فَبعث عمارا إِلَى الْكُوفَة يستنفر النَّاس لقتالهم فَسَار إِلَيْهِم إِلَى الْبَصْرَة فَلَمَّا ترَاءى الْجَمْعَانِ عَليّ وَعَسْكَره وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وعسكرهما وَركبت عَائِشَة الْجمل وألبسوا الهودج الأدراع وَأَقْبَلت حَيْثُ تسمع الغوغاء واقتتل النَّاس أَتَى طَلْحَة سهم غرب فَشك

(1/220)


رجله بصفحة الْقوس وَهُوَ يُنَادي إِلَى عباد الله الصَّبْر الصَّبْر فَقَالَ لَهُ الْقَعْقَاع إِنَّك لجريح وَإنَّك عَمَّا تُرِيدُ لعليل فَادْخُلْ الْبيُوت فَدخل وَهُوَ يبكي وَيَقُول اللَّهُمَّ خُذ لعُثْمَان مني حَتَّى ترْضى فَلَمَّا أمتلأ خفه دَمًا قَالَ لغلامه أردفعني وأمسكنى وأبغني مَكَانا أنزل فِيهِ فَأدْخلهُ الْبَصْرَة وأنزله فِي دَار خربة فَمَاتَ فِيهَا
وَلما مَاتَ رض = دفن فِي بني سعد وَقَالَ قبل مَوته لم أر شَيخا أضيع دَمًا مني وَقيل أَن الَّذِي رمى طَلْحَة كَانَ مروآن بن الحكم وَقيل غَيره
قَالَ أبن سعد أَخْبرنِي من سمع أسماعيل بن أبي خَالِد يخبر عَن حَكِيم أبن جَابر الأحمسي قَالَ قَالَ طَلْحَة بن عبيد الله رض = يَوْم الْجمل إِنَّا داهنا فِي أَمر عُثْمَان فَلَا نجد الْيَوْم شَيْئا مثل الْيَوْم شَيْئا أمثل من أَن نبذل دماءنا فِيهِ اللَّهُمَّ خُذ خُذ لعُثْمَان مني الْيَوْم حَتَّى ترْضى
وَقَالَ قيس بن أبي حزَام روى مَرْوَان بن الحكم يَوْم الْجمل طَلْحَة رض = فِي ركبة فَجعل الدَّم يسيل فَقَالَ وَالله مَا بلغت إِلَيْنَا سِهَامهمْ بعد دَعْوَة أَنما هُوَ سهم أرْسلهُ الله فَمَاتَ فدفنوه على شط الكلاء فَرَأى بعض أَهله أَنه قَالَ لَا تريحونني من هَذَا المَاء فَإِنِّي قد غرقت ثَلَاث مَرَّات يَقُولهَا فنبشوه من قَبره أَخْضَر كَأَنَّهُ السلق فنزعوا عَنهُ المَاء ثمَّ أستخرجوه فَإِذا مَا يَلِي الأَرْض من لحيته وَوَجهه قد أَكلته الأَرْض فاشتروا دَارا من دور آل أبي بكرَة فدفنوه فِيهَا
وَعَن قَتَادَة قَالَ رمي طَلْحَة فأعنق فرسه فركض فَمَاتَ فِي

(1/221)


