سيرة الإمام
أحمد بن حنبل - مَا ذكر فِي زهد أبي عبد الله رَضِي الله
عَنهُ
قَالَ أَبُو الْفضل دخلت يَوْمًا على أبي أَيَّام الواثق
وَالله يعلم على أَي حَالَة نَحن وَقد خرج لصَلَاة
الْعَصْر وَكَانَ لَهُ لبد يجلس عَلَيْهِ قد أَتَى
عَلَيْهِ سِنِين كَثِيرَة حَتَّى بلَى وَإِذا تَحْتَهُ
كتاب كاغد وَإِذا فِيهِ بَلغنِي يَا أَبَا عبد الله مَا
أَنْت فِيهِ من الضّيق وَمَا عَلَيْك من الدّين وَقد وجهت
إِلَيْك بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم على يَدي فلَان لِتَقضي
بهَا دينك وَتوسع على عِيَالك وَمَا هِيَ من صَدَقَة وَلَا
زَكَاة وانما هُوَ شَيْء ورثته من أبي فقرات الْكتاب
وَوَضَعته فَلَمَّا دخل قلت لَهُ يَا أَبَت هَذَا الْكتاب
_ فاحمر وَجهه وَقَالَ رفعته مِنْك ثمَّ قَالَ تذْهب
بجوابه فَكتب إِلَى الرجل وصل كتابك الي وَنحن فِي
عَافِيَة فَأَما الدّين فانه لرجل لَا يرهقنا واما عيالنا
فهم فِي نعْمَة وَالْحَمْد لله فَذَهَبت بِالْكتاب إِلَى
الرجل الَّذِي كَانَ أوصل كتاب الرجل
فَقَالَ وَيحك لَو أَن أَبَا عبد الله قبل هَذَا الشَّيْء
وَرمى بِهِ مثلا فِي دجلة كَانَ مأجورا لَان هَذَا الرجل
لَا يفوت لَهُ مَعْرُوف فَلَمَّا كَانَ بعد حِين ورد كتاب
الرجل بِمثل ذَلِك فَرد عَلَيْهِ الْجَواب بِمثل مَا رد
فَلَمَّا مَضَت
(1/44)
سنة اقل أَو اكثر ذَكرنَاهَا فَقَالَ لَو
كُنَّا قبلناها كَانَت قد ذهبت
قَالَ وَشهِدت بن الجدري أَخُو الْحسن وَقد جَاءَهُ بعد
الْمغرب فَقَالَ أَنا رجل مَشْهُور وَقد أَتَيْتُك فِي
هَذَا الْوَقْت وَعِنْدِي شَيْء قد أعددته لَك فَأحب أَن
تقبله وَهُوَ مِيرَاث فَلم يزل بِهِ فَلَمَّا اكثر
عَلَيْهِ قَامَ وَدخل
قَالَ أَبُو الْفضل فاخترت عَن الْحسن قَالَ قَالَ لي أخي
لما رَأَيْته كلما ألححت عَلَيْهِ ازْدَادَ بعدا قلت
اخبروه كم هِيَ قَالَ قلت يَا أَبَا عبد الله هِيَ
ثَلَاثَة آلَاف دِينَار فَقَامَ وَتَرَكَنِي
قَالَ يَوْمًا أَنا إِذا لم تكن عِنْدِي اخْرُج
فَقَالَ لَهُ أَبُو مُحَمَّد بوران عِنْدِي خف ابْعَثْ
بِهِ إِلَيْك _ فَسكت فَلَمَّا عَاد إِلَيْهِ أَبُو
مُحَمَّد قَالَ يَا أَبَا مُحَمَّد لَا تبْعَث بالخف فقد
شغل قلبِي على
وَوجه رجل من الصين بكاغد صيني إِلَى جمَاعَة من
الْمُحدثين مِنْهُم يحيى وَغَيره وَوجه بقمطر إِلَى أبي
فَردهَا
وَقَالَ أبي كَانَ ابْن يحيى وَيحيى وَمَا أخرجت خُرَاسَان
بعد ابْن
(1/45)
الْمُبَارك رجلا يشبه يحيى بن يحيى -
فَجَاءَنِي ابْنه فَقَالَ إِن أبي أوصى بمبطنة لَهُ لَك
وَقَالَ تذكرني بهَا فَقَالَ أبي فَقلت جِيءَ بهَا فجَاء
برزمة ثِيَاب فَقلت لَهُ اذْهَبْ رَحِمك الله وَقلت لأبي
بَلغنِي أَن احْمَد بن الدَّوْرَقِي أعْطى ألف دِينَار
فَقَالَ أَي بني ورزق رَبك خير وابقى
ذكر يَوْمًا عِنْده رجل فَقَالَ يَا بني الفائز من فَازَ
غَدا وَلم يكن لَاحَدَّ عِنْده تبعة
