التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان

81 - ذكر مقتل عمر وبن الْحمق الْخُزَاعِيّ
كَانَ عَمْرو بن الْحمق الْخُزَاعِيّ من أَصْحَاب حجر بن عدي الْكِنْدِيّ وَكَانَ حجر مِمَّن يعيب عُثْمَان وَمُعَاوِيَة رض = وَيَزْعُم أَن هَذَا الْأَمر لَا يصلح الا فِي أل عَليّ بن أبي طَالب رض = وَكَانَ زِيَاد بن أبي سُفْيَان يَوْم جُمُعَة يخْطب فَأطَال الْخطْبَة وَأخر الصَّلَاة فَلَمَّا خشِي حجر فَوت الصَّلَاة أَخذ كفا من حَصى وَرمى بِهِ زيادا وَقَامَ إِلَى الصَّلَاة وَقَامَ النَّاس مَعَه فَنزل زِيَاد وَصلى بِالنَّاسِ وَكتب إِلَى مُعَاوِيَة يُخبرهُ فَكتب إِلَيْهِ مُعَاوِيَة أَن أبْعث بِهِ

(1/225)


الى فشده فِي الْحَدِيد وَحمله إِلَى مُعَاوِيَة فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ قَالَ السَّلَام عَلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ مُعَاوِيَة أأنا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنا وَالله لَا أقيلك وَلَا أستقيلك ثمَّ أَمر بِهِ فَضربت عُنُقه وَكَانَ قَتله سياسة لَا لافتئاته على الإِمَام وَيجوز للْإِمَام قتل بعض رَعيته لصلاح الباقى
وَلما قبض زِيَاد على حجر بن عدي طلب أَصْحَابه فَخرج عَمْرو بن الْحمق فَأتى الْموصل وَمَعَهُ رِفَاعَة بن شَدَّاد فاختفيا بجبيل هُنَاكَ فَرفع أَمرهمَا إى عَامل الْموصل عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان الثَّقَفِيّ وَيعرف بأبن أم الحكم وَهُوَ أبن أُخْت مُعَاوِيَة فَأرْسل إليهماا من يَأْتِيهِ بهما وَكَانَ عَمْرو قد أستسقى بَطْنه وَلم يكن عِنْده أمتناع وَكَانَ رِفَاعَة قَوِيا فَركب فرسه لِيُقَاتل عَن عَمْرو فَقَالَ لَهُ عَمْرو مَا يَنْفَعنِي قتالك عني انج بِنَفْسِك فَحمل عَلَيْهِم فأفرجوا لَهُ فنجا وَأخذ عَمْرو أَسِيرًا فَسَأَلُوهُ من أَنْت فَلم يُخْبِرهُمْ فبعثوه إِلَى عَامل الْموصل فَعرفهُ فَكتب فِيهِ إِلَى مُعَاوِيَة فَكتب إِلَيْهِم مُعَاوِيَة انه زعم أَنه طعن عُثْمَان تسع طعنات بمشاقص فاطعنوه كَمَا طعن عُثْمَان رض = فَأخْرج فطعن فَمَاتَ فِي الأولى مِنْهُنَّ أَو الثَّانِيَة فذاق وبال أمره وقبره ظَاهر بالموصل وَكَانَ قَتله فِي سنة أحدى وَخمسين
82 - ذكر قتل عُمَيْر بن ضابيء وكميل بن زِيَاد
لما ولى عبد الْملك بن مَرْوَان الْحجَّاج بن يُوسُف الثَّقَفِيّ الْعرَاق وَذَلِكَ فِي سنة خمس وَسبعين أرسل إِلَيْهِ بعهده وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ وَأمره بِالْمَسِيرِ إِلَى الْعرَاق فَسَار فِي أثني عشر رَاكِبًا على النجائب حَتَّى دخل الْكُوفَة وَبَدَأَ بِالْمَسْجِدِ وَصعد الْمِنْبَر وَأمر بعهده فقريء على النَّاس ثمَّ نزل وَدخل منزله ثمَّ دَعَا بالعرفاء وَقَالَ ألْحقُوا النَّاس بالمهلب بن أبي صفرَة وَكَانَ يُقَاتل الْخَوَارِج وأتوني بالبراءات بموافاتهم وَلَا تغلقن أَبْوَاب الجسر لَيْلًا

