المنتظم

الجزء الخامس عشر
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه
ثم دخلت
سنة ثمان وثمانين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها أن القادر بالله قبض على أبي الحسن علي بن عبد العزيز في يوم السبت لليلة بقيت من رمضان، وقلد كتابته أبا العلاء سعيد بن الحسن بن تريك فأقام على خدمته نيفاً وسبعين يوماً، ثم صرفه وأعاد أبا الحسن.
وفي يوم الخميس خامس عشر ذي الحجة وافى برد شديد، وجمد الماء منه جموداً ثخيناً لم يعهد مثله، حتى جمدت جوب الحمامات، وبول الدواب والخيل والنبيذ.
وفي هذه السنة: جلس القادر بالله للرسولين الواردين من أبي طالب رستم بن فخر الدولة، وأبي النجم بدر بن حسنويه وكنى أبا طالب ولقبه مجد الدولة وكهف الأمة، وكنى أبا النجم ولقبه نصر الدولة، وعهد لأبي طالب على الري وأعمالها، وعقد له لواء، وحمل إليه الخلع السلطانية الكاملة، وعهد لبدر على أعماله، وتصرف بالجبل، وعقد له لواء وحمل إليه الخلع الجميلة، وذلك بسؤال بهاء الدولة كتابه.
فأما مجد الدولة فإنه لبس الخلع وتلقب، وأما بدر الدولة فقد كان سأل أن يلقب بناصر الدولة، فلما عدل به عنه توقف عن اللقب، ثم أجيب فيما بعد سؤاله، فلقب بناصر الدين والدولة.
وفي هذه السنة: هرب عبد الله بن جعفر المعروف بابن الوثاب من الاعتقال، وكان منتسباً إلى الطائع، فلما قبض على الطائع وخلع هرب هذا وتنقل في البلاد، وصار إلى البطيحة، وأقام عند مهذب الدولة، ثم خرج وتنقل فنفذ القادر من أحضره مقبوضاً عليه وحبس وهرب، فمضى إلى كيلان وادعى أنه هو الطائع لله، وذكر لهم علامات عرفها بحكم أنسه بدار الخلافة، فقبلوه وعظموه وزوجه محمد بن العباس أحد أمرائهم ابنته وشد منه، وأقام له الدعوة في بلده، وأطاعه أهل نواح أخر، وأدوا إليه العشر الذي يؤدونه إلى من يتولى أمر دينهم، ثم ورد قوم منهم إلى بغداد، فانكشف لهم حاله فانصرف عنهم.


ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
الحسين بن أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن بكير أبو عبد الله الصيرفي ولد سنة سبع وعشرين وثلثمائة، وسمع إسماعيل الصفار، أبا عمرو بن السماك، والنجاد، والخلدي، وأبا بكر الشافعي. روى عنه ابن شاهين، والأزهري، والتنوخي، وكان حافظاً، وروى حديثاً فكتبه عنه الدارقطني وابن شاهين.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: قال لي الأزهري: كنت أحضر عند أبي عبد الله بن بكير وبين يديه أجزاء كتاب قد خرج فيها أحاديث فأنظر في بعضها فيقول: أيما أحب إليك، تذكر لي متن ما تريد من هذه الأحاديث حتى أخبرك بإسناده، أو تذكر لي إسناده حتى أخبرك بمتنه؟ فكنت أذكر له المتون فيخبرني بالأسانيد من حفظه كما في كتابه، وفعلت هذا مراراً كثيرة.
قال: وكان ثقة فحسدوه فتكلموا فيه.
قال الخطيب: وممن تكلم فيه ابن أبي الفوارس، فقال: كان يتساهل في الحديث ويلحق في أصول المشايخ ما ليس فيها، ويصل المقاطيع، ويزيد الأسماء في الأسانيد.
توفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
عبد العزيز بن يوسف الجكار، أبو القاسم كان كاتب الإنشاء لعضد الدولة ثم وزر لابنه بهاء الدولة خمسة أشهر، وكان يقول الشعر، وتوفي في شوال هذه السنة.
صمصام الدولة ابن عضد الدولة خرج عليه أبو نصر بن بختيار فأراد الصعود إلى القلعة، فلم يفتح له حافظها، فراسل الأكراد وتوثق فيهم وسار معهم بخزائنه وذخائره، فلما بعدوا به عطفوا فنهبوا جميع ما صحبه وهرب، فوافاه أصحاب ابن بختيار فقتلوه، وذلك في ذي الحجة من هذه السنة، وكانت مدة عمره خمساً وثلاثين سنة وسبعة أشهر، وترك رأسه في طست بين يدي ابن بختيار، فقال: هذه سنة سنها أبوك.
عبيد الله بن عمرو بن محمد بن المنتاب أبو القاسم الهمذاني ولد سنة إحدى وثلثمائة وسمع ابن صاعد وابن السماك، روى عنه التنوخي والعتيقي، وكان ثقة، وتوفي في هذه السنة.
محمد بن أحمد بن إبراهيم، أبو الفرج المقرئ غلام الشنبوذي ولد في سنة ثلثمائة، وروى عن أبي الحسن بن شنبوذ وغيره كتباً في القراءآت، وتكلم الناس في رواياته وأساء الدارقطني القول فيه، والثناء عليه.
أخبرنا القزاز أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: سمعت أبا الفضل عبيد الله بن أحمد بن علي الصيرفي، يذكر أبا الفرج الشنبوذي، فعظم أمره ووصف علمه بالقراءات وحفظه للتفسير، وقال: سمعته يقول: أحفظ خمسين ألف بيت من الشعر شواهد للقرآن، توفي أبو الفرج الشنبوذي في صفر هذه السنة، وقيل: في سنة سبع وثمانين.
محمد بن أحمد بن محمي أبو بكر الجوهري ولد سنة إحدى وثلثمائة، وسمع البغوي.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: سألت الأزهري عنه، فقال: ثقة، وكذلك قال العتيقي: ثقة مأمون.
توفي في شعبان هذه السنة.
محمد بن الحسن بن أحمد بن قشيش أبو بكر السمسار سمع إسماعيل بن محمد الصفار، وأبا عمرو بن السماك، وأبا بكر النجاد، والخلدي وكان صدوقاً من أهل القرآن، ويذهب في الفقه مذهب أحمد بن حنبل. وتوفي أول محرم هذه السنة.
محمد بن الحسن بن جعفر بن محمد البحيري قدم بغداد، وحدث بها، روى عنه القاضي أبو العلاء الواسطي.
محمد بن الحسن بن عبدان بن الحسن بن مهران، أبو بكر سمع البغوي، وابن صاعد، والمحاملي.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: حدثني عنه عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي، وسألته عنه فقلت: أكان ثقة؟فقال:فوق الثقة توفي في هذه السنة.
محمد بن الحسن ابن محمد بن أحمد ابن محمويه حدث ببغداد عن البغوي، وابن مجاهد وأبي بكر وأبي داود. روى عنه القاضي أبو عبد الله الصيمري.
محمد بن الحسن بن المظفر، أبو علي اللغوي الحاتمي روى عن أبي عمر الزاهد وغيره.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: حدثني عنه علي بن المحسن التنوخي، قال لي: مات يوم الأربعاء لثلاث بقين من ربيع الآخر من هذه السنة.
ثم دخلت
سنة تسع وثمانين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: أنه انقض في يوم الأحد لعشر بقين من ربيع الأول كوكب كبير ضحوة النهار.


وفي يوم الخميس للنصف من جمادى الأولى خلع على الشريف أبي الحسن محمد بن علي بن الحسن الزينبي، ولقب نقيب النقباء، وقد كانت جرت عادة الشيعة في الكرخ وباب الطاق بنصب القباب وتعليق الثياب وإظهار الزينة في يوم الغدير، وإشعال النيران في ليلته، ونحر جمل في صبيحته، فأرادت الطائفة الأخرى من أهل السنة أن تعمل في مقابلة هذا شيئاً فادعت أن اليوم الثامن من يوم الغدير كان اليوم الذي حصل فيه النبي صلى الله عليه وسلم في الغار وأبو بكر معه، فعملت فيه مثل ما عملت الشيعة في يوم الغدير، وجعلت بإزاء يوم عاشوراء يوماً بعده بثمانية أيام نسبته إلى مقتل مصعب بن الزبير، وزارت قبره بمسكن كما يزار قبر الحسين عليه السلام، وكان ابتداء ما عمل يوم الغار يوم الجمعة لأربع بقين من ذي الحجة. ؟ وفي هذه السنة: وافى برد شديد مع غيم مطبق وريح معزق متصلة، فهلك من النخل في سواد بغداد ألوف كثيرة، وسلم ما سلم ضعيفاً، فلم يرجع إلى حاله وحمله إلا بعد سنين.
وفي هذه السنة حج بالناس: أبو الحارث محمد بن محمد بن عمر، وكذلك إلى سنة ثلاث وتسعين، وحج الشريفان الرضي والمرتضى واعتاقهم ابن الجراح الطائي، فأعطوه تسعة آلاف دينار من أموالهم.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
الحسن بن علي بن أحمد بن عون، أبو محمد الحريري سمع القاضي المحاملي، وحدث عنه العتيقي، وقال: توفي في جمادى الأولى من سنة تسع وثمانين وثلثمائة، وكان ثقة.
زاهر بن أحمد بن محمد بن عيسى أبو محمد السرخسي المقرئ الفقيه المحدث شيخ عصره بخراسان، قرأ على ابن مجاهد، وسمع البغوي وابن صاعد وغيرهما، وتفقه على أبي إسحاق المروزي وتعلم الأدب من أبي بكر ابن الأنباري، وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة، وهو ابن ست وتسعين سنة.
عبيد الله بن محمد بن إسحاق بن سليمان بن مخلد بن إبراهيم بن مروان، أبو القاسم البزاز ابن حبابة ولد ببغداد سنة تسع وتسعين ومائتين، وسمع البغوي وابن أبي داود، وكان ثقة مأموناً، وتوفي في جمادى الأولى من هذه السنة وصلى عليه أبو حامد الإسفرايني، ودفن في تربة ملاصقة لسور باب البصرة مقابل جامع المنصور.
عبد الله بن عتاب بن محمد بن عبد الله القاسم العبدي سمع الحسين بن إسماعيل المحاملي. روى عنه أبو العلاء الواسطي، وانتقى عليه الدارقطني جزءاً، وكان ثقة مأموناً، توفي في هذه السنة.
عبيد الله بن خليفة بن شداد أبو أحمد البلدي روى عنه الأزهري، وكان صدوقاً ثقة، توفي في ربيع الأول من هذه السنة.
ثم دخلت
سنة تسعين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: أنه ظهر في أرض سجستان معدن الذهب، كانوا يحفرون فيه آباراً ويخرجون من التراب الذهب الأحمر.
ومن الحوادث أنه: في يوم الخميس لسبع بقين من شوال قلد القاضي أبو عبد الله الحسين بن هارون الضبي مدينة المنصور مضافة إلى الكرخ والكوفة، وشقي الفرات، وقلد القاضي أبو محمد عبد الله بن محمد الأكفاني الرصافة، وأعمالها عوضاً عن المدينة التي كان يليها، وقلد القضاء أبو الحسن الخرزي الواسطي طريقي دجلة وخراسان مضافاً إلى عمله بالحضرة، وقرئت عهودهم على ذلك وولي أبو خازم محمد بن الحسن الواسطي القضاء بواسط وأعمالها، وقرئ عهده بالموكب بدار الخلافة وكتب الإمام القادر بالله لمحمد بن عبد الله بن الحسن وقد ولاه بلاد جيلان كتاباً اختصرته وفيه:


" بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أحمد الإمام القادر بالله أمير المؤمنين إلى محمد بن عبد الله بن الحسن حين بلا حقائق أخباره استشف مواقع آثاره، وأنهى إلى أمير المؤمنين رسوخه في العلم وسمته بالفهم، فاستخار الله عز وجل فيما يعتمده عليه، وسأله التسديد فيما يفوضه إليه، فقلده الصلاة، والخطابة على المنابر والقضاء والحكم ببلاد جيلان أسودها وأبيضها، وما توفيق أمير المؤمنين إلا بالله، عليه توكله وإليه في كل حال موئله، وحسب أمير المؤمنين الله ونعم الوكيل أمره بخشية الله، فإنها مزية العلماء ومراقبته فإنها خاصة الأدباء، وتقواه ما استطاع، فإنها سكة من أطاع وجنة من تجاذبه الأطماع، وأن يأخذ لأمر الله أهبته ويعد له عدته، ولا يترخص فيه فيفرط، ولا يضيع وظيفة من وظائفه فيتورط، وأن يستعمل نفسه في المهل، ويؤذنها بقرب الأجل ولا يغرها أنه منتظر، وإن عصى فيغفر، فقد قال الله تعالى: " حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير " .
وأمره بقراءة القرآن وتلاوته والمحافظة عليه ودراسته، وأمره بمداومة الطهر فإنه أمان من الفقر ولا يقنع به في الجوارح، أو أن يكون مثله فيما بين الحوائج.
فإن النقاء هناك هو النقاء الذي يتم به البهاء، وحينئذ تكمل الطهارة، وتزول الأدران، وأمره بمراقبة مواقيت الصلاة للجمع، فإذا حانت سعى إليها، وإذا وجبت جمع عليها بالأذان الذي يسمع به مؤذنوه الملأ، والإقامة الذي يقوم به فرض الله عز وجل، وأمره بالإحسان في الموعظة مستقصياً للمناصحة، وأمره بالنداء على المنابر، وفي سائر المحافل والمعاقل بالشعار الأعلى والفرض الأوفى من ذكر دولة أمير المؤمنين، وحث الأمة على طاعته أجمعين، قال الله عز وجل: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " .
وأن يديم التصفح لأحوال البلاد التي ولي فيها ما وليه من قواعد الشريعة، وليقابل نعمة الله بشكر الصنيعة، فإن وجد فيها نافراً عن فريضة الدعوة الشريفة القادرية اجتذبه إليها بالموعظة الحسنة والدلالة الصريحة، فإن استبصر لرشده وراجع المفروض بجهده فقد فاز وغنم، وإن تشاوس وعند استنفر عليه الأمم وقمعه بما يوجبه الحكم.
وأمره بصلوات الأعياد والخسوف والاستسقاء، وأمره أن يكون لأمر الله متأهباً، ولنزول الموت مترقباً ولطروقه متوقعاً، وأمره أن يخلي من فوضه إليه من ظهير يستنيبه وأمره أن يتبع شرائع الإسلام، وأن يواصل تلاوة القرآن ويستنبط منه ويهتدي به فإنه جلاء للبصائر، ومنار الحكم، ولسان البلاغة، وأمره أن يخلي ذهنه إذا انتدب للنظر، ويقضي أمامه كل وطر، ويأخذ لجوارحه بحظ يعينها فإن القلب إذا اكتنفته المآرب يعرض له التعب، وأمره بالجلوس للخصوم في مساجد الجوامع ليتساووا في لقائه، وأن يقسم لحظه ولفظه بين جمهورهم.
وأمرهم بالنظر في الأمور بالعدل، وأمره بانتخاب الشهود والفحص عن أحوالهم، وأمره بالتناهي في تفقد الأيتام، فإنهم أسراء الإسلام، وأمره بتعهد الوقوف وإجراء أحوالها على ما يوجبه التوقيف من أربابها.
هذا عهد أمير المؤمنين إليك وحجته المنعم بها عليك، وتذكرته المستودعة فوائد توفيقه فانصب لمحاورته وأصغ لمخاطبته، واغرس مواعظه في قلبك تجن من ثمرها الفوز عند ربك " .
وكتب علي بن عبد العزيز بن إبراهيم في شهر ربيع الأول سنة تسعين وثلثمائة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن محمد بن أبي موسى أبو بكر الهاشمي القاضي ولد سنة خمس عشرة وثلثمائة. سمع من جماعة، وكتب الناس عنه بانتخاب الدارقطني، وكان مالكي المذهب ثقة مأموناً، وتقلد قضاء المدائن وسر من رأى ونصيبين وديار ربيعة وغيرها من البلاد، وتولى خطابة جامع المنصور مدة.
وتوفي في محرم هذه السنة، ودفن في داره.
عبيد الله بن عثمان بن يحيى، أبو القاسم الدقاق ابن جنيقا كذا ذكره الخطيب بالنون، وهو جد القاضي أبي يعلى ابن الفراء لأمه.
قال أبو علي البرداني: قال لنا القاضي أبو يعلى الناس يقولون جنيقاً بالنون، وهو غلط إنما هو جليقا باللام. روى عنه الأزهري والعتيقي، وكان صحيح السماع ثبت الرواية، قال محمد بن أبي الفوارس: كان ثقة مأموناً حسن الخلق ما رأينا مثله في معناه.


وتوفي في رجب هذه السنة.
الحسين بن محمد بن خلف أبو عبد الله الفراء أحد الشهود المعدلين، وهو والد القاضي أبي يعلي حدث عن جماعة. روى عنه ابنه أبو خازم محمد بن الحسين، وكان رجلاً صالحاً على مذهب أبي حنيفة، توفي في شعبان هذه السنة.
عبد الله بن أحمد بن علي بن أبي طالب أبو القاسم البغدادي ولد سنة سبع وثلثمائة، ونزل مصر، وروى بها الحديث عن جماعة، فسمع عنه عبد الغني بن سعيد، وكان ثقة، وتوفي في محرم هذه السنة.
عمر بن إبراهيم بن أحمد، أبو حفص المقرئ الكتاني ولد سنة ثلثمائة، وسمع البغوي، وابن صاعد، وابن مجاهد وغيرهم. روى عنه الأزهري، والخلال. وكان ثقة ينزل ناحية نهر الدجاج، وتوفي في رجب هذه السنة.
علي بن عبد الله بن محمد بن عبيد، أبو الحسن الزجاج الشاهد حدث عن حبشون بن موسى الخلال، روى عنه التنوخي، وقال: سمعته يقول: ولدت في رمضان سنة خمس وتسعين ومائتين. وكان نبيلاً فاضلاً من قراء القرآن، وتوفي في هذه السنة.
محمد بن عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن هارون، أبو الحسين الدقاق ابن أخي ميمي سمع البغوي، وروى عنه الأزهري والعشاري.
ولد يوم الثلاثاء عاشر صفر سنة أربع وثلثمائة، ولم يزل يكتب الحديث إلى أن مات، وكان ثقة مأموناً ديناً فاضلاً، وكان حسن الأخلاق، مكث أربعاً وأربعين سنة لم ينم على ظهر سطح.
وتوفي ليلة الجمعة الثامن والعشرين من شعبان هذه السنة.
محمد بن عمر بن يحيى بن الحسين بن أحمد بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو الحسن العلوي الكوفي ولد في سنة خمس عشرة وثلثمائة، وسمع أبا العباس بن عقدة. روى عنه أبو العلاء الواسطي، والخلال: سكن بغداد وكان المقدم على الطالبيين في وقته مع كثرة المال والضياع، وكان يخدم عضد الدولة، وناب عن بني بويه، وكانت داره تلي قصر بني المأمون، وكان عضد الدولة يغيظه منه كثرة ماله وعلو همته ونفوذ أمره، ولما دخل عضد الدولة إلى بغداد سنة سبعين قال له: امنع العوام من لقائنا بالدعاء والصياح، ففعل فعجب من طاعة العوام له.
ولما ورد رسول القرامطة إلى الكوفة أمر عضد الدولة وزيره المطهر بن عبد الله أن يتقدم إلى الشريف أبي الحسن ليكاتب نوابه بالكوفة بإنزال الرسول وإكرامه، فتقدم بذلك سراً إلى صاحبه، وكتب على طائر كوفي بما رسم، ووصل الطائر وكتب الجواب على بغدادي وأتاه رسوله بالرقعة، وما مضى غير ساعات فقال له الوزير: أمرك الملك عضد الدولة بأمر فأخرته فينبغي أن تنهض إلى دارك وتقدم بمكاتبة نوابك حتى يعود الجواب في اليوم السادس وتعرضه عليه، فقال له: كتبت وورد الجواب، وعرضه عليه ودخل إلى عضد الدولة، فأخبره فانزعج لذلك، وبلغه أنه طوق قنينة بلور للشرب بحب قيمته مائة ألف دينار، فنقم عليه لذلك، ورأى عضد الدولة في روزنامج ألف ألف وثلثمائة ألف باسم محمد بن عمر مما أداه من معاملاته بفارس فاعتقله بها واستولى على أمواله فبقي في الاعتقال سنين حتى أطلقه شرف الدولة أبو الفوارس ابن عضد الدولة، فأقام معه وأشار عليه بطلب المملكة فتم له ذلك ودخل معه بغداد وتزايدت حاله في أيامه.
ورفع أبو الحسن علي بن طاهر عامل شقي الفرات إلى شرف الدولة أن ابن عمر زرع في سنة ثمان وسبعين ثمانمائة ألف جريب، وأنه يستغل ضياعه ألفي ألف دينار، فدخل ابن عمر على شرف الدولة، فقال: يا مولانا، والله ما خاطبت بمولانا ملكاً سواك ولا قبلت الأرض لملك غيرك لأنك أخرجتني من محبسي وحفظت روحى ورددت علي ضياعي، وقد أحببت أن أجعل النصف مما أملكه لولدك، وجميع ما بلغك عني صحيح.
فقال له شرف الدولة: لو كان ارتفاعك أضعافه كان قليلاً لك، وقد وفر الله عليك مالك، وأغنى ولدي عن مداخلتك، فكن على حالك، وهرب ابن طاهر إلى مصر، فلم يعد حتى مات ابن عمر، وصادر بهاء الدولة أبو نصر بن عضد الدولة الشريف أبا الحسن على ألف ألف دينار عيناً، وأخذ منه شيئاً آخر واعتقله سنتين وعشرة أشهر، ولزمه يوم إطلاقه تسعون ألف دينار، ثم استنا به ببغداد.


أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزاز، أنبأنا أبو القاسم علي بن المحسن، عن أبيه، قال: حدثني أبو القاسم عبد الله بن أحمد الاسكافي، قال سمعت الشريف أبا الحسن محمد بن عمر العلوي يقول: أنه لما بنى داره بالكوفة وكان فيها حائط عظيم العلو، فبينا البناء قائم على أعلاه لإصلاحه سقط إلى الأرض، فارتفع الضجيج استعظاماً للحال، لأن العادة لم تجر بسلامة من يسقط من مثل ذلك الحائط، فقام الرجل سالماً لا قلبة به، وأراد العود إلى الحائط ليتم البناء أعلى الحائط فقال له الشريف أبو الحسن: قد شاع سقوطك من أعلى الحائط وأهلك لا يصدقون سلامتك ولست أحب أن يردوا إلى بابي صوارخ فامض إلى أهلك ليشاهدوا سلامتك وعد إلى شغلك، فمضى مسرعاً فعثر بعتبة الدار التي للباب، فسقط ميتاً.
توفي الشريف لعشر خلون من ربيع الأول من هذه السنة وعمره خمس وسبعون سنة، ودفن في حجرة بدرب المنصور بالكرخ وحضر جنازته الوزير أبو نصر سابور، وأخذ من تركته خمسين ألف دينار، ونصف أملاكه، وارتفع لورثته ألفا كر ومائتان أصنافاً، وتسعة عشرة ألف دينار، ثم نقل إلى الكوفة فدفن بها، وحضرنا جنازته.
محمد بن يوسف بن محمد بن الجنيد الكشي الجرجاني وكش قرية من قرى جرجان على طريق الجبل معروفة على ثلاثة فراسخ من جرجان. سمع من أبي نعيم الاسترباذي، ومكي بن عبدان، وكان يفهم ويحفظ. وحدث ببغداد، وأملى بالبصرة، وانتقل إلى مكة فحدث بها سنين إلى أن توفي في هذه السنة بها.
المعافى بن زكريا بن يحيى بن حميد بن حماد بن داود، أبو الفرج النهرواني القاضي، ابن طراز ولد سنة خمس وثلثمائة، وكان عالماً بالنحو واللغة وأصناف الآداب والفقه، وكان يذهب مذهب محمد بن جرير الطبري، وحدث عن البغوي وابن صاعد وخلق كثير. وكان ثقة، وناب في القضاء وهو صاحب كتاب الجليس والأنيس، وكان أبو محمد يقول: إذا حضر المعاني فقد حضرت العلوم كلها، ولو أن رجلاً أوصى بثلث ماله لأعلم الناس لوجب أن يدفع إلى المعافى.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي، قال: حدثني أحمد بن عمر بن روح أن المعافى بن زكريا حضر في دار لبعض الرؤساء، وكان هناك جماعة من أهل العلم والأدب، فقالوا له: في أي نوع من العلم نتذاكر؟ فقال المعافى لذلك الرئيس: خزانتك قد جمعت أنواع العلوم، وأصناف الأدب فإن رأيت بأن تبعث بالغلام إليها وتأمره أن يفتح بابها ويضرب بيده إلى أي كتاب قرب منها فيحمله، ثم نفتحه وننظر في أي نوع هو، فنتذاكره ونتجارى فيه، قال ابن روح: وهذا يدل على أن المعافى كان له أنس بسائر العلوم.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا ابن ثابت، قال: أنشدنا أبو الطيب الطبري، قال: أنشدنا المعافى بن زكريا لنفسه:
ألا قل لمن كان لي حاسداً ... أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في فعله ... لأنك لم ترض لي ما وهب
فجازاك عني بأن زادني ... وسد عليك وجوه الطلب
توفي المعافى في ذي الحجة من هذه السنة.
أمة السلام بنت القاضي أبي بكر أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة وتكنى أم الفتح ولدت سنة ثمان وتسعين ومائتين في رجب، وسمعت محمد بن إسماعيل البصلاني، ومحمد بن الحسين بن حميد بن الربيع. روى عنها الأزهري، والتنوخي، وأبو يعلى ابن الفراء وغيرهم.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال: سمعت الأزهري، والتنوخي وذكرا أمة السلام بنت أحمد القاضي، فأثنيا عليها حسناً ووصفاها بالديانة والعقل والفضل.
توفيت في رجب هذه السنة.
ثم دخلت
سنة إحدى وتسعين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: أن القادر بالله جلس للحاج الخراسانية وأعلمهم أنه قد جعل الأمير أبا الفضل ابنه ولي عهده، ولقبه الغالب بالله، وقرئت عليهم الكتب المنشأة بذلك، وحضر الأشراف والقضاة، والشهود، والفقهاء، وكان لهذا الولد يومئذ ثماني سنين وأربعة أشهر وأيام، وكتب إلى البلاد أن يخطب له بعده.


