المنتظم

الجزء الرابع عشر
ثم دخلت
سنة ثلاثين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: أنه ظهر في المحرم كوكب مذنب رأسه إلى الغرب وذنبه إلى الشرق، وكان عظيماً جداً منتشر الذنب، وبقي ثلاثة عشر يوماً إلى أن اضمحل.
وفي نصف ربيع الأول: بلغ الكر الحنطة مائتين وعشرة دنانير والكر الشعير مائة وعشرين ديناراً، وأكل الضعفاء الميتة، ودام الغلاء، وكثر الموت، وشغل الناس بالمرض والفقر، وتقطعت السبل، وترك التدافن للموتى، واشتغل الناس عن الملاهي واللعب.
وفي يوم الجمعة لأربع خلون من شهر ربيع الآخر: قام رجل من العامة في جامع الرصافة والإمام يخطب، فلما دعا للمتقي لله قال له العامي: كذبت، ما هو بالمتقي، فأخذ وحمل إلى دار السلطان، وخرج المتقي، فلقي ناصر الدولة أبا محمد بن حمدان حين دخل بغداد، وجاء مطر كأفواه القرب، وامتلأت البلاليع وفاضت، ودخل دور الناس، وبلغت زيادة دجلة عشرين ذراعاً وثلثاً.
ووقعت حرب بين الأتراك والقرامطة بناحية باب حرب، وقتل فيها جماعة، فانهزم القرامطة وخرجوا عن بغداد، وزاد البلاء على الناس ببغداد وكبست منازلهم ليلاً ونهاراً وافتقر أهل اليسار، واستتر أكثر العمال لأجل ما طولبوا به مما ليس في السواد.
وخرج أصحاب السلطان إلى ما قرب من بغداد فأغاروا على ما استحصد من الزرع، حتى اضطر أصحاب الضياع إلى حمل ما حصدوه بسنبله، ووقع بين توزون و كورتكين التركيين، فأصعد توزون إلى الموصل، وأنفذ في طلبه فلم يلحق.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
إسحاق بن محمد أبو يعقوب النهرجوري صحب الجنيد وغيره، وجاور بالحرم سنين، وبه مات في هذه السنة. أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا أبو بكر بن خلف، قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا الحسن الفارسي يقول: سمعت أبا يعقوب النهرجوري يقول: مفاوز الدنيا تقطع بالأقدام، ومفاوز الآخرة تقطع بالقلوب.
الحسن بن إسماعيل بن محمد بن سعيد بن أبان، أبو عبد الله الضبي القاضي المحاملي. ولد في محرم سنة خمس وثلاثين ومائتين، وسمع الحديث وله عشر سنين، وشهد عند الحكام وله عشرون سنة، وسمع يوسف بن موسى القطان، ويعقوب الدورقي، والبخاري وروى له، وخلقاً كثيراً، وكان عنده سبعون رجلاً من أصحاب ابن عيينة. روى عنه دعلج، وابن المظفر، والدار قطني، وكان يحضر مجلسه عشرة آلاف وكان صدوقاً أديباً فقيهاً، مقدماً في الفقه والحديث، ولي قضاء الكوفة ستين سنة، وأضيف إليه قضاء فارس وأعمالها، ثم استعفى فأعفي، وعقد في داره مجلساً للنظر في الفقه في سنة سبعين ومائتين، فلم تزل تتردد إليه الفقهاء إلى أن توفي في هذه السنة.


أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا أبو أحمد بن علي الخطيب، قال: أخبرنا أحمد بن محمد العتيقي، قال: أخبرنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري قال: حدثنا القاضي الحسين بن إسماعيل قال: كنت عند أبي الحسن بن عبدون وهو يكتب لبدر ، وعنده جمع فيهم أبو بكر الداوودي، وأحمد بن خالد المادرائي فذكر قصة مناظرته مع الداوودي في التفضيل، إلى أن قال: فقال الداوودي: والله ما تقدر تذكر مقامات علي مع هذه العامة .قلت: أنا والله أعرفها مقامه ببدر، وأحد، والخندق، ويوم خيبر. قال: فإن عرفتها فينبغي أن تقدمه على أبي بكر وعمر. قلت: قد عرفتها ومنه قدمت أبا بكر وعمر عليه قال: من أين؟ قلت: أبو بكر كان مع النبي صلى الله عليه وسلم على العريش يوم بدر مقامه مقام الرئيس، ينهزم به الجيش، وعلي مقامه مقام مبارز، والمبارز لا ينهزم به الجيش، وجعل يذكر فضائله وأذكر فضائل أبي بكر. فقلت: لا تنكر لهما حقاً، ولكن الذين أخذنا عنهم القرآن والسنن وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قدموا أبا بكر فقدمناه لتقديمهم، فالتفت أحمد بن خالد فقال: ما أدري لم فعلوا هذا؟ قلت: إن لم تدر فأنا أدري. قال: لم فعلوا ؟ فقلت إن السؤدد والرياسة في الجاهلية كانت لا تعدو منزلتين، إما رجل كانت له عشيرة تحميه وإما رجل كان له فضل مال يفضل به ثم جاء الإسلام فجاء باب الدين فمات النبي صلى الله عليه وسلم وليس لأبي بكر مال ولم تكن تيم لها مع عبد مناف ومخزوم تلك الحال فإذا بطل اليسار والذي كانت ترأس به قريش أهل الجاهلية، فلم يبق إلا باب الدين فقدموه له فأفحم.
توفي المحاملي في ربيع الآخر من هذه السنة.
علي بن محمد بن عبيد بن حسان أبو الحسن البزاز ولد سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وسمع عباس الدوري، وأبا قلابة، روى عنه الدارقطني، وكان ثقة فاضلاً، توفي في شوال هذه السنة.
علي بن محمد بن سهل أبو الحسن الصائغ الدينوري أخبرنا أبو بكر العامري، قال: أخبرنا أبو سعد بن أبي صادق قال: أخبرنا ابن باكويه قال: سمعت الحسين بن أحمد الدينوري يقول: سمعت ممشاذ يقول: خرجت ذات يوم إلى الصحراء، فبينا أنا مار إذا أنا بنسر قد فتح جناحيه، فتعجبت منه فاطلعت، فإذا بأبي الحسن الدينوري الصائغ قائم يصلي والنسر يظلله.
توفي الصائغ بمصر في هذه السنة.
عبد الغافر بن سلامة بن أحمد بن عبد الغافر بن سلامة بن هاشم الحضرمي من أهل حمص. كان جوالاً، فقدم بغداد فحدث بها عن جماعة، فروى عنه الدارقطني، وابن شاهين، وابن الصلت، الأهوازي وهو آخر من روى عنه من البغداديين، والقاضي أبو عمر الهاشمي البصري. وهو آخر من روى عنه في الدنيا كلها، وكان ثقة.
توفي بالبصرة في هذه السنة.
محمد بن أحمد بن صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل أبو جعفر الشيباني حدث عن أبيه، وعن عمه زهير بن صالح؛ روى عنه الدارقطني وغيره.
وتوفي في هذه السنة.
محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مسلم، أبو بكر إمام مسجد الجامع العتيق بمصر. حدث عن إبراهيم بن مرزوق، وبكار بن قتيبة، وغيرهما، وكان نحوياً يعلم أولاد الملوك النحو. توفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
نصر بن أحمد أبو القاسم البصري المعروف: بالخبز أرزي الشاعر روى عنه المعافى بن زكريا وغيره.


أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أنا أبو منصور محمد بن محمد بن أحمد بن الحسين بن عبد العزيز العكبري، حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد المالكي، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد الأكفاني قال: خرجت مع عمي أبي عبد الله الأكفاني الشاعر، وأبي الحسين بن لنكك، وأبي عبد الله المفجع، وأبي الحسن السباك في بطالة عيد، وأنا يومئذ صبي أصحبهم، فمشوا حتى انتهوا إلى نصر بن أحمد الخبز أرزي وهو يخبر على طابقه، فجلست الجماعة عنده يهيئونه بالعيد ويتعرفون خبره، وهو يوقد السعف تحت الطابق فزاد في الوقود فدخنهم، فنهضت الجماعة عند تزايد الدخان، فقال نصر بن أحمد لأبي الحسين بن لنكك: متى أراك يا أبا الحسين؟ فقال له أبو الحسين: إذا اتسخت ثيابي. وكانت ثيابه يومئذ جدداً على أنقى ما يكون من البياض، فمشينا فقال أبو الحسين بن لنكك: يا أصحابنا، إن نصراً لا يخلي هذا المجلس الذي مضى لنا معه من شيء يقوله، ويجب أن نبدأه فجلس واستدعى دواة وكتب:
لنصر في فؤادي فرط حب ... أنيف به على كل الصحاب
أتيناه فبخرنا بخوراً ... من السعف المدخن للثياب
فقمت مبادراً فظننت نصراً ... وأراد بذاك طردي أو ذهابي
فقال متى أراك أبا حسين؟ ... فقلت له إذا اتسخت ثيابي
وأنفذ الأبيات إلى نصر فأملى جوابها فقرأناها، فإذا هو قد أجاب:
منحت أبا الحسين صميم ودي ... فداعبني بالفاظ عذاب
أتى وثيابه كقتير شيب ... فعدن له كريعان الشباب
ظننت جلوسه عندي كعرس ... فجدت له بتمسيك الثياب
فقلت متى أراك أبا حسين ... فجاوبني إذا اتسخت ثيابي
فإن كان التقزز فيه فخر ... فلم يكنى الوصي أبا تراب؟
قال مؤلف الكتاب: وكان فصيحاً أديباً، وكان أمياً لا يعرف الخط، وكان يصنع خبز الأرز، فنسب إليه. توفي في هذه السنة.
ثم دخلت
سنة إحدى وثلاثين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه أول المحرم، وهو النصف من أيلول قوي الحر أخذ بالأنفاس، وخرج أيلول كله عن حر شديد، ودخل تشرين بمثل ذلك، وكان في اليوم الثامن منه حر لم يكن مثله في آب وتموز.
وفي صفر: ورد الخبر بورود الروم إلى أرزن، وميافارقين، وأنهم سبوا وأحرقوا.
وفي ربيع الآخر: عقد نكاح لأبي منصور إسحاق بن المتقي بالله على علوية بنت ناصر الدولة أبي محمد بن حمدان على مائة ألف دينار وخمسمائة درهم، وجرى العقد بحضرة الخليفة وولي العقد على الجارية أبو عبد الله محمد بن أبي موسى الهاشمي، ولم يحضر ناصر الدولة وضرب ناصر الدولة سكة فزاد فيها عند ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وضيق ناصر الدولة على المتقي بالله في نفقاته، وانتزع ضياعه وضياع والدته.
وفي آذار من هذه السنة: غلت الأسعار حتى أكلوا الكلاب، ووقع الوباء، ووافى من الجراد الأعرابي الأسود أمر عظيم حتى بيع كل خمسين رطلاً بدرهم، فكان في ذلك معونة للفقراء لشدة غلاء الخبز.
وفي ذي القعدة: خرج المتقي إلى الشماسية لصيد السباع.
وفي هذه السنة: خرج خلق كثير من التجار من بغداد مع الحاج للانتقال إلى الشام ومصر؛ لاتصال الفتن ببغداد، وتواتر المحن عليهم من السلطان.
وفيها: ورد كتاب من ملك الروم يلتمس منديلاً كان لعيسى عليه السلام مسح به وجهه فصارت صورة وجهه فيه، وذلك المنديل في بيعة الرها وأنه إن أنفذ إليه أطلق من أسارى المسلمين عدداً كثيراً فاستؤمر المتقي بالله فأمر بإحضار الفقهاء والقضاة، فقال بعض من حضر: هذا المنديل منذ زمان طويل في هذه البيعة لم يلتمسه ملك من ملوك الروم، وفي دفعه إلى هذا غضاضة على الإسلام، والمسلمون أحق بمنديل عيسى عليه السلام. فقال علي بن عيسى: خلاص المسلمين من الأسر أحق بمنديل عيسى عليه السلام فأمر المتقي بتسليم المنديل وتخليص الأسارى.
قال الصولي: ووصل الخبر بأن القرمطي ولد له مولود، فأهدى إليه أبو عبد الله البريدي هدايا عظيمة فيها مهد ذهب مرصع بالجواهر، وكثر الرفض، فنودي ببراءة الذمة ممن ذكر أحداً من الصحابة بسوء.
وورد الرد الخبر بقبول علي بن بويه خلع السلطان بفارس ولبسه إياها وحضره حينئذ الشهود والقضاة.


ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
إبراهيم بن أحمد بن سهل بن أحمد بن سهل بن الربيع بن سليمان، أبو إسحاق مولى جهينة. سمع بكار بن قتيبة وغيره، وتوفي في رجب هذه السنة.
حبشون بن موسى بن أيوب أبو نصر الخلال ولد سنة أربع وثلاثين ومائتين، وسمع الحسن بن عرفة وغيره، روى عنه الدارقطني وابن شاهين، وكان ثقة، يسكن باب البصرة.
توفي في رمضان هذه السنة.
؟؟سنان بن ثابت أبو سعيد الطبيب أسلم على يد القاهر بالله، ولم يسلم ولده ولا أحد من أهل بيته، وكان مقداماً في الطب وفي علوم كثيرة، ودخل على الخلفاء.
توفي في غرة ذي القعدة من هذه السنة.
عبد الله بن محمد بن المبارك أبو محمد النيسابوري صحب حمدون القصار، وكان له علم بالشريعة، وكتب الحديث ورواه.
توفي في ربيع الأول من هذه السنة.
؟؟؟علي بن إسماعيل بن أبي بشر واسمه: إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن أبي الحسن الأشعري المتكلم. ولد سنة ستين ومائتين، وتشاغل بالكلام، وكان على مذهب المعتزلة زماناً طويلاً، ثم عنّ له مخالفتهم، وأظهر مقالة خبطت عقائد الناس وأوجبت الفتن المتصلة، وكان الناس لا يختلفون في أن هذا المسموع كلام الله، وأنه نزل به جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم فالأئمة المعتمد عليهم قالوا إنه قديم، والمعتزلة قالوا هو مخلوق، فوافق الأشعري المعتزلة في أن هذا مخلوق، وقال: ليس هذا كلام الله، إنما كلام الله صفة قائمة بذاته، ما نزل ولا هو مما يسمع، وما زال منذ أظهر هذا خائفاً على نفسه لخلافه أهل السنة، حتى أنه استجار بدار أبي الحسن التميمي حذراً من القتل، ثم تبع أقوام من السلاطين مذهبه فتعصبوا له وكثر أتباعه حتى تركت الشافعية معتقد الشافعي رضي الله عنه ودانوا بقول الأشعري.
أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ، قال: أنبأنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار، قال: أنبأنا أبو علي الحسن بن علي بن إبراهيم بن يزداد المقرئ الأهوازي الدمشقي قال: ولد علي بن أبي بشر الأشعري بالبصرة، ونشأ بها، فأقام بها أكثر عمره، فسمعت أبا الحسن محمد بن محمد الوزان بالبصرة يقول: ولد ابن أبي بشر سنة ستين ومائتين ومات سنة نيف وثلاثين وثلثمائة، ولم يزل معتزلياً أربعين سنة يناضل عن الاعتزال، ثم قال بعد ذلك قد رجعت عن الاعتزال.
قال الأهوازي: وسمعت أبا الحسن العسكري وكان من المخلصين في مذهب الأشعري يقول: كان الأشعري تلميذ الجبائي يدرس عليه ويتعلم منه، لا يفارقه أربعين سنة.
قال الأهوازي: وسمعت أبا عبد الله الحمراني سنة خمس وسبعين وثلثمائة يقول: لم نشعر يوم الجمعة وإذا بالأشعري قد طلع على منبر الجامع بالبصرة بعد صلاة الجمعة ومعه شريط فشده على وسطه، ثم قطعه وقال: اشهدوا أني تائب مما كنت فيه من القول بالاعتزال، وتوفي ببغداد ودفن بمشرعة الروايا، وقبره اليوم عافي الأثر لا يلتفت إليه.
محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة بن الصلت السدوسي مولاهم أبو بكر سمع جده يعقوب بن شيبة وعباساً الدوري وغيرهما، وروى عنه أبو عمر بن مهدي، وكان ثقة. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: اخبرني علي بن أبي علي البصري أخبرنا أبي قال: حدثني أبو بكر عمر بن عبد الملك السقطي قال: سمعت أبا بكر بن يعقوب بن شيبة يقول: لما ولدت دخل أبي على أمي فقال لها: إن المنجمين قد أخذوا مولد هذا الصبي وحسبوه فإذا هو يعيش كذا وكذا، وقد حسبتها أياماً وقد عزمت أعد له كل يوم ديناراً مدة عمره فإن ذلك يكفي الرجل المتوسط له ولعياله فأعدي له حباً فارغاً فأعدته وتركته في الأرض وملأه بالدنانير ثم قال لها: أعدي حباً آخر أجعل فيه مثل هذا استظهاراً ففعلت وملأه، ثم استدعى حباً آخر وملأه بمثل ما ملأ به كل واحد من الحبين، ودفن الجميع، فما نفعني ذلك مع حوادث الزمان، فقد احتجت إلى ما ترون.
قال أبو بكر السقطي: ورأيناه فقيراً جداً يجيئنا بلا إزار، ونقرأ عليه الحديث ونبره بالشيء بعد الشيء، توفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
محمد بن أحمد بن يعقوب بن أحمد بن محمد بن عبد الملك أبو الفضل الهاشمي


من أهل المصيصة. ولي القضاء بدسكرة الملك في طريق خراسان، وورد بغداد فحدث بها عن علي بن عبد الحميد الغضائري، وأبي عروبة الحراني، وأحمد بن عمير بن جوصا، وغيرهم، وكان سيئ الحال في الحديث.
محمد بن مخلد بن حفص أبو عبد الله الدوري العطار ولد سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، وكان ينزل الدور، وهي محلة في آخر بغداد بالجانب الشرقي في أعلى البلد، سمع يعقوب بن إبراهيم الدورقي، والزبير بن بكار، والحسن بن عرفة، ومسلم بن الحجاج في آخرين. روى عنه ابن عقدة، والآجري، وابن الجعابي، وابن المظفر، وابن حيويه، والدارقطني، وغيرهم، وكان ثقة، ذا فهم، واسع الرواية، مشهوراً بالديانة، مذكوراً بالعبادة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا محمد بن عبد العزيز البرذعي قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن عمران، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن مخلد قال: ماتت والدتي فنزلت في لحدها فانفرجت لي فرجة عن قبر يلزقها، فإذا رجل عليه أكفان جدد، على صدره طاقة ياسمين طرية فأخذتها فشممتها فإذا هي أذكى من المسك، وشمها جماعة كانوا معي في الجنازة، ثم رددتها إلى موضعها وسددت الفرجة.
توفي ابن مخلد في جمادى الآخرة من هذه السنة، وقد استكمل سبعاً وتسعين سنة وثمانية أشهر وواحداً وعشرين يوماً.
محمد بن علي بن الحسن بن أبي الحديد، أبو الحسين حدث عن يونس بن عبد الأعلى، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وبكار بن قتيبة، وكان فقيهاً على مذهب أبي حنيفة فرضياً عاقلاً ثقة.
وتوفي في جمادى الأولى من هذه السنة.
يونس بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى، أبو سهل ولد سنة ست وثمانين ومائتين.وكان من أفاضل الناس، وكان يحب التخلي والوحدة وكان يكره غشيان الناس له. وتوفي في صفر هذه السنة.
أنبأنا إبراهيم بن دينار الفقيه، عن أبي الوفاء بن عقيل قال: سمعت الحسن بن غالب المقرئ يقول: سمعت أبا الحسين بن سمعون يقول: سمعت أبا بكر الشبلي يقول: رأيت يوم الجمعة معتوهاً عند جامع الرصافة قائماً عرياناً وهو يقول: أنا مجنون الله! أنا مجنون الله! فقلت له: لم لا تدخل الجامع وتتوارى وتصلي؟ فنظر إلي وأنشد:
يقولون زرنا واقض واجب حقنا ... وقد أسقطت حالي حقوقهم عني
إذا هم رأوا حالي ولم يأنفوا لها ... ولم يأنفوا منها أنفت لهم مني
ثم دخلت
سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه في ربيع الأول دخل الروم رأس العين وسبوا من أهلها ثلاثة آلاف إنسان، ونهبوا البلاد، وكان الذي قصدها الدمستق في ثمانين ألفاً.
وفي جمادة الأولى: كثرت الأمطار فتساقطت منازل الناس، ومات خلق كثير تحت الهدم، وما زالت قيمة العقار ببغداد تنقص، وزاد الأمر بسبب الغلاء، وبلغ الخبز الخشكار ثلاثة أرطال بدرهم، والتمر رطلان بدرهم، وأغلقت عدة حمامات، وتعطلت أسواق ومساجد، حتى صار يطلب من يسكن الدور بأجرة يعطاها ليحفظها، وكثرت الكبسات بالليل من اللصوص بالسلاح والشمع، وتحارس الناس بالليل بالبوقات، وجاء في شباط مطر عظيم سيل وبرد كبار، وجمعه الثلاجون وكبسوه، وتساقطت الدور، وبرد الهواء في آذار، ووقع جليد كثير فاحترق أكثر الزرع، ولم يجمد الماء في شتوة هذه السنة.
وورد الخبر في شوال بموت أبي طاهر سليمان بن الحسن الهجري في منزله بهجر، وأنه جدر في رمضان هذه السنة ومات، ولم يحج في هذه السنة أحد من بغداد ولا من خرسان لأجل موت الهجري، فلم يحضر أحد من أهل هجر يبذرق الحاج فخاف الناس فأقاموا، وكان الذي بقي من أخوة أبي طاهر ثلاثة: أبو القاسم سعيد وهو الرئيس الذي يدبر الأمور، وأبو العباس وكان ضعيف البدن كثير الأمراض مقبلاً على قراءة الكتب، وأبو يعقوب يوسف وكان مقبلاً على اللعب، إلا أن الثلاثة كانت كلمتهم واحدة، والرياسة لجميعهم، وكانوا يجتمعون على رأي واحد فيمضونه، وكان وزراؤهم سبعة كلهم من بني سنبر.


وفي هذه السنة:قتل أبو عبد الله البريدي أخاه أبا يوسف، وكان أبو يوسف يتكبر على أخيه ويؤذيه، ودفنه بالأبلة من غير أن يغسله أو يكفنه، وأخذ من ماله ألف ألف دينار ومائتي ألف دينار وعشرة آلاف ألف درهم، وأخذ من الكسوة والفرش والآلة ما قيمته ألف دينار، وألف رطل ند وعشرين ألف رطل عود، منها ألفا رطل هندي، وصادر العمال على ألف ألف دينار.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرحمن، أبو العباس الكوفي المعروف ابن عقدة قدم بغداد فسمع من محمد بن عبيد الله المنادي. وعقدة لقب أبيه محمد لقب بذلك لأجل تعقيده في التصريف والنحو، وكان عقدة ورعاً زاهداً ناسكاً، علم ابن هشام الخزاز الأدب، فوجه أبوه إليه دنانير فردها فأضعفها فردها وقال: ما رددتها استقلالاً لها، ولكن سألني الصبي أن أعلمه القرآن فاختلط تعليم النحو بتعليم القرآن فلا استحل أن آخذ منه شيئاً ولو دفع إلي الدنيا.
وأما ولده أبا العباس فإنه سمع الحديث الكثير، وكان من أكابر الحفاظ، وروى عنه من أكابرهم: أبو بكر بن الجعابي، وعبد الله بن عدي، والطبراني، وابن المظفر، والدار قطني، وابن شاهين.
وقال الدار قطني: أجمع أهل الكوفة أنه لم ير من زمن عبد بن مسعود إلى زمن أبي العباس بن عقدة أحفظ منه.
وقال أبو العباس: ودخل البرديجي الكوفة فزعم أنه أحفظ مني، فقلت: لا تطول، نتقدم إلى دكان وراق، ونضع القبان وتزن من الكتب ما شئت، ثم تلقى علينا فنذكرها.فبقي.
وكان بعض الهاشمين جالساً عند ابن عقدة، فقال ابن عقدة: أنا أجيب في، 13، أ، ثلثمائة ألف حديث من حديث أهل هذا سوى غيرهم. وقال ابن عقدة مرة: أحفظ من الحديث بالأسانيد والمتون منسقاً وخمسين ومائتي ألف حديث وأذاكر من الأسانيد، وبعض المتون والمراسيل والمقاطع بستمائة ألف حديث.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: حدثني الصوري قال: قال لي عبد الغني بن سعيد: سمعت الدار قطني يقول: كان أبو العباس بن عقدة يعلم ما عند الناس ولا يعلمون ما عنده.
قال مؤلف الكتاب: ومع هذا الحفظ العظيم وكثرة ما سمع وكتب عنه فإنه انتقل من مكان إلى مكان فكانت كتبه ستمائة حمل، فقد ذمه الناس لأسباب، فذكر ابن عدي أنه كان يسوي نسخاً للأشياخ ويأمرهم بروايتها. وقال الدارقطني: ابن عقدة رجل سوء.
أخبرنا أحمد بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي، حدثنا علي بن محمد بن نصر قال: سمعت حمزة بن يوسف يقول: سمعت أبا عمر بن حيويه يقول: كان ابن عقدة يجلس في جامع براثا يملي مثالب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - أو قال الشيخين يعني أبا بكر وعمر - فتركت حديثه، لا أحدث عنه بشيء.
قال المصنف: وتوفي ابن عقدة في ذي القعدة من هذه السنة.
الحسن بن يوسف بن يعقوب بن ميمون أبو علي الحداد روى عن يونس بن عبد الأعلى وغيره وكان إمام جامع مصر العتيق.
وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
سليمان بن الحسن، أبو القاسم وزر للراضي ثم ملك المتقي لله فأبقاه على حاله، وتوفي في رجب هذه السنة.
عبد الله بن أحمد بن إسحاق أبو محمد الجوهري المصري سكن بغداد بنهر الدجاج، وحدث بها عن الربيع بن سليمان المرادي وغيره، وكان ثقة روى عنه الدارقطني وابن شاهين وآخرين وآخر من روى عنه أبو عمر بن مهدي، وكان ثقة مأموناً توفي في ربيع الأول من هذه السنة.
عبد الله بن محمد بن عمر بن أحمد بن أبو بكر البزاز وهو خال ابن الجعابي، روى عنه الدارقطني، وابن شاهين.
وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة.
ثم دخلت
سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها


أن توزون التركي كان رئيس الجيش وأمير الأمراء، وتقلد الشرطة ببغداد، وكانت بينه وبين المتقي وحشة فخرج المتقي إلى ناحية الموصل ودخل توزون من واسط إلى بغداد، فأخذ أموال أهل بغداد، وأخذ من دعلج العدل مائة ألف درهم، وأقام المتقي عند بني حمدان واستدعاهم لحرب توزون، فلما أقبلوا على حربه خرج توزون فكسرهم، ثم كاتب المتقي يسأله أن يرجع إلى بغداد فلم يقبل، وأقام بالرقة، ثم ظهر له من بني حمدان تضجر به، فبعث إلى توزون يطلب الصلح فتلقى توزون ذلك بأتم رغبة فبعث إليه المتقي من يستحلفه، فحلف أيماناً مؤكدة ثم أعاد إليه الأرض وقبل يده، ثم ركب وسار معه وقد وكل به وبجماعته الديلم، وحصرهم في مضربه وقبض عليهم، واستحضر عبد الله بن المكتفي فبويع له، ولقب: المستكفي بالله، وبايعه المتقي بعد أن أشهد على نفسه بالخلع في يوم السبت لعشر بقين من صفر هذه السنة، وسلم إليه المتقي فأخرج إلى جزيرة بين يدي السندية على نهر عيسى، فسمل في يوم خلعه، وكانت مدة خلافته ثلاث سنين وأحد عشر شهراً، ولم يحل الحول على توزون بعد أن فعل ذلك.
باب ذكر خلافة المستكفي بالله
واسمه عبد الله بن علي المكتفي بن المعتضد ويكنى: أبا القاسم، ولد في صفر سنة اثنتين وتسعين ومائتين، وولي الخلافة وسنه إحدى وأربعون سنة وسبعة أيام، في سن المنصور حين ولي، وكان مليح الشخص، ربعة من الرجال، ليس بالطويل ولا بالقصير، معتدل الجسم، حسن الوجه، أبيض مشرباً بالحمرة، أسود الشعر، سبطاً، خفيف العارضين، أكحل، أقنى الأنف ولما ولي المستكفي طوق توزون وسوره وخلع عليه، وجلس بين يدي المستكفي بالله على كرسي، ولم يحج من الناس في هذه السنة إلا القليل مع البكريين ووقف بالناس بمكة عمر بن الحسن بن عبد العزيز الهاشمي.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
الحسن بن أحمد بن سعيد بن أنس أبو علي المؤذن ويعرف بالمالكي سمع أبا عمر القاضي وغيره، وروى عنه العتيقي، وكان ثقة وتوفي في هذه السنة.
الحسن بن عبد العزيز الهاشمي. أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال أنبأنا إبراهيم بن مخلد قال: أخبرنا إسماعيل بن علي الخطبي قال: توفي الحسن بن عبد العزيز الهاشمي وهو والي الصلاة بالحرمين ومسجد الرصافة ببغداد في شوال هذه السنة وله من السن خمس وسبعون سنة وشهور.
الحسين بن علي بن أحمد بن عبد الله، أبو علي الحريري المعروف ابن جمعة ولد سنة سبع وخمسين ومائتين، وحدث عن أبي بكر بن مالك، وأبي الحسن الدارقطني، وابن المظفر وكان ثقة صدوقاً وتوفي في رمضان هذه السنة. رحمه الله وإيانا وسائر المسلمين بمنه وكرمه.
ثم دخلت
سنة أربع وثلاثين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه في المحرم لقب المستكفي بالله نفسه إمام الحق، وضرب ذلك على الدنانير والدراهم، فكان يخطب له بلقبين: إمام الحق، والمستكفي بالله.
وفي صفر: أدخل من السواد رجل يعرف بابن أبي علي يقطع الطريق ويقتل، فشهر على جمل فقتله العامة قبل أن يصل إلى دار السلطان.
وورد الخبر بأن معز الدولة أبا الحسين أحمد بن بويه قد نزل بباجسري فاضطرب الناس، واستتر المستكفي بالله، وعبر الأتراك إلى الجانب الغربي، وساروا إلى الموصل، وبقي الديلم ببغداد، ووجه المستكفي بألطاف وفاكهة وطعام لأبي الحسين بن بويه ودخل أبو الحسين فلقي المستكفي بالله ووقف بين يديه طويلاً وأخذت عليه البيعة للمستكفي، واستحلف له بأغلظ الأيمان ولخواصه، وحلف المستكفي لأبي الحسين بن بويه وأخويه، وكتب بذلك كتاب، ووقعت فيه الشهادة عليهما، ولبس أبو الحسين الخلع، وطوق، وسور، وعقد له لواء، وجعل أمير الأمراء وهو أول ملوك بني بويه، ولقب أخواه الأكبر علي عماد الدولة، وأخوه الأوسط أبو علي الحسن ركن الدولة، وأمر أن تضرب ألقابهم وكناهم على الدنانير والدراهم، ونزل الديلم والأتراك دور الناس، ولم يكن يعرف ببغداد قبل هذا التنزل، فصار من هذا اليوم رسماً.


أنبانا محمد بن عبد الباقي أنبأنا علي بن المحسن التنوخي، عن أبيه قال: ومن أعجب الأشياء المتولدة في زمن معز الدولة السعي والصراع وذلك أن معز الدولة احتاج إلى السعاة ليجعلهم فيوجا بينه وبين أخيه ركن الدولة إلى الري، فيقطعون تلك المسافة البعيدة في المدة القريبة وأعطى على جودة السعي والرغائب، فحرص أحداث بغداد وضعفاؤهم على ذلك حتى انهمكوا فيه وأسلموا أولادهم إليه فنشأ ركابيان بباب معز الدولة يعرف أحدهما بمرعوش، والآخر بفضل، يسعى كل واحد منهما نيفاً وثلاثين فرسخاً في يوم من طلوع الشمس إلى غروبها يترددون ما بين عكبرا وبغداد وقد رتب على فرسخ من الطريق قوماً يحضون عليهم، فصاروا أئمة السعاة ببغداد، وانتسب السعاة إليهم، وتعصب الناس لهم، واشتهى معز الدولة الصراع، فكان يعمل بحضرته حلقة في ميدانه، ويقيم شجرة يابسة تنصب في الحال ويجعل عليها الثياب الديباج والعتابي والمرزوي، وتحتها أكياس فيها دنانير ودراهم، ويجمع على سور الميدان المخانيث بالطبول والرموز، وعلى باب الميدان الدبادب، ويؤذن للعامة في دخول الميدان، فمن غلب أخذ الثياب والشجرة والدراهم، ثم دخل في ذلك أحداث بغداد فصار في كل موضع صراع، فإذا برع أحدهم صارع بحضرة معز الدولة، فإن غلب أجريت عليه الجرايات، فكم من عين ذهبت بلطمة، وكم من رجل اندقت عنقه وشغف شبان معز الدولة بالسباحة، فتعاطاها أهل بغداد حتى أحدثوا فيها الطرائف، فكان الشاب يسبح قائماً وعلى يده كانون فوقه حطب يشتعل تحت قدر إلى أن تنضج، ثم يأكل منها إلى أن يصل إلى دار السلطان.
وفي ربيع الآخر: قلد القاضي أبو السائب عتبة بن عبد الله القضاء في الجانب الشرقي، وأقر القاضي أبو طاهر على الجانب الغربي.
وقلد أبو الحسن محمد بن صالح الهاشمي قضاء مدينة أبي جعفر.
وفي هذه السنة جمع القاضي أبو الحسن محمد بن صالح الهاشمي أبا عبد الله محمد بن أبي موسى الهاشمي وأبا نصر يوسف بن أبي الحسين عمر بن محمد القاضي في منزله حتى اصطلحا وتعاقدا على التصافي، وأخذ كل واحد منهما خط صاحبه بتزكيته، وربما توكد الصلح بينهما، وكانا قد خرجا إلى أقبح المباينة حتى أشهد أبو نصر وهو والي قضاء مدينة السلام على نفسه بإسقاط أبي عبد الله، وأنه غير موضع للشهادة، وسعى أبو عبد الله في صرفه ومعارضته بما يكره حتى تهيأ له في ذلك ما أراد.
وفي يوم الخميس لثلاث بقين من جمادى الآخرة: انحدر معز الدولة إلى دار الخلافة فسلم على الخليفة، وقبل الأرض، وقبل يد المستكفي، وطرح له كرسي فجلس، ثم تقدم رجلان من الديلم فمدا أيديهما إلى المستكفي وطالبا بالرزق فلما مدا أيديهما ظن أنهما يريدان تقبيل يده فناولهما يده فجذباه فنكساه من السرير، ووضعا عمامته في عنقه وجراه ونهض معز الدولة واضطرب الناس ودخل الديلم إلى دور الحرم، وحمل المستكفي راجلاً إلى دار معز الدولة فاعتقل بها وخلع من الخلافة، ونهبت الدار حتى لم يبق بها شيء، وسمل المستكفي، وكانت مدة خلافته سنة وأربعة أشهر ويومين، وأحضر الفضل بن المقتدر يوم الخميس لثمان بقين من جمادى الآخرة فبويع ولقب المطيع لله.
باب ذكر خلافة المطيع لله
ويسمى الفضل بن المقتدر، ويكنى أبا القاسم، وأمه أم ولد يقال لها: مشغلة أدركت خلافته، وكان له يوم بويع: ثلاث وثلاثون سنة، وخمسة أشهر، وأيام، ولما بويع أحضر المستكفي فسلم عليه بالخلافة، وأشهد على نفسه بالخلع، وصودر خواص المستكفي فأخذ منهم ألوف كثيرة، ووصل المطيع العباسيين العلويين في يوم بنيف وثلاثين ألف دينار على إضافته، ووصل خادم المدينة فذكر ما يلحق حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من التفريط، وقطع مواد الطيب وغيره عنها، فأمر للخادم بعشرين ألف درهم، وتقدم بحمل الطيب وضم إليه خمسة من الخدم ليكونوا في خدمة الحجرة، ونفذ مع أبي أحمد الموسوي قنديلاً من ذهب وزنه ستمائة مثقال، وتسع قناديل من فضة ليعلقها في الكعبة.
أخبرنا ابن ناصر قال: سمعت أبا محمد التميمي يقول: سمعت عمي أبا الفضل عبد الواحد بن عبد العزيز التميمي يقول: سمعت المطيع لله يقول: وقد أحدق به خلق كثير من الحنابلة حزروا ثلاثين ألفاً فأراد أن يتقرب إليهم فقال: سمعت شيخي ابن بنت منيع يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إذا مات أصدقاء الرجل ذل.


وفي يوم الأربعاء لأربع خلون من شعبان: وجدت امرأة هاشمية قد سرقت صبياً فشوته في تنور وهو حي وأكلت بعضه، وأقرت بذلك، وذكرت أن شدة الجوع حملها على ذلك، فحبست ثم أخرجت وضربت عنقها، ووجدت امرأة أخرى هاشمية أيضاً قد أخذت صبية فشقتها بنصفين فطبخت النصف سكباجاً، والنصف الآخر بماء وملح، فدخل الديلم فذبحوها،ثم وجدت ثالثة وقد شوت صبياً وأكلت بعضه فقتلت.
وكان قد بلغ المكوك من الحنطة خمسة وعشرين درهماً، واضطر الناس إلى أكل البزر قطوناً، كان يؤخذ فيضرب بالماء ثم يبسط على الطابق ويشعل تحته، فإذا حمي أكلوه. وأكلوا الجيف، وإذا راثت الدواب اجتمع جماعة من الضعفاء على الروث فالتقطوا ما فيه من حب الشعير فأكلوه، وكانت الموتى مطرحين، فربما أكلت الكلاب لحومهم، وخرج الناس إلى البصرة خروجاً مسرفاً فمات أكثرهم في الطريق، ومات بعضهم بالبصرة وصار الضعفاء يغنى أكثرهم وصار العقار والدور تباع بالرغفان من الخبز، ويأخذ الدلال بحق دلالته بعض الخبز.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي، وعن علي بن المحسن، عن أبيه قال: حدثني أبو الحسين بن العباس القاضي قال: حدثني أبو عبد الله الموسوي العلوي أنه باع في سنة أربع وثلاثين وثلثمائة عند اشتداد الغلاء على معز الدولة وهو مقيم بظاهر بغداد من الجانب الغربي كر حنطة بعشرة آلاف درهم.قال: ولم أخرج الغلة حتى تسلمت المال.
وكانت بين أصحاب معز الدولة أبي الحسين وبين أصحاب ناصر الدولة أبي محمد بن حمدان حرب بعكبرا، فخرج معز الدولة ومعه الخليفة المطيع إلى عكبرا، وذلك في رابع رمضان، ثم حضر معز الدولة المطيع، ووكل به، فلما كان يوم الأربعاء لعشر خلون من رمضان وافى ناصر الدولة إلى بغداد، فنزل بالجانب الغربي فعبر أصحاب معز الدولة إليهم، فعبر ناصر الدولة إلى الجانب الشرقي، ودخل بغداد، وجاء معز الدولة فاحتربوا،فملك الجانب الغربي بأثره إلا أنه ضاق عليهم العيش، فاشترى لمعز الدولة كراً بعشرين ألف درهم، ولحق الناس بالسواد من جانبي بغداد ضر عظيم ثم ملك معز الدولة الجانب الشرقي فانهزم ناصر الدولة.
وفي هذه السنة: كثر القمل برستاق القميرة الكبرى حتى يئس الناس من غلاتهم، فانحط من نوع الطير الصفر يزيد على جرم العصفور، وكان الطائر يعلق على شجرة فيصفر فيطير الطير حينئذ أفواجاً فينحط كل فوج منها على ضيعة، فيلقط القمل حتى فني.
ذكر أخباره وما صنع بالمتقي توفي لثمان بقين من المحرم، ولم يتم له حول بعد فعله القبيح وإهماله ما عقد من الأيمان.
سليمان بن إسحاق بن إبراهيم بن الخليل أبو أيوب الجلاب سمع إبراهيم الحربي، روى عنه ابن حيويه، وكان ثقة، توفي في هذه السنة.
عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن بكير أبو القاسم التميمي سمع ابن قتيبة، وروى عنه الدارقطني، وكان ثقة.
وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة.
عمر بن الحسين بن عبد الله أبو القاسم الخرقي صاحب كتاب " المختصر في الفقه " على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وكان فقيه النفس، حسن العبارة بليغاً وكانت له مصنفات كثيرة وتخريجات على المذهب لم تظهر؛ لأنه خرج من بغداد لما ظهر سب الصحابة فأودع كتبه في درب سليمان فاحترقت الدار التي كانت فيها الكتب، وتوفي بدمشق في هذه السنة.
محمد بن عيسى بن عبد الله، أبو عبد الله، ابن أبي موسى الفقيه على مذهب العراقيين، ولاه المتقي لله القضاء ببغداد ثم عزله، وأعاده المستكفي بالله، وكان له علم غزير، وسمت حسن، ووقار، وكان ثقة مشهوراً بالفقر، لا يطعن عليه في شيء من ولايته، فكبس اللصوص داره وأخذوا جميع ما كان فيها، ولم يكن شيئاً مذكور، وكانوا يقدرون أن له مالاً، وضربوه ضربة أثخنته وهرب في السطوح، ورمى بنفسه إلى بيت جار له فسقط فمات، وذلك في ربيع الأول من هذه السنة.
محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله أبو الفضل السلمي الوزير


كان فقيهاً مناظراً، وسمع الحديث بخراسان، ونيسابور والري، وبغداد، والكوفة، وأملى وكان حافظاً، وصنف، وكان يصوم الاثنين والخميس، ولا يدع صلاة الليل، ولا التصنيف، وولي الوزارة للسلطان وهو على ذلك، وكان يسأل الله تعالى الشهادة، فسمع ليلة جلبة الخيل فقال: ما هذا؟ فقالوا: غوغاء العسكر، قد اجتمعوا يؤلبون ويقولون إن الذنب لك في تأخير رزقنا. فدعا بالحلاق فحلق رأسه، وسخن له الماء في مضربة وتنور، وتنظف واغتسل، ولبس الكفن، ولم يزل ليلته يصلي، وبعث السلطان يمنعهم عنه فلم يقبلوا، فقتلوه وهو ساجد في ربيع الآخر من هذه السنة.
محمد بن عبد الله بن طغج أبو بكر وكان شجاعاً شديد التيقظ في حروبه، وكان جيشه يحتوي على أربعمائة ألف رجل وكان له ثمانية آلاف مملوك يحرسونه بالنوبة، كل نوبة ألف مملوك، ويوكل بجانب خيمته الخدم، ثم لا يثق حتى يمضي إلى خيم الفراشين فينام فيها، ولقبه الراضي بالله بالأخشيد؛ لأنه فرغاني وكان من ملك فرغانة يسمى " الأخشيد " ، كما تدعو الروم ملكها " قيصر " ، والفرس " كسرى " ، واليمن " تبع " ، والمسلمون " الخليفة " ، وملك اشروسنة يسمى " الأفشين " ، وملك خوارزم " خوارزمشاه " ، وملك الترك " خاقان " ، وملك جرجان " صول " ، وملك اذربيجان " اصبهبذ " ، وملك طبرستان " سالار " ، وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة.
أبو بكر الشبلي وقد اختلفوا في اسمه ونسبه، فقيل: دلف بن جعفر، وقيل: دلف بن جحدر، وقيل: دلف بن جعترة، وقيل: دلف بن جعونة، وقيل: جعفر بن يونس، وقيل: جحدر بن دلف، وهو من أهل أشروسنة، من قرية بها يقال لها: شبلية كان خاله أمير الأمراء بالاسكندرية وولد الشبلي بسر من رأى وكان حاجب الموفق، فجعل لطعمته دماوند وكان أبوه صاحب الحجاب قصر الشبلي يوماً مجلس خير النساج فتاب ثم رجع إلى دماوند فقال: إن الموفق ولاني بلدتكم فاجعلوني في حل. ففعلوا. وصحب الفقراء وكان الجنيد يقول: تاج هؤلاء القوم الشبلي.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أبو بكر بن ثابت، أخبرنا علي بن محمود الزوزني قال: سمعت علي بن المثنى التميمي يقول: دخلت على الشبلي في داره يوماً وهو يهيج ويقول:
على بعدك لا يصبر ... من عادته القرب
ولا يقوى على حجبك ... من تيمه الحب
فإن لم تبصرك العين ... فقد يبصرك القلب


أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا عبد الكريم بن هوازان قال: سمعت أبا حاتم محمد بن أحمد بن يحيى يقول: سمعت عبد الله بن علي التميمي يقول: سأل جعفر بن نصير بكران الدينوري - وكان يخدم الشبلي - ما الذي رأيت منه؟ يعني عند وفاته. قال: قال لي: علي درهم مظلمة تصدقت عن صاحبه بألوف فما على قلبي شغل أعظم منه، ثم قال: وضئني للصلاة. ففعلت فنسيت تخليل لحيته، وقد أمسك عن لسانه فقبض على يدي وأدخلها في لحيته ثم مات، فبكى جعفر وقال: ما تقولون في رجل لم يفته في آخر عمره أدب من آداب الشريعة؟ أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا محمد بن علي بن الفتح قال: أخبرنا محمد بن الحسين بن موسى قال: سمعت أبا نصر الهراوي يقول: كان الشبلي يقول: إنما يحفظ هذا الجانب بي - يعني من الديلمة - فمات وهو يوم الجمعة، وعبرت الديالمة إلى الجانب الشرقي في يوم السبت. قال المنصف: سمعت محمد بن عمر الأرموي يقول: سمعت أبا الحسين ابن المهتدي يقول: سمعت أبا حفص عمر بن عبيد بن تعويذ يقول: حدثني أبو بكر غلام الشبلي وكان يعرف ببكير قال: وجد الشبلي خفة من وجع كان به في يوم الجمعة سلخ ذي الحجة سنة أربع وثلاثين وثلثمائة، فقال لي بكير: تعزم الجامع؟ قلت: نعم. قال: فلما حصلنا في الوراقين من الجانب الشرقي تلقانا رجل شيخ فقال لي بكير: غداً يكون لي مع هذا الشيخ شأن من الشأن. فقلت: يا سيدي من هو؟ فقال لي هذا المقبل وأومأ بيده إلى الشيخ. قال: فلما كان في ليلة السبت قضى رحمه الله عليه، فقيل لي: في موضع كذا وكذا شيخ صالح يغسل الموتى. فجئت إلى الباب فنقرته وقلت: سلام عليكم. فقال لي: مات الشبلي؟ فقلت: نعم. فخرج إلي، فإذا هو الشيخ الذي لقينا بالأمس، فقلت: لا إله إلا الله. فقال لي: مالك؟ فقلت: يا سيدي، سألتك بالله من أين لك بموت الشبلي؟ فقال لي: فقدتك أمك ما أجهلك من أين يكون للشبلي أنه يكون له معي شأن من الشأن؟ أخبرنا أبو القاسم الحريري، عن أبي طالب العشاري، أخبرنا علي بن المظفر الأصبهاني، حدثنا أبو القاسم النحاس قال: سمعت يوسف بن يعقوب الأصبهاني يقول: قال الآدمي القارئ: رأيت في المنام كأن كل من في مقبرة الخيزرانية جلوس على قبورهم، فقلت: من تنتظرون؟ فقالوا: قد وعدنا يجيئنا رجل يدفن عندنا، يهب الله محسننا ومسيئنا له. قال: فبكرت وجلست فإذا بجنازة الشبلي تدفن عندهم.
ثم دخلت
سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها ما قد ذكرنا أن معز الدولة أبو الحسين بن بويه حصر المطيع لله، ووكل به، وأن ناصر الدولة أبو محمد بن حمدان جاء إلى بغداد يخاصم عن الخليفة، فدخل إلى بغداد، وحارب معز الدولة، فعبر معز الدولة إلى الجانب الشرقي، فملكه في أول يوم من المحرم، فانهزم ناصر الدولة، ونهب الديلم باب الطاق وسوق يحيى، وقتل من العامة جماعة، وخرج نساء وصبيان من بغداد هاربين في طريق عكبرا، لأنه وقع للناس أن الديلم إذا ملكوا الجانب الشرقي وضعوا السيف تشفياً من العوام؛ لأنهم كانوا يشتمون معز الدولة والديالمة شتماً مسرفاً واستعمل معز الدولة الحلم، ومنع من القتل، إلا من هرب من الرجال والنساء والصبيان، وتلف في طريق عكبرا من الحر والعطش خلق كثير؛ لأنهم خرجوا مشاة حفاة.


أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزاز، أنبأنا علي بن المحسن التنوخي، عن أبيه قال: حدثني أبو الحسن أحمد بن يوسف قال: لما دخل الديلم من الجانب الغربي إلى الجانب الشرقي، وخاف الناس السيف فهربوا على وجوههم، وكانت المرأة العذراء والمخدرة المترفة من ذوات النعم، والصبية، والأطفال، والعجائز، وسائر الناس يخرجون على وجوههم يتعادون يريدون الصحراء، وكان ذلك اليوم حاراً فلا يطيقون المشي. قال أبو محمد الصلحي: انهزمنا يومئذ مع ناصر الدولة نريد الموصل من بين يدي معز الدولة، وقد عبر من الغربي إلى الجانب الشرقي، فرأيت ما لا أحصي من أهل بغداد قد تلفوا بالحر والعطش، ونحن نركض هاربين فما شبهته إلا بيوم القيامة: قال: فأخبرني جماعة أنهم شاهدوا امرأة لم ير مثلها في حسن الثياب والحلي وهي تصيح: أنا فلانة ابنة فلان، ومعي جوهر وحلي بألف دينار، ورحم الله من أخذه مني وسقاني شربة ماء، فما يلتفت إليها أحد حتى خرت ميتة، وبقيت متكشفة والثياب عليها والحلي وما يعرض له أحد.
ولما استقر معز الدولة ببغداد استحلف المطيع لله أنه لا يبغيه سوءاً، ولا يمالي عليه عدواً، ثم أزال عنه التوكيل، وأعاده إلى داره، وورد الخبر بدخول الأمير ركن الدولة أبي علي الحسن بن بويه الري وملك الجبل بأسره.
وفي أول رجب: صرف القاضي محمد بن الحسن بن أبي الشوارب عن القضاء بالجانب الغربي من بغداد، وتقلد أبو الحسن محمد بن صالح ابن أم شيبان مضافاً لما كان إليه من قضاء الجانب الشرقي.
وفي رمضان: وقع بقطربل برد كبار في كل بردة أو قيتان وأكثر، فطحن الغلات وكان ذلك في سابع عشر نيسان.
؟؟؟ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
الحسن بن حمويه بن الحسين أبو القاضي الاستراباذي أدرك عمار بن رجاء، ولم يكتب عنه، وروى عنه محمد بن إسحاق بن راهوية، وخلق كثير، وكان على قضاء استرباذ مدة طويلة، وكان من القوامين بالليل المتهجدين بالأسحار، يضرب به المثل في قضاء حوائج المسلمين والقيام بأمرهم بنفسه وماله وجاهه، وعقد مجلس الإملاء باستراباذ، وكتب عنه أهلها، مات فجأة على صدر جارية وقت الإنزال في هذه السنة.
حمزة بن القاسم بن عبد العزيز أبو عمر الهاشمي ولد في شعبان سنة سبع وأربعين ومائتين، وكان يتولى الصلاة بالناس في جامع المنصور، ثم تولى إمامة جامع الرصافة، وحدث عن سعدان بن نصر الدوري، وحنبل بن إسحاق، روى عنه الدارقطني، وابن شاهين، وكان ثقة ثبتاً ظاهر الصلاح، مشهور بالرواية، معروفاً بالخير وحسن المذهب.
توفي في شعبان هذه السنة ودفن عند قبر معروف.
؟عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله أبو عبد الله الختلي سمع أبا العباس البرتي، والباغندي، وابن أبي الدنيا. روى عنه الدارقطني، وكان فهماً عارفاً ثقة حافظاً، انتقل إلى البصرة فسكنها.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا علي بن المحسن قال: أخبرني أبي قال: دخل إلينا أبو عبد الله الختلي إلى البصرة صاحب حديث، وكان مشهوراً بالحفظ، فجاء وليس معه شيء من كتبه، فحدث شهوراً إلى أن لحقته كتبه، فسمعته يقول: حدثت بخمسين ألف حديث من حفظي إلى أن لحقتني كتبي.
أبو بكر الصولي توفي سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة وكان قد خرج عن بغداد لإضاقة لحقته، وتوفي بالبصرة في هذه السنة.
علي بن عيسى بن داود بن الجراح أبو الحسن وزير المقتدر بالله والقاهر بالله ولد سنة خمس وأربعين ومائتين، وسمع أحمد بن بديل الكوفي، والحسن بن محمد الزعفراني، وحميد بن الربيع، وعمر بن شبة. روى عنه الطبراني وغيره، وكان صدوقاً فاضلاً، عفيفاً في ولايته، كثير المعروف وقراءة القرآن والصلاة والصيام، يحب أهل العلم، ويكثر مجالستهم، وأصله من الفرس، وكان داود جده من دير قني من وجوه الكبار، وكذلك أبوه عيسى.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا الأزهري قال: قال لي أبو الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه قال: قال لي ابن كامل القاضي: سمعت علي بن عيسى الوزير يقول: كسبت سبعمائة ألف دينار أخرجت منها في هذه الوجوه - يعني وجوه البر - ستمائة ألف وثمانين ألفاً.


أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا علي بن المحسن التنوخي قال: حدثنا أبي قال: حدثنا القاضي أبو بكر محمد بن عبد الرحمن بن قريعة وأبو محمد عبد الله بن أحمد بن داسة قالا: حدثنا أبو بكر سهل بن زياد القطان صاحب علي بن عيسى قال: كنت مع علي بن عيسى لما نفي إلى مكة فلما دخلناها دخلنا في حر شديد وقد كدنا نتلف، فطاف علي بن عيسى وسعى، وجاء فألقى نفسه وهو كالميت من الحر والتعب، وقلق قلقاً شديداً، وقال: اشتهي على الله شربة ماء مثلوج. فقلت له يا سيدنا، تعلم أن هذا ما لا يوجد بهذا المكان فقال: هو كما قلت، ولكن نفسي ضاقت عن ستر هذا القول، فاستروحت إلى المنى قال: وخرجت من عنده، ورجعت إلى المسجد الحرام، فما استقررت فيه حتى نشأت سحابة فبرقت ورعدت، وجاءت بمطر يسير، وبرد كثير فبادرت إلى الغلمان فقلت: اجمعوا، فجمعنا منه شيئاً عظيماً، وملأنا منه جراراً كثيرة، وجمع أهل مكة منه شيئاً عظيماً، وكان علي بن عيسى صائماً فلما كان وقت المغرب خرج إلى المسجد الحرام ليصلي المغرب، فقلت له: أنت والله مقبل، والنكبة زائلة، وهذه علامات الإقبال، فاشرب الثلج كما طلبت، وجئته بأقداح مملوءة من أصناف الأسوقة والأشربة مكبوسة بالبرد، فأقبل يسقى ذلك من قرب منه من الصوفية والمجاورين والضعفاء، ويستزيد، ونحن نأتيه بما عندنا، وأقول له: اشرب فيقول: حتى يشرب الناس. فخبأت مقدار حمسة أرطال وقلت له: إنه لم يبق شيء. فقال: الحمد لله، ليتني كنت تمنيت المغفرة، فلعلي كنت أجاب، فلما دخل البيت لم أزل أداريه حتى شرب منه، وتقوت ليلته بباقيه.
أخبرنا القزاز قال أخبرنا أحمد بن علي الخطيب قال أخبرنا القاضي أبو العلاء قال: أنشدنا القاضي أبو عبد الله بن أبي جعفر قال: أنشدني أبي قال: أنشدني الوزير أبو الحسن علي بن عيسى لنفسه:
فمن كان عني سائلاً بشماتة ... لما نابني أو شامتاً غير سائل
فقد أبرزت مني الخطوب ابن حرة ... صبوراً على أهوال تلك الزلازل


وقد روينا عن مكرم بن بكر القاضي قال: كنت خصيصاً بالوزير أبي الحسن علي ابن عيسى فأقبلت عليه يوماً وهو مهموم جداً فسألته عن ذلك فقال: كتبت إلي عاملنا بالثغر أن أسارى المسلمين في بلد الروم كانوا على رفق وصيانة إلى أن ولي آنفاُ ملك الروم حدثان منهم، فعسفا الأسارى، وأجاعاهم، وأعرياهم، وعاقباهم، وطالباهم بالتنصر، وأنهم في عذاب شديد، ولا حيلة لي في هذا والخليفة لا يساعدني، فكنت أنفق الأموال وأجهز الجيوش إلى القسطنطينية فقلت:ها هنا أمر سهل يبلغ به الغرض، فقال: قل يامبارك! قلت:إن بأنطاكية عظيماً للنصارى يقال له: البطرك،وبالقدس آخر يقال له: الجاثليق، وأمرهما ينفذ على الروم وعلى ملوكهم، والبلدان في سلطاننا والرجلان في ذمتنا، فيأمر الوزير بإحضارهما ويتقدم إليهما بإزالة ما تجدد على الأسارى، فإن لم يزل لم يطالب بتلك الجزيرة غيرهما،فكتب يستدعيهما،فلما كان بعد شهرين جاءني رسوله، فجئت فوجدته مسروراً فقال:جزاك الله عن نفسك ودينك وعني خيراً، كان رأيك أبرك رأي وأسده، هذا رسول العامل قد ورد، وقال له: خبر بما جرى، فقال:أنفذني العامل مع رسول البطرك والجاثليق إلى القسطنطينية،وكتبا إلى ملكيهما أنكما قد خرجتما بما فعلتما عن ملة المسيح عليه السلام،وليس لكما الاضرار بالأسارى،فإنه يخالف دينكماوما يأمركما به المسيح عليه السلام، فإما زلتما عن هذا الفعل وإلا حرمناكما، ولعناكما على هذين الكرسيين، فلما وصلنا إلى القسطنطينية حجبنا أياماً، ثم أوصل الرسولان إليهما واستدعياني، فقال الترجمان: يقول لكما الملكان: الذي بلغ ملك العرب من فعلنا بالأسارى كذب وتشنيع، وقد أذنالك في دخولك لتشاهدهم على ضد ما قيل، وتسمع شكرهم لنا فدخلت فرأيت الأسارى، وكأن وجوههم قد خرجت من القبور، تشهد بما كانوا فيه من الضر، ورأيت ثيابهم جميعاً جدداً فعلمت أني حجبت تلك الأيام لتغيير حالهم.فقال لي الأسارى: نحن شاكرون للملكين فعل الله بهما وصنع، وأومأ إلي بعضهم أن الذي بلغكم كان صحيحاً، إنما خفف عنا لما حصلتم ها هنا، فكيف بلغكم أمرنا؟ فقلت: ولي الوزارة علي عيسى،وبلغه حالكم ففعل كذا وكذا، فضجوا بالدعاء والبكاء وسمعت امرأة منهم تقول مر يا علي بن عيسى لانسي الله لك هذا الفعل! فلما سمع الوزير ذلك أجهش بالبكاء، وسجد شكراً لله تعالى، فقلت: أيها الوزير، أسمعك كثيراً تتبرم بالوزارة، فهل كنت تقدر على تحصيل هذا الثواب لولا الوزارة؟ فشكر لي، وانصرفت.


أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر، عن أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي، عن أبيه قال: حدثني جماعة من أهل الحضرة أن رجلاً بالكرخ كان مشهوراً بالستر وارتكبه دين، فقام عن دكانه ولزم منزله، وأقبل على الدعاء والصلاة ليالي كثيرة، فلما كانت ليلة الجمعة صلى صلاته ودعا ونام، قال: فأريت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: اقصد علي بن عيسى الوزير، فقد أمرته لك بأربعمائة دينار، فخذها وأصلح بها أمرك. قال: وكان علي قيمة ستمائة دينار فلما كان من غد قلت: قد قال النبي صلى الله عليه وسلم " من رآني في المنام فقد رآني حقاً الشيطان لايتمثل بي " فلم لا أقصد الوزير؟ فجئت الباب فمنعت من الوصول إليه فجلست إلى أن ضاق صدري وهممت بالانصراف، فخرج صاحبه وكان يعرفني معرفة ضعيفة، فأخبرته فقال: يا هذا، الوزير والله في طلبك منذ السحر وإلى الآن، وقد سأل عنك، فما عرفك أحد، والرسل مبثوثة في طلبك، فكن مكانك، فقال:ومضى ودخل، فما كان بأسرع من أن دعوني فدخلت إلى الوزير، فقال لي: ما اسمك؟ فقلت فلان ابن فلان العطار. قال: من أهل الكرخ؟ قلت: نعم. قال يا هذا، أحسن الله جزاءك في قصدك إياي، فوالله ما تهنأت بعيش منذ البارحة، جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامي فقال: " أعط فلان ابن فلان العطار من الكرخ أربعمائة دينار يصلح بهما شأنه " وكنت اليوم طول نهاري في طلبك، وما عرفك أحد، ثم قال: هاتوا ألف دينار فحملوها، فقال: هذه أربعمائة دينار خذها امتثالاً لأمر رسول صلى الله عليه و سلم وستمائة هبة مني لك، فقلت: أيها الوزير، ما أحب أن أزاد على عطية رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أرجو البركة فيه لا فيما عداه، فبكى علي بن عيسى وقال: هذا هو اليقين خذ ما بدا لك. فأخذت أربعمائة دينار فانصرفت، فقصصت قصتي على صديق لي وأريته الدنانير، وسألته أن يحضر غرمائي ويتوسط بيني وبينهم، ففعل فقالوا: نحن نؤخره ثلاث سنين بالمال فليفتح دكانه، فقلت: لا بل يأخذون مني الثلث من أموالهم، وكانت ستمائة، فأعطيت كل من له شيء ثلث ماله، فكان الذي فرقت بينهم مائتي دينار و فتحت دكاني، وأدرت المائتين الباقية في الدكان فما حال الحول إلا ومعي ألف دينار، فقضيت ديني كله، وما زالت حالتي تزيد وتصلح.
توفي علي بن عيسى في السنة، وقيل: في سنة أربع وثلاثين، عن تسع وثمانين سنة.
محمد بن أحمد بن الربيع بن سليمان بن أبي مريم أبو رجاء الأسواني الشاعر الفقيه. كتب عنه علي بن عبد العزيز، وكان فقيهاً على مذهب الشافعي، وكان فصيحاً رصيناً، وله قصيدة تضمن فيها أخبار العالم، فذكر قصص الأنبياء نبياً نبياً، وسئل قبل موته بنحو من سنتين: كم بلغت قصيدتك إلى الآن؟ فقال ثلاثين و مائة ألف بيت،وقد بقي علي منها أشياء أحتاج إلى زيادتها فيها، ونظم فيها الفقه، ورقم كتاب المزني وكتب الطب والفلسفة. توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
محمد بن أحمد بن سليمان، أبو الفضل ابن القواس حدث عن إسحاق بن سنين الختلي، وروى عنه الدارقطني، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: قرأت بخط أبي الفتح بن مسروق أن محمد بن أحمد بن سليمان توفي ببغداد في أول سنة خمس وثلاثين وثلثمائة، وقالوا: كان ثقة.
محمد بن إسماعيل بن إسحاق بن بحر أبو عبد الله الفارسي كان يتفقه على مذهب الشافعي، وحدث عن أبي زرعة الدمشقي وغيره، وروى عنه الدارقطني وغيره، وآخر من حدث عنه أبوعمر بن مهدي، وكان ثقة ثبتاً فاضلاً، وتوفي في شعبان هذه السنة.
محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن عثمان أبو بكر بن أبي يعقوب القرىء حدث عن محمد بن عبيد الله المنادي وغيره وكان صدوقاً.
محمد بن جعفر بن أحمد بن يزيد أبو بكر الصيرفي المطيري من أهل مطيرة سر من رأى، سكن بغداد وحدث بها عن الحسن بن عرفة، وعلي بن حرب، وعباس الدوري وغيرهم وكان حافظاً روى عنه الدارقطني وقال: هو ثقة مأمون، وابن شاهين وقال: كان صدوقاً ثقة. وتوفي في صفر هذه السنة.
هارون بن محمد بن هارون بن علي بن عيسى بن موسى بن عمرو بن جابر بن يزيد ابن جابر بن عامر بن أسيد بن تيم بن صبح بن ذهل بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة، أبو جعفر


والد القاضي أبي عبد الله الحسين بن هارون. وكان أسلافه ملوك عمان في قديم الزمان، وكان أول من دخل عمان من ملوك بني ضبة فتملك بها، ثم لم تزل ولده من بعده يرثون هناك السيادة والشرف، ويزيد بن جابر أدركه الإسلام فأسلم وحسن إسلامه، وأول من انتقل منهم من عمان: هارون بن محمد، فسكن بغداد، وحدث بها، روى عنه ابنه.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا عبد الكريم ابن محمد الحاملي قال: أخبرنا علي بن عمر الدارقطني وذكر هارون بن محمد فقال: استولى على الفضائل، وساد بعمان في حداثة سنة، ثم خرج منها فلقي العلماء بمكة والكوفة والبصرة، ودخل مدينة السلام سنة خمس وثلثمائة فعلت منزلته عند السلطان وارتفع قدره وانتشرت مكارمه وعطاياه وانفق أمواله وانتابه الشعراء من كل موضع، وامتدحوه فأكثروا، وأجزل صلاتهم، وأنفق أمواله في بر العلماء والإفضال عليهم، وفي صلات الأشراف من الطالبيين والعباسيين وغيرهم، واقتناء الكتب المنسوبة، وكان مبرزاً في العلم واللغة، والشعر، والنحو، ومعاني القرآن، والكلام، وكانت داره مجمعاً لأهل العلم في كل فن إلى أن توفي في سنة خمس وثلاثين وثلثمائة
ثم دخلت
سنة ست وثلاثين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه ظهر كوكب مذنب في صفر من ناحية المشرق طوله نحو ذراعين فمكث عشرة أيام ثم اضمحل.
وسار الخليفة ومعز الدولة من واسط في البرية على الطفوف، فلما صار في البرية ورد على معز الدولة رسول من الهجريين القرامطة من هجر بكتاب منهم إليه باللوم على سلوكه البرية، بغير أمرهم، إذ كانت لهم، فلم يجبهم عن الكتاب، وقال للرسول يقول لهم: ومن أنتم حتى تستأذنوا في سلوك البرية، وكأني أنا أقصد البصرة قصدي إنما هو بلدكم وإليكم أخرج من البصرة بعد فتحي إياها بإذن الله تعالى وستعرفون خبركم.
ولما افتتح معز الدولة البصرة قطع عن الخليفة الألفي درهم التي كان يقيمها له في كل يوم لنفقته، وعوضه عنها ضياعاً من ضياع البصرة وغيرها، زيادة على قدر ضياع الخليفة بنحو مائتي ألف دينار في السنة ثم نقص ارتفاعها على ممر السنين حتى صار خمسين ألف دينار في السنة.
وورد الكتاب بتقلد القاضي أبي السائب عتبة بن عبيد الله القضاء في الجانب الغربي ومدينة أبي جعفر مكان القاضي أبي الحسين محمد بن صالح، فاجتمعت له مدينة السلام.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن جعفر محمد بن عبيد الله بن يزيد، أبو الحسين ابن المنادي ولد لثمان عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة ست وخمسين ومائتين، وسمع جده محمد بن عبيد الله، ومحمد بن إسحاق الصاغاني، والعباس بن محمد الدوري، وخلقاً كثيراً، وكان ثقة، أميناً، ثبتاً، صدوقاً، ورعاً، حجة، صنف كتباً كثيرة، وجمع علوماً جمة، ولم يسمع كلام الناس من مصنفاته إلا أقلها لشراسة خلقه، وروى عنه جماعة آخرهم محمد بن فارس الغوري.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: حدثني أبو الفضل عبيد الله بن أحمد الصيرفي قال: كان أبو الحسين بن المنادي صلب الدين، صلب الطريقة، شرس الأخلاق، فلذلك لم تنتشر عنه الرواية: قال: وقال لي أبو الحسن بن الصلت: كنا نمضي مع ابن قاح الوراق إلى أبي الحسين بن المنادي نسمع منه، فإذا وقفنا ببابه خرجت إلينا جارية له وقالت: كم أنتم؟ فنخبرها بعددنا، ويؤذن لنا في الدخول ويحدثنا، فحضر مرة إنسان علوي وغلام له، فلما استأذنا قالت الجارية: كم أنتم؟ فقلنا نحو الثلاثة عشر. وما كنا حسبنا العلوي ولا غلامه في العدد، فدخلنا عليه، فلما رآنا خمسة عشر نفساً قال لنا: انصرفوا اليوم، فلست أحدثكم. فانصرفنا وظننا أنه عرض له شغل، ثم عدنا إليه مجلساً ثانياً فصرفنا ولم يحدثنا، فسألناه بعد عن السبب الذي أوجب ترك التحديث لنا فقال: كنتم تذكرون عدتكم في كل مرة للجارية وتصدقون، ثم كذبتم في المرة الأخيرة، ومن كذب في هذا المقدار لم يؤمن أن يكذب فيما هو أكثر منه. قال فاعتذرنا إليه، وقلنا: نحن نتحفظ فيما بعد فحدثنا. أو كما قال.ونقلت من خط أبي يوسف القزويني قال: أبو الحسين بن المنادي من القراء المجودين، ومن أصحاب الحديث الكبار


