|
سيرة عمر بن عبد
العزيز ندمه على إِعْطَاء بني أُميَّة
قَالَ وَاجْتمعت بَنو أُميَّة فَكَلَّمُوا رجلا أَن يكلمهُ
فِي صلَة أرحامهم والعطف عَلَيْهِم وَكَانَ قد أَمر لَهُم
بِعشْرَة آلَاف دِينَار فَلم تقع مِنْهُم فَدخل عَلَيْهِ
الرجل فَكَلمهُ وأعلمه بمقالتهم فَقَالَ أجل وَالله لقد
قسمتهَا فيهم وَقد نَدِمت عَلَيْهَا أَن لَا أكون منعتهم
إِيَّاهَا وقسمتها فَكَانَت كَافِيَة أَرْبَعَة آلَاف بَيت
من الْمُسلمين فَخرج إِلَيْهِم الرجل وأعلمهم بمقالته
وَقَالَ لَا تلوموا إِلَّا أَنفسكُم يَا معشر بني أُميَّة
عمدتم إِلَى صَاحبكُم فزوجتموه بنت ابْن عمر فجاءتكم بعمر
ملفوفا فِي ثِيَابه فَلَا تلوموا إِلَّا أَنفسكُم
أعوان عمر
قَالَ وَكَانَ الله قد أَعَانَهُ من أَهله بسهل أَخِيه
وَعبد الْملك ابْنه ومزاحم مَوْلَاهُ فَكَانُوا أعوانا
لَهُ على الْحق وَقُوَّة لَهُ على مَا هُوَ فِيهِ فَاجْتمع
نفر من بني أُميَّة إِلَى عبد الْملك بن عمر بن عبد
الْعَزِيز فَقَالُوا لَهُ إِن أَبَاك قطع أرحامنا وانتزع
مَا فِي أَيْدِينَا
(1/50)
وَعَابَ على سلفنا وَإِنَّا وَالله لَا
نصبر لَهُ على ذَلِك فَقل لَهُ يكف عَمَّا نكره فَفعل
ذَلِك عبد الْملك وَدخل عَلَيْهِ فَأخْبرهُ بذلك فَكَأَن
عمر وجد فِي نَفسه مِمَّا قَالَ فَقَالَ لَهُ عبد الْملك
يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ امْضِ لما تُرِيدُ فوَاللَّه
لَوَدِدْت أَنه قد غلت بِي وَبِك الْقُدُور فِي الله
فَقَالَ لَهُ جَزَاك الله خيرا من ولد ثمَّ قَالَ الْحَمد
لله الَّذِي شدّ ظَهْري بسهل أخي وَعبد الْملك ومزاحم
قدوم مولى ابْن عَيَّاش وَأَصْحَابه على عمر واباحته لَهُم
بَيت المَال
قَالَ وَقدم عَلَيْهِ زِيَاد مولى ابْن عَيَّاش وَأَصْحَاب
لَهُ فَأتى الْبَاب وَبِه جمَاعَة من النَّاس فَأذن لَهُ
دونهم فَدخل عَلَيْهِ فنسي أَن يسلم عَلَيْهِ بالخلافة
ثمَّ ذكر فَقَالَ السَّلَام عَلَيْك يَا أَمِير
الْمُؤمنِينَ فَقَالَ لَهُ عمر وَالْأولَى لم تضرني ثمَّ
نزل عمر عَن مَوضِع كَانَ عَلَيْهِ إِلَى الأَرْض وَقَالَ
إِنِّي أعظم أَن أكون فِي مَوضِع أعلو فِيهِ على زِيَاد
فَلَمَّا قضى زِيَاد مَا يُرِيد خرج فَأمر عمر خَازِن بَيت
المَال أَن يَفْتَحهُ لزياد وَمن مَعَه يَأْخُذُونَ مِنْهُ
حَاجتهم فَنظر إِلَيْهِ خَازِن بَيت المَال فاقتحمته عينه
عَن أَن يكون يفتح لمثله بَيت المَال ويسلط عَلَيْهِ
وَهُوَ بِهِ غير عَارِف فَفعل الخازن مَا أَمر بِهِ فَدخل
زِيَاد فَأخذ لنَفسِهِ ولأصحابه بضعا وَثَمَانِينَ درهما
أَو بضعا وَتِسْعين درهما فَلَمَّا رأى ذَلِك الخازن قَالَ
