|
سيرة عمر بن عبد
العزيز حَدِيثه مَعَ ابْنه عبد الْملك وَهُوَ
يحتضر وَقَول مُزَاحم لعمر فِي ذَلِك
وَكَانَ ابْنه عبد الْملك من أحب النَّاس إِلَيْهِ فَمَرض
فَاشْتَدَّ مَرضه فَأخْبر بذلك فَأَتَاهُ فَوقف عَلَيْهِ
وَقَالَ يَا بني كَيفَ تجدك قَالَ أجدني صَالحا وكتمه مَا
بِهِ كَرَاهَة أَن يغمه قَالَ يَا بني أصدقني عَن نَفسك
فَإِن أحب الْأُمُور إِلَيّ فِيك لموْضِع الْقَضَاء قَالَ
أجدني يَا أَبَت أَمُوت قَالَ فولى عمر إِلَى قبلته
فَبَيْنَمَا هُوَ فِي صلَاته إِذْ مَاتَ عبد الْملك
فَأَتَاهُ مُزَاحم فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ توفّي
عبد الْملك فَخر مغشيا عَلَيْهِ فَلَمَّا دفن عبد الْملك
قَالَ لَهُ مُزَاحم وَقد كَانَ قد عهد إِلَيْهِ إِذا رأى
مِنْهُ أَمريْن مُخْتَلفين أَن يُخبرهُ بذلك فَقَالَ يَا
أَمِير الْمُؤمنِينَ رَأَيْت مِنْك عجبا أتيت عبد الْملك
فَسَأَلته عَن حَاله فكتمك عَن نَفسه فَقلت لَهُ يَا بني
اصدقني عَن نَفسك فَإِن أحب الْأُمُور إِلَيّ فِيك لموْضِع
الْقَضَاء فأخبرك أَنه يَمُوت فَلَمَّا مَاتَ وأخبرتك
بِمَوْتِهِ خَرَرْت مغشيا عَلَيْك قَالَ قد كَانَ ذَاك يَا
مُزَاحم وَمَا ذَاك أَن لَا يكون الْأَمر كَمَا قلت لَك
وَلَكِنِّي علمت أَن ملك الْمَوْت قد دخل منزلي فَأخذ
بضعَة مني فراعني ذَلِك فَأَصَابَنِي مَا قد رَأَيْت
دُعَاء عمر على نَفسه بِالْمَوْتِ بعد أَن مَاتَ أعوانه
وَلما مرض عمر بن عبد الْعَزِيز مَرضه الَّذِي مَاتَ
مِنْهُ وَقد مَاتَ أعوانه سهل أَخُوهُ وَعبد الْملك ابْنه
ومزاحم مَوْلَاهُ قَامَ حبوا إِلَى شن مُعَلّق فَتَوَضَّأ
مِنْهُ فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ أَتَى مَسْجده فصلى
رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّك قد قبضت سهلا
وَعبد الْملك ومزاحما وَكَانُوا أعواني على مَا قد علمت
فَلم أزدد لَك إِلَّا حبا وَلَا فِيمَا عنْدك
(1/100)
إِلَّا رَغْبَة فاقبضني إِلَيْك غير مضيع
وَلَا مفرط فَمَا قَامَ من مَرضه ذَلِك حَتَّى قَبضه الله
تَعَالَى فرحمه الله
محاورته حِين احْتضرَ مَعَ مسلمة ابْن عبد الْملك بشأن
أَوْلَاده ودعاؤه لَهُم بالمعصية
وَلما حضرت عمر بن عبد الْعَزِيز الْوَفَاة دخل عَلَيْهِ
مسلمة بن عبد الْملك فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ
إِنَّك قد فغرت أَفْوَاه ولدك من هَذَا المَال فَلَو أوصيت
بهم إِلَيّ وَإِلَى نظرائي من قَوْمك فكفوك مؤونتهم
فَلَمَّا سمع مقَالَته أجلسوني فَأَجْلَسُوهُ فَقَالَ قد
سَمِعت مَقَالَتك يَا مسلمة أما قَوْلك إِنِّي قد أفرغت
أَفْوَاه وَلَدي من هَذَا المَال فوَاللَّه مَا ظلمتهم
حَقًا هُوَ لَهُم وَلم أكن لأعطيهم شَيْئا لغَيرهم وَأما
مَا قلت فِي الْوَصِيَّة فَإِن وصيي فيهم {الله الَّذِي
نزل الْكتاب وَهُوَ يتَوَلَّى الصَّالِحين} وَإِنَّمَا ولد