وله في علوم القرآن أربعمائة كتاب ونيف وأربعون كتاباً، أعرف منها واحداً وعشرين كتاباً أو دونها، وسمعت بالباقين، وكان من المصنفين، ولا نجد في كلامه شيئاً من الحشو، بل هو نقي الكلام، وجمع الرواية والدراية.
قال المصنف: وقد وقع إلي من مصنفاته قطعة بحظه، وفيها من الفوائد ما لا يكاد يوجد في كتاب، ومن تأمل مصنفاته عرف قدر الرجل.
توفي في محرم هذه السنة ودفن في مقبرة الخيزران.
أحمد بن إبراهيم بن عبدالله بن معاوية، أبو الحسن. حدث عن أحمد بن حماد، وكان ثقة صالحاً. وتوفي في رمضان هذه السنة.
أحمد بن الحسين ماناج أبو العباس الاصطخري الفارسي كان رجلاً صالحاً زاهداً روى الحديث وأملاه.
وتوفي بمصر في ربيع الآخر من هذه السنة.
ريطة بنت عبيد الله العايدة صحبت أبا عثمان النيسابوري وأقرانه، وحفظت عنهم من كلامهم، وصلت حتى أقعدت، وكان مشايخ الزهاد يزورونها، وتوفيت في محرم هذه السنة.
عبد الله بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، أبو عمر وقيل أبو محمد الخطابي حدث عن الدراوردي، روى عنه أبو بكر الأثرم، والبغوي، وكان ثقة.
توفي في ربيع الآخر بالبصرة في هذه السنة.
عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله بن سعد أبو محمد الزهري ولد سنة سبع وخمسين ومائتين وسمع عباساً الدوري وروى عنه ابن شاهين وكان ثقة وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
محمد بن أحمد بن أحمد بن حماد أبو العباس بن الأثرم المقري هكذا نسبه الدارقطني، والمحسن بن علي التنوخي، وأبو عمر الهاشمي، وكان أبو بكر بن شاذان يسقط جده أحمد ويجعل حماداً هو الجد، ولد في سنة أربعين ومائتين، وسمع الحسن بن عرفة، وعلي بن حرب، وعباساً الدوري، وكتب الناس عنه بانتقاء عمر البصري، وحدث عنه محمد بن المظفر، والدارقطني،وغيرهما، وهو ثقة، وتوفي في هذه السنة.
محمد بن أحمد إبراهيم بن قريش بن حازم بن صبيح، أبو عبد الله الكاتب الحكيمي ولد في ذي القعدة سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وسمع زكريا بن يحيى بن أسد المروزي، ومحمد بن إسحاق الصاغاني، والعباس بن محمد الدوري في آخرين. روى عنه الدارقطني، وأبو عمر بن حيويه وغيرهما، قال البرقاني: هو ثقة إلا أنه يروي مناكير.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب قال: قرأت بخط أبي الحسن بن الفرات:توفي الحكيمي يوم الخميس لأثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين وثلثمائة، ودفن يوم الجمعة.
؟؟محمد بن يحيى بن عبد الله بن العباس بن محمد بن صول أبو بكر الصولي كان أحد العلماء بفنون الآداب، وحسن المعرفة بأخبار الملوك، وأيام الخلفاء، ومآثر الأشراف، وطبقات الشعراء، وحدث عن أبي داود السجستاني، وثعلب، والمبرد، وأبي العيناء، والكديمي، وأبي رويق وخلق كثير، وكان واسع الرواية، حسن الحفظ حاذقاً بتصنيف الكتب، وكان له بيت عظيم مملوء كتباً، وكان يقول: كل هذه الكتب سماعي. ونادم جماعة من الخلفاء، وصنف سيرهم، وله أبوة حسنة، فإن جده صول وأهله كانوا ملوك جرجان، ثم رأس أولاد صول في الكتابة، وتقلد الأعمال السلطانية، وكان أبو بكر حسن الاعتقاد، جميل الطريقة، وله شعر حسن، روى عنه ابن حيويه، وأبو الحسن الدارقطني، وغيرهما.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: أنشدني أبو القاسم الأزهري قال: أنشدنا عبيد الله بن محمد المقرئ قال أنشدنا أبو بكر الصولي لنفسه: ؟؟أحببت من أجله من كان يشبهه وكل شيء من المعشوق معشوق
حتى حكيت بجسمي ما بمقلته ... كأن سقمي من جفنيه مسروق
ومن أشعاره:
شكى إليك ما وجد ... من خانه فيك الجلد
لهفان إن شئت اشتكي ... ظمآن إن شئت ورد
صب إذا رام الكرى ... نبهه لذع الكمد
يا أيها الظبي الذي ... تصرع عيناه الأسد
أما لأسراك فدىً؟ ... أما لقتلاك قود؟
ماذا على من جار في ... أحكامه لو اقتصد
ما ضره لو أنه ... أنجز ما كان وعد
هان عليه سهري ... في حبه لما رقد


واهاً لغرٍ غره ... أنا وصلناه وصد
بمقلتيه حور ... وقده فيه غيد
وقال أبو الصولي: حضرت باب علي بن عيسى الوزير ومعنا جماعة من أجلاء الكتّاب، فقدمت دواة وكتبت:
خلفت على باب ابن عيسى كأنني ... قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
إذا جئت أشكو طول فقري وخلتي ... يقولان لا تهلك أسى وتجمل
ففاضت دموع العين من قبح ردهم ... على النحر حتى بلّ دمعي محملي
لقد طال تردادي وقصدي إليهم ... فهل عند رسم دارس من معول
فنما الخبر إليه فاستدعاني وقال: يا صولي، فهل عند رسم دارس من معول؟ فاستحييت وقلت: أيد الله الوزير ما بقي شيء، وأنا كما ترى، فأمر لي بخمسة آلاف درهم فأخذتها وانصرفت.
خرج أبو بكر الصولي لإضاقة يد عن بغداد، فتوفي بالبصرة في هذه السنة.
ابنة أبي الحسن المكي: أنبأنا محمد بن أبي طاهر البزاز قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، عن أبيه قال: حدثني عبيد الله بن أحمد بن بكير قال: كان لأبي الحسن المكي ابنة مقيمة بمكة أشد ورعاً منه، وكانت لا تقتات إلا ثلاثين درهماً ينفذها إليها أبوها في كل سنة مما يسفضله من ثمن الخوص الذي يسفه ويبيعه، فأخبرني ابن الرواس التمار وكان جاره قال: جئته أودعه للحج، وأستعرض حاجته، وأسأله أن يدعو لي، فسلم إلي قرطاساً وقال: لتسأل بمكة في الموضع الفلاني عن فلانة، وتسلم هذا إليها، فعلمت أنها ابنته، فأخذت القرطاس وجئت، فسألت عنها فوجدتها بالعبادة والزهد أشد اشتهاراً من أن تخفى، فطمعت نفسي أن يصل إليها من مالي شيء يكون لي ثوابه، وعلمت أنني إن دفعت إليها ذلك لم تأخذه، ففتحت القرطاس وجعلت الثلاثين خمسين درهماً ورددته كما كان، وسلمته إليها، فقالت: أي شيء خبر أبي؟ فقلت: على السلامة. فقالت: قد خالط أهل الدنيا وترك الانقطاع إلى الله تعالى؟ فقلت: لا. قالت: فأسألك عن شيء أتصدقني بالله وبمن حججت إليه إن سألتك عن شيء فتصدقني فقلت: نعم فقالت: خلطت في هذه الدراهم بشيء من عندك؟ فقلت: نعم، فمن أين علمت بهذا؟ فقالت: ما كان أبي يزيدني على الثلاثين شيئاً؛ لأن حاله لا تحتمل أكثر منها، إلا أن يكون ترك العبادة، فلو أخبرتني بذلك ما أخذت منه أيضاً شيئاً ثم قالت لي: خذ الجميع؛ فقد عققتني من حيث قدرت أنك بررتني، ولا آخذ من مال لا أعرف كيف هو شيئاً. فقلت خذي منها ثلاثين درهماً كما أنفذ إليك أبوك وردي الباقي. فقالت: لو عرفتها بعينها من جملة الدراهم لأخذتها، ولكن قد اختلطت بما لا أعرف جهته، فلا آخذ منها شيئاً؟؟؟؟؟! وأنا الآن أقتات إلى الموسم الآخر من المزابل، لأن هذه كانت قوتي طول السنة، فقد اجعتني ولولا أنك ماقصدت أذاي لدعوت عليك قال: فاغتممت وانحدرت إلى البصرة، وجئت إلى أبي الحسن فأخبرته واعتذرت إليه فقال: لا آخذها وقد اختلطت بغير مالي، وقد عققتني وإياها قال: فقلت: ما أعمل بالدراهم؟ قال:لا أدري! فما زلت مدة أعتذر إليه وأسأله ما أعمل بالدراهم، فقال لي بعد مدة تصدق بها. ففعلت.
؟ثم دخلت
سنة سبع وثلاثين وثلثمائة؟؟
فمن الحوادث فيها أنه يوم السبت لإحدى عشرة ليلة بقيت من المحرم تفرغ الناس بالليل وتحارسوا وكان سبب ذلك: خيل إليهم حيوان يظهر في الليل في سطوحهم فتارة يظنونه ذئباً، وتارة يظنون غيره، فبقوا على ذلك أياماً كثيرة ثم سكنوا، وكان ابتداء ذلك من سوق الثلاثاء إلى غيره ثم انتشر في الجانبين.
وفي يوم الاثنين لليلتين خلتا من رمضان: انتهت زيادة دجلة إلى إحدى وعشرين ذراعاً وثلث، فغرقت الضياع والدور التي عليها، وأشفى الجانب الشرقي على الغرق، وهمّ الناس بالهرب منه.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن إسماعيل بن القاسم بن عاصم، أبو جعفر حدث عن أبي بكر بن أبي مريم، وعن أبي زرعة الدمشقي بتاريخه، ورحل، وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم بن الحكم، أبو محمد البيع والد أبي عبد الله الحاكم


أذّن ثلاث وثلاثين سنة، وغزا اثنتين وعشرين غزاة، وكان يديم الصلاة بالليل، وأنفق على العلماء والزهاد مائة ألف درهم، وقد رأى عبد الله بن أحمد، ومسلم بن الحجاج، وروى عن ابن خزيمة وغيره.
وتوفي في هذه السنة وهو ابن ثلاث وتسعين سنة.
قدامة بن جعفر بن قدامة، أبو الفرج الكاتب. له كتاب حسن في الخراج وصناعة الكتابة، وقد سأل ثعلباً عن أشياء.
محمد بن الحسن بن يزيد بن عبيد بن أبي خبزة أبو بكر الرقي قدم بغداد في سنة ثلاثين وثلثمائة، وحدث بها عن هلال بن العلاء وغيره. روى عنه الدارقطني.
أخبرنا القزاز قال: أخبرنا الخطيب قال: ما علمت من حاله إلا خيراً.
محمد بن الحسين بن محمد بن سعيد أبو عبد الله الزعفراني الواسطي سمع أبا بكر بن أبي خثيمة، وكان ثقة، وتوفي في شوال هذه السنة.
محمد بن علي بن عمر أبو علي المذكر كان يذكر في بعض مواضع من نيسابور ويجتمع إليه الخلق، وسمع الحديث من مشايخ لم يقتصر عليهم حتى روى عن مشايخ آبائه الذين لم يسمع منهم، ثم لم يقتصر على ذلك حتى حدث عن هؤلاء الشيوخ بما لم يتابع عليه هذا على كبر سنه، فإنه توفي في شعبان هذه السنة، وهو ابن مائة وسبع سنين.
محمد بن مطهر بن عبيد أبو النجاء الفرضي الضرير. كان حاذقاً بالفرائض، له فيها مصنفات بعيد المثل، وكان فقيهاً على مذهب مالك رحمه الله، وله كتاب مصنف في الفقه على مذهبه، وكان أديباً فهماً فطناً.
وتوفي في رمضان هذه السنة.
ثم دخلت
سنة ثمان وثلاثين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه في آخر ربيع الأول وقعت فتنة بين أهل السنة والشيعة ونهبت الكرخ.
وفي يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة تقلد القاضي أبو السائب عتبة بن عبيد الله الهمذاني قضاء القضاة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس، أبو جعفر النحوي ابن النحاس وكان عالماً بالنحو حاذقاً، وكتب الحديث، وخرج إلى العراق فلقي أصحاب المبرد، وله تصانيف حسان في تفسير القرآن، والنحو.
توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
إبراهيم بن محمد بن أحمد بن أبي ثابت أبو إسحاق العطار روى عن سعدان بن نصر والربيع بن سليمان والحسن بن عرفة ولم يكن عنده عنه إلا حديث واحد، روى عنه ابن المظفر وابن شاهين، وكان ثقة وسكن دمشق، ومات بها في هذه السنة.
عبد الله المستكفي بالله أمير المؤمنين بن علي بن المكتفي بويع فمكث في الخلافة سنة وأربعة أشهر ويومين، وخلع وقبض عليه أبو الحسن بن بويه، واعتقله في داره، فمات هناك بنفث الدم في هذه السنة، وقيل: بل شمله المطيع واعتقله، وتوفي وهو ابن ست وأربعين سنة وشهرين.
علي بن حمشاذ بن سختويه بن نصر، أبو الحسن المعدل محدث عصره بنيسابور، سافر البلدان، وسمع وأكثر عن إسماعيل القاضي وطبقته، وكان كثير الحديث والتصانيف، شديد الإتقان، وجمع المسند الكبير في أربعمائة جزء والأنوار مائتين وستين جزء، والتفسير مائتين وستين جزءاً وكان أبو بكر بن إسحاق يقول: صحبت علي بن حمشاذ في السفر والحضر، فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة، وكان لا يترك قيام الليل، وتوفي في يوم الجمعة رابع عشر شوال من هذه السنة فجأة، دخل الحمام يوم الجمعة فمات فيه من غير مرض.
علي بن محمد بن محمد بن أحمد بن الحسين أبو الحسن الواعظ ولد في محرم سنة إحدى وخمسين ومائتين، وهو بغدادي أقام بمصر مدة طويلة، فقيل له: المصري، ثم رجع إلى بغداد. سمع من جماعة بمصر وبغداد، روى عنه ابن المظفر والدارقطني وابن شاهين وابن رزقويه وأبو الحسن بن بشران.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: كان أبو حسن المصري ثقة أميناً عارفاً، جمع حديث الليث بن سعد، وابن لهيعة، وصنف كتباً كثيرة في الزهد، وكان له مجلس يتكلم فيه بلسان الوعظ، فحدثني الأزهري أن أبا الحسن المصري كان يحضر مجلس وعظه رجال ونساء، وكان على وجهه برقعاً مخافة أن يفتتن به النساء من حسن وجهه.


قال الأزهري: وحدثت أن أبا بكر النقاش المقرئ حضر مجلسه مستخفياً، فلما سمع كلامه قام قائماً، وشهر نفسه، وقال لأبي الحسن: أيها الشسيخ، القصص بعدك حرام. توفي في ذي القعدة من هذه السنة.
علي بن بويه، أبو الحسن. أول من ظهر من الديلم، وقد ذكرنا مبدأ أمره وأمر أبيه في سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة، وأنه ضمن البلاد من الخليفة، وتمكن وكان فيه عقل وشجاعة، وكانت إمارته ست عشرة سنة، وكان الخليفة يخاطبه بأمير الأمراء، وتوفي بشيراز في هذه السنة وعمره سبع وخمسون سنة.
محمد بن عبد الله بن دينار أبو عبد الله المعدل الزاهد. من أهل نيسابور روى عنه ابن شاهين، وكان ثقة، فقيهاً، عارفاً بمذهب أبي حنيفة، ورغب عن الفتوى لاشتغاله بالعبادة، وكان يديم الصيام والقيام مع صبره على الفقر وكسب الحلال من عمل يده، وكان يحج في كل عشر سنين، ويغزو في كل ثلاث سنين.
وتوفي منصرفه عن الحج يوم الاثنين غرة صفر من هذه السنة، ودفن بقرب الإمام أبي حنيفة.
محمد بن أحمد بن موسى، أبو المثنى الزاهد الدردائي من أهل الكوفة قدم بغداد، وحدث بها صفر في سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة عن الحسن بن علي بن عفان العامري.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: كتب إلي أبو طاهر محمد بن محمد بن الحسين بن الصباغ المعدل من الكوفة وحدثنيه محمد بن علي الصوري عنه قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن حماد الحافظ قال: مات أبو المثنى الدردائي الفقيه لتسع بقين من رمضان سنة ثمان وثلاثين وثلثمائة، وكان رجلاً صالحاً أحد من يفتي في الحلال والحرام والدماء ثقة صدوقاً، وكان يرمى بالقدر، وقد جالسته طويلاً وعريضاً فما سمعت منه في هذا شيئاً.
محمد بن إبراهيم بن أحمد بن صالح بن دينار أبو الحسن البغوي المعدل البغشيني يعرف: بابن حبيش، لأن أحمد جده كان يلقب حبيشاً.
ولد في شعبان سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وإنما سميناه بالبغشيني لأنه من قرية من خراسان من مروالروذ يقال لها: بغشة قال: وكان المنصور بنى لهم مسجد البغشيين، وصلى فيه المنصور، واستسقى فيه ماء، وحدث عن ابن عباس الدوري وغيره، روى عنه الدارقطني فقال: لم يكن بالقوي.
وتوفي يوم الثلاثاء لعشر خلون من جمادى الآخرة من هذه السنة.
ثم دخلت
سنة تسع وثلاثيين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه ورد الخبر في يوم الاثنين لإحدى عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة: بأن سيف الدولة غزا فأوغل في بلاد الروم، وفتح حصوناً كثيرة من حصونهم وسبى خلقاً كثيراً، فلما أراد الخروج من بلاد الروم أخذوا عليه الدرب الذي أراد أن يخرج منه، فتلف كل من كان معه من المسلمين، أسراً وقتلاً، وارتجع الروم ما أخذه من السبي، وأخذوا خزانته وكراعه وسلاحه وأفلت في عدد يسير، وقد كان معه ثلاثون ألف رجل.
وفي ذي القعدة: رد الحجر الأسود الذي كان أبو طاهر سليمان بن الحسن الهجري أخذه من الكعبة، وعلق على الاسطوانة السابعة من مسجد الكوفة، وقد بجكم بذل في رده خمسين ألف دينار فلم يرد، وقيل: أخذنا بأمر، وإذا ورد الأمر برده رددناه، فلما كان في ذي القعدة كتب أخوة أبي طاهر الهجري كتاباً يذكرون فيه أنهم ردوا الحجر بأمر من أخذوه بأمره، ليتم مناسك الناس وحجهم. فرد إلى موضعه.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن عبد الله بن علي بن إسحاق أبو الحسن الناقد ولد بمصر وحدث عن الربيع بن سليمان وغيره، وكان ثقة ظريفاً. توفي في صفر هذه السنة.
أحمد بن محمد بن فضالة بن سلمان السري الحمصي حدث عن جماعة وكان ثقة توفي في مصر في هذه السنة.
الحسن بن إسحاق أبو محمد الجواهري كتب كثيراً وولي القضاء بمصر وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
الحسن بن داود بن بابشاذ أبو سعيد المصري قدم ببغداد، ودرس فقه أبي حنيفة على الصيمري، ودرس وقرأ بقراآت عدة، وحفظ طرفاً من علم الأدب، والحساب، والجبر، والمقابلة، وكان مفرط الذكاء، قوي الفهم، وكتب الحيث، وكتب الحديث، وكان ثقة غزير العقل، وكان أبوه يهودياً فأسلم وذكر بالعلم، توفي أبو سعيد في ذي القعدة من هذه السنة، ودفن في مقبرة الشونيزي وما بلغ الأربعين.


الحسين بن أحمد الناصر بن يحيى الهادي بن الحسين بن إبراهيم بن إسماعيل بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب أبو عبد الله الكوفي قدم بغداد وحدث بها عن أبيه، روى عنه ابن حيويه، وكان أحد وجوه بني هاشم وعظمائهم وكبرائهم وصلحائهم، ورعاً خيراً، فاضلاً، فقيهاً، ثقة صدوقاً، وكان أحد شهود الحاكم، ثم ترك الشهادة وتوفي في هذه السنة.
عبد الرحمن بن سلمويه الرازي قدم مصر وتفقه على مذهب الشافعي، وحدث وأفتى وكان يجلس في حلقة المزني في مسجد الجامع العتيق، وتوفي بمصر في هذه السنة.
محمد القاهر بالله أمير المؤمنين ابن أحمد المعتضد بالله ولي الخلافة سنة وستة أشهر وسبعة أيام، وكان بطاشاَ فخافه كل أحد، حذر منه وزيره أبو علي بن مقلة فاستتر، وأغرى الجند به فخلعوه وسملوا عينيه، ثم خرج من دار السلطان في سنة ثلاث وثلاثين إلى دار ابن طاهر، وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة، ودفن إلى جنب أبيه المعتضد في خلافة المطيع، وكان عمره اثنتين وخمسين سنة.
محمد بن أحمد بن عمرو بن عبد الخالق بن خلاد أبو العباس العتكي البزاز سمع خلقاً كثيراً، وروى عنه الدارقطني وابن شاهين، وكان ثقة.
وتوفي يوم الأحد لعشر خلون من شعبان هذه السنة.
محمد بن عبد الله بن أحمد، أبو عبد الله الصفار الأصبهاني محدث عصره بخراسان، سمع الكثير وروى عنه ابن أبي الدنيا من كتبه، وكان مجاب الدعوة ولم يرفع رأسه إلى السماء نيفاً وأربعين سنة، وكان يقول: اسم أمي آمنة و اسمي: محمد، واسم أبي: عبد الله، فاسمي واسم أمي وأبي يوافقان اسم رسول الله، واسم أبيه وأمه توفي في ذي القعدة من هذه السنة.
ثم دخلت
سنة أربعين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه ورد الخبر بمسير صاحب عمان إلى الأبلة يريد البصرة وورود أبي يعقوب الهجري لمعاونة صاحب عمان على فتح البصرة، فانهزم صاحب عمان من البصرة، واستؤثر جماعة من أصحابه، وأخذ منه خمسة مراكب، ودخل في ربيع الآخر أبو محمد المهلبي إلى بغداد ومعه المراكب والأسارى.
وفي رمضان: وقعت فتنة عظيمة بالكرخ بسبب المذهب.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أشهب بن عبد العزيز بن داود بن إبراهيم أبو عمرو العامري أحد الفقهاء منسوب إلى عامر بن صعصعة وكذلك قبيصة بن عقبة، ويقال: العامري، وينسب إلى عامر بن لؤي، منهم حسل العامري، وعباس، وغيرهما، ويقال: العامري منسوباً إلى عامر بن عدي في تجيب منهم إبراهيم بن سعيد بن عروة، توفي أشهب في شعبان هذه السنة.
عبيد الله بن الحسين بن دلال بن دلهم أبو الحسن الكرخي من كرخ جدان. ولد سنة ستين ومائتين، وسكن بغداد، ودرس بها فقه أبي حنيفة وحدث عن إسماعيل بن إسحاق القاضي، روى عنه ابن حيويه،وابن شاهين، وانتهت إليه رياسة أصحاب أبي حنيفة، وانتشر أصحابه في البلاد، وكان متعبداً، كثير الصلاة والصوم، صبوراً على الفقر، عزوفاً عما في أيدي الناس، إلا أنه كان رأساً في الاعتزال.
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال: حدثني الصميري قال: حدثني أبو القاسم علي بن محمد بن علان الواسطي قال: لما أصاب أبا الحسن الكرخي الفالج في آخر عمره حضرته وحضر أصحابه أبو بكر الدامغاني، وأبو علي الشاشي، وأبو عبد الله البصري فقالوا: هذا مرض يحتاج إلى نفقة وعلاج وهو مقل لا نحب أن نبذله للناس فيجب أن نكتب إلى سيف الدولة ونطلب منه ما ينفق عليه، ففعلوا ذلك فأحس أبو الحسن بما هم فيه، فسأل عن ذلك فأخبر به، فبكى وقال: اللهم لا تجعل رزقي لإلى من حيث عودتني. فمات قبل أن يحمل سيف الدولة له شيئاً، ثم ورد كتاب سيف الدولة ومعه عشرة آلاف درهم، ووعد أن يمد بأمثاله فتصدق به.
توفي الكرخي في شعبان هذه السنة، وصلى عليه أبو تمام الحسن بن محمد الزينبي وكان من أصحابه ودفن بإزاء مسجده بحذاء مسجد في درب أبي زيد على نهر الواسطيين.
محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن أبو الفتح المصري ولد سنة أربع وسبعين ومائتين، وسمع الكثير، وكتب، واحترقت كتبه دفعات، وروى شيئاً كثيراً.


أخبرنا أبو منصور، أخبرنا الخطيب قال: سمعت أبا علي الحسن بن أحمد الباقلاوي وغيره من أصحابنا يذكرون أن المصري كان يشتري من الوراقين الكتب التي لم يكن سمعها، ويسمع فيها لنفسه توفي المصري ببغداد يوم الجمعة تاسع محرم هذه السنة.
محمد بن صالح بن هانىء بن يزيد أبو جعفر الوراق سمع الحديث الكثير، وكان له فهم وحفظ، وكان من الثقات الزهاد، لا يأكل إلا من كسب يده.
قال أبو عبد الله بن يعقوب الحافظ: صحبت محمد بن صالح سنين ما رأيته أتى شيئاً لا يرضاه الله، ولا سمعت منه شيئاً يسأل عنه، وكان يقوم أكثر الليل.
وتوفي في ربيع الأول من هذه السنة.
ثم دخلت
سنة إحدى وأربعين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه ورد الخبر بحرب جرت بين أبي عبد الله أحمد بن يحيى العلوي وبين المصريين بمكة، وكانت على المصريين، وقتل أمير مكة، وتم الحج في هذه السنة على طمأنينة، وأقام أهل مصر الخطبة للمصري ووقت الظهر يوم عرفة، وأقام العلوي الخطبة بعد الظهر لركن الدولة ومعز الدولة، ورفع إلى أبي محمد الحسين بن محمد المهلبي أن رجلاً يعرف بالبصري مات بمدينة السلام، وكان إماماً للعزاقرية، وهو صاحب أبي جعفر محمد بن علي المعروف: بابن أبي العزاقر، وكان يدعي حلول روح أبي جعفر بن أبي العزاقر فيه، وأنه قد خلف مالاً جزيلاً، وأن له أصحاباً وثقات يعتقدون فيه الربوبية، وأن أرواح الأنبياء والصديقين حلت فيهم، فتقدم بالختم على منزله والقبض على هذه الطائفة، وكان في الطائفة شاب يعرف: بابن هرثمة يدعي له أن روح علي بن أبي طالب حلت فيه، وامرأة يقال لها: فاطمة، تدعي أن روح فاطمة عليها السلام حلت فيها، وأخرى يقال لها فاطمة الصغرى تدعي أن روح فاطمة الصغرى حلت فبها وخادم يدعى ميكائيل، وحصل من قبلهم عشرة آلاف درهم، وعين تقارب قيمة ذلك وكان المهلبي يسمي هذا المال مال الزنادقة وخلي القوم لئلا ينسب المهلبي إلى الانحراف عن الشيعة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن محمد بن زياد بن بشر بن درهم أبو سعيد ابن الأعرابي البصري سكن مكة، وصار شيخ الحرم، وصاحب الجنيد، والنوري، وحسناً المسوحي، وغيرهم، وأسند الحديث، وصنف كتباً للصوفية، وتوفي بمكة يوم الأحد بين الظهر والعصر لسبع وعشرين من ذي القعدة من هذه السنة.
إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن صالح أبو علي الصفار النحوي صاحب المبرد سمع الحسن بن عرفة العبدي، وعباساً الدوري، ومحمد بن عبيد الله المنادي، وغيرهم. روى عنه ابن المظفر، والدارقطني، وابن زرقويه وهلال الحفار وأبو الحسين بن بشران، وكان ثقة. قال الدارقطني صام إسماعيل الصفار أربعة وثمانين رمضاناً، وكان متعقباً للسنة توفي في محرم هذه السنة، ودفن بالقرب من قبر معروف بينهما عرض الطريق دون قبر الآدمي وأبي عمر الزاهد.
إسحاق بن عبد الكريم بن إسحاق أبو يعقوب الصواف سمع من أبي عبد الرحمن النسائي وغيره، وكان فقيهاً مقبولاً عند القضاة.
توفي في شعبان هذه السنة.
شعبة بن الفضل بن سعيد بن سلمة أبو الحسن الثعلبي أسمه سعيد وإنما غلب عليه شعبة. حدث بمصر عن بشر بن موسى ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة روى عنه جماعة وكان ثقة توفي بمصر في جمادى الآخرة من هذه السنة.
ثم دخلت
سنة اثنتين وأربعين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه ورد الخبر في ربيع الأخر بغزاة لسيف الدولة، وأنه غنم وقتل وسبى واستأثر قسطنطين بن الدمستق، وجرت حروب بمكة لأجل الخطبة فانهزم المصريون.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
الحسن بن محمد بن موسى بن إسحاق بن موسى أبو علي الأنصاري سمع أبي بكر بن أبي الدنيا، والمبرد، وكان ثقة، وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة.
علي بن محمد بن أبي الفهم أبو القاسم التنوخي جد أبي القاسم التنوخي الذي يروي عنه أبو بكر بن الخطيب. ولد بأنطاكية في ذي الحجة من سنة ثمان وسبعين ومائتين، وقدم بغداد في حداثته فتفقه بها على مذهب أبي حنيفة، وسمع من البغوي وغيره، وكان يعرف الكلام على مذهب المعتزلة وكان يعرف النحو ويقول الشعر، ولي القضاء بالأهواز وتقلد قضاء إيذج من قبل المطيع.


أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، أخبرنا التنوخي قال: أخبرنا أبي قال: حدثنا أبي قال سمعت أبي ينشد يوماً ولي إذ ذاك خمسة عشر سنة بعض قصيدة دعبل بن علي الطويلة التي يفخر فيها باليمن ويعدد مناقبهم، ويرد على الكميت فيها فخره بنزاز وأولها:
أفيقي من ملامك يا ظيعناً ... كفاك اللوم مر الأربعينا
وهي نحو ستمائة بيت، فاشتهيت حفظها لما فيها من مفاخر أهل اليمن، فقلت: ياسيدي، ادفعها إلي حتى أحفظها، فدافعني فألححت عليه، فقال: كأني بك تأخذها فتحفظ منها خمسين بيتاً أو مائة بيت ثم ترمي بالكتاب وتخلقه علي فقلت: ادفعها إلي فأخرجها وسلمها إلي وقد كان لكلامه أثر فيّ، فدخلت حجرة لي كانت برسمي في داره، فخلوت فيها ولم أتشاغل يومي وليلتي بشيء غير حفظها، فلما كان في السحر كنت قد فرغت من جميعها، وأتقنتها فخرجت إليه غدوة على رسمي، فجلست بين يديه فقال: هي كم حفظت من قصيدة دعبل؟ فقلت: حفظتها بأسرها. فغضب وقدر أني كذبته، وقال: هاتها! فأخرجت الدفتر من كمي وفتحه، فنظر فيه وأنا أنشد، إلى أن مضيت من أكثر من مائة بيت فصفح منها عدة أوراق وقال أنشد من ها هنا فأنشدت مقدار مائة بيت فصفح إلى أن قارب آخرها بمائة بيت قال: أنشد من ها هنا. فأنشدته من مائة بيت منها إلى آخرها فهاله ما رآه من حسن حفظي، فضمني إليه وقبل رأسي وعيني. وقال: يا بني، لا تخبر بهذا أحد، فإني أخاف عليك من العين. وقال أيضاً: حفظني أبي وحفظت بعده من شعر أبي تمام والبحتري سوى ما كنت أحفظه لغيرهما من المحدثين والقدماء مائتي قصيدة، قال: وكان يقول أبي وشيوخنا بالشام من حفظ للطائيين أربعين قصيدة ولم يقل الشعر فهو حمار في مسلاخ إنسان. فقلت الشعر وسني دون العشرين. توفي في ربيع الأول من هذه السنة.
القاسم بن القاسم بن مهدي أبو العباس السياري ابن بنت أحمد بن سيار. كان من أهل مرو، وكان فقيهاً عالماً، كتب الحديث الكثير ورواه.
محمد بن إبراهيم بن أبي الحزور، أبو بكر حدث عن بشر بن موسى وغيره، وتوفي يوم السبت لليلة خلت من ربيع الأول.
محمد بن إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران، أبو عبد الله مولى ثقيف، هو ابن أخي أبي العباس محمد بن إسحاق السراج النيسابوري. ولد ببغداد، وسمع بها الحديث من الحارث بن أبي أسامة والكديمي، وانتقل بآخر عمره إلى الشام، فسكن بيت المقدس، وحدث بها، وكان صدوقاً.
محمد بن إبراهيم بن الحسين بن الحسن بن عبد الخالق أبو الفرج البغدادي الفقيه الشافعي، يعرف: بابن سكرة. سكن مصر وحدث بها عن أبي عمر الضرير، روى عنه أبو الفتح بن مسرور، وذكر أنه سمع منه في سنة خمس وخمسين وثلثمائة قال: وكان فيه لين.
محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبدان بن جبلة أبو جعفر القوهستاني قدم بغداد، وحدث بها عن محمد بن إسحاق السراج، وأبي قريش بن جمعة بن خلف القوهستاني. روى عنه أبو بكر الدوري الوراق، وأحمد بن الفرج بن الحجاج.
محمد بن إبراهيم بن يحيى بن الخلال حدث عن أبي خليفة الفضل بن الحباب، روى عنه أبو الفتح بن مسرور، قال: حدثنا بمدينة المنصور، وكان ثقة.
محمد بن داود بن سليمان بن جعفر أبو بكر الزاهد النيسابوري روى عن الحسن بن سفيان، وجعفر الفريابي، وأبي عبد الرحمن النسائي، وأبي يعلي الموصلي، وغيرهم، وكان ثقة، وسمع منه ابن الصاعد، والدارقطني، وكان يقال إنه من الأولياء، وتوفي في ربيع الأول من هذه السنة.
محمد بن موسى بن يعقوب بن المأمون عبد الله بن الرشيد، يكنى أبا بكر. ولي مكة في سنة ثمان وستين سنة ومائتين، وقدم مصر فحدث بها عن علي بن عبد العزيز بالموطأ عن القعنبي عن مالك، وحدث عن جماعة، وكان ثقة مأموناً، وتوفي بمصر في ذي الحجة من هذه السنة وله أربعة وسبعون سنة تزيد شهراً.
ثم دخلت
سنة ثلاث وأربعين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه ورد الخبر بوقعة كانت بين الدمستق وسيف الدولة عظيمة، وقتل خلق من أصحاب الدمستق ورؤساء بطارقته.
وفي هذه السنة: عم الناس أمراض وحميات ونزلات وأوجاع الحلق.


وفي ذي الحجة: عرض لمعز الدولة مرض وهو الإيقاظ الدائم، فأرجف به، فاضطربت بغداد اضطراباً شديداً، واضطر إلى الركوب مع علته حتى رآه الناس فسكنوا.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
الحسن بن أحمد أبو علي الكاتب المصري صحب أبا علي الروباري وغيره، وكان أبو عثمان المغربي يعظم أمره ويقول: أبو علي الكاتب من السالكين.
أخبرنا محمد بن ناصر قال: أخبرنا أبو بكر بن خلف قال: أخبرنا عبد الرحمن السلمي قال: قال أبو علي: روائح نسيم المحبة تفوح من المحبين وإن كتموها، وتظهر عليهم دلائلهم وإن أخفوها، وتبدو عليهم وإن ستروها. وأنشد:
إذا ما سرت أنفس الناس ذكره ... تبينته فيهم ولم يتكملوا
تطيب به أنفاسهم فيذيعها ... وهل سر مسك أودع الريح يكتم
علي بن محمد بن محمد بن عقبة بن همام أبو الحسن الشيباني الكوفي قدم بغداد فحدث بها عن جماعة، وروى عنه الدارقطني وكان ثقة أميناً، مقبول الشهادة عند الحكام، أقام يشهد ثلاثاً وسبعين سنة، وكان صاحب قراءة وفقه.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا علي بن الحسين صاحب العباسي قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري قال: سمعت أبا الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة الشيباني يقول وقد دخل عليه قاضي القضاة أبو الحسن محمد بن صالح الهاشمي فقال له: كنت السفير لوالدك حتى زوجته بوالدتك وحضرت الأملاك والعرس والولادة، وتسليم المكتب وتقلدت القضاء بالكوفة، وشهدت عند خليفتك وأذنت في مسجدي نيفاً وسبعين سنة، وأذن جدي نيفاً وسبعين سنة، وهو مسجد حمزة بن حبيب الزيات، توفي الشيباني في رمضان هذه السنة.
محمد بن علي بن حماد أبو العباس الكرخي الأديب كان عالماً زاهداً ورعاً سمع من عبدان وأقرانه، وكان يختم القرآن كل يوم، ويديم الصوم، وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة.
أبو الخير التيناتي ولا يعرف اسمه أصله من المغرب، وسكن قرية من قرى أنطاكية يقال لها: تينات ويقال له: الأقطع، لأنه كان مقطوع اليد، وذلك لأنه كان مقطوع اليد، وذلك لأنه عاهد الله تعالى على عهد فنكث، فأخذ لصوص من الصحراء وأخذ معهم فقطعت يده، وقد صحب أبا عبد الله بن الجلاء وغيره من المشايخ.
أخبرنا أبو بكر بن حبيب قال: أخبرنا علي بن أبي صادق قال: أخبرنا ابن باكويه قال: سمعت عبد الواحد بن بكر يقول: سمعت محمد بن الفضل يقول: خرجت من أنطاكية ودخلت تينات ودخلت على أبا الخير الأقطع على غفلة منه بغير إذن فإذا هو بسيف زنبيلاً بيديه، فتعجبت فظر إلي وقال: يا عدو نفسه، ما الذي حملك على هذا؟ فقلت: هيجان الوجد لما بي من الشوق إليك. فضحك ثم قال لي: اقعد لا تعد إلى شيء من هذا بعد اليوم، واستر علي في حياتي.
ثم دخلت
سنة أربع وأربعين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه حدث في ابتداء المحرم بأصبهان علة مركبة من الدم والصفراء، فشملت الناس، فربما هلك جميع من في الدار، وكان أصلح حالاً من تلقاها بالفصد، وكانت بقية العلة قد طرأت على الأهواز، وبغداد، وواسط والبصرة واقترن بها هناك وباء حتى كان يموت كل يوم ألف نفس.
وظهر جراد كثير في حزيران، فأتى على الغلات الصيفية والأثمار، وأضر بالشجر والثمار.
وفي هذه السنة: عقد معز الدولة لابنه أبي منصور بختيار الرياسة وقلده إمرة الأمراء في محرم هذه السنة لأجل مرضه. وحج الناس قي هذه السنة من غير بذرقة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
الحسن بن زيد بن الحسن بن محمد بن حمزة أبو محمد الجعفري من أهل وادي القرى، ولد سنة إحدى وخمسين ومائتين، وقدم بغداد، وحدث عن جماعة، وروى عن ابن رزقويه، وخرج مع الحاج إلى الري، فتوفي في الطريق في ربيع الآخر من هذه السنة.
عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن عمر بن هرثمة، أبو محمد. هروي الأصل، كان ينزل سوق العطش بالجانب الشرقي، وحدث عن الحارث بن أبي أسامة، والكديمي، والباغندي، وروى عنه ابن رزقويه، وكان ثقة، وتوفي في صفر من هذه السنة.
عثمان بن أحمد بن عبد الله بن يزيد، أبو عمرو الدقاق ابن السماك


سمع محمد بن عبيد الله المنادي، وحنبل بن إسحاق، وخلقاً كثيراً، روى عنه الدارقطني، وابن شاهين، وابن شاذان، وكان ثقة صدوقاً ثبتاً صالحاً، كتب المصنفات الكبار بخطه وكان كل ما عنده بخطه، توفي في ربيع الأول من هذه السنة ودفن في مقبرة باب الدير وحرز الجمع بخمسين ألف إنسان.
محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد أبو جعفر القاضي السمناني ولد في سنة إحدى وستين ومائتين، وسكن بغداد وحدث بها عن علي بن عمر السكري وروى عن الدارقطني وأبي القاسم بن حبابة وغيرهم وكان ثقة عالماً فاضلاً سخياً حسن الكلام عراقي المذهب وكان له في داره مجلس نظر يحضره الفقهاء ويتكلمون وتوفي في يوم الثلاثاء سادس ربيع الأول من هذه السنة بالموصل وهو قاضيها.
محمد بن أحمد بن بطة، أبو عبد الله بن إسحاق الأصبهاني وطنه أصبهان، ونزل نيسابور، ثم عاد إلى وطنه سمع الكثير وحدث، وكان بطة محدثاً أيضاُ، وبطة اسم، وكنيته أبو سعيد، وتوفي أبو عبد الله بأصبهان في هذه السنة، وربما اشتبه بابن بطة العكبري فيقال: أبو عبد الله بن بطة، وأبو عبد الله بن بطة، والفرق إذا لم يذكر الاسم ضم الباء في حق الأصبهاني، وفتحها في حق العكبري.
محمد بن محمد بن يوسف بن الحجاج أبو النضر الطوسي كان فقيهاً أديباً عابداً، يصوم النهار،ويقوم الليل، ويتصدق بالفاضل من قوته، ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، ورحل في طلب الحديث، وكان قد جزأ الليل ثلاثة أجزاء، فجعل جزءاً للتصنيف، وجزءاً لقراءة القرآن، وجزءاً للنوم.
أنبأنا زاهر بن طاهر قال: أخبرنا أبو عثمان الصابوني، وأبو بكر البهقي قالا: أخبرنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله قال: سمعت أبا الفضل بن يعقوب العدل يقول: سمعت الثقة من أصحابنا يقول: رأيت أبا النصر في المنام بعد وفاته بسبع ليال فقلت له: وصلت إلى ما طلبته؟ قال: أي والله نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبشر بن الحارث يحجبنا بين يديه ويرافقنا، فقلت له: كيف وجدت مصنفاتك في الحديث؟ قال: قد عرضتها كلها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضيها.
توفي أبو النضر في شعبان هذه السنة.
محمد بن أحمد بن محمد أبو بكر الحداد حدث عن أبي يزيد القراطيسي، وأبي عبد الرحمن النسائي وغيرهما، وكان فصيحاً حافظاً للفقه على مذهب الشافعي، عارفاً بالنحو والفرائض، متعبداً وولي قضاء مصر نيابة. توفي يوم قدومه من الحج في محرم هذه السنة.
يحيى بن محمد بن يحيى أبو القاسم القصباني ولد سنة أربع وستين ومائتين وحدث عن جماعة فروى عنه ابن شاهين وكان ثقة توفي في صفر هذه السنة.
ثم دخلت
سنة خمس وأربعين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه وزر أبو محمد الحسن بن محمد المهلبي لمعز الدولة في جمادى الآخرة، وورد الخبر في هذا الشهر أن الروم أوقعوا بأهل طرسوس في البحر، وقتلوا منهم ألفاً وثمانمائة رجل، وأحرقوا القرى التي حولها، وسبوا أهلها.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
إسماعيل بن إسحاق بن يعقوب بن إبراهيم، أبو القاسم ابن الجراب ولد بسر من رآى في رجب سنة اثنتين وستين ومائتين وسمع من إبراهيم الحربي، وإسماعيل القاضي، وغيرهما، وانتقل إلى مصر فسكنها وحدث بها، وحصل حديثه عند أهلها، وتوفي في رمضان هذه السنة، وكان ثقة.
إسحاق بن عبدوس بن عبد الله بن الفضل، أبو الحسن البزاز ولد سنة خمس وستين ومائتين، وسمع الحارث بن أبي أسامة، والكديمي، وكان ثقة، وتوفي في رمضان هذه السنة.
إسحاق بن إبراهيم أبو يعقوب النعماني حدث عن إسحاق بن الحسن الحربي، روى عنه ابن رزقويه، كان زاهداً.
توفي في شعبان هذه السنة.
إسحاق بن أحمد الكاذي. كان قدم من قرية كاذة إلى بغداد فحدث بها وروى عن عبد الله بن أحمد الكديمي، وإسحاق بن بشر، وثعلب، وروى عنه ابن رزقويه، وكان ثقة زاهداً.
توفي في قريته.
عبد العزيز بن عبد الله بن محمد أبو الحسن الوراق لعله من خراسان، رحل وكتب، وكان يفهم بالحديث، وسكن مصر يحدث عن جماعة من شيوخ مصر، وكان رجلاً صالحاً وله عقب بمصر، توفي في هذه السنة.
محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم، أبو عمر اللغوي الزاهد غلام ثعلب


سمع أحمد بن عبيد الله النرسي، وموسى بن سهل الوشاء، والكديمي وغيرهم، وكان غزير العلم، كثير الزهد روى عنه ابن رزقويه وابن بشران، وآخر من حدث عنه أبو علي بن شاذان.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي، أخبرنا علي بن أبي علي، عن أبيه قال: ومن الرواة الذين لم ير قط أحفظ منهم: أبو عمر غلام ثعلب، أملى من حفظه ثلاثين ألف ورقة لغة فيما بلغني، وجميع كتبه التي في أيدي الناس إنما أملاها بغير تصنيف، ولسعة حفظه اتهم بالكذب وكان يسأل عن الشيء الذي يقدر السائل أنه قد وضعه فيجيب عنه، ثم يسأله غيره عنه بعد سنة على مواطأة فيجيب بذلك الجواب بعينه.
أخبرني بعض أهل بغداد قال: كنا نجتاز على قنطرة الصراة نمضي إليه مع جماعة فتذاكروا كذبه، فقال بعضهم: أنا أصحف له القنطرة وأسأله عنها، فلما صرنا بين يديه قال له: أيها الشيخ، ما القنطرة عند العرب؟ فقال كذا وذكر شيئاً قد أنسيته أنا، قال: فتضاحكنا وأتممنا المجلس وانصرفنا، فلما كان بعد أشهر ذكرنا الحديث فوضعنا رجلاً غير ذلك فسأله فقال، ما القنطرة فقال: أليس قد سئلت عن هذه المسألة منذ كذا وكذا شهراً فقلت هي كذا؟ قال: فما درينا في أي الأمرين نعجب: في ذكائه إن كان علماً فهو اتساع ظريف، وإن كان كذباً عمله في الحال، ثم قد حفظه، فلما سئل عنه ذكر الوقت والمسألة فأجاب بذلك الجواب فهو أظرف.
قال أبي: وكان معز الدولة قد قلد شرطة بغداد مملوكاً تركياً يعرف بخواجا، فبلغ أبا عمر الخبر، وكان يملي الياقوتة فلما جاءوه قال: اكتبوا ياقوتة خواجا، الخواج في اللغة الجوع، ثم فرع على هذا باباً فأملاه، فاستعظم الناس ذلك، وتتبعوه، فقال أبو علي الحاتمي: أخرجنا في أمالي الحامض عن ثعلب عن ابن الأعرابي الخواج الجوع.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: حدثنا رئيس الرؤساء أبو القاسم علي بن المحسن عمن حدثه: أن أبا عمر الزاهد كان يؤدب ولد القاضي أبي عمر، فأملى يوماً على الغلام نحواً من ثلاثين مسألة في اللغة، وذكر غريبها وختمها ببيتين من الشعر، وحضر أبو بكر بن دريد، وابن الأنباري، وابن مقسم عند أبي عمر القاضي، فعرض عليهم تلك المسائل، فما عرفوا منها شيئاً،وأنكروا الشعر، فقال لهم القاضي: ما تقولون فيها فقال له ابن الأنباري: أنا مشغول بتصنيف " مشكل القرآن " ولست أقول شيئاً. وقال ابن مقسم مثل ذلك لاشتغاله بالقراآت، وقال ابن دريد: هذه المسائل من موضوعات أبي عمر، ولا أصل لشيء منها في اللغة! وانصرفوا، وبلغ أبا عمر ذلك فاجتمع مع القاضي وسأله إحضار دواوين جماعة من قدماء الشعراء عينهم له، ففتح القاضي خزانته وأخرج له تلك الدواوين فلم يزل أبو عمر يعمد إلى كل مسألة ويخرج لها شاهداً من بعض تلك الدواوين، ويعرضه على القاضي حتى استوفى جميعها، ثم قال: وهذان البيتان أنشدهما ثعلب بحضرة القاضي، وكتبهما القاضي بخطه على ظهر كتاب القاضي، فأحضر القاضي الكتاب فوجد البيتين على ظهره بخطه كما ذكر أبو عمر، وانتهت القصة إلى ابن دريد، فلم يذكر أبا عمر بلفظة حتى مات.
أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا عبد الصمد بن محمد الخطيب أنبأنا الحسن بن الحسين الهمذاني قال: سمعت أبا الحسن بن المرزبان يقول: كان ابن ماسي ينفذ إلى أبي عمر كفايته ينفقها على نفسه، فقطع عنه ذلك مدة لعذر، ثم أنفذ إليه ما انقطع جملة، وكتب إليه رقعة يعتذر من تأخير ذلك عنه، فرده وأمر من بين يديه أن يكتب على ظهر رقعته: أكرمتنا فملكتنا، ثم أعرضت عنا فأرحتنا. قال أحمد بن علي: لا شك أن ابن ماسي هو: إبراهيم بن أيوب والله أعلم.
توفي أبو عمر يوم الأحد ودفن يوم الأثنين لثلاث عشرة خلت من ذي القعدة من هذه السنة، ودفن في الصفة المقابلة لقبر معروف، ودفن فيها أبو بكر الآدمي، وعبد الصمد بن علي الطشتي، وقبور الثلاثة ظاهرة.
محمد بن أحمد بن يوسف بن يعقوب بن يزيد أبو بكر الطائي الكوفي الخزاز سمع جماعة، وقدم بغداد فحدث بها فروى عنه ابن رزقويه وغيره، وكان ثقة، وتوفي بدمشق في رمضان هذه السنة.
محمد بن جعفر بن محمد بن جعفر بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن علي بن أبي طالب، أبو الحسن أبو قيراط


كان نقيب الطالبيين ببغداد، وحدث عن أبيه، وعن سليمان بن علي الكاتب، روى عنه محمد بن إسماعيل الوراق، وتوفي ببغداد في ذي الحجة من هذه السنة.
محمد بن علي بن أحمد بن رستم أبو بكر الماذرائي الكاتب ولد بالعراق سنة سبع وخمسين ومائتين، وقدم مصر هو وأخوه أحمد، وكانا بمصر مع أبيهما، وكان أبوهما يلي خراج مصر لأبي الحسن خمارويه بن أحمد، وكان محمد قد كتب الحديث ببغداد عن أحمد بن عبد الجبار العطاردي، وطبقته، واحترقت كتبه وبقي من مسموعه شيء عند بعض الكتاب فسمع منه.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا علي بن المحسن قال: حدثني أبي قال: حدثني أبو محمد الصلحي قال: حدثني أبو بكر محمد بن علي الماذرائي بمصر وكان شيخاً جليلاً عظيم المال والجاه والمجد، قديم الولاية لكبار الأعمال، قد وزر لخمارويه بن أحمد بن طولون، وعاش نيفاً وتسعين سنة.قال: كتبت لخمارويه بن أحمد وأنا حدث فركبتني الأشغال وقطعني ترادف الأعمال عن تصفح أحوال المتعطلين وتفقدهم، وكان ببابي شيخ من مشيخة الكتاب قد طالت عطلته، فأغفلت أمره فرأيت أبي في منامي وكأنه يقول لي: ويحك يا بني أما تستحي من الله أن تتشاغل بلذاتك وأعمالك والناس يتلفون ببابك صبراً وهزلاً! هذا فلان من شيوخ الكتاب قد أفضى أمره إلى أن تقطع سراويله، فما يمكنه أن يشتري بدله، وهو كالميت جوعاً وأنت لا تنظر في أمره، أحب أن لا يغفل أره أكثر من هذا، قال: فانتبهت مذعوراً واعتقدت الاحسان إلى الشيخ ونمت وأصبحت وقد أنسيت أمر الشيخ، فركبت إلى دار خمارويه وأنا والله أسير إذ ترايا لي الرجل على دويبة ضعيفة، ثم أومأ إلى الرجل فانكشف فخذه، فإذا هو لابس خفاً بلا سراويل، فحين وقعت عيني على ذلك ذكرت المنام، وقامت قيامتي، فوقفت في موضعي واستدعيته، وقلت: يا هذا، ما حل لك أن تركت إذكاري بأمرك أما كان في الدنيا من يوصل لك رقعة، أو يخاطبني فيك؟ الآن قد قلدتك الناحية الفلانية، وأجريت عليك رزقاً في كل شهر، وهو مائتا دينار، وأطلقت لك من خزانتي ألف دينار صلة ومعونة على الخروج إليها، وأمرت لك من الثياب بكذا وكذا، فاقبض ذلك وأخرج، وإن حسن اثرك في تصرفك زدتك وفعلت بك وصنعت قال: وضممت إليه غلاماً يتنجز له ذلك كله، ثم سرت فما انقضى اليوم حتى حسن حاله، وخرج إلى عمله. وتوفي محمد بن علي الماذرائي في شوال هذه السنة.
ثم دخلت
سنة ست وأربعين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه ركب الخليفة ومعه معز الدولة، فسارا في الصحراء، ثم رجعا إلى داريهما.
وفي آخر المحرم: كانت فتنة للعامة بالكرخ.
وفي التشرينين: أصاب الناس أورام الحلق، والماشرى، وكثر موت الفجأة، وكان من افتصد في هذين الشهرين انصبت إلى ذراعه مادة حادة عظيمة، ثم ما سلم مفتصد إما أن يموت أو يشفى على التلف.
ونقص البحر في هذه السنة ثمانين ذراعاً، وظهرت فيه جبال وجزائر لا تعرف ولا سمع بها.
وفي ذي الحجة: ورد الخبر بأنه كان بالري ونواحيها زلزلة عظيمة، مات فيها خلق كثير من الناس.
أخبرنامحمد بن أبي الطاهر البزاز، عن أبي القاسم علي بن المحسن، عن أبيه قال: أخبرني أبو الفرج الأصبهاني: أن لصاً نقب ببغداد في زمن الطاعون الذي كان في سنة ست وأربعين وثلثمائة فمات مكانه وهو على المنقب، وأن إسماعيل القاضي لبس سواده ليخرج إلى الجامع فيحكم، ولبس أحد خفيه وجاء ليلبس الآخر فمات.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
إسماعيل القاضي قد ذكرنا أنه مات فجأة.
أحمد بن عبد الله بن الحسن أبو هريرة العدوي كتب ببغداد عن مسلم الكجي وغيره، وبمصر عن أبي يزيد القراطيسي، وكان يورق ويستملي على الشيوخ، وكان ثقة توفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
إبراهيم بن محمد بن أحمد بن هشام أبو إسحاق البخاري الفقيه سمع جماعة وورد بغداد حاجا فروى عنه من أهلها أبو عمر بن حيويه وعبيد الله بن عثمان الدقاق وتوفي في هذه السنة.
الحسن بن خلف بن شاذان أبو علي الواسطي حدث عن إسحاق الأزرق، ويزيد بن هارون، وغيرهما، أخرج عنه البخاري في صحيحه وتوفي في هذه السنة ببغداد.
الحسن بن أيوب بن عبد العزيز، بن عبد الله، أبو عبد الله الهاشمي.


حدث عن جماعة ، وروى الدارقطني، وابن رزقويه وكان ثقة، وكان ينزل في الجانب الشرقي، فتوفي في هذه السنة ودفن في داره.
عبيد الله بن أحمد بن عبد الله، أبو القاسم ابن البلخي سمع أبا الكجي، روى عنه الدارقطني، وابن رزقويه وكان ثقة صالحاً. وتوفي في رمضان هذه السنة.
عبد الصمد بن علي بن محمد بن مكرم، أبو الحسين الوكيل الطشتي ولد سنة ست وستين ومائتين، سمع إبراهيم الحربي، وابن أبي الدنيا، وغيرهما. روى عنه أبو الحسن بن بشران، وأبو علي بن شاذان، وكان ثقة وتوفي في شعبان هذه السنة، ودفن إلى جانب أبي عمر الزاهد، مقابل معروف الكرخي.
محمد بن محمد بن عبد الله بن خالد أبو جعفر التاجر البغدادي صحيح السماع، ثابت الأصول، رحل إلى مصر والشام، فسكن الري، فقيل له: الرازي: وكان صاحب جمال، فلقب: بالجمال. وقدم خراسان فنزل نيسابور، ثم مضى إلى سمرقند، وسمع منه الأشياخ الكبار، وروى عن عبد الله بن أحمد عن أبيه، وعن أبي بكر القطربلي عن سرى السقطي.
وتوفي بسمرقند في ذي الحجة من هذه السنة.
محمد بن يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان بن عنان بن عبد الله الأموي مولاهم أبو العباس الأصم. ولد سنة سبع وأربعين ومائتين، ورأى محمد بن يحيى الذهلي، ولم يسمع منه، ثم سمع من خلق كثير، ورحل به أبوه إلى أصبهان، ومكة، والشام، ودمياط، والجزيرة، وبغداد، وغيرهما من البلدان، فسمع من مشايخها، وانصرف إلى خراسان وهو ابن ثلاثين سنة، وهو محدث كبير، وإنما ظهر به الصمم بعد انصرافه من الرحلة، ثم استحكم حتى كان لا يسمع نهيق الحمار، ولم يختلف في صدقه وصحة سماعاته وضبط أبيه لها، وكان حسن التدين، أذن سبعين سنة في مسجده، وكان يورق ويأكل من كسب يده، وربما عابه قوم بأخذ شيء على التحديث، وإنما كان يفعل هذا ابنه ووراقه، فأما هو فإنه كان يكره ذلك، وحدث ستاً وسبعين سنة، سمع منه الآباء والأبناء وأبناء الأبناء، وكانت الرحلة إليه من البلاد متصلة.
أنبأنا زاهر بن طاهر، أنبأنا أبو عثمان الصابوني، وأبو بكر البيهقي قالا: أخبرنا الحاكم أبو عبد الله قال: خرج علينا أبو العباس الأصم ونحن في مسجده، وقد امتلأت السكة من الناس، فلما نظر إلى كثرة الناس والغرباء، وقد قاموا يطرقون له ويحملونه على عواتقهم إلى مسجده، ولما بلغ المسجد جلس على جدار المسجد وبكى طويلاً، ثم قال: كأني بهذه السكة ولا يدخلها أحد منكم، فإني لا أسمع، وقد ضعف البصر، وحان الرحيل، وانقضى الأجل. فما كان إلا نحو شهر حتى كف بصره، وانقطعت الرحلة، وانصرف الغرباء، وآل أمره إلى أن كان يناول قلماً فيعلم بذلك أنهم يطلبون الرواية، فيقرأ أحاديث كان يحفظها أربعة عشر حديثاً، وسبع حكايات.
توفي في ربيع الأول من هذه السنة. رحمه الله وإيانا وجميع المسلمين.
ثم دخلت
سنة سبع وأربعين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه كانت زلزلة ببغداد في نيسان، وكانت زلازل عظيمة في حلوان، وبلدان الجبل، وقم، وقاشان، فقتلت خلقاً كثيراً وأخربت.
وظهر في آخر نيسان وأيار جراد أتلف الغلات الصيفية والثمار ببغداد، وأتلف من الغلات الشتوية بديار مضر شيئاً عظيماً، واجتاحت الرطاب والمباطخ.
وورد الخبر بأن الروم خرجوا إلى آمد، وميافارقين، وفتحوا حصوناً كثيرة، وقتلوا من المسلمين ألفاً وخمسمائة رجل.
وفي آخر هذه السنة: فتح الروم سميساط، وأخربوها.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن إبراهيم بن محمد بن جامع أبو العباس حدث عن أبي الزنباع وغيره، وكان ثقة . توفي في محرم هذه السنة.
حمزة بن محمد بن العباس أبو أحمد الدهقان سمع الباس الدوري، وابن أبي الدنيا، وروى عنه الدارقطني، وابن رزقويه، وأبو علي بن شاذان، وكان ثقة، وسكن بالعقبة ورأى نهر عيسى قريباً من دجلة.
وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة.
الزبير بن عبد الواحد بن محمد بن زكريا بن صالح بن إبراهيم، أبو عبد الله الأسد أباذي


أحد من رحل في طلب الحديث، وطاف البلاد شرقاً وغرباً، فسمع خلقاً كثيراً منهم: الحسن بن سفيان، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، وأبو يعلى الموصلي، وكان حافظاً متقناً مكثراً صدوقاً سمع منه ببغداد محمد بن مخلد، وكان الزبير إذ ذاك حدثاً، وصنف الشيوخ الأبواب، توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
عبد الله بن بشران بن محمد بن بشران بن مهران، أبو الطيب القرشي الأموي وهو جد أبي الحسين وأبي القاسم ابني بشران. سمع بشر بن موسى، ويوسف القاضي، وكان ثقة، وتولى القضاء بنواحي حلب، وتوفي في هذه السنة.
عبد الله بن جعفر بن درستويه بن المرزبان أبو محمد الفارسي النحوي ولد في سنة ثمان وخمسين ومائتين، حدث عن عباس الدوري، والمبرد، وابن قتيبة، وسكن بغداد إلى آخر وفاته، وحمل عنه من علوم الأدب كتب صنفها، روى عنه ابن المظفر، والدارقطني، وابن شاهين، وابن رزقويه، وأبو علي بن شاذان أثنى عليه أبو عبد الله بن منده، ووثقه، وتوفي في صفر هذه السنة.
عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن شهاب أبو طالب العكبري ولد سنة أربع وستين ومائتين. سمع أبا شعيب الحراني، ومحمد بن صالح بن ذريخ، وثقه سيف القاضي وكان ثقة، توفي في ذي القعدة من هذه السنة.
عبد الوهاب بن محمد بن موسى، أبو أحمد الغندجاني ولد سنة ست وستين ومائتين، وسمع بالأهواز من أحمد بن عبدان، وببغداد من مخلص وغيره، واستوطنها، وتوفي بالمبارك في جمادى الأولى من هذه السنة ودفن بالنعمانية.
علي بن عبد الرحمن بن عيسى بن زيد بن ماتي أبو الحسن الكاتب مولى زيد بن علي بن الحسين من أهل الكوفة ولد سنة تسعة وأربعين ومائتين قدم بغداد، وحدث عن جماعة، روى عنه الدارقطني، وابن رزقويه وكان ثقة. وتوفي في هذه السنة وحمل إلى الكوفة.
محمد بن أحمد بن محمد بن سهل أبو الفضل الصيرفي نيسابوري الأصل، حدث عن أبي مسلم الكجي، وروى عنه الدارقطني وابن رزقويه، وكان ثقة، وتوفي في المحرم من هذه السنة.
محمد بن الحسن بن عبد الله بن علي بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، أبو الحسن القرشي، ثم الأموي ولد سنة اثنتين وتسعين ومائتين، وولي القضاء بمدينة السلام، وحدث عن أبي العباس بن مسروق.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا علي بن المحسن، أخبرنا طلحة بن محمد بن جعفر قال: استخلف المستكفي بالله في صفر سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة واستقضى على مدينة المنصور ومدينة الشرقية أبا الحسن محمد بن الحسن بن أبي الشوارب، وذكر طلحة أنه كان رجلاً واسع الأخلاق، كريماً جواداً طلابة للحديث، قال: ثم قبض عليه في صفر سنة أربع وثلاثين، فلما كان في رجب في هذه السنة قبض على المستكفي بالله واستخلف المطيع، فقلد أبا الحسن الشرقية، والحرمين، واليمن، ومصر، وسر من رأى، وقطعة من أعمال السواد، وبعض أعمال الشام، وشقي الفرات، وواسط، ثم صرف عن جميع ذلك في رجب سنة خمس وثلاثين.
أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أخبرنا إبراهيم بن مخلد قال: أخبرنا إسماعيل بن علي بن علي قال: وعزل محمد بن الحسن بن أبي الشوارب عن جميع ذلك في ما كان يتقلده من أمر القضاء، وأمر المستكفي بالقبض عليه ففعل ذلك يوم الثلاثاء لخمس خلون من صفر سنة أربع وثلاثين، وكان قبيح الذكر فيما يتولاه من الأعمال منسوباً إلى الاسترشاء في الأحكام، والعمل فيها بما لا يجوز، قد شاع ذلك عنه وكثر الحديث به، وتوفي في رمضان هذه السنة.
ثم دخلت
سنة ثمان وأربعين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه في جمادى الأولى اتصلت الفتن بين الشيعة والسنة، وقتل بينهم خلق كثير، ووقع حريق كثير في باب الطاق.
وفي هذه السنة: غرق من الحاج الوارد من الموصل بضعة عشر زورقاً كان فيها من الرجال والنساء والصبيان ستمائة نفس.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن سلمان بن الحسن بن إسرائيل بن يونس أبو بكر النجاد


ولد سنة ثلاث وخمسين ومائتين، وسمع أبا داود، والباغندي، وأبا بكر بن أبي الدنيا، وعبد الله بن أحمد، وخلقاً كثيراً، وكان يمشي في طلب الحديث حافياً، وجمع المسند، وصنف في السنن كتاباً كبيراً، وكانت له في جامع المنصور يوم الجمعة حلقتان قبل الصلاة وبعدها: أحدهما للفتوى في الفقه على مذهب أحمد، والأخرى لإملاء الحديث، روى عنه أبو بكر بن مالك، والدارقطني، وابن شاهين، وابن رزقويه، وغيرهم.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي قال: حدثني الحسين بن علي بن محمد الفقيه قال: سمعت أبا إسحاق الطبري يقول: كان أحمد بن سلمان يصوم الدهر، ويفطر كل ليلة على رغيف، ويترك منه لقمة، فإذا كان في الجمعة تصدق في الرغيف، وأكل تلك اللقم التي استفضلها.
توفي ليلة الجمعة لعشر بقين من ذي الحجة من هذه السنة عن خمس وتسعين ودفن قريباً من قبر بشر الحافي.
إبراهيم بن شيبان أبو اسحاق القرمسيني شيخ المتصوفة بالجبل، صحب أبا عبد الله المغربي، وإبراهيم الخواص، وكان يقول: الخوف إذا سكن القلب أحرق الشهوات فيه، وطرد عنه رغبة الدنيا.
جعفر بن محمد بن نصير بن القاسم أبو محمد الخواص المعروف بالخلدي سافر الكثير، وسمع الحديث الكثير، وروى علماً كثيراً، وروى عنه الدار قطني، وابن شاهين، وخلق كثير، وكان ثقة صدوقاً ديناً، حج ستين حجة. وتوفي في رمضان هذه السنة.
شريرة الرائقية جارية مولدة كانت لابنة ابن حمدون النديم، وكانت سمراء موصوفة بحسن الغناء، فاستراها أبو بكر محمد بن رائق من مواليها بثلاثة ألف دينار على يد أبي جعفر بن حمدون، وأعطى أبا جعفر عن دلالته ألف دينار، ثم قتل عنها فتزوجها الحسين بن العلاء بن سعيد بن حمدون. توفيت في رجب هذه السنة.
علي بن أحمد بن سهل أبو الحسن البوشنجي لقي أبا عثمان، وصحب ابن عطاء والجريري، وكان ديناً معتمداً للفقر، وأسند الحديث، توفي في هذه السنة.
أخبرنا ابن ناصر قال: أخبرنا ابن خلف قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا العباس محمد بن الحسن البغدادي يقول: سألت أبا الحسن البوشنجي عن المتصرف فقال: اسم ولا حقيقة، وقد كان قبل حقيقة ولا اسم.
علي بن محمد بن الزبير أبو الحسن، القرشي، الكوفي ولد سنة أربع وخمسين ومائتين، ونزل بغداد، وحدث بها عن جماعة، فروى عنه ابن رزقويه، وابن شاذان، وكان ثقة، توفي في ذي القعدة من هذه السنة.
محمد بن إبراهيم ابن يوسف بن محمد أبو عمر الزجاجي النيسابوري صحب أبا عثمان، والجنيد، والنوري، والخواص وغيرهم، وأقام بمكة وصار شيخها، حج قريباً من ستين حجة، وقيل: إنه لم يبل ولم يتغوط في الحرم منذ أربعين سنة، وهو به مقيم، وتوفي في هذه السنة.
محمد بن إسحاق ابن عبد الرحيم أبو بكر السوسي قدم بغداد في سنة إحدى وأربعين وثلثمائة، وحدث بها أحاديث مستقيمة، فروى عنه الدارقطني، وابن رزقويه، وغيرهما، وتوفي في هذه السنة.
محمد بن أحمد بن إسحاق بن البهلول بن حسان بن سنان أبو طالب التنوخي أصله من الأنبار، سمع أبا مسلم الكجي، وبشر بن موسى الأسدي، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وغيرهم.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا علي بن المحسن التنوخي قال: أخبرنا طلحة بن محمد بن جعفر الشاهد قال: لم يزل أحمد بن إسحاق بن البهلول على قضاء المدينة - يعني مدينة المنصور - من سنة ست وتسعين ومائتين إلى ربيع الأول سنة ست عشرة وثلثمائة وكان ربما اعتل فيخلفه ابنه أبو طالب محمد، وهو رجل جميل الأمر، حسن المذهب، شديد التصون، وممن كتب العلم، وحدث بعد أبيه بسنتين.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب قال: حدثني الحسن بن أبي طالب، حدثنا علي بن عمرو الجريري قال: توفي أبو طالب بن البهلول في يوم الأحد ضحوة لست عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة ثمان وأربعين وثلثمائة ؟؟محمد بن أحمد بن تميم أبو الحسن الخياط القنطري كان ينزل قنطرة البردان، ولد في صفر سنة تسع وخمسين ومائتين، وحدث عن أبي قلابة الرقاشي، ومحمد بن سعد العوفي الكديمي، وغيرهم، وتوفي يوم الجمعة سلخ شعبان في هذه السنة. قال محمد بن أبي الفوارس: كان فيه لبن.


محمد بن أحمد بن عيسى بن عبدك أبو بكر الرازي سكن بغداد، وحدث بها عن جماعة. وروى عنه الدارقطني، وابن رزقويه، وكان ثقة.
توفي في جمادى الأولى من هذه السنة.
محمد بن جعفر بن محمد بن فضالة بن زيد بن عبد الملك أبو بكر الآدمي القارئ الشاهد صاحب الألحان. ؟كان من أحسن الناس صوتاً بالقرآن، ولد في رجب سنة ستين ومائتين، وحدث عن أحمد بن عبيد ابن ناصح، والحارث بن محمد بن أبي أسامة، وعبد الله بن أحمد الدورقي، ومحمد بن أبي شيبة وغيرهم، وروى عنه ابن رزقويه، وابن شاذان، وابن بشران، وغيرهم.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا القاضي أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله الأسدي قال: سمعت أبي يقول: حججت في بعض السنين، وحج في تلك السنة أبو القاسم البغوي، وأبو بكر الآدمي القارئ، فلما صرنا بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم جاءني أبو القاسم البغوي فقال لي: يا أبا بكر ها هنا رجل ضرير قد جمع حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقعد يقص ويروي الكذب من الأحاديث الموضوعة والأخبار المفتعلة، فإني رأيت أن تمضي بنا إليه لننكر عليه ونمنعه، فقلت له: يا أبا القاسم، إن كلامنا ها هنا لا يؤثر مع هذا الجمع الكثير، والخلق العظيم، ولسنا ببغداد، فيعرف لنا موضعنا، ولكن ها هنا أمر آخر هو الصواب، فاقبلت على أبي بكر الآدمي فقلت له: استعذ بالله واقرأ، فما هو إلا أن ابتدأ بالقراءة حتى انجفلت الحلقة وانفض الناس جميعاً، فأحاطوا بنا يسمعون قراءة أبي بكر الآدمي وتركوا الضرير وحده، فسمعته يقول لقائده: خذ بيدي هكذا تزول النعم.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا علي بن المحسن قال: حدثني أبو محمد يحيى بن محمد بن فهد قال: حدثني ذرة الصوفي قال: كنت بائتاً بكلواذى على سطح عال، فلما هذا الليل قمت لأصلي، فسمعت صوتاً ضعيفاً يجيء من بعد فأصغيت إليه وتأملته، فإذا هو صوت لأبي بكر الآدمي القارئ، فقدرته منحدراً في دجلة، وأصغيت فلم أجد الصوت يقرب ولا يزيد على ذلك القدر ساعة ثم انقطع، فشككت في الأمر، وصليت ونمت، وبكرت فدخلت بغداد على ساعتين من النهار أقل، وكنت مجتازاً في السمارية، فإذا بأبي بكر الآدمي ينزل من الشط من دار أبي عبد الله العلوي التي تقرب من فرضة جعفر على دجلة، فصعدت إليه وسألته عن خبره، فأخبرني بسلامته وقلت: أين كنت البارحة؟ فقال: في هذه الدار. فقلت: قرأت؟ قال: نعم. قلت: أي وقت؟ قال: بعد نصف الليل إلى قريب من الثلث الآخر قال: فنظرت فإذا هو الوقت الذي سمعت فيه صوته بكلواذى، فعجبت من ذلك عجباً شديداً بان له فيّ فقال: مالك؟ فقلت: إني سمعت صوتك البارحة وأنا على سطح بكلواذى، وتشككت، فلولا أنك أخبرتني الساعة على غير اتفاق ما صدقته. قال: فاحكها عني، فأنا أحكيها دائماً.
توفي أبو بكر الآدمي يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من ربيع الأول، ودفن في هذا اليوم في الصفة التي بحذاء قبر معروف الكرخي.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: قال محمد بن ابي الفوارس: سنة ثمان وأربعين وثلثمائة فيها مات محمد بن جعفر، أبو بكر الآدمي وكان قد خلط فيما حدث به.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي قال: حدثني علي بن أبي علي المعدل، أخبرنا أبو بكر بن أبي موسى القاضي، وأبو إسحق الطبري، وغيرهما قالوا سمعنا أبا جعفر عبد الله بن إسماعيل بن بويه يقول: رأيت أبا بكر الآدمي في النوم بعد موته بمديدة فقلت له ما فعل الله بك؟ فقال لي: وقفني بين يديه، وقاسيت شدائد وأموراً صعبة. فقلت له: فتلك الليالي والمواقف والقرآن؟ فقال: ما كان شيء أضر علي منها؛ لأنها كانت للدنيا. فقلت له: فإلى أي شيء انتهى أمرك؟ قال: قال لي الله عز وجل آليت على نفسي أن لا أعذب أبناء الثمانين.
ثم دخلت
سنة تسع وأربعين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان وقعت فتنة بين السنة والشيعة في القنطرة الجديدة، وتعطلت الجمعة من الغد في جميع المساجد الجامعة في الجانبين سوى مسجد براثا، فإن الصلاة تمت فيه، وقبض على جماعة من بني هاشم، واعتقلوا في دار الوزير، لأنهم اتهموا بأنهم كانوا سبب الفتنة، وأطلقوا من الغد.


