سيرة عمر بن عبد العزيز

جرْأَة النَّاس بالتظلم لَهُ من أهل بَيته وإدالتهم مِنْهُم

قَالَ وَأَتَاهُ رجل فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مظْلمَة دخلت عَليّ قَالَ عمر وَمن بك قَالَ فَلَا وَالله مَا اسْتَطَاعَ أَن يَقُول فلَان لبَعض أَهله مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا فَقَالَ فلَان بن فلَان عمد إِلَى مَال لي بِكَذَا وَكَذَا فَأَخذه فَقَالَ يَا غُلَام ائْتِنِي بِدَوَاةٍ وَقِرْطَاس فَكتب الى عَامله إِن فلَانا ذكر لي كَذَا وَكَذَا فَإِن كَانَ الَّذِي ذكر لي على مَا ذكر فَلَا تراجعني فِيهِ واردده عَلَيْهِ ثمَّ ضرب بِإِحْدَى يَدَيْهِ على الْأُخْرَى وَقَالَ {إِن هَذَا لَهو الْبلَاء الْمُبين}
حَدِيث عمر مَعَ عمته وَعرضه عَلَيْهَا عطاءه

قَالَ وَلما ولي عمر بن عبد الْعَزِيز أَتَت عمَّة لَهُ إِلَى فَاطِمَة امْرَأَته فَقَالَ إِنِّي أُرِيد كَلَام أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَت لَهَا اجلسي حَتَّى يفرغ فَجَلَست فَإِذا بِغُلَام قد أَتَى فَأخذ

(1/59)


سِرَاجًا فَقَالَت لَهَا فَاطِمَة إِن كنت تريدينه فَالْآن إِذا كَانَ فِي حوائج الْعَامَّة كتب على الشمع وَإِذا صَار إِلَى حَاجَة نَفسه دَعَا بسراجه فَقَامَتْ فَدخلت عَلَيْهِ فَإِذا بَين يَدَيْهِ اقراص وَشَيْء من ملح وزيت وَهُوَ يتعشى فَقَالَت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أتيت بحاجة لي ثمَّ رَأَيْت أَن أبدأ بك قبل حَاجَتي قَالَ وَمَا ذَاك يَا عمَّة وَقَالَت لَو اتَّخذت لَك طَعَاما أَلين من هَذَا قَالَ لَيْسَ عِنْدِي يَا عمَّة وَلَو كَانَ عِنْدِي لفَعَلت قَالَت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كَانَ عمك عبد الْملك يجْرِي عَليّ كذاوكذا ثمَّ كَانَ أَخُوك الْوَلِيد فزادني ثمَّ وليت أَنْت فقطعته عني قَالَ يَا عمَّة إِن عمي عبد الْملك وَأخي الْوَلِيد وَأخي سُلَيْمَان كَانُوا يعطونك من مَال الْمُسلمين وَلَيْسَ ذَاك المَال لي فأعطيكه وَلَكِنِّي أُعْطِيك مَالِي إِن شِئْت قَالَت وَمَا ذَاك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ عطائي مِائَتَا دِينَار فَهَل لَك قَالَت وَمَا يبلغ مني عطاؤك قَالَ فَلَيْسَ أملك غَيره يَا عمَّة قَالَت فَانْصَرَفت عَنهُ
عزم عمر على تَعْلِيم الرّعية وَحَملهمْ على الشَّرِيعَة

وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز ان لِلْإِسْلَامِ حدودا وَشَرَائِع وسننا فَمن عمل بهَا اسْتكْمل الْإِيمَان وَمن لم يعْمل بهَا لم يستكمل الْإِيمَان فَإِن أعش أعلمكموها وأحملكم عَلَيْهَا وَإِن مت فَمَا أَنا على صحبتكم بحريص
جَوَاب عمر الى وَالِي الْمَدِينَة بشأن الشمع

