سيرة ابن
إسحاق ما عوض النبي صلى
الله عليه وسلم من ابنه
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال حدثني يزيد بن رومان قال: كان العاصي بن
وائل السهمي إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوة فإنما هو رجل
أبتر لا عقب له، لو قد هلك قد انقطع ذكره، فاسترحتم منه، فأنزل الله عز
وجل:
«إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ» حتى قضى
السورة، إنا قد أعطيناك الكوثر ما هو خير لك من الدنيا وما فيها، أو الكوثر
العظيم من الأمر، «إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ» ) «1» العاصي بن وائل.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق: حدثني جعفر بن عمرو بن أمية الضمري عن عبد
الله بن مسلم الزهري قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قيل لرسول الله صلى الله
عليه وسلم: ما الكوثر الذي (135) أعطاك ربك؟ فقال: نهر كمثل ما بين صنعاء
إلى ايلة من أرض الشام، آنيته أكثر من عدد نجوم السماء، يرده طير لها أعناق
كأعناق البخت «2» فقال عمر بن الخطاب: والله يا رسول الله إنها لناعمة؟
فقال رسول الله: أكلها أنعم منها.
نا يونس عن عيسى بن عبد الله التميمي عن عبد الله بن أبي نجيح عن أنس بن
مالك قال في قول الله عز وجل: «إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ» قال: نهر
في الجنة قال ابن أبي نجيح: وقالت عائشة: هو في نهر في الجنة ليس أحد يدخل
اصبعيه في أذنيه إلا سمع خرير ذلك النهر.
نا يونس عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد عن عاصم الجحدري عن علي: «فَصَلِّ
لِرَبِّكَ وَانْحَرْ» قال: وضع اليمين على الشمال في الصلاة.
نا يونس عن فطر بن خليفة «3» قال: سألت عطاء عن الكوثر قال: نهر في الجنة،
«فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ» قال: أمر أن يصلي الفجر يوم النحر ثم ينحر.
__________
(1) انظر ما سبق
(2) من أجود أنواع الجمال.
(3) في الأصل «قطر بن خليفة» وهو تصحيف، انظر التاريخ الكبير للبخاري: 7/
139.
(1/272)
حديث «1» المستهزئين والآيات
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على
أمر الله محتسباً مؤدياً إلى قومه النصيحة على ما كان فيهم من النائرة «2»
والأذى والاستهزاء، وكان عظماء المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وسلم
كما حدثني يزيد بن رومان عن عروة أو غيره من العلماء قال: كان المستهزئين
برسول الله خمسة: الأسود بن عبد يغوث ابن وهب، والأسود بن المطلب بن أسد،
والوليد بن المغيرة، والعاصي بن وائل والحارث بن الطلاطلة أحد [بني] خزاعة،
فكانوا يهزئون برسول الله صلى الله عليه وسلم ويغمزونه فأتاه جبريل عليه
السلام فوقف به عند الكعبة وهم يطوفون به، فمر به الأسود ابن عبد يغوث
فأشار جبريل إلى بطنه فمات حبناً «3» ؛ ومر به الأسود ابن المطلب فرمى في
وجهه بورقة خضراء فعمي، ومر به الوليد بن المغيرة فأشار إلى جرح في كعب
رجله قد كان أصابه قبل ذلك بيسير، فانتقض به فقتله، ومر به العاصي بن وائل
فأشار إلى أخمص رجله، فركب إلى الطائف على حمار فربض به على شبرقة «4»
فدخلت في أخمص رجله شوكة فقتلته، ومر به الحارث بن الطلاطلة فأشار إلى رأسه
فامتخض قيحاً حتى قتله، ففيهم أنزل الله عز وجل: إِنَّا كَفَيْناكَ
الْمُسْتَهْزِئِينَ. «5»
نا أحمد نا يونس عن ابن إسحق قال حدثني الزهيري عن عكاشة بن عبد الله بن
أبي أحمد أنه حدث أن رجالاً من بني مخزوم مشوا إلى هشام بن الوليد (136)
حين أسلم أخوه الوليد بن الوليد وقد كانوا أجمعوا أن يأخذوا فتية منهم
كانوا قد أسلموا: سلمة بن هشام. وعياش بن أبي ربيعة، فقالوا له- وخشوا شره:
__________
(1) كتب فوقها في الأصل «قصة» .
(2) الفتنة.
(3) داء في البطن يرم كالدمل ويكون له خراج.
(4) نبات شوكي.
