|
سيرة عمر بن عبد
العزيز كِتَابه إِلَى الْعمَّال وعده الْولَايَة
بلَاء
قَالَ وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز من عبد الله عمر أَمِير
الْمُؤمنِينَ إِلَى الْعمَّال أما بعد فَإِن من بلي من
أَمر السُّلْطَان بِشَيْء فقد ابْتُلِيَ فِي الدُّنْيَا
بلية عَظِيمَة مَعَ مَا ابْتُلِيَ بِهِ فِي خَاصَّة نَفسه
فنسأل الله عافيته وَحسن معونته وَأي بلَاء أَشد من بلَاء
يبسط للمرء فِيهِ لِسَانه وَفعله فَإِن مَال فِيهِ إِلَى
كل هوى أَو سخطَة كَانَ فِيهِ وكف إِلَّا أَن يعْفُو الله
وَيغْفر فَإِنَّمَا وجدت وَالِي السُّلْطَان عبدا
مَمْلُوكا ولي ضَيْعَة عَلَيْهِ الإجتهاد فِي إصلاحها أجره
إِحْسَان إِن أحْسنه وإحسان عمل بِهِ فيهم على ملكه
الَّذِي خلقه لما شَاءَ أَن يخلقه لَهُ فَأنْزل بِتِلْكَ
الْمنزلَة فِي أَمرك واصبر على مَا كرهت
(1/78)
واصبر على مَا أَحْبَبْت وقف نَفسك فِي كل
سر وَعَلَانِيَة عِنْد الَّذِي ترجو بِهِ النجَاة عِنْد
ذَلِك حَتَّى تفارق الَّذِي أَنْت فِيهِ فَإِن ذَلِك
لَعَلَّه أَن يكون إِلَى قريب وَأَنت محسن ومأجور وتذكر
مَا سلف مِنْك من عَمَلك فِيمَا سلف مِمَّا لَا تحب فأصلحه
قبل أَن يتَوَلَّى صَلَاحه غَيْرك وَلَا يكبر عَلَيْك فِي
ذَلِك قَول النَّاس إِذا علم الله أَنَّك تجْعَل ذَلِك
لَهُ فَإِنَّهُ سيكفيك المؤونة فِي عَاجل الْأَمر مَعَ مَا
يدّخر لَك من الْخَيْر فِيمَا عِنْده وَكن لمن ولاك الله
أمره ناصحا فِيمَا بَعثك إِلَيْهِ من أُمُورهم فِي دينهم
وأعراضهم واستركل مَا اسْتَطَعْت من عَوْرَاتهمْ إِلَّا
شَيْئا أبداه الله لَا يصلح لَك ستره واملك نَفسك عَنْهُم
إِذا هويت وَإِذا غضِبت حَتَّى يكون ذَلِك فِيمَا
اسْتَطَعْت مستويا حسنا وَإِذا سَبَقَك أَمر أَو سلف مِنْك
هوى أَو غضب فراجع أَمرك فقد رَأَيْت حَقًا أَن أكتب
إِلَيْك بِالَّذِي كتبت بِهِ مِمَّا اسْتَطَعْت ونستعين
بِاللَّه ونسأله أَن يصلح لنا عَملنَا وَيَكْفِينَا مؤونة
مَا نَحن فِيهِ ومؤونة مَا نرْجِع إِلَيْهِ فِيمَا بعد
الْمَوْت بِأَحْسَن كِفَايَة وَالسَّلَام
كِتَابه إِلَى الْخَوَارِج أَيْضا
قَالَ وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز من عبد الله عمر أَمِير
الْمُؤمنِينَ إِلَى هَذِه الْعِصَابَة أما بعد أوصيكم
بتقوى الله فَإِنَّهُ {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا
وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب وَمن يتوكل على الله
فَهُوَ حَسبه إِن الله بَالغ أمره قد جعل الله لكل شَيْء
قدرا} أما بعد فقد بَلغنِي كتابكُمْ وَالَّذِي كتبتم فِيهِ
إِلَى يحيى بن يحيى
(1/79)
وَسليمَان بن دَاوُد وقدوم صاحبيكم
وَالَّذِي أَتَى إِلَيْهِمَا وَإِن الله تبَارك وَتَعَالَى
