المنتظم

الجزء الثالث عشر
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم دخلت
سنة تسعين ومائتين
فمن الحوادث فيها: أنه ورد كتاب من الرقة يذكر فيه أن يحيى بن زكرويه بن مهرويه، المكنى بأبي القاسم، المعروف بالشيخ - وكان من دعاة القرامطة - وافى الرقة في جمع كثير، فخرج إليه جماعة من أصحاب السلطان، فهزمهم، وقتل رئيسهم.
وورد الخبر أن جيشاً خرجوا من دمشق إلى القرمطي، فهزمهم وقتل رئيسهم، فوجه أبو الأغر لحرب القرمطي في عشرة آلاف.
ولعشر بقين من جمادى الآخرة خرج المكتفي بعد العصر عامداً إلى سامرا يريد البناء بها، للانتقال إليها، فدخلها يوم الخميس لخمس بقين من جمادى، ثم انصرف إلى مضارب ضربت له بالجوسق، فدعا القاسم بن عبيد الله والقوام بالبناء فقدروا له ما يحتاج إليه من المال، وأكثروا عليه، وطولوا مدة الفراغ، وجعل القاسم يصرفه عن رأيه في ذلك فثناه عن عزمه فعاد.
وفي يوم الجمعة لأربع عشرة خلت من شعبان قرئ كتابان في الجامعين بقتل يحيى بن زكرويه الملقب بالشيخ، قتله المصريون على باب دمشق بعد أن قتل منهم خلقاً كثيراً وكسر لهم جيوشاً.
وكان يحيى هذا يركب جملاً فإذا أشار بيده إلى ناحية من نواحي محاربيه انهزموا. فافتن بذلك أصحابه، فلما قتل عقد أخوه الحسين لنفسه وتسمى بأحمد بن عبد الله، وتكنى بأبي العباس، ودعا إلى ما كان يدعو إليه أخوه، فأجابه أكثر أهل البوادي وقويت شوكته ووصل إلى دمشق فصالحه أهلها على شيء فانصرف عنهم، ثم صار إلى أطراف حمص فتغلب عليهم وخطب له على منابرها وتسمى بالمهدي، ثم صار إلى حمص، فأطاعه أهلها، وفتحوا له بابها خوفاً على أنفسهم، ثم سار إلى حماة ومعرة النعمان وغيرها، فقتل أهلها وسبى النساء والصبيان، وسار إلى سلمية فحاربه أهلها، ثم وادعهم ودخلها فقتل من بها من بني هاشم، ثم قتل البهائم وصبيان الكتاتيب، ثم خرج إلى ما حول ذلك يقتل ويسبي ويخيف السبيل، ويستبيح وطء نساء الناس، وربما أخذ المرأة فوطئها جماعة منهم، فتأتي بولد فلا يدرى من أيهم هو، فيهنأ به جميعهم.


ولليلتين خلتا من رمضان أمر المكتفي بإعطاء الجند أرزاقهم، والتأهب لحرب القرمطي بناحية الشام، فأطلق للجند في دفعة واحدة مائة ألف دينار، وكان السبب أن أهل الشام كتبوا إليه يشكون ما يلقون من القرامطة، فخرج المكتفي حتى انتهى إلى الرقة، فنزلها، وسرح إلى القرمطي جيشاً بعد جيش، وكان القرمطي يكتب إلى أصحابه: من عبد الله أحمد بن عبد الله المهدي المنصور بالله، الناصر لدين الله، القائم بأمر الله، الحاكم بحكم الله، الداعي إلى كتاب الله، الذاب عن حريم الله، المختار من ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان ينتحل أنه من ولد علي ابن أبي طالب عليه سلام الله.
ووقع ثلج ببغداد يوم الرابع والعشرين من كانون الثاني منذ أول النهار إلى العصر.
وحج بالناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك بن عبد الله بن العباس بن محمد.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
جعفر بن محمد بن عمران بن بريق أبو الفضل البزاز المخرمي وغلط أبو القاسم الطبراني، فقاله: بويق، بالواو. وحدث عن خلف بن هشام، روى عنه أحمد بن كامل، وكان قد حدث قبل موته بقليل.
وتوفي على ستر جميل.
الحسين بن أحمد بن أبي بشر أبو علي المقرئ السراج من أهل سامرا. روى عنه أبو الحسين بن المنادي، وقال: كان من أفاضل الناس كتب الناس عنه.
توفي بسرمن رأى ليلة عرفة من هذه السنة.
عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل أبو عبد الرحمن الشيباني سمع أباه، وعبد الأعلى بن حماد، وكامل بن طلحة، ويحيى بن معين وخلقاً كثيراً. روى عنه البغوي، وان المنادي، والخلال. وكان حافظاً ثقة ثبتاً. وكان أحمد يقول: ابني محظوظ من علم الحديث. وقال ابن المنادي: لم يكن في الدنيا أحد أروى عن أبيه منه، لأنه سمع " المسند " وهو ثلاثون ألفاً، و " التفسير " وهو مائة وعشرون ألفاً سمع منها ثمانين والباقي إجازة، وسمع " الناسخ والمنسوخ " و " التاريخ " ، و " حديث شعبة " ، و " المقدم والمؤخر في كتاب الله تعالى " و " جوابات القرآن " ، و " المناسك الكبير والصغير " ، وغير ذلك من التصانيف وحديث الشيوخ.
قال: وما زلنا نرى أكابر شيوخنا يشهدون له بمعرفة الرجال، وعلل الحديث، والأسماء، والكنى، والمواظبة على طلب الحديث في العراق وغيرها، ويذكرون عن أسلافهم الإقرار له بذلك، حتى أن بعضهم أسرف في تقريظه إياه بالمعرفة وزيادة السماع للحديث على أبيه.
ولما مرض قيل له: أين تحب أن تدفن ؟ قال: صح عندي أن بالقطيعة نبياً مدفوناً، ولأن أكون في جوار نبي أحب إلي من أن أكون في جوار أبي.
وتوفي في جمادى الآخرة لتسع ليال بقين من هذه السنة وكان الجمع كثيراً فوق المقدار، ودفن في مقابر باب التبن وصلى عليه زهير ابن أخيه صالح.
عبد الله بن أحمد بن سعيد أبو محمد الرباطي المروزي سافر مع أبي تراب النخشبي، وكان الجنيد يمدحه ويقول: هو رأس فتيان خراسان، وكان كريماً حسن الخلق.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: حدثنا عبد العزيز بن علي الوراق، حدثنا علي بن عبد الله بن الحسن الهمداني، حدثنا الخلدي، قال: حدثني أحمد بن محمد بن زياد، قال: حدثني مصعب بن أحمد بن مصعب، قال: قدم أبو محمد المروزي إلى بغداد يريد مكة، فكنت أحب أن أصحبه، فأتيته فاستأذنته في الصحبة، فلم يأذن لي في تلك السنة، ثم قدم سنة ثانية وثالثة فأتيته فسلمت عليه وسألته فقال: اعزم على شرط يكون أحدنا الأمير لا يخالفه الآخر؛ فقلت: أنت الأمير ! فقال: يا أبا محمد لا ! بل أنت الأمير! فقلت: أنت أسن وأولى ! فقال: نعم، ولا يجب أن تعصيني ! فقلت: نعم ! فخرجت معه، فكان إذا حضر الطعام يؤثرني فإذا عارضته بشيء قال: ألم أشترط عليك أن لا تخالفني ؟ فكان هذا دأبنا، حتى ندمت على صحبته لما يلحق نفسه من الضرر، فأصابنا في بعض الأيام مطر شديد ونحن نسير، فقال لي: يا أبا محمد اطلب الميل؛ فلما رأينا الميل قال لي: اقعد في أصله ! فأقعدني في أصله، وجعل يديه على الميل وهو قائم قد حنا علي وعليه كساء قد تجلل به يظللني به من المطر حتى تمنيت أني لم أخرج معه لما يلحق نفسه من الضرر، فلم يزل هذا دأبه حتى دخلنا مكة.
عمر بن إبراهيم أبو بكر الحافظ المعروف بأبي الآذان


سمع وحدث عن جماعة. روى عنه ابن قانع، وابن المنادي، وكان ثقة سكن سر من رأى.
توفي بها في هذه السنة وله ثلاث وستون سنة.
محمد بن إسماعيل بن عامر أبو بكر التمار الواسطي سكن بغداد، وحدث بها عن أحمد بن سنان الواسطي، وسري السقطي، والربيع بن سليمان المرادي وغيرهم. روى عنه أبو عمرو بن السماك، وقال: سمعنا منه وهو ابن ستين سنة وهو أسود اللحية.
محمد بن الحسين بن عبد الرحمن أبو العباس الأنماطي سمع داود بن عمرو الضبي، ويحيى بن معين وغيرهما. روى عنه ابن صاعد، وابن مخلد، وابن قانع وغيرهم. وكان ثقة ثبتاً صالحاً.
وتوفي في هذه السنة، وقيل: في سنة ثلاث وتسعين.
محمد بن الحسين بن الفرج أبو ميسرة الهمداني كان أحد من يفهم شأن الحديث، وصنف مسنداً، وحدث عن كامل بن طلحة وطبقته، وهو صدوق، روى عنه الباغندي وابن قانع.
محمد بن عبد الله أبو بكر الزقاق أحد شيوخ الصوفية: أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي الحافظ، قال: أخبرنا عبد العزيز بن أبي الحسن، قال: سمعت ابن جهضم يقول: سمعت الحسن ابن أحمد بن عبد العزيز يقول: سمعت الزقاق، يقول: لي سبعون سنة أرب هذا الفقر، من لم يصحبه في فقره الورع أكل الحرام النض.
قال ابن جهضم: وحدثني حسين بن محمد السراج، قال: قال: جنيد: رأيت إبليس في منامي وكأنه عريان، فقلت له: أما تستحي من الناس ؟ فقال: بالله عندك هؤلاء من الناس لو كانوا من الناس ما تلاعبت بهم كما يتلاعب الصبيان بالكرة، ولكن الناس غير هؤلاء ! فقلت له: ومن هم؟ فقال: قوم في مسجد الشونيزي قد أضنوا قلبي وأنحلوا جسمي كلما هممت بهم أشاروا إلى الله تعالى فأكاد أحترق ! قال جنيد: فانتبهت ولبست ثيابي وجئت إلى مسجد الشونيزي وعلي ليل فلما دخلت المسجد فإذا أنا بثلاثة أنفس جلوس ورؤوسهم في مرقعاتهم، فلما أحسوا بي قد دخلت المسجد أخرج أحدهم رأسه، فقال: يا أبا القاسم أنت كلما قيل لك شيء تقبل.
قال ابن جهضم: ذكر لي أبو عبد الله بن خاقان أن الثلاثة الذين كانوا في مسجد الشونيزي: أبو حمزة، وأبو الحسين النوري، وأبو بكر الزقاق.
يحيى بن زكرويه القرمطي: قتله المصريون في هذه السنة على ما سبق ذكره في الحوادث.
ثم دخلت
سنة إحدى وتسعين ومائتين
فمن الحوادث فيها: وقعة بين أصحاب السلطان وبين القرامطة فهزموا القرامطة وأسروا وقتلوا، وتفرق الباقون في البوادي، وتبعهم أصحاب السلطان، ثم وقعوا بالقرمطي، فأخذوه، وكان يقال له صاحب الشامة، فحمل إلى الرقة ظاهراً للناس وعليه برنس، ثم إن المكتفي رحل إلى بغداد، وحمل معه القرمطي في أول صفر فعزم أن يصلب القرمطي على دقل، ويجعل الدقل على ظهر فيل، فأمر بهدم طاقات الأبواب لئلا ترده.
ثم استسمح فعل ذلك، ثم جعل له كرسياً ارتفاعه ذراعان ونصف على ظهر الفيل، ودخل المكتفي إلى بغداد والأسرى بين يديه مقيدون، ورئيس القوم قد جعل في فيه خشبة مخروطة، وشدت إلى قفاه كهيئة اللجام، وأمر المكتفي ببناء دكة في المصلى العتيق من الجانب الشرقي ارتفاعها عشرة أذرع، وبني لها درج فلما كان يوم الاثنين لسبع بقين من ربيع الأول أمر المكتفي القواد والغلمان بحضور الدكة، فحضر الناس وجيء بالأسارى وهم يزيدون على ثلثمائة، وجيء بالقرمطي الحسين بن زكرويه المعروف بصاحب الشامة فصعد به إلى الدكة، وقدم له أربعة وثلاثون إنساناً من الأسارى، فقطعت أيديهم وأرجلهم، وضربت أعناقهم واحداً بعد واحد، ثم قدم كبيرهم فضرب مائتي سوط، وقطعت يداه ورجلاه، وكوي، ثم أحرق ورفع رأسه على خشبة، ثم قتل الباقون، وصلب بدن القرمطي في طرف الجسر الأعلى.
ولثلاث بقين من رجب قرئ كتاب من خراسان يذكر فيه: أن الترك قصدوا المسلمين في جيش عظيم، وكان في عسكرهم سبعمائة قبة تركية، ولا يكون ذلك إلا للرؤساء منهم، فخرج من المسلمين خلق كثير فكبسوهم مع الصبح، وانهزم الباقون.
وفي شعبان ورد الخبر بأن صاحب الروم وجه عشرة صلبان، معها مائة ألف رجل إلى الثغور، فأغاروا وسبوا من قدروا عليه من المسلمين وأحرقوا.


وفي رمضان ورد الخبر من القاسم بن سيما من الرحبة، يذكر أن الأعراب الذين استأمنوا ممن كان مع القرمطي نكثوا وغدروا، وعزموا أن يكبسوا الرحبة بوم الفطر عند اشتغال الناس بالصلاة، وإني وقعت عليهم وأسرت.
وحج بالناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك بن عبد الله بن العباس بن محمد.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن يحيى بن زيد بن يسار أبو العباس الشيباني، مولاهم المعروف بثعلب إمام الكوفيين في النحو واللغة، ولد سنة مائتين. وسمع إبراهيم بن المنذر، ومحمد بن زياد الأعرابي، وعبيد الله بن عمر القواريري، والزبير بن بكار، وغيرهم روى عنه ابن الأنباري، وابن عرفة، وأبو عمر الزاهد، وأبو معشر وغيرهم وكان ثقة حجة ديناً صالحاً مشهوراً بالصدق والحفظ.
وكان يقول: طلبت العربية واللغة في سنة ست عشرة ومائتين، وابتدأت بالنظر في حدود الفراء وسني ثماني عشرة، وبلغت خمساً وعشرين وما بقي علي مسألة للفراء ولا شيء من كتبه إلا وقد حفظته، وسمعت من القواريري مائة ألف حديث.
قال أبو محمد عبد الرحمن بن محمد الزهري: كان بيني وبين أبي العباس مودة وكيدة، وكنت أستشيره في أموري، فجئته يوماً أشاوره في الانتقال من محلة إلى أخرى لتأذي الجوار، فقال أبا محمد: العرب تقول صبرك على أذى من تعرفه خير لك من استحداث من لا تعرف.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت الخطيب، قال: أخبرني أحمد بن علي بن الحسين المحتسب، قال: أخبرنا أبو عمر أحمد بن محمد بن موسى ابن العلاف، قال: حدثني أبو عمر الزاهد، قال: كنت في مجلس أبي العباس ثعلب فسأله سائل عن شيء، فقال: لا أدري، فقال له: أتقول لا أدري وإليك تضرب أكباد الإبل، وإليك الرحلة من كل بلد ؟ فقال له ثعلب: لو كان لأمك بعدد ما لا أدري بعر لاستغنت.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي، أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن سليمان الكاتب، قال: أنشدنا إسحاق بن أحمد الكاذي، قال: أنشدنا ثعلب:
بلغت من عمري ثمانينا ... وكنت لا آمل خمسينا
فالحمد لله وشكراً له ... إذ زاد في عمري ثلاثينا
وأسأل الله بلوغاً إلى ... مرضاته آمين آمينا
توفي ثعلب يوم السبت، لثلاث عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين ومائتين، ودفن في مقبرة باب الشام وقبره ظاهر. وأدركه صمم في آخر عمره.
إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل أبو إسحاق الخواص من أهل سرمن رأى، وكان يسافر كثيراً، فتوفي في هذه السنة بالري، وغسله ودفنه يوسف بن الحسين، وقيل: توفي في سنة أربع وثمانين.
الحسن بن علي بن المتوكل بن ميمون أبو محمد مولى عبد الصمد بن علي الهاشمي.
روى عن عاصم وعفان، وروى عنه إسماعيل الخطبي، وكان ثقة.
توفي في محرم هذه السنة.
الحسن بن محمد بن أحمد بن شعبة أبو علي المروزي قدم بغداد، وحدث بجامع الترمذي عن المحبوبي. روى عنه العتيقي، وقال الأزهري: سمعت منه وكان شيخاً فهماً ثقة له هيبة.
توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
سليمان بن يحيى بن الوليد أبو أيوب الضبي المقرئ قرأ القرآن بحرف حمزة، وكان شيخاً صالحاً يقرئ في مدينة المنصور. وسمع الحديث من خلف بن هشام وغيره، روى عنه أبو بكر ابن الأنباري، وأبو الحسين ابن المنادي.
وتوفي في هذه السنة.
القاسم بن عبيد الله بن سليمان، الوزير وزير المعتضد والمكتفي، وفوض إليه المكتفي جميع الأمور، ومرض في رمضان في هذه السنة، فأمر أن يطلق العمال من الحبوس، ويكفل من عليه مال، ويطلق من في الحبس من العلويين الذي أخذوا ظلماً بسبب القرمطي الناجم بالشام، وزادت علته فاستخلف ابن أخيه أبا أحمد عبد الوهاب بن الحسن بن عبيد الله، فجاء يعرض على المكتفي، فلما خرج من بين يديه تمثل المكتفي:
ولما أبى إلا جماحاً فؤاده ... ولم يسل عن ليلى بمال ولا أهل
تسلى بأخرى غيرها فإذا الذي ... تسلى بها تغريى بليلى ولا تسلي


توفي القاسم يوم الأربعاء، لست خلون من ذي القعدة. وكان قد وجه صدر نهاره بالعباس بن الحسن أبي أحمد، وأبي الحسن علي بن عيسى إلى المكتفي، وكتب معهما كتاباً إليه يخبره أنه في آخر ساعة من ساعات الدنيا، ويسأله التفضل على ولده ومخلفيه، ويشير عليه بأن يستكتب بعده أحد الرجلين اللذين أنفذهما إليه فاختار استكتاب العباس وخرجا بالجواب إليه وتوفي في تلك الساعة.
قال أبو بكر الصولي: ومن العجائب التي رأيتها أنا كنا نبكر لعيادة القاسم بن عبيد الله كل يوم، فدخلنا يوم الأربعاء الذي توفي فيه إلى داره، فرأينا ابنيه: أبا علي، وأبا جعفر قد خرجا، فقام الناس إليهما، ودنا العباس بن الحسن فقبل يديهما فمات القاسم في بقية اليوم، وخوطب العباس بالوزارة فرأيته بعد العصر وقد صار إلى دار القاسم، فخرج الولدان جميعاً، فقبلا يده، وكان الحاصل من ضياع القاسم في كل سنة سبعمائة ألف دينار.
محمد بن أحمد بن البراء بن المبارك أبو الحسن العبدي سمع خلف بن هشام، وعلي بن المديني، وأحمد بن إبراهيم الدورقي، وغيرهم. وكان ثقة صدوقاً.
أخبرنا أبو منصور القزازة قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت، أخبرنا أبو العلاء الواسطي. حدثنا محمد بن أحمد بن حماد الكوفي، حدثنا الحسن بن إسماعيل الكندي، قال: حدثني أبو جعفر بن البراء، قال: اتصل بعمي أبي الحسن عن القاضي إسماعيل بن إسحاق شيء، فعزم إسماعيل على الركوب إليه، فبادره عمي أبو الحسن بالركوب، فلما دخل عليه أنشأ يقول:
صفحت برغمي عنك صفح ضرورة ... إليك وفي قلبي ندوب من العتب
فأجابه إسماعيل يقول:
ولا زال بي شوق إليك مبرح ... يذلل مني كل ممتنع صعب
توفي أبو الحسن بن البراء في شوال هذه السنة.
محمد بن أحمد بن النضر بن عبد الله بن مصعب، أبو المعنى ابن بنت معاوية بن عمرو الأزدي ولد في سنة ست وتسعين ومائة، وسمع جده معاوية، والقعنبي وغيرهما، روى عنه ابن صاعد، وابن مخلد، وأبو بكر النجاد، وغيرهم قال عبد الله بن أحمد، ومحمد بن عبدوس: هو ثقة لا بأس به.
أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا الخطيب، قال: حدثنا ابن رزق، أخبرنا إسماعيل بن علي قال: مات أبو بكر محمد بن أحمد بن النضر يوم الجمعة قبل الصلاة.
ودفن وقت العصر، وذلك لخمس خلون من صفر، سنة إحدى وتسعين ومائتين. ودفن في مقابر باب الشام.
محمد بن إبراهيم بن سعيد بن عبد الرحمن أبو عبد الله العبدي البوشنجي شيخ أهل الحديث في عصره، سمع بمصر، والحجاز، والكوفة، والبصرة، وبغداد، والشام وحدث في البلاد وروى عنه البخاري، ومحمد بن إسحاق الصغاني.
توفي في غرة محرم هذه السنة، ودفن بنيسابور.
محمد بن محمد بن إسماعيل بن شداد أبو عبد الله الأنصاري القاضي المعروف بالجذوعي حدث عن مسدد بن مسرهد، وعلي بن المديني، وابن نمير وغيرهم. وروى عنه أبو عمرو بن السماك وغيره وكان ثقة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرني علي بن المحسن القاضي قال: أخبرني أبي، قال: قال أبو الحسين محمد بن علي بن الخلال البصري: حدثني أبي، وسمعته من غيره: أن القضاة والشهود بمدينة السلام ادخلوا على المعتمد على الله للشهادة عليه في دين كان عليه اقترضه عند الإضاقة بالانفاق على صاحب الزنج، فلما مثلوا بين يديه قرأ عليهم إسماعيل بن بلبل الكتاب، ثم قال: أن أمير المؤمنين أطال الله بقاءه يأمركم بأن تشهدوا عليه بما في هذا الكتاب، فشهد القوم حتى بلغ الكتاب إلى الجذوعي القاضي، فأخذه بيده، وتقدم إلى السرير، وقال: يا أمير المؤمنين، أشهد عليك بما في هذا الكتاب ؟ فقال: اشهد، فقال: إنه لا يجوز أن أشهد، أو تقول نعم اشهد علي، قال: نعم، فشهد في الكتاب ثم خرج، فقال المعتمد: من هذا ؟ فقيل له: الجذوعي البصري، فقال: وما إليه ؟ قالوا: ليس إليه شيء؛ فقال: مثل هذا لا ينبغي أن يكون مصروفاً فقلدوه واسطاُ فقلده إسماعيل وانحدر.


فاحتاج الموفق يوماً إلى مشاوره الحاكم فيما يشاور في مثله، فقال: استدعوا القاضي؛ فحضر وكان قصيراً وله دنية طويلة فدخل في بعض الممرات ومعه غلام له فلقيه غلام كان للموفق، وكان شديد التقدم عنده وكان مخموراً، فصادفه في مكان خال من الممر فوضع يده على دنيته حتى غاص رأسه فيها فتركه ومضى،. فجلس الجذوعي في مكانه، وأقبل غلامه حتى فتقها وأخرج رأسه منها، وثنى رداءه على رأسه وعاد إلى داره، وأحضر الشهود، فأمرهم بتسليم الديوان، ورسل الموفق يترددون، وقد سترت الحال عنه حتى ذكر بعض الشهود لبعض الرسل الخبر فعاد إلى الموفق فأخبره بذلك فأحضر صاحب الشرطة، وأمره بتجريد الغلام، وحمله إلى باب دار القاضي وضربه هنالك ألف سوط، وكان والد هذا الغلام من جلة القواد ومحله محل من لوهم بالعصيان لأطاعه أكثر الجيش، فلم يقل شيئاً وترجل القواد وصاروا إليه، وقالوا: مرنا بأمرك، فقال: إن الأمير الموفق اشفق عليه مني فمضى القواد بأسرهم مع الغلام إلى باب دار الجذوعي، فدخلوا إليه وضرعوا له، فأدخل صاحب الشرطة والغلام، وقال له: لا تضربه، فقال: لا أقدم على خلاف الموفق، فقال: فإني أركب إليه وأزيل ذلك عنه، فركب فشفع له وصفح عنه.
وتوفي الجذوعي يوم السبت لست خلون من جمادى الآخرة من هذه السنة ببغداد.
ثم دخلت
سنة اثنتين وتسعين ومائتين
فمن الحوادث فيها: الفداء بين المسلمين والروم، وكانت جملة من فودي به من المسلمين ألفاً ومائتي نفس، ثم غدر الروم فانصرفوا، ورجع المسلمون بمن بقي معهم من الأسارى للروم.
وخرج محمد بن سليمان إلى مصر، فزحف هارون بن خمارويه لقتال محمد بن سليمان، فدخل محمد الفسطاط، وأخذ آل طولون، وكانوا بضعة عشر رجلاً فقتلهم وحبسهم، واحتوى على دورهم، وجبى الخراج.
وزادت في هذه السنة دجلة زيادة مفرطة فانهدمت المنازل على شاطئيها من الجانبين، ونبعت المياه من المواضع القريبة منها.
وطلع كوكب الذنب وقت المغرب لعشر خلون من رجب في آخر برج الحوت.
وحج بالناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك بن العباس بن محمد.
ذكر من توفى في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن عمرو بن عبد الخالق أبو بكر العتكي المعروف بالبزار كان حافظاً للحديث، وتوفي بالرملة في هذه السنة.
إبراهيم بن عبد الله بن مسلم أبو مسلم البصري المعروف بالكجي والكشي ولد سنة مائتين، وعاش اثنتين وتسعين سنة. سمع محمد بن عبد الله الأنصاري، وأبا عاصم النبيل، والقعنبي، وغيرهم، وروى الحديث، وكان عاماً ثقة جليل القدر، وأملى على الناس، وكان في مجلسه سبعة مستملين، كل واحد يبلغ صاحبه الذي يليه، وكتب الناس عنه قياماً بأيديهم المحابر، ثم مسح المكان وحسب من حضر بمحبرة فبلغوا نيفاً وأربعين ألف محبرة سوى النظارة، وكان نذر أن يتصدق إذا حدث بعشرة آلاف درهم.
أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا محمود بن الفضل أبو نصر الأصبهاني، قال: سمعت أبا حفص بن عمر بن أحمد بن عمر السمسار، يقول: سمعت جماعة من أصحاب الفاروق بن عبد الكبير الخطابي، يقولون: سمعنا الفاروق بن عبد الكبير، يقول: لما فرغنا من قراءة كتاب السنن على أبي مسلم الكجي، اتخذ لنا مأدبة انفق فيها ألف دينار.
وقال: شهدت اليوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل قولي وحدي، ولو شهدت على دستجة بقل لاحتجت إلى شاهد آخر يشهد معي أفلا اصنعه شكراً لله تعالى.
وبلغني عن إسماعيل القاضي، قال: سمعت بعض مشايخنا، يقول: كان أبو مسلم الكجي من قبل أن يحدث يجهز التمر من البصرة إلى بغداد، وكان له ههنا وكيل يبيعه له، فلما حدث بعث إلى وكيله: إني قد حدثت وصدقت في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. فتصدق بما عند من التمر أو بثمنه إن كنت بعته شكراً لله تعالى على ذلك.


أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا : أبو بكر أحمد بن علي الحافظ، قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن علي بن محمد القرشي، حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن أيوب بن ماسي قال: حدثني أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله البصري الكجي، قال: خرجت يوماً سحراً فغرني القمر، وكان يوماً بارداً فإذا الحمام قد فتح، فقلت أدخل إلى الحمام قبل مضيي في حاجتي، فدخلت، فقلت للحمامي: يا حمامي أدخل حمامك أحد ؟ فقال : لا، فدخلت الحمام فساعة فتحت الباب، قال لي قائل: أبو مسلم أسلم تسلم. ثم أنشأ يقول:
لك الحمد إما على نعمة ... وإما على نقمة تدفع
تشاء فتفعل ما شئته ... وتسمع من حيث لا يسمع
قال: فبادرت فخرجت وأنا جزع، فقلت للحمامي: أليس زعمت أنه ليس في الحمام أحد ؟ فقال لي: هل سمعت شيئاً ؟ فأخبرته بما كان، فقال: ذاك جني يتراءى لنا في كل حين وينشد الشعر، فقلت: هل عندك من شعره شيء ؟ قال لي: نعم، فأنشدني:
أيها المذنب المفرط جهلا ... كم تمادى وتركب الذنب جهلا
كم وكم تسخط الجليل بفعل ... سمج وهو يحسن الصنع فعلا
كيف تهدا جفون من ليس يدري ... أرضى عنه من على العرش أم لا
أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي الخطيب، قال: أخبرنا ابن رزق، قال: أخبرنا إسماعيل بن علي الخطبي، قال: مات أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكجي يوم الأحد لسبع خلون من المحرم سنة اثنتين وتسعين ومائتين. وأحدر به إلى البصرة فدفن هناك.
إدريس بن عبد الكريم أبو الحسن الحداد المقرئ صاحب خلف بن هشام: ولد سنة تسع وتسعين ومائة، وسمع أحمد، ويحيى، وغيرهما. روى عنه أبو بكر الأنباري، والنجاد، والخطبي، وأبو علي بن الوصاف. وسئل عنه الدارقطني، فقال: ثقة وفوق الثقة بدرجة.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرني أبو القاسم الأزهري، حدثنا طالب بن عثمان قال: سمعت ابن مقسم، قال: كنت عند أبي العباس أحمد بن يحيى إذ جاء إدريس الحداد فأكرمه وحادثه ساعة، وكان إدريس قد أسن فقام من مجليسه وهو يتساند، فلحظه أبو العباس بعينه، وأنشأ يقول:
أرى بصري في كل يوم وليلة ... يكل وطرفي عن مداه يقصر
ومن يصحب الأيام تسعين حجة ... يغيرنه والدهر لا يتغير
لعمري إن أصبحت أمشي مقيداً ... لما كنت أمشي مطلق القيد أكثر
توفي إدريس يوم الأضحى من هذه السنة.
الحسن بن سعيد بن مهران أبو علي الصفار المقرئ من أهل الموصل، قدم بغداد وحدث بها عن غسان بن الربيع، ومعلى بن مهدي وغيرهما. روى عنه ابن مخلد، وأبو بكر الشافعي، وكان متعفناًن وتوفي في هذه السنة.
عبد الحميد بن عبد العزيز، أبو خازم: القاضي الحنفي، أصله من البصرة وسكن بغداد، وحدث عن بندار، ومحمد بن المثنى وغيرهما. ولي القضاء بالشام والكوفة وبغداد، وكان عالماً ورعاً ثقة قدوة في العلوم غزير العقل والدين.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا علي بن المحسن، أخبرنا طلحة بن محمد بن جعفر، قال: أخبرني أبو الحسين عبد الواحد بن محمد الخصيبي، قال: قال لي ابن حبيب الذارع: كنا ونحن أحداث مع أبي خازم وكنا نقعده قاضياً ونتقدم إليه في الخصومات. قال: فما مضت الأيام والليالي حتى صار قاضياً.
قال أبو الحسين: وبلغ من شدته في الحكم أن المعتضد وجه إليه بطريف المخلدي، فقال له: إن لي على الضيعي بيعاً وكان للمعتضد ولغيره مال، وقد بلغني أن غرماءه أثبتوا عندك، وقد قسطت لهم من ماله، فاجعلنا كأحدهم. فقال له أبو خازم: قل له: أمير المؤمنين - أطال الله بقاءه - ذاكر لما قال لي وقت ما قلدني أنه قد أخرج الأمر من عنقه، وجعله في عنقي، ولا يجوز لي أن أحكم في مال رجل لمدع إلى بينة. فرجع إليه طريف فأخبره، فقال: قل له فلان وفلان يشهدان - يعني رجلين جليلين كانا في ذلك الوقت - فقال: يشهدان عندي وأسأل عنهما، فإن زكيا قبلت شهادتهما، وإلا أمضيت ما ثبت عندي، فامتنع أولئك من الشهادة فزعاً ولم يدفع إلى المعتضد شيئاً.


وأخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا التنوخي، قال: أخبرني أبي، قال: حدثني علي بن هشام بن عبد الله الكاتب، قال: حدثني أبي، قال: حدثني وكيع القاضي، قال: كنت أتقلد لأبي خازم وقوفاً في أيام المعتضد منها وقوف الحسن بن سهل، فلما استكثر المعتضد من عمارة القصر الحسني أدخل إليه بعض وقوف الحسن بن سهل التي كانت مجاورة للقصر، وبلغت السنة إلى آخرها وقد جبيت مالها إلا ما أخذه المعتضد، فجئت إلى أبي خازم فعرفته اجتماع مال السنة، واستأذنته في قسمته في سبيله، فقال لي: فهل جبيت ما على أمير المؤمنين ؟ فقلت له: ومن يجسر على مطالبة الخليفة ؟ فقال: والله لاقسمت الارتفاع أو تأخذ ما عليه، والله لئن لم يزح العلة لا وليت له عملاً، ثم قال: امض إليه الساعة فطالبه، فقلت: من يوصلني ؟ فقال: امض إلى صافي الحرمي، وقل له إنك رسولي أنفذتك في مهم، فإذا ما قلت لك.
فجئت فقلت لصافي ذلك، فأوصلني وكان آخر النهار، فلما مثلت بين يدي الخليفة ظن أن أمراً عظيماً قد حدث، وقال: هيه قل، كأنه متشوف. فقلت له: إني ألي لعبد الحميد قاضي أمير المؤمنين وقوف الحسن بن سهل، وفيها ما قد أدخله أمير المؤمنين إلى قصره، ولما جبيت مال هذه السنة امتنع من تفرقته إلا أن أجيء بما على أمير المؤمنين، وأنفذني الساعة قاصداً لهذا السبب، وأمرني أن أقول أني حضرت في مهم لأصل، قال: فسكت ساعة مفكراً، ثم قال: أصاب عبد الحميد، يا صافي هات الصندوق، فأحضر صندوقاً لطيفاً فقال: كم يجب لك ؟ فقلت: الذي جبيت عام أول من ارتفاع هذه العقارات أربعمائة دينار؛ فقال: فكيف حذقك بالنقد والوزن ؟ قلت: أعرفهما، قال: هاتوا ميزاناً؛ فجيء بميزان، وأخرج من الصندوق دنانير عيناً، فوزن لي منها أربعمائة دينار، فقبضتها وانصرفت إلى أبي خازم بالخبر، فقال: أضفها إلى ما قد اجتمع من مال الوقف عند وفرقه في غد في سبله ولا تؤخر ذلك؛ ففعلت، وكثر شكر الناس لأبي خازم بهذا السبب وإقدامه على الخليفة بمثل ذلك، وشكرهم للمعتضد في إنصافه.
أخبرنا عبد الرحمن، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا التنوخي، قال: حدثني أبي قال،: حدثني أبو الفرج طاهر - ابن محمد الصلحي، قال: حدثني القاضي أبو طاهر محمد بن أحمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر، قال: بلغني أن أبا خازم القاضي جلس في الشرقية وهو قاضيها للحكم، فارتفع إليه خصمان، فاجترأ أحدهما بحضرته إلى ما يوجب التأديب، فأمر بتأديبه، فأدب فمات في الحال؛ فكتب إلى المعتضد من المجلس: أعلم أمير المؤمنين أطال الله بقاءه أن خصمين حضراني فاجترأ أحدهما إلى ما وجب عليه معه الأدب عندي، فأمرت بتأديبه فأدب فمات، فإذا كان المراد بتأديبه مصلحة المسلمين فمات في الأدب فديته واجبة في بيت مال المسلمين، فإن رأى أمير المؤمنين أطال الله بقاءه أن يأمر بحمل الدية لأحملها إلى ورثته فعل. فعاد الجواب إليه بأنا قد أمرنا بحمل الدية إليك، وحمل إليه عشرة آلاف درهم، فأحضر ورثة المتوفى ودفعها إليهم.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: ذكر لي الحسين بن علي الصيمري، قال: كان عبيد الله بن سليمان قد خاطب أبا خازم في بيع ضيعة ليتيم تجاور بعض ضياعه، فكتب إليه: إن رأى الوزير أعزه الله أن يجعلني أحد رجلين: أما رجل صين الحكم به، أو رجل صين الحكم عنه.


أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزار، قال: أخبرنا علي بن المحسن التنوخي، عن أبيه، قال: حدثنا أبو الحسين علي بن هشام، قال: سمعت القاضي أبا جعفر أحمد بن إسحاق بن البهلول التنوخي، يحدث أبي، قال: حدثني أبو خازم القاضي، قال: كان حجري أيتام ذكور وإناث خلفهم بعض العمال ورددت أمانتهم إلى بعض الشهود، فصار إلي الأمين يوماً وعرفني أن عامل المستغلات ببغداد الذي يتولى مستغلات السلطان وعامل بادوريا قد أدخلا أيديهما في أملاك الأيتام، وذكرا أن الوزير عبيد الله بن سليمان أمرهما بذلك عن أمر أمير المؤمنين المعتضد، فصرت إلى المعتضد في يوم موكب، فلما انقضى الموكب دنوت منه وشرحت له الصورة، فقال لي: يا عبد الحميد هذا عامل قد خانني في مالي واقتطعه ولي عليه مال جليل من نواح كان يتولاها من ضيعتي خاصة ومالي عليه يضعف هذه الأملاك التي خلفها، فقلت: يا أمير المؤمنين ما تدعيه عليه يحتاج إلى بينة، وقد صح عندي أن هذه الأملاك أملاكه يوم مات، ولا طريق إلى انتزاعها من يد وارثه إلا بينة، هذا حكم الله في البالغين، فكيف في الأطفال ؟ قال: فسكت ساعة مطرقاً، ثم دعا بداوة، ووقع بخطه إلى عبيد الله بن سليمان بالافراج عن الضياع.
أنبأنا محمد بن أبي طاهر، أنبأنا علي بن المحسن، عن أبيه، قال: حدثني الحسين بن عياش القاضي، عمن حدثه أنه كان يساير أبا خازم القاضي في طريق فمر عليه رجل فقال: أحسن الله جزاءك أيها القاضي في تقليدك فلاناً القضاء ببلدنا، فإنه عفيف، فصاح عليه أبو خازم، وقال: اسكت عافاك الله تقول في قاض أنه عفيف ؟؟! هذا من صفات أصحاب الشرطة، والقضاة فوقها.
قال: ثم سرنا وهو واجم ساعة، فقلت: ما لك يا أيها القاضي ؟ فقال: ما ظننت أني أعيش حتى أسمع هذا، ولكن قد فسد الزمان وبطلت هذه الصناعة، ولعمري لقد دخل فيها من يحتاج الفاضل معه إلى التقريظ، وما كان الناس يحتاجون إلى أن يقولوا: فلان القاضي عفيف حتى تقلد فلان - وذكر رجلاً ، وقال: لا أحب أن أسميه - فقلت: من هذا الرجل ؟ فامتنع فألححت عليه، فأومأ إلى أبي عمر.
توفي أبو خازم في هذه السنة، وذكر بعض علماء النقل أنه دفن بالكوفة.
الفضل بن محمد، أبو برزة الحاسب. حدث عن يحيى الحماني روى عنه عبد الباقي بن قانع، وكان ثقة جليل القدر.
توفي في صفر هذه السنة.
ثم دخلت
سنة ثلاث وتسعين ومائتين
فمن الحوادث فيها: أنه ورد الخبر أن أخا الحسين بن زكرويه المعروف بصاحب الشامة ظهر بالدالية من طريق الفرات، واجتمع إليه جماعة من الاعراب والمتلصصة، وانه قد عاث بتلك الناحية، وحارب أهلها، فخرج إليه الجند. ثم ورد الخبر أنه صار إلى طبرية، فامتنعوا من إدخاله، فحاربهم حتى دخلها فقتل عامة من بها من الرجال والنساء ونهبها وانصرف إلى ناحية البادية.
وفي شهر ربيع الآخر ورد الخبر بأن الداعية الذي بنواحي اليمن صار إلى مدينة صنعاء، فحاربه أهلها، فظفر بهم فقتلهم إلا القليل وتغلب على سائل مدن اليمن.
ثم نبغ قوم من القرامطة فنهبوا بلد هيت، وقتلوا خلقاً من أهلها، وأخذوا ما قدروا عليه من المال، وأوقروا ثلاثة آلاف راحلة، فبعث السلطان إليهم فتفرقوا، وجاءوا برأس رئيسهم فسلموا. ثم نبغ منهم آخرون وجرت لهم حروب، ودخلوا الكوفة حين انصرف الناس من صلاة عيد الأضحى وهم ثماني مائة فارس، ونادوا: يالثارات الحسين - يعنون الحسين بن زكرويه المصلوب على الجسر - وشعارهم يا أحمد يا محمد - يعنون المقتولين معه - وأظهروا الأعلام البيض، فقتلوا من أدركوا، وسلبوا، وبادر الناس إلى المدينة، فدخلوها ودخل من القرامطة خلفهم نحو من خمسمائة، فرماهم العوام بالحجارة وألقوا عليهم الستر فخرجوا بعد أن قتل منهم نحو من عشرين.
ونصب المقياس على دجلة من جانبيها طوله خمس وعشرون ذراعاً، على كل ذراع علامة مدورة، وعلى كل خمسة أذرع علامة مربعة، مكتوب عليها بحديدة علامة الأذرع تعرف بها مبالغ الزيادات.
وضمن محمد بن جعفر بادوريا بعشرة آلاف كر حنطة وشعير نصفان وبألف ألف وستمائة ألف درهم.
وحج بالناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك الهاشمي.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
عبد الله بن محمد أبو العباس الناشىء الشاعر الأنباري


أقام ببغداد مدة، وكان يقصد الرد على الشعراء والمنطقيين والعروضيين، فلم يلتفت إليه لشدة هوسه، فرحل إلى مصر فتوفي بها في هذه السنة وله شعر حسن.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا علي بن أبي علي لفظاً قال حدثنا محمد بن العباس الخزاز، قال: حدثني محمد بن خلف بن المرزبان، قال: اجتمع عندي أحمد بن أبي طاهر، والناشىء بن محمد، وآخر، فدعوت لهم مغنية فأخذ الناشىء رقعة، فكتب فيها.
فديتك لو أنهم أنصفوك ... لردوا النواظر عن ناظريك
تردين أعيننا عن سواك ... وهل تنظر العين إلا إليك
وهم جعلوك رقيباً علينا ... فمن ذا يكون رقيباً عليك
ألم يقرأوا ويحهم ما يرو ... ن من وحي حسنك في وجنتيك
قال: فشغفنا بالأبيات، فقال ابن أبي طاهر؛ أسنت والله وأجملت، قد والله حسدتك على هذه الأبيات والله لا جلست. وقام فخرج.
عبيد الله بن محمد بن خلف أبو محمد البزار صاحب أبي ثور الفقيه، سمع جماعة، وكان عنده فقه أبي ثور. وروى عنه أبو عمرو بن السماك، والخلدي. وكان ثقة وتوفي في رجب هذه السنة.
عبدان بن محمد بن عيسى أبو محمد المروزي سمع قتيبة، وابن راهويه. روى عنه عبد الباقي بن قانع، وأحمد بن كامل. وكان ثقة حافظاً عالماً زاهداً وتوفي في ليلة عرفة من هذه السنة.
عمر بن حفص أبو بكر السدوسي سمع عاصم بن علي، وكامل بن طلحة. روى عنه ابن صاعد، والخلدي. وكان ثقة. وتوفي في صفر هذه السنة.
محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن كامجر المعروف والده بإسحاق بن أبي إسرائيل: مروزي الأصل، سكن بغداد وكان يخضب بالحمرة، وتوفي في هذه السنة.
محمد بن جعفر بن سهل أبو أحمد الختلي حدث عن عبد الله بن أحمد بن عيسى الفسطاطي. روى عنه زكريا بن يحيى والد المعافى بن زكريا.
محمد بن جعفر بن محمد بن أعين، أبو بكر: نزل مصر وحدث بها عن أبي بكر شيبة وغيره. روى عنه الطبراني وكان ثقة.
وتوفي بمصر يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول وقيل توفي في جمادى الأولى من هذه السنة.
نصر بن أحد بن نصر بن عبد العزيز أبو محمد الكندي الحافظ المعروف بنصرك وكان أحد أئمة الحديث، وسمع خلقاً كثيراً، وكان قد أخذه إليه خالد بن أحمد الذهلي أمير بخارا وأقام عنده، وصنف له المسند، وقد روى عنه أبو العباس بن عقدة، وتوفي ببخارا في هذه السنة.
يحيى بن عبد الباقي بن يحيى بن يزيد أبو القاسم الثغري من أهل أذنة. قدم بغداد فحدث بها عن لوين وغيره. روى عنه ابن صاعد وابن المنادي وابن السماك، وأكثر الناس عنه الكتابة لثقته وضبطه وحفظه وتوفي بطرسوس في هذه السنة.
ثم دخلت
سنة أربع وتسعين ومائتين
فمن الحوادث فيها: أن القرامطة اعترضوا قافلة الحاج في طريق مكة بالعقبة فقتلوهم وسبوا من النساء ما أرادوا واحتووا على ما في القافلة، فأخذوا ما قيمته ألفي دينار، فلما ورد الخبر على السلطان أشخص أبا عبد الله محمد بن داود الهاشمي الكاتب إلى الكوفة لتسريح الجيوش منها إلى القرمطي لحربه فأعطى مالاً كثيراً ليفرقه في الجند ومعه محمد بن سعيد الأزرق كاتب الجيش، ثم صار القرمطي إلى الشقوق، فأقام بها بموضع يعرف بالطليح ينتظر القافلة الأخرى، فلما وافته لقيهم بالهبير فحاربوه يومهم إلى الليل، ثم انصرف عنهم، فلما أصبح عاودهم القتال، فلما كان في اليوم الثالث عطش أهل القافلة وهم على غير ماء فاقتتلوا ثم استسلموا، فوضع فيهم السيف فلم يفلت إلا اليسير منهم وأخذوا جميع ما في القافلة.
فأرسل السلطان من بني شيبان ألفين ومائتي فارس إلى القرمطي لحربه، وسار زكرويه إلى فيد وراسل أهلها فلم يظفر منهم بشيء، فتنحى إلى النباج، ثم إلى حفر أبي موسى، ثم أنهض المكتفي وصيف بن صوارتكين ومعه جماعة من القواد، فنفذوا من القادسية على طريق خفان فلقيهم وصيف يوم السبت لثمان بقين من ربيع الأول، فاقتتلوا يومهم فقتلوا منهم مقتلة عظيمة. وخلصوا إلى زكرويه فضرب بالسيف ضربة خالطت دماغه، وأسروا جماعة من أهله وأصحابه، وعاش خمسة أيام ثم مات، فشق بطنه وقدم به والأسارى فقتلوا.


وفي هذه السنة طلع كوكب الذنب من ناحية المغرب، وكثرت الأمطار حتى غرقت المنازل، واستتم المجلس المعروف بالتاج على دجلة بالقصر الحسني لسبع بقين من شعبان.
وحج بالناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
جعفر بن شعيب بن إبراهيم أبو محمد الشاشي سمع من يحيى بن أكثم، وغيره. قدم بغداد حاجاً وحدث بها فروي عنه إسماعيل بن علي الخطبي، وكان ثقة. وتوفي في هذه السنة. بالشاش.
الحسين بن الكميت بن البهلول بن عمر أبو علي الموصلي قدم بغداد وحدث بها عن غسان بن الربيع، وابن المديني. روى عنه ابن السماك، الخطبي، وكان ثقة. وتوفي في هذه السنة.
الحسين بن محمد بن حاتم بن يزيد بن علي بن مروان أبو علي المعروف بعبيد العجل وهو ابن بنت حاتم بن ميمون المعدل، سمع من خلق كثير. روى عنه أبو سهل بن زياد، وأبو بكر الشافعي وكان ثقة حافظاً متقناً، سكن قطيعة بن عيسى بن علي الهاشمي على دجلة، وكان من المتقدمين في حفظ المسند خاصة.
أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي، أخبرنا أبو سعد الماليني إجازة، قال: أخبرنا ابن عدي، قال: سمعت أحمد بن محمد بن سعيد، يقول: كنا نحضر مع عبيد عند الشيوخ وهو شاب فينتخب لنا، فإذا أخذ الكتاب في يده طار ما في رأسه، فنكلمه فلا يجيبنا، فإذا خرجنا قلنا له: كلمناك فلم تجبنا. قال: إذا أخذت الكتاب بيدي يطير ما في رأسي، فيمر بي حديث الصحابي، فكيف أجيبكم وأنا أحتاج أفكر في مسند ذلك الصحابي من أوله إلى آخره، هل الحديث فيه أم لا ؟ وإن لم أفعل ذلك خفت أن أزل في الانتخاب وأنتم شياطين قد قعدتم حولي تقولون لم أنتخبت لنا هذا وهذا حدثناه فلان ؟ أو كما قال.
توفي عبيد في صفر هذه السنة.
صالح بن محمد بن عمرو بن حبيب أبو علي الأسدي مولى أسد بن خزيمة: ولد بالكوفة سنة عشر ومائتين، ولقي المشايخ بالشام ومصر وخراسان، وانتقل عن بغداد فسكن بخارا، وكان قد سمع من علي بن الجعد، وخالد بن خداش، وأبي نصر التمار، وهدبة، وابن المديني، وغيرهم. وكان صدوقاً أميناً من الحفاظ الثقات، وكان يلقب جزرة وكان السبب أنه قرأ على بعض المشايخ في حداثته كان لأبي أمامة خرزة يرقي بها المريض، فصحف فقال: جزرة بذلك. وتوفي ببخارا في هذه السنة وقيل: في سنة ثلاث.
محمد بن عيسى بن محمد بن عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب أبو علي الهاشمي المعروف بالبياضي حدث عنه ابن الأنباري، وابن مقسم. وكان ثقة، وليس بمنسوب إلى بني بياضة فإن أولئك من الأنصار، وإنما سمي البياضي لأنه حضر يوماً مجلس الخليفة، وكان أهل المجلس عليهم السواد، وكان لباسه أبيض، فقال الخليفة: من ذلك البياضي ؟ فثبت ذلك الاسم عليه. وقتله القرامطة في هذه السنة.
محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مخلد أبو الحسن المروزي المعروف بابن راهويه ولد بمرو، ونشأ بنيسابور، وسافر البلاد، وسمع من أبيه، وأحمد بن حنبل، والمشايخ. وحدث ببغداد، فروى عنه محمد بن مخلد الدوري، وإسماعيل بن علي الخطبي، وعبد الباقي بن قانع، وغيرهم. وكان عالماً بالفقه، مستقيم الحديث جميل الطريقة.
ويقال إنه مات بمرو، وليس بصحيح وإنما الصواب ما أخبرنا به عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، أخبرنا أبو عبد الله بن محمد بن عبد الواحد، حدثنا محمد بن العباس، قال: قرئ على ابن المنادي وأنا أسمع، قال: محمد بن: إسحاق بن راهويه قتلته القرامطة مرجعه من الحج سنة أربع وتسعين ومائتين، وقد كنا سمعنا منه إذ كان بمدينتنا: محمد بن إسحاق بن أبي إسحاق أبو العباس الصفار سمع سريج بن يونس، وغيره وذكره الدارقطني فقال: ثقة.
محمد بن الحسن أبو الحسين صاحب النرسي خوارزمي الأصل، حدث عن علي بن الجعد، وأبي نصر التمار، ويحيى، وأحمد، وابن المديني، وغيرهم، وفي حديثه لين. توفي بالموصل في هذه السنة.
محمد بن الحسن بن الفرج أبو بكر الهمداني المعدل قدم بغداد وحدث بها عن عبد الحميد بن عصام وغيره. روى عنه جعفر الخلدي، وأبو بكر الشافعي، والجعابي، وهو صدوق.
محمد بن نصر أبو عبد الله المروزي الفقيه


ولد ببغداد، ونشأ بنيسابور، واستوطن سمرقند، وكان أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم في الأحكام، ورحل إلى الأمصار في طلب العلم. سمع يحيى بن يحيى، وابن راهويه، وهدبة، وخلقاً كثيراً من أهل خراسان والعراق والحجاز والشام ومصر، وصنف التصانيف الكثيرة.
أنبأنا زاهر بن طاهر، قال: أنبأنا أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، قال أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم، قال سمعت أبا محمد عبد الله بن محمد الثقفي يقول: سمعت جدي يقول: جالست أبا عبد الله محمد بن نصر المروزي أربع سنين فلم أسمعه طول تلك المدة يتكلم في غير العلم.
قال الحاكم: وسمعت أبا عبد الله محمد بن العباس الضبي، يقول: سمعت أبا الفضل بن إسحاق بن محمود يقول: كان أبو عبد الله المروزي يتمنى على كبر سنه أن يولد له ابن فكنا عنده يوماً من الأيام، فتقدم إليه رجل من أصحابه فساره في إذنه بشيء فرفع أبو عبد الله يديه فقال: " الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل " . ثم مسح وجهه بباطن كفيه ورجع إلى ما كان فيه فرأينا أنه استعمل في تلك الكلمة الواحدة ثلاث سنن: إحداها أنه سمى الولد، والثانية أنه حمد الله تعالى على الموهبة، والثالثة: أنه سماه إسماعيل لأنه ولد على كبر سنه، وقد قال الله عز وجل: " أولئك الذين هدى اللّه فبهداهم اقتده " .
قال الحاكم: سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ، يقول: ما رأيت أحسن صلاة من أبي عبد الله محمد بن نصر، وكان يقرأ وكان الذباب يقع على أذنه، فيسيل الدم، فلا يذبه عن نفسه، ولقد كنا نتعجب من حسن صلاته وخشوعه وهيئته في الصلاة كان يضع ذقنه على صدره وينتصب كأنه خشبة منصوبة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا محمد بن العباس الخزاز أخبرنا أبو عمرو عثمان بن جعفر بن اللبان، قال: حدثني محمد بن نصر، قال: خرجت من مصر، ومعي جارية لي فركبت البحر أريد مكة فغرقت وذهبت مني ألفا جزء، وصرت إلى جزيرة أنا وجاريتي قال: فما رأينا فيها أحداً، قال: وأخذني العطش فلم أقدر على الماء واجهدت فوضعت رأسي على فخذ جاريتي مستسلماً للموت، فإذا رجل قد جاءني ومعه كوز، فقال لي: هاه، فأخذت وشربت وسقيت الجارية ثم مضى، فما أدري من أين جاء ولا أين ذهب.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، قال: حدثني أبو الفرج محمد بن عبيد الله الخرجوشي، قال: سمعت أحمد بن منصور الشيرازي، يقول: سمعت أحمد بن إسحاق بن أيوب الفقيه، يقول: سمعت محمد بن عبد الوهاب الثقفي، يقول: كان إسماعيل بن أحمد الساماني والي خراسان يصل محمد بن نصر المروزي في كل سنة بأربعة آلاف درهم، ويصله أخوه إسحاق بن أحمد بأربعة آلاف درهم، ويصله أهل سمرقند بأربعة آلاف درهم، وكان ينفقها من السنة إلى السنة من غير أن يكون له عيال فقلت له: لعل هؤلاء القوم الذين يصلونك يبدولهم، فلو جمعت من هذا شيئاً لنائبة، فقال: سبحان الله، أنا بقيت بمصر كذا وكذا سنة فكان قوتي وثيابي وكاغدي وحبري وجميع ما أنفقه على نفسي في السنة عشرين درهماً فترى إن ذهب هذا لا يبقى ذاك.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الحافظ، قال: أخبرنا أبو الوليد الحسن بن محمد الدربندي، أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان الحافظ، قال: سمعت أبا صخر محمد بن مالك السعدي، يقول: سمعت أبا الفضل محمد بن عبيد الله، يقول: سمعت الأمير أبا إبراهيم إسماعيل بن أحمد، يقول: كنت بسمرقند فجلست يوماً للمظالم وجلس أخي إسحاق إلى جنبي إذ دخل أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي فقمت له إجلالاً لعلمه، فلما خرج عاتبني أخي إسحاق، وقال: أنت والي خراسان يدخل عليك رجل من رعيتك فتقوم إليه وبهذا ذهاب السياسة. فبت تلك الليلة وأنا متقسم القلب لذلك ورأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام كأني واقف مع أخي إسحاق، إذ أقبل النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بعضدي، وقال لي: يا إسماعيل ! ثبت الله ملكك وملك بنيك ! بإجلالك محمد بن نصر، ثم التفت إلى إسحاق، فقال: ذهب ملك إسحاق وملك بنيه باستخفافه بمحمد بن نصر.
استوطن محمد بن نصر نيسابور بعد مدة، وكان مفتيها، واشتغل بالعبادة، ثم خرج إلى سمرقند فتوفي بها في محرم هذه السنة.


موسى بن هارون بن عبد الله أبو عمران ويعرف والده بالجمال. ولد سنة أربع عشرة ومائتين، وسمع أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين وغيرهما. وروى عنه أكابر المحدثين والحفاظ، وكان إمام أهل عصره وعلامة وقته في الحفظ والمعرفة بالرجال والإتقان، وكان ثقة صدوقاً شديد الورع، عظيم الهيبة، وتوفي في شعبان هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب، قال: سمعت الصوري، يقول: سمعت عبد الغني بن سعيد، يقول: أحسن الناس كلاماً على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن المديني في وقته، وموسى بن هارون في وقته، وعلي بن عمر الدارقطني في وقته، أعني موسى بن هارون هذا الذي نحن في ذكره.
قال الخطيب: ولقد سمعت أكثر مشايخنا يصفونه بالورع العظيم، والزهد، والتقوى، والدين، والطريقة الحسنة، والمنهاج المستقيم. والله أعلم.
ثم دخلت
سنة خمس وتسعين ومائتين
فمن الحوادث فيها: المفاداة بين المسلمين والروم أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت الخطيب، قال: فودي من الرجال والنساء في سنة خمس وتسعين ومائتين ثلاثة آلاف نفس.
وفي ذي القعدة من هذه السنة توفي المكتفي بالله، وبويع المقتدر بالله.
ذكر خلافة المقتدر بالله
اسمه جعفر بن المعتضد بالله، ويكنى أبا الفضل، وأمه أم ولد يقال لها شغب أدركت خلافته وسميت السيدة، وكانت لأم القاسم بنت محمد بن عبد الله بن طاهر فاشتراها منها المعتضد.
ولد ليلة الجمعة لثمان بقين من رمضان سنة اثنتين وثمانين ومائتين، وقيل: ولد يوم الجمعة وكان ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير، جميل الوجه، أبيض مشرباً بالحمرة، حسن الخلق، حسن العينين، بعيد ما بين المنكبين، جعد الشعر، مدور الوجه، كثير الشيب في رأسه، أخذ في عارضيه أخذاً كثيراً.
ذكر بيعة المقتدر ولما اشتدت علة المكتفي في ذي القعدة سنة خمس وتسعين، سأل عن أخيه أبي الفضل جعفر، فصح عنده أنه بالغ فأحضر في يوم، الجمعة لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي القعدة القضاة فأشهدهم أنه قد جعل العهد إليه، وبويع بالخلافة بعد وفاة المكتفي سحر يوم الأحد لأربع عشرة ليلة خلت من ذي القعدة من هذه السنة. ولما أراد الجلوس للبيعة صلى أربع ركعات، وما زال يرفع صوته بالدعاء والاستخارة فبويع ولقب المقتدر بالله وهو ابن ثلاث عشرة سنة وشهر واحد وعشرين يوماً ولم يكن ولي الخلافة قبله أحد أصغر منه.
أنبأنا جماعة من مشايخنا، عن أبي منصور بن عبد العزيز، قال: بلغ المقتدر في شعبان قبل جلوسه في الخلافة بثلاثة أشهر، وكان في بيت مال الخاصة خمسة عشر ألف ألف دينار وفي بيت مال العامة ستمائة ألف دينار، ومن غير ذلك ما يتمم عشرين ألف ألف دينار، ومن الفرش والآلة والجوهر ما يزيد قيمته على الكل، واستوزر المقتدر جماعة منهم: أبو أحمد العباس بن الحسن بقي في وزارته أربعة أشهر وسبعة أيام وقتل، وأبو الحسن علي بن محمد بن الفرات بقي ثلاث سنين وثمانية أشهر وثلاثة وعشرين يوماً، ثم قبض عليه وحبس، ثم أعيد إلى الوزارة فبقي سنة وخمسة أشهر وسبعة عشر يوماً، ثم قبض عليه، ثم أعيد دفعة ثالثة فبقي عشرة أشهر وثمانية عشر يوماً، ثم قبض عليه وقتل.


واستوزر بعد مديدة أبو علي محمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان، بقي سنة وشهراً وخمسة أيام، وقبض عليه. وبعده أبو الحسن علي بن عيسى بن داود بن الجراح بقي ثلاث سنين وعشرة أشهر وثمانية عشر يوماً، وقبض عليه، ثم أعيد فبقي سنة وأربعة أشهر ويومين وقبض عليه، وبعده أبو محمد حامد بن العباس بقي أربع سنين وعشرة أشهر وأربعة وعشرين يوماً، ثم قبض عليه وقتل، وبعده أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان بقي سنة وستة أشهر ويومين، ثم قبض عليه، وبعده أبو العباس أحمد بن عبيد الله بن أحمد الخصيب بقي سنة وشهرين وقبض عليه. وبعده أبو علي محمد بن علي بن مقلة بقي سنتين وأربعة أشهر وثلاثة أيام وقبض عليه. وبعده أبو القاسم عبد الله بن محمد الكلواذي بقي شهرين وثلاثة أيام وقبض عليه وبعده أبو القاسم سليمان بن الحسن بن مخلد بقي سنة وشهرين وتسعة أيام وقبض عليه وبعده أبو علي الحسين بن القاسم بن عبيد الله بقي سبعة أشهر وقبض عليه. وبعده أبو الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات بقي خمسة أشهر وتسعة وعشرين يوماً وقتل المقتدر بالله فاستتر الفضل.
وكان للمقتدر ستة حجاب، سوسن مولى المكتفي، ثم نصر القشوري، ثم أحمد بن نصر القشوري، ثم ياقوت، ثم محمد وإبراهيم ابنا رائق.
وكان أطباؤه سنان بن ثابت، وبختيشوع بن يحيى: ورد المقتدر رسوم الخلافة إلى ما كانت عليه من التوسع في الطعام والوظائف، وفرق في بني هاشم عشرة آلاف دينار، وتصدق في سائر الناس بمثلها، وأضعف لبني هاشم أرزاقهم. وفرق في يوم التروية ويوم عرفة من البقر والغنم ثلاثين ألف رأس، ومن الإبل ألف رأس، وأطلق أهل الحبوس الذين يجوز إطلاقهم، وأمر محمد بن يوسف القاضي أن ينظر في أمور سائر الناس، وكانت قد بنيت أبنية في الرحبة دخلها في كل شهر ألف دينار فأمر بنقضها ليوسع على المسلمين.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي، قال: خلع المقتدر في زمان خلافته مرتين وأعيد، فأما المرة الأولى فكانت بعد استخلافه بأربعة أشهر وسبعة أيام، وذلك عند قتل العباس بن الحسن الوزير وفاتك مولى المعتضد، واجتماع أكثر الناس ببغداد على البيعة لأبي العباس عبد الله بن المعتز ولقبوه المرتضي بالله، وخلع المقتدر واحتجوا في ذلك بصغر سنه وقصوره عن بلوغ الحكم، ونصبوا ابن المعتز يوم السبت لعشر بقين من ربيع الأول سنة ست وتسعين وسلموا عليه بإمرة المؤمنين ثم بايعوا له بالخلافة، ثم فسد الأمر وبطل من الغد وثبت أمر المقتدر بالله، وجددت له البيعة الثانية في يوم الاثنين، فظفر بعبد الله بن المعتز فقتل وقتل جماعة ممن سعى في أمره، والمرة الثانية في الخلع: بعد إحدى وعشرين سنة وشهرين ويومين من خلافته، اجتمع القواد والجند والأكابر والأصاغر مع مؤنس الخادم ونازوك على خلعه فقهروه وخلعوه، وطالبوه بأن يكتب رقعة بخطه بخلع نفسه، ففعل وأشهد على نفسه بذلك، وأحضروا محمد بن المعتضد بالله فنصبوه وسموه القاهر بالله وسلموا عليه بإمرة المؤمنين، وذلك يوم السبت للنصف من المحرم سنة سبع عشرة وثلثمائة، فأقام على ذلك يوم السبت ويوم الأحد، فلما كان يوم الإثنين اختلف الجند وتغير رأيهم ووثب طائفة منهم على نازوك وعبد الله بن حمدان المكنى بأبي الهيجاء فقتلوهما وأقيم القاهر من مجلس الخلافة وأعيد المقتدر بالله إلى داره، وجددت له بيعة، وكان قد تبرأ من الأمر يومين وبعض الثالث ولم يكن وقع للقاهر بيعة في رقاب الناس.
؟ذكر طرف من سيرة المقتدر بالله كان سخياً جواداً، وكان يصرف إلى الحرمين وفي طريقهما في كل سنة ثلثمائة ألف وخمسة عشر ألفاً وأربعمائة وستة وعشرين ديناراً وكان يجري على القضاة في الممالك ستة وخمسين ألفاً، وخمسمائة وتسعة وستين ديناراً. وكان يجري على من يتولى الحسبة والمظالم في جميع البلاد أربعمائة وثلاثين ألفاً وأربعمائة وتسعة وثلاثين ديناراً. وعلى أصحاب البريد تسعة وسبعين ألفاً وأربعمائة ديناراً، وكان يصوم كثيراً، ويتنقل بالصلاة كثيراً، وكان في داره عشرة آلاف خادم خصي غير الصقالبة والروم والسودان، وكان مجمله وافراً، ولما بعث ملك الروم رسوله زين الدار والبلد وسنذكر ما جرى في سنة خمس وثلثمائة.


وكان جواهر الأكاسر وغيرهم من الملوك قد صارت إلى بني أمية، ثم صارت إلى السفاح، ثم إلى المنصور، واشترى المهدي الفص المعروف بالجبل بثلثمائة ألف دينار واشترى الرشيد جوهره بألف ألف دينار، ولم يزل الخلفاء يحفظون ذلك إلى أن آلت الخلافة إلى المقتدر، وهناك ما لم ير مثله، وفيه الدرة اليتيمة زنتها ثلاثة مثاقيل، فبسط فيه المقتدر يده ووهب بعضه لصافي الحرمي ووجه منه إلى وزيره العباس فرده، وقال: هذا الجوهر عدة الخلافة ولا يصلح أن يفرق؛ وكانت زيدان القهرمانة متمكنة من الجوهر، فأخذت سبحة لم ير مثلها وكان يضرب بها المثل، فيقال: سبحة زيدان، فلما وزر علي بن عيسى قال للمقتدر: ما فعلت سبحة جوهر قيمتها ثلاثون ألف دينار أخذت من ابن الجصاص ؟ فقال: في الخزانة فقال: تطلب، فطلبت فلم توجد فأخرجه من كمه، وقال: إذا كانت خزانة الجوهر لا تحفظ فما الذي يحفظ ؟ وقال: عرضت علي فاشتريتها، فاشتد ذلك على المقتدر، ثم امتدت يد الخزانة في أيام القاهر والراضي إلى خزائن الجوهر فلم يبق منه شيء.


أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي، قال: أخبرنا علي بن المحسن، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا أبو علي الحسين بن محمد الأنباري، قال: سمعت دلويه الكاتب يحكي عن صافي الحرمي مولى المعتضد، قال: مشيت يوماً بين يدي المعتضد وهو يريد دور الحرم، فلما بلغ إلى باب شغب أم المقتدر وقف يتسمع ويطلع من خلل في الستر، فإذا هو بالمقتدر وله إذ ذاك خمس سنين أو نحوها، وهو جالس وحواليه مقدار عشر وصائف من أقرانه في السن، وبين يديه طبق فيه عنقود عنب في وقت العنب فيه عزيز جداً، والصبي يأكل عنبة واحدة، ثم يطعم الجماعة عنبة عنبة على الدور حتى إذا بلغ الدور إليه أكل واحدة مثل ما أكلوا حتى فرغ العنقود، والمعتضد يتميز غيظاً فرجع ولم يدخل الدار ورأيته مهموماً فقلت له: يا مولاي ما سبب ما فعلته وما قد بان عليك ؟ فقال: والله يا صافي، لولا النار والعار لقتلت هذا الصبي اليوم فإن في قتله صلاحاً للامة. فقلت: يا مولاي حاشاه أي شيء ؟ أعيذك بالله يا مولاي العن إبليس ! فقال: ويحك أنا أبصر بما أقول، أنا رجل قد سست الأمور وأصلحت الدنيا بعد فساد شديد، ولابد من موتي، وأعلم أن الناس بعدي لا يختارون غير ولدي وسيجلسون ابني علياً - يعني المكتفي - وما أظن عمره يطول للعلة التي به - يعني الخنازير التي كانت في حلقه - فيتلف عن قريب ولا يرى الناس اخراجها عن ولدي ولا يجدون بعده أكبر من جعفر فيجلسونه وهو صبي، وله من الطبع في السخاء هذا الذي قد رأيت من أنه يطعم الصبيان مثل ما أكل، وساوى بينه وبينهم في شيء عزيز في العالم، والشح على مثله في طباع الصبيان فتحتوي عليه النساء لقرب عهده بهن، فيقسم ما جمعته من الأموال كما قسم العنب، ويبذر ارتفاع الدنيا ويخرجها وتضيع الثغور وتنتشر الأمور، وتخرج الخوارج، وتحدث الأسباب التي يكون فيها زوال الملك عن بني العباس أصلاً ! فقلت: يا مولاي بل يبقيك الله حتى ينشأ في حياة منك ويصير كهلاً في أيامك ويتأدب بآدابك ويتخلق بخلقك ولا يكون هذا الذي ظننت؛ فقال: احفظ عني ما أقول فإنه كما قلت، قال: ومكث يومه مهموماً، وضرب الدهر ضربه، ومات المعتضد، وولي المكتفي، فلم يطل عمره ومات وولي المقتدر فكانت الصورة كما قال المعتضد بعينها، فكنت كلما وقفت على رأس المقتدر ورأيته قد دعا بالأموال فأخرجت إليه وفرقها على الجواري ولعب بها ومحقها ذكرت مولاي المعتضد وبكيت، وكنت يوماً واقفاً على رأس المعتضد، فقال: هاتوا فلاناً الطيبي - خادم يلي خزانة الطيب - فأحضر فقال له: كم عندك من الغالية ؟ فقال: نيف وستون حباً صينياً مما عمله عدة من الخلفاء، قال: فأيها الطيب ؟ قال: ما عمله الواثق، قال: أحضرينه، فأحضره حباً عظيماً تحمله عدة خدم بدهق، ففتح فإذا بغالية قد ابيضت من التعشيب، وجمدت من العتق في نهاية الذكاء، فأعجبت المعتضد وأهوى بيده إلى حوالي عنق الحب، فأخذ من لطاخته شيئاً يسيراً من غير أن يشعث رأس الحب وجعله في لحيته، وقال: ما تسمح نفسي تطريق التشعيث على هذا الحب، ارفعوه، فرفع فمضت الأيام، فجلس المكتفي يوماً وهو خليفة فطلب غالية فاستدعى الخادم وسأله عن الغوالي فأخبره بما كان أخبر به أباه، فاستدعى غالية الواثق فجاءه بالحب بعينه ففتح فاستطابه، وقال: أخرجوا منه قليلاً ! فأخرج مقدار ثلاثين أو أربعين درهماً فاستعمل منه في الحال ما أراده، ودعا بعتيدة له فجعل الباقي فيها ليستعمله على الأيام، وأمر بالحب فختم بحضرته ورفع، ومضت الأيام وولي المقتدر الخلافة، وجلس يوماً مع الجواري، وكنت على رأسه فأراد أن يتطيب فاستدعى الخادم، وسأله فأخبره مثل ما أخبر به أباه وأخاه، فقال: هات الغوالي كلها فأحضرها الحباب كلها فجعل يخرج من كل حب مائة مثقال وخمسين وأقل وأكثر فيقسمه ويفرقه عل من بحضرته حتى انتهى إلى حب الواثق فاستطابه فقال: هاتوا عتيدة حتى نخرج إليها ما نستعمله، فجاءوا بعتيدة فكانت عتيدة المكتفي بعينها، فرأى الحب ناقصاً والعتيدة فيها شيء، فقال: ما السبب في هذا ؟ فأخبرته بالخبر على شرحه فأخذ يعجب من بخل الرجلين، ويضع منهما بذلك، ثم قال: فرقوا الحب بأسره على الجواري ؟! فما زال يخرج أرطالاً وأنا أتمزق غيظاً وأذكر حديث العنب وكلام المعتضد إلى أن مضى قريب من نصف الحب فقلت له: يا مولاي


! هذه الغالية أطيب الغوالي وأعتقها وما لا يعتاض منه، فلو تركت ما بقي منها لنفسك وفرقت من غيرها كان أولى؛ وجرت دموعي لما ذكرته من كلام المعتضد، فاستحيا مني ورفع الحب فما مضت إلا سنين من خلافته حتى فنيت تلك الغوالي واحتاج إلى عجن غالية بمال عظيم.! هذه الغالية أطيب الغوالي وأعتقها وما لا يعتاض منه، فلو تركت ما بقي منها لنفسك وفرقت من غيرها كان أولى؛ وجرت دموعي لما ذكرته من كلام المعتضد، فاستحيا مني ورفع الحب فما مضت إلا سنين من خلافته حتى فنيت تلك الغوالي واحتاج إلى عجن غالية بمال عظيم.
أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا علي بن أبي البصري، قال: أخبرني أبي، قال: أخبرنا أبو منصور القشوري، قال: كنت أخدم وأنا حدث في دار نصر بن القشوري المرسومة بالحجبة من دار المقتدر بالله، فركب المقتدر يوماً على غفلة وعبر إلى البستان المعروف بالزبيدية في نفر من الخدم والغلمان، وأنا مشاهد لذلك، وتشاغل أصحاب الموائد والطباخون بحمل الآلات والطعام وتعبيتها في الجون، فأبطأت وعجل هو في طلب الطعام، فقيل له: لم يحمل بعد؛ فقال: انظروا ما كان ! فخرج الخدم كالمتحيرين ليس يجسرون أن يعودوا فيقولوا ما جاء شيء، فسمعهم رئيس الملاحين بالطيار فقال: إن كان ينشط مولانا لأكل طعام الملاحين، فمعي ما يكفيه؛ فمضوا فقالوا له فقال: هاتوا ما معه؛ فأخرج من تحت صدر الطيار جونة مليحة خيارزة لطيفة، فيها جدي بارد وسكباج مبردة، وبزماورد وإدام وقطعة مالح ممقور طيبة، وأرغفة سميذ جيدة، وكل ذلك لطيف، وإذا هي جونة تعمل في منزله كل يوم، وتحمل إليه فيأكلها في موضعه من الطيار، ويلازم الخدمة، فلما حملت إلى المقتدر استنظفها فأكل منها واستطاب المالح والإدام، فكان أكثر أكله منه، ولحقته الأطعمة من مطبخه، فقال: ما آكل اليوم إلا من طعام جعفر الملاح ! فأتم أكله منه، وأمر بتفرقة طعامه على من حضر، ثم قال: قولوا له هات الحلواء ! فقال: نحن لا نعرف الحلوى ! فقال المقتدر: ما ظننت أن في الدنيا من يأكل طعاماً لا حلواء بعده ! فقال الملاح: حلوانا التمر والكسب فإن تشأ أحضرته، فقال: لا هذا حلوى صعب لا أطيقه، فأحضرونا من حلوائنا، فأحضرت عدة جامات فأكل ثم قال لصاحب المائدة: اعمل في كل يوم جونة تنفق عليها ما بين عشرة دنانير إلى مائتي درهم وسلمها إلى جعفر الملاح تكون برسم الطيار ابداً فإن ركبت يوماً على غفلة كما ركبت اليوم كانت معدة، وإن جاء المغرب ولم أركب كانت لجعفر، قال: فعملت إلى أن قتل المقتدر وكان جعفر يأخذها فربما حاسب عليها الأيام وأخذها دراهم وما ركب المقتدر بعدها على غفلة ولا احتاج إليها.


