سيرة عمر بن عبد العزيز

إغناؤه النَّاس حَتَّى لم يجد عَامله فِي إفريقية من يَأْخُذ مِنْهُ الصَّدَقَة

قَالَ يحيى بن سعيد بَعَثَنِي عمر بن عبد الْعَزِيز على صدقَات إفريقية فاقتضيتها وَطلبت فُقَرَاء نعطيها لَهُم فَلم نجد بهَا فَقِيرا وَلم نجد من يَأْخُذهَا مني قد أغْنى عمر بن عبد الْعَزِيز النَّاس فاشتريت بهَا رقابا فأعتقتهم وولاؤهم للْمُسلمين
كتاب عمر فِي صفة مَا كَانَ الْمُسلمُونَ عَلَيْهِ وَمَا صَارُوا إِلَيْهِ وَبَيَان سياسته لَهُم

وَلما ولي عمر بن عبد الْعَزِيز كتب أما بعد فَإِنِّي أوصيكم بتقوى الله وَلُزُوم كِتَابه والاقتداء بِسنة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهديه فَإِن الله قد بَين لكم مَا تأتون وَمَا تَتَّقُون وأعذر إِلَيْكُم فِي الْوَصِيَّة وَأخذ عَلَيْكُم الْحجَّة حِين أنزل عَلَيْكُم كِتَابه الحفيظ الَّذِي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه تَنْزِيل من حَكِيم حميد} قَالَ {وبالحق أَنزَلْنَاهُ وبالحق نزل وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا مبشرا وَنَذِيرا} وَقَالَ {وَلَقَد جئناهم بِكِتَاب فصلناه على علم هدى وَرَحْمَة لقوم يُؤمنُونَ} فأقيموا فَرَائِضه وَاتبعُوا سنَنه وَاعْمَلُوا بمحكمه واصبروا أَنفسكُم عَلَيْهِ وآمنوا بمتشابهه فَإِن الله علمكُم مِنْهُ مَا علمكُم وأولكم يَوْمئِذٍ أقل النَّاس شَوْكَة وأوهنه قُوَّة وأشده فرقة

(1/65)


وأحقره عِنْد من سواهُم من النَّاس محقرة لَيْسَ لَهُم من الله حَظّ فِي الْهدى يرجعُونَ بِهِ إِلَيْهِ مَعَ أَن الدُّنْيَا ومواضع أموالها وعددها وجماعتها ونكايتها فِي غَيرهم حَتَّى أَرَادَ الله إكرامهم بكتابه وَنبيه بعث إِلَيْهِم مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله وَرَسُوله بِالْحَقِّ بشيرا يبشر بالخيرالذي لَا خير مثله وينذر الشَّرّ الَّذِي لَا شَرّ مثله وأخره الله لذَلِك فِي الْقُرُون وَسَماهُ على لِسَان من شَاءَ من أنبيائه الَّذين سبقوا وَأخذ عَلَيْهِم مِيثَاق جَمَاعَتهمْ قَالَ {وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين لما آتيتكم من كتاب وَحِكْمَة ثمَّ جَاءَكُم رَسُول مُصدق لما مَعكُمْ لتؤمنن بِهِ ولتنصرنه قَالَ أأقررتم وأخذتم على ذَلِكُم إصري قَالُوا أقررنا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنا مَعكُمْ من الشَّاهِدين} فَأخر الله ذَلِك لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين بَعثه رَحْمَة للْعَالمين {وداعيا إِلَى الله بِإِذْنِهِ وسراجا منيرا} وَأحكم الله فِي كِتَابه مَا رَضِي من الْأُمُور فَمَا جعل من ذَلِك حَلَالا فَهُوَ حَلَال إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَمَا جعل من ذَلِك حَرَامًا فَهُوَ حرَام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَعلمه سنته ففهمها وَعمل بهَا بَين ظَهْري أمته فصلى الصَّلَوَات لوَقْتهَا كَمَا أمره الله وَعلم مواقيتها الَّتِي وَقتهَا الله لَهُ فَإِنَّهُ قَالَ {أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس إِلَى غسق اللَّيْل وَقُرْآن الْفجْر إِن قُرْآن الْفجْر كَانَ مشهودا} ودلوك الشَّمْس ميلها بعد نصف النَّهَار فَلَمَّا نعت الله فِي هَذِه الْآيَة وَقت صَلَاة الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب ثمَّ قَالَ

(1/66)