يَقُول {وَمن أظلم مِمَّن افترى على الله الْكَذِب وَهُوَ
يدعى إِلَى الْإِسْلَام وَالله لَا يهدي الْقَوْم
الظَّالِمين} وَقَالَ {ادْع إِلَى سَبِيل رَبك بالحكمة
وَالْمَوْعِظَة الْحَسَنَة وجادلهم بِالَّتِي هِيَ أحسن
إِن رَبك هُوَ أعلم بِمن ضل عَن سَبيله وَهُوَ أعلم
بالمهتدين} وَقَالَ {فَلَا تهنوا وَتَدعُوا إِلَى السّلم
وَأَنْتُم الأعلون وَالله مَعكُمْ وَلنْ يتركم أَعمالكُم}
وَإِنِّي أدعوكم إِلَى الله وَإِلَى الْإِسْلَام
وَإِقَامَة الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَالْأَمر
بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر إِن شَاءَ الله
وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وأدعوكم أَن تدعوا
مَا كَانَت تهراق عَلَيْهِ الدِّمَاء قبل يومكم هَذَا فِي
غير قُوَّة وَلَا تشنيع وأذكركم بِاللَّه أَن تشبهوا علينا
كتاب الله وَسنة نبيه وَنحن ندعوكم إِلَيْهِمَا هَذِه
نصيحة منا نصحنا لكم فِيهَا فَإِن تقبلوها فَذَلِك بغيتنا
وَإِن تردوها على من جَاءَ بهَا فقديما مَا استغش الناصحون
ثمَّ لم نر ذَلِك وضع شَيْئا من حق الله وَقد قَالَ
العَبْد الصَّالح لِقَوْمِهِ {وَإِن توَلّوا فَإِنِّي
أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم كَبِير} وَقَالَ الله عز
وَجل {قل هَذِه سبيلي أَدْعُو إِلَى الله على بَصِيرَة
أَنا وَمن اتبعني وَسُبْحَان الله وَمَا أَنا من
الْمُشْركين}
كِتَابه إِلَى أمراه الأجناد فِي النَّهْي عَن الصَّلَاة
على الْخُلَفَاء والأمراء وَالْأَمر بِالدُّعَاءِ
للْمُسلمين عَامَّة
وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز من عبد الله عمر أَمِير
الْمُؤمنِينَ إِلَى أُمَرَاء الأجناد أما بعد فَإِن
النَّاس مَا اتبعُوا كتاب الله نفعهم فِي دينهم ومعايشهم
فِي الدُّنْيَا ومرجعهم إِلَى الله فِيمَا بعد الْمَوْت
وَإِن الله أَمر فِي كِتَابه بِالصَّلَاةِ على النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ {أَيهَا الَّذين آمنُوا
صلوا عَلَيْهِ وسلموا تَسْلِيمًا}
(1/80)
) صلوَات الله على مُحَمَّد رَسُول الله
وَالسَّلَام عَلَيْهِ وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته ثمَّ
قَالَ لنَبيه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {واستغفر
لذنبك وَلِلْمُؤْمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات وَالله يعلم
متقلبكم ومثواكم} فقد جمع الله تبَارك وَتَعَالَى فِي
كِتَابه أَن أَمر بِالصَّلَاةِ على النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وعَلى الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات وَإِن
رجَالًا من الْقصاص قد أَحْدَثُوا صَلَاة على خلفائهم
وامرائهم عدل مَا يصلونَ على النَّبِي وعَلى الْمُؤْمِنَات