أنبأنا محمد بن طاهر، قال: أنبأنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، عن أبيه، قال: حدثني أبو الفتح أحمد بن علي بن هارون قال: قال: حدثني أبي، قال: كان ابن عمي أبو القاسم يوسف بن يحيى بن علي حسن الإقبال محظوظاً، وكانت له داية تسمى نظم فخدمت السيدة المقتدر وخصصت بها حتى صارت إحدى قهارمتها التي تجري على يديها الصغير والكبير فرفعت أبا القاسم وانتهت به إلى أسنى الأرزاق وأوسع الأحوال، وأخرجت له الصلات حتى تأثلت حاله بذلك وصار صاحب عشرات ألوف دنانير، وخلطته بخدمة السيدة، فعزم أبو القاسم على تطهير ابنه فانفق في وليمته ما لم يسمع بمثله حتى أفردت عدة دور للحيوان، وعدة دور للفاكهة، وانفق ألوف دنانير وبلغ نظم خبره، فجاءته من عنده السيدة بأموال عظيمة معونة له على التطهير، وحملت له من عندها من الفرش والآنية والثياب والمخروط بألوف فلما مضت أيام قالت لها: يا نظم ! أيش خبر طهر ابن يوسف ؟ قالت: يا ستي قد بقيت عليه أشياء يريدها؛ فقالت: خذي ما تريدين واحمليه إليه، فجاءت نظم إليه فقالت: إن كان قد بقي في نفسك شيء فعرفني فقال لها: الطهر غداً ما بقي في نفسي شيء إلا وقد بلغته لك، وقد بقي في نفسي شيء لست أجسر على مسألته، فقالت: قل ما في نفسك، فإن أمكن وإلا فليس يضرك، فقال: أشتهى أن أعار القرية الفضية التي عملت لأمير المؤمنين ليراها الناس في داري ويشاهدوا ما لم يشاهدوا مثله فيعلموا ما محلي من الاختصاص والعناية؛ فوجمت وقالت: هذا شيء عمله الخليفة لنفسه ! ومقداره عظيم، وفي هذه القرية مائتا ألوف دراهم، ولا أحسب جاهي يبلغ إليها، وكيف يستعار من خليفة شيء ! أو متى ! سمع بخليفة يعير، ولكن أنا أسأل السيدة في هذا، فإن كان مما يجوز وإلا عرفتك. ومضت فلما كان من الليل جاءتني وقالت: إن إقبالك قد بلغ إلى أن يحب أن تحمد الله عليه ! فقلت: ما الخبر ؟ فقالت: كل ما تحب ! قد جئتك بالقرية هبة لا عارية وجئتك معها بصلة ابتدأ لك بها أمير المؤمنين من غير مسألة أحد؛ فقلت: ما الخبر ؟ قالت: مضيت وأنا منكسرة القلب آيسة من أن يتم هذا، فدخلت على هيئتي تلك على السيدة فقالت: من أين ؟ قلت: من عند عبدك يوسف، وهو على أن يطهر ابنه غداً؛ قالت: أراك منكسرة، قلت: ببقائك ما أنا منكسرة؛ قالت: ففي وجهك حديث؛ فقلت: خير؛ قالت: بحياتي ما ذاك ؟ قلت: قد شكر ما عومل به ودعا وقال: أبي كنت أحب أن أتشرف بما لم يتشرف به أحد قبلي، ليعلم موضعي من الخدمة؛ قالت: وما هو ؟ قلت: يسأل أن يعار القرية ليتجمل بها ويردها من غد فأمسكت، ثم قالت: وما هو ؟ قلت: يسأل أن يعار القرية ليتجمل بها ويردها من غد فأمسكت، ثم قالت: هذا شيء عمله الخليفة لنفسه كيف يحسن أن يرى في دار غيره ؟ وكيف يحسن أن يقال أن الخليفة استعار منه بعض خدمه شيئاً ثم استرده منه ؟ وهذا فضيحة ! كيف يجوز أن أسأله هبتها له لأني لا أدري قد ملها وشبع منها أم لا؛ فإن كان قد ملها فقيمتها عليه أهون من أن يفكر في ثمنها وإن كان لم يملها لم آمن أن أفجعه بها وسأسبر ما عنده في هذا ! ثم دعت بجارية، فقالت: أعرفوا خبر الخليفة، فقيل لها: هو عند فلانة، فقالت: تعالي معي، فقامت وأنا معها وعدة جوار حتى دخلت، وكانت عادته إذا رآها أن يقوم لها قائماً ويعانقها ويقبل رأسها ويجلسها معه في دسته، قالت: فحين رآها قام وأجلسها معه، وقال لها: يا ستي - وهكذا كان يخاطبها - ليس هذا من أوقات تفضلك وزيارتك فقال: ليس من أوقاتي ثم حدثته ساعة، وقالت: يا نظم متى عزم ابنك يوسف على تطهير ابنه ؟ قلت: غداً يا ستي، فقال الخليفة: يا ستي إن ان يحتاج إلى شيء آخر أمرت به، فقالت: هو مستكف داع، ولكن قد التمس شيئاً ما أستحسن خطابك فيه، قال: أريد أن أشرف على أهل المملكة كلهم ويرى عندي ما لم ير في العالم مثله ! قال: وما هو ؟ قالت: يا سيدي يلتمس أن تعيره القرية، فإذا رآها الناس عنده ارتجعت، فقال: يا ستي هذا والله ظريف، يستعير خادم لنا شيئاً، وتكونين أنت شفيعه فأعيره ثم أرتجعه هذا من عمل العوام لا الخلفاء، ولكن إذا كان محله من رأيك هذا حتى قد حملت على نفسك بخطابي فيه وتجشمت زيارتي وأنا أعلم أنه ليس من أوقات زيارتك، فقد وهبت له القرية فمري بحملها بجميع آلاتها إليه وقد رأيت أن أشرفه بشيء آخر؛ قالت: وما هو؟ قال يحمل إليه


غداً جميع وظائفنا ولا يطبخ لنا شيء البتة، بل يوفر عليه ويؤخذ لنا سمك طري فقط؛ فأمرت بنقل القرية وقالت: قولي ليوسف ما تصنع بالوظيفة ؟ فقال والله ما أحتاج إلى ملح إلا وقد حصلته، فإن حملت إلي لم أنتفع بها ! فخذي لي ثمنها من الوكلاء؛ فأخذت وكان مبلغ ذلك ألف وستمائة دينار وهي وظيفة كل يوم، وقالت اقتصر الخليفة لأجلك اليوم على السمك فاشتري له سمك بثلثمائة دينار، وكانت القرية على صفة قرية مثال البقر والغنم والجمال والجواميس والأشجار والنبات والمساحي والناس وكل ما يكون في القرى. جميع وظائفنا ولا يطبخ لنا شيء البتة، بل يوفر عليه ويؤخذ لنا سمك طري فقط؛ فأمرت بنقل القرية وقالت: قولي ليوسف ما تصنع بالوظيفة ؟ فقال والله ما أحتاج إلى ملح إلا وقد حصلته، فإن حملت إلي لم أنتفع بها ! فخذي لي ثمنها من الوكلاء؛ فأخذت وكان مبلغ ذلك ألف وستمائة دينار وهي وظيفة كل يوم، وقالت اقتصر الخليفة لأجلك اليوم على السمك فاشتري له سمك بثلثمائة دينار، وكانت القرية على صفة قرية مثال البقر والغنم والجمال والجواميس والأشجار والنبات والمساحي والناس وكل ما يكون في القرى.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
إبراهيم بن محمد بن نوح بن عبد الله أبو إسحاق المزكي الحافظ الزاهد: إمام عصره بنيسابور في معرفة الحديث والرجال والعلل، وسمع خلقاً كثيراً، ودخل على أحمد بن حنبل، وذاكره وكان مجلسه مهيباً، وقيل: أنه كان مجاب الدعوة، وكان لا يملك من الدنيا إلا الدار التي يسكنها، وحانوتاً يستغل منه كل شهر سبعة عشر درهماً يتقوت بها، ولا يقل من أحد شيئاً. وكان يشتري له الجزر، فيطبخ بالخل فيتأدم به طول الشتاء. وكان يقول: خالف الناس الأسود بن يزيد في زوج بريرة، فقال: أنه كان حراً وقال الناس: أنه كان عبداً. وقال: كل من روى عنه رجلان من أهل العلم ارتفعت عنه الجهالة، وكل من لا يروي عنه إلا رجل واحد فهو مجهول. وقال أبو علي الحسين بن علي الحافظ: لم تر عيناي مثل إبراهيم بن محمد.
وتوفي في رجب هذه السنة.
أحمد بن محمد أبو الحسين النوري وقد قيل أنه محمد بن محمد والأول أصح. وكان يعرف بابن البغوي، وكان أصله من خراسان من ناحية بغ. حدث عن سري السقطي.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، حدثنا عبد العزيز بن علي، قال: سمعت علي بن عبد الله بن جهضم، يقول: حدثني عبد الكريم بن أحمد البيع قال: قال أبو أحمد المغازلي: ما رأيت أحداً قط أعبد من النوري، فقيل: ولا جنيد ؟ قال: ولا جنيد.
قال عبد الكريم: ثم حدثني أبو جعفر الفرغاني، قال: مكث أبو الحسين النوري عشرين سنة يأخذ من بيته رغيفين ويخرج ليمضي إلى السوق فيتصدق بالرغيفين ويدخل المسجد فلا يزال يركع حتى يجيء وقت سوقه فإذا جاء الوقت مضى إلى السوق فيظن أستاذه أنه قد تغدى في منزله ومن في بيته عندهم أنه قد أخذ معه غداءه وهو صائم.
وقال أبو الحسن القناد: مات النوري في مسجد الشونيزية جاساً متقنعاً، فبقي أربع أيام لم يعلم بموته أحد.
إسماعيل بن أحمد بن أسد بن نوح بن سامان من ملوك السامانية، وهم أرباب الولايات بسمرقند والشاش وفرغانة وتلك البلاد. وظفر إسماعيل بعمرو بن الليث الصفار الخارجي، فبعث به إلى المعتضد، فكتب المعتضد عهد إسماعيل على خراسان، وبعث إليه الخلع ولما انتهت الخلافة إلى المكتفي بالله كتب له، عهد إسماعيل وولاه من الري إلى ما وراء النهر إلى بلاد الترك وبنى إسماعيل ربطاً في المفاوز، يسع كل رباط منها ألف فارس، ووقف عليها وقوفاً وورد إلى بلاده جيش عظيم من كبار الترك، فيه ألف وسبعمائة قبة، ولا تكون القبة التركية إلا لرئيس ومتقدم، فوجه إسماعيل أحد قواده لقتالهم، فوافاهم وهم غارون، فقتل منهم خلقاً كثيراً، واستباح عسكرهم وانصرف المسلمون غانمين.


وكان طاهر بن محمد بن عمرو بن الليث قد استولى على فارس، بعد أن أسر جده عمرو بن الليث، فأنفذ المعتضد مولاه بدراً لقتاله، فبعث طاهر إلى إسماعيل يسأله التوسط بينه وبين الخليفة ليقره على بلاده ويقاطعه على مال، وأهدى إلى إسماعيل هدايا من جملتها ثلاث عشرة جوهرة، وزن كل جوهرة ما بين سبعة مثاقيل إلى العشرة، بعضها أحمر وبعضها أزرق فقومت بمائة ألف دينار، فكتب إسماعيل فكتب إسماعيل إلى المعتضد فشفع فيه ويخبره بحال الهدية ويسأله في قبولها، فأجابه: لو أنفذ إليك كل عامل لأمير المؤمنين أمثال هذا لكان مما يسره، وشفعه في طاهر.
وتوفي إسماعيل في صفر هذه السنة في خلافة المكتفي، فلما بلغه الخبر تمثل المكتفي بقول أبي نواس.
لن يخلف الدهر مثلهم أبداً ... هيهات هيهات شأنهم عجب
الحسن بن علي بن شبيب أبو علي المعمري الحافظ رحل في طلب العلم إلى البصرة والكوفة والشام ومصر. وسمع هدبة، وابن المديني، ويحيى في خلق كثير. روى عنه ابن صاعد، وابن مخلد، والنجاد، والخلدي. وكان من أوعية العلم وله حفظ وفهم، وقال الدارقطني: صدوق حافظ.
أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: قرأت على الحسن بن أبي بكر، عن أحمد بن كامل القاضي، قال: مات أبو علي المعمري في ليلة الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت من المحرم سنة خمس وتسعين ومائتين، ودفن يوم الجمعة بعد صلاة العصر على الطريق عن مقابر البرامكة بباب البردان. وكان في الحديث وجمعه وتصنيفه إماماً ربانياً، وقد شد أسنانه بالذهب.
قال: وقيل: بلغ اثنتين وثمانين سنة، وكان قديماً يكنى أبا القاسم، ثم اكتنى بأبي علي، وقد كان ولي القضاء للبرتي على البصرة وأعمالها، وقيل له: المعمري بأمه أم الحسن بنت سفيان بن أبي سفيان صاحب معمر بن راشد.
عبد الله بن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب. واسم أبي شعيب عبد الله بن مسلم، وكنية عبد الله أبو شعيب الأموي الحراني المؤدب المحدث ابن المحدث ابن المحدث ولد سنة ست ومائتين، وسمع جده، وأباه، وعفان بن مسلم، وأبا خيتمة. روى عنه ابن مخلد، والمحاملي. وكان صدوقاً ثقة مأموناً. توفي في ذي الحجة من هذه السنة ببغداد، وكان قد استوطنها.
عبد الله بن محمد بن علي بن جعفر بن ميمون بن الزبير أبو علي البلخي سمع قتيبة، وعلي بن حجر، روى عنه ابن مخلد، وأبو بكر الشافعي، وكان أحد أئمة أهل الحديث حفظاً وإتقاناً وثقة وإكثاراً وله كتب مصنفة في التواريخ والعلل، وتوفي ببلخ في هذه السنة.
علي المكتفي بالله ابن المعتضد بالله توفي ببغداد ليلة الأحد مع المغرب لاثنتي عشرة خلت من ذي القعدة من هذه السنة. وقال الصوليي: توفي بين الظهر والعصر يوم السبت ودفن في دار محمد بن عبد الله بن طاهر، وهو ابن اثنتين وثلاثين سنة غير شهر، وقيل: ابن ثلاث وثلاثين سنة ويوم وكانت خلافته ست سنين وستة أشهر وتسعة عشر يوماً، ولما احتضر قال له وزيره: ادع بألف ألف دينار ففرقها في أمهات أولادك فإن المسلمين يجعلونك منها في حل لما وفرت عليهم من أموالهم، فقال: والله لا فعلت ذلك حسبي ما احتقبت ولي عند صافي والداية ستمائة ألف دينار جمعتها منذ كنت صبياً تفرق عليهن، فإنها تكفيهن، وأدخل عليه القضاة والخواص وأوصى بالخلافة لأخيه جعفر.
محمد بن أحمد بن نصر أبو جعفر الفقيه الترمذي الشافعي ولد في ذي الحجة سنة مائتين، سكن بغداد وحدث بها عن يحيى بن بكير المصري وغيره. وكان من أهل العلم والزهد، قال الدارقطني: هو ثقة مأمون ناسك.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: قرأت على الحسن بن أبي بكر، عن أحمد بن كامل القاضي، قال: توفي أبو جعفر الترمذي لإحدى عشرة ليلة خلت من المحرم سنة خمس وتسعين، وكان قد اختلط في آخر عمره اختلاطاً عظيماً ولم يكن للشافعية فقيه بالعراق أرأس منه، ولا أشد ورعاً وكان من التقلل على حالة عظيمة يعني في المطعم فقراً وورعاً وصبراً على الفقر. وكان لا يسأل أحداً شيئاً.
وأخبرني إبراهيم بن السري الزجاج: أنه كان يجري عليه أربعة دراهم في الشهر.
ثم دخلت
سنة ست وتسعين ومائتين
فمن الحوادث فيها:


اجتماع جماعة القواد والكتاب والقضاة على خلع المقتدر بالله، وتناظرهم فيمن يجعل مكانه، فاجتمع رأيهم على عبد الله بن المعتز، فأجابهم إلى ذلك على أن لا يكون في ذلك سفك دم، فأخبروه أن الأمر يسلم إليه عفواً، وأن جميع من وراءهم من القواد والجند قد رضوا به، فبايعهم على ذلك، فأصبحوا وقد خلعوا المقتدر بالله، وبايعوا ابن المعتز.
ذكر ثابت بن سنان في تاريخ، قال: كانت فتنة عبد الله بن المعتز بالله في شهر ربيع الأول، لأن التدبير وقع من محمد بن داود بن الجراح مع الحسين بن حمدان على إزالة المقتدر بالله، ونصب ابن المعتز بالله، فواطأ على ذلك جماعة من الكتاب والقواد والقضاة، فلما كان يوم السبت لعشر بقين من ربيع الأول أوقع الحسين بن حمدان بالوزير أبي أحمد العباس، وهو على دابته عند انصرافه من دار الخلافة فقتله، وكان إلى جانبه فاتك المعتضدي يسايره، فصاح بالحسين منكراً عليه، فعطف عليه الحسين فقتله، ووقع الاضطراب وركض الحسين بن حمدان قاصداً إلى الحلبة مقدراً أن يفتك بالمقتدر بالله لأنه كان قد عرف أنه قد خرج إليها ليضرب بالصوالجة، فلما سمع المقتدر الضجة بادر بالدخول إلى داره فأغلقت الأبواب، فانصرف الحسين إلى الدار بالمخرم المعروفة بسليمان بن وهب، وبعث إلى عبد الله بن المعتز يعرفه تمام الأمر وانتظامه، فنزل عبد الله بن المعتز من دار إبراهيم بن أحمد المادرائي الراكبة للصراة ودجلة، وعبر إلى دار المخرم، وحضر القواد والجند والقضاة ووجوه أهل بغداد سوى أبي الحسن بن الفرات، وخواص المقتدر، فبايعوا عبد الله، وخوطب بالخلافة ولقب بالمرتضي بالله. وقال الصولي: المنتصف بالله واستوزر أبا عبد الله محمد بن داود الجراح، ووجه إلى المقتدر يأمره بالانصراف إلى دار عبد الله بن طاهر لينتقل هو إلى دار الخلافة، فقاتله من فيها من الخدم والغلمان، ودفعوه فانصرف، فحمل ما قدر عليه من ماله ومتاعه وحرمه، وسار إلى الموصل، فقالت الجماعة الذين سمعوا رسالة ابن المعتز بالله إلى المقتدر بالانصراف إلى دار ابن طاهر؛ يا قوم نسلم أنفسنا هكذا ! لولا نتجرد فيما قد أظلنا لعل الله تعالى يكشفه عنا فلبسوا الجواشن، وأصعدوا إلى المخرم، فهرب الناس من بين أيديهم، وخرج ابن المعتز قاصداً سرمن رأى ليتم هناك أمره، فلم يتبعه أحد فدخل إلى دار أبي عبد الله بن الجصاص، واستجار به، ووقع النهب والغارة ببغداد، ووجه المقتدر بالله فقبض على أصحاب ابن المعتز بالله واعتقلهم وقتل أكثرهم.
وفي ربيع الأول قلد المقتدر بالله أبا الحسن علي بن محمد بن الفرات الوزارة، فجدد البيعة للمقتدر، وجاء خادم لابن الجصاص إلى صافي الحرمي فأخبره بأن ابن المعتز في دارهم، فأنفذ المقتدر صافياً في جماعة فكبس الدار وحمل ابن المعتز وابن الجصاص فقرر على ابن الجصاص مال، فأداه وانصرف.
وظهر موت ابن المعتز في دار السلطان لليلتين خلتا من ربيع الآخر، وأخرجه مؤنس إلى منزله ملفوفاً فسلمه إلى أهله، فدفنوه في خراب بإزاء داره، وتلطف ابن الفرات في أمر الحسين بن حمدان حتى رضي عنه وعرف المقتدر أنه متى عاقب جميع من دخل في أمر ابن المعتز فسدت النيات، فأمر بتغريق الجرائد في دجلة فكثر الشاكرون له. ولا يعرف خليفة خلع ثم أعيد سوى اثنين: الأمين، والمقتدر بالله.
وفي يوم السبت لأربع بقين من ربيع الأول سقط ببغداد الثلج من غدوة إلى قرب صلاة العصر حتى صار في السطوح والدروب منه. نحو أربع أصابع.
وفي أواخر ربيع الأول سلم جماعة ممن بايع لابن المعتز إلى مؤنس الخادم، فمنهم من قتل، ومنهم من فدى نفسه.
وللنصف من شعبان خلع على مؤنس الخادم، وأمر بالشخوص إلى طرسوس لغزو الروم فخرج.
وفي هذه السنة أمر المقتدر أن لا يستعان بأحد من اليهود والنصارى، فألزموا بيوتهم وأخذوا بلبس العسلي والرقاع من خلف ومن قدام وأن تكون ركبهم خشباً.
وحج بالناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك، ورجع كثير من الحاج لقلة الماء وإبطاء المطر، وخرج الناس للاستسقاء.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن محمد بن زكرياء بن أبي عتاب أبو بكر البغدادي الحافظ


ويعرف بأخي ميمون. حدث عن نصر بن علي الجهضمي، وغيره وكان حافظاً. روى عنه الطبراني، وكان يمتنع من أن يحدث فحفظت عنه أحاديث في المذاكرة. وتوفي في مصر في شوال هذه السنة.
إبراهيم بن هارون بن سهل قاضي سرقسطة، وهي من أقصى ثغور الأندلس، توفي في هذه السنة.
أحمد بن محمد بن هانئ أبو بكر الطائي الأثرم سمع عفان بن مسلم، وأبا الوليد، والقعنبي، وأبا نعيم، وخلقاً كثيراً. وله كتب مصنفة منها: علل الحديث والناسخ والمنسوخ في الحديث. ومن تأمل كلامه استدل على غزارة علمه، وكان يحيى بن معين يقول عنه لقوة حفظه: كان أحد أبوي الأثرم جنياً. وقال إبراهيم الأصبهاني: الأثرم أحفظ من أبي زرعة الرازي وأتقن. وصحب أحمد بن حنبل، وأقبل على مذهبه مشتغلاً به إن غيره. وأصله من بلد إسكاف وهناك مات.
إبراهيم بن محمد بن أبي الشيوخ أبو إسحاق الآدمي حدث عن أبي همام السكوني وغيره.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت، أخبرنا محمد بن عبد الواحد، حدثنا محمد بن العباس، قال: قرئ على ابن المنادي وأنا أسمع قال: مات أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أبي الشيوخ الآدمي بعد الأضحى بيومين، سنة ست وتسعين ومائتين في يوم جمعه. كتب الناس عنه ووثقوه، وكان قد شهد ثم امتنع بعد ذلك فترك الشهادة.
الحسن بن عبد الوهاب بن أبي العنبر، أبو محمد حدث عن حفص بن عمر السياري وغيره، روى عنه أبو عمرو بن السماك. وكان ثقة ديناً مشهوراً بالخير والسنة. كتب الناس عنه ووثقوه.
وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
الحسن بن علي بن الوليد أبو جعفر الفارسي الفسوي ولد سنة اثنتين ومائتين، وسكن بغداد وحدث بها، عن علي بن الجعد وغيره. روى عنه أبو بكر الشافعي، وأبو علي بن الصواف. وذكره الدارقطني، فقال: لا بأس به، وتوفي في هذه السنة. وقيل في سنة تسعين.
خلف بن عمرو بن عبد الرحمن بن عيسى أبو محمد العكبري سمع الحميدي وسعيد بن منصور، روى عنه الخلدي والخطبي. وقال الدارقطني: كان ثقة. وقال ابن المنادي: كان واسع الجاه عريض الستر ثقة.
أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا علي بن الحسين صاحب العباس، حدثنا إبراهيم بن أبي علي الدقاق، أنه سمع عبد الله بن محمد بن شهاب، قال: مات خلف بن عمرو العكبري سنة ست وتسعين ومائتين، وكان له ثلاثون خاتماً وثلاثون عكازاً، يلبس كل يوم خاتماً وعكازاً طول شهره، فإذا جاء الشهر المقبل استأنف لبسها، وكان له سوط معلق، فقلت له: ما هذا ؟ فقال: ما روي علق سوطك يرهبك عيالك. وكان ظريفاً، توفي بعكبرا.
عبد الله بن المعتز بالله واسم المعتز محمد بن جعفر المتوكل، ويكنى عبد الله أبا العباس. ولد في شعبان سنة سبع واربعين ومائتين، وكان غزير الأدب، بارعاً في الفضل، مليح الشعر. سمع المبرد وثعلباً وغيرهما وله كلام في الحكمة عجيب، كان يقول: أنفاس الحي خطاه إلى أجله. ربما أورد الطمع ولم يصدر، ربما شرق شارب الماء قبل ريه، من تجاوز الكفاف لم يغنه الاكثار، وكلما عظم قدر المنافس فيه عظمت الفجيعة به، ومن أرحله الحرص أنضاه الطلب، والحظ يأتي من لا يأتيه، واشقى الناس أقربهم من السلطان كما أن أقرب الأشياء إلى النار اسرعها احتراقاً، ومن شارك السلطان في عز الدنيا شاركه في ذل الآخرة، أهل الدنيا ركب يسار بهم وهم نيام، الحرص ينقص من قدر الإنسان ولا يزيد في حظه، يشفيك من الحاسد أنه يغتنم وقت سرورك، الفرصة سريعة الفوت بعيدة العود، الجود حارس الأعراض، الأسرار إذا كثر خزانها ازدادت ضياعاً، البلاغة بلوغ المعنى ولما يطل سفر الكلام، ذل العزل يضحك من تيه الولاية، الجزع أتعب من الصبر، تركة الميت عزاء للورثة عنه، لا تشن وجه العفو بالتقريع، من أظهر عدواتك فقد أنذرك.
أخبرنا العزاز، قال، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسين العكبري، قال: حدثنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى المقرئ، قال: حدثني عثمان بن عيسى بن هارون الهاشمي، قال: كنت عند عبد الله بن المعتز، وكان قد كتب أبو أحمد بن المنجم إلى أخيه أبي القاسم رقعة يدعوه فيها، فغلط الرسول فجاء فأعطاها ابن المعتز بالله وأنا عنده، فقرأها وعلم أنها ليست إليه، فقلبها وكتب:


دعاني الرسول ولم تدعني ... ولكن لعلي أبو القاسم
فأخذ الرسول الرقعة ومضى وعاد عن قريب وإذا فيها مكتوب:
أيا سيداً قد غدا مفخراً ... لهاشم إذ هو من هاشم
تفضل وصدق خطاء الرسول ... تفضل مولى على خادم
فما أن تطاق إذا ما جددت ... وعزاك كالشهد للطاعم
فدى لك من كل ما تتقيه ... أبو أحمد وأبو القاسم
قال: فقام ومضى إليه.
وقال أبو بكر الصولي: اعتل عبد الله بن المعتز فأتاه أبوه عائداً، وقال: ما عراك يا بني فأنشأ يقول:
أيها العاذلون لا تعذلوني ... وانظروا حسن وجهها تعذروني
وانظروا هل ترون أحسن منها ... إن رأيتم شبيهها فاعذلوني
بي جنون الهوى وما بي جنون ... وجنون الهوى جنون الجنون
قال: فتتبع أبوه الحال حتى وقع عليها فابتاع الجارية التي شغف بها بسبعة آلاف دينار ووجهها إليه.
وله:
إن الذين بخير كنت تذكرهم ... قضوا عليك وعنهم كنت أنهاكا
لا تطلبن حياة عند غيرهم ... فليس يحييك إلا من توفاكا
ومن شعره الرائق:
قل لغصن البان الذي قد ثنى ... تحت بدر الدحى وفوق النقا
رمت كتمان ما بقلبي فنمت ... زفرات تعشى حديث الهوا
ودموع تقول في الخد يا من ... يتباكى كذا يكون البكا
ليس للناس موضع في فؤادي ... زاد فيه هواك حتى امتلا
ليت ليلا على الصراة طويلاً ... لليال من سر من را الفدا
أين مسك بمن حماه وبخور ... من بخار وصفرة من قذا
وله:
من لي بقلب صيغ من صخرة ... في جسد من لؤلؤ رطب
جرحت خديه بحظي فما ... برحت حتى اقتص من قلبي
وله
بليت بخلان هذا الزمان ... فأقللت بالهجر منهم نصيبي
وكلهم إن تصفحتهم ... صديق العيان عدو المغيب
وله:
بحياتي يا حياتي ... اشربي الكأس وهاتي
قبل أن يفجعنا ... الدهر ببين وشتات
لا تخونيني إذا مت ... وقامت بي نعاتي
إنما الوافي بعهدي ... من وفى بعد وفاتي
وله:
سابق إلى مالك وارثه ... ما المرء في الدنيا بلباث
كم صامت يخنق أكياسه ... قد صاح في ميزان ميراث
وله أيضاً:
يا ذا الغنى والسطوة القاهرة ... والدولة الناهية الآمره
ويا شياطين بني آدم ... ويا عبيد الشهوة الفاجره
انتظروا الدنيا فقد أقربت ... وعن قليل تلد الآخره
وله أيضاً:
أترى الجيرة الذين تداعوا ... عند سير الحبيب قبل الزوال
علموا أنني مقيم وقلبي ... راحل معهم أمام الجمال
مثل صاع العزيز في أرحل القو ... م ولا يعلمون ما في الرحال
ما أعز المعشوق ما أهون العا ... شق ما اقتل الهوى للرجال
وله:
يا نفس صبراً وإلا فاهلكي جزعاً ... إن الزمان على ما تكرهين بني
لا تحسبي نعماً سرتك لذتها ... إلا مفاتيح أبواب من الحزن
وله:
أطلت وعذبتني يا عذول ... بليت فدعني حديثي يطول
هواي هوى باطن ظاهر ... قديم حديث لطيف جليل
ألا ما لذا الليل ما ينقضي ... كذا ليل كل محب يطول
أبيت أساهر نجم الدجى ... إلى الصبخ وحدي ودمعي يسيل
قال مؤلف الكتاب: وقد ذكرنا أن العسكر اضطرب على المقتدر بالله، فخلعوه وبايعوا عبد الله بن المعتز ثم خرج أصحاب المقتدر فخاصموا فاستتر ابن المعتز، وإنما كانت ولايته بعض يوم، فأخذ وسلم إلى مؤنس الخادم فقتله، ووجه به إلى داره التي على الصراة، فدفن هناك وذلك في ربيع الأول من هذه السنة فرثاه علي بن محمد بن بسام، فقال:
لله درك من ميت فجعت به ... ناهيك في العلم والآداب والحسب


ما فيه لولا ولا ليت تنقصه ... وإنما أدركته حرفة الأدب
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا الحسين بن محمد أخو الخلال، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الواسطي قال: أنشدنا أبو القاسم الكريزي، قال: أنشدنا أحمد بن محمد بن عباس لعبد لله بن المعتز أنه قال في الليلة التي قتل في صبيحتها:
يا نفس صبراً لعل الخير عقباك ... خانتك من بعد طول الأمن دنياك
مرت بنا سحراً طير فقلت لها ... طوباك يا ليتني إياك طوباك
إن كان قصدك شرقاً فالسلام على ... شاطي الصراة ابلغي إن كان مسراك
من موثق بالمنايا لا فكاك له ... يبكي الدماء على إلف له باكي
فرب آمنة حانت منيتها ... ورب مفلتة من بين أشراك
أظنه آخر الأيام من عمري ... وأوشك اليوم أن يبكي لي الباكي
قال ابن قتيبة: لما أن أقاموا عبد الله بن المعتز إلى الجهة التي تلقت فيها أنشأ قائلاً:
فقل للشامتين بنا ريداً ... أمامكم المصائب والخطوب
هو الدهر الذي لا بد من أن ... يكون إليكم منه ذنوب
محمد بن الحسين بن حبيب أبو حصين الوادعي القاضي من أهل الكوفة، قدم بغداد وحدث بها عن أحمد بن يونس اليربوعي، ويحيى بن عبد الحميد الحماني، وجندل بن والق، روى عنه ابن صاعد، والمحاملي، والنجاد. وكان فهماً صنف المسند. وقال الدارقطني: كان ثقة.
وتوفي بالكوفة في هذه السنة.
محمد بن الحسين يعرف بحمدي حدث عن بشر بن الوليد الكندي، وحيان بن بشر الأسدي، روى عنه ابن مخلد.
محمد بن الحسين بن حمدويه الحربي حدث عن يعقوب بن سواك، روى عنه أبو طالب بن البهلول.
محمد بن داود بن الجراح أبو عبد الله الكاتب عم علي بن عيسى الوزير، ولد في سنة ثلاث وأربعين ومائتين في الليلة التي توفي فيها إبراهيم بن العباس الصولي، وحدث عن عمر بن شبة وغيره. وكان فاضلاً من علماء الكتاب، عارفاً بأيام الناس.
وأخبار الخلفاء والوزراء وله في ذلك تصانيف.
وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
يوسف بن موسى بن عبد الله أبو يعقوب القطان المروروذي رحل إلى الآفاق البعيدة في طلب الحديث، وحدث عن ابن راهويه، وعلي بن حجر، وأبي كريب، روى عنه أبو بكر الشافعي وكان ثقة صدوقاً.
وتوفي بمرو بعد منصرفه من الحجة الثانية في هذه السنة.
ثم دخلت
سنة سبع وتسعين ومائتين
فمن الحوادث فيها غزو القاسم بن سيما الصائفة، وتم الفداء في بلد الروم على يدي مؤنس الخادم، وتأخرت الأمطار في هذه السنة، وزاد السعر.
قال ثابت بن سنان المؤرخ: ورأيت في صدر أيام المقتدر ببغداد امرأة بلا ذراعين ولا عضدين، وكان لها كفان بأصابع تامة متعلقان في رأس كتفيها لا تعمل بهما شيئاً، وكانت تعمل أعمال اليدين برجليها ورأسها تغزل برجليها وتمد الطاقة وتسويها وتسرح امرأة وتغلفها برجليها ورأيت امرأة أخرى بعضدين وذراعين وكفين إلا أن كل واحد من الكفين ينخرط ويدق إذا فارق الزندين حتى ينتهي إلى رأس دقيق يمتد فيصير إصبعاً واحدة، وكذلك رجليها على هذه الصورة، ومعها ابنة لها على مثل صورتها.
وفي هذه السنة تولى القاسم بن سيما غزاة الصائفة، وورد الخبر أن أركان البيت غرقت من السيول، وأن زمزم فاضت ولم ير ذلك قبلها. وحج بالناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن عبد الرحمن بن مرزوق بن عطية أبو عبد الله بن أبي عوف البزوري سمع سويد بن سعيد، وعثمان بن أبي شيبة، وعمرو بن محمد الناقد، وخلقاً كثيراُ. روى عنه أبو بكر الشافعي، وابن الصواف وغيرهما. وكان ثقة عفيفاً نبيلاً ثبتاً له حال من الدنيا واسعة، وطريقة في الخير محمودة، وإليه ينسب شارع ابن أبي عوف المسلوك فيه إلى نهر القلائين، وكانت له منزلة من السلطان واختصاص بعبيد الله بن سليمان الوزير، ومودة في أنفس العوام.


أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، أخبرنا علي بن الحسن، قال: حدثنا أبي، قال: حدثني القاضي أب عمر عبيد الله بن الحسين السمسار، قال: حدثني أبو علي بن إدريس الشاهد، قال: حدثني أبو عبد الله بن أبي عوف، قال: كان سبب اختصاصي بعبيد الله بن سليمان أني اجتزت يوماً في جامع المنصور بالمدينة، فوجدته وهو ملازم بثلثمائة دينار في يد غريم له وهو في عقب النكبة، وكنت أعرف محله عن مودة بيننا، فقلت له: لأي شيء أعزك الله أنت ها هنا جالس ؟ فقال: ملازم في يد هذا الرجل بثلثمائة دينار له علي. قال: فسألت الغريم إنظاره، فقال: لا أفعل، فقلت له: فالمال لك على أن تصبر علي إلى بعد أسبوع حتى أعطيك إياه، فقال: تعطيني خطك بذلك، فاستدعيت دواة ورقعة، وكتبت له ضماناً بذلك إلى شهر فرضي وانصرف، وقام عبيد الله فأخذ يشكرني، فقلت تمم أيدك الله سروري بأن تصير معي إلى منزلي، فأركبته حماري ومشيت خلفه إلى أن دخلنا داري، فأكلنا فنام، فلما انتبه أحضرته كيساً، وقلت: لعلك على إضافة فأسألك بالله إلا أخذت منه ما شئت، قال: فأخذ منه دنانير وقام فخرج، فأقبلت امرأتي تلومني وتوبخني، وتقول: ضمنت عنه ما لا يفي به ولم تقنع إلا بأن أعطيته شيئاً آخر ! فقلت: يا هذه فعلت جميلاً وأسديت يداً جليلة إلى رجل حر كريم جليل من بيت، فإن نفعني الله بذلك فله قصدت، وإن تكن الأخرى لم يضع عند الله ! ومضى على هذا الحديث مدة وحل الدين، وجاء الغريم يطالبني، فاشرفت على بيع عقار لي ودفع ثمنه إليه ولم استحسن على مطالبة عبيد الله ودفعت الرجل بوعد وعدته إياه إلى أيام، فلما كان بعد يومين جاءتني رقعة عبيد الله يستدعيني فجئته، فقال: وردت علي غليلة من ضيعة لي افلتت من البيع في النكبة ومقدار ثمنها مقدار ما ضمنته عني فتأخذها فتبيعها وتصحح ذلك للغريم، فقلت: أفعل، فحمل الغلة إلي فبعتها، وحملت الثمن بأسره إليه وقلت: أنت مضيق وأنا أدفع الغريم وأعطيه البعض من عندي فاتسع أنت بهذا؛ فجهد أن آخذ منه شيئاً فحلفت أن لا أفعل ووفرت الثمن عليه، وجاء الغريم فأعطيته البعض من عندي ودفعت به مديدة ولم يمض على ذلك إلا يسير حتى ولي عبيد الله الوزارة فأحضرني من يومه، وقام إلي من مجلسه، وجعلني في السماء فكسبت به من الأموال هذه النعمة التي أنا فيها.
قال علي بن المحسن: وذكر أبو الحسن أحمد بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن بهلول أن أباه حدثه، قال: خرجت من حضرة عبيد الله بن سليمان في وزارته أريد الدهليز، فخرج ابن أبي عوف، فصاح البوابون والحجاب والخلق: هاتوا دابة لأبي عبد الله، هاتوا دابة لأبي عبدا لله !! فحين قدمت دابته ليركب، خرج الوزير ليركب فرآه فتنحى أبو عبد الله بن أبي عوف وأمر بابعاد دابته لتقدم دابة الوزير، فحلف الوزير أنه لا يركب ولا تقدم دابته حتى يركب ابن أبي عوف، قال: فرأيته قائماً والناس قيام بقيامه حتى قدمت دابة ابن أبي عوف فركبها، ثم قدمت دابة الوزير فركب وسارا جميعاً.
توفي ابن أبي عوف في شوال هذه السنة.
إبراهيم بن هاشم بن الحسين بن هاشم أبو إسحاق البيع المعروف بالبغوي ولد سنة سبع ومائتين. سمع علي بن الجعد، وأحمد بن حنبل وغيرهما وكان ثقة.
توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
جعفر بن محمد بن ماجد أبو الفضل مولى المهدي ويعرف بابن أبي الفضل. وحدث عن جماعة، وروى عنه ابن مخلد، والنجاد، والطبراني، وكان ثقة توفي في هذه السنة.
الحسن بن محمد بن سليمان بن هشام أبو علي الخزاز المعروف بابن بنت مطر حدث عن علي بن المديني، روى عنه ابن الصواف، والطبراني، وقال الدارقطني: ثقة ليس به بأس. توفى في هذه السنة.
حامد بن سعدان بن يزيد، أبو عامر: أصله فارسي. روى عنه ابن مخلد، وكان مستوراً صالحاً ثقة. وتوفي في شوال هذه السنة.
عمرو بن عثمان أبو عبد الله المكي سمع يونس بن عبد الأعلى، والربيع بن سليمان وغيرهما. روى عنه جعفر الخلدي، وكان عمرو بن عثمان قد ولي قضاء جدة فهجره الجنيد، وقال: لا أكلم من كان يظهر الزهد ثم يبدو منه الاتساع في طلب الدنيا، توفي ببغداد في هذه السنة، وقيل: في سنة إحدى وتسعين، والأول أصح.
فيض بن الخضر أبو الحارث الأولاسي


كان يغني في صباه فمر بمريض على قارعة الطريق، فقال له: ما تشتهي ؟ قال: الرمان ! فجاء به فقال له: تاب الله عليك ! فما أمسى حتى تغير عما كان عليه، وصحب إبراهيم بن سعد العلوي، وتوفي بطرسوس في هذه السنة.
محمد بن داود بن علي بن خلف أبو بكر الأصبهاني صاحب كتاب الزهرة، روى عن أبيه وكان عالماً أديباً، وفقيهاً مناظراً، وشاعراً فصيحاً.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الخطيب أخبرنا أبو نعيم الأصبهاني، قال: أخبرني جعفر الخلدي في كتابه إلي، قال: سمعت رويم بن محمد يقول: كنا عند داود بن علي الأصبهاني إذ دخل عليه ابنه محمد وهو يبكي، فضمه إليه، وقال: ما يبكيك ؟ قال: الصبيان يلقبوني يقولون لي يا عصفور الشوك، فضحك داود فقال له ابنه: أنت أشد علي من الصبيان ! مم تضحك، فقال داود: لا إله إلا الله ! ما الالقاب إلا من السماء ! ما أنت يا بني إلا عصفور الشوك.
أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا الخطيب، قال: أخبرنا علي بن أبي علي القاضي، حدثنا أبو الحسن الداودي، قال: لما جلس محمد بن داود بن علي الأصبهاني في حلقة أبيه بعد وفاته يفتي استصغروه عن ذلك. فدسوا إليه رجلاً، وقالوا له: سله عن حد السكر ما هو ؟ فأتاه الرجل، فسأله عن حد السكر ما هو ؟ ومتى يكون الإنسان سكران ؟ فقال محمد: إذا عزبت عنه الهموم، وباح بسره المكتوم، فاستحسن ذلك منه وعلم موضعه من العلم.
قال المؤلف: ابتلي أبو بكر بن داود بحب صبي يقال له محمد بن جامع، ويقال محمد بن زخرف، فاستعمل العفاف والتدين وكان ما لقي سبب موته ودخل يوماً على ثعلب، فقال له ثعلب: أها هنا من صبواتك شيء ؟ فأنشده:
سقى الله أياماً لنا ولياليا ... لهن بأكناف الشباب ملاعب
إذ العيش غض والزمان بغرة ... وشاهد آفات المحبين غائب
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا أبو منصور بن جعفر الجيلي أخبرنا أحمد بن محمد - بن عمران، أخبرنا عبيد الله بن أبي يزيد الأنباري، قال: قال لي القحطبي قال: قال لي محمد ابن داود الأصبهاني: ما انفككت من هوى منذ دخلت الكتاب وبدأت بعمل كتاب الزهرة، وأنا في الكتاب ونظر أبي في أكثره.
أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي أخبرنا إسماعيل بن أحمد الحيري حدثنا أبو نصر بن أبي عبد الله الشيرازي، قال: حدثنا أبو الحسين محمد بن الحسين الظاهري، قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسن بن الصباح الداودي، قال: حدثنا القاضي أبو عمر محمد بين يوسف بن يعقوب، قال: كنت أساير أبا بكر محمد بن داود ببغداد، فإذا جارية تغني بشيء من شعره، وهو قوله:
اشكو عليل فؤاد أنت متلفه ... شكوى عليل إلى الف يعلله
سقمي تزيد على الأيام كثرته ... وأنت في عظم ما ألقى تقلله
الله حرم قتلي في الهوى سفهاً ... وأنت يا قاتلي ظلماً تحلله
فقال محمد بن داود: كيف السبيل إلى استرجاع هذا ؟ فقال القاضي أبو عمر: هيهات سارت به الركبان.
قال المصنف رحمه الله: كان محمد بن داود كثير المناظرة مع أبي العباس بسريج، وكانا يحضران مجلس أبي عمر القاضي فتجري بينهما المفاوضة، والمناظرة حتى يعجب الناس، فتكلما يوماً في مسألة، فقال له ابن سريج: أنت بكتاب الزهرة أشهر منك بهذا ! فقال له: وبكتاب الزهرة تعيرني ؟ والله ما تحسن تستتم قراءته، وذلك كتاب عملناه هزلاً فاعمل أنت مثله جداً ! فلما توفي محمد بن داود في رمضان هذه السنة جلس ابن سريج للعزاء ونحى مخاده وقال: ما آسى إلى على تراب أكل لسان محمد بن داود.
محمد بن أحمد بن عبدويه أبو الفضل الإفريقي روى عنه محمد بن مخلد، وذكر أنه مات ليومين مضيا من محرم هذه السنة.
محمد بن أحمد بن عبد الكريم أبو العباس البزاز المخزومي سمع أبا علقمة الفروي، وعبد الله بن حبيق في آخرين، وكان أبو بكر الإسماعيلي يصفه بالحفظ.
محمد بن إبراهيم بن حمدون أبو الحسن الخزاز الكوفي قدم بغداد وحدث بها عن عبد الله بن أبي زياد القطواني، وأبي كريب وغيرهما، روى عنه عبد الرحمن والد أبي طاهر المخلص وغيره، وتوفي ليلة الأربعاء غرة جمادى الأولى من هذه السنة.
محمد بن عثمان


بن محمد بن أبي شيبة، أبو جعفر حدث عن يحيى بن معين، وعلي بن المديني، وخلق كثير. وكانت له معرفة وفهم، وصنف تاريخاً، وروى عنه الباغندي، وابن صاعد، وجعفر الخلدي وغيرهم، وقد سئل عنه أبو علي صالح بن محمد فقال: ثقة ! وقال عبدان: ما علمنا إلا خيراً ! وروى ابن عقدة عن جماعة من العلماء تكذيبه والقدح فيه، منهم: عبد الله بن أحمد، فإنه روى عنه أنه قال: محمد بن عثمان كذاب، بين الأمر، وتعجب ممن يكتب عنه، وتوفي في ربيع الأول من هذه السنة.
محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر بن الحسين كان طاهر بن الحسين يتولى الجزيرة فولاه المأمون خراسان، فمات سنة سبع ومائتين، ثم وليها بعده عبد الله إلى سنة ثلاثين ومائتين، ثم توفي فولى الواثق بالله ابنه طاهراً، فأقام إلى سنة ثمان وأربعين، ثم وليها ابنه محمد بن طاهر، فأقام إلى سنة ثمان وخمسين، فظفر به يعقوب بن الليث فكان معه أسيراً يطوف به البلاد إلى سنة اثنتين وستين، فلما كانت الوقعة بالنهروانات نجا محمد بن طاهر، فلم يزل مقيماً بمدينة السلام إلى أن توفي بها في هذه السنة.
ولد سنة عشر ومائتين وسمع أباه، وعلي بن الجعد، وأبا نصر التمار، وأحمد بن حنبل، أقرأ الناس القرآن وهو ابن ثماني عشرة سنة في الجانب الشرقي، واستقضي وله ثمان وعشرون سنة. وكتب الناس عنه فأكثروا، وروى عنه ابن صاعد وابن الأنباري، وولي قضاء الري والأهواز. وكان ثقة ثبتاً صدوقاً ديناً عفيفاً فصيحاً كثير الحديث، وكان ينتحل مذهب الشافعي رضي الله عنه، توفي بالأهواز قاضياً في محرم هذه السنة.
يوسف بن يعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد أبو محمد البصري ولد سنة ثمان ومائتين، وسمع سليمان بن حرب، وعمرو بن مرزوق، ومسدداً، وهدبة وغيرهم. روى عنه أبو عمرو بن السماك، وأبو سهل بن زياد، وأبو بكر الشافعي وغيرهم. وكان ثقة وكان قد ولي القضاء بالبصرة في سنة ست وسبعين ومائتين، وضم إليه قضاء واسط، ثم أضيف إلى ذلك قضاء الجانب الشرقي من بغداد. وكان جميل الأمر حسن الطريقة ثقة عفيفاً مهيباً عالماً بصناعة القضاء، لا يراقب فيه أحداً.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، أخبرنا التنوخي، قال: أخبرني أبي، قال: حدثني أبي، قال: سمعت القاضي أبا عمر محمد بن يوسف، يقول: قدم خادم من وجوه خدم المعتضد بالله إلى أبي في حكم فجاء، فارتفع في المجلس فأمره الحاجب بموازاة خصمه، فلم يفعل إدلالاً بعظم محله من الدولة، فصاح أبي عليه، وقال: قفاه ! أيؤمر بموازاة خصمه فيمتنع يا غلام ! عمرو بن أبي عمرو النخاس الساعة لأتقدم إليه ببيع هذا العبد، وحمل ثمنه إلى أمير المؤمنين، ثم قال لحاجبه: خذ بيده وسو بينه وبين خصمه فأخذ كرهاً وأجلس مع خصمه، فلما انقضى الحكم انصرف الخادم، فحدث المعتضد بالحديث وبكى بين يديه، فصاح عليه المعتضد، وقال: لو باعك لأجزت بيعه وما رددتك إلى ملكي أبداً، وليس خصوصك بي يزيل مرتبة الحكم، فإنه عمود السلطان وقوام الأديان توفي يوسف في رمضان هذه السنة، وقد صرف عن القضاء.
ثم دخلت
سنة ثمان وتسعين ومائتين
فمن الحوادث فيها: أنه قدم القاسم بن سيما من غزوة أرض الروم الصائفة ومعه خلق كثير من الأسارى، وخمسون علجاً قد شهروا على الجمال، بأيدي بعضهم أعلام الروم، عليها صلبان من ذهب وفضة.
وفيها: فلج القاضي عبد الله بن علي بن أبي الشوارب، فقلد مكانه ابنه محمد.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب أخبرنا علي بن المحسن أخبرنا طلحة بن محمد بن جعفر، قال: لم يزل عبد الله بن علي بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب والياً - يعني على القضاء - بالجانب الشرقي من بغداد وعلى الكرخ أيضاً من شهر ربيع الأول سنة ست وتسعين ومائتين إلى ليلة السبت لثلاث عشرة خلت من جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين ومائتين، فإن الفالج ضربه فيها، فأسكت فاستخلف له ابنه محمد على عمله كله في يم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين ومائتين، وكان سرياً جميلاً واسع الأخلاق، ولم يكن له خشونة، فاضطربت الأمور بنظره، ولبست عليه في أكثر أحواله وكانت أمور السلطان كلها قد اضطربت، ولم يزل على خلافة أبيه إلى سنة إحدى وثلاثمائة وتوفي.


ووردت في شهر ربيع الأول هدايا أنفذها أحمد بن إسماعيل بن أحمد من خراسان منها مائة وعشرون غلاماً على دوابهم، ومعهم أسلحتهم، وخمسون بازياً، وخمسون جملاً عليها فاخر الثياب، ومن الشهاوي خمسون، وخمسون رطلاً من المسك.
وفي شعبان أخذ رجلان من باب محول يقال أحدهما أبو كثيرة، والآخر يعرف بالشمري، فذكرا أنهما أصحاب رجل يعرف بمحمد بن بشر يدعي الربوبية.
وورد الخبر في ذي القعدة بمسير الروم إلى اللاذقية، وأن ريحاً صفراء حارة هبت بحديثة الموصل في أول ذي الحجة، فمات لشدة حرها جماعة.
وفي هذه السنة حج بالناس الفضل بن عبد الملك.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
إبراهيم بن داود بن يعقوب أبو إسحاق الصيرفي حدث عن عيسى بن حماد، وعبد الملك بن شعيب بن الليث، وغيرهما، ولم يحدث إلا مجلساً أو مجلسين، وكان ثقة، وتوفي في جمادى الأولى من هذه السنة.
أحمد بن محمد بن مسروق أبو العباس الطوسي حدث عن خلف بن هشام البزار، وعلي بن المديني، وعلي بن الجعد، وأحمد بن إبراهيم الدورقي، والبرجلاني، والزبير بن بكار، روى عنه أبو عمرو بن السماك، والخلدي، وأبو شكر الشافعي وغيرهم.
قال الدارقطني: ليس بالقوي، يأتي بالمعضلات.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا الخطيب أحمد بن علي بن ثابت، قال: حدثنا عبد العزيز بن علي الوراق، حدثنا علي بن عبد الله الهمذاني، حدثنا الخلدي، قال: حدثني أحمد بن محمد بن مسروق، قال: دخلت إلى الري فقصدت أبا موسى الدولابي، وكان في ذلك الوقت أشرف من يذكر، فلقيته وسلمت عليه وأقمت عنده في منزله ثلاثة أيام، فلما أردت الخروج وقفت عليه لأودعه، فابتدأني وقال: يا غلام ! الضيافة ثلاثة أيام، وما كان فوق ذلك فهو صدقة منك علي، وتوفي ابن مسروق في صفر هذه السنة، وقد قيل سنة تسع وتسعين.
أحمد بن يحيى بن إسحاق أبو الحسين الريوندي الملحد الزنديق: قال المؤلف: وإنما ذكرته ليعرف قدر كفره، فإنه معتمد الملاحدة والزنادقة، ويذكر أن أباه كان يهودياً، وأسلم هو، فكان بعض اليهود يقول للمسلمين: لا يفسدن عليكم هذا كتابكم كما أفسد أبوه علينا التوراة، فعلم أبو الحسين اليهود وقال: قولوا عن موسى أنه قال لا نبي بعدي.
وأنبأنا محمد بن أبي طاهر البزاز، قال: أنبأنا علي بن المحسن التنوخي، عن أبيه، قال: كان الريوندي يلازم الرافضة وأهل الإلحاد، فإذا عوتب قال: إنما أريد أن أعرف مذاهبهم ثم كاشف وناظر.
قال المصنف: وقد كنت أسمع عنه بالعظائم حتى رأيت ما لم يخطر مثله على قلب أن يقوله عاقل، ووقعت على كتبه فمنها: كتاب نعت الحكمة، وكتاب قضيب الذهب، وكتاب الزمرد وكتاب التاج، وكتاب الدامغ، وكتاب الفريد، وكتاب إمامة المفضول.
وقد نقض عليه هذه الكتب جماعة فأما كتاب نعت الحكمة، وكتاب قضيب الذهب، وكتاب التاج، وكتاب الزمرد والدامغ فنقضها عليه أبو علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي، وقد نقض عليه أيضاً كتاب الزمرد أبو الحسين عبد الرحيم بن محمد الخياط، ونقض عليه أيضاً كتاب إمامة المفضول.
وقد كان ابن الريوندي، وأبو عيسى محمد بن هارون الوراق الملحد أيضاً يتراميان بكتاب الزمرد، ويدعي كل واحد منهما على الآخر أنه تصنيفه، وكانا يتوافقان على الطعن في القرآن، وأما كتاب الفريد فنقضه عليه أبو هاشم عبد السلام بن علي الجبائي.
قال المؤلف: ورأيت بخط أبي الوفاء ابن عقيل، قال: كان الخبيث ابن الريوندي قد سمى كتابه الذي اعترض به على الشريعة الإسلامية المعصومة على اعتراض مثله من الملحدين كتاب الزمرد، فأخذ أبو علي الجبائي يعيبه في تسميته بالزمرد، ويذهب إلى أنه أخطأ وجهل في تلقيب العلم بالجواهر، وأن أهل العلم لا يعيرون العلوم أسماء ما دونها والجواهر ناقصة بالإضافة إلى العلوم، فأزرى عليه بذلك ظناً منه أنه قصد تلقيبه بالزمرد إعارة له اسم النفيس من الجواهر.


قال ابن عقيل: فوجدنا في بعض كلامه من كتاب أخر ما أبان به عن غير ذلك مما هو أخبث مما ظنه أبو علي، فقال: إن للزمرد خاصة هي أنه إذا رآه الأفعى وسائر الحيات عميت قال: فكان قصدي أن الشبهة التي أودعتها الكتاب تعمي حجج المحتجين ! فاعتقد ما أورده عاملاً في حجج الشرع حسب ما أثر الزمرد في حدق الحيات، فانظروا إلى استقصائه في الازدراء بالشرائع. قال ابن عقيل: وعجبي كيف عاش وقد صنف الدامغ، يزعم أنه قد دمغ به القرآن، والزمرد يزري به على النبوات، ثم لا يقتل ! وكم قد قتل لص في غير نصاب ولا هتك حرز، وإنما سلم مدة وعاش، لأن الإيمان ما صفا في قلوب أكثر الخلق بل في القلوب شكوك وشبهات، وإلا فلما صدق إيمان بعض الصحابة قتل أباه.
ومن بلهه تتبعه للقرآن وقد مر على مسامع سادات العرب، فدهش الكل منه وعجز الفصحاء عنه، فطمع هو من جهله باللغة أن يستدرك عليهم، فأبان عن فضيحته.
قال المصنف: وقد، نظرت في كتاب الزمرد فرأيت فيه من الهذيان البارد الذي لا يتعلق بشبهه، حتى أنه لعنه الله قال فيه: نجد في كلام أكثم بن صيفي أحسن من " إنا أعطيناك الكوثر " في نظائر لهذا.
قال المصنف، وفيه أن الأنبياء وقعوا بطلسمات، كما أنه المغناطيس يجذب، وهذا كلام ينبغي أن يستحيا من ذكره، فإن العقاقير قد عرفت أمورها وجربت، فكيف وقع هؤلاء الأنبياء بيما خفي عمن كان أنظر منهم ؟ ثم إن المغناطيس يجذب ولا يرد، ونبينا صلى الله عليه وسلم دعا شجرة وردها.
وقال: قوله لعمار: تقتلك الفئة الباغية، فإن المنجم يقول مثل هذا فقيل له: إنما يعرف مثل هذا المنجم إذا عرف المولد، وأخذ الطالع، ثم قد لا يصيب وقد أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام بخبر غيب، فكان كما قال: ثم أخذ لعنه الله يعيب القرآن ويدعي أن فيه لحناً، واستدرك ذاك الخلف بزعمه على الأعادي الفصحاء الذين سلموا لفصاحته.
قال أبو علي الجبائي: قرأت كتاب الملحد الجاهل السفيه ابن الريوندي، فلم أجد فيه إلا السفه والكذب والافتراء، قال: وقد وضع كتاباً في قدم العالم، ونفي الصانع، وتصحيح مذهب الدهرية، وفي الرد على مذهب أهل التوحيد، ووضع كتاباً في الطعن على محمد صلى الله عليه وسلم وسماه الزمرد، وشتم رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعة عشر موضعاً في كتابه، ونسبه إلى الكذب، وطعن في القرآن، ووضع كتاباً لليهود والنصارى على المسلمين يحتج لهم فيه في إبطال نبوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك من الكتب التي تبين خروجه عن الإسلام.
وقال أبو هاشم بن أبي علي الجبائي: ابتدأ ابن الريوندي لعنه الله كلامه في كتاب الفريد، فقال: إن المسلمين احتجوا لنبوة نبيهم بالكتاب الذي أتى به وتحدى به، فلم يقدروا على معارضته، قال: فيقال لهم: غلطتم وغلبت العصبية على قلوبكم أخبرونا لو ادعى مدع لمن تقدم من الفلاسفة مثل دعواكم في القرآن، وقال: الدليل على صدق بطليموس وأقليدس فيما ادعيا أن صاحب اقليدس جاء به فادعى أن الخلق يعجزون عنه لكان ثبتت نبوته.
قلنا: قد يكون في زمن أقليدس من هو أعرف منه، وإنما شاع كتابه بعده، ولو اجتمع أرباب علمه لجمعوا مثله، ثم لو كان نبينا بكتابه لم يقدح ذلك في دلالة نبينا صلى الله عليه وسلم.
وذكر في كتاب نعت الحكمة تقبيح اعتقاد من يعتقد أن أهل النار يخلدون، وقال: لا نفع لهم في ذلك ولا للخالق، والحكيم لا يفعل شيئاً لا نفع فيه، وهذا جهل منه لأنه يريد بهذا تعليل أفعال الخالق سبحانه وأفعاله لا تعلل، لأن حكمته فوق العقل المعلل، ثم يلزمه هذا بتعذيبهم ساعة.
قال أبو علي الجبائي: كان السلطان قد طلب أبا عيسى الوراق وابن الريوندي، فأما الوراق فأخذ، وحبس ومات في السجن، وأما ابن الريوندي فإنه هرب إلى ابن لاوي اليهودي، ووضع له كتاب الدامغ في الطعن على محمد صلى الله عليه وسلم وعلى القرآن، ثم لم يلبث إلا أياماً يسيرة حتى مرض ومات.


قال المصنف: وقد ذكر في كتاب الدامغ من الكفر أشياء تقشعر منها الجلود، غير أني آثر أن أذكر منها طرفاً ليعرف مكان هذا الملحد من الكفر، ويستعاذ بالله سبحانه من الخذلان ! فمن ذلك أنه قال عن الخاق تعالى عن ذلك: من ليس عنده من الدواء إلا القتل فعل العدو الحنق الغضوب، فما حاجته إلى كتاب ورسول ؟ وهذا قول جاهل بالله سبحانه لأنه لا يوصف بالحنق و بالحاجة وما عاقب حتى أنذر.
وقال لعنه الله ووجدناه يزعم أنه يعلم الغيب، فيقول: " وما تسقط من ورقة إلا يعلمها " ثم يقول: " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم " . وهذا جهل منه بالتفسير ولغة العرب، وإنما المعنى ليظهر ما علمناه، ومثله: " ولنبلونّكم حتى نعلم " أي نعلم ذلك واقعاً.
وقال بعض العلماء: حتى يعلم أنبياؤنا والمؤمنون به. وقال في قوله: " إن كيد الشيطان كان ضعيفاً " أي أضعف له، وقد أخرج آدم وأزل خلقاً ! وهذا تغفل منه، لأن كيد إبليس تسويل بلا حجة والحجج ترده، ولهذا كان ضعيفاً، فلما مالت الطباع إليه آثر وفعل.
وقال: من لم يقم بحساب ستة تكلم بها في الجملة فلما صار إلى التفاريق وجدناه قد غلط فيها باثنين وهو قوله: " خلق الأرض في يومين " ، ثم قال: " وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام " ثم قال: " فقضاهن سبع سموات في يومين " ، فعدها هذا المغفل ثمانية ولو نظر في أقوال العلماء لعلم أن المعنى في تتمة أربعة أيام.
وقال: في قوله: " إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى " وقد جاع وعري ! وهذا المغفل الملعون ما فهم أن الأمر مشروط بالوفاء بما عوهد عليه من قوله: " ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين " .
وقال في قوله: " وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه " ثم قال: " وربك الغفور ذو الرحمة " فأعظم الخطوب ذكره الرحمة مضموماً إلى أهلاكهم ! وهذا الأبله الملعون ما علم أنه لما وصف نفسه بالمعاقبة للمذنبين فانزعجت القلوب ضم إلى ذلك ذكر الرحمة بالحلم عن العصاة والإمهال والمسامحة في أكثر الكسب.
قال: ونراه يفتخر بالمكر والخداع ! وهذا المسكين الملعون قد نسب المعنى إلى الافتخار ! ولا يفهم أن معنى مكره جزاء الماكرين.
قال الملعون: ومن الكذب قوله: " ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدو لآدم " وهذا كان قبل تصوير آدم ! وهذا الأحمق الملعون لو طالع أقوال العلماء وفهم سعة اللغة علم أن المعنى خلقنا آدم وصورناه كقوله: " إنا لما طغى الماء حملناكم " .
وقال: من فاحش ظلمه قوله: " كما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها " فعذب جلوداً لم تعصه! وهذا الأحمق الملعون لا يفهم أن الجلد آلة للتعذيب، فهو كالحطب يحرق لانضاج غيره، ولا يقال أنه معذب، وقد قال العلماء: إن الجلود الثانية هي الأولى أعيدت كما يعاد الميت بعد البلى.
قال: وقوله: " لا تسألوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم " وإنما يكره السؤال وديء السلعة لئلا تقع عليه عين التاجر فيفتضح، فانظروا إلى عامية هذا الأحمق الملعون وجهله، أتراه قال: لا تسألوا عن الدليل على صحة قولي ؟ إنما كانوا يسألون فيقول قائلهم: من أبى ؟ فقال: " لا تسألوا عن أشياء " يعني من هذا الجنس، فربما قيل للرجل أبوك فلان وهو غير أبيه الذي يعرف فيفتضح.
قال: ولما وصف الجنة، قال: " فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه " وهو الحليب، ولا يكاد يشتهيه إلا الجياع، وذكر العسل ولا يطلب صرفاً، والزنجبيل وليس من لذيذ الأشربة، والسندس يفرش ولا يلبس، وكذلك الاستبرق الغليظ، قال: ومن تخايل أنه في الجنة يلبس هذا الغليظ ويشرب الحليب والزنجبيل صار كعروس الأكراد والنبط، فانظروا إلى لعب هذا الملعون المستهزئ وجهله ! ومعلوم أن الخطاب إنما هو للعرب وهم يؤثرون ما وصف، كما قال: " في سدر مخضود وطلح منضود " ، ثم إنما وصف أصول الأشياء المتلذذ بها، فالقدرة قد تكون من اللبن أشياء كالمطبوخات وغيرها ومن العسل أشياء يتحلى بها، ثم قال عز وجل: " وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين " وقال: " اعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر " فوصف ما يعرف ويشتهى وضمن ما لا يعرف؛ وقال: إنما أهلك ثموداً لأجل ناقة، وما قدر ناقة ؟ وهذا جهل منه الملعون فإنه إنما أهلكهم لعنادكم وكفرهم في مقابلة المعجزة، لا لإهلاك ناقة.