فِي آيَة أُخْرَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لِيَسْتَأْذِنكُم الَّذين ملكت أَيْمَانكُم وَالَّذين لم يبلغُوا الْحلم مِنْكُم ثَلَاث مَرَّات من قبل صَلَاة الْفجْر وَحين تضعون ثيابكم من الظهيرة وَمن بعد صَلَاة الْعشَاء} وَصَلَاة الْعشَاء صَلَاة الْعَتَمَة فَهَذِهِ الصَّلَوَات قد جمعهَا الْقُرْآن وَبَينهَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ فرض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الزَّكَاة على أَمر الله فِي الْعين والحرث والماشية وَبَين مَوَاضِع ذَلِك فَقَالَ {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين والعاملين عَلَيْهَا والمؤلفة قُلُوبهم وَفِي الرّقاب والغارمين وَفِي سَبِيل الله وَابْن السَّبِيل} حَتَّى استقامت سنتها فِي الْأَخْذ حِين تُؤْخَذ وَفِي الْقِسْمَة حِين تقسم فَعمل بهَا الْمُسلمُونَ فِي جَزِيرَة الْعَرَب حَتَّى علموها أَو كل ذِي عقل مِنْهُم ثمَّ غزا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَفسِهِ غير مرّة وأغزى الجيوش والسرايا يقسم إِذا كَانَ حَاضرا وَيَأْمُر من تولى أَمر جيوشه وسراياه بِالَّذِي أَمر الله بِهِ من قسم مَا أَفَاء الله عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم فَإِن الله تبَارك وَتَعَالَى قَالَ {وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء فَأن لله خمسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل إِن كُنْتُم آمنتم بِاللَّه وَمَا أنزلنَا على عَبدنَا يَوْم الْفرْقَان يَوْم التقى الْجَمْعَانِ وَالله على كل شَيْء قدير} ثمَّ أمره الله فِي الْحَج بِمَا أمره فَقَالَ {وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ يأتوك رجَالًا وعَلى كل ضامر يَأْتِين من كل فج عميق ليشهدوا مَنَافِع لَهُم ويذكروا اسْم الله فِي أَيَّام مَعْلُومَات على مَا رزقهم من بَهِيمَة الْأَنْعَام فَكُلُوا مِنْهَا وأطعموا البائس الْفَقِير ثمَّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} ثمَّ أَفَاء الله على رَسُوله مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمْوَال قرى لم يوجف عَلَيْهَا خيل وَلَا ركاب فَقَالَ فِيهَا لتَكون سنة فِيمَا يفتح الله من الْقرى بعْدهَا {وَمَا أَفَاء الله على رَسُوله مِنْهُم فَمَا أَوجَفْتُمْ عَلَيْهِ من خيل وَلَا ركاب وَلَكِن الله يُسَلط رسله على من يَشَاء وَالله على كل شَيْء قدير}

(1/67)


وَقَالَ {مَا أَفَاء الله على رَسُوله من أهل الْقرى فَللَّه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل كي لَا يكون دولة بَين الْأَغْنِيَاء مِنْكُم وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا وَاتَّقوا الله إِن الله شَدِيد الْعقَاب} ثمَّ سمي فِي هَؤُلَاءِ الْآيَات الَّذِي للْمُسلمين فَلَيْسَ لأحد مِنْهُم قسم إِلَّا وَهُوَ فِي هَذِه الْآيَات فَقَالَ {للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين الَّذين أخرجُوا من دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ يَبْتَغُونَ فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله وَرَسُوله أُولَئِكَ هم الصادقون} وَأهل هَذِه الْآيَة من خرج من بِلَاده مُهَاجرا إِلَى الْمَدِينَة وَلَيْسَ فيهم الْأَنْصَار ثمَّ قَالَ {وَالَّذين تبوؤوا الدَّار وَالْإِيمَان من قبلهم يحبونَ من هَاجر إِلَيْهِم وَلَا يَجدونَ فِي صُدُورهمْ حَاجَة مِمَّا أُوتُوا ويؤثرون على أنفسهم وَلَو كَانَ بهم خصَاصَة وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون} وَأهل هَذِه الْآيَة من كَانَ بِالْمَدِينَةِ من الْأَنْصَار فَإِن هِجْرَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت إِلَيْهِم ثمَّ قَالَ فِي الْآيَة الثَّالِثَة وَهِي الَّتِي جمعت حَظّ من بَقِي من الْمُسلمين بعد هذَيْن الصِّنْفَيْنِ الْأَوَّلين فِي الْإِسْلَام وَقسم المَال {وَالَّذين جاؤوا من بعدهمْ يَقُولُونَ رَبنَا اغْفِر لنا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذين سبقُونَا بِالْإِيمَان وَلَا تجْعَل فِي قُلُوبنَا غلا للَّذين آمنُوا رَبنَا إِنَّك رؤوف رَحِيم} فهم جمَاعَة من بَقِي من أهل الْإِسْلَام وَمن هُوَ دَاخل فِيهِ بعد الْهِجْرَة الأولى حَتَّى تَنْقَضِي الدُّنْيَا فَفِي الَّذِي علمكُم الله من كِتَابه وَالَّذِي سنّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من السّنَن الَّتِي لم تدع شَيْئا من دينكُمْ وَلَا دنياكم نعْمَة عَظِيمَة وَحقّ وَاجِب فِي شكر الله كَمَا هدَاكُمْ وعلمكم مَا لم تَكُونُوا تعلمُونَ فَلَيْسَ لأحد فِي كتاب الله وَلَا فِي سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر وَلَا رَأْي إِلَّا إِنْفَاذه والمجاهدة عَلَيْهِ وَأما مَا حدث من الْأُمُور الَّتِي تبتلى الْأَئِمَّة بهَا مِمَّا لم يحكمه