(1/226)


وَلَا نَهَارا حَتَّى تَنْقَضِي هَذِه الْمدَّة فَقَامَ إِلَيْهِ عُمَيْر بن ضابىء الْحَنْظَلِي وَقَالَ أَنا فِي هَذَا الْبَعْث وَأَنا شيخ كَبِير عليل وَابْني هَذَا أشب مني فَقَالَ من أَنْت قَالَ أَنا عُمَيْر بن ضابيء قَالَ أسمعت كلامنا بالْأَمْس قَالَ نعم قَالَ أَنْت الَّذِي غزا عُثْمَان بن عَفَّان قَالَ بلَى قَالَ يَا عَدو الله أَفلا إِلَى عُثْمَان بعث بَدَلا ثمَّ قَالَ لَهُ أَنْت الْقَائِل ... هَمَمْت وَلم أفعل وكدت وليتني ... تركت على عُثْمَان تبْكي حلائله ...
قَالَ نعم ثمَّ قَالَ مَا حملك على ذَلِك قَالَ إِنَّه حبس أبي حَتَّى مَاتَ فِي الْحَبْس فَقَالَ الْحجَّاج ابْنك خير لنا مِنْك وَأَنِّي لأحسب فِي قَتلك صَلَاح المصرين وَأمر بِهِ فَضربت عُنُقه وأنهب مَاله
وَكَانَ عُمَيْر بن ضابىء فِيمَن دخل على عُثْمَان رض = فَوَثَبَ عَلَيْهِ فَكسر ضلعا من أضلاعه وَقَالَ سجنت أبي حَتَّى مَاتَ فِي السجْن ثمَّ سَأَلَهُ الْحجَّاج فَقَالَ هَل بِالْكُوفَةِ أحد غَيره قيل نعم كميل بن زِيَاد فَطَلَبه فهرب فَأخذ النخع بِهِ وضيق عَلَيْهِم فَلَمَّا رأى كميل مَا لَقِي قومه خرج حَتَّى أَتَى الْحجَّاج فَقَالَ لَهُ الْحجَّاج أَنْت الَّذِي أردْت مَا أردْت من أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان ثمَّ لم ترض حَتَّى اقعدته للْقصَاص ودفعك عَن نَفسه قَالَ على أَي ذَلِك تقتلني على عَفوه أم على عافيتي فَأمر بِهِ فَضربت عُنُقه
وَكَانَ عُمَيْر بن ضابىء وكميل بن زِيَاد قد سارا من الْكُوفَة إِلَى الْمَدِينَة ليقتلا عُثْمَان رض = فَأَما عُمَيْر فَإِنَّهُ نكل عَنهُ وَأما كميل بن زِيَاد فانه اجترا عَلَيْهِ وثاوره وَكَانَ جَالِسا فوجأ عُثْمَان رض = وَجهه فَوَقع على استه فَقَالَ أوجعتني يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ أولست بفاتك قَالَ لَا وَحلف بِاللَّه وَوَقع عَلَيْهِ النَّاس فَقَالُوا نفتشه يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ لَا

(1/227)