أَمِير الْمُؤمنِينَ أعلم بِمن يُسَلط على بَيت المَال
جَوَاب عمر من ناداه يَا خَليفَة الله فِي الأَرْض
قَالَ وناداه رجل فَقَالَ يَا خَليفَة الله فِي الأَرْض
فَقَالَ لَهُ عمر مَه إِنِّي لما
(1/51)
ولدت اخْتَار لي أَهلِي اسْما فسموني عمر
فَلَو ناديتني يَا عمر أَجَبْتُك فَلَمَّا كَبرت اخْتَرْت
لنَفْسي الكنى فكنيت بِأبي حَفْص فَلَو ناديتني يَا أَبَا
حَفْص أَجَبْتُك فَلَمَّا وليتموني أُمُوركُم سميتموني
أَمِير الْمُؤمنِينَ فَلَو ناديتني يَا أَمِير
الْمُؤمنِينَ أَجَبْتُك وَأما خَليفَة الله فِي الأَرْض
فلست كَذَلِك وَلَكِن خلفاء الله فِي الأَرْض دَاوُد
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَشبهه قَالَ الله تبَارك
وَتَعَالَى {يَا دَاوُد إِنَّا جعلناك خَليفَة فِي
الأَرْض}
حِكَايَة الرطب وَحمله على دَوَاب الْبَرِيد
واتت عمر بن عبد الْعَزِيز سلتا رطب من الْأُرْدُن فَقَالَ
مَا هَذَا قَالُوا رطب بعث بِهِ أَمِير الْأُرْدُن قَالَ
علام جِيءَ بِهِ قَالُوا على دَوَاب الْبَرِيد قَالَ فَمَا
جعلني الله أَحَق بدواب الْبَرِيد من الْمُسلمين أخرجوهما
فبيعوهما وَاجْعَلُوا ثمنهما فِي علف دَوَاب الْبَرِيد
فغمزني ابْن أَخِيه فَقَالَ لي اذْهَبْ فَإِذا قامتا على
ثمن فخذهما عَليّ قَالَ فأخرجتا الى السُّوق فبلغتا
أَرْبَعَة عشر درهما فأخذتهما فَجئْت بهما الى ابْن أَخِيه
فَقَالَ اذْهَبْ بِهَذِهِ الْوَاحِدَة إِلَى أَمِير
الْمُؤمنِينَ وَحبس لنَفسِهِ وَاحِدَة قَالَ فَأَتَيْته
بهَا فَقَالَ مَا هَذَا قلت اشتراهما فلَان ابْن أَخِيك
فَبعث إِلَيْك بِهَذِهِ وَحبس لنَفسِهِ الْأُخْرَى قَالَ
الْآن طَابَ لي أكله
دُخُول ابْن كَعْب على عمر وسماعه مِنْهُ حَدِيث ابْن
عَبَّاس
وَقَالَ مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ دخلت على عمر بن عبد
الْعَزِيز لما اسْتخْلف وَقد
(1/52)
نحل جِسْمه وَنفى شعره وَتغَير لَونه
وَكَانَ عهدنا بِهِ بِالْمَدِينَةِ أَمِيرا علينا حسن
الْجِسْم ممتلئ الْبضْعَة فَجعلت أنظر اليه نظرا لَا أكاد
أصرف بَصرِي عَنهُ فَقَالَ يَا ابْن كَعْب مَا لَك تنظر
إِلَيّ نظرا مَا كنت تنظره إِلَيّ قبل قَالَ فَقلت لعجبي
قَالَ ومماذا عجبك فَقلت لما نحل من جسمك وَنفى من شعرك
وَتغَير من لونك قَالَ وَكَيف لَو رَأَيْتنِي بعد ثَلَاث
فِي قَبْرِي حِين تقع عَيْنَايَ على وجنتي ويسيل منخري
وفمي دودا وصديدا لَكُنْت لي أَشد نكرَة مِنْك الْيَوْم
أعد عَليّ حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أفضل الْمجَالِس مَا اسْتقْبل
بِهِ الْقبْلَة وأنما تتجالسون بالأمانة لَا تصلوا خلف