(1/68)


الْقُرْآن وَلَا سنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن وَالِي أَمر الْمُسلمين وَإِمَام عامتهم لَا يقدم فِيهَا بَين يَدَيْهِ وَلَا يقْضى فِيهَا دونه وعَلى من دونه رفع ذَلِك إِلَيْهِ وَالتَّسْلِيم لما قضى
وَقد أَحْبَبْت فِي كتابي هَذَا أَن تعرفوا الْحَال الَّتِي كُنْتُم عَلَيْهَا قبل نزُول كتاب الله وَسنة نبيه من الضَّلَالَة والعمى وضنك الْمَعيشَة وَالَّذِي أبدلكم الله من الْكَرَامَة والنصر والعافية وَالْجَمَاعَة وسلب لكم مِمَّا كَانَ فِي يَد غَيْركُمْ مِمَّا لم تَكُونُوا لتسلبوه بقوتكم لَو وكلكم إِلَى أَنفسكُم كَانَ قد شَرط ذَلِك للْمُؤْمِنين وَأَعْطَاهُمْ إِيَّاه إِذْ شَرط عَلَيْهِم شَرطه فقد وفاكم الله مَا شَرط لكم وَهُوَ آخذكم بِمَا اشْترط عَلَيْكُم قَالَ {وعد الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَعمِلُوا الصَّالِحَات ليَستَخْلِفنهم فِي الأَرْض كَمَا اسْتخْلف الَّذين من قبلهم وليمكنن لَهُم دينهم الَّذِي ارتضى لَهُم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لَا يشركُونَ بِي شَيْئا وَمن كفر بعد ذَلِك فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ} فقد أنْجز الله لكم وعده فأنجزوا دين الله فِي رِقَابكُمْ أَن يكفر كَافِر بِنِعْمَة الله أَو ينسى بلاءه فيجد على الله هينا وَيطول خلوده فِيمَا لَا طَاقَة لَهُ بِهِ ثمَّ إِنِّي أَحْبَبْت أَن يعلم من كَانَ جَاهِلا من أَمْرِي وَالَّذِي انا عَلَيْهِ مِمَّا لم أكن أُرِيد بِهِ الْمنطق فِي يومي هَذَا حَتَّى رَأَيْت أَن الْمنطق بِبَعْضِه هُوَ أقرب إِلَى الصّلاح فِي عَاجل الْأَمر وآجله للَّذي قد أفْضى إِلَيّ من الْأَمر وَأَنا أعلم من كتاب الله وَسنة نبيه عَلَيْهِ السَّلَام وَمَا سلف عَلَيْهِ أَمر الْأَئِمَّة بَين يَدي علما من الله علمنيه من لم يكن لَهُ شغل عَنهُ وَقد كَانَ شغلي وَالَّذِي كتب الله أَن ابتلى بِهِ عَاملا مِنْهُ بِمَا علمت أَو قاصرا مِنْهُ على مَا قصرت فَمَا كَانَ من خير عَلمته فبتعليم الله ودلالته وَإِلَى الله أَرغب فِي بركته وَمَا كَانَ عِنْدِي من غير ذَلِك من دَاء الذُّنُوب

(1/69)