وَذكر لَهُ ابْن أبي شيبَة وَعبد الْأَعْلَى النوسي وَمن
قدم بِهِ إِلَى الْعَسْكَر من الْمُحدثين فَقَالَ إِنَّمَا
كَانَت أَيَّام قَلَائِل ثمَّ تَلَاحَقُوا وَمَا بخلوا
مِنْهُ بِكَثِير شَيْء
وَجئْت يَوْمًا إِلَى الْمنزل فَقيل لي قد وَجه أَبوك أمس
فِي طَلَبك فَقلت وجهت فِي طلبي
(1/46)
فَقَالَ جَاءَنِي أمس رجل كنت احب أَن
ترَاهُ بَيْنَمَا أَنا قَاعد فِي نحر الظهيرة إِذا بِرَجُل
يسلم بِالْبَابِ فَكَانَ قلبِي ارْتَاحَ لَهُ فَقُمْت
ففتحت الْبَاب فَإِذا أَنا بِرَجُل عَلَيْهِ فَرْوَة وعَلى
أم رَأسه خرقَة مَا تَحت فَرْوَة قَمِيص ولامعة ركوة وَلَا
جراب وَلَا عكاز قد لوحته الشَّمْس فَقلت ادخل فَدخل
للدهليز
فَقلت من أَيْن أَقبلت _
قَالَ من نَاحيَة الْمشرق أُرِيد بعض هَذِه السواحل
وَلَوْلَا مَكَانك مَا دخلت هَذَا الْبَلَد إِلَّا أَنِّي
نَوَيْت السَّلَام عَلَيْك قلت على هَذِه الْحَال _ قَالَ
نعم ثمَّ قَالَ لي مَا الزّهْد فِي الدُّنْيَا قلت قصر
الأمل قَالَ فَجعلت اعْجَبْ مِنْهُ فَقلت فِي نَفسِي وَمَا
عِنْدِي ذهب وَلَا فضَّة فَدخلت الْبَيْت فَأخذت أَرْبَعَة
أرغفة فَخرجت إلية فَقلت مَا عِنْدِي ذهب وَلَا فضَّة
وانما هَذَا من قوتي
قَالَ أَو يَسُرك يَا أَبَا عبد الله أَن اقبل ذَلِك قَالَ
قلت نعم
قَالَ فَأَخذهَا فوضعها تَحت حضنه وَقَالَ ارجوا أَن
يَكْفِينِي زادا إِلَى الرقة استودعك الله
قَالَ فَلم أزل قَائِما انْظُر إِلَيْهِ إِلَى أَن خرج من
الزقاق وَكَانَ يذكرهُ كثيرا
وَكنت أسمع أبي كثيرا يَقُول اللَّهُمَّ سلم سلم
حَدثنَا صَالح قَالَ فَحَدثني أبي قَالَ حَدثنَا يُونُس بن
مُحَمَّد
(1/47)
قَالَ حَدثنَا حَمَّاد بن زيد قَالَ زعم
يحيى بن سعيد أَن سعيد بن الْمسيب كَانَ يَقُول اللَّهُمَّ
سلم سلم _
كَانَ أبي إِذا دَعَا لَهُ رجل يَقُول لَيْسَ يحرز
الْمُؤمن إِلَّا حفرته الْأَعْمَال بخواتيمها
وَكَانَ رجل يخْتَلف مَعَ خلف المجزمي إِلَى عَفَّان
يُقَال لَهُ احْمَد بن الحكم الْعَطَّار فختن بعض وَلَده
فَدَعَا أبي وَأَبُو خثيمَةَ وَجَمَاعَة من أَصْحَاب
الحَدِيث وَطلب إِلَى أبي أَن يحضر فَمَضَوْا وَمضى أبي
بعدهمْ وَأَنا مَعَه فَلَمَّا دخل اجْلِسْ فِي بَيت
وَمَعَهُ جمَاعَة من أَصْحَاب الحَدِيث فَمن كَانَ يخْتَلف
مَعَه إِلَى عَفَّان فَكَانَ فيهم رجل يكنى بِأبي بكر يعرف
بالأحوال فَقَالَ يَا أَبَا عبد الله هَا هُنَا آنِية من
فضَّة والتفت فَإِذا كرْسِي فَقَامَ وَخرج وَتَبعهُ من
كَانَ فِي الْبَيْت وسال من كَانَ فِي الدَّار عَن خُرُوجه
فَأخْبر واتبعته مَعَهم جمَاعَة وَاخْبَرْ الرجل فَخرج
إِلَى أبي فَحلف انه مَا علم بذلك وَلَا أَمر بِهِ فَجعل
يطْلب إِلَيْهِ فَأبى
وَجَاء عَفَّان فَقَالَ لَهُ الرجل يَا أَبَا عُثْمَان
أطلب إِلَى أبي عبد الله أَن يرجع فَكَلمهُ عَفَّان فَأبى
أَن يرجع فَنزل بِالرجلِ أَمر عَظِيم
(1/48)
|