|
سيرة عمر بن عبد
العزيز رد عمر الْمَظَالِم وَمَا كَانَ بَينه
وَبَين عَنْبَسَة بن سعيد وَكَانَ سُلَيْمَان أَمر لَهُ
بصلَة فَمَاتَ قبل قبضهَا
قَالَ وَلما ولي عمر بن عبد الْعَزِيز رد الْمَظَالِم
والقطائع وَكَانَ سُلَيْمَان بن عبد الْملك قد أَمر لعنبسة
بن سعيد بن الْعَاصِ بِعشْرين ألف دِينَار فدارت فِي
الدَّوَاوِين حَتَّى انْتَهَت إِلَى ديوَان الْخَتْم فَلم
يبْق إِلَّا قبضهَا فَتوفي سُلَيْمَان قبل أَن يقبضهَا
وَكَانَ عَنْبَسَة صديقا لعمر بن عبد الْعَزِيز فغدا
عَنْبَسَة يُرِيد كَلَام عمر فِيمَا أَمر لَهُ بِهِ
سُلَيْمَان فَوجدَ بني أُميَّة حضورا بِبَاب عمر
يُرِيدُونَ الْإِذْن عَلَيْهِ ليكلموه فِي أُمُورهم
فَلَمَّا رَأَوْا عَنْبَسَة قَالُوا نَنْظُر مَا يصنع بِهِ
قبل أَن نكلمه فَقَالُوا لَهُ أعلم أَمِير الْمُؤمنِينَ
مَكَاننَا وَأَعْلَمنَا مَا يصنع بك فِي أمورك فَدخل
عَنْبَسَة على عمر فَقَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ
إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ سُلَيْمَان قد كَانَ أَمر لي
بِعشْرين ألف دِينَار حَتَّى انْتَهَت إِلَى ديوَان
الْخَتْم وَلم يبْق إِلَّا قبضهَا فَتوفي على ذَلِك وأمير
الْمُؤمنِينَ أولى باستتمام الصنيعة عِنْدِي وَمَا بيني
وَبَينه أعظم مِمَّا كَانَ بيني وَبَين أَمِير
الْمُؤمنِينَ سُلَيْمَان قَالَ لَهُ عمر كم ذَلِك قَالَ
عشرُون ألف دينارقال عمر عشرُون ألف دينارتغني أَرْبَعَة
آلَاف بَيت من الْمُسلمين وأدفعها إِلَى رجل وَاحِد وَالله
مَا لي إِلَى ذَلِك من سَبِيل قَالَ فرميت بِالْكتاب
الَّذِي فِيهِ الصَّك فَقَالَ لي عمر لَا عَلَيْك أَن يكون
مَعَك فَلَعَلَّهُ أَن يَأْتِيك
(1/55)
من هُوَ أجرأ على هَذَا المَال مني فيأمر
لَك بهَا قَالَ عَنْبَسَة فَأَخَذته تبركا بِرَأْيهِ وَقلت
لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَمَا بَال جبل الورس
وَكَانَ جبل الورس قطيعة لعمر بن عبد الْعَزِيز فَقَالَ
عمر ذَكرتني الطعْن وَكنت نَاسِيا يَا غُلَام هَلُمَّ
ذَلِك القفص فَأتي بقفص من جريد فِيهِ قطائع من بني عبد
الْعَزِيز فَقَالَ يَا غُلَام اقْرَأ عَليّ فَكلما قَرَأَ
قطيعة قَالَ شقها حَتَّى لم يبْق فِي القفص شَيْء إِلَّا
شقَّه قَالَ عَنْبَسَة فَخرجت إِلَى بني أُميَّة وهم وقُوف
بِالْبَابِ فأعلمتهم مَا كَانَ من ذَلِك فَقَالُوا لَيْسَ
بعد هَذَا شَيْء ارْجع إِلَيْهِ فَاسْأَلْهُ أَن يَأْذَن
لنا أَن نلحق بالبلدان فَرَجَعت إِلَيْهِ فَقلت يَا أَمِير
الْمُؤمنِينَ إِن قَوْمك بِالْبَابِ يَسْأَلُونَك أَن
تجْرِي عَلَيْهِم مَا كَانَ قبلك يجْرِي عَلَيْهِم فَقَالَ
عمر وَالله مَا هَذَا المَال لي وَمَا لي إِلَى ذَلِك من
سَبِيل قلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فيسألونك أَن تَأذن