فاسأل الله الْعَظِيم تجاوزه عني بمغفرته فلعمري مَا ازددت علما بِالْولَايَةِ إِلَّا ازددت لَهَا مَخَافَة وَمِنْهَا وجلا وَلها إعظاما حَتَّى قدر الله لي مِنْهَا وَقدر عَليّ مَا قدر فَأَنا أَشد مَا كنت لَهَا استثقالا ثمَّ أحسن الله حميد أعواني وعاقبتي وعاقبة من ولاني أمره فَأصْلح أَمرهم وَجمع كلمتهم وَبسط عَليّ من نعمه وَعَلَيْهِم مَا لم يكن دعائي وَلَا دعاؤهم ليبلغه عِنْد الله بِهِ ثوابي وَعِنْده بِهِ جزائي من صَلَاح عامتهم وَأَدَاء حُقُوقهم إِلَيْهِم وَالْعَفو عَن ذِي الذَّنب مِنْهُم
وَقد أَعْطَانِي من ذَلِك وَله الْحَمد فِي عَاجل الدُّنْيَا وَجَمَاعَة من الشمل وَصَلَاح ذَات الْبَين وسعة فِي الرزق وَنصر على الْأَعْدَاء وكفاية حَسَنَة حَتَّى أغْنى لأهل كل ذِي جَانب من الْمُسلمين جانبهم ووسع عَلَيْهِم الرزق وَلَا يرى أهل كل نَاحيَة إِلَّا أَنهم أفضل قسما مِمَّا بسط الله بهم من رزقه ونعمه من أهل النَّاحِيَة الْأُخْرَى فَإِن تعرفوا نعْمَة الله عَلَيْكُم وتشكروا فَضله فأحرص بِي على ذَلِك وأحبب بِهِ إِلَيّ قد يعلم الله كَيفَ دعائي بذلك وَكَيف حرصي عَلَيْهِ عَلَانيَة وَإِن يجهل ذَلِك جَاهِل أَو يقصر عَنهُ رَأْيه فَإِن الَّذِي حرصت عَلَيْهِ أَن أحملكم عَلَيْهِ من كتاب الله وَسنة نبيه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ حجتي فِي الدُّنْيَا وبغيتي فِيمَا بعد الْمَوْت وَلَا تلبسوا ذَلِك بِغَيْرِهِ. . وَإِيَّاكُم أَن يتشبه فِي أَنفسكُم مَا حملتكم عَلَيْهِ من كتاب الله وَسنة نبيه وَأما مَا سوى ذَلِك من الْأُمُور الَّتِي من رَأْي النَّاس فَإِنِّي لعمري لَوْلَا أَن أعمل ذَلِك فِيكُم مَا وليت أَمركُم وَإِن تعملوا بِهِ مَا نفست الَّذِي أَنا فِيهِ من الدُّنْيَا على أبْغض النَّاس رجل

(1/70)


وَاحِد إِذا حجزه الله على ديني أَن يفتنني وَلَا كنت ارى الْمنزل الَّذِي أَتَى بِهِ لمن عَسى أَن يعْمل بِغَيْر كتاب الله وَسنة نبيه غِبْطَة وَلَا كَرَامَة وَلَا رفْعَة وَلَا الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا فَمن كَانَ سَائِلًا عَن الَّذِي فِي نَفسِي وَعَن بغيتي فِي أَمر أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن الَّذِي فِي نَفسِي وبغيتي مِنْهُ وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين أَن تتبعوا كتاب الله وَسنة نبيه وَأَن تجتنبوا مَا مَالَتْ إِلَيْهِ الْأَهْوَاء والزيغ الْبعيد وَمن عمل بِغَيْرِهِمَا فَلَا كَرَامَة وَلَا رفْعَة لَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى وليعلم من عَسى أَن يذكر لَهُ ذَلِك أَن لعمري أَن تَمُوت نَفسِي أول نفس أحب إِلَيّ من أَن أحملهم على غير اتِّبَاع كتاب رَبهم وَسنة نَبِيّهم الَّتِي عَاشَ عَلَيْهَا من عَاشَ وتوفاه الله عَلَيْهَا حِين توفاه إِلَّا أَن يَأْتِي عَليّ من ذَلِك أَمر وَأَنا حَرِيص على اتِّبَاعه وَإِن أَهْون النَّاس عَليّ تلفا وحزنا لمن عَسى أَن يُرِيد خلاف شَيْء من تِلْكَ السّنة وَذَلِكَ الْأَمر الَّذِي رفعنَا وَنحن بِمَنْزِلَة الوضيعة وَأَكْرمنَا وَنحن بِمَنْزِلَة الهوان وأعزنا وَنحن بِمَنْزِلَة الذل معَاذ الله من أَن نستبدل بذلك غَيره ومعاذ الله من أَن نتقي أحدا فَإِذا تكلمتم فِي مجالسكم أَو ناجى الرجل أَخَاهُ فليذكر هَذَا الْأَمر الَّذِي حضضتكم عَلَيْهِ من إحْيَاء كتاب الله وَسنة نبيه وَترك مَا خَالف ذَلِك فَإِنَّهُ لَيْسَ بعد الْحق إِلَّا الْبَاطِل وَلَا بعد الْبَصَر إِلَّا الْعَمى وليحذر قوم الضَّلَالَة بعد الْهدى والعمى بعد الْبَصَر فَإِنَّهُ قَالَ لقوم صَالح {وَأما ثَمُود فهديناهم فاستحبوا الْعَمى على الْهدى فَأَخَذتهم صَاعِقَة الْعَذَاب الْهون بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} اتبعُوا مَا تؤمرون بِهِ وَاجْتَنبُوا مَا تنهون عَنهُ وَلَا يعرض أحدكُم بِنَفسِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لي فِي دنياكم وَالْحَمْد لله رَغْبَة لَا فِي مَا فِي يَدي مِنْهَا وَلَا مَا فِي أَيْدِيكُم وَلَيْسَ عِنْدِي مَعَ ذَلِك