فَإِذا أَتَاك كتابي هَذَا فَمر قصاصكم فليصلوا على
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَليكن فِيهِ إطناب
دُعَائِهِمْ وصلاتهم ثمَّ ليصلوا على الْمُؤمنِينَ
وَالْمُؤْمِنَات وليستنصروا الله ولتكن مسألتهم عَامَّة
للْمُسلمين وليدعوا مَا سوى ذَلِك فنسأل الله التَّوْفِيق
فِي الْأُمُور كلهَا والرشاد وَالصَّوَاب وَالْهدى فِيمَا
يحب ويرضى وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي
الْعَظِيم وَالسَّلَام عَلَيْك
كِتَابه إِلَى الْعمَّال فِي رد الْمَظَالِم
قَالَ وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز من عبد الله عمر أَمِير
الْمُؤمنِينَ إِلَى الْعمَّال أما بعد فَإِنِّي كنت كتبت
إِلَيْكُم برد الْمَظَالِم ثمَّ كتبت إِلَيْكُم أَن
تحبسوها ثمَّ كتبت إِلَيْكُم بردهَا فاطلعت من بعض أَهلهَا
على خيانات وشهود زور حَتَّى قبضت أَمْوَالًا قد كنت
رَددتهَا ثمَّ رَأَيْت أَن أردهَا على سوء ظن بِأَهْلِهَا
أحب إِلَيّ من أَن أحبسها حَتَّى ينجلي الْأَمر من غَد على
مَا ينجلي عَنهُ فَإِذا جَاءَك كتابي هَذَا فارددها على
أَهلهَا وَالسَّلَام عَلَيْك
كِتَابه إِلَى الْعمَّال أَيْضا بالحث على اتِّبَاع مَا
أَمر الله بِهِ وَاجْتنَاب مَا نهى عَنهُ
قَالَ وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز من عبد الله عمر أَمِير
الْمُؤمنِينَ إِلَى الْعمَّال أما
(1/81)
بعد فَإِن هَذَا الْأَمر الَّذِي ولاني
الله لَو كنت إِنَّمَا أَصبَحت ورغبتي فِيهِ مطعم أَو ملبس
أَو مركب أَو اتِّخَاذ أَزوَاج أَو اعْتِقَاد أَمْوَال
لَكُنْت قد بلغ الله بِي من ذَلِك قبل مَا ولاني من أفضل
مَا بلغ بعباده وَلَكِن أَصبَحت لَهُ خَائفًا أعلم أَن
فِيهِ أمرا عَظِيما وحسابا شَدِيدا وَمَسْأَلَة لَطِيفَة
عِنْد مجاهدة الْخُصُوم بَين يَدي الله إِلَّا مَا عافى
الله ورحم وَدفع وَإِنِّي آمُرك فِيمَا وليتك من عَمَلي
وأفضيت إِلَيْك من أَمْرِي بتقوى الله وَأَدَاء
الْأَمَانَة وَاتِّبَاع مَا أَمر الله بِهِ وَاجْتنَاب مَا
نهى الله عَنهُ وَقلة الإلتفاف إِلَى شَيْء خَالف ذَلِك
ليَكُون الَّذِي آمُرك بِهِ فِي سيرتك وَالنَّظَر فِي
نَفسك وَفِي عَمَلك وَمَا تُفْضِي بِهِ إِلَى رَبك وَمَا
تعْمل بِهِ فِيمَا بَيْنك وَبَين الرّعية قبلك وَأَنت تعلم
علما يَقِينا أَنه لَيست نجاة وَلَا حرز إِلَّا أَن تنزل
بذلك الْمنزل من طَاعَة الله ودع أَن ترصد شَيْئا ليَوْم
ترجوه أَو تخافه سوى مَا ترجوه غَدا من الله وَتخَاف
مِنْهُ فَإنَّك قد رَأَيْت عبرا فِي نَفسك وعبرا مَا
مثلهَا وعظ مثلنَا وَكفى وَمثلهَا أَصَابَك إِلَى حظك من
الله وَالسَّلَام
شَيْء من موَالِي القانون الأساسية فِي عهد عمر بن عبد
الْعَزِيز