قال: وقال: " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله " ، ثم قال: " لا يهدي من هو مسرف كذاب " . ولو فهم أن الإسراف الأول في الخطايا دون الشرك، والثاني في الشرك، وما يتعلق بكل آية يكشف معناها. قال: ووجدناه يفتخر بالفتنة التي ألقاها بينهم كقوله: " ولقد فتنا بعضهم ببعض " " ولقد فتنا الذين من قبلهم " ، ثم أوجب للذين فتنوا المؤمنين عذاب الأبد! وهذا الجاهل الملعون لا يدري أن الفتنة كلمة يختلف معناها في القرآن، فالفتنة معناها: الابتلاء،. كالآية الأولى، والفتنة الإحراق كقوله: " فتنوا المؤمنين " .
وقال: وقوله: " وله اسلم من في السموات والأرض " خبر محال، لأنه ليس كل الناس مسلمين، وكذلك قوله: " وإن من شيء إلا يسبح بحمده " وقوله: " وللّه يسجد ما في السموات وما في الأرض " ؛ ولو أن هذا الزنديق الملعون طالع التفسير وكلام العرب لما قال هذا، إنما يتكلم بعاميته وحمقه، وإنما المعنى وله أسلم استسلم والكل منقاد لما قضى به وكل ذليل لأمره، وهو معنى السجود؛ ثم قد تطلق العرق لفظ الكل وتريد البعض كقوله: " تدمر كل شيء " .
وقد ذكر الملعون أشياء من هذا الجنس مزجها بسوء الأدب، والانبساط القبيح، والذكر للخالق سبحانه وتعالى بما لا يصلح أن يذكر به أحد العوام، وما سمعنا أن أحداً عاب الخالق وانبسط كانبساط هذا اللعين قبله ويلومه لو جحد الخالق كان أصلح له من أن يثبت وجوده، ثم يخاصمه ويعيبه وليس له في شيء مما قاله شبهة، فضلاً عن حجة فتذكر ويجاب عنها، وإنما هو خذلان فضحة الله تعالى به في الدنيا، والله تعالى يقابله يوم القيامة مقابلة تزيد على مقابلة إبليس، وإن خالف، لكنه احترم في الخطاب كقوله: " بعزتك " ولم يواجه بسوء أدب كما واجه هذا اللعين، جمع الله بينهما، وزاد هذا من العذاب.
وقد حكينا عن الجبائي أن ابن الريوندي مرض ومات، ورأيت بخط ابن عقيل أنه صلبه بعض السلاطين والله أعلم. وقال ابن عقيل: ووجدت في تعليق محقق من أهل العلم: أن ابن الريوندي مات وهو ابن ست وثلاثين سنة، مع ما انتهى إليه من التوغل في المخازي لعنه الله وشدد عذابه.
الجنيد بن محمد بن الجنيد أبو القاسم الخزاز، ويقال القواريري قيل كان أبوه قواريرياً وكانهو خزازاً، وأصله من نهاوند إلا أن مولده ومنشأه ببغداد، سمع الحسن بن عرفة، وتفه على أبي ثور، وكان يفتي بحضرته وهو ابن عشرين سنة، وصحب جماعة من أهل الخير، واشتهر بصحبة الحارث المحاسبي، وسري السقطي، ولازم التعبد، وتكلم على طريقة التصوف.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا أحمد بن علي المحتسب، قال: أخبرنا الحسن بن الحسين الفقيه، قال: سمعت جعفر الخلدي يقول: قال الدنيد: ما أخرج الله إلى الأرض علماً وجعل للخلق إليه سبيلاً إلا وقد جعل الله لي فيه حظاً ونصيباً، قال الخلدي: وبلغني عن الجنيد أنه كان في سوقه، وكان ورده في كل يوم ثلثمائة ركعة وثلاثين ألف تسبيحة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرني أبو الحسن محمد بن عبد الواحد، قال: أخبرني محمد بن الحسين السلمي، قال: سمعت أبا بكر البجلي يقول: سمعت أبا محمد الحريري، يقول: كنت واقفاً على رأس الجنيد وقت وفاته وهو يقرأ القرآن، فقلت: يا أبا القاسم ارفق بنفسك، فقال: يا أبا محمد ما رأيت أحداً أحوج إليه مني في هذا الوقت وهو يطوي صحيفتي.
قال الخطيب وأخبرني عبد العزيز بن علي الوراق قال: سمعت علي بن عبد الله الهمذاني يقول: سمعت جعفر الخلدي، يقول: سمعت الجنيد يقول: ما نزعت ثوبي للفراش منذ أربعين سنة.
أنبأنا القزاز، قال: أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، قال، وأخبرني الجوهري، أخبرنا محمد بن العباس، أخبرنا ابن المنادي، قال: مات الجنيد سنة ثمان وتسعين؛ فذكر لي أنه حزر الجمع الذين صلوا عليه نحو ستين ألفاً.
الحسن بن علي بن محمد بن سليمان أبو محمد القطان ويعرف بابن علويه ولد في شوال سنة خمس ومائتين، سمع عاصم بن علي وغيره، روى عنه النجاد، والخطبي، وكان ثقة، وتوفي في شهر ربيع الآخر من هذه السنة.
سعيد بن إسماعيل بن سعيد بن منصور أبو عثمان الواعظ الحيري


ولد بالري ونشأ بها، ثم انتقل إلى نيسابور فسكنها إلى أن توفي بها في ربيع الآخر من هذه السنة، سمع الحديث بالري من محمد بن مقاتل، وموسى بن نصر، وبالعراق من محمد بن إسماعيل الأحمسي، وحميد بن الربيع اللخمي وغيرهما، ودخل بغداد، ويقال: أنه كان مستجاب الدعوة.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب، قال: حدثنا محمد بن نعيم الضبي، قال: سمعت أمي تقول: سمعت مريم امرأة أبي عثمان، تقول: صادفت من أبي عثمان خلوة فاغتنمتها، فقلت: يا أبا عثمان، أي عملك أرجى عندك ؟ فقال: يا مريم لما ترعرعت وأنا بالري، كانوا يريدونني على التزويج فأمتنع، جاءتني امرأة فقالت: يا أبا عثمان قد أحببتك حباً أذهب نومي ورقادي، وأنا أسألك بمقلب القلوب، وأتوسل به إليك أن تتزوج بي، قلت: ألك والد ؟ قالت: نعم فلان الخياط في موضع كذا وكذا، فراسلت أباها أن يزوجها مني، ففرح بذلك، وأحضرت الشهود فتزوجت بها، فلما دخلت بها وجدتها عوراء عرجاء مشوهة الخلق فقلت: اللهم لك الحمد على ما قدرته لي، وكان أهل بيتي يلومونني على ذلك، فأزيدها براً وإكراماً إلى أن صارت بحيث لا تدعني أخرج من عندها، فتركت حضور المجالس إيثاراً لرضاها وحفظاً لقلبها ثم بقيت معها على هذه الحال خمس عشرة سنة، وكأني في بعض أوقاتي على الجمر، وأنا لا أبدي لها شيئاً من ذلك إلى أن ماتت، فما شيء أرجى عندي من حفظي عليها ما كان في قلبها من جهتي.
أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: حدثنا عبد الكريم بن هوازن، قال: سمعت أبا عبد الرحمن السلمي، يقول: سمعت عبد الله بن محمد الشعراني، يقول: سمعت أبا عثمان يقول: منذ أربعين سنة ما أقامني الله في حال فكرهته، ولا نقلني إلى غيره فسخطته.
وكان أبو عثمان ينشد:
أسأت ولم أحسن وجئتك هارباً ... وأين لعبد من مواليه مهرب
يؤمل غفراناً فإن خاب ظنه ... فما أحد منه على الأرض أخيب
سعيد بن عبد الله بن أبي رجاء أبو عثمان الأنباري ويعرف بابن عجب حدث عن أبي عمر الدوري، وغيره، روى عنه ابن مخلد، وابن كامل القاضي، وأبو بكر الشافعي، توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
سمنون بن حمزة الصوفي: ويقال: سمنون بن عبد الله ويكنى أبا القاسم، صحب سرياً وغيره، ووسوس فكان يتكلم في المحبة، ثم سمى نفسه الكذاب لموضع دعواه في قوله:
فليس لي في سواك حظ ... فكيف ما شئت فامتحني
فامتحن بحصر البول، فصار يدور في المكاتب، ويقول للصبيان، ادعوا لعمكم المبتلى بلسانه.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، حدثنا عبد العزيز بن علي الوراق، حدثنا عي بن عبد الله الهمذاني، قال: حدثني عبد الكريم بن أحمد، قال: حدثني أبو جعفر محمد بن عبد الله الفرغاني، قال: أخبرني أبو أحمد المغازلي، قال: كان ورد سمنون في كل يوم وليلة خمسمائة ركعة.
صافي الحرمي: مرض فأشهد على نفسه أنه ليس له عند غلامه قاسم مال ولا عقار ولا وديعة، فلما مات حمل غلامه إلى الوزير ابن الفرات من العين مائة ألف دينار، وعشرين ألف دينار، وسبعمائة منطقة، وقال: هذا الذي كان له عندي، فاعلم المقتدر بذلك، فأمر أن ينزل القاسم منزلته. وكان صافي صاحب الدولة كلها، وإليه أمر دار الخليفة.
وتوفي في شعبان هذه السنة.
عبد الله بن محمد بن صالح بن مساور أبو محمد البكري وقيل الباهلي من أهل سمرقند، كان ممن عني بطلب الحديث والآثار، ورحل في ذلك، وجالس الحفاظ، وكتب عنهم، وحدث في البلاد فروى عنه من أهل بغداد محمد بن مخلد، وأبو بكر الشافعي، وكان ثقة، وتوفي في هذه السنة.
عبد السلام بن سهل بن عيسى أبو علي السكري سكن مصر، وحدث بها عن يحيى الحمداني، وعبيد الله القواريري. روى عنه ابن شنبوذ، والطبراني، وكان من نبلاء الناس، وأهل الصدق، ولكنه تغير في آخر أيامه، وتوفي في شهر ربيع الآخر من هذه السنة.
ثم دخلت
سنة تسع وتسعين ومائتين
فمن الحوادث فيها:


أنه ظهرت ثلاثة كواكب مذنبة. ظهر أحدها ليلة الخميس لخمس بقين من رمضان في برج الأسد، وظهر الثاني في ليلة الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي القعدة في المشرق، وظهر الثالث ليلة الأربعاء لعشر بقين من ذي القعدة في برج العقرب، وبقيت أياماً ثم اضمحلت.
وغضب الخليفة على علي بن محمد بن الفرات لأربع خلون من ذي الحجة، وحبس ووكل بدوره، وأخذ كل ما وجد له ولأهله وأصحابه، وانتهبت دورهم اقبح نهب، وادعى عليه أنه كتب إلى الأعراب أن يكبسوا بغداد، واستوزر أبو علي محمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان، وكان قد ضمن لأم ولد المعتضد بالله مائة ألف دينار فعملت في توليته.
وورد الخبر من فارس بطاعون حدث فيها مات فيه سبعة آلاف انسان، ووردت أربع أحمال مال من مصر، وقيل: إنه وجد هناك كنز قديم، وكان معه ضلع انسان طوله أربعة عشر شبراً في عرض شبر، زعموا أنه من قوم عاد، وكان مبلغ المال خمسمائة ألف دينار، وكان معها هدايا عجيبة فذكر الصولي أنه كان في الهدايا تيس له ضرع يحلب اللبن.
ووردت رسل أحمد بن إسماعيل بهدايا منها مذبة مرصعة بفاخر الجوهر، وتاج من ذهب مرصعة فيها شمامات مسك، وعنبر كله مرصع، وعشرة أفراس بسروجها ولأحدها سرج ذهب.
ووردت هدايا ابن أبي الساج، أربعمائة دابة، وثمانون ألف دينار، وفرش أرمني لم ير مثله، فيه بساط طوله سبعون ذراعاً في عرض ستين ذراعاً عمل في عشر سنين لا قيمة له.
وورد الخبر من فارس بطاعون حدث فيها مات فيه سبعة آلاف إنسان.
وفي هذه السنة حج بالناس الفضل بعبد الملك وورد ورقاء بن محمد بن ورقاء بن محمد بن ورقاء الشيباني، ومعه أسرى من الأعراب كل منهم كان يعني السلطان، وأصلح الطريق بأخذهم.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن نصر بن إبراهيم أبو عمرو الحافظ المعروف بالخفاف سمع إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، ومحمد بن رافع، وأبا كريب، وغيرهم، وكان يذاكر بمائة ألف حديث، وصام دائماً نيفاً وثلاثين سنة، وتصدق بخمسة آلاف درهم، توفي في شعبان هذه السنة.
أنبأنا زاهر بن طاهر، أنبأنا أبو بكر البيهقي، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله البيع، قال: سمعت أبا حامد بن محمد المقرئ يقول: وقف سائل على أبي عمرو الخفاف فأمر له بدرهمين، فقال الرجل: الحمد لله فقال لصاحبه: اجعلها خمسة فقال الرجل: اللهم لك الحمد، فقال: اجعلها عشرة، فلم يزل الرجل يحمد الله ويزيده أبو عمرو إلى أن بلغ مائة درهم، فقال: جعل الله عليك واقية باقية، فقال أبو عمرو: والله لو لم يرجع من الحمد إلي غيره لبلغت به عشرة آلاف درهم.
البهلول بن إسحاق بن البهلول بن حسان بن سنان، أبو محمد التنوخي. ولد سنة أربع ومائتين، وسمع اسماعيل بن أبي أويس، ومصعباً الزبيري، وسعيد بن منصور، وغيرهم، روى عنه أبو بكر الشافعي، وجماعة آخرهم أبو بكر الإسماعيلي الجرجاني، وكان ثقة ضابطاً لما يرويه، بليغاً مصقعاً في خطبته.
جعفر بن محمد بن الأزهر أبو أحمد البزاز يعرف بالباوردي، والطوسي: روى عن جماعة، حدث عنه النجاد والشافعي، وكان ثقة، وتوفي في رجب هذه السنة.
الحسين بن عبد الله بن أحمد أبو علي الخرقي والد عمر صاحب المختصر في الفقه على مذهب أحمد بن حنبل حدث عن جماعة وروى عنه أبو بكر الشافعي، وابن الصواف، وعبد العزيز بن جعفر، وكان خليفة المروذي وتوفي في يوم الفطر من هذه السنة، ودفن بباب حرب عند قبر الإمام أحمد بن حنبل.
شاه بن شجاع أبو الفوارس الكرماني كان من أولاد الملوك، وصحب أبا تراب النخشبي وأبا عبيد الله البسري وغيرهما.
أخبرنا محمد بن ناصر قال: أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن خلف، أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: قال الفارسي: سمعت أبا علي الأنصاري يقول: سمعت شاه بن شجاع يقول لأهل الفضل: فضل ما لم يروه فإذا رأوه فلا فضل لهم.
قال السلمي: ورأيت بخط جدي اسماعيل بن نجيد، قال شاه بن شجاع: من صحبك ووافقك على ما تحب وخالفك فيما تكره فإنما يصحب هواه. قال السلمي: مات شاه قبل الثلاثمائة.
عباس بن عبد الله بن محمد بن فضال أبو جعفر الكوفي كتب العلم وعني بتصنيفه، وتوفي بمصر في ربيع الأول من هذه السنة.
عباس بن المهتدي أبو الفضل الصوفي


بغدادي دخل مصر، وصحب بها أبا سعيد الخراز، وكان كثير الأسفار على التوكل، وكان من أقران الجنيد.
أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن حبيب قال: أنبأنا علي بن عبد الله بن أبي صادق أخبرنا أبو عبد الله بن باكويه، حدثنا أبو العباس محمد بن الحسن الخشاب، قال: حدثني محمد بن عبد الله الفرغاني، قال: تزوج عباس بن المهتدي امرأة، فلما كانت الليلة التي أراد أن يدخل بها وقعت عليه ندامة، فدخل عليها وهو كاره، فلما أراد أن يدنو منها زجر عنها فامتنع من وطئها، وقام وخرج من عندها، فلما كان بعد ثلاثة أيام ظهر للمرأة زوج.
عياش بن محمد بن عيسى الجوهري: حدث عن أيوب بن يحيى المقابري، وداود بن رشيد، وأحمد بن حنبل، روى عنه الطبراني، وابن الجعابي، والإسماعيلي. وكان ثقة.
توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
فاطمة القهرمانة: غضب عليها المقتدر، وأخذ ما عندها من المال، وكان لها مال عظيم أعطت منه شخصين مائتي ألف دينار عيناً غير الهدايا، فمرضت وتوفيت في ذي القعدة من هذه السنة وقيل: بل ركبت في طيارها في آخر شعبان فغرقت تحت الجسر في يوم ريح عاصف وأخرجت بعد يومين.
محمد بن إسماعيل أبو عبد الله المغربي وهو أستاذ ابراهيم الخواص، حج على قدميه سبعاً وتسعين حجة.
أنبأنا أبو عبد الله بن باكويه، قال: سمعت أبا بكر الجوزقاني، يقول: سمعت إبراهيم بن شيبان، يقول: سمعت أبا عبد الله المغربي، يقول: ما رأيت ظلمة منذ سنين كثيرة. قال إبراهيم: وذلك أنه كان يتقدمنا بالليل المظلم ونحن نتبعه وهو حاف حاسر، فكان إذا عثر أحدنا يقول له: يميناً وشمالاً، ونحن لا نرى ما بين أيدينا، فإذا أصبحنا نظرنا إلى رجله كأنها رجل عروس خرجت من خدرها، وكان يقعد لأصحابه ويتكلم عليهم، فما رأيته انزعج إلا يوماً واحداً كنا على الطور وهو قد استند إلى شجرة خرنوب، وهو يتكلم علينا، فقال في كلامه: لا ينال العبد مراده حتى ينفرد فرداً بفرد فانزعج واضطرب، فرأيت الصخور قد تدكدكت، وبقي في ذلك ساعات، فلما أفاق كأنه نشر من قبره. توفي في هذه السنة، وقيل: سنة سبع وتسعين، وأوصى أن يدفن إلى جانب استاذه علي بن رزين، وعاش كل واحد منهما عشرين ومائة سنة فهما على جبل الطور.
محمد بن أبي بكر أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب، أبو عبد الله نسائي الأصل، كان فهما عارفاً، وحدث عن نصر بن علي الجهضمي، وعمرو بن علي الصيرفي، والحسين بن حريث المروزي، وغيرهم.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت عن أبي عبد الله محمد بن الحسين الضميري، قال: قال لي علي بن الحسن الرازي: قال لنا أبو عبد الله محمد بن الحسين الزعفراني، قال: كان لأبي بكر بن أبي خيثمة ابن حافظ استعان به أبو بكر في تصنيف كتاب التاريخ.
قال ابن ثابت: هو أبو عبد الله هذا، قال: وقرأت في كتاب أبي الفتح عبيد الله بن أحمد النحوي، سمعت القاضي ابن كامل يقول: أربعة كنت أحب بقاءهم أبو جعفر الطبري، والبربري، وأبو عبد الله بن أبي خيثمة، والمعمري، فما رأيت أفهم منهم ولا احفظ. توفي محمد بن أبي بكر يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي القعدة من هذه السنة.
محمد بن أحمد بن كيسان أبو الحسن النحوي أخبرنا عبد الرحمن القزاز، قال: أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: كان ابن كيسان أحد المذكورين بالعلم والموصوفين بالفهم، وكان يحفظ مذهب البصريين والكوفيين معاً في النحو، لأنه أخذ عن المبرد، وثعلب، وكان أبو بكر بن مجاهد المقرئ يقول: أبو الحسن بن كيسان انحى من الشيخين، يعني ثعلباً والمبرد.
محمد ببن السري بن سهل أبو بكر القنطري سمع عثمان بن أبي شيبة وغيره، وكان ثقة، توفي في جمادى الأولى من هذه السنة.
محمد بن يحيى أبو سعيد يعرف بحامل كفنه سكن دمشق، وحدث بها عن أبي بكر، وعثمان ابني أبي شيبة، وعقبة بن مكرم العمي، وابراهيم بن سعيد الجوهري، وسلمة بن شبيب، وأحمد بن منيع وغيرهم، روى عنه أبو بكر النقاش وغيره.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال:


بلغني أن المعروف بحامل كفنه توفي وغسل وكفن وصلي عليه ودفن، فلما كان في الليل جاءه نباش، فنبش عنه، فلما حل أكفانه ليأخذها استوى قاعداً، فخرج النباش هارباً منه فقام وحمل كفنه وخرج من القبر، وجاء إلى منزله وأهله يبكون، فدق الباب عليهم فقالوا: من أنت ؟ قال: أنا فلان، فقالوا له: يا هذا لا يحل لك أن تزيدنا على ما بنا، فقال: يا قوم افتحوا فأنا والله فلان، فعرفوا صوته ففتحوا وعاد حزنهم فرحاً، وسمي من يومئذ حامل كفنه.
ومثل هذا جرى لسعير بن الخمس الكوفي، فإنه لما دلي في حفرته اضطرب فحلت عنه أكفانه فقام ورجع إلى منزله، وولد له بعد ذلك ابنه مالك بن سعير. توفي محمد بن يحيى في هذه السنة.
ثم دخلت
سنة ثلثمائة
فمن الحوادث فيها: خروج خارجي بالمغرب فنصر عليه وبعث بأعلام من أعلامه وآذان وآناف في خيوط.
وفي هذه السنة صلب الحسين بن منصور الحلاج وهو حي في الجانب الشرقي في يوم الأربعاء والخميس، وفي الغربي يوم الجمعة والسبت لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر.
وورد الخبر بانخساف جبل بالدينور يعرف بالتل، وخروج ماء كثير من تحته أغرق عدة من القرى.
ووصل الخبر بانخساف قطعة عظيمة من جبل لبنان وسقوطها في البحر.
وورد كتاب من صاحب البريد يذكر أن بغلة وضعت فلوة.
وفيها كثرت الأمراض والعلل والعفن ببغداد في الناس، وكلبت الكلاب والذئاب في البادية، وكانت تطلب الناس والدواب والبهائم، فإذا عضت إنساناً أهلكته.
ومدت دجلة مداً عظيماً، وكثرت الأمطار، وتناثرت النجوم في ليلة الأربعاء لسبع بقين من جمادى الآخرة تناثراً عجيباً، كلها إلى جهة واحدة نحو خراسان.
وفي هذه السنة حج بالناس الفضل بن عبد الملك الهاشمي.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
إبراهيم بن موسى بن جميل أبو إسحاق الأندلسي مولى بني أمية: حدث عن ابن قتيبة، وابن أبي الدنيا، وكان ثقة.
توفي بمصر في جمادى الأولى من هذه السنة.
الأحوص بن المفضل بن غسان بن المفضل بن معاوية بن عمرو بن خالد ابن غلاب أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: غلاب امرأة وهي أم خالد بن الحارث بن أوس بن النابغة، ويكنى الأحوص أبا أمية الغلابي. روى عن أبيه كتاب التاريخ، وروى عن جماعة ، وكان يتجر في البز ببغداد فاستتر ابن الفرات عنده، وقال له: إن وليت الوزارة فأي شيء تحب أن أصنع بك ؟ فقال: تقلدني شيئاً من أعمال السلطان، قال: ويحك لا يجيء منك عامل ولا أمير ولا قائد ولا كاتب ولا صاحب شرطة فأيش أقلدك ؟ قال: لا أدري، قال: أقلدك القضاء، قال: قد رضيت، ثم خرج ابن الفرات، وولي الوزارة، وأحسن إلى أبي أمية وأفضل عليه وولاه قضاء البصرة وواسط والأهواز، وانحدر أبو أمية إلى أعماله، وأقام بالبصرة وكان قليل العلم يخطئ إلا أن عفته وتصونه غطيا على نقصه، فلم يزل بالبصرة حتى قبض عليه ابن كنداج أمير البصرة في بعض نكبات المقتدر لابن الفرات، وكان بين أبي أمية وبين ابن كنداج وحشة فأودعه السجن، وأقام فيه مدة إلى أن مات فيه ولا نعلم أن قاضياً مات في السجن سواه.
وبلغني من طريق آخر أن الأحوص كان بينه وبين ابن كنداج أمير البصرة وحشة، وكان لا يركب إليه ويعارضه في الظلامات فيضح من يده ويكتب إلى ابن الفرات فيجيبه بالصواعق ويأمره بالسمع والطاعة، إلى أن ورد كتاب طائر إلى ابن كنداج بالقبض على ابن الفرات، فلكب إلى الأحوص فقبض عليه، وأمشاه بين يديه طول الطريق إلى داره، وأدخله السجن، فأقام فيه مدة، ثم مات. ثم عاد ابن الفرات إلى الوزارة فحدث بذلك فاغتم، وقال: هل له ولد ؟ فجيء بابن له فيه تغفيل، فقال: هذا لا يصلح فوصله بمال.
جعفر بن محمد بن سليمان أبو الفضل الخلال الدوري روى عنه أبو بكر الشافعي، وتوفي في نصف شوال من هذه السنة.
الحسين بن عمر بن أبي الأحوص أبو عبد الله الكوفي ولد سنة خمس عشرة ومائتين، وحدث ببغداد، فسمع منه الشافعي، وابن الجعابي وكان ثقة، وتوفي ببغداد في قطيعة الربيع في رمضان هذه السنة، وحمل إلى الكوفة فدفن بها.
عبيد الله بن عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب أبو أحمد الخزاعي


وهو أخو محمد بن عبد الله بن طاهر، ولي إمارة بغداد، وحدث عن الزبير بن بكار، روى عنه الصولي، والطبراني، وكان أديباً فاضلاً شاعراً فصيحاً.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا أبو بشر محمد بن عمر الوكيل، قال: حدثنا محمد بن عمران المرزباني، قال: أخبرني محمد بن يحيى، قال: حدثنا محمد بن عمران المرزباني، قال: أخبرني محمد بن يحيى، قال: أنشدني عبيد الله بن عبد الله بن طاهر لنفسه:
حق التنائي بين أهل الهوى ... تكاتب يسخن عين النوى
وفي التداني لا انفضى عمره ... تزاور يشفي غليل الجوى
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري، حدثنا المعافى بن زكريا، حدثنا أحمد بن أبي سهل الحلواني، حدثنا أبو الحسن علي بن هارون بن علي بن يحيى، قال: كان أبي نازلاً في جوار عبيد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن طاهر، فانتقل عنه إلى دار ابتاعها بنهر المهدي، وهي دار كانت لاسحاق بن إبراهيم الموصلي، فكتب إليه عبيد الله مستوحشاً:
يا من تحول عنا وهو يألفنا ... بعدت جداً فألا كنت تلقانا
فاعلم بأنك إن بدلت جيرتنا ... بدلت جاراً وما بدلت إخوانا
فأجابه هارون بن علي:
بعدت عنكم بداري دون خالصتي ... ومحض ودي وعهدي كالذي كانا
وما تبدلت مذ فارقت قربكم ... إلا هموماً أعانيها وأحزانا
وهل يسر بسكنى داره أحد ... وليس أحبابه للدار جيرانا
أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزاز، عن أبي القاسم علي بن المحسن، عن أبيه، قال: حدثنا أبو أحمد الفضل بعبد الرحمن بن جعفر الشيرازي، قال: حدثني أبو سليمان بن الثلاج، قال: قال أبي: كان أصل نعمتي من ثمن خمسة أرطال ثلج، وذلك أنه عز الثلج في بعض السنين ببغداد، وكان عندي منه شيء فبعته وبقي عندي منه خمسة أرطال، فاعتلت جارية لعبيد الله ب عبد الله بن طاهر كانت روحه من الدنيا، وهو إذ ذاك أمير بغداد فطلبت ثلجاً، فنفذ إلي فقلت: ما عندي إلا رطل واحد فلا أبيعه إلا بخمسة آلاف درهم، وكنت قد عرفت الحال فلم يجسر الوكيل على شراء ذلك ورجع يستأذن عبيد الله، فشتمه عبيد الله وقال: اشتره بأي ثمن كان ولا تراجعني، فجاءني وقال: خذ خمسة آلاف درهم وهات الرطل، فقلت: لا أبيعك إلا بعشرة آلاف درهم ! فلم يتجاسر على المراجعة وأعطاني عشرة آلاف درهم وأخذ الرطل فسقيت به المريضة وقويت نفسها، وقالت: أريد رطلاً آخر، فجاءني الوكيل بعشرة آلاف درهم، وقال: هات رطلاً آخر، فبعته، فلما شربته العليلة تماثلت وطلبت الزيادة، فجاءوا يلتمسون ذلك، فقلت: ما بقي عندي إلا رطل، ولا أبيعه إلا بزيادة فداراني وأعطاني عشرة آلاف درهم، ثم أحببت لأشرب أنا منه لأقول إني شربت ثلجاً يساوي الرطل منه عشرة آلاف درهم، ثم أحببت لأشرب أنا منه لأقول إني شربت ثلجاً يساوي الرطل منه عشرة آلاف درهم، فشربت منه رطلاً وجاءني الوكيل قرب السحر، فقال: الله الله قد والله صلحت الجارية فإن كان عندك منه شيء فاحتكم في بيعه، فقلت: والله ما عندي إلا رطل واحد ولا أبيعه إلا بثلاثين ألفاً، فقال: خذ، فاستحييت من الله أبيع رطل ثلج بثلاثين ألفاً، فقلت: هات عشرين، وأعلم أنك إن جئتني بعدها بملء الأرض ذهباً لا تجد عندي شيئاً فأعطاني، فلما شربته أفاقت فأكلت الطعام، وتصدق عبيد الله بمال عظيم، قال: ودعاني من الغد، وقال: أنت بعد الله عز وجل رددت حياتي بحياة جاريتي فاحتكم، فقلت: أنا خادم الأمير وعبده فاستخدمني في شرابه وثلجه وكثير من أمر داره، فكانت تلك الدراهم أصل نعمتي، وتوفي عبيد الله في شوال هذه السنة.
عبد الله بن محمد بن أبي كامل أبو محمد الفزاري وكان ينزل مدينة المنصور وحدث عن هوذة، وداود بن رشيد. روى عنه أبو علي ابن الصواف، وابن الجعابي.
وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة عن أربع وتسعين سنة.
علي بن طيفور بن غالب أبو الحسن النسوي سكن بغداد وحدث بها عن قتيبة، روى عنه أبو بكر الشافعي وابن مالك القطيعي، وكان ثقة. وتوفي في صفر هذه السنة.
محمد بن إبراهيم بن مطرف بن محمد بن علي أبو أحمد الاستراباذي


كان من رؤساء استرباذ، وكان المنظور إليه من بين أهلها، وكان تاجراً ثقة أميناً معروفاً بالخير والبذل في ذات الله عز وجل، كتب الحديث وحدث، ويقال: أنه كتب عن أبي سعيد الأشج. وتوفى في هذه السنة.
محمد بن جعفر بن محمد بن حبيب بن أزهر أبو عمر القتات الكوفي قدم بغداد، وحدث بها عن أبي نعيم الفضل بن دكين، ومنجاب بن الحارث، وأحمد بن يونس. روى عنه الخطبي، والشافعي، والجعابي، وغيرهم، وكان ضعيفاً، وقال الدارقطني: تكلموا في سماعه من أبي نعيم.
توفى ببغداد غرة جمادى الأولى، وقيل: لست خلون من جمادى الأولى سنة ثلثمائة وحمل من يومه إلى الكوفة.
محمد بن جعفر بن محمد بن حفص بن عمر بن راشد أبو بكر الربعي الحنفي يعرف بابن الامام، ولد سنة أربع عشرة ومائتين، وسكن دمياط، وحدث بها عن إسماعيل بن أبي أويس، وأحمد بن يونس، والحماني، وابن المديني، وغيرهم.
وتوفي يوم الأربعاء لعشر خلون من ذي الحجة من هذه السنة، وكان ثقة.
محمد بن الحسن بن سماعة بن حيان أبو الحسن الحضرمي قدم بغداد وحدث بها عن أبي نعيم، روى عنه أبو بكر الشافعي وغيره، وقال الدارقطني: ليس بالقوي.
توفي ببغداد يوم الإثنين لأربع بقين من جمادى الأولى سنة ثلثمائة.
محمد بن الحسن بن محمد بن الحارث أبو عبد الله الأنباري ويعرف بالقرنجلي سمع إسحاق بن البهلول التنوخي، روى عنه الإسماعيلي، وكان ثقة.
توفي في هذه السنة.
ثم دخلت
سنة إحدى وثلثمائة
فمن الحوادث فيها غزو الحسين بن حمدان الصائفة، ففتح حصوناً كثيرة، وقتل من الروم خلقاً كثيراً.
وفيها: عزل المقتدر بالله محمد بن عبيد الله عن الوزارة، وحبسه أياماً مع ابنيه عبد الله، وعبد الوهاب. وقلد الوزارة علي بن عيسى، وكان من أفضل الوزراء وأيامه أبهى من غيرها، وكان يجتهد في العدل والإحسان.
وفيها: كثرت الأمراض الدموية بالناس ببغداد، وكان ذلك في آخر تموز وآب وكان من ذلك المرض نوع سموه الماشري، وكان طاعوناً قاتلاً.
وفيها: وصلت هدايا صاحب عمان إلى السلطان، وفيها ببغة بيضاء، وغزال أسود.
وركب المقتدر في شعبان على الظهر إلى باب الشماسية على طريق الصحراء، ثم انحدر إلى داره في دجلة، وهي أول ركبة ظهر فيها للعامة.


ولما ولي الوزارة علي بن عيسى شاوره المقتدر في أمر القرامطة، فأشار بمكاتبة أبي سعيد الحسن بن بهرام الجنابي المتغلب على هجر، فتقدم إليه بمكاتبته، فكتب كتاباً طويلاً يتضمن الحث على طاعة الخلفاء، ويعاتبه على تركه الطاعة، ويوبخه على ما يحكى عن أصحابه من إعلان الكفر وإنكارهم على من يسبح الله عز وجل ويقدسه، واطراحهم الصلوات والزكوات، واستهزائهم بأهل الدين واسترقاقهم الأحرار، ثم تواعده فيه بالحرب إن لم يطع فوصل الكتاب إليه، وقد قتل أبو سعيد، وثب عليه خادم له صقلابي فقتله، ثم دعا رجلاً من رؤساء أصحابه فقال له: السيد يدعوك، فلما دخل قتله، ثم دعا آخر فقتله إلى أن دعا الخامس فرأى القتلى فصاح، واطلع النساء فصحن فقبضن عليه قبل أن يقتل الخامس، وقد كان أبو سعيد عهد إلى ابنه سعيد فلم يضطلع بالأمر فغلبه عليه أخوه الأصغر أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد فتوقفت الرسل الذين حملوا الكتاب عن إيصاله، وكاتبوا الوزير علي بن عيسى، فأمرهم بإيصال الكتاب إلى أولاده ومن قام مقامه، فأوصلوه فكان من جوابهم بعد حمد الله عز وجل والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، وتعظيم الخليفة، وشكر ما يبلغهم عن الوزير من العدل، وقالوا: إنا لم نخرج من الطاعة ولكنا كنا قوماً مستورين فنقم علينا ذلك فجار من الناس لا دين لهم فشنعوا علينا وقذفونا بالكبائر، ثم خرجوا إلى سبنا وضربنا، ثم نادوا قد أجلناكم ثلاثة أيام فمن أقام بعدها أحل بنفسه العقوبة، فخرجنا فوثبوا علينا قبل الأجل، وضربونا واغرمونا الأموال، فسألناهم أن يؤمنونا على أنفسنا فلم يفعلوا، وأمر صاحب البلد بقتلنا فهربنا، فأخذوا حرمنا وسلبوهم سلباً قبيحاً، وانتهبوا منازلنا فلجأنا إلى البادية، فخرج ناس إلى المعتضد بالله فشنعوا علينا، فصدق مقالتهم وبعث إلينا من يخاصمنا، فدافعنا عن أنفسنا فقويت وحشتنا من الخلق، وأما ما ادعى علينا من ترك الصلاة وغيرها، فلا يجوز قبول دعوى إلا ببينة، وإذا كان السلطان ينسبنا إلى الكفر بالله تعالى فكيف يسألنا أن ندخل في طاعته.
فلما وصل كتابهم كتب الوزير إليه كتاباً جميلاً يعدهم فيه بالخير.
وفي هذه السنة: جرت ملاحة بين ابن الجصاص، وإبراهيم بن أحمد المادرائي، فقال إبراهيم بن أحمد: مائة ألف دينار من مالي صدقة، لقد ابطلت في الذي حكيته عني، فقال له ابن الجصاص قفيز دنانير من مالي صدقة لقد صدقت وأبطلت في قولك، فقال له إبراهيم المادرائي: من جهلك أنك لا تعلم أن مائة ألف دينار أكثر من قفيز، فعجب الناس من كلامهما، واعتبر هذا فإذا القفيز ستة وتسعون ألف دينار.
وفي هذه السنة: قبض بالسوس على الحسين بن منصور الحلاج، وحصل في يد عبد الرحمن خليفة علي بن أحمد الراسبي، وأخذت له كتب ورقاع فيها أشياء مرموزة، ثم حمل فأدخل إلى مدينة السلام على جمل، ومعه غلام له على جمل آخر مشهورين ونودي عليه: هذا أحد دعاة القرامطة، فاعرفوه وحبس، ثم أحضره الوزير علي بن عيسى وناظره، فلم يجده يقرأ القرآن ولا يعرف من الفقه شيئاً، ولا من الحديث، ولا من الأخبار، ولا الشعر، ولا اللغة. فقال له علي بن عيسى: تعلمك الطهور والفروض أجدى عليك من رسائل لا تدري ما تقول فيها، كم تكتب ويلك إلى الناس: تبارك ذو النور الشعشعاني ما أحوجك إلى الأدب ؟ ثم أمر به فصلب حياً في الجانب الشرقي في مجلس الشرطة، ثم في الجانب الغربي حتى رآه الناس، ثم حمل إلى دار السلطان فحبس بها، فاستمال بعض أهلها بإظهار السنة حتى مالوا إليه وصاروا يتكبرون به ويستدعون منه الدعاء. قال مؤلفه: وستأتي أخباره إن شاء الله تعالى.
وفيها حج بالناس الفضل بن عبد الملك.
ووقع وباء في آخر السنة ببغداد، خصوصاً في الحربية حتى غلقت أكثر دورها.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
إبراهيم بن محمد الهيثم أبو القاسم القطيعي كان يسكن قطيعة عيسى بن علي، وحدث عن جماعة. روى عنه القاضي المحاملي، وأبو الحسين بن المنادي، والخطبي غيرهم، وقال الدارقطني: هو ثقة صدوق.


أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا محمد بن عبد الواحد، قال: حدثنا محمد بن العباس، قال: قرئ على ابن المنادي وأنا اسمع، قال أبو القاسم ابراهيم بن محمد القطيعي: مات في جمادى الآخرة سنة إحدى وثلثمائة، وكان حسن المعرفة بالحديث، ثقة متيقظاً، منزله بالجانب الغربي من قطيعة عيسى، كتب عنه الناس.
إبراهيم بن خالد الشافعي جمع العلم والزهد، ومن تلامذته أبو بكر الاسماعيلي، توفي في هذه السنة.
إسماعيل بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول أبو الحسن التنوخي الأنباري ولد بها سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وورد بغداد فحدث بها عن عبد الله بن أحمد، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وغيرهما. وكان حافظاً للقرآن، عالماً بأنساب اليمن، كثير الحديث، ثقة صدوقاً، وتوفي بالأنبار في هذه السنة.
جعفر بن محمد بن الحسن بن المستفاض أبو بكر الفريابي قاضي الدينور، طاف البلاد شرقاً وغرباً في طلب العلم، ولقى الأعلام، وسمع بخراسان ما وراء النهر، واستوطن بغداد، وحدث عن هدبة، وابن المديني، وبندار، وأبي كريب، وقتيبة وخلق كثير. روى عنه أبو الحسين بن المنادي، وأحمد بن سلمان النجاد، وأبو بكر الشافعي، وغيرهم. وكان ثقة حجة.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي، قال: أخبرنا أحمد بن محمد العتيقي: قال: بلغنا عن شيخنا أبي حفص عمر بن علي الزيات، قال: لما ورد جعفر الفريابي إلى بغداد استقبل بالطيارات والزبازب ووعد له الناس إلى شارع المنار بباب الكوفة ليسمعوا منه. فاجتمع الناس فحزر من حضر مجلسه لسماع الحديث، فقيل: نحو ثلاثين ألفاً، وكان المستملون ثلثمائة وستة عشر، قال العتيقي: وسمعت شيخنا أبا الفضل الزهيري، يقول: سمعت جعفر بن محمد الفريابي يقول: كان في مجلسه من أصحاب المحابر من يكتب حدود عشرة آلاف إنسان ما بقي منهم غيري سوى من كان لا يكتب.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، حدثنا عبيد الله بن عمر بن أحمد الواعظ، عن أبيه، قال: سمعت أبا الحسن محمد بن جعفر بن محمد الفريابي يقول: ولد أبي سنة سبع ومائتين، وتوفي في ليلة الأربعاء في المحرم سنة إحدى وثلثمائة وهو ابن اربع وتسعين سنة، وكان قد حفر لنفسه قبراً في مقابر أبي أيوب قبل موته بخمس سنين، فكان يمر إليه فيقف عنده، ولم يقض أن يدفن فيه.
الحسن بن الحباب بن مخلد بن محبوب أبو علي المقرئ الدقاق سمع لوينا وغيره وكان يقرأ بقراءة أبي عمرو، روى عنه ابن المنادي، وكان ثقة.
توفي في يوم التروية يوم جمعة، ودفن يوم عرفة من هذه السنة وقد قارب التسعين.
الحسن بن سليمان بن نافع أبو معشر الدارمي البصري سكن بغداد وحدث بها عن أبي الربيع الزهراني، وهدبة. روى عنه ابن قانع، وأبو بكر الشافعي، وقال الدارقطني: ثقة.
توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة، ودفن في مقابر باب الكوفة.
عبد الله بن علي بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب من سروات الرجال وله قدر وجلالة. استقضاه المكتفى بالله على مدينة المنصور في سنة اثنتين وتسعين ومائتين، فما زال كذلك إلى سنة ست وتسعين فإن المقتدر نقله إلى الجانب الشرقي.
وتوفي بالسكتة في هذه السنة، وقيل: سنة ثمان وتسعين ومائتين.
عبد الله بن محمد بن ناجية بن نجية أبو محمد البربري سمع سويد بن سعيد، وأبا بكر بن أبي شيبة، روى عنه أبو بكر ابن الأنباري، وابن مقسم، والشافعي، وكان ثقة ثبتاً فاضلاً مشهراً بالطلب، مكثراً إلا أنه اشتهر بصحبة الكرابيسي.
وتوفي في رمضان هذه السنة.
علي بن أحمد الراسبي: كانت إليه الأعمال من حد واسط إلى حد شهرزور، وكان يتقلد جندي سابور، والسوس، وبادرايا، وباكسايا إلى آخر حدودهما، وكان ضمانه إلى آخر عمله بالف ألف دينار، وأربعمائة ألف دينار كل سنة. فتوفي في هذه السنة، وورد الخبر بوفاته في جمادى الآخرة، وخلف من العين ألف ألف دينار، وآنية ذهب وفضة بقيمة مائة ألف دينار، ومن الخيل والبغال والجمال ألف رأس، ومن الخز ألف ثوب، وقيل: أنه كان له ثمانون طرازاً ينسج فيها الثياب.
محمد بن أحمد بن محمد بن أبي بكر بن علي بن مقدم أبو عبد الله القاضي المقدمي مولى ثقيف:


سمع عمرو بن علي الفلاس، ويعقوب الدورقي، وبندار وغيرهم، وكان ثقة.
وتوفي في غرة شوال هذه السنة.
محمد بن جعفر بن عبد الله بن جابر بن يوسف أبو جعفر الراشدي سمع عبد الأعلى بن حماد النرسي، وحدث عن أبي بكر الاثرم، وروي عنه أبو بكر بن مالك القطيعي، وكان ثقة، وتوفي في محرم هذه السنة.
محمد بن جعفر بن سعيد أبو بكر الجوهري حدث عن الحسن بن عرفة، وروى عنه علي بن الحسن بن المثنى العنبري.
محمد بن حبان بن الأزهر أبو بكر الباهلي البصري حدث عن أبي عاصم النبيل، وروى عنه أبو بكر الجعابي قال عبد الغني الحافظ: يحدث بمناكير، وقال الصوري: هو ضعيف أنبأنا القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر علي بن ثابت قال: أخبرنا البرقاني، قال: سمعت عبد الله بن إبراهيم الأبندوني، يقول: ابن حبان لا بأس به إن شاء الله تعالى.
محمد بن عبد الله بن علي بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب يعرف بالأحنف، كان يخلف أباه على القضاء بمدينة السلام، وكان سرياً جميلاً واسع الأخلاق. وتوفي في جمادى الأولى من هذه السنة، وتوفي أبوه في رجبها، فكان بينهما في الوفاة ثلاثة وسبعون يوماً، ودفنا في موضع واحد بالقرب من مقابر باب الشام.
ثم دخلت
سنة اثنتين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: أنه في أول يوم من المحرم ورد كتاب أبي الحسن نصر بن أحمد صاحب خراسان، أنه واقع عمه اسحاق بن إسماعيل، فأخذه أسيراً، فخلع على رسوله وحملت إليه الخلع لولاية خراسان.
وفي صفر قرئ على المنابر كتاب بفتح بلاد الروم، وورد من بشر الخادم كتاب يذكر فيه ما فتح من حصون الروم وما غنم وسبى وأنه أسر من البطارقة مائة وخمسين.
وفي جمادى الأولى: ختن المقتدر خمسة من أولاده، ونثر عليهم خمسة آلاف دينار عيناً ومائة ألف درهم ورقاً، ويقال: أنه بلغت النفقة في هذا الختان ستمائة ألف دينار، وختن قبل ذلك جماعة من الأيتام، وفرقت فيه دراهم وكسوة.
وفي هذا الشهر قبض على أبي عبد الله بن الجصاص الجوهري، وأخذ منه ما قدره ستة عشر ألف ألف دينار عيناً وورقاً وآنية وثياباً وخيلاً وخدماً.
وفي شهر رمضان أدخل أولاد المقتدر الكتاب، وكان المؤدب أبو إسحاق إبراهيم ابن السري الزجاج.
وفي ذي القعدة دخل رجل إلى المقتدر، وادعى أنه ابن الرضا العلوي، فكشف عن حاله فصح أنه ابن الضبعي، فشهر في الجانبين وحبس.
وخرج على الحاج رجل علوي ومعه بنو صالح بن مدرك الطائي، فقطعوا عليهم الطريق، وتلف خلق كثير من الحاج بالقتل والعطش، وخرج اعراب على الحاج المنصرفين من مكة، فأخذوا ما معهم من العين والأمتعة، واستاقوا من جمالهم ما أرادوا وأخذوا من النساء مائتين وثمانين امرأة حرائر سوى المماليك، وكان الذي حج بهم الفضل بن عبد الملك.
وفي هذه السنة اتخذ علي بن عيسى المارستان بالحربية، وأنفق عليه من ماله
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن محمد بن سلام بن عبدويه أبو بكر البغدادي سكن مصر وحدث بها عن داود بن رشيد، ولوين وغيرهما. روى عنه أبو سعيد بن يونس، وقال: توفي بمصر في جمادى الآخرة من هذه السنة، وكان رجلاً صالحاً فاضلاً من خيار خلق الله عز وجل.
أحمد بن يونس بن عبد الأعلى بن موسى الصدفي، يكنى أبا الحسن: ولد في ذي القعدة سنة أربعين ومائتين.
وتوفي في أول يوم من رجب هذه السنة، وكان من البكائين حدث عن أبيه وغيره.
إسحاق بن إبراهيم بن أبي حسان أبو يعقوب الأنماطي سمع أحمد بن أبي الحواري وغيره، روى عنه أبو عمرو بن السماك، وإسماعيل الخطبي وابن مقسم، وقال الدارقطني: هو ثقة، وتوفي في محرم هذه السنة.
بشر بن نصر بن منصور أبو القاسم الفقيه سكن مصر أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، قال: حدثني محمد بن علي الصوري، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الأزدي، حدثنا عبد الواحد بن محمد بن مسرور، حدثنا أبو سعيد بن يونس، قال: بشر بن نصر بن منصور الفقيه على مذهب الشافعي، يعرف بغلام عرق، وعرق خادم من خدم السلطان كان على البريد بمصر، وكان بشر بن نصر قد قدم معه في جملة من قدم من بغداد، وكان فقيهاً متضلعاً ديناً.


توفي بمصر سنة اثنتين وثلثمائة وقد سمعت منه.
بدعة جارية عريب مولاة المأمون: كانت مغنية، وقد كان إسحاق بن أيوب بذل لمولاتها في ثمنها مائة ألف دينار، وللسفير بينهما عشرين ألف دينار، فدعتها فأخبرتها بالحال فلم تؤثر البيع فأعتقتها من وقتها، وماتت لست بقين من ذي الحجة من هذه السنة، وصلى عليها أبو بكر بن المهتدي، وخلفت مالاً كثيراً وضياعاً ما ملكها رجل قط.
حمزة بن محمد بن عيسى بن حمزة أبو علي الكاتب جرجاني الأصل، سمع من نعيم بن حماد، روى عنه الجعابي، وكان ثقة. توفي في رجب هذه السنة، وقد قارب المائة.
الحسن بن علي بن موسى بن هارون بو علي النخاس النيسابوري حدث، وكان ثقة صالحاً، وتوفي بمصر في هذه السنة.
عبد الله بن الصقر بن نصر بن موسى بن هلال أبو العباس السكري سمع إبراهيم بن المنذر الحزامي، وروى عنه جعفر الخلدي، وابن مالك القطيعي، وكان صدوقاً ثقة، توفي في جمادى الأولى من هذه السنة.
عبد الله بن محمد بن ياسين أبو الحسن الفقيه الدوري سمع من بندار، وروى عنه أبو بكر الشافعي، وكان ثقة، وتوفي في هذه السنة.
موسى بن القاسم بن إبراهيم أبو الحسن العلوي كتب الحديث، وسمع الكثير، وكتب عنه، وكان رجلاً صالحاً متواضعاً، يلزم الجامع، وتوفي بمصر في رمضان هذه السنة.
بشر بن إبراهيم بن خلف الأندلسي: كان فقيهاً، ثقة، وتوفي رحمه الله هذه السنة بالأندلس.
ثم دخلت
سنة ثلاث وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: أن المقتدر بالله وقف كثيراً من المستغلات السلطانية على الحرمين، وأحضر القضاة والعدول واشهدهم على نفسه بذلك.
وفي يوم الأربعاء لتسع خلون من رمضان انقطع كرسي الجسر والناس عليه فغرق خلق كثير.
وفي ليلة الجمعة لثمان بقين من رمضان انفض كوكب عظيم وبقي ضوؤه ساعة كالمقباس.
وفيها: أوقع ورقاء بن محمد بالأعراب بناحية الأجفر، فقتل جماعة واستأسر جماعة وقدم بهم فوثبت العامة على الأسارى فقتلتهم، وضرب رجل منهم بالسياط في باب العامة، وقيل: أنه صاحب حصن الحاجر وأن الحاج استجاروا به فوصل إليه من امتعتهم شيء كثير. ووقع حريق في سوق النجارين بباب الشام، فاحترقت السوق بأهلها، ووقعت شرارات في منارة الجامع بالمدينة فاحترقت.
وفي ذي الحجة حم المقتدر وافتصد، وبقي محموماً ثلاثة عشر يوماً، ولم يمرض في أيام خلافته غير هذه المرضة إلا ما لا يخلو منه الأصحاء من التياث قريب، وكان يفتصد كثيراً، وأما دواء الإسهال فلم يشربه قط.
وحج بالناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك. ونظر علي بن عيسى بعين رأيه إلى أمر القرامطة فخافهم على الحاج، وغيرهم فشغلهم بالمكاتبة والمراسلة والدخول في الطاعة وعاداهم وأطلق التسويق بسيراف، فكفهم بذلك، فخطأه الناس ونسبوه إلى موالاتهم، فلما رأوا ما فعل القرامطة بعده بالناس علموا صواب رأيه.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن علي بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر أبو عبد الرحمن النسائي الإمام كان أول رحلته إلى نيسابور، فسمع إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، والحسين بن منصور، ومحمد بن رافع وأقرانهم. ثم خرج إلى بغداد فأكثر عن قتيبة، وانصرف على طريق مرو، فكتب عن علي بن حجر وغيره، ثم توجه إلى العراق فكتب عن أبي كريب، وأقرانه، ثم دخل الشام ومصر وكان إماماً في الحديث، ثقة ثبتاً حافظاً فقيهاً، وقال الدارقطني: النسائي يقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره.
أنبأنا زاهر بن طاهر، قال: أنبأنا أبو بكر البيهقي، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم، قال: حدثني محمد بن إسحاق الأصبهاني، قال: سمعت مشايخنا بمصر يذكرون أن أبا عبد الرحمن فارق مصر في آخر عمره، وخرج إلى دمشق، فسئل عن معاوية وما روى في فضائله، فقال: لا يرضى معاوية رأساً برأس حتى يفضل، قال: وكان يتشيع، فما زالوا يدفعون في خصيته حتى أخرج من المسجد، ثم حمل إلى الرملة، فمات فدفن بها سنة ثلاث وثلثمائة.


قال الحاكم: وحدثني علي بن عمر الحافظ أنه لما امتحن بدمشق، قال: احملوني إلى مكة ! فحمل إلى مكة فتوفي بها، وهو مدفون بين الصفا والمروة. وكانت وفاته في شعبان هذه السنة، وقال أبو سعيد بن يونس المصري: توفي بفلسطين في صفر هذه السنة.
أحمد بن عمر بن المهلب أبو الطيب البزاز البغدادي توفي بمصر في ربيع الآخر من هذه السنة.
أحمد بن علي بن أحمد أبو الطيب المادرائي الكاتب ولد بسامرا وقد م به مصر صغيراً وأكثر من كتابة الحديث، وكان يتدين، وولي خراج مصر وتوفي بها في جمادى الآخرة من هذه السنة.
جعفر بن محمد بن عيسى أبو الفضل المعروف بالقبوري حدث عن سويد بن سعيد روى عنه الشافعي وابن الصواف وكان ثقة.
توفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
الحسن بن سفيان بن عامر بن عبد العزيز بن النعمان بن عطاء أبو العباس الشيباني النسوي محدث خراسان في عصره، رحل البلدان وسمع الكثير، فسمع بخراسان حبان بن موسى، وإسحاق بن إبراهيم، وقتيبة، وعلي بن حجر في آخرين، وسمع ببغداد أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبا خيثمة في آخرين، وسمع بالبصرة أبا كامل، وهدبة، وشيبان بن فروخ في آخرين. وسمع بالكوفة من أبي بكر بن أبي شيبة في آخرين، وبالحجاز إبراهيم بن المنذر الحزامي في آخرين، وبمصر هارون بن سعيد الأيلي، وأبا طاهر، وحرملة في آخرين، وبالشام صفوان بن صالح، وهشام بن خالد، والمسيب بن واضح، وهشام بن عمار في آخرين وصنف المسند الكبير والجامع والمعجم وروى مصنفات ابن المبارك، وتفقه على أبي ثور، وكان يفتي على مذهبه، وأخذ الأدب عن أصحاب النضر بن شميل، وإليه كانت الرحلة بخراسان.


حدثنا محمد بن ناصر الحافظ من لفظه، قال، أخبرنا أبو محمد الحسن بن أحمد السمرقندي إجازة أخبرنا أبو نعيم بشرويه بن محمد بن إبراهيم المعقلي، قال: حدثني أبو نصر أحمد بن جعفر الاسفرائني قال: حدثنا أبو الحسن الصفار الفقيه، قال: كنا عند الحسن بن سفيان النسوي، وقد اجتمع لديه طائفة من أهل الفضل ارتحلوا إليه من البلاد البعيدة مختلفين إلى مجلسه لاقتباس العلم وكتابة الحديث، فخرج يوماً إلى مجلسه الذي كان يملي فيه الحديث، فقال: اسمعوا ما أقول لكم قبل أن نشرع في الاملاء، قد علمنا أنكم طائفة من أبناء النعم وأهل الفضل، هجرتم أوطانكم وفارقتم دياركم وأصحابكم في طلب العلم واستفادة الحديث، فلا يخطرن ببالكم أنكم قضيتم بهذا التجشم للعلم حقاً، أو أديتم بما تحملتم من الكلف والمشقة من فروضه فرضاً فإني أحدثكم ببعض ما تحملته في طلب العلم من المشقة والجهد، وما كشف الله سبحانة وتعالى عني وعن أصحابي ببركة العلم وصفو العقيدة من الضيق والضنك، اعلموا أني كنت في عنفوان شبابي ارتحلت من وطني لطلب العلم واستملاء الحديث، فاتفق حصولي باقصى المغرب، ودخولي مصر في سبعة نفر من أصحابي طلبة العلم وسامعي الحديث، وكنا نختلف إلى شيخ كان أرفع أهل عصره في العلم منزلة وأرواهم للحديث وأعلاهم إسناداً، وأصحهم رواية، وكان يملي علينا كل يوم مقداراً يسيراً من الحديث، حتى طالت المدة وخفت النفقة ودعتنا الضرورة إلى بيع ما صحبنا من ثوب وخرقة إلى أن لم يبق لنا ما كنا نرجو به حصول قوت يوم، وطوينا ثلاثة أيام بلياليهن لم يذق أحد منا فيها شيئاً، وأصبحنا في بكرة اليوم الرابع بحيث لا حراك بأحد منا من الجوع، واحوجت الضرورة إلى كشف قناع الحشمة وبذل الوجه للسؤال، فلم تسمح بذلك أنفسنا ولم تطب قلوبنا، وأنف كل واحد منا من ذلك، والضرورة تحوج إلى السؤال على كل حال، فوقع اختيار الجماعة على كتبة رقاع بأسمائنا وإرسالها رقعة في الماء، فمن ارتفع اسمه كان هو القائم بالسؤال واستماحة القوات لنفسه ولجميع أصحابه، فارتفعت الرقعة التي اشتملت على اسمي، فتحيرت ودهشت ولم تسامحني نفسي بالمسألة واحتمال المذلة، فعدلت إلى زاوية من المسجد أصلي ركعتين طويلتين وادعو الله سبحانه وتعالى بأسمائه العظام، وكلماته الرفيعة لكشف الضر وسياقة الفرج فلم أفرغ من الصلاة حتى دخل المسجد شاب حسن الوجه نظيف الثوب طيب الرائحة يتبعه خادم في يده منديل، فقال: من منكم الحسن بن سفيان ؟ فرفعت رأسي من السجدة، وقلت: أنا الحسن بن سفيان فما الحاجة ؟ فقال: أن الأمير ابن طولون صاحبي يقرئكم السلام والتحية ويعتذر إليكم من الغفلة عن تفقد أحوالكم، والتقصير الواقع في رعاية حقوقكم، وقد بعث بما يكفي نفقة الوقت، وهو زائركم غداً بنفسه ومعتذر إليكم بلفظه، ووضع بين يدي كل واحد منا صرة فيها مائة دينار، فتعجبنا من ذلك وتحيرنا جداً، وقلت للشاب ما القصة في هذا ؟ فقال: أنا أحد خدم الأمير ابن طولون المختصين به دخلت عليه بكرة يومي هذا مسلماً في جملة أصحابي فقال الأمير لي: إني أحب أن أخلو يومي هذا فانصرفوا أنتم إلى منازلكم، فانصرفت أنا والقوم، فلما عدت إلى منزلي لم يستو قعودي حتى أتاني رسول الامير مسرعاً مستعجلاً يطلبني حثيثاً، فأجبته مسرعاً فوجدته منفرداً في بيت واضعاً يمينه على خاصرته لوجع ممض اعتراه في داخل حشاه فقال لي: أتعرف الحسن بن سفيان وأصحابه ؟ فقلت: لا، فقال: اقصد المحلة الفلانية والمسجد الفلاني، واحمل هذه الصرر وسلمها إليه وإلى أصحابه، فإنهم منذ ثلاثة أيام جياع بحالة صعبة، ومهد عذري لديهم وعرفهم أني صبيحة الغد زائرهم ومعتذر شفاهاً إليهم، فقال الشاب وسألته عن السبب الذي دعاه إلى هذا فقال: دخلت إلى هذا البيت منفرداً على أن أستريح ساعة، فلما هدأت عيني رأيت في المنام فارساً في الهواء متمكناً تمكن من أن يمشي على بساط الأرض وبيده رمح فجعلت أنظر إليه متعجباً حتى نزل إلى باب هذا البيت، ووضع سافلة رمحه على خاصرتي، وقال: قم أدرك الحسن بن سفيان وأصحابه، قم فأدركهم فم فأدركهم فإنهم منذ ثلاثة أيام جياع في المسجد الفلاني، فقلت له: من أنت ؟ فقال أنا رضوان صاحب الجنة، ومنذ أصابت سافلة رمحه خاصرتي أصابني وجع شديد لا حراك لي معه، فعجل إيصال هذا المال إليهم ليزول هذا الوجع عني. قال


الحسن: فتعجبنا من ذلك وشكرنا الله تعالى وأصلحنا أحوالنا ولم تطب نفوسنا بالمقام لئلا يزورنا الأمير، ولئلا تطلع الناس على أسرارنا فيكون ذلك سبب ارتفاع اسم وانبساط جاه، ويتصل ذلك بنوع من الرياء والسمعة، فخرجنا تلك الليلة من مصر وأصبح كل واحد من واحد عصره وقريع دهره في العلم والفضل، فلما أصبح الأمير ابن طولون جاء لزيارتنا، فأخبر بخروجنا، فأمر بابتياع تلك المحلة بأسرها وأوقفها على ذلك المسجد وعلى من ينزل به من الغرباء وأهل الفضل وطلبة العلم نفقة لهم حتى لا تختل أمورهم ولا يصيبهم الخلل ما أصابنا، وذلك كله لقوة الدين، وصفو الاعتقاد والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق.ن: فتعجبنا من ذلك وشكرنا الله تعالى وأصلحنا أحوالنا ولم تطب نفوسنا بالمقام لئلا يزورنا الأمير، ولئلا تطلع الناس على أسرارنا فيكون ذلك سبب ارتفاع اسم وانبساط جاه، ويتصل ذلك بنوع من الرياء والسمعة، فخرجنا تلك الليلة من مصر وأصبح كل واحد من واحد عصره وقريع دهره في العلم والفضل، فلما أصبح الأمير ابن طولون جاء لزيارتنا، فأخبر بخروجنا، فأمر بابتياع تلك المحلة بأسرها وأوقفها على ذلك المسجد وعلى من ينزل به من الغرباء وأهل الفضل وطلبة العلم نفقة لهم حتى لا تختل أمورهم ولا يصيبهم الخلل ما أصابنا، وذلك كله لقوة الدين، وصفو الاعتقاد والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق.
أنبأنا زاهر بن طاهر، قال: أنبأنا أبو بكر البيهقي، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم، قال: سمعت أبا بكر محمد بن داود بن سليمان، يقول: كنا عند الحسن بن سفيان فدخل عليه أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، وأبو عمرو الحيري، وأبو بكر أحمد بن علي الحافظ، فقال له أبو بكر بن علي: قد كتبت للاستاذ أبي بكر محمد بن إسحاق هذا الطريق من حديثك. فقال: هات واقرأ، فأخذ يقرأ فلما قرأ أحاديث أدخل إسناداً منها في إسناد، فرده الحسن إلى الصواب، فلما كان بعد ساعة أدخل إسناداً في إسناد فرده الحسن إلى الصواب فلما كان بعد ساعة أدخل إسناداً في إسناد، فرده إلى الصواب، وقال له في الثالثة: يا هذا لا تفعل، فقد احتملتك مرتين، وهذه الثالثة وأنا ابن تسعين سنة فاتق الله في المشايخ، فربما استجيبت فيك دعوة. فقال له أبو بكر بن إسحاق: مه، لا تؤذ الشيخ. فقال أبو بكر بن علي: إنما أردت أن يعلم الاستاذ أن أبا العباس يعرف حديثه، قال الحاكم: وسمعت أبا عمرو بن أبي جعفر، يقول: سمعت أبا بكر بن علي الرازي يقول في حياة الحسن بن سفيان: ليس للحسن في الدنيا نظير. قال الحاكم: وسمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الله الصفار، يقول: سمعت الحسن بن سفيان يقول كلما ورد في الحديث العبسي فهو كوفي، وكلما ورد العيشي فهو بصري، وكلما ورد العنسي فهو مصري، توفي الحسن بن سفيان في هذه السنة.
رويم بن أحمد وقيل ابن محمد بن رويم بن يزيد وفي كنيته ثلاثة أقوال: أبو الحسن، وأبو الحسين، وأبو محمد، وكان عالماً بالقرآن ومعانيه وكان يتفقه لداود بن علي.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا إسماعيل بن أحمد الحيري، أخبرنا محمد بن الحسين السلمي، قال: سمعت أحمد بن إبراهيم يحكي، عن أبي عمرو الزجاجي، قال: نهاني الجنيد أن أدخل على رويم، فدخلت عليه يوماً وكان قد دخل في شيء من أمور السلطان، فدخل عليه الجنيد فرآني عنده، فلما خرجنا، قال لي الجنيد: كيف رأيته يا خراساني ؟ قلت: لا أدري، قال: ان الناس يتوهمون أن هذا نقصان في حاله ووقته وما كان رويم أعمر وقتاً منه في هذه الأيام، ولقد كنت أصحبه بالشونيزية في حاله الأول، وكنت معه في خرقتين، وهو الساعة أشد فقراً منه في تلك الحالة، وفي تلك الأيام.


أنبأنا محمد بن أبي طاهر البزاز، عن أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي، عن أبيه، قال: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد الطبري، قال: سمعت جعفراً الخلدي، يقول: من أراد أن يستكتم سراً فليستكتم كما فعل رويم كتم حب الدنيا أربعين سنة، فقيل له: كيف ؟ قال: كان يتصوف أربعين سنة، فولى بعد ذلك إسماعيل بن إسحاق القاضي قضاء بغداد، وكانت بينهما مودة مؤكدة فجذبه إليه وجعله وكيلاً على بابه، فترك التصوف ولبس الخز والفصب والدبيقي، وركب وأكل الطيبات وبنى الدور، وإذا هو كان يكتم حب الدنيا لما لم يجدها، فلما وجدها أظهر ما كان يكتم من حبها. وتوفي رويم في هذه السنة.
زهير بن صالح بن أحمد بن حنبل: حدث عن أبيه، روى عنه النجاد، قال الدارقطني: هو ثقة.
وتوفي في ربيع الأول من هذه السنة وهو حدث.
عمر بن أيوب إسماعيل بن مالك أبو حفص السقطي سمع بشر بن الوليد، وداود بن رشيد، وعثمان أبي شيبة. روى عنه الخطبي، وابن الصواف، وكان شيخاً صالحاً ثقة. توفي في جمادى الأولى من هذه السنة.
محمد بن عبد الوهاب بن سلام بن خالد بن حمران بن أبان مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه أبو علي الجبائي المتكلم أما المعتزلة.
ولد سنة خمس وثلاثين ومائتين، وتوفي في شعبان هذه السنة.
محمد بن إبراهيم أبو جعفر الغزال يلقب سمسمة حدث عن محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي. وروى عنه الإسماعيلي. وتوفي في نصف رجب من هذه السنة يوم الجمعة.
محمد بن الحسن بن العلاء أبو عبد الله السمسار يعرف بالخواتمي حدث عن أبي بكر بن أبي شيبة، وغيره. وكان ثقة. وتوفي في هذه السنة.
محمد بن خالد الآجري: كان عبداً صالحاً، أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن ثابت، قال: أخبرني أبو نعيم الحافظ، أخبرنا جعفر الخلدي في كتابه إلي، قال: حدثني محمد بن خالد الآجري، قال: كنت أعمل الآجر فبينما أنا كنت أمشي بين الاشراج المضروبة إذ سمعت شرجاً يقول لشرج: عليك السلام الليلة أدخل النار قال: فنهيت الأجراء أن يطرحوها في النار، وصارت الكتل باقية على حالها وما عملت بعد ذلك.
ثم دخلت
سنة أربع وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: أنه اضطرب أمر أبي الحسن علي بن عيسى بن الجراح، وجرت بينه وبين أم موسى القهرمانة نفرة شديدة، فامتنع من كلامها وواصل الاستعفاء، فقبض عليه وعلى أنسابه، ونهبت دورهم دونه ولم يتعرض لشيء من أملاكه.
وأخرج أبو الحسن علي بن محمد بن الفرات، فقلد الوزارة وخلع عليه يوم التروية سبع خلع، وحمل إليه من دار السلطان ثلثمائة ألف درهم، وعشرون خادماً، وثلاثون دابة لرحله وخمسون دابة لغلمانه وخمسون بغلاً لنقله وبغلان للعمارية بقبابها وثلاثون جملاً، وعشر تخوت ثياب. وركب معه مؤنس الخادم وغلمان المقتدر بالله وصار إلى داره بسوق العطش، وردت عليه ضياعه، واقطع الدار التي بالمخرم فسكنها، وسقى الناس في داره في ذلك اليوم وتلك الليلة أربعون ألف رطل من الثلج، وزاد ثمن الشمع والكاغد يومئذ، فكان هذا من فضائله، وكان بين اعتقاله وبين رجوعه إلى الوزارة خمس سنين وأربعة أيام، وسمع بعض العوام يوم خلع عليه يقول: والك خذ إليك أخذوا منا مصحفاً وأعطونا طنبوراً فبلغ ذلك الخليفة، فكان ذلك سبب الاحسان إلى علي بن عيسى، وحسن النية فيه إلى أن أخرج عن الحبس.
وفي فصل الصيف من هذه السنة: تفزع الناس من شيء من الحيوان يسمى الزبزب، ذكروا أنهم يرونه بالليل على سطوحهم، وأنه يأكل أطفالهم، وربما قطع يد الانسان إذا كان نائماً، وثدي المرأة فيأكله، فكانوا يتحارسون طول الليل، ويتزاعقون، ويضربون الطسوت والهواوين والصواني ليفزعوه فيهرب. وارتجت بغداد من الجانبين بذلك، واصطنع الناس لأطفالهم مكاباً من سعف يكبونها عليهم بالليل، ودام ذلك حتى أخذ السلطان حيواناً أبلق كأنه من كلاب الماء، وذكروا أنه الزبزب، وأنه صيد، فصلب عند رأس الجسر الأعلى بالجانب الشرقي فبقي مصلوباً إلى أن مات، فلم يغن ذلك شيئاً، وتبين الناس أنه لا حقيقة لما توهموه، فسكنوا إلا أن اللصوص وجدوا فرصة بتشاغل الناس بذلك الأمر، وكثرت النقوب وأخذ الأموال.


وورد الخبر في هذه السنة من خراسان أنه وجد بالقندهار في أبراج سورها أزج متصل بها فيه ألف رأس في سلاسل، من هذه الرؤس تسعة وعشرون رأساً، في اذن كل رأس رقعة مشدودة بخيط إبريسم باسم كل رجل منهم، وكان من الأسماء شريح بن حيان، وخباب بن الزبير، والخليل بن موسى، وطلق بن معاذ، وحاتم بن حسنة، وهانىء بن عروة. وفي الرقاع تاريخ من سنة سبعين من الهجرة، فوجدوا على حالاتهم لم تتغير شعورهم إلا أن جلودهم قد جفت، وقد سنان ابن ثابت الطبيب أمر المارستانات ببغداد وكانت خسمة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن أيوب أبو إسحاق المخرمي حدث عن القواريري، وسري السقطي وغيرهما، قال أبو بكر الإسماعيلي: كان صدوقاً، وقال الدارقطني: ليس بثقة، حدث عن قوم ثقات أحاديث باطلة.
وتوفي في رمضان هذه السنة.
إبراهيم بن موسى بن إسحاق أبو إسحاق الجوزي المعروف بالتوزي سمع بشر بن الوليد القاضي، وعبد الأعلى بن حماد النرسي، ومجاهد بن موسى، وابني أبي شيبة في آخرين، روى عنه أبو الحسين بن المنادي، وأبو علي ابن الصواف، وغيرهما. وكان ثقة صدوقاً.
توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة، وقيل: بل في سنة ثلاثة.
إسحاق بن إبراهيم بن يونس بن موسى أبو يعقوب المعروف بالمنجنيقي الوراق حدث عن هناد، وأبي كريب وغيرهما. روى عنه جعفر الخلدي، والطبراني، وكان صدوقاً صالحاً زاهداً. وتوفي بمصر في جمادى الآخرة من هذه السنة.
طاهر بن عبد العزيز أبو الحسن الاندلسي الرعيني سمع من علي بن عبد العزيز، وإسحاق الدبري، وكان عاقلاً فهماً، عارفاً باللغة. وتوفي في هذه السنة.
عبد العزيز بن محمد بن دينار أبو منحدم الفارسي سمع داود بن رشيد. روى عنه أبو علي الصواف، وكان ثقة صادقاً عابداً زاهداً صالحاً. توفي في هذه السنة.
محمد بن أحمد بن خالد بن شيرزاذ أبو بكر البوراني قاضي تكريت، حدث ببغداد عن القاسم بن يزيد صاحب وكيع، وأحمد بن منيع، ولورين وغيرهم.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: حدثني عل بن محمد بن نصر الدينوري، قال: سمعت حمزة بن يوسف السهمي، يقول: سألت الدارقطني عن محمد بن أحمد بن خالد البوراني، فقال: لا بأس به، ولكنه يحدث عن شيوخ ضعفاء. قال ابن ثابت: وقرأت في كتاب محمد بن المظفر بخطه، توفي أبو بكر البوراني يوم الأحد قبل الظهر، ودفن العصر في مقابر القطيعة لثمان خلون من صفر سنة أربع وثلثمائة.
محمد بن أحمد بن الهيثم بن منصور أبو جعفر الدوري سمع أباه، ومحمد بن عبد الملك الدقيقي وغيرهما. روى عنه أبو بكر الشافعي، ومحمد بن المظفر، وغيرهما. وكان ثقة. وتوفي في يوم السبت لثمان خلون من المحرم في هذه السنة.
محمد بن أحمد بن الهيثم بن صالح بن عبد الله بن الحصين بن علقمة بن لبيد بن نعيم بن عطارد بن حاجب بن زرارة أبو الحسن التميمي المصري يلقب فروجة قدم بغداد وحدث بها عن جماعة من المصريين. روى عنه الجعابي، ومحمد بن المظفر وغيرهما. وكان ثقة حافظاً. وتوفي في هذه السنة.
محمد بن الحسين بن خالد أبو الحسن القنبيطي سمع إبراهيم بن سعيد الجوهري، ويعقوب الدورقي. روى عنه أبو علي بن الصواف. وكان ثقة، توفي ليلة الثلاثاء لليلتين خلتا من صفر هذه السنة.
يوسف بن الحسين بن علي أبو يعقوب الرازي صحب ذا النون المصري، وسمع أحمد بن حنبل. روى عنه أبو بكر النجاد.


أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: حدثني عبد العزيز بن أبي طاهر الصوفي، قال: أخبرنا أبو طالب عقيل بن عبيد الله بن أحمد السمسار، أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الله بن جعفر بن الجنيد الرازي، قال: سمعت يوسف بن الحسين، يقول: قيل لي: إن ذا النون المصري يعرف اسم الله الأعظم، فدخلت مصر، فذهبت إليه فبصر بي وأنا طويل اللحية ومعي ركوة طويلة، فاستبشع منظري فلم يلتفت إلي، فلما كان بعد أيام داء إليه رجل صاحب كلام، فناظر ذا النون فلم يقم ذو النون بالحجج عليه، فأخذته إلي وناظرته فقطعته فعرف ذو النون فضلي، فقام إلي وعانقني وجلس بين يدي وهو شيخ وأنا شاب، وقال: اعذرني فلم أعرفك، فعذرته وخدمته سنة، فلما كان بعد رأس السنة، قلت له: يا أستاذ قد خدمتك وقد وجب حقي عليك، وقيل لي انك تعرف اسم الله الاعظم وقد عرفتني فلا تجد له موضعاً مثلي فأحب أن تعلمني إياه. قال: فسكت عني ذو النون ولم يجبني وكأنه أومى إلي أن يخبرني، قال: فتركني بعد ذلك ستة أشهر ثم أخرج إلي من بيته طبقاً ومكبة مشدوداً في منديل، وكان ذو النون يسكن الجيزة، فقال: تعرف فلاناً صديقنا في الفسطاط ؟ قلت: نعم، قال: فأحب أن تؤدي هذا إليه، فأخذت الطبق وهو مشدود وجعلت أمشي طول الطريق وأنا متفكر فيه مثل ذي النون يوجه إلى فلان ترى أيش هو ؟ قال: فلم أصبر إلى أن بلغت الجسر، فحللت المنديل ورفعت المكبة، فإذا فأرة قفزت من الطبق ومرت قال: فاغتظت غيظاً شديداً، وقلت: ذو النون يسخر بي ويوجه مع مثلي فأرة فرجعت على ذلك الغيظ، فلما رآني عرف ما بي، فقال: يا أحمق، إنما جربناك، ائتمنتك على فأرة فخنتني على اسم الله الأعظم ؟ سر عني فلا أراك.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي قال: حدثني عبد العزيز بن علي الأزجي، حدثنا محمد بن أحمد المفيد قال: سمعت أبا الحسن علي بن إبراهيم الرازي، يقول: حكى لي أبو خلف الوزان، عن يوسف بن الحسين أنه رئي في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك ؟ قال: غفر لي ورحمين فقيل: بماذا ؟ قال: بكلمة أو بكلمات قلتها عند الموت، قلت: أللهم إني نصحت الناس قولاً وخنت نفسي فعلاً فهب لي خيانة فعلي لنصح قولي. توفي يوسف في هذه السنة.
يموت بن المزرع بن يموت أبو بكر العبدي من عبد القيس، بصري قدم بغداد وحدث بها عن أبي عثمان المازني، وأبي حاتم السجستاني، وأبي الفضل الرياشي، وكان صاحب أخبار وآداب وملح، وهو ابن أخت الجاحظ، واسمه يموت ثم تسمى محمداً، فغلب الاسم الأول عليه.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أنبأنا أبو بكر ثابت، قال: أخبرني محمد بن اليزدي، قال: أخبرني الحسين بن عمر بن محمد القاضي في كتابه، قال: سمعت يموت بن المزرع يقول: بليت بالاسم الذي سماني به أبي فإني إذا عدت مريضاً فاستأذنت عليه، فقيل: من ذا، قلت: أنا ابن المزرع واسقطت اسمي.
مات يموت بطبرية، وقيل: بدمشق في هذه السنة، رحمة الله عليه.
ثم دخلت
سنة خمس وثلثمائة
فمن الحوادث فيها:


أنه قدم رسول ملك الروم في الفداء، والهدنة. وكان الرسول غلاماً حدث السن ومعه شيخ وعشرون غلاماً، فأقيمت له الانزال الواسعة، ثم أحضروا بعد أيام دار السلطان، وأدخلوا وقد عبىء لهم العسكر وصف بالأسلحة التامة، وكانوا مائة وستين ألفاً ما بين فارس وراجل، وكانوا من أعلى باب الشماسية إلى الدار، وبعدهم الغلمان الحجرية والخدم والخواص بالسمة الظاهرة، والمناطق المحلاة وكانوا سبعة آلاف خادم منهم أربعة آلاف بيض، وثلاثة آلاف سود، وكان الحجاب سبعمائة حاجب، وفي دجلة الطيارات والزبازب والسميريات بأفضل زينة، وسار الرسول، فمر على دار نصر القشوري الحاجب، فرأى منظراً عظيماً، فظنه الخليفة، فداخلته له هيبة حتى قيل له: انه الحاجب، وحمل إلى دار الوزير، فرأى أكثر مما رأى ولم يشك أنه الخليفة، فقيل له: هذا الوزير، وزينت دار الخليفة، فطيف بالرسول فيها فشاهد ما هاله، وكانت الستور ثمانية وثلاثين ألف ستر، والديباج المذهب منها إثنا عشر ألفاً وخمسمائة وكانت البسط اثنين وعشرين ألفاً، وكان في الدار من الوحش قطعان تأنس بالناس وتأكل من أيديهم، وكان هناك مائة سبع كل سبع بيد سباع، ثم أخرج إلى دار الشجرة، وكانت شجرة في وسط بركة فيها ماء صاف، والشجرة ثمانية عشر غصناً، لكل غصن منها شاخات كثيرة عليها الطيور والعصافير من كل نوع مذهبة ومفضضة، وأكثر قضبان الشجرة فضة وبعضها مذهب، وهي تتمايل، ولها ورق مختلف الألوان وكل شيء من هذه الطيور يصفر، ثم أدخل إلى الفردوس، وكان فيه من الفرش والآلات ما لا يحصى، وفي دهاليزه عشرة آلاف جوشن مذهبة معلقة، ويطول شرح ما شاهد الرسول من العجائب، إلى أن وصل إلى المقتدر وهو جالس على سرير من آبنوس قد فرش بالدبيقي المطرز، وعن يمنة السرير تسعة عقود معلقة، وعن يسرته تسعة أخرى من أفخر الجواهر، يعلو ضوؤها على ضوء النهار، فلما وصل الرسولان إلى الخليفة وقفا عنده على نحو مائة ذراع، وعلي بن محمد بن الفرات قائم بين يديه، والترجمان واقف يخاطب ابن الفرات، وابن الفرات يخاطب الخليفة، ثم أخرجا وطيف بهما في الدار حتى أخرجا إلى دجلة، وقد أقيمت على الشطوط الفيلة مزينة والزرافة والسباع والفهود، ثم خلع عليهما وحمل إليهما خمسون سقروقاً في كل سقروق بدرة عشرة آلاف درهم.
وورد من مرو كتاب على السلطان أن نفرا عثروا من سور مدينة مرو على نقب، فكشفوا عنه الكيس فوصلوا إلى أزج فأصابوا فيه ألف رأس، وفي أذن كل رأس رقعة كتب فيها اسم صاحبه.
وفي هذه السنة: ورد على السلطان هدايا جليلة من أحمد بن هلال صاحب عمان، وفيها أنواع الطيب، ورماح، وطرائف من طرائف البحر، وطائر أسود يتكلم بالفارسية والهندية أفصح من الببغاء، وظباء سود.
وفيها قلد أبو عمر محمد بن يوسف القضاء بالحرمين وكتب له عهده.
وفيها ثارت فتنة بالبصرة، وشغبوا على واليهم الحسن بن الخليل الفرغاني، وأحرق الجامع وقتل من العامة خلق عظيم،.
وفيها حج بالناس الفضل بن عبد الملك.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
إسماعيل بن إسحاق بن الحصين ابن بنت معمر بن سليمان أبو محمد الرقي سكن بغداد، وحدث عن أحمد بن حنبل وغيره، حدث عنه محمد بن المظفر الحافظ، توفي في هذه السنة، وقيل: سنة ست.
سليمان بن محمد بن أحمد أبو موسى النحوي المعروف بالحامض كان من علماء الكوفيين، أخذ عن ثعلب وصحبه أربعين سنة، وهو المقدم من أصحابه والذي جلس بعده في مجلسه، وصنف كتباً منها غريب الحديث وخلق الإنسان والوحوش والنبات. روى عنه أبو عمر الزاهد، وكان ديناً صالحاً.
وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة، ودفن بباب التبن.
عبد الله بن صالح بن عبد الله بن الضحاك أبو محمد البخاري سمع الحسن بن علي الحلواني، ولويناً، وعثمان بن أبي شيبة، روى عنه محمد بن المظفر. وكان ثقة ثبتاً صالحاً.
توفي في هذه السنة.
القاسم بن زكريا بن يحيى أبو بكر المقرىء المعروف بالمطرز سمع سويد بن سعيد، وأبا كريب. روى عنه الخلدي، والجعابي. وكان ثقة ثبتاً قارئاً مصنفاً نبيلاً. توفي في صفر هذه السنة، ودفن في مقابر باب الكوفة.
محمد بن إبراهيم بن أبان بن ميمون أبو عبد الله السراج


سمع يحيى بن عبد الحميد الحماني، وعبيد الله بن عمر القواريري، وسريج بن يونس. وغيرهم. وروى عنه أبو حفص الأبار، وعلي بن محمد بن لؤلؤ، وغريهما. وكان ثقة. وتوفي في هذه السنة، وقيل: سنة ست وثلثمائة، والله أعلم.
ثم دخلت
سنة ست وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: أن في أول يوم من المحرم فتح سنان بن ثابت الطبيب مارستان السيدة الذي اتخذه لها بسوق يحيى على دجلة، وجلس فيه ورتب المتطببين، وكانت النفقة عليه كل شهر ستمائة دينار، وأشار سنان على المقتدر باتخاذ مارستان فاتخذه بباب الشام فولاه سنان وسمي المقتدري، وكانت النفقة عليه في كل شهر مائتي دينار.
وقرئت الكتب على المنابر في صفر بما فتح الله عز وجل على يد يسر الأفشيني ببلاد الروم، وقرئت على المنابر في ربيع الأول بما فتح الله على ثمل الخادم في بحر الروم.
وفي ربيع الآخر: توفي محمد بن خلف وكيع، فتقلد أبو جعفر ابن البهلول ما كان يتولاه من القضاء بمدينة المنصور وقضاء الأهواز.
وفي هذا الشهر شغب أهل السجن الجديد، وصعدوا السور، فركب نزار بن محمد صاحب الشرطة، وحاربهم، وقتل منهم واحداً، ورمى برأسه إليهم فسكنوا.
وفي هذا الشهر: ركب المقتدر إلى الثريا، وانصرف، فدخل من باب العامة، ووقف طويلاً حتى رآه الناس، وأرجف الناس بمرض المقتدر وأشاعوا موته، فركب إلى باب الشماسية ثم انحدر في دجلة إلى قصره. حتى رأوه فسكنوا.
وفي جمادى الأولى: قبض على أبي الحسين علي بن محمد بن الفرات، ووكل بداره وما كان فيها.
وفي هذه السنة: وثب بنو هاشم على علي بن عيسى لتأخر أرزاقهم، فمدوا أيديهم إليه، فأمر المقتدر بالقبض عليهم وتأديبهم ونفاهم إلى البصرة، وأسقط أرزاقهم، فسأل فيهم علي بن عيسى فردوا فتواروا وقبض على ابنه وبيعت أمواله وأملاكه، وحوسب، وكان مما أعطى سبعمائة ألف دينار، وكان السبب أنه أخر إطلاق أرزاقهم، وأرزاق الجند، واحتج بضيق المال، وكان قد صرفه إلى محاربة ابن أبي الساج، فطلب من المقتدر إطلاق مائتي ألف دينار من بيت المال لإعطاء الجند، فثقل ذلك على المقتدر، وراسل ابن الفرات فإنه كان قد ضمن له أن يقوم بسائر النفقات، فاحتج بما أنفق على محاربة ابن أبي الساج، فلم يسمع اعتذاره. وكوتب في الوقت أبو محمد حامد بن العباس بالإصعاد إلى الحضرة، فتلقاه الناس، وبعثت إليه الألطاف، فلما قدم خلع عليه فركب وخلفه أربعمائة غلام لنفسه وصار إلى الدار بالمخرم فنزلها، وبان عجزه في التدبير، فأشير عليه أن يطلب علي بن عيسى يكون بين يديه ففعل، فأخرج علي بن عيسى فحمل إلى حامد، فكان يحضر ومعه دواة وينظر في الأعمال ويوقع، وكان أبو علي بن مقلة ملازماً لحامد يكتب بين يديه ويوقع بحضرته، وكان أبو عبد الله محمد بن إسماعيل المعروف بزنجي يحضر أيضاً بين يدي حامد، فقوي أمر أبي الحسن علي بن عيسى حتى غلب على الكل، فكان يمضي الأمور في النقض والإبرام من غير مؤامرة حامد، وقد كان يحضر دار حامد في كل يوم دفعتين مدة شهرين ثم صار يحضر كل يوم دفعة واحدة ثم صار يحضر كل أسبوع مرة، ثم سقطت منزلة حامد عند المقتدر في أول صفر سنة سبع وتبين هو وخواصه أنه لا فائدة في الاعتماد عليه في شيء من الأمور، فتفرد حينئذ أبو الحسن علي بن عيسى بتدبير جميع أمور المملكة، وصار حامد لا يأمر في شيء بتة.
وقلد أبو عمر القاضي المظالم في جمادى الآخرة من هذه السنة، وفي هذه السنة أمرت السيدة أم المقتدر فهرمانة لها تعرف بثمل أن تجلس بالتربة التي بنتها بالرصافة للمظالم، وتنظر في رقاع الناس في كل جمعة، فجلست وأحضرت القاضي أبا الحسين بن الأشناني وخرجت التوقيعات على السداد.
أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا أبو عبد الله الحميدي، قال: أخبرنا أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الحافظ، قال: قعدت ثمل القهرمانة في أيام المقتدر للمظالم، وحضر مجلسها القضاة والفقهاء، وفيها حج بالناس الفضل بن عبد الملك.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
إبراهيم بن أحمد بن محمد بن الحارث أبو القاسم الكلابي روى عن الحارث بن مسكين وغيره، وكان رجلاً صالحاً فقيهاً على مذهب الإمام الشافعي، وكان ثقة، وكان من أهل الصيانة والانقباض.
وتوفي في شعبان هذه السنة.
أحمد بن يحيى أبو عبد الله الجلاء


بغدادي سكن الشام، وصحب أبا تراب، وذا النون.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ، قال: حدثنا محمد بن الحسين قال: سمعت محمد بن عبد العزيز الطبري يقول: سمعت أبا عمر الدمشقي، يقول: سمعت ابن الجلاء يقول: قلت لأبي وأمي: أحب أن تهباني لله، فقالا: قد وهبناك لله فغيبت عنهما مدة، ثم رجعت من غيبتي، فكانت ليلة مطيرة فدققت عليهما الباب فقالا: من ؟ قلت: ولدكما، قالا: كان لنا ولد فوهبناه لله عز وجل، ونحن من العرب لا نرجع فيما وهبنا، وما فتحا لي الباب، توفي أبو عبد الله ابن الجلاء الصوفي في رجب هذه السنة.
أحمد بن الحسن بن عبد الجبار بن راشد أبو عبد الله الصوفي سمع علي بن الجعد، وأبا نصر التمار، ويحيى بن المعين في خلق كثير. وكان ثقة. وتوفي في يوم الجمعة لخمس بقين من رجب هذه السنة.
أحمد بن عمر بن سريج أبو العباس القاضي حدثنا عن الحسن بن محمد الزعفراني، وعلي بن اشكاب، وعباس الدوري، وأبي داود وغيرهم، روى عنه سليمان بن أحمد الطبراني، وأبو أحمد الغطريفي، وانتهت إليه رياسة أصحاب الشافعي، وشرح المذهب ولخصه وعمل المسائل في الفروع.
أنبأنا محمد بن عبد الملك، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا أبو سعد الماليني، حدثنا عبد الله بن عدي الحافظ، قال: سمعت أبا علي ابن خيران، يقول: سمعت أبا العباس ابن سريج، يقول: رأيت في المنام كأنا مطرنا كبريتاً أحمر فملأت أكمامي وجيبي وحجري، فعبر لي أن أرزق علماً عزيزاً كعزة الكبريت الأحمر.
قال ابن ثابت: وأخبرنا أبو منصور محمد بن عيسى بن عبد العزيز الهمذاني، سمعت عبد الرحمن بن محمد بن خيران، يقول: سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الله بن عبيد الفقيه، يقول: سمعت عثمان السندي، يقول: قال لي أبو العباس بن سريج في علته التي مات فيها: أريت البارحة في المنام كأن قائلاً يقول لي هذا ربك تعالى يخاطبك قال فسمعت كأن قائلاً يقول: ماذا اجبتم المرسلين، قال: فوقع في قلبي بالإيمان والتصديق، قال: فقيل: ماذا اجبتم المرسلين، قال: فوقع في قلبي أنه يراد مني زيادة في الجواب، فقلت: بالإيمان والتصديق غير أنا قد اصبنا من هذه الذنوب، فقال: أما اني قد اغفر لكم. توفي ابن سريج في جمادى الأولى من هذه السنة عن سبع وخمسين سنة وستة أشهر، ودفن بحجرة سويقة غالب.
ابراهيم بن علي بن ابراهيم بن محمد أبو اسحاق العمري الموصلي قدم بغداد وحدث بها عن جماعة. وروى عنه ابن صاعد، والنجاد، والخلدي. وكان ثقة. توفي في هذه السنة.
جبريل بن الفضل أبو حاتم السمرقندي ورد بغداد حاجاً في سنة اثنتين وتسعين ومائتين، وحدث عن قتيبة وغيره، روى عنه عبد الباقي ابن قانع. وكان ثقة، وتوفي في هذه السنة.
الحسين بن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد أبو يعلى الأزدي هو أخو أبي عمر القاضي، كان إليه ولاية القضاء بالأردن. توفي في محرم هذه السنة.
حاجب بن مالك بن أركين أبو العباس الفرغاني الضرير حدث عن أحمد بن إبراهيم الدورقي، وأبي سعيد الأشج، حدث عنه محمد بن المظفر، وكان ثقة، وأركين يكنى أبا بكر، توفي بدمشق في هذه السنة.
عبد الله بن أحمد بن موسى بن زياد أبو محمد الجواليقي القاضي المعروف بعبدان من أهل الأهواز ولد سنة ست عشرة ومائتين، وكان أحد الحفاظ الأثبات، جمع المشايخ والأبواب، وحدث عن هدبة، وكامل بن طلحة، والزهراني وغيرهم. روى عنه ابن صاعد والمحاملي.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال: حدثني الصوري، قال: سمعت عبد الغني الحافظ، يقول: سمعت حمزة بن محمد، يقول: سمعت عبدان، يقول: دخلت البصرة ثماني عشرة مرة من أجل حديث أيوب السختياني كل ما ذكر لي حديث من حديثه دخلت إليها بسببه.
أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا الخطيب، قال أخبرني محمد بن على المقرىء، قال: أخبرنا بن علي النيسابوري، قال: سمعت أبا علي الحافظ، يقول: كان عبدان يحفظ مائة ألف حديث توفي عبدان بعسكر مكرم في ذي الحجة من هذه السنة.
علي بن الحسن بن سليمان أبو الحسن القافلائي القطيعي سمع مجاهد بن موسى، روى عنه أبو بكر الشافعي، وابن المظفر وكان ثقة، توفي في محرم هذه السنة.


