الرياض النضرة
في مناقب العشرة الباب التاسع: في مناقب أبي الأعور سعيد بن
زيد
الفصل الأول: في نسبه
...
الباب التاسع: في مناقب أبي
الأعور سعيد بن زيد
وفيه عشرة فصول
الفصل الأول: في نسبه
وقد تقدم ذكره في ذكر الشجرة من باب العشرة، يجتمع مع رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- في كعب بن لؤي، وينسب إلى عدي
بن كعب فيقال: القرشي العدوي وعمر بن الخطاب ابن عم أبيه.
كان أبوه زيد يطلب دين الحنفية دين إبراهيم قبل أن يبعث
النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان لا يذبح للأنصاب ولا يأكل
الميتة ولا الدم، وخرج يطلب الدين هو وورقة بن نوفل فتنصر
ورقة وأبى هو التنصر، فيقول له الراهب: إنك تطلب دينا ما
هو على الأرض اليوم، قال: وما هو? قال: دين إبراهيم، كان
يعبد الله لا يشرك به شيئًا، ويصلي إلى الكعبة، وكان زيد
على ذلك حتى مات.
وعن سعيد بن زيد قال: خرج ورقة بن نوفل وزيد بن عمرو
يطلبان الدين حتى مرا بالشام، فأما ورقة فتنصر وأما زيد
فقيل له: إن الذي تطلب أمامك. قال: فانطلق حتى أتى الموصل
فإذا هو براهب، فقال: من أين أقبل صاحب الراحلة? قال: من
بيت إبراهيم قال: ما
(4/337)
يطلب? قال: الدين. فعرض عليه النصرانية،
فقال: لا حاجة لي فيها وأبى أن يقبل, فقال: إن الذي تطلب
سيظهر بأرضك، فأقبل وهو يقول:
لبيك حقا حقا ... تعبدًا ورقا
مهما تجشمني فإني جاشم ... عذت بما عاذ به إبراهم1
قال: ومر بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ومعه أبو سفيان بن
الحارث يأكلان من سفرة لهما، فدعواه إلى الغداء، فقال:
"يابن أخي, إني لا آكل مما ذبح على النصب" قال: فما رئي
النبي -صلى الله عليه وسلم- من يومه ذلك يأكل مما ذبح على
النصب حتى بعث -صلى الله عليه وسلم- قال: فأتاه سعيد بن
زيد فقال: إن زيدًا كان كما قد رأيت وبلغك، استغفر له قال:
"نعم" فاستغفر له، وقال: "إنه يبعث يوم القيامة أمة وحده"
أخرجه أبو عمر.
"شرح" تجشمني أي: تحملني تقول: جشمت الأمر بالكسر جشما
وتجشمته إذا تكلفته على مشقة، وأجشمته إذا كلفته إياه.
وعن أسماء قالت: رأيت زيد بن عمرو بن نفيل مسندًا ظهره إلى
الكعبة يقول: يا معشر قريش, والله ما منكم على دين إبراهيم
غيري. وكان يحيي الموءودة، يقول للرجل إذا أراد أن يقتل
ابنته: لا تقتلها وأنا أكفيك مؤنتها، فيأخذها فإذا ترعرعت
قال لأبيها: إن شئت دفعتها إليك, وإن شئت كفيتك مؤنتها.
أخرجه البخاري.
وعن ابن زيد عن أبيه قال في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ
اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا} 2 نزلت في
ثلاثة نفر كانوا في الجاهلية يوحدون الله عز وجل: زيد بن
عمرو بن نفيل، وأبي ذر، وسلمان، أولئك الذين هداهم الله
بغير كتاب ولا نبي. أخرجه الواحدي وأبو الفرج في أسباب
النزول.
أمه فاطمة بنت بعجة بن مليح الخزاعية, ذكره أبو عمر.
__________
1 لغة في إبراهيم.
2 سورة الزمر الآية 17.
(4/338)
الفصل الثاني: في
اسمه
ولم يزل اسمه في الجاهلية ثم في الإسلام سعيدًا، وكان كذلك
لفظا ومعنى، ويكنى أبا الأعور.
(4/339)
الفصل الثالث
والرابع: في صفته وإسلامه
كان آدم طوالا أشعر, قاله الواقدي.
أسلم هو وزوجته أم جميل بنت الخطاب أخت عمر قديما، وكان
إسلامه قبل إسلام عمر، وبسبب زوجته كان إسلام عمر، وقد
تقدم ذكر ذلك في فصل إسلام عمر.
عن قيس قال: سمعت سعيد بن زيد في مسجد الكوفة يقول: والله
لقد رأيتني وإن عمر لموثقي على الإسلام أنا وأخته, قبل أن
يسلم عمر. أخرجه رزين.
