الرياض النضرة
في مناقب العشرة الباب الثامن: في مناقب سعد بن مالك
الفصل الأول: في نسبه
...
الباب الثامن: في مناقب سعد بن
مالك
وفيه عشرة فصول على ترتيب فصول طلحة
الفصل الأول: في نسبه
وقد تقدم ذكر آبائه في باب العشرة في ذكر الشجرة، يجتمع مع
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كلاب بن مرة، وينسب إلى
زهرة بن كلاب، فيقال: الفرشي الزهري، ويجتمع هو وعبد
الرحمن في زهرة.
عن سعد بن أبي وقاص أنه قال للنبي -صلى الله عليه وسلم: من
أنا يا رسول الله? قال: "أنت سعد بن مالك بن وهيب بن عبد
مناف بن زهرة؛ من قال غير ذلك فعليه لعنة الله" أخرجه
الضحاك, أمه: حمنة بنت سفيان بن أبي أمية بن عبد شمس, قاله
ابن قتيبة والدارقطني وغيرهما.
(4/319)
الفصل الثاني: في اسمه
ولم يزل اسمه في الجاهلية والإسلام سعدا, ويكنى أبا إسحاق.
(4/320)
الفصل الثاني: في
اسمه
...
No pages
(4/)
الفصل الثالث: في
صفته
وكان رجلا قصيرًا غليظًا، ذا هامة، شثن الأصابع، آدم، جعد
الشعر، أشعر الجسد، يخضب بالسواد، ذهب بصره في آخره عمره؛
وقيل: إنه كان طويلا. ذكر ذلك كله ابن قتيبة وصاحب الصفوة.
(4/320)
الفصل الرابع: في
إسلامه
قال أبو عمر: أسلم قديمًا بعد ستة هو سابعهم, وهو ابن تسع
عشرة سنة قبل أن تفرض الصلاة، وهو ممن أسلم على يد أبي
بكر, وقد تقدم ذكر ذلك.
وعن سعيد بن المسيب قال: سمعت سعدًا يقول: ما أسلم أحد إلا
في اليوم الذي أسلمت فيه، ولقد مكثت سبعة أيام, وإني لثلث
الإسلام. أخرجه البخاري والبغوي في معجمه وقال: ما أسلم
أحد قبلي؛ وقال: ستة أيام.
وعن جابر بن سعد عن أبيه قال: لقد رأيتني وأنا ثلث
الإسلام. أخرجه البخاري.
وعن عائشة بنت سعد قالت: لقد مكث أبي يومًا إلى الليل,
وإنه لثلث الإسلام. أخرجه البغوي في المعجم.
وعنها قالت: لقد سمعت أبي يقول: رأيت في المنام قبل أن
أسلم بثلاث كأني في ظلمة لا أبصر شيئًا, إذ أضاء لي قمر
فاتبعته، فكأني أنظر من سبقني إلى ذلك القمر, فأنظر إلى
زيد بن حارثة وإلى علي بن أبي طالب وإلى أبي بكر، وكأني
أسألهم: متى انتهيتم إلى ههنا? وبلغني أن رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- يدعو للإسلام مستخفيًا، فلقيته في شعب
أجياد قد صلى العصر،
(4/320)
فقلت له: إلامَ تدعو? قال: "تشهد أن لا إله
إلا الله وأن محمدًا رسول الله" قلت: أشهد أن لا إله إلا
الله وأشهد أنك رسول الله؛ فما تقدمني إلا هم. أخرجه
الفضائلي؛ وهذا يرد ما خرجه البغوي إذ قال: ما أسلم أحد
قبلي, ولعله يريد: ما أسلم أحد قبلي، أي: في اليوم الذي
أسلمت فيه.
وكذلك رواه صاحب الصفوة عن سعيد بن المسيب قال: كان سعد
يقول: ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه ... ثم ذكر
حديث البخاري المتقدم.
وكذلك أخرجه ابن الضحاك، ولكنه قال: سبع الإسلام، ولفظه:
عن سعيد عن سعد أنه قال: ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت
فيه, ولقد مكثت تسعة أيام وإني لسبع الإسلام.
وأسلم أخواه لأبويه عامر وعمير ابنا أبي وقاص, وأخواه
لأبيه عتبة بن أبي وقاص وخالدة بنت أبي وقاص.