وكان السبب في هذه العجلة أن عبد الله بن عثمان الواثقي من ولد الواثق كان من الشهود، وكانت إليه الخطابة، فحدث بينه وبين القاضي أبي علي التنوخي وحشة، فقيل له: لو استصلحته؟ فقال: أنا مفكر كيف أطفئ شمع هذا الملك وآخذ ملكه. ثم اتفق أنه خرج إلى خراسان واستغوى بعض السلاطين، واتفق هو ورجل آخر كبير القدر على أن افتعلا كتاباً عن الخليفة بتقليد الواثقي العهد بعده، فخطب له بعد القادر وكتب إلى القادر فغاظه ذلك، ورتب أبا الفضل في ولاية العهد، وأثبت فسق الواثقي، ثم قدم بغداد مستخفياً، ثم انحدر إلى البصرة، ثم مضى إلى فارس وبلاد الترك، ونفذت كتب القادر تتبعه فهرب إلى خوارزم، ثم قصد بعض السلاطين فرقاه إلى قلعة، فلم يزل بها حتى مات.
وفي يوم الجمعة الخامس من جمادى الآخرة توفي القاضي أبو الحسن عبد العزيز ابن أحمد الخرزي، وأقر ابنه أبو القاسم على عمله، وقرئ عهده بذلك في يوم الإثنين لليلة بقيت منه، ثم صرف بعد مديدة قريبة.
وفي يوم الخميس ثامن عشر ذي القعدة ولد الأمير أبو جعفر عبد الله بن القادر بالله وهو القائم.
في هذه السنة: حج بالناس أبو الحارث محمد بن محمد بن عمر العلوي.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
جعفر بن الفضل بن جعفر بن محمد بن الفرات، أبو الفضل ابن حنزابة الوزير ولد في ذي الحجة سنة ثمان وثلثمائة، ونزل مصر وتقد الوزارة لأميرها كافور، وكان أبوه وزير المقتدر، وحدث عن محمد بن هارون الحضرمي وطبقته من البغداديين. وكان يذكر أنه سمع من البغوي مجلساً، ولم يكن عنده، فكان يقول: من جاءني به أغنيته، وكان يملي الحديث بمصر فخرج إليه الدارقطني وأقام عنده مدة فصنف له المسند، وحصل له من جهته مال كثير، وروى عنه الدارقطني في كتاب المدبج وغيره أحاديث.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: حدثني محمد بن أحمد اللخمي بالأنبار، قال: أنشدني أبو القاسم عمر بن عيسى المسعودي بمصر، قال: أنشدنا الوزير أبو الفضل جعفر بن الفرات ابن حنزابة لنفسه:
من أخمل النفس أحياها وروحها ... ولم يبت طاوياً منها على ضجر
إن الرياح إذا هبت عواصفها ... فليس ترمي سوى العالي من الشجر
توفي جعفر في ربيع الأول من هذه السنة.
الحسين بن أحمد بن الحجاج أبو عبد الله الشاعر كان من أولاد العمال والكتاب، وكانت إليه حسبة بغداد في أيام عز الدولة، فاستخلف عليها ستة أنفس كلهم لا خير فيه، ثم تشاغل بالشعر وتفرد بالسخف الذي يدل على خساسة النفس، فحصل الأموال به، وصار ممن يتقى لسانه، وحمل إليه صاحب مصر عن مديح مدحه به ألف دينار مغربية، وقد أفرد أبو الحسن الرضي من شعره ما خلا عن السخف، وهو شعر حسن.
أنبأنا أبو الحسن محمد بن أحمد الصائغ، أنبأنا أبو علي محمد بن وشاح، قال: أنشدنا أبو عبد الله بن الحجاج لنفسه:
قالوا غدا العيد فاستبشر به فرحاً ... فقلت ما لي وما للعيد والفرح
قد كان داء الهوى لم تمس نازلة ... بعقوتي وغراب البين لم يصح
أيام لم يخترم قربي المنون ولم ... يغد الصباب على شملي ولم يرح
فاليوم بعدك قلبي غير منفسح ... لما يسر وصدري غير منشرح
وطائر نام في خضراء مؤنقة ... على شفا جدول بالعشب متشح
بالعمر من واسط والليل ما هبطت ... فيه النجوم وضوء الصبح لم يلح
بكى وناح ولولا أنه شجن ... بشجو قلبي المعنى فيك لم ينح
بيني وبينك وعد ليس يخلفه ... بعد المزار وعهد غير مطرح
فما ذكرتك والأقداح دائرة ... إلا مزجت بدمعي باكياً قدحي
ولا سمعت لصوت فيه ذكر نوى ... ألا عصيت عليه كل مقترح
توفي ابن الحجاج بالنيل في جمادى الآخرة من هذه السنة، ورثاه الرضي بقوله:
نعوه على ضن قلبي به ... فلله ماذا نعى الناعيان
رضيع صفاء له شعبة ... من القلب مثل رضيع اللبان
بكيتك للشرد السائرا ... ت تعبق ألفاظها بالمعاني


وما كنت أحسب أن المنون ... تفل مضارب ذاك اللسان
ليبك الزمان طويلاً عليك ... فقد كنت خفة روح الزمان
ورآه أبو الفضل ابن الخازن في المنام بعد موته، فقال: ما صنع الله بك؟ فقال:
أفسد حسن مذهبي ... في الشعر سوء المذهب
وحملي الجد على ... ظهر حصان اللعب
لم يرض مولاي علي ... بسب أصحاب النبي
وقال لي ويلك يا ... أحمق لم لم تتب
من بغض قوم من رجا ... ولاءهم لم يخب
رمت الرضى جهلاً بما ... أصلاك نار اللهب
عبد العزيز بن أحمد أبو الحسن الخرزي القاضي كان يقضي بالمخرم وحريم دار الخلافة وباب الأزج والنهروانات وطريق خراسان، وكان على مذهب داود الأصفهاني، وتقدم إليه وكيلان في خصومة فاحتكما فبكى أحدهما، فقال القاضي: أرني الوكالة فأراه إياها فتأملها، ثم قال: ما رأيت فيها أنه جعل إليك أن تبكي عنه، فنهض الوكيل وضحك الحاضرون.
توفي الخرزي في هذه السنة.
عيسى بن الوزير علي بن عيسى بن داود بن الجراح، أبو القاسم ولد في رمضان سنة اثنتين وثلثمائة، وزر أبوه المعلوم فضله، ونظر هو للطائع وكتب له، وروى عن البغوي، وابن أبي داود، وابن صاعد، وابن دريد وغيرهم. وروى عنه الأزهري، والخلال، والصيمري، وغيرهم.
وكان ثبت السماع صحيح الكتاب، وأملى الحديث، وكان عارفاً بالمنطق فرموه بشيء من مذهب الفلاسفة.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن ثابت، قال: أنشدني أبو يعلى ابن الفراء، قال: أنشدنا عيسى بن الوزير علي بن عيسى لنفسه:
رب ميت قد صار بالعلم حيا ... ومبقى قد حاز جهلاً وغيا
فاقتنوا العلم كي تنالوا خلوداً ... لا تعدوا الحياة في الجهل شيا
أخبرنا محمد بن عبد الباقي، عن أبي محمد الجوهري، قال: انقطعت عن زيارة أبي القاسم عيسى بن علي، ثم قصدته، فلما نظر إلي قال:
رأيت جفاء الدهر لي فجفوتني ... كأنك غضبان علي مع الدهر
قال: وخرج إلينا يوماً، فقال: الله بيننا وبين علي بن الجهم، فقلت: من هو علي بن الجهم؟ قال الشاعر: قلت ورآه سيدنا؟ قال: لا ولكن له بيت أذانا به، وأنشدنا هذا:
ولا عار إن زالت عن الحر نعمة ... ولكن عاراً أن يزول التجمل
توفي عيسى في هذه السنة، ودفن في داره.
ثم دخلت
سنة اثنتين وتسعين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: أن العوام ثاروا في يوم الإثنين سابع ربيع الآخر بالنصارى، فنهبوا البيعة بقطيعة الدقيق وأحرقوها، فسقطت على جماعة من المسلمين رجالاً وصبياناً ونساء فهلكوا.
وفي شعبان قبض على الموفق أبي على الحسن بن محمد بن إسماعيل وحمل إلى القلعة.
وفي رمضان عظمت الفتنة ببغداد، وكثرت العملات، وانتشر الدعار.
وفي ليلة الأربعاء لثمان بقين من رمضان طلع كوكب الذؤابة.
وفي ليلة الإثنين ثالث ذي القعدة انقض كوكب كضوء القمر ليلة التمام، ومضى الضياء وبقي جرمه يتموج نحو ذراعين في ذراع برأي العين، وتشقق بعد ساعة.
وفي يوم الثلاثاء الحادي عشر منه تكامل دخول الخراسانية بغداد وعبروا بأسرهم إلى الجانب الغربي، ثم توقفوا عن التوجه نحو البلاد لفساد الطريق وانتشار العرب، وعادوا إلى بلادهم، وبطل الحج من المشرق في هذه السنة.
وفي يوم الإثنين التاسع من ذي الحجة، ولد الأمير أبو الحسن وأبو علي الحسين ابنا بهاء الدولة توأمين، فعاش أبو الحسين بضع سنين ومات، وبقي أبو علي، وملك الإمرة بالحضرة، فلقب مشرف الدولة.
وزاد أمر العيارين والفساد ببغداد، وكان فيهم من هو عباسي وعلوي، فواصلوا العملات، وأخذوا الأموال، وقتلوا، وأشرف الناس معهم على خطة صعبة فبعث بهاء الدولة عميد الجيوش أبا علي بن استاذ هرمز إلى العراق ليدبر أمورها، فدخلها يوم الثلاثاء سابع عشر ذي الحجة، فزينت له بغداد خوفاً منه، فكان يقرن بين العباسي والعلوي ويغرقهما نهاراً، وغرق جماعة من حواشي الأتراك، ومنع السنة والشيعة من إظهار مذهب، ونفى بعد ذلك ابن المعلم فقيه الشيعة عن البلد فقامت هيبته في النفوس.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر


إسماعيل بن سعيد بن إسماعيل بن محمد بن سويد أبو القاسم المعدل من أهل الجانب الشرقي، حدث عن ابن دريد، وابن الأنباري، والكوكبي وغيرهم، قال حمزة بن محمد بن طاهر: كان ثقة وقال الخطيب: كان يلحق سماعه. وقال ابن أبي الفوارس: كان فيه تساهل في الحديث والدين. توفي في محرم هذه السنة، ودفن بالخيزرانية.
عثمان بن جني أبو الفتح الموصلي النحوي اللغوي أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر أحمد بن ثابت قال: عثمان بن جني له كتب مصنفة في علم النحو أبدع فيها، وأحسن منها التلقين واللمع، والتعاقب في العربية، وشرح القوافي، والمذكر والمؤنث، وسر الصناعة. والخصائص، وغير ذلك، وكان يقول الشعر ويجيد نظمه، وأبوه جني كان عبداً رومياً مملوكاً لسليمان بن فهد بن أحمد الأزدي الموصلي.
وأنشدني يحيى بن علي التبريزي لعثمان بن جني:
فان أصبح بلا نسب ... فعلمي في الورى نسبي
على أني أؤول إلى ... قروم سادة نجب
قياصرة إذا نطقوا ... ارم الدهر في الخطب
أولاك دعا النبي لهم ... كفى شرفا دعاء نبي
سكن ابن جني بغداد ودرس بهاالعلم إلى أن مات، وكانت وفاته ببغداد على ما ذكر أحمد بن علي التوزي في يوم الجمعة لليلتين بقيتا من صفر سنة اثنتين وتسعين وثلثمائة.
علي بن عبد العزيز أبو الحسن الجرجاني القاضي بالري. سمع الحديث الكثير، وترقى في العلوم فأقر له الناس بالتفرد، وله أشعار حسان.
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي، البزاز، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، أخبرنا عبد الله بن علي بن حمويه، أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي، قال: أنشدني القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني لنفسه:
يقولون لي فيك انقباض وإنما ... رأوا رجلاً عن موقف الذل أحجما
أرى الناس من داناهم هان عندهم ... ومن أكرمته عزة النفس أكرما
ولم اقض حق العلم إن كان كلما ... بدا طمع صيرته لي سلما
إذا قيل هذا منهل قلت قد أرى ... ولكن نفس الحر تحتمل الظما
ولم ابتذل في خدمة العلم مهجتي ... لأخدم من لاقيت لكن لأخدما
أأشقى به غرساً وأجنيه ذلة ... إذن فاتباع الجهل قد كان احزما
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظموه في النفوس لعظما
ولكن أهانوه فهان ودنسوا ... محياه بالأطماع حتى تجهما
أنشدنا أبو نصر أحمد بن محمد الطوسي، قال: أنشدني أبو يوسف القزويني، قال: أنشدني والدي، قال أنشدنا القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني لنفسه:
إذا شئت أن تستقرض المال منفقاً ... على شهوات النفس في زمن العسر
فسل نفسك الإقراض من كنز صبرها ... عليك وإنظاراً إلى زمن اليسر
فان فعلت كنت الغني وإن أبت ... فكل منوع بعدها واسع العذر
أنبأنا إسماعيل بن أحمد، أنبأنا سعد بن علي الزنجاني كتابة من مكة، قال: أنشدني عبد الله بن محمد بن أحمد الواعظ، قال أنشدني قاضي القضاة أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني لنفسه:
ما تطعمت لذة العيش حتى ... صرت للبيت والكتاب جليسا
ليس شيء أعز عندي من العل ... م فلم أبتغي سواه أنيسا
إنما الذل في مخالطة النا ... س فدعهم وعش عزيزاً رئيسا
توفي علي بن عبد العزيز الجرجاني في هذه السنة بالري، وحمل تابوته إلى جرجان، فدفن بها.
محمد بن محمد بن جعفر أبو بكر الدقاق الشافعي وكان ينوب في القضاء عن أبي عبد الله الحسين بن هارون الضبي، وكانت فيه دعابة، فحكي أنه دخل الحمام بغير مئزر، فبلغ ذلك الضبي فظن أنه فعله لفقره، فبعث إليه ميازر كثيرة، فرئي بعد ذلك في الحمام بغير مئزر، فسأله الضبي عن سبب فعله، فقال: يا سيدي يأخذني به ضيق النفس.
توفي الدقاق في هذه السنة.
ثم دخلت
سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها:


أن عميد الجيوش منع أهل الكرخ وباب الطاق في عاشوراء من النوح في المشاهد، وتعليق المسوح في الأسواق فامتنعوا، ومنع أهل باب البصرة وباب الشعير من مثل ذلك فيما نسبوه إلى مقتل مصعب بن الزبير بن العوام.
وقبض بهاء الدولة على وزيره أبي غالب محمد بن خلف يوم الخميس لخمس بقين من المحرم، وقرر عليه مائة ألف دينار قاسانية.
وفي هذا الشهر قبض مهذب الدولة أبو الحسن علي بن نصر على سابور بن أردشير لأمر اتهمه به، فأقام في الاعتقال إلى أن ملك البطيحة أبو العباس بن واصل فأطلقه.
وفي أوائل صفر غلت الأسعار، عدمت الحنطة، وبلغ الكر من الحنطة مائة وعشريين ديناراً.
وفي هذه السنة مضى عميد الجيوش إلى النجمي، ومضى إلى سورا واستدعى سند الدولة أبا الحسن علي بن مزيد، وقرر عليه أربعين ألف دينار في كل سنة عن بلاده، وأقره عليها.
ذكر من توفى في هذه السنة من الأكابر
إبراهيم بن أحمد بن محمد بن أحمد أبو إسحاق الطبري قرأ القرآن، وسمع الكثير من الحديث، وكان فقيهاً على مذهب مالك من المعدلين، وكان شيخ الشهود ومقدمهم وكان كريماً مفضلاً على أهل العلم، خرج له الدارقطني خمسمائة جزء، وعليه قرأ الرضي القرآن، فقال له يوماً: أيها الشريف أين مقامك؟ فقال: في دار أبي بباب محول، فقال له مثلك لا يقيم بدار أبيه، ونحله الدار التي بالبركة في الكرخ، فامتنع الرضي، وقال: لم أقبل من غير أبي قط شيئاً، فقال له: حقي عليك أعظم لأني حفظتك كتاب الله فقبلها.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال: حدثني علي بن أبي علي المعدل، قال: قصد أبو الحسين بن سمعون أبا إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري ليهنئه بقدومه من البصرة، فجلس في الموضع الذي جرت عادة أبي إسحاق بالجلوس فيه لصلاة الجمعة من جامع المدينة، ولم يكن وافى، فلما جاء والتقيا قام إليه وسلم عليه، وقال له بعد أن جلسا:
الصبر إلا عنك محمود ... والعيش إلا بك منكود
ويوم تأتي سالماً غانماً ... يوم على الأخوان مسعود
مذ غبت غاب الخير من عندنا ... وإن تعد فالخير مردود
توفي الطبري في هذه السنة.
إدريس بن علي بن إسحاق بن يعقوب، أبو القاسم المؤدب. ابن زنجويه كان يسكن الحربية، وحدث عن أبي حامد محمد بن هارون الحضرمي، وإبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي، وأبي بكر بن الأنباري، وقرأ على ابن شنبوذ، روى عنه الأزهري، والطناجيري وكان ثقة مأموناً، توفي في رمضان هذه السنة.
الحسن بن القاسم بن محمد بن يحيى أبو علي المخزومي المؤدب ولد سنة إحدى وثلثمائة، وحدت عن ابن أبي داود، وابن مجاهد. روى عنه الخلال، والأزهري. وكان ثقة.
وتوفي في رمضان هذه السنة، وبعضهم يقول في سنة اثنتين وتسعين، ودفن في مقبرة باب حرب.
عبد الكريم الطائع لله أمير المؤمنين ابن المطيع لله قد ذكرنا كيف قبض عليه بهاء الدولة أبو نصر بن عضد الدولة، وكيف خلع واعتقل وحمل إلى دار المملكة، ونفذ إلى القادر الكتاب عليه بخلعه نفسه، ثم سلم بعد ذلك إلى القادر، فأقام عنده إلى أن توفي ليلة عيد الفطر من هذه السنة، وقد بلغ ستاً وسبعين سنة، وكانت خلافته سبع عشرة سنة وتسعة أشهر وأياماً، وصلى عليه القادر وكبر خمساً، وحمل إلى الرصافة، فدفن فيها، وشيعه الأكابر والخدم، ورثاه الرضي فقال:
أي طود لك من أي جبال ... لقحت أرض به بعد حيال
؟ما رأى حي نزار قبلها جبلاً سار على أيدي الرجال
وإذا رامى المقادير رمى ... لد روع المرء أعوان النصال
أيها القبر الذي أمسى به ... عاطل الأرض جميعاً وهو حالي
لم يواروا بك ميتاً إنما ... أفرغوا فيك ذنوباً من نوال
عز من أمسى مفدى ظهره ... أخذ الأهبة يوماً للزيال
لا أرى الدمع كفاء للجوى ... ليس إن الدمع من بعدك غالي
وبرغمي أن كسوناك الثرى ... وفرشناك زرابي الرمال
وهجرناك على ضن الهوى ... رب هجران على غير تقالي
لا تقل تلك قبور إنما ... هي أصداف على غر لآلي
عثمان بن محمد


بن أحمد بن العباس أبو عمر والقارئ المخرمي سمع إسماعيل الصفار، والبرذعي، والخلدي، وسمع الكثير من الأصم، وروى حديثاً عن ابن شاهين فدلسه، فقال: حدثنا عمر بن أحمد النقاش، فقال له ابن شاهين: أنا نقاش؟ فقال: ألست تنقش الكتاب بالخط؟ روى عنه العتيقي، وقال: شيخ ثقة من أهل القرآن، وكان حسن الصوت بالقرآن مع كبر سنه، وتوفي بالدينور في هذه السنة.
كوهي بن الحسن بن يوسف بن يعقوب، أبو محمد الفارسي روى عنه الأزجي، و الصيمري، وكان ثقة وتوفي في شوال هذه السنة.
محمد بن ثابت بن عبد الله أبو الحسن الصيرفي سمع أبا عمرو بن السماك، وغيره، وروى عنه عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي، وتوفي في يوم السبت سابع رمضان هذه السنة.
محمد بن عبد الرحمن بن العباس بن عبد الرحمن بن زكريا أبو طاهر المخلص ولد سنة خمس وثلثمائة وسمع البغوي، وابن صاعد، وخلقاً كثيراً وأول سماعه في ذي القعدة سنة اثنتي عشرة. روى عنه البرقاني، والأزهري، والخلال، والتنوخي، وغيرهم وكان ثقة من الصالحين، وتوفي في رمضان هذه السنة عن ثمان وثمانين سنة.
محمد بن عبد الله أبو الحسن السلامي الشاعر وله شعر مليح منه قوله في الدرع:
يا رب سابغة حبتني نعمة ... كافأتها بالسوء غير مفند
أضحت تصون عن المنايا مهجتي ... وظللت أبذلها لكل مهند
ومدح عضد الدولة بقصيدة يقول فيها:
وكنت وعزمي والظلام وصارمي ... ثلاثة أشياء كما اجتمع النسر
وبشرت آمالي بملك هو الورى ... ودار هي الدنيا ويوم هو الدهر
ميمونة بنت ساقولة الواعظة أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ، أنبأنا أبو علي محمد بن محمد بن عبد العزيز بن المهدي، قال: أخبرني أبي، قال: سمعت ميمونة بنت ساقولة الواعظة تقول: هذا قميصي اليوم له سبع وأربعون سنة، ألبسه وما تخرق، غزلته لي أمي وصبغته بماء السنابك، الثوب إذا لم يعص الله فيه لم يتخرق سريعاً.
وسمعتها تقول: آذانا جار لنا فصليت ركعتين وقرأت من فاتحة كل سورة آية حتى ختمت القرآن، وقلت: اللهم اكفنا أمره، ثم نمت ففتحت عيني فرأيت النجوم مصطفة فقرأت: " فسيكفيكم الله وهو السميع العليم " . فلما كان سحر قام ذلك الإنسان لينزل فزلقت قدمه فوقع فمات.
وأخبرني ابنها عبد الصمد، قال: كان في دارنا حائط له جوف فقلت لها: استدعي البناء، فقالت: هات رقعة والدواة فناولتها، فكتبت فيها شيئاً وقالت: دعه في نقب منه. ففعلت فبقي الحائط نحواً من عشرين سنة، فلما ماتت ذكرت ذلك القرطاس، فقمت فأخذته لأقرأه فوقع الحائط، وإذا فيه مكتوب: " إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا " بسم الله ياممسك السموات والأرض أمسكه. توفيت ميمونة في هذه السنة.
ثم دخلت
سنة أربع وتسعين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: أن الشريف أبا أحمد الحسين بن موسى قلده بهاء الدولة قضاء القضاة والحج والمظالم ونقابة الطالبيين، وكان التقليد له بشيراز، وكتب له منها عهد على جميع ذلك، ولقب بالطاهر الأوحد ذي المناقب، فلم ينظر في قضاء القضاة لامتناع القادر بالله من الإذن له، وترددت في هذا أقوال انتهت إلى الوقوف.


