|
سيرة عمر بن عبد
العزيز خُرُوج عمر من مَاله ورده من مَال
الْمُسلمين
قَالَ وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز مَا من شَيْء إلاوقد
رَددته فِي مَال الْمُسلمين
(1/45)
إلاالعين الَّتِي بالسويداء فَإِنِّي
عَمَدت إِلَى أَرض براح لَيْسَ فِيهَا لأحد من الْمُسلمين
ضَرْبَة سَوط فعملتها من صلب عطائي الَّذِي يجمع لي مَعَ
جمَاعَة الْمُسلمين فَجَاءَتْهُ غَلَّتهَا مِائَتَا
دِينَار وجراب فِيهِ تمر صيحاني وتمر عَجْوَة فَقَالَ هَات
اصبب للْقَوْم من هَذِه الْعَجْوَة فَهِيَ أبرد وَأَصَح
قَالَ وَسمع النِّسَاء بِمَال قد قدم عَلَيْهِ فأرسلن
إِلَيْهِ بِابْن لَهُ غُلَام ليعطيه من ذَلِك المَال
فَلَمَّا جَاءَ الْغُلَام قَالَ احفنوا لَهُ من ذَلِك
التَّمْر فحفنوا لَهُ من ذَلِك فَخرج الْغُلَام فَرحا حت
لما انْتهى إِلَى النِّسَاء فرأين التَّمْر ضربن الْغُلَام
ثمَّ قُلْنَ لَهُ اذْهَبْ فانثره بَين يَدَيْهِ فَأقبل
الْغُلَام فنثره بَين يَدَيْهِ وأهوى بيدَيْهِ إِلَى
الذَّهَب فَقَالَ عمر للوليد بن هِشَام من آل أبي معيط
أمسك يَدَيْهِ يَا وليد فَأمْسك يَدَيْهِ الْوَلِيد ودعا
عمر بِدُعَاء لَهُ كثير وَكَانَ من دُعَائِهِ اللَّهُمَّ
فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة
أَنْت تحكم بَين عِبَادك فِيمَا كَانُوا فِيهِ
يَخْتَلِفُونَ بغض إِلَى هَذَا الْغُلَام هَذَا الذَّهَب
كَمَا حببتها إِلَى فلَان ابْن فلَان أرسل يَدَيْهِ يَا
وليد فارتعشت يَدَاهُ فَمَا مس مِنْهَا دِينَارا وَانْصَرف
فَقَالَ لَهُ رجل لقد اسْتُجِيبَ لَك يَا أَمِير
الْمُؤمنِينَ ثمَّ قَالَ عمر أخرجُوا زَكَاة هَذِه المائتي
دِينَار فَقَالَ الرَّسُول يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لقد
أَخذ خرص هَذَا الْحَائِط قَالَ يَا بني لَيْسَ هَذَا من
عَمَلك قَالَ فأخرجوا خَمْسَة دَنَانِير ثمَّ قَالَ دلوني
على رجل أعمى لَيْسَ لَهُ قَائِد قَالَ بَيْنَمَا الْقَوْم
يتذاكرون إِذْ قَالَ عمر لقد وَقعت عَلَيْهِ وَقد ذكرته
وَهُوَ الشَّيْخ الْجَزرِي الْأَعْمَى يَأْتِي فِي
اللَّيْلَة الْمظْلمَة الماطرة يتكمه لَيْسَ لَهُ قَائِد
أخرجُوا لَهُ ثمن قَائِد لَا كَبِير يَقْهَرهُ وَلَا
صَغِير يضعف عَنهُ قَالَ فأخرجوا لَهُ مِنْهَا خَمْسَة
وَثَلَاثِينَ دِينَارا قَالَ ثمَّ دَعَا عمر بِالَّذِي