محمد بن بابشاذ أبو عبيد الله البصري سكن بغداد وحدث بها عن عبيد الله بن معاذ العنبري، وبشر بن معاذ العقدي وغيرهما. روى عنه عبد العزيز بن محمد الهاشمي، وعمر بن بشران السكري وغيرهما. وفي حديثه غرائب ومناكير وتوفي في شوال هذه السنة.
محمد بن الحسين بن شهريار أبو بكر القطان بلخي الأصل، حدث عن بشر بن معاذ العقدي، والفلاس. روى عنه أبو بكر الشافعي، وابن الجعابي، وابن المظفر. قال الدارقطني: ليس به بأس، وكذبه ابن ناجية. وتوفي في محرم هذه السنة.
محمد بن خلف بن حيان بن صدقة بن زياد أبو بكر الضبي القاضي المعروف بوكيع كان عالماً فاضلاً عارفاً بأيام الناس، فقيهاً قارئاً نحوياً، وكان يتقلد القضاء بالأهواز، وله مصنفات منها كتاب العدد. وسئل ابن مجاهد أن يصنف كتاباً في العدد، فقال: قد كفانا ذاك وكيع. حدث عن الزبير بن بكار، والحسن بن عرفة، وخلق كثير. روى عنه أحمد بن كامل القاضي وأبو علي ابن الصواف، وابن المظفر، وغيرهم.
أنبأنا أبو منصور القزاز، قال: أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت الحافظ قال: أخبرنا محمد بن علي بن مخلد أخبرنا أحمد بن محمد بن عمران، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن علي، قال: أنشدني محمد بن خلف وكيع لنفسه:
إذا ما غدت طلابة العلم تبتغي ... من العلم يوماً ما يخلد في الكتب
غدوت بتشمير وجد عليهم ... ومحبرتي أذني ودفترها قلبي
محمد بن صالح بن ذريح بن حكيم بن هرمز أبو جعفر العكبري سمع جبارة بن مغلس، وعثمان بن أبي شيبة، وهناد بن السري، وغيرهم. وكان ثقة. توفي في هذه السنة. هذا قول الأكثرين، وقال: بعضهم سنة سبع. وقال قوم: سنة ثمان.
منصور بن اسماعيل بن عمر أبو الحسن الفقيه كان أديباً فهماً عاقلاً حاد المناظرة، وصنف المختصرات في الفقه على مذهب الشافعي، وله الشعر المليح، سكن الرملة ثم قدم مصر، وقيل: إنه كان جندياً، ثم انه كف بصره، ويظهر في شعره التشيع، توفي بمصر في هذه السنة.
أبو نصر المحب: من مشايخ الصوفية، كان له مروءة وسخاء.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ، قال: أخبرني جعفر الخلدي في كتابه إلي قال: أخبرني أبو العباس بن مسروق، قال: اجتزت أنا وأبو نصر المحب بالكرخ وعلى أبي نصر إزار له قيمة فإذا نحن بسائل يسأل وهو يقول: شفيعي إليكم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشق أبو نصر ازاره واعطاه النصف، ومضى خطوات ثم قال: هذا نذالة، فانصرف واعطاه النصف الآخر.
ثم دخلت
سنة سبع وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: أنه ابتيعت دار محمد بن إسحاق بن كنداج لابراهيم بن المقتدر بثلاثين ألف دينار، واتخذت للأمراء من أولاد الخليفة دور.
وفي صفر: وقع حريق بالكرخ في الباقلائيين هلك فيه خلق كثير.
وفي ربيع الآخر: ادخل إلى بغداد مائة وخمسون أسيراً من الكرخ انفذهم بدر الحمامي.
وفي ذي القعدة انقض كوكب عظيم غالب الضوء، وتقطع ثلاث قطع، وسمع بعد انقضاضه صوت رعد عظيم هائل من غير غيم.
وفي هذه السنة: دخلت القرامطة البصرة، وصرف حامد عن الوزارة، وتقلد أبو الحسن بن الفرات الدفعة الثالثة.
وفيها كسرت العامة الحبوس بمدينة المنصور فأفلت من كان فيها، وكانت أبواب المدينة الحديدية باقية، فغلقت وتتبع أصحاب الشرطة من أفلت فلم يفتهم منهم أحد. وفيها حج بالناس أحمد بن العباس أخو أم موسى القهرمانة
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن محمد أبو الحسين التاجر روى عن الحسين بن الحسين المروزي، وأبي زرعة. وكان صدوقاً نبيلاً. توفي رحمه الله في هذه السنة.
إسحاق بن عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله بن سلمة أبو يعقوب البزاز الكوفي سافر إلى الشام ومصر، وكتب عن خلق كثير، وصنف المسند، واستوطن بغداد، وروى عنه ابن المظفر الحافظ وكان ثقة، وتوفي في شوال هذه السنة.
جعفر بن أحمد بن عاصم أبو محمد البزاز الدمشقي المعروف بالرواس قدم بغداد، وحدث بها عن هشام بن عمار، وأحمد بن أبي الحواري وغيرهما. روى عنه الخلدي وابن الصواف، وقال الدارقطني هو ثقة. وتوفي بدمشق في هذه السنة.


جعفر بن محمد بن موسى أبو محمد الأعرج النيسابوري قدم بغداد وحدث بها عن جماعة. روى عنه الحافظ أبو طالب أحمد بن نصر، والطبراني، وأبو محمد ابن السبيعي، وأبو الفتح الأزدي. وكان ثقة حافظاً عالماً عارفاً حجة توفي بحلب في هذه السنة.
الحسن بن الطيب بن حمزة بن حماد أبو علي البلخي قدم بغداد وحدث بها عن هدبة، وأبي الربيع، وعثمان بن أبي شيبة، وقتيبة، وعلي بن حجر. روى عنه إسماعيل الخطبي، ومحمد بن المظفر، وضعفه الدارقطني وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
عبد الله بن ابراهيم بن عبد الله أبو القاسم الأسدي المعدل ويعرف بالأكفاني حدث عن المزني وكان ثقة وتوفي في محرم هذه السنة وهو جاء من مكة.
عبد الله بن الحسين بن علي بن أبان أبو القاسم البجلي الصفار حدث عن سوار القاضي. وروى عنه أبو الحسين بن المنادي. وكان ثقة مأموناً، ونزل سكة النعيمية من مدينة المنصور، وتوفي في شهر رجب هذه السنة.
علي بن سهل بن الأزهر أبو الحسن الأصبهاني كان من المترفين فتزهد، وكان يبقى الأيام لا يأكل، وكان يقول: استولى علي الشوق فألهاني عن الأكل.
أنبأنا محمد بن عبد الباقي، قال: أخبرنا أبو الفضل الحداد، قال: حدثنا أبو نعيم الأصفهاني، قال: سمعت أبي وغيره من أصحاب علي بن سهل أنه كان يقول: ليس موتي كموتكم إعلال وإسقام، إنما هو دعاء وإجابة، ادعى فأجيب وكان كما قال، كان يوماً قاعداً في جماعة، فقال: لبيك، ووقع ميتاً. وتوفي في هذه السنة.
محمد بن عبد الحميد كاتب السيدة أم المقتدر بالله عرضت عليه الوزارة فأباها، قال الصولي: كان موسراً بخيلاً، فتوفي في صفر هذه السنة، فأخذت السيدة من مخلفته مائة ألف دينار.
الهيثم بن خلف بن محمد أو محمد الدوري سمع القواريري، روى عنه البغوي. وكان كثير الحديث، حافظاً ثبتاً، توفي في شهر ربيع الأول من هذه السنة.
يحيى بن زكريا بن حيويه النيسابوري يكنى أبا زكريا حدث وكان ثقة ثبتاً صدوقاً، وتوفي بمصر في هذه السنة.
ثم دخلت
سنة ثمان وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: أن حامد بن العباس خرج من مدينة السلام إلى واسط للنظر في الأعمال التي قد ضمنها، وكان قد ضمن بلداناً من الخليفة بألوف، ثم انحدر إلى الأهواز، وعاد فخلع عليه.
وتحركت الأسعار في آخر هذه السنة، فاضطربت العامة لذلك، فقصدوا باب حامد، فخرج إليهم غلمانه فحاربوهم، فقتل من العوام جماعة. ومنعوا يوم الجمعة الإمام من الصلاة، وهدموا المنابر، وأخربوا مجالس الشرطة، وأحرقوا الجسور، وأمر السلطان بمحاربة العوام، فأخذوا وضربوا، وفسخ ضمان حامد، وبيع الكر بنقصان خمسة دنانير فسكنوا.
وفي تموز هذه السنة برد الهواء حتى نزل الناس من السطوح، وتدثروا باللحف، ثم كان في الشتاء برد شديد، أضر بالنخل والشجر، وسقط ثلج كثير.
وفيها حج بالناس أحمد بن العباس.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن الصلت بن المغلس أبو العباس الحماني وقيل: أحمد بن محمد بن الصلت، ويقال: أحمد بن عطية، وهو ابن أخير جبارة بن المغلس.
أنبأنا القزاز، قال: أنبأنا أبو بكر الخطيب، قال: كان ينزل الشرقية، وحدث عن ثابت بن محمد الزاهد، وأبي نعيم الفضل بن دكين، ومسلم بن إبراهيم، وبشر بن الوليد، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وجبارة بن المغلس، وأبي كريب، وأبي بكر بن أبي شيبة، وأبي عبيد القاسم بن سلام أحاديث أكثرها باطلة هو وضعها. ويحكي أيضاً عن بشر بن الحارث، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني أخباراً جمعها بعد ما صنعها في مناقب أبي حنيفة. قال لي محمد بن أبي الفوارس: كان أحمد بن الصلت يضع الحديث، توفى في شوال هذه السنة.
إسحاق بن ديمهر بن محمد أبو يعقوب المعروف بالتوزي روى عن علي بن حرب، وغيره، روى عنه عبد الباقي بن قانع، ومحمد بن المظفر. وكان من الثقات والمأمونين، والشهود المعدلين.
توفي في هذه السنة، ودفن في الشونيزية.
إدريس بن طهوي بن حكيم بن مهران بن فروخ كان يسكن قطيعة أم جعفر، وحدث عن أبي بكر بن أبي شيبة، ولوين. روى عنه محمد بن المظفر الحافظ، وكان ثقة. توفي في هذه السنة.
جعفر بن محمد


بن جعفر بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب أبو عبد الله حدث عن الفلاس وغيره. روى عنه أبو بكر الشافعي، وابن الجعابي. وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة.
الحسن بن محمد بن عنبر بن شاكر بن سعيد أبو علي الوشاء حدث عن علي بن الجعد، وسريج بن يونس، ويحيى بن معين. قال الدارقطني: تكلموا فيه، ووثقه البرقاني، توفي في جمادى الأولى من هذه السنة.
شعيب بن محمد أبو الحسن الذراع سمع يعقوب الدورقي، وأبا كريب. روى عنه ابن المظفر، وابن شاهين. وكان ثقة. توفي في شوال في هذه السنة، ودفن بباب الشام. وقيل: توفي في سنة ثلاثمائة.
عبد الله بن ثابت بن يعقوب أبو عبد الله المقرىء النحوي التوزي سكن بغداد وحدث عن عمر بن شبة. روى عنه أبو عمرو بن السماك وغيره.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي، أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن محمد النجار، أخبرنا محمد بن عبيد الله الكيال، قال: قال لنا محمد بن الهيثم، أنشدنا عبد الله بن ثابت لنفسه:
إذا لم تكن حافظاً واعياً ... فعلمك في البيت لا ينفع
وتحضر بالجهل في مجلس ... وعلمك في الكتب مستودع
ومن يك في دهره هكذا ... يكن دهره القهقرى يرجع
توفي عبد الله في هذه السنة، ودفن بالرملية.
عبد الله بن العباس بن عبيد الله أبو محمد الطيالسي حدث عن جماعة. وروى عنه أبو بكر الآجري، وابن المظفر. وكان ثقة. وتوفي في هذه السنة.
العباس بن أحمد بن محمد أبو خبيب القاضي البرتي سمع عبد الأعلى بن جماد النرسي. روى عنه ابن شاهين، وكان صالحاً أميناً. وتوفي في شوال هذه السنة.
ثم دخلت
سنة تسع وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: أنه وقع في شهر ربيع الأول حريق كثير بباب الشام، وفي سويقة نصر، وفي الحذائين بالكرخ، وبين القنطرة الجديدة، وطاق الحراني، ومات خلق كثير. وقتل رجل من الزنادقة، فطرح بسببه حريق في باب المخرم هلك فيه خلق كثير.
وفي شهر ربيع الآخر: لقب مؤنس المظفر، وأنشئت الكتب بذلك عن المقتدر إلى أمراء النواحي، وعقد له في جمادى الأولى على مصر والشام، وخلع على أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان، وقلد أعمال الحرب وطريق مكة.
وفيه ابتدىء بهدم باب دار علي بن الجهشيار ببغداد في الفرضة، وكان هذا الباب علماً ببغداد في العلو والحسن، وبني موضعه مستغل.
وفي رمضان كبس اللصوص منزل أبي عيسى الناقد الصيرفي، فأخذوا له عيناً، وورقاً وأثاثاً قيمته ثلاثون ألف دينار ثم وقعوا على اللصوص وهم سبعة فارتجع من المال اثنان وعشرون ألف دينار ثم قتلوا.
وفي ذي القعدة: أحضر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري دار علي بن عيسى لمناظرة الحنابلة، فحضر ولم يحضروا، فعاد إلى منزله، وكانوا قد نقموا عيه أشياء قال المؤلف سنذكر قصتهم معه عند ذكر وفاته إن شاء الله تعالى.
وفي هذه السنة: أهدى الوزير حامد بن العباس إلى المقتدر البستان المعروف بالناعورة، بناه له وأنفق على بنائه مائة ألف دينار، وعلق على المجالس التي فيه الستائر، وفرشه باللبود الخراسانية ثم أهداه.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن محمد بن سهل بن عطاء أبو العباس الآدمي حدث عن يوسف بن موسى القطان، والفضل بن زياد. وغيرهما.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ، قال: سمعت أبا الحسين بن حبيش وذكر أبو العباس بن عطاء، فقال: كان له في كل يوم ختمة، وفي شهر رمضان في كل يوم وليلة ثلاث ختمات، وبقي في ختمه يستنبط مودع القرآن بضع عشرة سنة، فمات قبل أن يختمها، توفي ابن عطاء في ذي القعدة من هذه السنة.
إسماعيل بن موسى بن إبراهيم أو أحمد البجلي الحاسب سمع القواريري، ولويناً، وغيرهما. روى عنه محمد بن المظفر الحافظ وغيره. وكان ثقة. وتوفي في ربيع الأول من هذه السنة.
جعفر بن أحمد بن الصباح أبو الفضل المعروف بالجرجرائي حدث عن جماعة. روى عنه ابن المظفر الحافظ. وكان ثقة صدوقاً ثبتاً. توفي في ربيع الأول من هذه السنة.
الحسين بن منصور بن محمي الحلاج ويكنى أبا مغيث وقيل أبا عبد الله


وكان جده محمي مجوسياً من أهل بيضاء فارس، ونشأ الحسين بواسط، وقيل: بتستر، ثم تتلمذ لسهل التستري، ثم قدم بغداد وخالط الصوفية، ولقي الجنيد والنوري وغيرهما، وكان مخلطاً ففي أوقات يلبس المسموح، وفي أوقات يلبس الثياب المصبغة، وفي أوقات يلبس الدراعة والعمامة، ويمشي بالقباء على زي الجند، وطاف البلاد، وقصد الهند وخراسان، وما رواء النهر، وتركستان. وكان أقوام يكاتبونه بالمغيث، وأقوام بالمقيت، وتسميه أقوام المصطلم، وأقوام المخير. وحج وجاور، ثم جاء إلى بغداد واقتنى العقار وبنى داراً، واختلف الناس فيه، فقوم يقولون: انه ساحر، وقوم يقولون: له كرامات، وقوم يقولون: منمس.
قال أبو بكر الصولي: قد رأيت الحلاج وجالسته، فرأيت جاهلاً يتعاقل، وغبياً يتبالغ، وفاجراً يتزهد، وكان ظاهره أنه ناسك صوفي، فإذا علم أن أهل بلده يرون الاعتزال صار معتزلياً، أو يرون الإمام صار إمامياً، وأراهم أن عنده علماً من إمامتهم، أو رأى أهل السنة صار سنياً وكان خفيف الحركة مشعبذاً، قد عالج الطب، وجرب الكيمياء، وكان مع جهله خبيثاً، وكان يتنقل في البلدان.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الحافظ، قال: حدثنا أبو سعيد السجزي، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الشيرازي، قال: سمعت أبا الحسن بن أبي توبة، يقول: سمعت علي بن أحمد الحاسب، يقول: سمعت والدي، يقول: وجهني المعتضد إلى الهند وكان الحلاج معي في السفينة، وهو رجل يعرف بالحسين بن منصور، فلما خرجنا من المركب، قلت له: في أي شيء جئت إلى ها هنا ؟ قال: جئت لأتعلم السحر، وأدعو الخلق إلى الله تعالى.
أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا علي بن أبي علي، عن أبي الحسن أحمد بن يوسف، قال: كان الحلاج يدعو كل قوم إلى شيء على حسب ما يستبله طائفة طائفة، وأخبرني جماعة من أصحابه أنه لما افتتن الناس بالأهواز وكورها بالحلاج، وما يخرجه لهم من الأطعمة والأشربة في غير حينها، والدراهم التي سماها دراهم القدرة، حدث أبو علي الجبائي بذلك، فقال لهم: هذه الأشياء محفوظة في منازل تمكن الحيل فيها، ولكن أدخلوه بيتاً من بيوتكم لا من منزله وكلفوه أن يخرج منه خرزتين سوداء، فإن فعل فصدقوه، فبلغ الحلاج قوله وأن قوماً قد عملوا على ذلك، فخرج عن الأهواز.
أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: حدثني مسعود بن ناصر، قال: أخبرنا ابن باكويه، قال: سمعت أبا زرعة الطبري، يقول: سمعت محمد بن يحيى الرازي، يقول: سمعت عمرو بن عثمان يلعن الحلاج، ويقول له قدرت عليه لقتلته بيدي: قرأت آية من كتاب الله تعالى، فقال: يمكنني أن أؤلف مصله واتكلم به.
قال أبو زرعة: وسمعت أبا يعقوب الاقطع يقول: زوجت ابنتي من الحسين بن منصور الحلاج لما رأيت من حسن طريقته، فبان لي بعد مدة يسيرة أنه ساحر محتال خبيث كافر.
قال مؤلف الكتاب: أفعال الحلاج وأقواله وأشعاره كثيرة، وقد جمعت أخباره في كتاب سميته القاطع لمحال اللجاج القاطع بمحال الحلاج، فمن أراد اخباره فلينظر فيه، وقد كان هذا الرجل يتكلم بكلام الصوفية، فتبدو له كلمات حسان، ثم يخلطها بأشياء لا تجوز، وكذلك أشعاره فمن المنسوب إليه.
سبحان من أظهر ناسوته ... سر سنا لاهوته الناقب
ثم بدا في خلقه ظاهرا ... في صورة الآكل والشارب
حتى لقد عاينه خلقه ... كلحظة الحاجب بالحاجب
فلما شاع خبره أخذ وحبس ونوظر واستغوى جماعة، فكانوا يستشفون بشرب بوله حتى ان قوماً من الجهال قالوا انه إله، وانه يحيي الموتى.


قال أبو بكر الصولي: أول من أوقع بالحلاج أبو الحسن علي بن أحمد الراسبي، فأدخله بغداد وغلاماً له على جملين قد شهرهما، وذلك في ربيع الآخر سنة إحدى وثلثمائة، وكتب معهما كتاباً يذكر فيه أن البينة قد قامت عنده بأن الحلاج يدعي الربوبية، ويقول بالحلول، فأحضره علي بن عيسى في هذه السنة، وأحضر القضاة، فناظروه فاسقط في لفظه ولم يجده يحسن من القرآن شيئاً ولا من غيره، ثم حبس، ثم حمل إلى دار الخليفة فحبس. قال الصولي: وقيل: انه كان يدعو في أول أمره إلى الرضا من آل محمد فسعي به فضرب، وكان يرى الجاهل شيئاً من شعبذته، فإذا وثق به دعا إلى أنه إله، فدعا فيمن دعاه أبا سهل بن نوبخت، فقال له: أنبت في مقدم رأسي شعراً، ثم ترقت به الحال إلى أن دافع عنه نصر الحاجب، لأنه قيل له: انه سني، وإنما تريد قتله الرافضة، وكان يقول: في كتبه: إني مغرق قوم نوح، ومهلك عاد وثمود. وكان يقول لأصحابه: أنت نوح، ولآخر أنت موسى، ولآخر أنت محمد قد أعيدت أرواحهم إلى أجسادكم.
وكان الوزير حامد بن العباس قد وجد له كتباً فيها: إذا صام الإنسان ثلاثة أيام بلياليها ولم يفطر، وأخذ في اليوم الرابع ورقات هندباء وافطر عليها أغناه عن صوم رمضان، وإذا صلى في ليلة واحدة ركعتين من أول الليل إلى الغداة اغنته عن الصلاة بعد ذلك، وإذا تصدق في يوم واحد بجميع ما ملكه في ذلك اليوم أغناه عن الزكاة، وإذا بنى بيتاً وصام أياماً ثم طاف حوله عرياناً مراراً أغناه عن الحج، وإذا صار إلى قبور الشهداء بمقابر قريش فأقام فيها عشرة أيام يصلي ويدعو ويصوم ولا يفطر إلى على شيء يسير من خبز الشعير والملح الجريش اغناه ذلك عن العبادة باقي عمره، فأحضر القضاة والعلماء والفقهاء بحضرة حامد، وقيل له: أتعرف هذا الكتاب ؟ قال: هذا الكتاب السنن للحسن البصري، فقال له حامد: ألست تدين بما في هذا الكتاب، فقال: بلى، هذا كتاب أدين الله بما فيه، فقال له القاضي أبو عمر: هذا نقض شرائع الإسلام، ثم جاراه في كلام إلى أن قال له أبو عمر: يا حلال الدم. فكتب بإحلال دمه وتبعه الفقهاء وأقتوا بقتله، وكتب إلى المقتدر بذلك، فكتب إذا كانت القضاة قد افتوا بقتله وأباحوا دمه، فليحضر محمد بن عبد الصمد صاحب الشرطة، وليضربه ألف سوط، فإن تلف وإلا ضربت عنقه، فأحضر بعد عشاء الآخرة ومعه جماعة من أصحابه على بغال موكفة يجرون مجرى الساسة، وليجعل على واحد منها ويدخل في غمار القوم، فحمل فباتوا مجتمعين حوله، فلما أصبح يوم الثلاثاء لست بقين من ذي القعدة أخرج ليقتل، فجعل يتبختر في قيده وهو يقول:
نديمي غير منسوب ... إلى شيء من الحيف
سقاني مثل ما يشر ... ب فعل الضيف بالضيف
فلما دارت الكأس ... دعا بالنطع والسيف
كذا من يشرب الراح ... مع التنين في الصيف
وضرب ألف سوط، ثم قطعت يده، ثم رجله، وحز رأسه، واحرقت جثته، وألقي رماده في دجلة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: حدثنا عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي، قال: قال لنا أبو عمر ابن حيويه: لما أخرج الحلاج ليقتل مضيت في جملة الناس ولم أزل أزاحم حتى رأيته، فقال لأصحابه: لا يهولنكم هذا فإني عائد إليكم بعد ثلاثين يوماً.
قال المؤلف وهذا الإسناد صحيح لا يشك فيه، وهو يكشف حال هذا الرجل أنه كان ممخرقاً، يستخف عقول الناس إلى حالة الموت.
أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا القاضي أبو العلاء، قال: لما أخرج الحسين بن منصور ليقتل أنشد:
طلبت المستقر بكل أرض ... فلم أر لي بأرض مستقرا
أطعت مطامعي فاستعبدتني ... ولو أني قنعت لكنت حرا
حامد بن محمد بن شعيب بن زهير أبو العباس البلخي المؤدب حدث عن سريج بن يونس، روى عنه أبو بكر الشافعي، قال الدارقطني: هو ثقة. توفي في محرم هذه السنة.
محمد بن أحمد بن موسى أبو عبد الله المصيصي يعرف بالسوانيطي قدم بغداد، وحدث بها عن علي بن بكار وغيره.
وتوفي وهو متوجه إلى بلده برأس العين في هذه السنة.
محمد بن الحسين بن مكرم أبو بكر البغدادي


سمع بشر بن الوليد، وعبيد الله بن عمر القواريري، وخلقاً كثيراً وانتقل إلى البصرة حتى مات بها، روى عنه محمد بن مخلد. وقال إبراهيم بن فهد: ما قدم علينا من بغداد أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي بكر ابن مكرم بحديث البصرة خاصة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا أحمد بن علي، قال: حدثني علي بن محمد بن نصر، قال: سمعت حمزة السهمي يقول: سألت الدارقطني عن محمد بن الحسين بن مكرم، فقال: هو ثقة.
توفي بالبصرة في ذي الحجة أو ذي القعدة من هذه السنة.
محمد بن خلف بن المرزبان بن بسام أبو بكر المحولي كان يسكن باب المحول فنسب إليه، وكان حسن التصانيف. حدث عن الزبير بن بكار، وابن أبي الدنيا، وغيرهما، روى عنه أبو بكر ابن الأنباري في جماعة آخرهم أبو عمر ابن حيويه. وتوفي في هذه السنة وكان صدوقاً ثبتاً.
ثم دخلت
سنة عشر وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: أن يوسف بن أبي الساج أطلق في المحرم، وحمل إليه مال، وخلع عليه وقرر أن يحمل في كل سنة خمسمائة ألف دينار من أعمال ضمنت إليه، فبعث إلى مؤنس يطلب منه إنفاذ أبي بكر ابن الآدمي القارئ، فخاف أبو بكر لأنه كان قد قرأ بين يديه يوم شهر: وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة فقال له مؤنس: لا تخف فأنا شريكك في الجائزة فمضى، فدخل عليه، فقال: هاتوا كرسياً لأبي بكر، فجلس فقال: اقرأ، فقرأ: وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فقال: لا أريد هذا بل أريد لتقرأ ما قرأته بين يدي حين شهرت: وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة فقرأ فبكى، وقال: هذه الآية كانت سبب توبتي من كل محظور، ولو أمكنني ترك خدمة السلطان لتركت، وأمر له بمال.
قال مؤلف الكتاب: وقد ذكرنا أنه شهر في سنة إحدى وسبعين ومائتين وحينئذ قرأ بين يديه وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة وذلك في خلافة المعتمد، وفي هذه السنة استزاره فأكرمه وذلك في خلافة المقتدر.
وفي هذه السنة: اعتل علي بن عيسى، فركب لعيادته هارون بن المقتدر ومعه مؤنس ونصر القشوري ووجوه الغلمان، وفرش له الطريق من الشط إلى المجلس، فتلقاه أبو الحسن متحاملاً، وأدى إليه رسالة المقتدر بالمسألة عن خبره، ثم قيل: ان المقتدر قد عزم على الركوب إليه فانزعج لذلك وسأل مأنساً أن يستعفي له منه، وكان قد صلح بعض الصلاح، فركب إلى الدار على ضعف شديد وطلع ليفسخ بذلك ما وقع عليه العزم ثم برأ.
وفيها: سخط على أم موسى القهرمانة وقبض عليها وعلى أنسابها ومن كانت تعنى به، فصح منها في بيت المال ألف ألف دينار. واختلف في السبب، فقيل: ان المقتدر اعتل فبعثت إلى بعض أهله ليقرر عليه ولاية الأمر، فانكشف ذلك، وقيل: بل زوجت بنت أخيها إلى أبي بكر بن أبي العباس محمد بن إسحاق بن المتوكل، فسعى بها أعداؤها وثبتوا في نفس المقتدر والسيدة والدته أنها ما فعلت ذلك إلا لتنصب محمد بن إسحاق في الخلافة، فتمت عليها النكبة.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا علي بن المحسن، أخبرنا طلحة بن محمد، قال: صرف المقتدر بالله أبا جعفر أحمد بن إسحاق بن البهلول يوم الخميس لعشر بقين من ربيع الآخر سنة عشر وثلثمائة عن القضاء بمدينة أبي جعفر المنصور، واستقضى في هذا اليوم أبا الحسين عمر بن الحسين بن علي الشيباني المعروف بابن الاشناني، وخلع عليه، ثم جلس يوم السبت للحكم، وصرف يوم الأحد، وكانت ولايته ثلاثة أيام، وكان من جلة الناس ومن أصحاب الحديث المحمودين، وأحد الحفاظ وكان قبل هذا يتولى القضاء بنواحي الشام، وتقلد الحسبة ببغداد.
وفي جمادى الأولى تقلد نازوك الشرطة بمدينة السلام مكان أبي طاهر محمد بن عبد الصمد، وخلع عليه.
وفي جمادى الآخرة ظهر كوكب ذو ذنب في المشرق في برج السنبلة، طوله نحو ذراعين.
وفي شعبان وصلت هدية الحسين بن أحمد بن المادرائي من مصر، وهي بغلة ومعها فلو، وغلام طويل اللسان يلحق طرف لسانه أنفه.
وفي هذا الشهر قرئت الكتب على المنابر في الجوامع بفتح كان في بلاد الروم لأهل طرسوس وملطية وقاليقلا.


أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت. أخبرنا علي بن المحسن، أخبرنا طلحة بن محمد بن جعفر، قال: استقضى المقتدر بالله في يوم النصف من رمضان سنة عشر وثلثمائة أبا الحسين عمر بن أبي عمر محمد بن يوسف بن يعقوب، وكان قبل هذا يخلف أباه على القضاء بالجانب الشرقي والشرقية، وسائر ما كان إلى قاضي القضاة أبي عمر، وذلك أنه استخلفه وله عشرون سنة، ثم استقضي بعد استخلاف أبيه له على أعمال كثيرة، ثم قلد مدينة السلام في حياة أبيه.
وفي رمضان قلد المطلب بن إبراهيم الهاشمي الصلاة في جامع الرصافة ببغداد.
وفي يوم الفطر ركب الأمير أبو العباس ابن المقتدر إلى المصلى ومعه الوزير حامد بن العباس، وعلي بن عيسى، ومؤنس المظفر، والجيش. وصلى بالناس إسحاق بن عبد الملك الهاشمي.
وفي يوم الاثنين سلخ ذي القعدة أخرج رأس الحسين بن منصور الحلاج من دار السلطان ليحمل إلى خراسان.
وورد الخبر بأنه انشق بواسط سبعة عشر شقاً أكبرها ألف ذراع، وأصغرها مائتا ذراع، وأنه غرق من أمهات القرى ألف وثلثمائة قرية.
وفيها حج بالناس إسحاق بن عبد الملك.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن إبراهيم بن كامل أبو الحسن مولى بني فهر كان ثقة. وتوفي في جمادى الأولى من هذه السنة، وله اثنتان وثمانون سنة.
أحمد بن محمد بن يحيى، أبو علي حدث عن الحارث بن مسكين، وكان ثقة، وتوفي في شعبان هذه السنة.
أحمد بن محمد بن عبد الله بن سهل السراج، أبو الحسن حدث عن يونس بن عبد الأعلى وغيره، وكان ثقة ديناً، توفي في شهر رمضان هذه السنة.
أحمد بن محمد بن عبد الواحد بن يزيد بن ميمون أبو جعفر الطائي حمصي قدم مصر وحدث بها، وكان ثقة، توفي بمصر في رجب هذه السنة.
أحمد بن عبد الله بن محمد بن هلال بن نافع أبو جعفر المقرىء مولى الأزد. حدث عن أبيه وغيره، وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة.
الحسن بن الحسين بن علي بن عبد الله بن جعفر أبو علي الصواف المقرىء سمع من أبي سعيد الأشج، وغيره. وكان ثقة فاضلاً نبيلاً، سكن الجانب الشرقي، توفي في رمضان هذه السنة، ودفن في مقابر الخيزران.
خالد بن محمد بن خالد أبو محمد الصفار الختلي حدث عن يحيى بن معين. روى عنه علي بن محمد السكري، سئل عنه الدارقطني، فقال: صالح، توفي في هذه السنة.
عبد الله بن محمد بن أحمد بن مسلمة أبو محمد الفزاري حدث عن عباد بن الوليد الغبري، روى عنه ابن المظفر وكان ثقة.
وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة.
عبد الرحمن بن محمد، بن عبد الرحمن بن هلال، أبو محمد القرشي الشامي المعروف. أبي صخرة الكاتب سمع علي بن المديني، ولياً، ويحيى بن أكثم. روى عنه ابن المظفر. وكان ثقة. وتوفي ببغداد في شوال هذه السنة.
عيسى بن سليمان بن عبد الملك أبو القاسم القرشي وراق داود بن رشيد، حدث عنه، وعن غيره، روى عنه ابن المظفر - وكان ثقة - . توفي في شعبان هذه السنة.
محمد بن أحمد بن حماد بن سعد أبو بشر الدولابي الوراق مولى الأنصار، وكانت له معرفة بالحديث، وكان حسن التصنيف، وحدث عن أشياخ فيهم كثرة، قال أبو سعيد بن يونس: وكان يضعف، توفي وهو قاصد إلى الحج بين مكة والمدينة بالعرج في ذي القعدة من هذه السنة.
محمد بن أحمد بن هلال أبو بكر الشطوي سمع أبا كريب، وأحمد بن منيع، وغيرهما وروى عنه محمد بن المظفر وغيره، وربما سماه بعض الرواة أحمد بن محمد، ومحمد بن أحمد أكثر.
وتوفي لأربع خلون من ربيع الأول من هذه السنة.
محمد بن إبراهيم بن آدم بن أبي الرجال أبو جعفر الصالحي سكن بغداد وحدث بها عن بشر بن هلال الصواف، وأزهر بن جميل، وغيرهما. روى عنه ابن المظفر، وغيره. وكان ثقة. توفي في هذه السنة.
محمد بن بنان بن معن أبو إسحاق الخلال سمع محمد بن المثنى، ومهنأ بن يحيى الشامي، وغيرهما. روى عنه علي بن عمر السكري، وأبو الفضل الزهري، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أنبأنا أحمد بن علي، قال: أنبأنا الأزهري، قال: أنبأنا علي بن عمر الحافظ، قال: محمد بن بنان بغدادي لم يكن به بأس. توفي في شعبان هذه السنة.


محمد بن جعفر بن العباس بن عيسى بن أبي جعفر المنصور يكنى أبا جعفر كان خطيب الجامع بمدينة المنصور، فلم يزل يتولى ذلك حتى توفي في يوم السبت لثمان من ذي الحجة من هذه السنة.
محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب أبو جعفر الطبري ولد في آخر سنة أربع أو أول سنة خمس وعشرين ومائتين، وكان أسمر إلى الأدمة أعين ملتف الجسم، مديد القامة، فصيح اللسان، سمع محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وأحمد بن منيع البغوي، وأبا همام الوليد بن شجاع، وأبا كريب، ويعقوب الدورقي، وأبا سعيد الأشج، ومحمد بن بشار، وخلقاً كثيراً من أهل العراق، والشام، ومصر. وحدث عنه أحمد بن كامل القاضي وغيره، استوطن ابن جرير بغداد إلى حين وفاته، وكان قد جمع من العلوم ما رأس به أهل عصره، وكان حافظاً للقرآن، بصيراً بالمعاني، عالماً بالسنن، فقيهاً في الأحكام، عالماً باختلاف العلماء، خبيراً بأيام الناس وأخبارهم، وتصانيفه كثيرة منها: كتاب التاريخ، وكتاب التفسير وتهذيب الآثار إلا أنه لم يتمم تصنيفه وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب، قال: سمعت علي بن عبيد الله بن عبد الغفار اللغوي يحكي أن محمد بن جرير مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب، قال: أخبرني القاضيا أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي إجازة، قال: حدثنا علي بن نصر بن الصباح الثعلبي قال: حدثنا القاضي أبو عمر عبيد الله بن أحمد السمسار وأبو القاسم بن عقيل الوراق: أن أبا جعفر الطبري قال لأصحابه أتنشطون لتفسير القرآن ؟ قالوا: كم يكون قدره ؟ قال: ثلاثون ألف ورقة، فقالوا: هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه، فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة، ثم قال: هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا هذا ؟ قالوا: كم يكون قدره ؟ فذكر نحواً مما ذكر في التفسير، فأجابوه بمثل ذلك، فقال: إنا لله ماتت الهمم، فاختصره في نحو مما اختصر التفسير.
أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب، قال أنشدنا علي بن عبد العزيز الطاهري، ومحمد بن جعفر بن علان الشروطي، قالا: أنشدنا مخلد بن جعفر الدقاق، قال: أنشدنا محمد بن جرير الطبري.
إذا أعسرت لم يعلم رفيقي ... وأستغني فيستغني صديقي
حيائي حافظ لي ماء وجهي ... ورفقي في مطالبتي رفيقي
ولو أني سمحت ببذل وجهي ... لكنت إلى الغنى سهل الطريق
قال: وأنشدنا أيضاً
خلقان لا أرضى طريقهما ... بطر الغنى ومذلة الفقر
فإذا غنيت فلا تكن بطراً ... وإذا افتقرت فته على الدهر
توفي أبو جعفر الطبري وقت المغرب من عشية الأحد ليومين بقيا من شوال سنة عشر وثلثمائة، ودفن وقد أضحى النهار يوم الاثنين برحبة يعقوب في ناحية باب خراسان في حجرة بإزاء داره، وقيل: بل دفن ليلاً ولم يؤذن به أحد، واجتمع من لا يحصيهم إلا الله، وصلى على قبره عدة شهور ليلاً ونهاراً.
وذكر ثابت بن سنان في تاريخه: أنه إنما أخفيت حاله لأن العامة اجتمعوا ومنعوا من دفنه بالنهار وادعوا عليه الرفض، ثم ادعوا عليه الإلحاد.
قال المصنف: كان ابن جرير يرى جواز المسح على القدمين ولا يوجب غسلهما، فلهذا نسب إلى الرفض، وكان قد رفع في حقه أبو بكر بن أبي داود قصة إلى نصر الحاجب يذكر عنه أشياء فأنكرها، منها: أنه نسبه إلى رأي جهم، وقال: أنه قائل: بل يداه مبسوطتان أي: نعمتاه، فأنكر هذا، وقال ما قلته، ومنها: أنه روى أن روح رسول الله صلى الله علية وسلم لما خرجت سالت في كف علي فحساها، فقال: إنما الحديث مسح بها على وجهه وليس فيه حساها.
قال المصنف رحمه الله: وهذا أيضاً محال إلا أنه كتب ابن جرير في جواب هذا إلى نصر الحاجب: لا عصابة في الإسلام كهذه العصابة الخسيسة، وهذا قبيح منه، لأنه كان ينبغي أن يخاصم من خاصمه، وأما أن يذم طائفته جميعاً وهو يدري إلى من ينتسب فغاية في القبح.
ثم دخلت
سنة إحدى عشرة وثلثمائة
فمن الحوادث فيها:


أن بغلة وردت من مصر إلى بغداد ومعها فلو، وقد وضعت مهراً في ربيع الأول، وكان يرتضع منها.
وأنه ظهر الجراد وعظم أمره، وكثر إفساده للغلات.
وأنه قلد أبو عمرو حمزة بن القاسم الصلاة في جامع المدينة، وشغب الجند في المحرم، فلما أطلقت أرزاقهم سكنوا.
وخلع على مؤنس المظفر وعقد له على الغزاة للصائفة في هذه السنة.
وقرىء كتاب على المنبر بالفتح على المسلمين من طرسوس. وكان نازوك أمر بضر غلامين كان أحدهما غلاماً لبعض الرجالة المصافية، فحمل الرجالة السلاح وقصدوا دار نازوك، ووقعت بينهم حرب، وقتل جماعة، فركب المقتدر وبلغ إلى باب العامة، ثم أشار عليه نصر الحاجب بالرجوع فرجع، ووجه القواد للتسكين وشغلهم بإطلاق أرزاقهم فسكنوا.
وصرف حامد بن العباس عن الوزارة، وعلي بن عيسى عن الدواوين والأعمال، لأنه أخر أرزاق الجند.
وقبض على علي بن عيسى وأنسابه، والمتصرفين في أيامه، وقرر علياً ثلثمائة ألف دينار.
وأخرج أبو الحسن علي بن محمد بن الفرات، فقلد الوزارة يوم الخميس لتسع بقين من ربيع الآخر، وخلع عليه، وعلى ابنيه المحسن والحسين، وأقطعه الدار بالمخرم، وجلسوا للهناء وأخذوا ابن الفرات حامد بن العباس فصادره وأخذ خطه بألف ألف دينار وثلثمائة ألف دينار، وصادر مؤنساً خادم حامد على ثلاثين ألف دينار وروسل علي بن عيسى أن يقرر بأمواله، فكتب أنه لا يقدر على أكثر من ثلاثة آلاف دينار، فأخذه المحسن ولد ابن الفرات وألبسه جبة صوف وأهانه وناله بالأذى الفاحش حتى استخرج منه اليسير.
وورد الخبر في ربيع الآخر بدخول أبي طاهر سليمان بن الحسن الجنابي إلى البصرة سحر يوم الإثنين لخمس بقين من ربيع الآخر في ألف وسبعمائة رجل، وأنه نصب سلاليم بالليل على سورها، وصعد على أعلى السور، ثم نزل إلى البلد، وقتل البوابين الذين على الأبواب، وفتح الأبواب، وطرح بين كل مصراعين حصباء ورملاً كان معه على الجمال لئلا يمكن غلق الأبواب عليه، ووضع السيف في أهل البصرة، وأحرق المربد، ونقض الجامع ومسجد قبر طلحة، وهرب الناس فطرحوا أنفسهم في الماء، فغرق أكثرهم، وأقام أبو طاهر بالبصرة سبعة عشر يوماً يحمل على جماله كل ما يقدر عليه من الأمتعة والنساء والصبيان، وخرج منها بما معه يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة خلت. من جمادى الآخرة، وولى منصرفاً إلى بلده.
وفي رجب استخلف القاضي أبو عمر ولده على القضاء بمدينة السلام، وركب إلى جامع الرصافة وحكم.
وفي رابع عشر رمضان، وقع برد المواريث إلى ذوي الأرحام.
وفي نصف رمضان أحرق على باب العامة صورة ماني وأربعة أعدال من كتب الزنادقة، فسقط منها ذهب وفضة مما كان على المصاحف له قدر.
وفي هذه السنة اتخذ أبو الحسن ابن الفرات مارستانا في درب المفضل، وانفق عليه من ماله في كل شهر مائتي دينار جارياً.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن محمد بن هارون أبو بكر الخلال سمع الحسن بن عرفة، وسعدان بن نصر، وغيرهما وصرفق عنايته إلى الجمع لعلوم أحمد بن حنبل وطلبها وسافر لأجللها وصنفها وجمع منها ما لم يجمعه أحد وكل من تبع هذا المذهب يأخذ من كتبه، وتوفي في يوم الجمعة قبل الصلاة ليومين خلوا من ربيع الأول من هذه السنة. ودفن إلى جنب المروذي في الدكة.
أحمد بن حفص بن يزيد أبو بكر المعافري حدث وروى عن عيسى بن حماد وغيره، وكان فاضلاً.
توفي في ربيع الأول من هذه السنة.
أحمد بن محمد بن الحسين أبو محمد الجريري سمع سرياً، وكان الجنيد يكرمه، وقيل له عند وفاته: إلى من نجلس بعدك ؟ فقال: إلى أبي محمد الجريري.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا الخطيب، أخبرنا عبد الكريم بن هوازن، قال: أخبرني محمد بن الحسين السلمي، قال: سمعت عبد الله الرازي، يقول: سمعت الجريري، يقول: منذ عشرين سنة ما مددت رجلي عند جلوسي في الخلوة، فإن حسن الأدب مع الله أولى.


قال عبد الكريم: وسمعت عبد الله بن يوسف الأصبهاني يقول: سمعت أبا الفضل الصرام، يقول: سمعت علي بن عبد الله يقول: اعتكف أبو محمد الجريري بمكة في سنة إثنتين وتسعين ومائتين، فلم يأكل ولم ينم ولم يستند إلى حائط، ولم يمد رجليه، فقال له أبو بكر الكتاني: يا أبا محمد بماذا قدرت على اعتكافك ؟ فقال: علم الله صدق باطني، فأعانني على ظاهري.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا محمد بن عبد الواحد، أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت أبا سعيد الرازي، يقول: توفي الجريري سنة وقعة الهبير، وطئته الجمال وقت الوقعة.
قال السلمي: وسمعت أبا عبد الله الرازي، يقول: وقعة الهبير كانت في سنة إحدى عشرة وثلثمائة.
قال مؤلف الكتاب، رحمه الله الهبير اسم موضع عارض فيه أبو سعيد الجنابي القرمطي الحاج، فأصاب منهم جماعة فتفرقوا فعاد وعارضهم في محرم سنة اثنتي عشرة، وفتك بهم الفتك القبيح، فجائز أن يكون الجريري قد هلك في المعارضة الأولى، وإنما هلك في الطريق وبقي على حاله.
وأخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الحافظ، أخبرنا عبد الكريم بن هوازن، قال: سمعت أبا عبد الله بن باكويه الشيرازي، يقول: سمعت أحمد بن عطاء الروذباري، يقول: مات الجريري سنة الهبير، فحزت عليه بعد سنة، وإذا هو مستند جالس وركبته إلى صدره، وهو يشير إلى الله تعالى بإصبعه.
أحمد بن حمدان بن علي بن سنان أبو جعفر النيسابوري لقي أبا حفص وغيره وكان من الورعين، وأسند الحديث، وله كلام حسن، وكان يقول: أنت تبغض أهل المعاصي بذنب واحد تظنه ولا تبغض نفسك مع ما تيقنته من ذنوبك. توفي في هذه السنة.
إبراهيم بن السري ين سهل أبو إسحاق الزجاج كان من أهل الفضل والعلم مع حسن الاعتقاد، وله تصانيف حسان.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت بن حسان قال: أخبرنا علي بن أبي علي البغدادي، قال: أخبرني أبو الحسن أحمد بن يوسف الأزرق في كتابه، قال: حدثني أبو محمد بن درستويه، قال: حدثني الزجاج، قال: كنت أخرط الزجاج، فاشتهيت النحو فلزمت المبرد لتعلمه، وكان لا يعلم مجاناً ولا يعلم بأجرة إلا على قدرها، فقال لي: أي شيء صناعتك؟ قلت: أخرط الزجاج وكسبي في كل يوم درهم ونصف وأريد أن تبالغ في تعليمي وأنا أعطيك كل يوم درهماً، وأشترط لك أني أعطيك إياه أبداً إلى أن يفرق الموت بيننا استغنيت عن التعلم أو احتجت إليه، قال: فلزمته وكنت أخدمه في أموره ومع ذلك فأعطيه الدرهم، فينصحني في العلم حتى استقللت فجاءه كتاب بعض بني مادمة من الصراة يلتمسون معلماً نحوياً لأولادهم، فقلت له: أسمني لهم، فأسماني فخرجت فكنت أعلمهم وأنفذ إليه في كل شهر ثلاثين درهماً وأتفقده بعد ذلك بما أقدر عليه، ومضت على ذلك مدة، فطلب منه عبيد الله بن سليمان مؤدباً لابنه القاسم، فقال: لا أعرف لك إلا رجلاً زجاجاً بالصراة مع بني مادمة، قال: فكتب إليهم عبيد الله فاستنزلهم عني فأحضرني واسلم إلي القاسم، فكان ذلك سبب غناي، وكنت أعطي المبرد ذلك الدرهم في كل يوم إلى أن مات ولا أخليه من التفقد معه بحسب طاقتي.


أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا علي بن أبي علي، قال: أخبرني أبي، قال: حدثني أبو الحسين عبد الله بن أحمد بن عياش القاضي، قال: حدثني أبو إسحاق الزجاج، قال: كنت أؤدب القاسم بن عبيد الله، فأقول له: إن بلغك الله مبلغ أبيك ووليت الوزارة ماذا تصنع بي ؟ فيقول: ما أحببت، فأقول: أن تعطيني عشرين ألف دينار، وكانت غاية أمنيتي، فما مضت إلا سنون حتى ولي القاسم الوزارة وأنا على ملازمتي له، وقد صرت نديمه، فدعتني نفسي إلى إذكاره بالوعد ثم هبته، فلما كان في اليوم الثالث من وزارته، قال لي: يا أبا إسحاق ألم أرك أذكرتني بالنذر ؟ فقلت: عولت على رأي الوزير أيده الله، وأنه لا يحتاج إلى إذكاري لنذر عليه في أمر خادم واجب الحق، فقال لي: أنه المعتضد بالله ولولاه ما تعاظمني دفع ذلك إليك في مكان واحد، ولكن أخاف أن يصير له معك حديثاً فاسمح لي أن تأخذه متفرقاً، فقلت: أفعل، فقال: اجلس للناس وخذ رقاعهم في الحوائج الكبار، واستجعل عليها، ولا تمتنع من مسألتي شيئاً تخاطب فيه صحيحاً كان أو محالاً إلى أن يحصل لك مال النذر، ففعلت ذلك وكنت أعرض عليه كل يوم رقاعاً فيوقع فيها، وربما قال لي: كم ضمن لك على هذا ؟ فأقول: كذا وكذا فيقول: غبنت هذا يساوي كذا وكذا فاستزد، فأراجع القوم فلا أزال أماكسهم ويزيدونني حتى أبلغ ذاك الحد الذي رسمه لي، قال: وعرضت عليه شيئاً عظيماً فحصلت عندي عشرون ألف دينار وأكثر منها في مديدة، فقال لي بعد شهور: يا أبا إسحاق حصل مال النذر ؟ فقلت: لا فسكت وكنت أعرض ثم يسألني في كل شهر أو نحوه هل حصل المال ؟ فأقول: لا خوفاً من انقطاع الكسب إلى أن حصل عندي ضعف ذلك المال، فسألني يوماً فاستحييت من الكذب المتصل، فقلت: قد حصل لي ذلك ببركة الوزير، فقال فرجت والله عني فقد كنت مشغول القلب إلى أن يحصل لك، قال: ثم أخذ الدواة فوقع لي إلى خازنه بثلاثة آلاف دينار صلة فأخذتها وامتنعت أن أعرض عليه شيئاً، ولم أدر كيف أقع منه، فلما كان من غد جئته وجلست على رسمي، فأومأ إلي: هات ما معك، يستدعي مني الرقاع على الرسم، فقلت ما أخذت من أحد رقعة، لأن النذر قد وقع الوفاء به ولم أدر كيف أقع من الوزير، فقال يا سبحان الله أتراني كنت أقطع عنك شيئاً قد صار لك عادة وعلم به الناس وصارت لك به منزلة عندهم وجاه وغدو ورواح إلى بابك ولا يعلم سبب انقطاعه فيظن ذلك لضعف جاهك عندي أو تغير رتبتك، أعرض علي على رسمك، وخذ بلا حساب فقبلت يده وباكرته من غد بالرقاع، وكنت أعرض عليه كل يوم إلى أن مات وقد أثلث خالي هذه.
قال المصنف رحمه الله رأيت كثيراً من أصحاب الحديث والعلم يقرأون هذه الحكاية ويتعجبون مستحسنين لهذا الفعل غافلين عما تحته من القبيح، وذلك أنه يجب على الولاة إيصال قصص المظلومين وأهل الحوائج، فإقامة من يأخذ الأجعال على هذا قبيح حرام، وهذا مما يهن به الزجاج وهناً عظيماً، ولا يرتفع لأنه إن كان لم يعلم ما في باطن ما قد حكاه عن نفسه فهذا جهل بمعرفة حكم الشرع، وإن كان يعرف فحكايته في غاية القبح نعوذ بالله من قلة الفقه.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، أخبرنا أبو الجوائز الحسن بن علي الكاتب، قال: حدثني أبو القاسم علي بن طلحة النحوي، قال: سمعت أبا علي الفارسي يقول: دخلت مع شيخنا أبي إسحاق الزجاج على القاسم بن عبيد الله الوزير، فورد إليه خادم وساره بشيء استبشر به، ثم تقدم إلى شيخنا أبي إسحاق بالملازمة إلى أن يعود، ثم نهض فلم يكن بأسرع من أن عاد وفي وجهه أثر الوجوم، فسأله شيخنا عن ذلك لأنس كان بينه وبينه فقال: كانت تختلف إلينا جارية لأحدى المغنيات، فسمتها أن تبيعني إياها فامتنعت من ذلك، ثم أشار عليها أحد من كان ينصحها بأن تهديها إلي رجاء أن أضاعف لها ثمنها، فلما أعلمني الخادم بذلك، فنهضت مستبشراً لافتضاضها فوجدتها قد حاضت، فكان مني ما ترى، فأخذ شيخنا الدواة من يديه وكتب:
فارس ماض بحربته ... حاذق بالطعن في الظلم
رام أن يدمي فريسته ... فاتقته من دم بدم


أنبأنا أبو منصور القزاز، أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، قال: حدثني أبو بكر أحمد بن محمد الغزال، قال: أنبأنا علي بن عبد العزيز، قال أنبأنا أبو محمد الوراق، قال جار كان لنا، قال: كنت بشارع الأنبار وأنا صبي يوم نيروز فعبر رجل راكب فبادر بعض الصبيان، وقلب عليه ماء، فأنشأ يقول وهو ينفض رداءه من الماء.
إذا قل ماء الوجه قل حياؤه ... ولا خير في وجه إذا قل ماؤه
فلما عبر قيل لنا، هذا أبو إسحاق الزجاج. قال الطاهري: شارع الأنبار هو النافذ إلى الكبش والأسد.
أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا أبو الطيب الطبري، قال: حدثني محمد بن طلحة، قال: حدثني القاضي محمد بن أحمد المخرمي، أنه جرى بينه وبين الزجاج وبين المعروف بمسينة، وكان من أهل العلم شر، واتصل ونسجه إبليس وأحكمه حتى خرج الزجاج إلى حد الشتم، فكتب إليه مسينة:
أبى الزجاج إلا شتم عرضي ... لينقعه فآثمه وضره
وأقسم صادقاً ما كان حر ... ليطلق لفظه في شتم حره
فلو أني كررت لفر مني ... ولكن للمنون علي كره
فأصبح قد وقاه الله شري ... ليوم لا وقاه الله شره
فلما اتصل هذا الخبر بالزجاج قصده راجلاً حتى اعتذر إليه وسأله الصلح.
توفي الزجاج يوم الجمعة لإحدى عشرة مضت من جمادى الآخرة من هذه السنة.
بدر أبو النجم، مولى المعتضد بالله ويسمى بدر الكبير ويقال له بدر الحمامي وكان قد تولى الأعمال مع ابن طولون بمصر، فلما قتل قدم بغداد فولاه السلطان أعمال الحرب والمغاور بفارس وكرمان، فخرج إلى عمله وحدث عن هلال بن العلاء، وغيره وأقام هناك وطالت أيامه حتى توفي بشيراز ثم نبش وحمل إلى بغداد، وقام ولده محمد مقامه في حفظ البلاد.
حامد بن العباس، أبو محمد استوزره المقتدر بالله سنة ست وثلثمائة وكان موسراً له أربعمائة مملوك يحملون السلاح، لكل واحد منهم مماليك، وكان يحجبه ألف وسبعمائة حاجب، وكان ينظر بفارس قديماً، ودام نظره بواسط، وكان صهره أبو الحسين بن بسطام إذا سافر كان معه أربعون بختية موقرة أسرة ليجلس عليها، وفيها واحدة موقرة سفافيد المطبخ، وكان معه أربعمائة سجادة للصلاة، فلما قبض على حامد صودر صهره هذا على ثلثمائة ألف دينار.
وكان حامد ظاهر المروءة كثير العطاء، فحكى أبو بكر الصولي أنه شكا إليه شفيع المقتدري فناء شعيره، فجذب الدواة وكتب له بمائة كر شعير، فقال له ابن الحواري: فأنا أكتب له بمائة كر، فنظر إليه نصر الحاجب، فكتب له بمائة كر، وكتب لأم موسى بمائة كر، ولمؤنس الخادم بمائة كر.
وحكى أبو علي التنوخي عن بعض الكتاب، قال: حضرت مائدة حامد وعليها عشرون نفساً، وكنت أسمع أنه ينفق عليها كل يوم مائتي دينار، فاستقللت ما رأيت ثم خرجت فرأيت في الدار نيفاً وثلاثين مائدة منصوبة، على كل مائدة ثلاثون نفساً، وكل مائدة كالمائدة التي بين يديه، حتى البوارد والحلوى، وكان لا يستدعي أحداً إلى طعامه بل يقدم الطعام إلى كل قوم في أماكنهم.


أنبأنا محمد بن أبي طاهر، قال: أنبأنا علي بن المحسن التنوخي إذناً عن أبيه، قال: حدثني القاضي أبو الحسن محمد بن عبد الواحد الهاشمي، قال: كان حامد بن العباس من أوسع من رأيناه نفساً، وأحسنهم مروءة، وأكثرهم نعمة، وأشدهم سخاء وتفقداً لمروءته، وكان ينصب في داره كل يوم عدة موائد ولا يخرج من الدار أحد من الجلة والعامة والحاشية وغيرهم إذا حضر الطعام أو يأكل حتى غلمان الناس، فربما نصب في داره في يوم واحد وأربعون مائدة. وكان يجري على كل من يجري عليه الخبز لحماً وكانت جراياته كلها الحواري، فدخل يوماً إلى دهليزه فرأى فيه قشر باقلاة، فأحضر وكيله، وقال: ويلك ! يؤكل في داري الباقلا ؟ قال: هذا من فعل البوابين، قال: أوليست لهم جرايات لحم ؟ قال بلى، قال فسلهم عن السبب، فسألهم فقالوا: لا نتهنأ بأكل اللحم دون عيالنا فنحن ننفذه إليهم لنأكله معهم ليلاً ونجوع بالغدوات فنأكل الباقلا، فأمر حامد أن يجري عليهم جرايات لعيالهم تحمل إلى منازلهم، وأن يأكلوا جراياتهم في الدهليز، ففعل ذلك، فلما كان بعد أيام رأى قشر باقلاة في الدهليز، فاستشاط غيظاً وكان حديداً فشتم وكيله وقال: ألم أضعف الجرايات، فلم في دهليزي قشور الباقلا ؟ فقال: إن الجرايات لما تضاعفت جعلوا الأولى لعيالاتهم في كل يوم، وصاروا يجمعون الثانية عند القصاب، فإذا خرجوا من النوبة ومضوا نهاراً إلى منازلهم في نوبة استراحتهم فيها أخذوا ذلك مجتمعاً من القصاب فتوسعوا به، قال: فلتكن الجرايات بحالها، وليتخذ مائدة في كل يوم وليلة تنصب غدوة قبل نصب موائدنا يطعم عليها هؤلاء، والله لئن وجدت بعد هذا في دهليزي قشر باقلاة لأضربنك وجميعهم بالمقارع، ففعل ذلك، وكان ما زاد في نفقة الأموال فيه أمراً عظيماً.
قال المحسن: وحدثني هبة الله بن محمد بن يوسف المنجم، قال: حدثني جدي قال: وقفت امرأة لحامد بن العباس على الطريق فشكت إليه الفقر ودفعت إليه قصة كانت معها، فلما جلس وقع لها بمائتي دينار، فأنكر الجهبذ دفع هذا القرار إلى مثلها، فراجعه فقال حامد: والله ما كان في نفسي أن أهب لها إلا مائتي درهم ولكن الله تعالى أجرى لها على يدي مائتي دينار، فلا أرجع في ذلك، أعطها فدفع إليها، فلما كان بعد أيام دفع إليه رجل قصة يذكر فيها أن امرأتي وأنا كنا فقراء فرفعت قصة إلى الوزير فوهب لها مائتي دينار، فاستطالت علي بها وتريد الآن اعناتي لأطلقها فإن رأى الوزير أن يوقع لي من يكفها عني فعل، فضحك حامد فوقع له بمائتي دينار، وقال: قولوا له يقول لها: قد صار الآن مالك مثل مالها فهي لا تطالبك بالطلاق، فقبضها، وانصرف غنياً.
قال المحسن: وحدثني عبد الله بن أحمد بن داسة، قال: حدثني أبو الحسين أحمد بن الحسين بن المثنى، قال لما قدم حامد بن العباس الأبله يريد الأهواز وهو وزير خرجت لتلقيه، فرأيت له حراقة ملاحوها خصيان بيض وعلى وسطها شيخ يقرأ القرآن وهي مظلله مسترة فسألت عن ذلك، فقالوا: هذه حراقة الحرم لا يحسن أن يكون ملاحوها فحولة.


قال المحسن: وحدثني أبو عبد الله الصيرفي، قال: حدثني أبو عبد الله القنوتي، قال: ركب حامد وهو عامل واسط إلى بستان له فرأى بطريقه داراً محترقة وشيخاً يبكي ويولول، وحوله صبيان ونساء على مثل حاله، فسأل عنه، فقيل: هذا رجل تاجر احترقت داره وافتقر فوجم ساعة، ثم قال: أين فلان الوكيل ؟ فجاء، فقال له: أريد أن أندبك لأمر ان عملته كما أريد فعلت بك وصنعت - وذكر جميلاً - وإن تجاوزت فيه رسمي فعلت بك وصنعت - وذكر قبيحاً - فقال: مر بأمرك، فقال ترى هذا الشيخ قد آلمني قلبي له، وقد تنغصت علي نزهتي بسببه، وما تسمح نفسي بالتوجه إلى بستاني إلا بعد أن تضمن لي أنني إذا عدت العشية من النزهة وجدت الشيخ في داره وهي كما كانت مبنية مجصصة نظيفة، وفيها صنوف المتاع والفرش والصفر كما كانت، وتباع له ولعياله كسوة الشتاء والصيف المعونة أن يقف معي ويحضر من أطلبه من الصناع، فتقدم حامد بذلك - وكان الزمان صيفاً - فتقدم بإحضار أصناف الروز جارية، فكانوا ينقضون بيتاً ويقيمون فيه من يبنيه، وقيل لصاحب الدار اكتب جميع ما ذهب منك حتى المكنسة والمقدحة، وصليت العصر وقد سقفت الدار، وجصصت، وغلقت الأبواب، ولم يبق غير الطوابيق، فأنفذ الرجل إلى حامد وسأله التوقف في البستان وإن لا يركب منه إلى أن يصلي عشاء الآخرة، فبيضت الدار، وكنست وفرشت، ولبس الشيخ وعياله الثياب، ودفعت إليهم الصناديق والخزائن مملوءة بالأمتعة، فاجتاز حامد والناس قد اجتمعوا كأنه يوم عيد يضجون بالدعاء له، فتقدم حامد إلى الجهبذ بخمسة آلاف درهم يدفعها إلى الشيخ يزيدها في بضاعته، وسار حامد إلى داره.
قال المحسن: حدثني أبو الحسن بن المأمون الهاشمي: أنه وجد لحامد في نكبته التي قتل فيها في بئر لمستراح له أربعمائة ألف دينار عيناً دل عليها لما اشتدت به المطالبة.
وأخبرني غيره أن حامداً كان عمل حجرة وجعل فيها مستراحاً، وكان يتقدم إلى وكيله أن يجيء بالدنانير، فكلما حصل له كيس أخذه تحت ثيابه وقام كأنه يبول، فدخل ذلك المستراح، فألقى الكيس في البئر وخرج من غير أن يصب فيها ماء ولا يبول ويوهم الفراش أنه فعل ذلك، فإذا أخرج قفل المستراح ولم يدخله غيره على رسم مستراحات الملوك، فإذا أراد الدخول فتحه له الخادم المرسوم بالوضوء وذلك الخادم المرسوم بالوضوء لا يعلم السر في ذلك، فلما تكامل المال، قال: هذا المستراح فسد فسدوها، فسد وعطل، فلما اشتدت به المطالبة دل عليه فأخرج ما فيه.
ولما عزل المقتدر حامداً قرر مع ابن الفرات أنه لا ينكبه، وقال: خدمنا بغير رزق، وشرط أن يناظر بمحضر من القضاة والكتاب، وكان قد وقع بينه وبين مفلح الخادم وجرى بينهما مخاشنة، فقال حامد: والله لا بتاعن مائة أسود أجعلهم قواداً، وأسمي كل واحد منهم مفلحاً، فأدى عنه مفلح إلى الخليفة ما لم يقله، وأشار بأن ينفذ إلى ابن الفرات، وقال: إن لم يكن في قبضه وقفت أموره، فتقدم الخليفة بذلك وأمر ابن الفرات أن يفرد له داراً حسنة، ويفرش له فرشاً جميلاً، ويحضر ما يختار من الأطعمة، وباع حامد داره التي كانت له على الصراة من نازوك باثني عشر ألف دينار، وباع خادماً له عليه بثلاثة آلاف دينار، وأقر حامد بألف ألف دينار ومائتي ألف دينار، وأحدر إلى واسط في رمضان هذه السنة فتسلمه محمد بن عبد الله البزوفري، وكان ينظر من قبل لحامد، فأراد البزورفري أن يحتاط لنفسه حين مرض حامد، فأحضر قاضي واسط وشهودها يخبرهم أنه مات حتف أنفه، فلما دخل الشهود عليه قال لهم: ان الفرات الكافر الفاجر الرافضي عاهدني وحلف بأيمان البيعة إن أقررت بأموالي صانني عن المكروه، فلما أقررت سلمني إلى ابنه فقدم لي بيضاً مسموماً فلا صنع للبزوفري في دمي إلى وقتنا هذا، ولكنه كفر إحساني. توفي حامد في رمضان هذه السنة.
عبد الله بن إسحاق بن ابراهيم بن حماد بن يعقوب أبو محمد الأنماطي المدائني سكن بغداد وحدث بها عن الصلت بن مسعود الجحدري، وعتمان بن أبي شيبة. روى عنه ابن الجعابي، وابن مظفر. وقال الدارقطني: ثقة مأمون.
توفي في ذي القعدة من هذه السنة.
محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر السلمي، مولى مجشر بن مزاحم، أبو بكر


طاف البلاد في طلب الحديث، فسمع بنيسابور من ابن راهويه وغيره، وبمرو من علي بن حجر وغيره، وبالري من محمد بن مهران وغيره، وببغداد من أحمد بن منيع وغيره، وبالبصرة من بشر بن معاذ العقدي وغيره، وبالكوفة من أبي كريب وغيره، وبالحجاز من عبد الجبار بن العلاء وغيره وبالشام من موسى بن سهل الرملي وغيره، وبالجزيرة من عبد الجبار بن العلاء وغيره، وبمصر من يونس بن عبد الأعلى وغيره، وسمع بواسط من محمد بن حرب وغيره، روى عنه جماعة من مشايخه منهم البخاري ومسلم، وكان مبرزاً في علم الحديث وغيره.
أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أنبأنا أبو محمد الحسن بن أحمد السمرقندي، قال: سمعت أبا سعيد أحمد بن محمد العبداني، يقول: أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد المفسر، قال أخبرنا أبو محمد بن الخطيب، قال: سمعت أبا الحارث روح بن أحمد بن روح، يقول: سمعت أبا العباس أحمد بن المظفر البكري، يقول: سمعت محمد بن هارون الطبري، يقول: كنت أنا ومحمد بن نصر المروزي، ومحمد بن علويه الوزان، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة على باب الربيع بن سليمان بمصر نسمع منه كتب الشافعي، فبقينا ثلاثة أيام بلياليهن لم نطعم شيئاً، وفنيت أزوادنا. فقلت: الآن قد حلت لنا المسألة ، فمن يسأل ؟ فاستحيا كل واحد منا أن يسأل، فقلنا نقترع فوقعت القرعة على محمد بن إسحاق بن خزيمة، فقال: دعوني أصلي ركعتين. وسجد يدعو بدعاء الاستخارة، إذ قرع علينا الباب، فخرج واحد فإذا هو رجل خادم لأحمد بن طولون أمير مصر وبين يديه شمعة وخلفه شمعة فاستأذن فدخل ثم سلم وجلس وأدخل يده في كمه فأخرج رقعة، فقال: من محمد بن نصر المروزي ؟ فقلنا: هذا، فأخرج صرة فيها خمسون ديناراً فأعطاه، ثم قال: إن الأمير أحمد بن طولون يقرأ عليك السلام ويقول لك استنفق هذا فإذا فني بعثنا إليك مثله، قال: من محمد بن علويه الوزان ؟ فقلنا: هذا، فأعطاه مثل ذلك ثم قال: من محمد بن هارون الطبري ؟ فقلت: أنا، فأعطاني مثل ذلك، ثم قال: من محمد بن إسحاق بن خزيمة ؟ فقلنا: هو ذاك الساجد، فأمهله حتى رفع رأسه من السجدة فأعطاه مثل ذلك. فقلنا له: لا نقبل هذا منك حتى تخبرنا بالقصة فقال: إن الأمير أحمد بن طولون كان قائلاً نصف النهار، إذ اتاه آت في منامه، فقال: يا أحمد، ما حجتك غداً عند الله إذا وقفت بين يديه فسألك عن أربعة من أهل العلم طووا منذ ثلاثة أيام لم يطعموا شيئاً ؟ فانتبه فزعاً مذعوراً، فكتب أسماءكم وصرر هذه الصرر وبعثني في طلبكم، وكنت استخبر خبركم حتى وجدتكم الآن. وقال المؤلف: وقد رويت لنا هذه الحكاية على وجه آخر.
أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الخطيب، قال: حدثني أبو الفرج محمد بن عبيد الله بن محمد الشيرازي لفظاً، قال: سمعت أحمد بن منصور بن محمد الشيرازي، يقول: سمعت محمد بن أحمد الصحاف السجستاني، قال: سمعت أبا العباس البكري - من ولد أبي بكر الصديق رضي الله عنه - يقول: جمعت الرحلة بين محمد بن جرير، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، ومحمد بن نصر المروزي، ومحمد بن هارون الروياني بمصر، فأرملوا ولم يبق عندهم ما يقوتهم، وأضر بهم الجوع؛ فاجتمعوا ليلة في منزل كانوا يأوون إليه، فاتفق رأيهم على أن يستهموا ويضربوا القرعة، فمن خرجت عليه القرعة سأل لأصحابه الطعام، فخرجت القرعة على محمد بن إسحاق بن خزيمة، فقال لأصحابه: أمهلوني حتى أتوضأ وأصلي صلاة الخيرة؛ قال: فاندفع في الصلاة فإذا هم بالشموع وخصي من قبل والي مصر يدق الباب، ففتحوا الباب، فنزل عن دابته، فقال: أيكم محمد بن نصر ؟ فقيل: هو هذا، فأخرج صرة فيها خمسون ديناراً فدفعها إليه، ثم قال: أيكم محمد بن إسحاق بن خزيمة، فقالوا: هو هذا يصلي، فلما فرغ دفع إليه صرة فيها خمسون ديناراً، ثم قال: إن الأمير كان قائلاً بالأمس فرأى في المنام خيالاً قال: إن المحامد طووا كشحهم جياعاً، فانفذ إليكم هذه الصرر وأقسم عليكم إذا نفدت فابعثوا إلي أحدكم.
قال مؤلف الكتاب وقد سبق نحو هذه الحكايات عن الحسن بن سفيان النسوي.
توفي أبو بكر بن خزيمة ليلة السبت ثامن ذي القعدة من هذه السنة، ودفن في حجرة من داره، ثم صيرت تلك الدار مقبرة.
محمد بن أحمد بن الصلت بن دينار أبو بكر الكاتب سمع وهب بن بقية وغيره، وربما سمي أحمد بن محمد بن الصلت إلا أن الأول أشهر.


أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا ابن رزق، أخبرنا عمر بن جعفر البصري، قال: محمد بن أحمد بن الصلت ثقة مأمون.
توفي في المحرم من هذه السنة.
محمد بن إسماعيل بن علي بن النعمان بن راشد أبو بكر البندار المعروف بالبصلاني سمع علي بن الحسين الدرهمي، وخالد بن يوسف السمتي، وبندار وغيرهم.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال: حدثني علي بن محمد بن نصر الدينوري، قال: سمعت حمزة بن يوسف السهمي، يقول: سألت الدارقطني عن محمد بن إسماعيل البصلاني، فقال: ثقة.
توفي في شعبان هذه السنة.
يانس الموفقي: كان في أصل سور داره، من خيار الفرسان والرجالة ألف مقاتل.
توفي في هذه السنة، وخلف ضياعاً تغل ثلاثين ألف دينار.
ثم دخلت
سنة اثنتي عشرة وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: أنهم وجدوا رجلاً أعجمياً واقفاً على سطح مجلس من دار السر التي كان المقتدر يكثر الجلوس فيها عند والدته عليه ثياب دبيقي وتحتها قميص صوف ومعه محبرة ومقلمة وسكين وأقلام، وقيل: انه دخل مع الصناع فحصل في الموضع وبقي أياماً، فعطش، فخرج يطلب الماء، فظفر به وسئل عن حاله، فقال: ليس يجوز أن أخاطب غير صاحب هذه الدار، فأخرج إلى أبي الحسن بن الفرات، فقال: أنا أقوم مقام صاحب الدار، فقال: ليس يجوز غير خطابه فضرب فعدل إلى أن قال: ندانم، ولزم هذه اللفظة، فضرب حتى مات، فأخرج، فصلب، ولطخ بالنفط، وضرب بالنار وأرجف الناس بأن ابن الفرات دسه ليوهم المقتدر أن نصر الحاجب أراد أن يحتال ليفتك به لأنهم أرادوا مصادرة نصر.
وفي هذه السنة: ضعف أمر أبي الحسن ابن الفرات بعد قوته، وكان السبب أنه ورد الخبر في محرم هذه السنة بأن أبا طاهر بن أبي سعيد الجنابي ورد إلى الهبير ليلتقي حاج سنة إحدى عشرة وثلثمائة في رجوعهم، وأوقع ببعض الحاج، ومضى بعضهم على غير الطريق، فعارضهم أبو طاهر وقاتلهم يوم الأحد لاثنتي عشرة ليلة بقيت من المحرم سنة اثنتي عشرة، فقتل منهم قتلاً مسفاً وأسر أبا الهيجاء عبد الله بن حمدان، وكان إليه الكوفة وطريق مكة وبذرقة الحاج، وأسر معه جماعة من خدم السلطان وأسبابه، وأخذ جمال الحاج وسبى من اختار من النساء والرجال والصبيان، وسار بهم إلى هجر، وترك باقي الحاج في مواضعهم بلا جمال ولا زاد، وكانت سن أبي طاهر في ذلك الوقت سبع عشرة سنة، فمات أكثر الحاج بالعطش والحفاء، وحصل له ما حزر من الأموال ألف ألف دينار، ومن الامتعة والطيب وغير ذلك بنحو ألف ألف، وكان جميع عسكره نحواً من ثماني مائة فارس، ومثلهم رجالة، فانقلبت بغداد، وخرجت النساء منشورات الشعور مسودات الوجوه يلطمن ويصرخن في الشوارع، وانضاف إليهن حرم المنكوبين الذين نكبهم ابن الفرات، وكانت صورة شنيعة، فركب ابن الفرات إلى المقتدر وحدثه الحال، فقال له نصر الحاجب: الساعة تقول أي شيء الرأي ؟ بعد أن زعزعت أركان الدولة وعرضتها للزوال بإبعادك مؤنس المظفر الذي يناضل الأعداء. ومن الذي أسلم رجال السلطان وأصحابه إلى القرمطي سواك ؟ وأشار نصر على المقتدر بمكاتبة مؤنس بالتعجيل إلى الحضرة، فأمر أن يكتب إليه بذلك، ووثب العامة على ابن الفرات، فرجمت طيارته بالآجر، ورجمت داره، وصاحوا: يا ابن الفرات القرمطي الكبير، وامتنع الناس من الصلاة في الجوامع، ثم قبض على ابن الفرات وابنيه وأسبابه، وحمل إلى دار نازوك والعامة يضربونه بالآجر، ويقولون: قد قبض على القرمطي الكبير، وأخذ خطه بألفي الف دينار، وكان ابنه المحسن يخرج في زي النساء، فغمز عليه فأخذ وكتب خطه بثلاثة آلاف الف دينار، وقتل ابن الفرات وولده المحسن، ووزر أبو القاسم عبد الله بن محمد الخاقاني.
وورد كتاب من محمد بن عبد الله الفارقي من البصرة يذكر أن كتاب أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان ورد عليه من هجر، وأنه كلم أبا طاهر في أمر من كان استأسر من الحاج، وسأل اطلاقهم، وأنه أحصى من قتله، منهم فكانوا من الرجال الفين ومائتين وعشرين، ومن النساء نحو خمسمائة امرأة، ووعد باطلاقهم.


ثم وردت الاخبار بورود طائفة إلى البصرة إلى أن كان آخر من أطلق منهم أبو الهيجاء في جماعة من أصحاب السلطان، وقدم معهم رسول من أبي طاهر يسأل الافراج له عن البصرة والأهواز فأنزل وأكرم وأقيمت له الأنزال الواسعة ولم يجب إلى ما التمس، وأنفق السلطان في خروج مؤنس إلى الكوفة، ثم إلى واسط ألف ألف دينار.
ومن الحوادث: أن نازوك جلس في مجلس الشرطة ببغداد، فاحضر له ثلاثة نفر من أصحاب الحلاج، وهم: حيدرة، والشعراني، وابن منصور فطالبهم بالرجوع عن مذهب الحلاج، فأبوا، فضرب أعناقهم، ثم صلبهم في الجانب الشرقي من بغداد، ووضع رؤوسهم على سور السجن في الجانب الغربي.
وظهر بين الكوفة وبغداد رجل يدعي أنه محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وجمع جمعاً عظيماً من الأعراب، واستفحل أمره في شوال، فأنفذ أبو القاسم الخاقاني حاجبه أحمد بن سعيد، وضم إليه خمسمائة رجل من الفرسان وألف راجل، وأمره بمحاربته، فظفر بجماعة من أصحابه وانهزم الباقون.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
إبراهيم بن خمش أبو اسحاق الزاهد النيسابوري سمع محمد بن رافع وغيره، وكان يعظ الناس.
أنبأنا زاهر بن طاهر، قال أنبأنا أبو بكر البيهقي، قال: أخبرنا أبو عبد الله الحاكم، قال: سمعت أبا منصور الصوفي ابن بنت ابراهيم، يقول: سمعت جدي، يقول: يضحك القضاء من الحذر، ويضحك الأجل من الأمل، ويضحك التقدير من التدبير، وتضحك القسمة من الجهد والعناء.
إسحاق بن بنان بن معن أبو محمد الأنماطي سمع الوليد بن شجاع، وإسحاق بن أبي اسرائيل، وكان ثقة.
توفي في هذه السنة.
عبيد الله بن عبد الله بن محمد أبو العباس الصيرفي حدث عن عبد الأعلى بن حماد. روى عنه علي بن عمر السكري، وكان صدوقاً. توفي في رجب هذه السنة.
عمر بن عبد الله بن عمر بن عثمان أبو القاسم المعروف بابن أبي حسان الزيادي سمع المفضل بن غسان، روى عنه ابن المظفر، وابن شاهين، وكان ثقة.
وتوفي في هذه السنة، وقيل: في سنة أربع عشرة وثلثمائة.
علي بن محمد بن الفرات، أبو الحسن: وزر مراراً للمقتدر، وملك أموالاً كثيرة تزيد على عشرة آلاف ألف دينار، وبلغت غلته ألف ألف دينار وأودع الأموال وجوه الناس، فلم يبق ببغداد قاض ولا عدل ولا تاجر مستور إلا ولابن الفرات عنده وديعة.
أنبأنا محمد بن أبي طاهر، قال: أنبأنا علي بن المحسن، عن أبيه، قال: حدثني أبو الحسين عبد الله بن أحمد بن عياش القاضي: أن رجلاً دامت عطلته، فزور كتباً عن علي بن محمد بن الفرات وهو وزير إلى أبي زنبور عامل بمصر، وخرج إليه فلقيه بها فأنكرها أبو زنبوز لإفراط التأكيد فيها، واستراب بالخطاب، فوصل الرجل بصلة يسيرة وأمر له بجراية، وقال: تأخذها إلى أن أنظر في أمرك، وأنفذ الكتب إلى ابن الفرات، وكان فيها: أن للرجل حرمة وكيدة بالوزير وخدمة قديمة، فوصلت الكتب إلى أبي الحسن ابن الفرات وأصحابه بين يديه فعرفهم ذلك، وقال: ما الرأي ؟ فقال بعضهم: تقطع يده للتزوير على الوزير وقال بعضهم: يقطع أبهامه، وقال بعضهم: يضرب ويحبس، وقال بعضهم: يكشف أمره لأبي زنبور حتى يطرده، فقال ابن الفرات: ما أبعد طباعكم عن الجميل ! رجل توسل بنا وتحمل المشقة إلى مصر بجاهنا ولعله كان لا يصل إلينا فيأخذ كتبنا، فخفف عنا بأن كتب لنفسه يكون حظه الخيبة؟ ثم كتب على الكتاب المزور إلى أبي زنبور هذا كتابي ولا أعلم لأي سبب أنكرته، ولا لأي سبب استربت به، وحرمة صاحبه بي وكيدة، وسببه عندي أقوى مما تظن، فأجزل عطيته وتابع بره. فلما كان بعد مدة طويلة دخل عليه رجل جميل الهيئة، فأقبل يدعو له ويبكي ويقبل الأرض بين يديه وابن الفرات لا يعرفه، ويقول: بارك الله عليك مالك. فقال: أنا صاحب الكتاب الزور إلى أبي زنبور الذي حققه بفضل الوزير فعل الله به وصنع، فضحك ابن الفرات وقال: فبكم وصلك ؟ فقال: وصل إلي من ماله وبتقسيط قسطه لي وبتصرف صرفني عشرون ألف دينار، فقال: الزمنا فإنا ننفعك بأضعافه. واستخدامه فأكسبه مالاً عظيماً.


قال: ابن عياش: وكان أول ما أنحل من نظام سياسة الملك فيما شاهدناه القضاء، فإن ابن الفرات وضع منه وأدخل فيه أقواماً لا علم لهم ولا أبوة، فما مضت إلا سنوات حتى ابتدأت الوزارة تتضع ويتقلدها من ليس بأهل، حتى بلغت سنة نيف وثلاثين وثلثمائة إلى أن تقلد وزارة المتقي أبو العباس الأصبهاني الكاتب، وكان في غاية سقوط المروءة والرقاعة، ولقد رأيت قرداً معلماً يقول له القراد: أتحب أن تكون بزازاً ؟ فيقول: نعم، ويومي برأسه، فيقول: تشتهي أن تكون عطاراً ؟ فيومي برأسه نعم، إلى أن يقول: أتشتهي أن تكون وزيراً ؟ فيومي برأسه لا، فيضحك الناس، وكان أول ما وضع من القضاء أنه قلده أبا أمية الأحوص البصري، فإنه كان بزازاً فاستتر ابن الفرات عنده وخرج من داره إلى الوزارة فولاه القضاء، وجرت الحال على ما ذكرنا في ترجمة الأحوص سنة ثلثمائة.
وقد ذكرنا كيف اتضع ابن الفرات، وكيف أخذ وحبس وقتل في حوادث هذه السنة فلا نعيده.
أنبأنا محمد بن أبي طاهر، عن أبي القاسم التنوخي، عن أبيه، قال: أخبرني بعض الكتاب، قال: كان ابن الفرات قد صودر على ألف ألف دينار وستمائة ألف دينار، فأدى جميعها في مدة ستة عشر شهراً من وقت أن قبض عليه.
أخبرنا أبو بكر محمد بن أبي طاهر البزاز، قال: أخبرنا علي بن المحسن التنوخي، عن أبيه، قال: حدثني أبو محمد، قال: حدثني بعض شيوخ الكتاب ببغداد عمن حدثه أنه سمع أبا الحسن ابن الفرات يقول لأبي جعفر بن بسطام: ويحك يا أبا جعفر، لك قصة في رغيف، فقال: إن أمي كانت عجوزاً صالحة عودتني منذ ولدتني أن تجعل تحت مخدتي التي أنام عليها في كل ليلة رغيفاً فيه رطل، فإذا كان من غد تصدقت به عني فأنا أفعل ذلك إلى الآن، فقال ابن الفرات: ما سمعت بأعجب من هذا، أعلم أني من أسوأ الناس رأياً فيك لأمور أوجبت ذلك، وأنا مفكر منذ أيام في القبض عليك وفي مطالبتك بمال، فأرى منذ ثلاث ليال في منامي كأنني أتدعيك لأقبض عليك فتحاربني وتمتنع مني، فأتقدم لمحاربتك فتخرج إلى من يحاربك وبيدك رغيف كالترس فتتقي به السهام ولا يصل إليك منها شيء، وأشهد الله أني قد وهبت لله عز وجل ما في نفسي عليك، وأن رأيي لك أجمل رأي من الآن فانبسط.
فاطمة بنت عبد الرحمن بن أبي صالح الحراني أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، حدثنا أحمد بن محمد العتيقي، حدثنا علي بن أبي سعيد المصري، قال: حدثنا أبي، قال: فاطمة بنت عبد الرحمن بن عبد الغفار الربعي، تكنى أم محمد، مولدها ببغداد، وقدم بها إلى مصر وهي حدثة. سمعت من أبيها عبد الرحمن وطال عمرها حتى جاوزت الثمانين، وكانت تعرف بالصوفية لأنها أقامت تلبس الصوف ولا تنام إلا في مصلاها بلا وطاء فوق ستين سنة. سمع منها ابن أخيها عبد الرحمن بن القاسم بن عبد الرحمن.
توفيت في هذه السنة.
محمد بن إسحاق بن عبد الملك الهاشمي الخطيب كان يصلي صلاة الجمعة في المسجد الجامع بدار الخلافة، وصلاة الأعياد في المصلى، وتوفي يوم السبت لست خلون من ذي الحجة من هذه السنة.
محمد بن محمد بن سليمان بن الحارث بن عبد الرحمن أبو بكر الأزدي الواسطي، المعروف بالباغندي سمع محمد بن عبد الله بن نمير، وأبا بكر وعثمان ابني شيبة، وشيبان بن فروخ، وعي بن المديني، وخلقاً كثيراً من أهل الشام ومصر والكوفة والبصرة وبغداد. ورحل في طلب الحديث إلى الأمصار البعيدة، وعني به العناية العظيمة، وأخذ عن الحفاظ والأئمة، وكان حافظاً فهماً؛ كان يقول: أنا أجيب في ثلاثمائة ألف مسألة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وسكن بغداد فحدث بها، فروى عنه المحاملي، وابن مخلد، وأبو بكر الشافعي، ودعلج، وابن الصواف، وابن المظفر، وابن حيوية، وابن شاهين، وخلق كثير.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب، قال: سمعت هبة الله بن الحسن الطبري يذكر: أن الباغندي كان يسرد الحديث من حفظه مثل تلاوة القرآن، وكان يقول: حدثنا فلان قال حدثنا فلان، وحدثنا فلان وهو يحرك رأسه حتى تسقط عمامته.


أخبرنا عبد الرحمن القزاز، قال: أخبرنا ابن ثابت الخطيب، قال: حدثني العتيقي، قال: سمعت عمر بن أحمد الواعظ، يقول: قام أبو بكر الباغندي يصلي فكبر، ثم قال: حدثنا محمد بن سليمان لوين، فسبحنا به فقال: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين.
قال: المؤلف: وقد أنبأنا بمثل هذه الحكاية محمد بن عبد الملك بن خيرون، قال: أنبأنا أبو الحسين بن المهتدي، عن أبي جعفر بن شاهين، قال: صليت خلف محمد بن سليمان الباغندي، فافتتح الصلاة ثم قال: حدثنا محمد بن سليمان لوين، فقيل له: سبحان الله، فقال أنبأنا شيبان بن فروخ الابلي فقالوا: سبحان الله، فقال بسم الله الرحمن الرحيم.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت حدثنا أبو محمد عبد الله بن علي بن عياض، القاضي، أخبرنا محمد بن أحمد بن جميع، حدثنا أحمد بن محمد بن شجاع، قال كنا عند إبراهيم بن موسى الجوزي ببغداد، وكان عنده الباعندي ينتقي عليه، فقال له إبراهيم بن موسى: هوذا تسخر بي، أنت أكثر حديثاً مني وأعرف وأحفظ للحديث، فقال له: قد حبب إلي هذا الحديث، بحسبك اني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فلم أقل له: ادع الله لي، بل قلت له: يا رسول الله أيما أثبت في الحديث منصور أو الأعمش ؟ فقال لي: منصور، منصور.
أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا الخطيب، قال: لم يثبت من أمر الباغندي ما يعاب به سوى التدليس، فرأيت كافة شيوخنا يحتجون بحديثه ويخرجونه في الصحيح. وقال الدارقطني: الباغندي كثير التدليس يحدث بما لم يسمع وربما سرق.
وتوفي يوم الجمعة، ودفن يوم السبت لعشر بقين من ذي الحجة من هذه السنة، وقد قيل سنة ثلاث عشرة، والأول أصح.
ثم دخلت
سنة ثلاث عشرة وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: أن بني هاشم ضجوا في الطرقات لتأخر أرزاقهم عنهم، وذلك لثمان من المحرم.
ولليلة بقيت من المحرم انقض كوكب قبل مغيب الشمس من ناحية الجنوب إلى ناحية الشمال، فأضائت الدنيا منه إضاءة شديدة، وكان له صوت كصوت الرعد الشديد.
ولم يزل أبو القاسم الخاتاني في أيام وزارته يبحث عمن يدعي عليه من أهل بغداد أنه يكاتب القرمطي ويتدين الإسماعيلية إلى أن تظاهرت عنده الأخبار، بأن رجلاً يعرف بالكعكي ينزل في الجانب الغربي رئيس للرافضة، وأنه من الدعاة إلى مذهب القرامطة، فتقدم إلى نازوك بالقبض عليه، فمضى ليقبض عليه فتسلق من الحيطان وهرب، ووقع برجل في داره كان خليفته، ووجد في الدار رجالاً يجرون مجرى المتعلمين، فضرب الرجل ثلثمائة سوط وشهره على جمل، ونودي عليه هذا جزاء من يشتم أبا بر وعمر رضي الله عنهما وحبس الباقين.
وعرف المقتدر أن الرافضة تجتمع في مسجد براثا فتشتم الصحابة، فوجه نازوك للقبض على من فيه، وكان ذلك في يوم الجمعة لست بقين من صفر، فوجدوا فيه ثلاثين إنساناً يصلون وقت الجمعة، ويعلنون البراءة ممن يأتم بالمقتدر، فقبض عليهم، وفتشوا فوجدوا معهم خواتيم من طين أبيض. يختمها لهم الكعكي عليها: محمد بن إسماعيل الإمام المهدي ولي الله فأخذوا وحبسوا وتجرد الخاقاني لهدم مسجد براثا، وأحضر رقعة فيها فتوى جماعة من الفقهاء أنه مسجد ضرار وكفر وتفريق بين المؤمنين وذكر أنه إن لم يهدم كان مأوى الدعاة والقرامطة، فأمر المقتدر بهدمه فهدمه نازوك، وأمر الخاقاني بتصييره مقبرة ندفن فيه عدة من الموتى، وأحرق باقيه وكتب الجهال من العوام على نخل كان فيه هذا مما أمر معاوية بن أبي سفيان بقبضه على علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وفي يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر خرج مفلح الأسود لإيقاع الفداء ببلاد الروم، فتم الفداء لخمس بقين من رجب.


وكان الحاج قد خرجوا من بغداد في ذي القعدة، فخرج جعفر بن ورقاء وهو والي طريق مكة والكوفة، فتقدم الحاج خوفاً من أبي طاهر الجنابي، وكان معه ألف فارس من بني شيبان، فلقي جعفر بن ورقاء بزبالة فناوشه قليلاً واضطرب الناس ورجعوا إلى الكوفة، وتبع أبو طاهر القوافل ورجال السلطان حتى صار إلى القادسية، فخرج إليه أهلها وسألوه أن يؤمنهم فأمنهم، ثم رحل إلى الكوفة، وخرج إليه أهل الكوفة، وأصحاب السلطان فحاربوه فغلبهم، وأقام بظاهر الكوفة سبعة أيام يدخل البلد بالنهار، ويخرج بالليل، فيبيت في معسكره ويحمل ما قدر عليه فحمل من الوشي أربعة آلاف ثوب، ومن الزيت ثلثمائة راوية، ومن الحديد شيء كثير ثم رحل إلى بلده، فدخل جعفر بن ورقاء ومن معه إلى بغداد، فتقدم المقتدر إلى مؤنس بالخروج لمحاربة أبي طاهر، واضطرب أهل بغداد اضطراباً شديداً انتقل أكثر من في الجانب الغربي إلى الشرقي.
ولم يحج في هذه السنة أحد من أهل بغداد، ولا من أهل خراسان.
وكان أبو العباس أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن الخصيب قد استخرج مالاً كثيراً من زوجة المحسن ولد ابن الفرات، فصارت له بذلك مرتبة عند المقتدر، فأرجف بوزارته فقدح فيه الخاقاني وكتب هو يقدح في الخاقاني، فآل الأمر إلى أن صرف الخاقاني وكانت مدة وزارته سنة وستة أشهر ويومين وأحضر المقتدر الخصيبي، فقلد الوزارة وخلع عليه.
وكثر الرطب في هذه السنة ببغداد حتى بيع كل ثمانية أرطال بحبة، وعمل منه تمر، وحمل إلى البصرة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
إبراهيم بن محمد بن أيوب بن بشير أبو القاسم الصائغ حدث عن محمد بن حسان الأزرق، وإسحاق بن إبراهيم البغوي، وإبراهيم الحربي، وغيرهم وروى عن ابن قتيبة مصنفاته، وكان ثقة ثبتاً.
وتوفي في هذه السنة.
إبراهيم بن نجيح بن إبراهيم بن محمد بن الحسين أبو القاسم الكوفي نزل بغداد، وحدث بها عن أبيه، وعن محمد بن إسحاق البكائي وروى عنه محمد بن المظفر. وتوفي ببغداد، وجيء به إلى الكوفة، فدفن بها في هذه السنة.
الحسن بن محمد بن عبد الله بن شعبة أبو علي الأنصاري سمع حوثرة بن محمد وغيره، روى عنه ابن شاهين، وكان ثقة.
وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة.
سعيد بن سعدان أبو القاسم الكاتب سمع من جماعة، وروى عنه ابن المظفر الحافظ، وكان صدوقاً.
وتوفي في المحرم هذه السنة.
عبيد الله بن محمد ابن عبد الله بن سعيد بن المغيرة بن عمرو بن عثمان بن عفان أبو عمرو العثماني سمع ابن المدينين روى عنه ابن المظفر، وابن حيويه. وكان صدوقاً.
وتوفي في ربيع الأول من هذه السنة.
عثمان بن سهل بن مخلد البزاز. حدث عن الحسن الزعفراني، روى عنه أبو عمر ابن حيوية، وكان ثقة توفي في رمضان هذه السنة.
علي بن عبد الحميد بن عبد الله بن سليمان أبو الحسن الغضائري حدث عن عبيد الله القواريري، وعباس العنبري، وجماعة. وكان ثقة، ومات في شوال هذه السنة.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، حدثنا أبو طالب يحيى بن علي الدسكري، أخبرنا أبو بكر ابن المقرىء، قال: سمعت علي بن عبد الحميد الغضائري، يقول: سمعت السري السقطي ودققت عليه الباب، فقام إلى عضادتي الباب، فسمعته يقول: اللهم اشغل من يشغلني عنك بك، قال ابن المقرىء: وزادني بعض أصحابنا عليه أنه قال: وكان من بركة دعائه أني حججت أربعين حجة على رجلي من حلب ذاهباً وراجعاً.
علي بن محمد بن بشار، أبو الحسن: حدث عن صالح بن أحمد بن حنبل، وأبي بكر المروزي، وكان من كبار الصالحين وأهل الكرامات.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا أبو الفضل عبد الصمد بن محمد الخطيب، قال: حدثنا الحسن بن الحسين بن حمكان، قال: سمعت أبا الحسن أحمد بن محمد بن مقسم، يقول: سمعت أبا الحسن بن بشار، يقول: وكان إذا أراد أن يخبر عن نفسه شيئاً، قال: أعرف رجلاً حاله كذا وكذا، فقال ذات يوم: أعرف رجلاً منذ ثلاثين سنة يشتهي أن يشتهي ليترك ما يشتهي فما يجد شيئاً يشتهي.


حدثنا أبو بكر العامري، قال: أنبأنا أبو سعد بن أبي صادق، قال: أنبأنا ابن باكويه، قال: سمعت محمد بن أحمد بن الحسن المقرىء، يقول: سمعت أبا الحسن علي بن محمد بن بشار، يقول: منذ ثلاثين سنة ما تكلمت بكلمة أحتاج أن أعتذر منها.
توفي ليلة الخميس لسبع خلون من ربيع الأول من هذه السنة، فحضره الأمراء والوزراء، ودفن يوم الخميس بمشرعة الساج من الجانب الغربي ببغداد، وقبره اليوم ظاهر يتبرك به.
محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران بن عبد الله أبو العباس السراج مولى ثقيف، ولد في سنة ثماني عشرة ومائتين، وسمع قتيبة، وإسحاق بن راهويه، وخلقاً كثيراً من أهل خراسان وبغداد والكوفة والبصرة والحجاز، روى عنه البخاري، وملم، وابن أبي الدنيا وكان من المكثرين الثقات، وعني بالحديث، وصنف كتباً كثيرة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي، حدثنا محمد بن جعفر التميمي، قال: سمعت أبا حامد أحمد بن محمد الفقيه، يقول: سمعت أبا العباس بن السراج، يقول يوماً لبعض من حضر وأشار إلى كتب على منضدة عنده، فقال: هذه سبعون ألف مسألة لمالك، ما نفضت التراب عنها منذ كتبتها.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب، قال: أخبرنا أبو طالب مكي بن علي، حدثنا إبراهيم بن محمد المزكي، قال: كان أبو العباس السراج مجاب الدعوة.
أخبرنا عبد الرحمن أخبرنا أحمد بن علي أخبرنا أبو بكر الخوارزمي، قال: سمعت أبا العباس ابن حمدان، يقول: سمعت محمد بن إسحاق السراج، يقول: رأيت في المنام كأني أرقى في سلم طويل، فصعدت تسعاً وتسعين مرقاة، فكل من قصصت عليه ذلك يقول لي تعيش تسعاً وتسعين سنة.
قال ابن حمدان: وكان ذلك عمر السراج تسعاً وتسعين سنة ثم مات.
أخبرنا عبد الرحمن، قال: أخبرنا أحمد بن علي أبو بكر الخطيب قال: قرأت على قبر السراج بنيسابور في لوح عند رأسه هذا قبر أبي العباس محمد بن إسحاق السراج. مات في سنة ثلاث عشرة وثلثمائة.
أخبرنا زاهر بن طاهر، قال: أنبأنا أحمد بن الحسين البيهقي، أخبرنا الحاكم أبو عبد اللهن قال: سمعت أبا عمر بن أبي العباس السراج، يقول: ولدت وأبي ابن ثلاث وثمانين سنة، وتوفي أبي وأنا ابن ثلاث عشرة سنة، وكنت إذا دخلت مسجد أبي يقول للناس: عملت هذا بعد ثمانين سنة في ليلة.
محمد بن أحمد بن الحسن بن خراش أبو الحسين حدث عن بشر بن الوليد، ومحمود بن غيلان، والوليد بن شجاعة وغيرهم. وكان البغوي سيىء الرأي فيه، وتوفي في رجب هذه السنة.
محمد بن أحمد بن المؤمل بن أبان بن تمام أبو عبيد الصيرفي سمع أباه، والقاسم بن هاشم في آخرين وروى عنه ابن حيويه وغيره.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، أخبرنا أبو بكر البرقاني، حدثنا عمر بن بشران، قال: أبو عبيد بن المؤمل كان ثقة يفهم، قال ابن شافع: توفي أبو عبيد في هذه السنة، وقيل في سنة ثنتي عشرة، والأول أصح.
محمد بن أحمد بن هشام أبو نصر الطالقاني سمع إبراهيم بن هانئ، والفتح بن شخرف. روى عنه ابن شاهين، وكان ثقة، وربما سماه بعض الرواة أحمد بن محمد بن هشام، وتوفي في هذه السنة.
محمد بن إبراهيم أبو جعفر الأطروش البرتي الكاتب سمع أبا عمر الدوري، ويحيى بن أكثم القاضي وغيرهما. وروى عنه أبو بكر الجعابي وغيره أحاديث مستقيمة. وتوفي لثلاث عشرة بقيت من شهر رمضان هذه السنة.
محمد بن جمعة بن خلف أبو قريش القهستاني كان كثير السماع والرحلة، صنف وجمع، وكان ضابطاً متقناً حافظاً، وروى عن خلق كثير. روى عنه ابن مخلد، وأبو بكر الشافعي. وتوفي بقهستان في هذه السنة.
ثم دخلت
سنة أربع عشرة وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: أن الروم دخلت في صفر إلى مطلية فأخربوا وسبوا وأقاموا فيها أياماً كثيرة، فوصل أهل ملطية إلى بغداد في جمادى الآخرة مستغيثين من الروم.
وفي ليلة الثلاثاء لأربع بقين من جمادى الأولى: وقع حريق في نهر طابق فاحترق فيه ألف دار وألف دكان.
وفي هذا الشهر: قرئت الكتب على المنابر بموت الدمستق.
وقي رجب: وقع حريق في دار السلطان فاحترقت دور الأمراء.


وفي يوم الأحد لأربع خلون من شعبان: ورد كتاب من مكة يذكرون خروج أهل مكة منها ونقلهم حرمهم وأموالهم خوفاً من القرمطي لاتصال الخبر بقربه منهم.
وورد الخبر بأن ريحاً عظيمة هبت في رمضان بنصيبين حتى قلعت الشجر وهدمت المنازل.
وفي يوم الأحد لثمان خلون من شوال وهو اليوم السابع من كانون: سقط ببغداد ثلج كثير، وقبل هذا اليوم بستة أيام برد الهواء برداً شديداً، ثم زاد شدة بعد سقوط الثلج، وأفرط في الشدة جداً حتى تلف أكثر نخل بغداد وسوادها وجف، وتلف شجر الاترج والتين والسدر، وجمد الشراب والماورد والخل، وجمدت الخلجان الكبار من دجلة ببغداد، وجمد أكثر الفرات بنواحي الرقة وجمدت دجلة بأسرها بالموصل حتى عبرت الدواب عليها وحتى جلس المعروف بأبي زكرة المحدث في وسط دجلة على الجمد، وكتب عنه الحديث، ثم انكسر البرد بريح جنوب ومطر غزير.
وقدم الحاج من خراسان في شوال، فأحضرهم مؤنس المظفر وعرفهم شغل السلطان بأمر القرمطي عن إنفاذ من يبذرق الحاج، فانصرفوا ولم يتهيأ حج من طريق العراق لخوف القرامطة.
وفي ذي القعدة: بعث المقتدر بالله نازوك فقبض على أبي العباس الخصيبي، وعلى ابنه أبي الحسين، وكاتبه إسرائيل بن عيسى، وكانت مدة وزارته سنة وشهرين، واستدعى المقتدر أبا القاسم عبيد الله بن محمد الكلواذي يوم الخميس لاحدى عشرة ليلة خلت من ذي القعدة وأوصله إلى حضرته، وأعلمه أنه قد قلد أبا الحسن علي بن عيسى الوزارة، وأنه قد استخلفه إلى أن يقدم، وتقدم إلى سلامة الطولوني بالنفوذ في البرية إلى دمشق ليحضر علي بن عيسى، فسار علي بن عيسى من دمشق إلى منبج، ثم انحدر في الفرات إلى بغداد.
وانعزل في هذه السنة أبو جعفر بن البهلول القاضي عن القضاء، فقيل له: لم فعلت ؟ قال: أريد أن يكون بين الصدر والقبر فوجة، ومات بعد سنتين.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن محمد بن هارون أبو عبد الله الجسري كان ثقة يحفظ، وحدث بمصر، وتوفي بها في هذه السنة.
إسحاق بن إبراهيم بن الخليل أبو يعقوب الجلاب سمع أبا بكر، وعثمان ابني أبي شيبة. روى عنه ابن شاهين. وكان ثقة.
وتوفي غرة شعبان في هذه السنة، وصلى عليه أبو عمر القاضي.
ثابت بن حزم بن عبد الرحمن بن مطرف بن سليمان بن يحيى أبو القاسم العوفي من أهل سرقسطة، ينسب إلى عوف بن غطفان، وهو عوف بن سعد بن ذبيان، وقوم ينسبون عوفاً إلى قريش، ويذكر العوفي نسبه إلى رهط عطية العوفي من بني سعد بن بكر، وهم حضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، رحل ثابت، وطلب العلم، وتولى قضاء سرقسطة. وتوفي بالأندلس في هذه السنة.
الحسن بن صاحب، بن حميد أبو علي الشاسي أحد الرحالين كتب ببلاد خراسان والجبال والعراق والحجاز والشام، وقدم بغداد في سنة إحدى عشرة وثلثمائة، فحدث بها عن علي بن خشرم، وإسحاق بن منصور، وأبي زرعة وغيرهم. روى عنه أبو بكر الجعابي، وابن المظفر. وكان ثقة.
توفي بالشاش في هذه السنة.
سعيد النوبي: صاحب باب النوبي من دار السلطان، توفي في صفر، وأقيم مكانه أخوه فضل.
العباس بن يوسف أبو الفضل الشكلي حدث عن سري السقطي، روى عنه ابن شاهين. وكان صالحاً متنسكاً، توفى في شهر رجب من هذه السنة.
محمد بن إبراهيم بن زياد بن عبد الله أبو عبد الله الطيالسي الرازي كان جوالاً، وحدث ببغداد ومصر وطرسوس، وسكن قرميسين، وعمر طويلاً، وكان يحدث عن يحيى بن معين، وعبيد الله بن عمر القواريري، وخلق كثير. روى عنه ابن صاعد، والجعابي، وجعفر الخلدي، وغيرهم.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: قرأت في كتاب الدارقطني بخطه: محمد بن إبراهيم بن زياد متروك. وفي موضع آخر: ضعيف، وسألت عنه البرقاني، فقال: بئس الرجل.
محمد بن جعفر بن بكر بن إبراهيم أبو الحسين البزاز ويعرف بابن الخوارزمي، سمع عثمان بن أبي شيبة، وأحمد بن إبراهيم الدورقي، وعمرو بن علي، وغيرهم. روى عنه ابن شاهين، وغيره.
وتوفي في هذه السنة.
محمد بن حسن أبو بكر الضرير الواعظ


قال أبو سعيد بن يونس: هو بغدادي قدم البصرة، وكان من حفاظ القرآن، حسن الصوت، وكان يقعد في الجامع ويقرأ بالألحان، ويقع كلامه في القلوب، وكان كريماً. توفي بمصر في هذه السنة.
محمد بن محمد بن عبد الله الباهلي بغدادي حدث عن أبي عمر الدوري، وأحمد الدورقي وغيرهما، وكان ثقة ثبتاً متزهداً من أهل الصيانة.
وتوفي بمصر في ربيع الآخر من هذه السنة.
نصر بن القاسم بن نصر بن زيد أبو الليث الفرائضي سمع عبيد الله بن عمر القواريري. روى عنه ابن شاهين وكان ثقة عالماً بالفرائض، فقيهاً على مذهب أبي حنيفة، مقرئاً جليلاً.
توفي في هذه السنة.
ثم دخلت
سنة خمس عشرة وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: أن علي بن عيسى قدم وقد جعل وزيراً، فخرج الناس لتلقيه في أول صفر، فمنهم من لقيه بالأنبار، ومنهم من لقيه دونها، فلما وصل دخل إلى المقتدر بالله فخاطبه بأجمل خطاب، وانصرف إلى منزله، فبعث إليه المقتدر بكسوة فاخرة وفرش وعشرين ألف دينار، وخلع عليه في غداة غد لسبع خلون من صفر، فلما خلع عليه أنشد:
ما الناس إلا مع الدنيا وصاحبها ... فكيف ما انقلبت يوماً به انقلبوا
يعظمون أخا الدنيا فان وثبت ... يوماً عليه بما لا يشتهي وثبوا
وفي يوم الأحد لثمان خلون من ربيع الأول: انقض كوكب عظيم له ضوء شديد على ساعتين بقيتا من النهار.
وفي يوم الخميس لأربع خلون من ربيع الآخر: خلع على مؤنس للخروج إلى الثغر، لأن الكتاب ورد من عامل الثغور بأن الروم دخلوا سميساط، وأخذوا جميع ما فيها، ونصبوا فيها خيمة الملك، وضربوا في المسجد الجامع بها في أوقات صلواتهم الناقوس.
ثم قرئت الكتب على المنابر في يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر: أن المسلمين عقبوا على الروم فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وغنموا غنائم كثيرة.
وفي يوم الخميس لاحدى عشرة ليلة خلت من ريع الآخر: ظهر ببغداد أن خادماً من خواص خدم المقتدر بالله حكى لمؤنس المظفر أن المقتدر تقدر إلى خواص خدمه بحفر زبية في الدار المعروفة بدار الشجرة من دار السلطان، حتى إذا حضر مؤنس للوداعة عند عزمه على الخروج إلى الثغر حجب الناس وأدخل مؤنس وحده، فإذا اجتاز على تلك الزبية وهي مغطاة وقع فيها فنزل الخدم وخنقوه، ويظهر أنه وقع في سرداب فمات، فتأخر مؤنس عن المضي إلى دار السلطان لهذا السبب، وركب إليه القواد والغلمان والرجالة وأصحابه بالسلاح، وخلت دار السلطان من الجيش، وقال له: أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان بحضرة الناس نقاتل بين يديك أيها الاستاذ حتى تنبت لك لحية. فوجه إليه المقتدر بنسيم الشرابي ومعه رقعة بخطه إليه يحلف له فيها على بطلان ما بلغه، ويعرفه أنه قد عمل على المصير إليه في الليلة المقبلة ليحلف له مشافهة على بطلان ما حكى له، فصرف مؤنس إليه جميع من صار إليه من الجيش، وأجاب عن الرقعة بما يصلح، وبأنه لا ذنب له في حضور من حضر داره لأنه لم يدعهم، واقتصر على خواص من رسمه من الغلمان والقواد، وحلف أبو الهيجاء أن لا يبرح من دار مؤنس ليلاً ولا نهاراً إلى أن يركب معه إلى دار السلطان وتطمئن النفوس إلى سلامته وتقدم المقتدر إلى نصر الحاجب والاستاذين بالمصير إلى مؤنس المظفر لينحدر معهم إلى حضرته لوداعه، فصاروا إليه وانحدر معهم يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر. ووصل إلى المقتدر، وقبل الأرض بين يديه، وقبل يده ورجله، فخاطبه المقتدر بالجميل وحلف له على ثقته به وعلى صفاء نيته له وودعه مؤنس، وذلك بعد أن قرأ عليه الوزير علي بن عيسى كتاب وصيف البكتمري المتقلد لأعمال المعاقل بجند قنسرين والعواصم، بأن المسلمين عقبوا على الروم فظفروا بعسكرهم وقتلوا منهم وغنموا.


وخرج مؤنس من داره بسوق الثلاثاء يوم الاثنين لثمان بقين من ربيع الآخر إلى مضربه بباب الشماسية، وشيعه الأمير أبو العباس بن المقتدر، والوزير علي بن عيسى، ونصر الحاجب، وهارون بن غريب، وشفيع المقتدري، والقواد: فلما بلغ الوزير علي بن عيسى ونصر الحاجب معه إلى دار مبارك القمي حلف عليهما بأن يرجعا، فعدلا إلى شاطئ دجلة وانصرفا في طياريهما، وصار باقي القواد والاستاذان معه إلى مضربه، وكان سليمان بن الحسن يسايره، وهارون بن غريب، ويلبق، وبشرى، ونازوك، وطريف العسكري يسيرون بين يديه كما تسير الحجاب، ورحل مؤنس من مضربه يوم الأحد لليلتين بقيتا من ربيع الآخر.
وفي جمادى الأولى وقع حريق بالرصافة، وصف الجوهري، ومربعة الحرسي، وفي الحطابين بباب الشعير.
وفي يوم الخميس لثلاث عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى أخذ خناق ينزل درب الأقفاص من باب الشام خنق جماعة، ودفنهم في عدة دور سكنها، وكان يحتال على النساء يكتب لهن كتاب العطف، ويدعي عندهن علم النجوم والعزائم فيقصدنه، فإذا حصلت المرأة عنده سلبها، ووضع وتراً له في عنقها ورفس ظهرها وأعانته امرأته وابنه، فإذا ماتت حفر لها ودفنها، فعلم بذلك، فكبست الدار فأخرج منها بضع عشرة امرأة مقتولة، ثم ظهر عليه عدة آدر كان يسكنها مملوءة بالقتلى من النساء خاصة، فطلب فهرب إلى الأنبار، فأنفذ إليها من طلبه، فوجده فقبض عليه وحمل إلى بغداد، فضرب ألف سوط، وصلب وهو حي، ومات لست بقين من جمادى الأولى.
وفي شعبان دخل إلى بغداد ثلاثة عشر أسيراً من الروم أخذوا من بيت المقدس فيهم قرابة الملك.
وفي هذه السنة كان ظهور الديلم، فكان أول من غلب على الري منهم لنكي بن النعمان، ثم ما كان بن كاكي، ولقي أهل الجبل بأسرهم من الديلم شدة شديدة، وذلك أنهم أخربوا الجبل وقتلوا من أهله مقتلة عظيمة حتى الأطفال في المهود، ثم غلب على الري أسفار بن شيرويه، ومضى إلى قزوين، فألزم أهلها مالاً وعسفهم عسفاً شديداً وأراق دماءهم، وعذبهم فخرج النساء والشيوخ والأطفال إلى المصلى مستغيثين إلى الله عز وجل منه، وكان له قائد اسمه مرداويج بن زيار، فوثب هذا القائد عليه، فقتله وملك مكانه وأساء السيرة باصبهان، وانتهك الحرمات، وجلس على سرير ذهب دونه سرير من فضة يجلس عليه من يرفع منهن وكان يقول: أنا سليمان بن داودن وهؤلاء أعواني الشياطين، وكان يسيء السيرة في أصحابه وخصوصاً الاتراك، فأصحر يوماً " بعسكره، فاشتق العسكر رجل شيخ على دابة، فقال: قد زاد أمر هذا الكافر واليوم تكفونه قبل تصرم النهار ويأخذه الله إليه، فدهشت الجماعة ولم ينطق أحد بكلمة، ومر الشيخ كالريح، فقال الناس: لم لا نتبعه ونأخذه ونسأله من أين له علم هذا أو نمضي به إلى مرداويج لئلا يبلغه الخبر فيلومنا، فركضوا في كل طريق، فلم يجدوه، ثم عاد مرداويج فدخل إلى داره ونزع ثيابه، ودخل الحمام فقتله الأتراك وركبوا إلى الاصطبلات لنهب الخيل، ولما قتل حمل تابوته فمشى الديلم بأجمعهم حفاة أربعة فراسخ.


وجاء أبو طاهر الهجري رئيس القرامطة، وكان قد أخذ الحاج في سنة اثنتي عشرة، فلما سمع الناس به اشتد خوفهم، فبعث أبو القاسم يوسف بن أبي الساج إلى محاربته، وتقدم المقتدر أن يحمل إلى يوسف سبعون ألف دينار، فسار نحو الكوفة وكان مع أبي طاهر ألف فارس وخمسمائة راجل، ومع يوسف أكثر من عشرين ألفاً ما بين فارس وراجل، وذلك سوى الأتباع، فلما قرب الهجري من الكوفة هرب عمال السلطان منها، فقدم الهجري مقدمته في مائتي راجل، فنزلت النجف، ونزل هو بدير هند بحضرة خندق الكوفة، وقد كان بعث ليوسف مائة كر دقيق وألف كر شعير، فأخذها الهجري فقوي بها وضعف يوسف وسبق الهجري إلى الكوفة قبل يوسف بيوم، فحال بينه وبينها، وبعث يوسف إليه ينذره ويقول له: إن أطعت وإلا فالحرب فأبى أن يطيع، فوقعت الحرب بينهما يوم السبت لتسع خلون من شوال سنة خمس عشرة على باب الكوفة، ولما عاين يوسف عسكر أبي طاهر احتقره، وقال: من هؤلاء الكلاب حتى افكر فيهم ؟ هؤلاء بعد ساعة في يدي، وتقدم أن يكتب كتاب الفتح قبل اللقاء، فلما سمع أصحاب الهجري صوت البوقات والدبادب من عسكر يوسف، قال رجل منهم لآخر: هذا فشل، فقال له: أجل، ولم يكن في عسكر أبي طاهر دبادب ولا بوقات، وثبت يوسف فأثخن أصحاب أبي طاهر بالنشاب المسموم، وجرح منهم أكثر من خمسمائة، فلما رأى أبو طاهر ذلك وكان في عمارية له نزل فركب فرساً وحمل في خواصه، وحمل يوسف بنفسه مع ثقاته، فأسر يوسف وقتل من أصحابه عدد كثير وانهزم الباقون.
وقيل لبعض أصحاب الهجري: كيف تغلبون مع قلتكم ؟ فقالوا: نحن نقدر السلامة في الثبوت، وهؤلاء يقدرونها في الهرب، وكان قد قبض يوسف بن أبي الساج على كاتبه أبي عبد الله محمد بن خلف، وأخذ منه ما قيمته مائة ألف دينار، ثم أخذ خطه بخمسمائة ألف دينار.
وبلغ الخبر إلى بغداد، فندب مؤنس للخروج إليه فجاء كتاب: أن الهجري رحل عن الكوفة إلى ناحية الأنبار، وما شك الناس أنه يقصد بغداد ويملكها، فماج أهل بغداد، فقال علي بن عيسى للمقتدر بالله: إن الخلفاء إنما يجمعون المال ليقمعوا به أعداء الدين، ولم يلحق المسلمين منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من هذا الأمر، لأن هذا الرجل كافر وقد أوقع بالناس سنة اثنتي عشرة، وجرى عليهم منه ما لم يعهد مثله، وقد تمكنت هيبته في قلوب الناس ولم يبق في بيت مال الخاصة كثير شيء، فاتق الله يا أمير المؤمنين، وخاطب السيدة فإن كان عندها مال قد دخرته لشدة فهذا وقت إخراجه، فدخل إلى والدته وعاد فأخبر أن السيدة ابتدأته بالبذل، وأمرت بإخراج خمسمائة ألف دينار لتنفق، وكان قد بقي في بيت مال الخاصة خمسمائة ألف، فقال المقتدر بالله: أخرج منها ثلاثمائة ألف. فأخرج ذلك ودبر تفرقته، وبعث عسكراً في أربعين ألفاً، وقطعوا قنطرة عند عقر قوف، فوصل إليها القرمطي، فوجدها مقطوعة، وسبر المخاضة فلم يجد عبراً ولو وجد لم يثنه عن بغداد، فعاد إلى الأنبار.
وبلغ علي بن عيسى أن رجلاً يعرف بالشيرازي مقيماً ببغداد يكاتب القرمطي، فقبض عليه واستنطقه، فقال: ما صحبته إلا لأنه على الحق وأنتم مبطلون كفار. فقال: اصدقني عن الذين يكاتبونه. فقال: ولم أصدقك عن قوم مؤمنين حتى تسلمهم إلى أصحابك الكافرين فيقتلونهم لا أفعل هذا أبداً. فصفع، وضرب بالمقارع، وقيد، وغل وجعل في فمه سلسلة، وحبس فلم يأكل ولم يشرب ثلاثاً فمات.
ووجه يلبق إلى محاربة القرمطي فلم يثبت يلبق وانهزم، وكان يوسف بن أبي الساج أسيراً مع القرمطي، فأخرج رأسه من خيمة يتطلع لينظر إلى الوقعة، فقال له القرمطي: أردت الهرب وظننت أن غلمانك يخلصونك، فضرب عنقه.
ولما انصرف القرمطي عن الأنبار تصدق المقتدر والسيدة وعي بن عيسى بخمسين ألف درهم. ولما صلى الناس بمدينة السلام وسلموا تصدقوا بعشرة آلاف درهم ولما انصرف عن هيت تصدق المقتدر بالله من بيت مال الخاصة بمائة ألف درهم.
وفي هذه السنة بلغت زيادة دجلة اثني عشر ذراعاً وثلاثين، ولم يحح في هذه السنة أحد من العراق وخراسان لخوف الهجري.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
إسحاق بن أحمد بن جعفر أبو يعقوب الكاغذي حدث بمصر واستوطن تنيس، وحدث بها وأم في جامعها. روى عنه يعقوب الدورقين وغيره. وتوفي بدمياط في هذه السنة.
أيوب بن يوسف بن أيوب بن سليمان


أبو القاسم البزاز المصري سكن بغداد وحدث بها. روى عنه ابن شاهين، وتوفي في هذه السنة.
بدر الشرابي: توفي في جمادى الأولى من هذه السنة.
الحسن بن محمد بن الحسن بن صالح بن شيخ بن عميرة أبو الحسين الأسدي حدث عن علي بن خشرم. روى عنه ابين شاهين، وكان ثقة.
وتوفي في هذه السنة.
الحسين بن محمد بن محمد بن عفير بن محمد بن سهل بن أبي حثمة أبو عبد الله الأنصاري وسهل من الصحابة، ولد الحسين في سنة تسع عشرة ومائتين، وسمع أبا بكر بن أبي شيبة، ولويناً وغيرهما. روى عنه أبو بكر الشافعي، وابن الصواف، وابن المظفر، وأبو بكر ابن شاذان، وابن شاهين. قال الدارقطني: هو ثقة، وكان يسكن سويقة نصر من الجانب الشرقي. وتوفي في صفر هذه السنة عن ست وتسعين سنة وأيام.
الحسين بن عبد الله بن الجصاص الجوهري أبو عبد الله كان ذا ثروة عظيمة، وكانت بداية أمره أن ابن طولون قال له: ما صناعتك. قال: الجوهر، قال: لا يبتاع لنا شيء إلا على يده فكسب الأموال.
أنبأنا محمد بن أبي طاهر البزاز، عن أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي، عن أبيه، قال: حدثني أبو علي أحمد بن الحسين بن عبد الله الجصاص، قال: قال لي أبي: كان بدء اكثاري أنني كنت في دهليز حرم أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون، وكنت أتوكل له ولهم في ابتياع الجوهر. وغيره مما يحتاجون إليه، وما كنت أكاد أفارق الدهليز لا ختصاصي بهم، فخرجت إلى قهرمانة لهم في بعض الأيام ومعها عقد جوهر فيه مائة حبة لم أر قبله أحسن منه، تساوي كل حبة ألف دينار، فقالت: يحتاج أن تخرط هذه حتى تصغر فتجعله لكعب، وكدت أطير فرحاً، فأخذتها وقلت: السمع والطاعة. وخرجت في الحال، فجمعت التجار ولم أزل اشتري ما قدرت عليه إلى أن حصلت مائة حبة أشكالاً في النوع الذي أرادوه، فجئت بها عشية، فقلت: إن خرط هذا يحتاج إلى زمان، وقد خرطنا اليوم ما قدرنا عليه. وهو هذا فدفعت إليهم المجتمع، وقلت: الباقي نخرطه في أيام، فقنعوا بذلك، وما زلت أياماً في طلب الحب حتى اجتمع، فحملت إليهم مائتي حبة قامت علي بأثمان قريبة تكون مائة ألف درهم أو حواليها، وحصلت جوهراً بمائتي ألف دينار أو حواليها. ثم لزمت دهليزهم وأخذت لنفسي غرفة كانت فيه، فجعلتها مسكني، فلحقني من هذا أكثر مما لحقني حتى كثرت النعمة، وانتهيت إلى ما استفاض خبره، ولما نكبني المقتدر وأخذ مني تلك الأموال العظيمة أصبحت يوماً في الحبس آيس ما كنت فيه من الفرج، فجاءني خادم، فقال: البشرى، قلت: وما الخبر ؟ قال: قم فقد اطلقت، فقمت معه فاجتاز بي في بعض دور الخليفة يريد إخراجي إلى دار السيدة، لتكون هي التي تطلقني، لأنها هي شفعت في، فوقعت عيني على اعدال خيش لي أعرفها، فكان مبلغها مائة عدل، فقلت: أليس هذا من الخيش الذي حمل من داري، قال: بلى ؟ فتأملته فإذا هو مائة عدل، وكانت هذه الأعدال قد حملت إلي من مصر في كل عدل منها ألف دينار، وكان لي هناك حافظ عليه، فجعلوه في اعدال الخيش فوصلت سالمة ولاستغنائي عن المال لم أخرجه عن الاعدال وتركته في بيت من داري، وقفلت عليه، ونقل كل مال في داري فكان آخر ما نقل الخيش منها، ولم يعرف أحد ما فيه، فلما رأيته بشدة طمعت في خلاصه، فلما كان بعد أيام من خروجي راسلت السيدة وشكوت حالي إليها وسألتها أن تدفع إلي ذلك الخيش لأنتفع بثمنه إذ كان لا قدر له عندهم ولا حاجة لهم إليه، فوعدتني بخطاب المقتدر في ذلك، فلما كان بعد أيام اذكرتها، فقالت: قد أمر بتسليمه إليك، فسلم إلي بأسره، ففتحته فأخذت منه المائة ألف دينار ما ضاع منه شيء، وبعت من الخيش ما أردت بعد أن أخذت منه قدر الحاجة.
قال المحسن، وحدثني أبو العباس هبة الله بن المنجم أن جده حدثه: أنه لما قبض المقتدر على ابن الجصاص انفذ إلى داره من يحصي ما فيها ويحمله، فقال لي: الذي كتب الاحصاء انا وجدنا له في قماشه سبعمائة مزملة جباب، فما ظنك بما يكون هذا في جملته.
قال المحسن: وحدثني أبو الحسين بن عياش أنه سمع جماعة من ثقات الكتاب، يقولون: انهم حصلوا ما ارتفعت به مصادرة أبي عبد الله بن الجصاص في أيام المقتدر، فكانت ستة آلاف ألف دينار سوى ما قبض من داره، وبعد الذي بقي له من ظاهره.


قال المحسن: وسمعت أبا محمد جعفر بن ورقاء الشيباني، يحدث في سنة تسع وأربعين وثلثمائة، قال: اجتزت بابن الجصاص بعد اطلاقه إلى داره من المصادرة بأيام، وكانت بيننا مودة ومصاهرة، فرأيته على روشن داره على دجلة في وقت حار وهو حاف حاسر يعدو من أول الروشن إلى آخره كالمجنون، فطرحت طياري إليه وصعد بغير إذن، فلما رآني استحيا وعدا إلى مجلس له، فقلت له: ويحك ما الذي أصابك ؟ فدعا بطست فغسل وجهه ورجليه ووقع ساعة كالمغشي عيه، ثم قال: أولا يحق لي أن يذهب عقلي وتدحرج عن يدي كذا وكذا، وأخذ مني كذا وكذا، وجعل يعده أمراً عظيماً، فقلت له: يا هذا نهايات الأموال غير مدركة، وإنما يجب أن تعلم أن النفوس لا عوض لها، والعقول والأديان، فما سلم لك ذلك فالفضل معك، وإنما يقلق هذا القلق من يخاف الفقر والحاجة إلى الناس أو يفقد العادة من مأكول ومشروب وملبوس أو النقصان في جاه، فاصبر حتى أوافقك على أنه ليس ببغداد اليوم بعد ما خرج عنك أيس منك من أصحاب الطيالس، فقال: هات، فقلت: أليس دارك هذه التي كانت قبل مصادرتك ولك فيها من الفرش والأثاث ما فيه جمال لك ؟ قال: بلى، فقلت وقد بقي من عقارك بالكرخ ما قيمته خمسون ألف دينار ؟ فقال: نعم، قلت: ودار الحرز وقيمتها عشرة آلاف دينار ؟ قال: نعم، قلت: وعقارك بباب الطاق قيمته ثلاثون ألف دينار ؟ قال: نعم، قلت: وبستانك الفلاني ومصنعتك الفلانية وقيمتها كذا ؟ قال: نعم، قلت: ومالك بالبصرة قيمته مائة ألف دينار ؟ قال: نعم، فجعلت اعدد عليه حتى بلغت قيمته ذلك سبعمائة ألف دينار، فقلت: واصدقني عما سلم لك من الجوهر والاثاث والقماش والجواري والعبيد والدواب وعن قيمة ذلك، فبلغت قيمة ما ذكر ثلثمائة ألف دينار، فقلت: يا هذا من ببغداد اليوم يحتوي ملكه على ألف ألف دينار وجاهك عند الناس الجاه الأول وهم يظنون أنه قد بقي لك ضعف هذا، فلم تغتم ؟ قال: فسجد وحمد الله وبكى، ثم قال: والله لقد غلبت علي الفكر حتى نسيت جميع هذا أنه لي وقل في عيني الإضالته إلى ما أخذ مني، ولو لم نجئني الساعة لزاد الفكر علي حتى يبطل عقلي، فإن الله تعالى أنفذ بك، وما عزاني أحد أنفع من تعزيتك، وما أكلت منذ ثلاث شيئاً فأحب أن تقيم عندي لنأكل ونتحدث، فاقمت عنده يومي.
قال المصنف: وقد ذكر فيما أخذ من ابن الجصاص خمس مائة سفط من مرتفع ثياب مصر، ووجد له في بستانه أموال كثيرة مدفونة في جرار خضر وقماقم مرصصة الرأس، وفد كان ابن الجصاص ينسب إلى التغفيل، فله كلمات عجيبة قد ذكرتها في كتاب المغفلين إلا أنهم قالوا: كان يتطابع بها ويقصد أن يظنوا فيه سلامة الصدر، وقد ذكرت طرفا مما يدل على ذكائه وفطنته في ذلك الكتاب.
سليمان بن داود بن كثير بن وفدان أبو محمد الطوسي سكن بغداد وحدث بها عن لوين، وسوار بن عبد الله وروى عنه ابن شاهين. وكان صدوقاً. وتوفي في هذه السنة.
عبد الله بن أحمد بن سعد أبو القاسم الجصاص حدث عن بندار، وعن محمد بن المثنى. وروى عنه ابن المظفر، وابن شاهين. وكان ثقة. وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
علي بن سليمان بن الفضل أبو الحسين الأخفش روى عن المبرد، وثعلب، واليزيدي وغيرهم. روى عنه ابن المرزبان، والمعافى، وكان ثقة. وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة، وقيل: في شعبان فجاءة.
وحكى ثابت بن سنان، قال: كان أبو الحسن الأخفش يواصل أبا علي بن مقلة ويبره أبو علي، فشكا إليه يوماً شدة الفاقة، وسأله أن يكلم علي بن عيسى الوزير في إخراج رزق له، فلم يفعل، وزبر أبا علي وانتهره، فعلم الأخفش فاغتم، وانتهت به الحال إلى أن أكل الشلجم النيىء، فقيل: انه قبض على قلبه، فمات فجاءة.
محمد بن جعفر بن أحمد بن عمر بن شبيب أبو الحسن الصيرفي يعرف بابن الكوفي حدث عن لوين وغيره، وروى عنه ابن المظفر، وابن شاهين.
وتوفي في صفر هذه السنة.
محمد بن الحسين بن حفص أبو جعفر الخثعمي الأشناني الكوفي قدم بغداد وحدث بها عن عباد بن يعقوب الرواجني، وأبي كريب، روى عنه الباغندي، والمحاملي، وابن السماك، وابن الجعابي، وابن المظفر، وقال الدارقطني: هو ثقة مأمون.
توفي لسبع خلون من صفر هذه السنة محمد بن الحسين بن عبيد أبو عبد الله المطبخي السامري


سمع عمرو بن علي، وعلي بن حرب وكان شيخاً صالحاً.
ثم دخلت
سنة ست عشرة وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: أن أبا طاهر الهجري دخل إلى الرحبة، فوضع السيف في أهلها، وأن أهل قرقيسيا طلبوا من الأمان فآمنهم، ونادى فيهم أن لا يظهر أحد بالنهار وأنفذ أبو طاهر سرية إلى الاعراب، فقتل منهم مقتلة عظيمة، فصاروا إذا سمعوا به هربوا، وقصد الرقة وقتل بها جماعة، ثم انصرف إلى بلده. ولما رأى علي بن عيسى تحكم الهجري في البلاد وعجز السلطان عنه استعفى من الوزارة، وكانت مدة وزارته هذه سنة وأربعة أشهر ويومين.
وكان المقتدر بالله يتشوف إلى معرفة خبر الهجري، ولم يكن أحد يكاتبه بشيء من أخباره إلا الحسن بن إسماعيل الاسكافي عامل الأنبار، فإن كتبه كانت ترد في كل أيام إلى علي بن عيسى، فينهيها فأقام أبو علي بن مقلة اطياراً وكوتب عليها بأخبار الهجري وقتاً فوقتاً، وكان ينفذها إلى نصر الحاجب، فيعرضها، فجعل نصر الحاجب يطري ابن مقلة ويقول للمقتدر إذا كانت هذه مراعاته بأمورك ولا تعلق له بخدمتك، فكيف إذا اصطنعته وتستوزره.
ولما رجع أبو طاهر القرمطي إلى بلده بنى داراً وسماها دار الهجرة، ودعا إلى المهدي، وتفاقم أمره وكثر اتباعه، وحدثته نفسه بكبس الكوفة، وهرب عمال السلطان في السواد، وكان أصحابه يكبسون القرى فيقتلون وينهبون، فبعث المقتدر إلى محاربتهم هارون بن غريب إلى واسط، وصافي البصري إلى الكوفة فقتل هارون منهم جماعة، وحمل مائة وسبعين رأساً وجماعة أسارى، وأوقع صافي بمن خرج إليه واستأسر منهم وادخلوا بغداد على الجمال مشتهرين ومعهم أعلام بيض منكسة، وعليها مكتوب ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض الآية فقتلوا واستقام أمر السواد.
وزادت دجلة بغتة زيادة مفرطة قطعت الجسور ببغداد وغرق من الجسارين جماعة، وبلغت زيادة الفرات اثني عشر ذراعاً وثلاثين.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم أبو إسحاق المعمري الكوفي حدث عن أبي كريب، والحسن بن عرفة، وغيرهما وكان أحد الشهود، وأحد الوجوه، وبلغ سناً عالية، ثم توفي ببغداد في ذي الحجة من هذه السنة.
بنان بن محمد بن حمدان بن سعيد أبو الحسن الزاهد ويعرف: بالحمال، سمع الحسن بن عرفة وغيره. وكان ثقة زاهداً متعبداً، وسكن مصر، وكانت له منزلة عند الخاصة والعامة، وكان لا يقبل من السلطان شيئاً، وكانوا يضربون بعبادته المثل.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب، حدثنا أبو نعيم الحافظ، قال: سمعت محمد بن الحسين بن موسى، يقول: سمعت الحسن بن أحمد الرازي، يقول: سمعت أبا علي الروذباري، يقول: كان سبب دخولي مصر حكاية بنان، وذلك أنه أمر ابن طولون بالمعروف فأمر أن يلقى بين يدي السبع، فجعل السبع يشمه ولا يضره، فلما اخرج من بين يدي السبع قيل له: ما الذي كان في قلبك حيث شمك السبع، قال: كنت اتفكر في سؤر السباع ولعابها.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا أبو حازم عمر بن أحمد العبدوي، قال: أخبرني عبد الملك بن ابراهيم القشيري، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الأردني، حدثنا عمر بن محمد بن عراك: أن رجلاً كان له على رجل مائة دينار بوثيقة إلى أجل، فلما جاء الأجل طلب الوثيقة فلم يجدها، فجاء إلى بنان فسأله الدعاء، فقال له: أنا رجل قد كبرت، وأنا أحب الحلوى، فاذهب فاشتر لي رطل معقود وجئني به حتى أدعو لك، فذهب فاشترى له ما قال، ثم جاء به فقال له بنان: افتح القطاس، ففتح الرجل القرطاس، فإذ هو بالوثيقة، فقال لبنان: هذه وثيقتي، فقال: خذ وثيقتك، وخذ المعقود وأطعمه صبيانك، فأخذه ومضى.
توفي بنان بمصر في رمضان هذه السنة، وخرج في جنازته أكثر أهل البلد.
داود بن الهيثم بن اسحاق بن البهلول بن حسان بن سنان أبو سعد التنوخي الأنباري سمع جده اسحاق، وعمر بن شبة، روى عنه ابن المظفر الحافظ وكان فصيحاً نحوياً لغوياً حسن العلم بالعروض واستخراج المعمى، وصنف كتباً في اللغة والنحو، على مذهب الكوفيين، وله كتاب كبير في خلق الإنسان، وكان أخذ عن يعقوب بن السكيت وثعلب، وكان يقول الشعر الجيد.
ولد بالأنبار، وتوفي بها في هذه السنة، وله ثمان وثمانون سنة.
الزبير بن محمد بن أحمد بن سعيد


أبو عبد الله الحافظ سمع عباساً الدوري، وعبد الله بن أبي سعد الوراق روى عنه الطبراني، وابن شاهين. وكان ثقة. وتوفي في هذه السنة.
عبد الله بن سليمان بن الأشعث، أبو بكر ابن أبي داود السجستاني محدث العراق وابن امامها في عصره، ولد سنة ثلاثين ومائتين، وحدثه أبوه، وطوف به شرقاً وغرباً، وسمعه من علماء الوقت، وصنف الكتب، وكان عالماً فهماً من كبار الحفاظ، نصب له السلطان منبراً فحدث عليه، وكان في وقته مشايخ علماء لكنهم لم يبلغوا في الإتقان ما بلغ، وكان عيسى بن علي بن عيسى الوزير يحدث في داره، فيقول: حدثنا البغوي في ذلك الموضع، ويشير إلى بقعة في الدار، وحدثنا ابن صاعد ويشير إلى بقعة، فيقول: في ذلك المكان، فيذكر جماعة، ويشير إلى مواضعهم، فقيل له: ما لك لا تذكر ابن أبي داود ؟ فقال: ليته إذا مضينا إلى داره كان يأذن لنا في الدخول.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: حدثني أبو القاسم الأزهري، قال سمعت أحمد بن ابراهيم بن شاذان، يقول: خرج أبو بكر بن أبي داود إلى سجستان في أيام عمرو بن الليث، فاجتمع إليه أصحاب الحديث، وسألوه أن يحدثهم فأبى، وقال: ليس معي كتاب، فقالوا له: ابن أبي داود وكتاب ؟ قال: فأثاروني، فأميلت عليهم ثلاثين ألف حديث من حفظي، فلما قدمت بغداد قال البغداديون: مضى ابن أبي داود إلى سجستان، ولعب بالناس ثم فيجوا فيجاً اكتروه بستة دنانير إلى سجستان ليكتب لهم النسخة، فكتبت، وجيء بها إلى بغداد، وعرضت على الحفاظ، فخطأوني في ستة أحاديث منها ثلاثة أحاديث حدثت بها كما حدثت، وثلاثة أحاديث أخطأت فيها.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، أخبرنا أحمد بن محمد العتيقي، قال: سمعت طلحة بن محمد بن جعفر، يقول: سمعت أبا بكر بن أبي داود، يقول: مررت يوماً بباب الطاق فإذا رجل يعبر الرؤيا، فمر به رجل فأعطاه قطعة، وقال له: رأيت البارحة كأني أطالب بصجاق امرأة ولم اتزوج قط، فرج عليه القطعة وقال: ليس لهذه جواب، فتقدمت إليه فقلت له: خذ منه القطعة حتى أفسر لك، فأخذ القطعة فقلت للرجل: أنت تطالب بخراج أرض ليست لك، فقال: هوذا والله، معي العون.
توفي أبو بكر يوم الاثنين سابع عشر ذي الحجة من هذه السنة، وهو ابن ست وثمانين سنة وستة أشهر وأيام، وصلى عليه زهاء ثلاثمائة ألف، ثم صار الواصلون يصلون عليه حتى صلي عيه ثمانين مرة حتى انفذ المقتدر بنازوك، فخلص جنازته ودفن في مقابر باب البستان، وخلف له ثلاثة بنين وثلاث بنات.
محمد بن إسحاق أبو العباس الصيرفي الشاهد حكى عن الزبير بني بكار. وتوفي في شوال هذه السنة.
محمد بن جعفر بن محمد بن المهلب أبو الطيب الديباجي سمع يعقوب بن ابراهيم الدورقي، والحسن بن عرفة وغيرهما. روى عنه أبو بكر الشافعي، وابن المظفر الحافظ. وكان ثقة ومات في هذه السنة.
محمد بن جعفر بن حمكويه أبو العباس الرازي قدم بغداد وحدث بها عن أبي حاتم الرازي، ويحيى بن معاذ حكايات، روى عنه أبوحفص الكتاني وغيره.
محمد بن جعفر أبو بكر العطار النحوي من أهل المخرم، حدث عن الحسن بن عرفة، وعباس الدوري. روى عنه محمد بن المظفر، وعلي بن عمر الدارقطني.
محمد بن جعفر بن حمدان أبو الحسن القماطري حدث عن أبي عتبة أحمد بن الفرج الحمصي وغيره. روى عنه ابن المظفر، والدارقطني.
محمد بن السري أبو بكر النحوي المعروف بابن السراج كان أحد العلماء المذكورين بالأدب وعلم العربية، وصحب المبرد. وروى عنه السيرافي والرماني، وكان ثقة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا الخطيب، أخبرنا علي بن أبي علي، عن علي بن عيسى بن علي النحوي، قال: كان أبو بكر ابن السراج يقرأ عليه كتاب الأصول الذي صنفه، فمر فيه باب فاستحسنه بعض الحاضرين، فقال: هذا والله أحسن من كتاب المقتضب، فأنكر عليه أبو بكر ذلك، وقال: لا تقل هذا وتمثل ببيت، وكان كثيراً ما يتمثل في ما يجري له من الأمور بأبيات حسنة فأنشد حينئذ:
ولكن بكت قبلي فهاج لي البكا ... بكاها فقلت الفضل للمتقدم
قال: وحضر في يوم من الأيام بني له صغير، فأظهر من الميل إليه والمحبة له فأكثر، فقال له بعض الحاضرين: أتحبه، فقال متمثلاً:


أحبه حب الشحيح ماله ... قد كان ذاق الفقر ثم ناله
توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
نصر الحاجب: حجب المقتدر بالله، وتقدم عنده، وكان ديناً عاقلاً، وخرج إلى لقاء القرامطة محتسباً فأنفق من ماله مائة ألف دينار إلى ما أعطاه السلطان، فاعتل في الطريق.
ومات في هذه السنة، فحمل إلى بغداد في تابوت.
ثم دخلت
سنة سبع عشرة وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: أن مؤنساً المظفر دخل بغداد بعد أن لقيه عبد الله بن حمدان، ثم من يراد للإمارة، وأحكم معه ما أراد، فدخل بيته ولم يمض إلى دار السلطان، فمضى إليه أبو العباس ابن أمير المؤمنين، ومحمد بن علي الوزير، وعرفاه شوق أمير المؤمنين إليه، فاعتذلا من تخلفه بعلة شكاها، فأرجف الناس بتنكره ووثب الرجالة ببعض حاشيته، فواثبهم أصحابه، فوقع في نفس مؤنس أن هذا بأمر السلطان، فجلس في طياره وصار إلى باب الشماسية، وتلاحق به أصحابه، وخرج إليه نازوك في جيشه، فلما بلغ المقتدر ذلك صرف الجيش عن بابه، وكاتب مؤنساً وسائر الجيش بإزاحة عللهم في الأموال، وخاطب مؤنساً بأجمل خطاب، وقال: وأما نازوك فلست أدري ما سبب عتبه واستيحاشه، والله يغفر له سيئ ظنه وأما ابن حمدان فلست أعرف شيئاً أحفظ له إلا عزله عن الدينور، وإنما أردنا نقله إلى ما هو أجل منه وما لأحد من الجماعة عندي إلا ما يحب، واستظهر كل واحد منهم لنفسه بعد أن لا يخلع الطاعة ولا ينقض بيعة فإني مستسلم لأمر الله عز وجل غير مسلم حقاً خصني الله به، فاعل ما فعله عثمان بن عفان رضي الله عنه، ولا آتي في سفك الدماء ما نهى الله عز وجل عنه، ولست انتصر إلا بالله. فسمع العسكر هذا فقالوا: نمضي فنسمع ما يقول، فأخرج المقتدر جميع من كان يحمل سلاحاً وجلس على سريره في حجره مصحف يقرأ فيه، وأمر بفتح الأبواب وأحضر بنيه، فأقامهم حول سريره، فصار المظفر إلى باب الخاصة، ثم صرف الناس على حالة جميلة، فسروا بالسلامة، ورجع المظفر إلى داره، فلما كان يوم الخميس لثلاث عشرة من المحرم عاود أصحاب نازوك وسائر الفرسان الركوب في السلاح، واخرجوا المظفر على كره منه وغلبه نازوك على التدبير، وركب نازوك يوم الجمعة بعد الصلاة والناس معه في السلاح، فوجدوا الأبواب مغلقة فاحرقوا بعضها ودخلوا وقد تكاملت عدة الفرسان اثني عشر ألفاً ومبلغ مالهم في كل شهر خمسمائة ألف دينار، والرجالة عشرون ألفاً ومبلغ مالهم عشرون ومائة ألف دينار، فدخل نازوك وأصحابه الدار بخيلهم، فدخل المظفر واخرج الخليفة وولده والسيدة إلى منزله، ونهب الجند الدار ثم دخل المظفر بالقصر، واجمع رأي نازوك وعبد الله بن حمدان على اجلاس محمد بن المعتضد، فجاءوا به في ليلة السبت للنصف من المحرم، فسلموا عليه بالخلافة، ولقب القاهر بالله، وقلد أبو علي بن مقلة وزارته، ونازوك الحجبة مضافاً إلى الشرطة، ونهبت دار السلطان، ووجد لأم المقتدر ستمائة ألف دينار، فحملت وخلع المقتدر من الخلافة يوم السبت النصف من المحرم، واشهد على نفسه القضاة بالخلع، وسلم الكتاب بذلك إلى القاضي أبي عمر محمد بن يوسف، فسلمه إلى ولده أبي الحسين، وقال له: احفظه ولا يراه أحد من خلق الله، فلما أعيد المقتدر إلى الخلافة بعد يومين أخذ القاضي أبو عمر الكتاب، فسلمه إلى المقتدر من يده إلى يده وحلف له أنه ما رآه أحد من خلق الله غيري، فحسن موقع ذلك من المقتدر وشكره وقلده بعد مديدة قضاء القضاة.
ولما كان من غد بيعة القاهر، وهو يوم الأحد، جلس القاهر بالله، وحضر الوزير أبو علي بن مقلة فكتب ابن مقلة إلى العمال بخبر تقليده الخلافة، ثم شغب الجند يطلبون الأرزاق، فلما كان يوم الاثنين اجتمعوا وطالبوا وهجموا فقتلوا نازوك وصاحوا: مقتدر يا منصور فهرب الوزير والحجاب والحشم، وجاء المقتدر فجلس، وجيء بالقاهر إليه فأجلسه بين يديه واستدناه وقبل جبينه، وقال: يا أخي أنت لا ذنب لك، وقد علمت أنك قهرت والقاهر يقول الله الله، نفسي نفسي يا أمير المؤمنين. فقال له: وحق رسول الله لا جرى عليك مني سوء أبداً، وعاد ابن مقلة فكتب إلى الأماكن بخلافة المقتدر.