فأما عامر فكان من مهاجرة الحبشة ثم هاجر إلى المدينة،
وكان فاضلا، روى سعد بن أبي وقاص أن النبي -صلى الله عليه
وسلم- قال يومًا: "يطلع عليكم رجل من أهل الجنة" فطلع أخي
عامر.
وأما عمير فشهد بدرًا وهو ابن ست عشرة سنة -فيما يقال-
وأراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرده فبكى، فخرج به
معه فاستشهد يومئذ.
عن سعد قال: كان يوم بدر قتل أخي عمير، وقتلت سعيد بن
العاص وأخذت سيفه وكان يسمى ذا الكتيبة، فأتيت به رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ذاهب فاطرحه في القبض"
قال: فرجعت وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ
سلبي، فما مكثت إلا قليلا حتى أنزلت على رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- سورة الأنفال، فقال صلى الله عليه وسلم:
"اذهب فخذ سيفك".
وأما عتبة بن أبي وقاص فشهد أحدًا مع المشركين، ويقال: هو
الذي رمى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكسر رباعيته،
ورمى وجهه.
وأما خالدة فتزوجها سمرة بن جنادة السواي، وولدت له. ذكره
الدارقطني.
(4/321)
الفصل الخامس: في
هجرته
ولم أظفر بشيء يخصها ولا شك فيها، ووقائعه في بدر وأحد
وغيرهما تدل عليها، ولم يزل ملازمًا رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- إلى أن توفي وهو عنه راضٍ.
(4/322)
الفصل السادس: في
خصائصه
ذكر اختصاصه بأنه أول العرب رمى بسهم في سبيل الله:
عن سعد بن مالك قال: إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل
الله. أخرجاه، وأخرجه أبو عمر وزاد: وذلك في سرية عبيدة بن
الحارث، وكان معه يومئذ المقداد بن عمرو وعتبة بن غزوان.
أخرجه صاحب الصفوة أيضًا.
ذكر اختصاصه بدعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يستجاب
دعاؤه, فكان ذا دعوة مجابة:
عن سعد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهم استجب
لسعد إذا دعاك" أخرجه الترمذي، وأخرجه أيضًا عن قيس أن
النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ... الحديث.
وعن جبير بن مطعم بن المقداد أن سعدًا قال: يا رسول الله،
ادع الله أن يستجيب دعائي؛ قال: "يا سعد، إن الله لا
يستجيب دعاء عبد
(4/322)
حتى يطيب طعمته" قال: يا رسول الله، ادع
الله أن يطيب طعمتي، فإني لا أقوى إلا بدعائك؛ قال: "اللهم
أطب طعمة سعد" فإن كان سعد ليرى السنبلة من القمح في حشيش
دوابه فيقول: ردوها من حيث حصدتموها. أخرجه الفضائلي.
وعن يحيى بن عبد الرحمن بن لبيبة عن جده قال: قال سعد: يا
رب, إن لي بنين صغارًا فأخر عني الموت حتى يبلغوا، فأخر
عنه الموت عشرين سنة. أخرجه في الصفوة.
وعن جابر بن سمرة قال: شكا أهل الكوفة سعد بن مالك إلى عمر
فقالوا: لا يحسن الصلاة. فقال سعد: أما أنا فكنت أصلي بهم
صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أركد في الأوليين،
وأخفف في الأخريين؛ فقال عمر: ذلك الظن بك يا أبا إسحاق,
قال: فبعث رجالا يسألون عنه في مساجد الكوفة؛ قال: فلا
يأتون مسجدًا من مساجد الكوفة إلا أثنوا عليه خيرًا وقالوا
معروفًا، حتى أتوا مسجدًا من مسجد بني عبس، قال: قال رجل
يقال له أبو سعدة: اللهم إنه كان لا يسير بالسرية، ولا
يعدل في القضية، ولا يقسم بالسوية؛ قال: فقال سعد: أما
والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان كاذبًا فأطل عمره وأطل
فقره وعرضه للفتن؛ فكان بعد ذلك يقول إذا سئل: شيخ كبير
مفتون، أصابتني دعوة سعد. قال جابر بن سمرة: فأنا رأيته
بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر, وإنه ليتعرض
للجواري في الطرق فيعهرهن.