لَهُم يضْربُونَ فِي الْبلدَانِ قَالَ مَا شَاءُوا ذَلِك
لَهُم وَقد أَذِنت لَهُم قَالَ قلت وَأَنا أَيْضا قَالَ
وَأَنت أَيْضا قد أَذِنت لَك وَلَكِنِّي أرى لَك أَن تقيم
فَإنَّك رجل كثير النَّقْد وَأَنا أبيع تَرِكَة سُلَيْمَان
فلعلك أَن تشتري مِنْهَا مَا يكون لَك فِي ربحه عوض مِمَّا
فاتك قَالَ فأقمت تبركا بِرَأْيهِ فابتعت من تَرِكَة
سُلَيْمَان بِمِائَة ألف فَخرجت بهَا إِلَى الْعرَاق
فبعتها بِمِائَتي ألف وحبست الصَّك فَلَمَّا توفّي عمر
وَولي يزِيد بن عبد الْملك أَتَيْته بِكِتَاب سُلَيْمَان
فأنفذ لي مَا كَانَ فِيهِ
عمر وَجَارِيَة لزوجته
وَنظر عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى جَارِيَة زَوجته
فَاطِمَة بنت عبد الْملك فَكَأَنَّهَا أَعْجَبته فَقَالَت
لَهُ فَاطِمَة أَرَاهَا قد أعجبتك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ
قَالَ عمر إِنَّهَا لعرضة لذَلِك قَالَ فَأمرت فَاطِمَة
بإصلاحها وتهيئتها حَتَّى إِذا رضيت من ذَلِك بعثت بهَا
إِلَيْهِ فَقَالَ لَهَا لمن كنت قَالَت وهبني عبد الْملك
لفاطمة قَالَ فَلِمَنْ كنت قبل عبد الْملك قَالَت كنت لقوم
بِالْبَصْرَةِ فَأخذ عاملها أَمْوَالهم فَكنت فِيمَا أَخذه
(1/56)
فَبعث بِي إِلَى عبد الْملك فوهبني لفاطمة
فَدَعَا بالبريد فَكتب إِلَى عَامل الْبَصْرَة فَأمره
بردهَا إِلَى أَهلهَا
عذر عمر فِي تَأْخِير بعض الْأُمُور
قَالَ لما ولي عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ لَهُ ابْنه عبد
الْملك إِنِّي لأرَاك يَا أبتاه قد أخرت أمورا كَثِيرَة
كنت أحسبك لَو وليت سَاعَة من النَّهَار عجلتها ولوددت
أَنَّك قد فعلت ذَلِك وَلَو فارت بِي وَبِك الْقُدُور
قَالَ لَهُ عمر أَي بني إِنَّك على حسن قسم الله لَك وفيك
بعض رَأْي أهل الحداثة وَالله مَا أَسْتَطِيع أَن أخرج
لَهُم شَيْئا من الدّين إِلَّا وَمَعَهُ طرف من الدُّنْيَا
أستلين بِهِ قُلُوبهم خوفًا أَن ينخرق عَليّ مِنْهُم مَا
لَا طَاقَة لي بِهِ
استخلاص عمر حوانيت بحمص من ابْن الْوَلِيد وردهَا على
أَصْحَابهَا
قَالَ وَكَانَ للوليد بن عبد الْملك ابْن يُقَال لَهُ روح
وَكَانَ نَشأ فِي الْبَادِيَة فَكَأَنَّهُ أَعْرَابِي
فَأتى نَاس من الْمُسلمين إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز
يُخَاصِمُونَ روحا فِي حوانيت حمص وَكَانَت لَهُم أقطعه
إِيَّاهَا أَبوهُ الْوَلِيد بن عبد الْملك فَقَالَ لَهُ
عمر أردد عَلَيْهِم حوانيتهم قَالَ لَهُ روح هَذَا معي
بسجل الْوَلِيد قَالَ وَمَا يُغني عَنْك سجل الْوَلِيد
والحوانيت حوانيتهم قد قَامَت لَهُم الْبَيِّنَة عَلَيْهَا
خل لَهُم حوانيتهم فَقَامَ روح والحمصي منصرفين فتوعد روح
الْحِمصِي فَرجع الْحِمصِي إِلَى عمر فَقَالَ هُوَ وَالله