وفيها بذرق الحاج منصور الديلمي وسلموا في طريقهم، فلما وصلوا إلى مكة وافاهم أبو طاهر الهجري إلى مكة يوم التروية، فقتل الحاج في المسجد الحرام وفي الفجاج من مكة، وقتلهم في البيت قتلاً ذريعاً. وكان الناس في الطواف وهم يقتلون، وكان في الجماعة علي بن بابويه يطوف، فلما قطع الطواف ضربوه بالسيوف، فلما وقع أنشد:
ترى المحبين صرعى في ديارهم ... كفتية الكهف لا يدرون كم لبثوا
واقتلع الهجري الحجر الأسود، وقلع قبة بئر زمزم، وعرى الكعبة، وقلع باب البيت وأصعد رجلاً من أصحابه ليقلع الميزاب، فتردى الرجل على رأسه ومات، وقتل أمير مكة، وأخذ أموال الناس، وطرح القتلى في بئر زمزم، ودفن باقيهم في مصاعهم وفي المسجد الحرام من غير أن يصلى عليهم، وانصرف إلى بلده، وحمل معه الحجر الأسود فبقي عندهم أكثر من عشرين سنة إلى أن ردوه.
أخبرنا محمد بن أبي طاهر، أنبأنا علي بن المحسن، عن أبيه، قال: حدثنا أبو الحسين عبد الله بن أحمد بن عياش القاضي، قال: أخبرني بعض أصحابنا أنه كان بمكة في الوقت الذي دخلها أبو طاهر القرمطي ونهبها وسلب البيت وقلع الحجر الأسود والباب وقتل المسلمين في الطواف وفي المسجد وعمل تلك الأعمال العظيمة، قال: فرأيت رجلاً قد صعد البيت ليقلع الميزاب، فلما صار عليه سقط فاندقت عنقه، فقال القرمطي: لا يصعد إليه أحد ودعوه، فترك الميزاب ولم يقلع، ثم سكنت الثائرة بعد يوم أو يومين، قال: فكنت أطوف بالبيت فإذا بقرمطي سكران وقد دخل المسجد بفرسه، فصفر له حتى بال في الطواف، وجرد سيفه ليضرب به من لحق، وكنت قريباً منه، فعدوت، فلحق رجلاً كان إلى جنبي فضربه فقتله، ثم وقف وصاح: يا حمير أليس قلتم في هذا البيت من دخله كان آمناً، فكيف يكون آمناً وقد قتلته الساعة بحضرتكم. قال: فخشيت من الرد عليه أن يقتلني، ثم طلبت الشهادة، فجئت حتى لصقت به وقبضت على لجامه وجعلت ظهري مع ركبتيه لئلا يتمكن من ضربي بالسيف، ثم قلت: اسمع، قال: قل: قلت: إن الله عز وجل لم يرد أن من دخله كان آمناً إنما أراد من دخله فأمنوه، وتوقعت أن يقتلني فلوى رأس فرسه وخرج من المسجد وما كلمني.
قال المحسن: وحدثني أبو أحمد الحارثي، قال: أخبرني رجل من أصحاب الحديث أسرته القرامطة سنة الهبير واستعبدته سنين، ثم هرب منها لما أمكنه قال: كان يملكني رجل منهم يسومني سوء العذاب، ويستخدمن أعظم خدمة، ويعربد علي إذا سكر، فسكر ليلة وأقامني حياله، وقال: ما تقول في محمد هذا صاحبكم ؟ فقلت: لا أدري، ولكن ما تعمني أيها المؤمن أقوله، فقال: كان رجلاً سائساً، قال: فما تقول في أبي بكر ؟ قلت: لا أدري، ثال: كان رجلاً ضعيفاً مهيناً، قال: فما تقول في عمر ؟ قلت: لا أدري، قال: كان والله فظاً غليظاً، فما تقول في عثمان ؟ قلت: لا أدري، قال: كان جاهلاً أحمق، فما تقول في علي ؟ قلت: لا أدري، قال: كان ممخرقاً أليس يقول إن ها هنا علماً لو أصبت له حملة، أما كان في ذلك الخلق العظيم بحضرته من يودع كل واحد منهم كلمة حتى يفرغ ما عنده هل هذه إلا مخرقة ؟ ونام فلما كان من غد دعاني، فقال: ما قلت لك البارحة ؟ فأريته أني لم أفهمه، فحذرني من إعادته والاخبار عنه بذلك، فإذا القوم زنادقة لا يؤمنون بالله ولا يفكرون في أحد من الصحابة.
قال المحسن: ويدل على هذا أن أبا طاهر القرمطي دخل الكوفة دفعات، فما دخل إلى قبر علي عليه السلام واجتاز بالحائر فما زار الحسين. وقد كانوا يمخرقون بالمهدي ويوهمون أنه صاحب المغرب، ويراسلون إسماعيل بن محمد صاحب المهدية المقيم بالقيروان. ومضت منهم سرية مع الحسين بن أبي منصور بن أبي سعيد في شوال سنة ستين وثلثمائة، فدخلوا دمشق في ذي القعدة من هذه السنة، فقتلوا خلقاً ثم خرجوا إلى مكة فقتلوا واستباحوا وأقاموا الدعوة للمطيع لله في كل فتح فتحوه، وسودوا أعلامهم ورجعوا عما كانوا عليه من المخرقة ضرورة، وقالوا: لو فطنا لما فطن له ابن بويه الديلمي لاستقامت أمورنا، وذلك أنه ترك المذاهب جانباً، وطلب الغلبة والملك فأطاعه الناس.


وكان من مخاريقهم قبة ينفرد فيها أميرهم وطائفة معه، ولم يقاتلوا، فإذا كل المقاتلون حمل هو بنفسه وتلك الطائفة على قوم قد كلوا من القتال، وكانوا يقولون: إن النصر ينزل من هذه القبة، وقد جعلوا مدخنة وفحماً، فإذا أرادوا أن يحملوا صعد أحدهم إلى القبة وقدح وجعل النار في المجمرة وأخرج حب الكحل فطرحه على النار فتفرقع فرقعة شديدة ولا يكون له دخان، وحملوا ولا يلبث لهم شيء ولا يوقد ذلك إلا أن يقول صاحب المعسكر: نزل النصر، فكسر تلك القبة أصحاب جوهر الذي ملك مصر.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن محمد بن أحمد بن حفص أبو عمرو الجبري شيخ نيسابور في عصره في الرياسة والعدالة والثروة والحديث، سمع محمد بن رافع واسحاق بن منصور، ومحمد بن يحيى وأبا زرعة، وأبا حاتم في خلق كثير.
وتوفي لست خلون من ذي القعدة من هذه السنة.
أحمد بن مهدي بن رستم: أسند الحديث الكثير.
أنبأنا محمد بن أبي القاسم، أخبرنا حمد بن أحمد، أخبرنا أبو نعيم الأصبهاني الحافظ، قال: سمعت أبا محمد بن حيان يقول: كان أحمد بن مهدي ذال مال كثير نحو ثلثمائة ألف درهم، فأنفقه كله على العلم، وذكر أنه لم يعرف له فراش أربعين سنة.
وقال ابن حيان: وسمعت أبا علي أحمد بن محمد بن إبراهيم، يقول: قال أحمد بن مهدي: جاءتني امرأة ببغداد ليلة من الليالي، فذكرت أنها من بنات الناس وأنها امتحنت بمحنة، وقالت: أسألك بالله أن تسترني، فقلت: وما محنتك ؟ قالت: أكرهت على نفسي وأنا حبلى، وذكرت للناس أنك زوجي، وأن ما بي من الحبل منك فلا تفضحني، استرني سترك الله عز وجل فسكت عنها ومضت فلم أشعر حتى وضعت، وجاء امام المحلة في جماعة من الجيران يهنئوني بالولد، فأظهرت لهم التهلل ووزنت في اليوم الثاني دينارين ودفعتهما إلى الإمام، فقلت: ادفع هذا إلى تلك المرأة لتنفقه على المولود فإنه سبق ما فرق بيني وبينها، وكنت أدفع في كل شهر إليها دينارين على يد الإمام، وأقول هذه نفقة المولود إلى أن أتى على ذلك سنتان، ثم توفي المولود فجاءني الناس يعزونني، فكنت أظهر لهم التسليم والرضا، فجاءتني المرأة ليلة من الليالي بعد شهر ومعها تلك الدنانير التي كنت أبعث لها بيد الإمام فردتها، وقالت: سترك الله عز وجل كما سترتني، فقلت: هذه الدنانير كانت صلة مني للمولود، وهي لك فاعملي فيها ما تريدين.
اسماعيل بن إسحاق بن إبراهيم مولى بكر بن مضر بن النعمان يكنى أبا أحمد كان من الغزاة وله مواقف معروفة في الروم، توفي في رجب هذه السنة.
بدر بن الهيثم بن خلف بن خالد بن راشد بن الضحاك بن النعمان أبو القاسم اللخمي القاضي الكوفي نزل بغداد وحدث بها عن أبي كريب وغيره، روى عنه ابن شاهين ويوسف القواس، وكان ثقة من المعمرين، وسمع الحديث بعد أن مضى من عمره أربعون سنة.
أنبأنا القزاز، قال: أنبأنا أحمد بن علي، قال: حدثني الأزهري، قال: ذكر أبو الحسن الدارقطني: أن بدر بن الهيثم عاش مائة وسبع عشرة سنة، وكان نبيلاً، وأدرك أبا نعيم الفضل بن دكين، وما كتب عنه، ودخل على علي بن عيسى الوزير فرفعه، وقال له: كم سن القاضي ؟ قال: ما أدري كم سني، ولكن قد كان بالكوفة أعجوبة فركبت مع أبي سنة خمس عشرة ومائتين، وكان بين الركبتين مائة سنة.
توفي بدر في شوال هذه السنة، وحمل إلى الكوفة، فدفن بها.
جعفر بن عبد الله بن جعفر بن مجاشع أبو محمد الختلي حدث عن جماعة وروى عنه ابن المظفر، وأبو بكر بن شاذان، وابن شاهين، وكان ثقة. وتوفي في هذه السنة.
جعفر بن محمد بن ابراهيم بن حبيب، أبو بكر المعروف ابن أبي الصعة الصيدلاني حدث عن أبي موسى محمد بن المثني، ومحمد بن منصور الطوسي، ويعقوب الدورقي. روى عنه ابن شاهين. وكان ثقة. وتوفي في هذه السنة.
عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن المرزبان بن سابور بن شاهنشاه، أبو القاسم ابن بنت أحمد بن منيع بغوي الأصل، ولد ببغداد سنة ثلاث عشرة ومائتين، وقيل: سنة أربع عشرة في رمضان، وهو أصح، ورأى أبا عبيد ولم يسمع منه، وسمع من يحيى بن معين جزءاً، فأخذه منه موسى بن هارون، فرماه في دجلة، وقال: أتريد أن تجمع في الرواية بين الثلاثة: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني.


وكان البغوي يقول: أحصيت المشايخ الذين لا يروي عنهم اليوم غيري، فكانوا سبعة وثمانين شيخاً.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن عي بن ثابت الخطيب، أخبرنا علي بن المحسن، قال: سمعت عمر بن أحمد الواعظ، يقول: سمعت عبد الله بن محمد البغوي، يقول: قرأت بخط جدي أحمد بن منيع: ولد أبو القاسم ابن بنتي يوم الاثنين في شهر رمضان سنة أربع عشرة ومائتين، وأول ما كتب الحديث سنة خمس وعشرين ومائتين عن إسحاق بن إسماعيل الطالقاني.
قال الخطيب: وسمع البغوي علي بن الجعد، وخلف بن هشام البزار، ومحمد بن عبد الوهاب الحارثي، وأبا الأحوص محمد بن حيان البغوي، وعبيد الله بن محمد بن عائشة التيمي، وأبا نصر التمار، وداود بن عمرو الضبي، ويحيى بن عبد الحميد الحماني، وأحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وحاجب بن الوليد، ومحمد بن جعفر الوركاني، وبشر بن الوليد القاضي، ومحمد بن حسان السمتي، ومحرز بن عون، وهارون بن معروف، وشيبان بن فروخ، وسويد بن سعيد، وأبا خيثمة زهير بن حرب في آخرين من أمثالهم.
روى عنه يحيى بن محمد بن صاعد، وعلي بن إسحاق المادرائي، وعبد الباقي بن قانع، وحبيب بن الحسن القزاز، ومحمد بن عمر الجعابي، وأبو بكر بن مالك القطيعي، وعبد الله بن إبراهيم الزينبي، وأبو حفص بن الزيات، ومحمد بن المظفر، وأبو عمر بن حيوية، وأبو بكر بن شاذان، والدارقطني، وابن شاهين، وأبو حفص الكتاني وخلق سوى هؤلاء لا يحصون. وكان ثقة ثبتاً مكثراً فهماً عارفاً.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب، قال: حدثني علي بن أحمد بن علي المؤدب، حدثنا محمد بن إسحاق النهاوندي، حدثنا الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد، قال: لا يعرف في الإسلام محدث وازى عبد الله بن محمد البغوي في قدم السماع، فإنه توفي في سنة سبع عشرة وثلثمائة، وسمعناه يقول: حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني سنة خمس وعشرين ومائتين.
أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا الخطيب، قال: حدثني أبو الوليد الحسن بن محمد الدربندي، قال: سمعت أبا محمد بن عبدان بن أحمد الخطيب ابن بنت أحمد بن عبدان الشيرازي، يقول: سمعت جدي يقول: اجتاز أبو القاسم البغوي بنهر طابق على باب مسجد، فسمع صوت مستمل فقال: من هذا ؟ فقالوا: ابن صاعد، فقال ذاك الصبي ؟ فقالوا: نعم، قال والله لا أبرح من موضعي حتى أملي من ها هنا، فصعد الدكة وجلس، ورآه أصحاب الحديث فقاموا وتركوا ابن صاعد، ثم قال: حدثنا أحمد بن حنبل الشيباني قبل أن يولد المحدثون، حدثنا طالوت بن عباد قبل أن يولد المحدثون، حدثنا أبو نصر التمار قبل أن يولد المحدثون، فأملى ستة عشر حديثاً عن ستة عشر شيخاً ما كان في الدنيا من يروي عنهم غيره.
أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا عبيد الله بن عمر بن أحمد الواعظ، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا عمر بن الحسن بن علي بن مالك، قال: سألت موسى بن هارون عن أبي القاسم بن منيع، فقال: ثقة صدوق، لو جاز لإنسان أن يقال له فوق الثقة لقيل له. قلت له: يا أبا عمران فإن هؤلاء يتكلمون فيه، قال: يحسدونه، ابن منيع لا يقول إلا الحق.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، قال: حدثني علي بن محمد بن نصر، قال: سمعت حمزة بن يوسف، يقول: سمعت أبا الحسين محمد بن غسان، يقول: سمعت الأردبيلي، يقول: سئل ابن أبي حاتم عن أبي القاسم البغوي يدخل في الصحيح ؟ قال: نعم، قال حمزة: سألت أبا بكر بن عبدان عن أبي القاسم البغوي قال: لا شك أنه يدخل في الصحيح.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر أحمد، حدثنا حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق، قال: سمعت الدارقطني يقول: كان أبو القاسم بن منيع قلما يتكلم على الحديث، فإذا تكلم كان كلامه كالمسمار في الساج.
قال مؤلف الكتاب: هذا كلام العلماء الأثبات في البغوي، وقد تكلم فيه أبو أحمد بن عدي بكلام حاسد لا يخفى سوء قصده.


أخبرنا أبو منصور بن خيرون، أخبرنا إسماعيل بن أبي الفضل الإسماعيل، أخبرنا حمزة بن يوسف بن إبراهيم السهمي، أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني، قال: كان أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي وراقاً في ابتداء عمره يورق على جده وعمه وغيرهما، ووافيت العراق سنة سبع وتسعين وما رأيت في مجلسه في ذلك الوقت إلا دون العشرة غرباء بعد أن يسألهم بنوه مرة بعد مرة حضور مجلس أبيهم فيقرأ عليهم لفظاً، وكان مجانهم يقولون: في دار ابن منيع شجرة تحمل داود بن عمرو الضبي من كثرة ما يروي عنه، وما علمت أن أحداً حدث عن علي بن الجعد بأكثر مما حدث هو، وسمعه القاسم المظرز يوماً يقول: حدثنا عبيد الله العيشي، فقال: القاسم في حرام من يكذب. فلما كبر وأسن ومات أصحاب الإسناد، احتمله الناس واجتمعوا عليه، ونفق عندهم ومع نفاقه واسناده كان مجلس ابن صاعد أضعاف مجلسه وحدث بأشياء أنكرت عليه، وكان معه طرف من معرفة الحديث والتصانيف.
قال مؤلف الكتاب رحمه الله: هذا كلام لا يخفى أنه صادر عن تعصب، والوراقة لا تضره، وقلة الجمع عليه لا تؤذيه، وكلام المجان لا أثر له، وقول المطرز خارج عن كلام أهل العلم، وقد ذكرنا قصته مع ابن صاعد على أن ابن صاعد قد سمع منه، وأما الذي أنكر عليه فما عرفنا أحداً أنكر عليه شيئاً قط إلا أنه سها مرة في حديث، ثم أعلمهم أنه غلط، وهذا لا عيب فيه لأن الآدمي لا يخلو من الغلط.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: حدثني العلاء بن أبي المغيرة الأندلسي، أخبرنا علي بن بقاء الوراق، أخبرنا عبد الغني بن سعيد الأزدي، قال: سألت أبا بكر محمد بن علي النقاش تحفظ شيئاً مما أخذ على ابن بنت أحمد بن منيع ؟ فقال لي: كان غلط في حديث، عن محمد بن عبد الوهاب، عن ابن شهاب، عن أبي إسحاق الشيباني، عن نافع، عن ابن عمر، فحدث به عن محمد بن عبد الوهاب، وإنما سمعه من إبراهيم بن هانئ، عن محمد بن عبد الوهاب، فأخذه عبد الحميد الوراق بلسانه ودار على أصحاب الحديث، وبلغ ذلك أبا القاسم ابن بنت أحمد ابن منيع، فخرج إلينا يوماً فعرفنا أنه غلط فيه، وأنه أراد أن يكتب حدثنا إبراهيم بن هانئ، فمرت يده على العادة فرجع عنه، قال أبو بكر: ورأيت فيه الانكسار والغم، وكان ثقة رحمه الله.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي الخطيب، أخبرنا ابن رزق، أخبرنا إسماعيل بن علي الخطبي، قال: توفي أبو القاسم بن منيع ليلة الفطر في سنة سبع عشرة وثلثمائة، ودفن يوم الفطر وقد استكمل مائة سنة وثلاث سنين وشهراً.
قال الخطيب: ودفن في مقبرة باب التبن.
قال المصنف: ورأيت في بعض الروايا أنه مات وهو صحيح السمع والبصر والاسنان، يطأ الاماء.
علي بن الحسن بن المغيرة أبو محمد الدقاق سمع إسحاق بن أبي إسرائيل، روى عنه أبو بكر بن شاذان. وكان ثقة مأموناً. توفي في ذي القعدة من هذه السنة.
محمد بن الحسين بن محمد بن عمار، أبو الفضل، المعروف ابن أبي سعد الهروي قدم بغداد فحدث بها عن محمد بن عبد الله الأنصاري، روى عنه ابن المظفر، وكان ثقة حافظاً.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: قرأت في كتاب أبي القاسم ابن الثلاج بخطه: قتل أبو الفضل محمد بن الحسين المعروف بابن أبي الحسين مع أخيه في يوم الاثنين قبل التروية بيوم في المسجد الحرام، قتلهما القرمطي ابن أبي سعيد الجنابي في السنة التي دخل القرمطي مكة سنة سبع عشرة وثلثمائة.
محمد بن زبان بن حبيب أبو بكر الحضرمي ولد سنة خمس وعشرين ومائتين، وحدث عن حرملة بن يحيى وغيره. وكان رجلاً صالحاً ثقة نبيلاً ثبتاً متقللاً فقيراً لا يقبل من أحد شيئاً.
توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة رحمه الله.
ثم دخلت
سنة ثمان عشرة وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: أنه هبت ريح من المغرب في آذار حملت رملاً أحمر يشبه رمل الصاغة، فامتلأت منه أسواق بغداد الجانبين وسطوحها ومنازلها، وقيل: أنه من جبلي زرود.
وفيها: قبض المقتدر على أبي علي ابن مقلة، وكانت مدة وزارته سنتين وأربعة أشهر وثلاثة أيام، واستوزر سليمان بن الحسن بن مخلد، وجعل علي بن عيسى ناظراً معه.


وفي جمادى الأولى: احترقت دار أبي علي ابن مقلة التي في وجه الزاهر، وكان قد أنفق عيها مائة ألف دينار، وانتهب الناس الخشب والرصاص والحديد.
وفيها حج بالناس عبد السميع بن أيوب بن عبد العزيز الهاشمي، وخرجوا بخفارة وبذرقة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
إبراهيم بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن مطرف بن محمد بن علي أبو إسحاق الاستراباذي سمع من أبي خليفة، وأبي يعلى الموصلي وغيرهما. وكان ثقة فقيهاً فاضلاً ثبتاً. وتوفي في هذه السنة وهو شاب.
أحمد بن إسحاق بن البهلول بن حسان بن سنان أبو جعفر التنوخي أنباري الأصل، ولد في سنة إحدى وثلاثين ومائتين، وسمع أباه، وإبراهيم بن سعيد الجوهري، ومؤمل بن إهاب، وأبا سعيد الأشج، وأبا هشام الرفاعي، وخلقاً كثيراً، وكان عنده عن أبي كريب حديث واحد. روى عنه الدارقطني وغيره. وكان ثقة فقيهاً على مذهب أبي حنيفة، قيماً بالنحو على مذهب الكوفيين، فصيح العبارة، كثير الحفظ للشعر القديم والحديث والسير والتفسير، وكان شاعراً فصيحاً لسناً ورعاً متخشناً في القضاء، بيته بيت العلم حمل الناس العلم عن أبيه وجده، وعنه، وعن ابنه محمد، وعن ابن أخيه داود بن الهيثم بن إسحاق.
ولي أبو جعفر قضاء الأنبار وهيت وطريق الفرات من قبل الموفق بالله في سنة ست وسبعين ومائتين، ثم تقلده للمعتضد، ثم تقلد بعض كور الجبل للمكتفي في سنة اثنتين وتسعين ومئتين، ولم يخرج إليها، ثم قلده المقتدر في سنة ست وتسعين ومائتين بعد فتنه ابن المعتز القضاء بمدينة المنصور وطسوجى قطربل ومسكن والأنبار وطريق الفرات وهيت، ثم أضاف إليه بعد سنين القضاء بكور الأهواز مجموعة لما مات قاضيها وكيع، وما زال على هذه الأعمال حتى صرف عنها في سنة سبع عشرة وثلثمائة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، أخبرنا علي بن أبي علي، عن أبي الحسن أحمد بن يوسف الأزرق، قال: حدثني القاضي أبو طالب محمد بن القاضي أبي جعفر بن البهلول، قال: كنت مع أبي في جنازة وإلى جانبه أبو جعفر الطبري، فأخذ أبي يعظ صاحب المصيبة ويسليه وينشده أشعاراً، ويروي له أخباراً، فداخله الطبري في ذلك وذنب معه، ثم اتسع الأمر بينهما في المذاكرة وخرجا إلى فنون كثيرة من الآداب والعلم استحسنها الحاضرون، وتعالى النهار وافترقنا، فقال لي أبي: يا بني تعرف هذا الشيخ الذي داخلنا اليوم في المذاكرة من هو ؟ فقلت: هذا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، فقال: إنا لله، ما أحسنت عشرتي يا بني، فقلت: كيف ؟ قال: ألا قلت لي فكنت أذاكره غير تلك المذاكرة، هذا رجل مشهور بالحفظ والاتساع في صنوف العلم، وما ذاكرته بحسنها، قال: ومضت على هذا مدة فحضرنا في جنازة أخرى، فإذا بالطبري، فقلت له أيها القاضي هذا الطبري قد جاء، فأومأ إليه بالجلوس عنده، فجلس إلى جنبه وأخذ أبي يجايه فكلما جاء إلى قصيدة ذكر الطبري منها أبياتاً، فيقول له أبي، هاتها يا أبا جعفر إلى آخرها، فيتلعثم الطبري، فينشدها أبي إلى آخرها وكل ما ذكر شيئاً من السير قال أبي: هذا كان في قصة فلان ويوم بني فلان، مر فيه يا أبا جعفر فربما مرور بما تلعثم فمر أبي في جميعه، فما سكت أبي يومه ذلك إلى الظهر وقد بان للحاضرين تقصير الطبري عنه، ثم قمنا فقال لي أبي: الآن شفيت صدري.


أنبأنا محمد بن أبي طاهر البزاز، قال: أنبأنا علي بن أبي علي التنوخي، عن أبيه، قال: حدثني القاضي أبو الحسين علي بن محمد بن أبي جعفر بن البهلول، قال: طلبت السيدة أم المقتدر بالله من جدي كتاب وقف بضيعة كانت ابتاعتها، وكان كتاب الوقف مخزوناً في ديوان القضاء، وأرادت أخذه لتحرقه وتتملك الوقف، ولم يعلم الجد بذلك، فحمله إلى الدار، وقال للقهرمانة: قد أحضرت الكتاب فأيش ترسم ؟ فقالوا نريد أن يكون عندنا، فأحسن بالأمر، فقال لأم موسى القهرمانة: تقولين لأم المقتدر السيدة: اتقي الله هذا والله ما لا طريق إليه أبداً أنا خازن المسلمين على ديوان الحكم، فإن مكنتموني من خزنه كما يجب وإلا فاصرفوني وتسلموا الديوان دفعة واحدة، فاعملوا فيه ما شئتم، وأما أن يفعل شيء من هذا على يدي فوالله لا كان ذلك أبداً ولو عرضت على السيف، ونهض والكتاب معه، وجاء إلى طياره وهو لا يشك في الصرف، فصعد إلى ابن الفرات وحدثه بالحديث، فقال له: ألا دافعت عن الجواب وعرفتني حتى أكتب وأملي في ذلك، والآن أنت مصروف فلا حيلة لي مع السيدة في أمرك، قال: وأدت القهرمانة الرسالة إلى السيدة، فشكت إلى المقتدر، فلما كان يوم الموكب خاطبه المقتدر شفاهاً في ذلك فكشف له الصورة، وقال له مثل ذلك القول والاستعفاء، فقال له المقتدر: مثلك يا أحمد من قلد القضاء ؟ أقم على ما أنت عليه: بارك الله فيك ولا تخف أنت ينثلم محلك عندنا، قال: فلما عاودت السيدة قال لها المقتدر الأحكام ما لا طريق إلى اللعب به، وابن البهلول مأمون علينا محب لدولتنا، ولو كان هذا شيئاً يجوز لما منعتك إياه، فقالت السيدة: كأن هذا لا يجوز ؟ فقال لها: لا هذه حيلة من أرباب الوقف على بيعه وأعلمها كاتبها ابن عبد الحميد شرح الأمر وأن الشراء لا يصح بتخريق كتاب الوقف، وان هذا لا يحل، فارتجعت المال، وفسخت الشراء وعادت تشكر جدي وانقلب ذلك أمراً جميلاً عندهم، فقال جدي بعد ذلك: من قدم أمر الله على أمر المخلوقين كفاه الله شرهم.
توفي أو جعفر ابن البهلول في ربيع الآخر من هذه السنة.
إسماعيل بن سعدان بن يزيد أبو معمر البزاز سمع خلقاً كثيراً، وروى عنه ابن المظفر الحافظ، وكان ثقة.
وتوفي في شهر جمادى الآخرة من هذه السنة.
إسحاق بن محمد بن مروان أبو العباس الغزال كوفي حدث عن أبيه، روى عنه ابن المظفر، وقال الدارقطني: لا يحتج بحديثه. توفي في هذه السنة.
جعفر بن محمد بن يعقوب أبو الفضل الصندلي سمع من علي بن حرب وغيره، روى عنه ابن حيويه، والقواس. وكان ثقة صالحاً ديناً، سكن باب الشعير، وكان يقال: إنه من الأبدال. توفي في صفر هذه السنة.
عبد الله بن أحمد بن عتاب أبو محمد العبدي حدث عن أحمد بن منصور الرمادي. روى عنه ابن حيويه، وابن شاهين، وكان ثقة. توفي في محرم هذه السنة.
عبد الله بن جعفر بن أحمد بن خشيش أبو العباس الصيرفي سمع يعقوب الدورقي. روى عنه الدارقطني، وقال: هو ثقة.
توفي في جمادى الأولى من هذه السنة.
عبد الملك بن أحمد بن نصر بن سعيد أبو الحسين الخياط سمع يعقوب الدورقي، ومحمود بن خداش، ويونس بن عبد الأعلى، والربيع بن سليمان المصريين. روى عنه إسماعيل الخطبي، وابن شاهين. وكان ثقة. توفي في شهر رجب من هذه السنة.
عبد الواحد بن محمد بن المهتدي بالله أبو أحمد الهاشمي سمع يحيى بن أبي طالب. روى عنه الدارقطني، وابن شاهين وكان راهب بني هاشم صلاحاً وديناً وورعاً. توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
محمد بن الحسين بن حميد بن الربيع بن مالك أبو الطيب اللخمي الكوفي ولد سنة أربعين ومائتين، وسكن بغداد، وحدث بها عن أبي سعيد الأشج وغيره. روى عنه ابن المظفر، وابن شاذان، وابن شاهين، والكتاني. وكان ثقة يفهم، وقد روى ابن عقدة عن الحضرمي أنه قال: هو كذاب، وهذا ليس بصحيح.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: حدثني الصوري، قال: أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد بن الحسين اللخمي ثقة صاحب مذهب حسن وجماعة وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وكان ممن يطلب للشهادة فيأبى ذلك.
وتوفي في هذه السنة وقد قيل توفي سنة عشر وثلثمائة.
محمد بن الحسين بن سعيد بن أبان


أبو جعفر الهمذاني ويعرف بالطنان قدم بغداد وحدث بها عن أحمد بن محمد بن رشدي، المصري، روى عنه الدارقطني، وقال: هو ثقة، وقال بعض الحفاظ: ليس بالمرضي.
توفي في هذه السنة.
يحيى بن محمد بن صاعد أبو محمد مولى أبي جعفر المنصور ولد سنة ثمان وعرين ومائتين، ورحل في طلب الحديث إلى البلاد، وكتب، وحفظ، وسمع لويناً، وأحمد بن منيع، وبنداراً، ومحمد بن المثنى، والبخاري، وخلقاً كثيراً، وأول ما كتب الحديث عن الحسن بن عيسى بن ماسرجس سنة تسع وثلاثين، روى عنه من الأكابر عبد الله بن محمد البغوي والجعابي، وابن المظفر، وابن حيويه، والدارقطني، وابن شاهين. وكان ثقة مأموناً، من كبار حفاظ الحديث، وممن عني به، وله تصانيف في السنن تدل على فقهه وفهمه.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال: حدثني القاضي أبو بكر محمد بن عمر الداودي، قال: سمعت شيخاً من أصحاب الحديث حسن الهيئة لا أحفظ اسمه يقول: حضر رجل عند يحيى بن صاعد ليقرأ عليه شيئاً من حديثه، وكان معه جزء عن أبي القاسم البغوي عن جماعة من شيوخه، فغلط فقرأه على ابن صاعد وهو مصغ إلى سماعه، ثم قال له بعد: أيها الشيخ إني غلطت بقراءة هذا الجزء عليك وليس هو من حديثك، إنما هو من حديث أبي القاسم البغوي، فقال له يحيى: ما قرأته علي هو سماعي من الشيوخ الذين قرأته عنهم، ثم قام فأخرج أصوله وأراه كل حديث قرأه على الشيخ الذي هو مكتوب في الجزء عنه.
توفي يحيى في ذي القعدة من هذه السنة، وله تسعون سنة، ودفن في باب الكوفة.
ثم دخلت
سنة تسع عشرة وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: أنه قدم مؤنس يوم الخميس لعشر خلون من صفر بالحاج من مكة سالمين، وسر لناس بتمام الحج وانفتاح الطريق، وتلقوه بأنواع الزينة، وضربوا له القباب، وكان مؤنس قد بلغه في انصرافه من مكة ارجاف بقصد أبي طاهر الهجري طريق الجادة، فعدل بالقافلة عنه فتاه في البرية، ووجد فيها آثاراً عجيبة، وعظاماً مفرطة في الكبر، وصور الناس من حجارة، وحمل بعضها إلى الحضرة، وحدث بعض من كن معه أنه رأى امرأة قائمة على تنور وهي من حجر والخبز الذي في التنور من حجر، وقيل: هي بلاد عاد، وقيل: ثمود: وفيها قبض على سليمان بن الحسن الوزير، وكانت مدة وزارته سنة وشهرين وتسعة أيام، ثم استوزر المقتدر أبا القاسم عبيد الله بن محمد المكلواذي، ثم عزل، وكانت وزارته شهرين وثلاثة أيام، ثم استوزر الحسين بن القاسم، ثم عزل.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أسلم بن عبد العزيز بن هاشم بن خالد، أبو الجعد ولي القضاء بالأندلس، وتوفي بها في رجب هذه السنة.
جعفر بن محمد بن المغلس أبي القاسم حدث عن حوثرة بن محمد المنقري، وأبي سعيد الأشج، روى عنه ابن شاهين، ويوسف القواس، وأبو حفص الكتاني. وكان ثقة.
وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة.
الحسن بن علي بن أحمد بن بشار بن زياد أبو بكر الشاعر المعروف بابن العلاف حدث عن أبي عمر الدوري وغيره. روى عنه ابن شاهين، وابن حيويه وغيرهما.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي، قال: حدثنا علي بن أبي المعدل، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي بكر الشاعر، قال: حدثني أبي، قال: كنت ذات ليلة في دار المعتضد وقد أطلنا الجلوس بحضرته، ثم نهضنا إلى مجلسنا من حجرة كانت مرسومة بالندماء، فلما أخذنا مضاجعنا وهدأت العيون أحسسنا بفتح الأبواب والأقفال بسرعة، فارتاعت الجماعة لذلك وجلسنا في فرشنا، فدخل إلينا خادم من خدم المعتضد، فقال: إن أمير المؤمنين يقول لكم أرقت الليلة بعد انصرافكم فقلت:
ولما انتبهنا للخيال الذي سرى ... إذ الدار قفر والمزار بعيد
وقد ارتج علي تمامه فأجيزوه ومن أجازه بما يوافق غرضي أجزلت له جائزته، وفي الجماعة كل شاعر مجيد مذكور وأديب فاضل مشهور، فأفحمت الجماعة وأطالوا الفكر فقلت مبتدراً:
فقلت لعيني عاودي النوم واهجعي ... لعل خيالاً طارقاً سيعود
فرجع الخادم إليه بهذا الجواب، ثم عاد إلي فقال: أمير المؤمنين يقول لك: أحسنت وما قصرت وقد وقع بيتك الموقع الذي أريده وقد أمر لك بجائزة وها هي، فأخذتها وازداد غيظ الجماعة مني.


توفي الحسن بن علي في هذه السنة، وقيل: في سنة ثمان عشرة عن مائة سنة.
الحسن بن علي بن زكريا بن صالح بن عاصم بن زفر أبو سعيد العدوي البصري ولد سنة عشر ومائتين، وسكن بغداد، وحدث بها عن مسدد، وهدبة، وطاولت، وكامل بن طلحة وغيرهم. روى عنه الدارقطني، والكتاني، وكان واضعاً للحديث. توفي في هذه السنة.
الحسين بن الحسين بن عبد الرحمن، أبو عبد الله الأنطاكي قاضي ثغور الشام المعروف ابن الصابوني قدم بغداد وحدث بها عن جماعة، فروى عنه أبو بكر الشافعي، والدارقطني، وابن شاهين وكان ثقة. وتوفي ببغداد في هذه السنة.
عبد الله بن أحمد بن محمود أبو القاسم البلخي من متكلمي المعتزلة البغداديين، صنف في الكلام كتباً كثيرة، وأقام ببغداد مدة طويلة، وانتشرت بها كتبه، ثم عاد إلى بلخ فأقام بها إلى أن توفي في شعبان هذه السنة.
عبيد الله بن ثابت بن أحمد بن خازم أبو الحسن الحريري مولى بني تميم كوفي الأصل. حدث عن أبي سعيد الأشج. روى عنه ابن المظفر، وابن شاهين. وكان محدثاً كثير الحديث، ثقة فهماً. وتوفي في هذه السنة.
علي بن الحسين بن حرب بن عيسى، المعروف ابن حربويه القاضي سمع الحسن بن عرفة وغيره. وروى عنه ابن حيويه، وابن شاهين. وكان ثقة عالماً أميناً.
أخبرنا عبد اللاحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي، حدثنا الصوري، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الأزدي، حدثنا عبد الواحد بن محمد بن مسرور، حدثنا أبو سعيد بن يونس، قال: علي بن الحسين بن حرب قاضي مصر يكنى أبا عبيد، قدم مصر على القضاء، وأقام بها دهراً طويلاً، وكان شيئاً عجيباً ما رأينا مثله قبله ولا بعده، وكان يتفقه على مذهب أبي ثور، وعزل عن القضاء سنة إحدى عشرة وثلثمائة، وكان سبب عزله أنه كتب يستعفي من القضاء ووجه رسولاً إلى بغداد يسأل في عزله، وكان قد أغلق بابه وامتنع من أن يقضي بين الناس، فكتب بعزله وأعفي، فحدث حين جاء عزله فكتب عنه ورجع إلى بغداد وكانت وفاته ببغداد، وكان ثقة ثبتاً.
أنبأنا عبد الرحمن بن محمد قال أنبأنا أحمد بن علي قال أخبرنا البرقاني، قال: ذكرت لأبي الحسن الدارقطني أبا عبيد ابن حربويه، فذكر من جلالته وفضله، وقال: حدث عنه أبو عبد الرحمن النسائي في الصحيح ولعله مات قبله بعشرين سنة.
توفي أبو عبيد في صفر هذه السنة، وصلى عليه أبو سعيد الاصطخري، ودفن في داره.
محمد بن إبراهيم بن نيروز أبو بكر الأنماطي سمع عمرو بن علي، ومحمد بن المثنى وغيرهما. روى عنه أبو بكر الشافعي، وابن المظفر، والدارقطني وغيرهم. وذكره يوسف القواس في جملة شيوخه الثقات.
وتوفي في هذه السنة، وقيل في السنة التي قبلها.
محمد بن إبراهيم بن محمد بن أبي الحجيم أبو كثير الشيباني البصري قدم بغداد وحدث بها عن يونس بن عبد الأعلى، والربيع بن سليمان. روى عنه ابن المظفر، وابن حيويه، وابن شاهين. وكان ثقة.
محمد بن الفضل بن العباس أبو عبد الله البلخي أخبرنا عمر بن ظفر، أخبرنا جعفر بن أحمد، حدثنا عبد العزيز بن علي، أخبرنا ابن جهضم، قال: حدثني علي بن محمد، قال: سمعت إبراهيم الخواص، يقول: قال لي محمد بن الفضل: ما خطوت أربعين سنة خطوة لغير الله عز وجل، وما نظرت أربعين سنة في شيء استحسنته حياء من الله عز وجل، وما أمليت على ملكي ثلاثين سنة شيئاً ولو فعلت ذلك لاستحييت منهما.
أسند محمد عن قتيبة، وصحب ابن خضرويه، وانتقل إلى سمرقند، فمات بها في هذه السنة.
محمد بن سعد أبو الحسين الوراق صاحب أبي عثمان النيسابوري، وكان له علم بالشريعة، وكان يتكلم في دقائق علوم المعاملات.
أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا أبو بكر بن خلف، قال: حدثنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: أبو الحسين الوراق: من غض بصره عن محرم أورثه الله بذلك حكمة على لسانه يهتدي بها سامعوه، ومن غض بصره عن شبهة نور الله قلبه بنور يهتدي به إلى طريق مرضاته.
قال السلمي: توفي أبو الحسين الوراق قبل العشرين والثلثمائة.
يحيى بن عبد الله بن موسى أبو زكريا الفارسي كتب بمصر عن الربيع صاحب الشافعي، وحدث، وكان ثقة صدوقاً، حسن الصلاة، شهد عند القضاة.
وتوفي بمصر في هذه السنة.
ثم دخلت


سنة عشرين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: أنه كانت شتوتها دفيئة ولم يجمد فيها الماء، وكان هواؤها كهواء الربيع، فلما جاء الربيع كثرت الأمراض الحادة منذ شباط، وكثر الموت، وعرض لأكثر الناس ذرب.
وكان قد ورد إلى طريق مكة صاحب لأبي طاهر الهجري ليجبي الحاج، فلم يخرج من الحاج إلا نفر يسير رجالة، فلما فاته من جباية الحاج ما قدر عطف على الأعراب فاجتاحهم.
وحضر من ناظر عن مرداويج بن زياد الديلمي، والتمس أن يقاطع عن الأعمال التي غلب عليها من أعمال المشرق، فكتب له عهده وانفذ له لواء وخلعة.
وفي رمضان توفي قاضي القضاة أبو عمر، واستخلف ابنه أبو الحسين في سائر أعماله سوى قضاء القضاة.
وفي شوال قتل المقتدر بالله، وولي القاهر بالله.
باب ذكر خلافة القاهر بالله
لما قتل المقتدر وانحدر مؤنس رأى رأس المقتدر، قال: إن قتلتموه والله لنقتلن كلنا فأقل الأشياء أن تظهروا أن ذلك جرى عن غير قصد وأن تنصبوا في الخلافة ابنه أبا العباس، فإنه إذا جلس في الخلافة سمحت نفسه ونفس جدته والدة المقتدر بإخراج الأموال، فغيروا رأيه وعدلوا به إلى محمد بن المعتضد، فأحضر وسنه ثلاثة وثلاثون سنة، وحلف لهم، وبايعه من حضر من القضاة والقواد، ولقب القاهر بالله، وذلك في سحر يوم الخميس لليلتين بقيتا من شوال.
ويكنى القاهر بالله أبا منصور، وأمه مولدة يقال لها: قبول، توفيت قبل خلافته، ولد لخمس خلون من جمادى الأولى من سنة سبع وثمانين ومائتين، ولما استخلف نقش على سكة العين والورق محمد رسول الله، القاهر بالله، المنتقم من أعداء الله لدين الله.
وكان رجلاً ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير، اسمر معتدل الجسم، أصهب الشعر، طويل الأنف، في مقدم لحيته طول لم يشب إلى أن خلع، وزر له أبو علي بن مقلة، وأبو جعفر محمد بن القاسم بن عبيد الله، وأبو العباس بن الخصيب، وحجبه علي بن يلبق، وما زال القاهر بالله باحثاً عن مواضع المستترين من ولد المقتدر وأمهات أولاده وحرمه والمناظرة لوالدة المقتدر، وطلب المال منها على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن عمير بن جوصاء أبو الحسن الدمشقي كتب عنه، وتوفي في دمشق هذه السنة.
إبراهيم بن محمد بن علي بن بطحاء بن علي بن مقلة أبو إسحاق التميمي روى عنه علي بن حرب الطائي، وعباس الدوري، وكان ثقة فاضلاً، وذكر أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي، قال: مر إبراهيم بن بطحاء وإليه الحسبة بجانبي بغداد بباب قاضي القضاة أبي عمر، فرأى الخصوم جلوساً على بابه ينتظرون جلوسه للنظر بينهم، وقد تعالى النهار، وهجرت الشمس، فوقف واستدعى حاجبه، وقال: تقول لقاضي القضاة الخصوم جرس بالباب قد بلغتهم الشمس وتأذوا بالانتظار فإما جلست لهم، أو عرفتهم عذرك لينصرفوا ويعودوا.
إسماعيل بن عباد بن القاسم بن عباد أبو علي القطان حدث عن علي بن حرب وغيره روى عنه ابن شاهين.
وتوفي في رمضان هذه السنة.
إسحاق بن موسى بن سعيد الرملي حدث عن أبي داود السجستاني وغيره. روى عنه المعافى بن زكريا، وكان ثقة. وتوفي في جمادى الأولى من هذه السنة.
بن سليمان بن نصر بن منصور المري يروى عن أبيه، وعن ربعي بن مخلد. توفي بالأندلس في هذه السنة.
بكير الشراك: أحد شيوخ الصوفية، كان ينزل بالشونزية.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر ابن ثابت، أخبرنا إسماعيل بن أحمد الحيري، أخبرنا محمد بن الحسين السلمي، قال: سمعت الحسين بن أحمد، يقول: بكير الشراك لم أر في مشايخ الصوفية أحسن لزوماً للفقر منه.
مات سنة عشرين وثلثمائة.
جعفر المقتدر بالله أمير المؤمنين


كان قد بلغ إلى مؤنس أن المقتدر قد دبر عليه حتى يقبض عليه، فغضب وأصعد إلى الموصل، ووجه رسولاً، فأخذ الرسول وضرب، ووقع الوزير الحسين بن القاسم بقبض أملاك مؤنس، وملك مؤنس الموصل، ثم أقبل إلى بغداد، فلما بلغ الجند خبره شغبوا على المقتدر فأطلق لهم مالاً كثيراً، وخرج إلى حربه، فجعل الجند يتسللون إلى مؤنس، ثم نادوا باسم مؤنس، فأتى مؤنس عكبرا وضرب المقتدر مضربه بباب الشماسية، وركب ويوم الأربعاء لثلاث بقين من شوال فمر في الشارع يريد مضربه، وعليه قباء فضي مصمت وعليه عمامة سوداء، والبردة على كتفيه، وبين يديه أعلام الملك والويته، وحوله جماعة من الأنصار بأيديهم المصاحف، وكثر دعاء الناس له، ثم جرت الحرب، ووافى البربر من أصحاب مؤنس، فأحاطوا بالمقتدر وضربه رجل منهم من خلفه ضربة سقط منها إلى الأرض، فقال: أنا الخليفة، فقال البربري: لك أطلب، وأضجعه فذبحه بالسيف، ورفع رأس المقتدر على سيف، ثم على خشبة، وسلب ثيابه حتى مر به بعض الأكرة، فستره بحشيش ثم حفر له في الموضع، ودفنت جثته دون رأسه، وذلك برقة الشماسية مما يلي قرية يحيى، وكان المقتدر قد أتلف نيفاً وسبعين ألف ألف دينار، وذلك أكثر مما جمعه هارون الرشيد، وحمل رأسه إلى مؤنس، وكان سنه يومئذ ثمانياً وثلاثين سنة وشهراً وخمسة أيام، وكان قتله في الساعة الرابعة يوم الأربعاء لثلاث بقين من شوال هذه السنة، وكانت خلافته أربعاً وعشرين سنة وأحد عشر شهراً وأربعة عشر يوماًن من جملتها يوماً وثلاث ليال خلع فيها من الخلافة ثم أعيد.
قال أبو بكر الصولي: عاش المقتدر في الخلافة أكثر مما عاش الخلفاء قبله، فإن المعمرين من الخلفاء قبله معاوية، وعبد الملك، وهشام، والمنصور، والرشيد، والمأمون، والمعتمد، وزاد هو عليهم، ثم كلهم ماتوا على فرشهم، وختم له بالشهادة.
ومن العجائب أنه لم يل الخلافة من اسمه جعفر ويكنى أبا الفضل إلا هو، والمتوكل. وقتل هو يوم الأربعاء، والمتوكل ليلة الأربعاء.
الحسن بن الربيع أبو علي البجلي من أهل الكوفة. سمع حماد بن زيد، وابن المبارك، وابن ادريس وغيرهم. روى عنه عباس الدوري وغيره وحنبل. وكان ثقة صالحاً، متعبداً، يبيع البواري.
الحسن بن محمد بن عمر بن جعفر بن سنان أبو علي النيسابوري حدث عن جماعة. وروى عنه يوسف القواس، وكان ثقة. توفي في هذه السنة.
الحسين بن صالح بن خيران أبو علي الفقيه الشافعي كان من أفاضل الشيوخ وأماثل الفقهاء مع حسن المذهب وقوة الورع، وأراده السلطان أن يلي القضاء فلم يفعل.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، أخبرنا القاضي أبو العلاء محمد بن علي الواسطي، أخبرنا الحسين بن محمد بن عبيد العسكري، قال: أريد أبو علي بن خيران للقضاء فامتنع، فوكل أبو الحسن علي بن عيسى الوزير ببابه، وختم فبقي بضع عشرة يوماً، فشاهدت الموكلين على بابه حتى كلم فأعفاه، فقال لي أبي: يا بني انظر حتى تحدث إن عشت أن إنساناً فعل به مثل هذا وامتنع.
أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي، قال: أخبرنا أبو علي محمد بن محمد بن المهدي، أخبرنا خيران بن أحمد بن محمد بن علي بن خيران الفقيه، قال: أخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد الفقيه الكشفلي: أن علي بن عيسى وزير المقتدر بالله أمر نازوك صاحب البلد أن يطلب الشيخ أبا علي بن خيران الفقيه حتى يعرض عليه قضاء القضاة فاستتر، فوكل بباب داره رجاله بضعة عشر يوماً حتى احتاج إلى الماء فلم يقدر عليه إلا من عند الجيران، فبلغ الوزير ذلك فأمر بإزالة التوكيل عنه، وقال في مجلسه والناس حضور: ما أردنا بالشيخ أبي علي بن خيران إلا خيراً، أردنا أن نعلم أن في مملكتنا رجلاً يعرض عليه قضاء القضاة شرقاً وغرباً وهو لا يقبل.
توفى أبو علي بن خيران في ذي الحجة من هذه السنة.
الحسن بن محمد بن الحسين بن إبراهيم بن إشكاب أبو الحسين العامري سمع الزبير بن بكار، روى عنه ابن المظفر، وابن شاهين. وكان ثقة يسكن باب خراسان، توفي في ذي القعدة من هذه السنة.
عبد الملك بن محمد بن عدي أبو نعيم الفقيه الجرجاني الاستراباذي


سافر البلاد وكتب الحديث الكثير وسمع أحمد بن منصور الرمادي، وعلي بن حرب الطائي في جماعة. روى عنه ابن صاعد. وكان أحد أئمة المسلمين من الحفاظ للشرع مع صدق وورع وضبط وتيقظ. وكان يحفظ الموقوفات والمراسيل كما يحفظ الحفاظ المسانيد.
العباس بن بشر بن عيسى بن الأشعث، أبو الفضل المعروف الرخجي وكان يسكن بالجانب الشرقي، وحدث عن يعقوب الدورقي، روى عنه ابن شاهين، وكان ثقة، توفي في شوال هذه السنة، ودفن بالمالكية.
محمد بن إبراهيم بن حفص بن شاهين أبو الحسن البزاز حدث عن يوسف بن موسى القطان وغيره. وروى عنه الدارقطني وغيره. وذكره يوسف القواس في جملة شيوخه الثقات.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا أحمد بن أبي جعفر القطيعي، قال: سمعت القاضي أبا الحسن الجراحي يذكر: أن ابن شاهين هذا مات فجاءة، وقد خرج من الحمام في عشية يوم الاثنين لخمس خلون من شهر رمضان سنة عشرين وثلثمائة.
محمد بن الحسين بن أزهر بن جبير بن جعفر أبو بكر القطائعي الدعاء الأصم حدث عن قعنب بن محرز الباهلي، وعمر بن شبة وغيرهما. وروى عنه أبو عمرو السماك. وكان غير ثقة، يروي الموضوعات عن الثقات. توفي في أول هذه السنة.
محمد بن الحسن بن الحسين بن الخطاب بن فرات أبو بكر العجلي ويعرف بالكاراتي، حدث عن سعدان بن نصر وغيره. روى عنه أبو عمر والسماك، وأبو بكر بن شاذان أحاديث مستقيمة.
محمد بن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم أبو عمر القاضي الأزدي مولى آل جرير بن حازم: ولد بالبصرة لتسع خلون من رجب سنة ثلاث وأربعين ومائتين، وسمع محمد بن الوليد البسري، ومحمد بن إسحاق الصاغاني، والحسن بن أبي الربيع الجرجاني، وزيد بن أخرم في آخرين، روى عنه الدارقطني، وأبو بكر الأبهري، ويوسف بن عمر القواس، وابن حبابة وغيرهم، وكان ثقة فاضلاً، غزير العقل والحلم والذكاء، يستوفي المعاني الكثيرة في الألفاظ اليسيرة، ومن سعادته أن المثل يضرب بعقله وسداده وحلمه، فيقال في العاقل الرشيد: كأنه أبو عمر القاضي. وفي الحليم: لو أني أبو عمر القاضي ما صبرت.
ولي قضاء مدينة المنصور والأعمال المتصلة بها في سنة أربع وستين وجلس في جامع المدينة، ثم استخلف نائباً عن أبيه على القضاء بالجانب الشرقي، وكان يحكم بين أهل المدينة رياسة، وبين أهل الجانب الشرقي خلافة إلى سنة اثنتين وتسعين ومائتين، ولما توفي أبو خازم القاضي عن الشرقية نقل أبو عمر عن مدينة المنصور إلى قضاء الشرقية، فكان على ذلك إلى سنة ست وتسعين، ثم صرف هو ووالده عن جميع ما كان إليهما، وتوفي والده سنة سبع وتسعين ومائتين، وما زال أبو عمر ملازماً لمنزله إلى سنة إحدى وثلثمائة، فتقلد علي بن عيسى الوزارة وأشار على المقتدر به، فقلده الجانب الشرقي والشرقية وعدة نواحي من السواد والشام والحرمين واليمن وغير ذلك، ثم قلده قضاء القضاة سنة سبع عشرة وثلثمائة، وحمل الناس عنه علماً كثيراً من الحديث وكتب الفقه التي صنفها إسماعيل بن إسحاق، وعمل مسنداً كبيراً، ولم ير الناس ببغداد أحسن من مجلسه، فكان يجلس للحديث وعن يمينه أبو القاسم بن منيع وهو قريب من أبيه في السن والإسناد، وعن يساره ابن صاعد، وأبو بكر النيسابوري بين يديه، وسائر الحفاظ حول سريره.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرني علي بن أبي علي المعدل، قال: حدثنا الحسين بن محمد بن عبيد الدقاق، قال: قال لي أبو إسحاق بن جابر الفقيه لما ولي أبو عمر طمعنا في أن نتتبعه بالخطأ لما كنا نعلم من قلة فقهه، فكنا نستفتي فنقول: امضوا إلى القاضي ونراعي ما يحكم به فيدافع عن الأحكام مدافعة أحسن من فصل الحكم، ثم تجيئنا الفتاوى في تلك القصص، فنخاف أن نحرج إن لم نفت فتعود الفتاوى إليه، فيحكم بما يفتي به الفقهاء، فما عثرنا عليه بخطأ.


قال علي: وسمعت أبا إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري، يقول: سمعت بعض شهود الحضرة القدماء يقول: كنت بحضرة أبي عمر القاضي وجماعة من شهوده وخلفائه فأحضر ثوباً يمانياً قيل في ثمنه خمسون ديناراً، فاستحسنه كل من حضر المجلس، فقال: يا غلام هات القلانسي، فجاء، فقال: اقطع جميع هذا استحسنتموه بأجمعكم ولو استحسنه واحد منكم لوهبته له، فلما اشتركتم في استحسانه لم أجد طريقاً إلى أن يحصل لكل واحد شيء منه إلا بأن يجعله قلانس، يأخذ كل واحد منا واحدة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا أبو بكر البرقاني، قال: حكى لي الحمدوني: أن إسماعيل القاضي ببغداد كان يحب الاجتماع مع إبراهيم الحربي، فقيل لإبراهيم لو لقيته ؟ فقال: ما أقصد من له حاجب، فقيل ذلك لإسماعيل فنحى الحاجب عن بابه أياماً فذكر ذلك لإبراهيم فقصده، فلما دخل تلقاه أبو عمر محمد بن يوسف القاضي وكان بين يدي إسماعيل غلام قائم، ولما نزع إبراهيم نعله أمر أبو عمر غلاماً له أن يرفع نعل إبراهيم في منديل معه، فلما طال المجلس بين إبراهيم القيام تقدم أبو عمر إلى الغلام أن يضع نعله بين يديه من حيث رآها إبراهيم ملفوفة في المنديل، فقال إبراهيم لأبي عمر: رفع الله قدرك في الدنيا والآخرة، فقيل: أن أبا عمر لما توفي رآه بعضهم في المنام، فقال له: ما فعل الله بك ؟ فقال: أدركتني دعوة الرجل الصالح إبراهيم الحربي أو كما قال الحمدوني.
توفي أبو عمر يوم الأربعاء لست بقين من رمضان هذه السنة، وهو ابن ثمان وسبعين سنة، ودفن في داره رحمه الله.
ثم دخلت
سنة إحدى وعشرين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: أنه في يوم السبت لاحدى عشرة خلت من صفر جلس القاهر بالله في الميدان وأحضر رجلاً قطع الطريق في دجلة، فضرب بحضرته ألف سوط، ثم ضربت عنقه، وضرب جماعة من أصحابه وقطعت أيديهم وأرجلهم.
وفي يوم الخميس لسبع بقين من صفر خلع القاهر بالله على الوزير أبي علي ابن مقلة وكناه، وكتب إليه: يا أبا علي أدام الله أمتاعي بك، محلك عندي جليل، ومكانك من قلبي مكان مكين، وأنا حامد لمذهبك، مرتض لافعالك، عارف بنصيحتك، ولم أجد مع قصور الأحوال مما أضمره لك ما يزيد في محلك وكمال سرورك غير تشريفك بالكنية، وأنا أسأل الله عوناً على ما أحبه لك.
وفي جمادى الآخرة وقع الارجاف بأن الأمير علي بن يلبق، والحسن بن هارون كاتبه قد عملا على لعن معاوية بن أبي سفيان على المنابر، فاضطربت العامة من ذلك.


وتقدم علي بن يلبق حاجب القاهر بالقبض على أبي محمد البربهاري رئيس الحنابلة، فهرب واستتر، وقبض على أصحابه وأحدروا إلى البصرة. ثم خالف علي بن يلبق من القاهر إلى أن فتش لبناً قد اشتري مخافة أن يكون فيه رقعة، وطالب علي بن يلبق القاهر بأن يسلم إليه كل محبوس عنده من والدة المقتدر وغيرها، فسلمهم إليه ونقلهم إلى داره، واجتمع ابن مقلة وعلي بن يلبق على منع القاهر أرزاق حشمه، وأكثر ما كان يقام له، فطالبه ابن يلبق أن يسلم إليه ما بقي في يده من الفرش وامتعة والدة المقتدر، فسلم ذلك وبيع، ومكثت والدة المقتدر عند والدة علي بن يلبق مكرمة عشرة أيام وتوفيت. ولما تمكن التضييق من القاهر علم فساد نية طريف السبكري وبشرى ليلبق وابنه علي ومنافستهما لهما على المراتب، فكاتبهما وراسل قوماً من الجند، وضمن لهم زيادة العطاء، وحرضهما على مؤنس ويلبق، وبلغ أبي علي ابن مقلة أن القاهر قد جد قي التدبير عليه وعلى مؤنس ويلبق وابنه، فحذرهم وحملهم على الجد في التدبير على القاهر وخلعه من الخلافة، ثم عقدوا الأمر سراً لأبي أحمد بن المكتفي، ودبروا على القبض على القاهر فأحس القاهر فاحتال عليهم حتى قبض على يلبق ومؤنس، واستتر علي بن يلبق وأبو علي ابن مقلة، فوجه القاهر إلى أبي جعفر محمد بن القاسم بن عبيد الله، فاستحضره في يوم الأحد مستهل شعبان، فقلده وزارته وخلع عليه من الغد، وطرحت النار في دار أبي علي ابن مقلة ووقع النهب ببغداد، وقبض على أبي أحمد بن المكتفي، وأقيم في باب وسد عليه بالآجر والجص وهو حي، ثم وقع علي بن يلبق وأبوه فأقر بعشرة آلاف دينار، ثم قتل مؤنس وعلي ابن يلبق وأبوه. واستقامت الأمور للقاهر، وتقدم بالمنع من القيان والخمر والنبيذ ومنع أصحاب الناطف أن يعيروا قدورهم لمن يطبخ فيها التمر والزبيب للأنبذة، وقبض على المغنين من الرجال والنساء والحرائر والإماء، وقبض على جماعة من الجواري المغنيات، وتقدم ببيعهن في النخاسين على أنهن سواذج.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بين محمد بن سلامة بن سلمة بن عبد الملك أبو جعفر الطحاوي الفقيه ولد سنة تسع وثلاثين ومائتين. وكان ثبتاً فهماً فقيهاً عاقلاً، من طحا قرية في صعيد مصر، قال أبو سعيد بن يونس: توفي في ليلة الخميس مستهل ذي القعدة من سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، ولم يخلف مثله.
أحمد بن محمد بن موسى بن النضر بن حكيم بن علي بن ذربي أبو بكر المعروف. ابن أبي حامد صاحب بيت المال، سمع عباساً الدوري، وخلقاً كثيراً. وروى عنه الدارقطني وغيره. وكان ثقة صدوقاً جواداً.


أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي، قال: حدثني عبيد الله بن أبي الفتح، قال: حدثنا أبو الحسن الدارقطني، قال: كان أبو حامد المروروذي قليل الدخول على ابن أبي حامد صاحب بيت المال، وكان في مجلسه رجل من المتفقهة، فغاب عنه أياماً، فسأل عنه فأخبر أنه متشاغل بأمر قد قطعه عن حضور المجلس، فأحضره وسأله عن حاله، فذكر أنه قد اشترى جارية لنفسه، وأنه انقطعت به النفقة وضاقت يده في تلك السنة لانقطاع المادة عنه من بلده، وكان عليه دين لجماعة من السوقة، فلم يجد قضاء لذلك دون أن باع الجارية، فلما قبض الثمن تذكرها وتشوق إليها واستوحش من بعدها عنه حتى لم يمكنه التشاغل بفقه ولا بغيره من شدة قلقه، وتعلق قلبه بها وذكر أن ابن أبي حامد قد اشتراها فأوجبت الحال مضي أبي حامد الفقيه إلى ابن أبي حامد يسأل الإقامة وأخذ المال من البائع، فمضى ومعه الرجل، فحين استأذن على ابن أبي حامد أذن له في الحال، فلما دخل إليه قام إليه واستقبله وأكرمه غاية الإكرام، وسأله عن حاله وعن ما جاء له، فأخبره أبو حامد بخبر الفقيه وبيع الجارية، وسأله قبض المال ورد الجارية على صاحبها فلم يعرف ابن أبي حامد للجارية خبراً ولا كان عنده علم من أمرها، وذلك أن امرأته كانت قد اشترتها ولم يعلم بذلك، فورد عليه من ذلك مورد تبين في وجهه، ثم قام ودخل على امرأته يسألها عن جارية اشتريت في سوق النخاسين على الصفة والنعت، فصادف ذلك أن امرأته كانت جالسة والجارية حاضرة، وهم يصلحون وجهها، وقد زينت بالثياب الحسان والحلي، فقالت: يا سيدي هذه الجارية التي التمست. فسر بذلك سروراً تاماً إذ كانت عنده رغبة في قضاء حاجة أبي حامد، فعاد إلى أبي حامد، وقال له: خفت أن لا تكون الجارية في داري، والآن فهي بحمد الله عندنا، والأمر للشيخ أعزه الله في بابها ثم أمر بإخراج الجارية، فحين أخرجت تغير وجه الفتى تغيراً شديداً، فعلم بذلك أن الأمر كما ذكره الفقيه من حبه لها وصبابته بها فقال له ابن أبي حامد: هذه جاريتك. فقال: نعم هذه جاريتي. واضطرب كلامه من شدة ما نزل به عند رؤيتها، فقال له: خذها بارك الله لك فيها. فجزاه أبو حامد خيراً وشكره وسأله قبض المال، وأخبره أنه على حاله وقدره ثلاثة آلاف درهم فأبى أن يأخذه وطال الكلام في ذلك، فقال أبو حامد: إنما قصدناك نسأل الإقامة ولم نقصد أخذها على هذا الوجه. قال له ابن أبي حامد: هذا رجل فقيه وقد باعها لأجل فقره وحاجته ومتى أخذ المال منه خيف عليه أن يبيعها ثانية ممن لا يردها عليه، والمال يكون في ذمته فإذا جاءه نفقة من بلده جاز أن يرد ذلك فوهب المال له، وكان عليها من الحلي والثياب شيء له قدر كبير. فقال له أبو حامد: إن رأى أيده الله أن يتفضل وينفذ مع الجارية من يقبض هذه الثياب والحلي التي عليها فما لهذا الفقيه أحد ينفذه به على يده. فقال: سبحان الله هذا شيء اسعفناها به ووهبناه لها سواء إن كانت في ملكنا أو خرجت عن قبضتنا، ولسنا نرجع فيما وهبناه من ذلك. فعرف أبو حامد أن الوجه ما قاله، فلم يلح عليه بل حسن موقعه من قلبه، فلما أراد لينهض ويودعه قال ابن أبي حامد: أريد أن أسألها قيل انصرافها عن شيء، فقال: يا جارية أي ما أحب إليك نحن أو مولاك هذا الذي باعك وأنت الآن له ؟ فقالت: يا سيدي أما أنتم فأحسن الله عونكم وفعل بكم وفعل فقد أحسنتم إلي وأغنيتموني، وأما مولاي هذا فلو ملكت منه ما ملك مني ما بعته بالرغائب العظيمة، فاستحسن الجماعة ذلك منها وما هي عليه من العقل مع الصبي وودعوه وانصرفوا.
توفى ابن أبي حامد في رمضان هذه السنة.
سعيد بن محمد بن أحمد بن سعيد أبو عثمان البيع وهو أخو زبير بن محمد الحافظ، سمع من جماعة وروى عنه ابن شاهين والدارقطني، وذكره يوسف القواس في جملة شيوخه الثقات.
توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
شغب أم المقتدر بالله


كانت لها أموال عظيمة تفوق الإحصاء، كان يرتفع لها من ضياعها في كل عام ألف ألف دينار، وكانت تتصدق بأكثر ذلك، وكانت تواظب على مصالح الحاج وتبعث خزانة الشراب والأطباء معهم وتأمر بإصلاح الحياض، فمرضت وفسد مزاجها، ثم هجم عليها قتل ابنها المقتدر، فأخبرت أنه لم يدفن، فجزعت جزعاً شديداً ولطمت وامتنعت من الأكل والشرب حتى كادت تتلف، فما زالوا يرفقون بها حتى أكلت كسرة بملح، ثم دعاها القاهر بالله فقررها بالرفق والتهديد، فحلفت له أنه لا مال عندها ولا جوهر إلا صناديق فيها ثياب ومصوغ وطيب، وذكرت أنه لو كان عندها مال ما أسلمت ولدها للقتل، فضربها بيده وعلقها برجل واحدة، فلم يجد عندها غير ما أقرت به، فأخذ، وكانت قيمته نحواً من مائة وثلاثين ألف دينار.
أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزاز، قال: أنبأنا علي بن المحسن التنوخي، عن أبيه، قال: عذب القاهر أم المقتدر بصنوف العذاب حتى قيل أنه علقها منكسة، وكان يجري بولها على وجهها، فقالت له: لو كان معنا مال ما جرى في أمرنا من الخلل ما آل إلى جلوسك حتى تعاقبني هذه العقوبة، وإنما أنا أمك في كتاب الله، وأنا خلصتك من ابني في الدفعة الأولى.
وقال أبو الحسين بن عياش: حدثني أبو محمد عمي، قال: أنفذني عمي أبو الحسين بن أبي عمر القاضي، وابن الحباب الجوهري إلى القاهر، وكان قد طلب شاهدين ليشهدا على أم المقتدر بتوكيلها في بيع أملاكها، فدخلنا على القاهر فسلمنا ووقفنا، فدفع إلينا بعض الخدم كتاباً أوله أقرت شغب مولاة المعتضد أم جعفر المقتدر فإذا هو وكالة في بيع أملاكها، فقلنا للخادم: وأين هي ؟ فقال وراء الباب: فاستأذنا الخليفة في خطابها، فقال: افعلوا، فقلنا: أنت ها هنا حتى نقرأ عليك ؟ قالت: نعم، فقرأنا الكتاب عليها وقرناها، ثم وقفنا عن كتب الشهادة طلباً لرؤيتها، فقال الخليفة: مالكم ؟ قلنا: يا أمير المؤمنين لا يصح لنا الشهادة دون أن نرى المرأة بأعيينا ونعرفها، فقال: افعلوا، فسمعنا من وراء الستارة بكاء ونحيباً، ورفعت الستارة فقلنا لها: أنت شغب فوقفنا عن الشهادة، فقال القاهر: فأيش بقي ؟ قلنا: تعرف يا أمير المؤمنين أنها شغب، فقال: نعم هذه شغب مولاة أبي وأم أخي، وأوقعنا خطوطنا في الكتاب ولما رأيناها رأينا عجوزاً دقيقة الجسم، سمراء اللون إلى البياض والصفرة، عليها أثر ضر شديد، فما انتفعنا بأنفسنا ذلك اليوم فكراً في تقلب الزمان وتصرف الحدثان، وجئنا وأقمنا الشهادة عند أبي الحسين القاضي.
قال مؤلف الكتاب: وتوفيت بعد قتل المقتدر بسبعة أشهر وثمانية أيام، وكأنها توفيت في جمادى الأولى من هذه السنة، ودفنت بالرصافة.
جارية شغب أم المقتدر بالله


أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي البزاز، عن أبي قاسم علي بن المحسن التنوخي، عن أبيه، قال: حدثني أبو الفرج أحمد بن عثمان بن إبراهيم الفقيه المعروف بابن النرسي، قال: كنت جالساً بحضرة أبي وأنا حدث وعنده جماعة، فحدثني حديث وصول النعم إلى الناس بالألوان الطريفة، وكان ممن حضر صديق لأبي فسمعته يحدث أبي، قال: حضرت عند صديق لي من التجار كان يحزر بمائة ألف دينار في دعوة، وكان حسن المروءة، فقدم مائدته وعليها ديكيريكة، فلم يأكل منها فامتنعنا، قال: كلوا فإني أتأذى بأكل هذا اللون، فقلنا: نساعدك على تركه، قال: بل أساعدكم على الأكل وأحتمال الأذى، فأكل فلما أراد غسل يديه أطال، فعددت عليه أنه قد غسلها أربعين مرة، فقلت: يا هذا وسوست ؟ فقال: هذه الأذية التي فرقت منها فقلت: وما سببها ؟ فامتنع من ذكره، فألححت عليه، فقال: مات أبي وسني عشرون سنة، وخلف لي نعمة صغيرة، ورأس مال ومتاعاً في دكانه، وكان خلقانياً في الكرخ، فقال لي لما حضرته الوفاة: يا بني أنه لا وارث لي غيرك ولا دين علي ولا مظلمة فإذا أنا مت فأحسن جهازي وصدق عني بكذا وكذا، وأخرج عن حجة بكذا وكذا، وقال وبارك الله لك في الباقي، ولكن احفظ وصيتي. فقلت: قل؛ فقال: لا تسرف في مالك فتحتاج إلى ما في أيدي الناس ولا تجده، واعلم أن القليل مع الإصلاح كثير، والكثير مع الفساد قليل، فالزم السوق وكن أول من يدخلها وآخر من يخرج منها، وإن استطعت أن تدخلها سحراً بليل فافعل فإنك تستفيد بذلك فوائد تكشفها لك الأيام. ومات، وأنفذت وصيته وعملت بما أشار به، وكنت أدخل السوق سحراً وأخرج منها عشاء، فلا أعدم من يجيئني من يطلب كفناً فلا يجد من قد فتح غيري فأحكم عليه ومن يبيع شيئاً والسوق لم تقم فأبيعه له وأشياء من الفوائد، ومضى على لزومي السوق سن وكسر، فصار لي بذلك جاه عند أهلها، وعرفوا استقامتي فأكرموني، فبينا أنا جالس يوماً ولم يتكامل السوق إذا بامرأة راكبة حماراً مصرياً وعلى كفله منديل دبيقي وخادم، وهي بزي القهرمانة فبلغت آخر السوق، ثم رجعت فنزلت عندي، فقمت إليها وأكرمتها، وقلت: ما تأمرين؟ وتأملتها فإذا بامرأة لم أر قبلها ولا بعدها إلى الآن أحسن منها في كل شيء، فقالت: أريد كذا ثياباً طلبتها، فسمعت نغمة ورأيت شكلاً قتلني وعشقتها في الحال أشد العشق، فقلت: اصبري حتى يخرج الناس فآخذ لك ذلك فليس عندي إلا القليل مما يصلح لك، فأخرجت الذي عندي وجلست تحادثني والسكاكين في فؤادي من عشقها، وكشفت عن أنامل رأيتها كالطلع، ووجه كدارة القمر، فقمت لئلا يزيد علي الأمر، فأخذت لها من السوق ما أرادت وكان ثمنه مع مالي نحو خمسمائة دينار، فأخذته وركبت ولم تعطني شيئاً وذهب عني لما تداخلني من حبها أن أمنعها من المتاع إلا بالمال وأستدل على منزلها ومن دار من هي، فحين غابت عني وقع لي أنها محتالة، وأن ذلك سبب فقري فتحيرت في أمري وقامت قيامتي وكتمت خبري لئلا أفتضح بما للناس علي، وعملت على بيع ما في يدي من المتاع وإضافته إلى ما عندي من الدراهم ودفع أموال الناس إليهم ولزوم البيت والاقتصار على غلة العقار الذي ورثته عن أبي، ووطنت نفسي على المحنة، وأخذت أشرع في ذلك مدة أسبوع، وإذا هي قد نزلت عندي، فحين رأيتها أنسيت جميع ما جرى علي وقمت إليها، فقالت: يا فتى تأخرنا عنك لشغل عرض لنا، وما شككنا في أنك لم تشك أننا احتلنا عليك؛ فقلت: قد رفع الله قدرك عن هذا، فقالت: هات التخت من الطيار، فأحضرته فأخرجت دنانير عتقاً فوفتني المال بأسره، وأخرجت تذكرة بأشياء أخر فأنفذت إلى التجار أموالهم، وطلبت منهم ما أرادت، وحصلت أنا في الوسط ربحاً جيداً، وأحضر التجار الثياب فقمت وثمنتها معهم لنفسي، ثم بعتها عليها بربح وأنا في خلال ذلك أنظر إليها نظر تالف من حبها، وهي تنظر إلي نظر من قد فظن بذلك ولك تنكره، فهممت بخطابها ولم أقدم فاجتمع المتاع وكان ثمنها ألف دينار، فأخذته وركبت ولم أسألها عن موضعها، فلما غابت عني، قلت: هذا الآن هو الحيلة المحكمة، أعطتني خمسة آلاف درهم وأخذا ألف دينار، وليس إلا بيع عقاري الآن والحصول على الفقر المدقع، ثم سمحت نفسي برؤيتها مع الفقر وتطاولت غيبتها نحو شهر، وألح التجار علي المطالبة فعرضت عقاري على البيع، ولازمني بعض التجار، فوزنت جميع ما كنت أملكه ورقاً


وعيناً، فأنا كذلك إذ نزلت عندي، فزال عني جميع ما كنت فيه برؤيتها فاستدعت الطيار والتخت فوزنت المال ورمت إلي تذكرة يزيد ما فيها على ألفي دينار بكثير، فتشاغلت بإحضار التجار ودفع أموالهم إليهم وأخذ المتاع منهم، وطال الحديث بيننا، فقالت: يا فتى لك زوجة ؟ فقلت: لا والله ما عرفت امرأة قط، وأطمعني ذلك فيها، وقلت: هذا وقت خطابها والإمساك عنها عجز، ولعلها تعود أو لا تعود وأردت كلامها فهبتها وقمت كأني أحث التجار على جمع المتاع، وأخذت يد الخادم وأخرجت له دنانير وسألته أن يأخذها ويقضي لي حاجة.، فأنا كذلك إذ نزلت عندي، فزال عني جميع ما كنت فيه برؤيتها فاستدعت الطيار والتخت فوزنت المال ورمت إلي تذكرة يزيد ما فيها على ألفي دينار بكثير، فتشاغلت بإحضار التجار ودفع أموالهم إليهم وأخذ المتاع منهم، وطال الحديث بيننا، فقالت: يا فتى لك زوجة ؟ فقلت: لا والله ما عرفت امرأة قط، وأطمعني ذلك فيها، وقلت: هذا وقت خطابها والإمساك عنها عجز، ولعلها تعود أو لا تعود وأردت كلامها فهبتها وقمت كأني أحث التجار على جمع المتاع، وأخذت يد الخادم وأخرجت له دنانير وسألته أن يأخذها ويقضي لي حاجة.
فقال: أفعل وأبلغ لك محبتك، ولا آخذ شيئاً، فقصصت عليه قصتي وسألته توسط الأمر بيني وبينها، فضحك وقال: إنها لك أعشق منك لها، ووالله ما بها حاجة إلى أكثر هذا الذي تشتريه، وإنما تجيئك محبة لك وتطريقاً إلى مطاولتك فخاطبها بظرف ودعني فإني أفرغ لك من الأمر، فجسرني بذلك عليها فخاطبتها، وكشفت لها عشقي ومحبتي، وبكيت، فضحكت وتقبلت ذلك أحسن تقبل، وقالت: الخادم يجيئك برسالتي، ونهضت ولم تأخذ شيئاً من المتاع فرددته على الناس وقد حصل لي مما اشترته أولاً وثانياً ألوف دراهم ربحاً، ولم يحملني النوم تلك الليلة شوقاً إليها وخوفاً من انقطاع السبب، فلما كان بعد أيام جاءني الخادم فأكرمته وسألته عن خبرها، فقال: هي والله عليلة من شوقها إليك، فقلت: اشرح لي أمرها ؟ فقال: هذه مملوكة السيدة أم المقتدر، وهي من أخص جواريها بها واشتهت رؤية الناس والدخول والخروج، فتوصلت حتى جعلتها قهرمانة، وقد والله حدثت السيدة بحديثك وبكت بين يديها، وسألتها أن تزوجها منك فقالت السيدة: لا أفعل أو أرى هذا الرجل، فإن كان يستأهلك وإلا لم أدعك ورأيك، ويحتاج في إدخالك الدار بحيلة، فإن تمت وصلت بها إلى تزويجها وإن انكشفت ضربت عنقك في هذا، وقد نفذتني إليك في هذه الرسالة وقالت لك: إن صبرت على هذا وإلا فلا طريق لك والله إلي ولا لي إليك بعدها.