وفي هذه السنة حج بالناس أبو الحارث محمد بن محمد بن عمر العلوي، وكان في جملة الحاج أبو الحسين بن الرفاء، وأبو عبد الله بن الزجاجي وكانا من أحسن الناس قراءة فاعترض الحاج الأصيفر المنتفقي، وحاصرهم بالباطنة، وعول على نهبهم، فقالوا: من يمضي إليه ويقرر معه شيئاً نعطيه؟ فندبوا أبا الحسين بن الرفاء، وأبا عبد الله الزجاجي فدخلا إليه وقرءا بين يديه، فقال لهما: كيف عيشكما ببغداد؟ فقالا: نعم العيش، يصلنا من أهلنا الخلع والصلات والهدايا، فقال: هل وهبوا لكما ألف ألف دينار في صرة؟ فقالا: لا ولا ألف دينار في موضع، فقال لهما: قد وهبت لكما الحاج وأموالهم ذلك يزيد على ألف ألف دينار، فشكروه وانصرفوا من عنده ووفى للحاج بذلك وحجوا ولما قرءا بعرفات على جبل الرحمة، قال أهل مكة وأهل مصر والشام: ما سمعنا عنكم يا أهل بغداد تبذيراً مثل هذا يكون عندكم مثل هذين الشخصين فتستصبحوا بهما معاً، فإن هلكا فبأي شيء تتجملون، كان ينبغي أن تستصحبوا كل سنة واحداً ولما حجوا عول الأمير على ترك زيارة المدينة، واعتذر بقعود الأعراب في طريقه وما يلزمه من الخفارات عند تعويقه، فتقدما الحاج ووقفا عند الجبل الذي عند يسار الراجع من مكة، ويرى من بعيد كأنه عنق طائر ومنه يعدل القاصد من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ويسير في سبخة من ورائها صفينة فقرأ " ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه " فعند ذلك ضج الناس بالبكاء ولوت الجمال أعناقها نحوهما، وقصد بهم الأمير المدينة، ولما ورد أبو الحسين بن بويه، بغداد أخذ هذين القارئين ومعهما أبو عبد الله بن البهلول، وكان قارئاً محسناً فرتبهم لصلاة التراويح به وهم أحداث، وكانوا يتناوبون الصلاة ويأتم بهم ورغب لأجلهم في صلاة التراويح.
وكان أبو الحسين بن الرفاء تلميذ أبي الحسن بن الخشاب، وكان ابن الخشاب مليح الصوت حسن التلاوة وأنه قرأ في جامع الرصافة في بعض الليالي الأحياء " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله " فتواجد صوفي، وقال: بلى قد آن، ثم جلس وبكى طويلاً ثم سكت سكتة طالت فحرك فإذا به ميت، وكان ابن الخشاب تلميذ أبي بكر بن الآدمي، الموصوف بطيب التلاوة.
وجرى مثل هذا لأبي عبد الله ابن البهلول، قال: فأنبأنا أحمد بن علي ابن المحاملي، قال: سمعت أبا الحسين محمد بن علي ابن المهتدي، يقول: قرأ أبو عبد الله ابن البهلول يوماً في دار القطان في الجامع بعد الصلاة يوم الجمعة " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله " ، فقام رجل من أهل عكبرا فقال له: كيف قرأت يا أبا عبد الله؟ فرد عليه فقال الرجل: بلى والله فسقط ميتاً.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
الحسن بن محمد بن إسماعيل، أبو علي الاسكافي الموفق كان متقدماً عند بهاء الدولة أبي نصر، فولاه بغداد فقبض على اليهود وأخذ منهم دنانير وهرب إلى البطيحة، فأقام بها سنتين ثم خرج منها فوزر لبهاء الدولة، وكان شهماً في الحروب منصوراً فيها، فأخذ بلاد فارس ممن استولى عليها وارتفع أمره حتى قال قائل لبهاء الدولة: زينك الله يا مولانا في عين الموفق، فبالغ في عقوبته ثم قتله في هذه السنة وله تسع وأربعون سنة.
عبد السلام بن علي بن محمد بن عمر أبو أحمد المؤدب حدث عن أبي بكر النيسابوري، وابن مجاهد روى عنه الأزهري والعتيقي، وقال: هو ثقة مأمون.
توفي في رجب هذه السنة، ودفن في مقبرة معروف، وكان ينزل درب الآجر من نهر طابق.
ثم دخلت
سنة خمس وتسعين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: أنه ورد في ليلة الخميس لسبع بقين من المحرم أوائل الحاج من مكة بعد أن اعتاقهم ابن الجراح الطائي في طريقهم ولزمهم تسعة آلاف دينار مضافة إلى رسم الأصيفر الذي يقوم به بدر بن حسنويه، وقد سبق ذكر ذلك.
وفي هذه السنة: حج بالناس جعفر بن شعيب السلار، ولحقهم عطش في طريقهم، فهلك خلق كثير، ولحق قوم منهم الحج.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
إسحاق بن محمد بن حمدان بن محمد بن نوح، أبو إبراهيم المهلبي الخطيب الجبني من أهل بخارى، روى عنه الأزهري، وكان أحد الفقهاء على مذهب أبي حنيفة، وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة.


الحسين بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن أبي عائذ أبو القاسم الكوفي ولدسنة سبع وعشرين وثلثمائة، وسمع من جماعة، وروى عنه أبو القاسم التنوخي، فقال: كان ثقة كثير الحديث جيد المعرفة، وولي القضاء بالكوفة من قبل أبي، وكان فقيه على مذهب أبي حنيفة، وكان يحفظ القرآن ويحسن قطعة من الفرائض وعلم القضاء قيماً بذلك، وكان زاهداً عفيفاً، توفي في صفر هذه السنة.
عبد الله بن محمد بن جعفر بن قيس أبو الحسين البزاز سمع محمد بن مخلد، وأبا الحسين بن المنادي، وأبا العباس بن عقدة. روى عنه العتيقي، وقال: توفي في شوال هذه السنة، وكان ثقة.
محمد بن أحمد بن محمد بن موسى بن جعفر، أبو نصر البخاري المعروف. الملاحمي ولد سنة اثنتي عشرة وثلثمائة، وقدم بغداد وحدث بها عن محمود بن إسحاق، عن البخاري وروى عن الهيثم بن كليب وغيره، وسمع منه الدار قطني، وكان من أعيان أصحاب الحديث وحفاظهم، وتوفي ببخارى يوم السبت السابع من شعبان هذه السنة.
محمد بن أبي إسماعيل، واسمه علي بن الحسين بن الحسن بن القاسم أبو الحسن العلوي ولد بهمذان ونشأ ببغداد وكتب الحديث عن جعفر الخلدي وغيره، وسمع بنيسابور من الأصم وغيره ودرس ببغداد، وكتب الحديث عن جعفر الخلدي. ودرس فقه الشافعي عن أبي علي بن أبي هريرة، وسافر إلى الشام، وصحب الصوفية وصار كبيراً فيهم، وحج مرات على الوحدة، وتوفي ببلخ في محرم هذه السنة.
ثم دخلت
سنة ست وتسعين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: أنه طلع كوكب كبير يشبه الزهرة في كبره وأصاءته عن يسرة القبلة يتموج وله شعاع على الأرض كشعاع القمر، وذلك في ليلة الجمعة مستهل شعبان، وثبت إلى النصف من ذي القعدة ثم غاب.
وفي هذه السنة: ولي أبو محمد بن الأكفاني قضاء جميع بغداد، وجلس القادر لأبي المنيع قرواش بن أبي حسان ولقبه بمعتمد الدولة، وتفرد قرواش بالإمارة.
وفي هذه السنة: حج بالناس محمد بن محمد بن عمر العلوي، وخطب بمكة والمدينة للحاكم صاحب مصر على الرسم في ذلك، وأمر الناس في الحرمين بالقيام عند ذكره، وفعل مثل ذلك بمصر وكان إذا ذكر قاموا وسجدوا في السوق ومواضع الاجتماع.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل، أبو سعد الجرجاني الإسماعيلي ورد بغداد غير مرة، كان آخر وروده والدار قطني حي، وحدث عن أبيه أبي بكر الإسماعيلي، والأصم وعبد الله بن عدي. روى عنه الخلال والتنوخي، وكان ثقة فاضلاً فقيهاً على مذهب الشافعي، عارفاً بالعربية، سخياً جواداً يفضل على أهل العلم، وكان له ورع، والرياسة بجرجان إلى اليوم في ولده وأهل بيته.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال: سمعت أبا الطيب الطبري يقول: ورد أبو سعد الإسماعيلي بغداد وعقد له الفقهاء مجلسين تولى أحدهما أبو حامد الاسفرائني، وتولى الآخر أبو محمد البافي فبعث البافي إلى القاضي أبي الفرج المعافى بن زكريا بابنه أبي الفضل يسأله حضور المجلس، فكتب على يده هذين البيتين:
إذا أكرم القاضي الجليل وليه ... وصاحبه ألفاه للشكر موضعا
ولي حاجة يأتي بني بذكرها ... ويسأله فيها التطول أجمعا
فأجابه أبو الفرج:
دعا الشيخ مطواعاً سميعاً لأمره ... يؤاتيه باعاً حيث يرسم إصبعا
وها أنا غاد في غد نحو داره ... أبادر ما قد حده لي مسرعاً
توفي الإسماعيلي بجرجان في ربيع الآخر من هذه السنة وكان في صلاة المغرب فقرأ " إياك نعبد وإياك نستعين " . وفاضت نفسه.
علي بن محمد بن يوسف بن يعقوب، أبو الحسن المقرئ ابن العلاف سمع علي بن محمد المصري، وقرأ علي أبي طاهر بن أبي هاشم، وكان أحد شهود القاضي أبي محمد بن الأكفاني. روى عنه عبد العزيز الأزجي. وتوفي في شوال هذه السنة.
محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد بن بحير أبو عمرو المزكي من أهل نيسابور يعرف بالبحيري. رحل في طلب العلم إلى العراق والحجاز، وورد بغداد، فحدث بها سنة ثمانين وثلثمائة، وكان ثقة حافظاً مبرزاً في المذاكرة، وتوفي بنيسابور في شعبان هذه السنة وهو ابن ثلاث وستين.
محمد بن أحمد بن موسى بن جعفر بن قيس


بو الحسين البزاز سمع محمد بن مخلد، وأبا الحسين.
محمد بن الحسن بن الفضل بن المأمون أبو الفضل الهاشمي سمع أبا بكر بن الأنباري، والنيسابوري. روى عنه البرقاني وغيره، وقال العتيقي: هو ثقة. توفي يوم السبت سلخ ربيع الآخر من هذه السنة وله ست وثمانون سنة.
محمد بن الحسن بن عمر بن الحسن، أبو الحسين المؤدب ابن أبي حسان حدث عن أبي العباس بن عقدة وغيره، روى عنه العتيقي.
محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى ابن مندة، أبو عبد الله الحافظ الأصبهاني من بيت الحديث والحفظ، سمع من أصحاب أبي مسعود، ويونس بن حبيب، وأبي العباس المحبوبي وسافر البلاد، وكتب الكثير، وصنف التاريخ والشيوخ، وتوفي بأصبهان في صفر هذه السنة.
أخبرنا عبد الله بن علي المقرئ، أخبرنا عبد الله بن عطاء الهروي، قال: سمعت أبا محمد الحسن بن أحمد السمرقندي، يقول: سمعت أبا العباس جعفر بن محمد بن المعتز الحافظ، يقول: ما رأيت أحفظ من أبي عبد الله بن مندة، وسألته يوماً، فقلت: كم يكون سماع الشيخ؟ فقال: يكون خمسة آلاف منا.
ثم دخلت
سنة سبع وتسعين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: خروج أبي ركوة وما جرى له مع الحاكم بمصر. وهذا رجل أموي من ولد هشام بن عبد الملك واسمه الوليد، وإنما كني بأبي ركوة لركوة كانت معه في أسفاره يحملها على مذهب الصوفية، وكان قد لقي الشيوخ وكتب الحديث بمصر وانتقل إلى مكة ثم إلى اليمن ثم إلى عاد الشام، وهو في خلال أسفاره يدعو إلى القائم من ولد هشام بن عبد الملك، ويأخذ البيعة على من يجد عنده انقياداً وقبولاً، ثم نزل حلة وصار معلماً واجتمع عنده صبيان العرب وتظاهر بالتنسك ودعا جماعة منهم فوافقوه، ثم أعلمهم أنه هو الإمام الذي يدعو إليه، وقد أمر بالظهور ووعد النصر فخاطبوه بالإمامة، ولقب نفسه الثائر بأمر الله المنتصر لدين الله من أعداء الله، وعرف هذا بعض الولاة فكتب إلى الحاكم يستأذنه في طلبه قبل أن تقوى شوكته، فأمره بإطراح الفكر في أمره لئلا يجعل له سوقاً، وكان يخبر عن الغائبات، فيقول أنه يكون كذا وكذا ثم لقيه ذلك الوالي في جمع فهزمهم، وحصل من أموالهم ما قويت به حاله، فدخل برقة فجمع له أهلها مائتي ألف دينار وقبض على رجل يهودي اتهمه بودائع عنده، فأخذ منه مائتي ألف دينار ونقش السكة باسمه وألقابه، وركب يوم الجمعة وخطب ولعن الحاكم، فجمع له الحاكم ستة عشر ألفاً وبعث عليهم الفضل بن عبد الله، فنهض وأخذ معه ثلثمائة ألف دينار لنفقاته ونفقات العسكر، وحمل إليه الحاكم خمسمائة ألف دينار وخمسة آلاف قطعة ثياباً، وقال له: اجعل هذا عدة معك، فلما سار تلقاه أبو ركوة فرام مناجزته والفضل يتعلل ويراوغ، فقال أصحاب أبي ركوة: قد بذلنا نفوسنا دونك ولم يبق فينا فضل لمعاودة حرب، وما دمت مقيماً بين ظهرانينا فنحن مطلوبون لأجلك، فخذ لنفسك وانظر أي بلد تريد لنحملك إليه، فقال: تسلمون إلى فارسين يصحبانني إلى بلاد النوبة فإن بيني وبين ملكهم عهداً وذماماً، فأوصلوه إلى بلاد النوبة، فبعث الفضل وراءه فسلموه فحمل إلى الحاكم، فأركبه جملاً وشهره ثم قتله، وقدم الحاكم الفضل وأقطعه قطاعات كثيرة وبلغ في إكرامه إلى أن عاده دفعتين في علة عرضت له، فلما أبل وعوفي قتله.
وفي يوم الإثنين لأربع خلون من جمادى الأولى أظهر ورود كتاب من حضرة بهاء الدولة بتقليد أبي الحسن محمد بن الحسين بن موسى النقابة والحج، وتلقيبه بالرضي ذي الحسبين.
وفي هذه السنة: لقب الشريف أبو القاسم أخوه بالمرتضى ذي المجدين، ولقب الشريف أبو الحسين الزينبي بالرضا ذي الفخرين.
وفي رمضان هذه السنة قلد سند الدولة أبو الحسن علي بن مزيد ما كان لقرواش، وخلع عليه، ولقب سند الدولة.
وفي هذه السنة: ثارت على الحاج ريح سوداء بالثعلبية أظلمت الدنيا منها حتى لم ير بعضهم بعضاً وأصاب الناس عطش شديد، واعتاقهم ابن الجراح على مال طلبه، وضاق الوقت فعادوا إلى الكوفة ووصل أوائلهم إلى بغداد في يوم التروية، ولم يتم الحج في هذه السنة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
عبد الرحمن بن عمر بن أحمد، أبو الحسين المعدل ابن حمة الخلال


سمع الحسين بن إسماعيل المحاملي، روى عنه البرقاني، والأزهري. وكان ثقة، وتوفي في جمادى الأولى من هذه السنة، وصلى عليه أبو حامد الاسفراييني ودفن بالشونيزي.
عبد الصمد بن عمر بن محمد بن إسحاق أبو القاسم الدينوري الواعظ الزاهد قرأ القرآن ودرس فقه الشافعي على أبي سعيد الإصطخري، وسمع الحديث من أبي بكر النجاد، وروى عنه الأزجي، والصيمري. وكان ثقة، ولزم طريقة يضرب بها المثل من المجاهدة للنفس واستعمال الجد المحض والتعفف والتقشف والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أنبأنا محمد بن عبد الباقي، أنبأنا علي بن المحسن التنوخي، قال: كان عبد الصمد يدق السعد في العطارين ويذهب مذهب التدين والتصون والتعفف والتقشف، فسمع عطاراً يهودياً يقول لابنه: يا بني قد جربت هؤلاء المسلمين فما وجدت فيهم ثقة، فتركه عبد الصمد أياماً ثم جاءه، فقال: أيها الرجل تستأجرني لحفظ دكانك. قال: نعم، وكم تأخذ مني؟ قال: ثلاثة أرطال خبز ودانقين فضة كل يوم، قال: قد رضيت، قال: فاعطني الخبز أدراراً واجمع لي الفضة عندك فإني أريدها لكسوتي. فعمل معه سنة، فلما انقضت جاءه فحاسبه فقال: انظر إلى دكانك، قال: قد نظرت، قال: فهل وجدت خيانة أو خللاً، قال: لا والله، قال: فإني لم أرد العمل معك وإنما سمعتك تقول لولدك في الوقت الفلاني أنك لم تر في المسلمين أميناً، فأردت أن أنقض عليك قولك وأعلمك أنه إذا كان مثلي وأنا أحد الفقراء على هذه الصورة فغيري من المسلمين على مثلها وما هو أكثر منها. ثم فارقه وأقام على دق السعد مدة وعرفه الناس واشتهر بفعله ودينه عندهم وانقطع إلى الوعظ، وحضور الجوامع وكثر أصحابه وشاع ذكره، وكان ينكر على من يسمع القضيب.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي، قال: حدثني علي بن محمد بن الحسن المالكي، قال: جاء رجل إلى عبد الصمد بمائة دينار ليدفعها إليه، فقال: أنا غني عنها، فقال: ففرقها على أصحاب كهؤلاء، فقال: ضعها على الأرض. ففعل، فقال عبد الصمد للجماعة: من احتاج منكم إلى شيء، فليأخذ على قدر حاجته. فتوزعتها الجماعة على صفات مختلفة من القلة والكثرة ولم يمسها هو بيده. ثم جاءه ابنه بعد ساعة فطلب منه شيئاً، فقال له: اذهب إلى البقال فخذ منه على ربع رطل تمر.
وبلغنا عن عبد الصمد أنه اشترى يوماً دجاجة وفاكهة وحلوى فرآه بعض أصحابه فتعجب فمشى وراءه فطرق باب أرامل وأيتام فأعطاهم ذلك ثم التفت فرآه فقال له: المتقي يزاحم أرباب الشهوات ويؤثر بها في الخلوات حتى لا يتعب بها جسمه ولا يظهر بتركها اسمه.
توفي عبد الصمد بدرب شماس من نهر القلائين بالجانب الغربي يوم الثلاثاء لسبع بقين من ذي الحجة من هذه السنة.
وقيل: توفي ليلاً وكان يقول في حالة نزعه: سيدي لهذه الساعة خبأتك. صلي عليه بجامع المنصور، ودفن في مقبرة الإمام أحمد.
أبو العباس بن واصل كان يخدم الكرج، وكان يخرج له في الحسان أنه يملك، فكانوا يهزأون به ويقول له بعضهم: إذا صرت ملكاً فاستخدمني، ويقول الآخر اخلع علي، والآخر يقول: عاقبني فصار ملكاً وملك سيراف، ثم البصرة، وقصد الأهواز، وهزم بهاء الدولة وملك البطيحة، وأخرج عنها مهذب الدولة علي بن نصر إلى بغداد بعد أن كان قد لجأ إليه في بعض الأحوال، فخرج إليه مهذب الدولة بما أمكنه من أمواله، وأخذت أمواله في الطريق، واضطر إلى أن ركب بقرة ودخل ابن واصل، فأخذ أموال مهذب الدولة، ثم إن فخر الملك أبا غالب قصد ابن واصل، فاستجار ابن واصل بحسان بن ثمال الخفاجي فصيره إلى مشهد علي عليه السلام، فتصدق هناك بصدقات كثيرة وسار من المشهد قاصداً بدر بن حسنويه لصداقة كانت بينهما فكبسه أبو الفتح بن عناز فسلمه إلى أصحاب بهاء الدولة بعد أن حلف له على الحراسة، فحمل إليه فقتله بواسط في صفر هذه السنة.
ثم دخلت
سنة ثمان وتسعين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: أن الثلج وقع ببغداد في يوم الأربعاء الحادي عشر من ربيع الأول فعلا على وجه الأرض ذراعاً في موضع وذراعاً ونصفاً، وأقام أسبوعاً لم يذب رماه الناس عن سطوحهم بالرفوش إلى الشوارع والدروب، وابتدأ يذوب وبقيت منه بقايا في موضع نحو عشرين يوماً. وبلغ سقوطه إلى تكريت. ووردت الكتب من واسط بسقوطه فيها بين البطيحة وبين البصرة والكوفة وعبادان ومهروبان.


وفي هذا الشهر: كثرت العملات ببغداد، وكبس الذعار عدة مواضع، وقصد قوم منهم مسجد براثا ليلة الجمعة وأخذوا حصره وستوره وقناديله، فجد أصحاب الشرطة في طلبهم فظفروا ببعضهم فشهروا وعرفوا وكحلوا وقطعوا.
وفي يوم الأحد عاشر رجب جرت فتنة بين أهل الكرخ والفقهاء بقطيعة الربيع وكان السبب أن بعض الهاشميين من أهل باب البصرة قصدوا أبا عبد الله محمد بن النعمان المعروف بابن المعلم، وكان فقيه الشيعة في مسجده بدرب رياح وتعرض به تعرضاً امتعض منه أصحابه فثاروا واستنفروا أهل الكرخ، وصاروا إلى دار القاضي أبي محمد بن الأكفاني وأبي حامد الأسفرايني فسبوهما وطلبوا الفقهاء ليواقعوا بهم ونشأت من ذلك فتنة عظيمة، واتفق أنه أحضر مصحفاً ذكر أنه مصحف ابن مسعود وهو يخالف المصاحف، فجمع الأشراف والقضاة والفقهاء في يوم الجمعة لليلة بقيت من رجب وعرض المصحف عليهم، فأشار أبو حامد الأسفرايني والفقهاء بتحريقه ففعل ذلك بحضرتهم فلما كان في شعبان كتب إلى الخليفة بأن رجلاً من أهل جسر النهروان حضر المشهد بالحائر ليلة النصف، ودعا على من أحرق المصحف وسبه، فتقدم بطلبه فأخذ فرسم قتله، فتكلم أهل الكرخ في هذا المقتول لأنه من الشيعة، ووقع القتال بينهم وبين أهل باب البصرة وباب الشعير والقلائين، وقصد أحداث الكرخ باب دار أبي حامد فانتقل عنها ومعتد دار القطن وصاحوا:حاكم يامنصور فبلغ ذلك الخليفة فأحفظه وأنفذ الخول الذين على بابه لمعاونة أهل السنة وساعدهم الغلمان، وضعف أهل الكرخ وأحرق ما يلي بنهر الدجاج، ثم اجتمع الأشراف والتجار إلى دار الخليفة فسألوه العفو عما فعل السفهاء فعفا عنهم.
فبلغ الخبر إلى عميد الجيوش فسار ودخل بغداد فراسل أبا عبد الله ابن المعلم فقيه الشيعة بأن يخرج عن البلد ولا يساكنه، ووكل به فخرج في ليلة الأحد لسبع بقين من رمضان وتقدم بالقبض على من كانت له يد في الفتنة، فضرب قوم وحبس قوم ورجع أبو حامد إلى داره، ومنع للقصاص من الجلوس، فسأل علي بن مزيد في ابن المعلم، فرد ورسم للقصاص عودهم إلى عادتهم من الكلام بعد أن شرط عليهم ترك التعرض للفتن.
وفي يوم الاثنين ثالث شعبان وافى مطر ومعه برد في الواحدة منها خمسة دراهم ونحوها.
وفي ليلة الأحد سادس عشر شعبان حدثت زلزلة عظيمة بالدينور، وورد الخبر بأنها هدمت المنازل وهلك فيها خلق كثير أكثر من ستة عشر ألف إنسان غير من خاست به الأرض وطمه الهدم، وخرج السالمون إلى الصحراء فأقاموا في أكواخ عملوها وذهب من الأثاث والمتاع فيما تهدم ما لا يحصى.
وورد الخبر في سادس عشر رمضان بهبوب عاصف من الريح سوداء بدقوقا قلعت المنازل والنخل والزيتون، وخرج الناس لأجلها من منازلهم وقتلت جماعة، وورد الخبر من تكريت بنحو ذلك.
وورد الخبر من شيراز بعصوف ريح سوداء أحرقت الزروع، وهدمت قطعة من البلد وأن رجفة كانت بسيراف والسيف غرق فيها عدة مراكب، وأهلكت كثيراً من الناس.
وورد الخبر من واسط وشقي الفرات أنه ورد في هذين الصقعين برد عظيم كان وزن الواحدة منه مائة وستة دراهم.
وجاء ببغداد في يوم الاثنين لثمان بقين من رمضان وهو سلخ أيار مطر كثير جرت منه المآزيب.