وفي رواية: أما أنا فأركد في الأوليين وأحذف في الأخريين،
ولا آلو ما اقتديت به من صلاة رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- قال: صدقت؛ ذلك الظن بك -أو ظني بك- أبا إسحاق.
أخرجه البخاري؛ وأخرجه البرقاني على شرطهما بنحوه، وقال:
فقال عبد الملك بن عمير الراوي عن جابر: فأنا رأيته يتعرض
للإماء في السكك، وإذا قيل له: كيف أنت يا أبا سعدة? قال:
(4/323)
كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد.
وعنده: اللهم إن كان كاذبا فأعم بصره، وأطل عمره ... ثم
ذكر ما بعده.
وروي أن ابنته كانت تشرف عليه عند وضوئه، فنهاها عن ذلك
فلم تنته فدعا عليها، وقال: شاه وجهك، فلم تزل شوهاء.
ودخل عليه مولى لابنه عمير يشتكي إليه وقد ضربه عمير حتى
أدماه، فنهاه عن ضربه وأمره فيه بمعروف، فأغلظ له في القول
فقال: أجرى الله دمك على عقبيك، فقتله المختار بن أبي
عبيد. أخرجهما الملاء.
قال أبو عمر: وكان سعد مشتهرًا بإجابة الدعوة؛ تخاف دعوته
وترجى؛ لاشتهار إجابتها عندهم.
ذكر اختصاصه بدعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- له بتسديد
السهم:
عن سعد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهم سدد
سهمه، وأجب دعوته" أخرجه أبو عمر وأبو الفرج في الصفوة.
ذكر اختصاصه بجمع النبي -صلى الله عليه وسلم- له أبويه يوم
أحد:
عن علي عليه السلام قال: ما جمع رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- أبويه لأحد غير سعد بن مالك، فإنه جعل يقول له يوم
أحد: "ارم، فداك أبي وأمي" أخرجه مسلم والترمذي, وقال: حسن
صحيح.
وأخرجه من طريق آخر ولفظه: ما سمعت رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- يفدي أحدًا بأبويه ... الحديث، وقال: حسن صحيح.
وعنه قال: ما سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدى
رجلًا غير سعد؛ فإنه قال
(4/324)
يوم حنين ويوم أحد: "ارم، فداك أبي وأمي"
أخرجه الملاء.
وعنه قال: ما جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين
أبويه لأحد إلا لسعد بن مالك قال: "ارم، فداك أبي وأمي،
وأنت الغلام الحسن" أخرجه أبو بكر يوسف بن يعقوب بن
البهلول.
وعن سعد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جمع له أبويه يوم
أحد؛ قال: كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين، فقال له
النبي -صلى الله عليه وسلم: "ارم، فداك أبي وأمي" قال:
فنزعت له بسهم ليس فيه نصل، فأصبت جبينه، فسقط وانكشفت
عورته، فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى رأيت
نواجذه. أخرجاه.
وأخرج الترمذي منه: جمع أبويه يوم أحد.
وفي بعض طرقه: نثر لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
كنانته يوم أحد، وقال: "ارم، فداك أبي وأمي" أخرجاه.
قال أبو عمر: لم يقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "فداك
أبي وأمي" فيما بلغنا إلا لسعد والزبير، فإنه قال لكل واحد
منهما ذلك؛ وقد تقدم أين قال ذلك للزبير في خصائصه.
ذكر اختصاصه بموافقته تمني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
رجلا صالحًا يحرسه عند قدومه المدينة, وقد أرق ليلة:
عن عائشة قالت: أرق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات
ليلة، فقال: "ليت رجلًا صالحًا من أصحابي يحرسني الليلة"
فقالت: فسمعنا صوت السلاح، فقال رسول الله -صلى الله عليه
وسلم: "من هذا?" قال: سعد بن أبي وقاص يا رسول الله، جئت
أحرسك. قالت عائشة: فنام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
حتى سمعنا غطيطه.
وعنها قالت: سهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مقدمه
المدينة ليلة، فقال: "ليت
(4/325)
رجلًا صالحًا من أصحابي يحرسني الليلة"
قالت: فبينا نحن كذلك إذ سمعنا خشخشة السلاح، فقال: "من
هذا؟ " قال: سعد بن أبي وقاص؛ قال: "ما جاء بك؟ " قال: وقع
في نفسي خوف على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجئت
أحرسه؛ فدعا له رسول الله -صلى الله عليه وسلم. أخرجه مسلم
والترمذي.