قَالَ وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز من عبد الله عمر أَمِير
الْمُؤمنِينَ إِلَى الْعمَّال أما بعد فَإِن الله بعث
مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {بِالْهدى وَدين الْحق
لِيظْهرهُ على الدّين كُله وَلَو كره الْمُشْركُونَ}
(1/82)
) وَإِن دين الله الَّذِي بعث بِهِ
مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كِتَابه الَّذِي أنزل
عَلَيْهِ أَن يطاع الله فِيهِ وَيتبع أمره ويجتنب مَا نهى
عَنهُ وتقام حُدُوده وَيعْمل بِفَرَائِضِهِ وَيحل حَلَاله
وَيحرم حرَامه ويعترف بِحقِّهِ وَيحكم مَا أنزل فِيهِ فَمن
اتبع هدى الله اهْتَدَى وَمن صد عَنهُ {فقد ضل سَوَاء
السَّبِيل} وَإِن من طَاعَة الله الَّتِي أنزل فِي كِتَابه
أَن يَدْعُو النَّاس إِلَى الْإِسْلَام كَافَّة وَأَن يفتح
لأهل الْإِسْلَام بَاب الْهِجْرَة وَأَن تُوضَع الصَّدقَات
والأخماس على قَضَاء الله وفرائضه وَأَن يَبْتَغِي النَّاس
بِأَمْوَالِهِمْ فِي الْبر وَالْبَحْر لَا يمْنَعُونَ
وَلَا يحبسون
الدعْوَة إِلَى الْإِسْلَام وَحكم الذميين وَالَّذين
أَسْلمُوا مِنْهُم
وَأما الْإِسْلَام فَإِن الله بعث مُحَمَّدًا صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِلَى النَّاس كَافَّة فَقَالَ {وَمَا
أَرْسَلْنَاك إِلَّا كَافَّة للنَّاس بشيرا وَنَذِيرا}
وَقَالَ {يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي رَسُول الله إِلَيْكُم
جَمِيعًا} وَقَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى فِيمَا يامر
بِهِ الْمُؤمنِينَ من شَأْن الْمُشْركين {فَإِن تَابُوا
وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة فإخوانكم فِي
الدّين} فَهَذَا قَضَاؤُهُ وَحكمه فاتباعه لله طَاعَة
وَتَركه مَعْصِيّة لله فَادع إِلَى الْإِسْلَام وَأمر بِهِ
فَإِن الله تَعَالَى قَالَ {وَمن أحسن قولا مِمَّن دَعَا
إِلَى الله وَعمل صَالحا وَقَالَ إِنَّنِي من الْمُسلمين}
فَمن أسلم من نَصْرَانِيّ أَو يَهُودِيّ أَو مَجُوسِيّ من
أهل الْجِزْيَة الْيَوْم فخالط عَم الْمُسلمين فِي
(1/83)
دَارهم وَفَارق دَاره الَّتِي كَانَ بهَا فَإِن لَهُ مَا
للْمُسلمين وَعَلِيهِ مَا عَلَيْهِم وَعَلَيْهِم أَن
يخالطوه وَأَن يواسوه غير أَن أرضه وداره إِنَّمَا هِيَ من
فَيْء الله على الْمُسلمين عَامَّة وَلَو كَانُوا
أَسْلمُوا عَلَيْهَا قبل أَن يفتح الله للْمُسلمين كَانَت
لَهُم وَلكنهَا فَيْء الله على الْمُسلمين عَامَّة وَأما
من كَانَ الْيَوْم مُحَاربًا فَليدع إِلَى الْإِسْلَام قبل
أَن يُقَاتل فَإِن اسْلَمْ فَلهُ مَا للْمُسلمين وَعَلِيهِ
مَا عَلَيْهِم وَله مَا أسلم عَلَيْهِ من أهل وَمَال وَإِن
كَانَ من أهل الْكتاب فَأعْطى الْجِزْيَة وَأمْسك بيدَيْهِ
فَإنَّا نقبل ذَلِك مِنْهُ |