يقوم على نَفَقَة أَهله فَقَالَ لَهُ خُذ هَذِه الذَّهَب
فأنفقها على عيالنا إِلَى أَن يخرج لي عطائي مَعَ
(1/46)
الْمُسلمين أَو يقْضِي الله قبل ذَلِك
عمر وَغُلَامه
قَالَ وَكَانَ لَهُ غُلَام وبرذون يغل عَلَيْهِ فَسَأَلَ
الْغُلَام عَن حَاله فَقَالَ النَّاس كلهم بِخَير إِلَّا
أَنا وَأَنت وَهَذَا البرذون قَالَ اذْهَبْ فَأَنت حر
خَوفه من الله
وسئلت فَاطِمَة بنت عبد الْملك زَوْجَة عمر بن عبد
الْعَزِيز عَن عبَادَة عمر فَقَالَت وَالله مَا كَانَ
بِأَكْثَرَ النَّاس صَلَاة وَلَا أَكْثَرهم صياما وَلَكِن
وَالله مَا رَأَيْت أحدا أخوف لله من عمر لقد كَانَ يذكر
الله فِي فرَاشه فينتفض انتفاض العصفور من شدَّة الْخَوْف
حَتَّى نقُول ليصبحن النَّاس وَلَا خَليفَة لَهُم
خَوفه من النَّار
قَالَ وَقَرَأَ عمر بن عبد الْعَزِيز بِالنَّاسِ ذَات
لَيْلَة {وَاللَّيْل إِذا يغشى} فَلَمَّا بلغ {فأنذرتكم
نَارا تلظى} خنقته الْعبْرَة فَلم يسْتَطع أَن ينفذها
فَرجع حَتَّى إِذا بلغَهَا خنقته الْعبْرَة فَلم يسْتَطع
أَن ينفذها فَتَركهَا وقرأسورة غَيرهَا
تذكير عمر زَوجته ليَالِي النَّعيم بدابق
قَالَ وَمر عمر بن عبد الْعَزِيز ذَات يَوْم بفاطمة زَوجته
فَضرب على كتفها وَقَالَ يَا فَاطِمَة لنَحْنُ ليَالِي
دابق أنعم منا الْيَوْم فَقَالَت وَالله مَا كنت على ذَلِك
أقدر مِنْك
(1/47)
الْيَوْم فَأَدْبَرَ عَنْهَا وَله حنين
وَهُوَ يَقُول يَا فَاطِمَة إِنِّي أَخَاف النَّار يَا
فَاطِمَة {إِنِّي أَخَاف إِن عصيت رَبِّي عَذَاب يَوْم
عَظِيم}
لِبَاس عمر قبل الْخلَافَة وَبعدهَا
قَالَ وَأَتَاهُ رجل فَأمره أَن يَشْتَرِي لَهُ كسَاء
بِثمَانِيَة دَرَاهِم فَاشْتَرَاهُ لَهُ فَأَتَاهُ بِهِ
فَوضع يَده عَلَيْهِ وَقَالَ ماألينه وَأَعْجَبهُ فَضَحِك
الرجل الَّذِي اشْتَرَاهُ فَقَالَ لَهُ عمر إِنِّي لأحسبك
أَحمَق أتضحك من غير شَيْء قَالَ مَا ذَاك بِي وَلَكِنَّك
أَمرتنِي قبل ولايتك أَن أَشْتَرِي لَك مطرف خَز فاشتريت
لَك مطرفا بثمان مائَة دِرْهَم فَوضعت يدك عَلَيْهِ فَقلت
مَا أخشنه وَأَنت الْيَوْم تستلين كسَاء بِثمَانِيَة
دَرَاهِم فعجبت من ذَلِك وأضحكني فَقَالَ عمر مَا أَحسب
رجلا يبْتَاع كسَاء بثمانمائة دِرْهَم يخَاف الله عزوجل
عري عمر إِذا غسل قَمِيصه
قَالَ وَأَبْطَأ عمر يَوْمًا عَن الْجُمُعَة قَلِيلا فعوتب
فِي ذَلِك فَقَالَ إِنَّمَا انتظرت قَمِيصِي غسلته أَن