ذكر اختصاصه برؤية جبريل وميكائيل عن يمين النبي -صلى الله
عليه وسلم- ويساره يوم أحد:
عن سعد قال: رأيت عن يمين النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن
شماله يوم أحد رجلين, عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه أشد
القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد, يعني جبريل وميكائيل.
أخرجاه وأبو حاتم.
ذكر اختصاصه بقوله -صلى الله عليه وسلم: "هذا خالي, فليرني
المرء خاله":
عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: أقبل سعد فقال
النبي -صلى الله عليه وسلم: "هذا خالي، فليرني امرؤ خاله"
أخرجه الترمذي، وقال: غريب. قال: وكان سعد من بني زهرة؛
وأم النبي -صلى الله عليه وسلم- من بني زهرة؛ فلذلك قال:
"خالي".
ذكر اختصاص عمر إياه من بين أهل الشورى بالأمر بالاستعانة,
إن لم يصبه الأمر:
عن عمرو بن ميمون ... الحديث، تقدم في فصل خلافة عثمان،
وفيه: "فإن أصاب الأمر سعدًا فهو ذاك، وإلا فليستعن به
أيكم ما أمر، فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة" أخرجه
البخاري وأبو حاتم.
ذكر اختصاصه بآيات نزلت فيه:
عن سعد أنه قال: نزلت فيَّ آيات من القرآن، قال: حلفت أم
(4/326)
سعد لا تكلمه أبدًا حتى يكفر بدينه، ولا
تأكل ولا تشرب؛ قال: قالت: زعمت أن الله أوصاك بوالديك،
فأنا أمك، وأنا آمرك بهذا؛ قال: فمكثت ثلاثًا حتى غشي
عليها من الجهد، فقام ابن لها يقال له: عمارة، فسقاها
فجعلت تدعو على سعد، فأنزل الله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ
عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي ... } 1 إلى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي
الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} .
قال: وأصاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غنيمة عظيمة
فإذا فيها سيف، فأخذته فأتيت به رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- فقلت: نفلني هذا السيف، فأنا من قد علمت حاله؛ فقال:
"رده من حيث أخذته" فانطلقت حتى إذا أردت أن ألقيه في
القبض لامتني نفسي، فرجعت إليه فقلت: أعطنيه؛ قال: فشد بي
صوته: "رده من حيث أخذته" فأنزل الله -عز وجل:
{يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} 2.
قال: مرضت، فأرسلت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتاني
فقلت: دعني أقسم مالي حيث شئت. قال: فأبى؛ قلت: فالنصف؛
فأبى؛ قلت: فالثلث، فسكت، فكان يعد الثلث جائزًا.
قال: وأتيت على نفر من الأنصار والمهاجرين، فقالوا: تعال
نطعمك ونسقك خمرًا، وذلك قبل أن تحرم الخمر، قال: فأتيتهم
في حش -والحش البستان- فإذا رأس جزور مشوي عندهم وزق من
خمر؛ قال: فأكلت وشربت معهم، قال: فذكرت الأنصار
والمهاجرين عندهم، فقلت: المهاجرون خير من الأنصار, فأخذ
رجل أحد لحيي الرأس فضربني به، فجرح أنفي، فأتيت رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- فأخبرته، فأنزل الله -عز وجل- فيَّ
يعني نفسه شأن الخمر: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ
__________
1 سورة لقمان الآية 15.
2 سورة الأنفال الآية 1.
(4/327)
وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ
عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} 1 أخرجه مسلم.
"شرح" الجهد بفتح الجيم: المشقة، يقال: جهد دابته وأجهدها
إذا حمل عليها في السير فوق طاقتها، والجهد بضمها وفتحها:
الطاقة, ومنه: "والذين لا يجدون إلا أجهدهم" قرئ بهما،
وقال الفراء: هو بالضم الطاقة وبالفتح من قولك: اجهد جهدك
في هذا الأمر، أي: ابلغ غايتك، ولا يقال: أجهد جهدك بالضم,
والقبض بالتحريك: هو ما قبض من أموال الناس، وبالإسكان:
خلاف البسط.