بني تَمِيم فَقَالَ يَا الله مصرع شيخ أضيع
وَعَن نَافِع قَالَ كَانَ مَرْوَان مَعَ طَلْحَة فِي الْخَيل فَرَأى فُرْجَة فِي درع طَلْحَة رض = فَرَمَاهُ بِسَهْم فَقتله رض = وَكَانَ عمره رض = يَوْم قتل أَرْبعا وستن سنة وَفِي رِوَايَة وَهُوَ أبن اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سنة
وَأما الزبير رض = فَإِنَّهُ قَاتل يَوْمئِذٍ فَحمل عَلَيْهِ عمار بن يَاسر فَجعل يحوزه بِالرُّمْحِ وَالزُّبَيْر كَاف عَنهُ يَقُول أتقتلني يَا أَبَا الْيَقظَان فَيَقُول لَا يَا أَبَا عبد الله وأنما كف عَن الزبير ر = لقَوْل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تقتل عمارا الفئة الباغية وَلَوْلَا ذَلِك لقَتله
ثمَّ أَنَّهَا كَانَت الْهَزِيمَة فَمضى الزبير رض = من وَجهه إِلَى وَادي السبَاع وأنما فَارق المعركة لِأَنَّهُ قَاتل تعذيرا فَمر الزبير رض = بعسكر الْأَحْنَف فَقَالَ الْأَحْنَف من يأتنبي بِخَبَرِهِ فَقَالَ عمر بن جرموز أَنا فَأتبعهُ فَلَمَّا لحقه نظر إِلَيْهِ الزبير رض = إِنَّه معد قَالَ مَا يهولك من رجل وَحَضَرت الصَّلَاة فَقَالَ أبن جرموز الصَّلَاة فَقَالَ الزبير رض = الصَّلَاة فَلَمَّا نزلا أستدبره أبن جرموز فطعنه فِي جربان درعه فَقتله فَأخذ فرسه وسلاحه وخاتمه فدفنه الْغُلَام بوادي السبَاع وَرجع إِلَى النَّاس بالْخبر
وأتى أبن جرموز عليا رضى فَقَالَ لحاجبه أَسْتَأْذن لقِتَال الزبير فَقَالَ عَليّ رض = ائْذَنْ لَهُ وبشره بالنَّار وأحضر سيف الزبير عِنْد عَليّ

(1/222)


رض = فَأَخذه ونضر إِلَيْهِ وَقَالَ طالما جلى بِهِ الكرب على وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَكِن الْحِين مصَارِع السود وَلم يقده بِهِ
وأنما ذكرنَا هَهُنَا طَلْحَة وَالزُّبَيْر رض = لِأَنَّهُمَا كَانَا من جملَة من حضر حِصَار عُثْمَان رض =
قيل وَكَانَ طَلْحَة رض = يَوْم الدَّار عَلَيْهِ درع فَأَشْرَف عُثْمَان رض = على الْقَوْم فَقَالَ أفيكم طَلْحَة فَقَالُوا نعم فَنَاشَدَهُ الله فَرجع طَلْحَة تَائِبًا هُوَ وَالزُّبَيْر رض = وَلم يشهدَا قَتله وَلِهَذَا قَالَ طَلْحَة عِنْد مَوته اللَّهُمَّ خُذ لعُثْمَان مني حَتَّى ترْضى مَعَ أَنَّهُمَا من جملَة الْعشْرَة الَّذين شهد لَهُم رسولالله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْجنَّةِ شهد الزبير رض = بَدْرًا وَهُوَ أبن تسع وَعشْرين سنة وَقتل وَهُوَ أبن ارْبَعْ وَسِتِّينَ سنة وَدفن بوادي السبَاع وَجلسَ عَليّ رض = يبكي عَلَيْهِ هُوَ وَأَصْحَابه
وَعَن قبيصَة بن عقبَة عَن سُفْيَان عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قَالَ قَالَ عَليّ رض = ابْن لأرجو أَن أكون أَنا وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر من الَّذين قَالَ الله {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل إخْوَانًا على سرر مُتَقَابلين} الْحجر 47 وَقَالَ جرير بن الخطفي يرثيه ... أَن الرزية من تضمن قَبره
وَادي لكل جنب مصرع
لما أَتَى خبر الزبير تواضعت
سور الْمَدِينَة وَالْجِبَال الخشع
وَبكى الزبير بَنَاته فِي مأتم
مذا يرد بكاء من لَا يسمع ...
وَقَالَت زَوجته عَاتِكَة بنت زيد

(1/223)


.. غدر ابْن جرموز بِفَارِس بهمة ... يَوْم اللِّقَاء وَكَانَ غير معرد ... يَا عَمْرو لَو نبهته لوجدته ... لَا طائشا رعش الْجنان وَلَا الْيَد
شلت يَمِينك أَن قتلت لمسلما
حلت عَلَيْك عُقُوبَة الْمُتَعَمد
ثكلتك أمك هَل ظَفرت بِمثلِهِ ... فِيمَن مضى فِيمَا تروح وتغتدي
كم غمرة قد خاضها لم يثنه ... عَنْهَا طرادك يَا أبن فقع القردد ...