متوعدني يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ عمر لكعب بن
حَامِد وَهُوَ على حرسه اخْرُج إِلَى روح يَا
(1/57)
كَعْب فَإِن سلم إِلَيْهِ حوانيته فَذَلِك
وَإِن لم يفعل فائتني بِرَأْسِهِ فَخرج بعض من سمع ذَلِك
مِمَّن يعنيه أَمر روح بن الْوَلِيد فَذكر لَهُ الَّذِي
أَمر عمر فَخلع فُؤَاده وَخرج إِلَيْهِ كَعْب وَقد سل من
السَّيْف شبْرًا فَقَالَ لَهُ قُم فَخَل لَهُ حوانيته
قَالَ نعم نعم فخلى لَهُ حوانيته
ارجاع عمر مزرعته فِي خَيْبَر إِلَى مَا كَانَت عَلَيْهِ
فِي عهد الرَّسُول
قَالَ وَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز نظر فِي مزارعه فخرق
سجلاتها حَتَّى بقيت مزرعتا خَيْبَر والسويداء فَسَأَلَ
عَن خَيْبَر من أَيْن كَانَت لِأَبِيهِ قيل لَهُ كَانَت
فِي نحل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَركهَا
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيْئا للْمُسلمين
ثمَّ صَارَت إِلَى مَرْوَان فَأَعْطَاهَا مَرْوَان أَبَاك
ثمَّ أعطاكها أَبوك فخرق عمر سجلها وَقَالَ أتركها حَيْثُ
تَركهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَضعه حلي زَوجته فِي بَيت المَال
قَالَ وَقَالَ عمر لزوجته فَاطِمَة بنت عبد الْملك قد علمت
حَال هَذَا الْجَوْهَر لحليها وَمَا صنع فِيهِ أَبوك وَمن
أَيْن أَصَابَهُ فَهَل لَك أَن أجعله فِي تَابُوت ثمَّ
أطبع عَلَيْهِ وأجعله فِي أقْصَى بَيت مَال الْمُسلمين
وَأنْفق مَا دونه فَإِن خلصت إِلَيْهِ أنفقته وَأَن مت قبل
ذَلِك فلعمري ليردنه إِلَيْك قَالَت لَهُ افْعَل مَا شِئْت
فَفعل ذَلِك فَمَاتَ رَحمَه الله وَلم يصل إِلَيْهِ فَرد
ذَلِك عَلَيْهَا أَخُوهَا يزِيد بن عبد الْملك فامتنعت من
أَخذه وَقَالَت مَا كنت لأتركه ثمَّ آخذه فَقَسمهُ يزِيد
بَين نِسَائِهِ وَنسَاء بنيه
(1/58)
عجز عمر عَن نَفَقَة الْحَج وشوقه إِلَى الْجنَّة
قَالَ وَقَالَ عمر بن عبيد الْعَزِيز لمزاحم مَوْلَاهُ
إِنِّي قد اشْتهيت الْحَج فَهَل عنْدك شَيْء قَالَ بضعَة
شهر دِينَارا قَالَ وَمَا تقع مني ثمَّ مكث قَلِيلا ثمَّ
قَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ تجهز فقد جَاءَنَا
مَال سَبْعَة عشر ألف دِينَار من بعض مَال بني مَرْوَان
قَالَ اجْعَلْهَا فِي بَيت المَال فَإِن تكن حَلَالا فقد
أَخذنَا مِنْهَا مَا يكفينا وَإِن تكن حَرَامًا فكفانا
ماأصبنا مِنْهَا فَلَمَّا رأى عمر ثقل ذَلِك عَليّ قَالَ
وَيحك يَا مُزَاحم لَا يكثرن عَلَيْك شَيْء صَنعته لله
فَإِن لي نفسا تواقة لم تتق إِلَى منزلَة فنالتها إِلَّا
تاقت إِلَى مَا هِيَ أرفع مِنْهَا حَتَّى بلغت الْيَوْم
الْمنزلَة الَّتِي لَيْسَ بعْدهَا منزلَة وَإِنَّهَا
الْيَوْم قد تاقت الى الْجنَّة |