وفي هذا الشهر: ورد الخبر بأن ابناً لعيسى بن المكتفي بالله ظهر بناحية أرمينية وموقان، وأنه يلقب: بالمستجير بالله، يدعو إلى المرتضى من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لبس الصوف، وأمر بالمعروف، وتبعه جماعة فسار إلى آذربيجان، فغلب على عدة بلدان منها، ثم حورب فأخذ.
وفي نصف شوال: عرضت لمعز الدولة علة في الكلى، فبال الدم، وقلق منها قلقاً شديداً ثم بال بعد ذلك الرمل، ثم الحصى الصغار والرطوبة التي ينعقد منها الرمل والحصى.
وأسلم في هذه السنة من الأتراك مائتا ألف خركاه.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أزهر بن أحمد بن محمد أبو غانم الخرقي حدث عن أبي قلابة الرقاشي، روى عنه الدارقطني، وابن رزقويه، وكان ينزل بالجانب الشرقي في سوق العطش، وتوفي في هذه السنة.
جعفر بن حرب أنبأنا محمد بن أبي طاهر البزاز، عن أبي القاسم علي بن المحسن، عن أبيه: أن جعفر بن حرب كان يتقلد الأعمال الكبار للسلطان، وكانت نعمته تقارب نعمة الوزارة، فاجتاز يوماً راكباً في موكب له عظيم، ونعمته على غاية الوفور، ومنزلته بحالها في نهاية الجلالة، فسمع رجلاً يقرأ " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق " فصاح: اللهم بلى، يكررها دفعات وبكى ثم نزل عن دابته ونزع ثيابه، ودخل إلى دجلة واستتر بالماء، ولم يخرج منه حتى فرق جميع ما له في المظالم التي كانت عليه وردها، وتصدق بالباقي، فاجتاز رجل فرآه في الماء قائماً، وسمع بخبره، فوهب له قميصاً ومئزراً فاستتر بهما، وخرج وانقطع إلى العلم والعبادة حتى مات.
الحسين بن علي بن يزيد بن داود أبو علي الحافظ النيسابوري ولد سنة سبع وسبعين ومائتين، وكان واحد دهره في الحفظ والإتقان والورع، مقدماً في مذاكرة الأئمة، كثير التصنيف ذكره الدارقطني فقال: إمام مهذب. وكان مع تقدمه في العلوم أحد الشهود المعدلين بنيسابور، ورحل في طلب الحديث إلى الآفاق البعيدة، وسمع من الأكابر وكان عقدة لا يتواضع لأحد كتواضعه لأبي علي. وتوفي في جمادى الأولى من هذه السنة.
حسان بن محمد بن أحمد بن هارون أبو الوليد القرشي الفقيه إمام أهل الحديث بخراسان في عصره، وأزهدهم وأكثرهم اجتهاداً في العبادة، درس الفقه على مذهب أبي العباس ابن سريج وسمع من الحسن بن سفيان وغيره وصنف التصايف الحسنة.
أخبرنا زاهر بن طاهر، أنبأنا أبو عثمان الصابوني، وأبو بكر البيهقي قالا: أنبأنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا ابوليد حسان بن محمد بن أحمد القرشي يقول في مرضه الذي مات فيه: قالت لي والدتي كنت حاملاً بك وكان للعباس بن حمزة مجلس، فاستأذنت أباك أن أحضر مجلسه في أيام العشر، فأذن لي، فلما كان في آخر المجلس قال العباس بن حمزة: قوموا فقاموا وقمت، فأخذ العباس يدعو فقلت: اللهم هب لي ابناً عالماً، ثم رجعت إلى المنزل فبت يلك الليلة فرأيت فيما يرى النائم كأن رجلاً أتاني فقال: أبشري، فإن الله قد استجاب دعوتك، ووهب لك ولداً ذكراً وجعله عالماً، ويعيش كما عاش أبوك، قالت: وكان أبي عاش اثنتين وسبعين سنة، قال حسان وهذه قد تمت لي اثنتان وسبعون سنة، فعاش بعد هذه الحكاية أربعة أيام، توفي ليلة الجمعة خامس ربيع الأول من سنة تسع وأربعين وثلثمائة أحمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب أبو سليمان الخطابي سمع الكثير، وصنف التصانيف منها المعالم شرح فيها " سنن أبي داود " و " الأعلام " شرح فيها البخاري، و " غريب الحديث " وله فهم مليح، وعلم غزير، ومعرفة باللغة والمعاني والفقه، وله أشعار فمن ذلك قوله:
ما دمت حياً فدار الناس كلهم ... فإنما أنت في دار المداراة
من يدر داري ومن لم يدر سوف يرى ... عما قليل نديماً للندامات
عبد الواحد بن عمر بن محمد بن أبي هشام واسم أبي هشام: بشار، وكنيته عبد الواحد: أبو طاهر.
كان من أعلم الناس بحروف القراآت ووجوه القراآت، وله في ذلك تصانيف، وحدث عن جماعة منهم: أبو بكر بن أبي داود، وابن مجاهد، روى عنه أبو الحسن الحمامي، وكان ثقة أميناً، يسكن الجانب الشرقي، توفي في شوال هذه السنة، ودفن في مقبرة الخيزران.
علي بن المؤمل


بن الحسن بن عيسى بن ماسرجس، أبو القاسم أنبأنا زاهر بن طاهر قال: أخبرنا أبو عثمان الصابوني، وأبو بكر البيهقي قالا: أخبرنا الحاكم أبو عبد الله قال: كان يضرب المثل بعقل شيخنا أبي القاسم، وكان من أودع مشايخنا، وسمع نيسابور، وببغداد، وبالكوفة، وحدث سنين، وحججت معه في سنة إحدى وأربعين، فكان أكثر الليل يقرأ في العمارية، فإذا نزل قام إلى الصلاة لا يشتغل بغير ذلك، وما أعلم أني دخلت الطواف إلا وجدته يطوف، وسمعت ابنه أبا عبد الله يقول: ضعف بصر أبي ثلاث سنين، ولم يخبرنا به حتى ضعفت العين الأخرى، فحينئذ أخبرنا به.
وتوفي في صفر هذه السنة.
العباس بن محمد أبو محمد الجوهري حدث عن البغوي، وابن داود، وابن صاعد، روى عنه الحاكم أبو عبد الله النيسابوري، وقال: كان أحد الجوالين في طلب الحديث بفهم ومعرفة واتقان.
توفي في صفر هذه السنة.
محمد بن أحمد بن إبراهيم بن سليمان بن محمد أبو أحمد العسال الأصبهاني سمع محمد بن أيوب الرازي، وإبراهيم بن زهير الحلواني، وبكر بن سهل الدمياطي، ونحوهم.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: حدثني أبو القاسم عبد الله بن أحمد السوذرجاني بأصبهان قال: سمعت أبا عبد الله بن منده يقول: كتبت عن ألف شيخ ولم أر فيهم أتقن من أبي أحمد العسال.
أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد قال: سمعت أبا نعيم يقول: ولي أبو أحمد العسال القضاء، وكان من كبار الناس في الحفظ والإتقان والمعرفة، وتوفي في رمضان سنة تسع وأربعين وثلثمائة هذه السنة.
محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن إبراهيم بن زيد بن حاتم أبو يعقوب النحوي أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال: ذكر أبو الفتح بن مسرور أنه حدثه عن أبي مسلم الكجي قال: توفي بمصر يوم الأربعاء لليلة بقيت من شهر ربيع الأول سنة تسع وأربعين وثلثمائة
ثم دخلت
سنة خمسين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه اشتدت علة معز الدولة ليلة السبت لأربع خلون من المحرم، وامتنع عليه البول كله، واشتد قلقه وجزعه، ثم بال علىساعة باقية من الليل دماً بشدة، ثم تبعه البول وخرج مع البول رمل كثير وحصى صغار، وخف الألم، فلما أصبح سلم داره وغلمانه وكراعه إلى ابنه الأمير أبي منصور بختيار، وفوض الأمر إليه، وخرج في عدة يسيرة من غلمانه وخاصته ليمضي إلى الأهواز، ثم أشير عليه بالتوقف فتنقل من مكان إلى مكان إلى أن عاد إلى داره، ثم انتقل في جمادى الأولى من داره بسوق الثلاثاء إلى البستان المعروف ببستان الصميري، وأخذ في أن يهدم ما يليه من العقار والأبنية إلى حدود البيعة، وأصلح ميداناً وبنى داراً على دجلة في جوار البيعة، ومد المسناة، وبنى الاصطبلات، وقلع الأبواب الحديد التي على مدينة أبي جعفر المنصور، وأبواب الرصافة، وقصر الرصافة، ونقلها إلى داره. وهدم سور الحبس المعروف بالجديد، ونقل آجره إلى داره، وبنى به، ونقض المعشوق بسر من رأى وحمل آجره، وانفق على البناء إلى أن مات مائة ألف دينار، وقبض على جماعة فصودروا على مال عظيم، فأمر أن يصرف إلى بناء الدار والاصطبلات، ولخق الناس في هذا الصقع شدة شديدة من التنزل عليهم.
وفي يوم الأحد لثمان بقين من شعبان: تقلد أبو العباس عبد الله بن الحسن بن أبي الشوارب القضاء بالحضرة من جانبي بغداد والمدينة، وقضاء القضاة، وخلع عليه من دار السلطان، لأن الخليفة امتنع من أن يصل إليه وضرب بين يديها الدبادب على أن يحمل إلى خزانة معز الدولة كل سنة مائتي ألف درهم، وامتنع الخليفة من أن يصل إليه هذا القاضي أو غيره.
وفي شوال: ورد الخبر بأن نجلاء غلام سيف الدولة دخل بلد الروم غازياً، وأنه غنم ما قيمته ثلاثون ألف دينار، وسبى ألفي رأس واستأثر خمسمائة في السلاسل.
وفي شباط: جاء برد بنواحي قطر بل وبإزائها في الجانب الشرقي، في كل بردة أوقيتان وأكثر، وقتل الطيور والبهائم.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد أبو سهل القطان حدث عن محمد بن عبد الله بن المنادي وغيره، وروى عن ابن رزقويه وكان ثقة.


اخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، قال: سمعت محمد بن الحسين بن الفضل القطان يقول: حدثني من سمع أبا سهل بن زياد يقول: سمى الله المعتزلة كفاراً قبل أن يذكر فعلهم. فقال: " يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، قال: حدثني الأزهري قال: قال لي أبو عبد اللهبن بشر القطان: ما رأيت رجلاً أحسن انتزاعاً لما أراد عن آي القرآن من أبي سهل بن زياد،فقلت لابن بشر: وما السبب في ذلك؟ قال: كان جارنا، وكان يديم صلاة الليل وتلاوة القرآن، ولكثرة درسه صار القرآن نصب عينيه، ينتزع منه ما شاء من غير تعب. توفي في شعبان هذه السنة، ودفن بقرب قبر معروف.
إسماعيل بن علي بن إسماعيل بن بنان أبو محمد الخطبي ولد في محرم سنة تسع وستين ومائتين وسمع الحارث بن أبي أسامة، والكديمي، وعبد الله بن أحمد، وغيرهم، وروى عنه الدارقطني، وابن شاهين، وابن رزقويه، وكان ثقة فاضلاً نبيلاً فهماً عارفاً بأيام الناس، وأخبار الخلفاء، وصنف تاريخاً كبيراً على ترتيب السنين، وكان عالماً بالأدب، ركيناً عاقلاً ذا رأي، يتحرى الصدق.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أبو بكر بن علي بن ثابت، قال: سمعت الأزهري يقول: جاء أبو بكر بن مجاهد، وإسماعيل الخطبي إلى منزل أبي عبد الصمد الهاشمي، فقدم إسماعيل أبا بكر فتأخر أبو بكر وقدم إسماعيل، فلما استأذن إسماعيل أذن له فقال: أدخل ومن أنا معه.
أخبرنا أبو منصور، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال: حدثني عبيد الله بن أبي الفتح، قال: سمعت أبا الحسن بن رزقويه يذكر عن إسماعيل الخطبي، قال: وجه إلي الراضي باللع ليلة عيد الفطر، فحملت إليه راكباً بغلة، فدخلت عليه وهو جالس في الشموع، فقال لي: يا إسماعيل، إني قد عزمت في غد على الصلاة بالناس في المصلى، فما أقول إذا انتهيت في الخطبة إلى الدعاء لنفسي. قال: فأطرقت ثم قلت: يقول أمير المؤمنين: رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والديّ، وأن أعمل صالحاً ترضاه، وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين. فقال لي: حسبك، ثم أمرني بالانصراف وأتبعني بخادم فدفع إلي خريطة فيها أربع مائة دينار، وكانت الدنانير خمسمائة، فأخذ الخادم منها لنفسه مائة دينار أو كما قال.
توفي الخطبي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
تمام بن محمد بن سليمان بن محمد بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، أبو بكر ولد سنة تسع وستين ومائتين، حدث عن عبد الله بن أحمد وغيره، وروى عنه ابن رزقويه، وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة.
الحسن بن علي بن عبيد الله بن الحسن أبو أحمد الخلال المعروف بالكوسج حدث عن جماعة، وروى عنه ابن رزقويه، وكان صدوقاً. وتوفي في جمادى الأولى من هذه السنة.
الحسين بن القاسم أبو علي الطبري الفقيه الشافعي. أخبرنا القزاز أخبرنا أبو بكر الخطيب، قال: درس علي أبي علي بن أبي هريرة وبرع في العلم، وسكن بغداد، وصنف كتاب " المحرر " وهو أول كتاب صنف في الخلاف، وصنف كتاب " الإفصاح " في المذهب، وكتاباً في الجدل وكتاباً في أصول الفقه ببغداد في صفر سنة خمسين وثلثماثة.
عبد الله بن إسماعيل بن إبراهيم بن عيسى بن أبي جعفر المنصور، ويكنى أبا جعفر. ابن برية الهاشمي كان إمام جامع المنصور، وحدث عن أبي الدنيا وغيره، وروى عنه ابن رزقويه أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، حدثنا علي بن أبي علي، قال: سمعت القاضي أبا بن أبي موسى الهاشمي، وأبا إسحاق الطبري، ومن لا أحصي من شيوخنا يحطون، أنهم سمعوا أبا جعفر المعروف بابن برية الإمام يقول: رقي هذا المنبر - يعني منبر نسجد جامع المدينة - الواثق في سنة ثلاثين ومائتين، ورقيت هذا المنبر في سنة ثلاثين وثلثمائة، وبين الرقيتين مائة سنة، وأنا وهو في القعدد إلى المنصور سواء، هو الواثق بن المعتصم بن الرشيد بن المهدي بن المنصور، وأنا عبد الله بن إسماعيل بن إبراهيم بن عيسى بن المنصور.
توفي ابن برية في صفر هذه السنة، وقيل: سنة اثنتين وخمسين.
عبد الرحمن بن برسيا


بن عبد الرحمن بن الحسين المحبر، مولى بني هاشم كان يسكن سويقة غالب، وحدث عن أبي العباس البرتي، والكديمي، روى عنه ابن رزقويه، وابن شاذان، وتوفي في جمادى الأولى من هذه السنة.؟ عتبة بن عبيد الله بن موسى بن عبيد الله أبو السائب الهمذاني أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: عتبة رجل من أهل همذان، وكان أبوه عبيد الله تاجراً مستوراً ديناً، أخبرنا جماعة من الهمذانيين أنه كان يؤمهم في مسجد لهم فوق الثلاثين سنة، ونشأ أبو السائب يطلب العلم، وغلب عليه في ابتداء أمره علم التصوف، والميل إلى أهل الزهد، ثم خرج عن بلده ولقي العلماء، وعني بفهم القرآن، وكتب الحديث، وتفقه على مذهب الشافعي، واتصلت أسفاره فعرف الأمير أبو القاسم بن أبي الساج، وما هو عليه من الفضل فأدخله إليه فرآه فاضلاً نبيلاً عاقلاً، فقلده الحكم بمراغة، وتقلد جميع آذربيجيان مع مراغة، وعظمت حاله، وقبض على ابن أبي الساج،فعاد إلى الجبل وتقلد همذان، ثم عاد إلى بغداد، وتقلد أعمالاً جليلة بالكوفة وديار مضر، والأهواز، وعامة الجبل، وقطعةمن السواد، وتقدم عند قاضي القضاة أبي الحسين بن أبي عمر، وسمع شهادته واستشاره في جميع أموره، ولما قبض المستكفي بالله على محمد بن الحسن، بن أبي الشوارب قلد أبا السائب مدينة أبي جعفر، ثم قتل اللصوص أبا عبد الله محمد بن عيسى وكان قاضياً على الجانب الشرقي، وتقلد قضاء القضاة في رجب سنة ثمان وثلاثين وثلثمائة أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، أخبرنا أحمد بن علي التوزي، ولد أبو السائب في سنة أربع وستين ومائتين، وتوفي في ربيع الآخر سنة خمسين وثلثمائة قال المصنف رحمه الله: ودفن في داره بسوق يحيى.
أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر بن ثابت، أخبرنا علي بن أبي علي المعدل، أخبرنا أبو طاهر المخلص، أخبرنا ابو بكر أحمد بن علي الذهبي المعروف: بابن القطان، قال: رأيت أبا السائب عتبة بن عبيد الله قاضي القضاة بعد موته، فقلت: ما فعل الله بك مع تخليطك بهذا اللفظ؟ فقال: غفر لي، فقال: كيف ذلك؟ فقال إن الله تعالى عرض علي أفعالي القبيحة ثم أمر بي إلى الجنة، وقال: لولا آليت على نفسي أن لا أعذب من جاوز الثمانين لعذبتك، ولكني قد غفرت لك وعفوت عنك، اذهبوا به إلى الجنة. فأدخلتها.
؟محمد بن أحمد بن حبيب بن أحمد بن راجبان أبو بكر الدهقان بغدادي سكن بخارى، وحدث بها عن يحيى بن أبي طالب، والحسن بن محرم، وأبي قلابة الرقاشي وغيرهم، ولد أبو بكر بن حبيب ببغداد سنة ست وستين ومائتين، ودخل بخارى سنة سبع وثمانين ومائتين، ومات ببخارى يوم السنت غرة رجب سنة خمسين وثلثمائة محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن يقطين أبو بكر الأسدي، المقرئ البغدادي روى عن أحمد بن محمد ابن الحسن بن عيسى الناسرجي، ونزل مكة وتوفي بها في هذه السنة. وكان ثقة.
محمد بن علي بن مقاتل أبو بكر المقرئ كان ذا مال عظيم، وتوفي بمصر في شعبان هذه السنة. ووجد في داره دفائن مبلغها ثمانية وتسعين ألف دينار، وأخذت له ودائع وجوهر ثمنه مائتا ألف دينار.
ثم دخلت
سنة إحدى وخمسين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه ورد الخبر في المحرم بدخول الروم عين زربة في مائة وستين ألف رجل، فطلب المسلمون الأمان فأمنهم ملك الروم، فلما دخل البلد نادى في أول الليل بأن يخرج جميع الناس إلى المسجد الجامع، وأن من تأخر في منزله قتل. فخرج من أمكنه الخروج، فلما أصبح أنفذ رجاله، فمن وجدوه في منزله قتلوه فقتلوا خلقاً من الرجال والنساء والأطفال، وأمر بقطع نخل البلد فقطع منه أربعون ألف نخلة، ونادى فيمن حصل في الجامع أن يخرجوا حيث شاءوا وأن من أمسى فيه قتل، فخرج الناس مبادرين وتزاحموا في الأبواب، فمات بالضغط خلق كثير، ومروا على وجوههم حفاة عراة لا يدرون أين يتوجهون، فمات أكثرهم في الطرقات، ثم أخذ الأسلحة والأمتعة، وأمر بهدم الجامع وكسر المنبر، وهدم سور البلد، والمنازل، وبقي مقيماً في بلاد الإسلام واحداً وعشرين يوماً، وفتح حول حصن زربة أربعة وخمسين حصناً، بعضها بالسيف وبعضها بالأمان، وقتل خلقاً كثيراً من المسلمين، ثم إن سيف الدولة أعاد بناء عين زربة.


وفي شهر ربيع الآخر: كتب العامة على مساجد بغداد: لعن معاوية بن أبي سفيان، ولعن من غصب فاطمة فدكا ومن أخرج العباس من الشورى، ومن نفى أبا ذر الغفاري، ومن منع من دفن الحسن عند جده، ولم يمنع معز الدولة من ذلك، وبلغه أن العامة قد محوا هذا المكتوب، فأمر أن يكتب: لعن الله الظالمين لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأولين والآخرين، والتصريح باسم معاوية في اللعن فكتب ذلك.
وفي شوال: ورد الخبر بأن الروم استأثروا أبا فراس بن سعيد بن حمدان من منبج وكان متقلداً لها.
وورد الخبر بأنه وقع في الجامدة في آخر يوم من تشرين الثاني برد في كل بردة رطل ونصف ورطلان.
وورد الخبر بأن الدمستق ورد إلى حلب بغتة، ولم يعلم سيف الدولة، فخرج إليه وحاربه فانهزم سيف الدولة، وظفر بداره وهي خارج حلب، فوجد فيها ثلثمائة وتسعين بدرة دراهم، فأخذها ووجد له ألف وأربعمائة بغل فأخذها، وأخذ من خزائن السلاح ما لا يحصى، وأحرق الدار وملك الربض، فقاتله أهل حلب من وراء السور، فقتل من الروم خلق كثير بالحجارة والمقاليع، وسقطت ثلمة من السور على أهل حلب، فقتلتهم فطمع الروم في تلك الثلمة فأكبوا عليها، ودفعهم أهل البلد عنها، فلما جن عليهم الليل اجتمع المسلمون عليها فبنوها، وفزعوا منها، وعلوا عليها فكبروا، ثم إن رجالة الشرط بحلب مضوا إلى منازل الناس وخانات التجار لينهبوها، فقيل للناس: الحقوا منازلكم، فإنها قد نهيت، فنزلوا عن السور وأخلوه، ومضوا إلى منازلهم ليدفعوا عنها، فلما رأى الروم السور خالياً تجاسروا على أن يصعدوه، وأشرفوا على البلد فرأوا الفتنة فيه، وأن بعضهم ينهب بعضاً، فنزلوا وفتحوا الأبواب ودخلوا، وثملوا السور في عدة مواضع، ووضعوا في الناس السيف، فقتلوا كل من لقيهم، ولم يرفعوا السيف حتى ضجروا، وكان في البلد ألف ومائتا رجل أسارى الروم فتخلصوا، وكان سيف الدولة قد أخذ من الروم سبعمائة إنسان ليفادي بهم، فأخذهم الدمستق، وسبى من البلد من المسلمين بضعة عشر ألف صبي وصبية، وأخذ من النساء والسبايا ما أراد ومن خزائن سيف الدولة وأمتعة التجار ما لا يحاط بقيمة، فلما لم يبق معه ما يحمل عليه أحرق الباقي، وأخرب المساجد، وعمد إلى جباب الزيت فصب فيها الماء حتى فاض الزيت وشربته الأرض، وأقام في البلد تسعة أيام، وكان معه مائتا ألف رجل فيهم ثلاثون ألفاً بالجواشن، وثلاثون ألفاً من صناع الهدم، وأربعة آلاف بغل عليها حسك حديد يطرحه حول العسكر بالليل، وخركاهات ملبسة لبوداً أحمر لدوابه، فلما هم أن ينصرف، قال له ابن أخت الملك: قد فتحنا هذا البلد وقد بقيت القلعة، فقال: بلغنا ما لم نكن نظنه فدع القلعة فسكانها غزاة، قال: لا بد قال: شأنك، فصعد فوقع عليه حجر فمات، فلما أتى به الدمستق أحضر من كان معه من أسارى المسلمين، وكانوا ألفين ومائتين، فضرب أعناق الجميع.
وفي رمضان: سقط روشن من دار الوزير أبي محمد المهلبي إلى دجلة، وكان عليه جماعة من وجوه الدولة، منهم أبو إسحاق محمد بن أحمد القراريطي فانكسرت فخذه، فحمل وجبرت فصلحت، وأما ابن حاجب النعمان فإن نخاع ظهره انقطع، فحمل على سريره، فأقام عليلاً إلى الجمعة الثانية ومات.
؟ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
الحسن بن محمد بن هارون أبو محمد المهلبي من ولد المهلب بن أبي صفرة، استوزه معز الدولة أبو الحسين أحمد بن بويه، فبقي في وزارته ثلاث عشرة سنة وثلاثة أشهر، وكان يقول الشعر الحسن، وفيه الأدب الوافر وكان يطرب على اصطناع الرجل ويهاج لذلك، وكان له الحلم والأناة.


روى أبو غسحاق الصاغاني، قال: صاغ الوزير أبو محمد المهلبي دواة ومرفعاً وحلاهما حلية ثقيلة، وكانت طول ذراع وكسر في عرض شبر، فقدمت بين يديه، وأبو أحمد الفضل بن عبد الرحمن الشيرازي جالس عن يمينه وأبا أحمد جالس إلى جنبه، فتذاكرنا سراً حسن الدواة، فقال أبو أحمد: ما كان أحوجني إليها لأبيعها فانتفع بثمنها، فقلت: فأي شيء يعمل الوزير؟ قال: يدخل في خزانته وسمع الوزير ما جرى بيننا بإصغائه إلينا، ثم اجتمعت بأبي أحمد من الغد، فقال لي: عرفت خبر الدواة؟ قلت: لا قال: فإنه جاءني البارحة رسوله ومعه الدواة، ومرفعها ومنديل، وعشر قطع وخمسة آلاف درهم وقال: الوزير يقول لك أنا عارف بقصور المواد عنك، وتضاعف المؤن عليك، وقد آثرتك بهذه الدواة لما ظننت من استحسانك لها، وجعلت معها ما تكتسي به وتصرفه في بعض نفقتك. فبقيت متعجباً من اتفاق ما تجارينا فيه وحدث هذا على أثره.
وتقدم الوزير بصناعة دواة أخرى فصنعت، ودخلنا إلى مجلسه وقد تركت بين يديه وهو يوقع منها، فنظر إلي وإلى أبي أحمد ونحن نلحظها فقال: هيه، من منكما يريدها على الإعفاء من الدخول؟ فاستحيينا، وعلمنا أنه كان قد سمع قولنا، وقلنا: بل يمتع الله الوزير منها ويبقيه ليهب ألفاً منها.
توفي أبو محمد المهلبي في هذه السنة عن أربع وستين سنة، ودفن في مقابر قريش.
دعلج بن أحمد بن دعلج بن عبد الرحمن أبو محمد السجتاني المعدل سمع الحديث ببلاد خراسان، والري، وحلوان، وبغداد، والبصرة ومكة وكان من ذوي اليسار والمشهورين بالبر والأفضال، وله صدقات جارية ووقوف على أهل الحديث ببغداد ومكة وسجستان، وكان قد جاور بمكة زماناً، فجاء قوم من العرب، فقالوا: إن أخاً لك من أهل خراسن قتل أخاً لنا فنحن نقتلك به. فقال: اتقوا الله، فإن خراسان ليست بمدينة واحدة فاجتمع الناس فخلوا سبيله فانتقل إلى بغداد فاستوطنها، وكان يقول: ليس في الدنيا مثل داري وذلك أنه ليس في الدنيا مثل بغداد، ولا ببغداد مثل القطيعة، ولا في القطيعة مثل درب أبي خلف، وليس في الدرب مثل داري.
وحدث ببغداد عن عثمان بن سعيد الدرامي، والحسن بن سفيان النسوي، وابن البراء، والباغندي، وعبد الله بن أحمد، وخلق كثير. روى عنه ابن حيويه، والدارقطني، وابن رزقويه، وعلي، وعبد الملك ابنا بشران وغيرهم، وكان ثقة ثابتاً مأموناً، قبل الحكام شهادته، وصنف له الدارقطني كتباً منها: المسند الكبير فكان إذا شك في حديث ضرب عليه، قال الدارقطني: لم أر في مشائخنا أثبت منه.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي، قال: حدثني محمد بن علي بن عبد الله الحداد، عن شيخ سماه، قال: حضرت يوم الجمعة الجامع بمدينة المنصور. قال: وحدثني أبو القاسم الأزهري، عن أبي عمر ابن حيويه قال: ادخلني دعلج إلى داره وأراني بدراً من المال معبأة في منزله، وقال: يا أبا عمر، خذ من هذا ما شئت، فشكرت له، وقلت له: أنا في كفاية عنها، ولا حاجة لي فيها.


أخبرنا أبو منصور، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال: حدثني محمد بن علي بن عبد الله الحداد، عن شيخ سماه، قال: حضرت يوم الجمعة مسجد الجامع بمدينة المنصور، فرأيت رجلاً بين يدي في الصف حسن الوقار، ظاهر الخشوع، دائم الصلاة، لم يزل يتنفل مذ دخل المسجد إلى قرب قيام الصلاة، ثم جلس فغلبتني هيبته، ودخلت قلبي محبته، ثم أقيمت الصلاة فلم يصل مع الناس فكبر علي ذلك وتعجبت من حاله، وغاظني فعله، فلما قضيت تقدمت إليه وقلت له: أيها الرجل، ما رأيت أعجب من أمرك، أطلت النافلة وأحسنتها، وضيعت الفريضة وتركتها. فقال لي: يا هذا، إن لي عدواً وبي علة منعتني من الصلاة، قلت: وما هي؟ قال: أنا رجل علي دين، اختفيت في منزلي مدة بسببه، ثم حضرت اليوم الجامع للصلاة، فقبل أن تقام التفت فرأيت صاحبي الذي له الدين علي ورآني، فمن خوفه أحدثت في ثيابي وهذا عذري فأسألك بالله إلا سترت علي وكتمت أمري، فقلت له: ومن الذي له عليك الدين؟ فقال: دعلج بن أحمد، وكان إلى جانبه صاحب لدعلج، فذكر له القصة، فقال له دعلج: امض إلى الرجل واحمله إلى الحمام، واطرح عليه خلعة من ثيابي، وأجلسه في منزلي حتى انصرف من الجامع. ثم أخرج حسابه فنظر فيه، فإذا عليه خمسة آلاف درهم، فقال له انظر لا يكون عليك في الحساب غلط أو نسي لك نقده. فقال له الرجل: لا، فضرب دعلج على حسابه وكتب تحته الوفاء، ثم أحضر الميزان ووزن له خمسة آلاف درهم، وقال له: أما الحساب الأول فقد أحللناك منه مما بيننا وبينك فيه، وأسألك أن تقبل هذه الخمسة آلاف درهم، وتجعلنا فيب حل من الروعة التي دخلت قلبك برؤيتك أيانا في المسجد الجامع.


أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال: حدثني أبو منصور محمد بن محمد بن أحمد العكبري، قال: حدثني أبو الحسين أحمد بن الحسين الواعظ، قال: أودع عبد الله بن أبي موسى الهاشمي عشرة آلاف دينار ليتيم، فضاقت يده وامتدت إليها فانفقها، فلما بلغ الغلام الرجال أمر السلطان بفك الحجر عنه، وتسليم ماله إليه، وتقدم إلى ابن موسى بحمل المال ليسلم إلى الغلام، قال ابن أبي موسى: فلما تقدم إلي بذلك ضاقت علي الأرض بما رحبت، وتحيرت في أمري لا أعلم من أي وجه أغرم المال، فبكرت من داري وركبت بغلتي، وقصدت الكرخ لا أعلم أين أتوجه وانتهت بي بغلتي إلى درب السلولي، وققفت بي على باب مسجد دعلج بن أحمد، فثنيت رجلي ودخلت المسجد، وصليت صلاة الفجر خلفه، فلما سلم أقبل إلي ورحب بي، وقام وقمت معه، ودخل إلى داره، فلما جلسنا جاءته الجارية بمائدة لطيفة وعليها هريسة، فقال: يأكل الشريف، فأكلت وأنا لا أحصل أمري، فلما رأى تقصيري قال: أراك منقبضاً فما الخبر؟ فقصصت عليه قصتي، وأني أنفقت المال، فقال: كل، فإن حاجتك تقضى، ثم أحضر حلوى فأكلنا فلما رفع الطعام وغسلنا أيدينا قال: يا جارية افتحي ذلك الباب. فإذا خزانة مملوءة زبلاً مجلدة فأخرج إلي بعضها وفتحها إلى أن أخرج النقد الذي كانت الدنانير منه، واستدعى الغلام والتخت والطيار، فوزن عشرة آلاف دينار وبدرها، وقال: يأخذ الشريف هذه،فقلت: يثبتها الشيخ علي فقال: افعل، وقد كاد عقلي يطير فرحاً، فركبت بغلتي وتركت الكيس على القربوس، وغطيته بطيلساني وعدت إلى داري، وانحدرت إلى السلطان بقلب قوي، وجنان ثابت، فقلت: ما أظن إلا أنه قد استشعر في أني قد أكلت مال اليتيم، واستبدت به، والمال فقد أخرجته، فأحضر قاضي القضاة والشهود، والنقباء، وولاة العهود، وأحضر الغلام وفك حجره، وسلم المال إليه، وعظم الشكر لي، والثناء علي، فلما عدت إلى منزلي استدعاني أحد الأمراء من أولاد الخلافة، وكان عظيم الحال، فقال: قد رغبت في معاملتك وتضمينك أملاكي ببادية يا ونهر الملك، فضمنت ذلك بما تقرر بيني وبينه من المال، وجاءت السنة، ووفيته وحصل في يدي من الربح ما له قدر كبير، وكان ضماني لهذه الضياع ثلاث سنين، فلما مضت حسبت حسابي، وقد تحصل في يدي ثلاثون ألف دينار، فعزلت عوض العشرة آلاف التي أخذتها من دعلج وحملتها إليه، وصليت معه الغداة، فلما انفتلت وانفتل من صلاته رآني، فنهض معي إلى داره، وقدم المائدة والهريسة، فأكلت بجأش ثابت وقلب طيب، فلما قضينا الأكل، قال لي: خبرك وحالك، فقلت: بفضل الله وبفضلك قد أفدت بما فعلته معي ثلاثون ألف دينار، وهذه عشرة آلاف عوض الدنانير التي أخذتها منك، فقال: يا سبحان الله، ما خرجت الدنانير عن يدي ونويت آخذ عوضها حل بها الصبيات، فقلت له: يا شيخ أيش أصل هذا المال حتى تهب لي عشرة آلاف دينار؟ فقال: اعلم أني نشأت، وحفظت القرآن، وسمعت الحديث، وكنت أتبرز فوافاني رجل من تجار البحر، فقال لي: أنت دعلج بن أحمد؟ فقلت: نعم فقال: قد رغبت مالي إليك لتتجر به، فما سهل الله من فائدة كانت بيننا، وما كان من حائجه كانت في أصل مالي، فسلم إلي بارنامجات بألف درهم، وقال لي: ابسط ولا تعلم موضعاً تنفق فيه المتاع إلا حملته إليه، ولم يزل يتردد إلي سنة بعد سنة يحمل إلي مثل هذا، والبضاعة تنمى، فلما كان في آخر سنة اجتمعنا، قال لي: أنا كثير الأسفار في البحر فإن قضى الله علي بما قضاه على خلقه فهذا المال لك، على أن تتصدق منه وتبني المساجد، وتفعل الخير، فأنا أفعل مثل هذا، وقد ثمر الله المال فب بدب، فاسألك أن تطوي هذا الحديث أيام حياتي. توفي دعلج في جمادى الآخرة من هذه السنة، وهو ابن أربع أوخمسين وتسعين سنة.
عبد الله بن جعفر بن شاذان أبو الحسن البزاز من أهل الجانب الشرقي، حدث عن الكديمي، وإبراهيم الحربي، وعبد الله بن أحمد، روى عنه الدارقطني، وابن رزقويه، وكان ثقة.
توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
عبد الباقي بن قانع بن مرزوق، أبو الحسن الأموي مولاهم سمع الحارث بن أبي أسامة، وإبراهيم الحربي، روى عنه الدارقطني، وابن رزقويه، وأبو علي بن شاذان، وكان من أهل العلم، والفهم، والثقة، غير أنه تغير في آخر عمره، قال الدارقطني: كان يخطئ، ويصر على الخطأ.


توفي في شوال هذه السنة.
محمد بن الحسن بن محمد بن زياد بن هارون بن جعفر أبو بكر المقرئ النقاش موصلي الأصل، ويقال أنه مولى أبي دجانة سماك بن خرشة، ولد في سنة ست وستين ومائتين، وكان عالماً بحروف القراآت، حافظاً للتفسير، وله تصانيف فيهما، سافر الكثير، وكتب بالكوفة، والبصرة، ومكة، ومصر، والشام، والجزيرة، والموصل، والجبال، وبلاد خراسان، وما وراء النهر.
وحدث عن إسحاق بن سفيان الختلي، وأبي مسلم الكجي وخلق كثير، روى عنه أبو بكر ابن مجاهد، والخلدي، والدارقطني، وابن شاهين، وابن رزقويه في آخرين، وآخر من حدث عنه أبو علي بن شاذان، وفي حديثه مناكير بأسانيد مشهورة، وقد كان يتوهم الشيء فيرويه، وقد وقفه الدارقطني على بعض ما أخطأ فيه فرجع عن الخطأ.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي، قال:حدثني عبيد الله بن أبي الفتح، عن طلحة بن محمد بن جعفر أنه ذكر النقاش، فقال: كان يكذب في الحديث، قال أحمد: وسألت البرقاني، فقال: كل حديثه منكر.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، قال: سمعت أبا الحسين بن الفضل القطان، يقول: حضرت أبا بكر النقاش وهو يجود بنفسه، فجعل يحرك شفتيه بشيء لا أعلم ما هو، ثم نادى بعلو صوته: " لمثل هذا فليعمل العاملون " يرددها ثلاثاً، ثم خرجت نفسه.
توفي النقاش في يوم الثلاثاء في شوال هذه السنة، ودفن غداة الأربعاء في داره، وكان يسكن دار القطن.
محمد بن الحسن بن القاسم بن إسحاق الكاتب حدث عن بشر بن موسى. روى عنه ابن رزقويه.
محمد بن سعيد، أبو بكر الحربي، الزاهد ابن الضرير روى عنه ابن رزقويه، وكان ثقة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي الحافظ قال: أخبرني أحمد بن سليمان بن علي المقرئ، أخبرنا عبد الواحد بن أبي الحسن الفقيه، قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبا بكر ابن الضرير الزاهد، يقول: دافعت الشهوات حتى صارت شهوتي المدافعة فحسب توفي في ربيع الأول من هذه السنة.
محمد بن سهل بن عسكر بن عمارة أبو بكر البخاري حدث عن عبد الرزاق وغيره، روى عنه إبراهيم الحربي، وابن أبي الدنيا، والبغوي، وابن صاعد وكان ثقة. توفي في شعبان هذه السنة.
ثم دخلت
سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها أنه في اليوم العاشر من المحرم أغلقت الأسواق ببغداد، وعطل البيع، ولم يذبح القصابون ولا طبخ الهراسون ولا ترك الناس أن يستقوا الماء، ونصبت القباب في الأسواق، وعلقت عليها المسموح، وخرجت النساء منتشرات الشعور يلطمن في الأسواق، وأقيمت النائحة على الحسين عليه السلام.
وفي نصف ربيع الأول: ورد الخبر بأن ألف رجل من الأرمن ساروا إلى الرها، فاستاقوا خمسة آلاف رأس من الغنم، وخمسمائة من البقر والدواب، واستأسروا عشرة أنفس، وانصرفوا موقرين.
وفي جمادى الآخرة: قلد أبو بشر عمر بن أكثم القضاء بمدينة السلام بأسرها، على أن يتولى ذلك بلا رزق، وخلع عليه، ورفع كان يحمله أبو العباس بن أبي الشوارب، وأمر أن لا يمضي شيئاً من أحكام أبي العباس، وفي شعبان: قلد قضاءالقضاة.
وفي شعبان: مات الدمستق الذي فتح بلدة حلب، واسمه: نقفور.
وفي ليلة الخميس ثامن عشر ذي الحجة: وهو يوم " غدير خم " أشعلت النيران، وضربت الدبادب والبوقات، وبكر الناس إلى مقابر قريش.
قال ثابت بن سنان المؤرخ: حدثني جماعة من أهل الموصل ممن أثق به: أن بعض بطارقة الأرمن أنفذ في سنة اثنتين وخمسين وثلثمائة إلى ناصر الدولة رجلين من الأرمن ملتصقين بينهما خمس وعشرون سنة سليمين، ومعهما أبوهما، وأن الالتصاق كان في المعدة، ولهما بطنان، وسرتان، ومعدتان، وأوقات جوعهما وعطشهما تختلف، وكذلك أوقات البول والبراز، ولكل واحد منهما صدر وكتفان، وذراعان، ويدان، وفخذان، وساقان، وقدمان وإحليل، وكان أحدهما يميل إلى النساء والآخر يميل إلى الغلمان، وكان أحدهما إذا دخل إلى المستراح دخل قرينه معه، وأن ناصر الدولة وهب لهما ألفي دينار، وأراد أن يحدرهما إلى بغداد ثم انصرف رأيه عن ذلك.


أخبرنا محمد بن أبي طاهر، أخبرنا علي بن المحسن التنوخي، عن أبيه، قال: حدثني أبو محمد يحيى بن محمد بن فهد، وأبو عمر أحمد بن محمد الخلال، قالا: حدثنا جماعة كثيرة العدد من أهل الموصل وغيرهم ممن كنا نثق بهم ويقع لنا العلم بصحة ما حدثوا به لكثرته وظهوره وتواتره. أنهم شاهدوا بالموصل سنة نيف وأربعين وثلثمائة رجلين أنفذهما صاحب أرمينية إلى ناصر الدولة للأعجوبة منهما، وكان لهما نحو من ثلاثين سنة، وهما ملتزقان من جانب واحد ومن حد فويق الحقو إلى دوين الأبط، وكان معهما أبوهما، فذكر لهم أنهما ولدا كذلك توأماً تراهما يلبسان قميصين وسراويلين كل واحد منهما، لباسهما مفرداً إلا أنهما لم يكن يمكنهما لالتزاق كتفيهما وأيديهما في المشي لضيق ذلك عليهما، فيجعل كل واحد منهما يده التي تلي أخاه من جانب الالتزاق خلف ظهر أخيه ويمشيان كذلك، وإنما كانا يركبان دابة واحدة ولا يمكن أحدهما التصرف إلا بتصرف الآخر معه، وإذا أراد أحدهما الغائط قام الآخر معه وإن لم يكن محتاجاً، وأن اباهما حدثهم أنه لما ولدا أراد أن يفرق بينهما، فقيل له: أنهما يتلفان لأن التزاقهما من جنب الخاصرة، وأنه لا يجوز أن يسلما، فتركهما، وكانا مسلمين، فأجازهما ناصر الدولة، وخلع عليهما، وكان الناس بالموصل يصيرون إليهما فيتعجبون منهما ويهبون لهما.
قال أبو محمد: وأخبرني جماعة أنهما خرجا إلى بلدهما، فاعتل أحدهما ومات وبقي الآخر أياماً حتى أنتن أخاه وأخوه حي لا يمكنه الترف، ولا يمكن الأب دفن الميت إلى أن لحقت الحي علة من الغم والرائحة، فمات أيضاً فدفنا جميعاً وكان ناصر الدولة قد جمع لهما الأطباء وقال: هل من حيلة في الفصل بينهما، فسألهما الأطباء عن الجوع، هل تجوعان في وقت واحد؟ فقال: إذا جاع الواحد منا تبعه جوع الآخر بشيء يسير من الزمان، وإن شرب أحدنا دواء مسهلاً انحل طبع الآخر بعد ساعة، وقد يلحق أحدنا الغائط ولا يلحق الآخر، ثم يلحقه بعد ساعة فنظروا فإذا لهما جوف واحد وسرة واحدة ومعدة واحدة وكبد واحد وطحال واحد، وليس من الالتصاق أضلاع، فعلموا أنهما إن فصلا تلفا، ووجدوا لهما ذكران، وأربع بيضات، وكان ربما وقع بينهما خلاف وتشاجر فتخاصما أعظم خصومة، حتى ربما حلف أحدهما لا أكلم الآخر أياماً، ثم يصطلحان.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
عمر بن أكثم بن أحمد بن حيان بن بشر أبو بشر الأسدي ولد سنة أربع وثمانين ومائتين، وولي القضاء ببغداد في أيام المطيع لله من قبل أبي السائب عتبة بن عبيد الله، ثم ولي قضاء القضاة بعد ذلك، وكان ينتحل مذهب الشافعي رحمه الله، ولم يل قضاء القضاة من الشافعيين قبله غير أبي السائب فقط.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن جعفر، قال: لما افتتح المطيع لله والأمير معز الدولة أحمد بن بويه البصرة في سنة ست وثلاثين وثلثمائة خرج القاضي أبو السائب عتبة بن عبد الله إلى البصرة مهنياً لهما، وكان يكتب له على الحكم عمر بن أكثم، وكان قد نشأ نشوءاً حسناً على صيانة تامة فقبل الحكام شهادته، ثم كتب للقضاة واستخلفه أبو السائب عند خروجه على الجانب الشرقي، ثم جمع البلد لأبي السائب وهو بالبصرة مع المطيع، فكتب بذلك إلى الحضرة واستخلفه على بغداد بأسرها، فأجرى الأمور مجاريها، فظهرت منه خشونة فانحسم عنه الطمع، ثم أصعد أبو السائب ، ثم أصعد أبو السائب إلى الحضرة، وعاد أبو بشر إلى كتابته وكان جد أبيه حيان قد تقلد القضاء في نواح كثيرة وتقلد أصبهان، ثم تقلد الشرقية، فنظرت فإذا أبو بشر قد جلس في الشرقية في الموضع الذي جلس فيه عند جد أبيه بعد مائة سنة.
توفي أبو بشر في ربيع الأول من هذه السنة.
محمد بن إسحاق بن مهران المنقري شاموخ حدث عن أبي العباس البراثي، والحسن بن الحباب، وعلي بن حماد الخشاب، وحديثه كثير المناكير، روى عنه يوسف بن عمر القواس، وابن رزقويه. وتوفي في هذه السنة.
محمد بن أحمد بن موسى بن هارون بن الصلت أبو الطيب الأهوازي سكن بغداد، وحدث بها عن أبي خليفة الفضل بن الحباب البصري وغيره، روى عنه الدارقطني، وكان صدوقاً وتوفي في هذه السنة.
محمد بن أحمد بن يوسف بن جعفر، أبو الطيب المقرئ غلام ابن شنبوذ


خرج من بغداد وتغرب، وحدث بجرجان وأصبهان عن إدريس بن عبد الكريم، وابن شنبوذ وغيرهما. وتوفي في هذه السنة.
ثم دخلت
سنة ثلاث وخمسين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أ،ه عمل في عاشوراء مثل ما عمل في السنة الماضية من تعطيل الأسواق وإقامة النواح، فلما أضحى النهار يومئذ وقعت فتنة عظيمة في قطيعة أم جعفر وطريق مقابر قريش بين السنة والشيعة، ونهب الناس بعضهم بعضاً، ووقعت بينهم جراحات.
وورد الخبر بنزول جيش ضخم من الروم على المصيصة وفيه الدمستق، وأقام عليها سبعة أيام، ونقب في سورها نيفاً وستين نقباً ولم يصل، ودافعه أهلها وانصرف، إذ قصرت به الميرة بعد أن أقام ببلاد الإلام خمسة عشر يوماً، وأحرق الدمستق المصيصة وأذنة ، وطرطوس، وذلك لمعاونتهم أهل مصيصة على الروم، فظفر بهم الروم، فقتلوا نحو خمسة آلاف رجل، وقتل أهل أذنة وأهل طرسوس من الروم عدداً كثيراً، وقال الدمستق قبل انصرافه عن المصيصة: يا أهل المصيصة، إني منصرف عنكم لا لعجز عن فتح مدينتكم، ولكن لضيق العلوفة، وأنا عائد إليكم بعد هذا الوقت، فمن أراد منكم الهرب فليهرب قبل رجوعي، فمن وجدته قتلته.
وورد الخبر في ربيع الأول: أن الغلاء بأنطاكية وسائر الثغور اشتد حتى لم يقدر على الخبز، وانتقل من الثغور إلى دمشق وغيرها خمسون ألفاً هرباً من الغلاء.
وفي جمادى الأولى: ورد الخبر بأن الهجريين أنفذوا سرية إلى طبرية واستمدوا من سيف الدولة حديداً فقلع أبواب الرقة - وكانت من حديد - وأخذ كل حديد وجد حتى أخذ صنجات الباعة والبقالين، فبعثها إليهم حتى كتبوا إليه: إننا قد استغنينا.
وفي جمادى الآخرة: أراد معز الدولة الإصعاد إلى الموصل، فانحدر إلى الخليفة فودعه وخرج.
وروى هلال بن المحسن الصابي، عن أبي الحسن ابن الخراساني حاجب معز الدولة، قال: كنت مع معز الدولة بحضرة المطيع، فلما تقوض المجلس قال لي: قل للخليفة: أريد أن أطوف الدار وأشاهدها، وأتأمل صحونها وبساتينها، فيتقدم إلي من يمشي معي ويطيفني. فقلت له ذلك، فتقدم إلى خادمه شاهك وحاجبه ابن أبي عمرو، فمشيا بين يديه وأنا وراءهما بعدنا عن حضرة الخليفة، فقالا له: لا يجوز أن نتخرق الدار في أكثر من نفسين أو ثلاثة، فاختر من تريد واردد الباقين، فأخذ أبا جعفر الصيمري معه، ونحن عشرة من غلمانه وحجابه، ووقف باقي الجند والحواشي في صحن السلام، ودخلنا ومضى الأمير مسرعاً فلحقته وجذبت قباءه من خلفه، فالتفت إلي، فقلت له بالفارسية وأصحاب الخليفة لا يعرفونها: في أي موضع أنت حتى تسترسل هذا الاسترسال، وتعدو من غير تحفظ ولا استظهار، ألا تعلم أنه قد فتك في هذا الدار بألف أمير ووزير، وما كان غرضك في أن تطوف وحدك، أليس لو وقف لنا عشرة نفر من الخدم أو غيرهم في هذه الممرات الضيقة لأخذونا؟ فقال له الصميري: قد صدقك، فقال: قد كان ذلك غلطاً والآن فإن رجعنا الساعة علم أننا قد فزعنا وخفنا، وسقطنا بذلك من أعينهم وضعفت هيبتنا في صدورهم، ولكن احتفوا بي فإن مائة من هؤلاء لا يقاوموننا ونحن نسرع في رؤية ما نراه.
قال: فسعينا سعياً حثيثاً وانتهيتا إلى دار فيها صنم من صفر على صورة امرأة، وبين يديه أصنام صغار كالوصائف، فرأينا من ذلك ما أعجبنا، وتحير معز الدولة، وسأل عن الصنم، فقيل له: هذا صنم حمل في أيام المقتدر بالله من بلد الهند لما فتح صاحب عمان ذلك البلد، وقيل: إنه كان يعبد هناك: فقال معز الدولة: إني قد استحسنت هذا الصنم، وشغفت به، ولو كانت مكانه جارية لاشتريتها بمائة ألف دينار على قلة رغبتي في الجواري، وأريد أن أطلبه من الخليفة ليكون قريباً مني فأراه في كل وقت، فقال له الصميري، لا تفعل، فإنه ينسبك في ذلك إلى ما ترتفع عنه.
قال: وبادرنا بالخروج، فما رجعت إلينا عقولنا إلا بعد اجتماعنا مع أصحابنا، ونزل معز الدولة الطيار، فقال لأبي جعفر الصميري: قد ازدادت محبتي للمطيع لله وثقتي به، لأنه لو كان يضمر لي سوءاً أو يريده بي لكنا اليوم في قبضة. فقال الصميري: الأمر على ذلك. وصعد معز الدولة إلى داره، وأمر بحمل عشرة آلاف درهم إلى نقيب الطالبيين ليفرقها فيهم شكراً لله على سلامته.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
بكار بن أحمد بن بكار بن بنان بن بكار بن زياد


بن دستوريه، أبو عيسى المقرئ ولد في صفر سنة خمس وسبعين ومائتين، وحدث عن عبد الله بن أحمد وغيره، وروى عنه أبو الحسن الحمامي. وكان ثقة ينزل بالجانب الشرقي في سوق يحيى.
توفي في ربيع الأول من هذه السنة، ودفن عند قبر أبي حنيفة في مقبرة الخيزران.
ثوابة بن أحمد بن ثوابة بن مهران بن عبد الله، أبو الحسن الموصلي: قدم بغداد وحدث بها عن أبي يعلى أحمد بن علي بن المثنى وغيره. روى عنه الدارقطني، وابن رزقويه، وكان صدوقاً. توفي في محرم هذه السنة.
جعفر بن محمد بن أحمد بن الحكم أبو محمد المؤدب واسطي الأصل، سمع الباغندي، والكديمي، وعبد الله بن أحمد. روى عنه ابن رزقويه، وأبو علي بن شاذان. وكان ثقة كثير الحديث. توفي في رمضان هذه السنة.
شجاع بن جعفر بن أحمد أبو الفوارس الوراق الواعظ. كان يذكر أنه من ولد أبي أيوب الأنصاري، وحدث عن عباس الدوري وابن أبي خثيمة، والكديمي. وروى عنه أبو علي شاذان، وتوفي في هذه السنة.
عبد الله بن محمد لن عبد الله بن عبد الرحمن، أبو بكر، الرازي الأصل النسائي روى عن الجنيد، وسمنون، وأبي عثمان وغيرهم. وكتب الحديث ورواه، وكان ثقة. توفي في هذه السنة.
عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن الواثق بالله أبو محمد الهاشمي سمع أبا مسلم الكجي، وأبا شعيب الحراني، ويوسف القاضي، وجعفر الفريابي. روى عنه الدارقطني، وابن رزقويه، وكان ثقة، توفي في ذي الحجة.
محمد بن إسماعيل بن موسى بن هارون أبو الحسين الرازي المكتب سكن بغداد بقصر عيسى، وحدث عن أبي حاتم الرازي، وإبراهيم الحربي وغيرهما. وهو ضعيف، وله أحاديث منكرة، منها: ما أخبرنا به عبد الرحمن بن محمد. أخبرنا أبو بكر علي بن ثابت الخطيب، أخبرنا علي بن أحمد الوزان أخبرنا محمد بن إسماعيل بن موسى، حدثنا عمرو بن تميم بن سيار قال حدثنا هوذة بن خليفة عن ابن جريج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أن سركم أن تزكو صلاتكم فقدموا خياركم " .
قال الخطيب: هذا حديث منكر بهذا الإسناد، ورجاله كلهم ثقات، والحمل فيه على الرازي، وكان أبو القاسم هبة الله بن الحسن الطبري يكذبه في رواياته.
محمد بن المهلب ويلقب بندار ويكنى أبا الحسين الشيرازي كان الشبلي يعظمه، وتوفي في هذه السنة.
محمد بن محمد بن الحسن، أبو عبد الله التروغندي الطوسي صحب أبا عثمان الحيري، وكان علي الهمة، له كرامات.
توفي في هذه السنة.
محمد بن أبي الطيب أحمد بن أبي القاسم عبد الله بن محمد، يكنى أبا الفتح البغوي حدث عن بشر بن موسى، وجده البغوي. وتوفي في يوم السبت لاثنتي عشرة بقيت من المحرم من هذه السنة.
أبو إسحاق الهجيمي ولد في سنة خمسين ومائتين، وسمع الحديث، وأقسم لا يحدث أو يجوز المائة، فأبر الله عز وجل قسمه فجازها، وحدث في المحرم سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة، وتوفي في هذه السنة. رحمه الله وإيانا وجميع المسلمين.
ثم دخلت
سنة أربع وخمسين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه عمل في يوم عاشوراء ماجرت به عادة القوم من إقامة النوح، وتعليق المسوح.
وفي ليلة السبت الثالث عشر من صفر: انكسف القمر كله.
وفي ليلة الثلاثاء لعشر بقين من ربيع الآخر: كبس مسجد براثا، وقتل في قوامه نفسان.
وفي نيسان: جاء برد كبار جداً، حكى بعض من يوثق به أنه وزن بردة فكان فيها مائة درهم.
وفي يوم الأربعاء لأربع خلون من جمادى الآخرة من هذه السنة: تقلد أبو أحمد الحسين بن موسى الموسوي نقابة الطالبيين بأسرهم سوى أبي الحسن بن أبي الطيب وولده، فإنهم استعفوا منه، فرد أمرهم إلى أبي الحسن علي بن موسى حمولي.
وفي سحر يوم السبت لثمان بقين من جمادى الأولى: ماتت أخت معز الدولة، فركب الخليفة المطيع لله في طيارة، وأصعد إليه إلى بستان الصميري الذي ذكرنا أنه بناه في حوادث تلك السنة وكان صعود الخليفة إليه بسبب تعزيته بأخته، فلما بلغ معز الدولة صعود الخليفة إليه في دجلة نزل إليه معز الدولة ووقف في الدرجة ولم يكلفه الصعود، فعزاه الخليفة فشكره معز الدولة وقبل الأرض دفعات، ثم انحدر المطيع إلى دار الخليفة.


وورد الخبر أن ملك الروم جاء إلى المصيصة ففتحها وقتل من أهلها مقتلة عظيمة، وساق من بقي، وكانوا نحو مائتي ألف وقد ذكرنا أنه كان في العام الماضي أتى نحوها ولم ينل منها، لأجل قلة الميرة عليه، وقال ما قال، فلما كان في هذه السنة، وهي سنة أربع وخمسين وثلثمائة فتحها عنوة ومضى إلى طرسوس طالباً لحصارها، فأذعنوا بالطاعة، فأعطاهم الأمان فدخلها، وأمرهم بالانتقال عنها، فانتقلوا، وجعل المسجد الجامع اصطبلاً لدوابه، ونقل ما فيه من القناديل إلى بلده، وأحرق المنبر، ثم أمر بعمارتها فتراجع أهلها وتنصر بعضهم.
وفي هذه السنة: جعل المسير بالحاج إلى أبي أحمد الحسين بن موسى النقيب، وعمل يوم غدير خم ببغداد ما تقدم ذكره من إشعال النار في ليلته، وضرب الدبابات والبوقات، وبكور الناس إلى مقابر قريش.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد، أبو الطيب الجعفي الشاعر المتنبي كان أبو يعرف بعبدان، قال شيخنا ابن ناصر: سمعت أبا زكريا يقول: سمعت أبا القاسم بن برهان، يقول: عبدان بفتح العين جمع عبدانة، وهي النخلة الطويلة، ومن قال: عبدان بكسر العين فقد أخطأ.
ولد المتنبي بالكوفة سنة ثلاث وثلثمائة، ونشأ بالشام فأكثر المقام بالبادية، وطلب الأدب، وعلم العربية، وفاق أهل عصره في الشعر، واتصل بالأمير أبي الحسن بن حمدان المعروف بسيف الدولة، فانقطع إليه، وأكثر القول في مديحه، ثم مضى إلى مصر فمدح بها كافوراً الخادم الأخشيدي ثم ورد بعد ذلك بغداد.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، أخبرنا علي بن المحسن التنوخي، عن أبيه، قال: حدثني أبو الحسن محمد بن يحيى العلوي، قال: كان المتنبي وهو صبي ينزل في جوار بالكوفة، وكان أبو يعرف بعبدان السقاء، يستقي لنا ولأهل المحلة، ونشأ هو محباً للعلم والأدب، وصحب الأعراب فجاءنا بعد سنين بدوياً قحاً وكان تعلم الكتابة والقراءة، وأكثر من ملازمة الوراقين.
فأخبرني وراق كان يجلس إليه، قال لي: ما رأيت أحفظ من هذا الفتى ابن عبدان، قلت له: كيف؟ قال: كان اليوم عندي وقد أحضر رجل كتاباً من كتب الأصمعي نحو ثلاثين ورقة ليبيعه، فأخذ ينظر فيه طويلاً، فقال له الرجل: يا هذا أريد بيعه وقد قطعتني عن ذلك، وإن كنت تريد حفظه فهذا إن شاء الله سيكون بعد شهر، فقال له: فإن كنت قد حفظته في هذه المدة فمالي عليك، قال: أهب لك الكتاب، قال: فأخذت الدفتر من يده، فأقبل يتلو علي إلى آخره ثم استلمه فجعله في كمه، فقام صاحبه وتعلق به وطالبه بالثمن، فقال: ما إلى ذلك سبيل قد وهبته لي فمنعناه منه، وقلنا له: أنت شرطت على نفسك هذا للغلام فتركه عليه.
قال المحسن: وسألت المتنبي عن نسبه فما اعترف لي به، وقال: أنا رجل أختط القبائل، وأطوي البوادي وحدي، ومتى انتيبت لم آمن أن يأخذني بعض العرب بطائلة بيننا وبين القبيلة التي انتسب إليها، ما دمت غير منتسب إلى أحد فأنا أسلم على جميعهم.
قال المحسن: واجتمعت بعد موت المتنبي بعد سنين مع القاضي أبي الحسن ابن أم شيبان الهاشمي، وجرى ذكر المتنبي، فقال: كنت أعرف أباه بالكوفة شيخاً يسمى: عبدان، يستقي على بعير له، وكان جعفياً صحيح النسب، قال: وكان المتنبي لما خرج إلى كلب، فأقام بينهم ادعى أنه علوي حسني، ثم ادعى بعد ذلك النبوة، ثم عاد يدعي أنه علوي إلى أن شهد عليه بالشام بالكذب في الدعوتين، وحبس دهراً طويلاً، وأشرف على القتل، ثم استتيب وأشهد عليه بالتوبة وأطلق.
قال المحسن: وحدثني أبو علي بن أبي حامد، قال: سمعت خلقاً كثيراً بحلب يحكون وأبو الطيب المتنبي بها إذ ذاك تنبأ في بادية السماوة ونواحيها إلى أن خرج بها لؤلؤ أمير حمص، فقاتله وأسره وشرد من كان اجتمع إليه من كلب وكلاب وغيرهما من قبائل العرب، وحبسه دهراً طويلاً فاعتل وكاد يتلف، فسئل عن أمره، فاستتابه وكتب عليه ببطلان ما ادعاه ورجوعه إلى الإسلام، قال: وكان قد تلا على البوادي كلاماً ذكر أنه قرآناً أنزل عليه، فمن ذلك: " والنجم السيار، والفلك الدوار، والليل والنهار، إن الكافر لفي أخطار، إمض على سنتك واقف أثر من كان قبلك من المرسلين، فإن الله قامع بك زيغ من ألحد في دينه وضل عن سبيله " .


قال: وكان المتنبي إذا شوغب في مجلس سيف الدولة فذكر أن له هذا القرآن وأمثاله مما يحكي عنه فينكره ويجحده. قال: وقال ابن خالويه النحوي يوماً في مجلس سيف الدولة: لولا أن الآخر جاهل لما رضي أن يدعى بالمتنبي، لأن " متنبي " معناه: كاذب، ومن رضي أنه يدعي بالكذب فهو كاذب فهو جاهل؛ فقال له: أنا لست أرضى أن أدعى به وإنما يدعوني به من يريد الغض مني، ولست أقدر على الامتناع.
قال المحسن: فأما أنا فسألته في الأهواز سنة أربع وخمسين وثلثمائة عن معنى المتنبي، فأجابني بجواب مغالط لي، وقال: هذا شيء كان في الحداثة أوجبته الصورة، فاستحييت أن أستقصي عليه، فأمسكت.
؟؟ذكر مقتل المتنبي أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الحافظ قال: حدثني علي بن أيوب قال: خرج المتنبي من بغداد إلى فارس، فمدح عضد الدولة وأقام عنده مديدة، ثم رجع من شيراز يريد بغداد، فقتل بالطريق بالقرب من النعمانية في شهر رمضان، وقيل: في شعبان من سنة أربع وخمسين وثلثمائة، وفي سبب قتله ثلاثة أقوال: أحدها: أنه كان معه مال كثير فقتله العرب لأخذ ماله، فذكر بعض العلماء أنه وصل إليه عضد الدولة أكثر من مائتي ألف درهم، والقصيدة قصيدته التي يقول فيها:
ولو أني استطعت غضضت طرفي ... فلم أبصر به حتى أراكا
وفي آخرها:
وأنى شئت يا طرقي فكوني ... أذاة أو نجاة أو هلاكا
فجعل قافية البيت الهلاك فهلك، وذلك أنه ارتحل عن شيراز بحسن حال، وكثرة مال، ولم يستصب خفيراً، فخرج عليه أعراب فحاربهم فقتل هو وابنه محمد، وفتى من غلمانه، وفاز الأعراب بأمواله، وكان قتله بشط دجلة في موضع يعرف بالصافية، يوم الأربعاء لثلاث بقين من رمضان سنة أربع وخمسين وثلثمائة، واسم قاتله:فاتك بن أبي الجهل الأسدي.
والثاني: أن سبب قتله: كلمة قالها عن عضد الدولة، فدس عليه من قتله.
وذكر مظفر بن علي الكاتب قال: اجتمعت برجل من بني ضبة، يكنى: أبا رشيد، فذكر أنه حضر قتل المتنبي، وأنه كان صبياً حين راهق حينئذ، وكان المتنبي قد وفد على عضد الدولة وهو بشيراز، ثم صحبه إلى الأهواز فأكرمه ووصله بثلاثة آلاف دينار، وثلاث كساء، في كل كسوة سبع قطع، وثلاثة أفراس بسروج محلاة، ثم دس عليه من سأله: أين هذا العطاء من عطاء سيف الدولة بن حمدان، فقال المتنبي: هذا أجزل، إلا أنه عطاء متكلف، وكان سيف الدولة يعطي طبعاً، فاغتاظ عضد الدولة لما نقل إليه هذا، وأذن لقوم من بني ضبة في قتله إذا انصرف، قال: فمضيت مع أبي، وكنا في ستين راكباً، فكمنا في واد فمر في الليل، ولم يعلم به، فلما أصبحنا تقفينا أثره فلحقناه، وقد نزل تحت شجرة كمثرى وعندها عين، وبين يديه سفرة طعام، فلما رآنا قام ونادى: هلموا وجوه العرب، فلم يجبه أحد فأحس بالداهية، فركب ومعه ولده وخمسة عشر غلاماً، له، وجمعوا الرجال والجمال والبغال، فلو ثبت مع الرجالة لم يقدر عليه، ولكنه برز إلينا يطاردنا. قال: وأخذ غلمانه، وانهزم شيئاً يسيراً. فقال له غلام له: أين قولك.
الخيل والليل والبيداء تعرفني ... والحرب والضرب والقرطاس والقلم
فقال له: قتلتني قتلك الله، والله لا انهزمت اليوم، ثم رجع كاراً علينا فطعن زعيمنا في عنقه فقتله، واختلفت عليه الرماح فقتل، فرجعنا إلى الغنائم، وكنت جائعاً فلم يكن لي هم إلا السفرة، فأخذت آكل منها، فجاء أبي فضربني بالسوط، وقال: الناس في الغنائم وأنت مع بطنك؟ أكفأ ما في الصحاف، وآعطنيها، فكفأت ما فيها ودفعتها إليه، وكانت فضة، ورميت بالدجاج والفراخ في حجرتي.
والثالث: أن المتنبي هجم على ضبة الأسدي فقال: ما أنصف القوم ضبه. وأمه الطرطبه.
فبلغته فأقام له في الطريق من قتله، وقتل ولده، وأخذ ما معه، وكان ضبة يقطع الطريق. ذكره هلال بن المحسن الصابي.
وأشعاره فائقة الحسن، رائعة الصناعة، وقد ذكرت من منتخبها أبياتاً كعادتي عند ذكر كل شاعر. أذكره، فمن ذلك قوله.
حاشى الرقيب فخانته ضمائره ... و غيض الدمع فانهلت بوادره
وكاتم الحب يوم البين منهتك ... وصاحب الدمع لا تخفى سرائره
يا من تحكم في نفسي فعذبني ... ومن فؤادي على قتلي يظافره


تمضي الركائب والأبصار شاخصة ... منها إلى الملك الميمون طائره
حلو خلائقه شوس حقائقه ... يحصى الحصى قبل أن يحصى مآثره
تضيق عن جيشه الدنيا ولو رحبت ... كصدره لم تضق فيها عساكره
وله:
لك يا منازل في القلوب منازل ... أقفرت أنت وهن منك أواهل
يعلمنا ذاك و ما علمت وإنما ... أولاً كما يبكي علي العاقل
و أنا الذي اجتلب المنية طرفه ... فمن المطالب والقتيل القاتل
أثني عليك ولو تشاء لقلت لي ... قصرت فالإمساك عني نائل
لا تجسر الفصحاء تنشد ها هنا ... بيتاً ولكني الهزبر الباسل
ما نال أهل الجاهلية كلهم ... شعري و لا سمعت بسحر بابل
وإذا أتتك مذمتي من ناقص ... فهي الشهادة لي بأني فاضل
وله:
قد علم البين منا البين أجفان ... تدمى و ألف في ذا القلب أحزانا
قد كنت أشفق من دمعي على بصري ... فاليوم كل عزيز بعدكما هانا
تهدي البوارق أخلاف المياه لكم ... وللمحب من التذكار نيرانا
إذا قدمت على الأهوال شيعني ... قلب إذا شئت أن يسلاكم خانا
لا أستزيدك فيما فيك من كرم ... أنا الذي نام إن نبهت يقظانا
وله:
أجاب دمعي وما الداعي سوى طلل ... دعا فلباه قبل الركب والإبل
ظللت بين أصيحابي أكفكفه ... فظل يفسح بين العذر والعذل
أشكو النوى ولهم من مقلتي أرق ... كذاك أشكو سوى الكلل
و ما صبابة مشتاق على أمل ... من اللقاء كمشتاق بلا أمل
الهجر أقتل لي مما أراقبه ... أنا الغريق فما خوفي من البلل
قد ذقت شدة أيام ولذتها ... فما حصلت على صاب و لا عسل
وقد أراني الشباب الروح في بدني ... و قد أراني المشيب الروح في بدلي
خذ ما تراه ودع شيئاً سمعت به ... في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل
وله:
لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي ... وللحب ما لم يبق مني و ما بقي
و ما كنت ممن يدخل العشق قلبه ... و لكن من يبصر جفونك يعشق
وبين الرضى و السخط والقرب و النوى ... مجال الدمع المقلة المترقرق
و أحلى الهوى ما شك في الوصل ربه ... و في الهجر فهو الدهر يرجو و يتقي
و ما كمد الحساد مما قصدته ... ولكنه من يزحم البحر يغرق
وله:
من الجآذر في زي الأعاريب ... حمر الحلى و المطايا والجلابيب
إن كنت تسأل شكاً في معارفها ... فمن بلاك بتسهيد و تعذيب
كم زورة لك في الأعراب خافية ... أدهى بلاك بتسهيد و تعذيب
أوزرهم و سواد الليل يشفع لي ... وأنثني و بياض الصبح يغري بي
قد حالفوا الوحش في سكنى مراتعها ... وخالفوها بتقويض و تطنيب
جيرانها و هم شر الجوار لها ... و صحبها و هم شر الأصاحيب
فؤاد كل محب في بيوتهم ... و مال كل أخيذ المال مسلوب
أفدي ظباءه فلاة ما عرفن بها ... مضغ الكلام و لا صبغ الحواجيب
و لا برزن من الحمام مائلة ... أوراكهن صقيلات العراقيب
و من هوى كل من ليست مموهة ... تركت لون مشيبي غير مخضوب
كأن كل سؤال في مسامعه ... قميص يوسف في أجفان يعقوب
أنت الحبيب و لكني أعوذ به ... من أكون محباً غير محبوب
علي بن محمد بن أحمد بن إسحاق بن البهلول أبو الحسن التنوخي القاضي


ولد في شوال سنة إحدى وثلثمائة، وكان حافظاً للقرآن، قرأ على أبي بكر بن مقسم بحرف حمزة، و قرأ على ابن مجاهد بعض القرآن، وتفقه على مذهب أبي حنيفة، وقرأ النحو و اللغة و الأخبار و الأشعار، و قال الشعر، وتقلد القضاء بالأنبار، و هيت،من قبل أبيه، ثم ولي من قبل الراضي بالله سنة سبع وعشرين القضاء بطريق خراسان، ثم صرف و بقي إلى أن قلده أبو السائب عتبة بن عبد الله في سنة إحدى و أربعين، و هو يومئذ يتولى قضاء القضاة بالأنبار، و هيت، و أضاف له إليهما بعد مدة الكوفة، ثم أقره على ذلك أبو العباس بن أبي الشوارب لما ولي قضاء القضاة مدة، ثم صرفه، ثم لما ولى عمر بن أكثم قضاء القضاة قلده عسكر مكرم، و إيذج مدة، وحدث فروى عنه المحسن بن علي التنوخي، وتوفي في ربيع الأول من هذه السنة.
محمد بن الحسن بن يعقوب بن الحسن بن الحسين بن مقسم أبو بكر العطار المقرئ ولد سنة خمس وستين ومائتين، و سمع أبا مسلم الكجي، و ثعلباً و إدريس بن عبد الكريم الحداد و غيرهم، روى عنه ابن رزقويه، و ابن شاذان، و غيرهما، وكان ثقة من أعرف الناس بالقراآت، و أحفظهم لنحو الكوفيين، و له في معاني القرآن كتاب سماه: كتاب الأنوار و ما رأيت مثله، وله تصانيف عدة و لم يكن له عيب إلا أنه قرأ بحروف تخالف الإجماع، واستخرج لها وجوهاً من اللغة والمعنى، مثل ما ذكر في كتاب: الاحتجاج، للقرافي في قوله تعالى: " فلما استيأسوا منه خلصوا نجياً " فقال: لو قرئ خلصوا نجباً بالباء لكان جائزاً، و هذا مع كونه يخالف الإجماع بعيد من المعنى، إذ لا وجه للنجابة عند يأسهم من أخيهم، إنما اجتمعوا يتناجون، و له من هذا الجنس من تصحيف الكلمة، واستخراج وجه بعيد لها، مع كونها لم يقرأ بها كثير، و قد أنكر العلماء هذا عليه، و ارتفع الأمر إلى السلطان، فأحضره و استتابه بحضرة الفقهاء و القراء فأذعن بالتوبة، و كتب محضر بتوبته، و أشهد عليه جماعة ممن حضر، و قيل: إنه لم ينتزع عن تلك الحروف، و كان يقرئ بها إلى أن مات.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي، أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد المقرئي، أخبرنا أبو طاهر عبد الواحد بن عمر بن أبي هاشم، قال: و قد نبغ نابغ في عصرنا هذا فزعم أن كل ما صح عنده وجه في العربية لحروف من القرآن يوافق خط المصحف، فقراءته جائزة في الصلاة، فابتدع بقوله ذلك بدعة ضل بها عن قصد السبيل، وأورط نفسه في مزلة عظمت بها جنايته على الإسلام و أهله، و حاول إلحاق كتاب الله من الباطل ما لا يأتيه من بين يديه و لا من خلفه، إذ جعل لأهل الألحاد في دين الله بسيىء رأيه طريقاً إلى مغالطة أهل الحق بتخير القراآت من جهة البحث و الاستخراج بالآراء دون التمسك بالأثر، و قد كان أبو بكر شيخنا نشله من بدعته المضلة باستتابته منها، وشهد عليه الحكام و الشهود و المقبولين عند الحكام بترك ما أوقع نفسه فيه من الضلالة بعد أن سئل عن البرهان على صحة ما ذهب إليه، فلم يأت بطائل، و لم تكن حجته قوية و لا ضعيفة، فاستوهب أبو بكر تأديبه من السلطان عند توبته،ثم عاود في وقتنا هذا إلى ما كان ابتدعه و استغوى من أصاغر المسلمين ممن هو في الغفلة و الغباوة، ظناً منه أن ذلك يكون للناس ديناً، وأن يجعلوه فيما ابتدعه إماماً.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: حدثني أبو بكر أحمد بن محمد المستملي قال: سمعت أبا أحمد الفرضي غير مرة يقول: رأيت في المنام كأني في المسجد الجامع أصلي مع الناس، و كأن ابن مقسم قد ولى ظهره القبلة، و هو يصلي مستدبرها، فأولت ذلك مخالفته الأئمة فيما اختاره من القراآت. توفي أبو بكر بن مقسم يوم الخميس لثمان خلون من ربيع الآخر من هذه السنة.
محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبدويه بن موسى، أبو بكر الشافعي ولد بجبل سنة ستين ومائتين، وسكن بغداد، و سمع محمد بن الجهم، وأبا قلابة الرقاشي، و الباغندي، و خلقاً كثيراً، و كان ثقة ثبتاً، كثير الحديث حسن التصنيف، قد روى الحديث قديماً فكتب عنه في زمان ابن صاعد، روى عنه الدارقطني، و ابن شاهين، وغيرهما من الأئمة، و آخر من روى عنه أبو طالب بن غيلان حدثنا ابن الحصين، عن ابن غيلان عنه.


أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: لما منعت الديلم ببغداد الناس أن يذكروا فضائل الصحابة، و كتب سب السلف على المساجد كان حسبة و قربة، و حدثني الأزهري أنه سمع ابن رزقويه لما حدث يقول أدركتني دعوة أبي بكر الشافعي و ذلك، أنه دعا الله لي بأن أبقى حتى أحدث، فاستجيب له في، توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
مكي بن أحمد بن سعدويه أبو بكر البرذعي أحد الرحالة في طلب الحديث، و سمع من ابن منيع، و ابن صاعد، و غيرهما، و توفي في هذه السنة.
ثم دخلت
سنة خمس و خمسين و ثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه عمل في عاشوراء ما جرت عادة القوم به من النوح و غيره، وورد الخبر بأن بني سليم قطعوا الطريق على قافلة المغرب، و مصر، و الشام الحاجة إلى مكة في سنة أربع وخمسين، وكانت قافلة عظيمة، و كان فيها من الحاج التجار و المنتقلون من الشام إلى العراق هرباً من الروم، و من الأمتعة نحو ألف حمل منها دق مصر ألف و خمسمائة حمل، و من أمتعة المغرب اثنا عشر ألف حمل و أنه كان في أعدال الأمتعة من الأموال من العين و الورق ما يكثر مقداره جداً، و كان لرجل يعرف بالخواتيمي قاضي طرسوس فيها مائة و عشرون ألف دينار عيناً و أن بني سليم أخذوا الجمال مع الأمتعة، و بقي الناس رحالة منقطعاً بهم، كما أصاب الناس في الهبير سنة القرمطي، فمن الناس من عاد إلى مصر و منهم من تلف و هم الأكثرون.
و في جمادى الآخرة نودي برفع المواريث الحشرية و غيرها.
و في رجب: تم الفداء بين سيف الدولة و الروم، و تسلم سيف الدولة أبا فراس بن سعيد بن حمدان، و أبا الهيثم بن أبي حصين بن القاضي.
و في ليلة السبت لثلاث عشرة ليلة من شعبان: انكسف القمر كله و غاب منكسفاً.
و كتب معز الدولة إلى طاهر بن موسى أن يبني موضع الحبس الجديد ببغداد مارستاناً، و عمل على أن يقف عليه وقفاً، و أفراد لذلك مستغلاً بالرصافة ببغداد، و ضياعاً بكلواذى، و قطربل، و جرجرايا ترتفع بخمسة آلاف وابتداء طاهرك، فبنى المسناة و أتمها، و ابتدأ بالبناء داخلها فمات معز الدولة قبل أن يستتم ذلك.
و في يوم السبت لعشر خلون من شوال: ورد الخبر بأن جيشاً ورد من خراسان إلى الري قاصداً لغزو الروم، وكانوا بضعة عشر ألف رجل: أتراك و غيرهم، وأن ركن الدولة حمل إليهم من الدواب و الثياب و الأطعمة شيئاً كثيراً، فقبلوه، فلما كان يوماً من الأيام ركب هؤلاء الغزاة إلى منازل ابن العميد وزير ركن الدولة بالري، فقتلوا من وجدوا من الديلم، ونهبوا دار أبي الفضل بن العميد وزير ركن الدولة، و هرب من بين أيديهم فحاربهم ركن الدولة فظفر بهم، و قتل منهم نحواً من ألف و خمسمائة، فانكشفوا من بين يديه، و أخذوا طريق آذربيجان، فأنفذ معز الدولة أبا العباس بن سرخاب إلى بغداد خوفاً من أن يصير هؤلاء الغزاة إليها فيحدثوا حادثة و رسم له كيف يحترس.
و في هذه السنة حج بالناس أبو أحمد النقيب و هو الذي حج بهم في السنة الخالية.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
الحسين بن داود بن علي بن عيسى بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب أبو عبد الله العلوي أخبرنا زاهر بن طاهر أبو القاسم الشحامي قال: أنبأنا أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني، و أبو بكر بن الحسين البيهيقي، و أبو عثمان سعيد بن محمد، و أبو بكر محمد بن عبد العزيز قالوا: أخبرنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ قال: كان الحسين بن داود شيخ آل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عصره بخراسان وسني العلوية في أيامه، و كان من أكثر الناس صلاة و صدقة و محبة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صحبته برهة من الدهر، فما سمعته ذكر عثمان إلا قال: أمير المؤمنين الشهيد رضي الله عنه، و بكى و ما سمعته ذكر عائشة إلا قال: الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله و بكى.


سمع من جعفر بن أحمد الحافظ، و عبد الله بن محمد بن شيرويه، و أكثر عن أبي بكر بن خزيمة، وأبي العباس الثقفي، و هو من أجل بيت للحسنية و أكثرهم اجتهاداً بخراسان، فإن داود بن علي كان المنعم على آل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عصره، و علي بن عيسى كان أزهد العلوية في عصره و أكثرهم اجتهاداً، و كان عيسى يلقب بالفياض من كثرة عطايله، و كان محمد بن القاسم ينادم الرشيد، ثم بعده المأمون، و كان القاسم راهب آل محمد صلى الله عليه وسلم في عصره و كان الحسن بن زيد أمير المدينة في عصره و أستاذ مالك بن أنس، و قد روى عنه في الموطأ.
توفي الحسين بن داود يوم الاثنين ثاني عشر جمادى الآخرة سنة خمس و خمسين وثلثمائة بين الظهر و العصر، و سمعته في ربيع الآخر سنة خمس و خمسين وثلثمائة يقول: رأيت رؤيا عجيبة فسألناه عن الرؤيا فقال: رأيت في المنام كأني على شط البحر، فإذا أنا بزورق كأنه البرق يمر، فقالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: السلام عليك يا رسول الله، فقال: و عليك السلام. فما كان بأسرع من أن رأيت زورقاً آخر قد أقبل فقالوا: هذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. فقلت: السلام عليك يا أبت، فقال: و عليك السلام فما كان من أسرع من أن جاء زورق آخر قد ظهر قالوا: الحسن بن علي، فقلت: السلام عليك يا أبت، فقال: وعليك السلام، فما كان بأسرع من أن جاز زورق آخر وليس فيه أحد فقلت: لمن هذا الزورق. فقالوا: هذا الزورق لك. فما أتى عليه بعد هذه الرؤيا إلا أقل من شهر حتى توفي.
محمد بن الحسين بن علي بن الحسن بن يحيى بن حسان بن الوضاح، أبو عبد الله الأنباري الوضاحي الشاعر انتقل إلى خراسان فنزلها، وسكن نيسابور وكان يذكر أنه سمع الحديث من المحاملي، وابن مخلد، وأبي روق، روى عنه الحاكم أبو عبد الله النيسابوري، شيئاً من شعره، وقال: كان أشعر من في وقته. ومن شعره:
سقى الله باب الكرخ ربعاً و منزلاً ... و من حله صوب السحاب المجلجل
فلو أن باكي دمنة الدار باللوى ... و جارتها أم الرباب بمأسل
رأى عرصات الكرخ أو حل أرضها ... لأمسك عن ذكر الدخول فحومل
توفي محمد الوضاحي بنيسابور في رمضان هذه السنة.
محمد بن أحمد بن هارون بن محمد الريوندي أبو بكر الشافعي أخبرنا زاهر بن طاهر، أنبأنا أبو عثمان الصابوني وأبو بكر البيهيقي قالا: أخبرنا الحاكم أبو عبد الله قال: سمع أبو بكر الشافعي مع أبي بكر بن إسحاق بن مندة بن أبي عبد الله محمد بن أيوب وأقرانه بالري ثم لم يقتصر على ذلك، وحدث بالمناكير، وروى عن قوم لا يعرفون مثل أبي العكوك الحجازي و غيره، فدخلت يوماً على أبي محمد عبد الله بن محمد الثقفي فعرض علي حديثاً باسناد مظلم عن الحجاج بن يوسف قال: سمعت سمرة بن جندب يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من أراد الله به خيراً فقهه في الدين " فقلت: هذا باطل. فقال: حدثنا به أبو بكر الشافعي. فقلت: هذا موضوع، وإنما تقرب به إليك لأنك من ولد الحجاج فضحك، فلما كان بعد أيام دخل المسجد شيخ لا أعرفه فصلى معي، ثم قال: جئت في شيء أعرضه عليك أتعرفني؟ قلت: لا. قال: أنا أبو بكر الشافعي، إنما بعث بي أبو محمد الثقفي إليك لأعرض حديثي عليك، فلا أحدث إلا بما ترى. فقلت: دع أولاً أبا العكوك الحجازي، وأحمد بن عمرو الزنجاني، فعندي أن الله تعالى لم يخلقهما، ثم أعرض علي أصولك لندبر فيها. فقال: الله الله في فإنهما رأس المال كتبت عن أبي العكوك بمكة، وعن أحمد بن عمرو ببغداد فقلت: أخر أصولك عنهما إن كان الغلط مني، وحدثته أن شيخنا شهد لك بالسماع معه من محمد بن أيوب، فلو اقتصرت على ذلك كان أولى بك، ففارقني على هذا فكأنني قلت له زد فيما ابتدأت فإنه زاد عليه. توفي في هذه السنة.
محمد بن عمر بن سالم بن البراء بن سبرة بن سيار، أبو بكر قاضي الموصل ابن الجعابي ولد سنة أربع وثمانين ومائتين، وحدث عن يوسف القاضي و جعفر الفريابي، وخلق كثير، وكان أحد الحفاظ المجودين، صحب أبا العباس بن عقدة و عنه أخذ الحفظ، وله تصانيف كثيرة في علوم الحديث.


روى عنه الدارقطني، وابن شاهين، وابن رزقويه، وكان لأبو علي الحافظ يقول:ما رأيت في البغداديين أحفظ منه، وقد رأى ابن صاعد، وأبا بكر النيسابوري، وغيرهما.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب قال: حدثني أبو الوليد الحسن بن محمد الدربندي قال: سمعت محمد بن الفضل القطان يقول: سمعت أبا بكر الجعابي يقول: دخلت الرقة وكان لي ثم قمطر من كتب، فأنفذت غلامي إلى ذلك الرجل الذي كتبي عنده، فرجع الغلام مغموماً فقال: ضاعت الكتب، فقلت: يا بني لا تغتم، فإن فيها مائتا ألف حديث لا يشكل علي منها حديث لا إسناداً و لا متناً.
أنبأنا محمد بن عبد الباقي، أنبأنا علي بن أبي علي، عن أبيه قال: ما شاهدنا أحفظ من أبي بكر الجعابي وسمعت من يقول: إنه يحفظ مائتي ألف حديث، ويجيب في مثلها إلا أنه كان يفضل الحفاظ بأنه كان يسوق المتون بألفاظها وأكثر الحفاظ يتسامحون في ذلك، وكان يزيد عليهم بحفظ المقطوع و المرسل والحكايات، ولعله يحفظ من هذا قريباً مما يحفظ من الحديث المسند، وكان إماماً في المعرفة بعلل الحديث وثبات الرجال، ومعتلهم، وضعفائهم، وأساميهم، وأنسابهم، وكناهم، ومواليدهم، وأوقات فراغهم، ومذاهبهم، وما يطعن به على كل أحد وما يوصف به السداد، وكان في آخر عمره قد انتهى هذا العلم إليه حتى لم يبق في زمانه من يتقدمه فيه في الدنيا.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي الحافظ قال: حدثني علي بن الغلب الضراب قال: سمعت أبا الحسن بن رزقويه يقول؛ كان ابن الجعابي يملي فتمتلئ السكة التي يملي فيها، والطريق، ويحضره ابن المظفر والدارقطني، ولم يكن يملي الأحاديث كلها بطرقها إلا من حفظه.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي قال: حدثني الحسن بن الأشقر قال: سمعت القاضي أبا عمر القاسم بن جعفر الهاشمي يقول: سمعت الجعابي يقول: أحفظ أربعمائة ألف حديث، وأذكر بستمائة ألف حديث.
قال المصنف رحمه الله: كان الجعابي يتشيع، ويسكن باب البصرة، وسئل عن حديثه الدارقطني فقال: خلط. وقال البرقاني: كان صاحب غرائب، ومذهبه معروف في التشيع، وقد حكي عنه قلة دين، وشرب الخمر، والله أعلم.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: حدثني الأزهري: أن ابن الجعابي لما مات صلي عليه في جامع المنصور، وحمل إلى مقابر قريش فدفن بها، وكانت سكينة نائحة الرافضة تنوح مع جنازته، وكان أوصى أن تحرق كتبه، فأحرق جميعها، أحرق معها كتب للناس كانت عنده.
وقال الأزهري: فحدثني أبو الحسن بن البواب قال: كان لي عند ابن الجعابي مائة وخمسون جزءاً فذهبت في جملة ما أحرق.
توفي ابن الجعابي في نصف رجب من هذه السنة.
ثم دخلت
سنة ست وخمسين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه عمل في يوم عاشوراء ما يعمله القوم من النزح وغيره، زتوفي معز الدولة أبو الحسين أحمد بن بويه، وتولى ابنه عز الدولة أبو منصور بختيار.
وفي يوم الخميس لسبع خلون من شعبان: خلع على القاضي أبي عبيد الله بن أحمد معروف، وقلد القضاء بالجانب الغربي من بغداد، ومدينة المنصور، وحريم دار السلطان، وقلد القاضي أبو بكر بن سيار القضاء فيما بقي من الجانب الشرقي من بغداد وخلع عليهما وبعد مديدة قلد القاضي أبو محمد بن معروف الأشراف على الحكم والحكام.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن بويه أبو الحسين، الملقب معز الدولة


قد ذكرنا أخبار بويه وأولاده في سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة، وأن أحمد بن بويه كان يحتطب على رأسه، ثم ملكوا البلاد واستولوا عليها، وقد ذكرنا أحوال أبي الحسين بن بويه وقدومه إلى بغداد في سنة أربع وثلاثين، ودخوله على المستكفي، وحمله المستكفي إلى داره، وغير ذلك من أحواله إلا أنه أصعد إلى بغداد وخلف بواسط عسكره وغلمانه والحاجب الكبير سبكتكين على أن يعود بعد عشرين يوماً إلى واسط، فمرض ببغداد ولحقه ذرب وضعف، وكان لا يثبت في معدته طعام، فعهد إلى ابنه بختيار ولما نزل به الموت أمر أن يحمل إلى بيت الذهب، واستحضر بعض العلماء فتاب على يده، فلما حضر وقت الصلاة خرج ذلك الرجل إلى مسجد ليصلي فيه فقال له معز الدولة: لم لا تصلي ها هنا؟ فقال: إن الصلاة في هذه الدار لا تصح. وسأله عن الصحابة فذكر سوابقه وأن علياً عليه السلام زوج ابنته أم كلثوم لعمر بن الخطاب فاستعظم ذلك وقال: ما علمت بهذا، وتصدق بأكثر ماله، وأعتق ممالكيه، ورد كثيراً من المظالم، وبكى حتى غشي عليه.
وحكى أبو الحسين ابن الشيبة العلوي قال: بينا أنا في داري في دجلة بمشرعة القصب في ليلة غيم ورعد وبرق سمعت صوت هاتف يقول.
لما بلغت أبا الحسين ... مراد نفسك في الطلب
وأمنت من حدث الليالي ... واحتجبت عن النوب
مدت إليك يد الردى ... فأخذت من بيت الذهب
فأرخت الوقت وكان لأربع ساعات قد مضين من ليلة الثلاثاء سابع عشر ربيع الآخر سنة ست وخمسين وثلثمائة، ثم اتصل المطر أياماً فلما انقشع الغمام وانتشر الناس شاع الخبر بأن معز الدولة قد توفي في تلك الليلة، وكانت إمارته إحدى وعشرين سنة وأحد عشر شهراً، وعمره ثلاث وخمسون سنة، وكان قد سد فوهة نهر الرفيل، وشق النهروانات، وعمل المغيض بالسندية، ورد المواريث الحشرية إلى ذوي الأرحام.
حامد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن معاذ أبو علي الرفاء الهروي سمع ببغداد والكوفة ومكة، وحلوان، وهمذان، والري، ونيسابور، ثم قدم بغداد فحدث فسمع الناس منه بانتخاب الدارقطني، وكان ثقة، وتوفي بهراة في رمضان هذه السنة.
عبد الخالق بن الحسن بن محمد بن نصر أبو محمد السقطي سمع الباغندي، وروى عنه ابن رزقويه، وكان ثقة أحد الشهود المعدلين، وكان البرقاني يثني عليه ويوثقه، وتوفي في رجب هذه السنة.
عمر بن جعفر بن محمد بن سلم أبو الفتح الختلي ولد سنة إحدى وسبعين ومائتين، وسمع الحارث بن أبي أسامة، والكديمي، والحربي، وروى عنه ابن رزقويه، زكان ثقة صالحاً، توفي في شعبان هذه السنة وكان ثقة، ودفن في مقبرة الخيزران.
عثمان بن محمد بن بشر، أبو علي السقطي ابن شنقة ولد سنة تسع وتسعين ومائتين، وحدث عن إسماعيل القاضي، وإبراهيم الحربي، وروى عنه ابن رزقويه، كتب الناس عنه بانتخاب الدارقطني، وكان البرقاني يثني عليه ويوثقه، توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
علي بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم بن عبد الرحمن بن مروان أبو الفرج الأصبهاني الكاتب حدث عن محمد بن عبد الله الحضرمي مطين، وخلق كثير، والغالب عليه رواية الأخبار والآداب، وكان عالماً بأيام الناس والسير، وكان شاعراً، وصنف كتباً كثيرة منها: الأغاني، وكتاب أيام العرب، ذكر فيه ألفاً وسبعمائة يوم، روى عنه الدارقطني وكان يتشيع، ومثله لا يوثق بروايته، فإنه يصرح في كتبه بما يوجب عليه الفسق، ويهون شرب الخمر، وربما حكى ذلك عن نفسه، ومن تأمل كتاب الأغاني رأى كل قبيح ومنكر، وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة.
علي بن عبد الله، الملقب سيف الدولة توفي في صفر هذه السنة بعسر البول.
محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حسنون أبو الحسين ابن النرسي ولد سنة سبع وستين ومائتين، وسمع أبا حفص الكتاني، وكان صدوقاً ثقة من أهل القرآن، حسن الاعتقاد، ومات في صفر هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب.
محمد بن إبراهيم بن محمد بن خالد بن عيسى، أبو العباس الشيرجي مروزي الأصل. سمع جعفر بن محمد الفريابي وحدث عنه ابن رزقويه.


أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب قال: قال محمد بن أبي الفوارس: مات أبو العباس محمد ابن إبراهيم المروزي لتسع بقين من ذي الحجة سنة ست وخمسين وثلثمائة، وكان شيخاً ثقة مستوراً لا بأس به.
محمد بن إبراهيم بن أحمد بن أبي الحكم، أبو عبد الله الختلي حدث عن أبي مسلم الكجي وغيره، روى عنه أبو الحسن بن طلحة النعالي.
محمد بن إبراهيم الفروي، سمع أبا مسلم الكجي، وروى عنه أبو نعيم الأصبهاني.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: قال لي أبو نعيم هذا الشيخ من ولد إسحاق بن أبي فروة، وكان شيخاً له هيئة حسنة، وهو ثقة.
محمد بن إبراهيم بن العباس بن الفضيل أبو اليسر الموصلي قدم بغداد سنة اثنتين وثلثمائة، وروى بها عن أبي يعلى الموصلي كتاب معجم شيوخه، وسمع منه محمد بن أبي الفوارس.
يوسف بن عمر بن أبي عمر محمد بن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد أبو نصر الأزدي ولد سنة خمس وثلثمائة، وولي القضاء بمدينة السلام في حياة أبيه وبعد وفاته، ومازال رئيساً عفيفاً نزهاً نبيلاً، بارعاً في الأدب والكتابة، فصيحاً عارفاً باللغة والشعر، تام الهيبة، ولا يعرف من القضاء أعرف في القضاء منه، ومن أخيه أبي الحسين، فإنهما وليا القضاء بالحضرة، وكذلك أبوهما عمر، وجدهما محمد، وأبه يوسف، فأما يعقوب فإنه ولي قضاء مدينة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تقلد فارس، ومازال أبو نصر والياً على بغداد بأسرها في زمن الراضي، فإنه صرفه عن مدينة المنصور بأخيه الحسين وأقره على الجانب الشرقي والكرخ فلما مات الراضي صرف عن القضاء ببغداد وولي محمد بن عيسى المعروف بابن أبي موسى الضرير.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: حدثني التنوخي قال: أنشد أبو الحسن أحمد بن علي البتي قال: أنشد أبو نصر يوسف بن عمر القاضي لنفسه:
يا محنة الله كفي ... إن لم تكفي فخفي
ما آن أن ترجمينا ... من طول هذا التشفي
ذهبت أطلب بختي ... فقيل لي قد توفي
ثور ينال الثريا ... وعالم متخفي
الحمد لله شكراً ... على نقاوة حرفي
توفي أبو نصر في ذي القعدة من هذه السنة.
ثم دخلت
سنة سبع وخمسين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه عمل ببغداد يوم عاشوراء ما جرت به عادة القوم من تعطيل الأسواق وتعليق المسوح والنوح، وفي غدير خم ما جرت به عادتهم أيضاً.
وفي يوم الاثنين لثلاث بقين من ربيع الآخر: صرف القاضي أبو محمد عبيد الله ابن معروف عن القضاء في حريم دار السلطان، وتقلده القاضي أبو بكر أحمد بن سيار مضافاً إلى ما كان إليه من الجانب الشرقي، وأزيد ما كان إلى ابن معروف من الإشراف على الحكام والأحكام.
وفي ذي القعدة: ورد الخبر بأن الروم سبوا من سواد أنطاكية اثني عشر ألفاً من المسلمين.
وورد خبر الحاج بأن أكثر أهل الخراسانية هلكوا، وهلكت جمالهم بالعطش، ومن سلم منهم وهم الأقل ولم يلحق يوم عرفة، ولم يتم لهم الحج، وإنما تم لنفر يسير من أهل بغداد، ولم يرد من مصر غير الإمام ونفرين معه، ولم يحج من أهل الشام أحد، وورد من اليمن نفر يسير.
وفي تشرين الثاني: عرض للناس الماشرا، ووجع الحلق، وكثر الموت فجاءة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
إبراهيم المتقي لله أمير المؤمنين بن المقتدر كان قد ألجىء إلى أن خلع نفسه كما قد ذكرنا في سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة، ثم عاش بعد ذلك إلى أن توفي في شعبان هذه السنة وعمره يومئذ ستون سنة وأيام.
الحسين بن محمد بن عبيد بن أحمد بن مخلد بن أبان، أبو عبد الله الدقاق ابن العسكري كان ينزل درب الشاكرية من الجانب الشرقي بنهر معلى، حدث عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وابن مسروق، روى عنه الأزهري، والجوهري، والخلال، وأبو علي الواسطي،والأزجي، والتنوخي.
قال العتيقي: كان ثقة أميناً، وقال ابن أبي الفوارس: كان فيه تساهل.
توفي في شوال هذه السنة.
عبد الرحمن بن أحمد بن سعيد بن هارون بن زياد أبو بكر الأنماطي


قدم بغداد حاجاً ، وحدث بها عن جماعة، وسمع ابن حسنويه ، وكان ثقة حافظاً. وتوفي بمرو في هذه السنة.
عبد العزيز بن محمد بن زياد، أبو القاسم العبدي ابن أبي رافع ونزل مصر، وحدث بها عن إسماعيل القاضي، وبشر بن موسى الأسدي، وإبراهيم الحربي، وكان ثقة أميناً صالحاً. كان عبد الغني يثني عليه.
وتوفي في رجب هذه السنة.
عبد الرحمن بن العباس بن عبد الرحمن بن زكريا أبو القاسم الفامي والد أبي طاهر المخلص. سمع الكديمي، والحربي، وأبا شعيب الحراني، ويوسف القاضي، روى عنه ابن رزقويه وأبو نعيم، وكان ثقة وأصابه طرش في آخر عمره.
وتوفي في رمضان هذه السنة.
عمر بن جعفر بن عبد الله بن أبي السرى أبو حفص البصري الحافظ ولد سنة ثمانين ومائتين وكان الناس يكتبون بإفادته، ويسمعون بانتخابه على الشيوخ، ويقول: هو موفق في الانتخاب، وحدث عن أبي خليفة الفضل بن الحباب، وزكريا الساجي، والباغندي، والبغوي، وابن صاعد. وروى عنه ابن رزقويه، وقد ضعفه قوم.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال: كان الدارقطني يتتبع خطأ عمر البصري فيما انتقاه عن أبي بكر الشافعي خاصة، وعمل فيها رسالة فاعتبرتها، فرأيت جميع ما ذكره من الأوهام يلزم عمر غير موضعين أو ثلاثة، وجمع أبو بكر الجعابي أوهام عمر فيما حدث به، ونظرت في ذلك فرأيت أكثرها قد حدث به عمر على الصواب، بخلاف ما حكي عنه ابن الجعابي.
وسمعت البرقاني يقول: كان عمر قد انتخب على ابن الصواف، أحسبه قال: نحواً من عشرين جزءاً. فقال الدارقطني: ينتخب علي ابن الصواف هذا القدر حسب؟ وهو ذا انتخب عليه تمام المائة جزء، و لا يكون فيما انتخبه حديث واحد فيما انتخبه عمر، ففعل ذلك. توفي عمر في جمادى الأولى من هذه السنة.
عثمان بن الحسين بن عبد الله أبو الحسن التميمي الخرقي حدث بمصر ودمشق، عن جعفر الفرياني، والبغوي وغيرهما، وكان ثقة مأموناً توفي ببغداد في درب سليمان.
محمد بن إسحاق بن يعقوب بن إسحاق أبو بكر الشيباني الطبري قدم بغداد حاجاً في سنة خمسين وثلثمائة، وحدث بها عن ابن رزقويه وغيره.
محمد بن أحمد بن علي بن مخلد بن أبان، أبو عبد الله الجوهري المحتسب ابن المحرم كان أحد غلمان محمد بن جرير الطبري، وحدث عن محمد بن يوسف بن الطباع، والكديمي وغيرهما. وروى عنه ابن رزقويه وابن شاذان وغيرهما.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، أخبرنا أبو القاسم الأزهري، حدثنا عبيد الله بنعمر البقال قال: تزوج شيخنا ابن المحرم. قال: فلما حملت المرأة إلي جلست في بعض الأيام على العادة أكتب شيئاً والمحبرة في يدي، فلم أشعر حتى جاءت أمها فأخذت المحبرة فلم أشعر حتى ضربت بها الأرض و كسرتها. فقلت لها: لما ذلك؟ فقالت: بئس هذه أشر على ابنتي من ثلثمائة ضرة.
أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: سألت أبا بكر البرقاني عن ابن المحرم فقال: لا بأس به.
وسمعت محمد بن أبي الفوارس وقد سئل عنه فقال: ضعيف وقال: ولد سنة أربع وستين ومائتين، ومات في ربيع الآخر سنة سبع وخمسين وثلثمائة، وكان يقال: في كتبه أحاديث مناكير، ولم يكن عندهم بذاك.
محمد بن أحمد بن الطيب الدجاجي ولد سنة ثمانين ومائتين. روى عن جعفر الفريابي وغيره. وكان ثقة.
توفي في يوم الخميس لخمس خلون من رجب هذه السنة.
محمد بن جعفر بن أحمد بن عيسى، أبو الطيب الوراق ابن الكدوش سمع حامد بن محمد بن شعيب البلخي، وعبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري، وغيرهما، وحدث فروى عنه عبيد الله بن عثمان بن يحيى الدقاق.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: قال محمد بن أبي الفوارس سنة سبع وخمسين وثلثمائة فيها مات أبو الطيب محمد بن جعفر، يعرف بابن الكدوش يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى، ومولده سنة ثمانين ومائتين، وكان صاحب كتاب، وكان ثقة مأموناً مستوراً، حسن المذهب، يسمع منه.
محمد بن جعفر بن دارن بن سليمان بن إسحاق بن إبراهيم، أبو الطيب غندرا


سمع أبا خليفة الفضل بن الحباب، وأبا يعلى الموصلي، وغيرهما، ولقي الجنيد، وأقرانه، وروى عنه الدارقطني، والكتاني، وانتقل إلى مصر فسكنها، وتوفي في رمضان في هذه السنة بمصر وقيل: في سنة ثمان وخمسين.
محمد بن الحسين بن علي بن سليمان بن إبراهيم أبو سليمان الحراني سكن بغداد وحدث بها عن أبي خليفة وعبدان الأهوازي، وأبي يعلى الموصلي، وغيرهم من أهل الشام ومصر، كتب عنه بانتخاب الدارقطني.
أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا أحمد بن علي قال: قال محمد بن أبي الفوارس: أبو سليمان الحراني، كان مولده بحران، ثم انتقل إلى نصيبين، فأقام بها، وكان شيخاً ثقة مستوراً، حسن المذهب، توفي في يوم الثلاثاء لعشر بقين من رمضان سنة سبع وخمسين وثلثمائة
ثم دخلت
سنة ثمان وخمسين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه جرى في يوم عاشوراء ما جرت به عادة الشيعة من تعطيل الأسواق، وإقامة النوح وغير ذلك وكذلك فعلوا في يوم غديرخم.
وفي هذه السنة: وقع الغلاء، وبيع الكر بتسعين دينار، وكان الخبز يعدم. وورد الخبر بأن الروم دخلوا كفرتوثا، فسبوا وقتلوا ثمانمائة إنسان، ومضوا إلى حمص، فوجدوا أهلها قد انتقلوا عنها، فأحرقوها ونكسوا في الثغور وسبي نحو من مائة ألف إنسان فارسي.
وفي جمادى الأولى خرج أبو عبد الله بن أبي بكر الآدمي القاري من منزله، وأخذ من بعض الصيارف فوق عشرة آلاف درهم، وفقد أربعة أيام لم يعرف له خبر، فلما كان يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى وجد ميتاً مطروحاً في الصراة، بساويله وخاتمه في إصبعه، وليس به جراحة، و لا أثر خنق، و لا غرق، وإنما طرح في الماء بعد أن مات.
ودخل جوهر إلى مصر يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة بقيت من شعبان سنة ثمان وخمسين، وخطب لبني عبيد في الجامعين بفسطاط مصر، وسائر أعمالهما يوم الجمعة لعشر ليال بقين من شعبان هذه السنة، وكان الخاطب في هذا اليوم عبد السميع بن عمر العباسي.
وفي ذي الحجة نقل الأمير عز الدولة، معز الدولة من داره إلى تربة بنيت له في مقابر قريش.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
الحسن بن علان بن إبراهيم بن مروان أبو علي الخطاب الفامي ولد سنة أربع وثمانين ومائتين، وحدث عن أبي خليفة، وجعفر الفريابي، حدث عنه أبو نعيم، وقال: هو ثقة. وقال ابن أبي الفوارس: كان كثير الحديث ثقة مستوراً، توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
الحسن بن محمد بن يحيى بن جعفر أبو محمد العلوي حدث ببغداد فسمع منه ابن رزقويه، وأبو علي ابن شاذان، توفي في ذي الحجة من هذه السنة، وروى أحاديث منكرة.
الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن أحمد بن كيسان، أبو محمد الحربي روى عن إسماعيل بن إسحاق القاضي، وغيره، روى عنه أبو علي بن شاذان، وأبو نعيم الأصبهاني، وقال: كان ثقة. توفي في شوال هذه السنة.
حيدرة بن عمر أبو الحسن الزندوردي أحد الفقهاء على مذهب داود بن علي الظاهري، توفي في جمادى الأولى من هذه السنة، ودفن في مقابر الخيزران.
عبيد الله بن أحمد بن محمد، أبو الفتح النحوي جخجخ سمع البغوي، وابن دريد، روى عنه محمد بن أبي الفوارس، وكان ثقة، توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
كافور الخادم. استولى على مصر والشام بعد موت سيده، وكان سيده أبو بكر محمد بن طغج الأخشيد، وكان سيده الأخشيد قد اشتراه بثمانية عشر ديناراً، وهو الذي قصده المتنبي ومدحه، وقد تأملت مدائح المتنبي له فرأيت فيها الكلام موجهاً يحتمل المدح ويحتمل الذم، ولعل المتنبي لعب بعقل ذلك الخادم، فإن قوله:
قواصد كافور توارك غيره
لا شك أن من يقصد شيئاً فقد ترك غيره، و لا شك أن من قصد البحر استقل السواقيا، ولكن من لنا أنه أراد: أنك أنت البحر، وكذلك قوله:
عدوك مذموم بكل لسان
يحتمل: أنه لا يعاديك إلا مثلك، ومثلك مذموم. قوله:
لله سر في علاك؛
يحتمل: أن القضاء جرى بولاية مثلك، لا أنك تستحق، ويقوي هذا الظن أنه كان يخرج من عنده فيهجوه.


وقال أبو جعفر بن مسلم بن طاهر العلوي ما رأيت أكرم من كافور، كنت أسايره يوماً وهو في موكب خفيف يريد التنزه، وبين يديه عدة جنائب بمراكب ذهب وفضة، وخلفه بغال الموكب فسقطت مقرعته من يده، ولم يرها ركابيته، فنزلت عن دابتي وأخذتها من الأرض، ودفعتها إليه فقال: أيها الشريف، أعوذ بالله من بلوغ الغاية، ما ظننت أن الزمان يبلغني إلى أن تفعل أنت بي هذا، وكاد يبكي فقلت: أنا صنيعة الأستاذ ووليه، فلما بلغ باب داره ودعني، فلما سرت التفت، فإذا أنا بالجنائب والبغال كلها فقلت: ما هذا؟ قالوا: أمر الأستاذ أن يحمل هذا إليك، فأدخلته داري، وكانت قيمته تزيد على خمسة عشر ألف دينار، ولي كافور مصر والشام اثنتين وعشرين سنة، وخطب فيها للعلويين، وتوفي في هذه السنة.
ثم دخلت
سنة تسع وخمسين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه في يوم عاشوراء فعلت الشيعة ما هي عادتهم من تعطيل الأسواق، وإقامة النوح واللطم.
وورد الخبر في المحرم بأن الروم وردوا مع نقفور، فأحاطوا بسور أنطاكية، وملكوا البلد، وأخرجوا المشائخ والعجائز والأطفال من البلد، وقالوا لهم: امضوا حيث شئتم، وأخذوا الشباب من النساء والغلمان والصبيان. فحملوهم على وجه السبي، وكانوا أكثر من عشرين ألف رجل وكان نقفور ملك الروم قد عثى وقهر بلاداً كثيرة من بلاد الإسلام، وعظمت هيبته، وكان قد تزوح امرأة الملك الذي قبله على كره منها، وكان لها ابنان من الملك ، فعمل نقفور على أن يخصيهما ويهديهما إلى البيعة ليستريح منهما، ومن أن يكون لهما نسل للملك، فبلغ ذلك زوجته، فقلقت وأرسلت في أن يسيرا إليهما في زي النساء، ومعهما جماعة تثق بهم في مثل زيهما، وأوهمت زوجها أن نسوة من أهلها زوارها في ليلة الميلاد، فجاءوا وهو نائم، فقتلوه وأجلس في الملك الأكبر من ولديها.
وفي ربيع الأول: صرف القاضي أبو بكر أحمد بن سيار عن القضاء في حريم دار السلطان، ورد إلى أبي محمد بن معروف.
وفي ربيع الآخر: ورد الخبر بأن الهجريين نادوا أن لا تخرج قافلة من البصرة إلى بلد هجر، ولا إلى الكوفة في البرية، ولا إلى مكة، فمن فعل ذلك فلا ذمام له.
ونقصت دجلة في هذه السنة نقصاناً مفرطاً، وغارت الآبار.
وفي ذي الحجة: انقض كوكب عظيم في أول الليل له شعاع أضاءت منه الدنيا حتى صار كأنه شعاع الشمس، وسمع بعد انقضاضه صوت كالرعد الشديد.
وحج بالناس أبو أحمد النقيب.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
حبيب بن الحسن بن داود بن محمد بن عبيد الله أبو القاسم القزاز سمع أبا مسلم الكجي، والحسن بن علوية في جماعة، روى عنه الدارقطني، وابن شاهين، وابن رزقويه، وأبو محمد وقال: كان ثقة.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب قال: حدثني الأزهري عن محمد بن العباس بن الفرات قال: كان حبيب القزاز مستوراً، دفن في الشونيزية، وذكر أن قوماً من الرافضة أخرجوه من قبره ليلاً وسلبوه كفنه، إلى أن أعاد له ابنه كفناً، وأعاد دفنه.
وقال محمد بن أبي الفوارس: توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة، وكان ثقة مستوراً حسن المذهب.
طلحة بن محمد بن إسحاق أبو محمد الصيرفي سمع الحسن بن علي بن حبيب المقرئ، وقد روى عنه أبو نعيم الأصبهاني، وكان صدوقاً، توفي في هذه السنة.
علي بن بندار بن الحسين أبو الحسن صحب نيسابور أبا عثمان، وأبا حفص، وبسمرقند محمد بن الفضل، وببلخ محمد بن حامد، وبجوزجان أبا علي الجوزجاني، وبالري يوسف بن الحسين، وببغداد الجنيد، و رويما، و سمنون، و ابن عطاء، والجريري، وبالشام أبا عبد الله بن الجلاء، وبمصر الدقاق، والروذباري، وروى الحديث، وكان يتكلم على مذهب الصوفية، وتوفي في هذه السنة.
محمد بن إبراهيم بن أحمد بن محمد الأستراباذي كتب الحديث الكثير، وخرّج ودوّن الأبوب، والمشايخ، سمع جماعة، وتوفي في هذه السنة.
محمد بن أحمد بن الحسن بن إسحاق بن إبراهيم بن عبد الله، أبو علي ابن الصواف ولد في شعبان سبعين ومائتين، وسمع إسحاق بن الحسن الحربي، وبشر بن موسى، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وغيرهم، روى عنه الدارقطني، وغيره من المتقدمين ومن المتأخرين، وابن رزقويه وابن بشران، وابن أبي الفوارس، وأبو نعيم الأصبهاني.


أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: سمعت محمد بن أبي الفوارس يقول: سمعت أبا الحسن الدارقطني يقول: ما رأت عيناي مثل أبي علي بن الصواف، ورجل آخر بمصر لم يسمه أبو الفتح.
قال أبو الفتح: ومات لثلاث خلون من شعبتن سنة تسع وخمسين مثلثمائة، وله يوم مات تسع وثمانون سنة، وكان ثقة مأموناً من أهل التحرز، ما رأيت مثله في التحرز.
محارب بن محمد بن محارب أبو العلاء القاضي الشافعي. من ولد محارب بن دثار، حدث عن جعفر الفريابي وغيره، وكان ثقة عالماً صدوقاً.
وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
ثم دخلت
سنة ستين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه في يوم عاشوراء فعلت الشيعة ماجرت به عادتهم من النوح، واللطم، وتعطيل الأسواق.
وورد كتاب أبي أحمد الحسين بن موسى نقيب الطالبيين من مكة، بتمام الحج في سنة تسع وخمسين، وأنه لم يرد أحد من قبل المغرب، وأن الخطبة أقيمت للمطيع لله وللهجريين من بعده، وأنه علق القناديل التي حملها معه خارج البيت، وكان واحد منها ذهب وزنه ستمائة مثقال، والباقي فضة، مدة خمسة أيام حتى رآها الناس، ثم أدخلت إلى البيت، وأنه نصب الأعلام الجدد التي حملت معه، وعليها اسم الخليفة.
وفي أول صفر: لحق المطيع لله سكتة آل الأمر فيها إلى استرخاء جانبه الأيمن وثقل لسانه.
وفي جمادى الآخرة: ظهر جراد صغار، فنسفتها الريح، فصارت دجلة مفروشة به.
وفي شعبان: تقلد أبو محمد بن معروف قضاء القضاة، وصرف أبو بكر ابن سيار عن الجانب الشرقي، وركب معه الوزير أبو الفضل الشيرازي، وكان هذا الوزير قد أطلق من حبسه، وخلع عليه خلع الوزارة، وقبل ابن معروف شهادة أبي سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي واستخلفه على الحكم من الجانب الشرقي، وقبل أيضاً شهادة أبي الحسن علي بن عيسى الرماني النحوي، ووثبت العامة بالمطهر بن سليمان في جامع المدينة، ونسبوه إلى القول بخلق القرآن.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
سليمان بن أحمد الطبراني اللخمي ولخم قبيلة نزلت باليمن وبالسام وطبرية موضع بينه وبين بيت المقدس فرسخان، فيه ولد عيسى عليه السلام، ويقال له: بيت لخم، بالحاء المهملة، كان سليمان من الحفاظ والأشداء في دين الله تعالى وله الحفظ القوي، والتصانيف الحسان، وتوفي بأصبهان في هذه السنة، ودفن بباب مدينة أصبهان إلى جانب قبر حممة الدوسي صاحب النبي صلى الله عليه وسلم.
عمر بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: سألت أبا نعيم عن هذا الشيخ فقال: سمعت منه ببغداد وهو ثقة. قال أحمد: وحدثت عن أبي الحسن بن الفرات، قال توفي أبو عبد الله الأصبهاني في ذي القعدة سنة ستين وثلثمائة، وكان ثقة جميل الأمر ذا هيئة.
محمد بن أحمد بن عثمان بن العنبر بن عثمان أبو عبد الله بن عبد الجبار أبو نصر المروزي قدم بغداد، فحدث بها سنة أربع وخمسين وثلثمائة عن محمد بن خزيمة، وأبي العباس السراج وغيرهما، فروى عنه الدارقطني، وابن رزقويه، وكان ثقة.
محمد بن جعفر بن محمد بن الهيثم بن عمران بن يزيد أبو بكر البندار أنباري الأصل. ولد في شوال سنة سبع وستين ومائتين، وقيل: ثمان وستين، وسمع من أحمد بن الخليل البرجلاني، ومحمد بن أبي العوام الرياحي، وجعفر بن محمد الصائغ، وأبي إسماعيل الترمذي، وهو آخر من حدث عنهم. أخبرنا القزاز: أخبرنا الخطيب قال: سألت البرقاني عن ابن الهيثم فقلت: هل تكلم فيه أحد؟ فقال لا، وكان سماعه صحيحاً بخط أبيه.
وقال محمد بن أبي الفوارس: توفي يوم عاشوراء فجأة، وكان عنده إسناد انتقى عليه عمر البصري، وكان قريب الأمر فيه بعض الشيء، وكانت له أصول بخط أبيه جياد.
محمد بن الحسين بن عبد الله أبو بكر الآجري سمع أبا مسلم الكحي، وأبا شعيب الحراني، وجعفر الفريابي، وخلقاً كثيراً، وكان ثقة صدوقاً ديناً، وله تصانيف كثيرة، وحدث ببغداد قبل سنة ثلاثين وثلثمائة، ثم انتقل إلى مكة فسكنها إلى أن مات بها في هذه السنة.


أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزاز، عن أبيه قال: حكى لنا أبو سهل محمود بن عمر العكبري قال: لما وصل أبو بكر الآجري إلى مكة استحسنها واستطابها، فهجس في نفسه أن قال: اللهم احيني في هذه البلدة ولو سنة، فسمع هاتفاً يقول : يا أبا بكر، لم سنة؟ بل ثلاثين سنة فلما كان في سنة الثلاثين سمع هاتفاً يقول: يا أبا بكر قد وفينا بالوعد، فمات تلك السنة.
محمد بن جعفر بن محمد بن مظفر أبو عمرو الزاهد سمع الكثير ورحل إلى البلاد، وكان له ضبط واتقان وورع، فسمع بنيسابور إبراهيم بن أبي طالب، ونظراءه، وبالري محمد بن أيوب البجلي، وأقرانه، وببغداد جعفر الفريابي وأمثاله، وبالكوفة عبد الله بن مجمد بن سوار وطبقته، وبالبصرة أبا خليفة القاضي، وبالأهواز عبدان بن أحمد، وبالحجاز أحمد بن يزيد وأقرانه، وروى عنه حفاظ نيسابور وكان صابراً على الفقر، وكان يتجمل بثياب للجمعات، ثم ينصرف فيلبس فرواً في الشتاء، ويقعد في مسجده، فيعمل ما فيه مصالح الفقراء، ويضرب اللبن لقبورهم، ويأكل رغيفاً بجزرة أو بصلة، ويحيى الليل.
توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة وهو ابن خمس وتسعين سنة.
محمد بن داود، ابو بكر الصوفي الزقي أصله من الدينور، وأقام ببغداد مدة، ثم انتقل إلى دمشق فسكنها، وتوفي بها في جمادى الأولى من هذه السنة، وقرأ على ابن مجاهد، وسمع الحديث من محمد بن جعفر الخرائطي، وضحب أبا عبد الله بن الجلاء، والدقاق، وعمر فوق المائة سنة.
محمد بن صالح بن علي بن يحيى، أبو الحارث الهاشمي ابن أم شيبان وهو أخو القاضي أبي الحسن محمد بن صالح، وكان الأصغر.
سمع يحيى بن صاعد وغيره، ودرس فقه، وحدث بخراسان، ودخل بخاراً فقلد قضاء نسا، وتوفي ببغداد، وقيل: ببخارى في هذه السنة.
محمد بن الفرخان بن رزوبه أبو الطيب الدوري قدم بغداد، وحدث بها عن أبيه أحاديث منكرة، وروى عن الجنيد، وابن مسروق، وكان فيه ظرف ولياقة، غير أنهم يتهمونه بوضع الحديث.
ثم دخلت
سنة إحدى وستين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه عمل ببغداد ما قد صار الرسم به جارياً في كل يوم عاشوراء من غلق الأسواق، وتعطيل البيع والشراء، وتعليق المسوح.
وانقض في ليلة الأربعاء تاسع صفر كوكب عظيم له دوي كدوي الرعد.
وفي جمادى الآخر: مات أبو القاسم سعيد بن أبي سعيد الجنابي بهجر، وقام من بعده بالأمر أخوة أبو يعقوب يوسف، ولم يبق من أولاد أبي سعيد الجنابي غيره، وعقد القرامطة الأمر بعد أبي يعقوب لستة نفر من أولادهم شركة بينهم.
وفي هذه السنة: وردت كتب الحاج بأن بني هلالاعترضهم، فقتلوا خلقاً كثيراً، فتعطل الحج، ولم يسلم إلا من مضى مع الشريف أبي أحمد الموسوي على طريق المدينة وتم حجهم.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
عثمان بن عمر بن خفيف، أبو عمرو المقرئ الدراج حدث عن أبي بكر بن أبي داود، روى عنه ابن رزقويه، وكان من أهل القرآن والفقه والديانة والستر، جميل المذهب.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي قال: قال لي البرقاني: كان عثمان بدلاً من الأبدال، قال: وذكر لي أنه قال يوماً في مرضه الذي توفي فيه لرجل كان يخدمه: امض فصل، ثم ارجع سريعاً، فإنك تجدني قدمت، وكانت صلاة الجمعة قد حضرت، فمضى الرجل إلى الجامع وصلى الجمعة، ورجع إليه بسرعة، فوجده قد مات، توفي الدراج في رمضان هذه السنة.
علي بن إسحاق بن خلف، أبو الحسن القطان، الشاعر الزاهي مليح الشعر أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا الخطيب: أنشدنا التنوخي قال: أنشدني محمد بن عبيد الله بن احمد الكاتب قال: أنشدني علي بن إسحاق بن خلف لنفسه:
قم نهنىء عاشقين ... أصبحا مصطلحين
جمعا بعد فراق ... فجعا منه ببين
ثم عاد في سرور ... من صدود آمنين
فهما روح ولكن ... ركبا في بدنين
محمد بن الحسن بن سعيد بن الخشاب أبو العباس الصوفي سمع الحديث الكثير، وله حكايات عن أبي جعفر الفرغاني، وأبي بكر الشبلي، روى عنه السلمي، والحاكم أبو عبد الله، وكان قد نزل نيسابور، ثم خرج إلى مكة، فتوفي بها في هذه السنة.
محمد بن حميد بن سهيل بن إسماعيل بن شداد


أبوبكر المخرومي سمع أبا خليفة الفضل بن الحباب، وجعفر الفريابي، وابن جرير في آخرين، روى عنه الدارقطني، وابم رزقويه، وأبو نعيم ، قال أبو بكر البرقاني: هو ضعيف، وقال محمد بن أبي الفوارس: كان فيه تساهل شديد وشدة.
توفي في ربيع الأول من هذه السنة.
ثم دخلت سنة اثنتين وستين وثلثمائة فمن الحوادث فيها دخول جموع الروم إلى بلاد الإسلام، فإنهم دخلوا نصيبين واستباحوا، وقتلوا كثيراً من رجالها، وسبوا من نسائها وصبيانها، وأقاموا بها نيفاً وعشرين يوماً، وغلبوا على ديار ربيعة بأسرها، وورد إلى بغداد خلق كثير من أهل تلك البلاد، فاستقروا في الجوامع، وكسروا المنابر، ومنعوا الخطبة، وحاولوا الهجوم على دار المطيع لله، واقتلعوا بعض شبابيكها، حتى غلقت أبوابها، ورماهم الغلمان بالنشاب من رواشنها وحيطانها، وخاطبوه بما نسبوه فيه إلى العجز عن ما أوجبه الله على الأئمة، وأفحشوا القول، ووافق ذلك شخوص عز الدولة من واسط للزيارة، فخرج إليه أهل الستر والصيلتة من أهل بغداد، منهم: أبو بكر الرازي الفقيه، وأبو الحسن علي بن عيسى النحوي، وأبو القاسم الداركي، وابن الدقاق الفقيهان، وشكو إليه ما طرق المسلمين من هذه الحادثة، فوعدهم بالغزو، واستنفر الناس، فخرج العوام عدد الرمل ثم أنفذ جشاً، فهزم الروم، وقتل منهم خلق كثير، وأسر أميرهم، وجماعةةمن بطارقته، وأنفذت رؤس القتلى إلى بغداد، وكتب معهم كتاب إلى المطيع يبشربالفتح.
وفي شهر رمضان: قتل رجل من صاحب المعونة في الكرخ، فبعث أبو الفضل الشيرازي، وكان قد أقامه معز الدولة مقام الوزير، في طرح النار من النخاسين إلى السماكين، فاحترقت أموال عظيمة، وجماعة من الرجال والنساء والصبيان في الدور والحمامات، فأحصى ما احترق فكان سبعة عشر ألف وثلثمائة دكان، وثلثمائة وعشرين داراً، أجرة ذلك في الشهر ثلاثة وأربعون ألف دينار، ودخل في الجملة ثلاثة وثلاثون مسجداً.
فقال رجل لأبي الفضل: أيها الوزير، أريتننا قدرتك، ونحن نأمل من الله تعالى أن يرينا قدرته فيك، فلم يجبه، وكثر الدعاء عليه، ووزر بعد معز الدولة لابنه عز الدولة، بختيار، فقبض عليه، وسلمه للشريف أبي الحسن محمد بن عمر العلوي، فأنفذه إلى الكوفة، فسقي ذراريخ، فتقرحت مثانته، فمات في ذي الحجة من هذه السنة.
وفي يوم الجمعة الثامن من شهر رمضان: دخل أبو تميم معد بن إسماعيل، الملقب بالمعز لدين الله مصر، ومعه توبيت أبائه، وكان قد مهد له أبو الحسن جوهر الأمور، وأقام له الدعوة، وبنى له القاهرة، فنزلها وكان جوهر قد دخل إلى مصر سنة ثمان وخمسين، ووطأ الأمر للمعز، وأقام له الخطبة.
وخلع المطيع في هذه السنة على أبي طاهر بن بقية وزير عز الدولة بختيار، ولقبه الناصح، وكان واسع النفس، وكانت وظيفته كل يوم من الملح ألف رطل، وراتبه من الشمع في كل شهر ألف من وكان عز الدولة قد استوزر أبا الفضل العباس بن الحسين الشيرازي صهر المهلبي في سنة سبع وخمسين، فبقي في وزارته سنتين وشهرين وثلاثة أيام، وعزله بأبي الفرج محمد بن العباس بن فسانجس، فوز له ثلاثة عشر شهراً، وعشرة أيام، ثم أعاد أبا الفضل إلى الوزارة فعادى الناس، وأحرق الكرخ، فكثر الدعاء عليه، فقبض عليه بختيار. قيل: وكان أبو الحسن محمد بن محمد بن بقية يخدم في مطبخ معز الدولة، وينوب عنه أخوه أبو طاهربن بقية، ثم خدم عز الدولة في مطبخه، وارتفع أمره إلى أن احتاج إليه الوزير أبو الفضل في حفظ غيبه عند عز الدولة، ثم ضعف أمر الوزير أبي الفضل، ثم هلك فقلد عز الدولة وزارته أبا طاهر بن بقية فقال الناس: من الغضارة إلى الوزارة، وكان كريماً يغطي كرمه عيوبه، ووزر له أربع سنين وأحد عشر يوماً، وسمله عضد الدولة، وقتله وصلبه، وهو ابن نيف وخمسي سنة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
إبراهيم بن محمد بن سختويه بن عبد الله أبو إسحاق المزكي النيسابوري


سمع بنيسابور محمد بن إسحاق بن خزيمة، ومحمد بن إسحاق السراج وغيرهما، وسمع من عبد الرحمن بن أبي حاتم وغيره، وببغداد من أبي حامد الحضرمي وطبقته، وبالحجاز من أبي الجيزي ونظرائه، وبسرخس من محمد بن عبد الرحمن الدغولي وأقرانه، وكان ثقة ثبتاً، مكثراً مواصلاً للحج، انتخب عليه ببغداد أبو الحسن الدارقطني، وكتب الناس بانتخابه علماً كثيراً، وروى كتباً كباراً.
وقد أخبرنا أبو القاسم بن الحصين عن أبي طالب بن غيلان عنه. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، حدثنا الحسين بن أحمد بن عثمان بن شيطا قال: سمعت إبراهيم المزكي يقول: أنفقت على الحديث بدراً من الدنانير، وقدمت بغداد في سنة ست عشرة لأسمع من ابن صاعد، ومعي خمسون ألف درهم بضاعة، فرجعت إلى نيسابور ومعي أقل من ثلثها، أنفقت ما ذهب منها على أصحاب الحديث.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرني محمد بن علي المقرئ، عن محمد بن عبد الله الحافظ قال: كان إبراهيم بن محمد المزكي من العباد المجتهدين الحجاجين المنفقين على العلماء، والمستورين، عقد له الإملاء بنيسابور سنة ست وثلاثين وثلثمائة، وهو أسود الرأس واللحية، وزكي في تلك السنة، وكنا نعد في مجلسه أربعة عشر محدثاً منهم أبو العباس الأصم، وتوفي بسوسنقين ليلة الأربعاء غرة شعبان سنة اثنتين وستين سنة، وسوسنقين منزل بين همذان وساوة.
الحسين بن عمر بن أبي عمر القاضي أبو محمد بن أبي الحسين ولاه الراضي قضاء مدينة المنصور، وهو حدث السن، ثم ولي المتقي، فأقره على ذلك إلى جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين وثلثمائة، ثم صرفه ثم فقدم أصبهان، وحدث عن البغوي، وابن صاعد، وولي قضاء يزد، وتوفي بها.
سعيد بن القاسم بن العىء بن خالد أبو عمر البرذعي قدم بغداد، وحدث بها عن جماعة، فروى عنه الدارقطني، وكان أحد الحفاظ، كتب عن يحيى بن محمد بن مندة، وطبقته، وتوفي في هذه السنة.
السري بن أحمد بن السري أبو الحسن الكندي الرفاء الموصلي الشاعر له معان حسان، وهو مجود، وله مدائح في سيف الدولة وغيره من أمراء بني حمدان، وكان بينه الخالديين أبي بكر وأبي عثمان، محمد وسعيد أهاج كثيرة، فبالغا في أذاه، وقطعا رسمه من سيف الدولة وغيره، فانحدر إلى بغداد، ومدح الوزير أبا محمد المهلبي، فانحدر الخالديان وراءه، ودخلا على المهلبي، وثلبا وحصلا في جملة مناديمه وجعلا هجيراهما ثلبه، فآل به الأمر إلى عدم القوت، وركبه الدين، ومات ببغداد.
عبد الملك بن الحسن بن يوسف، أبو عمرو المعدل ابن السقطي سمع أبا مسلم الكجي، ويوسف القاضي، وجعفر الفريابي، والبغوي، روى عنه أبو نعيم الحافظ، وأبو علي بن شاذان، وكان ثقة، ولم يزل مقبول الشهادة عند القضاة، وكتب الناس عنه بانتخاب الدارقطني، وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة، وقد بلغ خمساً وثمانين سنة.
محمد بن أبي الحسن بن كوثر بن علي أبو بحر البربهاري حدث عن محمد بن الفرج الأزرق، ومحمد بن غالب التمتام، وإبراهيم الحربي، والباغندي، والكديمي، وغيرهم. روى عنه ابن رزقويه والبرقاني، وأبو نعيم، وانتخب عليه الدارقطني، وقال: اقتصروا على حديث أبي بحر على ما انتخبته، فقد كان له أصل صحيح، وسماع صحيح، وسماع صحيح، وأصل رديء، فحدث بذا وبذاك فأفسده.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، أخبرنا أبو بكر البرقاني قال: سمعت من أبي بحر، وحضرت عنده يوماً فقال ابن السرخسي: سأريكم أن الشيخ كذاب، وقال لأبي بحر: أيها الشيخ، فلان بن فلان كان ينزل في الموضع الفلاني هل سمعت منه؟ قال أبو بحر: نعم، قد سمعت منه. قال أبو بكر: وكان ابن السرخسي قد اختلق ما سأله عنه.


أخبرنا عبد الرحمن بن محمد،أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: قرأت على البرقاني، وحدثنا عن أبي بحر فقال: خرج عنه أبو الفتح بن أبي الفوارس في الصحيح. قلت له! كذلك فعل أبو نعيم الحافظ. فقال أبو بكر: ما يساوي أبو بحر عندي كعباً. ثم سمعته ذكره مرة أخرى فقال: كان كذاناً. وقال ابن أبي الفوارس: كان مخلطاً وقال أبو الحسن بن الفرات: ظهر منه في آخر عمره أشياء منكرة، منها: أنه حدث عن يحيى بن أبي طالب، وعبدوس المدائني، فغفله قوم من أصحاب الحديث، فقروا ذلك عليه، وكانت له أصول جيدة، فخلط ذلك بغيره، وغلبت الغفلة عليه. وتوفي في هذه السنة.
ثم دخلت
سنة ثلاث وستين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه تقلد أبو الحسن محمد بن ابن أم شيبان الهاشمي قضاء القضاة، صارفاً لأبي محمد بن معروف، وكان أبو محمد قد طولب ببيع دار أبي منصور الشرابي على أبي بكر الأصبهاني الحاجب، فامتنع فقيل له: إن الوكيل الذي نصبه المطيع يبيع ذلك، وليس يراد منك إلا سماع الشهود والإسجال بها، فامتنع وأغلق بابه، وسأل الإعفاء عن القضاء فخوطب أبو الحسن بن أم شيبان فامتنع، فألزم فأجاب، وشرط لنفسه شروطاً منها: أنه لا يرتزق عن الحكم، ولا يخلع عليه، ولا يأمر ما لا يوجبه حكم، ولا يشفع إليه في إنفاق حق وفعل ما لا يقتضيه شرع، وقرر لكاتبه في كل شهر ثلثمائة درهم، ولحاجبه مائة وخمسون درهماً، وللفارض على بابه مائة درهم، ولخازن دار الحكم والأعوان ستمائة درهم، وركب إلى دار المطيع حتى سلم إليه عهده، وركب من غد إلى المسجد الجامع، فقرىء فيه عهده وتولى إنشاءه أبو منصور أحمد بن عبد الله الشيرازي، وهو يومئذ صاحب ديوان الرسائل ونسخته:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما عهده عبد الله الفضل الإمام المطيع لله أمير المؤمنين إلى محمد بن صالح الهاشمي حين دعاه إلى ما يتولاه من القضاء من أهل مدينة المنصور، والمدينة الشرقية من الجانب الغربي، والجانب الشرقي ومدينة السلام، والكوفة، وشقي الفرات، وواسط، وكوخي، وطريقي الفرات ودجلة، وطرق خراسان، وقرميسين، وحلوان، وديار مضر وديار ربيعة، وديار بكر، والموصل، والحرمين، واليمن، ودمشق، وحمص، وجند قنسرين، والعواصم، ومصر، والاسكندرية،وجندي فلسطين، والأردن، وأعمال ذلك كلها، وما يجري مع ذلك من الأشراف على ما يختاره لنقابة العباسين بالكوفة، وشقيّ الفرات، وأعمال ذلك، وما قلده أياه من من قضاء القضاة، وتصح أحوال الحكام. واستشراف ما يجري عليه أمر الأحكام من سائر النواحي، والأمصار، والبلاد، والأقطار التي تشتمل عليها المملكة، وتنتهي إليها الدعوة، وإقرار من يحمد هديه، وطريقته واستبدال من يذم سمته وسجيته، نضراًمنه للكافة، واحتياطاً للخاصة، والعامة، وحنواً على الملة والذمة عن علم أنه المقدم في بيته، وشرفه، المبرز في عفافه وظلفه، المزكي في دينه وأمانته، الموصوف في ورعه ونزاهته، المشار إليه بالعلم والحجى، المجمع عليه في الحكم والنهي، البعيد من الأدناس ، اللابس من النقاء أجمل لباس النقي، الجيب المحبور بصفاء الغيب، العالم بمصالح الدنيا، العارف بما يفيد سلامة العقبى، أمره بتقوى الله، فإنها الجنة الواقية، وإن يجعل كتاب الله في كل ما يعمل فيه رويته، ويرتب عليه حكمه وقضيته إمامه الذي يفزع إليه، وعماده الذي يعتمد عليه، وأن يتخذ سنة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم مطلوباً يقصده، ومثالاً يتبعه، وأن يراعي الإجماع، وأن يقتضي بالأئمة الراشدين، وأن يعمل اجتهاده فيما لا يوجد فيه كتاب ولا سنة ولا إجماع، وأن يحضر مجلس قضائه من يستظهر بعلمه ورأيه، وأن يسوي بين الخصمين إذا تقدما إليه في لحظه ولفظه، ويوفي كلاً منهما نصيبه من إنصافه وعدله، حتى يأمن الضعيف من حيفه، وييأس القوي من ميله، وأمره أن يشرف على أعوانه وأصحابه ومن يعتمد عليه من أمنائه وأسبابه إشرافاً يمنع من التخطي إلى السيرة المحظورة، ويدفع عن الإشفاف إلى المكاسب المحظورة، فذكر من هذا الجنس كلاماً طويلاً.
وفي هذه السنة: تقلد أبو محمد عبد الواحد الفضل بن عبد الملك الهاشمي نقابة العباسيين وصرف القاضي أبو تمام الزينبي منها.


وفيها: ظهر ما كان المطيع يستره من مرضه، وتعذر الحركة عليه، وثقل لسانه لأجل فالج ناله قديماً فدعاه سبكتكين حاجب معز الدولة إلى خلع نفسه، وتسليم الأمر إلى ولده الطائع، ففعل ذلك، وعقد له الأمر في يوم الأربعاء لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة ثلاث وستين، فكانت خلافة المطيع إلى أن خلع نفسه، وسلم الخلافة إلى ولده تسعاً وعشرين سنة وأربعة وعشرين يوماً فكتب: هذا ما أشهد على متضمنه أمير المؤمنين الفضل المطيع لله حين نظر لدينه ورعيته، وشغل بالعلة الدائمة عن ما كان يراعيه من الأمور الدينية اللازمة، وانقطع إفصاحه عن بعض ما يجب لله عز وجل في ذلك فرأى اعتزال ما كان إليه من هذا الأمر، وتسليمه إلى ناهض به، قائم بحقه ممن يرى له الرأي، عقده له وأشهد بذلك طوعاً في يوم الأربعاء الثالث عشر من ذي القعدة سنة ثلاث وستين وثلثمائة، فكتب فيه القاضي محمد بن صالح: شهد عندي بذلك أحمد بن حامد بن محمد بن عمر، وعمر بن محمد بن أحمد، وطلحة بن محمد بن جعفر، وكتب محمد بن صالح.
وقد أنبأنا جماعة من أشياخنا عن أبي منصور بن عبد العزيز قال: كان المطيع بعد أن خلع يسمى الشيخ الفاضل.
باب ذكر خلافة الطائع لله عز وجل
اسمه عبد الكريم بن المطيع لله، ويكنى: أبا بكر، وأمه أم ولد، اسمها: عتب، أدركت خلافته، وقد ذكرنا أن المطيع خلع نفسه غير مستكره، وولى الطائع في اليوم الذي خلع فيه المطيع نفسه، وكان سنه يوم ولي ثمان وأربعين سنة، وقيل: خمسين، ولم يل الأمر أكبر سناً منه، ولا من له أب حي سوى أبي بكر الصديق، والطائع، وكلاهما يكنى: أبا بكر، وكان أبو بكر الطائع أبيض، أشقر حسن الجسم، شديد القوة، وفي رواية: أنه كان في دار الخلافة أيل عظيم، فكان يقتل بقرنه الدواب والبغال، ولا يتمكن أحد من مقاومته فاجتاز الطائع لله فرآه وقد شق راويه فقال للخدم: امسكوه، فسعوا خلفه حتى ألجأوه إلى مضيق، وبادر الطائع فأمسك قرنيه بيديه، فلم يقدر أن يخلصهما وهرب، واستدعى بنجار فقال: ركب المنشار عليهما، ففعل، فلما بقيا على يسير قطعهما بيده وهرب الإيل على وجهه، وسقطت فرجية الطائع، عن كتفيه، فتطأطأ بعض الخدم ليرفع الفرجية، فنظر إليه بؤخر عينه منكراً لفعله، فتركها ومضى الطائع، وبقيت الفرجية إلى آخر النهار لا يجسر أحد على تحريكها من موضعها، فلما أراد النجار الانصراف حضر الخادموقال: خذ هذه الفرجية، فأخذها وكانت من الوشي القديم، فباعها بمائة وسبعين دينار.
ولما ولي الطائع وعليه البردة، ومعه الجيش، وبين يديه سبكتكين في يوم الثلاثاء تاسع عشر ذي القعدة، ومن غد هذا اليوم خلع على سبكتكين الخلع السلطانية، وعقد له لواء الإمارة، ولقبه نصر الدولة، وحضر عيد الأضحى فركب الطائع إلى المصلى بالجانب الشرقي، وعليه السواد قباء، وعمامة، وخطب خطبة بليغة بعد أن صلى بالناس كانت " الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر متقرباً إليه، ومعتمداً عليه، ومتوسلاً بأكرم الخلائق لديه الذي صيرني إماماً منصوصاً عليه، ووهب لي أحسن الطاعة في ما فوضه إلي من الخلافة على الأمة، الله أكبر الله أكبر مقراً بجميل آلائه فيما أسنده إلي من حفظ الأمم وأموالها، وذرايها، وقمع بي الأعداء في حضرها وبواديها، وجعلني خير مستخلف على الأرض ومن فيها، الله أكبر الله أكبر تقرباً بنحر البدن التي جعلها من شعائره، وذكرها في محكم كتابه، وأتباعاً لسنة نبيه وخليله صلى الله عليه وسلم في فدية أبينا إسماعيل إذ قد أمره بذبحه، فاستسلم لإهراق دمه وسفحه غير جزع فيما نابه، ولا نكل عن ما أمر به، فتقربوا إلى الله في هذا اليوم العظيم بالذبائح، فإنها من تقوى القلوب، الله أكبر الله أكبر وصلى الله على محمد خيرته من خليقته، على أهل بيته وعترته، وعلى آبائي الخافاء النجباء، وأيدني بالتوفيق فيما أتولى، وسددني من الخلافة فيما أعطى وأنا أخوفكم معشر المسلمين غرور الدنيا فلا تركنوا إلى ما يبيد ويفنى، ويزول ويبلى، وإني أخاف عليكم يوم الوقوف بين يدي الله تعالى غداً، وصحفكم تقرأ عليكم، فمن أوتي كتابه بيمينه فلا يخاف ظلماً ولا هضماً، أعاذنا الله وإياكم عن الردى، واستعملنا وإياكم بأعمال أهل التقوى، واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين.