80 - ذكر قتل عمار بن يَاسر وَبِيَدِهِ حَرْبَة يهزها وَهُوَ يرجف من الْقَبْر وَهُوَ يَقُول الْجنَّة تَحت ظلام السيوف وَالْمَوْت تَحت أَطْرَاف الأسل وَقد فتحت أَبْوَاب السَّمَاء وزينت الْحور الْعين الْيَوْم القى الْأَحِبَّة مُحَمَّدًا وَحزبه وَتقدم فقاتل حَتَّى قتل رض = وَكَانَ يَقُول وَالله لَو ضربونا حَتَّى يبلغُوا بِنَا سعفات هجر لعَلِمت أننا على الْحق وَأَنَّهُمْ على الْبَاطِل
قيل قَتله أَبُو الغادية الْمُزنِيّ وأحتز رَأسه أبن حوي السكْسكِي وَقيل ضربه مَرْوَان على ركبته فكبا ثمَّ قَتَلُوهُ وَكَانَ عمره لما قتل قد جَاوز الثَّمَانِينَ سنة
وَعَن حُذَيْفَة وَعَمْرو بن الْعَاصِ قَالَا سمعنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لعمَّار رض = تقتلك الفئة الباغية والبغاة هم الَّذين يخرجُون على الْأَمَام بِتَأْوِيل سَائِغ فِي الشَّرْع وَيجب على الإِمَام أَن ينظر فِي حَالهم فَإِن ذكرُوا لَهُ مظْلمَة أزالها أَو شُبْهَة كشفها لَهُم
وَقَالَ أبن عقيل فِي = كتاب الأرشاد أَن الباغية هِيَ الطالبة بِدَم عُثْمَان

(1/224)


رض = وَحَكَاهُ عَن أَحْمد وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نبغي} يُوسُف 65 أَي مَا نطلب وَقد سماهم الله مُؤمنين فِي حَال قِتَالهمْ فَقَالَ {وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَينهمَا} إِلَى قَوْله {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَة فأصلحوا بَين أخويكم} الحجرات 9 10
وَكَانَ مُعَاوِيَة وَأَصْحَابه وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَعَائِشَة رض = قد خَرجُوا يطْلبُونَ بِدَم عُثْمَان الْمَظْلُوم رض = وَقَالُوا لعَلي رض = ادْفَعْ إِلَيْنَا قَتله عُثْمَان رض = وَكَانُوا جمَاعَة مُعينين فَلم يفعل فَيحْتَمل أَن يكون مذْهبه أَن الْجَمَاعَة لَا تقتل بِالْوَاحِدِ وَقد رُوِيَ أَنه قتل أهل النهروان لأَنهم قتلوا عبد لله بن حنيف وَفِي هَذِه الْمَسْأَلَة خلاف بَين أهل الْعلم
وأنما ذكرنَا عمارا هَهُنَا لِأَنَّهُ كَانَ منحرفا عَن عُثْمَان رض = وخلعه وألب النَّاس عَلَيْهِ كَمَا ذكرنَا
وَقد ذكر الجاحظ أَن عمارا قَامَ وسط مَسْجِد الْمَدِينَة فَقَالَ نَحن قتلنَا عُثْمَان كَافِرًا وَكَانَ يمْنَع أَن يدْفن فِي مَقَابِر الْمُسلمين وَأَن يُصَلِّي عَلَيْهِ فِي مصلاهم حَتَّى ترك على مزبلة ثَلَاثَة أَيَّام لم يدْفن فدفنه أبن االزبير فِي خُفْيَة فِي بِئْر فِي حش كَوْكَب وَمُحَمّد بن أبي بكر فِي بني تَمِيم يعاونون عمارا