(5) سورة الحجر: 95.
(1/273)
إن قد اردنا أن نعاقب هؤلاء الفتية على هذا
الدين الذي أحدثوا فإنا نأمن بذلك في غيرهم فقال: من فعل هذا فعليكم به
[وهذا أخي] «1» فعاقبوه وإياكم نفسه وقال:
ألا لا تقتلوا أخي غبيش ... فيبقى بيننا أبداً تلاح
احذروا على نفسه، فأقسم بالله لئن قتلتموه لأقتلن أشرفكم رجلاً، فقالوا:
اللهم العنة من يغرر «2» بهذا الخبيث، فو الله لو أصيب في أيدينا لقتل
أشرفنا رجلاً، فتركوه ونزعوا عنه، فكان مما دفع الله به عنهم.
نا يونس عن أبي معشر عن محمد بن كعب قال: كلمت رسول الله صلى الله عليه
وسلم قريش فقالوا: يا محمد تخبرنا أن موسى كان معه عصا ضرب بها الحجر
فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، وتخبرنا أن عيسى كان يحيي الموتى، وتخبرنا أن
ثمود كانت له ناقة، فأتنا ببعض تلك الآيات حتى نصدقك، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: أي شيء تحبون أن آتيكم به قالوا: تجعل لنا الصفا ذهباً،
قال: فإن فعلت تصدقوني؟
قالوا نعم والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعين، فقام رسول الله صلى الله عليه
وسلم يدعو فجاءه جبريل عليه السلام فقال له: ما شئت إن شئت أصبح ذهباً،
ولكن لم أرسل آية ولم يصدقوا عند ذلك إلا عذبتهم، وإن شئت فاتركهم حتى يتوب
تائبهم فأنزل الله عز وجل: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ
لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها» إلى قوله: «ما كانُوا
لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ» «3» .
نا يونس عن عيسى بن عبد الله التميمي عن الربيع بن أنس البكري قال:
قال الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لو جئتنا بآية كما جاء بها صالح
والنبيون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئتم دعوت الله فأنزلها
عليكم، فإن عصيتم هلكتم، يقول: ينزل العذاب، قالوا: لا نريدها.
نا يونس عن أبي معشر المديني عن محمد بن كعب القرظي قال: كلمت
__________
(1) زيد ما بين الحاصرتين حتى يستقيم الخبر وتم ذلك مما جاء في حاشية
الأصل.
(2) في ع: يغدر.
(3) سورة الأنعام: 109- 111.
(1/274)
قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالوا: يا محمد إنا في واد ضيق قليل الماء فسير عنا بقرآنك هذه الجبال،
وأخرج لنا من الأرض ينبوعاً حتى نشرب منه الماء، وأخرج لنا آباءنا نكلمهم
فنسألهم: ماذا لقوا، فأنزل الله عز وجل: «وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ
بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى
«1» » يقول يا محمد لو أن قرآناً (137) صنعت به هكذا لصنعته بقرآنك.
نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عروة قال: كل شيء نزل على رسول الله صلى
الله عليه وسلم من القرآن فيه ذكر الأمم والقرون وما يثبت به الرسول فإنما
نزل بمكة، وما كان من الفرائض والسنن فإنما نزل بالمدينة.
نا يونس عن مبارك بن فضالة عن الحسن قال: قدم عبد الله الكوفة فرأى أناساً
من الزط ففزع منهم فقال: ما هؤلاء؟ فقيل الزط، فقال: هؤلاء أشبه من رأيت
بالجن الذين أقراهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نا يونس عن الأعمش قال: بلغني أن الجن الذين خاطبوا رسول الله صلى الله
عليه وسلم كانوا تسعة.
__________
(1) سورة الرعد: 31.
(1/275)
حديث ركانة بن عبد
يزيد
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال. حدثني والدي إسحق بن يسار إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال لركانة بن عبد يزيد: أسلم، قال: لو أعلم ما تقول
حقاً لفعلت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم- وكان ركانة من أشد
الناس-: أرأيت إن صرعتك تعلم أن ذلك حق؟ قال: نعم، فقام رسول الله صلى الله
عليه وسلم فصرعه فقال له: عد يا محمد، فعاد له رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فأخذه الثانية فصرعه، وانطلق ركانة يقول: هذا ساحر، لم أر مثل سحر
هذا قط، والله ما ملكت من نفسي شيئاً حتى وضع جنبي إلى الأرض.
(1/276)
|