وأسلمت أخته عاتكة بنت زيد وكانت حسناء جميلة بارعة الجمال
فيما يقال، تزوجها عبد الله بن أبي بكر فشغلته عن الغزو،
فأمره أبوه بطلاقها وقال: قد شغلتك عن المغازي فطلقها، فمر
به يوما وهو يقول:
ولم أر مثلي طلق اليوم مثلها ... ولا مثلها من غير جرم
تطلق
(4/339)
لها خلق جزل ورأي ومنصب ... وخلق سوي في
الحياة ومصدق
فرق له أبوه فأذن له في مراجعتها، فراجعها وقتل عنها,
فقالت ترثيه:
رُزئت بخير الناس بعد نبيهم ... وبعد أبي بكر وما كان قصرا
فآليت لا تنفكّ عيني حزينة ... عليك ولا ينفك جنبي أغبرا
في أبيات. ثم خلف عليها عمر بن الخطاب، فلم تزل عنده حتى
قتل عنها فرثته بأبيات؛ ثم خلف عليها الزبير بن العوام،
وكانت تخرج إلى المسجد ليلا وكان يكره مخرجها ويتحرج من
منعها، فخرجت ليلة إلى المسجد وخرج الزبير فسبقها إلى مظلم
من طريقها فوضع يده على بعض جسدها فرجعت تسبح, ثم لم تخرج
بعد ذلك فقال لها الزبير: ما لك لا تخرجين إلى المسجد?
قالت: يا أبا عبد الله فسد الناس؛ فقال: أنا فعلت ذلك؛
فقالت: أليس يقدر غيرك يفعل مثله? فلم تخرج حتى قتل عنها
الزبير، فرثته بأبيات فقالت:
غدر ابن جرموز بفارس بهمة ... يوم اللقاء وكان غير مفدد
يا عمرو لو نبهته لوجدته ... لا طائشًا رعش الجنان ولا
اليد
كم غمرة قد خاضها لم يثنه ... عنها طراؤك يابن فقع القردد
والله ربك إن قتلت لمسلما ... حلت عليك عقوبة المتعمد
ويقال: إن عبد الله بن الزبير صالحها على ميراثها من
الزبير على ثمانين ألفًا فقبلتها؛ ثم خطبها علي بن أبي
طالب، فقالت: إني أضن بك يابن عم رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- عن القتل، ويقال: خطبها عمرو بن العاص ومحمد بن أبي
بكر فامتنعت عليهما.
(4/340)
الفصل الخامس، والسادس، والسابع: في هجرته
وخصائصه وفي شهادة النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالجنة:
قال أبو عمر: وهاجر هو وزوجته أم جميل فاطمة بنت الخطاب.
في خصائصه:
لم ينقل له من الخصائص غير ما ثبت لأبيه, فإنه لم ينقل في
فضل أحد من آباء العشرة ما نقل في فضل زيد بن عمرو، كما
تقدم.
في شهادة النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالجنة
تقدمت أحاديث هذا الفصل في نظيره من باب العشرة.
(4/341)
الفصل الثامن: في
ذكر نبذ من فضائله
قال أبو عمر وغيره: شهد سعيد المشاهد كلها مع رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- إلا بدرًا.
قال الواقدي: بعثه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وطلحة
إلى الشام يتجسسان الأخبار، ثم رجعا فقدما إلى المدينة يوم
وقعة بدر. وقد تقدم الحديث في فصل فضائل طلحة؛ فلذلك كانا
معدودين من البدريين.
قال البغوي في معجمه: فضرب له النبي -صلى الله عليه وسلم-
بسهمه، قال: وأجري? قال: "وأجرك" وأخرجه ابن الضحاك أيضًا.
وكانت له بنت عند الحسن بن الحسن بن علي, ذكره الطائي.
ذكر شهادة النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالشهادة:
عن عبد الله بن سالم عن سعيد بن زيد قال: كنا مع رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- بحرا فقال: "اثبت حرا؛ فما عليك إلا
نبي أو صديق أو شهيد" قيل: ومن هم? قال: رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة
(4/341)
والزبير وسعد بن مالك وعبد الرحمن بن عوف؛
قال: قيل: فمن العاشر? فقال: أنا. أخرجه الترمذي وقال: حسن
صحيح, وقد تقدم الحديث مختصرًا في باب العشرة.
وسيأتي في ذكر وفاته أنه مات بالمدينة على فراشه, فوجه
شهادته ما تقدم في نظيره من مناقب عبد الرحمن بن عوف، فإن
سعدًا وسعيدًا وعبد الرحمن ماتوا على فرشهم بمقبرة
المدينة, فحكمهم واحد.
ذكر أنه ذو دعوة مجابة:
عن سعيد بن زيد أن أروى خاصمته في بعض داره فقال: دعوها
وإياها، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
"من أخذ شبرًا من الأرض بغير حق طوقه في سبع أرضين يوم
القيامة" اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها واجعل قبرها في
دارها. قال محمد بن زيد: فرأيتها عمياء تلتمس الجدر،
وتقول: أصابتني دعوة سعيد بن زيد؛ فبينما هي تمشي في الدار
إذ مرت على بئر في الدار فوقعت فيها فكانت قبرها. أخرجه
مسلم، وأخرجه أبو عمر وقال: اللهم إن كانت كاذبة فلا تمتها
حتى تعمي بصرها, وتجعل قبرها في بئر.