وفي هذه السنة: ورد الخبر بأن الحاكم صاحب مصر هدم بيعة قمامة، وهذه البيعة تجاور بيت المقدس وهي عظيمة القدر عند النصارى، وكانوا يخرجون في كل سنة من المواضع في العماريات إلى بيت المقدس لحضور فصحهم، وربما جاء ملك الروم وكبراء بطارقته متنكراً ويحملون إليها الأموال والثياب والستور والفروش، ويصوغون لها القناديل والأواني من الذهب والفضة، واجتمع فيها مع الزمان مال عظيم، فإذا اجتمعوا يوم الفصح أظهروا زينتهم ونصبوا صلبانهم، ويعلق القوم القناديل في بيت المذبح، ويجعلون فيها دهن الزيتون ويجعلون بين كل قنديلين كالخيط من الحديد متصلاً ويطلونه بدهن البلسان ويقرب بعض القوم النار من خيط منها، بحيث لا يعلم الحاضرون فيشعلونه، وينتقل من القناديل فيشعل الكل ويظن من حضر أنها نار نزلت من السماء فيكثر تكبيرهم وضجيجهم، فلما وصفت هذه الحالة للحاكم تقدم بأن يكتب إلى والي الرملة وإلى أحمد بن يعقوب الداعي بأن يقصدا بيت المقدس ويستصحبا الأشراف والقضاة والشهود ووجوه البلد، وينزلا بيعة قمامة ويبيحا العامة نهبها، وأخذ ما فيها ويتقدما بنقضها وتعفية أثرها.
وبلغ الخبر النصارى فأخرجوا ما في البيعة من جوهر وثياب وذهب وفضة، فانتهب ما بقي وهدمت.
ثم جاز الحاكم إلى موضع فيه ثلاث بيع تعظمها النصارى على أعلاها الصلبان الظاهرة، فضجت العامة إليه فنقض منها شيئاً بيده، ثم أمرهم بنقضها ورجع إلى منزله، فكتب بنقض جميع البيع والكنائس وبنى مساجد مكانها فهدمت ألوف وأمر بالنداء بمصر في أهل الذمة من أراد الدخول في الإسلام دخل، ومن أراد الانتقال إلى الروم كان آمناً إلى أن يخرج ويصل أو المقام على أن يلبس الغيار ويلزم ما شرط عليه في ذلك أقام وشرط على النصارى تعليق الصلبان ظاهرة على صدورهم، وعلى اليهود تمثال رأس عجل، والامتناع من ركوب الخيل فعملوا صلبان الذهب والفضة، فأنكر الحاكم ذلك وأمر المحتسبين أن يأخذوا النصارى بتعليق صلبان الخشب الذي يكون قدر الواحد منها أربعة أرطال، واليهود بتعليق خشبة كالمدقة وزنها ستة أرطال، وأن يشدوا في أعناقهم أجراساً عند دخولهم الحمامات ليتميزوا بها عن المسلمين، ففعل ذلك، ثم إنه قبيل قتله أذن في إعادة بناء البيع والكنائس، وأذن لمن أسلم منهم أن يعود إلى دينه، وقال: ننزه مساجدنا عمن لا نية له في الإسلام، وهذا غلط قبيح منه وقلة علم، فإنه لا يجوز أن يمكن من أسلم من الارتداد.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن إبراهيم أبو العباس الضبي توفي في صفر هذه السنة، وكان أوصى أن يدفن في مشهد كربلاء، وبعث ابنه إلى أبي بكر الخوارزمي شيخ الحنفيين يسأله أن يبتاع له تربة يدفن بها وأن يقوم بأمره، فبذل للشريف أبي أحمد والد الرضي خمسمائة دينار مغربية ثمن تربة، فقال: هذا رجل لجأ إلى جوار جدي فلا آخذ لتربته ثمناً وأخرج التابوت من بغداد وشيعه بنفسه ومعه الأشراف والفقهاء، وصلوا عليه بمسجد براثا وأصحبه خمسين رجلاً من رجالة بابه.
الحسين بن هارون أبو عبد الله الضبي القاضي ولد سنة عشرين وثلثمائة، وكان إليه القضاء بربع الكرخ، ثم صار إليه القضاء بالجانب الغربي جميعه والكوفة وشقي الفرات.
وحدث عن الحسين المحاملي وابن عقدة وكان فاضلاً ديناً ثقة حجة عفيفاً عارفاً بالقضاء والحكم، بليغاً في الكتابة، وولي القضاء نيابة عن ابن معروف في سنة ست وسبعين، ثم وليه رياسة، ثم عزل الضبي عن القضاء في سنة سبع وسبعين فانحدر إلى البصرة، وتوفي في شوال هذه السنة.
عبد الله بن محمد، أبو محمد البخاري البافي الخوارزمي كان من أفقه أهل وقته على مذهب الشافعي، تفقه على أبي القاسم الداركي، ودرس مكانه، وله معرفة بالأدب وفصاحة شعر مطبوع يقوله من غير كلفة، ويعمل الخطب، ويكتب الكتب الطوال من غير روية.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال: حدثنا البرقاني، قال: قصد أبو محمد البافي صديقاً له ليزوره في داره فلم يجده فاستدعى بياضاً ودواة فكتب إليه.
كم حضرنا وليس يقضي التلاقي ... نسأل الله خير هذا الفراق
إن أغب لم تغب وإن لم نغب ... غبت وكان افتراقنا باتفاق
توفي البافي في محرم هذه السنة.


عبيد الله بن أحمد بن علي بن الحسين، أبو القاسم المقرئ ابن الصيدلاني ولد سنة تسع وثلاثمائة، وسمع ابن صاعد وهو أحد من حدث عنه من الثقات، روى عنه الأزهري، وكان صالحاً مأموناً ثقة، توفي في رجب هذه السنة، ودفن في مقبرة أحمد بن حنبل.
عبيد الله بن عثمان بن علي أبو زرعة البناء الصيدلاني ولد في سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وسمع القاضي المحاملي، روى عنه الأزهري، والعتيقي، وكان ثقة مأموناً. وتوفي في هذه السنة.
عبد الواحد بن نصر بن محمد، أبو الفرج المخزومي الشاعر الببغاء كان أديباً فاضلاً وكاتباً مترسلاً وشاعراً مجيداً لطيفاً.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أنشدنا أبو نصر أحمد بن عبد الله، قال: أنشدنا أبو الفرج عبد الواحد بن نصر لنفسه:
يا من تشابه منه الخلق والخلق ... فما تسافر إلا نحوه الحدث
ترديد دمعي في خديك مختلس ... وسقم جسمي من جفنيك مسترق
لم يبق لي رمق أشكو هواك به ... وإنما يتشكى من به رمق
أخبرنا محمد بن ناصر، أخبرنا محمد بن أبي نصر الحميدي، قال: أنشدنا أبو غالب محمد بن أحمد بن بشران، قال: أنشدنا أبو الفرج المخزومي المعروف بالببغاء لنفسه:
طمعت ثم رأيت اليأس أجمل لي ... تنزهاً فخصمت الشوق بالجلد
تبدلت وتبدلنا وأخسرنا ... من ابتغى خلفاً يسلى فلم يجد
قال: وأنشدنا أبو غالب، عن أبي الفرج الببغاء، قال: إنها من مشهور شعره إلى عميد الجيوش، ولم نسمعها منه:
سألت زماني بمن أستغيث ... فقال استغث بعميد الجيوش
فناديت مالي به حرمة ... فجاوب حوشيت من ذا وحوشي
رجاؤك أياه يدنيك منه ... ولو كنت بالصين أو بالعريش
نبت بي داري وفر العبيد ... وأودت ثيابي وبعت فروشي
وكنت ألقب بالببغاء ... قديماً فقد مزق الدهر ريشي
وكان غذائي نقي الأرز ... فها أنا مقتنع بالحشيش
وكتب إليه أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي من الحبس، وكان قد زاره في محبسه بهذه الأبيات.
أبا الفرج أسلم وابق وانعم ولا تزل ... يزيدك صرف الدهر حظاً إذا نقص
مضت مدة أستام ودك غالياً ... فأرخصته والبيع غال ومرتخص
وآنستني من محبسي بزيارة ... شفت قرماً من صاحب له قد خلص
ولكنما كانت كشجو لطائر ... فواقاً كما يستفرص الفارص الفرص
فأحسبك استوحشت من ضيق موضعي ... وأوحشت خوفاً من تذكرك القفص
كذا الكرز اللماح ينجو بنفسه ... إذا عاين الاشراك تنصب للقنص
فحوشيت يا قس الطيور فصاحة ... إذا أنشد المنظوم أو درس القصص
من المنشر الأشغى ومن حزة الهدى ... ومن بندق الرامي ومن قصة المقص
ومن صعدة فيها من الدهر لهذم ... لفرسانكم عند الطراش بها قعص
فهذي دواهي الطير وقيت شرها ... إذا الدهر من أحداثه جرع الغصص
فكتب إليه الببغاء جوابه:
أبا حامد مذ يمم المجد ما نكص ... وبدر تمام مذ تكامل ما نقص
ستخلص من هذا السرار وإنما ... هلال توارى بالسرار فما خلص
برأفة تاج الملة الملك الذي ... بسودده في خطه المشتري خصص
تقنصت بالإنصاف شكري ولم أكن ... علمت بأن الحر بالبر يقتنص
وصادفت أسنى فرصة فانتهزتها ... بلقياك إذ بالحزم تنتهز الفرص
أتتني القوافي الباهرات بحمل الب ... دائع من مستحسن الجد والرخص
فقابلت زهر الروض منها ولم يجد ... وأخرزت در البحر فيها ولم أغص
وإن كنت بالببغاء قدماً ملقباً ... فكم لقب بالجور لا العدل مخترص
وبعد فما أخشى تقنص جارح ... وقلبك لي وكر وصدرك لي قفص
توفي الببغاء في شعبان هذه السنة.


محمد بن يحيى، أبو عبد الله الجرجاني كان زاهداً عالماً مناظراً لأبي بكر الرازي، وكان يدرس في أول قطيعة الربيع، وفلج في آخر عمره، ومات في هذه السنة، ودفن إلى جنب أبي حنيفة.
ثم دخلت
سنة تسع وتسعين وثلثمائة
فمن الحوادث فيها: أنه انقض في وقت المغرب من يوم الأربعاء مستهل رجب كوكب عظيم الضوء وتقطع ثلاث قطع أخذت كل قطعة جانباً.
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشر شعبان عصفت ريح شديدة، وألقت رملاً أحمر في الدور والطرق.
وفي هذه السنة: صرف أبو عمر بن عبد الواحد عن قضاء البصرة، وقلد أبو الحسن بن أبي الشوارب، وقال العصفري الشاعر:
عندي حديث ظريف ... لمثله يتغنا
من قاضيين يعزى ... هذا وهذا يهنا
فذا يقول اكرهونا ... وذا يقول استرحنا
ويكذبان ونهذي ... فمن يصدق منا
وفي هذه السنة: بلغ الحاج الثعلبية، فهبت عليهم ريح سوداء أظلمت منها الدنيا حتى لم ير بعضهم بعضاً، كان ذلك في شهر آب، وأصابهم عطش شديد واعتاقهم ابن الجراح الطائي فعادوا ووصلوا بغداد يوم عرفة، وأخذ بنو رعب الهلاليون، وكانوا ستمائة رجل حاج البصرة، وأخذوا منهم زيادة على ألف ألف دينار.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
تمني أم القادر بالله أخبرنا عبد الرحمن القزاز أخبرنا الخطيب، قال: حدثني عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي، أن أم القادر بالله مولاة عبد الواحد ابن المقتدر بالله قال: وكانت من أهل الدين والفضل والخير، توفيت يوم الخميس الثاني والعشرين من شعبان، وصلى عليها القادر بالله في داره، ثم حملت بعد صلاة عشاء الآخرة في ليلة السبت الرابع والعشرين من شعبان سنة تسع وتسعين وثلثمائة في الطيار إلى الرصافة، فدفنت هناك.
الحسين بن حيدرة بن عمر بن الحسين، أبو الخطاب الداودي الشاهد كان ينزل الجانب الشرقي وحدث عن الحسين بن إسماعيل المحاملي، وغيره. روى عنه الخلال، والأزجي، وكان ثقة، وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
عبد الله بن بكر بن محمد بن الحسين أبو أحمد الطبراني سمع ببغداد وبمكة من جماعة، وكان مكثراً سمع منه الدارقطني، وعبد الغني وعاد إلى الشام واستوطن موضعاً يعرف بالأكواخ عند بانياس في اصل جبل، فأقام هناك يتعبد إلى أن توفي في ربيع الأول من هذه السنة.
محمد بن أحمد بن علي بن الحسين أبو مسلم كاتب الوزير أبي الفضل ابن حنزابة نزل بمصر، وحدث بها عن البغوي، وابن أبي داود، وابن صاعد، وابن دريد، وابن مجاهد، وابن عرفة، وغيرهم وكان آخر من بقي من أصحاب البغوي.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: حدثني الصوري، قال: حدثني أبو الحسين العطار وكيل أبي مسلم الكاتب، وكان من أهل الفضل والعلم والمعرفة بالحديث، وكتب وجمع ولم يكن بمصر بعد عبد الغني أفهم منه، وقال: ما رأيت في أصول أبي مسلم عن البغوي شيئاً صحيحاً غير جزء واحد كان سماعه فيه صحيحاً، وما عدا ذلك مفسود قال الصوري: وقد اطلع منه على تخليط، ومات في آخر هذه السنة.
محمد بن علي بن إسحاق ويعرف إسحاق بالمهلوس بن العباس بن إسحاق بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب يكنى محمد أبا طالب: ولد سنة ست عشرة وثلثمائة، وكان أحد الزهاد، وكان القادر بالله يعظمه لدينه وحسن طريقته، وقد روى عن الشبلي. وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
ثم دخلت
سنة أربعمائة
فمن الحوادث فيها: أن الماء نقص في شهر ربيع الأول من دجلة نقصاناً لم يعهد مثله، وظهرت فيها جزائر لم تكن قبل، وامتنع سير السفن فيها من أوانا والراشدية من أعالي دجلة، وأنفذ بمن كرى هذا الموضع وكان كرى دجلة مما استظرف وعجب منه لأنه لم تكر دجلة إلا في هذه السنة.
وفي جمادى الأولى بدئ ببناء السور على المشهد بالحائر، وكان أبو محمد الحسن بن الفضل بن سهلان قد زار هذا المشهد، وأحب أن يؤثر فيه أثراً ثم ما نذر لأجله أن يعمل عليه سوراً حصيناً مانعاً لكثرة من يطرق الموضع من العرب، وشرع في قضاء هذا النذر ففعل وعمل السور وأحكم وعلا وعرض ونصبت عليه أبواب وثيقة وبعضها حديد، وتمم وفرغ منه وتحصن المشهد به وحسن الأثر فيه.


وفي رمضان أرجف بالخليفة القادر بالله، فجلس الناس في يوم جمعة بعد الصلاة وعليه البردة وبيده القضيب وحضر أبو حامد الأسفرائني، وسأل أبو الحسن ابن النعمان حاجب النعمان الخليفة أن يقرأ آيات من القرآن ليسمعها الناس، فقرأ بصوت عال مسموع: " لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً " فبكى الناس وانصرفوا ودعوا.
وفي هذه السنة: ورد الخبر بأن الحاكم أنفذ إلى دار جعفر بن محمد الصادق بالمدينة من فتحها وأخذ مصحفاً وآلات كانت فيها ولم يتعرض لهذه الدار أحد منذ وفاة جعفر، وكان الحاكم قد أنفذ في هذه السنة رجلاً ومعه رسوم الحسنيين والحسينيين وزادهم فيها ورسم له أن يحضرهم ويعلمهم إشارة لفتح الدار والنظر إلى ما فيها من آثار جعفر، وحمل ذلك إلى حضرته ليراه ويرده إلى مكانه، ووعدهم على ذلك الزيارة في البر فأجابوه ففتحت فوجد فيها مصحف وقعب من خشب مطوق بحديد ودرقة خيزران وحربة وسرير فجمع وحمل ومضى معه جماعة من العلويين، فلما وصلوا سأطلق لهم النفقات القريبة ورد عليهم السرير وأخذ الباقي، وقال: أنا أحق به.
فانصرفوا ذامين له، وأضاف الناس هذا إلى ما كان يفعله من الأمور التي خرق بها العادات فدعي عليه، فأمر بعمارة دار العلم وأحضر فيها العلماء والمحدثين وعمر الجامع وبالغ في ذلك، فاتصل الدعاء له فبقي كذلك ثلاث سنين، ثم أخذ يقتل أهل العلم وأغلق دار العلم ومنع من كل ما نسخ فيه.
وحج بالناس في هذه السنة أبو الحارث محمد بن محمد بن عمر العلوي.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
الحسين بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن موسى بن جعفر أبو أحمد الموسوي ولد سنة أربع وثلاثمائة وكان يلقب بالطاهر، وبذي المناقب، ولقب بالأوحد، وخاطبه بهاء الدولة بالطاهر الأوحد، وولاه قضاء القضاة، فلم يمكنه القادر بالله. ولي النقابة في سنة أربع وخمسين وثلاثمائة ثم صرفه أبو الفضل العباس بن الحسين بن الحسن الشيرازي وزير عز الدولة سنة ستين، وقلد أبا محمد الناصر العلوي ثم أعيد أبو أحمد إلى النقابة لما مات عضد الدولة في صفر سنة ست وتسعين، ثم مرض فقلد مكانه أبو الحسين علي بن أحمد بن إسحاق.
ثم ولي أبو الفتح محمد بن عمر وولي مع النقابة طريق الحج.
وحج بالناس مرات ثم توفي وبقي الطالبيون بغير نقيب، فأعيد أبو أحمد وأضيف إليه المظالم والحج واستخلف له ولداه المرتضى والرضى وخلع عليهما في سنة أربع وثمانين ثم عزل.
وولي أبو الحسن محمد بن الحسن الزيدي، ثم أعيد أبو أحمد، وهي الولاية الخامسة فلم يزل والياً حتى توفي، وكان قد حالفته الأمراض وأضر، فتوفي في هذه السنة عن سبع وتسعين سنة، وصلى عليه ابنه المرتضى، ودفن في داره ثم نقل إلى مشهد الحسين عليه السلام.
ورثاه ابنه المرتضى فقال:
سلام الله تنقله الليالي ... وتهديه الغدو إلى الرواح
على جدثٍ تشبث من لؤي ... بينبوع العبادة والصلاح
فتىً لم يرو إلا من حلالٍ ... ولم يك زاده غير المباح
ولا دنست له أزرٌ بوزرٍ ... ولا علقت له راحٌ براح
خفيف الظهر من ثقل الخطايا ... وعريان الجوانح من جناح
مسوق في الأمور إلى هداها ... ومدلول على باب النجاح
من القوم الذين لهم قلوبٌ ... بذكر الله عامرة النواح
بأجسام من التقوى مراض ... لمبصرها وأوديان صحاح
الحجاج بن هر مرقنه أبو جعفر كان قد استتابه بهاء الدولة بالعراق وندبه لحرب الأعراب والأكراد، وكان متقدماً في أيام عضد الدولة وأولاده عارفاً بالحرب وكانت له هيبة عظيمة وشجاعة معروفة وآراء صائبة، وخرج عن بغداد في رمضان سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة فوقعت بها الفتن وكثرت العملات، وتوفي بالأهواز في ربيع الأول من هذه السنة عن مائة وخمس سنين.
أبو عبد الله القمي المصري التاجر


كان ذا مال غزير، وكان بزاز الخزانة بمصر فاشتملت وصيته على ألف ألف دينار ونيف مالاً صامتاً ومتاعاً وجواهر وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة عند توجهه من مصر إلى مكة، وحمل عند وفاته إلى المدينة ودفن بها بالبقيع في جوار الحسن بن علي.
أبو الحسن الرفا القاضي المجيد قد ذكر من أحواله في الحج في سنة أربع وتسعين توفي في هذه السنة.
ثم دخلت
سنة إحدى وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أنه ورد الخبر بأن أبا المنيع قرواش بن المقلد جمع أهل الموصل وأظهر عندهم طاعة الحاكم صاحب مصر وعرفهم ما عزم عليه من إقامة الدعوة له ودعاهم إلى قبول ذلك، فأجابوه جواب الرعية المملوكة وأسروا الإباء والكراهية، وأحضر الخاطب في يوم الجمعة الرابع من المحرم، فخلع عليه وأعطاه النسخة ما يخطب به، فكانت: " الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله وله الحمد الذي انجلت بنوره غمرات الغضب، وانقدت بقدرته أركان النصب، وأطلع بنوره شمس الحق من الغرب الذي محا بعدله جور الظلمة وقصم بقوته ظهر الغشمة فعاد الأمر إلى نصابه، والحق إلى أربابه الباين بذاته المتفرد بصفاته الظاهر بآياته المتوحد بدلالاته، لم تفته الأوقات فتسبقه الأزمنة، ولم تشبه الصور فتحويه الأمكنة، ولم تره العيون فتصفه الألسنة، سبق كل موجود وجوده، وفات كل جود جوده، واستقر في كل عقل توحيده، وقام في كل مرأى شهيده، أحمده بما يجب على أوليائه الشاكرين تحميده، وأستعينه على القيام بما يشاء ويريده، وأشهد له بما شهد أصفياؤه وشهوده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لا يشوبها دنس الشرك، ولا يعتريها وهم الشك، خالصة من الأدهان، قائمة بالطاعة والإذعان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه اصطفاه واختاره لهداية الخلق، وإقامة الحق، فبلغ الرسالة، وهدى من الضلالة والناس حينئذٍ عن التقوى غافلون، وعن سبيل الحق ضالون، فأنقذهم من عبادة الأوثان، وأمرهم بطاعة الرحمن حتى قامت حجج الله وآياته، وتمت بالتبليغ كلماته صلى الله عليه وعلى أول مستجيب له على أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، أساس الفضل والرحمة، وعماد العلم والحكمة، وأصل الشجرة الكرام البررة النابتة في الأرومة المقدسة المطهرة، وعلى خلفائه الأغصان البواسق من تلك الشجرة، وعلى ما خلص منها وزكا من الثمرة.
أيها الناس اتقوا الله حق تقاته، وارغبوا في ثوابه، واحذروا من عقابه فقد ترون ما يتلى عليكم في كتابه، قال الله تعالى: " يوم ندعوا كل أناس بإمامهم " وقال: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " . فالحذر الحذر أيها الناس، فكأن قد أفضت بكم الدنيا إلى الآخرة، وقد بان أشراطها ولاح سراطها ومناقشة حسابها والعرض على كتابها: " فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره " .
اركبوا سفينة نجائكم قبل أن تغرقوا، " واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا " . واعلموا أنه يعلم ما في أنفسكم فاحذروه، وأنيبوا إلى الله خير الإنابة، وأجيبوا داعي باب الإجابة قبل " أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين " أو تقول: " ولو أن الله هداني لكنت من المتقين " أو تقول حين ترى العذاب: " لو أن لي كرة فأكون من المحسنين " .
تيقظوا من الغفلة والفترة قبل الندامة والحسرة وتمني الكرة والتماس الخلاص ولات حين مناص، وأطيعوا إمامكم ترشدوا، وتمسكوا بولاة العهد تهتدوا، فقد نصب لكم علماً لتهدوا به، وسبيلاً لتقتدوا به، جعلنا الله وإياكم ممن تبع مراده، وجعل الإيمان زاده وألهمه تقواه ورشاده، واستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين " .
ثم جلس وقام فقال: " الحمد لله ذي الجلال وخالق الأنام، ومقدر الأقسام المتفرد بالبقاء والدوام، فالق الأصباح وخالق الأشباح، وفاطر الأرواح أحمده أولاً وآخراً، وأستشهده باطناً وظاهراً، وأستعين به إلهاً قادراً، واسنتصره ولياً ناصراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله شهادة من أقر بوحدانية إيماناً واعترف بربوبيته إيقاناً وعلم برهان ما يدعوا إليه، وعرف حقيقة الدلالة عليه.


اللهم صل على وليك الأزهر، وصديقك الأكبر علي بن أبي طالب أبي الأئمة الراشدين المهتدين، أللهم صل على السبطين الطاهرين الحسن والحسين، وعلى الأئمة الأبرار الصفوة الأخيار من أقام منهم وظهر، ومن خاف منهم واستتر، اللهم صل على الإمام المهدي بك، والذي بلغ بأمرك وأظهر حجتك ونهض بالعدل في بلادك هادياً لعبادك، أللهم صلى على القائم بأمرك وعلى المنصور بنصرك اللذين بذلا نفوسهما في رضاك وجاهدا أعداءك، أللهم صلى على المعز لدينك، المجاهد في سبيلك، المظهر لآياتك الحقية والحجة الجلية. أللهم صلى على العزيز بك الذي مهدت به البلاد وهديت به العباد، ألهم اجعل توافي صلواتك وزواكي بركاتك على سيدنا ومولانا إمام الزمان وحصن الإيمان وصاحب الدعوة العلوية والملة النبوية عبدك ووليك المنصور أبي علي الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين، كما صليت على آبائه الراشدين وأكرمت أولياءك المهتدين، اللهم أعنه على ما وليته، واحفظه فيما استرعيته، وبارك له فيما أتيته وانصر جيوشه، واعل أعلامه في مشارق الأرض ومغاربها، إنك على كل شيء قدير " .
وكان السبب في هذا أن رسل الحاكم ومكاتباته كانت تتردد إلى قرواش تردداً أوجبت استمالته، فأقام له الدعوة بالموصل على ما ذكرناه وانحدر إلى الأنبار، فتقدم إلى الخطيب بإقامتها فهرب الخطيب إلى الكوفة فأقامها بها يوم الجمعة ثاني ربيع الأول، وأنفذ إلى القصر والمدائن فأقيمت بها في يوم الجمعة التاسع من هذا الشهر، وكشف قرواش وجهه بالخلاف وأظهر المباينة وأدخل يده في المعاملات السلطانية وخبط الناس خبطة المخارقة، وورد على الخليفة من هذا ما أزعجه فراسل عميد الجيوش وكاتب بهاء الدولة وأنفذ إليه أبا بكر محمد بن الطيب المتكلم رسولاً، وحمله قولاً طويلاً، فقال: والله إن عندنا من هذا الأمر أكثر مما عند أمير المؤمنين، لأن الفساد علينا به أكثر وقد كاتبنا أبا علي وتقدمنا بإطلاق مائة ألف دينار يستعين بها على نفقات العسكر، وإن دعت الحاجة إلى مسيرنا كنا أول طالع على أمير المؤمنين.
ثم نفذ إلى قرواش في ذلك فاعتذر ووثق من نفسه في إزالة ذلك ووثق له في ترك المؤخذة به، ثم وقع الرضا عنه وأقيمت الخطبة للقادر بالله، وكان الحاكم قد نفذ إلى قرواش ما قيمته ثلاثون ألف دينار فسار الرسول قتلقاه قطع الخطبة بالرقة فكتب إلى الحاكم يعرفه فكتب: " دع ما معك عند والي الرقة " .
وفي يوم الخميس لسبع بقين من صفر انقض كوكب في وقت العصر من الجانب الغربي إلى سمت دار الخلافة من الجانب الشرقي لم ير أعظم منه.
ولخمس بقين من رجب زادت دجلة وامتدت الزيادة إلى رمضان، فبلغت إحدى وعشرين ذراعاً، ودخل الماء أكثر الدور الشاطئة، وقطيعة الدقيق، وباب التبن، وباب الشعير، وباب الطاق، وفاض على مسجد الكف بقطيعة الدقيق فخربه واحتمل أجذعه وسقوفه، وتفجرت البثوق وغرقت القرى والحصون.
وفي هذه السنة: ورد الوزير أبو غالب بن خلف إلى بغداد، وقد رد إليه أمر العراق، ولقب فخر الملك.
وفيها: قلد أبو محمد مكرم كرمان مضافة إلى عمان.
وفيها عصى أبو الفتوح الحسن بن جعفر العلوي على الحاكم، ودعا إلى نفسه وتلقب بالراشد بالله. ولم يحج في هذه السنة أحد من العراق.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
إبراهيم بن محمد بن عبيد أبو مسعود الدمشقي الحافظ سافر الكثير وسمع وكتب ببغداد والكوفة والبصرة وواسط والأهواز وأصبهان وبلاد خراسان، وكان له عناية بالصحيحين فعمل تعليقه أطراف الكتابين، ولم يرو إلا اليسير، وكان صدوقاً ديناً ورعاً فهما، روى عنه أبو القاسم الطبري.
توفي ببغداد هذه السنة، وأوصى إلى أبي حامد الإسفرايني، فصلى عليه ودفن في مقبرة جامع المنصور قريباً من السكك.
آدم بن محمد بن آدم أبو القاسم العكبري المعدل حدث عن النجاد وابن قانع وعمر بن جعفر بن مسلم وغيرهم، وتوفي في صفر هذه السنة.
الحسن بن أبي جعفر، أستاذ هرمز، يكنى أبا علي عميد الجيوش


