الاكتفاء
بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة
الخلفاء ذكر خلافة أبى بكر الصديق رضى الله عنه «1»
وما حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيماء إليها والإشارات
الدالة عليها مع ما كان من تقدمه صلى الله عليه وسلم إلى الإنذار بالفتن
الكائنة بعده وما صدر عنه من الأقاويل المنذرة بالردة
فى الصحيح من الآثار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما سمع صوت عمر فى
صلاته بالناس عندما أمر عليه السلام فى مرضه أبا بكر أن يصلى، فلم يوجد
حاضرا، قال: يأبى الله ذلك والمسلمون، يأبى الله ذلك والمسلمون.
وعن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقتدوا باللذين من
بعدى، أبى بكر وعمر» «2» .
وقال على بن أبى طالب رضى الله عنه: استخلف أبو بكر، فأقام واستقام. وقال
صعصعة: استخلف الله أبا بكر، فأقام المصحف.
وذكر يعقوب بن محمد الزهرى، عن شيوخه، قالوا: وذكروا استخلاف أبى بكر بعد
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن قبل ما وصف لهم صفة من يلى بعده، حتى
كاد يقول: خليفتى أبو بكر.
وحدث جبير بن مطعم «3» أن امرأة أتت النبى صلى الله عليه وسلم، تكلمه فى
شىء، فأمرها أن ترجع
__________
(1) راجع: المنتظم لابن الجوزى (4/ 5- 7) .
(2) انظر الحديث فى: سنن الترمذى (3662، 3805) ، سنن ابن ماجه (97) ، مسند
الإمام أحمد (5/ 382، 385، 399، 401، 402) ، السنن الكبرى للبيهقى (5/ 12،
8/ 153) ، مستدرك الحاكم (3/ 75) ، مجمع الزوائد للهيثمى (9/ 53، 295) ،
حلية الأولياء لأبى نعيم (9/ 109) ، شرح السنة للبغوى (14/ 101، 102) ،
مشكاة المصابيح للتبريزى (6221) ، إتحاف السادة المتقين للزبيدى (2/ 230) ،
البخارى فى التاريخ الكبرى (8/ 209، 9/ 50) ، كشفا الخفاء للعجلونى (1/
181) ، الدر المنثور للسيوطى (1/ 330) ، المعجم الكبير للطبرانى (9/ 68) ،
كنز العمال للمتقى الهندى (3656، 32646، 32657، 33117، 33679، 36746،
36853) ، الكامل فى الضعفاء لابن عدى (2/ 666، 797) .
(3) انظر ترجمته فى: الاستيعاب الترجمة رقم (315) ، الإصابة الترجمة رقم
(1094) ، أسد الغابة الترجمة رقم (698) ، مشاهير علماء الأمصار الترجمة رقم
(35) ، جمهرة أنساب العرب (116) ، تهذيب الكمال (188) ، تهذيب التهذيب (2/
63) ، تذهيب التهذيب (1/ 102) ، -
(2/85)
إليه، فقالت: يا رسول الله، إن جئت فلم
أجدك، تعنى الموت، قال: «فأتى أبا بكر» .
وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «رأى الليلة
رجل صالح أن أبا بكر نيط برسول الله صلى الله عليه وسلم، ونيط عمر بأبى
بكر، ونيط عثمان بعمر» ، قال جابر: فلما قمنا من عند رسول الله صلى الله
عليه وسلم، قلنا: أما الرجل الصالح فرسول الله، وأما ذكر من نوط بعضهم
ببعض، فهم ولاة هذا الأمر الذى بعث الله به نبيه.
وعن أبى هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينا أنا نائم،
رأيتنى على قليب عليها دلو، فنزعت منها ما شاء الله، ثم أخذها ابن أبى
قحافة فنزع منها ذنوبا أو ذنوبين، وفى نزعه، والله يغفر له، ضعف، ثم
استحالت غربا، فأخذها ابن الخطاب، فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر بن
الخطاب، حتى ضرب الناس بعطن» .
وفى رواية: «فأروى الظمئة، وضرب الناس بعطن» «1» .
وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بردة المرتدين من بعده، فحدث أبو
سعيد الخدرى، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينا أنا نائم، رأيت فى يدى سوارين من
ذهب، فكرهتهما فنفختهما فطارا، فأولتهما: كذابين يخرجان، مسيلمة والعنسى»
«2» .
وعن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بين يدى
الساعة كذابون، منهم صاحب اليمامة، يعنى مسيلمة، وصاحب خيبر، يعنى طليحة،
ومنهم العنسى يعنى الأسود، ومنهم الدجال، وهو أعظمهم فتنة» «3» .
__________
- خلاصة تذهيب الكمال (52) ، شذرات الذهب (1/ 64) ، العقد الثمين (3/ 408)
.