وعن سعد قال: نزلت {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ
رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} 2 في ستة أنا وابن
مسعود منهم، وكان المشركون قالوا: لا يدنى هؤلاء.
وعنه قال: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ستة نفر،
فقال المشركون: اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا؛ قال: وكنت
أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما؛
فوقع في نفس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما شاء أن
يقع، فحدث نفسه، فأنزل الله: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ
يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} 3 أخرجهما مسلم.
__________
1 سورة المائدة الآية 90.
2 سورة الأنعام الآية 52.
3 سورة الأنعام الآية 52.
(4/328)
الفصل السابع: في شهادة النبي -صلى الله
عليه وسلم- له بالجنة
تقدم في باب العشرة عبد الرحمن بن عوف, وسعيد بن زيد في
العشرة وهو منهم.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي -صلى الله عليه
وسلم- قال: "أول من يدخل من هذا الباب رجل من أهل الجنة"
فدخل سعد بن أبي وقاص. أخرجه أحمد.
وأخرج الفضائلي معناه عن أنس، ولفظه: بينا نحن جلوس عند
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يطلع عليكم الآن
رجل من أهل الجنة" فطلع سعد بن أبي وقاص؛ حتى إذا كان الغد
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل ذلك، فطلع سعد.
وأخرجه ابن المثنى في معجمه عن ابن عمر, ولفظه قال: كنا
جلوسًا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يدخل عليكم
من ذا الباب رجل من أهل الجنة" فليس منا أحد إلا وهو يتمنى
أن يكون من أهل بيته؛ فإذا سعد قد طلع.
(4/328)
الفصل الثامن: في
ذكر نبذ من فضائله
قال أبو عمر وغيره: شهد سعد بدرًا والحديبية والمشاهد
كلها، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أهل
الشورى الذين أخبر عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
توفي وهو عنهم راضٍ، وأحد من كان على حراء حين تحركت بهم
الصخرة فقال صلى الله عليه وسلم: "اثبت حرا؛ فما عليك إلا
نبي وصديق وشهيد" فكانت شهادة من النبي -صلى الله عليه
وسلم- بالشهادة.
وقد تقدم الحديث مستوفى في باب ما دون العشرة, وكان سابع
سبعة في الإسلام على ما تقدم في فصل إسلامه، وأحد الفرسان
الشجعان، وأحد من كان يحرس النبي -صلى الله عليه وسلم- في
مغازيه، وهو الذي كوف الكوفة، ونفى الأعاجم، وتولى قتال
فارس، وكان على يديه فتح القادسية وغيرها، وولاه عمر
الكوفة فشكاه أهلها ورموه بالبهتان، فدعا على الذي واجهه
بالكذب دعوة ظهرت فيها إجابته، وعزله عمر لما شكاه أهل
الكوفة،
(4/329)
وولى عمار بن ياسر الصلاة وعبد الله بن
مسعود بيت المال وعثمان بن حنيف مساحة الأرضين، ثم عزل
عمارًا وأعاد سعدًا على الكوفة ثانيًا، ثم عزله وولى جبير
بن مطعم، ثم عزله قبل أن يخرج إليها وولى المغيرة بن شعبة،
وقيل: إن عمر لما ولى سعدًا بعد أن عزله أبى عليه، وقال:
لا أعود لقوم يزعمون أني لا أحسن أصلي فتركه؛ ورام منه
ابنه عمر وابن أخيه هاشم أن يدعو إلى نفسه بعد قتل عثمان
فأبى، فصار هاشم إلى علي، وكان سعد ممن لزم بيته في
الفتنة، وأمر أهله أن لا يخبروه من أخبار الناس بشيء حتى
تجتمع الأمة على إمام.
وقد تقدم ثناء الله عليه بأنه من: {الَّذِينَ يَدْعُونَ
رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}
وفي ذكر اختصاصه بنزول آيات فيه.
ذكر دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالشفاء من مرضه,
فشفي:
عن سعد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عاده عام حجة الوداع
بمكة من مرض أشفى فيه فقال سعد: يا رسول الله، قد خفت أن
أموت بالأرض التي هاجرت منها، فقال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم: "اللهم اشف سعدًا" ثلاث مرات وفيه ذكر الوصية
وقوله: "والثلث كثير" وفيه: "إن صدقتك من مالك صدقة, وإن
نفقتك على عيالك صدقة، وإن ما تأكل امرأتك من مال صدقة"
أخرجاه.