ولد سنة خمسين وثلثمائة، وكان أبوه من حجاب عضد الدولة، وجعل ابنه أبا علي برسم خدمة ابنه صمصام الدولة، فخدم صمصام الدولة وبهاء الدول، وولاه بهاء الدولة تدبير العراق فقدم سنة اثنتين وتسعين وثلثمائة والفتن كثيرة والذعار قد انتشروا أفتقل، وأغرق خلقاً كثيراً وأقام الهيبة، ومنع أهل الكرخ يوم عاشوراء من النياحة وتعليق المسوح، وأهل باب البصرة من زيارة قبر مصعب، وأعطى بعض غلمانه صينية فضة فيها دنانير، وقال: خذها على رأسك وسر من النجمي إلى الماصر الأعلى فإن اعترضك معترض، فاعطه إياها واعرف الموضع الذي أخذت منك فيه، فجاءه وقد انتصف الليل، وقال: قد مشيت البلد جميعه فلم يلقني أحد. ودخل الرخجي على عميد الجيوش وأدخل سبعين مجلدة خزاً ومنديلاً كثيراً فيه مال، وقال: مات نصراني من أهل مصر وخلف هذا وليس له وارث. فقال عميد الجيوش: من حكم الاستظهار أن يترك هذا بحاله، فإن حضر وارث وإلا أخذ، فقال الرخجي: يحمل إلى خزانة مولانا إلى أن يبين الحال، فقال: لا يجوز أن يدخل خزانة السلطان ما لا يصح استحقاقه. فكتب من بمصر باستحقاق تلك التركة فجاء أخو الميت وأوصل الكتاب من مصر بأنه أخو المتوفى، فصادف عميد الجيوش واقفاً على روشن داره يصلي الصبح فظنه نقيباً، فدفع إليه الكتاب وسأله إيصاله إلى صاحب الخبر، فقضى له حاجته فدخل صاحب الخبر إلى عميد الجيوش ضاحكاً، وقال: يامولانا، قد صرفت عنك اليوم نفعاً ومرفقاً فإن السوادي، قال لي عند قضاء حاجته: بأي شيء أخدم النقيب الذي أوصل كتابي إليك، فقلت: ويحك هذا عميد الجيوش، فقال لي: هذا الذي تهابه ملوك الأطراف وكثر الدعاء له، فلما كان بعد مدة ورد كتاب ابن القمي التاجر من مصر على عميد الجيوش يعرفه أن ذلك الرجل حضر في مجمع من التجار، وحكى القصة فضج الناس بالدعاء وقالوا: ليتنا كنا في جواره وظله، ففرح عميد الجيوش، وقال: قد أحسن المكافاة، بقي عميد الجيوش والياً على العراق ثماني سنين وسبعة أشهر وأحد عشر يوماً وهو الذي يقول فيه الببغاء كما ذكرنا في ترجمته.
سألت زماني بمن أستغيث ... فقال استغث بعميد الجيوش
وتوفي في هذه السنة عن إحدى وخمسين سنة، وتولى أبو الحسن الرضى بأمره، ودفن بمقابر قريش.
الحسين بن المظفر بن أحمد بن عبد الله، أبو عبد الله ابن كنداج سمع إسماعيل بن محمد الصفار، والخلدي، وابن كامل القاضي، روى عنه البرقاني، وقال: ليس به بأس. كان من أولاد المحدثين وكان يعرف. توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
خلف بن محمد بن علي بن حمدون، أبو محمد الواسطي سمع الكثير، ورافق أبا الفتح بن أبي الفوارس في رحلته، فسمع بجرجان ودخل بلاد خراسان وعاد إلى بغداد، ثم خرج إلى الشام ودخل مصر وكتب الناس بانتخابه، وخرج أطراف الصحيحين، وكان له حفظ ومعرفة، ونزل بعد ذلك ناحية الرملة فاشتغل بالتجارة وترك النظر في العلم إلى أن مات هناك، روى عنه الأزهري.
عبيد الله بن أحمد بن الهذيل أبو أحمد الكاتب حدث عن إسماعيل الصفار، روى عنه الخلال، وكان ثقة. توفي في محرم هذه السنة، ودفن وراء الجامع بمدينة المنصور.
عبيد الله بن عمر بن محمد، أبو الفرج المصاحفي سمع أبا طاهر بن أبي هاشم المقرئ. وكان ثقة. توفي في شعبان هذه السنة.
ثم دخلت
سنة اثنتين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أن فخر الملك أذن لأهل الكرخ وباب الطاق في عمل عاشوراء، فعلقوا المسوح، وأقاموا النياحة في المشاهد.
وفي ربيع الآخر أمر القادر بالله بعمارة مسجد الكف بقطيعة الدقيق وإعادة أبنيته، ففعل ذلك وعمل لموضع الكف ملبن من صندل وضبب بفضة، وعمل بين يديه درابزينات.


وفي هذا الشهر كتب في ديوان الخلافة محاضر في معنى الذين بمصر والقدح في أنسابهم ومذاهبهم، وكانت نسخة ما قرئ منها ببغداد وأخذت فيه خطوط الأشراف والقضاء والفقهاء والصالحين والمعدلين والثقات والأماثل بما عندهم من العلم والمعرفة بنسب الديصانية، وهم منسوبون إلى ديصان بن سعيد الخرمي أحزاب الكافرين ونطف الشياطين شهادة متقرب إلى الله جلت عظمته، وممتعض للدين والإسلام ومعتقد إظهار ما أوجب الله تعالى على العلماء أن يبينوه للناس ولا يكتمونه شهدوا جميعاً أن الناجم بمصر وهو منصورين نزار المتلقب بالحاكم حكم الله عليه بالبوار والدمار والخزي والنكال والاستيصال ابن معد بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن سعيد لا أسعده الله، فإنه لما صار إلى الغرب تسمى بعبد الله وتلقب بالمهدي ومن تقدمه من سلفه الأرجاس الأنجاس، عليه وعليهم لعنة الله ولعنة اللاعنين، أدعياء خوارج لا نسب لهم في ولد علي بن أبي طالب ولا يتعلقون منه بسبب، وأنه منزه عن باطلهم، وأن الذي أدعوه من الانتساب إليه باطل وزور وأنهم لا يعلمون أن أحداً من أهل بيوتات الطالبيين توقف عن إطلاق القول في هؤلاء الخوارج أنهم أدعياء، وقد كان هذا الإنكار لباطلهم ودعواهم شائعاً بالحرمين، وفي أول أمرهم بالغرب منتشراً انتشاراً يمنع من أن يتدلس على أحد كذبهم أو يذهب وهم إلى تصديقهم، وان هذا الناجم بمصر هو وسلفه كفار فساق فجار ملحدون زنادقة معطلون، وللإسلام جاحدون، ولمذهب الثنوية والمجوسية معتقدون، قد عطلوا الحدود، وأباحوا الفروج، وأحلوا الخمر، وسفكوا الدماء، وسبوا الأنبياء، ولعنوا السلف وادعوا الربوبية، وكتب في ربيع الآخر من سنة اثنتين وأربعمائة.
وقد كتب خطه في المحضر خلق كثير من العلويين: المرتضى، والرضى وابن الأزرق الموسوي، وأبو طاهر بن أبي الطيب، ومحمد بن محمد بن عمر، وابن أبي يعلى، ومن القضاة: أبو محمد ابن الأكفاني، وأبو القاسم الخرزي، وأبو العباس السوري، ومن الفقهاء: أبو حامد الإسفرائيني، وأبو محمد الكشفلي، وأبو الحسين القدوري، وأبو عبد الله الصيمري، وأبو عبد الله البيضاوي، وأبو علي بن حمكان، ومن الشهداء: أبو القاسم التنوخي. وقرئ بالبصرة وكتب فيه خلق كثير.
وفي رجب وشعبان ورمضان: واصل فخر الملك الصدقات والحمول إلى المشاهد بمقابر قريش والحائر والكوفة، وفرق الثياب والتمور والنفقات في العيد على الضعفاء، وركب إلى الصلاة في الجوامع، وأعطى الخطباء والعوام والمؤذنين الثياب والدنانير، وتقدم ليلة الفطر يتأمل من في حبوس القضاة، فمن كان محبوساً على دينار وعشرة قضى وما كان أكثر من ذلك كفل وأخرج ليعود بعد التعييد، وأوعز بتمييز من في حبس المعونة، وإطلاق من صغرت جنايته ووقعت توبته، فكثر الدعاء له في المساجد والأسواق.
وفي رمضان: تقدم فخر الملك بنقض الدار المعزية بحصيرة شارع دار الدقيق، واستيثاق عمارتها، وتغيير أبنيتها، وعمل دور الحواشي جوارها، فأنفق عليها الجملة الكثيرة، وحملت إليها الآلات من كل بلد، وجعل فيها المجالس الواسعة والحجر الكثيرة والأبنية الرائقة، واستعملت لها الفروش بفارس والأهواز على مقادير بيوتها ومجالسها، وعمل على الانتقال إليها وسكناها ثم استبعد موضعها ورآه نائباً عن الكرخ، فجعلها متنزهاً في الخلوات ومرسومة بالسمط والدعوات.
وفي ليلة الأربعاء خامس شوال: عصفت ريح سوداء فرمت من النخل أكثر من عشرة آلاف رأس.
وورد كتاب من يمين الدولة محمود بن سبكتكين إلى الخليفة بأنه غزا قوماً من الكفار، فقطع إليهم مفازة من رمل وأصابه وأصحابه العطش كادوا يهلكون منه، ثم تفضل الله سبحانه عليهم بسحابة أظلتهم ومطرت وشربوا وسقوا ووصلوا إلى القوم وهو خلق عظيم ومعهم ستمائة فيل، فظفر بهم وأخذ غنائمهم وعاد.
وكان أبو الحسين عبد الله بن دنجا عاملاً على البصرة، وكان ملقباً بذي الرتبتين، وكان بينه وبين أبي سعد بن ماكولا وحشة، فمرض أبو سعد مرضاً صعباً فأنفذ أبو الحسين فوكل بداره، ثم اعتل أبو الحسين ومات وتماثل أبو سعد فأنفذ إلى داره بأولئك الموكلين حتى احتاطوا على ماله وقبضوا على أصحابه.


وفي ذي الحجة: ورد كتاب أبي الحارث محمد بن محمد بن عمر بأن ريحاً سوداء هاجت عند حصول الحاج بزبالا، وفقدوا الماء فهلك منهم خلق كثير، وبلغت المزادة من الماء مائة درهم، وتخفر جماعة ببني خفاجة ورجعوا إلى الكوفة وعمل الغدير والغار على سكون وطمأنينة، وأظهرت الفتيان من التعليق شيئاً كثيراً واستعان أهل السنة بالأتراك فأعاروهم الثياب والفروش الحسان والمصاغ والأسلحة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن عبد الله بن الخضر بن مسرور، أبو الحسين المعدل ابن السوسنجردي سمع أبا عمر وابن السماك، وأحمد بن سلمان النجاد، وأبا بكر الشافعي وغيرهم، وكان ثقة ديناً، حسن الاعتقاد، شديداً في السنة، واجتاز يوماً في الكرخ فسمع سب بعض الصحابة فجعل على نفسه أن لا يمشي في الكرخ، وكان يسكن باب الشام فلم يعبر قنطرة الصراة حتى مات.
توفي في رجب هذه السنة عن نيف وثمانين سنة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي، قال: حدثني علي بن الحسين العكبري، قال: سمعت عبد القادر بن محمد بن يوسف، يقول: رأيت أبا الحسن الحمامي المقرئ في المنام، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: أنا في الجنة، قلت: وأبي؟ قال: وأبوك معنا، فقلت: وجدنا يعني أبا الحسين السوسنجردي؟ فقال: في الحظيرة، قلت: حظيرة القدس؟ قال: نعم أو كما قال.
إسماعيل بن الحسين بن علي بن الحسن بن هارون، أبو محمد البخاري الفقيه الزاهد ورد بغداد حاجاً مراراً، وحدث بها عن جماعة، روى عنه عبد العزيز الأزجي. توفي في شعبان هذه السنة.
الحسن بن الحسين بن علي بن العباس بن إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت أبو محمد النوبختي الكاتب ولد في سنة عشرين وثلثمائة، حدث عن علي بن عبد الله بن مبشر الواسطي، والقاضي المحاملي، وكان سماعه صحيحاً، روى عنه البرقاني، والأزهري، والتنوخي، قال البرقاني: كان معتزلياً، وكان يتشيع إلا أنه يتبين أنه صدوق، وقال الأزهري: كان رافضياً رديء المذهب. وقال العتيقي: كان ثقة في الحديث يذهب إلى الاعتزال.
وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة.
الحسن بن القاسم، بن الحسن بن العلاء بن الحسن أبو علي الدباس وأصله من شهر زور، روى عنه الأزهري، والخلال، وكان ثقة. توفي في صفر هذه السنة.
عثمان بن عيسى، أبو عمرو الباقلاوي كان أحد الشهود الزهاد المتعبدين المؤثرين للخلوة، المنعكفين على الذكر، وكان قوته من نخلات له، وقيل: من كسب البواري، وكان لا يخرج إلا يوم الجمعة للصلاة.
أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزاز، عن أبي الحسين ابن المهتدي، قال: كان عثمان له مغتسل وجناز في المسجد، وكان يصلي بينهما، وكنت أصلي به في شهر رمضان، فقرأت ليلة سورة الحاقة حتى أتيت إلى هذه الآية: " فيومئذ وقعت الواقعة " فصاح وسقط مغشياً عليه، فما بقي في المسجد أحد إلا انتحب، وكان يتعمم بشاروفة، وكان يأكل من كسب البواري، وكان قد سأله السعيد التركي أن يصل إليه منه شيء فأبى، فقال له: إذا أبيت فتأذن لي أن أشتري دهناً نشعله في المسجد، وكان مأواه المسجد ما كان يخرج منه إلا يوم الجمعة فأجاب إلى ذلك فلما عاد الرسول على أنه يحمل إليه دهناً قال له: لا تجئني بشيء قد أظلم علي البيت.
أخبرنا محمد بن أبي طاهر، عن أبي القاسم التنوخي، قال: قصدته لشدة وقعت فيها فطرقت بابه، فقال: من؟ قلت: مضطر، فقال: ادع ربك يجبك، فدعوت على بابه وعدت وقد كفيت ما خفته، توفي أبو عمرو لسبع بقين من رمضان هذه السنة، ودفن في مقبرة جامع المنصور.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي، قال: حدثني علي بن الحسين ابن جداء العكبري، قال: سمعت عرس الخباز، يقول: لما دفن عثمان الباقلاوي رأيت في المنام بعض من هو مدفون في جوار قبره، فقلت: كيف فرحكم بجوارعثمان؟ فقال: وإن عثمان لما جيء به سمعنا قائلاً يقول: الفردوس الأعلى أو كما قال.
علي بن أحمد بن محمد بن يوسف أبو الحسن القاضي السامري من أهل سر من رأى. سمع إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي. وكان ثقة صدوقاً صالحاً.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: حدثنا عنه ابن بنته أبو الحسين محمد بن أحمد بن حسنون النرسي، قال لنا: ما رأيت جدي مفطراً بنهار قط، توفي في هذه السنة.


محمد بن بكران بن عمران بن موسى بن المبارك، أبو عبد الله البزاز ابن الرازي سمع الحسين بن إسماعيل المحاملي، ومحمد بن مخلد.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أبو بكر الخطيب، حدثنا عنه البرقاني وسألته عنه فقال: ثقة. وقال العتيقي: ثقة.
وحدثني عبد الله بن علي قال: توفي يوم الخميس لعشر بقين من جمادى الآخرة من هذه السنة، ودفن بالشونيزية.
محمد بن جعفر بن محمد بن هارون بن فروة بن ناجية، أبو الحسن التميمي النحوي. ابن النجار من أهل الكوفة. ولد سنة ثلاث وثلثمائة بالكوفة وقدم بغداد وحدث بها عن ابن دريد ونفطويه والصولي وغيرهم.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا العتيقي، قال: ابن النجار ثقة. توفي بالكوفة في جمادى الأولى من هذه السنة.
ثم دخلت
سنة ثلاث وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أنه قلد الرضي أبو الحسن الموسوي يوم الجمعة السادس عشر من المحرم نقابة الطالبيين في سائر الممالك، وورد له عهد بذلك من حضرة بهاء الدولة، وقرئ في دار فخر الملك بحضرته بعد أن جمع الأكابر من الأشراف والقضاة والعلماء والجند، وخلعت عليه خلعة سوداء، وهو أول طالبي خلع عليه السواد.
وفي يوم الأربعاء سادس صفر: خرج فخر الملك إلى بثق اليهودي بالنهروان فعمل فيه حتى أحكمه، وأخذ بيده باقة قصب فطرحها فوافقه الناس، وحملوا التراب على رؤسهم، ووقع في بعض الجسور والفوارات رجلان من السوادية، فطرح التراب والقصب عليهما فهلكا وبات فخر الملك ساهراً ليلته، قائماً على رجله والرجال يعملون، حتى ثبت السكر ثم رتب العمال في كل رستاق وعمر البلاد، فارتفع في تلك السنة بحق السلطان بضعة عشر ألف كر وخمسون ألف دينار.
وفي هذا الشهر: ورد الخبر على فخر الملك من الكوفة، بأن أبا فليتة ابن القوي سبق الحاج إلى واقصة في ستمائة رجل، فنزح الماء في مصانع البرمكي، والريان وغورها، وطرح في الآبار الحنظل، وأقام يراصد ورودهم، فلما وردوا العقبة في يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة خلت من صفر اعتقلهم هناك، ومنعهم الاجتياز، وطالبهم بخمسين ألف دينار فامتنعوا من تقرير أمره على شيء، وضعفوا عن الصبر، وبلغ منهم العطش فهجم عليهم فلم يكن عندهم دفع ولا منع، فاحتوى على الجمال والأحمال والأموال فهلك من الناس الكثير، وقيل: هلك خمسة عشر ألف إنسان ولم يفلت إلا العدد اليسير، وأفلت أبو الحارث بن عمر العلوي وهو أميرهم في نفر من الكبار على أسوأ حال، وفي آخر رمق خلص من خلص بالتخفير من العرب وركوب الغرر في المشي على القدم، وكان فخر الملك حينئذ نقيماً على سد الشق فورد عليه من هذا الأمر أعظم مورد وكاتب عامل الكوفة بأن يحسن إلى من سلم ويعينهم وكاتب علي بن مزيد، وأمره أن يطلب العرب الذين فعلوا هذا ويوقع بهم بما يشفي الصدر منهم وندب من يخرج لمعاونته فسار ابن مزيد فلحق القوم في البرية وقد قاربوا البصرة، فأوقع بهم وقتل الكثير منهم، وأسر ابن القوي أبا فليتة والاشتر وأربعة عشر رجلاً من وجوه بني خفاجة، ووجد الأحمال والأموال قد تمزقت، وأخذ كل فريق من ذلك الجمع طرفاً، فانتزع ما أمكنه انتزاعه وعاد إلى الكوفة، وبعث بالأسراء إلى بغداد فشهروا وأودعوا الحبس، وأجيع منهم جماعة وأطعموا المالح، وتركوا على دجلة حتى شاهدوا الماء حسرة وماتوا عطشاً هناك، وأوقع أبو الحسن بن مزيد بخفاجة بعد سنين فأفلت من أسروه من الحاج، وكانوا قد جعلوهم رعاة لأغنامهم، فعادوا وقد قسمت تركاتهم وتزوجت نساؤهم.
وفي ليلة الأربعاء لثلاث بقين من صفر وقت العشاء انقض كوكب كبير الجرم عن يمنة القبلة، وملأ الأرض ضوؤه واستعظم الناس ما رأوه منه.
وفي شعبان وقعت بالكوفة صاعقة في أثناء رعد وبرق، فسقطت على حائط فرمت به، وفي رمضان انقض كوكب من المشرق إلى المغرب غلب ضوؤه ضوء القمر، وتقطع قطعاً وبقي ساعة طويلة.


وفي شوال توفيت بنت أبي نوح الأهوازي الطبيب زوجة أبي نصر بن إسرائيل كاتب المناصح أبي الهيجاء، فأخرجت جنازتها نهاراً ومعها النوائح والطبول والزمور والرهبان والصلبان والشموع، فقام رجل من الهاشميين فأنكر ذلك ورجم الجنازة، فوثب أحد غلمان المناصح بالهاشمي فضربه بدبوس على رأسه فشجه فسال دمه وهرب النصارى بالجنازة إلى بيعة دار الروم، فتبعهم المسلمون ونهبوا البيعة وأكثر دور النصارى المجاورة لها، وعاد ابن إسرائيل إلى داره فهجموا عليه فهرب منهم، وأخرج ابن إسرائيل مستخفياً حتى أوصل إلى دار المناصح، وثارت الفتنة بين العامة وغلمان المناصح، وزادت ورفعت المصاحف في الأسواق، وغلقت أبواب المساجد، وقصد الناس دار الخليفة على سبيل الاستنفار، وركب ذو النجادين أبو غالب إلى دار المناصح، فأقام بها.
ووردت رسالة الخليفة إلى المناصح بإنكار ما جرى وتعظيم الأمر فيه وبالتماس ابن إسرائيل وتسليمه، فامتنع المناصح من ذلك، فغاظ الخليفة امتناعه وتقدم بإصلاح الطيار للخروج عن البلد، وجمع الهاشميين إلى داره.
واجتمعت العوام في يوم الجمعة، وقصدوا دار المناصح ودفع غلمانه، فقتل رجل ذكر أنه علوي، فزادت الشناعة وامتنع الناس من صلاة الجمعة، وظفرت العامة بقوم من النصارى فقتلوهم، وترددت الرسائل إلى المناصح إلى أن بذل حمل ابن إسرائيل إلى دار الخلافة، فكف العامة عن ذلك وألزم أهل الذمة الغيار، ثم أفرج عن ابن إسرائيل في ذي القعدة.
وفي ذي القعدة: بعث يمين الدولة أبو القاسم محمود إلى حضرة الخليفة كتاباً ورد إليه من الحاكم صاحب مصر يدعوه إلى طاعته والدخول في بيعته، وقد خرقه وبصق في وسطه.
وفي هذه السنة: قرئ عهد أبي نصر بن مروان الكردي على آمد وميا فارقين وديار بكر، وخلع عليه الطوق والسوار، ولقب نصير الدولة.
وفيها ورد حاج خراسان ووقف الأمر في خروجهم إلى مكة لفساد في الطريق وغيبة فخر الملك، فانصرفوا وبطل الحج من خراسان والعراق.
وفيها: خلع على أبي الحسن علي بن مزيد، وهو أول من تقدم من أهل بيته.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن علي، أبو الحسن البتي كان يكتب للقادر عنه مقامه بالبطيحة ولما وصلته البيعة كتب عنه إلى بهاء الدولة، وكان البتي حافظاً للقرآن، تالياً له، مليح المذاكرة بالأخبار والآداب، عجيب النادرة ظريف التماجن، انحدر مع الرضي والمرتضى وابن أبي الريان وجماعة من الأكابر لاستقبال بعض الملوك، فخرج عليهم اللصوص ورموهم بالحذافات وجعلوا يقولون: ادخلوا يا أزواج القحاب، فقال البتي: ما خرج هؤلاء علينا إلا بعين، قالوا: ومن أين علمت؟ قال: وإلا فمن أين علموا أننا أزواج قحاب.
وكان البتي صاحب الخبر والبريد في الديوان القادري، توفي في شعبان هذه السنة.
إسماعيل بن عمر بن محمد بن إبراهيم ابن نسنبك. كان من ولد جرير بن عبد الله، وكان يسكن باب الأزج وتقلد النظر في الحكم هناك، وحدث عن أبي بكر الشافعي، وكان ثقة. توفي في ذي القعدة من هذه السنة، ودفن بباب الأزج.
إسماعيل بن الحسن بن عبد الله بن الهيثم الصرصري من أهل صرصر سمع الحسين بن إسماعيل المحاملي، وأبا العباس بن عقدة وغيرهما. روى عنه البرقاني، وقال: هو ثقة.
وتوفي ببغداد في جمادى الآخرة من هذه السنة، وصلى عليه أبو حامد الاسفرائيني في مشهد سوق الطعام، وحمل إلى صرصر.
الحسن بن حامد بن علي بن مروان أبو عبد الله الوراق الحنبلي كان مدرس أصحاب أحمد وفقيههم في زمانه وله المصنفات الكبار، منها: كتاب الجامع نحو أربعمائة جزء يشتمل على اختلاف الفقهاء، وله مصنفات في أصول الدين والفقه، وهو شيخ القاضي أبي يعلى ابن الفراء، وكان معظماً في النفوس مقدماً عند السلطان والعامة، وحدث عن أبي بكر الشافعي، وابن مالك القطيعي، وغيرهما: وكان ينسخ بأجرة، ويتقوت بذلك، وخرج في هذه السنة إلى مكة فجرى من العرب ما قد ذكرناه، فاستند حجر، فجاءه رجل بقليل من ماء وقد أشفى على التلف، فقال: من أين هذا؟ فقال: ما هذا وقته، فقال: بلى هذا وقته عند لقاء الله تعالى، فتوفي بقرب واقصة.
الحسين بن الحسن بن محمد، أبو عبد الله الحليمي