(1) انظر الحديث فى: صحيح البخارى (5/ 7، 9/ 45، 49، 171) ، صحيح مسلم كتاب
فضائل الصحابة (17) ، السنن الكبرى للبيهقى (8/ 153) ، فتح البارى لابن حجر
(7/ 19، 12/ 414) ، مشكاة المصابيح للتبريزى (6031) ، شرح السنة للبغوى
(14/ 89) ، البداية والنهاية لابن كثير (6/ 226) ، كنز العمال للمتقى
الهندى (3273) ، دلائل النبوة للبيهقى (6/ 344) ، السنة لابن أبى عاصم (14/
89) .
(2) انظر الحديث فى: صحيح البخارى (5/ 217، 9/ 52) ، مسند الإمام أحمد (1/
263) ، البداية والنهاية لابن كثير (5/ 50) ، فتح البارى لابن حجر (12/
420) .
(3) انظر الحديث فى: مسند الإمام أحمد (3/ 345، 5/ 95، 96، 100، 101، 106)
، الدر المنثور للسيوطى (6/ 51) ، كنز العمال للمتقى الهندى (38371) ، مجمع
الزوائد للهيثمى (6/ 51) .
(2/86)
وعن عبد الله بن حوالة «1» ، قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من نجا منهن فقد نجا:
من موتى، ومن قتل خليفة مصطبر بالحق يعطيه، ومن الدجال» «2» .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعبدة بن مسهر الحارثى فيما يعظه به
لما قدم عليه: «وإن أدركتك الردة فلا تتبعن كندة» .
ودعا أيضا لجرير بن عبد الله «3» لما وفد عليه، فقال: «اللهم اشرح صدره
للإسلام، ولا تجعله من أهل الردة» .
ولما أسر المسلمون يوم بدر سهيل بن عمرو العامرى، سأل عمر بن الخطاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم، أن ينزع ثنيتيه السفلاوين، وكان أعلم الشفة
السفلى، قال: فإنه خطيب ليقوم عليك خطيبا بمكة، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لعمر: «عسى أن يقوم مقاما يسرك» «4» ، فلما توفى رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وانتهى خبر وفاته إلى مكة، تكلم بها قوم كلاما قبيحا، ووعى
ذلك عليهم، فقام سهيل بن عمرو بخطبة أبى بكر، كأنه كان يسمعها، فقال: أيها
الناس، من كان يعبد محمدا، فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله
حى لم يمت، وقد نعى الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم، إليكم وهو بين
أظهركم، ونعاكم إلى أنفسكم، فهو الموت حتى لا يبقى أحد، ألم تعلموا أن الله
تعالى قال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:
30] ، وقال: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ
الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ.
الآية [آل عمران: 144] ، وقال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ [آل
عمران: 185] ، وقال: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص: 88] .
فاتقوا الله، واعتصموا بدينكم، وتوكلوا على ربكم، فإن دين الله قائم،
وكلمته تامة، وإن الله ناصر من نصره، ومعز دينه، جمعكم الله على خيركم.
__________
(1) انظر ترجمته فى: الاستيعاب الترجمة رقم (1536) ، الإصابة الترجمة رقم
(4658) ، أسد الغابة الترجمة رقم (2909) ، تجريد أسماء الصحابة (1/ 306) ،
تهذيب التهذيب (5/ 194) ، تقريب التهذيب (1/ 411) ، تهذيب الكمال (2/ 676)
، خلاصة تذهيب الكمال (2/ 51) ، الوافى بالوفيات (17/ 156) ، الثقات (3/
343) ، حلية الأولياء (2/ 3) .
(2) انظر الحديث فى: البداية والنهاية لابن كثير (7/ 211) ، مجمع الزوائد
للهيثمى (4/ 334) .
(3) انظر ترجمته فى: الاستيعاب الترجمة رقم (326) ، الإصابة الترجمة رقم
(1139) ، أسد الغابة الترجمة رقم (7309، طبقات خليفة (116، 138) ، تاريخ
خليفة (218) ، الجرح والتعديل (2/ 502) ، تهذيب الكمال (191) ، تهذيب
التهذيب (2/ 73) ، خلاصة تذهيب الكمال (61) ، شذرات الذهب (1/ 57، 58) .
(4) انظر الحديث فى الشفاء للقاضى عياض (1/ 676) ، الجامع الكبير (2/ 786)
.
(2/87)
وفى كلام أكثر من هذا وعظهم به، وذكرهم. وقد كان الناس نفروا وهموا، فنفعهم
الله بكلامه، فلم يرتد بمكة أحد، فلما بلغ عمر بن الخطاب مقام سهيل، قال:
أشهد أن ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، حق، فهو والله هذا المقام. |