(1/71)


صَبر على انتقاص شَيْء من كتاب الله وَسنة نبيه عَلَيْهِ السَّلَام وَلَا اسْتِبْقَاء لمن خَالف وَالْحَمْد لله وَلَا نعْمَة عين ولعمري إِن من يعْمل ذَلِك مِنْكُم لحقيق أَن يظنّ بامرئ لَا حَاجَة لَهُ فِي دنياكم وَلَا صَبر لَهُ على زيغكم عَن دينكُمْ ولجاجتكم فِيمَا لَا خير لكم فِيهِ أَنه جرأ على هراقة دم من انْتقصَ كتاب الله أَو زاغ عَن دينه وَسنة نبيه مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
هَذَا نَحْو من الَّذِي قبلي قد بَينته لكم ولعمري لتخلصن جماعتكم أَيهَا الْجند وخياركم مِمَّا يكره من الْأُمُور ولتتبعن أحسن مَا توعظون بِهِ إِن شَاءَ الله أسأَل الله برحمته وسعة فَضله أَن يزِيد الْمُهْتَدي هدى وَأَن يُرَاجع بالمسيء التَّوْبَة فِي عَافِيَة مِنْهُ وَأَن يحكم على من أَرَادَ خلاف كِتَابه وَسنة نبيه عَلَيْهِ السَّلَام بِحكم يغلب بِهِ فِي خاصته ويعجله لَهُ فَإِنَّهُ على ذَلِك قَادر وَأَنا إِلَيْهِ فِيهِ رَاغِب وَيحسن عَاقِبَة الْعَامَّة وَلَا يعذبنا بذنب الْمُسِيء وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله
كِتَابه بالحث على إقَام الصَّلَاة لوَقْتهَا وإيتاء الزَّكَاة وتعاهد شرائع الاسلام نشر الْعلم

قَالَ وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز من عبد الله عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى أُمَرَاء الأجناد أما بعد فَإِن عرى الدّين وقوام الْإِسْلَام الْإِيمَان بِاللَّه وإقام الصَّلَاة لوَقْتهَا وإيتاء الزَّكَاة وحافظ على أَوْقَات الصَّلَوَات فَإِن وَقتهَا الهجيرة بِالظّهْرِ وَصَلَاة الْعَصْر وَالشَّمْس بَيْضَاء نقية لم يدخلهَا صفرَة وَصَلَاة الْمغرب لفطر الصَّائِم وَلَا تصلين الْعشَاء حَتَّى يذهب شفق الْأُفق وَهُوَ الْبيَاض فَإِذا ذهب فصلها فِيمَا بَين ثلث اللَّيْل وَمَا عجلتها بعد ذهَاب بَيَاض الْأُفق فَهُوَ أحسن وأصوب فَإِن من تَمامهَا وإصابة وَقتهَا إنتظار مَا وصفت لَك فِي كتابي هَذَا مِنْهَا ثمَّ صل صَلَاة الْفجْر بِغَلَس وحافظ على ذَلِك فَإِن الْمُحَافظَة عَلَيْهَا حق واصبر نَفسك على ذَلِك واجتنب

(1/72)


الأشغال عِنْد حُضُور الصَّلَوَات واكتب بذلك الى عمالك بِالْمَدَائِنِ والقرى حَيْثُ مَا كَانُوا ف {إِن الصَّلَاة كَانَت على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتا} و {إِن الصَّلَاة تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر وَلذكر الله أكبر} فَإِنَّهُ من يضيع الصَّلَاة فَهُوَ لما سواهَا من شرائع الْإِسْلَام أَشد تضييعا ثمَّ أَكثر تعاهد شرائع الْإِسْلَام وَمر أهل الْعلم وَالْفِقْه من جندك فلينشروا مَا علمهمْ الله من ذَلِك وليتحدثوا بِهِ فِي مجَالِسهمْ وَالسَّلَام عَلَيْكُم
كِتَابه إِلَى أُمَرَاء الأجناد يوصيهم بضروب من الْخَيْر