النَّائِم وَلَا الْمُحدث واقتلوا الْحَيَّة وَالْعَقْرَب
وَإِن كُنْتُم فِي صَلَاتكُمْ وَلَا تستروا الْجدر بالثياب
أَلا وَمن نظر مِنْكُم فِي كتاب أَخِيه بِغَيْر إِذْنه
فَإِنَّمَا ينظر فِي النَّار أَلا أنبئكم بشراركم قَالُوا
بلَى يَا رَسُول الله قَالَ من نزل وَحده وَمنع رفده وَجلد
عَبده أَلا أنبئكم بشر من ذَلِك من لَا يقيل عَثْرَة وَلَا
يقبل معذرة وَلَا يغْفر ذَنبا أَلا أنبئكم بشر من ذَلِك من
يبغض النَّاس ويبغضونه أَلا أنبئكم بشر من ذَلِك من لَا
يُرْجَى خَيره وَلَا يُؤمن شَره إِن عِيسَى بن مَرْيَم
قَامَ فِي قومه فَقَالَ يَا بني إِسْرَائِيل لَا تتكلموا
بالحكمة عِنْد الْجُهَّال فتظلموها وَلَا تمنعوها أَهلهَا
فتظلموهم وَلَا تجاوروا ظَالِما فَيبْطل فَضلكُمْ عِنْد
(1/53)
ربكُم إِنَّمَا الْأُمُور ثَلَاثَة فَأمر
بَين رشده فَاتَّبعُوهُ وَأمر بَين غيه فَاجْتَنبُوهُ
وَأمر اخْتلف فِيهِ فَردُّوهُ إِلَى الله
نَهْيه عَن ركض الْفرس
قَالَ وَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز يُنْهِي عَن ركض
الْفرس فِي غير حق
معونته ذَوي العاهات
قَالَ وَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز إِذا كثر عِنْده أرقاء
الْخمس فرقه بَين كل مقعدين وَبَين كل زمنين غُلَاما
يَخْدُمهُمَا وَلكُل أعمى غُلَاما يَقُودهُ
رفضه أَن يفضل بِطَعَام
قَالَ وَنزل عمر ديرا فمرت بِهِ أطباق فَقَالَ مَا هَذِه
قيل لَهُ صَاحب الدَّيْر يطعم النَّاس فَجَاءَهُ بطبق
فِيهِ فستق ولوز فَقَالَ عمر تِلْكَ الأطباق مثل هَذَا
قَالَ لَا قَالَ خُذ طَعَامك
طَعَام بَنَات عمر
قَالَ وَكَانَ عمر يُصَلِّي الْعَتَمَة ثمَّ يدْخل على
بَنَاته فَيسلم عَلَيْهِنَّ فَدخل عَلَيْهِنَّ ذَات
لَيْلَة فَلَمَّا أحسسنه وضعن أَيْدِيهنَّ على أفواههن
ثمَّ تبادرن الْبَاب فَقَالَ للحاضنة مَا شأنهن قَالَت
إِنَّه لم يكن عِنْدهن شَيْء يتعيشنه إِلَّا عدس وبصل
فكرهن أَن تشم ذَلِك من أفواههن فَبكى عمر ثمَّ قَالَ
لَهُنَّ يَا بَنَاتِي مَا ينفعكن أَن تعشين الألوان ويمر
بأبيكن إِلَى النَّار قَالَ فبكين حَتَّى علت أصواتهن ثمَّ
انْصَرف
(1/54)
كَانَ عمر لَا يُؤَخر عمل الْيَوْم للغد
قَالَ وَقَالَ بعض إخْوَة عمر لَهُ يَا أَمِير
الْمُؤمنِينَ لَو ركبت فتروحت قَالَ فَمن يَجْزِي عني عمل
ذَلِك الْيَوْم قَالَ تجزيه من الْغَد قَالَ فدحني عمل
يَوْم وَاحِد فَكيف إِذا اجْتمع عَليّ عمل يَوْمَيْنِ قيل
فَإِن سُلَيْمَان قد كَانَ يركب وينتعش وَيجْزِي عمله
قَالَ عمر وَلَا يَوْم وَاحِد من الدُّنْيَا مَا أجزاه
سُلَيْمَان |