فحملني ما في نفسي أن قلت: أصبر، فقال: إذا كان الليل فاعبر إلى المخرم فادخل إلى المسجد وبت فيه، ففعلت، فلما كان السحر إذا أنا بطيار قد قدم وخدم قد رقوا صناديق فرغ فحطوها في المسجد وانصرفوا، وخرجت الجارية فصعدت إلى المسجد ومعها الخادم الذي أعرفه، فجلست وفرقت باقي الخدم في حوائج، واستدعتني فقبلتني وعانقتني طويلاً، ولم أكن نلت ذلك منها قبله، ثم أجلستني في بعض الصناديق وقفلته، وطلعت الشمس وجاء الخدم بثياب وحوائج من المواضع التي كانت أنفذتهم إليها، فجعلت ذلك بحضرتهم في باقي الصناديق وقفلتها وحملتها إلى الطيار وانحدروا، فلما حصلت فيه ندمت وقلت: قتلت نفسي لشهوة وأقبلت ألومها تارة وأشجعها أخرى وأنذر النذور على خلاصي وأوطن نفسي مرة على القتل إلى أن بلغنا الدار، وحمل الخدم الصناديق، وحمل صندوق الخادم الذي يعرف الحديث، وبادرت بصندوق أمام الصناديق، وحمل صندوق الخادم الذي يعرف الحديث، وبادرت بصندوق أمام الصناديق وهي معه والخدم يحملون الباقي ويلحقونها، فكل ما جازت بطبقة من الخدم والبوابين قالوا نريد نفتش الصندوق فتصيح عليهم، وتقول: متى جرى الرسم معي بهذا ؟ فيمسكون وروحي في السياق إلى أن انتهت إلى خادم خاطبته هي بالأستاذ، فعلمت أنه أجل الخدم فقال: لا بد من تفتيش الصندوق الذي معك، فخاطبته بلين وذل، فلم يجبها وعلمت أنها ما ذلت له ولها حيلة وأغمي علي، وأنزل الصندوق للفتح، فذهب علي أمري وبلت فزعاً، فجرى البول من خلل الصندوق، فصاحت: يا أستاذ، أهلكت علينا متاعنا بخمسة آلاف دينار في الصندوق ثياب مصبغات وماء ورد قد انقلب على الثياب والساعة تختلط ألوانها وهي هلاكي مع السيدة، فقال لها: خذي صندوقك إلى لعنة الله، أنت وهو ومري؛ فصاحت بالخدم احملوه.
وأدخلت الدار فرجعت إلي روحي، فبينا نحن نمشي إذ قالت: واويلاه، الخليفة والله فجاءني أعظم من الأول، وسمعت كلام خدم وجوار وهو يقول من بينهم: ويلك يا فلانة أيش في صندوقك ؟ أريني هو، فقالت: ثياب لستي يا مولاي والساعة أفتحه بين يديها وتراه، وقالت للخدم: أسرعوا ويلكم، فاسرعوا وأدخلتني إلى حجرة وفتحت عني وقالت: اصعد هذه الدرجة إلى الغرف واجلس فيها، وفتحت بالعجلة صندوقاً آخر فنقلت بعض ما كان فيه إلى الصندوق الذي كنت فيه وقفلت الجميع، وجاء المقتدر وقال: افتحي، ففتحته فلم يرض منه شيئاً وخرج، فصعدت إلي وجعلت ترشفني وتقبلني، فعشت ونسيت ما جرى، وتركتني، وقفلت باب الحجرة يومها، ثم جاءتني ليلاً فاطعمتني وسقتني وانصرفت، فلما كان من غد جاءتني، فقالت: الساعة تجيء فانظر كيف تخاطبها. ثم عادت بعد ساعة مع السيدة، فقالت: انزل، فنزلت فإذا بالسيدة جالسة على كرسي وليس معها إلا وصيفتان وصاحبتي، فقبلت الأرض وقمت بين يديها، فقالت: اجلس، فقلت: أنا عبد السيدة وخادمها وليس من محلي أن يجلس بحضرتها، فتأملتني وقالت: ما اخترت يا فلانة إلا حسن الوجه والأدب.


ونهضت فجاءتني صاحبتي بعد ساعة وقالت: أبشر فقد أذنت لي والله في تزويجك، وما بقي الآن عقبة إلا الخروج، فقلت يسلم الله فلما كان من الغد حملتني في الصندوق فخرجت كما دخلت بعد مخاطرة أخرى وفزع نالني، ونزلت في المسجد ورجعت إلى منزلي فتصدقت وحمدت الله على السلامة، فلما كان بعد أيام جاءني الخادم ومعه كيس فيه ثلاثة آلاف دينار عيناً، وقال أمرتني ستي بإنفاذ هذا إليك من مالها، وقالت: تشتري به ثياباً ومركوباً وخدماً، وتصلح به ظاهرك وتعال يوم الموكب إلى باب العامة وقف حتى تطلب، فقد وافقت الخليفة أن تزوجك بحضرته، فأجبت عن رقعة كانت معه، وأخذت المال واشتريت ما قالوا بيسير منه، وبقي الأكثر عندي، وركبت إلى باب العامة في يوم الموكب بزي حسن وجاء الناس فدخلوا إلى الخليفة، ووقفت إلى أن استدعيت، فدخلت فإذا أنا بالمقتدر جالس والقواد والقضاة والهاشميون، فهبت المجلس وعلمت كيف أسلم وأقف، ففعلت فتقدم المقتدر إلى بعض القضاة الحاضرين فخطب لي وزوجني، وخرجت من حضرته، فلما صرت في بعض الدهاليز قريباً من الباب عدل بي إلى دار عظيمة مفروشة بأنواع الفرش الفاخرة، وفيها من الآلات والخدم والأمتعة والقماش كل شيء لم أر مثله قط، فأجلست فيها وتركت وحدي، وانصرف من أدخلني، فجلست يومي لا أرى من أعرفه، ولم أبرح من موضعي إلا إلى الصلاة، وخدم يدخلون ويخرجون، وطعام ينقل، وهم يقولون: الليلة تزف فلانة - باسم صاحبتي إلى زوجها البزاز فلا أصدق فرحاً فلما جاء الليل أثر في الجوع، الطباخين جلوساً، فاستطعمتهم فلم يعرفوني، وقدرني بعض الوكلاء، فقدموا إلي هذا اللون من الطبيخ مع رغيفين فأكلتهما وغسلت يدي بأشنان كان في المطبخ وقدرت أنها قد نقيت، وعدت إلى مكاني، فلما جن الليل إذا طبول وزمور وأصوات عظيمة، وإذا بالأبواب قد فتحت وصاحبتي قد أهديت إلي، وجاؤا بها فجلوها علي وأنا أقدر أن ذلك في النوم فرحاً، وتركت معي في المجلس وتفرق الناس.
فلما خلونا تقدمت إليها فقبلتها وقبلتني فشمت لحيتي فرفستني فرمت بي عن المنصة، وقالت: أنكرت أن تفلح يا عامي يا سفلة، وقامت لتخرج، فقمت وعلقت بها وقبلت الأرض ورجليها، وقلت: عرفيني ذنبي واعملي بعده ما شئت، فقالت: ويحك أكلت فلم تغسل يدك، فقصصت عليها قصتي، فلما بلغت إلى آخرها قلت: علي وعلي فحلفت بطلاقها وطلاق كل امرأة أتزوجها، وصدقة مالي وجميع ما أملكه والحج ماشياً على قدمي، والكفر بالله، وكل ما يحلف المسلمون به لا أكلت بعدها ديكيريكة إلا غسلت يدي أربعين مرة، فأشفقت وتبسمت وصاحت يا جواري، فجاء مقدار عشر جوار ووصائف، وقالت: هاتوا شيئاً نأكل، فقدمت ألوان طريفة وطعام من أطعمة الخلفاء، فأكلنا وغسلنا أيدينا ومضى الوصائف، ثم قمنا إلى الفراش فدخلتها وبت بليلة من ليالي الخلفاء، ولم نفترق أسبوعاً، وكانت يوم الأسبوع وليمة هائلة اجتمع فيها الجواري، فلما كان من غد قالت: إن دار الخلافة لا تحتمل المقام فيها أكثر من هذا فلولا أنه استؤذن فأذن بعد جهد لما تم لنا هذا لأنه شيء لم يفعل قبل هذا مع جارية غيري لمحبة سيدتي لي، وجميع ما تراه فهو هبة من السيدة لي، وقد أعطتني خمسين ألف دينار من غين وروق وجوهر ودنانير وذخائر لي خارج القصر كثيرة من كل لون، وجميعها لك فاخرج إلى منزلك وخذ معك مالاً واشتر داراً سرية واسعة الصحن فيها بستان كبير كثير الشجر فاخر الموقع وتحول إليها وعرفني لأنقل هذا كله إليك، فإذا حصل عندك جئتك، وسلمت إلي عشرة آلاف دينار عيناً فحملها الخادم معي فابتعت الدار وكتبت إليها بالخبر، فحملت إلي تلك النعمة بأسرها فجميع ما أنا فيه منها، فأقامت عندي كذا وكذا سنة أعيش معها عيش الخلفاء، ولم أدع مع ذلك التجارة، فزاد مالي، وعظمت منزلتي، وأثرت حالي وولدت لي هؤلاء الفتيان، وأومأ إلى أولاده، ثم ماتت رحمها الله تعالى وبقي علي من مضرة الديكيريكة حاضراً ما شاهدته.
عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب بن سلام بن خالد بن حرمان بن أبان مولى عثمان بن عفان: وهو أبو هاشم بن أبي علي الجبائي، المتكلم شيخ المعتزلة، ومصنف الكتب على مذاهبهم، ولد سنة سبع وسبعين ومائتين، وتوفي في شعبان هذه السنة، وكان عمره ستاً وأربعين وثمانية أشهر وأياماً.
علي بن أحمد بن مروان أبو الحسن المقرئ المعروف


ابن نقيش من أهل سامرا. سمع الحسن بن عرفة، وعمر بن شبة، روى عنه ابن المظفر الحافظ، وكان ثقة.
وتوفي في هذه السنة بسر من رأى.
محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية أبو بكر الأزدي ولد في سكة صالح بالبصرة سنة ثلاث وعشرين ومائتين، ونشأ بعمان، وتنقل في جزائر البحر والبصرة وفارس، وطلب الأدب، وعلم النحو واللغة، وكان أبوه من الرؤساء وذوي اليسار، وورد بغداد بعد أن أسن فأقام بها إلى آخر عمره، وحدث عن عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي، وأبي حاتم، والرياشي، وكان المقدم في حفظ اللغة والأنساب، وله شعر كثير، روى عنه أبو سعيد السيرافي وأبو بكر ابن شاذان، وأبو عبيد الله المرزباني وغيرهم. وكان يقال: أبو بكر بن دريد أعلم الشعراء وأشعر العلماء.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: حدثني علي بن محمد بن نصر، قال: سمعت حمزة يوسف، يقول: سألت الدارقطني عن ابن دريد ؟ فقال: قد تكلموا فيه.
قال حمزة: وسمعت أبا بكر الأبهري المالكي، يقول: جلست إلى جنب ابن دريد، وهو يحدث ومعه جزء فيه: قال الأصمعي: فكان يقول في واحد حدثنا الرياشي، وفي آخر حدثنا أبو حاتم، وفي آخر حدثنا ابن أخي الأصمعي، عن الأصمعي، كما يجيء على قلبه. وقال أبو منصور الأزهري دخلت على ابن دريد فرأيته سكران فلم أعد إليه.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: كتب إلي أبو ذر الهروي: سمعت ابن شاهين يقول: كنا ندخل على ابن دريد ونستحي مما نرى من العيد ان المعلقة، والشراب المصفى موضوع، وقد كان جاز التسعين سنة.
وتوفي يوم الأربعاء لأثنتي عشرة ليلة بقيت من شعبان هذه السنة فلما حملت جنازته إذا بجنازة أبي هاشم الجبائي، فقال الناس: مات علم اللغة والكلام بموت ابن دريد والجبائي، ودفنا جميعاً في الخيزرانية.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال أبو بكر بن ثابت الخطيب: أخبرنا علي بن أبي علي، عن أبيه، قال: حدثني أبو علي الحسن بن سهل بن عبد الله الإيذجي القاضي، قال: لما توفي أبو هاشم الجبائي ببغداد واجتمعنا لندفنه فحملناه إلى مقابر الخيزران في يوم مطير، ولم يعلم بموته أكثر الناس، وكنا جميعة في الجنازة، فبينا نحن ندفنه ! إذ حملت جنازة أخرى معها جميعة عرفتهم بالأدب فقلت لهم: جنازة من هذه ؟ فقالوا: جنازة أبي بكر بن دريد. فذكرت حديث الرشيد لما دفن محمد بن الحسن والكسائي بالري في يوم واحد، فأخبرت أصحابنا وبكينا على والكلام والعربية طويلاً وافترقنا.
محمد بن موسى أبو بكر الواسطي أصله من خراسان من فرغانة، وكان يعرف بابن الفرغاني، وهو من قدماء أصحاب الجنيد، استوطن مرو.
أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ، قال: أنبأنا أبو بكر بن خلف الشيرازي، أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت محمد بن عبد الله الواعظ، يقول: سمعت أبا بكر محمد بن موسى الفرغاني، يقول: ابتلينا بزمان ليس فيه آداب الإسلام ولا أخلاق الجاهلية ولا أخلاق ذوي المروءة.
قال السلمي: توفي الواسطي بعد العشرين والثلثمائة رحمة الله عليه.
أبو جعفر المجذوم: كان شديد العزلة عن الخلق، وهو من أقران أبي العباس بن عطاء، وله كرامات.


أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، أخبرنا محمد بن علي بن الفتح، حدثنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت علي بن سعيد المصيصي، يقول: سمعت محمد بن خفيف، يقول: سمعت أبا الحسين الدراج، قال: كنت أحج فيصحبني جماعة، فكنت أحتاج إلى القيام معهم والاشتغال بهم، فذهبت سنة من السنين وخرجت إلى القادسية، فدخلت المسجد، فإذا رجل في المحراب مجذوم وعليه من البلاء شيء عظيم، فلما رآني سلم علي وقال لي: يا أبا الحسين عزمت على الحج ؟ فقلت: نعم، على غيظ وكراهية له قال: فقال لي: فالصحبة، فقلت في نفسي: أنا هربت من الأصحاء أقع في يدي مجذوم، قلت: لا، قال لي: افعل، قلت: لا والله لا أفعل، فقال: يا أبا الحسن يصنع الله للضعيف حتى يتعجب القوي، فقلت: نعم، على الإنكار عليه، قال: فتركته فلما صليت العصر مشيت إلى ناحية المغيثة، فبلغت من الغد ضحوة، فلما دخلنا إذا أنا بالشيخ فسلم علي، وقال لي: يا أبا الحسين يصنع الله عز وجل للضعيف حتى يتعجب القوي، قال: فأخذني شبه الوسواس في أمره قال: فلم أحس حتى بلغت القرعاء على الغدو فبلغت مع الصبح، فدخلت المسجد فإذا أنا بالشيخ قاعد، وقال لي: يا أبا الحسين يصنع الله للضعيف حتى يتعجب القوي، قال: فبادرت إليه فوقعت بين يديه على وجهي، فقلت: المعذرة إلى الله عز وجل وإليك، قال لي: مالك ؟ قلت: أخطأت، قال: ما هو ؟ قلت الصحبة، قال: ألست حلفت ؟ وإنا نكره أن نحنثك قال: قلت: فأراك في كل منزل قال ذلك لك، قال: فذهب عني الجزع والتعب في كل منزل ليس لي هم إلا الدخول إلى المسجد، فأراه إلى أن بلغت المدينة فغاب عني فلم أره، فلما قدمت مكة حضرت أبا بكر الكتاني، وأبا الحسن المزين، فذكرت لهم فقالوا لي: يا أحمق، ذاك أبو جعفر المجذوم، ونحن نسأل الله أن نراه، فقالوا: إن لقيته فتعلق به لعلنا نراه قلت: نعم.
فلما خرجنا من منى ومن عرفات لم ألقه، فلما كان يوم الجمرة رميت الجمار فجذبني إنسان، وقال لي: يا أبا الحسين السلام عليك، فلما رأيته لحقني من رؤيته شيء عظيم، فصحت وغشي علي وذهب عني وجئت إلى مسجد الخيف وأخبرت أصحابنا، فلما كان يوم الوداع طفت وصليت خلف المقام ركعتين، ورفعت يدي، فإذا إنسان خلفي يجذبني، فقال لي: يا أبا الحسين عزمت عليك أن لا تصيح، قلت: لا أسألك أن تدعو لي، فقال: سل ما شئت، فسألت الله تعالى ثلاث دعوات فأمن على دعائي وغاب عني فلم أره. فسألته عن الأدعية فقال: أما أحدها قلت: يا رب حبب إلي الفقر فليس شيء في الدنيا أحب إلي منه، والثاني: قلت: اللهم لا تجعلني أبيت ليلة ولي شيء أدخره لغد وأنا منذ كذا وكذا سنة مالي شيء أدخره، والثالث: قلت: اللهم إذا أذنت لأوليائك أن ينظروا إليك فاجعلني منهم وأنا أرجو ذلك.
ثم دخلت
سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها:


أنه ورد في يوم الخميس لثلاث عشرة خلت من المحرم كتاب من أبي جعفر محمد بن القاسم الكرخي، وكان يتقلد أعمال الخراج والضياع بالبصرة والأهواز، بمصير جماعة من الديلم من أصحاب مرداويج إلى أصبهان وتسلمهم إياها لمرداويج الديلمي، وأنه قد خرج قائد جليل من قواده كان يتقلد له بالبصرة، وأنه فاز بمال جليل وهرب وصار إلى أرجان يقال له علي بن بويه، وأنه كتب إليه بأنه في طاعة السلطان، وأنفذ منه كتاباً إلى الوزير الخصيبي يسأله في الورود إلى الحضرة، أو النفوذ إلى شيراز لينضم إلى ياقوت مولى أمير المؤمنين القاهر بالله المتولي لأعمال المعادن بفارس وكرمان، وكان أبو علي ابن مقلة قد استتر من القاهر لخوفه منه، وكان القاهر بطاشاً، وكان ابن مقلة في مدة استتاره يراسل الجند ويغريهم على القاهر، ويوحشهم منه، ويعرفهم أنه قد بنى لهم المطامير، وعمل على حبسهم فيها، واحتال من جهة منجم يعرف بسيما، وكان يخوفهم من القاهر من طريق النجوم، فاجتمع الجند وذكروا أنه قد صح عندهم أن القاهر قد عمل حبوساً يحبسهم فيها فأنهي ذلك إلى القاهر، فحلف أنه ليم يفعل ذلك فاتفقوا على القبض على القاهر، وتحالفوا فقال لهم سيما: إن كنتم على هذا العزم فقوموا بنا الساعة، فقالوا: بل نؤخره إلى غد، فإنه يوم موكب يجلس فيه للسلام ويظهر لنا فنقبض عليه، فقال: إن تفرقتم الساعة وأخرتم إمضاءه إلى ساعة أخرى بطل ما دبرتموه، فركبوا معه وصاروا إلى الدار، ورتب على أبوابها غلماناً، ووقف هو على باب العامة، وأمر بالهجوم فهجموا كلهم من سائر الأبواب في وقت واحد، فبلغ الخبر الوزير الخصيبي فخرج في زي امرأة واستتر، فلما دخلوا على القاهر هرب إلى سطح حمام فاستتر فيه، فوجدوه فقبضوا عليه وصاروا به إلى موضع الحبوس فحبسوه، ووكلوا بباب البيت جماعة.
ووقع النهب ببغداد، وخلع يوم السبت لثلاث خلون من جمادى الأولى من هذه السنة، وسملت عيناه في هذا اليوم حتى سالتا جميعاً فعمي، وارتكب منه أمر عظيم لم يسمع بمثله في الإسلام، فكانت خلافته إلى هذا اليوم سنة وستة أشهر وسبعة أيام، وبقي القاهر محبوساً في دار السلطان إلى سنة ثلاث وثلاثين، ثم خرج إلى دار ابن طاهر، فكان تارة يحبس وتارة يخلى، فخرج يوماً فوقف بجامع المنصور يتصدق وقصد بذلك التشنيع على المكتفي، فرآه أبو عبد الله بن أبي موسى، فمنعه من ذلك وأعطاه خمسمائة درهم.
باب ذكر خلافة الراضي بالله
اسمه محمد ويكنى أبا العباس ابن المقتدر، ولد ليلة الأربعاء لثلاث خلون من ربيع الآخر سنة سبع وتسعين ومائتين، وأمه أم ولد رومية تسمى ظلوم، أدركت خلافته، وكان قصير القامة، نحيف الجسم، أسمر رقيق السمرة، دري اللون أسود الشعر سبطه، في وجهه طول، وفي مقدم لحيته تمام، وفي شعرها رقة، بويع له وأقيم القاهر بين يديه، فسلم عليه بالخلافة، وبعث الراضي إلى أبي بكر الصولي، فقال له: اختر لي لقباً، فاختار له المرتضي بالله، فبعث إليه يقول: كنت أنت قد عرفتني أن إبراهيم بن المهدي أراد له أن يكون له ولي عهد، فاحضروا منصور بن المهدي وسموه المرتضى، وما اختار أن أتسمى باسم وقع لغيري ولم يتم أمره، وقد اخترت الراضي بالله.
ولما بويع الراضي بالله كتب كتاباً لأبي علي ابن مقلة، وكان قد اختفى في داره فكبست فاستتر في بئر فسلم وظهر ومضى إلى الراضي، فقلده الوزارة وتقدم إلى علي بن عيسى بمعاونته، وأمر الراضي بإطلاق كل من كان في حبس القاهر، وصودر عيسى طبيب القاهر على مائتي ألف دينار، وكان القاهر قد أودعه عشرين ألف دينار ومائة وخمسين ألف درهم وألف مثقال عنبر، فاعترف وأداها. وولي أبو بكر بن رائق إمارة الجيش ببغداد، وكان الحجاب أصحاب المناطق أربعمائة وثمانين حاجباً.
ذكر طرف من سيرته


كان الراضي سمحاً واسع النفس، أديباً شاعراً حسن البيان والفصاحة، يحب محادثة العلماء سمع من البغوي قبل الخلافة كثيراً ووصله بمال كثير غزير، ورفع إليه أن عبد الرحمن بن عيسى قد احتاز أموالاً عظيمة، وتقرر عليه مائة ألف دينار، فحلف أن لا يقنع إلا بأدائها، فكتب الوزير أبو جعفر الكرخي تقسيطاً بدأ فيه بنفسه، ودخل عليه جعفر بن ورقاء فسلم إليه الدرج، وخاطبه ليكتب شيئاً، فقال: أنا أدبر الأمر، وكتب ضمن جعفر بن ورقاء لوكيل أمير المؤمنين مائة ألف دينار عن عبد الرحمن بن عيسى، ونفذ بها، فلما رأى الراضي الرقعة اغتاظ وخرقها، وقال: قل له يا أعرابي جلف أردت أن تري الناس أنك واسع النفس وقد عزمت عمن لا حرمته بينك وبينه هذا المال، وضاقت نفسي أنا عن تركه وهو خادمي فتظهر أنك أكرم مني، لا كان هذا، فقال ابن ورقاء: والله ما اعتمدت أن يقع في نفسه إلا هذا فيفعل ما فعله، ولو جرى الأمر بخلافة لأديت ما أملك، واستمحت الناس.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر الخطيب، قال: كان للراضي فضائل كثيرة وختم الخلفاء في أمور عدة منها: أنه آخر خليفة له شعر مدون، وآخر خليفة خطب على المنبر يوم الجمعة، وآخر خليفة جالس الجلساء ووصل إليه الندماء، وآخر خليفة كانت نفقته وجوائزه وعطاياه وجراياته وخزانته ومطابخه ومجالسه وخدمه وحجابه وأموره كلها تجري على ترتيب المتقدمين من الخلفاء، وقد روي لنا في حديث أنه وقع حريق بالكرخ، فأطلق للهاشميين عشرة آلاف دينار وللعامة أربعين ألفاً حتى عمروا ما احترق، وولع بهدم القصور من دار الخلافة وتصييرها بساتين.
وله أشعار حسان منها:
لا تعذلي كرمي على الإسراف ... ربح المحامد متجر الإشراف
أجرى كآبائي الخلائف سابقاً ... وأشيد ما قد أسست أسلافي
إني من القوم الذين أكفهم ... معتادة الاخلاف والاتلاف
حدثنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، أخبرنا علي بن المحسن التنوخي، عن أبيه، قال: سمعت أبا بكر محمد بن يحيى الصولي يحكي: أنه دخل على الراضي وهو يبني شيئاً أو يهدم شيئاً فأنشده أبياتاً، وكان الراضي جالساً على آجرة حيال الصناع، قال: وكنت أنا وجماعة من الجلساء فأمرنا بالجلوس بحضرته، فأخذ كل واحد منا آجرة فجلس عليها، واتفق أني أخذت آجرتين ملتصقتين بشيء من اسفيذاج، فجلست عليهما، فلما قمنا أمر أن توزن آجرة كل واحد منا ويدفع إليه وزنها دراهم أو دنانير. قال أبي: الشك مني، قال: فتضاعفت جائزتي على جوائز الحاضرين بتضاعف وزن آجرتي على وزن آجرهم.
ومن أشعاره:
يصفر وجهي إذا تأمله ... طرفي ويحمر وجهه خجلا
حتى كأن الذي بوجنته ... من دم جسمي إليه قد نقلا
قال أبو بكر الصولي: قد كنت قلت: أبياتاً وهي:
يا مليح الدلال رفقاً بقلب ... يشتكي منك جفوة وملالا
نطق السقم بالذي كان يخفى ... فسل الجسم إن أردت سؤالا
قد أتاه في النوم منك خيال ... فرآه كما اشتهيت خيالا
يتحاماه للضنا ألسن العذ ... ل فأضحى لا يعرف العذالا
فأنشدت هذه الأبيات للراضي بالله، فجذب الدواة وعمل من وقته:
عقلي لا يقبل المحالا ... وأنت لا تبذل الوصالا
ضللت في حبكم فحسبي ... حتى متى اتبع الضلالا
قد زارني منكم خيال ... فزدت إذ زارني خبالا
رأى خيالاً على فراش ... وما أراه رأى خيالا
قال الصولي: فعجبت والله من سرعة فطنته.
وفي هذه السنة: عظم أمر مرداويج باصبهان، وحدث الناس أنه يريد تشعيث الدولة، وقصد بغداد، وأنه مسالم لصاحب البحرين يجتمعان على ذلك، وكان يقول: أنا أرد دولة العجم وأبطل ملك العرب، ثم أساء السيرة في أصحابه خصوصاً في الأتراك، فتواطؤوا على اهلاكه، ثم ورد الخبر بأن غلمانه قتلوه، وأن رئيس الغلمان غلام يعرف ببجكم زعم ابن ياقوت أنه هو الذي دبر ذلك، وكاتب فيه الغلمان.
وفي هذه السنة: ارتفع أمر أبي الحسن علي بن بويه الديلمي، ولبويه قصة عجيبة وهي بداية أمورهم، فلنذكرها:


أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزاز، أنبأنا علي بن المحسن التنوخي، عن أبيه، حدثنا علي بن حسان الأنباري الكاتب، قال: لما أنفذني معز الدولة من بغداد إلى ديلمان لأبني له دوراً في بلدة منها، قال لي: سل عن رجل من الديلم يقال له: أبو الحسين بن شيركوه، فأكرمه واعرف حقه وأقرئه سلامي، وقل له سمعت وأنا صبي بحديث منام كان أبي رآه وفسره هو وأنت على مفسر بديلمان، ولم أقم عليه للصبى، فحدثني به واحفظه لتعيده علي.
فلما جئت إلى ديلمان جائني رجل مسلماً، فعلمت بأنه كان بينه وبين بويه والد الأمير صداقة فأكرمته وعظمته وابلغته رسالة معز الدولة، فقال لي: كانت بيني وبين بويه مودة وكيدة، وهذه داره وداري متحاذيتان كما ترى، وأومأ إليهما، فقال لي. ذات يوم: إني قد رأيت رؤيا هالتني فاطلب لي إنساناً يفسرها لي، فقلت: نحن ها هنا في مفازة فمن أين لنا من يفسر، ولكن اصبر حتى يجتاز بنا منجم أو عالم فنسأله، ومضى على هذا الأمر شهور فخرجت أنا وهو في بعض الأيام إلى شاطئ البحر نصطاد سمكاً، فجلسنا فاصطدنا شيئاً كثيراً، فحملناه على ظهورنا أنا وهو، وجئنا فقال لي: ليس في داري من يعمله فخذ الجميع إليك يعمل عندك، فأخذته وقلت له: فتعال إلي لنجتمع عليه، ففعل فقعدنا أنا وهو وعيالي ننظفه ونطبخ بعضه ونشوي الباقي، وإذا رجل مجتاز يصيح منجم مفسر للرؤيا، فقال لي: يا أبا الحسين تذكر ما قلته لك بسبب المنام رأيته فقلت: بلى، فقمت وجئت بالرجل، فقال له بويه: رأيت ليلة في منامي كأني جالس أبول، فخرج من ذكري نار عظيمة كالعمود، ثم تشعبت يمنة ويسرة وأماماً وخلفاً حتى ملأت الدنيا، وانتبهت، فما تفسير هذا ؟ فقال له: الرجل: لا أفسرها لك بأقل من ألف درهم قال: فسخرنا منه، وقلنا له: ويحك نحن فقراء نخرج نصيد سمكاً لنأكله والله ما رأينا هذا قط ولا عشرة، ولكنا نعطيك سمكة من أكبر هذا السمك، فرضي بذلك، وقال له: يكون لك أولاد يفترقون في الدنيا فيملكونها ويعظم سلطانهم فيها على قدر ما احتوت النار التي رأيتها في المنام عليه من الدنيا قال: فصفعنا الرجل، وقلنا: سخرت منا وأخذت السمكة حراماً، وقال له: بويه ويلك أنا صياد فقير كما ترى وأولادي هم هؤلاء وأومأ إلى علي بن بويه، وكان أول ما اختط عارضه، والحسن وهو دونه، وأحمد وهو فوق الطفل قليلاً.
ومضت السنون وأنسيت المنام حتى خرج بويه إلى خراسان، وخرج علي بن بويه، فبلغنا حديثه وأنه قد ملك أرجان، ثم ملك فارس كلها، فما شعرنا إلا بصلاته قد جاءت إلى أهله وشيوخ بلد الديلم، وجاءني رسوله يطلبني، فطلبني فخرجت ومشيت إليه، فهالني ملكه وأنسيت المنام وعاملني من الجميل والصلات بأمر عظيم، وقال لي وقد خلونا: يا أبا الحسين تذكر منام أبي الذي ذكرتموه للمفسر وصفعتموه لما فسره لكم، فاستدعى عشرة آلاف دينار فدفعها إلي وقال: هذا من ثمن تلك السمكة خذه، فقبلت الأرض، فقال لي: تقبل تدبيري ؟ فقلت: نعم، قال: انفذها إلى بلد الديلم، واشتر بها ضياعاً هناك ودعني أدبر أمرك بعدها، ففعلت وأقمت عنده مدة ثم أستأذنته في الرجوع، فقال: أقم عندي فإني أقودك وأعطيك إقطاعاً بخمسمائة ألف درهم في السنة، فقلت له: بلدي أحب إلي، فأحضر عشرة آلاف دينار أخرى فأعطاني إياها، وقال: لا يعلم أحد فإذا حصلت ببلد الديلم فادفن منها خمسة آلاف استظهاراً على الزمان، وجهز بناتك بخمسة آلاف، ثم أعطاني عشرة دنانير، وقال: احتفظ بهذه ولا تخرجها من يدك، فأخذتها فإذا في كل واحد مائة دينار وعشرة دنانير فودعته وانصرفت.
قال أبو القاسم: فحفظت القصة فلما عدت إلى معز الدولة حدثته بالحديث فسر به وتعجب، وكان بويه يكنى أبا شجاع، وينسب إلى سابور ذي الأكتاف، وأولاد بويه ثلاثة أكبرهم أبو الحسن علي ولقبه عماد الدولة، وأبو علي الحسن ولقبه ركن الدولة، وأبو الحسين أحمد ولقبه معز الدولة، لقبهم بهذه الألقاب المستكفي بالله، وكانوا فقراء ببلد الديلم.


ويحكي معز الدولة أنه كان يحتطب على رأسه ثم خدموا مرداويج، وكان أبو الحسن علي بن بويه الديلمي أحمد قواد مرداويج بن زيار الديلمي، وقد ذكرنا حال مرداويج في سنة خمس عشرة وثلثمائة، وكان قد أنفذ علياً إلى الكرج يستحث له على حمل مال، فلما حصل بها استوحش من مرادويج وأخذ المال المستخرج لنفسه، وهو خمسمائة ألف درهم، وصار إلى همدان فاغلقت أبوابها دونه، ففتحها عنوة وقتل من أهلها خلقاً كثيراً ثم صار منها إلى أصبهان فدخلها وملكها، فأنفذ إليه مرداويج جيشاً فخرج منها إلى أرجان فاستخرج منها نحواً من مائتي ألف دينار، وصار إلى كازرون وبلد سابور فاستخرج نحو خمسمائة ألف دينار مع كنوز كثيرة وجدها، فزاد عدده وقويت شوكته، وملك شيراز، وطلب منه أصحابه المال ولم يكن معه ما يرضيهم، فأشرف على انحلال أمره فاعتم، واستقى على ظهره مفكراً، فإذا حية قد خرجت من سقف ذلك المجلس فدخلت موضعاً آخر، فدعا الفراشين ليبحثوا عنها، فوجدوا ذلك السقف يفضي إلى غرفة بين سقفين، فأمر بفتحها ففتحت، فإذا فيها صناديق من المال والصياغات ما قيمته خمسون ألف دينار، فأخذ المال وفرقه عليهم، فثبت أمره وكان قد وصف له خياط يخيط لبعض من كان يحاربه فأحضره، وكان بالخياط طرش، فظن أنه قد سع به إليه، فلما خاطبه في خياطة الثياب، وكان جوابه: والله ما لفلان عندي إلا اثنا عشر صندوقاً، فما أدري ما فيها ؟ فتعجب علي بن بويه من الجواب ووجه من حملها، فوجد فيها مالاً عظيماً، وكان قد ركب يوماً وطاف في خرابات البلد يتأمل ابنية الأوائل وآثارهم، فتهور تحت قوائم فرسه فاستراب بذلك الموضع، وأمر بالكشف عنه، فإذا مال عظيم.
ولما تمكن علي بن بويه من البلد أراد أن يقاطع السلطان عنه ويتقلده من قبلهن فراسل الراضي بذلك، فأجابه فضمنه بثمانية آلاف درهم خالصة للحمل بعد النفقات والمؤن، فأنفذ إليه ابن مقلة خلعة ولواء، وأمر أن لا يسلم إليه حتى يعطي المال فتلقى الرسول فطالبه بالمال فخاشنه وأرهبه، فأعطاه الخلع وبقي عنده مدة وهو يماطله بالمال حتى توفي الرسول.
وهو أول الملوك الذين افتتحت بهم الدولة الديلمية، وكان عاقلاً سخياً شجاعاً، وتوفي علي بشيراز في سنة ثمان وثلاثين وثلثمائة.
وظهر ببغداد رجل يعرف بأبي جعفر محمد بن علي الشلمغاني، ويعرف بابن أبي العزاقير، وكان قد ظهر وحامد بن العباس في الوزارة، وذكر عنه أنه يقول بتناسخ اللاهوت، وأن اللاهوت قد حل فيه فاستتر، ثم ظهر في زمان الراضي، وقيل: أنه يدعي أنه إله فاستحضر بحضرة الراضي فانكر ما ادعى عليه، وقال: أنا أباهل من يدعي علي هذه المقالة، فإن لم تنزل العقوبة على من باهلني بعد ثلاثة أيام واقصاه بسبعة أيام فدمي لكم حلال ؟ فأنكر هذا القول عليه، وقيل: يدعي علم الغيب، وأفتى قوم بأن دمه حلال إلا أن يتوب من هذه المقالة، فضرب ثمانين سوطاً ثم قتل وصلب.
؟ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة قدم مصر وتولى القضاء بها، وحدث عن أبيه بكتبه المصنفة.
وتوفي بمصر وهو على القضاء في ربيع الأول من هذه السنة.
أحمد بن محمد بن الحارث بن عبد الوارث، أبو الحسن المعروف ابن العتاب حدث عن يحيى بن نصر وغيره، وكان ثقة يفهم.
توفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
إسحاق بن محمد بن الفضل بن جابر أبو العباس الزيات سمع يعقوب الدورقي، روى عنه الدارقطني، وقال: هو صدوق.
توفي في جمادى الأولى من هذه السنة.
جعفر بن أحمد بن يحيى أبو الفضل السراج حدث عن يونس بن عبد الأعلى وغيره، وكان ثقة صالحاً، توفي في هذه السنة.
حسان بن أبان بن عثمان أبو علي الأيلي أقام بدمياط، وحدث بها، وولي قضاءها، وكان يفهم ما يحدث.
توفي بها في هذه السنة.
محمد بن أحمد بن القاسم أبو علي الروذباري أصله من بغداد وسكن مصر، وكان من أبناء الرؤساء والوزراء والكتبة، وصحب الجنيد، وسمع الحديث، وحفظ منه شيئاً كثيراً، وتقدم، وقد ذكروا في اسمه غير ما قلنا، فمنهم من قال هو: أحمد بن محمد، ومنهم من قال: الحسن بن همام والصحيح ما ذكرنا.


أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي الحافظ، قال: قرأت على محمد بن أبي الحسن الساحلي، عن أبي العباس أحمد بن محمد النسوي، قال: سمعت أحمد بن أحمد الرازي، يقول: سمعت محمد بن عمر الجعابي الحافظ، يقول: قصدت عبدان الأهوازي، فقصد مسجداً، فرأيت شيخاً وحده قاعداً في المسجد حسن الشيبة، فذاكرني بأكثر من مائتي حديث في الأبواب، وكنت قد سلبت في الطريق، فأعطاني الذي كان عليه، فلما دخل عبدان المسجد ورآه اعتنقه وبش به، فقلت لهم: من هذا الشيخ ؟ قالوا: هذا أبو علي الروذباري، فرأيت من حفظه الحديث ما يتعجب منه وحكى عنه أبو عبد الرحمن السلمي أنه كان يقول: أستاذي في التصوف الجنيد، وفي الحديث والفقه ابراهيم الحربي، وفي النحو ثعلب.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا ابراهيم بن هبة الله الجرباذقاني، حدثنا معمر بن أحمد الأصبهاني، قال: بلغني عن أبي علي الروذباري أنه قال: أنفقت على الفقراء كذا وكذا ألفاً فما وضعت شيئاً في يد فقير فإني كنت أضع ما أدفع إلى الفقراء في يدي فيأخذه من يدي حتى تكون يدي تحت أيديهم ولا تكون يدي فوق يدي فقير.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي الحافظ، قال: أنشدنا أبو طالب يحيى بن علي الدسكري للروذباري:
ولو مضى الكل مني لم يكن عجباً ... وإنما عجبي للبعض كيف بقي
أدرك بقية روح فيك قد تلفت ... قبل الفراق فهذا آخر الرمق
توفي أبو علي الروذباري في هذه السنة، وقيل: في سنة ثلاث وعشرين.
محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي الثلج أبو بكر الكاتب ولد في سنة ثمان وثلاثين ومائتين، وسمع جماعة، وروى عنه الدارقطني، وابن شاهين، وتوفي في هذه السنة.
محمد بن إسماعيل يكنى أبا الحسن المعروف خير النساج من كبار الصوفية من أهل سامرا، سكن بغداد، وصحب سرياً وأبا حمزة، وتاب في مجلسه إبراهيم الخواص والشبلي.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي الحسن القرميسيني، قال: سمعت علي بن عبد الله الهمذاني، يقول: حدثنا علي بن محمد الفرضي، حدثنا أبو الحسين المالكي، قال: كنت أصحب خير النساج سنين كثيرة، ورأيت له من كرامات الله ما يكثر ذكره غير أنه قال لي قبل وفاته بثمانية أيام: إني أموت يوم الخميس المغرب، وأدفن يوم الجمعة قبل الصلاة وستنسى فلا تنساه.، قال أبو الحسين فأنسيته إلى يوم الجمعة فلقيني من خبرني بموته، فخرجت لاحضر جنازته فوجدت الناس راجعين، فسألتهم: لم رجعوا ؟ فذكروا أنه يدفن بعد الصلاة، فبادرت ولم ألتفت إلى قولهم فوجدت الجنازة قد أخرجت قبل الصلاة أو كما قال، فسألت من حضره عن حاله عند خروج روحة، فقال: انه لما احتضر غشي عليه، ثم فتح عينيه وأومأ إلى ناحية البيت، وقال: قف عافاك الله فإنما أنت عبد مأمور وأنا عبد مأمور، وما أمرت به لا يفوتك وما أمرت به يفوتني، فدعني امضي لما أمرت به، ثم امض لما أمرت به، فدعا بماء فتوضأ للصلاة وصلى ثم تمدد وغمض عينيه وتشهد ثم مات.
وأخبرني بعض أصحابنا أنه رآه في النوم، فقال: ما فعل الله بك ؟ فقال: لا تسألني أنت عن ذا، ولكن استرحنا من دنياكم الوضرة.
بلغ خير النساج من العمر مائة وعشرين سنة، وتوفي في هذه السنة.
محمد بن سليمان بن محمد بن عمرو بن الحسين أبو جعفر الباهلي النعماني حدث عن أحمد بن بديل وغيره. وروى عنه الدارقطني، مات بالنعمانية في هذه السنة.
يعقوب بن إبراهيم بن أحمد بن عيسى بن البختري أبو بكر البزاز ويعرف بالحراب ولد سنة سبع وثلاثين ومائتين، سمع الحسن بن عرفة، وعمر بن شبة. روى عنه الدارقطني، وقال: كان ثقة مأموناً مكثراً. توفي يعقوب وهو ساجد ليلة الجمعة، ودفن يوم الجمعة لثمان بقين من ربيع الآخر من هذه السنة.
يعقوب بن صالح أبو محمد السيرافي كانت عنده كتب أبي عبيد القاسم بن سلام، عن علي بن عبد العزيز، وكان عنده حديث كثير، وحدث وكان ثقة مأموناً، كان يبيع لأهل فارس وتجار الهند امتعتهم.
توفي بمصر في ربيع الأول من هذه السنة.
ثم دخلت
سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة


فمن الحوادث فيها: أنه في ربيع الأول بلغ الوزير أبا علي ابن مقلة أن رجلاً يعرف بابن شنبوذ يغير حروفاً من القرآن، فاستحضره واستحضر القاضي أبا الحسين عمر بن محمد، وأبا بكر بن مجاهد، ونوظر بحضرة الوزير فأغلظ القول بمناظرته، فضرب بين الهنبازين سبع درر، فدعا علي ابن مقلة أن تقطع يده ويشتت شمله، ثم عرضت عليه الحروف التي قرأ بها فأنكر ما كان شنيعاً، وقال: فيما سوى ذلك قد قرأ به قوم، وذلك مثل قوله: فامضوا إلى ذكر الله كالصوف المنفوش يأخذ كل سفينة صالحة غصباً فاستتابوه فتاب وكتب خطه بذلك، فحمل إلى المدائن في الليل ليقيم بها أياماً ثم يدخل منزله مستخفياً ولا يظهر لئلا تقتله العامة، وقيل: انه نفي إلى البصرة، ثم إلى الأهواز فمات بها.
وفي يوم السبت لثلاث عشرة خلت من ربيع الأول طالب الجند بأرزاقهم وشغبوا، وزاد الأمر في هذا، وحملوا السلاح، وضربوا مضاربهم في رحبة باب العامة وحاصروا الدار، ثم سكنوا.
وفي يوم السبت لعشر خلون من جمادى الآخرة، ركب بدر الخرشني صاحب الشرطة، فنادى ببغداد في الجانبين في أصحاب أبي محمد البربهاري أن لا يجتمع منهم نفسان في موضع، وحبس منهم جماعة، واستتر البربهاري.
وفي شهر آيار اتصلت الجنوب، وعظم الحر، وغلظ الغيم، وتكاثف، فلما كان آخر يوم منه وهو يوم الأحد لخمس بقين من جمادى الآخرة بعد الظهر هبت ريح عظيمة لم ير مثلها واظلمت واسودت إلى بعد العصر، ثم خفت، ثم عاودت إلى وقت عشاء الآخرة.
وفي جمادى الآخرة عاد الجند فشغبوا وطالبوا بالرزق، ونقبوا دار الوزير ودخلوها فملكوها.
وفي رمضان ذكر للوزير أن رجلاً في بعض الدور الملاصقة للزاهر يأخذ البيعة على الناس لإنسان لا يعرف، ويبذل لهم الصلة، فتوصل إلى معرفته فعرف، وعلم أنه قد أخذ البيعة لجعفر بن المكتفي، وأن جماعة من القواد قد أجابوا إلى ذلك، منهم يانس، فقبض على الرجل ومن قدر عليه من جماعته، وقبض على جعفر ونهب منزله.
وفي هذا الشهر: وقع حريق عظيم في الكرخ في طرف البزازين، فذهبت فيه أموال كثيرة للتجار، فأطلق لهم الراضي ثلاثة آلاف دينار.
وخرج الناس للحج في هذه السنة ومعهم لؤلؤ غلام المتهشم يبذرقهم، فاعترضه أبو طاهر بن أبي سعيد الجنابي ولم يكن عند لؤلؤ خبر منه، وإنما ظنه بعض الأعراب، فحاربه فانهزم لؤلؤ وبه ضربات، وأكثر أبو طاهر القتل في الحاج ونهب، ورجع من سلم إلى بغداد، وبطل الحج في هذه السنة، وكانت الوقعة بينه وبين لؤلؤ في سحر يوم الاربعاء لاثنتي عشرة ليلة خلت من ذي القعدة.
وفي هذه الليلة بعينها: انقضت النجوم ببغداد من أول الليل إلى آخره. وبالكوفة أيضاً انقضاضاً مسرفاً لم يعهد مثله ولا ما يقاربه.
وغلا السعر في هذه السنة، فبلغ الكر الحنطة مائة وعشرين ديناراً.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
إبراهيم بن محمد بن عرفة بن سليمان بن المغيرة بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي العتكي أبو عبد الله المعروف نفطويه حدث عن خلق كثير يروي عنه ابن حيويه، والمرزباني، والمعافي وغيرهم. وكان صدوقاً وله مصنفات.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، أخبرنا أحمد بن عمر بن روح، قال: أخبرنا منصور بن ملاعب الصيرفي قال: أنشدنا إبراهيم بن عرفة لنفسه:
أستغفر الله مما يعلم الله ... ان الشقي لمن لم يرحم الله
هبه تجاوز لي عن كل مظلمة ... واسوأتا من حيائي يوم ألقاه
أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا ابن رزقويه، قال: أنشدني أحمد بن عبد الرحمن، قال أنشدني إبراهيم بن محمد بن عرفة لنفسه:
أحب من الإخوان كل مؤاتي ... وكل غضيض الطرف عن عثراتي
يطاوعني في كل أمر أريده ... ويحفظني حياً وبعد مماتي
ومن لي به يا ليتني قد أصبته ... أقاسمه مالي ومن حسناتي


أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب، قال: حدثني عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي، قال: قال لنا أبو بكر بن شاذان: بكر إبراهيم بن محمد بن عرفة نفطويه يوماً إلى درب الرءاسين، فلم يعرف الموضع فتقدم إلى رجل يبيع البقل، فقال له: أيها الشيخ كيف الطريق إلى درب الرءاسين، قال: فالتفت البقلي إلى جار له فقال: يا فلان ألا ترى إلى هذا الغلام فعل الله به وصنع فقد احتبس علي، فقال وما الذي تريد منه ؟ قال: لم يبادر فيجيئني بالسلق بأي شيء أصفع هذا الماص بظر أمه لا يكنى، قال: فتركه ابن عرفة وانصرف من غير أن يجيبه بشيء.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا الحسن بن أبي بكر، عن أحمد بن كامل القاضي، قال: توفي إبراهيم بن عرفة في يوم الأربعاء ليست خلون من صفر سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة، ودفن يوم الخميس في مقابر باب الكوفة، وصلى عليه البربهاري رئيس الحنابلة، وكان حسن الافتنان في العلوم، وذكر أن مولده سنة أربعين ومائتين، وكان يخضب بالوسمة.
إبراهيم بن حماد بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد أبو إسحاق الأزدي ولد في رجب سنة أربعين مائتين، وسمع خلقاً كثيراً منهم الحسن بن عرفة. وكان ثقة فاضلاً عابداً.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال: حدثني الحسن بن محمد الخلال، قال: قال لنا القاضي أبو الحسين الجراحي: ما جئت إلى إبراهيم بن حماد قط إلا وجدته قائماً يصلي أو جالساً يقرأ.
قال الخلال: قال أبو بكر النيسابوري: ما رأيت أعبد منه.
توفي في صفر هذه السنة.
إسماعيل بن العباس بن عمر بن مهران بن فيروز أبو علي الوراق ولد سنة أربعين ومائتين، وسمع الزبير بن بكار، والحسن بن عرفة، وعلي بن حرب وغيرهم، روى عنه الدارقطني ووثقه. وكان قد حج في سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة، ثم رجع فمات في الطريق وحمل إلى بغداد فدفن بها.
أسامة بن علي بن سعيد بن بشير أبو رافع الرازي ولد سنة خمسين ومائتين. وسمع الحديث وأكثر، وكان ثبتاً ثقة.
وتوفي بمصر في ذي الحجة من هذه السنة.
بندار بن إبراهيم بن عيسى أبو محمد القاضي كان على قضاء استراباذ، وكان محمود الأثر، صحيح الديانة، فاضلاً ثقة أميناً. روى عن الحارث بن أبي أسامة، ومعاذ بن المثنى، وبشر بن موسى وغيرهم.
وتوفي في هذه السنة.
سليمان بن الحسن بن علي بن الجعد بن عبيد الجوهري يكنى أبا الطيب روى عنه ابن شاهين أحاديث مستقيمة. وتوفي في هذه السنة.
عبد الله بن محمد بن سعيد بن زياد، أبو محمد المقرئ المعروف ابن الجمال سمع يعقوب الدورقي، وعمر بن شبة، روى عنه الدارقطني، وابن شاهين، وكان من الثقات. توفي في رمضان هذه السنة.
عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عيسى أبو محمد السكري سمع زكريا بن يحيى المنقري صاحب الأصمعي، وابن قتيبة،. روى عنه ابن حيويه، والدارقطني، وابن شاهين. وكان ثقة نبيلاً. توفي في هذه السنة.
عبيد الله بن عبد الصمد بن المهتدي بالله أبو عبيد اله الهاشمي حدث عن سيار بن نصر الحلبي وغيره. روى عنه الدارقطني، وابن شاهين. وكان ثقة يتفقه على مذهب الشافعي، توفي في رمضان هذه السنة.
عبد الملك بن محمد بن عدي أبو نعيم الاستراباذي كان مقدماً في الحديث والفقه.
وتوفي في هذه السنة. وهو ابن ثلاث وثمانين سنة.
عبد الحميد بن سليمان أبو عبد الرحمن الوراق الواسطي نزل بغداد وحدث بها، فروى عنه الدارقطني وابن شاهين، وكان ثقة يفهم الحديث، وتوفي في شوال هذه السنة.
عثمان بن إسماعيل بن بكر أبو القاسم السكري سمع أحمد بن منصور الرمادي، روى عنه الدارقطني وقال: كان من الثقات، توفي في هذه السنة.
علي بن الفضل بن طاهر بن نصر بن محمد أبو الحسن البلخي كان من الجوالين في طلب العلم، سمع محمد بن الفضل البلخي، وأبا حاتم الرازي، وكان ثقة حافظاً. روى عنه الدارقطني، وابن شاهين، توفي في هذه السنة.
محمد بن أحمد بن أسد، أبو بكر الحافظ يعرف ابن البستنبان


هروي الأصل، ولد سنة إحدى وأربعين ومائتين، سمع الزبير بن بكار وغيره، روى عنه الدارقطني وغيره، وكان رجلاً صالحاً ثقة. توفي في رجب هذه السنة.
محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن زياد بن يزيد بن هارون، أبو عبد الله الزعفراني المعروف ابن بلبل روى عنه الدارقطني، وكان رجلاً صالحاً ثقة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا أبو منصور محمد بن عيسى، قال: حدثنا صالح بن أحمد بن محمد الحافظ، قال: سمعت محمد بن عبد الله الزعفراني، يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام في سنة نيف وتسعين ومائتين وفي رأسه ولحيته بياض كثير، فقلت: يا رسول الله بلغنا أنه لم يكن في رأسك ولحيتك إلا شعرات بيض، فقال: ذلك لدخول سنة ثلثمائة.
قال صالح: وتوفي سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة.
ثم دخلت
سنة أربع وعشرين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: أن الجند أحدقوا بدار الخلافة وضربوا خيمهم فيها وحولها وملكوها، وطولب الراضي بأن يخرج فيصلي بالناس ليراه الناس معهم، فخرج وصلى، وقال في خطبته: اللهم ان هؤلاء الغلمان بطانتي وظهارتي فمن أرادهم بسوء فأرده، ومن كادهم بكيد فكده. وقبض الغلمان على الوزير وسألوا الخليفة أن يستوزر غيره، فرد الخيار إليهم، وقالوا: علي بن عيسى، فاستحضره وعرضت عليه الوزارة فأبى وأشار بأخيه أبي علي عبد الرحمن بن عيسى، فقلد الوزارة وخلع عليه.
واحترقت دار ابن مقلة وحمل إلى دار عبد الرحمن بن عيسى، فضرب حتى صار جسمه كأنه الباذنجان. وأخذ خطه بألف ألف دينار، ثم عجز عبد الرحمن بن عيسى عن تمشية الأمور، وضاق الحال فاستعفى، فقبض عليه لسبع خلون من رجب، فكانت وزارته خمسين يوماً، وقلد الوزارة أبو جعفر محمد بن القاسم الكرخي، ثم عزل، وقلد سليمان بن الحسن وكان هذا كله من عمل الاتراك والغلمان.
ومن العجائب: أن دار ابن مقلة احترقت في مثل اليوم الذي أمر فيه باحراق دار سليمان بن الحسن بباب المحول في مثل ذلك الشهر بينهما سنة، وكتب على حيطان دار ابن مقلة:
أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت ... ولم تخف سوء ما يأتي به القدر
وسالمتك الليالي فاغتررت بها ... وعند صفو الليالي يحدث الكدر
وغلا السعر، فجاع الناس وعدم الخبز خمسة أيام، ووقع الطاعون، واقترب بذلك الموت، وخص ذلك الضعفاء، وكان يجعل على النعش اثنين، وربما كان بينهما صبي، وربما بقي الموتى على الطريق على حالهم، وربما حفرت حفائر كبار فيلقى في الحفيرة خلق كثير، ومات باصبهان نحو مائتي ألف.
ووقع حريق بعمان فاحترق من العبيد السود سوى البيض اثنا عشر ألفاً وأربعمائة حمل كافور.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد أبو بكر المقرئ ولد في ربيع الآخر سنة خمس وأربعين ومائتين، وكان شيخ القراء في وقته والمقدم منهم على أهل عصره، وحدث عن خلق كثير، وروى عنه الدارقطني وغيره، وكان ثقة مأموناً، سكن الجانب الشرقي، وكان ثعلب يقول: ما بقي في عصرنا أحد أعلم بكتاب الله من أبي بكر بن مجاهد.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال: أخبرنا أبو علي عبد الرحمن بن محمد بن فضالة، قال: سمعت محمد بن عبد الله بن المطلب، يقول: نفذت إلى ابن مجاهد لأقرأ عليه فتقدم رجل وافر اللحية كبير الهامة وابتدأ ليقرأ، فقال: ترفق يا خليل، سمعت محمد بن الجهم يقول: سمعت الفراء، يقول: أدب النفس ثم أدب الدرس.
أخبرنا القزاز، أخبرنا ابن ثابت، قال: حدثني أبو الفضل محمد بن عبد العزيز بن المهدي، قال: سمعت الحسين بن محمد بن خلف المقرئ، يقول: سمعت أبا الفضل الزهري، يقول: انتبه بي في الليلة التي مات فيها أبو بكر بن مجاهد، قال: يا بني ترى من مات الليلة ؟ فإني رأيت في منامي كأن قائلاً يقول: قد مات الليل مقوم وحي الله منذ خمسين سنة، فلما أصبحنا إذا ابن مجاهد قد مات.


أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا الخطيب، قال: أخبرني محمد بن جعفر بن علان، قال: أخبرنا عيسى بن محمد الطوماري، قال: رأيت أبا بكر بن مجاهد في النوم كأنه يقرأ: فكأني أقول له يا سيدي أنت ميت وتقرأ ؟ وكأنه يقول لي: كنت أدعو في دبر كل صلاة وعند ختم القرآن أن يجعلني ممن يقرأ في قبره فأنا ممن يقرأ في قبره.
توفي ابن مجاهد يوم الأربعاء وقت العصر، وأخرج يوم الخميس لعشر بقين من شعبان هذه السنة، ودفن في مقبرة باب البستان، وخلف مالاً صالحاً.
أحمد بن بقي بن مخلد: قاضي القضاة بالأندلس، حدث، وتوفي بها في هذه السنة.
أحمد بن محمد بن موسى الفقيه الجرجاني روى عن أبي حاتم الرازي وغيره، وتوفي في هذه السنة.
أحمد بن محمد بن موسى بن العباس أبو محمد كان معنياً بأمر الأخبار، يطلب التواريخ، وولي حسبة سوق الرقيق وسوق مصر، وكتب عنه. توفي في محرم هذه السنة.
أحمد بن جعفر بن موسى بن يحيى بن خالد بن برمك أبو الحسن النديم المعروف بجحظة كان حسن الأدب، كثير الرواية للأخبار متصرفاً في فنون جمة من العلوم، مليح الشعر حاضر النادرة، صانعاً في الغناء. وتوفي في هذه السنة ورد تابوته من واسط.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا علي بن المحسن، حدثنا الحسين بن محمد بن سليمان الكاتب، قال: حدثنا جحظة، قال: أنشدت عبيد الله بن عبد الله بن طاهر بن الحسين قولي:
قد نادت الدنيا على نفسها ... لو كان في العالم من يسمع
كم واثق بالعمر واريته ... وجامع بددت ما يجمع
فقال لي: ذنبك إلى الزمان الكمال.
قال ابن المحسن: وحدثنا الحسين بن محمد بن سليمان الكاتب، قال: حدثنا أبو الحسن بن حنش الكاتب، قال: قال لنا جحظة: صك لي بعض الملوك صكاً، فترددت إلى الجهبذ في قبضه، فلما طالت علي مدافعته كتبت إليه:
إذا كانت صلاتكم رقاعاً ... تخطط بالأنامل والأكف
ولم تجد الرقاع علي نفعاً ... فها خطي خذوه بألف ألف
قال أبو الحسن: وشرب أبي دواء، فكتب إليه جحظة رقعة يسأله عن حاله:
أبن لي كيف أمسيت ... وما كان من الحال
وكم سارت بك الناقة ... نحو المنزل الخالي
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، الخطيب، أخبرنا علي بن أبي علي البصري، قال: حدثني أبي قال: حدثني أبو الفرج الأصبهاني، قال: حدثني جحظة، قال: اتصلت علي إضافة انفقت فيها كل ما كنت أملكه حتى بقيت ليس في داري غير البواري، فأصبحت يوماً وأنا أفلس من طنبور بلا وتر، ففكرت كيف أعمل فيه فوقع لي أن أكتب إلى محبرة بن أبي عباد الكاتب، وكنت أجاوره، وكان قد ترك التصرف قبل ذلك بسنتين ولزم بيته وحاله النقرس فأزمنه حتى صار لا يتمكن من التصرف إلا محمولاً على الأيدي أو في محفة، وكان مع ذلك على غاية الظرف وكبر النفس وعظم النعمة وأن اتطايب عليه ليدعوني، فآخذ منه ما انفقه مدة، فكتبت إليه:
ماذا ترى في جدي ... وبرمة وبوارد
وقهوة ذات لون ... يحكي خدود الخرائد
ومسمع ليس يخطي ... من نسل يحيى بن خالد
ان المضيع لهذا ... نزر المروءة بارد


فما شعرت إلا بمحفة محبرة يحملها غلمانه إلى داري وأنا جالس على بابي، فقلت له: لم جئت ومن دعاك ؟ قال: أنت ! قلت: إنما قلت لك ماذا ترى في هذا وعنيت في بيتك وما قلت لك انه في بيتي، وبيتي والله أفرغ من فؤاد أم موسى، فقال: الآن قد جئت ولا أرجع، ولكن ادخل إليك وأستدعي من داري ما أريد، قلت: ذاك إليك، فدخل فلم ير في بيتي إلا بارية، فقال: يا أبا الحسن هذا والله فقر مفضح، هذا ضر مدقع ما هذا ؟ فقلت: هو ما ترى، فأنفذ إلى داره فاستدعى فرشاً وقماشاً، وجاء فراشه ففرشه، وجاءوا من الصفر والشمع وغير ذلك مما يحتاج إليه، وجاء طباخه بما كان في مطبخه، وجاء شرابوه بالصواني والمخروط والفاكهة والبخور، وجلس يومه ذلك عندي، فلما كان من غد سلم إلي غلامه كيساً فيه ألفا درهم، ورزمة ثياب من فاخر الثياب، واستدعى محفته فجلس فيها وشيعته هنية، فلما بلغ آخر الصح قال: مكانك يا أبا الحسن احفظ بابك فكل ما في الدار لك، وقال للغلمان: اخرجوا فأغلقت الباب على قماش بألوف كثيرة.
أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا أحمد بن علي، قال: حدثني الحسن بن أبي طالب، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عمران، قال: أنشدنا جحظة:
قل للذين تحصنوا من راغب ... بمنازل من دونها حجاب
إن حال دون لقائكم بوابكم ... فالله ليس لبابه بواب
أخبرنا محمد بن ناصر، أخبرنا محمد بن أبي نصر الحميدي، أنشدنا أبو غالب محمد بن أحمد بن سهل النحوي، قال: أخبرنا أبو الحسين بن دينار، قال: أنشدني أبو الفرج الأصبهاني، قال: أنشدنا جحظة:
لنا صاحب من أبرع الناس في البخل ... وأفضلهم فيه وليس بذي فضل
دعاني كما يدعو الصديق صديقه ... فجئت كما يأتي إلى مثله مثلي
فلما جلسنا للغداء رأيته ... يرى إنما من بعض اعضائه أكلي
ويغتاظ أحياناً ويشتم عبده ... وأعلم أن الغيظ والشتم من أجلي
أمد يدي سراً لآكل لقمة ... فيلحظني شزراً فأعبث بالبقل
إلى أن جنت كفي لحيني جناية ... وذلك أن الجوع أعدمني عقلي
فاهوت يميني نحو رجل دجاجة ... فجرت كما جرت يدي رجلها رجلي
قال أبو غالب: ومما وقع لنا عالياً من شعر جحظة ما أنشدناه أبو الحسن الفك بن كلكلة الطنبوري، وكان يقول: انه بلغ من السن مائة وخمس عشرة سنة قال: أنشدنا أستاذي جحظة لنفسه:
رحلتم فكم من أنة بعد حنة ... مبينة للناس حزني عليكم
وقد كنت اعتقت الجفون من البكا ... فقد ردها في الرق شوقي إليكم
رضوان بن أحمد بن إسحاق بن عطية أبو الحسن التميمي وهو رضوان بن جالينوس، وكان أحمد يلقب جالينوس، سمع رضوان الحسن بن عرفة، وابن أبي الدنيا، روى عنه الدارقطني، وابن شاهين، والكتاني، والمخلص. وكان ثقة. توفي في هذه السنة.
صالح بن محمد بن الفضل الأصبهاني: حدث عن جماعة من العلماء من بلده وغيره، وروى تاريخ البخاري، وكان ثقة وتوفي في رجب هذه السنة.
عبد الله بن أحمد بن محمد بن المغلس أبو الحسن الفقيه الظاهري أخذ العلم عن أبي بكر بن داود صاحب المذهب، ونشر علم داود في البلاد، وصنف على مذهبه، وحدث عن جده محمد بن المغلس، وعن علي بن داود القنطري، وأبي قلابة الرقاشي، وعبد الله بن أحمد بن حنبل في آخرين وان ثقة فاضلاً فهماً. أصابته سكتة، فتوفي في هذه السنة.
عبد الله بن محمد بن زياد بن واصل بن ميمون أبو بكر الفقيه النيسابوري مولى أبان بن عثمان بن عفان كان من أهل نيسابور، ولد سنة ثمان وثلاثين ومائتين، ورحل في طلب العلم إلى العراق والشام ومصر، وسكن بغداد، وحدث بها عن محمد بن يحيى الذهلي، وعباس الدوري وخلق كثير. روى عنه دعلج، وابن حيويه، وابن المظفر، والدارقطني، وابن شاهين، والمخلص وغيرهم. واجتمع له العلم بالفقه والحديث، وكان ثقة صالحاً، قال الدارقطني: لم نر في مشايخنا أحفظ منه للأسانيد والمتون، وكان أفقه المشايخ، جالس الربيع والمزني.


أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال: أخبرنا أبو سعد الماليني، حدثنا يوسف بن عمر بن مسرور، قال: سمعت أبا بكر النيسابوري، يقول: أعرف من أقام أربعين سنة لم ينم الليل إلا جاثياً، ويتقوت كل يوم بخمس حبات، ويصلي صلاة الغداة على طهارة عشاء الآخرة، ثم قال: أنا هو وهذا كله قبل أن أعرف أم عبد الرحمن، أيش أقول لمن زوجني؟ ثم قال في اثر هذا: ما أراد الله إلا الخير.
أنبأنا ابن ناصر، عن أبي القاسم ابن السري، عن أبي عبد الله بن بطة، قال: كنا نحضر في مجلس أبي بكر النيسابوري لنسمع منه الزيادات، وكان يحزر أن في المجلس ثلاثين ألف محبرة، ومضى على هذا مدة يسيرة، ثم حضرنا مجلس أبي بكر النجاد وكان يحزر أن في مجلسه عشرة آلاف محبرة، فتعجب الناس من ذلك، وقالوا: في هذه المدة ذهب ثلثا الناس.
توفي أبو بكر النيسابوري في ربيع الآخر من هذه السنة، ودفن بباب الكوفة.
عبد الرحمن بن سعيد بن هارون أبو صالح الأصبهاني سكن بغداد وحدث بها عن عباس الدوري روى عنه الدارقطني، وابن شاهين. وكان ثقة وتوفي في جمادى الأولى من هذه السنة.
عثمان بن جعفر بن محمد بن حاتم، أبو عمرو المعروف ابن اللبان الأحول سمع عمر بن شبة، روى عنه الدارقطني، وكان ثقة، وتوفي في هذه السنة.
عفان بن سليمان بن أيوب أبو الحسن التاجر سكن مصر وشهد بها عند الحكام فقبلت شهادته، وكان من أهل الخير والصلاح، وله وقوف بمصر معروفة على أصحاب الحديث وعلى أولاد العشرة من الصحابة، وكان تاجراً موسعاً عليه. توفي بمصر في شعبان هذه السنة.
محمد بن الفضل بن عبد الله أبو ذر التميمي كان رئيس جرجان وله أفضال كثيرة، وكانت داره مجمع العلماء رحل في طلب العلم، وسمع الكثير، وتفقه على مذهب الشافعي. توفي في هذه السنة.
هارون بن المقتدر بالله توفي في ربيع الأول واغتم عليه أخوه الراضي بالله غماً شديداً، وتقدم بأن ينفي بختيشوع بن يحيى المتطبب من بغداد لأنه اتهمه في علاجه، فأخرج إلى الأنبار، ثم شفعت فيه والدة الراضي، فعفا عنه وأمر برده.
ثم دخلت
سنة خمس وعشرين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: أنه خرج الراضي إلى واسط في المحرم، وجرت حرب بين الأتراك استظهر فيها عليهم بجكم، وعاد الراضي في صفر، وخلع على بجكم في ربيع الأول، وولي امارة بغداد، وعقد له لواء الولاية للمشرق إلى خراسان.
ومن الحوادث: أنه صارت فارس في يد علي بن بويه، والري وأصبهان والجبل في يد الحسن بن بويه، والموصل وديار بكر وديار ربيعة وديار مضر والجزيرة في أيدي بني حمدان، ومصر والشام في يد محمد بن طغج، والأندلس في يد عبد الرحمن بن محمد الأموي من ولد هشام بن عبد الملك، وخراسان في يد نصر بن أحمد، واليمامة وهجر وأعمال البحرين في يد أبي طاهر سليمان بن الحسن الجنابي القرمطي، وطبرستان وجرجان في يد الديلم ولم يبق في يد الخليفة غير مدينة السلام وبعض السواد، فبطلت دواوين المملكة، وضعفت الخلافة، ثم استوزر الراضي أبا الفتح ابن الفضل بن جعفر بن الفرات.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن محمد بن الحسن أبو حامد ابن الشرقي ولد في رجب سنة أربعين ومائتين، وسمع بالأمصار من شيوخها، وكان واحد عصره في علم الحديث، وكان كثير الحج.
أخبرنا زاهر بن طاهر، قال: أخبرنا أحمد بن الحسين البيهقي، أخبرنا أبو عبد الله الحاكم، قال: سمعت أبا أحمد الحسين بن علي التميمي، يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، يقول، ونظر إلى أبي حامد بن الشرقي، فقال: حياة أبي حامد تحجز بين الناس والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
توفي في رمضان هذه السنة.
إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى أبو اسحاق الهاشمي حدث عن جماعة، روى عنه الدارقطني، وابن شاهين في آخرين وكان يسكن سر من رأى، وحدث بها وببغداد وتوفي في محرم هذه السنة.
إسحاق بن محمد بن إبراهيم أبو يعقوب الصيدلاني حدث عن أبي الأشعث أحمد المقدام، ولم يكن عنده غير حديث واحد. وتوفي في صفر هذه السنة.
جعفر بن محمد بن أحمد بن الوليد أبو الفضل القافلائي


حدث عن محمد بن اسحاق الصاغاني، وعلي بن داود القنطري، وأحمد بن أبي خيثمة، روى عنه ابن المظفر، وابن شاهين، وكان من الثقات وله معرفة في الحديث. وتوفي في جمادى الأولى من هذه السنة.
جعفر بن محمد بن عبدويه أبو عبد الله المعروف بالبراثي مروي الأصل. حدث عن ابراهيم بن هانئ روى عنه ابن شاهين وكان ثقة.
وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
الحسن بن آدم العسقلاني: حدث عن جماعة، وكان ثقة، وكان يتولى عمالات من صعيد مصر.
توفي بالفيوم من صعيد مصر في شوال هذه السنة.
الحسن بن عبد الله بن علي بن محمد بن الملك بن أبي الشوارب أبو محمد الأموي ولي قضاء مدينة المنصور بعد عزل أبي الحسين الأشناني عنها، وكانت ولاية الأشناني لها ثلاثة أيام فحسب.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال أخبرنا علي بن المحسن حدثنا طلحة بن محمد بن جعفر، قال: بعد الثلاثة أيام التي تقلد فيها ابن الأشناني مدينة المنصور استقضى المقتدر على مدينة المنصور الحسن بن عبد الله بن علي في يوم الاثنين لست بقين من ربيع الآخر سنة ست عشرة وثلثمائة، وهذا رجل حسن السيرة جميل الطريقة، قريب الشبه من أبيه وجده في باب الحكم والسداد، فلم يزل والياً على المدينة إلى نصف رمضان عشرين وثلثمائة، ثم صرفه المقتدر.
وتوفي يوم عاشوراء من سنة خمس وعشرين.
عبد الله بن محمد بن سفيان أبو الحسين الخزاز النحوي حدث عن المبرد، وثعلب. وكان ثقة وله مصنفات في علوم القرآن غزيرة الفوائد.
توفي في ربيع الأول من هذه السنة.
عمر بن أحمد بن علي بن عبد الرحمن، أبو حفص الجوهري المعروف ابن علك المروزي حدث عن عباس الدوري وغيره. روى عنه ابن المظفر والدارقطني وكان ثقة صدوقاً متقناً متيقظاً فقيهاً ناسكاً، توفي في هذه السنة.
محمد بن اسحاق بن يحيى، أبو الطيب النحوي المعروف ابن الوشاء كان من أهل الأدب، حسن التصانيف، مليح الأخبار حدث عن أحمد بن عبيد بن ناصح، والحارث بن أبي أسامة، وثعلب، وابان والمبرد وغيرهم.
محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن عيسى بن فروخ أبو بكر المزني سكن الرقة وحدث بها عن أبي حفص عمرو بن علي الفلاس وغيره.
وروى عنه أبو بكر الشافعي، وأبو القاسم الطبراني، وابن المظفر وغيرهم، وقال الدارقطني: هو ثقة، توفي بعد العشرين والثلثمائة.
محمد بن أحمد بن قطن بن خالد بن حيان أبو عيسى السمسار سمع الحسن بن عرفة وغيره. روى عنه الدارقطني، والكتاني وكان ثقة.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي، قال: حدثني عبد العزيز بن علي الوراق، قال: ذكر أن ابن قطن، ولد في سنة خمس وثلاثين ومائتين يوم الجمعة، وكان يوم عاشوراء.
وتوفي في يوم الجمعة لسبع بقين من ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وثلثمائة.
محمد بن أحمد بن المهدي أبو عمارة أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا الخطيب قال: حدث أبو عمارة، عن أبي بكر بن أبي شيبة، ولوين، وعلي بن الموفق وغيرهم، وفي حديثه مناكير وغرائب. روى عنه أبو عمر وابن السماك، وأبو سهل بن زياد القطان، ودعلج، وأبو بكر الشافعي.
وأخبرنا أبو الطيب الطبري قال: قال لنا أبو الحسن الدارقطني: أبو عمارة ضعيف جداً.
محمد بن أحمد بن هارون أبو بكر العسكري الفقيه كان يتفقه لأبي ثور، وحدث عن إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد، والحسن بن عرفة وعباس الدوري وغيرهم. روى عنه الآجري، والدارقطني ويوسف القواس وغيرهم وتوفي في شوال من هذه السنة.
محمد بن أحمد بن يوسف بن اسماعيل أبو أحمد الجريري حدث عن ابن أخي الأصمعي وغيره، ولم يظهر عنه إلا الخير.
توفي في محرم هذه السنة.
محمد بن أبي موسى عيسى بن أحمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم أبو عبد الله الهاشمي سمع جعفر الفريابي، وكان ثقة.


أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، أخبرنا علي بن أبي علي، قال: حدثني أبو اسحاق إبراهيم بن محمد الطبري، قال: رأيت ثلاثة يتقدمون ثلاثة أصناف من أبناء جنسهم فلا يزاحمهم أحد، أبو عبد الله الحسين بن أحمد الموسوي يتقدم الطالبين فلا يزاحمه أحد، وأبو عبد الله محمد بن أبي موسى الهاشمي يتقدم العباسيين فلا يزاحمه أحد، وأبو بكر الأكفاني يتقدم الشهود فلا يزاحمه أحد.
محمد بن المسور بن عمر بن الفضل بن العباس بن عبد المطلب أندلسي الأصل كان فقيهاً مقدماً روى الحديث، وتوفي بالأندلس في هذه السنة.
موسى بن عبد الله بن يحيى بن خاقان، أبو مزاحم كان أبوه وزير المتوكل. وسمع أبو مزاحم من عباس الدوري، وأبي قلابة، وعبد الله بن أحمد والمروروذي روى عنه الآجري وابن شاهين. وكان ثقة من أهل السنة نقش خاتمه دن بالسنن موسى تعن.
توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
موسى بن جعفر بن محمد أبو الحسن العثماني كوفي الأصل، ولد سنة ست وأربعين ومائتين. وسمع الربيع بن سليمان. روى عنه الدارقطني، وكان ثقة.
وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة.
ثم دخلت
سنة ست وعشرين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: أنه خرج الراضي متنزهاً إلى أن حاذى بزوغي، فاقام يومين، ثم رجع، وفي هذه السنة: ورد كتاب من ملك الروم إلى الراضي، وكانت الكتابة بالرومية بالذهب، والترجمة بالعربية بالفضة، يطلب منه الهدنة، وفيه: ولما بلغنا ما رزقته أيها الأخ الشريف الجليل من وفور العقل وتمام الأدب واجتماع الفضائل أكثر ممن تقدمك من الخلفاء، حمدنا الله تعالى إذ جعل في كل أمة من يمتثل أمره، وقد وجهنا شيئاً من الألطاف وهي اقداح، وجرار من فضة وذهب، وجوهر وقضبان فضة، وسقور وثياب سقلاطون، ونسيج ومناديل وأشياء كثيرة فاخرة فكتب إليهم الجواب بقبول الهدية، والاذن في الفداء، وهدنة سنة.
وتحدث الناس في شوال هذه السنة: أن رقعة جاءت من ابن مقلة إلى الراضي يضمن فيها ابن رائق وابني مقاتل بألفي ألف دينار، وأنه يقبض عليهم بحيلة لطيفة، فقال الراضي: صر إلي حتى تعرفني وجه هذا، فجاء فعلم ابن رائق فركب في جيشه إلى الدار وقال: لا أبرح إلا بتسليم ابن مقلة، فأخرج فأمر بقطع يده اليمنى، وقيل: هذا سعى في الأرض بالفساد.
ووجد يهودي مع مسلمة، وكان اليهودي غلاماً لجهبذ يهودي لابن خلف، فضربه صاحب الشرطة، فلم يرض ابن خلف حتى ضرب صاحب الشرطة بحضرة اليهود في يوم جمعة، فافتتن الناس لذلك وكان أمراً قبيحاً.
وفي هذه السنة: وقع الوباء في البقر، وظهر في الناس جرب وبثور.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
إبراهيم بن داود القصار أبو إسحاق الرقي أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أنبأنا أحمد بن علي بن خلف، قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت أبا بكر بن شاذان، يقول: سمعت إبراهيم القصار يقول: المعرفة إثبات الرب عز وجل خارجاً عن كل موهوم، وقال: أضعف الخلق من ضعف عن رد شهوته، وأقوى الخلق من قوي على ردها.
قال السلمي: كان إبراهيم من جلة مشايخ الشام من أقران الجنيد عمر وصحبه أكثر مشايخ الشام، وكان ملازماً للفقر.
توفي في سنة ست وعشرين وثلثمائة.
أحمد بن زياد بن محمد بن زياد بن عبد الرحمن اللخمي أندلسي وهو من ولد شبطون، وهو زياد بن عبد الرحمن صاحب مالك بن أنس، وشبطون أول من أدخل فقه مالك الأندلس، وعرض عليه القضاء فلم يقبله.
توفي أحمد بالأندلس في هذه السنة.
جبلة بن محمد بن كريز: حدث عن يونس بن عبد الأعلى، وكان ثقة صدوقاً.
توفي في جمادي الأولى من هذه السنة.
الحسن بن علي بن زيد بن حميد بن عبيد الله بن مقسم، أبو محمد مولى علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب من أهل سر من رأى، حدث ببغداد عن جماعة، روى عنه الدارقطني، وابن بطة.
وتوفي في هذه السنة، وقيل في السنة التي قبلها.
شعيب بن محرز بن عبيد الله بن خلف بن الراجبان أبو الفضل الكاتب حدث عن عمر بن شبة، وعلي بن حرب، روى عنه الدارقطني، والمخلص، وكان ثقة. توفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
عبد الله بن العباس بن جبريل أبو محمد الوراق الشمعي


حدث عن علي بن حرب. روى عنه الدارقطني، وابن شاهين، وكان ثقة.
وتوفي في هذه السنة.
عبد الله بن الهيثم بن خالد أبو محمد الخياط الطيني سمع إبراهيم بن الجنيد، والحسن بن عرفة، روى عنه الدارقطني، ويوسف القواس، وكان ثقة، توفي في ذي القعدة من هذه السنة.
عبد العزيز بن جعفر بن بكر بن إبراهيم، أبو شيبة المعروف ابن الخوارزمي سمع الحسن بن عرفة، روى عنه الدارقطني، وكان ثقة.
توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
محمد بن جعفر بن رميس بن عمرو أبو بكر القصري سمع أبا علقمة الفروي والحسن بن محمد بن الصباح وغيرهما. أنفق في طلب الحديث ألوف الدنانير، روى عنه الدارقطني، وقال: هو من الثقات.
وتوفي في هذه السنة.
ثم دخلت
سنة سبع وعشرين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: انه خرج الراضي إلى الموصل لمحاربة الحسن بن عبد الله بن حمدان، وخرج بجكم فكان ينزل بين يديه بقليل، فاستولى ابن رائق على بغداد فدخلها في ألف من القرامطة.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، أخبرنا التنوخي، أخبرنا طلحة بن محمد بن جعفر، قال: لما كان في المحرم سنة سبع وعشرين وثلثمائة خرج الراضي إلى الموصل، وأخرج معه قاضي القضاة أبا الحسين عمر بن محمد بن يوسف، وأمره أن يستخلف على مدينة السلام بأسرها أبا نصر يوسف بن عمر، لما علم أنه لا أحد بعد أبيه يجاريه ولا إنسان يساويه، فجلس يوم الثلاثاء لخمس بقين من المحرم سنة سبع وعشرين في جامع الرصافة وقرأ عهده بذلك، وحكم فتبين للناس من أمره ما بهر عقولهم، ومضى في الحكم على سبيل معروفة له ولسلفه، وما زال أبو نصر يخلف أباه على القضاء بالحضرة من الوقت الذي ذكرنا إلى أن توفي قاضي القضاة.
قال أبو بكر الصولي: ومضى الراضي عاجلاً إلى الموصل، وقد تقدم بجكم فواقع الحسن بن عبد الله فهزمه، ثم خرج ابن رائق من بغداد وعاد الراضي إليها.
وجاء في جمادى الأولى وهو أول يوم من آذار بعد المغرب مطر عظيم وبرد كبار، في كل بردة نحو الأوقيتين، ودام وسقط بذلك حيطان كثيرة من دور بغداد، وظهر جراد كثير.
وكان الحج قد بطل من سنة سبع عشرة وثلثمائة فلم يحج أحد من العراق، فلما جاءت سنة سبع وعشرين كاتب أبو علي عمر بن يحيى العلوي القرامطة، وكانوا يحبونه لشجاعته وكرمه، وسألهم أن يأذنوا للحجيج ليسير بهم ويعطيهم من كل جمل خمس دنانير، ومن المحمل سبعة دنانير، فأذنوا لهم، فحج الناس وهي أول سنة مكس فيها الحاج، وخرج في تلك السنة القاضي أبو علي بن أبي هريرة الشافعي، فلما طولب بالخفارة لوى راحلته ورجع، وقال: لم أرجع شحاً على الدارهم، ولكن قد سقط الحج لهذا المكس.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
الحسن بن القاسم بن دحيم أبو علي الدمشقي حدث عن العباس بن الوليد البيروتي، وكان أخبارياً وكان له فيها مصنفات.
توفي بمصر في محرم هذه السنة، وقد أناف على الثمانين سنة.
الحسين بن القاسم بن جعفر بن محمد بن خالد بن بشر أبو علي الكوكبي الكاتب صاحب آداب وأخبار. حدث عن أحمد بن أبي خيثمة، وأبي العيناء، وابن أبي الدنيا وغيرهم، روى عنه الدارقطني، والمعافي، وابن سويد.
وتوفي في ربيع الأول من هذه السنة.
عثمان بن الخطاب بن عبد الله، أبو عمرو البلوي الأشج المغربي، المعروف أبي الدنيا يروي عن علي بن أبي طالب، قدم بغداد بعد سنة ثلثمائة بسنتين، وعلماء النقل لا يثبتون قوله ولا يصدقون خبره.


أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن موسى بن عبد الله الروشنائي أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب المفيد، قال: سمعت أبا عمرو عثمان بن الخطاب بن عبد الله البلوي من مدينة بالمغرب يقال لها: رندة وهو المعمر ويعرف بأبي الدنيا، يقول: ولدت في أول خلافة أبي بكر الصديق، فلما كان في زمن علي بن أبي طالب خرجت أنا وأبي نريد لقاءه، فلما صرنا قريباً من الكوفة أو من الأرض التي هو فيها لحقنا عطش شديد في طريقنا أشفينا منه على الهلكة، وكان أبي شيخاً كبيراً، فقلت له: اجلس حتى أدور أنا في الصحراء أو البرية فلعلني أقدر على ماء، أو من يدلني على ماء، أو ماء المطر، فجلس ومضيت أطلب الماء، فلما كنت عنه غير بعيد لاح لي ماء، فصرت إليه، فإذا أنا بعين ماء وبين يديها شبيه بالركية، أو الوادي من مائها، فنزعت ثيابي واغتسلت من ذلك الماء وشربت حتى رويت، ثم قلت: أمضي فأجيء بأبي، فهو غير بعيد، فجئت إليه فقلت: قد فقد فرج الله وهذه عين ماء قريب منا. ومضينا نحو العين والماء، فلم نر شيئاً، فدرنا نطلب فلم نقدر على شيء، وأجهد أبي جهداً شديداً فلم يقدر على النهوض لشدة ما لحقه، فجلست معه فلم يزل يضطرب حتى مات فاحتلت حتى واريته، ثم جئت حتى لقيت أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه وهو خارج إلى صفين وقد أسرجت له بغلة، فجئت فأمسكت الركاب ليركب وانكببت لأقبل فخذه، فنفحني الركاب فشجني في وجهي شجة - قال المفيد: ورأيت الشجة في وجهه واضحة - قال: ثم سألني عن خبري، فأخبرته بقصتي وقصة أبي، وقصة العين، فقال: هذه عين لم يشرب منها أحد إلا وعمر عمراً طويلاً، فأبشر فإنك تعمر، ما كنت تجدها بعد شربك منها. كما قال المفيد - ثم سألناه فحدثنا عن علي بن أبي طالب بأحاديث، ثم لم أزل أتتبعه في الأوقات فألح عليه حتى يملي علي حديثاً بعد حديث، ثم أعود حتى جمعت منه خمسة عشر حديثاً لم يجتمع عنه لغيري لتتبعي له، وإلحاحي عليه، وكان معه شيوخ من بلده فسألتهم عنه، فقالوا: هو مشهور عندنا بطول العمر، حدثنا بذلك آباؤنا عن آبائهم عن أجدادهم، وأن قوله في لقيه علي بن أبي طالب معلوم عندهم أنه كذلك.
أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال؛ حدثنا أبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن عبد الأعلى بن محمد بن مروان الرقي، حدثنا أبو القاسم يوسف بن أحمد بن محمد البغدادي وكان شاهداً بالرقة، فقلت له: إن المفيد حدث عن الأشج عن علي بن أبي طالب، فقال: ان الأشج دخل بغداد واجتمع الناس عليه في دار إسحاق وأحدقوا به وضايقوه، وكنت حاضره، فقال: لا تؤذوني، فإني سمعت علي بن أبي طالب، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مؤذ في النار، وحدث ببغداد خمسة أحاديث حفظت منها ثلاثة هذا أحدها، وما علمت أحداً ببغداد كتب عنه حرفاً واحداً، ولم يكن عندي بالثقة.
وقال المفيد: بلغني أن الأشج مات في سنة سبع وعشرين وثلثمائة وهو راجع إلى بلده.
محمد بن جعفر بن محمد بن سهل أبو بكر الخرائطي من أهل سر من رأى. سمع إبراهيم بن الجنيد، والحسن بن عرفة وخلقاً كثيراً. وكان حسن التصنيف، سكن الشام، وحدث بها. وتوفي في ربيع الأول من هذه السنة.
محمد بن جعفر بن محمد بن نوح أبو نعيم الحافظ بغدادي نزل الرملة، وحدث بها عن خلق كثير، روى عنه محمد بن المظفر الحافظ، وتوفي في هذه السنة.
محمد بن جعفر بن محمد بن الحسن بن المستفاض، أبو الحسن بن أبي بكر الفريابي ولد سنة سبع وأربعين ومائتين، وحدث عن عباس الدوري وخلق كثير، روى عنه ابن شاهين، وغيره، وكان ثقة.
محمد بن جعفر بن أحمد بن بكر الرافقي: ويعرف بابن الصابوني، قدم بغداد وحدث بها عن جماعة، فروى عنه الدارقطني.
يزداد بن عبد الرحمن بن محمد بن يزداد، أبو محمد الكاتب مروزي الأصل سمع أبا سعيد الأشج، روى عنه الدارقطني، وابن شاهين، وذكره يوسف القواس في شيوخه الثقات توفي في جمادى الأولى من هذه السنة.
ثم دخلت
سنة ثمان وعشرين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: أنه في غرة المحرم ظهرت في الجو حمرة شديدة من ناحية الشمال والمغرب، وظهرت فيها أعمدة بيض عظيمة كثيرة العدد.


وفيها أن الخبر ورد بأن أبا علي الحسن بن بويه الديلمي صار إلى واسط، فانحدر الراضي وبجكم فانصرف أبو علي من واسط، ورجع الراضي إلى بغداد.
وفيها: أن بجكم تزوج سارة بنت أبي عبد الله محمد بن أحمد بن يعقوب البريدي على صداق مبلغه مائتا ألف درهم.
وفيها في شعبان: بلغت زيادة الماء في دجلة تسعة عشر ذراعاً، وبلغت زيادة الفرات إحدى عشرة ذراعاً.
وانبثق بثق من نواحي الأنبار فاجتاح القرى وغرق الناس والبهائم والسباع، وصب الماء في الصراة إلى بغداد ودخل الشوارع في الجانب الغربي من بغداد، وغرق شارع الأنبار، فلم يبق فيه منزل، وتساقطت الدور والأبنية على الصراة، وانقطع بعض القنطرة العتيقة والجديدة.
وفي هذا الشهر توفي قاضي القضاة أبو الحسين عمر بن محمد، وولي ابنه أبو نصر يوسف.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: حدثنا التنوخي، قال: حدثنا طلحة بن محمد بن جعفر، قال: لما كان يوم الخميس لخمس بقين من شعبان خلع الراضي على أبي نصر يوسف بن عمر بن محمد بن يوسف وقلده قضاء الحضرة بأسرها الجانب الشرقي والغربي والمدينة والكرخ وقطعة من أعمال السواد، وخلع على أخيه أبي محمد الحسين بن عمر لقضاء أكثر السواد، ثم صرف الراضي أبا نصر عن مدينة المنصور بأخيه الحسين في سنة تسع وعشرين، وأقره على الجانب الشرقي.
وفي يوم السبت لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي الحجة: أشهد أبو علي بن أبي موسى الهاشمي عن نفسه ثلاثين شاهداً من العدول بأنه لا يشهد عند القاضي أبي نصر يوسف بن عمر ببغداد، وأخذ خطوط الشهود أنه عدل مقبول الشهادة.
وفي يوم الإثنين لثمان بقين من ذي الحجة: أسجل القاضي أبو نصر يوسف بن عمر بأن أبا عبد الله بن أبي موسى الهاشمي ساقط الشهادة بشهادة عشرين عدلاً عليه بذلك.
وفي مستهل ذي القعدة: وافى رسول أبي طاهر الجنابي القرمطي، فأطلق له من مال السلطان خمسة وعشرين ألف دينار من جملة خمسين ألف دينار، ووفق عليها على أن يبذرق بالحاج، فبذرقهم في هذه السنة.
وفي هذا الشهر: صرف أبو عبد الله البريدي عن الوزارة واستوزر سليمان بن الحسن، وكان البريدي قد ضمن واسطاً وأعمالها بستمائة ألف دينار.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
إسحاق بن محمد بن إسحاق أبو عيسى الناقد حدث عن الحسن بن عرفة، وتوفي في محرم هذه السنة.
جعفر المرتعش أبو محمد كذلك ذكره أبو بكر الخطيب، وقال أبو عبد الرحمن السلمي: اسمه عبد الله بن محمد أبو محمد النيسابوري، كان من ذوي الأموال، فتخلى عنها وصحب الفقراء مثل الجنيد، وأبي حفص، وأبي عثمان، وأقام ببغداد حتى صار شيخ الصوفية. وكان اقامته بالشونيزية، وكانوا يقولون عجائب بغداد ثلاثة: إشارات الشبلي، ونكت المرتعش، وحكايات جعفر الخواص.
أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن خلف، أنبأنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت أبا الفرج الصائغ، يقول: قال المرتعش من ظن أن أفعاله تنجيه من النار وتبلغه الرضوان فقد جعل لنفسه ولفعله خطراً، ومن اعتمد على فضل الله بلغه الله أقصى منازل الرضوان. وقيل له: ان فلاناً يمشي على الماء، فقال: أن من مكنه الله من مخالفة هواه فهو أعظم من المشي على الماء.
أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا الخطيب، قال: ذكر محمد بن مأمون البلخي أنه سمع أبا عبد الله الرزاز، يقول: حضرت وفاة المرتعش في مسجد الشونيزية سنة ثمان وعشرين وثلثمائة، فقال: انظروا ديوني، فنظروا فقالوا: بضعة عشر درهماً، فقال: انظروا خريقاتي، فلما قربت منه، قال: اجعلوها في ديوني، وأرجو أن الله يعطيني الكفن، ثم قال: سألت الله ثلاثاً عند موتي فأعطانيها، سألته أن يميتني على الفقر، وسألته، أن يجعل موتي في هذا المسجد فقد صحبت فيه أقواماً، وسألته أني يكون حولي من آنس به وأحبه، وغمض عينيه ومات بعد ساعة رحمة الله عليه.
الحسن بن أحمد بن يزيد بن عيسى بن الفضل بن بشار، أبو سعيد، المعروف. الاصطخري


قاضي قم، ولد سنة أربع وأربعين ومائتين، وسمع سعدان بن نصر، وأحمد بن منصور المرادين وعباساً الدوري. روى عنه ابن المظفر، والدارقطني، وابن شاهين. وكان أحد الأئمة المذكورين، وهو من شيوخ الفقهاء الشافعيين، وكان ورعاً زاهداً، وكتابه الذي ألفه يدل على سعة علمه وقوة فهمه، وكان متقللاً فيقال أنه كان قميصه وسراويله وعمامته وطيلسانه من شقة واحدة، وله كتاب القضاء لم يصنف مثله. توفي في هذه السنة.
الحسن بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد المجيد أبو محمد المقرئ وهو ابن أخت أبي الآذان. سمع من جماعة، وروى عنه الدارقطني، وقال: هو من الثقات.
وتوفي في هذه السنة.
الحسن بن سعيد بن الحسن بن يوسف، أبو القاسم الوراق يعرف بابن الهرش مروزي الأصل. حدث عن إبراهيم بن هاني. روى عنه الدارقطني، وابن شاهين، وكان ثقة. وتوفي في هذه السنة.
الحسين بن محمد بن سعيد، أبو عبد الله البزاز، المعروف ابن المطبقي ولد في ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين ومائتين. وحدث عن خلاد بن أسلم، والربيع بن سليمان، ومحمد بن منصور الطوسي. روى عنه الخطبي، والدارقطني، وابن المظفر، وابن شاهين، وكان ثقة. وتوفي في شوال هذه السنة، ودفن في داره، وبلغ ستاً وتسعين سنة، وهو صحيح الفهم والعقل والجسم.
حامد بن أحمد بن الهيثم أبو الحسين البزاز حدث عن أحمد بن منصور الرمادي، توفي في هذه السنة.
حامد بن بلال بن الحسن أبو أحمد البخاري حدث عن جماعة، روى عنه أبو بكر الشافعي، وابن شاهين.
توفي في رجب هذه السنة.
حامد بن أحمد بن محمد، أبو أحمد المروزي المعروف الزيدي كان له عناية بحديث زيد بن أبي أنيسة، وجمعه وطلبه، فنسب إليه سكن طرسوس، ثم قدم بغداد وحدث بها، فروى عنه الدارقطني، وكان ثقة مذكوراً بالفهم، موصوفاً بالحفظ. توفي في رمضان هذه السنة.
حمزة بن الحسين بن عمر أبو عيسى السمسار سمع من جماعة، روى عنه الخلدي، وابن شاهين، وكان ثقة، وذكر أنه كان يعرف بحمزة واسمه عمر. توفي في هذه السنة.
خير، يكنى أبا صالح مولى عبد الله بن يحيى بن زهير التغلبي سمع من بكار بن قتيبة، وكان، ثقة تقبله القضاة، وتحكم بقوله، وكان أسود خصياً. توفي في رمضان هذه السنة.
عبد الله بن سليمان بن عيسى بن الهيثم، أبو محمد الوراق المعروف الفامي سمع إبراهيم بن هانيء، وعبد الله بن أحمد. روى عنه ابن شاهين. وكان ثقة، وتوفي في شوال هذه السنة.
علي بن أحمد بن الهيثم أبو الحسن البزار حدث عن علي بن حرب. روى عنه الدارقطني، وكان ثقة.
وتوفي في هذه السنة.
علي بن محمد أبو الحسن المزين الصغير أصله من بغداد، وصحب الجنيد، وسهل بن عبد الله، وأقام بمكة مجاوراً حتى توفي بها في هذه السنة.
أخبرنا أبو بكر بن حبيب العامري، قال: أخبرنا أبو سعد بن أبي صادق، قال: أخبرنا أبو عبد الله بن باكويه، أخبرنا أبو عبد الله بن خفيف، قال: سمعت أبا الحسن المزين بمكة، يقول: كنت في بادية تبوك فتقدمت إلى بئر لأستقي منها فزلقت رجلي فوقعت في جوف البئر فرأيت في جوف البئر زاوية واسعة فاصلحت موضعاً وجلست عليه، وقلت: إن كان مني شيء لا أفسد الماء على الناس، وطابت نفسي وسكن قلبي، فبينا أنا قاعد إذا بخشخشة، فتأملت فإذا أنا بأفعى تنزل علي، فراجعت نفسي، فإذا هي ساكنة علي، فنزل فدار بي وأنا هادئ السر لا تضطرب علي نفسي ثم لف ذنبه واخرجني من البئر وحلل عني ذنبه، فلا أدري ارض ابتلعته أو سماء رفعته، ثم قمت ومشيت.
وثم آخر يقال له أبو جعفر المزين الكبير: كان بمكة وبها مات، وكان من العباد.


أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا علي بن أبي علي، قال: حدثنا إبراهيم بن أحمد الطبري، قال: حدثنا جعفر الخلدي، قال: ودعت في بعض حجاتي المزين الكبير، فقلت: زودني شيئاً، فقال: إن ضاع منك شيء أو أردت أن يجمع الله بينك وبين إنسان، فقل: يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد اجمع بيني وبين كذا وكذا، فإن الله يجمع بينك وبين ذلك الإنسان أو ذلك الشيء، قال: فجئت إلى الكتاني فودعته، وقلت: زودني، فأعطاني فصاً عليه نقش كأنه طلسم، فقال: إذا اغتممت فانظر إلى هذا فإنه يزول غمك، قال: فانصرفت فما دعوت الله بتلك الدعوة إلا استجيب لي، ولا رأيت الفص وقد اغتممت إلا زال غمي، فأنا ذات يوم قد توجهت أعبر إلى الجانب الشرقي من بغداد إذ هاجت ريح عظيمة وأنا في السميرية والفص في جيبي، فأخرجته لأنظر إليه، فلا أدري كيف ذهب مني في الماء، أو في السفينة، فاغتممت غماً عظيماً، فدعوت بالدعوة وعبرت، فما زلت أدعو بها يومي وليلتي أياماً، فلما كان بعد ذلك أخرجت صندوقاً فيه ثيابي لأغير منها شيئاً، ففرغت الصندوق فإذا بالفص في أسفل الصندوق، فأخذته وحمدت الله عز وجل على رجوعه.
عمر بن أبي عمر محمد بن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم أبو الحسين الأزدي ناب عن أبيه في القضاء وهو ابن عشرين سنة، ثم توفي أبوه وهو على القضاء، وكان حافظاً للقرآن والفقه على مذهب مالك والفرائض والحساب واللغة والنحو والشعر والحديث، وأقر على القضاء، ثم جعل قاضي القضاة إلى آخر عمره، وصنف مسنداً، ورزق قوة الفهم، وجودة القريحة، وشرف الأخلاق.
قال أبو القاسم بن برهان النحويك كان عدد الشهود في زمان قاضي القضاة أبي الحسين بن قاضي القضاة أبي عمر ألف وثمانمائة شاهد، ليس فيهم من شهد إلا بفضيلة محضة في دين، أو علم، أو مال، أو شرف.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا عبد الصمد بن محمد بن محمد بن نصر قال: قال لنا إسماعيل بن سعيد المعدل: كان أبو عمر القاضي، يقول: ما زلت مروعاً من مسألة تجيئني من السلطان حتى نشأ أبو الحسين ولدي.
أخبرنا عبد الرحمن، قال: أخبرنا أحمد بن علي أخبرنا التنوخي، حدثنا محمد بن عبيد الله النصيبي، أن جعفر بن ورقاء حدثهم، قال: عدت من الحج أنا وأخي فتأخر عن تهنئتي القاضي أبو عمر وابنه أبو الحسين، فكتبت إليهما:
أأستجفي أبا عمر وأشكو ... وأستجفي فتاه أبا الحسين
بأي قضية وبأي حكم ... الحّا في قطيعة واصلين
فما جاءا ولا بعثا بعذر ... ولا كانا لحقي موجبين
فان نمسك ولا نعتب تمادى ... جفاؤهما لأخلص مخلصين
وان نعتب فحق غير أنا ... نجل عن العتاب القاضيين
فوصلت الأبيات إلى أبي عمر، وهو على شغل، فأنفذها إلى أبي الحسين، وأمره بالجواب عنها، فكتب إلي:
تجن واظلم فلست منتقلا ... عن خالص الود أيها الظالم
ظننت بي جفوة عتبت لها ... فخلت أني لحبلكم صارم
حكمت بالظن والشكوك ولا ... يحكم بالظن فالهوى حاكم
تركت حق الوداع مطّرحاً ... وجئت تبغي زيارة القادم
امران لم يذهبا على فطن ... وأنت بالحكم فيهما عالم
وكل هذا مقال ذي ثقة ... وقلبه من جفائه سالم


أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا أبو الطيب الطبري، قال سمعت المعافى بن زكريا، يقول: كنت أحضر مجلس أبي الحسين بن أبي عمر يوم النظر، فحضرت يوماً أنا وجماعة من أهل العلم في الموضع الذي جرت العادة بجلوسنا فيه ننتظره حتى يخرج، قال: فدخل أعرابي لعل له حاجة إليه، فجلس بقربنا، فجاء غراب فقعد على نخلة في الدار وصاح، ثم طار، فقال الأعرابي: هذا الغراب يقول: بأن صاحب هذه الدار يموت بعد سبعة أيام، قال: فصحنا عليه وزبرناه فقام وانصرف، واحتبس خروج أبي الحسين، وإذا قد خرج إلينا غلام، فقال: القاضي يستدعيكم، قال: فقمنا ودخلنا إليه، وإذا به متغير اللون منكسر البال مغتم، فقال: اعلموا أني أحدثكم بشيء قد شغل قلبي، وهو أني رأيت البارحة في المنام شخصاً وهو يقول:
منازل آل حماد بن زيد ... على أهليك والنعم السلام
وقد ضاق لذلك صدري، قال: فدعونا له وانصرفنا، فلما كان اليوم السابع من ذلك اليوم دفن رحمه الله.
أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا علي بن المحسن، قال: أخبرنا طلحة بن محمد بن جعفر، قال: توفي قاضي القضاة - يعني أبا الحسين عمر بن محمد بن يوسف - في يوم الخميس لثلاث عشرة ليلة بقيت من شعبان سنة ثمان وعشرين وثلثمائة، وصلى عليه ابنه أبو نصر، ودفن إلى جانب أبي عمر في دار إلى جانب داره.
قال أبو بكر الصولي: كان هذا القاضي عمر بن محمد قد بلغ من العلوم مبلغاً عظيماً، وقرأ علي من كتب اللغة والأخبار ما يقارب عشرة آلاف ورقة، وتوفي ابن سبع وثلاثين سنة، ووجد عليه الراضي وجداً شديداً حتى كان يبكي بحضرتنا، وقال: كنت أضيق بالشيء ذرعاً، فيوسعه علي، وكان يقول لا بقيت بعده.
عثمان بن عبدويه أبو عمرو البزاز الكشي سمع إبراهيم الحربي، روى عنه أبو بكر بن أبي موسى القاضي، وكان ثقة. توفي في رمضان هذه السنة.
محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت، أبو الحسن المقرئ المعروف ابن شنبوذ حدث عن أبي مسلم الكجي، وبشر بن موسى، وخلق كثير من أهل الشام ومصر، وكان قد تخير لنفسه حروفاً من شواذ القراآت، وقرأ بها فصنف أبو بكر الأنباري وغيره كتباً في الرد عليه.
أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا الخطيب، قال: أخبرني إبراهيم بن مخلد فيما اذن لي أن ارويه عنه، قال: أخبرنا إسماعيل بن علي الخطبي، قال: اشتهر ببغداد أمر رجل يعرف بابن شنبوذ يقرئ الناس ويقرأ في المحراب بحروف يخالف المصاحف مما يروى عن ابن مسعود وأبي وغيرهما مما كان يقرأ به قبل جمع المصحف الذي جمعه عثمان، ويتبع الشواذ فيقرأ بها ويجادل حتى عظم أمره وفحش، وأنكره الناس فوجه السلطان فقبض عليه في يوم السبت لست خلون من ربيع الآخر سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة، وحمل إلى دار الوزير محمد بن علي ابن مقلة، واحضر القضاة والفقهاء والقراء، وناظره - يعني الوزير - بحضرتهم، فأقام على ما ذكر عنه ونصره، واستنزله الوزير عن ذلك فأبى أن ينزل عنه أو يرجع عما يقرأ به من هذه الشواذ المنكرة التي تزيد على المصحف وتخالفه، فأنكر ذلك جميع من حضر المجلس، وأشاروا بعقوبته ومعاملته بما يضطره إلى الرجوع، فأمر بتجريده وإقامته بين الهنبازين وضربه بالدرة على قفاه، فضرب نحو العشر درر ضرباً شديداً، فلم يصبر واستغاث وأذعن بالرجوع والتوبة، فخلي عنه واعيدت ثيابه واستتيب، فكتب عليه كتاب بتوبته، وأخذ عليه خطه بالتوبة.
توفي ابن شنبوذ يوم الاثنين لثلاث ليال خلون من صفر هذه السنة.
محمد بن الحسن بن محمد بن حاتم بن يزيد، أبو الحسن المعروف والده بعبيد العجل حدث عن زكريا بن يحيى المروزي، وموسى بن هارون الطوسي. روى عنه الدارقطني.
أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب، قال: بلغني عن أبي الفتح عبيد الله بن أحمد النحوين أنه ذكره فقال: كان سيئ الحال في الحديث.
توفي يوم الثلاثاء لأربع عشرة بقين من رجب هذه السنة.
محمد بن علي بن الحسين بن عبد الله، أبو علي المعروف ابن مقلة


ولد في شوال ببغداد في سنة اثنتين وسبعين ومائتين، فأول تصرف تصرفه مع أبي عبد الله محمد بن داود بن الجراح وسنه يومئذ ست عشرة سنة، وذلك في سنة ثمان وثمانين، فأقام معه ثمانية أشهر، ثم انتقل إلى أبي الحسن ابن الفرات قبل تقلده الوزارة، وأجرى له مثل ذلك، وكان يسترفق في أيامه بقضاء الحوائج، ثم زاده في الجراية وولي ابن الفرات الوزارة، ثم عزل وأعيد، فقلد غير ابن مقلة المكاتبات، فسعى به ابن مقلة حتى صرف ثم عاد إلى الوزارة فقبض على ابن مقلة وصادره على مائة ألف دينار، ثم آل الأمر إلى أن وزر لثلاثة خلفاء.
وزر ابن مقلة للمقتدر في سنة ست عشرة وثلثمائة، وقبض عليه في آخر سنة سبع عشرة، ووزر للقاهر سنة عشرين واستتر عنه خوفاً منه سنة إحدى وعشرين فلم يظهر حتى بويع للراضي بالله، وقال: كنت مستتراً في دار أبي الفضل بن ماري النصراني بدرب القراطيس، فسعى بي إلى القاهر وعرف موضعي فبينا أنا جالس وقد مضى نصف الليل أخبرتنا زوجة ابن ماري أن الشارع قد امتلأ بالمشاعل والخيل، فطار عقلي ودخلت بيتاً فيه تبن فدخلوه ونبشوه بأيديهم، فلم أشك أني مأخوذ فعاهدت الله تعالى أنه إن نجاني أن أنزع عن ذنوب كثيرة، وإن تقلدت الوزارة أمنت المستترين وأطلقت ضياع المنكوبين ووقفت وقوفاً على الطالبيين، فما استتممت نذري حتى خرج الطلب وكفاني الله أمرهم.
وكان ابن مقلة قد نفى أبا العباس أحمد بن عبيد الله الخصيبي، وسليمان بن الحسن، وكلاهما وزراء للمقتدر، وتقدم بانفاذهما في البحر فخب بهما البحر ويئسا من الحياة، فقال الخصيبي: اللهم اني استغفرك من كل ذنب وخطيئة، وأتوب إليك من معاودة معاصيك إلا من مكروه أبي علي ابن مقلة فإنني إن قدرت عليه جازيته عن ليلتي هذه وما حل بي منه فيها، وتناهيت في الإساءة إليه، فقال سليمان: ويحك في هذا الموضع وأنت معاين للهلاك تقول هذا ؟ فقال: لا أخادع ربي وأعيد من عمان، فلما عزل ابن مقلة في خلافة الراضي ضمنه الخصيبي بألفي ألف دينار، وحلت به المكاره من قبله، وكان ابن مقلة لما شرع في بناء داره بالزاهر جمع المنجمين حتى اختاروا له وقتاً لبنائه، ووضع أساسه بين المغرب والعشاء، فكتب إليهم بعضهم:
قل لابن مقلة مهلاً لا تكن عجلاً ... واصبر فانك في اضغاث احلام
تبني بانقاض دور الناس مجتهداً ... داراً ستنقض ايضاً بعد ايام
ما زلت تختار سعد المشتري لها ... فلم توق به من نحس بهرام
إن القران وبطليموس ما اجتمعا ... في حال نقض ولا في حال إبرام
وكان له بستان عدة أجربة شجر بلا نخل عمل له شبكة ابريسم، وكان يفرخ فيه الطيور التي لا تفرخ إلا في الشجر، كالقماري والدباسي، والهزار، والببغ، والبلابل، والطواويس، والقبج، وكان فيه من الغزلان والبقر البدوية، والنعام، والابل وحمير الوحش، وبشر بأن طائراً بحرياً وقع على طائر بري فازدوجا وباضا وأفقصا، فأعطى من بشره بذلك مائة دينار ببشارته وكان بين جحظة الشاعر وبين ابن مقلة صداقة قبل الوزارة، فلما استوزر استأذن عليه جحظة فلم يؤذن له فقال:
قل للوزير ادام الله دولته ... اذكر منادمتي والخبز خشكار
إذ ليس بالباب برذون لنوبتكم ... ولا حمار ولا في الشط طيار
وكان ابن مقلة يوماً على المائدة، فلما غسل يده رأى على ثوبه نقطة صفراء من الحلوى، فأخذ القلم وسودها وقال: تلك عيب، وهذا اثر صناعة، وأنشد:
إنما الزعفران عطر العذارى ... ومداد الدواة عطر الرجال
وجرى على ابن مقلة في اعتقاله المكاره، وأخذ خطه بألف ألف دينار، وأطلق بعد ذلك فكتب إلى الراضي أنه إن اعاده إلى الوزارة استخرج له ثلاثة آلاف ألف دينار، وقد ذكرنا أنه ضمن بعض الأمراء بمال فاستفتى الفقهاء في حقه، فقال بعضهم: هذا قد سعى في الأرض بالفساد فتقطع يده، فقطعت وكان ينوح على يده، ويقول: يد خدمت بها الخلفاء ثلاث دفعات، وكتبت بها القرآن دفعتين تقطع كما تقطع أيدي اللصوص، ثم قال: ان المحنة قد نشبت بي وهي تؤديني إلى التلف، وانشد:
إذ ما مات بعضك فابك بعضاً ... فإن البعض من بعض قري
ومن شعر ابن مقلة حين قطعت يده، قوله:


ما سئمت الحياة لكن توثق ... ت بأيمانهم فبانت يميني
بعت ديني لهم بدنياي حتى ... حرموني دنياهم بعد ديني
فلقد حطت ما استطعت بجهدي ... حفظ ارواحهم فما حفظوني
ليس بعد اليمين لذة عيش ... يا حياتي بانت يميني فبيني
وقال أيضاً:
إذا أتى الموت لمياقته ... فعد عن قول الأطباء
وإن مضى من أنت صب به ... فالصبر من فعل الألباء
ما مر شيء من بني آدم ... أمرّ من فقد الأحباء
ثم قطع لسانه بعد ذلك، وطال حبسه، فلحقه ذرب، وكان يستسقي الماء بيده اليسرى وفمه إلى أن مات في شوال سنة ثمان وعشرين وثلثمائة، ودفن في دار السلطان، ثم سأل أهله تسليمه اليهم فنبش وسلم إليهم. فدفنه ابنه أبو الحسين في داره، ثم نبشته زوجته المعروفة بالدينارية ودفنته في دارها.
ومن العجائب أنه تقلد الوزارة ثلاث دفعات، وسافر في عمره ثلاث مرات واحدة إلى الموصل، واثنتين في النفي إلى شيراز، ودفن بعد موته ثلاث مرات في ثلاث مواضع.
محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن بيان بن سماعة بن فروة بن قطن ابن دعامة، أبو بكر ابن الأنباري ولد يوم الأحد لاحدى عشرة ليلة خلت من رجب سنة إحدى وسبعين ومائتين وسمع إسماعيل بن اسحاق القاضي، والكديمي، وثعلباً، وغيرهم. وكان صدوقاً فاضلاً ديناً من أهل السنة، وكان من أعلم الناس بالنحو والأدب، وأكثرهم حفظاً له، وصنف كتباً كثيرة في علوم القرآن، وغريب الحديث، وغير ذلك وذكر عنه أنه كان يحفظ ثلثمائة ألف بيت من الشواهد في القرآن، وكتب عنه وأبوه حي.
أنبأنا محمد بن عبد الباقي، أنبأنا علي بن أبي علي البصري. عن أبيه، قال: أخبرني غير واحد ممن شاهد أبا بكر ابن الأنباري أنه كان يملي من حفظه لا من كتاب، وأن عادته في كل ما كتب عنه من العلم كانت هكذا ما أملى قط من دفتر.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي الحافظ، قال: سمعت حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق، يقول: حدثني أبي، عن جدي أن أبا بكر ابن الأنباري مرض فدخل عليه أصحابه يعودونه فرأوا من انزعاج ابيه وقلقه عليه أمراً عظيماً فطيبوا نفسه ورجوه العافية، فقال لهم: كيف لا أقلق وأنزعج لعلة من يحفظ جميع ما ترون، وأشار لهم إلى حيرى مملوء كتباً.
قال حمزة: وكان مع حفظه زاهداً متواضعاً، حكى أبو الحسن الدارقطني أنه حضره في مجلس املاء يوم جمعة فصحف اسماً أورده في إسناد حديث أما كان حيان، فقال: حبان أو كان حبان فقال حيان: قال أبو الحسن: فاعظمت أن يحمل عن مثله في فضله وجلالته وهم وهبته أن أقفه على ذلك، فلما انقضى الاملاء تقدمت إلى المستملي وذكرت له وهمه وعرفته صواب القول فيه وانصرفت، ثم حضرت الجمعة الثانية مجلسه، فقال أبو بكر للمستملي: عرف الحاضرين أنا صحفنا الاسم الفلاني لما أملينا حديث كذا في الجمعة الماضية، ونبهنا ذلك الشاب على الصواب، وعرف ذلك الشاب أنا رجعنا إلى الأصل فوجدناه كما قال.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، أخبرنا أبو العلاء الواسطي، قال: قال محمد بن جعفر التميمي: ما رأينا أحفظ من أبي بكر الأنباري، ولا أغزر بحراً منه.
وحدثني عنه أبو الحسن العروضي، قال: اجتمعت أنا وهو عند الراضي على الطعام، وكان قد عرف الطباخ ما يأكل أبو بكر، فكان يشوي له قلية يابسة، قال: فأكلنا نحن من أطايب الطعام وألوانه، وهو يعالج تلك القلية، ثم فرغنا وأتينا بحلوى، فلم يأكل منها شيئاً، وقام وقمنا إلى الخيش فنام بين الخيشين ونمنا نحن في خيش ينافس فيه، ولم يشرب ماء إلى العصر، فلما كان مع العصر قال لغلام: الوظيفة، فجاء بماء من الحب وترك الماء المزمل بالثلج، فغاظني أمره فصحت صيحة، فأمر أمير المؤمنين بإحضاري، وقال: ما قصتك ؟ فأخبرته، وقلت: هذا يا أمير المؤمنين يحتاج أن يحال بينه وبين تدبير نفسه لأنه يقتلها ولا يحسن عشرتها، قال: فضحك، وقال: له في هذا لذة وقد صار له إلفاً فلا يضره. ثم قلت: يا أبا بكر لم تفعل هذا بنفسك ؟ فقال: أبقي على حفظي، قلت: ان الناس قد أكثروا في حفظك، فكم تحفظ ؟ قال: أحفظ ثلاثة عشر صندوقاً.


قال محمد بن جعفر: وهذا ما لا يحفظه أحد قبله ولا بعده، وحدثت أنه كان يحفظ عشرين ومائة تفسير من تفاسير القرآن بأسانيدها.
وقال لنا أبو الحسن العروضي: كان يتردد ابن الأنباري إلى أولاد الراضي، فسألته جارية عن تفسير رؤيا فقال: أنا حاقن، ثم مضى فلما كان من غد عاد وقد صار معبراً للرؤيا وذلك أنه مضى من يومه، فدرس كتاب الكرماني وجاء. قال: وكان يأخذ الرطب فيشمه ويقول: أما انك طيب ولكن أطيب منك حفظ ما وهب الله لي من العلم.
قال محمد بن جعفر: وكان يملي من حفظه وقد أملى غريب الحديث، قيل: انه خمسة وأربعون ألف ورقة وكتاب شرح الكافي وهو نحو ألف ورقة، وكتاب الهاآت نحو ألف ورقة، وكتاب الأضداد وما رأيت أكبر منه، والجاهليات سبعمائة ورقة، والمذكر والمؤنث ما عمل أحد أتم منه، وكتاب المشكل بلغ فيه إلى نصفه وما أتمه.
قال: وحدثت عنه أنه مضى يوماً إلى النخاسين وجارية تعرض حسنة كاملة الوصف، قال: فوقعت في قلبي ثم مضيت إلى دار أمير المؤمنين الراضي، فقال لي: أين كنت إلى الساعة ؟ فعرفته، فأمر بعض أسبابه، فمضى فاشتراها وحملها إلى منزلي، فجئت فوجدتها، فعلمت الأمر كيف جرى، فقلت لها: كوني فوق إلى أن استبرئك، وكنت أطلب مسألة قد اختلطت علين فاشتغل قلبي فقلت للخادم: خذها وامض بها إلى النخاس فليس قدرها أن تشغل قلبي عن علمي، فأخذها الغلام، فقالت: دعني أكلمه بحرفين، فقالت له: أنت رجل لك محل وعقل، وإذا أخرجتني ولم يتبين لي ذنبي لم آمن أن يظن الناس بي ظناً قبيحاً، فعرفنيه قبل أن تخرجني. فقلت لها: مالك عندي عيب غري أنك شغلتني عن علمي، فقالت: هذا سهل عندي.
وقال: فبلغ الراضي أمره، فقال: لا ينبغي أن يكون العلم في قلب أحد أحلى منه في قلب هذا الرجل.
ولما وقع في علة الموت أكل كل شيء كان يشتهي، وقال: هي علة الموت.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الله النحوي، قال: حدثني أب، قال: سمعت أبا بكر ابن الأنباري، يقول: دخلت المارستان بباب محول، فسمعت صوت رجل في بعض البيوت يقرأ: " أو لم يروا كيف يبديء الله الخلق ثم يعيده " فقال: أنا لا أقف إلا على قوله: " كيف يبديء الله الخلق " فأقف على ما عرفه القوم وأقروا به لأنهم لم يكونوا يقرون بإعادة الخلق وأبتدئ بقوله: " ثم يعيده " ليكون خبراً. وأما من قرأ على قراءة علي بن أبي طالب واذكر بعد أمهٍ، فهو وجه حسن الأمه النسيان، وأما أبو بكر بن مجاهد فهو إمام في القراءة: وأما قراءة الأحمق يعني ابن شنبوذ " إن تعذبهم فانهم عبادك وإن تغفر لهم فانك انت الغفور الرحيم " فخطأ، لأن الله تعالى قد قطع لهم بالعذاب في قوله: " ان الله لا يغفر أن يشرك به " ، قال: فقلت لصاحب المارستان: من هذا الرجل ؟ فقال: هذا إبراهيم الموسوس محبوس، فقلت: ويحك هذا أبي بن كعب افتح الباب عنه، ففتح الباب فإذا أنا برجل منغمس في النجاسة والأدهم في قدميه، فقلت: السلام عليك، فقال: كلمة مقولة، فقلت: ما منعك من رد السلام علي ؟ فقال: السلام أمان، وإني أريد أن امتحنك، ألست تذكر اجتماعنا عند أبي العباس - يعني ثعلباً - في يوم كذا وفي يوم كذا، وعرفني ما ذكرته وعرفته، وإذا به رجل من أفاضل أهل العلم، فقال: هذا الذي تراني منغمساً فيه ما هو، قال: فقلت: الخراء يا هذا، فقال: وما جمعه ؟ فقلت: خروء، فقال: لي صدقت وأنشد.
كأن خروء الطير فوق رؤوسهم
ثم قال لي: والله لو لم تجبني بالصواب لأطعمتك منه، فقلت: الحمد لله الذي نجاني منك، وتركته وانصرفت.


أنبأنا محمد بن ناصر، أنبأنا عبد المحسن بن محمد بن علي، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد، أخبرنا القاضي أبو الحسن علي بن عبد الله الدينوري قال: قال أبو بكر عبد الله بن علي بن عيسى: لما مرض أبو بكر ابن الأنباري مرضه الذي توفي فيه انقطع عن الخروج إلى المسجد أياماً، فدخلوا عليه واعتذروا من تأخرهم عنه، فقال له واحد من الجماعة: تقدم في أخذ الماء من غد فاني أجيئك بسنان بن ثابت المتطبب، وكان يجتمع في حلقته وجوه الحضرة من أولاد الوزراء والكتاب والأمراء والأشراف، فلما كان من الغد حضر سنان بن ثابت مع ذلك الرجل، فدخل إليه، فلما توسط المنزل، قال: أروني الماء ما دمت في الضوء، فنظر إليه ثم دخل إلى العليل فسأله عن حاله، قال له: رأيت الماء وهو يدل على اتعابك جسمك وتكلفك أمراً عظيماً لا يطيقه الناس، قال: قد كنت افعل ذلك ولم يعلم من أي نوع، فوصف له سنان ما يستعمله ثم خرج فتبعه قوم، فقال: هو تالف وما فيه حيلة فارفقوا به، ثم مضى فلما بعد قلت لابن الأنباري: يا أستاذ، ما الذي كنت تفعله حتى استدل المتطبب عليه من حالك ؟ فقال: كنت أدرس في كل جمعة عشرة آلاف ورقة.
توفي أبو بكر بن الأنباري ليلة النحر من هذه السنة.
أم عيسى بنت إبراهيم الحربي: كانت عالمة فاضلة تفتي في الفقه.
وتوفيت في رجب هذه السنة، ودفنت إلى جانب أبيها.
ثم دخلت
سنة تسع وعشرين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: أن الفرات زادت أحد عشر ذراعاً وانبثق بثق من نواحي الأنبار، فاجتاح القرى وغرقها وغرق الناس والبهائم والوحش والسباع وصب الماء في الصراة إلى بغداد وغرق شارع الجانب الغربي وغرق شارع باب الأنبار، فلم يبق منه منزل إلا وسقط، وتساقطت الأبنية على الصراة، وسقطت قنطرة الصراة الجديدة، وانقطع بعض العتيقة، وزادت دجلة ثمانية عشر ذراعاً في أيار وحزيران.
ومرض الراضي، فقام في يومين أربعة عشر رطلاً من الدم، كذلك قال الصولي ولما اشتدت علته أرسل إلى بجكم وهو بواسط يعرفه شدة علته، ويسأله أن يعقد ولاية العهد لابنه الأصغر، وهو أبو الفضل وتوفي الراضي، وتولى الخلافة المتقي لله أخوه.
باب ذكر خلافة المتقي بالله
واسمه إبراهيم بن المقتدر ويكنى أبا إسحاق، وأمه أم ولد تسمى حلوب، أدركت خلافته، وولد في شعبان سنة سبع وتسعين ومائتين، وكان قد اجتمع الأشراف والقضاة في دار بجكم وشاوروه فيمن يولون، فاتفقوا عليه، فحمل من داره - وكانت بأعلى الحريم الظاهري - إلى دار الخلافة، فصعد إلى رواق التاج فصلى ركعتين على الأرض وجلس على السرير، وبايعه الناس. وكان استخلافه يوم الأربعاء لعشر بقين من ربيع الأول من هذه السنة.
ولم يغدر بأحد قط، ولا تغير على جاريته التي كانت له قبل الخلافة، ولا تسرى عليها، وكان حسن الوجه، مقبول الخلق، قصير الأنف، أبيض مشرباً بحمرة، في شعره شقرة وجمودة، كث اللحية، أشهل العينين، أبي النفس، لم يشرب النبيذ قط.
وكان يتعبد ويصوم جداً، وكان يقول: المصحف نديمي، ولا أريد جليساً غيره، فغضب الجلساء من هذا، حتى قال أبو بكر الصولي - وأودع هذا الكلام في كتابه المسمى بالأوراق ،فقال: ما سمع بخليفة قط قال أنا لا أريد جليساً، أنا أجالس المصحف، سواه، أفتراه ظن أن مجالسة المصحف خص بها دون آبائه وأعمامه الخلفاء، وأن هذا الرأي غمض عنهم وفطن له.
قال المصنف: فاعجبوا لهذا المنكر للصواب، وهو يعلم أنه كان هو والجلساء لا يكادون يشرعون فيما ينفع، وأقله المدح، فليته إذ قال هذا لم يثبته في تصنيف.
وفي يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى: فرغ من مسجد براث وجمع فيه الجمعة.


أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: كان في الموضع المعروف ببراثا مسجد يجتمع فيه قوم ممن ينسب إلى ثابت قال: كان في الموضع المعروف ببراثا مسجد يجتمع فيه قوم ممن ينسب إلى التشيع، يقصدونه لا للصلاة والجلوس، فرفع إلى المقتدر بالله أن الرافضة يجتمعون في ذلك المسجد لسب الصحابة، والخروج عن الطاعة، فأمر بكبسه يوم الجمعة وقت الصلاة فكبس، وأخذ من وجد فيه فعوقبوا وحبسوا حبساً طويلاً، وهدم المسجد حتى سوي بالأرض، وعفى رسمه، ووصل بالمقبرة التي تليه، ومكث خراباً إلى سنة ثمان وعشرين وثلثمائة، فأمر الأمير بجكم بإعادته وإحكامه وتوسعة بنائه، فبني بالآجر والجص، وسقف بالساج المنقوش، ووسع فيه ببعض ما يليه مما ابتيع له من الأملاك التي للناس، وكتب في صدره اسم الراضي بالله، وكان الناس ينتابونه للصلاة فيه والتبرك، ثم أمر المتقي بالله، بعد، بنصب منبر فيه، وكان في مدينة المنصور معطلاً مخبوءاً في خزانة المسجد، عليه اسم هارون الرشيد، فنصب في قبلة المسجد، وتقدم إلى أحمد بن الفضل بن عبد الملك الهاشمي، وكان الإمام في مسجد الرصافة بالخروج إليه، والصلاة بالناس فيه الجمعة، فخرج وخرج الناس من جانبي مدينة السلام، حتى حضروا هذا المسجد، وكثر الجمع، وحضر صاحب الشرطة،فأقيمت صلاة الجمعة فيه يوم الجمعة لاثننتي عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة تسع وعشرين وثلثمائة، وتوالت صلاة الجمع فيه، ثم تعطلت الصلاة فيه بعد الخمسين وأربعمائة.
وفي يوم الخميس لسبع خلون من جمادى الآخرة: سقطت رأس القبة الخضراء بالمدينة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت أنبأنا إبراهيم بن مخلد إسماعيل بن علي الخطبي قال: سقطت رأس القبة الخضراء التي في قصر أبي جعفر المنصور لتسع خلون من جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين، وكان تلك الليلة مطر عظيم، ورعد هائل، وبرق شديد، وكانت هذه القبة تاج بغداد،وعلم البلد، ومأثرة من مآثر بني العباس عظيمة، بنيت أول ملكهم، وكان بين بنائها وسقوطها مائة وسبع وثمانون سنة.
أخبرنا القزاز، قال: قال لي أبو الحسين بن عياش: اجتمعت أيام المتقي بالله إسحاقات كثيرة، فانسحقت خلافة بني العباس في أيامه، وانهدمت قبة المنصور الخضراء التي كان بها فخرهم فقلت له:ما كانت الإسحاقات؟ قال: كان يكنى أبا إسحاق، وكان وزيره القراريطي، يكنى: أبا إسحاق،وكان قاضيه ابن إسحاق الخرافي، وكان محتسبه أبو إسحاق بن بطحاء،وكان صاحب شرطته أبو إسحاق بن أحمد، وكانت داره القديمة في دار إسحاق بن إبراهيم المصبي وكانت الدار نفسها دار إسحاق بن كنداح.
واشتد الغلاء في جمادى الأول وزاد، وبلغ الكر الدقيق مائة وثلاثين ديناراً، وأكل الناس النخالة و الحشيش، وكثر الموت حتى دفن جماعة في قبر واحد بلا صلاة،ولا غسل، ورخص العقار و القماش حتى بيع ما ثمنه دنانير بعددها دارهم.
وفي هذه السنة خرج التشرينان والكانونان وشباط بلا مطر إلا مطرة واحدة خفيفة لم يسل منها ميزاب وقطع الأكراد على قافلة خرجت إلى خراسان فأخذوا منها ما مبلغه ثلاثة آلاف دينار وكان أكثر المال لبجكم وزادت الفرات زيادة لم يعهد مثلها، وغرقت العباسية، ودخل الماء شوارع بغداد فسقطت القنطرة العتيقة والجديدة.
وفي شوال: اجتمعت العامة في جامع دار السلطان،وتظلمت من الديلم ونزولهم في دورهم بغير أجرة، وتعديهم عليهم في معاملاتهم، فلم يقع إنكار لذلك فمنعت العامة الإمام من الصلاة وكسرت المنبرين، وشعثت المسجد، ومنعهم الديلم من ذلك فقتلوا من الديلم جماعة.
و في هذا الشهر: تقلد أبو إسحاق محمد بن أحمد الإسكافي وزارة المتقي، وخلع عليه.
ووقع الموت في المواشي والعلل في الناس، وكثرت الحمى ووجع المفاصل، ودام الغلاء حتى تكشف المتجملون، وهلك الفقراء، واحتاج الناس إلى الاستسقاء فرئي منام عجيب.


أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزاز، أنبأنا علي بن عبد المحسن،عن أبيه قال: حدثني أبو الحسن أحمد بن يوسف الازرق، حدثنا أبو محمد الصلحي الكاتب قال: نادى منادي المتقي بالله في الأسواق أن أمير المؤمنين يقول لكم معشر رعيته أن امرأة صالحة رأت النبي صلى الله عليه وسلم في منامها فشكت احتباس القطر، فقال لها: قولي للناس يخرجون في يوم الثلاثاء الأدنى ويستسقون، ويدعون الله، فإنه يسقيهم في يومهم، وأن أمير المؤمنين يأمركم معاشر المسلمين بالخروج في يوم الثلاثاء كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم،وأن تدعوا وتستسقوا بإصلاح من نياتكم، وإقلاع من ذنوبكم. قال: فأخبرني الجم الغفير أنهم لما سمعوا النداء ضجت الأسواق بالبكاء والدعاء، فشق ذلك علي، قلت: في منام امرأة لا يدرى كيف تأويله، وهل يصح أم لا، ينادي به خليفة في أسواق مدينة السلام، فإن لم يسقوا كيف يكون حالنا مع الكفار، فليته أمر الناس بالخروج ولم يذكر هذا، وما زلت قلقاً حتى أتى يوم الثلاثاء، فقيل لي أن الناس قد خرجوا إلى المصلى مع أبي الحسن أحمد بن الفضل بن عبد الملك إمام الجوامع، وخرج أكثر أصحاب السلطان والفقهاء والأشراف، فلما كان قبل الظهر ارتفعت سحابة، ثم طبقت الآفاق، ثم أسبلت عزاليها بمطر جود، فرجع الناس حفاة من الوحل.
وفي هذه السنة: لم يمض الحاج إلى المدينة لأجل طالبى خرج في ذلك الصقع.
أحمد بن إبراهيم بن حماد بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد، أبو عثمان ولي قضاء مصر وقدم إليها، ثم عزل فأقام بها إلى أن توفي في رمضان هذه السنة،حدث عن إسماعيل بن إسحاق القاضي، وخلق كثير، وكان ثقة كريماً حيياً.
أحمد بن إبراهيم بن تومرد الفقيه: تفقه على أبي العباس بن سريج، خرج من الحمام فوقع عليه حائط فمات في هذه السنة.
إسحاق بن إبراهيم بن موسى أبو القاسم الغزال الفقيه ولد في سنة أربعين ومائتين، وحدث عن الحسن بن عرفة، ومحمد بن سعد العوفي، روى عنه يوسف الوقاس وتوفي بمصر في هذه السنة.
بجكم التركي: كان أمير الجيش، وكان يلقب أمير الأمراء قبل ملك بني بويه، وكان عاقلاً يفهم بالعربية ولا يتكلم بها، ويقول: أخاف أن أخطئ، و الخطأ من الرئيس قبيح وكان يقول: إن كنت لا أحسن العلم و الأدب فأحب أن لا يكون في الأرض أديب ولا عالم ولا رائس صناعة إلا في جنبتي، وتحت اصطناعي، وكان قد استوطن واسطاً، وقرر مع الراضي بالله أن يحمل إلى خزانته من مالها في كل سنة ثماني مائة ألف دينار بعد أن يخرج الغلة في مؤونة خمسة آلاف فارس يقيمون بها، وكان قد أظهر العدل، وكان يقول: قد نبئت أن العدل أربح للسلطان في الدنيا والآخرة، وبنى دار ضيافة للضعفاء والمساكين بواسط، وابتدأ بعمل المارستان ببغداد وهو الذي جدده عضد الدولة، وكانت أمواله كبيرة فكان يدفنها في داره وفي الصحارى، وكان يأخذ رجالاً في صناديق فيقفلها عليهم، ويأخذ صناديق فيها مال ويقود هو بهم إلى الصحراء، ثم يفتح عليهم فيعاونونه في دفن المال، ثم يعيدهم إلى الصناديق،فلا يدرون أي موضع حملهم، ويقول: إنما أفعل هذا لأني أخاف أن يحال بيني وبين داري، فضاعت بموته الدفائن.


وبعث بجكم إلى سنان بن ثابت الطيب بعد موت الراضي، وسأله أن ينحدر إليه إلى واسط، فانحدر إليه فأكرمه، وقال له: إني أريد أن أعتمد عليك في تدبير بدني، وفي أمر آخر هو أحب إلي من أمر بدني، وهو أمر أخلاقي لثقتي بعقلك ودينك فقد غمتني غلبة الغضب والغيظ، وإفراطهما في حتى أخرج إلى ما أندم عليه عند سكونهما من ضرب وقتل، وأنا أسألك أن تتفقد لي ما أعمله فإذا وفقت لي على عيب لم تحتشم أن تصدقني عنه، وتنبهني عليه، ثم ترشدني إلى علاجه. فقال له: السمع والطاعة، أنا أفعل ذلك، ولكن يسمع الأمير مني بالعاجل جملة علاج ما أنكره من نفسه إلى أن آتي بالتفصيل في أوقاته، اعلم أيها الأمير أنك أصبحت وليس فوق يدك يد لأحد من المخلوقين وأنك مالك لكل ما تريده قادر على أن تفعله أي وقت أردته، لا يتهيأ لأحد من المخلوقين منعك منه، ولا أن يحول بينك وما تهواه، أي وقت أردت، واعلم أن الغيظ والغضب يحدث في الإنسان سكراً أشد من سكر النبيذ بكثير، فكما أن الإنسان يفعل في وقت السكر من النبيذ ما لا يعقل به ولا يذكره إذا صحا، ويندم عليه إذا حدث به، ويستحي منه، كذلك يحدث له في وقت السكر من الغيظ بل أشد، فإذا ابتدأ بك الغضب، فضع في نفسك أن تؤخذ العقوبة إلى غد، واثقاً بأن ما تريد أن تعمله في الوقت لا يفوتك عمله، فإنك إذا بت ليلتك سكنت فورة غضبك، وقد قيل: أصح ما يكون الإنسان رأياً إذا استدبر ليله واستقبل نهاره.فإذا صحوت من غضبك فتأمل الأمر الذي أغضبك، وقدم أمر الله عز و جل أولاً، والخوف منه، وترك التعرض لسخطه، واشف غيظك بما لا يؤثمك، فقد قيل: ما شفى غيظه من إثم واذكر قدرة الله عليك،فإنك تحتاج إلى رحمته وإلى أخذه بيدك في أوقات شدائدك، فكما تحب أن يغفر لك، كذلك غيرك يحب أن تعفو عنه، واذكر أي ليله بات المذنب قلقاً لخوفه منك، وما يتوقعه من عقوبتك، واعرف مقدار ما يصل إليه من السرور بزوال الرعب عنه، ومقدار الثواب الذي يحصل لك بذلك، واذكر قوله تعالى: " ألا تحبون أن يغفر الله لكم " وإنما يشتد عليك ذلك مرتين أو ثلاثاً، ثم تصير عادةً لك وخلقاً فيسهل. فابتدأ بجكم فعمل بما قال له وعمل بواسط وقت المجاعة دار ضيافة، وببغداد مارستان ورفق بالرعية إلا أن مدته لم تطل.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزاز، عن أبي القاسم التنوخي، عن أبيه قال: حدثني عبد السلام ابن الحارث قال: جاء رجل من الصوفية إلى بجكم فوعظه وتكلم بالفارسية والعربية حتى أبكاه بكاء شديداً، فلما ولي قال بجكم لبعض من حضره: أحمل معه ألف درهم. فحملت وأقبل من بين يديه، فقال: ما أظنه يقبلها وهذا متخرق بالعبادة: أيش يعمل بالدراهم؟ فما كان بأسرع من أن جاء الغلام فارغ اليد فقال له بجكم: أعطيته إياها؟ قال: نعم. فقال بجكم: كلنا صيادون ولكن الشباك تختلف. وخرج بجكم يوماً يتصيد فلقي قوماً من الأكراد مياسير فشره إلى أموالهم، فقصدهم في عدد يسير من غلمانه مستهيناً بأمرهم، فهربوا من بين يديه وتفرقوا فدار غلام منهم من خلفه، فطعنه بالرمح، وهو لا يعرفه فقتله لسبع بقين من رجب هذه السنة، وكانت إمارته سنتين وثمانية أشهر وتسعة أيام.
فركب المتقي إلى داره فنزلها ونقل ما كان فيها، وحفر أساساتها، فحصل به من ماله ما يزيد على ألفي ألف عيناً وورقاً، وقيل للروز جارية: خذوا التراب أجرتكم. فأبوا، فأعطوا ألفي درهم، وغسل التراب فخرج منه ستة وثلاثون ألف درهم، وقيل: ظهر له على ألف دينار عيناً وورقاً، وبيع له من أصناف الأموال والرقيق والجواهر والكساء والمراكب والأواني والرقيق والخف والحافر والسلاح أمر عظيم، سوى ما نهب وتلف، ثم ظهر على مال عظيم في داره سوى المال الأول مدفون، فمن ذلك ستة عشر قمقماً ذهباً يحمل القمقم في الدهق لثقله.
جعفر بن أحمد بن محمد بن يحيى بن عبد الجبار، أبو محمد القارئ المؤذن، مروزي الأصل. ؟؟سمع من جماعة، وروى عنه ابن المظفر، والدار قطني، وقال: هو ثقة. توفي في ربيع هذه السنة.
الحسن بن علي بن خلف أبو محمد البربهاري


جمع العلم، والزهد، وصحب المروذي، وسهلاً التستري، وتنزه عن ميراث أبيه لأمر كرهه، وكان سبعين ألف درهم، وكان شديداً على أهل البدع، فما زالوا يثقلون قلب السلطان عليه، وكان ينزل بباب محول، وانتقل إلى الجانب الشرقي، واستتر عند أخت توزون فبقي نحواً من شهر، ثم أخذه قيام الدم فمات، فقالت المرأة لخادمها: انظر من يغسله، وغلقت الأبواب حتى لا يعلم أحد، وجاء الغاسل فغسله، ووقف يصلي عليه وحده، فاطلعت فإذا الدار ممتلئة رجالاً بثياب بيض وخضر، فاستدعت الخادم وقالت: ما الذي فعلت؟ فقال: يا سيدتي رأيت ما رأيت؟ قالت: نعم. قال: هذه مفاتيح الباب وهو مغلق. فقالت: ادفنوه في بيتي، وإذا مت فادفنوني عنده، فدفنوه في دارها، وماتت بعده فدفنت هناك، والمكان بقرب دار المملكة بالمخرم، وكان عمره ستاً وتسعين سنة قال المصنف: قال شيخنا أبو الحسن ابن الزاغوني: وكشف عن قبره بعد سنتين وهو صحيح لم يرم وظهرت من قبره روائح الطيب حتى ملأت مدينة السلام.
الحسن بن إدريس بن محمد بن شاذان أبة القاسم القافلائي حدث عن جماعة، فروى عنه ابن حيويه والدار قطني. توفي في هذه السنة.
الحسن بن محمد بن أحمد بن أبي الشوك أبو محمد الزيات سمع هلال بن العلاء وغيره وروى عنه الدار قطني وابن شاهين وكان ثقة. توفي في هذه السنة.
عبد الله بن أحمد بن ثابت أبو القاسم البزاز حدث عن حفص بن عمرو الربالي، ويعقوب الدورقي، روى عنه الدار قطني وابن شاهين وكان صالحاً ثقة، توفي في رجب هذه السنة.
عبد الله بن طاهر بن حاتم أبو بكر الأبهري صحب يوسف بن الحسين، وكان من أقران الشبلي، وأسند الحديث. أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا أبو بكر بن خلف، قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت إسحاق بن محمد بن عبد الله يقول: سمعت أبا بكر بن طاهر يقول وسئل ما بال الإنسان يحتمل من معلمه ما لا يحتمل من أبويه؟ فقال: لأن أبويه سبب حياته الفانية، ومعلمه سبب حياته الباقية.
عبد الله بن محمد بن إسحاق بن يزيد، أبو القاسم مروزي الأصل: سمع سعدان بن نصر، روى عنه الدار قطني، وابن شاهين، وكان ثقة. وتوفي في رمضان هذه السنة.
عبيد الله بن موسى بن إسحاق بن موسى أبو الأنصاري الخطمي حدث عن محمد بن سعد العوفي، روى عنه ابن المظفر، والدار قطني، وكان ثقة، وتوفي هذه السنة.
عبد الملك بن يحيى بن الحسين، أبو الحسين العطار الزعفراني المعروف ابن أبي زكار حدث عن علي بن داود القنطري، روى عنه الدار قطني، وكان ثقة. وتوفي في محرم هذه السنة.
محمد الراضي بالله أمير المؤمنين ابن المقتدر توفي ليلة السبت لأربع عشرة بقيت من ربيع الآخر على خمس ساعات ماضية من الليل بعلة الاستسقاء، وكان من أعظم آفاته كثرة الجماع، وغسله القاضي يوسف بن عمر، وكانت خلافته ست سنين، وعشرة أشهر، وعمره إحدى وثلاثين سنة وخمسة أشهر، دفن في تربته بالرصافة.
وكانت تربة عظيمة قد أنفقت عليها الأموال، والآن فقد عمل عندها سور المحلة فلم يبق منها إلا قريب، ودفنت عنده أمه ظلوم.
محمد بن أحمد بن أبي سهل واسمه يزيد بن خالد أبو الحسين الحربي حدث عن أبي العباس بن مسروق، روى عنه أبو عبد الله بن بطة. وتوفي في شعبان هذه السنة.
محمد بن أيوب بن المعافى بن العباس أبو بكر العكبري حدث عن إسماعيل بن إسحاق القاضي، وإبراهيم الحربي، روى عنه ابن بطة وغيره، وكان ثقة صالحاً زاهداً، وكان ابن بطة يقول: ما رأيت أفضل من أبي بكر بن أيوب، وتوفي في رمضان هذه السنة.
محمد بن حمدويه بن سهل بن يزداد أبو نصر المروزي روى عنه الدار قطني، وكان ثقة، وتوفي في هذه السنة، وقيل: في سنة سبع وعشرين، والأول أصح.
يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول أبو بكر الأزرق التنوخي الكاتب


ولد بالأنبار سنة ثمان وثلاثين ومائتين، وسمع جده إسحاق، والزبير بن بكار، والحسن بن عرفة، وغيرهم. وكتب عنه كثيراً من اللغة والنحو والأخبار، وكان أزرق العين، متخشناً في دينه، كثير الصدقة، تصدق بنحو مائة ألف دينار، وكان أماراً بالمعروف، روى عنه ابن المظفر، والدار قطني، وابن شاهين، وآخر من روى عنه أبو الحسين بن المتيم، وكان ثقة.
وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة، ودفن في مقابر باب الكوفة، وله اثنتان وتسعون سنة.