قد رزق الله الْعَافِيَة وَلَا أشتهي أَن أطلع مِنْهُ على غير مَا قَالَ وَقَالَ أَن كَانَ كَمَا قلت فاقتد مني وَجَثَا فوَاللَّه مَا حسبتك إِلَّا تريدني ثمَّ قَالَ ان كنت صَادِقا فأجرك على الله وان كنت كَاذِبًا فأقادك الله وَقعد لَهُ على قَدَمَيْهِ وَقَالَ دُونك يَا كميل فَقَالَ قد تركت
عَن المستنير عَن أَخِيه قَالَ ل وَالله مَا سَمِعت وَلَا علمت بِأحد غزا عُثْمَان رض = وَلَا ركب إِلَيْهِ إِلَّا قتل
83 - ذكر قتل جمَاعَة مِمَّن غزا عُثْمَان رض =
لما سَارَتْ عَائِشَة وَالزُّبَيْر وَطَلْحَة رض = إِلَى الْبَصْرَة يطْلبُونَ بِدَم عُثْمَان رض = وأجتمعت الْقَبَائِل من أهل الْبَصْرَة مَعَ حَكِيم بن جبلة وَمن تبعه من عبد الْقَيْس وَمن نزع إِلَيْهِم من أفناء ربيعَة ثمَّ سَارُوا نَحْو دَار الرزق قَالَت عَائِشَة رض = لَا تقتلُوا إِلَّا من قاتلكم وَنَادَوْا من لم يكن من قتلة عُثْمَان فليكفف عَنَّا فانا لَا نُرِيد إِلَّا قَتله إِلَّا عُثْمَان رض = وَلَا نبدأ أحدا بِقِتَال وَجَاء طَلْحَة وَالزُّبَيْر رض = وَمن تابعهما وأصطفوا لِلْقِتَالِ وَكَانَ حَكِيم بحيال طَلْحَة رض = وذريح بحيال الزبير رض = وأبن المحرش بحيال عبد الرحمان بن عتاب وحرقوص بن زُهَيْر بحيال عبد الرحمان بن الْحَارِث بن هِشَام وأقتتلوا قتالا شَدِيدا فَضرب رجل رجل حَكِيم فقطعها فَأتى عَلَيْهِ رجل فَقَالَ مَا لَك يَا حَكِيم قَالَت قتلت قَالَ من قَتلك قَالَ وِسَادِي وَكَانَ قد أَخذ رجله المقطوعة فَرمى بهَا صَاحبهَا فَأصَاب أحشاءه فصرعه ثمَّ اتاه فَقتله ثمَّ أتكأ عَلَيْهِ ثمَّ أحتمل حَكِيم فضم إِلَى أَصْحَابه فَمَاتَ وَكَانَ حَكِيم بن جبلة فِيمَن غزا عُثْمَان رض = وَكَانَ يسب عَائِشَة رض = فاق وبال أمره
وَقتل يَوْمئِذٍ ذريح وَمن مَعَه وَابْن المحرش وَمن مَعَه وأفلت حرقوص بن زُهَيْر فِي نفر من اصحابه

(1/228)


ونادى مُنَادِي الزبير وَطَلْحَة بِالْبَصْرَةِ أَلا من كَانَ فيهم من قبائلهم أحد مِمَّن غزا عُثْمَان رض = بِالْمَدِينَةِ فليأتنا بهم فجيء بهم كَمَا يجاء بالكلاب فَقتلُوا وَلم يفلت مِنْهُم من أهل الْبَصْرَة جَمِيعًا إِلَّا حرقوص بن زُهَيْر فان بني سعد منعُوهُ وَكَانَ من بني سعد

وَقَالَ طَلْحَة وَالزُّبَيْر رض = الْحَمد لله الَّذِي جمع لنا ثَأْرنَا من أهل الْبَصْرَة اللَّهُمَّ لَا تبْق مِنْهُم أحدا وأقدهم الْيَوْم فاقتلهم
84 - ذكر قتل حرقوص بن زُهَيْر
ثمَّ إِن حرقوص بن زُهَيْر قتل بعد ذَلِك وَذَلِكَ أَنه كَانَ قد مَنعه بَنو سعد فاختفى ثمَّ أَنه لحق بعد ذَلِك بالخوارج من أهل النهروان فَلَمَّا حاربهم على رض = وقتلهم حمل جَيش بن ربيعَة الْكِنَانِي وَكَانَ من أَصْحَاب عَليّ رض = على حرقوص بن زُهَيْر فَقتله فذاق وبال أمره وَكَانَ عَاقِبَة أمره خسرا
وَلم يفلت مِمَّن قتل عُثْمَان رض = أَو أعَان على قَتله أحد إِلَّا هلك وَذَلِكَ جَزَاء الْبَغي فَإِن الْبَغي مصرعة وَأنْشد فِي ذَلِك ... يَا صَاحب الْبَغي أَن الْبَغي مصرعة ... أقصر فَخير فعال المرىء أعدله
فَلَو بغا جبل يَوْمًا على جبل ... لأندك مِنْهُ أعالية وأسفله
85 - ذكر تَعْظِيم شَأْن قتل عُثْمَان رض =
أعلم رحكم الله أَن شَأْن قتل عُثْمَان عَظِيم وَأَنه كَانَ هُوَ أساس الْفِتَن الَّتِي جرت من بعده من الْحَرْب بَين عَليّ رض = وَمُعَاوِيَة وَبَين طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَعَائِشَة رض = بَين أهل الْبَصْرَة إِلَى غير ذَلِك من الْفِتَن والأختلاف