قَالَ وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز من عبد الله عمر بن عبد الْعَزِيز أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى أَمِير الأجناد أما بعد فَإِنَّهُ من بلي بالسلطان تحضره مكاره كَثِيرَة وبلايا عِظَام إِن أغبته يَوْمًا فَهِيَ حريَّة أَن تحضره فِي الْيَوْم الآخر وَإنَّهُ لَيْسَ أحد بأشغل عَن نَفسه وَلَا أَكثر تعرضا لزيغ من ولي السُّلْطَان إِلَّا مَا عافى الله ورحم فَاتق الله مَا اسْتَطَعْت وَاذْكُر مَنْزِلك الَّذِي أَنْت بِهِ وَالَّذِي حملت فقاتل هَوَاك كَمَا تقَاتل عَدوك واصبر نَفسك عِنْدَمَا كرهت ابْتِغَاء مَا عِنْد الله من حسن ثَوَابه الَّذِي وعد المتقون فِيمَا بعد الْمَوْت وَالَّذِي وَعدكُم على التَّقْوَى وَالصَّبْر من النجَاة فِي عَاجل الْأَمر وآجله فَإِذا حضرك الْخصم الْجَاهِل الْخرق مِمَّن قدر الله أَن يوليك أمره وَأَن تبتلى بِهِ فَرَأَيْت مِنْهُ سوء رعة وَسُوء سيرة فِي الْحق عَلَيْهِ والحظ لَهُ فسدده مَا اسْتَطَعْت وبصره وارفق بِهِ وَعلمه فَإِن اهْتَدَى وَأبْصر وَعلم كَانَت نعْمَة من الله وفضلا وَإِن هُوَ لم يبصر وَلم يعلم كَانَت حجَّة اتَّخذت بهَا عَلَيْهِ فَإِن رَأَيْت أَنه أَتَى ذَنبا اسْتحلَّ فِيهِ عُقُوبَة فَلَا تعاقبه بغضب من نَفسك عَلَيْهِ وَلَكِن عاقبه وَأَنت تتحرى

(1/73)


الْحق فِي قدر ذَنبه بَالغا مَا بلغ وَإِن لم يبلغ ذَلِك إِلَّا قدر جلدَة وَاحِدَة تجلده إِيَّاهَا وَإِن كَانَ ذَنبه فَوق ذَلِك وَرَأَيْت عَلَيْهِ من الْعقُوبَة فِي ذَلِك قتلا فَمَا دونه فارجعه إِلَى السجْن وَلَا يسرعن بك إِلَى عُقُوبَته حُضُور من يحضرك فَإِنَّهُ لعمري رُبمَا عاقب الإِمَام لمحضر جُلَسَائِهِ ولتأديب أهل بَلَده ولتغامزهم بِهِ وَمَا من إِمَام لَهُ جلساء إِلَّا سَيكون ذَلِك فيهم وَمَا من قوم يسمعُونَ بِقَضَاء إِمَام إِلَّا سيختلفون فِيهِ على أهوائهم إِلَّا من رحم الله فَإِن من رحم الله لَا يَخْتَلِفُونَ فِي قَضَاء فَإِنَّهُ قَالَ {وَلَا يزالون مُخْتَلفين إِلَّا من رحم رَبك وَلذَلِك خلقهمْ} وَإِن استجهلت فَتثبت وَإِذا نظر إِلَيْك من حولك مَا أَنْت فَاعل بِسَيْفِهِ من رعيتك إِن سفه وَأَخْطَأ حَظه فاعمد فِي ذَلِك للَّذي ترى أَنه أبر وَأتقى وَخير لَك غَدا فِيمَا بعد الْمَوْت وَلَا يطربك نظرهم إِلَيْك وَلَا حَدِيثهمْ عَنْك فَإِنَّهُ لَا يبْقى فِي أنفسهم حَدِيث أحبوه وَلَا كرهوه إِلَّا قَلِيلا إِلَّا أبدوه فاغتنم كل يَوْم أخرجك الله فِيهِ سالما وكل لَيْلَة مَضَت عَلَيْك وَأَنت فِيهَا كَذَلِك وَأكْثر دُعَاء الله بالعافية لنَفسك وَلمن ولاك الله أمره فَإِن لَك فِي صَلَاحهمْ مَا لَيْسَ لأحد مِنْهُم وَإِن عَلَيْك فِي فَسَاد الرجل الْوَاحِد فَمَا فَوق ذَلِك مَا لَيْسَ على أحد مِنْهُم وَلَا تبتغ مِنْهُم جَزَاء خير أحسنته إِلَيْهِم وَلَا تسديد سددتهم وَلَا تطلب بِعَمَل صَالح عملته فيهم جَزَاء وَلَا ثَوابًا وَلَا مِدْحَة وَلَا حظوة وَليكن ذَلِك لمن لَا يُعْطي الْخَيْر وَلَا يصرف السوء غَيره ثمَّ تعاهد صَاحب بابك وَصَاحب حرسك وعاملك الْمُقِيم عنْدك وَالَّذين تبْعَث فَلَا يعْملُونَ فِي شَيْء مِمَّا تَحت يَديك بغشم وَلَا بظُلْم وَأكْثر الْمَسْأَلَة عَنْهُم فَمن كَانَ مِنْهُم محسنا نَفعه ذَلِك وَمن كَانَ مِنْهُم مسيئا استبدلت بِهِ من هُوَ خير مِنْهُ نسْأَل الله رَبنَا برحمته وَقدرته على خلقه أَن يغْفر لنا ذنوبنا وَأَن ييسر لنا أمورنا وَأَن يشْرَح لنا صدورنا بِالْبرِّ وَالتَّقوى وَالْعَمَل فِيمَا يحب ويرضى وَأَن يعصمنا من المكاره كلهَا وَأَن يجعلنا من الَّذين لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض وَلَا فَسَاد وَمن الْمُتَّقِينَ الَّذين لَهُم الْعَاقِبَة وَالسَّلَام عَلَيْك وَرَحْمَة الله