ذكر زهده:
روي أن عمر أرسل إلى أبي عبيدة يقول: أخبرني عن حال الناس،
وأخبرني عن خالد بن الوليد أي رجل هو، وأخبرني عن يزيد بن
أبي سفيان وعمرو بن العاص كيف هما وحالهما ونصيحتهما
للمسلمين؛ فقال: خالد خير رجل وأنصحه للمسلمين وأشده على
عدوهم، وعمرو ويزيد نصحهما وجدهما كما تحب؛ قال: عن أخويك
سعد بن يزيد ومعاذ بن جبل? قال: كما عهدت، إلا أن السواد
زادهما في الدنيا زهدًا وفي الآخرة رغبة. أخرجه أبو حذيفة
وإسحاق بن بشر في فتوح الشام.
(4/342)
وأخرج أيضًا أن أبا عبيدة ولى سعيدًا دمشق،
ثم خرج حتى أتى الأردن فنزلها فعسكر، وبعث عليهم خالد بن
الوليد ويزيد بن أبي سفيان، فلما بلغ ذلك سعيد بن زيد كتب
إلى أبي عبيدة: "سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا
إله إلا هو، أما بعد: فإني ما كنت لأوثرك وأصحابك بالجهاد
على نفسي وعلى ما يدنيني من مرضاة ربي، فإذا أتاك كتابي
هذا فابعث إلى عملك من هو أرغب إليه مني، فإني قادم عليك
وشيكا إن شاء الله تعالى. والسلام عليك" فلما بلغ الكتاب
أبا عبيدة قال: ليتركنها, ثم دعا يزيد بن أبي سفيان فقال:
اكفني دمشق.
"شرح" وشيكا: سريعا، تقول منه: وشك بالضم يوشك وشكا أي:
يسرع.
ذكر احترام الولاة له, ووصية أم المؤمنين حين وفاتها أن
يصلي عليها:
عن ابن سعيد بن زيد قال: كتب معاوية بن أبي سفيان إلى
مروان بن الحكم بالمدينة يبايع الناس لابنه يزيد، فقال رجل
من الشام: ما يحبسك? قال: حتى يجيء سعيد بن زيد فيبايع،
فإنه سيد أهل البلد؛ فإذا بايع بايع الناس. قال: أفلا أذهب
آتيك به? فجاء الشامي وأنا مع أبي في الدار، فقال: انطلق
فبايع، فقال: انطلق، فسأجيء فأبايع؛ فقال: تنطلق أو لأضربن
عنقك؛ قال: أتضرب عنقي? والله إنك لتدعوني إلى أقوام أنا
قاتلتهم على الإسلام. قال: فرجع إلى مروان وأخبره، فقال له
مروان: اسكت. قال: فماتت أم المؤمنين أظنها زينب، فأوصت أن
يصلي عليها سعيد بن زيد، فقال الشامي لمروان: ما يحبسك أن
تصلي على أم المؤمنين? قال: أنتظر الرجل الذي أردت أن تضرب
عنقه، فإنها أوصت أن يصلي عليها، فقال الشامي: أستغفر
الله. أخرجه البغوي في معجمه والفضائلي؛ وخرج ابن الضحاك
منه قصة البيعة، وقال: سأل أهل المدينة ... إلخ ولم يذكر
قصة الصلاة على الجنازة.
(4/343)
الفصل التاسع: في وفاته, وما يتعلق بها
توفي بأرضه بالعقيق وحمل إلى المدينة, ودفن بها سنة خمسين
أو إحدى وخمسين في أيام معاوية وهو ابن بضع وسبعين سنة،
ونزل في قبره سعد وابن عمر. ذكره في الصفوة وأبو عمر
والفضائلي.
(4/344)
الفصل العاشر: في
ذكر ولده
وكان له واحد وثلاثون ولدًا؛ ثلاثة عشر ذكرًا وثماني عشرة
أنثى.
ذكر الذكور:
"عبد الله الأكبر" و"عبد الله الأصغر" و"عبد الرحمن
الأكبر" و"عبد الرحمن الأصغر" و"إبراهيم الأكبر" و"إبراهيم
الأصغر" و"عمر الأكبر" و"عمر الأصغر" و"الأسود" و"طلحة"
و"محمد" و"خالد" و"زيد".
ذكر الإناث:
"أم الحسن الكبرى" و"أم الحسن الصغرى" و"أم حبيب الكبرى"
و"أم حبيب الصغرى" و"أم زيد الكبرى" و"أم زيد الصغرى"
و"عائشة" و"عاتكة" و"حفصة" و"زينب" و"أم سلمة" و"أم موسى"
و"أم سعيد" و"أم النعمان" و"أم خالد" و"أم صالح" و"أم عبد
الحولا" و"رجلة".
(4/344)
|