ثم أن عز الدولة أدخل يده في إقطاع سبكتكين، فجمع سبكتكين الأتراك الذين ببغداد، ودعاهم إلى طاعنه فأجابوه، وراسل أبا إسحاق بن معز الدولة يعلمه بالحال، ويطمعه أن يعقد له الأمر، فاستشار والدته، فمنعته من ذلك، فصار إليها من بغداد من الديلم، وصوبوا لها محاربة سبكتكين، فحاربوه فقهروه واستولى على ما كان ببغداد لعز الدولة، وثارت العامة تنصر سبكتكين، وبعث سبكتكين إلى عز الدولة يقول له: إن الأمر قد خرج عن يدك، فاخرج لي عن واسط وبغداد ليكونا لي وتكون البصرة والأهواز لك، ولا تفتح بيننا باب حرب، وكتب عز الدولة إلى عضد الدولة يساعده ويستنجده، فماطله بذلك، ثم أن الناس صاروا حزبين، فأهل التشيع ينادون بشعار عز الدولة والديلم، وأهل السنة ينادون بشعار سبكتكين والأتراك، واتصلت الحروب، وسفكت الدماء، وكبست المنازل، وأحرق الكرخ حريقاً ثانيا.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
الحارث بن أبي العلاء، سعيد بن حمدان أبو فراس العدوي الشاعر كان فيه شجاعة وكرم، وله شعر في نهاية الحسن وقلده سيف الدولة منبج وحران، وأعمالها، فخرج يقاتل الروم فتكى وقتل وأسر في الأسر سنتين ثم فداه سيف الدولة، وقيل إنه قتل بعد ذلك، وما بلغ أربعين سنة ورثاه سيف الدولة.
أخبرنا ابن ناصر، أخبرنا علي بن أحمد بن البسري، عن أبي عبد الله بن بطة قال: أنشدني الحسن بن سعيد المقدسي قال: أنشدني محمد بن شجاع الجيلي قال: أنشدني أبو فراس بن حمدان لنفسه:
المرء نصب مصائب لا تنقضي ... حتى يواري جسمه في رمسه
فمؤجل يلقى الردى في غيره ... ومعجل يلقى الردى في نفسه
قال: وكان عند أبي فراس أعرابي فقال له: أجز هذا بمثله، فقال:
من يتمن العمر فليدرع ... صبراً على فقد أحبابه
ومن يعاجل ير في نفسه ... ما يتمناه لأعدائه
أخذ هذا من قول الحكيم: من طال عمره فقد أحبابه، ومن قصرت حياته كانت مصيبته في نفسه.
ومن قول الآخر: من أحب طول البقاء، فليتخذ للمصائب قلباً جلداً.
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك، ومحمد بن ناصر قالا: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال: أنشدنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي قال: أنشدنا أبو الفرج الببغاء قال: أنشدنا أبو فراس، وكتب بها إلى غلامين له وهو مأسور:
هل تحسان لي رفيقا رفيقا ... يحفظ الود أو صديقا صديقا
لا رعى الله ياحبيبي دهراً ... فرقتنا صروفه تفريقا
كنت مولاكما وما كنت إلا ... والداً محسناً وعماً شفيقا
بت أبكيكما وإن عجيباً ... أن يبيت الأسير يبكي الطليقا
فاذكراني وكيف لا تذكراني ... كل ما استخون الصديق صديقا
ومن شعره المستحسن قوله:
ولي بك من فرط الصبابة آمر ... ودونك من حسن التصون زاجر
عفافك عني إنما عفة التفى ... إذا عف عن لذاته وهو قادر
نفى الهم عني همة عدّوية ... وجأش على صرف الحوادث صابر
وأسمر مما ينبت الخط ذابل ... وأبيض مما يصنع الهند باتر
لعمرك ما الأبصار تنفع أهلها ... إذا لم يكن للمبصرين بصائر
وكيف ينال المجد والجسم وادع ... وكيف يحار المجد والوفر وافر
وله:
غنى النفس لمن يعقل ... خير من غني المال
وفضل الناس في الأنفس ... ليس الفضل في الحال
وله:
ما كنت إذ كنت إلا طوع خلاني ... ليست مؤاخذة الاخوان من شاني
إذا خليلي لم تكثر إساءته ... فأين موقع إحساني وغفراني
يجني الليالي واستحلي جنايته ... حتى أدل على عفوي وإحساني
يجني علي و أحنو دائماً أبداً ... لا شيء أحسن من حان على جان
وله:
مرام الهوى صعب وسهل الهوى وعر ... وأعسر ما حاولته الحب والصبر
أوعدتي بالوعد والموت دونه ... إذا مت عطشاناً فلا نزل القطر
بدوت وأهلي حاضرون لأنني ... أرى أن داراً لست من أهلها قفر


وما حاجتي في المال أبغي وفوره ... إذا لم يفر عرضي فلا وفر الوفر
هو الموت فاختر ما علا لك ذكره ... فلم يمت الإنسان ما حسن الذكر
وقال أصيحابي الفرار أو الردى ... فقلت هما أمان أحلاهما مر
سيذكرني قومي إذا جد جدهما ... وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
ولو سد غيري ما سددت اكتفوا به ... وما كان يغلوا التبر لو نفق الصفر
ونحن أناس لا توسط عندنا ... لنا الصدر دون العامين أو القبر
تهون علينا في المعالي نفوسنا ... ومن خطب الحسناء لم يغلها مهر
وقال وقد سمع صوت حمامة وهو مأسور:
أقول وقد ناحت بقربي حمامة ... أيا جارتي ما فاق حالك حالي
معاذ الهوى ما ذقت طارقة الهوى ... ولا خطرت منك الهموم ببالي
أيحمل محزون الفؤاد قوادم ... إلى غصن نائي المسافة عالي
تعالي تري روحاً لدي ضعيفة ... تردد في جسم يعذب بالي
أيضحك مأسور وتبكي طليقة ... ويسكت محزون ويندب سالي
لقد كنت أولى منك بالدمع مقلة ... ولكن دمعي في الحوادث غالي
وله أيضاً:
أن في الأسر لصبا ... دمعه في الخد صب
هو بالروم مقيم ... وله بالشام قلب
وله أيضاً:
لقد ضل من تحوي هواه خريدة ... وقد ذل من تقضى عليه كعاب
ولكنني والحمد لله حازم ... أعز إذا ذلت لهن رقاب
ولا تملك الحسناء قلبي كله ... وأن شملتها رقة وشباب
وأجري فلا أعطي الهوى فضل مقودي ... و اهفو ولا يخفى علي صواب
بمن يثق الإنسان فيما ينوبه ... وهيهات للحر الكريم صحاب
وقد صار هذا الناس إلا أقلهم ... ذئاباً على أجسادهن ثياب
تغابيت عن قومي فظنوا غباوة ... بمفرق أغبانا حصى وتراب
ولو عرفوني حق معرفتي بهم ... إذاً علموا أني شهدت وغابوا
إلى الله أشكو بثنا في منازل ... تحكم في أجسادهن كلاب
فليتك تحلو والحياة مريرة ... وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر ... وبيني وبين العالمين خراب
عبد العزيز بن جعفر بن أحمد بن يزداد بن معروف، أبو بكر الفقيه الحنبلي غلام الخلال ولد سنة اثنتين وثمانين ومائتين، وحدث عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وموسى بن هارون، وأبي خليفة الفضل بن الحباب، وجعفر الفريابي، ومحمد بن محمد الباغندي، والبغوي، وابن أبي داود، وابن صاعد في آخرين، وله المصنفات الكثيرة على مذهب أحمد بن حنبل.
أنبأنا أحمد بن الحسين بن أحمد الفقيه عن القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين قال: أبو بكر عبد العزيز له المصنفات الحسنة منها: المقنع، نحو مائة جزء، وكتاب الشافعي: نحو مائتي جزء، و زاد المسافر، وكتاب الخلاف مع الشافعي، وكتاب القولين، ومختصر الحسبة، وله غير ذلك في التفسير، والأصول، قال القاضي: وبلغني أن عبد العزيز قال في علته: أنا عندكم إلى يوم الجمعة. فقيل له: يعافيك الله فقال: سمعت أبا بكر الخلال يقول: سمعت أبا بكر المروذي يقول: عاش أحمد بن حنبل ثماني وسبعين سنة ومات يوم الجمعة، ودفن بعد الصلاة، وعاش أبو بكر المروذي ثملن وسبعين سنة، ومات يوم الجمعة ودفن بعد الصلاة، وأنا عندكم إلى يوم الجمعة ولي ثمان وسبعون سنة، فلما كان يوم الجمعة مات ودفن بعد الصلاة، وذلك لعشر بقين من شوال ودفن عند دار الفيل بمقبرة باب الأزج.
علي بن محمد أبو الفتح البستي كان شاعراً مجيداً، يقصد التطابق والتجانس في شعره، وأبيات قصائده قليلة لأجل التجانس، وقد انتقيت من جميع ديوانه أبياتاً مستحسنة فرتبتها على حروف المعجم وهي:
دعني فلن أخلق ديباجتي ... ولست أبدي للورى حاجتي
منزلتي يحفظها منزلي ... وباجتي تكرم ديباجتي
وله أيضاً:


يا أيها السائل عن مذهبي ... ليقتدى فيه بمنهاجي
منهاجي العدل وقمع الهوى ... فهل لمنهاجي من هاجي
وله أيضاً:
إذا رأيت الوداع فاصبر ... و لا يهمنك البعاد
وانتظر العود عن قريب ... فإن قلب الوداع عادوا
وله أيضاً:
لقاء أكثر من تلقاه أوزار ... فلا تبالي أصدوا عنك أو زاروا
لهم لديك إذا جاؤك إوطار ... فإن قضوها تنحوا عنك أو طاروا
أخلاقهم فتجنبهن أوعار ... وقربهم مأثم للمرء أو عار
أوضار أخلاقهم يعدي معاشرهم ... فلا يزول فقد ما من رأوا ضاروا
وله أيضاً:
دعوني وأمري واختياري فإنني ... عليم بما أمرى وأخلق من أمري
إذا مر بي يوم ولم اصطنع يدا ... ولم استفد علما فما ذاك من عمري
وله أيضاً:
كم مذنب قد ضاقني ... فقرنته صفحاً وغفرانا
كم حاسد صابرته ... فقتلته بالصبر صبرا
وله أيضاً:
إذا خدمت الملوك فالبس ... من التوقي أعز ملبس
وادخل عليهم وأنت أعمى ... واخرج إذا ما خرجت أخرس
وله أيضاً:
دعوني وسمتي في عفافي فإنني ... جعلت عفافي في حياتي ديدني
وأعظم من قطع اليدين على الفتى ... صنيعة بر نالها من يدي دني
وله أيضاً:
يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته ... لتطلب الربح مما فيه خسران
أقبل على النفس واستكمل فضائلها ... فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
وله أيضاً:
يا ناظر العين قل هو ناظر عيني ... إليك يوماً وهل تدنو خطى البين
الله يعلم أني بعد فرقتكم ... كطائر سلخوه من جناحين
ولو قدرت ركبت الريح نحوكم ... فإن بعدي عنكم قد حنى حيني
العباس ين الحسين أبو الفضل الشيرازي وزر لعز الدولة بختيار بن معز الدولة أبي الحسين، وكان ظالماً، فقبض عليه فقتل في حبسه في ربيع الأول من هذه السنة، وعمره تسع وخمسون سنة، ودفن بمشهد علي عليه السلام.
عيسى بن موسى بن أبي محمد واسمه محمد بن المتوكل على الله، أبو الفضل الهاشمي ولد سنة ثمانين ومائتين، وسمع محمد بن خلف بن المرزبان، وأبا بكر بن أبي داود، ولازمه نيفاً وعشرين سنة، روى عنه أبو علي بن شاذان، وكان ثقة، وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: قال لي علي بن أحمد بن عيسى المتوكلي، قال لي هلال بن محمد الحفار قال لي جدك عيسى بن موسى: مكثت ثلاثين سنة أشتهي أن أشارك العامة في أكل هريسة السوق فلا أقدر على ذلك، لأجل البكور إلى سماع الحديث.
ثم دخلت
سنة أربع وستين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه ورد الخبر في المحرم سنة أربع من المدينة أن أهل العراق، وخراسان، والكوفة، والبصرة بلغوا سميراً فرأوا هلال ذي الحجة على نقصان من ذي القعدة، وعرفوا أن لا ماء في الطريق من فيد إلى مكة، إلا صبابة لا يقوم بهم وبجمالهم، فعدلوا إلى بطن نخل يطلبون مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، فوصلوا إليها يوم الجمعة سادس ذي الحجة، فبركت الجمال ولم تنهض، فعرفوا في المسجد، وخرجوا فصلوا صلاة العيد في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أمير الحاج أبو منصور محمد بن عمر بن يحيى العلوي، وورد الناس الكوفة في أول المحرم، بعد أن لحقهم جهد شديد، وأقاموا بالكوفة لفساد الطريق، ثم حفروا أنفسهم وأموالهم حتى دخلوا بغداد في آخر الشهر.


وفي يوم الأربعاء لثلاث عشرة ليلة بقيت من المحرم: أوقع العيارون حريقاً بالخشابين من باب الشعير، فاحترق أكثر هذا السوق، وما يليها من سوق الجزارين، وأصحاب الحصر، وصف البواري، فهلك شيء كثير من هذه الأسواق من الأموال، وزاد أمر العيارين في هذه السنة، حتى ركبوا الدواب، وتلقبوا بالقواد، وغلبوا على الأمور، وأخذوا الخفائر عن الأسواق والدروب، وكان في جملة العيارين قائد يعرف: بأسود الزبد؛ لأنه كان يأوي قنطرة الزبد ويستعظم من حضر وهو عريان لا يتوارى، فلما كثر الفساد رأى هذا الأسود من هو أضعف منه قد أخذ السيف فطلب سيفاً، ونهب وأغار، اجتمع إليه جماعة، فأخذ الأموال، واشترى جارية بألف دينار، فلما حصلت عنده حاول منها حاجته فمنعته، فقال: ما تكرهين مني؟ قالت: أكرهك كما أنت فقال: ما تحبين؟ قالت: أن تبيعني. قال: أو أفعل خيراً من ذلك، فحملها إلى القاضي واعتقها، ووهب لها ألف دينار، فعجب الناس من سماحة أخلاقه إذ لم يجازها على كراهتها له. ثم خرج إلى الشام فهلك فيها.
وفي المحرم: ورد الخبر بوقوع الخطبة لأبي تميم معد، الملقب بالمعز، بمكة والمدينة في موسم سنة ثلاث وستين وثلثمائة، وقطعت خطبة الطائع من يوم الجمعة لعشر بقين من جمادى الأولى إلى أن أعيدت في يوم الجمعة لعشر بقين من رجب، فلم يخطب في هذه المدة لإمام، وذلك لأجل تشعث جرى بينه وبين عضد الدولة، وكان عضد الدولة قد قدم العراق، فأعجبه ملكها، فوضع الجند ليشغبوا على عز الدولة، فشغبوا فأغلق أبوابه، فأمر عضد الدولة الاستظهار عليه، وذلك يوم الجمعة لأربع ليال بقين من جمادى الآخرة، وكتب عن الطائع لله إلى الآفاق باستقرار الأمر لعضد الدولة، وخلع عضد الدولة على محمد بن بقية وزير عز الدولة، ثم اضطربت الأمور على عضد الدولة، ولم يبق في يده غير بغداد، فنفذ عضد الدولة إلى ركن الدولة يعلمه أنه قد خاطر بنفسه وجنده، وأنه قد هذب مملكة العراق، واستقاد الطائع لله إلى داره، وأن عز الدولة بختيار عاص لا يقيم دولة، وأنه إن خرج من العراق لم يبعد اضطراب الممالك، ويسأله المدد، فلما بلغه هذه الرسالة غضب فقال للرسول: قل له أنت خرجت في نصرة ابن أخي أو في الطمع في مملكته، فأفرج عضد الدولة عن بختيار، وخرج عضد الدولة عن بختيار إلى فارس، وعلد جيش بختيار إليه.
وفي يوم الخميس لعشر خلون من ذي القعدة: تزوج الطائع لله شاه زنان بنت عز الدولة على صداق مائة ألف دينار، وخطب طبة النكاح بحضرتهما أبو بكر محمد بن عبد الرحمن بن قريعة القاضي.
وفي رجب: زادت الأسعار، وعدمت الأقوات، وبيع الكر من الدقيق الحواري بمائة ونيف وسبعين ديناراً، والعشرة الأمناء من السكر بنيف من التبن بعشرة دراهم، وأخرج السلطان كراعه إلى السواد.
وفي هذه السنة: اضطرب أمر الحاج، لم يندب لهم أحد من جهة السلطان، وخرجت طائفة من الخراسانية على وجه التغرير والمخاطرة، فلحقهم شدة، وتأخر البغداديون والتجار، وأقام الحج أصحاب المغربي، وأقيمت الخطبة له.
وفي ليلة الاثنين لتسع بقين من ذي القعدة: طلع كوكب الذؤابة من ناحية المشرق، وله شبه الذؤابة مستطيلاً نحو رمحين في رأي العين، ولم يزل يطلع في كل ليلة إلى ليلة عشر بقين من ذي الحجة.
وفي يوم الأربعاء: سلخ ذي القعدة صرف أبو الحسن محمد بن صالح ابن أم شيبان، عن قضاء القضاة، وقلده أبو محمد بن معروف، وكتب عهده.
وفي يوم الأربعاء: لتسع بقين من ذي الحجة خلع على الشريف أبي أحمد الحسين بن موسى الموسوي من دار عز الدولة، وقلد نقابة الطالبيين.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
إسحاق بن محمد بن إسحاق أبو يعقوب النعالي سمع أبا خليفة، وجعفر الفريابي، وغيرهما. وروى عنه البرقاني وقال: هو صدوق، وتوفي يوم النحر من هذه السنة.
سبكتكين حاجب معز الدولة، خلع عليه الطائع وطوقه وسوره، ولقبه نصر الدولة، فسقط سبكتكين عن الفرس، فانكسر ضلعه، فاستدعى ابن الصلت المجبر، فرد ضلعه ولازمه إلى أن برأ فأغناه وأعطاه يوم أدخله الحمام ألف دينار وفرساً ومركباً وخلعه، وكان يقدر على الركوب والقيام في الصلاة والسجود، ولا يقدر على الركوع، وكان يقول لطبيبه: إذا تذكرت عافيتي على يدك فرحت بك، ولم أقدر على مكافأتك، وإذا ذكرت حصول رجليك على ظهري اشتد غيظي منك.


توفي يوم الثلاثاء لسبع بقين من المحرم، وكانت مدة إمارته شهرين وثلاثة عشر يوماً، وحمل تابوته إلى بغداد، فدفن في تربة ابنته بالمخرم، وخلف ألف ألف دينار مطيعة، وعشرة آلاف ألف درهم، وصندوقين فيهما جوهر، وستين صندوقاً منها خمسة وأربعون فيها آنية ذهب وفضة، وخمسة عشر فيها بلور ومحكم ومائة وثلاثين مركباً ذهباً، منها خمسون وزن كل واحد ألف مثقال، وستكائة مركب فضة، وأربعة آلاف ثوب ديباجاً، وعشرة آلاف ثوب دبيقاً وعتابياً،وغير ذلك، وثلثمائة عدل معكومة فيها فرش، وثلاثة آلاف رأس من الجمال، وثلثمائة غلام دارية وأربعة وأربعين خادماً غير ما ترك عند أبي بكر البزاز صاحبه، وكان لسبكتكين هذا دار المملكة اليوم.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: حدثني هلال بن المحسن قال: كانت دار المملكة التي بأعلى المحرم محاذية الفرضة لسبكتكين غلام معز الدولة، فنقض عضد الدولة أكثرها، ولم يسبق إلا البيت الستيني الذي هو في وسط أروقة من روائها أروقة من أطرافها أروقة قباب معقودة، وتنفتح أبوبه الغريبة إلى دجلة،وأبوابه الشرقية إلى صحن، من خلفه بستان ونخل وشجر، وكان عضد الدولة جعل الدار التي هذا البيت فيها دار العامة، والبيت برسم جلوس الوزارء، وما يتصل به من الأروقة، والقباب مواضع للدواوين والصحن مناماً لديلم النوبة، في ليالي الصيف، قال هلال: وهذه الدار وما تحتوي عليه من البيت المذكور والأروقة خراب، ولقد شاهدت مجلس الوزراء في ذلك ومحفل من يقصدهم ويحضرهم، وقد جعله جلال الدولة اصطبلاً أقام فيه دوابه وسواسه، وأما ما بناه عضد الدولة وولده بعده من هذه الدار فهو متماسك على تشعثه.
قال ابن ثابت: ولما ورد طغرل بك الغزي بغداد، واستولى عليها، عمر هذه الدار، وجدد كثيراً مما كان وهي منها سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، فمكث كذلك إلى سنة خمسين وأربع مائة ثم احترقت، وسلمت أكثر آلاتها، ثم عمرت بعد، وأعيدكما كان وهي منها.
أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا أحمد بن علي قال: حدثني القاضي أبو القاسم علي بن المحسن قال: سمعت أبي يقول: ماشيت الملك عضد الدولة في دار المملكة بالمخرمة التي كانت دار سبكتكين حاجب معز الدولة من قبل، وهو يتأمل ما عمل وهدم منها، وقد كان أراد أن يزيد في الميدان السبكتكين أذرعا ليجعله بستاناً، ويرد بدل التراب رملاً، ويطرح التراب تحت الروشن على دجلة، وقد ابتاع دوراً كثيرة كباراً وصغاراً، ونقضها ورمى حيطانها بالفيلة تخفيفاً للمؤنة، وأضاف عرصاتها إلى الميدان، وكانت مثل الميدان دفعتين وبنى على الجميع مسناة، فقال لي في هذا اليوم، وقد شاهد ما شاهد: تدري أيها القاضي كم أنفق على ما قلع من التراب إلى هذه الغاية، وبناء هذه المسناة السخيفة، مع ثمن ما ابتيع من الدور واستضيف؟ قلت: أظنه شيئاً كثيراً. فقال لي: هو إلى وقتنا هذا سبعمائة ألف درهم صحاحاً، ويحتاج إلى مثلها دفعة أو دفعتين حتى يتكامل قلع التراب، ويحصل موضعه الرمل، موازياً لوجه البستان، فلما فرغ من ذلك وصار البستان أرضاً بيضاء لا شيء فيها من غرس ولا نبات، قال قد أنفق على هذا حتى صار كذا أكثر من ألفي ألف درهم، ثم فكر في أن يجعل شرب البستان من دواليب ينصبها على دجلة، وعلم أن الدواليب لا تكفي، فاخرج المهندسين إلى الأنهار التي في ظاهر الجانب الشرقي من مدينة السلام، ليستخرجوا منها نهراً يسيح ماؤه إلى داره، فلم يجدوا ما أرادوه إلا في نهر الخالص، فعلى الأرض بين البلد وبينه تعلية، أمكن معها أن يجري الماء على قدر من غير أن يحدث به ضرر، وعمل تلين عظيمين يساويان سطح الماء الخالص، ويرتفعان عن أرض الصحراء أذرعاً، وشق في وسطها نهراً جعل له خورين من جانبيه، وداس الجميع بالفيلة دوساً كثيراً حتى قوي واشتد وصلب وتلبد، فلما بلغ إلى منازل البلد وأراد سوق النهر إلى داره عمد إلى دور السلسلة، فدك أرضها دكاً قوياً، ورفع أبواب الدور، وأوثقها، وبنى جوانب النهر طول البلد بالآجر والكلس والنورة، حتى وصل الماء إلى الدار، وسقى البستان.


قال أبي: وبلغت النفقة على عمل البستان وسوق الماء إليه على ما سمعته من حواشي عضد الدولة: خمسة آلاف ألف درهم، ولعله قد أنفق على أبنية الدار ما أظن مثل ذلك، وكان عضد الدولة عازماً على أن يهدم الدور التي بين داره وبين الزاهر، ويصل الدار بالزاهر، فمات قبل ذلك.
عبد السلام بن محمد بن أبي موسى أبو القاسم المخرني الصوفي سافر الكثير، ولقي الشيوخ، وحدث عن أبي بكر بن أبي داؤد، وأبي عروبة الحراني، وروى عنه أبو نعيم الأصبهاني، وكان ثقة حسن الأخلاق متزهداً أقام بمكة سنين، توفي بها في هذه السنة.
الفضل المطيع لله أمير المؤمنين ابن المقتدر قد ذكرنا أنه خلع نفسه لإجل مرض لازمه، وولى ابنه الطائع، وأشهد على نفسه القضاة والعدول، وكانت خلافته تسع وعشرين سنة وأربعة أشهر وواحد وعشرين يوماً، وخرج الطائع إلى واسط وحمل معه أباه المطيع، فمات في العسكر بدير العاقول في محرم هذه السنة، فكان عمره ثلاثاً وستين سنة، وحمل إلى بغداد، فدفن بتربة جدته أم المقتدر.
محمد بن إبراهيم بن محمد، أبو بكر الشاهد الربيعي حدث عن ابن جرير الطبري، وغيره، روى عنه أبو القاسم عبيد الله بن عمر البقال وغيره، وقال ابن أبي الفوارس: توفي في سنة أربع وستين وثلثمائة، وفيه نظر.
محمد بن بدر، أبو بكر. كان والده يعرف ببدر الحمامي غلام ابن طولون، ويسمى بدر الكبير.
كان أميراً على بلاد فارس كلها، وتوفي بتلك النواحي، فقام ابنه محمد في الناحية مقامه وكتب السلطان إليه بالولاية مكان أبيه وكتب إلى من معه من القواد بالسمع والطاعة له، فكان أميراً على بلاد فارس مدة، ثم قدم ببغداد، وحدث بها عن بكر بن سهل الدمياطي، وحماد بن مدرك، وغيرهما. روى عنه الدارقطني، وأبو نعيم الأصبهاني وغيرهما وقال أبو نعيم: ثقة صحيح السماع.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي قال: حدثت عن أبي الحسن بن الفرات قال: توفي محمد بن بدر الحمامي في رجب سنة أربع وستين وثلثمائة، وكان ثقة إن شاء الله فيما علمته ولم يكن من أهل هذا الشأن يعني الحديث ولا يحسنه، وكان له مذهب في الرفض. قال احمد: وببغداد كانت وفاته.
محمد بن ثابت بن أحمد أبو بكر الواسطي قدم بغداد وحدث بها عن عباس الدوري وغيره روى عنه ابن شاهين والكتاني، وكان ثقة.
ثم دخلت
سنة خمس وستين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أن ركن الدولة أبا علي كتب إلى ولده عضد الدولة أبي شجاع يعرفه أنه قد كبرت سنه، وقرب منه ما يتوقعه أمر الله تعالى، وأنه يؤثر مشاهدته، واجتمعوا فقسم ركن الدولة الممالك بين أولاده، فجعل لعضد الدولة فارس وكرمان، وأرجان ، ولمؤيد الدولة الري وأصبهان و لفخر الدولة همذان و الدينور وجعل ولده أبا العباس في كنف عضد الدولة وأوصاه به.
وفي يوم الثلاثاء سادس عشر رجب: جلس قاضي القضاة أبو محمد بن معروف في دار عز الدولة ونظر في الأحكام لأن عز الدولة اقترح ذلك عليه ليشاهد مجلس حكمه.
وفي ذي القعدة: خلع على أبي عبد الله أحمد بن محمد بن عبيد الله العلوي لإمارة الحاج من دار عز الدولة وحج بالناس علوي من جهة العزيز صاحب مصر وأقيمت الدعوة له بمكة والمدينة على رسم المعز أبيه، بعد أن حوصر أهل مكة فمنعوا الميرة، وقاسوا شدة شديدة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن جعفر بن مسلم بن راشد أبو بكر الختلي ولد سنة ثمان وسبعين ومائتين، سمع أبا مسلم الكجي، وعبد الله بن أحمد بن حنبل وخلقاً كثيراً، وكتب من التفاسير والقراءات شيئاً كثيراً، وكان صالحاً ديناً مكثراً ثقة ثبتاً، كتب عنه الدارقطني، وروى عنه ابن رزقويه، والبرقاني، وأبو نعيم الأصبهاني.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب حدثنا أبو القاسم الحسين بن أحمد بن عثمان بن شيطا قال: حضرنا عند أبي بكر بن مسلم لنسلم عليه فقال له بعض الحاضرين: أبقاك الله، فقال: ما أحب البقاء لأني منذ سنة لم أحضر الجمعة، وهذه الصيفية كلها لم أنم بالليل على السطح، ومنذ شهر لم آكل الخبز إنما أسف الفتيت، فلست أحب الحياة وهذه حالي قال: فانصرفنا من عنده فلم يلبث إلا يسيراً حتى مات. توفي في ربيع الأول من هذه السنة، ودفن في باب مقبرة الخيزران إلى جانب ابن المنادي.


الحسين بن محمد بن أحمد أبو علي الماسرجسي الحافظ رحل وسمع وكتب الكثير وفي بيته وسلفه بضع عشر محدثاً، وصنف المسند الكبير في ألف وثلثمائة جزء مهذباً بعلله، وجمع الحديث الزهري جمعاً لم يسبق إليه، وصنف المغازي، والقبائل، وأكثر المشائخ والأبواب، وخرّج على كتاب البخاري ومسلم، وكان ثبتاً، وتوفي يوم الثلاثاء تاسع رجب من هذه السنة.
عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد بن أبو أحمد الجرجاني الحافظ ولد يوم السبت غرة ذي القعدة سنة سبع وستين، وهي السنة التي مات فيها أبو حاتم الرازي، وكان أبو أحمد عالماً بالحديث، غاية فيه، وله كتاب الكامل في الجرح والتعديل. قال حمزة السهمي: سالت الدارقطني أن يصنف في ضعفاء المحدثين، فقال: أليس لي عندك كتاب ابن عدي؟ قلت: بلى. قال: فيه كفاية، لا يزاد عليه.
توفي ابن عدي غرة جمادى الآخرة من هذه السنة.
معد بن إسماعيل بن عبيد الله أبو تميم صاحب مصر وهو أول من ظهر منهم بالمغرب، ويلقب المعز لدين الله، وتقلد الأمر في يوم الجمعة تاسع عشرين شوال سنة إحدى وأربعين وثلثمائة، فأقام ناظراً ثلاثاً وعشرين سنة خمسة أشهر، وستة وعشرين يوماً، منها بمصر ثلاث سنين، وكان جوهر قد دخل مصر سنة ثمان وخمسين فوطد الأمور بمصر لمعد وبنى له القاهرة وأقام له الخطبة فدخل إلى مصر سنة اثنتين وستين، وكان بطاشاً، أحضر يوماً أبا بكر النابلسي الزاهد، وكان ينزل الأكواخ من أرض دمشق، فقال له: بلغنا أنك قلت: إذا كان مع الرجل المسلم عشرة أسهم وجب أن يرمي في الروم سهماً واحداً، وفينا تسعة. فقال: ما قلت، هكذا فطن أنه رجع عن قوله، فقال: كيف قلت؟ قال: قلت إذا كان معه عشرة وجب أن يرميكم بتسعة ويرمي العاشر فيكم أيضاً، فغنكم غيرتم الملة، وقتلتم الصالحين ادعيتم نور الالهية، فأمر حينئذ أن يشهر، فشهر في اليوم الأول، وضرب بالسياط في اليوم الثاني، وأخرج في اليوم الثالث فسلخ، سلخه رجل يهودي، وكان يقرأ القرآن ولا يتأوه، قال اليهودي: أيداخلني له رحمة فطعنت بالسكين في فؤاده حتى مات عاجلاً.
حكى صاحب النابلسي قال: مضيت مستخفياً أول يوم فتراءيت له وهو يشهر، فقلت: ما هذا؟ فقال: امتحان، فلما كان اليوم الثاني رأيته يضرب فقلت: ما هذا؟ فقال: كفارات.
فلما أخرج في اليوم الثالث يسلخ، قلت: ما هذا؟ قال: أرجو أن تكون درجات.
وكان كافور الأخشيدي قد بعث إلى هذا النابلسي بمال فرده وقال للرسول: قل له قال الله " إياك نعبد وإياك نستعين " والاستعانة به تكفي. فرد كافور الرسول اليه وقال له: اقرأ " له ما في السموات وما في الارض وما بينهما وما تحت الثرى " فأين ذكر كافور ها هنا، وهل المال إلا له فقال أبو بكر: كافور صوفي لا نحن، فقبله.
وكان المعز مغرى بالنجوم، فحكم له، فاستشار منجميه، فأشير عليه أن يعمل سرداباً تحت الأرض ويتوارى فيه إلى أن يجوز الوقت، فعمل على لك، وأحضر قواده، وقال: قد جعلت ولدي نزاراً خليفتي مدة غيبتي، ووصى إلى ولده، وجعل جوهر يدبره، ونزل إلى السرداب، فأقام فيه سنة، وكانت المغاربة إذا رات غماماً سارياً ترجل الفارس منهم إلى الأرض، وأومأ بالسلام تقديراً أن المعز فيه، ثم خرج بعد ذلك وجلس للناس، وأقام مديدة، ثم توفي في هذه السنة وأقام بعده ابنه ويقلب بالعزيز.
ثم دخلت
سنة ست وستين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه توفي أبو علي بن بويه في المحرم، فوجد عضد الدولة طريقاً إلى ما كان يخفيه من قصد العراق.
وفي ليلة الثلاثاء، لست بقين من جمادى الأولى: نقلت بنت عز الدولة زوجة الطائع إليه.
وبلغت زيادة دجلة في رمضان، وهو الخامس والعشرين من نيسان: أحد وعشرين ذراعاً، وانفجر بالزاهر بثق وبباب التبن آخر.


وفي شوال: ورد أبو بكر محمد بن علي بن شاهويه صاحب القرامطة إلى الكوفة ومعه ألف رجل منهم، وأقام الدعوة بها وبسوراء والنيل للطائع لله ولعضد الدولة، وكانت وقعة بين عضد الدولة وعز الدولة، فأسر فيها غلام تركي لعز الدولة لم يكن من قبل بأحظى غلمانه، ولا بأقربهم منه، فجن عليه جنوناً وحزن عليه حزناً شديداً، وتسلى عن كل شيء إلا عنه وزال تماسكه، واطرح القرار، وامتنع من المطعم والمشرب، واقطع إلى البكاء، واحتجب عن الناس، وكان إذا وصل إليه وزيره أو قواده قطعهم بالشكوى، لما حل به، وحرم على نفسه الجلوس في الفراش والمخاد، وكتب إلى عضد الدولة يسأله رد الغلام إليه وكتب إلى خواصه المطيفين به يسألهم معونته على ما رغب إليه فيه، فصار ضحكة بين الناس، وعاتبه الخلق، فما أرعوى وأنفذ الشريف أبا أحمد الحسين بن موسى رسولاً إليه في هذا الأمر، وبذل له على يده فدية الغلام جارتين عوادتين لم يكن لهما نظير، وكان قد بذل له في إحداهما مائة ألف، فأبى أن يبيعها، وقال له: إن وقف عليك هذا الأمر في الفداء فزد ما ترى، ولا تفكر فيما بيني وبين عضد الدولة إلا في هذا الغلام، فقد رضيت أن أخذه وأمضي إلى أقصى الأرض. فلما أدى الرسالة أمر عضد الدولة يرد الغلام.
في هذه السنة: حج بالناس أبو عبد الله أحمد بن أبي الحسين محمد بن عبيد الله العلوي، وكذلك إلى سنة ثمانين وثلثمائة وفي هذه السنة خطب للمغاربة في مدينة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان في حاج هذه السنة جميلة بنت ناصر الدولة أبي محمد بن حمدان، وكان معها أخوها إبراهيم، وهبة الله، فضرب بحجها المثل، فإنها استصحبت أربعمائة جمل عليها محامل عدة، ولم يعلم في أيها كانت، ونثرت على الكعبة حين شاهدتها عشرة آلاف دينار من ضرب أبيها، وكست المجاورين بالحرمين، وأنفقت الأموال الجزيلة، وقتل أخوها في الطريق، فتصدقت بدمه.
ذكر من توفي هذه السنة من الأكابر
إسماعيل بن نجيد بن أحمد بن يوسف بن سالم، أبو عمر السلمي صحب أبا عثمان ولقي الجنيد، وسمع الحديث، ورواه وكان ثقة، وتوفي في هذه السنة.
أخبرنا محمد بن ناصر، أنبأنا أبو بكر بن خلف أخبرنا أحمد بن ثابت أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت جدي إسماعيل بن نجيد يقول: من تهذبك رؤيته فاعلم أنه غير مهذب.
أنبأنا زاهر بن طاهر، أخبرنا أحمد بن الحسين البيهقي، حدثنا أبو عبد الله الحاكم، قال: سمعت أبا سعيد بن أبي بكر بن أبي عثمان يقول: كان جدي طلب شيئاً لبعض الثغور، وتأخر ذلك عنه، وضاق به ذرعاً وبكى على رؤس الناس، فجاءه أبو عمرو بن نجيد بعد العتمة، ومعه كيس فيه ألفا درهم، فقال: تجعل هذا في الوجه الذي تأخر، ففرح أبو عثمان بذلك ودعا له فلما جلس أبو عثمان قال: أيها الناس، قد رجوت لأبي عمرو مما فعل، فإنه ناب عن الجماعة في ذلك الأمر، وحمل كذا وكذا فجزاه الله عني خيراً، فقام أبو عمرو على رؤوس الناس فقال: إنما جعلت ذلك من مال أمي، وهي غير راضية، فينبغي أن يرد علي لأرده إليها، فأمر أبو عثمان بذلك الكيس، فأخرج ورده إليه على رؤوس الناس، وتفرق الخلق، فلما جن عليه الليل جاء إلى أبي عثمان في مثل ذلك الوقت، وقال: يمكن أن يجعل هذا في ذلك الوجه من حيث لا يعلم به غيرنا، فبكى أبو عثمان، وكان بعد ذلك يقول: أنا أخشى من همر أبي عمرو.
الحسن بن بويه أبو علي ركن الدولة قال المؤلف: قد ذكرنا أنه قسم الممالك بين أولاده الثلاثة، توفي عن قولنج عرض له في ليلة السبت ثامن عشرين محرم هذه السنة، وكانت إمارته أربعاً وأربعين سنة، وشهر وتسعة أيام، ومدة عمره ثماناً وسبعين سنة.
الحسين بن أبي النجم بدر بن هلال المؤدب روى عن أبي مزاحم الخالقاني. روى عنه أبو العلاء الواسطي، وكان مؤدب الطائع لله، خرج معه إلى الأهواز، فتوفي في هذه السنة، وكان ثقة، جميل الأمر.
محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن أفلح بن رافع بن إبراهيم بن أفلح بن عبد الرحمن بن عبيد بن رفاعة بن رافاعة أبو الحسن الأنصاري الزرقي وكان رفاعة بن رافع أحد النقباء عقبياً شهد أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان محمد بن إسحاق نقيب الأنصار ببغداد، وحدث عن البغوي وغيره. قال محمد ابن أبي الفوارس: كان ثقة.


وعن أبي الحسن بن الفرات قال: كان محمد بن إسحاق الزرقي ثقة، جميل الأمر، حافظاً لأمور الأنصار ومناقبهم ومشاهدهم، وقد كتبت عنه شيئاً يسيراً، وذكر لي أن كتبه تلفت، وتوفي في جمادى الآخرة سنة ست وستين وثلثمائة، ودفن في مقابر الأنصار عند أبيه.
محمد بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن كنانة، أبو بكر، المؤدب حدث عن أبي مسلم الكجي، وأبي العباس الكديمي.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أخبرني أحمد بن علي بن المحتسب، أخبرنا محمد بن أبي الفوارس قال: محمد بن المؤدب لم يكن عندي بذاك، كان فيه تساهل.
قال الخطيب: وحدثت عن أبي بكر بن المؤدب في جمادى الأولى سنة ست وستين وثلثمائة، وكان قريب الأمر.
محمد بن يوسف بن يعقوب القاضي وأبا شعيب الحرابي، وأبا جعفر الحضرمي، وغيرهم، وكان شديد الاجتهاد في العبادة وكان يشبه بأبي يونس البغوي صلى حتى أقعد، ثم بكى حتى عمي، وتوفي يوم عاشوراء من هذه السنة.
ثم دخلت
سنة سبع وستين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه ورد الخبر في صفر إلى الكوفة بوفاة. أبي يعقوب يوسف بن الحسن الجنابي القرطمي صاحب هجر، فأغفلت أسواق الكوفة ثلاثة أيام.
وفي ربيع الأول: زلزلت بغداد.
وفي ربيع الآخر: عبر عز الدولة إلى الجانب الغربي على جسر عقدة، ودخل إلى قطربل، وتفرق عنه ديلمته، ودخل أوائل أصحاب عضد الدولة، ثم نزل عضد الدولة بالخيم في الشيفيعي، وخرج الطائع متلقياً له، وضربت القباب المزينة، ودخل البلد، ثم خرج عضد الدولة ومعه الطائع، ليقاتل عز الدولة بختيار، فلما أراد الخروج دخل عليه أبو علي الفارسي فقال له: ما رأيك في صحبتنا؟ فقال: أنا من رجال الدعاء لا اللقاء فخار الله للملك في عزيمته وأنجح قصده في نهضته، وجعل العافية زاده والظفر تجاهه، والملائكة أنصاره، ثم إنه أنشأ يقول:
ودعته حيث لا تودعه ... نفس ولكنها تسير معه.
ثم تولى وفي الفؤاد له ... ضيق محل وفي الدموع سعة.
فقال له عضد الدولة: بارك الله فيك، فإني أثق بطاعتك، وأتيقن صفاء طويتك، وقد أنشدنا بعض أشياخنا بفارس:
قالوا له إذ سار جانبه ... فبدلوه البعد بالقرب.
والله ما شطت نوى ظاعن ... سار من العين إلى القلب.
فدعا له أبو علي، وقال: ائذن مولانا في نقل هذين البيتين، فأذن له فاستملاهما منه، فلما خرج للقتال التقوا فأخذ عز الدولة أسيراً، وقتل، ثم ركب بعد ذلك عضد الدولة إلى دار الطائع لله في يوم الأحد لتسع خلون من جمادى الأولى، أصناف الجند، والأشراف والقضاة والشهود والأماثل، والوجوه، فخلع عليه الخلع السلطانية، وتوجه بتاج مرصع بالجوهر، وطوقه وسوره وقلده سيفاً وعقد له لوائين بيده أحدهما مفضفض على رسم الأمراء، والآخر مذهب على رسم ولاة العهود، ولم يعقد هذا اللواء الثاني لغيره قبله، ممن يجري مجراه، ولقبه: تاج الملة، مضافاً إلى عضد الدولة، وكتب له عهداً، وقرئ العهد بحضرته، ولم تجر العادة بذلك، وإنما كانت العهود تدفع إلى الولاة بحضرة الخلفاء، فإذا أخذه الرجل منهم قال له: هذا عهدي إليك، فاعمل به وحمله على فرس بمركب ذهب، وقاد بين يديه آخر بمركب مثله، فخرج وجلس في الطيار إلى داره، وجلس من الغد بالخلع والتاج على السرير للهناء، وتقدم بإخراج عشرين ألف درهم في الصدقات، ففرقت على سائر الملل، وبعث إليه الطائع هدايا كثيرة طريفة، فبعث هو خمسمائة جمل، وحمل خمسين ألف ألف دينار، وألف ألف درهم، وخمسمائة ثوب أنواعاً وثلاثين صينية فضة فيها العنبر والمسك والنوافخ.
وفي شهر رمضان: وردت المدود العظيمة بسامرا فقلعت سكر السهلية، وتناهت زيادة دجلة حتى انتهت إلى إحدى وعشرين ذراعاً، وانفجر بالزاهر من الجانب الشرقي بثق غرق الدور والشوارع، وانفجر بثق من الخندق غرق مقابر باب التبن، وقطيعة أم جعفر، وخرج سكان الدور الشارعة على دجلة منها، وغار الماء من آبارها وبلاليعها، وأنقم الناس نفوسهم خوفاً من غرق البلد كله، ثم نقص الماء.
وفي يوم الأحد سابع ذي القعدة كانت بسيراف زلزلة هدمت المنازل، وأتت على ما فيها من الأموال، وهلك بها أكثر من مائتي إنسان


وفي هذه السنة. جرت لأبي الحسين بن سمعون قصة عجيبة مع عضد الدولة.
أخبرنا بها أبو الحسن علي بن المعافى الفقيه قال: حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي البزاز قال: أخبرنا القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي إجازة قال: حدثنا أبو الحسن علي بن نصر بن الصباح قال: حدثنا أبو الثناء شكر العضدي قال: دخل عضد الدولة إلى بغداد، وقد هلك أهلها قتلاً وحرقاً وجوعاً للفتن التي اتصلت فيها بين الشيعة والسنة، فقال: آفة هؤلاء القصاص يغرون بعضهم ببعض ويحرضونهم على سفك دمائهم، وأخذ أموالهم، فنادى في البلد لا يقص أحد في جامع ولا طريق، ولا يتوسل متوسل بأحد من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ومن أحب التوسل قرأ القرآن، فمن خالف فقد أباح دمه. فرفع إليه في الخبر أن أبا الحسين بن سمعون الواعظ جلس على كرسيه يوم الجمعة في جامع المنصور، وتكلم على الناس، فأمرني أن أنفذ إليه من يحصله عندي، ففعلت فدخل علي رجل له هيبة، وعلى وجهه نور، فلم أملك أن قمت إليه، وأجلسته إلى جانبي، فلم ينكر ذلك وجلس غير مكترث، وأشفقت والله أن يجري عليه مكروه على يدي، فقلت: أيها الشيخ، إن هذا الملك جلد عظيم، وما كنت أوثر مخالفة أمره، وتجاوز رسمه، والآن فأنا موصلك إليه، فكما تقع عينك عليه، فقبل التراب وتلطف في الجواب، إذ سألك واستعن الله فعساه يخلصك منه. فقال: الخلق والأمر لله عز وجل، فمضيت به إلى حجرة في الدار قد جلس فيها الملك منفرداً خيفة أن يجري من أبي الحسين بادرة بكلام فيه غلظ، فتسير به الركبان، فلما دنوت من الحجرة وقفته وقلت له: إياك من أن تبرح من مكانك حتىأعود إليك، وإذ سلمت فليكن بخشوع وخضوع.
ودخلت لأستأذن له، فالتقت فإذا هو واقف إلى جانبي، قد حول نحو دار بختيار، واستفتح وقرأ. بسم الله الرحمن الرحيم " وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد " . ثم حول وجهه نحو الملك، وقال بسم الله الرحمن الرحيم " ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون " وأخذ في وعظه فأتى بالعجب فدمعت عين الملك، وما رأيت ذلك منه قط، وترك كمه على وجهه، وتراجع أبو الحسين، فخرج ومضى إلى حجرتي فقال الملك: امض إلى بيت المال، وخذ ثلاثة آلاف درهم، وإلى خزانة الكسوة وخذ منها عشرة أثواب، وادفع الجميع إليه، فإن امتنع فقل له: فرقها في فقراء أصحابك، فإن قبلها فجئني برأسه، فاشتد جزعي وخشيت أن يكون هلاكه على يدي، ففعلت وجئته بما أمر، وقلت له: مولانا يقرئك السلام، وقال لك: استعن بهذه الدراهم في نفقتك، والبس هذه الثياب، فقال لي: إن هذه الثياب التي علي مما قطعه لي أبي منذ أربعين سنة، ألبسها يوم خروجي إلى الناس، وأطويها عند انصرافي عنهم وفيها متعة وبقية ما بقيت، ونفقتي من أجرة دار خلفها أبي، فما أصنع بهذا؟ قلت: هو يأمرك بأن تصرفه في فقراء. أصحابك. فقال: ما في أصحابي فقير، وأصحابه إلى هذا أفقر من أصحابي، فليفرقه عليهم. فعدت فأخبرته، فقال الحمد لله الذي سلمه منا، وسلمنا منه.
ذكر من توفي في هذه السنة نت الأكابر
إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمويه أبو القاسم النصر أباذي النيسابوري منسوب إلى نصر أباذ بنيسابور، وهي محلة من محالها، وكذلك أبو نصر النصر أباذي الفقيه وجماعة.
وثم آخر يقال له أبو عمرو محمد بن عبد الله النصر أباذي منسوب إلى أباذ من الري، كبير القدر يروي الحديث، فأما أبو القاسم، فإنه سمع الحديث الكثير من جماعة منهم: مكحول البيروتي، وكان ثقة عالماً بالحديث، روى عنه أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو عبد الله الحاكم، وأبو العلاء الواسطي، وصحب الشبلي، وجاور بمكة، وتوفي في هذه السنة.
بختيار أبو منصور الملك عز الدولة بن معز الدولة أبي الحسين أحمد بن بويه ملك بعد موت أبيه، وكان أحسن الناس وأشدهم جسماً وقلباً، وكان يصرع الثور الجلد بيديه من غير أعوان ولا حبال، يقبض على قوائمه ويطرحه إلى الأرض حتى يذبح، وكان من قوة القلب على جانب عظيم يبارز الأسود في متصيداته، وخلع المطيع عليه وطوقه وسوره، وكتب عهده، فطمع ابن عمه عضد الدولة في مملكة بغداد، فخاصمه فقتل بختيار، وكان سنة يومئذ ستاً وثلاثين سنة، وكانت مدة إمارته إحدى عشرة سنة وشهوراً.
عبيد الله بن عبد الله بن محمد بن أبي سمرة


أبو محمد البندار بغوي الأصل. سمع الباغندي، روى عنه البرقاني وقال: ثقة أمين، له معرفة وحفظ، وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
عثمان بن الحسن بن علي بن محمد، أبو يعلى الوراق الطوسي سمع البغوي، وابن أبي داود، روى عنه البرقاني، وقال: كان ذا معرفة وفضل له تخريجات وجموع، وهو ثقة، توفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
محمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر بن بجير أبو طاهر الذهلي القاضي ولد سنة تسع وتسعين ومائتين، وسمع أبا شعيب الحراني، ويوسف بن يعقوب، وثعلبا، وغيرهم، وولي القضاء بواسط، ثم بمدينة المنصور وبالشرقية، وكان على مذهب مالك، حدث ببغداد، وسمع الدارقطني، وكان ثقة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الحافظ أنبأنا إبراهيم بن مخلد، أنبأنا إسماعيل بن علي الخطبي قال: صرف الحسين بن عمر بن محمد القاضي عن قضاء مدينة المنصور، ثم ولاه القضاء بواسط إلى أن توفي عمر وأقام على حالة مدة، ثم عزله بجكم عند دخوله إلى واسط ونكبه وصار إلى بغداد، وأقام في منزله، ثم ولي قضاء المدينة وأعمالها، وكان حسن الستر، جميل الأمر.
وقال الصوري: كان أبو طاهر قاضياً بمصر، وبها توفي سنة سبع وستين وثلثمائة استعفى من القضاء قبل موته.
محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن عيسى بن يقطن أبو جعفر البزاز سمع أبا خليفة الفضل بن الحباب، وأبا يعلى الموصلي، والباغندي، والبغوي، وسافر وكتب بالجزيرة والشام وغيرهما من البلدان، فأكثر وكان صدوقاً فهماً، روى عنه أبو نعيم الأصبهاني وغيره، قال أبو الحسن بن الفرات: كان أبو جعفر ثقة وانتقى عليه من الحفاظ عمر البصري، وابن المظفر، والدارقطني، وتوفي يوم الأربعاء ودفن يوم الخميس رابع عشرين ربيع الآخر من هذه السنة.
محمد بن عبد الرحمن، أبو بطر القاضي ابن قريعة روى عن أبي بكر ابن الأنباري، ولا يعرف له مسند من الحديث، وكان حسن الخاطر، يأتي الكلام مسجوعاً مطبوعاً من غير تعمد، ولاه أبو السائب عتبة بن عبيد الله القاضي قضاء السندية وغيرها من أعمال الفرات، ومشى يوماً مع ابن معروف القاضي فدخلا درباً فتأخر، ثم قال لابن معروف: إن تقدمت فحاجب، وإن تأخرت فواجب، وزحمه يوماً حمار عليه راكب فقال:
يا خالق الليل والنهار ... صبراً على الذل والصغار.
كم من جواد بلا حمار ... وكم من حمار على حمار.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: حدثني منصور بن ربيعة الزهري قال: سمعت أبا طاهر العطار قاضي الدينور يقول: سمعت أبا سعيد السمرقندي يقول: كان ببغداد قائد يلقب بالكينا كنيته أبو إسحاق، وكان يخاطب ابن قريعة بالقاضي، فندر منه يوماً في المخاطبة أن قال لابن قريعة: يا أبا بكر. فقال له ابن قريعة: لبيك يا أبا إسحاق! فقال القائد: يا هذا إنما بكركتك إذا قضيتنا فإذا بكرتنا فسحقناك فقال القائد: ويلاه، هذا أفصح من الأول.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي قال: حدثني محمد بن أبي الحسن قال: أنشدني أبو العباس أحمد بن علي النحوي قال سمعت ابن قريعة ينشد:
لي حيلة فيمن ينم ... وليس في الكذاب حيلة.
من كان يخلق ما يقول ... فحيلتي فيه قليلة.
توفي ابن قريعة ليلة السبت لعشر بقين من جمادى الآخرة من هذه السنة، عن خمس وستين سنة.
ثم دخلت
سنة ثمان وستين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أن الطائع تقدم في شعبان بأن تقام الخطبة لعضد الدولة على منابر الحضرة تالية للخطبة له، فوقع الابتداء بذلك في يوم الجمعة لتسع بقين منه، وبأن تضرب على بابه ببغداد الدبادب في أوقات الصلوات الثلاث: الغداة، والمغرب، والعشاء، وهذان الأمران لم يكونا من قبل ولا أطلقا لولاة العهود، ولا خطب بحضرة السلطان إلا له، ولا ضربت الدبادب إلا على بابه، وقد كان معز الدولة أحب أن تضرب له الدبادب بمدينة السلام، وسأل المطيع لله ذاك، فلم يأذن له، ودخل عضد الدولة داره بمدينة السلام عائداً من الموصل، وتلقاه الطائع بقطربل.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك بن شيب بن عبد الله أبو بكر القطيعي


ولد في محرم سنة أربع وسبعين ومائتين، وأبوه يكنى: أبا الفضل، وحمدان لقب، وإنما اسمه أحمد، وكان يسكن قطيعة الدقيق فنسب إليها، سمع أبو بكر من إبراهيم بن إسحاق، وإسحاق بن الحسن الحربيين، وبشر بن موسى، والكديمي، والكجي، وعبد الله بن أحمد وغيرهم، وكان كثير الحديث ثقة، روى عن عبد الله بن أحمد المسند والزهد والتاريخ والمسائل وغير ذلك.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، أخبرنا أبو طالب محمد بن الحسين بن بكير قال: سمعت أبا بكر بن مالك القطيعي يقول: كانت والدتي بنت أخي أبي عبد الله بن الجصاص، وكان عبد الله بن أحمد يجيئنا فيقرأ علينا ما نريد، وكان يقعدني في حجره حتى يقال له: يؤلمك؟ فيقول: إني أحبه.
قال المصنف رحمه الله: لما غرقت القطيعة بالماء الأسود غرق بعض كتبه فاستحدث عوضها، فتكلم فيه بعضهم، وقال: كتب من كتاب ليس فيه سماعه، ومثل هذا لا يطعن به عليه، لأنه لا يجوز أن تكون تلك الكتب قد قرئت عليه، وعورض بها أصله.
وقد روى عنه الأئمة كالدارقطني، وابن شاهين، والبرقاني، وأبي نعيم، والحاكم، ولم يمتنع أحد من الرواية عنه، ولا ترك الاحتجاج به.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب قال: لما اجتمعت بأبي عبد الله الحاكم ذكرت ابن مالك ولينته، فأنكر علي وقال: ذلك شيخي، وحسن حاله.
وقد حكي عن أبي الحسن بن الفرات أنه قال: تغير ابن مالك في لآخر عمره، فكان لا يعرف شيئاً مما قرئ عليه، وتوفي في هذه السنة، ودفن في مقابر باب حرب قريباً من قبر الإمام أحمد بن حنبل.
تميم بن المعز. قد ذكرنا أن المعز أول من ظهر من المغرب على ديار مصر وكان له أولاد منهم تميم هذا وكان في تميم فضل، ووفاء، وكرم، وفصاحة، وله شعر حسن.
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي، قال: حدثني أبو محمد علي بن أبي عمر اليزيدي قال: حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الواحد الزبيري قال: حدثني أبو علي الحسن بن الأشكري المصري قال: كنت من جلاس الأمير تميم بن المعز، وممن غلب عليه جداً، فبعث بي إلى بغداد فاشتريت له جارية رائعة من أفضل ما وجد في الحسن والغناء، فلما وصلت إليه أقام دعوة لجلسائه وأنا فيهم، ثم وضعت الستارة وأمرها بالغناء فغنت:
وبدا من بعدم اندمل الهوى ... برق تألق موهناًلمعانه.
يبدو كحاشية الرداء ودونه ... صعب الذرى متمنع أركانه.
وفي غير هذه الرواية زيادة:
فبدا لينظر كيف لاح فلم يطق ... نظراً إليه وصده سجانه.
فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه ... والماء ما سمحت به أجفانه.
قال: أحسنت، وطرب تميم، وكل من حضر، ثم غنت.
سيسليك عما فات أول مفضل ... أوائله محمودة وأواخره.
ثنى الله عطفيه وألف شخصه ... على البرمذ شدت عليه مآزره.
فطرب الأمير تميم، ومن حضر طرباً شديداً، ثم غنت:
أستودع الله في بغداد لي قمراً ... بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه.
فاشتد طرب تميم، وأفرط جداً ثم قال لها: تمني ما شئت فلك مناك. فقالت: أتمنى عافية الأمير وبقاءه، فقال: ووالله لا بد لك أن تتمني. فقالت: على الوفاء أيها الأمير بما أتمنى؟ فقال: نعم. فقالت: أتمنى أن أغني هذه النوبة ببغداد. فاستنقع لون تميم، وتغير لونه، وتكدر المجلس، وقام وقمنا كلنا.
قال ابن الأشكري فلحقني بعض خدمه وقال لي: ارجع، فالأمير يدعوك. فرجعت فوجدته جالساً ينتظرني، فسلمت وجلست بين يديه، فقال: ويحك أرأيت ما امتحنا به؟ قلت: نعم أيها الأمير. قال لابد من الوفاء لها وما أثق في هذا بغيرك، فتأهب لتحملها إلى بغداد، فإذا غنت هناك فاصرفها فقلت: سمعاً وطاعة، قال: ثم قمت وتأهبت، وأمرها بالتأهب، وأصحبها جارية له سوداء تعاد لها وتخدمها، وأمر بناقة ومحمل فأدخلت فيه، وحملها معي، ثم سرت إلى مكة مع القافلة، فقضينا حجنا ثم دخلنا في قافلة العراق، وسرنا فلما وردنا القادسية أتتني السوداء عنها فقالت: تقول لك سيدتي أين نحن، فقلت لها: نحن نزول بالقادسية. فانصرفت إليها فأخبرتها، فلم أنشب أن سمعت صوتها قد تدافع بالغناء:
لما وردنا القادسي ... ة حيث مجتمع الرفاق.


وشممت من أرض الحجا ... ز نسيم أرواح العراق.
أيقنت لي ولمن أح ... ب بجمع شمل واتفاق.
وضحكت من فرح اللقا ... ء كما بكيت من الفراق.
فتصايح الناس من أقطار القافلة: أعيذي بالله. فما سمع لها قال: ثم نزلنا بالياسرية، وبينها وبين بغداد قرب في بساتين متصلة، ينزلها الناس فيبيتون ليلتهم، ثم يبكرون لدخول بغداد فلما كان قريب الصباح إذا بالسوداء قد أتتني مذعورة فقلت: ما لك؟ فقالت: إن سيدتي ليست حاضرة، فقلت: وأين هي؟ قالت: والله ما أدري. قال: فلم أحس لها أثر بعد، ودخلت بغداد وقضيت حوائجي منها، وانصرفت إليه، فأخبرته الخبر، فعظم ذلك عليه، واغتنم له، ثم مازال بعد ذلك ذاكراً لها واجماً عليها.
الحسن بن عبد الله بن المرزبان أبو سعيد السيرافي النحوي القاضي سكن بغداد، وولي القضاء بها عن جماعة عن عبد الله بن محمد بن زياد، وأبى بكر بن زياد وغيرهما، وكان أبوه مجوسياً واسمه بهزاد، فسماه أبو سعيد عبد الله.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب قال: سمعت رئيس الرؤساء أبا القاسم علي بن الحسن يذكر أن أبا سعيد السيرافي النحوي كان يدرس القرآن، والقراءات وعلوم القرآن، والنحو، واللغة، والفقه، والفرائض، والكلام، والشعر، والعروض، والقوافي، والحساب، وذكر علوماً سوى هذه، وكان من أعلم الناس بنحو البصريين، وينتحل مذهب أهل العراق في الفقه، وقرأ على أبي بكر بن مجاهد القرآن، وعلى ابن دريد اللغة ودرسا جميعاً عليه النحو، وقرأ على أبي بكر بن السراج، وعلى أبي بكر المبرمان النحو، وقرأ أحدهما عليه القرآن، ودرس الآخر عليه الحساب، وكان زاهداً لا يأكل إلا من كسب يده فذكر جدي أبو الفرج عنه أنه كان لا يخرج إلى مجلس الحكم العزيز ولا غلى مجلس التدريس في كل يوم غلا بعد أن ينسخ عشر ورقات يأخذ أجرتها عشرة دراهم تكون قد مؤنته ثم يخرج.
وقال ابن أبي الفوارس: كان يذكر عنه الاعتزال، ولم نره يظهر من ذلك شيئاً، وكان نزهاً عفيفاً، توفي في رجب هذه السنة، عن أربع وثمانين سنة ودفن في مقبرة الخيرزان.
عبد الله بن إبراهيم بن يوسف، أبو القاسم الزنجاني الأبندوني وهي قرية من قرى جرجان أحد الرحالين في طلب العلم والحديث إلى البلاد، وكان رفيق أبي أحمد بن عدي الحافظ، وسكن بغداد، وحدث عن أبي يعلى الموصلي، والحسن بن سفيان، وابن خزيمة، وغيرهم، روى عنه البرقاني وغيره وكان ثقة ثبتاً مصنفاً.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب قال: سمعت البرقاني ذكر الأبندوني قال: كان محدثاً قد أكل ملحه، وكان زاهداً ولم يكن يحدث غير واحد منفرد، فقيل له في ذلك، فقال: أصحاب الحديث فيهم سوء أدب، فإذا اجتمعوا تحدثوا، وأنا لا أصبر على ذلك. قال البرقاني: ودفع إلي يوماً قدحاً فيه كسر يابسة، وأمرني أن أحمله إلى الباقلاوي ليطرح عليه ماء الباقلاء، ففعلت ذلك، فلما ألقى الباقلاوي الماء في القدح من الباقلاء ثنتان، أو ثلاث، فقال: فبادر الباقلاوي إلى رفعها فقلت له: ويحك، ما مقدار هذا حتى ترفعه من القدح، فقال: هذا الشيخ يعطيني في كادل شهر دانقاً حتى أبل له الكسر اليابسة، فكيف أدفع إليه الباقلاء مع الماء، وجعل البرقاني يصف أشياء من تقلله وزهده، وقال: كان سيداً في المحدثين، توفي الأبندوني في جمادى الأولى، من هذه السنة.
عبد الله بن ورقاء أبو أحمد الشيباني أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب قال: كان أبو أحمد الشيباني من أهل البيوتات وأسرته من أهل الثغور.
أنشدنا القاضي أبو علي قال: أنشدنا الأمير أبو أحمد ابن ورقاء قال: أنشدنا ثعلب قال أنشدني ابن الأعرابي لأعرابي في صفة النساء:
هي الضلع العوجاء لست تقيمها ... ألا غن تقويم الضلوع انكسارها.
أيجمعن ضعفاً واقتداراً على الفتى ... أليس عجيباً ضعفها واقتدارها.
توفي أبو أحمد في آخر ذي الحجة من هذه السنة، وقد بلغ تسعين سنة.
عبد الله بن الحسن بن سليمان، أبو القاسم المقرئ ابن النحاس


ولد سنة تسعين ومائتين، وسمع أحمد بن الحسن الصوفي، والبغوي، وابن أبي داود. روى عنه أبو بكر بن مجاهد، وأبو الحسن الحمامي، والبرقاني، وكان ثقة من أهل القرآن، والفضل، والخير، والعفاف والستر، والعقل الحسن، والمذهب الجميل. توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
عيسى بن حامد بن بشر بن عيسى، أبو الحسن القاضي ابن بنت القنيبطي سمع جعفر الفريابي، وابن جرير الطبري، وكان أحد أصحابه، وكان ثقة جميل الأمر، وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة.
محمد بن أحمد بن إبراهيم أبو الحسن الشافعي سمع محمد بن عثمان بن أبي شيبة، توفي في يوم الخميس في جمادى الأولى من هذه السنة.
محمد بن إسحاق بن محمد بن إبراهيم أبو الحسن السختياني سمع أبا العباس الثقفي وأقرانه وكان من العباد المجتهدين، وكان يحج ويغزو، ولا يعلم بذلك أهل بلده، فإذا سئل عن غيبته لم يحدث بذلك، وتوفي في رجب هذه السنة وهو ابن ست وستين سنة.
محمد بن عيسى بن محمد بن عبد الرحمن أبو أحمد الجلودي روى عن إبراهيم بن محمد بن سفيان عن مسلم صحيحه وكان من الزهاد، وكان يورق ويأكل من كسب يده، وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة وهو ابن ثمانين سنة.
محمد بن محمد ابن يوسف أبو بكر اللحياني المقرئ نزل نيسابور، وادعى دعاوى في القراءات.
أنبأنا زاهر بن طاهر، أنبأنا أبو عثمان الصابوني، وأبو بكر البيهقي قالا: أخبرنا الحاكم أبو عبد الله قال: سمعت أبا بكر بن الغمام يقول: قلت لأبي بكر اللحياني: على من قرأت بالعراق: فقال: على أبي بكر بن مجاهد، فقلت: قرأت عليه قبل أن يخضب، أو بعد أن خضب؟ قال: قرأت عليه وقد خضب ، قال : قلت: فقرأت عليه قبل أن يأخذ العصا بيده، أو بعد أن أخذ العصا بيده قال: كان لا يخرج إلا والعصا بيده، قال: فقلت هذا، فوالله الذي لا إله إلا هو ما خضب أبو بكر بن مجاهد ولا أخذ العصا بيده قط.
ثم دخلت
سنة تسع وستين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه قبض على الشريف أبي أحمد الحسين بن موسى الموسوي في صفر، وقلد أبو الحسن علي بن أحمد بن إسحاق العلوي نقابة الطالبين ببغداد وواسط، وأبو الفتح أحمد بن عمر بن يحيى نقابتهم بالكوفة، وأبو الحسن أحمد بن القاسم المحمدي نقابتهم بالبصرة والأهواز، وكان قد استذنب أبو أحمد بما ليس بذنب، فأري خطاً مزوراً على خطه بإفشاء الأسرار وقيل له: إن عز الدولة أعطاك عقداً في غلامه فكتمناه فقال: أما الخط فليس بخطي، وأما العقد فإنه قال: إن لم يقبل ما دفعت فادفع هذا فلم يجز لي أن أخونه.
وفي يوم الإثنين لأربع بقين من صفر: قبض عضد الدولة على أبي محمد ابن معروف قاضي القضاة، وأنفذه إلى القلعة بفارس، وقلد أبو سعد بشر بن الحسين ما كان غليه من قضاء القضاة، واحتج على على ابن معروف بالتقصير في حق عضد الدولة، وبأنه ينفسح فيما لا ينبغي للقضاة مثله، فأجاب عن ذلك فلم يلتفت غليه.
وفي شعبان: ورد ريول للعزيز صاحب مصر إلى عضد الدولة بكتاب وما زال يبعث إليه برسالة بعد رسالة، فأجابه بما مضمونه صدق الطوية، حسن النية.