يجِف
قَالَ وَدخل مسلمة بن عبد الْملك على عمر بن عبد الْعَزِيز
فِي مَرضه وَعَلِيهِ قَمِيص وسخ فَقَالَ لفاطمة زَوْجَة
عمر وَهِي أُخْت مسلمة بن عبد الْملك أَلا تغسلون قَمِيصه
قَالَت وَالله مَا لَهُ غَيره وَإِن غسلناه بَقِي لَا
قَمِيص لَهُ
مَا يَقُوله عمر اذا اراد انْصَرف من بِحَضْرَتِهِ
وَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز إِذا أَرَادَ أَن يُقيم
النَّاس الَّذين عِنْده فِي الدَّار وبدت لَهُ حَاجَة
يَخْلُو بهَا قَالَ نعم إِذا شِئْتُم رحمكم الله وَلَيْسَ
يَأْمر أحدا يُقيم النَّاس
(1/48)
دَعوته مسلمة الى الطَّعَام وتلطفه بعظته
وَكَانَ مسلمة بن عبد الْملك من أشرف أموي وأعظمه تملكا
وأسرفه فِي الطَّعَام فَبلغ عمر بن عبد الْعَزِيز سرفه فِي
طَعَامه فَأمره أَن يبكر عَلَيْهِ وَأمر عمر بن عبد
الْعَزِيز بطبيخ ثريد عدس وبألوان من لحم فَلَمَّا غَدا
عَلَيْهِ مسلمة أَقَامَ عِنْده حَتَّى تَعَالَى النَّهَار
وَوجد الْجُوع فَقَامَ ليذْهب فحسبه عمر وَقَالَ لَهُ
اجْلِسْ ثمَّ أَقَامَ حَتَّى انتصف النَّهَار ثمَّ قَامَ
فَقَالَ لَهُ عمر اجْلِسْ حَتَّى إِذا بلغ من مسلمة
الْجُوع فِيمَا يرى عمر دَعَا بطعامه فقربت ثريدة العدس
فَأقبل عَلَيْهَا مسلمة فَأكل أكل مجهود قد بلغ مِنْهُ
الْجُوع فَلم يأل حَتَّى تملأ فَأمر عمر أَن يرفع ودعا
لَهُ بِطَعَام طيب فَقَالَ كل قَالَ قد شبعت مَا فِي فضل
قَالَ لَهُ فَكيف بالسرف فِي الطَّعَام والتقحم فِي
النَّار وَهَذَا يَجْزِي عَنهُ وَأَرَادَ عمر رَحمَه الله
عظته وتأديبه فقصر بعد ذَلِك مسلمة عَمَّا كَانَ يكون
عَلَيْهِ
اكْتِفَاء عمر بِمَا كَانَ عِنْده
قَالَ وَلم يحدث عمر بن عبد الْعَزِيز مُنْذُ ولي دَابَّة
وَلَا امْرَأَة وَلَا جَارِيَة حَتَّى لحق بِاللَّه
تَركه الضحك
قَالَ وَلم ير عمر مفترا ضَاحِكا مُنْذُ ولي الْخلَافَة
حَتَّى لَقِي الله
(1/49)
اعتزاله النِّسَاء
قَالَ وَقَالَت فَاطِمَة زَوجته مَا اغْتسل من جَنَابَة
مُنْذُ ولي حَتَّى لَقِي الله غير ثَلَاث مَرَّات وَيُقَال
مَا اغْتسل من جَنَابَة حَتَّى مَاتَ
جَوَاب عمر حِين سُئِلَ عَن حَاله
قَالَ وَقَالَ رجل لعمر بن عبد الْعَزِيز كَيفَ أَصبَحت
يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ أَصبَحت بطينا بطيئا متلوثا
فِي الْخَطَايَا أَتَمَنَّى على الله الاماني |