ولد بجرجان، وحمل إلى بخارى وكتب الحديث وتفقه وصار رئيس المحدثين ببخارى، وتولى القضاء، وتوفي في هذه السنة.
فيروز أبو نصر الملقب بهاء الدولة: هو الذي قبض على الطائع جمع من الأموال ما لم يجمعه أحد من بني بويه، وكان يبخل بالدرهم الواحد، ويؤثر المصادرات، وتوفي بأرجان في جمادى الآخرة من هذه السنة، وكانت إمارته أربعاً وعشرين سنة وثلاثة أيام، وعمره اثنتين وأربعين سنة وستة أشهر وعشرين يوماً، وكان مرضه الصرع وحمل إلى الكوفة فدفن بالمشهد.
قابوس بن وشمكير: كان أصحابه قد تغيروا عليه حين سطا بهم وترك الرفق وقتل خواصه، فاجتمع جماعة منهم إلى ابنه منوجهر وأعلموه أنهم قد عزموا على قتل قابوس، وأنه إن لم يقبض عليه قرنوه به، فقبض عليه ورقاه القلعة ومنعه ما يتدثر به في شدة البرد، فهلك، وكان قد حكم على نفسه في النجوم أن منيته على يد ولده، فأبعد ولده داراً لما كان يرى من عقوقه، فبعد وقرب منوجهر لما كان ير من طاعته، وكانت منيته بسببه. ومن شعر قابوس:
خطرات ذكرك تسثير مودتي ... فأحس منها في الفؤاد دبيباً
لا عضو لي إلا وفيه صبابة ... فكأن أعضاي خلقن قلوباً
محمد بن محمد بن عمر أبو الحارث العلوي كانت إليه نقابة العلويين بالكوفة، وكان إليه تسيير الحاج، فسيرهم عشر سنين، وتوفي في هذه السنة.
محمد بن الطيب بن محمد أبو بكر الباقلاني سمع الحديث من أبي بكر بن مالك القطيعي، وأبي محمد بن ماسي، وأبي أحمد النيسابوري إلا أنه كان متكلماً على مذهب الأشعري.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ، أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن بن أبي عثمان وغيره، أن عضد الدولة كان قد بعث القاضي أبا بكر الباقلاني في رسالة إلى ملك الروم، فلما ورد مدينته عرف الملك خبره وبين له محله في العلم، فأفكر الملك في أمره وعلم أنه لا يفكر له إذا دخل عليه كما جرى رسم الرعية أن يقبل الأرض بين يدي الملوك، ثم نتجت له الفكرة أن يضع سريره الذي يجلس عليه وراء باب لطيف لا يمكن أحد أن يدخل منه إلا راكعاً ليدخل القاضي منه على تلك الحال عوضاً من تكفيره بين يديه، فلما وضع سريره في ذلك الموضع أمر بإدخال القاضي من الباب، فسار حتى وصل إلى المكان فلما رآه تفكر فيه ثم فطن بالقصة، فأدار ظهره وحنى رأسه ودخل الباب، وهو يمشي إلى خلفه وقد استقبل الملك بدبره حتى صار بين يديه، ثم رفع رأسه ونصب ظهره وأدار وجهه حينئذ إلى الملك، فعجب من فطنته ووقعت له الهيبة في نفسه.
توفي أبو بكر الباقلاني يوم السبت لسبع بقين من ذي القعدة من هذه السنة، ودفن في داره بدرب المجوس من نهر طابق، ثم نقل بعد ذلك فدفن في مقبرة باب حرب.
محمد بن موسى بن محمد أبو بكر الخوارزمي شيخ أهل الرأي وفقيههم سمع الحديث من أبي بكر الشافعي وغيره، ودرس الفقه على أبي بكر أحمد بن علي الرازي، وانتهى إليه الرياسة في مذهب أبي حنيفة، وكان معظماً، عند الملوك، وكان من تلامذته الرضي والصيمري.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: سمعت أبا بكر البرقاني يذكر أبا بكر الخوارزمي بالجميل ويثني عليه فسألته عن مذهبه في الأصول، فقال: سمعته يقول: مذهبنا مذهب العجائز، ولسنا في الكلام في شيء، قال البرقاني: وكان له إمام يصلي به حنبلي، ووصف لنا البرقاني حسن اعتقاده وجميل طريقته.
قال ابن ثابت: وحدثني القاضي أبو عبد الله الصيمري، قال: ثم صار إمام أصحاب أبي حنيفة ومدرسهم ومفتيهم شيخنا أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي، وما شهد الناس مثله في حسن الفتوى والإصابة فيها، وحسن التدريس، وقد دعي إلا ولاية الحكم مراراً فامتنع منه.
وتوفي ليلة الجمعة الثامن عشر من جمادى الأولى سنة ثلاث وأربعمائة، ودفن في منزله بدرب عبدة.
ورام التركي أبو المذكور الأمير توفي، أقام ابنه أبو الفتح مقامه.
ثم دخلت
سنة أربع وأربعمائة
فمن الحوادث فيها:


أنه في يوم الخميس غرة ربيع الأول، انحدر فخر الملك إلى دار الخلافة، فلما صعد من الزبزب تلقاه أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن حاجب النعمان، وقبل الأرض بين يديه مراراً وفعل من كان معه من الحجاب وقدم الدار مثل ذك، وقدمت له دابة فركبها من المشرعة إلى الموضع الذي نزل فيه عضد الدولة من دار السلام، ودخل والحجاب قدامه وأجلس في الرواق الذي دون قبة الخمار، وجلس الخليفة في القبة، ودعا فخر الملك ووصل الناس بعده على مراتبهم، ثم زحموا ودخلوا بأسرهم فامتلأ الموضع وكثر البوش واللغط، وامتنع على الحجاب أن يمسكوا الأبواب، فقال الخليفة: يا فخر الملك، امنع من هذا الاختلاط، فأخذ دبوساً ورد كثيراً من الناس وأخرجهم، ووكل النقباء والستريين بباب القبة، وقرأ أبو الحسن علي بن عبد العزيز عهد سلطان الدولة بالتقليد له والألقاب، فلما فرغ منه أوقع الخليفة علامته فيه وأحضرت الخلع، فكانت سبعاً على العادة، ومعممة سوداء، وسيفاً وتاجاً مرصعاً، وسوارين، وطوقاً، وكان ذلك مصوغ من ذهب، وفرسين بمركبين من ذهب، ولوائين تولى الخليفة عقدهما بيده، ثم أعطاه سيفاً وقال للخادم، قلده به فهو فخر له ولعقبه يفتح به شرق الأرض وغربها.
وفي هذه السنة حج بالناس أبو الحسن محمد بن الحسن بن الأقساسي وكذلك في سنة خمس وست.
؟ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
الحسين بن أحمد بن جعفر، أبو عبد الله ابن البغدادي سمع الحديث، وكان زاهداً عابداً.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال: سمعت بعض الشيوخ الصالحين يقول: كان أبو عبد الله ابن البغدادي لا يزال يخرج إلينا وقد انشق رأسه وانفتحت جبهته، فقيل له: كيف ذلك؟ قال: كان لا ينام إلا عن غلبة ولم يكن يخلو أن يكون بين يديه محبرة أو قدح أو شيء من الأشياء موضوعاً، فإذا غلبه النوم سقط على ما يكون بين يديه فيؤثر في جبهته أثراً، وكان لا يدخل الحمام ولا يحلق رأسه لكن يقص شعره إذا طال بالجلم، وكان يغسل ثيابه بالماء حسب من غير صابون، وكان يأكل خبز الشعير، فقيل له في ذلك، فقال: الشعير والحنطة عندي سواء.
توفي في شعبان هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب.
الحسين بن عثمان بن علي أبو عبد الله الضرير المقرئ المجاهدي. بغدادي سكن دمشق، كان يذكر أن ابن مجاهد لقنه القرآن: وهو آخر من مات من أصحاب ابن مجاهد، وكان قد جاوز المائة.
توفي في جمادى الأولى من هذه السنة ودفن في مقابر الفراديس.
علي بن سعيد الاصطخري أحد شيوخ المعتزلة صنف للقادر بالله الرد على الباطنية، وأجرى عليه جراية سنية، فلما توفي نقل جرايته إلى ابنته، وكان ينزل درب رياح، وكانت وفاته في هذه السنة عن نيف وثمانين سنة.
ثم دخلت
سنة خمس وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أنه ورد الكتاب في يوم الثلاثاء الخامس من المحرم من الموقف بمكة بسلامة الناس، وتمام الحج على يدي رجلين من بني خفاجة، فخلع عليهما، فطيف بهما البلد فبينما هما كذلك حضر رجل ذكر أن أباه ورد من مكة بهذا الكتاب، وأن هذين البدويين اعترضاه في طريقه وقتلاه، وأخذا الكتاب منه، وورد به فتقدم إلى فخر الملك بالقبض عليهما ومعاقبتهما وحبسهما، وأطلق لولد المقتول ضلة.
وفي جمادى الآخرة: ورد الخبر بأن الحاكم صاحب مصر حظر على النساء الخروج من منازلهن والإطلاع من سطوحهن ودخول الحمامات، ومنع الأساكفة من عمل الخفاف لهن، وقتل عدة نسوة خالفن أمره في ذلك، وكان الحاكم قد لهج بالركوب بالليل يطوف الأسواق، ورتب في كل درب أصحاب أخبار يطالعونه بما يعرفونه، ورتبوا لهم عجائز يدخلن الدور ويرفعن إليهم أخبار النساء، وأن فلاناً يحب فلانة وفلانة تحب فلاناً، وأن تلك تجتمع مع صديقها، وهذا مع صاحبته، فكان أصحاب الأخبار يعرفون إليه ذلك، فينفذ من يقبض على المرأة التي سمع عنها مثل ذلك، فإذا اجتمع عنده جماعة منهن أمر بتغريقهن، فافتضح الناس وضجوا من ذلك.


فأمر برفعه والنداء بأنه متى خرجت المرأة من منزلها أباحت دمها ورأى بعد النداء عجائز ظاهرات فغرقهن، فكانت المرأة إذا ماتت كتب وليها رقعة إلى قاضي القضاة يلتمس غاسلة تغسلها فتوقع إلى صاحب المعونة إذا صح عندك وفاة المرأة المذكورة أمرت رجلين من ثقاتك أن يحملوا الغاسلة تغسلها، ثم تعاد إلى منزلها ثم هم بتغيير هذه السنة، فاتفق أن مر قاضي القضاة مالك بن سعيد الفارقي ببعض المحال، فنادته امرأة من روزنة لها، وأقسمت عليه بالحاكم وآبائه أن يقف لها، فوقف فبكت بكاء شديداً، وقالت: لي أخ لا أملك غيره، وعرفت أنه في آخر الرمق، وأنا أقسم عليك ألا أمرت بحملي إليه لأشاهده قبل أن يقضي نحبه، فرحمها ورق لها، وأمر رجلين من أصحابه أن يحملاها إلى الموضع الذي تدلهما عليه، فأغلقت باب دارها وتركت المفتاح عند جارة لها، وقالت: سلميه إلى زوجي. ومضت إلى باب فدقته فدخلت، وقالت للرجلين: انصرفا، وكانت الدار لرجل يهواها وتهواه، فلما رآها سر بها، فأخبرته بالحيلة التي نمت بها، فلما انصرف زوجها آخر النهار وجد بابه مغلقاً، فسأل الجيران فأخبروه بالحال وبما جرى لها مع قاضي القضاة، فدخل إلى بيته فبات في أقبح ليلة، ثم باكر في غذ دار قاضي القضاة فأعلن بالاستغاثة، فأحضر فقال: أنا زوج المرأة التي فعلت أمس في بابها ما فعلته، وما لها أخ وما أفارقك حتى تردها إلي. فعظم على قاضي القضاة ما سمعه وخاف الحاكم وسطوته إن لم يصدقه، فركب في الحال واستصحب الرجل، ودخل على الحاكم وهو مرعوب، فسأله عن قصته فقال: يا أمير المؤمنين لا بد بعفوك مما تم علي أمس، قال: وما هو؟ فشرح له الحال، فأمر بإحضار الرجل فأدخل عليه فأخبره بالحال فأمر قاضي القضاة أن يركب ويصطحب الرجلين الذي أنفذ بهما مع المرأة حتى يرشداه إلى الدار ليشاهد ما هو عليه، ويقبض على القوم ويحملهم، ففعل فوجد المرأة والرجل نائمين في إزار واحد على سكر، فحملا إلى الحاكم، فسأل المرأة عن الحال فأحالت على الشيطان وما حسنه لها، وسأل الرجل فقال: هذه امرأة هجمت علي وزعمت أنها خالية من زوج، وأني لو لم أتزوجها سعت بي إليك لتقتلني، فاستحللتها بموافقة جرت بيني وبينها، فتقدم الحاكم أن تلف المرأة في بارية وتحرق، وأن يضرب الرجل ألف سوط، وعاد الحاكم يتشدد على النساء ويمنعهن من الظهور إلى أن قتل.
وفي يوم الاثنين لليلة بقيت من رجب: ورد أبو الحسن أحمد بن أبي الشوارب، وقلد قضاء القضاة من الحضرة، وذلك أنه لما توفي أبو محمد بن الأكفاني سمى فخر الملك لذلك جماعة، وأنفذ ثبتاً بأسمائهم إلى حضرة الخليفة ليكون الاختيار إليه في التعيين على من يعين عليه، فوقع الاختيار على أبي الحسن ابن أبي الشوارب فولي.
وفي هذه السنة قلد علي بن مزيد أعمال بني دبيس بالجزيرة الأسدية، وخلع فخر الملك أبو غالب على هلال بن بدر، وأعاده إلى ولايته.
وفيها: عمر فخر الملك مسجد الشرقية، ونصب عليه شبابيك من حديد، وجرت النفقة على يدي أبي الحسن علي بن المنذر المحتسب.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
بكر بن شاذان بن بكر أبو القاسم المقرئ الواعظ. ولد سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة، وسمع جعفر الخلدي، وأبا بكر الشافعي، وقرأ القرآن على جماعة، روى عنه الأزهري، والخلال، وكان ثقة أميناً صالحاً.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، قال: حدثني الحسن بن غالب المقرئ أن بكر بن شاذان وأبا الفضل التميمي جرى بينهما كلام، فبدر من أبي الفضل كلمة ثقلت على بكر وانصرفا، ثم ندم التميمي فقصد أبا بكر بن يوسف، فقال له: قد كلمت بكراً بشيء جفا عليه وندمت على ذلك، وأريد أن تجمع بيني وبينه، فقال ابن يوسف: سوف يخرج لصلاة العصر، فخرج بكر وجاء إلى ابن يوسف والتميمي عنده، فقال له التميمي: أسألك أن تجعلني في حل، فقال: سبحان الله ما فارقتك حتى أحللتك، وانصرف فقال التميمي: قال لي والدي: يا عبدالواحد احذر أن تخاصم من إذا نمت كان منتبهاً؟ قال ابن غالب وانصرف التميمي. وكان لبكر ورد من الليل لا يخل به.
توفي في شوال هذه السنة، وله نيف وثمانون سنة، ولم تفته جمعة قط غير الجمعة التي مات في غدها، لأنه مات في غداة يوم السبت، ودفن في مقبرة أحمد.
بدر بن حسنويه بن الحسين أبو النجم الكردي


من أهل الجبل رتبه عضد الدولة أبو شجاع بعد موت حسنويه، فكانت له الولاية على الجبل وهمذان والدينور وبروجرد ونهاوند وأسداباذ وغير ذلك، وقامت هيبته بالشجاعة والسياسة والعدل وكثرة الصدقة وكناه القادر أبا النجم، ولقبه ناصر الدولة، وعقد له لواء وأنفذه إليه، وكانت أعماله آمنة، فإذا وقف حمل في البرية تركه صاحبه ومضى فجاء بما يحمله عليه، ولما عاث قومه في البلاد عمل لهم دعوة، وقدم فيها أنواع الطبائخ، ولم يقدم خبزاً فجلسوا ينتظرون الخبز، كلوا، قالوا: أين الخبز؟ قال: فإذا كنتم تعلمون أنه لا بد لكم منه فلم أفسدتم الحرث، لئن يعترض أحدكم بصاحب زرع لأقابلنه بسفك دمه.
واجتاز يوماً برجل محتطب وقد حمل الحطب على ظهره وهو يبكي، فقال له: ما لك؟ قال: إني ما استطعت البارحة طعاماً، وكان معي رغيفان أريد أن أتغذى بهما وأبيع الحطب، وأتقوت بثمنه أنا وعيالي، فاجتازني أحد الفرسان فأخذ الرغيفين، فقال: هل تعرفه؟ فقال: بوجهه، فجاء به إلى مضيق فوقف معه حتى اجتاز العسكر فمر صاحبه فقال: هذا، فأمر بدر أن ينزل عن فرسه وألزمه حمل الحطب على ظهره في البلد وبيعه وتسليم ثمنه إلى صاحبه جزاء لما فعل، فرام الرجل أن يفتدي نفسه بمال حتى بلغ بوزن الحطب دراهم، فلم يقبل منه حتى فعل ما أمره به، فقامت الهيبة في النفوس ولم يقدم بعدها أحد من أصحابه على شيء، وكانت جراياته وصدقاته متصلة على الفقهاء والأشراف والقضاة والشهود والأيتام و الضعفاء، وكان يصرف كل سنة ألف دينار إلى عشرين رجلاً يحجون عن والدته، وعن عضد الدولة لأنه كان السبب في ملكه، وكان يتصدق في كل جمعة بعشرة آلاف درهم على الضعفاء والأرامل ويصرف في كل سنة ثلاثة آلاف دينار إلى الأساكفة والحذائين بين همذان وبغداد ليقيموا للمنقطعين من الحاج الأحذية، وكان يصرف إلى تكفين الموتى كل شهر عشرين ألف درهم، ويعمر القناطر، واستحدث في أعماله ثلاثة آلاف مسجد وخان للغرباء، ولم يمر بماء جار إلا بنى عنده قرية، وكان ينفذ كل سنة في الصدقات على أهل الحرمين وخفر الطريق ومصالحها مائة ألف دينار، وكان ينفق على عمارة المصانع وتنقية الآبار، وجمع العلوفة في الطريق، وكان يعطي سكان المنازل رسوماً لقيامها ويحمل إلى الحرمين والكوفة وبغداد ما يفرق على الأشراف والفقهاء والقراء والفقراء وأهل البيوتات، فلما توفي انقطع ذلك وأثر في أحوال أهله ووقف أمر الحج، وكان يكثر من الصلاة والتسبيح ولا يقطع بره عن أحد لذنب، فإن مات أعاد ذلك على ولده، وكان يرتفع إلى خزانته في كلسنة بعد المؤن والصدقات عشرون ألف درهم لأنه كان يعمر الأماكن ويعدل وكان له من الدواب المرتبطة ألف وسبعمائة، وفي الجشير عشرون ألف رأس، وكان بدر قد حاصر حسن بن مسعود الكردي فضجر أصحابه من طول الحصار فجاءه رجل كردي، فقال له: أنهم قد عزموا على قتلك، فقال: من هؤلاء الكلاب حتى يقدموا على ذلك؟ فعاوده فقال: لا أريد نصحك، فهجموا عليه فقتلوه ونهبوا معسكره.
توفي هذه السنة، وكانت مدة إمارته اثنتين وثلاثين سنة، وحمل إلى مشهد أمير المؤمنين علي عليه السلام فدفن به، ووجد في قلعته أربعة عشرة ألف بدرة عيناً، وأربعين ألف بدرة ورقاً.
الحسن بن الحسين بن حكمان أبو علي الهمذاني أحد فقهاء الشافعية، نزل بغداد بقرب دار القطن في نهر طابق، وحدث عن الخلدي والنقاش وغيرهما من البغداديين والبصريين، وكان في شبيبته قد عني بالحديث، وقال: كتبت بالبصرة عن أربعمائة ونيف وسبعين شيخاً، ثم طلب الفقه بعد، فدرس على أبي حامد المروروذي. وروى عنه الأزهري، وقال: كان ضعيفاً ليس بشيء في الحديث.
توفي في جمادى الأولى من هذه السنة ودفن في منزله.
الحسن بن عثمان بن بكران بن جابر أبو محمد العطار ولد في سنة ثلاثين وثلثمائة. سمع إسماعيل الصفار، وأبا عمرو بن السماك، والنجاد، والنقاش. روى عنه الخلال، والبرقاني، والصيمري. وكان ثقة صالحاً ديناً. توفي في شعبان هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب.
عبد الله بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم، أبو محمد الأسدي ابن الأكفاني ولد سنة عشرة وثلثمائة، وحدث عن القاضي المحاملي، ومحمد بن مخلد، وابن عقدة وغيرهم روى عنه البرقاني، والتنوخي.


أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال: قال لي التنوخي: قال لي أبو إسحاق الطبري: من قال أن أحداً أنفق على العلم مائة ألف دينار غير أبي محمد ابن الأكفاني، فقد كذب، وقال لي التنوخي: ولي ابن الأكفاني قضاء مدينة المنصور، ثم ولي قضاء باب الطاق، وضم إليه سوق الثلاثاء، ثم جمع له قضاء جميع بغداد في سنة ست وتسعين وثلثمائة.
توفي أبو محمد الأكفاني في صفر هذه السنة عن خمس وثمانين سنة، ولي منها القضاء أربعين سنة نيابة ورياسة، ودفن في داره بنهر البزازين.
عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس أبو سعد الحافظ الإستراباذي ويعرف بالإدريسي، كان أبوه من استراباذ، وسكن هو سمرقند، وكان أحد من رحل في طلب العلم وعني بالحديث، وسمع من الاصم، وصنف تاريخ سمرقند وعرضه على الدارقطني، فقال: هذا كتاب حسن، وحدث ببغداد فسمع منه الأزهري، والتنوخي، وكان ثقة. وتوفي في هذه السنة.
عبد السلام بن الحسين بن محمد بن أحمد البصري اللغوي. ولد سنة تسع وعشرين وثلثمائة. سمع من جماعة وحدث ببغداد، وكان صدوقاً عالماً أديباً وقارئاً للقرآن عارفاً بالقراءات، وكان يتولى النظر ببغداد في دار الكتب، وكان سمحاً جواداً، وربما جاءه السائل وليس معه شيء يعطيه فيدفع إليه بعض كتبه التي لها قيمة كثيرة.
وتوفي في محرم هذه السنة، ودفن بالشونيزية عند قبر أبي علي الفارسي.
عبد الغفار بن عبد الرحمن أبو بكر الدينوري الفقيه كان آخر من أفتى على مذهب سفيان الثوري ببغداد في جامع المنصور، وكان إليه النظر في الجامع والقيام بأمره.
توفي في شوال هذه السنة، ودفن في المقبرة خلف الجامع.
عبد العزيز بن عمر بن محمد ابن نباتة، أبو نصر السعدي الشاعر له شعر موصوف.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أنشدنا علي بن محمد بن الحسن، الحربي، قال: أنشدنا أبو نصر بن نباتة لنفسه:
وإذا عجزت عن العدو فداره ... وامزح له إن المزاح وفاق
فالنار بالماء الذي هو ضده ... تعطي النضاج وطبعها الإحراق
توفي أبو نصر في شوال هذه السنة.
محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم بن الحكم، أبو عبد الله الحاكم الضبي. ابن البيع من أهل نيسابور ولد في سنة إحدى وعشرين وثلثمائة، وأول سماعه في سنة ثلاثين، وكان من أهل الفضل والعلم و العلم للحديث، وله في علوم الحديث مصنفات قدم بغداد وحدث عن أبي عمرو بن السماك، والنجاد، ودعلج وغيرهم ثم عاد فوردها وقد علت سنه فحدث بها عن أبي العباس الأصم وغيره. روى عنه الدارقطني، وابن أبي الفوارس، وغيرهما، وكان ثقة.
إلا أنه قد أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر أحمد بن ثابت قال: كان ابن البيع يميل إلى التشيع، فحدثني أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الأرموي، قال: جمع الحاكم أبو عبد الله أحاديث زعم أنها صحاح على شرط البخاري ومسلم يلزمهما إخراجها في صحيحهما، سمنها: حديث الطائر، ومن كنت مولاه فعلي مولاه، فأنكر عليه أصحاب الحديث ولم يلتفتوا فيه إلى قوله ولا صوبوه في فعله.
أخبرنا محمد بن ناصر، أخبرنا محمد بن طاهر المقدسي الحافظ، قال: قال أبو عبد الله الحاكم: حديث الطائر لم يخرج في الصحيح وهو صحيح. قال ابن طاهر: حديث موضوع إنما جاء من سقاط أهل الكوفة عن المشاهير والمجاهيل عن أنس وغيره، قال ابن طاهر: فلا يخلو الحاكم من أمرين: أما أنه يجهل الصحيح فلا يعتمد على ما يقوله، وأما يعلمه ثم يقول خلافه فيكون معانداً كذاباً.
أنبأنا محمد بن عبد الباقي، عن أبي محمد التميمي، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: دخلت على الحاكم أبي عبد الله وهو في داره لا يمكنه الخروج إلى المسجد من جهة أصحاب أبي عبد الله بن كرام، وذلك أنهم كسروا منبره ومنعوه من الخروج، فقلت له: لو خرجت وأمليت في فضائل هذا الرجل يعني معاوية لاسترحت من هذه المحنة، فقال: لا يجيء من قلبي، لا يجيء من قلبي، لا يجيء من قلبي.
توفي الحاكم بنيسابور في صفر هذه السنة.
هبة الله بن عيسى: كاتب مهذب الدولة علي بن نصر البطائحي كان وزيره ومدبر أمره وكان من أشد الكتاب ومترسليهم وكان يفضل على الأدباء والعلماء ومن شعره.