(1/74)


كِتَابه إِلَى الْخَوَارِج

قَالَ وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز من عبد الله عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى هَؤُلَاءِ الْعِصَابَة الَّذين خَرجُوا أما بعد فَإِنِّي أدعوكم إِلَى كتاب الله وَسنة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن الله تبَارك وَتَعَالَى يَقُول {وَمن أحسن قولا مِمَّن دَعَا إِلَى الله وَعمل صَالحا وَقَالَ إِنَّنِي من الْمُسلمين} وَقَالَ {ادْع إِلَى سَبِيل رَبك بالحكمة وَالْمَوْعِظَة الْحَسَنَة وجادلهم بِالَّتِي هِيَ أحسن إِن رَبك هُوَ أعلم بِمن ضل عَن سَبيله وَهُوَ أعلم بالمهتدين} وَإِنِّي أذكركم الله فِي دمائكم أَن تَفعلُوا فعل كبرائكم {كَالَّذِين خَرجُوا من دِيَارهمْ بطرا ورئاء النَّاس ويصدون عَن سَبِيل الله وَالله بِمَا يعْملُونَ مُحِيط} فَبِأَي ذَنْب تخرجُونَ من دينكُمْ فتستحلون الدَّم الْحَرَام وتصيبون المَال الْحَرَام فَلَو كَانَت ذنُوب أبي بكر وَعمر رضوَان الله عَنْهُمَا مخرجة رعيتهما من دينهم فقد كَانَ لأبي بكر وَعمر ذنُوب قد كَانَت آباؤكم فِي جَمَاعَتهمْ فَلم يخرجُوا فِيهَا بشوكتكم على الْجنُود وَإِنَّمَا عدتكم بضعَة وَأَرْبَعُونَ رجلا أقسم بِاللَّه لَو كُنْتُم أبكاري من أَوْلَادِي ورغبتم عَمَّا فرشنا للعامة فِيمَا ولينا لدفقت دماءكم أَبْتَغِي بذلك وَجه الله وَالدَّار الْآخِرَة فَإِنَّهُ يَقُول {تِلْكَ الدَّار الْآخِرَة نَجْعَلهَا للَّذين لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين} فَهَذَا النصح إِن أَحْبَبْتُم وَإِن تستغشوني فقديما مَا استغش الناصحون وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته

(1/75)