قَالَ وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم وَكَانَ وَالِي الْمَدِينَة أما بعد فقد قَرَأت كتابك إِلَى سُلَيْمَان تذكر فِيهِ أَنه كَانَ يقطع لمن كَانَ قبلك من أُمَرَاء الْمَدِينَة من الشمع كذاوكذا يستضيئون بِهِ فِي مخرجهم فابتليت بجوابك فِيهِ ولعمري لقد عهدتك يَا ابْن ام حزم وَأَنت تخرج من بَيْتك فِي اللَّيْلَة

(1/60)


الشَّاتِيَة الْمظْلمَة بِغَيْر مِصْبَاح ولعمري أَنْت يَوْمئِذٍ خير مِنْك الْيَوْم وَلَقَد كَانَ فِي فتائل أهلك مَا يُغْنِيك وَالسَّلَام
جَوَابه إِلَيْهِ بشأن الْقَرَاطِيس

وَكتب إِلَيْهِ أَيْضا أما بعد فقد قَرَأت كتابك إِلَى سُلَيْمَان تذكر أَنه قد كَانَ يجْرِي على من كَانَ قبلك من أُمَرَاء الْمَدِينَة من الْقَرَاطِيس لحوائج الْمُسلمين كذاوكذا فابتليت بجوابك فِيهِ فَإِذا جَاءَك كتابي هَذَا فأرق الْقَلَم واجمع الْخط واجمع الْحَوَائِج الْكَثِيرَة فِي الصَّحِيفَة الْوَاحِدَة فَإِنَّهُ لَا حَاجَة للْمُسلمين فِي فضل قَول أضرّ بِبَيْت مَا لَهُم وَالسَّلَام عَلَيْك
جَوَابه إِلَى عَامله على الْبَصْرَة وَقد سَأَلَهُ الاذن لَهُ فِي تَعْذِيب الْعمَّال على خياناتهم

وَكتب إِلَى عدي بن أَرْطَأَة وَكَانَ عَاملا على الْبَصْرَة أما بعد فقد جَاءَنِي كتابك تذكر أَن قبلك عمالا قد ظَهرت خيانتهم وتسألني أَن آذن لَك فِي عَذَابهمْ كَأَنَّك ترى أَنِّي لَك جنَّة من دون الله فَإِذا جَاءَك كتابي هَذَا فَإِن قَامَت عَلَيْهِم بَيِّنَة فخذهم بذلك وَإِلَّا فأحلفهم دبر صَلَاة الْعَصْر بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مَا اختانوا من مَال الْمُسلمين شَيْئا فَإِن حلفوا فَخَل سبيلهم فَإِنَّمَا هُوَ مَال الْمُسلمين وَلَيْسَ للشحيح مِنْهُم إِلَّا جهد أَيْمَانهم ولعمري لِأَن يلْقوا الله بخياناتهم أحب إِلَيّ من أَن ألْقى الله بدمائهم وَالسَّلَام
جَوَابه عُرْوَة بن مُحَمَّد بشأن الصَّدقَات

وَكتب إِلَى عُرْوَة بن مُحَمَّد أما بعد فقد جَاءَنِي كتابك تذكر أَن من كَانَ قبلك من الْعمَّال قد وضعُوا على أهل الْيمن صَدَقَاتهمْ وظائف إِن افتقروا لم ينقصوا وَإِن

(1/61)


استغنوا زيد عَلَيْهِم وتؤامرني فِي ذَلِك ولعمري إِن هَذَا للجور حق الْجور فَإِذا جَاءَك كتابي هَذَا فخذهم بِمَا ترى عَلَيْهِم من الْحق ثمَّ قسم ذَلِك على فقرائهم واقعد على طَرِيق الْحَاج قوما ترضاهم وترضى دينهم وأماناتهم يقوون الضَّعِيف ويغنون الْفَقِير فوَاللَّه لَو لم يأتني من قبلك إِلَّا كف لرأيته من الله قسما عَظِيما وَالسَّلَام