ذكر إثبات الشهادة له:
تقدم حديث هذا الذكر في مثله من باب العشرة، وسيأتي في
مناقب سعد, ووجه شهادته فيما تقدم نظيره من مناقب عبد
الرحمن بن عوف.
ذكر أنه ناصر الدين:
عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا
سعد, أنت ناصر الدين
(4/330)
حيث كنت" أخرجه الملاء في سيرته.
ذكر اتباعه للسنة:
تقدم في خصائصه في الأولى منها قوله في صلاته: ولا آلو ما
اقتديت من صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم. أخرجه
البخاري.
وعن عامر بن سعد أن سعدًا ركب إلى قصره بالعقيق، فوجد
عبدًا يقطع شجرًا أو يخبطه فسلبه، فلما رجع سعد جاء أهله
فكلموه أن يرد على غلامهم أو عليهم فقال: معاذ الله أن أرد
شيئا نفلنيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبى أن يرد
عليهم. أخرجه مسلم.
ذكر شجاعته:
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- يقول: "سعد بن أبي وقاص يعد بألف فارس"
أخرجه الملاء في سيرته.
وقد تقدم في خصائص طلحة من حديث مسلم أنه لم يبق مع رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض تلك الأيام التي قاتل
فيها غير طلحة وسعد.
ذكر صبره مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع ضيق العيش:
عن سعد قال: إني لأول العرب رمى سهما في سبيل الله، ولقد
كنا نغزو مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما لنا طعام
إلا ورق الحبلة وهذا السمر، حتى إن كان أحدنا ليضع كما تضع
الشاة, ما له خلط. أخرجاه.
ذكر شدته في دين الله:
عن سعد قال: أعطى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رهطًا
وأنا جالس، فترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منهم
رجلًا هو أعجبهم إلي، فقلت: ما لك عن فلان? والله إني
لأراه مؤمنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أو
مسلمًا" ذكر ذلك سعد ثلاثا، وأجابه بمثل ذلك، ثم قال: "إني
لأعطي الرجل العطاء وغيره
(4/331)
إلي أحب منه؛ خشية أن يكبه الله -عز وجل-
على وجهه في النار".
قال الزهري: فرأى أن الإسلام الكلمة, الإيمان العمل
الصالح. أخرجاه.
ذكر زهده:
تقدم في النثر في أول الفصل طرف منه.
وعن عامر بن سعد قال: بينا سعد في إبله فجاءه ابنه عمر،
فلما رآه سعد قال: أعوذ بالله من شر الراكب، فقال له: نزلت
في إبلك وتركت الناس يتنازعون الملك بينهم، فضرب سعد صدره
وقال: اسكت، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
"إن الله يحب العبد التقي العيي الخفي" أخرجه مسلم.
ذكر تواضعه وعدله وشفقته على رعيته وحيائه:
عن أبي المنهال أن عمر بن الخطاب سأل عمرو بن معد يكرب عن
سعد فقال: متواضع في جبايته، عربي في نمرته، أسد في
تاموره، يعدل في القضية، ويقسم بالسوية، ويبعد في السرية،
ويعطف عليها عطف البرة، وينقل إلينا خفيا نقل الذرة. أخرجه
الفضائلي.
وفي رواية بعد قوله "ويقسم بالسوية": وهو لنا كالأب البر
والأم المتحننة، وإذا صاح الصائح أسد في تاموره، هو مع ذلك
عاتق في حجلتها من الحياء، لم أر مثله. قال عمر: لم أر
كاليوم ثناء أحسن منه.
ذكر صدقه:
عن ابن عمر أن سعدًا حدثه عن رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- أنه مسح على الخفين, وإن ابن عمر سأل عن ذلك عمر
فقال: نعم, إذا حدث سعد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا
تسأل عنه غيره. أخرجه البخاري.
(4/332)
ذكر حرصه على البر والصدقة:
عن سعد قال: عادني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام حجة
الوداع من وجع اشتد بي فقلت: يا رسول الله إني قد بلغ بي
من الوجع ما ترى ولا يرثني إلا ابنة، أفأتصدق بكل مالي?