وسأل عضد الدولة: الطائع في مورده الثاني إلى الحضرة أن يزيد في لقبه تاج الملة، ويجدد الخلع عليه، ويلبسه التاج والحلي المرصع بالجواهر، فأجابه إلى ذلك وجلس الطائع على سرير الخلافة في صدر صحن السلام، وحوله من خدمه الخواص نحو مائة بالمناطق والسيوف والزينة، وبين يديه مصحف عثمان، وعلى كتفيه البردة، وبيده القضيب، وهو متقلد سيف النبي صلى الله عليه وسلم، وضرب ستارة بعثها عضد الدولة، وسأل أن يكون حجاباً للطائع حتى ى يقع عليه عين أحد من الجند قبله، ودخل الأتراك والديلم، ولم يكن مع أحد منهم حديد، ووقف الأشراف وأصحاب المراتب من الجانبين، فلما وصل عضد الدولة أوذن به الطائع فأذن له، فدخل، فأمر برفع الستارة، فقيل لعضد الدولة: قد وقع طرفه عليك، فقبل الأرض ولم يقبلها أحد ممن معه تسلماً للرقبة في تقبيل الأرض إليه فارتاع زياد من بين القواد لما شاهد، وقال بالفارسية: ما هذا أيها الملك، أهذا هو الله عز وجل؟ فالتفت غلى أبي القاسم عبد العزيز بن يوسف وقال له: فهمه وقل له: هذا خليفة الله في الأرض، ثم استمر يمشي ويقبل الأرض تسع مرات، واتفت الطائع إلى خالص الخادم وقال له: استدنه. فصعد عضد الدولة وقبل الأرض، دفعتين فقال له الطائع: ادن إلي، ادن إلي، فدنا، وأكب، وقبل رجله، وثنى الطائع يمينه عليه وكان بين يديه سريره مما يلي الجانب الأيمن للكرسي، ولم يجلس فقال له ثانياً: اجلس، فأومأ، ولم يجلس، فقال له أقسمت عليك لتجلسن، فقبل الكرسي، وجلس، فقال له الطائع: ما كان أشوقنا إليك، وأتوقنا إلى مفاوضتك. فقال: عذري معلوم. فقال: نيتك موثوق بها، وعقيدتك مسكون إليها. وأومأ برأسه، ثم قال له الطائع: قد رأيت أن أفوض إليك ما وكل الله تعالى إلي من أمور الرعية في شرق الأرض وغربها، وتدبيرها في جميع جهاتها سوى خاصتي وأسبابي، وما وراء بابي، فتول ذلك مستخيراً بالله تعالى. فقال له عضد الدولة: يعينني الله عز وجل على طاعة مولانا وخدمته، وأريد المطهر وعبد العزيز ووجوه القواد الذين دخلوا معي أن يسمعوا لفظ أمير المؤمنين. فأذنوا وقال الطائع: هاتوا الحسين بن موسى، ومحمد بن عمرو بن معروف، وابن أم شيبان، والزيني، فقدموا فأعاد الطائع لله القول بالتفويض إليه، والتعويل عليه، ثم التفت إلى طريف الخادم فقال: يا طريف، يفاض عليه الخلع، ويتوج. فنهض عضد الدولة إلى الرواق، فألبس الخلع، فخرج فأومأ ليقبل الأرض، فلم يطق، فقال له الطائع: حسبك حسبك. وأمره بالجلوس على الكرسي، ثم استدعى الطائع تقديم ألويته، فقدم لواءان، واستخار الطائع لله عز وجل وصلى على رسوله صلى الله عليه وسلم وعقدهما، ثم قال: يقرأ كتابه. فقرأ، فقال له الطائع: خار الله لنا ولك وللمسلمين، آمرك بما أمرك الله به. وأنهاك عما نهاك الله عنه وأبرأ إلى الله مما سوى ذلك، انهض على اسم الله. وأخذ الطائع سيفاً كان بين المخدتين اللتين تليانه، فقلده إياه مضافاً إلى السيف الذي قلده مع الخلعة، ولما أراد عضد الدولة أن ينصرف قال للطائع: إني أتطير أن أعود على عقبي فأسأل أن يؤمر بفتح هذا الباب لي. فأذن في ذلك، وشاهد في الحال نحو ثلثمائة صانع قد أعدهم عضد الدولة حتى هيئ للفرس مسقال، وركب وسار الجيش، وسار في البلد. ثم بعث الطائع إليه بعد ثلاثة أيام هدية فيها غلالة قصب، وصينية ذهب، وخرداذي بلور، وفيه شراب ناقص كأنه قد شرب بعضه، وعلى فم الخرداذي خرقة حرير مشدودة مختومة، وكأس من هذا الفن فوافى أبو نصر الخازن ومعه من الأموال نحو ما ذكرنا في دخوله الأول في السنة الماضية، ولما عاد عضد الدولة جلس للتهنئة، فقال أبو إسحاق الصابي: على البديهة:
يا عضد الدولة الذي علقت ... يداه من فخره بأعرقه.
لبست للملك تاج ملته ... فصل عرى غربة بمشرقه.
أحرزت منك الجديد في عمر ... أطاله الله غير مخلقه.
يلوح منك الجبين بحاشية ... لحاظنا في ضياء رونقه.
كأنه الشمس في إنارتها ... ويشبه البدر في تألقه.
لما رأيت الرجال تنشده ... من كل فحل القريض مغلقه.
ألجأت نفسي إليك رؤيتها ... لتطلب المدح طول منطقه.
قال له خاطري بطمع أن ... تساجل البحر في تدفقه.


خفف وأوجز فقلت مختصرأ ... للقول في جده وأصدقه.
يفتخر النعل تحت أخمصه ... فكيف بالتاج فوق مفرقه.
وفي شهر رمضان: بعث إلى ضبة بن محمد الأسدي، وكان من أكابر الذعار، وقد قتل النفوس، ونهب الأموال، وقد تحصن بعين التمر، نيفاً وثلاثين سنة، والوصول غليها يصعب، فلما طل عليه العسكر هرب وترك أهله وخاصته، فأسر أكثرهم وملك البلد.
وفي يوم الثلاثاء لتسع بقين من ذي القعدة: تزوج الطائع لله بنت عضد الدولة الكبرى، وعقد العقد بحضرة الطائع، بمحضر من الأشراف، والقضاة، والشهود، ووجوه الدولة على صداق مبلغه مائة ألف دينار، وفي رواية: مائتي ألف دينار، والوكيل عن عضد الدولة في العقد. أبو الحسن بن أحمد الفارسي النحوي، والخطيب الخاص القاضي أبو علي المحسن بن علي التنوخي.
وفي هذا الشهر: قلد أبو الفتح أحمد بن عمر بن يحيى العلوي الحج، وتولاه في موسم هذه السنة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
أحمد بن عطاء بن أحمد، أبو عبد الله الروذباري ابن أخت أبي علي الروذباري. أسند الحديث، وكان يتكلم على مذهب الصوفية، توفي بصور في ذي الحجة من هذه السنة.
الحسين بن علي أبو عبد الله البصري العجل سكن بغداد، وكان من شيوخ المعتزلة، وصنف على مذاهبهم، وانتحل في الفروع مذهب أهل العراق، وتوفي في هذه السنة وصلى عليه أبو علي الفارسي، ودفن في تربة استاذه أبي الحسن الكرخي بدرب الحسن بن زيد، وكلن قد قارب الثمانين سنة.
حسنويه بن الحسين الكردي. كان له مال عظيم، وسلطان، وكان يخرج أموالاً كثيرة في الصدقات. توفي في قلعته يوم الثلاثاء لليلة من ربيع الآخر من هذه السنة.
سعيد بن أحمد بن محمد بن جعفر أبو عثمان النيسابوري قدم بغداد وحدث بها عن أبي العباس الأصم وغيره، فروى عنه أبو العلاء الواسطي، وتوفي عند انصرافه من الحج في جمادى الأولى من هذه السنة.
عبد الله بن إبراهيم بن أيوب بن ماسي أبو محمد البزاز ولد سنة أربع وسبعين ومائتين. سمع أبا مسلم الكجي، ويوسف بن يعقوب القاضي. روى عنه ابن رزقويه، وأبو علي بن شاذان، وكان ثقة توفي في رجب هذه السنة.
محمد بن صالح بن علي بن يحيى، أبو الحسن الهاشمي ابن أم شيبان ولد يوم عاشوراء من سنة أربع وتسعين ومائتين، وله أخ يقال له: محمد أيضاً إلا أن هذا هو الأكبر، وأصله من الكوفة، وولي القضاء ببغداد، وحدث عن عبد الله بن زيدان وغيره، روى عنه البرقاني.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا علي بن المحسن، أخبرنا طلحة بن محمد بن جعفر قال: لما نقل المستكفي بالله نائبه أبا السائب عن القضاء بمدينة المنصور في يوم الإثنين مستهل ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وثلثمائة، قلد في هذا اليوم أبا الحسن محمد بن صالح، ويعرف هو وأهله ببني أم شيبان، واسمها كنيتها، وهي بنت يحيى بن محمد من أولاد طلحة بن عبيد الله، والقاضي أبو الحسن من أهل الكوفة، بها ولد ونشأ، وكتب الحديث ثم قدم بغداد وقرأ على ابن مجاهد وقرأ على ابن مجاهد، ولقي الشيوخ، وصاهر قاضي القضاة أبا عمر محمد بن يوسف على بنت ابنته، وأبو الحسن رجل عظيم القدر، وافر العقل، واسع العلم، حسن التصنيف، ثم قلده المطيع قضاء الشرقية مضافاً إلى مدينة المنصور، وتوفي في فجأة جمادى الأولى من هذه السنة.
محمد بن إسحاق بن محمد بن إسحاق النعالي سمع علي بن دليل، وأبا سعيد بن رميح النسوي، وغيرهما، وتوفي قبل سنة سبعين وثلثمائة أبو الحسين بن أحمد بن زكرياء بن فارس اللغوي. صاحب المجمل في اللغة وغيره من الكتب، له التصانيف الحسان، والعلم الغزير، والمعرفة الجيدة باللغة.
أنشدنا محمد بن ناصر قال: أنشدنا أبو زكرياء يحيى بن علي التبريزي لابن فارس:
وقالوا كيف حالك؟ قلت خير ... تقضى حاجة وتفوت حاج.
إذا ازدحمت هموم الصدر قلنا ... عسى يوماً يكون لها افراج.
نديمي هرتي وشفاء نفسي ... دفاتري لي ومعشوقي السراج.
قال: وأنشدنا له وذكر أنه قالها قبل وفاته بيومين:
يا رب إن ذنوبي قد أحطت بها ... علماً وبي وبأعلاني وإسراري.


أنا الموحد لكني المقر بها ... فهب ذنوبي لتوحيدي وإقراري.
ثم دخلت
سنة سبعين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها أن الصاحب بن عباد ورد إلى خدمة عضد الدولة عن مؤيد الدولة، وعن نفسه فتلقاه عضد الدولة على بعد من البلد، وبالغ في إكرامه، ورسم لأكابر كتابه وأصحابه يعظمونه، وكانو يغشونه مدة مقامه، ولم يركب هو إلى أحد منهم، وكان غرض عضد االدولة تأنيسه وإكرام مؤيد الدولة، ووصلت كتب مؤيد الدولة يستطيل مقام الصاحب ويذكر اضطراب الأمور ببعده، ثم أن عضد الدولة برز غلى ظاهر همذان في ربيع الآخر للمضي إلى بغداد، وخلع على الصاحب الخلع الجميلة، وحمله على فرس بمركب ذهب، ونصب له دستاً كاملاً في خركاه تتصل بمضاربه، وأقطعه ضياعاً جليلة، وحمل إلى مؤيد الدولة في صحبته ألطافاً وورد عضد الدولة إلى بغداد، فنزل بجسر النهروان في يوم الأربعاء حادي عشر جمادى الآخرة، وطلب من الطائع أن يلقاه، فخرج غليه الطائع من غد هذا اليوم، فتلقاه وضربت له قباب وزينت له الأسواق.
قال أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن حاجب النعمان: لم تكن العادة جارية بخروج الخلفاء لتلقي أحد من الأمراء، فلما توفيت فاطمة أخت معز الدولة أبي الحسين ركب المطيع إلى معز الدولة يعزيه عنها، فنزل معز الدولة، وقبل الأرض، وقبل بين يديه، وأكثر الشكر، فلما صار عضد الدولة غلى بغداد في الدفعة الأخيرة مستولياً على الأمور فيها، أنفذ أبا الحسن محمد بن عمر العلوي من معسكره ندباً إلى حضرة الطائع، فوافى باب دار الخلافة نصف الليل، وراسل بأنه قد حضر في مهم، فجلس له الطائع وأوصله فقال: يا مولانا أمير المؤمنين، قد ورد هذا الملك، وهو من الملوك المتقدمين، وجاري مجرى الأكاسرى المعظمين، وقد أمل من مولانا التمييز عن من تقدمه، والتشريف بالاستقبال الذي يتبين على جميل الرأي فيه، فقال الطائع: نحن له معتقدون، وعليه معتزمون، وبه قبل السؤال متبرعون، فأعلمه ذلك، قال ابن حاجب النعمان: ولم يكن للطائع نية في ذلك ولا هم به، لأنه علم أنه لا يجوز رده فأحب أن يجعل المنة ابتداء منه.
قال محمد بن عمر: فعدت إلى عضد الدولة من وقتي، فعرفته ما جرى فسر به، وخرج الطائع من غد فتلقاه في دجلة.
قال محمد بن عمر: فقال لي عضد الدولة، هذه خدمة قد أحسنت القيام بها، وبقيت أخرى لا نعرف فيها غيرك، وهي منع العوام من لقائنا بدعاء وصياح. فقلت: يا مولانا تدخل إلى البلد قد تطلعت نفوس أهله إليك، ثم تريد منهم السكوت، فقال: ما نعرف في كفهم سواك، وكان أهل بغداد قد تلقوه مرة بالكلام السفيه، فما أحب أن تدعو له تلك الألسنة. قال: فدعوت المعونة وقلت: قد أمر الملك بكذا وتوعد ما يجري من ضده بضرب العنق، فأشاعوا في العوام ذلك، وخوفوا من ينطق بالقتل، فاجتاز عضد الدولة، فرأى الأمر على ما أراد، فعجب من طاعة العوام لمحمد بن عمر، فقال: هؤلاء أضعاف جندنا، وقد أطاعوه، فلو أراد بنا سواء كان، ورأى في روزنامج ألف ألف وثلاثمائة درهم، باسم محمد بن عمر مما أداه من معاملاته، فقبض عليه واستولى على أمواله.
وفي ليلة الخميس الحادي عشر من جمادى الآخرة: زفت السيدة بنت عضد الدولة إلى الطائع، وحمل معها من المال والثياب والأواني والفرش الكثيرة.
وفي هذا الشهر ورد رسول من صاحب اليمن إلى عضد الدولة، ومعه الهدايا والملاطفات ما كان في جملته قطعة عنبر وزنها ستة وخمسون رطلاً.
وزادت دجلة في هذه السنة زيادة مفرطة، والفرات، وانفجر بثق، وسقطت قناطر الصراة فوقعت الجديدة في نصف ذي القعدة، ووقعت العتيقة بعدها وكان يوم الأربعاء ثم وقع الشروع في عمل القنطرتين، فأنفق عليهما المال الكثير، وبنيتا البناء الوثيق.
وكان الصيدلاوي رجل يقطع الطريق، فاحتال عليه بعض الولاة، فدس إليه جماعة من الصعاليك، أظهروا الانحياز إليه، فلما خالطوه قبضوا عليه، وحملوه أسيراً إلى الكوفة، فقتل وحمل رأسه إلى بغداد.
وحج بالناس في هذه السنة أبو الفتح أحمد بن عمر بن يحيى العلوي، وخطب بمكة والمدينة للمغربي صاحب مصر.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن علي، أبو بكر الرازي.


الفقيه إمام أهل الرأي في وقته، كان مشهوراً بالزهد والورع، ورد بغداد في شبيبته، ودرس الفقه على أبي الحسن الكرخي، ولم يزل حتى انتهت إليه الرياسة، ورحل إليه المتفقهة، وخوطب في أن يلي قضاء القضاة، فامتنع، وأعيد عليه الخطاب، فلم يفعل، وله تصانيف كثيرة ضمنها أحاديث رواها عن أبي العباس الأصم، وسليمان الطبراني، وغيرهما.
أخبرنا محمد بن عبد الملك، أنبأنا الخطيب قال: حدثني القاضي أبو عبد الله الصيرمي قال: حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري قال: حدثني أبو بكر الأبهري قال: خاطبني المطيع على قضاء القضاة، وكان السفير في ذلك أبو الحسن بن أبي عمرو الشرابي، فأبيت عليه واشرت بأبي بكر أحمد بن علي الرازي فأحضر الخطاب على ذلك وسألني أبو الحسن بن أبي عمرو معونته عليه فخوطب فامتنع، وخلوت به فقال: تشير علي بذلك. فقلت: لا أرى لك ذلك. ثم قمنا إلى بين يدي أبي الحسن بن أبي عمرو، فأعاد خطابه وعدت إلى معونته، فقال لي: أليس قد شاورتك فأشرت علي أن لا أفعل؟ فوجم أبو الحسن بن أبي عمرو من ذلك فقال: تشير علينا بإنسان، ثم تشير عليه أن لا يفعل. قلت: نعم، أمالي في ذلك أسوة بمالك بن أنس، أشار على أهل المدينة أن يقدموا نافعاً القارئ في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشار على نافع أن لا يقبل. فقيل له في ذلك فقال: أشرت عليكم بنافع لأني لم أعرف مثله، وأشرت عليه أن لا يفعل لأنه يحصل له أعداء وحساد، فكذلك أنا أشرت عليكم به لأني لا أعرف مثله، وأشرت عليه أن لا يفعل لأنه أسلم لدينه.
قال الصيرمي: وتوفي أبو بكر الرازي في ذي الحجة سنة سبعين وثلاثمائة، وصلى عليه أبو بكر بن محمد بن موسى الخوارزمي.
الزبير بن عبد الواحد بن موسى أبو يعلى البغدادي نزيل نيسابور سمع البغوي، وابن صاعد، وسمع بالبصرة، وخوزستان، وأصبهان وبلاد آذربيجان، ثم دخل بلاد خراسان، فسمع فيها الكثير، ثم انصرف إلى البصرة، وتوفي بالموصل في هذه السنة.
عبيد الله بن علي بن جعفر أبو الطيب الدقاق سمع محمد بن سليمان الباهلي، روى عنه البرقاني وقال: كان شيخاً فاضلاً ثقة مجوداً من أصحاب الحديث، توفي في ربيع الأول من هذه السنة.
عبيد الله بن العباس بن الوليد بن مسلم أبو أحمد السداوي سمع عبد الله بن محمد بن ناجية، وإبراهيم بن موسى الجوزي، روى عنه القاضي أبو العلاء وكان ثقة، وتوفي في شوال هذه السنة.
محمد بن أحمد بن محمد بن حماد، أبو جعفر مولى الهادي بالله إبن المتيم سمع خلقاً كثيراً، وروى عنه أبو بكر البرقاني، قال أبو نعيم الأصبهاني: لم أسمع فيه إلا خيراً، وقال ابن أبي الفوارس توفي يوم الثلاثاء لسبع خلون من شوال، وكان لا بأس به.
محمد بن جعفر بن الحسين بن محمد بن زكريا، أبو بكر الوراق يلقب: غندرا. كان جوالاً، حدث ببلاد فارس وخراسان عن الباغندي، وابن صاعد، وابن دريد، وغيرهم، روى عنه أبو بكر البرقاني وأبو نعيم الأصبهاني وغيرهما، وكان حافظاً ثقة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: حدثني محمد بن أحمد بن يعقوب، عن محمد بن عبد الله بن محمد النيسابوري الحافظ: أن غندراً خرج من مرو قاصداً بخارى، فمات في المفازة سنة سبعين وثلثمائة هذه السنة.
ثم دخلت
سنة إحدى وسبعين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أن عضد الدولة أمر بحفر النهر من عمود الخالص، وسياقة الماء إلى بستان داره فبدئ في ذلك وحشر الرجال لعمله.
وأنه كان على صدر زبرت عضد الدولة على صورة السبع من فضة، فسرق في صفر، وعجب الناس كيف كان هذا مع هيبة عضد الدولة المفرطة، وكونه شديد المعاقبة على أقل جناية، ثم قلبت الأرض في البحث عن سارقه فلم يوقف له على خبر، ويقال أن صاحب مصر دس من فعل هذا.
وفي ربيع الأول: وقع حريق بالكرخ من حد درب القراطيس إلى بعض البزازين من الجانبين، وأتى على الأساكفة، والحذائين، واحترق فيه جماعة من الناس وبقي لهبه أسبوعاً.
وفي ذي العقدة: تقلد أبو القاسم عيسى بن علي بن عيسى كتابة الطائع لله، وخلع عليه.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس، أبو بكر الإسماعيلي الجرجاني طلب الحديث وسافر.


أخبرنا إسماعيل بن أحمد، أخبرنا إسماعيل بن مسعدة، أخبرنا حمزة بن يوسف السهمي قال: سمعت أبا بكر الإسماعيلي يقول: لما ورد نعي محمد بن أيوب الرازي دخلت الدار، وبكيت وصرخت ومزقت القميص، ووضعت التراب على رأسي، فاجتمع أهلي وقالوا: ما أصابك؟ قلت: نعي إلي محمد بن أيوب منعتموني الارتحال إليه فأذنوا لي في الخروج، وأصبحوني خالي إلى نسا إلى الحسن بن سفيان، ولم يكن في وجهي طاقة، فقدمت فقرأت عليه المسند، وغيره، وكانت أول رحلتي في طلب الحديث، وكان للإسماعيلي علم وافر بالنقل، وصنف كتاباً على صحيح البخاري، حدثنا به يحيى بن ثابت بن بندار، عن أبيه، عن البرقاني عنه.
وكان الدارقطني يقول: كنت عزمت غير مرة أن أرحل إلى أبي بكر الإسماعيلي فلم أرزق، توفي الإسماعيلي يوم السبت غرة رجب سنة إحدى وسبعين وثلثمائة، عن أربع وتسعين سنة.
الحسن بن صالح، أبو محمد السبيعي سمع ابن جرير الطبري، وقاسم المطرز، روى عنه الدارقطني، والبرقاني، وكان ثقة حافظاً مكثراً، وكان عسراً في الرواية، ولما كان بآخره عزم على التحديث والإملاء في مجلس عام، فتهيأ لذلك ولم يبق غلا تعيين يوم المجلس فمات.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: قال لنا القاضي أبو العلاء محمد بن علي الواسطي رأيت أبا الحسن الدارقطني جالساً بين يدي أبي محمد السبيعي كجلوس الصبي بين يدي المعلم هيبة له، توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
الحسن بن علي بن الحسن بن الهيثم بن طهمان، أبو عبد الله الشاهد ابن البادا ولد سنة أربع وسبعين ومائتين، سمع الحسن بن علوية، وشعيب بن محمد الذراع وكان عمره سبعاً وتسعين سنة مكث منها خمس عشرة في آخر عمره مقعد أعمى، وتوفي في رجب هذه السنة.
الحسن بن يوسف بن يحيى أبو معاذ البستي روى عنه البرقاني، وكان ثقة، وقال ابن أبي الفوارس: توفي في ذي الحجة من هذه السنة، وكان ثقة مستوراً، جميل المذهب.
عبد الله بن إبراهيم بن جعفر بن بنيان، أبو الحسين الزينبي ولد في ذي الحجة سنة ثمان وسبعين ومائتين، وكان يسكن ببركة زلزل، وحدث عن الحسن بن علوية، والفريابي، روى عنه البرقاني، والتنوخي، وكان ثقة، توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
عبد الله بن الحسين بن إسماعيل بن محمد أبو بكر الضبي القاضي أخبرنا القزاز أخبرنا ابن ثابت أخبرنا عبد الكريم بن محمد بن أحمد الضبي أخبرنا الدارقطني قال: عبد الله بن الحسين أبو بكر القاضي سمع أكثر حديث أبيه، وكتب عن أبي بكر النيسابوري وغيره، وحدث وولاه أمير المؤمنين المتقي القضاء على آمد وأرزن، وميافارقين، وما يلي ذلك في سنة تسع وعشرين وثلثمائة، ثم ولاه المتقي أيضاً في سنة إحدى وثلاثين القضاء على طريق الموصل، وقطربل، ومسكن، وغير ذلك، وولاه المطيع لله سنة أربع وثلاثين على الموصل وأعمالها وقضاء الحديثة، وما يتصل بذلك، ثم ولاه المطيع أيضاً القضاء على حلب وأنطاكية وأعمالها، وولاه الطائع القضاء على ديار بكر، وآمد وأرزن، وميافارقين، وأرمينية، وأعمال ذلك، وكان عفيفاً نزهاً فقيهاً، توفي في هذه السنة.
عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث أبو الحسن التميمي حدث عن أبي بكر بن زيلد النيسابوري، والقاضي المحاملي، ومحمد بن مخلد الدوري، ونفطويه، وغيرهمن وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة.
أخبرنا أحمد بن الحسن بن البناء، أنبأنا القاضي أبو يعلى ابن الفراء قال: أبو الحسن عبد العزيز التميمي رجل جليل القدر، وله كلام في مسائل الخلاف، وتصنيف في الأصول، والفرائض.


قال المصنف: وقد تعصب عليه الخطيب، وهذا شأنه في أصحاب أحمد، فحكى عن أبي القاسم عبد الواحد بن علي الأسدي العكبري أن التميمي وضع حديثاً، وهذا العكبري لا يعول على قوله، فإنه لم يكن من أهل الحديث والعلم، إنما كان يعرف شيئاً من العربية، ولم يرو شيئاً من الحديث، كذلك ذكر عنه الخطيب، وكان أيضاً معتزلياً يقول أن الكفار لا يخلدون في النار، وعنه حكي الطعن في ابن بطة أيضاً، وسيأتي القدح في هذا الأسدي مستوفي في ترجمة ابن بطة، فقد أنفق هذا الأسدي مبغضاً لأصحاب أحمد طاعناً في أكابرهم، وأنفق الخطيب يبهرج إذا شاء بعصبية باردة، فإنه غذا ذكر المتكلمين من المبتدعة عظم القوم، وذكر لهم ما يقارب الاستحالة، فإنه ذكر عن ابن اللبان انه قال: حفظت القرآن وأنا ابن خمس سنين، وحكي عن ابن رزقويه: أن التميمي وضع في مسند آخر ومن مسموعاته من غير ذلك المسند، متى كان الشيء محتملاً لم يجز أن يقطع على صاحبه بالكذب، نعوذ بالله من الأغراض الفاسدة على أنها تحول على صاحبها.
علي بن إبراهيم أبو الحسن الحصري الصوفي الواعظ بصري الأصل، سكن بغداد، وكان شيخ المتصوفة، صحب الشبلي وغيره، وبلغني انه كبر سنه فصعب عليه المجيء إلى الجامع، فبني له الرباط المقابل لجامع المنصور، ثم عرف بصاحبه الزوزني.
كان الحصري لا يخرج إلا من جمعة إلى جمعة، وله على طريقتهم كلام.
أنبأنا محمد بن محمد الحافظ، أنا المبارك بن عبد الجبار الصيرفي، أنا الحسين بن علي ابن غالب المقرئ، أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن جعفر البغدادي قال: سمعت أبا الحسن علي بن إبراهيم الحصري فسمعته يقول: وجدت من يدعو غنما يدعو الله بظاهره، ويدعو غلى نفسه بباطنه، لأنه يحب أن يعظم، وأن يشار إليه، ويعرف موضعه، ويثنى عليه الثناء الحسن، وإذا أحب يحبه الخلق له وتعظيمهم إياه فقد دعاهم إلى نفسه، لا إلى ربه، وقال: ما علي مني، وأي شيء لي في حتى أخاف عليه، وأرجو له أن رحم رحم ماله، وإن عذب عذب ماله، توفي الحصري يوم الجمعة ببغداد في ذي الحجة من هذه السنة، وقد أناف على الثمانين، ودفن بمقبرة باب حرب.
علي بن محمد الأحدب المزور كان يكتب على خط كل أحد حتى لا يشك الرجل المزور على خطه أنه خطه، وبلي الناس منه ببلوى عظيمة وختم السلطان على يده مراراً، وتوفي يوم الأحد تاسع رجب هذه السنة.
محمد بن أحمد بن روح أبو بكر الحريري سمع إبراهيم بن عبد الله الزينبي.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، أخبرنا أبو بكر البرقاني، عن محمد بن أحمد الحريري وسألته عنه، فقال: ثقة فاضل، قال ابن ثابت: وحدثت عن أبي الحسن محمد بن العباس بن الفرات قال: توفي محمد بن أحمد بن روح في ذي الحجة سنة إحدى وسبعين وثلثمائة، مستور ثقة.
محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بو زيد المروزي الفقيه سمع محمد بن عبد الله السعدي وغيره، وكان أحد أئمة المسلمين، حافظاً لمذهب الشافعي، حسن النظر مشهوراً بالزهد والورع، ورد بغداد، وحدث بها، فسمع منه الدارقطني.
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال: أخبرني محمد بن أحمد قال: أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب، عن محمد بن عبد الله بن نعيم النيسابوري قال: سمعت أبا بكر البزاز يقول: عادلت الفقيه أبا زيد من نيسابور إلى مكة، فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة، قال أبو نعيم: توفي أبو زيد بمرو يوم الجمعة الثالث من رجب هذه السنة.
محمد بن خلف بن جيان بالجيم أبو بكر الفقيه روى عنه البرقاني، والتنوخي، وغيرهما، وكان ثقة، وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة.
محمد بن خفيف أبو عبد الله الشيرازي صحب الجريري، وابن عطاء، وغيرهما، وقد ذكرت في كتابي المسمى بتلبيس إبليس عنه من الحكايات ما يدل على أنه كان يذهب مذهب الإباحة.
ثم دخلت
سنة اثنتين وسبعين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه ورد في يوم الخميس ثامن عشر المحرم فتح الماء الذي استخرجه عضد الدولة من نهر الخالص غلى داره، وبستان الزاهر.


وفي يوم الخميس لثلاث خلون من صفر وقيل بل لليلة خلت من ربيع الآخر: فتح المارستان الذي أنشأه عضد الدولة في الجانب الغربي من مدينة السلام، ورتب فيه الأطباء، والمعالجون، والخزان، والبوابون، والوكلاء، والناظرون، ونقلت إليه الأدوية، والأشربة، والفرش، والآلات.
وفي شوال توفي عضد الدولة فكتم أصحابه موته، ثم استدعوا ولده صمصام الدولة من الغد إلى دار المملكة، وأخرجوا أمر عضد الدولة بتوليه العهد، وروسل الطائع فسئل كتب عهده منه، ففعل وبعث إليه خلعاً ولواء وعهداً بإمضاء ما قلده إياه أبوه، وجلس جلوساً عاماً حتى قرئ العهد بين يديه، وهنأه الناس، واستمرت الحال على إخفاء وفاة عضد الدولة إلى أن تمهد الأمر.
وفي يوم الاثنين لعشر بقين من ذي الحجة: قلد أبو القاسم علي بن أبي تمام الزينبي نقابة العباسيين، والقضاء بالحضرة وخلع عليه.
وفي هذا الشهر: خلع على أبي منصور بن الفتح العلوي للخروج بالحاج.
؟ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
؟إسحاق بن سعد بن الحسن بن سفيان، أبو يعقوب النسوي.
روى عن جده الحسن بن سفيان، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، وانتقى عليه الدارقطني، وكان ثقة أميناً، توفي بطريق خراسان مرجعه من الحج.
أحمد بن جعفر أبو الحسن الخلال فناخسرو بن الحسن بن بويه بفتح الواو ابن فناخسرو بن تمام بن كوهي بن شيرزيل، أبو شجاع عضد الدولة


كذاذ كره الأمير أبو نصر بن ما كولا ونسبه إلى سابور بن أرشير، وكان أبوه يكنى أبا علي، ويلقب ركن الدولة، وهو أول من خوطب في الإسلام بالملك شاهنشاه، وكان دخوله إلى بغداد في ربيع الأول سنة سبع وستين وثلثمائة، وخرج الطائع إليه متلقياً له ولم يتلق سواه، ودخل إلى الطائع فطوقه وسوره وشافهه بالولاية، وأمر أن يخطب له على المنابر ببغداد، ولم تجر بذلك عادة لغير الخليفة، وأذن له في ضرب الطبل على بابه في أوقات الصلوات الثلاث، ودخل بغداد وقد استولى الخراب عليها وعلى سوادها بانفجار بثوقها، وقطع المفسدين طرقاتها، فبعث العسكر إلى بني شيبان، وكانوا يقطعون الطريق، فأوقع بهم، وأسر منهم ثماني مائة رجل وسد بثق السهلية، وبثق اليهودي، وأمر الأغنياء بعمارة مسناتهم، وأن يغرسوا في كل خراب لا صاحب له، وغرس هو الزاهر، وهو دار أبي علي بن مقلة، وكانت قد صارت تلاً، وغرس التاجي عند قطربل، وحوطه على ألف وسبعمائة جريب، وأمر بحفر الأنهار التي دثرت، وعمل عليها أرحاء الماء، وحول من البادية قوماً فاسكنهم بين فارس وكرمان، فزرعوا، وعمروا البرية، وكان ينقل إلى بلاده ما يوجد بها من الأصناف فمنها: نقله إلى كرمان: حب النيل، وبلغ في الحماية أقصى حد، وأخر الخراج إلى النوروز العضدي، ورفع الجباية عن الحاج، وأقام لهم السواني في الطريق، وحفر المصانع والآبار، وأطلق الصلات لأهل الحرمين، ورد رسومهم القديمة، وأدار السور على مدينة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكسا المساجد فأدر أرزاق المؤذنين والقراء، وربما تصدق بثلاثين ألفاً، وصدق مرة بثلاثين بدرة، وعمل الجسر، وبنى القنطرتين العتيقة والجديدة على الصراة، فتمت الجديدة بعد وفاته، وكان بجكم قد عمل مارستان فشرع فيه، فلم يتم فعمله عضد الدولة وجلب إليه ما يصلح لكل فن، وعمل بين يديه سوقاً للبزازين، ووقف عليه وقوفاً كثيرة، وعمل له أرحاء بالزبيدية من نهر عيسى، ووقفها عليه وكان يبحث عن أشراف الملوك، وينقب عن سرائرهم، وكانت أخبار الدنيا عنده حتى لو تكلم إنسان بمصر رقى إليه حتى أن رجلاً بمصر ذكره بكلمة فاحتال حتى جاء به، ووبخه عليها ثم رده فكان الناس يحترزون في كلامهم وأفعالهم من نسائهم وغلمانهم، وكانت له حيل عجيبة في التوصل إلى كشف المشكلات، وقد ذكرت منها جملة في كتاب الأذكياء فكرهت الإعادة، وكانت هيمنته عظيمة، فلو لطم إنسان إنساناً قابله أشد مقابلة، فانكف الناس عن التظالم، وكان غزير العقل شديد التيقظ، كثير الفضل، بعيد الهمة محباً للفضائل، مجتنباً للرذائل، وكان يباكر دخول الحمام، فإذا خرج صلى الفجر، ودخل إليه خواصه، فإذا ترحل النهار سأل عن الأخبار الواردة، فإن تأخرت عن وقتها قامت عليه القيامة، وسأل عن سبب التعويق، فإن كان من غير عذر أنزل البلاء عليهم، حتى أن بعضهم يعوق بمقدار ما تغدى، وكانت الأخبار تصل من شيراز إلى بغداد في سبعة أيام، وتحمل معهم الفواكهة الطرية، ثم يتغدى والطبيب قائم، وهو يسأله عن منافع الأطعمة ومضارها، ثم ينام فإذا انتبه صلى الظهر، وخرج إلى مجلس الندماء والراحة، وسماع الغناء، وكذلك إلى أن يمضي من الليل صدر، ثم يأوي إلى فراشه، فإذا كان يوم موكب برز للأولياء، فلقيهم ببشر معه هيبة، وكان يقتل ويهلك ظناً منه أن ذلك سياسة، فيخرج بذلك الفعل عن مقتضى الشريعة، حتى أن جارية شغلت قلبه بميله إليها عن تدبير المملكة، فأمر بتغريقها، وأخذ غلام بطيخاً من رجل غضباً فضربه بسيف فقطعه نصفين. وكان يحب العلم والعلماء، ويجري الرسوم للفقهاء والأدباء والقراء، فرغب الناس في العلم وكان هو يتشاغل بالعلم، فوجد له في تذكرة إذا فرغنا من حل أقليدس كله تصدقت بعشرين ألف درهم، وإذا فرغنا من كتاب أبي علي النحوي تصدقت بخمسين ألف درهم، وكل ابن يولد لنا كما نحب أتصدق بعشرة آلاف درهم، فإن كان من فلانة فبخمسين ألف درهم، وكل بنت فبخمسة آلاف، فإن كان منها فبثلاثين ألفاً، وكان يحب الشعر، فمدح كثيراً وكان يؤثر مجالسة الأدباء على منادمة الأمراء، وقال شعراً كثيراً نظرت في جميعه فمن شعره: ؟يا طيب رائحة من نفحة الخيري إذا تمزق جلباب الدياجير.
كأنما رش بالماورد أو عبقت ... فيه دواخين ند عند تبخير.


كان أوراقه في القد أجنحة ... صفر وحمر وبيض من زنابير.
ومن شعره، وقد خرج إلى بستان، وقال: لو ساعدنا غيث، فجاء المطر فقال:
ليس شرب الكأس إلا في المطر ... وغناء من جوار في السحر.
غانيات سالبات للهنى ... ناغمات في تضاعيف الوتر.
راقصات زاهرات نجل ... رافلات في أفانين الحبر.
مطربات محسنات مجن ... رافضات الهم أبان الفكر.
؟ مبرزات الكأس من مخزنها مسقيات الخمر من فاق البشر.
عضد الدولة وابن ركنها ... مالك الأملاك غلاب القدر.
سهل الله له بغيته ... في ملوك الأرض ما دار القمر.
وأراه الخير في أولاده ... ليساس الملك منه بالغرور.
وقالوا أنه مذ قال غلاب القدر لم يفلح.
وليس شعره بالفائق، فلم أكتب منه غير ما كتبت.
وأهدى إليه أبو إسحاق الصابئ استرلاباً في يوم مهرجان وكتب معه:
أهدى إليك بنو الأملاك واختلفوا ... في مهرجان جديد أنت مبليه.
لكن عبدك إبراهيم حين رأى ... علو قدرك عن شيء تدانيه.
لم يرضى بالأرض مهداة إليك فقد ... أهدى لك الفلك الأعلى بما فيه.
وكان قد طلب حسان دخله في السنة، فإذا هو ثلثمائة ألف ألف وعشرين ألف ألف درهم فقال: أريد أن أبلغ إلى ثلثمائة وستين ألف ألف درهم، ليكون دخلنا في كل يوم ألف ألف درهم، وفي رواية أنه كان يرتفع له كل عام أثنان وثلاثون ألف ألف دينار، ومائتا ألف دينار وكان له كرمان، وفارس، وعمان، وخوزستان، والعراق، والموصل، وديار بكر وحران، ومنبج، وكان مع صدقاته، وإيصاله ينظر في الدينار وينافس في القيراط، وأقام مكوساً، ومنع أن يعمل في الآلة، وآثر آثار من الظلم، فلما احتضر عضد الدولة جعل يتمثل بقول القاسم بن عبيد الله:
قتلت صناديد الرجال فلم أدع ... عدواً ولم أمهل على ظنة خلقا.
واخليت دور الملك من كل نازل ... فشردتهم غربا وبددتهم شرقا.
فلما بلغت النجم عزاً ورفعة ... وصلرت رقاب الخلق أجمع لي رقا.
رماني الردى سهما فأخمد جمرتي ... فها أنا ذا في حفرتي عاطلا ملقى.
فأذهبت دنياي وديني سفاهة ... فمن ذا الذي مني بمصرعة أشقى.
ثم جعل يقول: ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه فرددها إلى أن توفي فيآخر يوم الاثنين من شوال هذه السنة عن سبع وأربعين سنة، وأحد عشر شهراً، وثلاثة أيام، وقيل: بل عن ثمانية وأربعين سنة، وتقررت قواعد ما يتعلق به في السنة المقبلة، فلما توفي بلغ خبره إلى مجلس بعض العلماء، وفيه جماعة من أكابر العلم، فتذاكروا الكلمات التي قالها الحكماء عند موت الاسكندر.
وقد رويت لنا من طرق مختلفة الألفاظ، ونحن نذكر أحسنها، وذلك أن الاسكندر لما مات قام عند تابوته جماعة من الحكماء، فقال أحدهم: سلك الاسكندر طريق من فني، وفي موته عبرة لمن بقي، وقال الثاني، خلف الاسكندر ما له لغيره، ونحكم فيه بغير حكمه، وقال الرابع: كنت مثلي حديثاً وأنا مثلك وشيكاً، وقال الخامس: إن هذا الشخص كان لكم واعظاً، ولم يعظكم قط، بأفضل من مصرعه. وقال السادس: كان الأسكندر كحلم نائم انقضى، أو كظل غمام انجلى. وقال السابع: لأن كنت أمس لا يأمنك أحد لقد أصبحت اليوم وما يخالفك أحد. وقال الثامن: هذه الدنيا الطويلة العريضة طويت في ذراعين. وقال التاسع: أجاهلاً كنت بالموت فنعذرك، أم عالماًبه فنلومك، وقال العاشر: كفى للملوك عظة بموت العامة.


وقال بعض من حضر ذلك المجلس الذي أشيع فيه بموت عضد الدولة، وتذكرت فيه هذه الكلمات: فلو قلتم أنتم مثلها لكان ذلك يؤثر عنكم، فقال أحدهم: لقد وزن هذا الشخص الدنيا بغير مثقالها وأعطاها فوق قيمتها، وحسبك أنه طلب الربح فيها فخسر روحه فيها، وقال الثاني: من استيقظ للدنيا فهذا نومه، ومن حلم فيها فهذا انتباهه. وقال الثالث: ما رأيت غافلاً في غفلته، ولا عاقلاً في مثله، لقد كان ينقض جانباً وهو يظن أنه مبرم، ويغرم وهو يظن أنه غانم. وقال الرابع: من جد للدنيا هزلت به، ومن هزل عنها جدت له. وقال الخامس: ترك هذا الدنيا شاغرة، ورحل عنها بلا زاد، ولا راحلة. وقال السادس: إن ماء أطفأ هذه النار لعظيم، وإن ريحاً زعزعت هذا الركن لعصوف. وقال السابع: إنما سلبك من قدر عليك. وقال الثامن: لو كان معتبراً في حياته لما صار عبرة في مماته. وقال التاسع: الصاعد في درجاتها إلى سفال، والنازل في درجاتها إلى معال. وقال العاشر: كيف غفلت عن كيد هذا الأمر حتى نفذ فيك، وهلا اتخذت دونه جنة تقيك، إن فيك لعبرة للمعتبرين، وإنك لآية للمستبصرين.
محمد بن إسحاق بن هبة الله بن إبراهيم بن المهتدي بالله أبو أحمد الهاشمي حدث عن الحسين بن يحيى بن عياش القطان، روى عنه عبد العزيز الأزجي، وتوفي ليلة الجمعة لأربع بقين من شوال هذه السنة.
محمد بن أحمد بن تميم أبو نصر السرخسي قدم بغداد، وحدث بها عن محمد بن إدريس الشامي، وأحمد بن إسحاق السرخسي، وروى عنه ابن رزقويه، وغيره، وكان ثقة.
محمد بن جعفر بن أحمد بن جعفر بن أحمد بن الحسن بن وهب، أبو بكر الحريري المعدل زوج الحرة سمع ابن جرير الطبري، والبغوي، وابن أبي داود، والعباس بن يوسف الشكلي. روى عنه اين رزقويه، والبرقاني وابن شاذان. قال البرقاني: هو بغدادي جليل أحد العدول الثقات.
حدثنا القزاز، أخبرنا الخطيب، أخبرنا علي بن المحسن القاضي قال حدثني أبي قال: حدثني الأمير أبو الفضل جعفر بن المكتفي بالله قال: كانت بنت بدر مولى المعتضد زوجة أمير المؤمنين المقتدر بالله: فأقامت عنده سنين، وكان مكرماً، وعليها مفضلاً الأفضال العظيم، فتأثلت حالها، وانضاف ذلك إلى عظيم نعمتها الموروثة وقتل المقتدر فأفلتت من النكبة، وسلم لها جميع أموالها، وذخائرها، حتى لم يذهب لها شيء، وخرجت عن الدار، وكان يدخل إلى مطبخها حدث يحمل فيه على رأسه شيء يعرف بمحمد بن جعفر، وكان حركاً فيقف على القهرمانة بخدمته، فنقلوه إلى أن صار وكيل المطبخ، وبلغها خبره ورأته، فردت إليه الوكالة في غير المطبخ وترقى أمره حتى صار ينظر في ضياعها وعقارها، وغلب عليها حتى صارت تكلمه من وراء ستر، وخلف باب، وزاد اختصاصه بها حتى علق بقلبها، فاستدعته إلى تزويجها، فلم يجسر على ذلك، فجسرته وبذلت له مالاً حتى تم لها ذلك، وقد كانت حاله تأثلت بها، وأعطته لما أرادت ذلك منه أموالاً جعلها لنفسه نعمة ظاهرة، لئلا يمنعها أولياؤها منه لفقره، وأنه ليس بكفوء، ثم هادت القضاة بهدايا جليلة حتى زوجوها منه، واعترض الأولياء، فغالبتهم بالحكم والدراهم، فتم له ذلك ولها، فأقام معها سنين، ثم ماتت فحصل له من مالها نحو ثلثمائة ألف دينار، فهو يتقلب إلى الآن فيها. قال أبي قد رأيت أنا هذا الرجل وهو شيخ عاقل شاهد مقبول، توصل بالمال إلى أن قلبه أبو السائب القاضي، حتى أقر في يده وقوف الحرة ووصيتها، لأنها وصت في مالها ووقوفها، وهو إلى الآن لا يعرف إلا بزوج الحرة، وإنما سميت الحرة: لأجل تزويج المقتدر بها، وكذا عادة الخلفاء لأجل غلبة المماليك عليهم إذا كانت لهم زوجة قيل لها: الحرة.
قال ابن ثابت: قال لنا أبو علي بن شاذان: كان محمد بن جعفر زوج الحرة جارنا، وسمعت منه مجالس من أماليه، وكان يحضره في مجلس الحديث القاضي الجراحي، وأبو الحسين بن الظفر، والدارقطني، وابن حيوية، وغيرهم من الشيوخ، وتوفي ليلة الجمعة، ودفن يوم الجمعة لأربع خلون من صفر هذه السنة، ودفن بالقرب من قبر معروف الكرخي، وحضرت مع أبي الصلاة عليه.
منصور بن أحمد بن هارون الفقيه، أبو صادق سمع من جماعة، ولم يحدث قط، وكان من الزهاد الهاربين من الرياسات، وقال الزهديات، وتوفي في جمادى الأولى من هذه السنة، وهو ابن خمس وستين سنة.
ثم دخلت


سنة ثلاث وسبعين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه في يوم عاشوراء وهو عاشر المحرم أظهرت وفاة عضد الدولة، وحمل تابوته إلى الشهداء الغربي، ودفن في تربة بنيت له هناك، وكتب على قبره في ملبن ساج: " هذا قبر عضد الدولة وتاج الملة أبي شجاع ابن ركن الدولة أحب مجاورة هذا الإمام التقي لطمعه في الخلاص يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها والحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وعترته الطاهرة " .
وتولى أمره، وحمله أبو الحسن علي بن أحمد بن إسحاق العلوي النقيب، وجلس صمصام الدولة للعزاء به بالثياب السود على الأرض، وجاءه الطائع لله معزياً، ولطم عليه في دوره والأسواق اللطم الشديد المتصل أياماً كثيرة، فلما انقضى ذلك، ركب صمصام الدولة إلى دار الخلافة يوم السبت لسبع بقين من الشهر، وخلع عليه فيها الخلع السبع والعمامة السوداء، وسور وطوق وتوج، وعقد له لواءان، ولقب شمس الملة، وحمل على فرس بمركب من ذهب وقيد بين يديه مثله، وقرىء عهده بتقليده الأمور فيما بلغته الدعوة في جميع الممالك، ونزل من هناك في الطيار إلى دار المملكة وأخذت له البيعة على جميع الأولياء بالطاعة، وإخلاص النية في المناصحة، وأطلق لها رسومها، وكوتب الولاة والعمال وأصحاب النواحي والأطراف بأخذ البيعة على من قبلهم من الأجناد.
وفي ليلة الأربعاء الحادي عشر من صفر انقض كوكب عظيم الضوء، وكانت عقيبه دوي كالرعد.
وورد الخبر بوفاة مؤيد الدولة أبي منصور بن بويه بن ركن الدولة بجرجان، فجلس صمصام الدولة للعزاء به في يوم الخميس لثمان بقين من رمضان، وجاءه الطائع لله فيه معزياً، ولما اشتدت علة مؤيد الدولة قال له الصاحب أبو القاسم إسماعيل ابن عباد: لو عهد أمير الأمراء عهد إلى من يراه أهلاً كان تسكن الجند إليه عاجلاً إلى أن يتفضل الله بعافيته وقيامه إلى تدبير مملكته، كان ذلك من الاستظار الذي الذي لا ضرر فيه. فقال: أنا في شغل عما تخاطبني عليه، وما لهذا الملك قدر مع انتهاء الإنسان إلى مثل ما أنا فيه، فافعلوا ما بدا لكم أن تفعلوه، ثم أشفى فقال له الصاحب: تب يا مولانا من كل ما فرطت فيه، وتبرأ من هذه الأموال التي لست على ثقة من طيبها وحصولها من حلها، واعتقد متى أقامك الله وعافاك أن تصرفها في وجوهها، وترد كل ظلامة تعرفها. ففعل ذلك، وتلفظ به، ومات فكتب الصاحب في الوقت إلى أخيه فخر الدولة أبي الحسن علي بن ركن الدولة بلإسراع والتعجيل، وأنفذ إليه خاتم مؤيد الدولة، وأرسل بعض ثقاته، حتى استخلفه له على الحفظ والوفاء بالعهد، فأسرع، فلما وصل وانتظم له الأمر قال له الصاحب: قد بلغك الله مولانا، وبلغني فيك ما أملته، ومن حقوق خدمتي لك إجابتي إلى ما أنا مؤثر له من ملازمة داري واعتزال الجندية، والتوفر على أمر الله تعالى. فقال له: لا تقل هذا، فإنني لا أريد هذا الملك إلا لك، ولا يجوز أن يستقم لي فيه الأمر إلا بك، وإذا كرهت ملابسة الأمور، كرهت أنا ذلك، وانصرفت. فقبل الأرض، وقال: الأمر لك، فاستوزه، وخلع عليه الخلع السنية.
وزادت الأسعار في هذه السنة زيادة مفرطة، ولحق الناس مجاعة عظيمة، وبلغ الكر الحنطة في رمضان: ثلاث آلاف درهم تاجية، وبلغ في ذي القعدة أربعة آلاف وثمانمائة درهم، وضج الناس، وكسروا منابر الجوامع، ومنعوا الصلاة في عدة جمع، ومات خلق من الضعفاء جوعاً على الطريق، ثم تناقصت الأسعار في ذي الحجة.
وفي هذه السنة: وافى القرامطة إلى البصرة، لما حدث من طمعهم بعد وفاة عضد الدولة فصولحوا على مال أعطوه وانصرفوا.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
أحمد بن العزيز أبو بكر العكبري وروى عن أبي خليفة الساجي وغيره وكان ثقة مأموناً، توفي بعكبرا في رجب هذه السنة.
بويه أبو منصور مؤيد الدولة بن ركن الدولة كان وزيره الصاحب بن عباد، فضبط مملكته، وأحسن التدبير، وكان قد تزوج بنت عمه زبيدة بنت معز الدولة أبي الحسين، فأنفق في العرس سبعمائة ألف دينار، وتوفي بجرجان في سابع عشر شعبان هذه السنة، وكانت علته الخوانيق، وكان عمره ثلاثاً وأربعين سنة وشهراً، وإمارته سبعة وستين شهراً وخمسة عشر يوماً.
جعفر الضرير المقرئ بباب الشام. توفي في ذي الحجة من هذه السنة، وكان ثقة.
سعيد بن سلام أبو عثمان المغربي


ولد بالقيروان في قرية يقال لها: كركنت، ولقي الشيوخ بمصر، ودخل بلاد الشام، وصحب أبا الخير الأقطع، وجاور بمكة سنين، وكان لا يظهر في المواسم، وكانت له كرامات، وكان أبو سليمان الخطابي يقول: إن كان في هذا العصر من المحدثين أحد فأبو عثمان.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، أخبرنا أبو سعيد الحسين بن علي بن أحمد الشيرازي قال: سمعت أبا مسلم غالب بن علي الرازي يقول: سمعت أبا عثمان المغربي يقول: كنت ببغداد، وكان بي وجع من ركبتي حتى نزل إلى مثانتي، فاشتد وجعي، وكنت أستغيث بالله، فناداني بعض الجن مما استغاثتك بالله، وغوثه بعد؟ فلما سمعت ذلك رفعت صوتي، وزدت في مقالتي حتى سمع أهل الدار صوتي، فما كان إلا بعد ساعة، فجاء البول، وقدم إلي سطل أهريق فيه الماء، فخرج مني شيء بقوة، فضرب وسط السطل، حتى سمعت له صوتاً، فإذا هو حجر قد خرج من مثانتي، وذهب الوجع عني، فقلت: ما أسرع الغوث، وكذا الظن به.
توفي أبو عثمان بنيسابور في جمادى الأولى من هذه السنة، ودفن إلى جنب أبي عثمان الحيري.
عبد الله بن أحمد بن ماهيزد، أبو محمد الأصبهاني الظريف سكن بغداد، وحدث بها عن الباغندي، والبغوي، وابن أبي داود، روى عنه البرقاني، والأزجي، وكان ثقة توفي في هذه السنة.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا علي، أخبرنا أحمد بن روح النهراوي قال: ذكرنا عبد الله بن أحمد بن ماهيزذ أنه ولد في آخر سنة ثلاث أو أربع وسبعين ومائتين، قال: ودخلت بغداد سنة سبع وتسعين ومائتين، وحجبت في سنة ثلاث وثلثمائة، وصمت ثمانية رمضاناً.
عبد الله بن محمد بن عبد الله بن المختار، أبو محمد، المزني، الواسطي ابن السقاء سمع عبدان، وأبا يعلى الموصلي، والبغوي، وابن أبي داود، وكان فهماً حافظاً، ورد بغداد فحدث بها مجالسه كلها من حفظه بحضرة ابن المظفر والدارقطني، وكانا يقولان: ما رأينا معه، لإنما حدثنا حفظاً، وما أخذنا عليه خطأ في شيء، غير أنه حدث عن أبي يعلى بحديث في القلب منه شيء. قال أبو العلاء الواسطي: فلما عدت إلى واسط أخبرته، فأخرج الحديث وأصله بخط الصبي. توفي في هذه السنة.
ثم دخلت
سنة أربع وسبعين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أن أبا عبد الله بن سعدان شرع في إصلاح ما بين صمصام الدولة وفخر الدولة، وخوطب الطائع لله على ما يجدده لفخر الدولة من الخلع والعهد واللقب، ففعل وجلس لذلك، وأحضرت الخلع، وقرئ عهده، وبعثت إليه.
وفي شهر رجب: كان عرس في درب رباح، فوقعت الدار، فهلك كثير من النساء، وأخرجن من تحت الهدم بالحلي والزينة، فكانت المصيبة عامة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
إبراهيم بن أحمد بن جعفر بن موسى، أبو إسحاق المقرئ الخرقي من أهل الجانب الشرقي، كان يسكن سوق يحيى، وحدث عن جماعة، وروى عنه التنوخي، والجوهري، وكان ثقة صالحاً. توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
إسحاق بن سعد بن الحسين بن سفيان بن عامر بن عبد العزيز أبو يعقوب الشيباني النسوي ولد سنة ثلاث وتسعين مائتين، روى عن جده الحسن، وعن محمد بن إسحاق السراج، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، كتب عنه الناس بانتخاب الدارقطني، وكان ثقة. توفي في هذه السنة.
عبد الله بن موسى بن إسحاق أبو العباس الهاشمي روى عن ابن بنت منيع، وابن أبي داود، وقاسم المطرز، وأبي خبيب البرقي، وغيرهم، وكان ثقة أميناً من أهل القرآن والحديث، وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة.
محمد بن أحمد بن بالويه أبو علي النيسابوري المعدل سمع عبد الله بن محمد بن شيرويه، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، ومحمد بن إسحاق بن السراج، وغيرهم، وكان ثقة، وتوفي بنيسابور يوم الخميس سلخ شوال هذه السنة، عن أربع وتسعين سنة.
محمد بن أحمد بن عبدان بن فضال أبو الفرج الأسدي ولد في سنة تسع وتسعين ومائتين، وسمع الباغندي وأبا عمر القاضي وأبا بكر بن أبي داود.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، أخبرنا العتقي قال: توفي أبو الفرج بن عبدان في ذي الحجة من هذه السنة وهي سنة أربع وسبعين وثلثمائة، وكان ثقة مأموناً.
محمد بن أحمد بن يحيى بن عبد الله بن إسماعيل أبو علي البزاز العطشي


سمع جعفر بن محمد الفريابي وأبا يعلى الموصلي وابن جرير الطبري والباغندي وغيرهم.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا أحمد ابن محمد العتيقي قال: سنة أربع وسبعين وثلثمائة فيها مات أبو علي العطشي في ذي الحجة وكان ثقة مأموناً.
محمد بن جعفر بن الحسن بن سليمان بن علي بن صالح، صاحب المصلى، يكنى أبا الفرج. حدث عن الهيثم بن خلف الدوري، والباغندي، وخلق كثير، روى عنه أبو الحسن النعيمي، وأبو القاسم التنوخي أحاديث تدل على سوء ضبطه وضعف حاله، وهو سيء الحال عندهم، توفي في هذه السنة بالبصرة.
محمد بن الحسن بن محمد أبو عبد الله الرازي السراجي سمع ابن أبي حاتم وغيره، روى عنه ابن رزقويه، والبرقاني وقال: هو ثقة. وقال العتيقي: كان ثقة أميناً مستوراً، توفي في ليلة الجمعة الثاني من ذي القعدة في هذه السنة.
محمد بن الحسين بن أحمد بن الحسين أبو الفتح الأزدي الموصلي روى عن أبي يعلى الموصلي، وابن جرير الطبري، وأبي عروبة، والباغندي، وغيرهم، وكان حافظاً، وله تصانيف في علوم الحديث.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الخطيب قال: حدثني أبو النجيب عبد الغفار بن عبد الواحد الأرموي قال: رأيت أهل الموصل يوهنون أبا الفتح الأزدي جداً، ولا يهدونه شيئاً، قال: وحدثني محمد بن صدقة أن أبا الفتح قدم بغداد على الأمير - يعني ابن بويه - فوضع له حديثاً: أن جبريل عليه السلام كان ينزل على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورته، فأجازه وأعطاه دراهم كثيرة. قال الخطيب: وسألت أبا بكر البرقاني فأشار إلى أنه كان ضعيفاً. قال: ورأيته بجامع المدينة، وأصحاب الحديث لا يرفعون به رأساً ويتجنبونه، توفي في هذه السنة، وبعضهم يقول: في سنة تسع وستين وثلثمائة محمد بن الحسين بن إبراهيم بن مهران أبو بكر الحربي سمع أبا جعفر بن برية، ودعلج بن أحمد، روى عنه الأزهري وكان ثقة وقال: كان شيخاً صالحاً.
ثم دخلت
سنة خمس وسبعين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه في يوم الخميس لثمان بقين من ربيع الأول خلع الطائع على صمصام الدولة، وطوقه، وسوره، وحمله على فرس بمركب ذهب، وقاد بين يديه مثله.
وفي ربيع الأول: ورد الخبر من الكوفة بورود إسحاق وجعفر الهجريين، وهما من القرامطة الذين يدعون بالسادة، في جموع كثيرة، وكان دخولهما إياها على وجه التغلب، وأقاموا الخطبة لشرف الدولة، واعتزوا إلى ملك الجهة، فوقع الانزعاج الشديد من ذلك، لما كان تمكن من النفوس من هيبة هؤلاء القوم، وأنهم ممن لا يصطلى بنارهم، ولأن جماعة من الملوك كانوا يصانعونهك، حتى إن عضد الدولة أقطعهم بواسط ناحية، وأقطعهم عز الدولة قبله بشقي الفرات إقطاعاً، وانتشر أصحابهما في النواحي، وأكبوا على تناول الغلات، واستخرج المال، فنفذ من بغداد عسكر طردهم، وبطل ناموسهم.
وفي ذي الحجة: ورد كتاب من الري بوفاة ابن مؤيد الدولة، فجلس صمصام الدولة للعزاء به، وركب الطائع إلى تعزيته في سفينة لابساً للسواد، وعلى راسه شمسة، والقراء و الأولياء في الدبادب، فقدم إلى مشرعة دار الملك، ونزل صمصام الدولة، وقبّل الأرض بين يديه، ورده بعد خطاب تردد بينهما في العزاء والشكر.
وفي هذه السنة: هم صمصام الدولة أن يجعل على الثياب الأبريسميات والقطنيلت التي تنسج ببغداد ونواحيها ضريبة، وكان أبو الفتح الرازي قد كثر ما يحصل من هذا الوجه، وعزموا على المنع من صلاة الجمعة، وكاد البلد يفتتن، فأعفوا من أحداث هذا الرسم.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
الحسن بن الحسين بن أبي هريرة الفقيه، أبو علي القاضي كان أحد أصحاب الشافعي، وله مسائل في الورع محفوظة، توفي في رجب هذه السنة.
الحسن بن علي بن داود بن خلف أبو علي المطرز المصري ولد سنة تسعين ومائتين، وقدم بغداد وحدث بها عن محمد بن بدر الباهلي وغيره. روى عنه البرقاني، أبو العلاء الواسطي، وكتب الناس عنه بانتخاب الدارقطني، وكان ثقة، وتوفي في صفر هذه السنة.
الحسن بن محمد بن عبد الله، أبو عبد الله ابن العسكري


روى عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وأبي العباس بن مسروق، وغيرهما. وكان ثقة أميناً، توفي في شوال هذه السنة.
الحسن بن علي بن محمد أبو أحمد النيسابوري، ويقال له: حسينك. ولد سنة ثلاث وتسعين مائتين، ورباه أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، فسمع منه الحديث ومن غيره بنيسابور، وسمع ببغداد، والكوفة، روى عنهأبو بكر البرقاني، وقال: كان ثقة جليلاً وحجة، وأكثر آثار نيسابور منوطة بأهل بيته.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، أخبرني محمد بن علي المقرئ، عن محمد بن عبد الله الحافظ النيسابوري قال: كان حسينك تربية أبي بكر بن خزيمة، وجاره الأدنى وفي حجره من حين ولد إلى أن توفي أبو بكر وهو ابن ثلاث وعشرين سنة، وكان ابن خزيمة إذا تخلف عن مجالس السلاطين بعث بالحسين نائباً عنه، وكان يقدمه على جميع أولاده، ويقرأ له وحده ما لا يقرأه لغيره، وكان يحكي أبا بكر في وضوئه وصلاته، فإني ما رأيت في الأغنياء أحسن طهارة ووضوءاً منه وصلاة منه ولقد صحبته قريباً من ثلاثين سنة في الحضر والسفر وفي الحر وفي البرد، فما رأيته صلاة الليل، وكان يقرأ في كل ليلة سبعاً من القرآن، ولا يفوته ذلك، وكانت صدقاته دائمة في السر والعلانية، ولما وقع الاستنفار لطرسوس، وليس في الخزانة ذهب ولا فضة، ثم باع ضيعتين نفيستين من أجل ضياعه بخمسين ألف درهم، وأخرج عشرة من الغزاة المتطوعة الأجلاد بدلاً من نفسه. وسمعته غير مرة يقول: اللهم إنك تعلم أني لا أدخر ما أدخره، ولا أقتني من هذه الضياع إلا للاستغناء عن خلقك، والإحسان إلى أهل السنة والمستورين. توفي في ربيع الآخر من هذه السنة وصلى عليه أبو أحمد الحافظ بنيسابور.
عبيد الله بن محمد بن أحمد بن محمد أبو الحسين الشيباني الحوشبي سمع أبا بكر بن أبي داود. روى عنه البرقاني، والتنوخي، وكان ثقة ثبتاً، مستوراً أميناً، توفي في ذي القعدة من هذه السنة.
عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن مهران أبو مسلم سمع الباغندي، والبغوي، ورحل إلى الشام وإلى بغداد، إلى خراسان، وما وراء النهر، فكتب، وجمع، وكان متقناً، حافظاً، ثبتاً مع ورع وتدين وزهد وتصون، وكان الدارقطني وغيره يعظمونه، وخرج إلى مكة فتوفي بها في هذه السنة، ودفن قريباً من الفضيل.
عبد الملك بن إبراهيم بن أحمد أبو القاسم القرميسيني سمع ابن صاعد، وروى عنه أبو القاسم التنوخي، وكان ثقة،وتوفي في شوال هذه السنة.
عبد العزيز بن جعفر بن محمد بن عبد الحميد أبو القاسم الخرقي سمع أحمد بن الحسن الصوفي، والهيثم بن خلف الدوري، روى عنه البرقاني، والعتيقي، والتنوخي،و الجوهري، وكان ثقة أميتاً، توفي في جمادى الأولى من هذه السنة.
عبد العزيز بن عبد الله بن محمد أبو القاسم الداركي الفقيه الشافعي نزل نيسابور عدة سنين ودرس الفقه، ثم صار إلى بغداد فسكنها إلى حين موته، وحدث بها، وكان أميناً، وانتهت رياسة أصحاب الشافعي إليه، وكان يدرس في مسجد دعلج بدرب أبي خلف من قطيعة الربيع، وله حلقة في جامع المدينة للفتوى والنظر، روى عنه الأزهري، والخلال، والأزجي، والعتيقي، والتنوخي، وكان ثقة.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر الخطيب، أخبرنا أبو الطيب الطبري قال: سمعت أبا حامد الاسفرائيني يقول: ما رأيت أفقه من الداركي.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب قال: سمعت عيسى بن أحمد بن عثمان الهمذاني يقول: كان عبد العزيز الداركي إذا جاءته مسألة تفكر طويلاً ثم أفتى فيها، فربما كانت فتواه خلاف مذهب الشافعي، وأبي حنيفة، فيقال له في ذلك، فيقول: ويحكم حدث فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا، والأخذ بالحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى من الأخذ بقول الشافعي وأبي حنيفة إذا خالفاه، توفي الداركي في شوال هذه السنة عن نيف وسبعين سنة، ودفن بمقبرة الشونيزي.
عمر بن محمد بن علي بن يحيى بن موسى، أبو حفص الناقد ابن الزيات ولد سنة ست وثمانين ومائتين، سمع جعفر الفريابي، وخلقاً كثيراً، وروى عنه البرقاني، والأزهري، والجوهري، وكان ثقة صدوقاً متكثراً متيقناً، توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن في الشونيزية.
علي بن الحسن بن علي أبو الحسن


الجراحي روى عنه جابر بن شعيب البلخي وغيره، وكان خيراً، حسن المذهب، توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
محمد بن أحمد بن حسنويه، أبو سهل النيسابوري الحسنوي أديب تفقه على مذهب الشافعي وسمع الحديث من جماعة وحدث في البلاد، وكان من التاركين لما لا يعنيهم، المشتغلين بأنفسهم، وتوفي في صفر وهو ابن تسع وخمسين، ودفن في مقبرة الخيزران.
محمد بن الحسن بن سليمان أبو بكر القزويني حدث عن جعفر الفريابي، وابن ذريخ، والبغوي، وغيرهم.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر الخطيب حدثنا عنه علي بن محمد بن الحسن المالكي، وكان عنده جزء عنه، وكان في أكثر الأحاديث تخليط في الأسانيد والمتون. توفي أبو بكر القزويني يوم الخميس غرة شعبان هذه السنة.
محمد بن الحسن بن محمد بن جعفر بن حفص أبو الفضل الكاتب حدث عن المحاملي وابن مخلد، والمصري وغيرهم، روى عنه عبد العزيز الأزجي وغيره، وكان صالحاً ديناً.
محمد بن عبد الله بن صالح أبو بكر الفقيه المالكي الأبهري ولد سنة تسع وثمانين ومائتين، وروى عن ابن أبي عروبة، والباغندي وأبي بكر بن أبي داود وغيرهم، روى عنه البرقاني، وله تصانيف في شرح مذهب مالك، وذكره محمد بن أبي الفوارس فقال: كان ثقة أميناً مستوراً وانتهت إليه الرياسة في مذهب مالك.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي الحافظ، حدثنا القاضي أبو العلاء الواسطي قال: كان أبو بكر الأبهري معظماً عند سائر علماء وقته، لا يشهد محضراً إلا كان هو المتقدم فيه، وإذا جلس قاضي القضاة أبو الحسن ابن أم شيبان أقعده عن يمينه، والخلق كلهم من القضاة والشهود والفقهاء دونه، وسئل أن يلي القضاة فامتنع، فاستشير فيمن يصلح لذلك فقال: أبو بكر أحمد بن علي الرازي، وكان الرازي يزيد حاله على منزلة الرهبان في العبادة، فأريد للقضاء فامتنع، وأشار بأن يولى الأبهري، فلما لم يجب واحد منهما إلى القضاء ولي غيرهما، توفي في شوال هذه السنة.
محمد بن نصر بن مكرم أبو العباس الشاهد روى عن البغوي وغيره، وكان ثقة مقدماً في الشهادة، توفي في شوال هذه السنة.
ثم دخلت
سنة ست وسبعين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه كثر الموت في المحرم بالحميات الحادة، فهلك من الناس خلق كثير.
وفي ليلة الثلاثاء لتسع خلون من ربيع الأول، وهي ليلة اليوم العشرين من تموز: وافى مطر كثير مفرط ببرق.
وفي رجب: زاد السعر، فبيعت الكارة الدقيق الخسكار بنيف وتسعين درهماً.
وفي هذا الشهر: ورد الخبر بزلزلة كانت بالموصل، هدمت كثيراً من المنازل، وأهلكت خلقاً كثيراً من الناس.
وكان الأمر قد صلح بين صمصام الدولة وأخيه شرف الدولة، وجلس الطائع في صفر، وبعث الخلع إلى شرف الدولة، ثم إن العسكر مال إلى شرف الدولة وتركوا صمصام الدولة، فانحدر صمصام الدولة إلى شرف الدولة راضياً بما يعامله به، فلما وصل إليه قبل الأرض بين يديه ثلاث دفعات، ثم قبل يده فقال له شرف الدولة: كيف أنت، وكيف كانت حالك في طريقك؟ ما عملت إلا بالصواب في ورودك، تمض وتغير ثيابك وتتودع من تعبك، فحمل إلى خيمة وخركاه قد ضربا له بغير سرادق، فجلس واجماً نادماً، واجتمع عسكر شرف الدولة من الديلم تسعة عشر ألفاً، وكان الأتراك ثلاثة آلاف غلام، فاستطال الديلم فخاصمهم الأتراك، فكانت بينهم وقعة، فانهزم الديلم، وقتل منهم ثلاثة آلاف في رمضان، فأخذ الديلم يذكرون صمصام الدولة، فقيل لشرف الدولة: اقتله فما تأمنهم، وقدم شرف الدولة بغداد فركب الطائع إليه يهنئه بالسلامة، ثم خفي خبر صمصام الدولة، وذلك أنه حمل إلى القلعة، ثم نفذ بفراش ليكحله، فوصل الفراش وقد توفي شرف الدولة، فكحله، فالعجب إمضاء أمر ملك قد مات.
وفي ذي الحجة: قبل قاضي القضاة أبو محمد بن معروف شهادة أبي الحسن الدارقطني وأبي محمد بن عقبة، وذكر ابن أبي الفوارس أن الدارقطني ندم على شهادته، وقال: كان يقبل قولي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بانفرادي، فصار ولا يقبل قولي على بقلي إلا مع آخر.
ومنع شرف الدولة من المصادرة، ورد على الناس أملاكهم.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
الحسين بن جعفر بن محمد ، أبو القاسم الواعظ الوزان


سمع البغوي، وأبا عمر القاضي، وابن أبي داود، وابن صاعد، والمحاملي، وابن عقدة. روى عنه الأزهري والأزجي، وكان يسكن سوق العطش، وكان ثقة أميناً، صالحاً ستيراً، توفي في ربيع الأول من هذه السنة.
الحسين بن محمد بن عبد الله أبو عبد الله الصيرفي حدث عن محمد بن مخلد الدوري، والنجاد، وكان ثقة أميناً من أمناء القضاة، ينزل ببني سليم، وتوفي في هذه السنة.
عبيد الله بن أحمد، بن يعقوب ابن البواب سمع الباغندي، والبغوي، وروى عنه الأزهري، والعتيقي، وكان ثقة مأموناً، وتوفي في رمضان هذه السنة.
عمر بن محمد بن إبراهيم، أبو القاسم البجلي ابن سنيك ولد سنة إحدى وسبعين ومائتين، وأول ما سمع الحديث في سنة ثلثمائة سمع الباغندي، والبغوي، وروى عنه الأزهري، والتنوخي، وكان يسكن باب الأزج، وقبل أبو السائب قاضي القضاة شهادته، ثم استخلفه أبو محمد بن معروف على الحكم بسوق الثلاثاء وحريم دار الخلافة، وكان ثقة عدلاً، وتوفي في رجب هذه السنة.
محمد بن أحمد بن محمد بن أبي صالح أبو بكر نزل بلخ، وأقام بها حتى مات، وحدث هناك عن أبي شعيب الحراني، ويوسف بن يعقوب القاضي، وأبي يعلى الموصلي.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر أحمد بن ثابت قال: حدثني أبو محمد عبد العزيز بن محمد النخشبي قال: مات أبو بكر بن أبي صالح ببلخ في سنة ست وسبعين وثلثمائة قال: وكان واهياً عند أهل بلخ، وتكلم فيه أبو إسحاق المستملي وغيره.
محمد بن جعفر بن محمد أبو الفتح الهمذاني أخبرنا القزاز، الخطيب قال: ويعرف بابن المراغي، سكن بغداد وروى بها عن أبي جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة، حدث عنه القاضي أبو الحسين محمد بن أحمد بن القاسم المحاملي، وذكر أنه سمع منه في سنة إحدى وسبعين وثلثمائة، وكان من أهل الأدب، عالماً بالنحو واللغة، وله كتاب صنفه، وسماه: كتاب البهجة، على مثال: الكامل للمبرد.
محمد بن أحمد بن حمدان بن علي بن عبد الله بن مسنان الزاهد أبو عمر الحيري سمع جماعة من العلماء، وصحب جماعة من الزهاد، وكان عالماً بالقراءات، والنحو، وكان متعبداً، وكان المسجد منزله نيفاً وثلاثين سنة، وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة، وقالت له زوجته حين وفاته: قد قربت ولادتي، فقال: سلميه إلى الله تعالى فقد جاءوا ببراءتي من السماء، وتشهد، ومات في الحال.
محمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن شاذان أبو بكر الرازي المذكر جمع من كلام التصوف وأكثر، ثم انتسب إلى محمد بن أيوب بن يحيى الضريس البجلي، ومحمد بن أيوب، لم يعقب ولداً ذكراً. قال الحاكم أبو عبد الله: فلقيته فذكرت له ذلك فانزجر وترك ذلك النسب، ثم رأيته بعد يحدث بالمسانيد، وما كان يحدث بها قبل ذلك. وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
محمد بن حماد بن إسحاق بن حماد بن زيد الأزدي القاضي حدث عن سليمان بن عبد العزيز المديني، واستقضى على البصرة قبل يوسف بن يعقوب، والد أبي عمرو وضم إليه قضاء واسط وكور دجلة، وكان يلزم الموفق بالله حيث كان، ثم توفي في هذه السنة.
ثم دخلت
سنة سبع وسبعين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه ورد الوزير أبو منصور محمد بن الحسن، فتلقاه القواد والحجاب، والحواشي، والكتاب، ووجوه أهل بغداد، فلما قارب تلقاه شرف الدولة بالشفيعي يوم السبت لست خلون من المحرم، ووصل في صحبته عشرون ألف ألف درهم، وثياب، وآلات كثيرة، وكان يغلب عليه الخير وإيثار العدل، وكان إذا سمع الأذان ترك جميع شغله، وتوفر على أداء فرضه، وكان يكثر التقليد والعزل ولا يترك عاملاً يقيم في ناحية سنة.
وفي يوم السبت ثامن عشر صفر: عقد مجلس حضرة الأشراف، والقضاة، والشهود، وجددت فيه التوثقة بين الطائع لله وبين شرف الدولة.