اضنن بليلى وهي غير سخية ... تبخل ليلى بالهوى وأجود
وأعذل في ليلى ولست بمنته ... وأعلم أني مخطئ وأعود
وقد ذكرنا خدمته للقادر وملاطفته له حين أقام عندهم بالبطيحة، وتحديث القادر له بالمنام الذي رآه، توفي في ربيع الأول من هذه السنة.
يوسف بن محمد بن كج، أبو القاسم: كان من شيوخ الشافعيين، وكانت له نعمة عظيمة، وولي القضاء بالدينور وأعمال بدر بن حسنويه، فلما تغيرت البلاد بهلاك بدر بن حسنويه قتله قوم من العيارين ليلة سبع وعشرين من رمضان هذه السنة.
ثم دخلت
سنة ست وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أنه وقع في يوم الثلاثاء غرة المحرم فتنة بين العوام كان سببها أن أهل الكرخ جازوا بباب الشعير فتولع بهم أهله فاقتتلوا وتعدى القتال إلى القلائين، فأنفذ فخر الملك الشريف المرتضى وغيره، فأنكروا على أهل الكرخ ما يجري من سفهائهم، واستقر الأمر على كفهم، وشرط عليهم أن لا يعلقوا في عاشوراء مسوحاً ولا يقيموا نوحاً.
وفي هذا الشهر: ورد الخبر بوقوع الوباء في البصرة حتى عجز الحفارون عن حفر القبور، وأنه أظلت البلد سحابة في حزيران فأمطرت مطراً كثيراً.
وفي يوم السبت الثالث من صفر قلد الشريف المرتضى أبو القاسم الموسوي الحج والمظالم ونقابة نقباء الطالبيين، وجميع ما كان لأخيه الرضي، وجمع الناس لقراءة عهده في الدارالملكية وحضر فخر الملك والأشراف والقضاء والفقهاء وكان في العهد، هذا ما عاهد عبد الله أبو العباس أحمد الإمام القادر بالله أمير المؤمنين إلى علي بن موسى العلوي حين قربته إليه الأنساب الزكية، وقدمته لديه الأسباب القوية، واستظل معه بأغصان الدوحة الكريمة، واختص عنده بوسائل الحرمة الوكيدة، فقلد الحج والنقابة، وأمره بتقوى الله، وذكر كلاماً فيه طول من إيصائه بالخير واللطف فيما استرعي.
وفي آخر صفر ورد خبر الحاج بعد تأخره بهلاك الكثير منهم، وكانوا عشرين ألفاً فسلم ستة آلاف، وإن الأمر اشتد بهم حتى شربوا أبوال الجمال وأكلوا لحومها.
وفي ذي القعدة ورد الحاج الخراسانية، ووقف أمر الحاج لضيق الوقت، وأنه لم يرتب مع العرب ما يقع إلى مثله سكون.
وفي هذه السنة: ورد الخبر أن محموداً غزا الهند وغره أدلاؤه وأضلوه الطريق فحصل في مياه فاضت من البحر، فغرق كثير ممن كان معه، وخاض الماء بنفسه أياماً ثم تخلص وعاد إلى خراسان.
؟ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن محمد بن أحمد، أبو حامد الأسفرائيني أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، قال: قدم أبو حامد الاسفرائيني بغداد وهو حدث، فدرس فقه الشافعي على أبي الحسن ابن المرزبان، ثم على أبي القاسم الداركي، فأقام ببغداد مشتغلاً بالعلم حتى انتهت إليه الرياسة، وعظم جاهه عند الملوك والعوام، وحدث عن أبي بكر الإسماعيلي وغيره، حدثنا عنه الخلال والأزجي وكان ثقة، وقد رأيته غير مرة وحضرت تدريسه في مسجد عبد الله ابن المبارك، وهو المسجد الذي في صدر قطيعة الربيع، وسمعت من يذكر أنه كان يحضر تدريسه سبعمائة متفقه، وكان الناس يقولون: لو رآه الشافعي لفرح به.
قال المصنف: وقد ذكر أنه كان يقصده الوزير فخر الملك أبو غالب وغيره من الأكابر، وكان يحمل إليه من البلاد الزكوات والصدقات فيفرقها، وكان يجري على فقراء أصحابه في كل شهر مائة وستين ديناراً، وأعطى الحاج في بعض السنين أربعة عشر ألف دينار.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، حدثنا محمد بن روق الأسدي، قال: سمعت أبا الحسن ابن القدوري، يقول: ما رأيت في الشافعيين أفقه من أبي حامد.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد، قال: حدثني إبراهيم بن علي الشيرازي، قال: سألت القاضي أبا عبد الله الصيمري: من أنظر من رأيت من الفقهاء؟ فقال أبو حامد الإسفرائيني.


أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد، قال: مات أبو حامد الاسفرائيني ليلة السبت لإحدى عشرة ليلة بقيت من شوال سنة ست وأربعمائة، ودفن من الغد وصليت على جنازته في الصحراء، وكان إمام جنازته في الصلاة أبو عبد الله بن المهتدي خطيب جامع المنصور، وكان يوماً مشهوداً بكثرة الناس، وعظم الحزن عليه وشدة البكاء، ودفن في داره إلى أن نقل منها، ودفن بباب حرب سنة ست عشرة وأربعمائة قال في المصنف: وبلغ من العمر إحدى وستين سنة وشهوراً.
عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن علي، أبو أحمد بن أبي مسلم الفرضي المقرئ ابن مهران سمع القاضي المحاملي، ويوسف بن يعقوب، وحضر مجلس أبي بكر ابن الأنباري، وكان إماماً ثقة ورعاً.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: حدثني أبو القاسم منصور بن عمر الفقيه الكرخي، قال: لم أر في الشيوخ من تعلم العلم لله خالصاً لا يشوبه شيء من الدنيا غير أبي أحمد الفرضي، فإنه كان يكره أدنى سبب حتى المديح لأهل العلم وكان قد اجتمعت فيه أدوات الرياسة من قراءات وإسناد وحالة متسعة من الدنيا، وكان أورع الخلق، وكان يبتدئ كل يوم بتدريس القرآن، ويحضر عنده الشيخ الكبير وذو الهيئة فتقدم عليه الحديث لأجل سبقه، فإذا فرغ من إقراء القرآن تولى قراءة الحديث علينا بنفسه، فلا يزال كذلك حتى يستنفذ قوته ويبلغ النهاية في جهده في القراءة، ثم يضع الكتاب من يده فحينئذ يقطع المجلس وينصرف، وكنت أجالسه وأطيل القعود معه وهو على حالة واحدة لا يتحرك ولا يبعث بشيء من أعضائه ولا يغير شيئاً من هيئته حتى أفارقه، قال: وبلغني أنه كان يجلس مع أهله على هذا الوصف، ولم أر في الشيوخ مثله.
أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد، أخبرنا أحمد بن علي، قال: حدثني عيسى بن أحمد الهمذاني، قال: سمعت علي بن عبد الواحد بن مهدي، يقول: اختلفت إلى أبي أحمد الفرضي ثلاث عشرة سنة لم أره ضحك فيها غير أنه قرأ علينا يوماً كتاب الإنبساط فأراد أن يضحك فغطى فمه، وكان إذا جاء إلى أبي حامد الاسفرائيني قام أبو حامد من مجلسه ومشى إلى باب مسجده حافياً مستقبلاً له.
قال: وكتب أبو حامد كتاباً إلى أبي أحمد يشفع له أن يأخذ عليه القرآن فظن أبو أحمد أنها مسألة قد استفتي فيها، فلما قرأ الكتاب غضب ورماه عن يده وقال: لا أقرئ القرآن بشفاعة أو كما قال.
توفي أبو أحمد في شوال هذه السنة، ودفن في مقبرة جامع المدينة، وقد بلغ ثنتين وثمانين سنة.
عبد الملك بن أبي عثمان واسم أبي عثمان محمد بن إبراهيم ويكنى عبد الملك أبا سعيد الواعظ من أهل نيسابور. حدث عن أبي عمرو بن مطر، وإسماعيل بن نجيد. روى عنه الأزهري، والأزجي، والتنوخي، وكان ثقة صالحاً ورعاً زاهداً، وتوفي في هذه السنة.
محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو الحسن العلوي ولد سنة تسع وخمسين وثلثمائة، ولقبه بهاء الدولة بالرضي ذي الحسبين، ولقب أخاه بالمرتضى ذي المجدين، وكان الرضي نقيب الطالبيين ببغداد، حفظ القرآن في مدة يسيرة بعد أن جاوز ثلاثين سنة، وعرف من الفقه والفرائض طرفاً قوياً، وكان عالماً فاضلاً وشاعراً مترسلاً عفيفاً عالي الهمة متديناً، اشترى في بعض الأيام جزازاً من امرأة بخمسة دراهم فوجد فيه جزءاً بخط أبي عبد الله بن مقلة، فقال للدلال: أحضر المرأة، فأحضرها، فقال: قد وجدت في الجزاز جزءاً بخط ابن مقلة، فإن أردت الجزء فخذيه وإن أردت ثمنه، فهذه خمسة دراهم، فأخذتها ودعت له وانصرفت وكان سخياً جواداً.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد عن أبي غالب بن بشران، قال: حدثني الخالع، قال: مدحت الرضي بقصيدة فجاءني غلامه بتسعة وأربعين درهماً، فقلت: لا شك أن الغلام قد خانني، فلما كان بعد أيام اجتزت بسوق العروس فرأيت رجلاً يقول لآخر: أتشتري هذا الصحن فإنه يساوي خمسة دنانير، ولقد أخرج من دار الشريف الرضي. فبيع بتسعة وأربعين درهماً، فعلمت أني مدحته وهو مضيق، فباع الصحن وأنفذ الثمن إلي، وكان شعر الرضي غاية في الحسن.


أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الله الكاتب بحضرة أبي الحسين بن محفوظ، وكان أحد الرؤساء، يقول: سمعت جماعة من أهل العلم بالأدب يقولون: إن الرضي أشعر قريش، فقال ابن محفوظ: هذا صحيح، وقد كان في قريش من يجيد القول إلا أنه شعره قليل، فأما مجيد مكثر فليس إلا الرضي.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر الخطيب، قال: أنشدني القاضي أبو العلاء الواسطي، قال: أنشدنا الشريف الرضي لنفسه:
اشتر العز بما شئت ... فما العز بغالي
بالقصار الصفر إن شئت ... أو السمر الطوال
ليس بالمغبون عقلاً ... من شرى عزاً بمال
إنما يدخر الما ... ل لحاجات الرجال
والغني من جعل الأمو ... ال أثمان المعالي
وله:
في الناس غير مطهر ... والحر معدوم النظير
والغسل يخبث بعضه ... ما كل ماء للطهور
لك دون أعراض الرجال ... حمية الرجل الغيور
ولماء كفك في المحول ... طلاقة العام المطير
آثار شكرك في فمي ... وسليم ودك في ضميري
وله:
إلا أتى حسرة الحاسدين ... وما حسرة العجم إلا العرب
فلا لبسوا غير هذا الشعار ... ولا رزقوا غير هذا اللقب
وله:
ذنبي إلى البهم الكودان أنني ... الطرف المطهم والأغر الأقرح
يولينني خزر العيون لأنني ... غلست في طلب العلا وتصبحوا
وجذبت بالطول الذي لم يجذبوا ... ومنحت بالغرب الذي لم يمنحوا
لو لم يكن لي في العيون مهابة ... لم تطعن الأعداء في ويقدحوا
نظر وابعين عداوة لو أنها ... عين الهوى لاستحسنوا ما استقبحوا
وله:
يا طائر البان غريداً على فنن ... ما هاج نوحك لي يا طائر البان
هل أنت مبلغ من هام الفؤاد به ... أن الطليق يؤدي حاجة العاني
ضمانة ما جناها غير مقلته ... يوم الوداع وأشواقي إلى الجاني
لولا تذكر أيامي بذي سلم ... وعند رامة أوطاري وأوطاني
لما قدحت بنار الوجد في كبدي ... ولا بللت بماء الدمع أجفاني
وأشعاره كثيرة مستحسنة، وإنما ذكرت منها هذا. وجرت للرضي قصة مع القادر بالله في أبيات رفع إليه أنه قالها وهي هذه:
كم مقامي على الهون وعندي ... مقول قاطع وأنف حمي
وإباء محلق بي عن الضيم ... كما راع طائر وحشي
أي عذر له إلى المجد ان ذ ... ل غلام في غمده المشرفي
ألبس الذل في ديار الأعادي ... وبمصر الخليفة العلوي
من أبوه أبي ومولاه مولا ... ي إذا ضافتي البعيد القصي
لف عرقي بعرقه سيد النا ... س جميعاً محمد وعلي
إن خوفي في ذلك الربع أمن ... وأوامي بذلك الورد ري
قد يذل العزيز ما لم يشمر ... لانطلاق وقد يضام الأبي
كالذي يقبس الظلام وقد أقم ... ر من خلفه الهلال المضي
ولما كتب أصحاب الأخبار بهذه إلى القادر، غاظه أمرها، واستدعى القاضي أبا بكر محمد بن الطيب، وأنفذه إلى الشريف الطاهر أبي أحمد برسالة في هذا المعنى، فقال القاضي أبو بكر في الرسالة: " قد علمت موضعك منا ومنزلتك عندنا وما لا نزال من الاعتداد بك، والثقة بصدق الموالاة منك، وما تقدم لك في الدولة العباسية من خدم سابقة ومواقف محمودة، وليس يجوز أن تكون على خليفة نرضاها ويكون والدك على ما يضادها، وقد بلغنا أنه قال شعراً هو كذا فيا ليت شعرنا على أي مقام ذل أقام، وما الذي دعاه إلى هذا المقال، وهو ناظر في النقابة والحج فيما في أجل الأعمال وأقصاها علواً في المنزلة، وعساه لو كان بمصر لما خرج من جملة الرعية، وما رأينا على بلوغ الامتعاض منا مبلغه أن تخرج بهذا الولد عن شكواه إليك وإصلاحه على يديك " .


فقال الشريف الطاهر: " والله ما عرفت هذا ولا أنا وأولادي إلا خدم الحضرة المقدسة المعترفون بالحق لها والنعمة منها، وكان في حكم التفضل أن يهذب هذا الولد بإنفاذ من يحمله إلى الدار العزيزة، ثم يتقدم في تأديبه بما يفعل، بأهل الغرة والحداثة " .
فقال له القاضي أبو بكر: الشريف يفعلفي ذلك ما يراه الحضرة المقدسة، فيزول ما خامرها به ثم استدعى الشريف ابنيه المرتضى والرضي، وعاتب الرضي العتاب المستوفي.
فقال له: ما قلت هذه الأبيات ولا أعرفها. فقال له: إذا كنت تنكرها فاكتب خطك للخليفة بمثل ما كنت كتبت به في أمر صاحب مصر، واذكره بما أذكره به من الادعاء في نسبه، فقال: لا أفعل، فقال له: كأنك تكذبني بالامتناع عن مثل قولي، قال: ما أكذبك، ولكني أخاف الديلم ومن للرجل من الدعاة بهذه البلاد، فقال: يال العجب تخاف من هو منك على بلاد بعيدة وتراقبه وتسخط من أنت بمرأى منه ومسمع وهو قادر عليك وعلى أهلك، وتردد القول بينهما حتى غلط الرضي في الجواب، فصاح الطاهر أبو محمد، وقام الرضي، وحلف الطاهر أن لا يقيم معه في بلد، وآل الأمر إلى إنفاذ القاضي أبي بكر وأبي حامد الاسفرائيني، وأخذا اليمين على الرضي أنه لم يقل الشعر المنسوب إليه، ولا يعرفه واندرجت القصة على هذا.
توفي الرضي يوم الأحد لست خلون من محرم هذه السنة، وحضر الوزير فخر الملك وجميع الأشراف والقضاة والشهود والأعيان، ودفن في داره بمسجد الأنباريين، ومضى أخوه المرتضى إلى المشهد بمقابر قريش لأنه لم يستطع أن ينظر إلى تابوته، ودفنه وصلى عليه الوزير فخر الملك في الدار مع جماعة أمهم أبو عبد الله بن المهلوس العلوي، ثم دخل الناس أفواجاً، فصلوا عليه، وركب فخر الملك في آخر النهار فعزى المرتضى وألزمه العود إلى داره ففعل، وكان مما رثاه أخوه المرتضى:
يال الرجال لفجعة جذمت يدي ... ووددتها ذهبت علي برأسي
ما زلت آبي وردها حتى أتت ... فحسوتها في بعض ما أنا حاسي
ومطلتها زماناً فلما صممت ... لم يثنها مطلي وطول مكاسي
لا تنكرن من فيض دمعي عبرة ... فالدمع خير مساعد ومواسي
واها لعمرك من قصير طاهر ... ولرب عمر طال بالأرجاس
ثم دخلت
سنة سبع وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أنه في شهر ربيع الأول احترق مشهد الحسين عليه السلام والأروقة، وكان السبب في ذلك أن العوام أشعلوا شمعتين كبيرتين فسقطتا في جوف الليل على التأزير فأحرقتاه وتعدت النار.
وفي عشر بقين من هذا الشهر: احترق نهر طابق ودار الركن اليماني من البيت الحرام، وسقوط حائط بين يدي قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ووقوع القبة الكبيرة على الصخرة ببيت المقدس وأن حريقاً وقع في بعض الجامع بسامرا.
وفي هذا الشهر: اتصلت الفتنة بين الشيعة والسنة بواسط، ونهبت محال الشيعة والزيدية بواسط، واحترقت وهرب وجوه الشيعة والعلويين، فقصدوا علي بن مزيد واستنصروه.
وفي ربيع الآخر: خلع على أبي الحسن بن الفضل الرامهرمزي خلع الوزارة من قبل سلطان الدولة، وهو الذي بنى سور الحائر بمشهد الحسين.
وكانت في هذه السنة وقعة بين سلطان الدولة أبي شجاع وأخيه أبي الفوارس، انهزم فيها أبو الفوارس بعد أن دخل شيراز وملكها.
وفي هذه السنة: ملك محمود بن سبكتكين خوارزم، ونقل أهلها إلى الهند، ولم يحج الناس في هذه السنة من خراسان ولا العراق.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن محمد بن يوسف بن محمد، أبو عبد الله البزاز ابن دوست ولد في صفر سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة، وحدث عن محمد بن جعفر المطيري، وإسماعيل الصفار، والبرذعي، وغيرهم، وكان مكثراً من الحديث عارفاً به حافظاً له، أملى الحديث من حفظه وابن شاهين، والمخلص حين تكلموا فيه بشيء لا يؤثر، فقال الأزهري: رأيت كتبه كلها طرية، وكان يذكر أن أصوله العتق غرقت، وهذا ليس بشيء لأنه من الجائز أن يكون قد قابل بالطرية نسخاً قد قرئت عليه، وقد كان الرجل يملي من حفظه، فيجوز أن يكون حافظاً لما ذهب.


أخبرنا القزاز، أخبرنا ابن ثابت، قال: حدثني عيسى بن أحمد بن عثمان الهمذاني، قال: سمعت حمزة بن محمد بن طاهر، يقول: مكث ابن دوست سبع عشرة سنة يملي الحديث عارفاً بالفقه على مذهب مالك، وكان عنده عن إسماعيل الصفار وحده صندوق، سوى ما كان عنده من غيره، قال: وكان يذاكر بحضرة الدار قطني، ويتكلم في علم الحديث، فتكلم فيه الدارقطني بذلك السبب، وكان محمد بن أبي الفوارس ينكر مضينا إليه وسماعنا منه، ثم جاء بعد ذلك وسمع عنه.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي الخطيب قال:حدثني أبو عبد الله الصوري، قال: قال حمزة بن محمد بن طاهر: قلت لخالي أبي عبد الله بن دوست: أراك تملي المجالس من حفظك فلم لا تملي من كتابك؟ فقال لي: انظر فيما أمليت فإن كان في ذلك خطأ لم أمل من حفظي، وإن كان جميعه صواباً فما الحاجة إلى الكتاب.
توفي أبو عبد الله ابن دوست في رمضان هذه السنة، ودفن حذاء منارة جامع المنصور.
محمد بن أحمد بن خلف بن خاقان أبو الطيب العكبري سكن بغداد وحدث بها عن محمد بن أيوب الزاهد، وإبراهيم بن علي الباقلاوي وغيرهما.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: سألت أبا القاسم عبد الواحد بن علي بن برهان عنه، فعرفه ووثقه وأثنى عليه ثناء حسناً، وقال: كان صدوقاً.
قال ابن ثابت: وحدثني عنه أبو منصور بن عبد العزيز العكبري، وقال لي: ولد بعكبرا في سنة ثلاث عشرة وثلثمائة، وسمعنا منه ببغداد وبعكبرا، ومات ببغداد سنة سبع وأربعمائة.
محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل، أبو الحسين الضبي القاضي المحاملي سمع إسماعيل بن محمد الصفار وأبا عمرو بن السماك، وأبا بكر النجاد، وأبا عمر الزاهد، وكان ثقة صادقاً خيراً.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، أخبرنا عبد الكريم بن محمد الضبي، أخبرنا أبو الحسن الدارقطني، قال: محمد بن أحمد بن القاسم أبو الحسين المحاملي الفقيه الشافعي حفظ القرآن والفرائض وحسابها والدور ودرس الفقه على مذهب الإمام الشافعي، وكتب الحديث، ولزم العلم، ونشأ فيه، وهو عندي ممن يزداد خيراً كل يوم، مولده سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة.
قال ابن ثابت: مات أبو الحسن يوم الخميس العاشر من رجب سنة سبع وأربعمائة.
محمد بن الحسين بن محمد بن الهيثم أبو عمر البسطامي الواعظ الفقيه على مذهب الشافعي. كان مناظراً، وكان أبو حامد يجله ولي قضاء نيسابور، وحدث عن الطبراني وغيره، وتوفي بنيسابور في هذه السنة.
محمد بن علي بن خلف، أبو غالب الوزير فخر الملك كان من أهل واسط، وكان أبوه صيرفياً، فتنقلت به الأحوال إلى خدمة بهاء الدولة ابن عضد الدولة، وحمل إليه أموال بدر بن حسنويه، وحصل لنفسه منها الكثير، ولما خلعت عليه خلع الوزارة أعطى كل واحد من صغار الحواشي مائة دينار ودستاً من الثياب، وأعطى حراس دار الملك السودان كل واحد عشرين ديناراً، وكانوا يزيدون على الخمسين، وسد البثوق، وعمر سواد الكوفة، وعمل الجسر ببغداد، وكان قد نسى وبطل وعمل له درابزينات، وعمر المارستان وداره بأعلى الحريم الظاهري قال لها الفخرية، وهذه الدار كانت للمتقي لله وابتاعها عز الدولة بختيار بن معز الدولة وخربت فعمرها فخر الملك وأنفق عليها أموالاً كثيرة وفرغ منها في رمضان سنة اثنتين وأربعمائة.
وعصفت في هذه السنة ريح، فقصفت ببغداد زائداً على عشرين ألف نخلة، فاستعمل فخر الملك أكثرها في أبنيته ، وكان كثير الصلاة والصلات يجري على الفقهاء ما بين بغداد وشيراز، وكسا في يوم ألف فقير، وسن تفرقة الحلوى في النصف من رمضان، وأهما بعض الواجبات، فعوقب سريعاً وذلك أن بعض خواصه قتل رجلاً ظلماً، فتصدت له زوجة المقتول تستغيث ولا يلتفت إليها، فلقيته ليلة في مشهد باب التبن وقد حضر للزيارة، فقالت له: يا فخر الملك القصص التي كنت أرفعها إليك ولا تلتفت إليها قد صرت أرفعها إلى الله تعالى، وأنا منتظرة خروج التوقيع من جهته، فلما قبض عليه، قال: لا شك أن توقيعها قد خرج.