(1/229)


وَأهل الألحاد والرفض والزيغ يَقُولُونَ أَن قَتله كَانَ رضالله وطعنوا عَلَيْهِ بأَشْيَاء صنعها لَا يتوج إِلَيْهِ مِنْهَا طعن وَلَا يثبت لَهُم بهَا عَلَيْهِ حجَّة وَقد ذكرنَا ذَلِك وأجبنا عَنهُ بِمَا يسره الله وَمَا وصل علمنَا إِلَيْهِ
وَعَن مُوسَى بن يزِيد بن رِفَاعَة قَالَ أَتَى عَليّ رض = وَأَنه ليَأْكُل على ترس فَقيل لَهُ قتل عُثْمَان وَكَانَ قَتله رضَا فَقَالَ أَن كَانَ قَتله رضَا أحتلبتم بِهِ لَبَنًا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَأَن كَانَ هُوَ سخطا أحتلبتم بِهِ دَمًا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قَالَ فاحتلبوا وَالله بِهِ دَمًا
وَعَن سهل بن يُوسُف عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد قَالَ مر عَليّ رض = على فئتين بِالْمَدِينَةِ بَعْدَمَا قتل عُثْمَان وَقبل بيعَته وهما يَقُولَانِ قتل أبن بَيْضَاء ومكانه من الأسلام وَالْعرب ثمَّ وَالله مَا أنتطح فِيهِ غنزان فَقَالَ عَليّ مَا قلتما فَأَعَادُوا عَلَيْهِ فَقَالَ بلَى وَالله وَرِجَال بعد رجال وكتائب بعد كتائب وزحوف بعد زحوف وَرِجَال وكتائب وزحوف فِي أصلاب رجال حَتَّى يُنَادي أَو يخرج أبن مَرْيَم
وَعَن مجَالد عَن الشّعبِيّ قَالَ بلغ عدي بن حَاتِم حضر عُثْمَان رض = فَقَالَ علام يحصرونه فوَاللَّه لَو قَتَلُوهُ مَا حبقت فِيهِ عنَاق فَلَمَّا أُصِيب أبناه وفقئت عينه قتل خَاله وَلم يَزْدَدْ الْأَمر إِلَّا شدَّة قيل لَهُ يَا أَبَا طريف هَل حبقت فِيهِ عنَاق قَالَ أَي وَأَمَانَة الله أَي وَأَمَانَة الله والتيس الْأَكْبَر
وَعَن عبد الله بن سعيد قَالَ قَالَ عبد الله بن سَلام يَوْم الدَّار يَا قوم لَا تقتلُوا عُثْمَان فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِه الْأمة دَمًا أغْلى من دَمه فَردُّوا رَأْيه فَرجع وَلم يعرفوا قَوْله إِلَّا بعد حِين تعبقه النَّاس
وَعَن سعيد بن عبد الله بن أَبِيه قَالَ جَاءَ المصريون إِلَى عَليّ رض = فَقَالُوا أبسط يدك نُبَايِعك فَلَقَد كَانَ قتل عُثْمَان رض = لله رضَا فَقَالَ كَذبْتُمْ واللعه مَا كَانَ قَتله لله رضَا لقد قَتَلْتُمُوهُ بِلَا ترة وَلَا درة وَلَا حُدُود وَلَا عذر وَالله أعلم

(1/230)