عهد عمر إِلَى مَنْصُور بن غَالب حِين بَعثه على قتال أهل الْحَرْب

وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز هَذَا مَا عهد بِهِ عبد الله عمر أَمِير االمؤمنين إِلَى مَنْصُور بن غَالب حِين بَعثه على قتال أهل الْحَرْب وحربه من استعرض من أهل الصُّلْح أمره فِي ذَلِك بتقوى الله على كل حَال نزل بِهِ من أَمر الله فَإِن تقوى الله أفضل الْعدة وأبلغ المكيدة وَأقوى الْقُوَّة وَأمره أَن لَا يكون من شَيْء من عدوه أَشد احتراسا مِنْهُ لنَفسِهِ وَمن مَعَه من معاصي الله فَإِن الذُّنُوب أخوف عِنْدِي على النَّاس من مكيدة عدوهم وَإِنَّمَا نعادي عدونا وننصر عَلَيْهِم بمعصيتهم وَلَوْلَا ذَلِك لم تكن لنا قُوَّة بهم لِأَن عددنا لَيْسَ كعددهم وَلَا عدتنا كعدتهم فَلَو استوينا نَحن وهم فِي الْمعْصِيَة كَانُوا أفضل منا فِي الْقُوَّة وَالْعدَد فَإِن لَا ننصر عَلَيْهِم بحقنا لَا نغلبهم بقوتنا وَلَا تَكُونُوا لعداوة أحد من النَّاس أحذر مِنْكُم لذنوبكم وَلَا تَكُونُوا بِالْقُدْرَةِ لكم أَشد تعاهدا مِنْكُم لذنوبكم وأعلموا أَن مَعكُمْ من الله حفظَة عَلَيْكُم يعلمُونَ مَا تَفْعَلُونَ فِي مسيركم ومنزلكم فاستحيوا مِنْهُم وأحسنوا صحابتهم وَلَا تؤذوهم بمعاصي الله وَأَنْتُم زعمتم فِي سَبِيل الله وَلَا تَقولُوا إِن عدونا شَرّ منا فَلَنْ يسلطوا علينا وَإِن أَذْنَبْنَا فَرب قوم قد سلط عَلَيْهِم شَرّ مِنْهُم بِذُنُوبِهِمْ فاسألوا

(1/76)


الله العون على أَنفسكُم كَمَا تسألونه النَّصْر على عَدوكُمْ أسأَل الله ذَلِك لنا وَلكم
وَأمره أَن يرفق بِمن مَعَه فِي سفرهم وَلَا يجشمهم مسيرًا يتعبهم فِيهِ وَلَا يقصر بهم عَن منزل يرفق بهم حَتَّى يلْقوا عدوهم وَالسّفر لم ينقص قوتهم فَإِنَّمَا يَسِيرُونَ إِلَى عَدو مُقيم جَام الأهبة والكراع فَإِن لَا يرفقوا بِأَنْفسِهِم وكراعهم فِي مَسِيرهمْ يكن لعدوهم فضل فِي الْقُوَّة عَلَيْهِم بإقامتهم فِي جمام الْأَنْفس والكراع وَالله الْمُسْتَعَان
وَأمره أَن يُقيم وَمن مَعَه فِي كل جُمُعَة يَوْمًا وَلَيْلَة يكون لَهُم رَاحَة يجمون فِيهَا أنفسهم وكراعهم ويرمون أسلحتهم وأمتعتهم
وَأمره أَن ينحي منزله عَن قرى الصُّلْح فَلَا يدخلهَا أحد من أَصْحَابه لسوقهم وجماعتهم إِلَّا من يَثِق بِدِينِهِ وأمانته على نَفسه وَلَا يُصِيبُوا مِنْهَا ظلما وَلَا يتزودوا مِنْهَا إِثْمًا وَلَا يؤذوا أحدا من أَهلهَا بِشَيْء إِلَّا بِحَق فَإِن لَهُم حُرْمَة وَذمَّة ابتليتم بِالْوَفَاءِ بهَا كَمَا ابتلوا بِالصبرِ عَلَيْهَا فَمَا صَبَرُوا لكم ففوا لَهُم وَلَا تستنصروا على أهل أَرض الْحَرْب بظُلْم أهل أَرض الصُّلْح فلعمري لقد أعطيتم مِمَّا يحل مِنْهُم مَا يغنيكم عَنْهُم فَلم أترك لكم خللا فِي الْعدة وَلَا رقة فِي الْقُوَّة فتظاهرت واكتفت لكم الْعدَد وانتخبت لكم الْجند وأغنيتكم بِأَرْض الشّرك عَن أَرض الصُّلْح وَبسطت

(1/77)


لَك أفضل مَا بسطت لغاز فَلم أجعَل لَك عِلّة فِي التقوية وَبِاللَّهِ الثِّقَة وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَأمره أَن تكون عيونه من الْعَرَب وَمِمَّنْ يطمئن إِلَى نصيحته وَصدقه من أهل الأَرْض فَإِن الكذوب لَا ينفع خَبره وَإِن صدق فِي بعضه وَإِن الغاش عين عَلَيْك وَلَيْسَ بِعَين لَك وَالسَّلَام عَلَيْك