وفي يوم السبت الثاني من ربيع الأول: ركب شرف الدولة إلى دار الطائع لله في الطيار بعد أن ضربت القباب على شاطىء دجلة وزينت الدور التي عليها من الجانبين بأحسن زينة، وخلع عليه الخلع السطانية، وتوجه، وطوقه، وسوره، وعقد له لواءين، واستخلفه على ما وراء بابه، وقرىء عهده بمسمع منه ومن الناس على طبقاتهم، وخرج من حضرته فدخل إلى أخته زوجة الطائع، فأقام عندها إلى العصر وانصرف، والعسكر والناس مقيمون على انتظاره، ولما حمل اللواء تخرق ووقعت قطعة منه، فتطير من ذلك، فقال الطائع له: لم تتخرق، وإنما انفصلت قطعة منه وحملتها الرياح، وتأويل هذه الحال: أنك تملك مهب الريح، وكان في جملة من حضر مع شرف الدولة أبو محمد عبيد الله بن أحمد بن معروف، فلما رآه الطائع لله قال له:
مرحباً بالأحبة القادمينا ... أوحشونا وطال ما آنسونا
فقبل الأرض وشكر، ودعا، وجلس شرف الدولة في داره للتهنئة يوم الاثنين لأربع خلون من الشهر، وعليه الخلع، وبين يديه لواءان مركوزان أبيض وأسود، ووصل إليه العامة والخاصة، ورد شرف الدولة على الشريف أبي الحسن محمد بن عمر جميع أملاكه، وخراج أملاكه في كل سنة ألف وخمسمائة ألف درهم، ورد على الشريف أبي أحمد الموسوي جميع أملاكه ورفع أمر المصادرات وسد طرق السعايات.
وفي شهر ربيع الأول: بيعت الكارة من الدقيق الخشكار بمائة وخمسين وستين درهماً، وجلا الناس عن بغداد، ثم زاد السعر في ربيع الآخر فبلغ ثمن الكارة الخشكار مائتين وأربعين درهماً.
وفي يوم السبت لليلتين بقيتا من ربيع الآخر: توفيت والدة شرف الدولة، وكانت امرأة تركية أم ولد فركب إليه الطائع لله في الماء معزياً بها.
وفي شعبان: ولد لشرف الدولة ولدان ذكران توأمان، كنى أحدهما: أبا حرب وسماه: سلار، وكنى الآخر أبا منصور، وسماه: فنا خسرو.
وفي هذه السنة: بعث شرف الدولة العسكر لقتال بدر بن حسنويه فظفر بهم بدر، وانهزموا، واستولى بدر بعد ذلك على الجبل وأعماله.
وفي ذي الحجة: وقع مع الغلاء وباء عظيم.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول التنوخي الأزرق الأنباري الكاتب توفي يوم الجمعة لأربع بقين من محرم.
أحمد بن محمد بن بشر الشاهد توفي في يوم الجمعة تاسع عشر المحرم والأصح سابع عشر.
أحمد بن العلاء أبو نصر الشيرازي الكاتب توفي يوم الأربعاء لعشر بقين من رجب.
أحمد بن الحسين بن علي، أبو حامد المروزي ابن الطبري كان أبوه من أهل همذان سمع من جماعة من المحدثين، وكان أحد العباد المجتهدين، والعلماء المتقين، حافظاً للحديث، بصيراً بالأثر، ورد بغداد في حداثته، فتفقه بها، ودرس على أبي الحسن الكرخي مذهب أبي حنيفة، ثم عاد إلى خراسان، فولي بها قضاء القضاة، وصنف الكتب والتاريخ، ثم دخل بغداد وقد علت سنه، فحدث بها، وكتب الناس عنه بانتخاب الدارقطني، روى عنه البرقاني ووثقه، توفي بمرو في صفر هذه السنة سنة سبع وسبعين، وبعضهم يقول: في سنة ثلاث وسبعين.
إسحاق بن المقتدر بالله أبو محمد ولد سنة سبع عشرة وثلثمائة، وتوفي يوم الجمعة سابع عشر ذي القعدة، وغسله أبو بكر بن أبي موسى الهاشمي، وصلى عليه ابنه القادر بالله وهو إذ ذاك أمير، ودفن في تربة شغب جدته والدة المقتدر بالله، وأنفذ الطائع خواص خدمه وحجابه لتعزية ابنه القادر، وركب الأشراف والقضاة مع جنازته، وأنفذ شرف الدولة وزيره أبا منصور في جماعة إلى الطائع للتعزية والاعتذار عن تأخره لشكوى يجدها.
جعفر بن المكتفي بالله كان فاضلاً، توفي يوم الثلاثاء سابع صفر هذه السنة.
جعفر بن محمد بن أحمد بن إسحاق بن البهلول بن حسان، أبو محمد بن أبي طالب. التنوخي أصله من الأنبار وولد ببغداد في سنة ثلاث وثلثمائة، وقرأ القراءات، وكتب الحديث وحدث عن البغوي، وابن أبي داود، وأبي عمر القاضي، وابن صاعد، وعرض عليه القضاء والشهادة فأباهما تورعاً وصلاحاً، روى عنه أبو علي التنوخي، وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن سليمان أبو علي الفارسي النحوي


ولد ببلده " فسا " وسمع شيئاً من الحديث فروى عنه الجوهري، والتنوخي، وقد اتهمه قوم بالاعتزال.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال: قال لي التنوخي: ولد أبو علي الحسن بن أحمد النحوي الفارسي بفسا، وقدم بغداد فاستوطنها، وسمعنا منه في رجب سنة خمس وسبعين وثلثمائة، وعلت منزلته في النحو حتة قال قوم من تلامذته هو فوق المبرد، وأعلم منه، وصنف كتباً عجيبة حسنة، لم يسبق إلى مثلها، واشتهر ذكره في الآفاق، وبرع له غلمان حذاق مثل: عثمان بن جني، وعلي بن عيسى الشيرازي، وغيرهما، وخدم الملوك ونفق عليهم، وتقدم عند عضد الدولة فسمعت أبي يقول: أنا غلام أبي علي النحوي في النحو. توفي في ربيع الأول من هذه السنة، ودفن بالشونيزية عن نيف وتسعين سنة.
ستيتة بنت القاضي أبي عبيد الله الحسين بن إسماعيل الضبي المحاملي وتكنى أمة الواحد أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: قال لنا أحمد بن عبد الله بن الحسين بن إسماعيل المحاملي: إسمها ستيتة، وهي أم القاضي أبي الحسين محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل المحاملي: وكانت فاضلة عالمة من أحفظ الناس للفقه على مذهب الشافعي.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: حدثني أبو إسحاق الشيرازي قال: سمعت أبا بكر البرقاني يقول: كانت بنت المحاملي تفتي مع أبي علي بن أبي هريرة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي الحافظ أخبرنا عبد الكريم بن أحمد بن محمد بن أحمد الضبي، أخبرنا أبو الحسن الدارقطني قال: أمة الواحد بنت الحسين بن إسماعيل بن محمد القاضي المحاملي، سمعت أباها وإسماعيل بن العباس الوراق، وعبد الغافر بن سلامة الحمصي، وأبا الحسن المصري، وحمزة الهاشمي وغيرهم، وحفظت القرآن والفقه على مذهب الشافعي، والفرائض، وحسابها والدور والنحو وغير ذلك من العلوم، وكانت فاضلة في نفسها، كثيرة الصدقة، مسارعة في الخيرات، حدثت وكتب عنها الحديث، وتوفيت في شهر رمضان سنة سبع وسبعين وثلثمائة عبيد الله بن محمد بن عابد بن الحسين أبو محمد الخلال ولد سنة إحدى وستين ومائتين، وسمع الباغندي وروى عنه الأزهري، وكان ثقة، توفي في شوال هذه السنة.
عبد الواحد بن علي بن محمد بن أحمد بن خشيش بو القاسم الوراق ولد سنة إحدى وثمانين ومائتين، وسمع البغوي، وابن صاعد، روى عنه الخلال، وكان ثقة، وتوفي في محرم هذه السنة.
عبد الوهاب بن الطائع لله. توفي ليلة الأربعاء ثامن عشر ربيع الآخر، ودفن في التربة التي بناها الطائع لله بالرصافة بإزاء تربة جدته شغب.
علي بن أحمد بن إبراهيم بن ثابت أبو القاسم الربعي قدم بغداد، وحدث بها فروى عنه أبو العلاء الواسطي كان ثقة حافظاً.
توفي بالري في هذه السنة.
علي بن محمد بن أحمد بن نصير بن عرفة، أبو الحسن الثقفي الوراق ابن لؤلؤ ولد سنة إحدى وثمانين ومائتين، وسمع الفريابي، وخلقاً كثيراً، وقد حدثنا أبو بكر بن عبد الباقي عن الجوهري عنه، وكان ثقة صدوقاً، يأخذ على قراءة الحديث الشيء اليسير.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال: سمعت التنوخي يقول: حضرت عند أبي الحسن ابن لؤلؤ مع أبي الحسن البيضاوي لنقرأ عليه، وكان قد ذكر له عدد من يحضر السماع، ودفعنا إليه دراهم كنا قد وافقناه عليها، فرأى في جملتنا واحداً زائداً على العدد الذي ذكر له، فأمر بإخراجه، فجلس الرجل في الدهليز، وجعل البيضاوي يقرأ ويرفع صوته ليسمع الرجل، فقال ابن لؤلؤ: يا أبا الحسن، أتعاطي علي وأنا بغدادي، باب طاقي، وراق، صاحب حديث، شيعي أزرق كوسج. ثم أمر جاريته أن تجلس وتدق في الهاون أشناناً حتى لا يصل صوت البيضاوي بالقراءة إلى الرجل. توفي في محرم هذه السنة.
محمد بن أحمد بن الحسين بن القاسم بن الغطريف الجهم أبو أحمد الرباطي الجرجاني حدثنا أبو الحسين بن أبي الطيب الطبري عنه، وكان أبو بكر الإسماعيلي يقول في حقه: لا أعرفه إلا صواماً قواماً . وتوفي في رجب هذه السنة.
محمد بن جعفر بن زيد أبو الطيب المكتت


حدث عن البغوي، حدث عنه ابنه عبد الغفار، وكان يقول: ولد أبي سنة إحدى وثلثمائة، ومات في شعبان سنة سبع وسبعين وثلثمائة محمد بن زيد بن علي بن جعفر بن محمد بن مروان أبو عبد الله الأبزاري روى عنه الأزهري، والتنوخي، والجوهري.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا أحمد بن محمد العتقي قال: سنة سبع وسبعين وثلثمائة فيها توفي أبو عبد الله بن مروان بالكوفة في صفر، وكان ثقة مأموناً، انتقى عليه الدارقطني، وسمعنا منه ببغداد.
محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس بن الحسن بن مثوبة أبو عبد الله الأستراباذي سمع من أبيه، وجده، وسافر الكثير وتفقه، وكان من أفاضل الناس ديناً، وزهداً، وأمانة، وورعاً، متهجداً بالليل متمسكاً بمكارم الأخلاق.
وتوفي في رمضان هذه السنة.
ثم دخلت
سنة ثمان وسبعين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها غلاء الأسعار، وعدم الأقوات وظهور الموت، والأغلال في المحرم، وبيعت الكارة الدقيق بستين درهماً.
وفي هذا الوقت تقدم السلطان شرف الدولة برصد الكواكب السبعة في مسيرها وتنقلها في بروجها على مثل ما كان المأمون فعله في أيامه، فبنى في دار المملكة بيتاً في آخر البستان محكماً، ورصد ما كتب به محضراً أخذ فيه خطوط من يعرف الهندسة بحسن صناعة هذا الموضع لهذا البيت.
وفي شعبان: كثرت الرياح العواصف، وجاءت بفم الصلح وقت العصر من يوم الخميس لخمس بقين منه ريح شبهت بالتنين، حتى خرقت دجلة، حتى ذكر أنه بانت أرضها من ممر الريح، وهدمت قطعة من المسجد الجامع، وأهلكت جماعة من الناس، وغرقت كثيراً من السفن الكبيرة المملوءة بالأمتعة واحتملت زورقاً منحدراً وفيه دواب وعدة سفن وطرحت ذلك في أرض جوخي، فشوهد بعد أيام.
وفي هذه السنة: لحق الناس بالبصرة حر عظيم، وجنوب فتساقط الناس في الشوارع، وماتوا في الطرقات.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
الحسين بن علي بن ثابت أبو عبد الله المقرئ ولد أعمى، وكان حافظاً، يحضر مجلس ابن الأنباري فيحفظ ما يمليه، وهو صاحب القصيدة في قراءة السبعة، عملها في حياة النقاش، فأعجب بها النقاش وشيوخ زمانه، وكان ظريفاً حسن الزي. توفي في رمضان هذه السنة.
الخليل بن أحمد القاضي. شيخ أهل الرأي في عصره، وكان متقدماً في علم الفقه والوعظ، وسمع الحديث من محمد بن إسحاق بن خزيمة وأقرانه، وسمع بالعراق البغوي، وابن صاعد، وأقرانهما، وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
زياد بن محمد بن زياد بن الهيثم بن زياد أبو العباس الخرجاني روى عن الحسن بن محمد الداركي، وغيره، توفي في هذه السنة، وهذا الخرجاني، بخاء يتلوها بعد الراء جيم.
فأما الخرخاني - بخائين معجمتين - منهم أبو جعفر محمد بن إبراهيم بن الحسن الخرخاني روى عنه البغوي وهي قرية من قرى قومس.
فأما الجرجاني - بجيمين - فخلق كثير نزلوا جرجان.
فأما الحرجاني - بحاء مهملة وبعد الراء جيم - فبلد بقرب من الشوش وقم، يشكل في هذا الحوجاني - بحاء مهملة وبعدها واو، ثم جيم - وهو منسوب إلى قرية من بلاد المغرب، ويشبه بهذا مثله في الخط الجوجاني - بجيمين والواو بينهما مشدداً - أحد رساتيق نيسابور، كان منها أبو العلاء صاعد بن محمد القاضي، وأبو عمر الفاراني، وقد يكتبها بعض الناس بالسين، والأصل ما ذكرناه، وربما نسبوا إلى مجتمع التمر فقالوا: جوخاني - بجيم وخاء.
سليمان بن محمد بن أحمد بن أيوب، أبو القاسم. ولد سنة ثمان وتسعين ومائتين، وسمع البغوي، والباغندي، وابن أبي داود . روى عنه الأزهري، والخلال، وكان ثقة يشهد عند الحكام، عدلاً مقبولاً من أهل بيت الشهادة والستر والثقة، توفي في ربيع الآخر من هذه السنة. ودفن في مقبرة الخيزران.
عبيد الله بن أحمد بن محمد أبو العباس الكاتب كان أديباً شاعراً. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، أخبرنا التنوخي قال: أنشدني أبو العباس الكاتب قال: أنشدنا أبو بكر ابن الأنباري:
وكم من قائل قد قال دعه ... فلم يك وده لك بالسليم
فقلت إذا جزيت الغدر غدراً ... فما فضل الكريم على اللئيم


وأين الألف تعطفني عليه ... وأين رعاية الحق القديم
وقال التنوخي: وأنشدني أيضاً:
لي صديق قد ضيع من سوء عهد ورماني الزمان منه بصد
كان وجدي به فصار عليه ... وظريف زوال وجد بوجد
عبد العزيز بن أحمد بن علي بن أبي صابر أبو محمد الصيرفي الجهبذ سمع ابن أبي داود، وابن صاعد، روى عنه الخلال، والجوهري، وكان ثقة.
توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
محمد بن إسماعيل بن العباس أبو بكر الحريري الوراق المستملي يروي عن إسماعيل الحاسب وغيره، وكان ثقة.
وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
محمد بن إسحاق بن محمد بن إسحاق بن عيسى بن طارق أبو بكر القطيعي الناقد سمع الباغندي والبغوي، وابن صاعد وغيرهم، وروى عنه ابن شاذان وغيره. قال محمد بن أبي الفوارس: كان يدعي الحفظ، وفيه بعض التساهل. توفي ربيع الآخر من هذه السنة.
محمد بن أحمد بن عمران بن موسى بن هارون بن دينار أبو بكر الجشمي المطرز سمع خلقاً كثيراً.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: قال لي الأزهري: كان هذا الشيخ قريباً ينزل في التسترين وسمعت منه، وكان ثقة.
محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب أبو بكر المفيد ولد ببغداد سنة أربع وثمانين ومائتين، سكن جرجرايا، وبها قبره، وكان من الحفاظ، وسماه موسى بن هارون: المفيد، وسافر الكثير، وحدث عن أبي يعلى الموصلي. وخلق لا يحصون، وروى مناكير عن مشائخ مجهولين منهم الحسن بن عبد الله العبدي. حدث عن عفان، وعبد الله بن رجاء، ومحمد بن كثير، وعمر بن هارون بن مرزوق، ومسدد، وأحمد بن عبد الرحمن السقطي، روى عنه جزءاً عن يزيد بن هارون، وهذا السقطي لا يعرف، وقد روى عن الدارقطني أنه قال: حدثنا جماعة عن هذا السقطي. إلا أنه قال الحكاية عن الدارقطني لا يثبت.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: كان شيخنا أبو بكر البرقاني قد أخرج في مسنده الصحيح عن المفيد حديثاً واحداً، فكان كلما قرىء عليه اعتذر من روايته عنه، وذكر أن ذلك الحديث لم يقع إليه إلا من جهته، فأخرجه عنه، وسألته عنه فقال: ليس بحجة، وقال لنا البرقاني: رحلت إلى المفيد فكتبت عنه الموطأ، فلما رجعت إلى بغداد قال لي أبو بكر بن أبي سعد: أخلف الله عليك نفقتك، فدفعته إلى بعض الناس، فأخذت بدله بياضاً، قال الخطيب: روى المفيد الموطأ عن الحسن بن العبدي، عن القعنبي، فأشار ابن أبي سعد إلى أن نفقة البرقاني ضاعت في رحلته؛ لأن العبدي مجهول لا يعرف، وتوفي المفيد في ربيع الآخر من هذه السنة. ودفن بجرجرايا.
محمد بن أحمد بن أبي مسلم قال المؤلف واسمه محمد بن علي بن مهران، أبو الحسن الأصبهاني الأصل سمع الباغندي وطبقته، روى عنه ابنه أبو أحمد عبيد الله بن محمد الفرضي، وكان ثقة.
محمد بن عبد الله بن الشخير أبو بكر روى عن الباغندي، والبغوي، وغيرهما، وكان ثقة أميناً، توفي في رجب هذه السنة.
محمد بن إسماعيل بن العباس بن محمد بن عمر بن مهران بن مسرور أبو بكر المستملي الوراق ولد ببغداد سنة ثلاث وتسعين ومائتين، وسمع أباه والباغندي، والبغوي، وغيرهم، وروى عنه الدارقطني والبرقاني والأزهري وغيرهم.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي قال: سألت أبا بكر البرقاني، عن ابن إسماعيل فقال: ثقة ثقة.


وقال ابن أبي الفوارس: ابن إسماعيل متيقظ ثقة حسن المعرفة، وكانت كتبه قد ضاعت واستحدث من كتب الناس فيه بعض التساهل. قال: وحدثني الأزهري قال: كان ابن إسماعيل حافظاً إلا أنه لين في الرواية، وذلك أن أبا القاسم ابن زوج الحرة كان عنده صحف كثيرة عن يحيى بن صاعد من مسنده وجموعه، وكان ابن إسماعيل شيخاً ثقة يحضر دار أبي القاسم كثيراً، فقال له: إن هذه الكتب كلها سماعي من ابن صاعد، فقرأها عليه أبو القاسم من غير أن يكون سماعه فيها ولا له أصول بها. قال الخطيب: وقد اشتريت قطعة من تلك الكتب، فرأيت الأمر فيها على ما حكى لي الأزهري، لم أجد لابن إسماعيل سماعاً فيها، ولا رأيت علامات الإصلاح والمعارضة في شيء منها. أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب قال: حدثني أبو الحسين أحمد بن عمر القاضي قال: سمعت أبا بكر بن إسماعيل الوراق يقول: دققت على أبي محمد بن صاعد بابه فقال: من ذا؟ فقلت: أنا أبو بكر بن أبي علي يحيى هاهنا، فسمعته يقول للجارية: هاتي النعل حتى أخرج إلى هذا الجاهل الذي يكني نفسه ويكني أباه، ويسميني أنا فأصفعه. قال الخطيب: ذكرت هذه الحكاية لبعض شيوخنا فقال: كان في ابن إسماعيل سلامة، توفي ابن إسماعيل يوم الأحد لاثنتي عشرة بقين من ربيع الآخر من هذه السنة.
محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق أبو أحمد الحافظ القاضي إمام عصره في صنعة الحديث. سمع نيسابور أبا بكر بن خزيمة، وأبا العباس الثقفي وأقرانهما، وخرج إلى طبرستان والري، وبغداد، والكوفة، والحجاز، والجزيرة، والشام، وسمع من أشياخها، وصنف كتباً كثيرة، وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة وهو ابن ثلاث وتسعين سنة، ودفن في داره موضع جلوسه للتصنيف عند كتبه.
محمد بن العباس بن أحمد بن محمد بن عصم، أبو عبد الله بن أبي ذهل الضبي. العصمي من أهل هراة سمع بهراة، ونيسابور، والري، وبغداد من خلق كثير، سمع منه الدارقطني، وابن رزقويه والبرقاني، وكان ثبتاً ثقة رئيساً من ذوي الأقدار، كثير الأفضال على الفقهاء والقراء، وكانت تضرب له دنانير في كل دينار دينار ونصف وأكثر، فيتصدق بها ويقول: إن الفقير يفرح إذا ناولته كاغذاً فبتوهم أن فيه فضة، ثم يفتحه فيفرح إذا رأى صفرة الدينار، ثم يزنه فيفرح إذا وزنه زاد على المثقال، استشهد العصمي برستاق من رساتيق نيسابور في صفر هذه السنة، وأوصى أن يحمل تابوته إلى هراة فحمل ثم قبر.
مطرف بن الحسين بن أحمد أبو علي الأستراباذي سمع أباه، وجده، وخلقاً كثيراً، وكان فاضلاً عالماً ديناً، ظريفاً، يرجع إليه في المعضلات من المسائل، توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
ثم دخلت
سنة تسع وسبعين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه ورد الخبر في المحرم بأن المحرم بأن الجراح الطائي خرج على الحاج بين سميراء وفيد، ونازلهم، ثم صالحهم على ثلثمائة ألف درهم شيء من الثياب المصرية والأمتعة اليمنية، فأخذه وانصرف.
وفي هذه السنة انتقل السلطان شرف الدولة إلى قصر معز الدولة بباب الشماسية، لأن الأطباء أشاروا عليه، بذلك وزعموا أن الهواء هناك أصح، وكان قد ابتدأ به المرض من سنة ثمان وسبعين من فساد مزاج فشغب الديلم وطلبوا أرزاقهم، فعاد إلى داره وراسلهم، وقبض على جماعة اتهموا بالسعي في الفساد.
وفي يوم الاثنين لثمان بقين من جمادى الآخرة: أنفذ الطائع لله الرئيس أبا الحسن علي بن عبد العزيز بن حاجب النعمان كاتبه إلى دار القادر بالله، وهو أمير ليقبض عليه، فهرب منه، وكان السبب أنه لما توفي إسحاق بن المقتدر والد القادر جرت بين القادر وبين آمنة أخته بنت معجبة منازعة في ضيعة، واتفق أنه عرض للطائع علة صعبة، ثم أبل منها، فسعت آمنة بالقادر إلى الطائع وقالت: إنه شرع في تقلد الخلافة عند مرضك، وراسل أرباب الدولة، فظن أن ذلك حق فتغير رأيه فيه، وأنفذ ابن حاجب النعمان في جماعة للقبض عليه، وكان يسكن الحريم الطاهري فقالوا: أمير المؤمنين


يستدعيك، فقام وقال له أبو الحسن: إلى أين؟ فقال: ألبس ثياباً تصلح للقاء الخليفة، فعلق به ومنعه، فعرف الحرم ما يراد به، فانتزعوه من يده وبادر إلى سرداب، فتخلص منهم، فعادوا إلى الطائع، وعرفوه الصورة، وانحدر القادر بالله إلى البطيحة، فأقام بها عند مهذب الدولة إلى أن قبض بهاء الدولة على الطائع، وأظهر أمر القادر.
وفي جمادى الأولى: زاد مرض شرف الدولة، وتوفي، وعهد إلى ولده أبي نصر.
فاجتمع العسكر وطالبوه برسم البيعة، فخوطبوا في أن يقنع كل واحد منهم بخمسمائة درهم وإلى ستمائة فأبوا، فخاطبهم أبو نصر وأعلمهم خلو الخزائن، ووعدهم أن يكسروا الأواني ويعطيهم، وتردد بين أبي نصر وبين الطائع مراسلات انتهت إلى أن حلف كل واحد منهما لصاحبه على التصافي وصحة العقيدة، وكل ذلك في ليلة السبت سادس جمادى الآخرة، وركب الطائع لله الطيار وسار إلى دار المملكة بالمخرم لتعزية أبي نصر، والشطان منغصان بالنظارة، فنزل الأمير أبو نصر متشحاً بكساء طبري، والديلم والأتراك بين يديه، وحواليه إلى المشرعة التي قدم إليها الطيار، وقبل الأرض وقبلها العسكر بتقبيله، وصعد الرئيس أبو الحسن علي بن عبد العزيز إلى الأمير أبي نصر، فأدى إليه رسالة الطائع بالتعزية، فقبل الأرض ثانياً وشكر ودعا، فعاد أبو الحسن إلى الطائع فأعلمه شكره ودعاءه، وعادوا الصعود إلى أبي نصر لوداعه عن الطائع لله فقبل الأرض ثالثاً وانحدر الطيار على مثل ما أصعد، ورجع الأمير أبو نصر إلى داره.
فلما كان يوم السبت عاشر هذا الشهر ركب الأمير أبو نصر إلى حضرة الطائع، وحضر الأشراف والقضاة وجلس الطائع لله في الرواق الذي في صحن السلم متقلداً سيفاً، وأدخل السلطان إلى بيت في جانب الرواق ممايلي دجلة، وخلع عليه فيه الخلع السلطانية، وخرج وعليه سبع طاقات أعلاها سواد وعلى رأسه عمامة سوداء، وعلى عنقه طوق كبير، وفي يده سواران ومشى الحجاب بين يديه بالسيوف والمناطق، فلما حصل بين يدي الطائع لله قبل الأرض، فأومأ إليه الطائع بالجلوس، وطرح له كرسي فقبل الأرض دفعة ثانية، وجلس وقرأ أبو الحسن علي بن عبد العزيز عهده، وقدم إلى الطائع لواءه حتى عقدهما بيده ولقب بهاء الدولة وضياء الملة، فسار بين يديه العسكر كله إلى باب الشماسية في القباب المنصوبة، وانحدر في الطيار إلى دار المملكة، وأقر الوزير أبا منصور ابن صالحان على الوزارة، وخلع عليه.
وفي هذه السنة: عمر مهذب الدولة علي بن نصر السقايات بواسط، فغرم عليها ستة آلاف، وفيها بنى جامع القطيعة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: حدثني هلال بن المحسن الكاتب: أن الناس تحدثوا في سنة تسع وسبعين وثلثمائة بأن امرأة من أهل الجانب الشرقي رأت في منامها النبي صلى الله عليه وسلم كأنه يخبرها بأنها تموت من غد عصراً، وأنه يصلي في مسجد بقطيعة أم جعفر من الجانب الغربي في القافلائين، ووضع كفه في حائط القبلة، وأنها ذكرت هذه الرؤية عند انتباهها من نومها، فقصد الموضع، ووجد أثر الكف، وماتت المرأة في ذلك الوقت.
وعمر المسجد ووسعه أبو أحمد الموسوي بعد ذلك، وبناه، وعمر واستأذن الطائع لله في أن يجعل مسجداً تصلى فيه الجمعات، واحتج بأنه من وراء خندق وأنه يقطع بينه وبين البلد، ويصير به ذلك الصقع بلداً آخر، فأذن له في ذلك، وصار جامعاً يصلي فيه الجمعات.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
الحسين بن محمد بن أحمد بن محمد بن دينار بن موسى أبو القاسم الدقاق ولد في ربيع الأول سنة أربع وثلثمائة، وسمع البغوي، وابن أبي داود، روى عنه أبو محمد الخلال، قال الأزهري: كان ثقة، وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة.
شرف الدولة بن عضد الدولة كان يميل إلى الخير، وأزال المصادرات، وكان مرضه الاستسقاء وفساد المزاج، فامتنع من الحمية ووافق هواه في التخليط، فتوفي عصر يوم الجمعة ثاني جمادى الآخرة من هذه السنة. وحمل إلى المشهد بالكوفة، فدفن في تربة عضد الدولة، وكان مدة عمره ثماني وعشرين سنة وخمسة أشهر، ومدة ملكه ببغداد سنتين وثمانية أشهر.
طاهر بن محمد بن سهلويه بن الحارث بن يزيد بن بحر أبو الحسين النيسابوري


قدم بغداد حاجاً، وحدث بها عن جماعة، روى عنه الأزهري، والخلال، وكان ثقة عدلاً مقبول الشهادة عند الحكام، توفي في هذه السنة ببغداد وله سبعون سنة.
محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد بن مهران أبو بكر الصفار الضرير ولد في شوال سنة تسع وثمانين مائتين، سمع البغوي وغيره، وروى عنه الدارقطني، والتنوخي، وقال: سمعت منه في سنة إحدى وسبعين، وقال البرقاني: شيخ ثقة فاضل، أصله من الشام.
محمد بن أحمد بن أبي طالب علي بن محمد بن محمد بن الجهم الكاتب، يكنى: أبا الفياض. حدث عن البغوي وغيره.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: ذكر ابن أبي الفوارس أبا الفياض فقال: كان فيه تساهل في الحديث، وقال لي أبو علي ابن المذهب: مات أبو الفياض يوم الأربعاء التاسع عشر من ربيع الآخر سن تسع وسبعين ثلثمائة، وكان أبوه قد مات قبله بخمسة أيام، وماتت والدته بعد أبيه بيومين.
محمد بن أحمد، بن علي، أبو الفتوح الحداد أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: كان هذا الرجل يورق بالأجرة، وحدث عن أحمد بن سليمان النجاد، وأبي بكر الشافعي، وعلي بن إبراهيم بن حماد القاضي، وغيرهم، حدثنا عنه القاضي أبو الحسن بن المهتدي، وقال لي كان عبداً صالحاً. وأثنى عليه ثناءً حسناً.
محمد بن أحمد بن العباس بن أحمد بن خلاد أبو جعفر السلمي نقاش الفضة ولد للنصف من جمادى الأولى سنة أربع وتسعين مائتين، وسمع الباغندي، والبغوي، وابن صاعد، وابن مجاهد في آخرين.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: سألت الأزهري عن أبي جعفر النقاش فقال: ثقة، قال: وكان أحد المتكلمين على مذهب الأشعري، ومنه تعلم أبو علي بن شاذان الكلام.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، أخبرنا العتيقي قال: سنة تسع وسبعين وثلثمائة فيها توفي أبو جعفر النقاش لست خلون من المحرم، وكان ثقة.
محمد بن جعفر بن العباس بن جعفر أبو بكر النجاد سمع محمد بن هارون المجدر، وأبا حامد الحضرمي، وابن صاعد، وأبا بكر النيسابوري.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، حدثنا عنه الحسن بن محمد الخلال وذكر لي أنه كان يلقب: غندرا، قال: وكان ثقة فهماً يحفظ القرآن حفظاً حسناً، وتوفي في محرم هذه السنة.
محمد بن جعفر بن عبد الكريم بن بديل أبو الفضل الخزاعي الجرجاني قدم بغداد وحدث بها عن يوسف بن يعقوب النجيرمي، وأبي بكر الإسماعيلي وغيرهما، وروى عنه أبو القاسم التنوخي.
أخبرنا القزاز: أخبرنا الخطيب قال: كان الخزاعي شديد العناية بعلم القراءات، ورأيت له مصنفاً يشتمل على أسانيد القراءات المذكورة فيه على عدة من الأجزاء، فأعظمت ذلك واستنكرته، حتى ذكر لي بعض من يغتني بعلوم القرآن أنه كان يخلط تخليطاً قبيحاً، ولم يكن على ما يرويه مأموناً. وحكى لي القاضي أبو العلاء الواسطي عنه أنه وضع كتاباً في الحروف، ونسبه إلى أبي حنيفة، قال أبو العلاء: فأخذت خط الدارقطني وجماعة من أهل العلم بأن ذلك الكتاب: موضوع لا أصل له فكبر ذلك عليه، وخرج من بغداد إلى الجبل، ثم بلغني أن حاله اشتهرت عند أهل الجبل، وسقطت هناك منزلته.
قال أبو العلاء: كتبت عنه بواسط وذكر لي أن اسمه: كميل، ثم غير اسمه بعد ذلك، وتسمى محمداً.
محمد بن المظفر بن موسى بن عيسى بن محمد بن عبد الله بن سلمة بن إياس أبو الحسين البزاز ولد في محرم سنة ست وثمانين ومائتين، وأول سماعه للحديث في محرم سنة ثلثمائة، سافر الكثير، سمع وبحران ودمشق ومصر وبغداد، وروى عن ابن جرير، والبغوي وخلق كثير، وروى عنه الدارقطني، وابن شاهين، والخلال، والأزهري.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي قال: حدثني أبو بكر البرقاني قال: كتب الدارقطني عن ابن مظفر ألف حديث، وألف حديث، وألف حديث، يعدد ذلك مرات.
حدثنا عبد الرحمن ثنا أحمد بن علي قال: حدثني محمد بن عمر بن إسماعيل القاضي قال: رأيت أبا الحسن الدارقطني يعظم أبا الحسين بن المظفر، ويجله، ولا يستند بحضرته، وقد روى عنه أشياء كثيرة.


أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرني أحمد بن علي المحتسب قال: أخبرنا محمد بن أبي الفوارس قال: كان محمد بن المظفر ثقة أميناً مأموناً حسن الحفظ، وانتهى إليه الحديث وحفظه وعلمه، وكان قديماً ينتقي على الشيوخ، وكان مقدماً عندهم.
توفي ابن المظفر يوم الجمعة، ودفن يوم السبت لثلاث خلون من جمادى الأولى من هذه السنة، وقيل: توفي في جمادى الآخرة عن نيف وتسعين سنة.
ثم دخلت
سنة ثمانين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه قلد أبو أحمد الحسين بن موسى الموسوي نقابة الطالبيين، والنظر في المظالم، وإمارة الحاج، وكتب عهده على جميع ذلك، واستخلف له ولده المرتضى أبو القاسم والرضى أبو الحسن على النقابة، وخلع عليهما من دار الخلافة.
وفي هذه السنة زاد أمر العيارين في جانبي بغداد مدينة السلام، ووقعت بينهم حروب، وعظمت الفتنة، واتصل القتال بين الكرخ و باب البصرة، وصار في كل حرب أمير وفي كل محلة متقدم وقتل الناس، وأخذت الأموال، وتواترت العملات، واتصلت الكبسات وأحرق بعضهم محال بعض، وتوسط الشريف أبو أحمد الموسوي الأمر.
وفيها: وقع حريق عظيم نهاراً في نهر الدجاج ورواضعه، فذهب من عقار الناس وأموالهم شيء كثير.
وفي هذه السنة حج بالناس أبو عبد الله أحمد بن محمد بن عبيد الله العلوي نيابة عن الشريف أبي أحمد الموسوي.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
إبراهيم بن أحمد بن بشران بن زكريا أبو إسحاق الصيرفي سمع البغوي، وابن صاعد، وغيرهما، انتقى عليه الدارقطني، وكان ثقة، توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
البهلول بن محمد بن أحمد بن إسحاق بن البهلول بن حسان أبو القاسم التنوخي الأنباري ولد ببغداد سنة إحدى وثلاثين وثلثمائة، فسكنها وحدث بها، فروى عنه أبو القاسم التنوخي، وكان ينزل سكة بالمدينة، يعرف بسكة أبي العباس الطوسي، وتوفي في رجب هذه السنة.
الحسين بن محمد بن الحسين أبو بكر ابن المحاملي سمع القاضي المحاملي، وابن عقدة، وروى عنه الجوهري، وتوفي في شعبان هذه السنة.
حمدون بن أحمد بن سلم، أبو جعفر السمسار ابن بنت سعدويه الواسطي روى عن جماعة، وروى عنه أبو بكر الشافعي، وذكره الدارقطني فقال: لا بأس به، وتوفي في صفر هذه السنة.
طلحة بن محمد بن جعفر أبو القاسم الشاهد من قدماء أصحاب ابن مجاهد.
ولد سنة إحدى وتسعين ومائتين، وشهد عند أبي السائب القاضي، وكان مقدماً في وقته على الشهود، وحدث عن البغوي، وغيره، وكان يذهب إلى الآعتزال، توفي في شوال هذه السنة.
عبد الله بن محمد بن أحمد بن عقبة أبو محمد القاضي سمع أبا بكر النيسابوري، وروى عنه أبو القاسم الأزهري، وكان ثقة مأموناً ذا هيئة. وتوفي يوم الجمعة وقت طلوع الشمس، وأخرجت جنازته قبل الصلاة، وذلك في سادس عشر ربيع الأول من هذه السنة.
عبد الله بن محمد بن أحمد أبو القاسم التوزي حدث عن البغوي، وروى عنه الأزهري، وكان ثقة وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
عبيد الله بن عبد الله بن محمد أبو القاسم السرخسي التاجر روى عن المحاملي، وابن مخلد، وانتقل إلى بخارى فأقام بها إلى أن توفي في رجب هذه السنة، وكان ثقة.
عبد الواحد بن محمد بن الحسن بن شاذان أبو القاسم سمع البغوي، وكان ثقة، توفي فجأة وهو يصلي في ربيع الآخر في هذه السنة.
علي بن عمرو الحريري حدث عن أبي عروبة وكان ثقة، توفي فجأة وهو يصلي في ربيع الآخر.
محمد بن إبراهيم بن حمدان بن إبراهيم بن يونس بن نيطرا، أبو بكر قاضي دير العقول حدث ببغداد عن جده حمدان، وعن البغوي، وابن صاعد، وغيرهما.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: حدثنا عنه الأزهري والتنوخي وسألتهما عنه فقالا: ثقة، وحدثني الأزهري قال: جاءنا الخبر من دير العاقول أن ابن نيطرا توفي في ربيع الآخر من هذه السنة أعني سنة ثمانين وثلثمائة يعقوب بن يوسف أبو الفرج وزير صاحب مصر العزيز


كان عالي الهمة، عظيم الهيبة، ناصحاً لصاحبه، فوض الأمر إليه، فلما مرض ركب إليه صاحب مصر عائداً فقال: يا يعقوب، وددت أن تباع فابتاعك بملكي، أو تفدى فأفديك، فهل من حاجة توصي بها فبكى يعقوب وقبل يده، ووضعها على عينه وقال: أما فيما يخصني فلا، فإنك أرعى لحقي من أن استرعيك، وأرأف بمخلفي من أن أوصيك، ولكن فيما يتعلق بدولتك سالم الروم ما سالموك، واقنع من الحمدانية بالدعوة والسكة، ولا تبق على المفرج بن دغفل الخراج متى أمكنت فيه الفرصة، ثم توفي، فأمر صاحب مصر أن يدفن في قصره في قبة كان بناها لنفسه، وحضر جنازته فصلى عليه وألحده بيده وحزن عليه، وأغلق ديوانه أياماً.
ثم دخلت
سنة إحدى وثمانين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أن أبا الحسين محمد ابن قاضي القضاة أبي محمد عبيد الله بن أحمد بن معروف، قلد ما كان إلى أبي بكر بن صير من الأعمال، وقرئ عهده على ذلك بحضرة أبيه في داره الشطانية بمشهد من الأشراف، والقضاة، والفقهاء، والوجوه.
وفي يوم السبت تاسع عشر رمضان: قبض على الطائع في داره، وكان السبب أن أبا الحسن بن المعلم، وكان من خواص بهاء الدولة، ركب إلى الطائع ووصى وقت دخوله أن لا يمنع أحداً من الحجاب، ثم سار بهاء الدولة في الجيش، فدخل وقد جلس الطائع في صدر الرواق من دار السلام، متقلداً سيفاً، فلما قرب منه بهاء الدولة، قبل الأرض وطرح له كرسي، فجلس عليه، وتقدم أصحاب بهاء الدولة فجذبوا الطائع بحمائل سيفه من سريره وتكاثر الديلم فلف في كساء وحمل إلى بعض الزبازب، واصعد به إلى الخزانة في دار المملكة، واختلط الناس وقدر أكثر الجيش ومن ليس عنده علم بهذا الأمر أن القبض على بهاء الدولة، وتشاغلوا بالنهب وأخذ ثياب من حضر من الأشراف والشهود، وقبض على أبي الحسن علي بن عبد العزيز ابن حاجب النعمان في آخرين، إلى أن قرر عليهم مال فاستوفي منهم، واحتيط على الحجر والخزائن والخدم والحواشي، وخرست الأخت زوجة الطائع، وانصرف بهاء الدولة إلى داره، وأظهر أمر القادر بالله، ونودي بذلك في الأسواق، وكتب إلى الطائع كتاب بخلع نفسه وتسليمه الأمر إلى القادر بالله، وشهد عليه الأشراف والقضاة، وذلك في يوم الأحد ثاني يوم القبض، وأنفذ إلى القادر وأذن الطائع والكتاب عليه بخلع نفسه، وتسليمه الأمر إلى القادر بالله، وحث على المبادرة، وشغب الديلم والأتراك يطالبون برسم البيعة، وخرجوا إلى قبر النذور، وترددت الرسل بينهم وبين بهاء الدولة، ومنعوا من الخطبة باسم القادر في يوم الجمعة لخمس بقين من الشهر، فقيل اللهم أصلح عبدك وخليفتك القادر بالله، ولم يسم، ثم أرضى الوجوه والأكابر، ووقع السكون، وأخذت البيعة على الجماعة، واتفقت الكلمة على الرضا والطاعة، وأقيمت الخطبة في يوم الجمعة الثالث من رمضان باسم القادر، وحول من دار الخلافة جميع ما كان فيها من المال والثياب، والأواني، والمصاغ، والفروش، والآلات، والعدد، والسلاح، والخدم، والجواري، والدواب، والرصاص، والرخام، والخشب الساج والتماثيل، وطاف بهاء الدولة دار الخلافة مجلساً مجلساً، واستقرأها موضعاً موضعاً، وانتخب للخاصة والعامة، فدخلوها وشعثوا أبنيتها، وقلعوا من أبوابها وشبابيكها، ثم منعوا بعد ذلك، وقام مهذب الدولة أبو الحسن علي بن نصر الذي كان القادر هرب إليه بالبطائح بتجهيزه، وحمل إليه من المال، والفروش، والآلات أكثر شيء وأحسنه، وأعطاه طياراً كان بناه لنفسه، وشيعه، فلما وصل إلى واسط اجتمع الجند وطالبوه برسم البيعة، ومنعوه من الصعود، إلا بعد إطلاق مالها، وجرت معهم خطوب انتهت إلى أن وعدوا بإجرائهم مجرى البغدادين فما يتقرر عليه أمورهم، فرفضوا وساروا وكان مقامه بالبطيحة منذ حصل فيها إلى أن خرج عنها سنتين وأحد عشر شهراً وقيل: سنتين وأربعة أشهر وأحد عشر يوماً إلى اليوم الذي خرج منها.


أخبرنا محمد بن أبي منصور، أخبرنا محمد بن أبي نصر الحميدي، أخبرنا أبو الحسن محمد بن هلال بن المحسن قال: أخبرني أبي قال: حدثني أبو الحسين محمد بن الحسن محفوظ قال: حدثني الوزير أبو العباس عيسى بن ماسرجس قال: حدثني أبو القاسم هبة الله بن عيسى كاتب مهذب الدولة قال: لما ورد القادر بالله البطيحة وأقام عندنا كنت أغشاه يومين في كل أسبوع كالنوبة في خدمته، فإذا حضرت تناهى في الإدناء لي والإخفاء بي، والرفع من مجلسي، والزيادة في بسطي، وأجتهد في تقبيل يده فيمنعنيها ولا يمكنني منها، فاتفق أن دخلت إليه يوماً على رسمي فوجدته متأهباً تأهباً لم أعرف سببه، ولا جرت له به عادة، ولم أر منه ما عودنيه من الإكرام والرفع من مجلسي والإقبال علي والبسط، وجلست دون موضعي، فما أنكر ذلك مني، ورمت تقبيل يده، فمدها إلي، وشاهدت من أمره وفعله ما اشتد وجومي له، واختلفت في الظنون فيه، وقلت له عند رؤيتي ما رأيته، وإنكاري ما أنكرته، أيؤذن لي في الكلام؟ قال: قل. قلت: أرى اليوم من الانقباض عني ما قد أوحشني، وخفت أن يكون لزلة كانت مني، فإن يكن ذلك فمن حكم التفضيل إشعاري به لأطلب بالعذر مخرجاً منه، واستعين بالأخلاق الشريفة في العفو عنه، فأجابني بوقار: اسمع أخبرك، رأيت البارحة في منامي كأن نهركم هذا - وأومأ إلى نهر الصليق - قد اتسع حتى صار في عرض دجلة دفعات، وكأنني متعجب من ذلك، وسرت على ضفتيه، متأملاً لأمره ومستظرفاً لعظمه، فرأيت دستاهيج قنطرة فقلت: ترى من قد حدث نفسه بعمل قنطرة في هذا الموضع، وعلى هذا البحر الكبير وصعدته، وكان وثيقاً محكماً، ومددت عيني فإذا بإزائه مثله، فزال عني الشك في أنهما دستاهيج قنطرة، وأقبلت أصعد وأصوب في التعجب، وبينا أنا واقف عليه رأيت شخصاً قد قابلني من ذلك الجانب الآخر وناداني وقال: يا أحمد تريد أن تعبر؟ قلت: نعم فمد يده حتى وصلت إليه وأخذني وعبرني، فهالني أمره وفعله وقلت له: وقد تعاظمني فعله من أنت؟ قال: علي بن أبي طالب، وهذا الأمر صائر إليك، ويطول عمرك فيه، فأحسن في ولدي، وشيعتي، فما انتهى الخليفة إلى هذا المكان حتى سمعنا صياح الفلاحين وضجيج ناس، فسألنا عن ذلك فقيل ورد أبو علي الحسن بن محمد بن نصر ومعه جماعة، وإذا هم الواردون للإصعاد به، وقد تقررت الخلافة له، وأنفذ معهم قطعة من أذن الطائع لله، فعاودت تقبيل يده ورجله، وخاطبته بإمرة أمير المؤمنين، وبايعته وكان من إصعاده وإصعادي معه ما كان قال هلال: وجدت كتاباً كتبه القادر بالله من الصليق إلى بهاء الدولة نسخته:


بسم الله الرحمن الرحيم: من عبد الله أحمد الإمام القادر بالله أمير المؤمنين إلى بهاء الدولة وضياء الملة أبي نصر بن عضد الدولة وتاج الملة مولى أمير المؤمنين، سلام الله عليك، فإن أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، ويسأله أن يصلي على سيدنا محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليماً أما بعد: أطال الله بقاءك وأدام عزك وتأييدك، وأحسن إمتاع أمير المؤمنين بك وبالنعمة فيك وعندك، فإن كنابك الوارد في صحبة الحسن بن محمد بن نصر رعاه الله عرض على أمير المؤمنين تالياً لمل تقدمه، وشافعاً ما سبقه ومتضمناً مثل ما حواه الكتاب قبله من إجماع المسلمين قبلك الخاص والعام، بمشهد منك على خلع العاصي المتلقب بالطائع عن الإمامة، ونزعه عن منصب الخلافة لبوائقه المستمرة، وسوء نيته المدخولة، وإشهاده على نفسه بنكوله وعجزه، وإبرائه الكافة من بيعته وخروجهم من عهده وذمته، ومبادرة الكبير والصغير إلى المبايعة لأمير المؤمنين، وإصفاقهم وإتفاقهم عليها بإنشراح في صدورهم، وانفساح من آمالهم، واستتباب ذلك بتلطفك من حسن الارتياد للمسلمين، وانتظامه بغضبك لله ولأمير المؤمنين، حتى ناديت بشعاره في الأفاق، وأقمت الدعوة لله في الأقطار، ورفعت من شأن الحق ما كان العاصي خغضه، وقمت من عماد الدين ما كان المخلوع رفضه ووقف أمير المؤمنين على ذلك كله، وأحاط علمه بجميعه ووجدك، أدام الله تأييدك، قد انفردت بهذه المأثرة، واستحققت بها من الله تعالى جليل الأثرة، ومن أمير المؤمنين سني المنزلة، وعلي المرتبة، وكانت هذه المنزلة عليك موقوفة، كما كانت الظنون فيها إليك مصروفة، حتى فزت بها بما يبقى لك في الدنيا ذكره وفخره، وفي الآخرة ثوابه وأجره، فأحسن الله عن هذه الأفعال مكافأتك، وأجزل عاجلاً وآجلاً مجازاتك، وشملك من توفيقه وتسديده ومعونته وتأييده، بما يديم نصر أمير المؤمنين بك وظفره على يدك، وجعلك أباً مخصوصاً بفضل السابقة في ولائه، متوحداً بتقديم القدم في أصفائه، فقد أصبحت وأمسيت سيف أمير المؤمنين لأعدائه، والحاظي دون غيرك بجميل رأيك، والمستبد بحماية حوزته، ورعاية رعيته، والسفارة بينه وبين ودائع الله عنده، وقد برزت راية أمير المؤمنين عن الصليق متوجهة نحو سريره الذي حرسته، ومستقر عزه الذي شيدته، ودار مملكته التي أنت عمادها، ورحى دولته التي أنت قطبها معتقداً لك ما يعتقد في المخلص طاعة ومشايعة، والمهذب نية وطوية من صنوف الاختصاص الذي لا يضرب معك فيه بسهم دان ولا قاص، وتوفي على كل سالف، ويفوت كل أنف، ويعجز كل مناو، ويفحم كل مسام ومساو، ولا يبقى أحد إلا علم أنه منزاح عنك، غير متواز لك فأحببت لمحلك وقصر خطاه عن مجازاتك، ووقع دون موقعك، وتزحزح لك عن موضعه، وقد وجد أمير المؤمنين الحسن بن محمد بن نصر كلأه الله مصدقاً بفعله وصفك محققاً ثناءك، مستوجباً لما أهلته ورشحته للقيام به من المسير في خدمته، والحقوق فيما يبديه له، وعلم أمير المؤمنين أنك لم تتلقه، إلا بأوثق خواصك في نفسك، وأوفرهم عندك فاحمد في ذلك اعتمادك، وإضافة إلى سوالف أمثاله منك، فاعلم ذلك أدام الله تأييدك، واجر على عادتك الحسناء وطريقتك المثلى في النيابة تبقى، وواصل حضرة أمير المؤمنين بالإنهاء، والمطالعة إن شاء الله، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وكتب ليلة الأحد لثلاث ليالٍ بقين من شعبان سنة إحدى وثمانين وثلثمائة
باب ذكر خلافة القادر بالله
واسمه: أحمد بن إسحاق بن المقتدر، ويكنى: أبا العباس، واسم أمه تمنى مولاة عبد الواحد بن المقتدر، وكانت من أهل الدين.
ولد في يوم الثلاثاء التاسع من ربيع الأول سنة ست وثلاثين وثلثمائة، وتقلد الخلافة بعد أن قبض الطائع لله وخلع، وكان القادر حسن الطريقة، كثير المعروف، مائلاً إلى الخير والتدين، ولما رحل القادر عن البطيحة، فوصل إلى جبل في عشار رمضان، وانحدر بهاء الدولة، ووجوه الأولياء وأماثل الناس لاستقباله، فدخل دار الخلافة ليلة الأحد ثاني عشر رمضان سنة إحدى وثمانين، وجلس من الغد جلوساً عاماً، وهنىء وأنشد بين يديه المديح، ومما أنشد بين يديه في ذلك اليوم قصيدة الرضي التي أولها:
شرف الخلافة يا بني العباس ... اليوم جدده أبو العباس


ذا الطود أبقاه الزمان ذخيرة ... من ذلك الجبل العظيم الراسي
وحمل إلى القادر بعض الفروش، والآلات المأخوذة من الطائع، واستكتب له أبو الفضل محمد بن أحمد الديلمي، وجعل أستاذ الدار عبد الواحد بن الحسين الشيرازي، وفي يوم الخميس لتسع بقين من شوال جمع الأشراف والقضاة والشهود في مجلس القادر، حتى سمعوا يمينة لبهاء الدولة بالوفاء، وخلوص النية ولفظه بتقليده ما وراء بابه مما تقدم فيه الدعوة، وذلك بعد أن حلف له بهاء الدولة على صدقه والطاعة والقيام بشروط البيعة.
ذكر طرف من سيرة القادر بالله أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: رأيت القادر دفعات، وكان أبيض حسن الجسم، كث اللحية طويلها، يخضب، وكان من أهل الستر، والديانة، وإدامة التهجد بالليل، وكثرة البر والصدقات على صفة اشتهرت عنه، وعرف بها عند كل أحد مع حسن المذهب وصحة الاعتقاد وكان صنف كتاباً فيه الأصول ذكر فيه فضائل الصحابة على ترتيب مذهب أصحاب الحديث، وأورد في كتابه فضائل عمر بن عبد العزيز، وأفكار المعتزلة، والقائلين بخلق القرآن، وكان الكتاب يقرأ في كل جمعة في حلقة أصحاب الحديث بجامع المهدي ويحضر الناس سماعه. ذكر محمد بن عبد الملك الهمداني أن القادر بالله كان يلبس زي العوام ويقصد الأماكن المعروفة بالبركة، كقبر معروف وتربة ابن بشار. وقال الحسين بن هارون القاضي كان بالكرخ يتيم لم يثبت رشده وله دكان كثير النعمة، وأمرني ابن حاجب النعمان أن أفك الحجر عنه ليبتاع صاحب له الدكان منه، فلم أفعل، فأنفذه يستدعيني فقلت لغلامه! تقدمني حتى أعبر، ففعل فجئت إلى قبر معروف فدعوت الله أن يكفيني أمره وجئت إلى قبر ابن بشار. ففعلت ذلك، فرآني شيخ فقال أيها القاضي، على من تدعو فقلت على ابن حاجب النعمان، أمرني بكذا وكذا فأمسك الشيخ عني وعبرت إلى ابن حاجب النعمان، فجعل يخاطبني خطاباً غليظاً في فك الحجر عن الصبي، ولا يقبل مني عذراً وإذا قد أتاه خادم بتوقيع، ففتحه وقرأه وتغير لونه ثم عدل من الغلظة إلى الاعتذار، وقال: كتبت إلى الخليفة قصة؟ فقلت: لا. فعلمت أن الشيخ كان القادر بالله، وأنه عبر إلى داره فوقع إليه بما أوجب الاعتذار قال: وكان القادر يوصل الرسوم في كل سنة إلى أربابها من غير أن يكتب أحد منهم قصة، فإن كان أحد منهم قد مات، أعيد ما يخصه إلى ورثته، وبعث يوماً إلى ابن القزويني الزاهد ليسأله أن ينفذ إليه من طعامه الذي يأكله. قال ابن الهمذاني: فأنفذ ابن القزويني طبقاً من الخلاف، فيه غضائر لطاف، فيها باذنجان مقلو وخل وباقلاء ودبس وعلى ذلك رغيفان من خبز البيت، وشدد ذلك في مئزر قطن فتناول الخليفة من كل لون منه وفرق الباقي، وبعث إلى ابن القزويني مائتي دينار فلما كان بعد أيام، أنفذ الخليفة إليه بالفراش يلتمس من ابن القزويني إنفاذ شيء من إفطاره ، فأنفذ طبقاً جديداً وفيه زبادي جياد وفيها فراريج وقطعة فالوذج وخبز سميذ ودجاجة مشوية، وقد غطى ذلك بفوطة جديدة فلما وصل ذلك إلى الخليفة، تعجب وقال: ما تكلفت، وإنما اعتمدت ما أمرني الله به إذا وسع الله علي وسعت نفسي، وإذا ضيق ضيقت، وقد كان من إنعام أمير المؤمنين ما عدت به على نفسي وجيراني، فتعجب القادر بالله من دينه وعقله ولم يزل يواصله بالعطاء، وكان القادر يقسم الطعام الذي يهيأ إفطاره ثلاثة أقسام، فقسم يتركه بين يديه، وقسم يحمل إلى جامع الرصافة، وقسم إلى جامع المدينة، فيفرق على المجاورين، فاتفق أن الفراش حمل إلى جامع المدينة جونة فيها طعام، ففرقه على المنقطعين فأخذوا إلا شاباً فإنه رد ذلك فلما صلوا صلاة المغرب صلى الفراش معهم، فرأى ذلك الشاب، قد خرج من الجامع فتبعه فوقف على باب فاستطعم فأطعموه كسيرات، فأخذها وعاد إلى الجامع فتعلق به الفراش، وقال: ويحك ألا تستحي، ينفذ إليك خليفة الله في أرضه بطعام حلال فترده وتخرج فتستطعم من الأبواب، فقال: والله ما رددته، إلا لأنك عرضته علي قبل الإفطار وكنت غير محتاج إليه حينئذ، فلما جاء وقت الإفطار استطعمت عند الحاجة فعاد الفراش، فأخبر القادر فبكى، وقال له: راع مثل هذا واغتنم أجره وأقم إلى وقت الإفطار وادفع إليه ما يفطر.


حدثنا إبراهيم بن دينار الفقيه: قال: حدثني أبو سعيد عبد الوهاب بن حمزة بإسناد له، عن أبي الحسن الأبهري قال: بعثني بهاء الدولة من الأهواز في رسالة إلى القادر بالله فلما أذن لي في الدخول عليه سمعته ينشد هذه الأبيات:
سبق القضاء بكل ما هو كائن ... والله يا هذا لرزقك ضامن
تغنى بما تكفى وتترك ما به ... تعيى كأنك للحوادث آمن
أما ترى الدنيا ومصرع أهلها ... فاعمل ليوم فراقها يا خائن
واعلم بأنك لا أبا لك في الذي ... أصبحت تجمعه لغيرك خازن
يا عامر الدنيا أتعمر منزلاً ... لم يبق فيه مع المنية ساكن
الموت شيء أنت تعلم أنه ... حق وأنت بذكره متهاون
إن المنية لا تؤامر من أتت ... في نفسه يوماً ولا تستأذن
فقلت: الحمد لله الذي وفق أمير المؤمنين لإنشاد مثل هذه الأبيات وتدبر معانيها والعمل بمضمونها، فقال: يا أبا الحسن بل لله المنة علينا إذ ألهمنا بذكره ووفقنا لشكره ألم تسمع إلى قول الحسن البصري، وقد ذكر عنده بعض أهل المعاصي فقال: هانوا عليه فعصره ولو عزوا عليه لعصمهم، وفي ذي القعدة لقب القادر بالله بهاء الدولة بغياث الأمة، وخطب له بذلك على المنابر مضافاً إلى ألقابه.
ونقل بهاء الدولة أخته زوجة الطائع لله إلى دار بمشرعة الصخر وأقام لها إقامات كافية، وأقطعها إقطاعات، فلم تزل كذلك حتى ماتت.
وفي يوم الثاني عشر من ذي الحجة وهو يوم الغدير جرت فتنة بين أهل الكرخ وباب البصرة، واستظهر أهل باب البصرة وخرقوا أعلام السلطان، فقتل يومئذ جماعة اتهموا بفعل ذلك، وصلبوا على القنطرة فقامت الهيبة وارتدعوا.
وفي هذه السنة حج بالناس أبو الحسن محمد بن الحسين بن يحيى العلوي، وكذلك سنة اثنتين وثلاث، وكان أمير مكة أبو الفتوح الحسن بن جعفر العلوي، فاتفق أن أبا القاسم بن المغربي حضر عند حسان بن المفرج بن الجراح الطائي، فحمله على مباينة العزيز صاحب مصر وقال: لا مغمز في نسب أبي الفتوح والصواب أن تنصبه إماماً فوافقه، ومضى المغربي إلى مكة فأطمع أبا الفتوح في الملك وسهل عليه الأمر، فأصغى إلى قوله، وبايعه شيوخ الحسنيين، وحسن له أبو القاسم المغربي أن أخذ قبلة البيت وما فيه من فضة وضربه دارهم، فاتفق أنه مات بجدة رجل يعرف بالمطوعي، وعنده أموال للهند والصين، وخلف مالاً عظيماً فأوصى لأبي الفتوح بمائة ألف دينار ليصون بها تركته والودائع التي عنده، فحمله المغربي على الاستيلاء على التركة، فخطب لنفسه بمكة، وتسمى بالراشد بالله وصار لاحقاً بآل الجراح، فلما قرب من الرملة تلقاه العرب وقبلوا الأرض بين يديه وسلموا عليه بأمير المؤمنين، ولقيهم راكباً على فرس، متقلداً سيفاً زعم أنه ذو الفقار وفي يده قضيب ذكر أنه قضيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحوله جماعة من بني عمه وبين يديه ألف عبد أسود، فنزل الرملة ونادى بإيضاء العدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فبلغ العزيز هذا فانزعج، وكتب إلى حسان ملطفات وبذل له بذولاً كثيرة، وآل المفرج واستمال آل الجراح كلهم، وحمل إلى أولاد المفرج أموالاً جزيلة حتى فلهما عن ذلك الجمع، وكتب إلى ابن عم الفتوح فولاه الحرمين وأنفذ له ولشيوخ بني حسن مالاً، وكان حسان قد أنفذ والدته إلى مصر بتذكرة تتضمن أعراضاً له، وسأل في جملتها أن يهدي له جارية من إماء القصر فأجابه الحاكم إلى ما سأل، وبعث إليه خمسين ألف دينار، وأهدى له جارية جهزها بمال عظيم، فعادت والدته بالرغائب له ولأبيه فسر بذلك وأظهر طاعة العزيز ولبس خلعة وعرف أبو الفتوح الحال فأيس معها من نفسه وركب إلى المفرج مستجيراً به وقال إنما فارقت نعمتي وأبديت للعزيز صفحتي سكوناً إلى ذمامك وأنا الآن خائف من غدر حسان، فأبلغني مأمني وسيرني إلى وطني فرده إلى مكة وكاتب العزيز صاحب مصر واعتذر إليه فعذره.
؟؟ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن محمد بن الفضل بن جعفر بن محمد بن الجراح أبو بكر الخزاز روى عن جماعة منهم ابن دريد وابن الأنباري، وكان ثقة صدوقاً، فاضلاً، أديباً، كثير الكتب، ظاهر الثروة.


أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت الخطيب، حدثنا التنوخي قال: كان أبو بكر الجراح يقول: كتبي بعشرة آلاف درهم وجاريتي بعشرة آلاف درهم، وسلاحي بعشرة آلاف درهم، ودوابي بعشرة آلاف، درهم، قال التنوخي: وكان أحد الفرسان يلبس أداته ويركب فرسه ويخرج إلى الميدان ويطارد الفرسان فيه، توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
أحمد بن الحسين بن مهران أبو بكر المقرئ توفي في شوال هذه السنة، أنبأنا زاهر بن طاهر، أخبرنا أحمد بن الحسين البيهقي، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ قال: توفي أبو بكر أحمد بن الحسين بن مهران المقرئ يوم الأربعاء سابع عشرين شوال سنة إحدى وثمانين وثلثمائة وهو ابن ستة وثمانين سنة، وتوفي في ذلك اليوم أبو الحسن العامري صاحب الفلسفة قال: فحدثني عمر بن أحمد الزاهد قال سمعت الثقة من أصحابنا يذكر أنه رأى أبا بكر أحمد بن الحسين بن مهران في المنام في الليلة التي دفن فيها قال: فقلت له: أيها الأستاذ ما فعل الله بك، فقال: إن عز وجل أقام أبا الحسن العامري بإزائي وقال هذا فداؤك من النار.
الحسين بن عمر بن عمران بن حبيش، أبو عبد الله الضراب ابن الضرير ولد سنة تسع وتسعين ومائتين، فروى عن الباغندي، وروى عن الأزهري، والتنوخي، وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة وكان ثقة.
عبيد الله بن أحمد بن معروف أبو أحمد ولد سنة ست وثلثمائة، وولي قضاء القضاة ببغداد، وحدث عن ابن صاعد وغيره، روى عنه الخلال، والأزهري، وأبو جعفر بن المسلمة، وكان من العلماء الثقات، العقلاء، الفطناء الألباء، وكان وسيم المنظر مليح الملبس، مهيباً عفيفاً عن الأموال.
أخبرنا عبد الرحمن أخبرنا الخطيب قال: سمعت أبا القاسم التنوخي يقول: كان الصاحب أبو القاسم بن عباد يقول: كنت اشتهي أن أدخل بغداد وأشاهد جراءة محمد بن عمر العلوي، وتنسك أبي أحمد الموسوي، وظرف أبي محمد بن معروف.
أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا العتيقي قال: كان لأبي محمد بن معروف في كل سنة مجلسان يجلس فيهما للحديث، أول يوم المحرم، وأول يوم من رجب، ولم يكن له سماع كثير، وكان مجرداً في مذهب الاعتزال وكان عفيفاً نزهاً في القضاء لم ير مثله في عفته ونزاهته.
توفي في صفر سنة إحدى وثمانين وثلثمائة، وصلى عليه في داره أبو أحمد الموسوي وكبر عليه خمساً ثم حمل إلى جامع المنصور، وصلى عليه ابنه وكبر عليه أربعاً، ثم حمل إلى داره على شاطىء دجلة فدفن فيها.
عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أبو الفضل الزهري ولد سنة تسعين ومائتين وسمع جعفر بن محمد الفريابي، وأبا القاسم وخلقاً كثيراً، روى عنه البرقاني، والخلال، والأزهري، وكان ثقة من الصالحين، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي أخبرنا العتيقي قال: سمعت أبا الفضل الزهري يقول: حضرت مجلس جعفر بن محمد الفريابي وفيه عشرة آلاف رجل فلم يبق غيري وجعل يبكي.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، أخبرنا التنوخي قال: سأل أبي أبا الحسن الدارقطني وأنا أسمع عن أبي الفضل الزهري فقال: هو ثقة صدوق صاحب كتاب وليس بينه وبين عبد الرحمن بن عوف إلا من قد روى عنه الحديث.
ثم قال الخطيب حدثنا الصوري قال: حدثني بعض الشيوخ أنه حضر مجلس القاضي أبي محمد بن معروف يوماً، فدخل أبو الفضل الزهري، وكان أبو الحسين بن المظفر حاضراً فقام عن مكانه وأجلس أبا الفضل فيه، ولم يكن ابن معروف يعرف أبا الفضل، فأقبل عليه ابن المظفر فقال: أيها القاضي هذا الشيخ من ولد عبد الرحمن بن عوف، وهو محدث وآباؤه كلهم محدثون إلى عبد الرحمن بن عوف، ثم قال ابن المظفر: حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله بن سعد الزهري والد هذا الشيخ، وحدثنا فلان عن أبيه محمد بن عبيد الله، وحدثنا فلان عن جده عبيد الله، بن سعد ولم يزل يروي لكل واحد من ىباء أبي الفضل حديثاً حتى انتهى إلى عبد الرحمن بن عوف. توفي أبو الفضل في ربيع الآخر من هذه السنة.
يحيى بن محمد بن الروزبهان، أبو زكريا الدنبائي جد عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي لأمه من أهل واسط.


أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال: حدثنا عن ابن بنيه أبو القاسم الأزهري قال: سمعته يقول: ما رفعت ذيلي على حرام قط.
ثم دخلت
سنة اثنتين وثمانين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أن أبا الحسن علي بن محمد الكوكبي المعلم كان قد استولى على أمور السلطان كلها، ومنع أهل الكرخ وباب الطاق من النوح في عاشوراء وتعليق المسوح، ووقع من قبله أيضاً باسقاط جميع من قبل من الشهود بعد وفاة أبي محمد بن معروف، وأن لا يقبل في الشهادة إلا من كان ارتضاه. وكان السبب في هذا أنه لما توفي ابن معروف كثر قبول الشهود بالبذل والشفاعات حتى بلغت عدة الشهود ثلثمائة وثلاثة أنفس، فقيل لأبي الحسن متى تكلمت في هذا حصل لك منهم جملة، فوقع بذلك ثم عاد ووقع بقبولهم في نصف صفر.
وفي هذا الشهر شرع أبو الحسن في حفر الأنهار المخترقة لأسواق الكرخ وما يتصل به، وجبى من أرباب العقار مالاً جزيلاً.
وفي يوم الاثنين لعشر بقين من جمادى الآخرة شغب الديلم والأتراك وخرجوا بالخيم إلى باب الشماسية، وراسلوا بهاء الدولة بالشكوى من أبي الحسن بن المعلم وتعديد ما يعاملهم به وطالبوه بتسليمه إليهم وكان أبو الحسن قد استولى على الأمور والمقرب من قربه والمبعد من أبعده، فثقل على كبار الجند أمره وقصر هو في مراعاة أمورهم وأنضاف إلى ذلك ما يعامل به الديلم فضجوا وخرجوا فأجابهم السلطان بالتلطف ووعدهم بإزالة ما شكوه، وأن يقتصر بأبي الحسن بن المعلم على خدمته في خاصة ويتولى هو النظر في أمورهم والقيام بتدبيرهم. فأعادوا الرسالة بأنهم لا يقنعون بهذا القول ولا يرضون إلا بتسليمه. فأعاد الجواب بأنه يبعده عن مملكته إلى حيث يكون فيه مبقياً على مهجته راعياً لحقوق خدمته وقال ما يحسن في أن أسلمه للقتل، وقد طالت صحبته لي وإذا كفيتكم أمره فقد بلغتم مرادكم. فكانت الرسالة الثالثة التوعد بالانحدار والمسير إلى شيراز. وقال بكران لبهاء الدولة، وهوكان المتوسط ما بينه وبين العسكر: أيها الملك إن الأمر على خلاف ما تقدره فاختر بين بقاء أبي الحسن أو بقاء دولتك، فقبض عليه حينئذ وعلى أصحابه، وأخذ ما كان في داره من مال وثياب وجوار وغلمان وأقام الجند على أنهم لا يرجعون من مخيمهم إلا بتسليمه. فركب إليهم يوم الخميس لسبع بقين من الشهر ليسألهم الدخول والاقتصار على ما فعله به من القبض والاعتقال فلم يقم منهم أحد إليه ولا خدمه، وعاد وقد أقاموا على المطالبة به وترك الرجوع إلا بعد تسليمه فسلم إلى أبي حرب شيرزيل وهو خال بهاء الدولة فسقي السم دفعتين فلم يعمل فيه فخنق بحبل الستارة ودفن بالمخرم.
وفي ليلة الأحد الثالث من رجب سلم المخلوع إلى القادر بالله فأنزله حجرة من حجر خاصته ووكل به من يحفظه من ثقات خدمه، وأحسن ضيافته ومراعاة أموره، وكان يطالب من زيادة الخدمة بمثل ما كان يطالب به أيام الخلافة فتزاح علله في جميع ما يطلبه، وأنه حمل إليه في بعض الأيام طيب من العطارين فقال: من هذا يتطيب أبو العباس؟ قالوا نعم، فقال: قولوا له في الموضع الفلاني من الدار كندوج فيه طيب مما كنت استعمله، فانفذ لي بعضه، وقدم إليه يوماً عدسية فقال ما هذا؟ قالوا عدس وسلق فقال: أوقد أكل العباس من هذا؟ قالوا نعم فقال قولوا له لما أردت أن تأكل عدسية لم اختفيت أيام هذا الأمير؟ وما كانت العدسية تعوزك لو لم تتقلد الخلافة، فعند ذلك أمر القادر بالله أن تفرد له جارية من طباخاته تحضر له ما يلتمسه كل يوم، وقدم إليه في بعض الأيام تين في مراكز فرفسه برجله فقال ما تعودنا أن يقدم بين أيدينا مسلج، وقدمت بين يديه في بعض الليالي شمعة قد احترقت بعضها فأنكرها ودفعها إلى الفراش فحمل غيرها وكان على هذا الحال إلى أن توفي.
وكان بهاء الدولة قد قبض على وزيره أبي نصر سابور، ثم أطلقه فالتجأ إلى البطيحة، وأقام عند مهذب الدولة علي بن نصر خوفاً من ابن المعلم إلى أن قبض بهاء الدولة على أبي القاسم علي بن أبي القاسم بن أحمد الأبرقوهي الوزير، ثم استدعى أبا نصر سابور من البطيحة في سنة اثنتين وثمانين، وجمع بينه في الوزارة وبين أبي منصور بن صالحان، فخلع عليهما في يوم الأحد تاسع شعبان، وكانا يتناوبان في الوزارة.


وفي يوم الجمعة ثامن عشر شوال تجددت الفتنة في الكرخ فركب ابو الفتح محمد بن الحسن الحاجب وقتل وصلب فسكن البلد وقامت الهيبة.
وفي ليلة الاثنين لتسع بقين من شوال ولد الأمير ابو الفضل محمد بن القادر بالله وامه ام ولد اسمها علم، وهو الذي جعل ولي العهد ولقب الغالب بالله.
وفي هذا الوقت غلت الأسعار وبيع الرطل من الخبز بإربعين درهم والحوزة بدرهم.
وفي ذي القعدة ورد صاحب الأصيفر الأعرابي وبذل الخدمة في تسيير الحجاج إلى مكة وحراستهم صادرين وواردين، وأعيد اقامة الخطبة للخليفة القادر من حد اليمامة والبحرين إلى الكوفة فقبل ذلك منه وحمل إلى خلعة ولواء.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
ابراهيم بن عبد السلام بن محمد بن شاكر أبو اسحاق الوشاء.
حدث عن أبي كريب وغيره، روى عنه اسماعيل الخطبي، وأبو بكر الشافعي، والطبراني، وانتقل إلى مصر فحدث بها ومات هناك في هذه السنة.
عبد الله بن عثمان بن محمد بن علي بن بنان أبو محمد الصفار سمع ابراهيم بن عبد الصمد الهاشمي والمحاملي وابن مخلد، روى عنه الأزهري والعتيقي والتنوخي وكان ثقة، وتوفي في محرم هذه السنة.
عمر بن أحمد بن هارون، ابو حفص ابن الآجري سمع أبا عمر القاضي وأبا بكر النيسابوري روى عنه الأزهري والخلال، وكان ديناً ثقة أميناً صالحاً، وتوفي في هذه السنة. ولد في ذي القعدة سنة خمس وتسعين ومائتين، وسمع الباغندي والبغوي وابن صاعد وخلقاً كثيراً وانتقى عليه الدار قطني، وكان ثقة ديناً كثير السماع، كثير الكتابة للحديث، كتب الكتب الكبار بيده كالطبقات والمغازي، وغير ذلك، وكان ذا يقظة ومروءة، روى عنه البرقاني، والخلال، والتنوخي، والجوهري.وغيرهم.
وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
محمد بن عبد الرحيم أبو بكر المازني الكاتب حدث عن البغوي، وغيره، وكان ثقة مأموناً، توفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
ثم دخلت
سنة ثلاث وثمانين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أن القادر بالله تقدم بعمارة مسجد الحربية وكسوته واجرائه مجرى الجوامع في الصلاة.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الخطيب قال: ذكر لي هلال بن المحسن أن أبا محمد بن الحسن بن عبد العزيز الهاشمي كان بنى مسجداً بالحربية في أيام المطيع لله ليكون جامعاً يخطب فيها، فمنع المطيع من ذلك ومكث المسجد على تلك الحالة حتىاستخلف القادر بالله فاستفتى الفقهاء في أمره فأجمعوا على جواز الصلاة فيه، فرسم أن يعمر ويكسى وينصب فيه منبر ورتب إماماً يصلي فيه الجمعة وذلك في شهر ربيع الآخر في سنة ثلاث وثمانين وثلثمائة قال أبو الخطيب: فأدركت صلاة الجمعة وهي تقام ببغداد في مسجد المدينة والرصافة، ومسجد دار الخلافة. ومسجد براثا ومسجد قطيعة أم جعفر ومسجد الحربية، على هذا إلى سنة إحدى وخمسين وأربعمائة ثم تعطلت في مسجد براثا فلم يصل فيه.
وفي الأربعاء لأربع بقين من جمادى الأولى وقع الفراغ من الجسر الذي عمله بهاء الدولة في مشرعة القطانين بحضرة دار مؤنس، واجتاز عليه من الغد ماشياً وقد زين بالمطارد.
وفي يوم الجمعة الثاني عشر من جمادى الآخرة شغب الديلم شغباً شديداً لأجل فساد النقد وغلاء السعر وتأخر العطاء ومنعوا من الصلاة بجامع الرصافة، فلما كان بكرة السبت قصدوا دار أبي نصر سابور بباب خراسان، وهجموا فنهبوها وافلت من بين أيديهم هارباً على السطوح، وثارت بذلك فتنة دخل فيها العامة ورجع الديلم، فراسلوا بهاء الدولة بالتماس أبي نصر سابور وأبي الفرج محمد بن علي الخازن وكان ناظراً في المال ودار الضرب، وتردد القول معهم إلى أن وعدوا بالاطلاق وتغيير النقد.
وفي يوم الخميس الثاني من ذي الحجة: عقد للخليفة القادر بالله على سكينة بنت بهاء الدولة بصداق مبلغه مائة ألف دينار، وكان الأملاك بحضرته، والولي الشريف أبو أحمد الحسين بن موسى الموسوي، وتوفيت قبل النقلة.
وفي هذا الشهر بلغ الكر الحنطة ستة آلاف درهم وستمائة درهم غياثة، والكارة الدقيق ماثتين وستين درهماً


وفي هذه السنة ابتاع أبو النصر سابور بن أردشير داراً في الكرخ بين السورين وعمرها وبيضها وسماها: دار العلم، ووقفها على أهله، ونقل إليها كتباً كثيرة ابتاعها وجمعها وعمل لها فهرستاً ورد النظر في أمورها ومراعاتها والاحتياط عليها إلى الشريفين أبي الحسين محمد بن الحسين بن أبي شيبة، وأبي عبد الله محمد بن أحمد الحسني، والقاضي أبي عبد الله الحسين بن هارون الضبي، وكلف الشيخ أبا بكر محمد بن موسى الخوارزمي فضل عناية بها.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن شاذان بن حرب بن مهران أبو بكر البزاز ولد في ربيع الأول سنة ثمان وتسعين ومائتين، وسمع البغوي وابن أبي داود وابن ساعد وابن دريد وخلقاً كثيراً. وروى عنه الدارقطني، والبرقاني، والأزهري، والخلال وغيرهم، وكان ثقة ثبتاً صحيح السماع كثير الحديث والكتب.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي قال: سمعت أبا القاسم التنوخي يقول: سئل ابن شاذان أسمعت من محمد بن محمد الباغندي شيئاً؟ فقال: لا أعلم أني سمعت منه شيئاً ثم وجد سماعه من الباغندي، فسألوا أن يحدث به فلم يفعل توفي في شوال هذه السنة.
جعفر بن محمد بن علي بن الحسين أبو محمد الطاهري ينسب إلى طاهر بن الحسين.
حدث عن البغوي وابن صاعد، روى عنه العشاري، وكان ثقة ينزل شارع دار الرقيق توفي في شوال هذه السنة.
طاهر بن محمد بن عبد الله أبو عبد الله البغدادي نزل نيسابور وحدث بها، روى عنه جماعة منهم: أبو عبد الله الحاكم، وكان من أظرف من رأينا من العراقيين، وأحسنهم كتابة، وأكثرهم فائدة، وتوفي في ربيع الأول من هذه السنة.
علي بن القاسم بن الفضل بن شاذان أبو الحسين القاضي ثقة، توفي بالري في رمضان هذه السنة.
محمد بن إبراهيم بن سلمة أبو الحسين الكهيلي حدث عن مطين، وكان سماعه صحيحاً، ومضى على سداد، وأمر جميل، توفي بالكوفة في هذه السنة.
محمد بن عبد الله بن يحيى أبو بكر الدقاق الصابوني كان ثقة مأموناً، توفي في شوال هذه السنة.
ثم دخلت
سنة أربع وثمانين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أن القاضي أبا محمد عبد الله بن محمد بن الأكفاني قبل شهادة أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي في المحرم، وشهادة أبي بكر بن الأخضر في رجب.
وفي صفر قبل القاضي أبو عبد الله الضبي، شهادة أبي العلاء محمد بن علي الواسطي، وفيه قوي أمر العيارين، واتصل القتال بين أهل الكرخ وباب البصرة، وظهر العيار المعروف بعزيز من باب البصرة واستفحل أمره والتحق به كثير من الذعار، وطرح النار في المحال، وطلب أصحاب الشرط ثم صالح أهل الكرخ، وقصد سوق التمارين، وطالب بضرائب الأمتعة وجبى ارتفاع الأسواق الباقية، وكاشف السلطان وأحد أصحابه ونادى فيهم، وكان ينزل إلى السفن فيطالب بالضرائب وأصحاب السلطان يرونه من الجانب الآخر فأمر السلطان بطلب العيارين فهربوا من بين يديه.
وفي ذي القعدة عزل أبو أحمد الموسوي، وصرف الرضي والمرتضى عن النقابة وكانا ينوبان عن أبيهما أبي أحمد.
وفي يوم الأربعاء رابع ذي الحجة ورد الخبر برجوع الحاج من الطريق، وكان السبب لما حصلوا بين زبالة والثعلبية اعترضهم الأصيفر الأعرابي ومنعهم الجواز وذكر أن الدنانير التي أعطيها عام أول كانت دراهم مطلية، وأنه لا يفرج لهم عن الطريق إلا بعد أن يعطوه رسمه لسنتين، وتردد الأمر إلى أن ضاق الوقت فعادوا، وكان الذي سار بهم أبو الحسن محمد بن الحسن العلوي، ولم يحج في هذه السنة أيضاً أهل الشام، واليمن، وإنما حج أهل مصر والمغرب خاصة.
وفي السبت سابع ذي الحجة قبل أبو عبد الله شهادة أبي عبد الله بن المهتدي الخطيب.
وفي الإثنين تاسع ذي الحجة قلد الشريف أبو الحسن محمد بن علي بن أبي تمام الزيني نقابة العباسيين وقرأ عهده أبو الفضل يوسف بن سليمان بحضرة القادر بالله، وحضرة القضاة، والشهود، والأشراف والأكابر.
وفي هذه السنة عقد لمهذب الدولة علي بن نصر على بنت بهاء الدولة، بن عضد الدولة، وعقد أبو منصور بن بهاء الدولة على بنت مهذب الدولة علي بن نصر كل عقد منهما على صداق مبلغه مائة ألف دينار.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.


الطيب بن يمن بن عبد الله أبو القاسم مولى المعتضد بالله ولد سنة سبع وتسعين ومائتين، وسمع البغوي، روى عنه الصيرمي والجوهري، والتنوخي، والعتيقي، وقال: هو ثقة صحيح الأصول. توفي في رجب هذه السنة.
عبيد الله بن محمد بن علي بن عبد الرحمن أبو محمد الكاتب ابن الجرادي مروزي الأصل. حدث عن البغوي وابن دريد وابن الأنباري روى عنه التنوخي والعشاري وكان فاضلاً صاحب كتب كثيرة وتوفي في هذه السنة التي قبلها.
عبيد الله بن محمد بن نافع بن مكرم أبو العباس البستي الزاهد. ورث عن آبائه أموالاً كثيرة فأنفقها في الخير وكان كثير التعبد بقي سبعين سنة لا يستند إلى حائط ولا إلى غيره ولا يتكئ على وسادة وحج من نيسابور حافياً، راجلاً، دخل الشام، والرملة، وأقام ببيت المقدس أشهراً، ثم خرج إلى مصر، وبلاد المغرب، ثم حج من المغرب وانصرف إلى بست فتصدق ببقية أملاكه، فلما مرض جعل يلتوي فقيل له ما هذا الوجع؟ فقال: أي وجع بين يدي أمور هائلة ولا أدري كيف أنجو، وتوفي في محرم هذه السنة وهو ابن خمس وثمانين سنة، فلما مات رأى رجل في المنام رجلاً من الموتى فقال له: من بالباب؟ فقال: ليس على الباب أجل من عبيد الله الزاهد ورأت امرأة من الزاهدات أمها في المنام قد تزينت ولبست أحسن الثياب فقالت لها ما السبب في هذا فقالت: لنا عيد إن عبيد الله الزاهد تقدم علينا.
علي بن الحسن بن محمويه بن زيد أبو الحسن الصوفي سمع وحدث ولقي الزهاد الأكابر، وصحب أبا الخير الأقطع ثم لازم مسجد جده أبي علي ابن محمد بن القاسم الزينبي.
كان نقيب العباسيين، وصاحب الصلاة، وهو أول من جمع بين الصلاة والنقابة في سنة ثمانين وثلثمائة، واستخلف له ابنه أبو الحسن الملقب بنظام الحضرتين بعد ذلك على الصلاة وخلع عليه. توفي في هذه السنة.
علي بن عيسى بن علي بن عبد الله أبو الحسن النحوي الرماني ولد سنة ست وتسعين ومائتين وحدث عن أبي دريد، وكانت له يد في النحو، واللغة والكلام، والمنطق، وله تفسير كبير، وشهد عند أبي محمد ابن معروف، روى عنه التنوخي، والجوهري، وتوفي في هذه السنة، ودفن بالشونيزية عند قبر أبي علي الفارسي، وتوفي عن ثمان وثمانين سنة.
محمد بن العباس بن أحمد بن محمد بن الفرات أبو الحسن سمع محمد بن مخلد، وأبا الحسن المصري، وخلقا ًكثيرا، وكتب الكتب الكثيرة وكان ثقة مأموناً.
أخبرنا القزاز أخبرنا أبو بكر الخطيب قال كان أبو الحسن بن الفرات ثقة كتب الكتب الكثيرة وجمع ما لم يجمعه أحد في وقته. قال: وبلغني أنه كان عنده عن علي بن محمد المصري وحده ألف جزء وأنه كتب مائة تفسير ومائة تاريخ ولم يخرج عنه إلا الشيء اليسير، حدثنا عنه إبراهيم بن عمر البرمكي وحدثني الأزهري قال: خلف ابن الفرات ثمانية عشر صندوقاً مملوءة كتباً أكثرها بخطه سوى ما سرق من كتبه وكتابه هو الحجة في صحة النقل وجودة الضبط، وكان مولده في سنة بضع عشرة وثلثمائة، ومكث يكتب الحديث من قبل سنة ثلاثين وثلثمائة إلى أن مات، وكانت له جارية تعارضه بما يكتبه ومات في شوال سنة أربع وثمانين وثلثمائة محمد بن عمران بن موسى بن عبيد الله أبو عبيد الله الكاتب المرزباني حدث عن البغوي وابن الأنباري ونفطويه وغيرهم، روى عنه الصيرمي والتنوخي والجوهري، وغيرهم، وكان صاحب أخبار ورواية للآداب، وصنف كتباً كثيرة مستحسنة في فنون، وكان عنده خمسون ما بين لحاف ودواج، معدة لأهل العلم الذين يبيتون عنده، وكان عضد الدولة يجتاز على داره فيقف ببابه حتى يخرج إليه فيسلم عليه وكان أبو علي الفارسي يقول: هو من محاسن الدنيا، وقد اختلف فيه مشائخ المحدثين.
قال الأزهري: ما كان ثقة. وقال العتيقي كان ثقة.
قال المصنف رحمه الله كانت آفته ثلاثاً، الميل إلى التشيع وإلى العتزال، وتخليط المسموع بالإجازة وإلا فليس بداخل في الكذابين.
وتوفي في شوال هذه السنة عن ثمان وثمانين سنة وصلى عليه أبو بكر الخوارزمي ودفن بالجانب الشرقي.
محمد بن عثمان بن عبيد الله بن الخطاب أبو الطيب الصيدلاني حدث عن البغوي وغيره، وكان ثقة مأموناً، توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
منصور بن ملاعب


حدث عن البغوي وغيره، وكان ثقة مأموناً، توفي في محرم هذه السنة.
المحسن بن علي بن محمد بن أبي الفهم أبو علي التنوخي القاضي ولد بالبصرة، وسمع بها من جماعة ونزل بغداد فأقام بها، وحدث، وكان سماعه صحيحاً، وكان أديباً شاعراً إخبارياً.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب قال: حدثنا ابن المحسن بن علي قال أبي مولدي سنة وعشرين وثلثمائة بابصرة قال وكان مولده في ليلة الأحد لأربع بقين من ربيع الأول، وأول سماعه الحديث في سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة، وأول ما تقلد القضاء من قبل أبي السائب عتبة بن عبيد الله بالقصر وبسوراً في سنة تسع وأربعين ثم ولاه المطيع لله القضاء بعسكر مكرم وأيذح ورامهرمز وتقلد بعد ذلك أعمالاً كثيرة في نواح مختلفة، وتوفي ببغداد ليلة الإثنين لخمس بقين من المحرم سنة أربع وثمانين وثلثمائة
ثم دخلت
سنة خمس وثمانين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أنه عاد أبو القاسم علي بن أحمد الابرقوني من البطيحة إلى حضرة بهاء الدولة للوزارة، واستقر ذلك بوساطة مهذب الدولة أن يمشي الأمر على يده، وإلا أعاده محروساً إلى البطيحة ثم أن أمره وقف وعاد إلى البطيحة، لأن جميع الحاشية تطابقت على فساد أمره فكاد بهاء الدولة أن يقبض عليه، فذكر الشريف أبو أحمد العهد المستقر بينه مع مهذب الدولة، وأن الغدر به مكاشفه، ولمهذب الدولة بالقبح ففسح في عوده مع الشريف أبي أحمد إلى البطيحة.
وحج هذه السنة أبو عبد الله أحمد بن محمد بن عبيد الله العلوي، وكذلك في سنة ست وسبع وثمان، وبعث في السنة بدر بن حسنويه تسعة آلاف دينار، لتدفع إلى الأصيفر عوضاً عما كان يأخذ من الحاج، وجعل ذلك رسماً له من ماله وبعث ذلك إلى سنة ثلاث وأربعمائة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
إبراهيم بن محمد بن الفتح المصيصمي الجلي ولد بالمصيصة، وسكن بغداد، وحدث بها وكان حافظاً، ضريراً، فروى عنه من أهلها أبو بكر البرقاني، والأزهري، وغيرهما، وكان ثقة صدوقاً، وتوفي في هذه السنة ودفن بمقبرة الشونيزية.
إسماعيل بن عباد، أبو القاسم كافي الكفاة الصاحب وزد لمؤيد الدولة وقصده أبو الفتح ابن ذي الكفايتين، فأزاله عن الوزارة، ثم نصر عليه وعاد إلى الوزارة.
أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزاز، أنبأنا علي بن المحسن التنوخي، عن أبيه قال حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن سعيد النصيبي قال: كان أبو الفتح ابن الملقب بذي الكفايتين قد تداخله في بعض العشايا سرور، فاستدعى ندماءه وعبى لهم مجلساً عظيماً بآلات الذهب والفضة، وفاخر الزجاج والصيني، والآلات الحسنة والطيب، والفاكهة الكثيرة، واحضر المطرب وشرب بقية يومه، وعامة ليلته ثم عمل شعراً أنشده ندماءه وغنى به في الحال وهو.
دعوت المنا ودعوت الطلا ... فلما أجابا دعوت القدح.
وقلت لأيام شرخ الشباب ... إلي فهذا أوان الفرح.
إذا بلغ المرء آماله ... فليس له بعدها مقترح.


قال: وكان هذا بعد تدبيره على الصاحب أبي القاسم بن عباد، حتى أبعده عن كتبة صاحبه الأمير مؤيد الدولة وسيره عن حضرته بالري إلى أصفهان، وانفرد هو بتدبير الأمور لمؤيد الدولة كما كان لركن الدولة، فلما كان غنى الشعر استطابه وشرب عليه إلى أن سكر، ثم قال لغلمانه غطوا المجلس ولا تسقطوا شيئاً منه لا صطبح في هذه الليلة وقال: لندمائه باكروني ولا تتأخروا، فقد اشتهيت الصبوح، وقام إلى بيت منامه، وانصرف الندماء فدعاه مؤيد الدولة، في السحر، فلم يشك أنه لمهم فقبض عليه، وأنفذ إلى داره من أخذ جميع ما فيها، وتطاولت به النكبة حتى مات فيها ثم عاد ابن عباد إلى مؤيد الدولة، ثم وزر لأخيه فخر الدولة فبقي في الوزارة ثماني عشرة سنة وشهوراً وفتح خمسين قلعة، سلمها إلى فخر الدولة لم يجتمع مثلها إلى أبيه وكان الصاحب عالماً بفنون كثيرة لم يقاربه في ذلك الوزير وله التصانيف الحسان، والنثر البالغ، وجمع كتباً عظيمة حتى كان يحتاج في نقلها على أربعمائة حمل، وكان يخالط العلماء، والأدباء ويقول لهم، نحن بالنهار سلطان وبالليل إخوان، وسمع الحديث وأملى، وروى أبو الحسن علي بن محمد الطبري المعروف بكيا قال: سمعت أبا الفضل زيد بن صالح الحنفي يقول: لما عزم الصاحب إسماعيل بن عباد على الإملاء وكان حينئذ في الوزارة، وخرج يوماً متطلساً متحنكاً بزي أهل العلم فقال، قد علمتم قدمي في العلم فأقروا له بذلك ، فقال، وأنا متلبس بهذا الأمر وجميع ما أنفقته من صغري إلى وقتي هذا من مال أبي وجدي ومع هذا فلا أخلو من تبعات اشهدوا علي وأشهد الله وأشهدكم أني تائب إلى الله تعالى من كل ذنب أذنبته، واتخذ لنفسه بيتاً وسماه بيت التوبة، ولبث أسبوعاً على ذلك ثم أخذ خطوط الفقهاء بصحة توبته، ثم خرج فقعد للإملاء وحضر الخلق الكثير وكان المستملي الواحد ينضاف إليه ستة كل يبلغ صاحبه، فكتب الناس حتى القاضي عبد الجبار وكان الصاحب ينفذ كل سنة إلى بغداد خمسة آلاف دينار تفرق في الفقهاء وأهل الأدب وكان لا تأخذه في الله لومة لائم، ويبغض من يميل إلى الفلسفة وأهدى إليه العميري القاضي بقزوين كتباً وكتب معها.
العميري عبد كافي الكفاة ... وأن اعتد في وجوه القضاة.
خدم المجلس الرفيع بكتب ... مفعمات من حسنها مترعات.
فوقع تحتها.
قد قبلنا من الجميع كتاباً ... ورددنا لوقتنا الباقيات.
لست استغنم الكثير فطبعي ... قول خذ ليس مذهبي قول هات.
فاستدعى يوماً شراباً فجيء بقدح، فلما أراد أن يشرب قال له بعض خواصه: لا تشربه فإنه مسموم فقال: وما الشاهد على صحة قولك؟ قال: أن تجربه على من أعطاك إياه قال لا استحل ذلك، قال فجربه على دجاجة قال: إن التمثيل بالحيوان لا يجوز، فرد القدح وأمر بصب ما فيه وقال للغلام: لا تدخل داري وأمر بأفراد جراية عليه، ومرض بالأهواز عن سحج عرض له فكان عن الطست يترك إلى جانبه عشرة دنانير حتى لا يتبرم به الفراشون، فكانوا يتمنون دوام علته فلما برأ أنهب الفقراء ما حوت داره، فكان هذا يخرج بدواج، وهذا بمركب وهذا بتور الشمع، فأخذ من داره ما يقارب خمسين ألف دينار فلما مرض مرض الموت كان أمراء الديلم ووجوه الحواشي معاً ودون بابه ويقبلون الأرض، وينصرفون وجاءه فخر الدولة دفعات، فلما يئس من نفسه قال، لفخر الدولة: قد خدمتك الخدمة التي استفرغت فيها الوسع وسرت في دولتك السيرة التي حصلت لك حسن الذكر بها، فإن أجريت الأمور بعدي على رسومها علم أن ذلك منك ونسب الجميل فيه إليك واستمرت الأحدوثة الطيبة بذلك ونسيت أنا في أثناء ما يثنى به عليك، وإن غيرت ذلك وعدلت عنه كنت المذكور بما تقدم والمشكور عليه وقدح في دولتك وذكرك ما يسمع إيقاعك فأظهر له قبول رأيه، توفي في مساء الجمعة لست بفين من صفر هذه السنة وكان الصاحب أفضل وزراء الدولة الديلمية وجميع ملكهم كان مائة وعشرين سنة وزر لهم فيها جماعة فيهم معان حسنة ولكن لم يكن من يذكر عنه العلم كما يذكر عن الصاحب.
الحسن بن حامد بن الحسن بن حامد بن الحسن بن حامد بن الحسن أبو محمد الأديب


سمع علي بن محمد بن سعيد الموصلي وكان تاجراً ممولاً نزل عليه المتنبي حين قدم بغداد وكان القيم بأموره، فقال له: لو كنت مادحاً تاجراً لمدحتك؟ روى عنه الصوري وكان صدوقاً.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أنشدني الجوهري والتنوخي قالا: أنشدنا أبو محمد الحسن بن حامد لنفسه.
سريت المعالي غير منتظر بها ... كساداً ولا سوقاً تقام لها أخرى.
وما أنا من أهل المكاس وكلما ... توفرت الأثمان كنت لها أشرى.
داود بن سليمان بن داود بن محمد أبو الحسن البزاز سمع الحسين إسماعيل المحاملي، روى عنه التنوخي والعشاري والعتيقي وقال كان في قطيعة الربيع وكان شيخاً نبيلاً، ثقة توفي في محرم هذه السنة.
عمر بن أحمد بن عثمان بن محمد بن أيوب بن ازداذ أبو حفص الواعظ ابن شاهين ولد في صفر سنة سبع وتسعين ومائتين، وسمع شعيب بن محمد الذراع وأبا خبيب البرقي ومحمد بن محمد الباغندي وأبا بكر بن أبي داود، وخلقاً كثيراً وكان ثقة أميناً يسكن الجانب الشرقي.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر ثابت، أخبرنا أبو الفتح عبد الكريم ابن محمد المحاملي قال: ذكر لنا ابن شاهين قال: أول ما كتبت الحديث بيدي سنة ثمان وثلثمائة، وكان لي إحدى عشرة سنة، وكذا كتب ثلاثةمن شيوخي في هذه السن فتبركت بهم: أبو القاسم البغوي، وأبو محمد بن صاعد، وأبو بكر بن أبي داود وقال المصنف: وكذلك أنا كتبت الحديث ولي إحدى عشرة سنة، وسمعت قبل ذلك.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، أخبرنا القاضي أبو الحسن محمد بن علي بن محمد الهاشمي قال: لنا أبو حفص بن شاهين صنف ثلثمائة مصنف وثلاثين أحدها التفسير الكبير ألف جزء والمسند ألف وخمسمائة جزء والتاريخ مائة جزء.
أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن عمر بن إسماعيل الداودي قال: سمعت أبا حفص بن شاهين يقول يوماً: حسبت ما اشتريت من الحبر إلى هذا الوقت فكان سبعمائة درهم. قال الداودي: وكنا نشتري الحبر أربعة أرطال بدرهم. قال وقد مكث ابن شاهين بعد ذلك يكتب زماناً، توفي ابن شاهين الحادي والعشرين من ذي الحجة من هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
علي بن محمد بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار بن عبد الله. أبو الحسن الحافظ الدارقطني ولد سنة ست وثلثمائة، وقيل سنة خمس، وسمع البغوي وابن أبي داود وابن صاعد، وخلقاً كثيراً وكان فريد عصره، وأمام وقته، انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بأسماء الرجال، وعلل الحديث، وسلم ذلك له، انفرد بالحفظ أيضاً. من تأثير حفظه أنه أملى علل المسند من حفظه على البرقاني.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو الخطيب قال: كان أبو منصور إبراهيم بن الحسن بن حمكان الصيرفي، وسمع كثيراً وأراد أن يصنف مسنداً معللاً ، وكان الدارقطني يحضر عنده في كل أسبوع يوماً يتعلم على الأحاديث في أصوله وينقلها أبو بكر البرقاني علل الحديث، حتى خرج من ذلك شيئاً كثيراً وتوفي أبو منصور قبل استتمامه فنقل البرقاني كلام الدارقطني فهو كتاب العلل الذي يرويه الناس عن الدارقطني.


أخبرنا أبو منصور القزاز، ثنا أبو بكر بن ثابت قال: بلغني أن الدارقطني حضر في حداثته مجلس إسماعيل الصفار فجعل ينسخ جزءاُ كان معه وإسماعيل يملي، فقال له بعض الحاضرين: لا يصح سماعك وأنت تنسخ فقال الدارقطني فهمي للإملاء خلاف فهمك ثم قال تحفظ كم أملى الشيخ من حديث إلى الآن؟ قال: لا، فقال الدارقطني، أملى ثمانية عشر حديثاًفعددت الأحاديث فوجدت كما قال، ثم قال أبو الحسن: الحديث الأول منها كذا عن فلان عن فلان ومتنه كذا، والحديث الثاني عن فلان عن فلان ومتنه كذا، ولم يزل إسناده الأحاديث ومتونه على ترتيبها في الإملاء، حتى أتى على آخرها فتعجب الناس منه قال المصنف رحمه الله: وقد كان الحاكم أبو عبد الله يقول: ما رأى الدارقطني مثل نفسه. أخبرنا القزاز أبو بكر بن ثابت، أخبرنا الصوري قال: سمعت رجاء بن محمد بن عيسى المعدل يقول سألت الدارقطني فقلت: رأى الشيخ مثل نفسه فقال لي: قال الله تعالى " فلاتزكوا أنفسكم " قلت: لم أرد هذا وإنما أردت أن أعلمه لأقول رأيت شيخاً لم ير مثل نفسه فقال: إن كان في واحد فقد رأيت من هو أفضل مني، وأما من اجتمع فيه ما اجتمع في فلا. قال المصنف رحمه الله: كان الدارقطني قد اجتمع له مع علم الحديث والمعرفة، بالقرءات، والنحو، والفقه والشعر مع الأمانة والعدالة، وصحة العقيدة.
سمعت أبا الفضل بن ناصر يقول: سمعت ثابت بن بندار يقول: قال الدارقطني: كنت أنا والكتاني نسمع الحديث فكانوا يقولون يخرج الدارقطني مقرىء البلد فخرجت أنا محدثاً والكتاني مقرئاً.
أخبرنا أبو القاسم الحريري عن أبي طالب العشاري قال: توفي الدارقطني آخر نهار يوم الثلاثاء سابع ذي القعدة خمس وثمانين وثلثمائة، ودفن في مقبرة معروف يوم الأربعاء، وكان مولده لخمس خلون من ذي القعدة سنة ست وثلثمائة وله تسع وسبعون سنة ويومان.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، حدثنا أبو نصر علي بن هبة الله بن ماكولا قال رأيت في المنام كأني أسأل عن حال أبي الحسن الدارقطني في الآخرة وما آل إليه أمره فقيل ذاك يدعى في الجنة الإمام.
عباد بن العباس بن عباد أبو الحسن الطالقاني والد صاحب إسماعيل بن عباد. سمع أبا خليفة الفضل بن الحباب وغيره وكان صدوقاً، وصنف كتاباً في أحكام القرآن، وروى عنه ابنه أبو القاسم الوزير، وأبو بكر بن مردويه، وطالقان التي ينسب إليها ولاية بين قزوين وأبهر وهي عدة قرى يقع عليها هذا الاسم، وثم بلدة من بلاد خراسان، خرج منها جماعة كثيرة من المحدثين يقال لها طالقان، توفي عباد في هذه السنة.
عقيل بن محمد، أبو الحسن الأحنف العكبري كان أديباً شاعراً مليح القول، روى عنه أبو علي ابن شهاب ديوان شعره.
أنبأنا ابن ناصر، أنبأنا الحسن بن أحمد قال: أنشدني علي بن عبد الواحد للأحنف العكبري:
أقضى علي من الأجل ... عذل العذول إذا عذل.
وأشد من عذل العذو ... ل صدود ألف قد وصل.
وأشد من هذا وذا ... طلب النوال من السفل.
أنشدنا محمد بن ناصر الحافظ قال: أنشدني الرئيس أبو الثناء علي بن أبي منصور الكاتب قال: أنشدني بعض من أثق به وذكر أنها للأحنف العكبري ولم أسمع في معناها مثلها وهي:
من أراد الملك والرا ... حة من هم طويل.
فليكن فرداً من النا ... س ويرضى بالقليل.
ويرى أن قليلاً ... نافعاً غير قليل.
ويرى بالحزم أن الحزم ... في ترك الفضول.
ويداوي مرض الوح ... دة بالصبر الجميل.
لا يماري أحداً ما ... عاش في قال وقيل.
يلزم الصمت فإن الص ... مت تهذيب العقول.
يذر الكبر لأهليه ... ويرضى بالخمول.
أي عيش لأمرئ يصب ... ح في حال ذليل.
بين قصد وعدو ... ومدارة جهول.
واعتلال من صديق ... وتحن عن ملول.
واحتراس من ظنون ال ... سوء أو عذل عذول.
ومماشاة بغيض ... ومقاساة ثقيل.
أف من معرفة الناس ... على كل سبيل.


وتمام الأمر لاتعرف ... سمحاً من بخيل.
فإذا أكمل هذا ... كان في ملك جليل.
محمد بن عبد الله بن سكرة أبو الحسن الهاشمي من ولد علي بن المهتدي كان شاعراً مطبوع القول. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا الخطيب قال: أنشدني علي بن المحسن قال: أنشدني أبو الحسن بن سكرة وكان قد دخل حماماً وخرج وقد سرق مداسه فعاد إلى داره حافياً وهو يقول:
إليك أذم حمام ابن موسى ... وإن فاق المنى طيبا وحرا.
تكاثرت اللصوص علي حتى ... ليحفى من يطيف به ويعرا.
ولم أفقد به ثوباً ولكن ... دخلت محمداً وخرجت بشرا.
ومن أشعاره في القاضي أبي السائب.
إن شئت أن تبصر أعجوبة ... من جور أحكام أبي السائب.
فاعمد من الليل إلى صرة ... وقرر الأمر مع الحاجب.
حتى ترى مروان يقضي له ... على علي بن أبي طالب.
توفي ابن سكرة في ربيع الأول من هذه السنة.
محمد بن عبيد أبو عمر الأصبهاني حدث عن شيوخ أصبهان، وكان ثقة، مأموناً، وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
يوسف بن عمر بن مسرور أبو الفتح القواس ولد سنة ثلثمائة، سمع البغوي وابن داود وابن صاعد، وغيرهم، روى عنه الخلال والعشاري والتنوخي، وغيرهم وكان ثقة صالحاً زاهداً صدوقاً، وكان يقال له أنه من الأبدال وأنه مجاب الدعوة قال الدارقطني: كنا نتبرك بيوسف القواس وهو صبي، توفي يوم الجمعة لثلاث بقين من ربيع الآخر من هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب.
يوسف بن أبي سعيد السيرافي يكنى أبا محمد كان نحوياً وتمم شرح أبيه لكتاب سيبويه، وكان يرجع إلى علم ودين، وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة وله خمس وخمسون سنة.
ثم دخلت
سنة ست وثمانين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أن أهل البصرة في شهر المحرم ادعوا أنهم كشفوا عن قبر عتيق، فوجدوا فيه ميتاً طرياًبثيابه وسيفه، وأنه الزبير بن العولم فأخرجوه وكفنوه ودفنوه بالمربد بين الدربين وبنى عليه الأثير أبو المسك عنبر بناء وجعل الموضع مسجداً ونقلت إليه القناديل والآلات والحصر والسمادات وأقيم فبه قوام وحفظة ووقف عليه وقوفاً.
وفي يوم الأحد ثاني شوال خلع القادر بالله على أبي الحسن أبن حاجب النعمان وأظهر أمره في كتابه له.
وفي هذه السنة قلد ابو عبد الله أحمد بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن المهتدي بالله الصلاة في جامع المنصور وأبو بكر التمام بن محمد بن هارون بن المطلب الصلاة في جامع الرصافة.
وفي هذه السنة حج بالناس أبو عبد الله بن العلوي، وحمل أبو النجم بدر بن حسنوية وكان أمير الجبل خمسة آلاف دينار من وجوه القوافل من الخراسانية لتدفع إلى الأصيفرعوضاً عما كان يجبى له من الحاج في كل سنة وجعل ذلك رسماً زاد فيه من بعد حتى بلغ تسعة آلاف دينار ومائتي دينار وواصل حمل ذلك إلى حين وفاته.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
أحمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى بن سختويه أبو حامد بن أبي إسحاق المزكى. النيسابوري سمع ابا العباس الأصم وطبقته، وورد بغداد وكتب عن إسماعيل بن محمد الصفار وخرج إلى مكة فسمع أبا سعيد أبن الأعرابي ورجع إلى نيسابور ولم يزل معروفاً بالعبادة من زمن الصبي إلى أن توفي، روى عنه محمد بن المظفر الحافظ والأزهري والقاضي أبو العلاء وغيرهم.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن الحافظ قال: أخبرني محمد بن علي المقرىء عن الحاكم أبي عبد الله النيسابوري قال: توفي أبو حامد أحمد بن إبراهيم المزكى ليلة الإثنين الثالث عشر من شعبان سنة ست وثمانين، وكان مولده سنة ثلاث وعشرين، وصام الدهر تسعاً وعشرين سنة، وعندي أن الملك لم يكتب عليه خطيئة، وحدثني أبو عبد الله بن إبي إسحاق أنه رأى أخاه أبا حامد في المنام في نعمة وراحة وصفها، فسأله عن حاله فقال لقد أنعم علي فإن أردت اللحوق بي فالزم ما كنت عليه.
عبد الله بن أحمد بن مالك أبو محمد البيع سمع أبا بكر بن أبي داود وغيره، روى عنه العتيقي والعشاري، وكان ثقة، وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.


علي بن عمر بن محمد بن الحسن بن شاذان بن إبراهيم أبو إسحاق الحميري ويعرف: بالسكري وبالصيرفي، وبالكيال، وبالحربي.
ولد سنة ست وتسعين ومائتين، وسمع أحمد بن عبد الجبار الصوفي الطبري، والأزهري والعتيقي، والتنوخي، وأول سماعه في سنة ثلاث وثلثمائة، وسمع الباغذي، والبغوي، وخلقاً كثيراً وروى عنه أبو الطيب وقال الأزهري: هو صدوق ولكن بعض أهل الحديث قرأ عليه ما لم يكن سماعه وأما هو في نفسه فثقة، وقد طعن فيه البرقاني، ذهب بصره في عمره وتوفي في شوال هذه السنة.
محمد بن علي بن عطية أبو طالب المكي حدث عن علي بن أحمد المصيصي وأبي بكر المفيد وغيرها روى عنه عبد العزيز بن علي الأزجي وغيره، وكان من الزهاد المتعبدين. قال العتيقي: كان رجلاً صالحاً مجتهداً صنف كتاباً سماه " قوت القلوب " وذكر فيه أحاديث لاأصل لها، وكان يعظ الناس في الجامع ببغداد.
أنبأنا علي بن عبيد الله عن أبي محمد التميمي قال: دخل عبد الصمد على أبي طالب المكي وعاتبه على إباحته السماع فأنشد أبو طالب:
فيا ليل كم فيك من متعة ... ويا صبح ليتك لم تقترب.
فخرج عبد الصمد مغضباً: أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: قال لي أبو طاهر محمد بن علي العلاف، كان أبو طالب المكي من أهل الجبل، ونشأ بمكة، ودخل البصرة بعد وفاة أبي الحسن بن سالم، فانتمى إلى مقالته، وقدم بغداد، فاجتمع الناس عليه من مجاس الوعظ فخلط في كلامه وحفظ عنه انه قال ليس على المخلوقين أضر من الخالق فبدعه الناس وهجروه فامتنع من الكلام على الناس بعد ذلك. سمعت شيخنا أبا القاسم إسماعيل بن أحمد السمرقندي يقول سمعت شيخنا أبا علي محمد أبن أحمد بن المسلمة يقول: سمعت شيخنا أبا القاسم بن بشران يقول دخلت على شيخنا أبي طالب المكي: وقت وفاته فقلت له، أوصني، فقال، إذا علمت أنه قد ختم لي بخير فإذا أخرجت جنازتي فانثر علي سكراً ولوزاً وقل هذا للحاذق فقلت: من أين أعلم؟ قال: خذ يدي وقت وفاتي فإذا أنا قبضت بيدي على يدك فاعلم أنه قد ختم الله بخير وإذا أنا لم أقبض على يدك وسيبت يدك من يدي فاعلم أنه لم يختم لي بخير.
قال شيخنا أبو القاسم: فقعدت عنده، فلما كان عند وفاته قبض على يدي قبضاً شديداً فلما أخرجت جنازته نثرت عليه سكراً ولوزاً وقلت هذا للحاذق، كما أمرني. توفي أبو طالب في جمادى الآخرة من هذه السنة.وقبره ظاهر قريب من جامع الرصافة.
نزار بن معد أبو تميم ويكنى أبا منصور، وهو صاحب مصر العزيز ولد بالقيروان وولي إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر و أياما، وكان قد ولي عيسى بن نسطورس النصراني واستناب بالشام يهودياً يعرف بميشا فاستولى أهل هاتين الملتين على المسلمين، فكتبت امرأة إلى العزيز بالذي أعز اليهود بميشا والنصارى بعيسى بن نسطورس وأذل المسلمين بك إلا نظرت في أمري فقبض على اليهودي والنصراني، وأخذ من عيسى ثلثمائة ألف دينار، توفي في رمضان هذه السنة وعمره اثنتان وأربعون سنة.
بنت عضد الدولة. التي كانت زوجة الطائع لله، توفيت يوم الخميس لثلاث بقين من المحرم وحملت تركتها إلى بهاء الدولة وكان فيها جوهر كثير.
ثم دخلت
سنة سبع وثمانين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أن فخر الدولة أيو الحسن علي بن ركن الدولة توفي بالري فرتب ولده رستم في الأمر بعده، وهو يومئذ أبن أربع سنين، وأخذت له البيعة على الجند، وحطت الأموال في الزبل للتفرقة على الجند.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
جعفر بن محمد بن الفضل بن عبد الله أبو القاسم الدقاق ابن المارستاني ولد ببغداد سنة ثمان وثلثمائة ثم سافر، ثم قدم بغداد من مصر، وحدث عن أبي بكر بن مجاهد، روى عنه الخلال وابن المذهب، لكن الدار قطني والصوري يكذبانه،وتوفي في هذه السنة.
الحسن بن عبد الله بن سعيد أبو أحمد العسكري الراوية العلامة صاحب الفضل العزيز والتصنيف الحسن الكثير في الأدب واللغة والأمثال وكان يميل إلى المعتزلة.


أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ، أخبرنا أبو زكريا يحبى بن علي التبريزي قال: حكى لنا أبو عبد الله الحسن بن محمد بن الحسن الحلواني قال: حدثني أبو الحسن علي بن المظفر بن بدر البندنيجي، قال: كنت اقرأ بالبصرة على الشيوخ فلما دخلت سنة تسع وسبعين بلغني حياة أبي أحمد العسكري فقصدته، فقرأت عليه فوصل فخر الدولة والصاحب ابن عباد، فبينا نحن جلوس نقرأ عليه، وصل إليه ركابي ومعه رقعة ففضها وقرأها وكتب على ظهرها، جوابها فقلت له: أيها الشيخ ما هذا الرقعة؟ فقال رقعة الصاحب كتب إلي:
ولما أبيتم أن تزوروا وقلتم ... ضعفنا فما نقوى على الوخدان
أتيناكم من بعد أرض نزوركم ... فكم منزل بكر لنا وعوان
نناشدكم هل من قرى لنزيلكم ... بطول جوار لا بملء جفان.
قلت فما كتبت في جوابه؟ قال كتبت:
أروم نهوضاً ثم يثني عزيمتي ... قعود وإعضائي من الرجفان.
فضمنت بنت ابن الرشيد كأنما ... تعمد تشبيهي به وعناني.
أهم بأمر الحزم لو أستطيعه ... وقد حيل بين العنز والنزوان.
ثم نهض وقال: لابد من الحمل على النفس فإن الصاحب لا يقنعه هذا. فركب بغلة فلم يتمكن من الوصول إلى الصاحب لاستيلاء الخيم، فصعد تلعة فرفع صوته بقول أبي تمام.
مالي أرى القبة الفيحاء مقفلة ... دوني وقد طال ما استفتحت مقفلها.
كأنها جنة الفردوس معرضة ... وليس لي عمل زاك فادخلها.
قال: فناداه الصاحب أدخلها أبا أحمد فلك السابقة الأولى فنبادر أصحابه إليه فحملوه حتى جلس بين يديه عن مسألة، فقال أبو أحمد! الخبير صادفت. فقال الصاحب: يا أبا أحمد تغرب في كل شيء حتى في المثل، فقال: تفائلته عن السقوط بحضرة مولانا، وإنما كلام العرب على الخبير سقطت. توفي أبو أحمد يوم التروية من هذه السنة.
الحسين بن أحمد بن محمد أبو عبد الله الريحاني البصري سكن بغداد، وحدث عن البغوي، وابن صاعد. والمحاملي. روى عنه الخلال، والعتيقي، وقال: كان له أصول صحاح جياد فخرج له أبو بكر بن إسماعيل عشرة أجزاء، وكان ثقة، وتوفي في هذه السنة.
الحسين بن محمد بن سليمان أبو عبد الله الكاتب ولد سنة اثنتين وثلثمائة حدث عن البغوي وابن صاعد وأبي بكر النيسابوري وابن الأنباري، روى عنه الأزهري والصيرمي والعتيقي، وكان صدوقاً ثقة، يسكن مدينة المنصور. توفي في هذه السنة.
عبد الله بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبيد الله بن زياد بن مهران أبو القاسم الشاهد ابن الثلاج حلواني الأصل. حدث عن البغوي وابن أبي داود وبن صاعد. روى عنه الصيرمي والتنوخي، والأزهري، والعتيقي، وغيرهم.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: حدثني التنوخي قال: قال لنا ابن الثلاج، ما باع أحد من سلفينا ثلجاً قط وإنما كانوا بحلوان وكان جدي مترفاً، فكان يجمع له في كل سنة ثلج كثير لنفسه، فاجتاز الموفق أو غيره من الخلفاء، فطلب ثلجاً فلم يوجد إلا عند جدي وأهدى إليه منه فوقع منه موقعاً لطيفاً وطلبه منه أياماً كثيرة طول مقامه وكان يحمله إليه فقال، اطلبوا عبد الله الثلاج واطلبوا ثلجاً من عند عبد الله الثلاج، فعرف بالثلاج وغلب عليه، فقال المصنف، وقد ضعفه المحدثون منهم الدارقطني ونسبوه إلى أنه يركب الأسانيد ويضع الحديث على الرجال.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي قال: حدثني الأزهري قال: كان أبو القاسم ابن الثلاج مخلطاً في الحديث يدعي ما لم يسمع ويضع الحديث.


أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي قال: حدثني أحمد بن محمد العتيقي قال: ذكر أبو عبد الله بن بكير أن أبا سعد الإدريسي لما قدم بغداد قال لأصحاب الحديث: إن كان ها هنا شيخ له جموع وفوائد، فأفيدوني عنه، فدلوه على أبي القاسم ابن الثلاج، فلما اجتمع معه أخرج إليه جمعة لحديث قبض العلم وأنا فيه، حدثني أبو سعد عبد الرحمن بن محمد الإدريسي فقال الإدريسي: أين سمعت من هذا الشيخ؟ فقال : هذا شيخ قدم علينا حاجاً فسمعنا منه، فقال أيها الشيخ: أنا أبو سعد عبد الرحمن بن محمد الإدريسي، وهذا حديثي ووالله ما رأيتك ولا اجتمعت مع أبي سعد الإدريسي، فحدثني بهذه القصة، كما حدثني بها ابن بكير عنه، توفي ابن الثلاج في ربيع الأول من هذه السنة فجأة.
عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان أبو عبد الله العكبري ابن بطة ولد يوم الاثنين لأربع خلون من شوال سنة أربع وثلثمائة، وسمع أبا القاسم البغوي ويحيى بن صاعد وأبا بكر النيسابوري، وخلقاً كثيراً، وسافر البلاد البعيدة في طلب العلم، روى عنه أبو الفتح بن أبي الفوارس، والأجزي، والبرمكي وغيرهم وأثنى عليه العلماء الأكابر.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: حدثني القاضي أبو أحمد بن محمد الدلوي قال: لما رجع أبو عبد الله بن بطة من الرحلة لازم بيته سنة فلم ير منها في الأسواق ولا روئي مفرطاً إلا في يومي الأضحى والفطر وكان أماراً بالمعروف ولم يبلغه خبراً منكراً إلا غيره أو كما قال.
أخبرنا، أحمد بن علي أخبرنا العتيقي قال: كان ابن بطة شيخاً صالحاً مستجاب الدعوة، أخبرنا عبد الرحمن أخبرنا أحمد بن علي قال لم أر في شيوخ أصحاب الحديث ولا في غيرهم أحسن هيئة من ابن بطة.
أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي عن أبي محمد الحسن بن علي الجوهري قال: سمعت أخي عبد الله الحسين بن علي يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت يا رسول الله: قد اختلفت علينا المذاهب فبمن نقتدي، فقال لي عليك بأبي عبد الله بن بطة، فلما أصبحت لبست ثيابي واصعدت إلى عكبرا فدخلت إليه، فلما رآني تبسم وقال لي: صدق رسول الله صدق رسول الله صدق رسول الله رسول الله يقولها ثلاثاً.
قال المصنف: وقد تعصب له الخطيب بعد أن نقل عن مشائخه الأكابر مدحه فغمزه بأشياء منها أنه قال كتب إلي أبو ذر عبد بن أحمد الهروي من مكة يذكر أنه سمع نصر الأندلسي يقول: خرجنا إلى عكبرا فكتبت عن ابن بطة كتاب السنن لرجاء بن مرجي عن حفص بن عمر الأربيلي عن رجاء، فأخبرت الدارقطني فقال: هذا محال دخل رجاء بغداد سنة أربعين ودخل حفص سنة خمسين ومائتين فكيف سمع منه.


قال الخطيب: وحدثني عبد الواحد الأسدي أنه لما أنكر الدارقطني هذا تتبع ابن بطة النسخ التي كتبت عنه وغير الرواية وجعلها عن أبي الراجيان عن فتح بن شخرف عن رجاء، وجواب هذا أن أبا ذر كان من الأشاعرة المبغضين وهو أول من دخل الحرم مذهب الأشعري ولا يقبل جرحه لحنبلي يعتقد كفره وأما عبد الواحد الأسدي فهو ابن برهان وكان معتزلياً قال الخطيب: كان ابن برهان يذكر أنه سمع من ابن بطة ولم يرو شيئاً وإنما كانت له معرفة بالنحو واللغة، وقال ابن عقيل، كمان ابن برهان يختار مذهب مرجئة المعتزلة وينفي الخلود في حق الكفار، ويقول دوام العقاب في حق لا يجوز عليه التشفي لا وجه له مع ما قد وصف به نفسه من الرحمة وهذا إنما يوجد في الشاهد لما يعتري الغضبان من طلب الانتقام وهذا يستحيل في حقه، قال ابن عقيل: وهذا كلام نرده على قائله ما قد ذكره ة ذلك أنه أخذ صفات الباري تعالى من صفات الشاهد، وذكر أن المثير للغضب ما يدخل على قلب الغضبان من غليان الدم طلباً للانتقام وأوجب بذلك منع دوام العقاب حيث لا يوجد في حقه سبحانه التشفي والشاهد يرد عليه ما ذكره لأن المانع من التشفي غلبة الرحمة والرأفة وكلاهما رفعه طبع وليس الباري بهذا الوصف ولا رحمته وغضبه من أوصاف المخلوقين بشيء وهذا الذي ذكره من عدم التشفي وفورة الغضب كما يمنع دخوله عليه من الدوام يمنع من دخوله ووصفه ينبغي بهذه الطريقة أن يمنع أصل الوعيد ويحيله في حقه سبحانه كسائر المستحيلات عليه ولا يختلف نفس وجودها ودوامها فلا أفسد اعتقاداً ممن أخذ صفات الله من صفاتنا وقاس أفعاله على أفعالنا قال المصنف: فمن كان اعتقاده يخالف اجماع المسلمين فهو خارج عن الإسلام، فكيف يقبل قوله، وقال محمد بن عبد الملك الهمذاني: كان ابن برهان يميل إلى المرد الملاح ويقبلهم وروى الخطيب عن أبي القاسم التنوخي قال أراد أبي أن يخرجني من عكبرا لأسمع من ابن بطة كتاب المعجم للبغوي فجاءه أبو عبد الله بن بكير وقال له لا تفعل فإن ابن بطة لم يسمع المعجم من البغوي وجواب هذا من ثلاثة أوجه أحدهما أن التنوخي كان معتزلياً يميل إلى الرفض فكيف يقبل قوله في سني والثاني أن هذه الشهادة على نفي فمن أين له أنه لم يسمع وإذا قال ابن بطة سمعت فالاثبات مقدم والثالث من أين له أنه إن كان لم يسمع أنهيرويه فمن الجائز أنه لو مضى إليه قال له ليس بسماعي وإنما أرويه إجازة فما أبله هذا الطاعن بهذا إنما وجه الطعن أن يقول قد رواه وليس بسماعه قال الخطيب وحدثني أبو الفضل ابن خيرون قال: رأيت كتاب ابن بطة بمعجم البغوي في نسخة كانت لغيره قد حك سماع وكتب سماعه عليها قال: انظر إلى طعن المحدثين أتراه إذا حصلت للإنسان نسخة فحك اسم صاحبها وكتب سماع نفسه وهي سماعه أيوجب هذا طعناً ومن أين له أنه لم يعارض بهذا أصل سماعه ولقد قرأت بخط أبي القاسم ابن الفراء أخي القاضي أبي يعلى قال قابلت أصل ابن بطة بالمعجم، فرأيت سماعه في كل جزء إلا أني لم أر الجزء الثالث أصلاً.
وأخبرنا إسماعيل بن أحمد السمرقندي، أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد بن البسري، عن أبي عبد الله بن بطة قال: كان لأبي بغداد شركاء وفيهم رجل يعرف بأبي بكر فقال لأبي ابعث إلى بغداد ابنك ليسمع الحديث فقال ابني صغير، فقال أنا أحمله معي فحملني إلى بغداد فجئت إلى ابن منيع وهو يقرأ عليه الحديث، فقال لي بعضهم: سل الشيخ يخرج إليك معجمه فسألت ابنه أو ابن بنته فقال: إنه يريد دراهم فأعطيناه ثم قرأنا عليه كتاب المعجم في نفر خاص في مدة عشرة أيام أو أقل أو أكثر وذلك في سنة خمس عشرة أو ست عشرة واذكره وقد قال: حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني في سنة أربع وعشرين مائتين فقال المستملي: خذوا هذا قبل أن يولد كل مولود على وجه الأرض. وسمعت المستملي وهو أبو عبد الله بن مهران يقول له: من ذكرت يا ثلث الإسلام.


قال المصنف: فإذا كان ابن بطة يقول سمعت المعجم وقد ثبت صدقه وروى سماعه يدفع هذا بنفي فيقال ما سمع فالقادح بهذا لا يخلو إما أن يكون قليل الدين أو قليل الفهم فيكون ما رآه حاضراً مع طبقته فينفي عنه السماع قال الخطيب وحدثني عبد الواحد بن برهان قال قال لي محمد بن أبي الفوارس روى ابن بطة عن البغوي عن مصعب عن مالك عن الزهري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " طلب العلم فريضة على كل مسلم " قال الخطيب: هذا باطل من حديث مالك والحمل فيه على ابن بطة.
قال المصنف: وجواب هذا من وجهين أحدهما أن هذا لا يصح عن برهان قال شيخنا أبو محمد عبد الله بن علي المقريء شاهدت بخط الشيخ أبي القاسم بن برهان وكان الخط بيد الشيخ أبي الكرم النحوي بما حكاه عني أحمد بن ثابت الخطيب من القدح في الشيخ الزاهد أبي عبد الله بن بطة لا أصل له وهو شيخي وعنه أخذت العلم في البداية والثاني أنه لو صح فقد ذكرنا القدح في ابن برهان فيقال حينئذ للخطيب لم قبلت قول من يعتقد مذهب المعتزلة وإن الكفار لا يخلدون فيخرج بذلك إلى الكفر بخرقه الإجماع فيمن شهدت له بالسفر الطويل وطلب العلم، وحكيت عن العلماء أنه الصالح المجاب الدعوة أفلا تستحي من الله أن تجعل الحمل عليه في حديث ذكره عنه ابن برهان ولا تجعل الحمل على ابن برهان نعوذ بالله من الهوى، توفي عبد الله بن بطة بعكبرا في محرم هذه السنة.
علي بن عبد العزيز بن مردك أبو الحسن البرذعي حدث عن عبد الرحمن بن أبي حاتم وغيره، وكان أحد الباعة الكبار ببغداد، فترك الدنيا ولزم المسجد، واشتغل بالعبادة وأريد على الشهادة فامتنع، وتوفي في محرم هذه السنة.
علي بن محمد بن أحمد بن شوكر أبو الحسن المعدل سمع البغوي، وابن صاعد، روى عنه الخلال والتنوخي، وكان ثقة كتب الناس عنه بانتخاب الدارقطني. توفي في هذه السنة.
علي أبو الحسن، الملقب فخر الدولة بن أبي علي ركن الدولة بن بويه أقطعه أبوه بلداناً وكان في ملك، فلما توفي أخوه مؤيد الدولة كتب إليه الصاحب ابن عباد يأمره بالإسراع، فأسرع وملك مكان أخيه واستوزر الصاحب وكان شجاعاً ولقبه الطائع بفلك الأمة، وتوفي في شعبان هذه السنة وكانت إمارته ثلاث عشرة سنة وعشرة أشهر وسبعة وعشرين يوماً، وكان عمره ستاً وأربعين سنة وخمسة أيام وكان حين اشتد مرضه قد أصعد به إلى قلعة فبقي فيها أياماً يعلل ثم مات وكانت الخزائن مغلقة مختومة وقد جعلت مفاتيحها في كيس من حديد وسمره وحصلت عند ولده رستم فلم يوجد له في ليلة وفاته ما يكفن فيه وتعذر النزول إلى البلد لشدة شغب وقع بين الجند فابتيع من قيم الجامع الذي تحت القلعة ثوب ولف فيه وكان قد أراح لتشاغل الناس باختلاف الجند فلم يمكنهم لذلك القرب منه ولا مباشرة دفنه فشد بالحبال وجر على درج القلعة من بعد حتى تقطع وكان يقول في حياته قد جمعت من الأموال لولدي ما يكفيهم ويكفي عسكرهم خمس عشرة سنة إذا لم يكن لهم إلا من الحاصل وكان قد ترك ألفي دينار وثمانمائة ألف وخمسة وسبعين ألفاً ومائتين وأربعة وثمانين ديناراً، وكان في خزانته من الجوهر واليواقيت واللؤلؤ والبلخش أربع عشرة ألف ألف دينار ومن أواني الذهب ما وزنه ألف ألف دينار ومن أواني الفضة ما وزنه ثلاثة آلاف ألف ومن الثياب ثلاثة آلاف حمل وخزانة السلاح ألفا حمل وخزانة الفرش ألف وخمسمائة.
محمد بن أحمد بن إسماعيل بن عنبس بن إسماعيل أبو الحسين الواعظ ابن سمعون


ولد سنة ثلثمائة، وروى عن عبد الله بن أبي داود السجستاني، ومحمد بن مخلد الدوري، وخلق كثير. وأملى الحديث، وكان يعظ الناس، ويقال له: الناطق بالحكمة، وله كلام حسن وتدقيق في باب المعاملات، وكانت له فراسة وكرامات. فحكى أن الرصاص الزاهد كان يقبل رجل ابن سمعون دائماً فلا يمنعه، فقيل له في ذلك، فقال: كان في داري صبية خرج في رجلها الشوكة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم، فقال لي: قل لابن سمعون يضع رجله عليها، فإنها تبرأ. فلما كان من الغد بكرت إليه فرأيته قد لبس ثيابه، فسلمت عليه، فقال: بسم الله. فقلت: لعل له حاجة أمضي معه وأعرض عليه في الطريق حاجتي في حديث الصبية، فجاء إلى داري فقال: بسم الله، فدخلت وأخرجت الصبية إليه وقد طرحت عليها شيئاً، فترك رجله عليها، وانصرف وقامت الجارية معافاة فانا أقبل رجله أبداً.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر الخطيب، قال: حدثني رئيس الرؤساء أبو القاسم علي بن الحسن، قال: حدثني أبو طاهر - محمد بن علي بن العلاف، قال: حضرت أبا الحسين بن سمعون يوماً في مجلس الوعظ وهو جالس على كرسيه يتكلم، وكان أبو الفتح القواس جالساً إلى جنب الكرسي فغشيه النعاس ونام، فأمسك أبو الحسين عن الكلام ساعة حتى استيقظ أبو الفتح ورفع رأسه، فقال له أبو الحسين: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومك؟ قال: نعم، فقال أبو الحسين لذلك أمسكت عن الكلام خوفاً أن تنزعج وتنقطع ما كنت فيه.
قال: حدثني رئيس الرؤساء قال: حكى لي أبو علي بن أبي موسى الهاشمي، قال: حكى دجى مولى الطائع لله، قال: أمرني الطائع أن أوجه إلى ابن سمعون فأحضره دار الخلافة، ورأيت الطائع على صفة من الغضب، وكان ذا حدة، فبعثت إلى ابن سمعون وأنا مشغول القلب لأجله، فلما حضر أعلمت الطائع حضوره فجلس مجلسه وأذن له في الدخول فدخل وسلم عليه بالخلافة، ثم أخذ في وعظه، فأول ما ابتدأ به أن قال: روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وذكر خبراً وأحاديث بعده، ثم قال: روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وذكر عنه خبراً ولم يزل يجري في ميدان الوعظ حتى بكى الطائع لله وسمع شهيقه، وابتل منديل بين يديه بدموعه وأمسك ابن سمعون حينئذ ودفع إلي الطائع درجاً فيه طيب وغيره، فدفعته إليه وانصرف وعدت إلى حضرة الطائع، فقلت: يا مولاي رأيتك على صفة شديدة من الغضب على ابن سمعون ثم انتقلت عن تلك الصفة عند حضوره، فما السبب؟ فقال: رفع إلي عنه أنه يتنقص بعلي بن أبي طالب فأحببت أن أتيقن عند حضوره لأقابله عليه إن صح منه، فلما حضر بين يدي افتتح كلامه بذكر علي بن أبي طالب والصلاة عليه، وأعاد وأبدأ في ذلك، وقد كان له مندوحة في الرواية عن غيره، وترك الابتداء به، فعلمت لما وقف لما تزول به عنه الظنة وتبرأ ساحته عندي، ولعله كوشف بذلك، أو كما قال.
وقد ذكرنا لابن سمعون قصة مع عضد الدولة قد سبقت.
أخبرنا أبو المعمر الأنصاري، أخبرنا محفوظ بن أحمد، قال: قال لنا أبو علي الحسن بن غالب الحربي سمعت أبا سعد أحمد بن المنازل البزاز، يقول: سمعت عمي محمد بن أحمد يقول: رأيت في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم في جامع الخليفة وإلى جانبه رجل متكهل، فسألت عنه، فقيل: هو عيسى بن مريم، وهو يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: أليس من أمتي الأحبار، أليس من أمتي الرهبان، أليس من أمتي أصحاب الصوامع؟ فدخل أبو الحسين بن سمعون الواعظ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: في أمتك مثل هذا؟ فسكت وانتبهت.
وحكى ابن الهمذاني أن ابن سمعون ذكر على كرسيه في ليلة النصف من شعبان الحلواء، وكانت مزنة جارية أبي سعيد الصائغ حاضرة، وهو تاجر مشهور بكثرة المال ومنزلة بدرب رياح، فلما أمسى أتاه غلام ومعه خمسمائة خشكناً فكة، فكسر واحدة فوجد فيها ديناراً فكسر الجميع وأخرج الدنانير وحملها بنفسه إلى أبي سعيد الصائغ، وقال: قد جئتك في سبب وأريد أن يكون جوابك قبول قولي، وأن لا تنكر على أهل الدار، وأخبره بالدنانير، فقال له أبو سعيد: أعيذك بالله أن يحضر مجلسك من فيه ريبة، والله ما تركت المرأة الدنانير إلا بحضرتي وتساعدنا جميعاً على هذا الفعل.


أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، أخبرنا أحمد بن محمد العتيقي، قال: سنة سبع وثمانين وثلثمائة توفي فيها أبو الحسين ابن سمعون يوم النصف من ذي القعدة وكان ثقة مأموناً.
قال ابن ثابت وذكر لي غير العتيقي أنه توفي يوم الخميس الرابع عشر من ذي القعدة، ودفن بداره بشارع العتابيين، فلم يزل هناك مدفوناً حتى نقل يوم الخميس الحادي عشر من رجب سنة ست وعشرين وأربعمائة، فدفن بباب حرب.
قال المصنف: صلي على ابن سمعون في جامع المنصور، ثم دفن في داره سنين، ثم أخرج إلى مقبرة أحمد وأكفانه لم تبل.
محمد بن أحمد بن محمد أبو عمر الأنماطي المروزي قدم بغداد حاجاً في سنة اثنتين وثمانين وثلثمائة، وحدث بها عن أبي العباس الأصم، وقد أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب حدثنا العتيقي عنه.
محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن أبو الفتح الخواص أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: قال أبو بكر أحمد بن سليمان بن علي المقرئ كان هذا الخواص شيخاً فاضلاً حضر عند أبي إسحاق الطبري فسمعت منه.
محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر أبو الحسن الآدمي أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب قال: قال لي أبو طاهر حمزة بن محمد: لم يكن الآدمي هذا صدوقاً في الحديث، كان يسمع لنفسه في كتب لم يسمعها، فسألت البرقاني عنه، فقال: ما علمت منه إلا خيراً، كان قديماً غير أنه كان يطلق لسانه في الناس، ويتكلم في ابن المظفر والدارقطني.
موسى بن عيسى بن عبد الله أبو القاسم السراج ولد سنة خمس وتسعين ومائتين. سمع الباغندي وابن أبي داود، وروى عنه الأزهري والعتيقي، وكان ثقة مأموناً، توفي في محرم هذه السنة.
نوح بن منصور بن نوح بن نصر بن أحمد بن إسماعيل أبو القاسم الساماني كان ملك خراسان وغزنة وما وراء النهر ولي وله ثلاثة عشر سنة، فبقي والياً إحدى وعشرين سنة وتسعة أشهر، وتوفي في رجب هذه السنة، فولي بعده ابنه أبو الحارث منصور، فبقي سنة وتسعة أشهر، ثم قبض عليه خواصه وأجلسوا أخاه عبد الملك، فقصدهم محمود بن سبكتكين، فكسرهم وهربوا منه إلى بخارى، ثم أتاهم أيلك مظهراً لنصرتهم، فقبض عليهم وعلى جميع السامانية في سنة تسع وثمانين، وانقرض ملكهم، وكان ملكهم مائة سنة وسنتين وشهوراً.