عمر بَين أحد رجلَيْنِ إِمَّا رجل صَالح فسيغنيه الله
وَإِمَّا غير ذَلِك فَلَنْ أكون أول من أَعَانَهُ
بِالْمَالِ على مَعْصِيّة الله ادْع لي بني فَأتوهُ
فَلَمَّا رَآهُمْ ترقرقت عَيناهُ وَقَالَ بنفسي فتية
تَركتهم عَالَة لَا شَيْء لَهُم وَبكى يَا بني إِنِّي قد
تركت لكم خيرا كثيرا لَا تمرون بِأحد من الْمُسلمين وَأهل
ذمتهم إِلَّا رَأَوْا لكم حَقًا يَا بني إِنِّي قد مثلت
بَين الْأَمريْنِ إِمَّا أَن تستغنوا وَأدْخل النَّار أَو
تفتقروا إِلَى آخر يَوْم الْأَبَد وَأدْخل الْجنَّة فَأرى
أَن تفتقروا إِلَى ذَلِك أحب إِلَيّ قومُوا عصمكم الله
قومُوا رزقكم الله
(1/101)
قدوم رَأس أساقفة الرّوم لمعالجة عمر حِين
سقِِي السم ورفضه الدَّوَاء وعفوه عَمَّن سقَاهُ
وَكَانَ ملك الرّوم بلغه أَن عمر بن عبد الْعَزِيز سقِِي
فَأرْسل إِلَيْهِ رَأس الأساقفة وَكتب إِلَيْهِ يُعلمهُ
حَاله عِنْده وَمَا يُوجِبهُ من الْحق لمثله من أهل
الْخَيْر وَطَاعَة الله وَيَقُول لَهُ إِنَّه قد بَلغنِي
أَنَّك سقيت وَقد بعثت إِلَيْك رَأس الأساقفة وأطبهم
ليعالجك مِمَّا بك فَقدم عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ عمر أنظر
إِلَيّ فجسه فَقَالَ سقيت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ
فَمَاذَا عنْدك قَالَ أسقيك حَتَّى أستخرج ذَلِك من عروقك
فَقَالَ لَهُ عمر لَو كَانَ روح الْحَيَاة بِيَدِك مَا
مكنتك من ذَلِك ارْجع إِلَى صَاحبك لَا حَاجَة لي فِي
علاجك ودعا بِالَّذِي اتهمه فَأقر لَهُ أَنه قد سقَاهُ
فَقَالَ مَا حملك على مَا صنعت قَالَ خدعت وغررت فَقَالَ
عمر نحه خدع وغر خلوه وَلم يعرض لَهُ بشييء
آخر مَا تكلم بِهِ عمر قبل وَفَاته
وَلما حضرت عمر بن عبد الْعَزِيز الْوَفَاة كَانَ عِنْده
مسلمة بن عبد الْملك وَزَوجته فَاطِمَة والخصي فَقَالَ
قومُوا عني فَإِنِّي أرى خلقا مَا يزدادون إلآ كَثْرَة مَا
هم بجن وَلَا إنس قَالَ مسلمة فقمنا وَتَرَكْنَاهُ وتنحينا
عَنهُ وَسَمعنَا قَائِلا يَقُول {تِلْكَ الدَّار الْآخِرَة
نَجْعَلهَا للَّذين لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض وَلَا
فَسَادًا وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين} ثمَّ خفت الصَّوْت
فقمنا فَدَخَلْنَا فَإِذا هُوَ ميت مغمض مسجى
نعي عمر فِي الْمَنَام وتشييع الشُّهَدَاء لَهُ
وَكَانَ رجل من الشَّام قد اسْتشْهد وَكَانَ يَأْتِي جَاره
فِي الْمَنَام فِي كل لَيْلَة
(1/102)
جُمُعَة فيحدثه ويأنس بِهِ فافتقده لَيْلَة فَأصْبح
حَزينًا فَلَمَّا رأه سَأَلَهُ مَا أَخّرهُ عَنهُ فِي
إبانه الَّذِي كَانَ يَأْتِي فِيهِ فَقَالَ إِنَّا معشر
الشُّهَدَاء أمرنَا أَن نشْهد جَنَازَة عمر بن عبد
الْعَزِيز فورخ ذَلِك الْيَوْم فَجَاءَهُمْ الْخَبَر أَنه
مَاتَ فِي ذَلِك الْيَوْم رَحْمَة الله عَلَيْهِ ورضوانه |