قال: "لا" قلت: فالشطر يا رسول الله? قال: "لا" قلت:
فالثلث? قال: "الثلث، والثلث كثير أو كبير، إنك إن تذر
ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس" أخرجاه.
(4/333)
الفصل التاسع: في ذكر وفاته, وما يتعلق بها
قال أبو عمر وغيره: مات سعد بن أبي وقاص في قصره بالعقيق
على عشرة أميال من المدينة، وحمل على أعناق الرجال إلى
المدينة، ودفن بالبقيع، وصلى عليه مروان بن الحكم وهو
يومئذ والي المدينة، ثم صلى عليه أزواج النبي -صلى الله
عليه وسلم- في حجرهن. ذكره أبو عمر وصاحب الصفوة.
وقال الفضائلي: أدخل المسجد ووضع عند بيوت النبي -صلى الله
عليه وسلم- بفناء الحجر, فصلى الإمام عليه وصلى أزواج
النبي -صلى الله عليه وسلم- بصلاة الإمام.
وعن موسى بن عقبة عن عبد الواحد بن حمزة قال: لما توفي سعد
أرسل أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن مروا بجنازته في
المسجد، ففعلوا فوقف به على حجرهن فصلين عليه، فبلغهن أن
الناس عابوا ذلك وقالوا: ما كانت الجنائز يدخل بها المسجد،
فقالت عائشة: ما أسرع الناس إلى أن يعيبوا ما لا علم لهم
به، عابوا علينا أن يمر بجنازة في المسجد! ما صلى رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- على سهل بن بيضاء إلا في جوف
المسجد. أخرجه مسلم.
قال في الصفوة: وكان سعد أوصى أن يكفن في جبة صوف له كان
لقي المشركين فيها يوم بدر، فقال: أخبأها لهذا، فكفن فيها.
وذكره
(4/333)
الفضائلي والقلعي.
قال ابن قتيبة: كان آخر العشرة موتًا. وقال الفضائلي: كان
آخر المهاجرين وفاة.
قال الواقدي: وكان ذلك سنة خمس وخمسين، وقيل: أربع وخمسين
وقيل: ثمان وخمسين, حكاه أبو عمر. وله بضع وستون سنة،
وقيل: بضع وسبعون، وقيل: بضع وثمانون، وقيل: بضع وتسعون،
ذكره ابن قتيبة وأبو عمر وغيرهما.
(4/334)
الفصل العاشر: في
ذكر ولده
وكان له من الولد أربعة وثلاثون ولدا؛ سبعة عشر ذكرًا وسبع
عشرة أنثى.
ذكر الذكور:
"إسحاق الأكبر" وبه كان يكنى، أمه ابنة شهاب، و"عمر" قتله
المختار و"محمد" قتله الحجاج، أمهما بنت قيس بن معدي كرب
و"عامر" وكان يروي عنه الحديث، و"إسحاق الأصغر" و"إسماعيل"
أمهم أم عامر بنت عمرو، و"إبراهيم" و"موسى" أمهما زبد،
و"عبد الله" أمه خولة بنت عمرو، و"عبد الله الأصغر"
و"بجير" واسمه عبد الرحمن، أمهما أم هلال بنت ربيع بن مري،
و"عمير الأكبر" أمه أم حكيم بنت قارظ، و"عمير الأصغر"
و"عمرو" و"عمران" أمهم سلمى بنت حفص و"صالح" أمه ظبية بنت
عامر، و"عثمان" أمه أم حجير.
ذكر الإناث:
"أم الحكم الكبرى" شقيقة إسحاق الأكبر، و"حفصة" و"أم
القسم" و"كلثوم" شقائق عمر ومحمد، و"أم عمران" شقيقة إسحاق
الأصغر، و"أم الحكم الصغرى" و"أم عمرو" و"هند" و"أم
الزبير" و"أم موسى" أمهن زبد، و"حمنة" أخت بجير، و"حمنة"
أخت عمير الأكبر، و"أم عمر" و"أم أبونا" و"أم إسحاق" أمهن
سلمى، و"رملة" أخت عثمان، و"عمرة" وهي العمياء أمها من سبي
العرب و"عائشة" ذكر ذلك كله ابن قتيبة وصاحب الصفوة.
(4/335)
|