وقتله سلطان الدولة بن بهاء الدولة بالأهواز في هذه السنة وكان عمره اثنتين وخمسين سنة، وأشهر وأخذ من ماله ما بلغ ستمائة ونيفاً وثلاثين ألف دينار سوى الضياعات والثياب والفروش والآلات، وقيل: أنه وجد له ألف ألف ومائتا ألف دينار مطيعية، وكان استخراج ماله عجيباً، وذلك أن أبا علي الرخجي الوزير أثار هذه الأموال، وكانت ودائع عند الناس، وكان فخر الملك قد احتجز لنفسه من قلعة بدر بن حسنويه ما يزيد على ثلاثة آلاف ألف دينار، وأودعها جماعة فوقف الرخجي على تذكرة له فاستخرجها من غير ضرب بعصا على ما نذكر في ترجمة الرخجي، وقد ذكر فيها أقواماً قد لحن بأسمائهم وكنى عن ألقابهم.
ثم دخلت
سنة ثمان وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أن الفتنة بين الشيعة والسنة تفاقمت، وعمل أهل نهر القلائين باباً على موضعهم، وعمل أهل الكرخ باباً على الدقاقين مما يليهم، وقتل الناس على هذين البابين، وركب المقدام أبو مقاتل، وكان على الشرطة ليدخل الكرخ فمنعه أهلها والعيارون الذين فيها، وقاتلوه فأحرق الدكاكين وأطراف نهر الدجاج، ولم يتهيأ له الدخول.
وفي هذه السنة: استتاب القادر المبتدعة.
أخبرنا سعد الله بن علي البزاز، أخبرنا أبو بكر الطريثيثي، أخبرنا هبة الله بن الحسن الطبري، قال: وفي سنة ثمان وأربعمائة استتاب القادر بالله أمير المؤمنين فقهاء المعتزلة الحنفية، فأظهروا الرجوع، وتبرأوا من الاعتزال، ثم نهاهم عن الكلام والتدريس والمناظرة في الاعتزال والرفض والمقالات المخالفة للإسلام، وأخذ خطوطهم بذلك، وأنهم متى خالفوه حل بهم من النكال والعقوبة ما يتعظ به أمثالهم، وامتثل يمين الدولة وأمين الملة أبو القاسم محمود أمر أمير المؤمنين، واستن بسننه في أعماله التي استخلفه عليها من خراسان وغيرها في قتل المعتزلة والرافضة والإسماعيلية والقرامطة والجهمية والمشبهة، وصلبهم وحبسهم ونفاهم، وأمر بلعنهم على منابر المسلمين، وإيعاد كل طائفة من أهل البدع وطردهم عن ديارهم، وصار ذلك سنة في الإسلام.
وفي هذه السنة: عقد سلطان الدولة على جبارة بنت قرواش بن المقلد بصداق مبلغه خمسون ألف دينار.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
إسماعيل بن الحسن بن علي بن عباس أبو علي الصيرفي روى عنه الصيمري، والأزجي، وكان صدوقاً توفي في رمضان هذه السنة ودفن بمقبرة العباسية بالجانب الشرقي.
الحسن بن محمد بن يحيى، أبو محمد المقرئ ابن الفحام من أهل سر من رأى، حدث عن إسماعيلالصفار، وقرأ القرآن على النقاش، وكان ينفقه للشافعي، وكان يرمى بالتشيع، وتوفي بسر من رأى في هذه السنة.
شباشي الحاجب يكنى أبا طاهر المشطب مولى شرف الدولة أبي الفوارس بن عضد الدولة، لقبه بهاء الدولة أبو نصر بالسعيد ذي العضدين، ولقبه أبو الهيجا بختكين الجرجاني بالمناصح، وأشرك بينهما في مراعاة أمور الأتراك ببغداد، وكان السعيد كثير الصدقة، فائض المعروف حتى أن أهل بغداد إذا رأوا من لبس قميصاً جديداً قالوا: رحم الله السعيد، لأنه كان يكسو اليتامى والضعفاء، وهو الذي بنى قنطرة الخندق والياسرية والزياتين ووقف جباتها على المارستان، وكان ارتفاعها أربعين كراً وألف دينار، ووقف على الجسر خان النرسي بالكرخ، ووقف عليه لربحي بالقفص، وسد بثق الخالص، وحفر ذنابة دجيل، وساق الماء منها إلى مقابر قريش، وعمل المشهد بكوخ ودربه بقرب واسط، وحفر المصانع عنده وفي طريقه، وله آبار كثيرة بطريق مكة، وكان الأصبهسلارية قد أخرجوا يوم العيد الجنائب بمراكب الذهب، وأظهروا الزينة، فقال له بعض أصحابه: لو كان لنا شيء أظهرناه، فقال له: ألا أنه ليس في جنائبهم قنطرة الياسرية والخندق.


توفي في شوال هذه السنة، ودفن في مقبرة الإمام أحمد بن حنبل في تربة معروفة به، ووصى أن لا يبنى عليه، فخالفوه وبنوا قبة فسقطت، واتفق أن بعد تسعين سنة حمل ميت إلى المقبرة فتبعه النساء فتقدمتهن عجوز إلى تربة السعيد فلطمت ووافقها النساء وعدن إلى بيوتهن، فانتبهت العجوز من منامها مذعورة، وقالت: رأيت تركياً بيده دبوس وقد خرج من التربة فأراد أن يضربني، وقال: أتيت من البعد إلى تربتي فلطمت وصويحباتك فيها أبيني وبينك قرابة، فلقد آذيتموني. فسألوا عن التربة، فإذا هي تربة السعيد، فتجنبها النساء بعد ذلك.
علي بن مزيد ولي الولايات والأعمال وقصد في آخر أمره السلطان، فاعتل في طريقه، فبعث ابنه أبا الأغر دبيسا للنيابة عنه، وكتب يسال تقليده ولاية عهده وإقرار أعماله في يده، فأجيب وخلع على دبيس، وكتب له المنشور بالولاية. توفي علي في هذه السنة.
ثم دخلت
سنة تسع وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أنه قرئ يوم الخميس السابع عشر من المحرم في الموكب بدار الخلافة كتاب بمذاهب السنة، وقيل فيه: من قال إن القرآن مخلوق فهو كافر حلال الدم.
وفي يوم الخميس النصف من جمادى الأولى: فاض ماء البحر المالح ووافى إلى الأبلة، ودخل إلى البصرة بعد يومين.
وفي شوال: تقلد أبو محمد علي بن أحمد بن بشر الخراساني القضاء بالبصرة، وكان قبل ذلك قاضي البطيحة.
وورد الخراسانية والناس مع المختار إلى علي بن عبيد الله، ورجعوا من شاطئ الفرات، ولم يعبروا التأخر الأمر في عقد الجسر، وضيق الوقت.
وفيها: دخل سلطان الدولة بغداد، ونظر أبو القاسم جعفر بن محمد بن فسانجس في الوزارة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
رجاء بن عيسى بن محمد أبو العباس الأنصناوي وأنصنا قرية من قرى صعيد مصر. ولد سنة سبع وعشرين، وسمع جماعة من شيوخ مصر، وقدم بغداد فحدث بها، فسمع منه أبو عبد الله بن بكير، والعتيقي.
وكان فقيهاً مالكياً فرضياً ثقة في الحديث متحرياً في الرواية، مقبول الشهادة عند القضاة. وتوفي بمصر في هذه السنة.
عبد الله بن محمد بن أبي علان، أبو أحمد قاضي الأهواز مولده سنة إحدى وعشرين وثلثمائة، وله مصنفات كثيرة من جملتها: معجزات النبي صلى الله عليه وسلم جمع له فيها ألف معجزة، وهو أحد شيوخ المعتزلة، وكان يؤدي خراج ضياعه بالأهواز تسعين ألف دينار، وكان أصهاره يؤدون ثلاثين ألف دينار. وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة، عن تسع وثمانين سنة.
علي بن نصر، أبو الحسن مهذب الدولة صاحب البطائح كان له كرم ووفاء، وكان الناس يلتجئون إليه في الشدائد وأكبر فخره نزول القادر عليه وخدمته إياه إلى أن جاءته الخلافة.
قال الوزير أبو شجاع: توجت الأيام مفرق فخاره بمقام القادر بالله في جواره، وصاغت له المنقبة حسباً وصارت له إلى استحقاق المدح سبباً. كان يرتفع له من إقطاعه تسعة آلاف وستمائة كر من الحنطة، وثلاثة عشر ألف وثلثمائة وسبعون كراً من الشعير، وثمانية آلاف كر من الأرز، ومن الورق ألفا ألف وسبعمائة ألف وخمسون ألفاً.
وكان بعض بلاده تضمن بعشرة آلاف دينار، تزوج بنت الملك بهاء الدولة أبي نصر وأعانه نوائبه وأقرضه أموالاً كثيرة، وولي البطائح اثنتين وثلاثين سنة وشهوراً، وكان سبب موته أنه افتصد وانتفخ ساعده، وأخذه داء الحمرة.
توفي في جمادى الأولى من هذه السنة عن اثنتين وسبعين سنة.
عبد الغني بن سعيد بن علي بن سعيد بن بشران بن مروان بن عبد العزيز، أبو محمد الأزدي المصري الحافظ كان عالماً بالحديث وأسماء الرجال متقناً، قال الطيوري: ما رأت عيناي مثله في معناه.
أخبرنا ابن ناصر، أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، وأبو الفضل بن خيرون، قالا: أخبرنا أبو عبد الله الصوري، قال: قال لي عبد الغني بن سعيد: ولدت لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة. توفي في صفر سنة تسع وأربعمائة.
قال الصوري: وقال لي أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن أبي يزيد الأزدي، قال لي أبي: خرجنا يوماً مع الدارقطني من عند أبي جعفر الحسين، فلقيه عبد الغني بن سعيد ، فسلم على أبي الحسن، فقال: يا أصحابنا ما التقيت من مرة مع شابكم هذا فانصرفت عنه إلا بفائدة أو كما قال الصوري:


وقال لي أبو الفتح منصور بن علي الطرسوسي، وكان شيخاً صالحاً، لما أراد أبو الحسن الدارقطني الخروج من عندنا من مصر خرجنا معه نودعه، فلما ودعنا بكينا، فقال: لم تبكون؟ فقلنا: نبكي لما فقدناه من علمك وعدمناه من فوائدك، قال: تقولون هذا وعندكم عبد الغني وفيه الخلف.
قال الصوري: وقال لي أبو بكر البرقاني سألت الدارقطني بعد قدومه من مصر، هل رأيت في طريقك من يفهم شيئاً من العلم؟ فقال لي: ما رأيت في طول طريقي أحداً إلا شاباً بمصر يقال له عبد الغني كأنه شعلة من نار، وجعل يفخم أمره، ويرفع ذكره.
أخبرنا ابن ناصر، أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، أخبرنا أبو عبد الله الصوري، أخبرنا عبد الغني الحافظ، قال: لما وصل كتابي الذي عملته في أغلاط أبي عبد الله الحاكم أجابني بالشكر عليه، وذكر أنه أملاه على الناس، وضمن كتابه إلي الاعتراف بالفائدة، وبأنه لا يذكرها لي غني، وأن أبا العباس محمد بن يعقوب الأصم حدثهم، قال: حدثنا العباس بن محمد الدوري قال: سمعت أبا عبيد يقول: من شكر العلم أن يستفيد الشيء فإذا ذكر لك قلت حقي على كذا وكذا، ولم يكن به علم حتى أفادني فلان كذا وكذا، فهذا شكر العلم.
محمد بن أمير المؤمنين القادر بالله ويكنى أبا الفضل وكان أبوه رشحه للخلافة وجعله ولي عهده، ولقبه الغالب بالله، ونقش على السكة اسمه، وعي له في الخطبة بولاية العهد بعده، ثم أدركه أجله، فتوفي في رمضان هذه السنة، وكان مولده في ليلة الاثنين لسبع بقين من شوال سنة اثنتين وثمانين وثلثمائة، ودفن بالرصافة.
محمد بن إبراهيم بن محمد بن يزيد، أبو الفتح البزاز الطرسوسي ابن البصري سمع خلقاً كثيراً، وروى عنه البرقاني، والأزهري، وغيرهما، واستوطن بيت المقدس.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، قال: قال لي محمد بن علي الصوري، وقد سمع من محمد بن إبراهيم: كان ثقة، ومات ببيت المقدس رحمه الله.
ثم دخلت
سنة عشر وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أنه ورد إلى القادر بالله كتاب من يمين الدولة أبي القاسم محمود بن سبكتكين، يذكر فيه ما افتتحه من بلاد الهند ووصل إليه من أموالهم وغنائمهم، فقال فيه: إن كتاب العبد وصل من مستقره بغزنة للنصف من المحرم سنة عشر، والدين في أيام سيدنا ومولانا الأمير القادر بالله أمير المؤمنين مخصوص بمزيد الإظهار، والشرك مقهور بجميع الأطراف والأقطار، وانتدب العبد لتنفيذ أوامره العالية وتمهيد مراسمه السامية وتابع الوقائع على كفار السند والهند، فرتب بنواحي غزنة العبد محمداً مع خمسة عشر ألف فارس وعشرة آلاف راجل وأنهض العبد مسعوداً مع عشرة آلاف فارس وعشرة آلاف راجل، وشحن بلخ وطخرستان بارسلان الحاجب مع عشرين ألف فارس وعشرين ألف راجل، وانتخب ثلاثين ألف فارس وعشرة آلاف راجل لصحبة راية الإسلام وانضم إليه جماهير المطوعة.
وخرج العبد من غزنة يوم السبت الثالث عشر من جمادى الأولى سنة تسع بقلب منشرح لطلب الشهادة ونفس مشتاقة إلى درك الشهادة، ففتح قلاعاً وحصوناً، وأسلم زهاء عشرين ألفاً من عباد الوثن، وسلموا قدر ألف ألف درهم من المورق، ووقع الاحتواء على ثلاثين فيلاً، وبلغ عدد الهالكين منهم خمسين ألفاً، ووافى العبد مدينة لهم عاين فيها زهاء ألف قصر مشيد، وألف بيت للأصنام، ومبلغ ما في الصنم ثمانية وتسعون ألف مثقال وثلثمائة مثقال، وقلع من الأصنام الفضية زيادة على ألف صنم، ولهم صنم معظم يؤرخون مدته لعظم جهالتهم بثلثمائة ألف عام، وقد بنوا حول تلك الأصنام زهاء عشرة آلاف بيت للأصنام المنصوبة، واعتنى العبد بتخريب هذه المدينة اعتناء تاماً، وعمها المجاهدون بالإحراق، قلم يبق منها إلا الرسوم، وحين وجد الفراغ لاستيفاء الغنائم حصل منها عشرون ألف ألف درهم، وأفرد خمس الرقيق فبلغ ثلاثة وخمسين ألفاً واستعرض ثلثمائة وستة وخمسين فيلاً.
وفي ربيع الأول: جلس القادر بالله وقرئ عهد الملك أبي الفوارس، ولقب قوام الدولة، وحملت إليه الخلع بولاية كرمان.
وتأخر الحاج الخراسانية من هذه السنة وتوقف الأمر من العراق.
وفي هذه السنة: مات الأصيفر المنتفقي الذي كان يخفر الحاج.
وفي يوم الأربعاء تاسع ذي الحجة: نشأت ريح شديدة كالزلزلة، وورد معها رمل أحمر.


وفي هذه السنة: قبض على الوزير أبي القاسم ابن فسانجس وعلى اخوته.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن موسى بن مردويه بن فورك أبي بكر الحافظ الأصبهاني توفي في رمضان هذه السنة.
إبراهيم بن مخلد، بن جعفر بن إسحاق الباقرحى ولد سنة خمس وعشرين وثلثمائة، وسمع الحسين بن يحيى بن عياش وعلي بن محمد المصري في آخرين، وكان صدوقاً حسن النقل جيد الضبط من أهل العلم والمعرفة والأدب واستخلفه القاضي أبو بكر بن منير علىالفرضة، وشهد عنده وشهد عند أبي عبد الله الضبي، وأبي محمد بن الأكفاني، وكان ينتحل في الفقه مذهب ابن جرير، وكان يسكن الجانب الشرقي.
وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة، ودفن بقرب قبر أبي حنيفة.
تركان بن الفرج بن تركان بن بنان أبو الحسن الباقلاوي كان يسكن باب الشام، وحدث عن أبي بكر الشافعي، وابن مقسم، وكان صدوقاً، توفي في جمادى الأولى من هذه السنة.
الحسين بن قلابوس بن عبد الله، أبو عبد الله التركي سمع أبا الفضل الزهري.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: كان شيخنا ديناً فقيراً مستوراً، وتوفي في رجب هذه السنة.
عبيد الله بن أحمد، بن جعفر أبو تغلب القاضي له شعر ورسائل، وكان بينه وبين الوزير المغربي مكاتبات، وكان ينوب عن أبي خازم القاضي في الجانب الشرقي من واسط توفي في جمادى الأولى من هذه السنة.
عبد الصمد بن بابك أبو القاسم الشاعر وشعره مستحسن، قدم على الصاحب بن عباد، فقال: أنت ابن بابك؟ فقال: أنا ابن بابك. توفي في شوال هذه السنة.
عبد الواحد بن محمد أبو عمر بن مهدي أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، أخبرنا أبو بكر الخطيب، قال: عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي بن خشنام بن النعمان بن مخلد أبو عمر البزاز الفارسي، كازروني الأصل، سمع القاضي المحاملي، ومحمد بن مخلد، وابن عياش القطان، وعبد الله بن أحمد بن إسحاق الجوهري، ومحمد بن إسماعيل الفارسي، ومحمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة، وأبا العباس بن عقدة وإسماعيل بن محمد الصفار، ومحمد بن عمر والرزاز، وأبا عمرو بن السماك، كتبنا عنه، وكان ثقة أميناً، يسكن درب الزعفراني.
قال: وسمعت محمد بن علي بن مخلد الوراق يذكر أن مولده في سنة ثماني عشرة وثلثمائة، ومات فجأة في يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء النصف من رجب سنة عشر وأربعمائة، ودفن في مقبرة باب حرب.
عبد الواحد بن عبد العزيز بن الحارث بن راشد أبو الفضل التميمي حدث عن النجاد والبغوي، وابن الجعابي.
قال الخطيب: كتبنا عنه، وكان صدوقاً، توفي في ذي القعدة من هذه السنة، ودفن إلى جنب قبر أحمد بن حنبل، وصلى عليه نحو خمسين ألفاً.
عبد الواحد بن محمد بن عثمان أبو القاسم البجلي من ولد جرير بن عبد الله. سمع النجاد، والخلدي، وقلد القضاء على مواضع، وكان ثقة. توفي في رجب هذه السنة.
3090 - محمد بن أسد بن علي بن سعيد، أبو الحسن الكاتب المقرئ.
سمع أبا النجاد وجعفر الخلدي،وغيرهما، وكان صدوقاً، وتوفي يوم الأحد لليلتين خلتا من المحرم، ودفن بالشونيزي.
محمد بن المظفر بن عبد الله، أبو الحسن المعدل ابن السراج روى عن أبى بكر النجاد، وغيره.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أنشدنا محمد بن المظفر، قال: أنشدني أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي لنفسه:
قد كنت للحدة من ناظري ... أرى السهى في الليلة المقمره
الآن ما أبصر بدر الدجى ... إلا بعين تشتكي الشبكره
لأنني أنظر منها وقد ... غير مني الدهر ما غيره
ومن طوى الستين من عمره ... رأى أموراً فيه مسنتكره
وإن تخطاها رأى بعدها ... من حادثات الدهر ما غيره
توفي ابن المظفر، في جمادى الأولى من هذه السنة رحمه الله.
هبة الله بن سلامة أبو القاسم الضرير المفسر كان من أحفظ الناس لتفسير القرآن، وكان له حلقة في جامع المنصور، وقد سمع الحديث من أبي بكر بن مالك القطيعي وغيره.


أنبأنا محمد بن أبي طاهر البزاز، عن أبي طالب العشاري، أخبرنا هبة الله المقرئ، أخبرنا هبة الله بن سلامة المفسر، قال: كان لنا شيخ نقرأ عليه في باب محول، فمات بعض أصحابه فرآه الشيخ في النوم، فقال: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، قال: فما حالك مع منكر ونكير؟ قال: يا أستاذ لما أجلساني وقالا من ربك من نبيك؟ ألهمني الله عز وجل أن قلت لهما بحق أبي بكر وعمر دعاني، فقال: أحدهما للآخر قد أقسم علينا بعظيم دعه فتركاني، وانصرفا.
توفي هبة الله في هذه السنة في رجب، ودفن في مقبرة جامع المنصور.
ثم دخلت
سنة إحدى عشرة وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أنه في يوم الثلاثاء لليلتين بقيتا من شوال فقد الحاكم صاحب مصر وكان يواصل الركوب ليلاً نهاراً ويتصدى له الناس فيقف عليهم ويسمع منهم، وكان المصريون موتورين منه، فكانوا يدسون إليه الرقاع المختومة بالدعاء والسب له ولأسلافه، والوقوع فيه وفي حرمه حتى انتهى فعلهم في ذلك إلى أن عملوا تمثال امرأة من قراطيس بخف وازوار ونصبوها في بعض الطريق، وتركوا في يدها رقعة ظلامة، فتقدم فأخذها من يدها ففتحها فرأى في أولها ما استعظمه، فقال: انظروا هذه المرأة من هي؟ فقيل: إنها تمثال معمول من قراطيس، فقرأ الرقعة كلها وعاد إلى القاهرة، ودخل إلى قصره، وتقدم باستدعاء القواد والعرفاء، فلما حضروا أمرهم بالمصير إلى مصر وضربها بالنار ونهبها وقتل من ظفروا به من أهلها، فتوجهوا لذلك، وعرف المصريون ذلك فقاتلوا عن نفوسهم قتالاً بلغوا فيه غاية وسعهم، ولحق النهب والنار الأطراف والسواحل التي لم يكن في أهلها قوة على امتناع ولا قوة على دفاع، واستمرت الحرب بين العبيد والرعية ثلاثة أيام والحاكم يركب كل يوم ويشاهد النار، ويسمع الصياح ويسأل عن ذلك، فيقال له: العبيد يحرقون مصر وينهبونها، والنار تعمل في الموضع الفلاني والموضع الفلاني، فيظهر التوجع، ويقول: من أمرهم بهذا لعنهم الله، فلما كان في اليوم الثالث اجتمع الأشراف والشيوخ في الجوامع، ورفعوا المصاحف، وعجوا بالبكاء، وابتهلوا إلى الله تعالى في الدعاء، فرحمهم المشارقة والأتراك، فانحازوا إليهم وقاتلوا معهم، وأرسلوا إلى الحاكم يقولون: نحن عبيدك ومماليكك، وهذا البلد بلدك، وفيه حرمنا وأولادنا وما علمنا أن أهله جنوا جناية تقتضي سوء المقابلة، فإن كان هناك باطن لا نعرفه أشعرتنا به وانتظرت علينا إلى أن نخرج أموالنا وعيالنا، وإن كان ما عليه هؤلاء العبيد مخالفاً لرأيك أطلعتنا في معاملتهم بما تعامل به المفسدين، فأجابهم: بأني ما أردت ذلك ولا أذنت فيه، وقد أذنت لكم في نصرتهم والإيقاع بمن يتعرض بهم.
وراسل العبيد سراً بأن كونوا على أمركم، وحمل إليهم سلاحاً قواهم به، فاقتتلوا، وأعادوا الرسالة إليه: أنا قد عرفنا غرضك إنه إهلاك هذا البلد وما يجوز أن نسلم أنفسنا، وأشاروا إلى بعض العبيد في قصد القاهرة، فلما رآهم مستظهرين ركب حماره ووقف بين الفريقين، وأومأ إلى العبيد بالانصراف، وسكن الآخرين فقبلوا ذلك وشكروه، وسكنت الفتنة، وكان قدر ما أحرق من مصر ثلثها ونهب نصفها، وتتبع المصريون من أخذ من زوجاتهم وبناتهم، وابتاعوا من العبيد بعد أن فضحوهن حتى قتل منهن نفوسهن خوفاً من عار الفواحش المرتكبة منهم، ثم زاد ظلم الحاكم وعن له أن يدعي الربوبية، فصار قوم من الجهال إذا رأوه يقولون له: يا واحدنا يا أحدنا يا محيي يا مميت، وكان قد أسلم جماعة من اليهود فكانوا يقولون إنا نريد أن نعاود شرعنا الأول فيفسح لهم في الارتداد، وأوحش أخته بمراسلات قبيحة، وقال لها: قد وقع إلي أنك تدخل الرجال إليك، فراسلت قائداً يقال له ابن دواس كان شديد الخوف من الحاكم أن يقتله، فقالت: إني أريد أن ألقاك أما أن تتنكر لي وتأتيني وأما أن أجيء إليك، فجاءت إليه فقبل الأرض بين يديها وخلوا، فقالت له: لقد جئتك في أمر أحرس نفسي ونفسك، فقال: أنا خادمك فقالت له: أنت تعلم ما يعتقده أخي فيك، وأنه متى تمكن منك لم يبق عليك، وأنا كذلك، ونحن معه على خطر عظيم، وقد انضاف إلى ذلك ما قد تظاهر به وهتكه الناموس الذي قد أقامه آباؤنا وزيادة جنونه وحمله نفسه على ما لا يصبر المسلمون على مثله فأنا خائفة أن يثور الناس علينا فيقتلوه ويقتلونا وتنقضي هذه الدولة أقبح انقضاء.


قال: صدقت، فما الرأي؟ قالت: تحلف لي وأحلف لك على كتمان ما جرى بيننا من السر، وتعاضدني على ما فيه الراحة من هذا الرجل. فقال لها: السمع والطاعة.
فتحالفا على قتله، وأنهما يقيمان ولده مقامه وتكون أنت صاحب جيشه ومديره، وأنا فلا غرض لي إلا سلامة المهجة فأقطعته ما يحصل مائة ألف، وقالت: اختر لي عبدين من عبيدك تثق بهما على سرك وتعتمد عليهما في مهمك. فأحضرها عبدين موصوفين بالأمانة والشهامة فاستحلفتهما على كتمان ما تخرج به إليهما، فحلفا فوهبت لهما ألف دينار ووقعت لهما بإقطاع وقالت: أريد منكما أن تصعدا غداً إلى الجبل فتكمنا فيه، فإن نوبة الحاكم أن يصعد غداً وليس معه إلا الركابي وصبي، وينفرد بنفسه، فإذا قرب منكما خرجتما فقتلتما الصبي، وسلمت إليهما سكينين من عمل المغاربة، وقررت ذلك معهما، وكان الحاكم ينظر في النجوم فنظر في مولده وقد حكم عليه بقطع في هذا الوقت، وقيل فيه: أنه متى تجاوزه عاش نيفاً وثمانين سنة، فلما كانت تلك الليلة أحضر والدته، وقال لها: علي في هذه الليلة قطع عظيم، وكأني بك قد تهتكت وملكت مع أختي فإنني ما يخاف عليك أضر منها فتسلمي هذا المفتاح فهو لهذه الخزانة، ولي فيها صناديق تشتمل على ثلاثمائة ألف دينار فحوليها ألف دينار فحوليها إلى قصرك لتكون ذخيرة لك، فقبلت الأرض وبكت، وقالت له: إذا كنت تتصور هذا فارحمني ودع ركوبك في هذه الليلة، فقال: أفعل وكان من رسمه أن يطوف كل ليلة حول القصر من أول الليل إلى الصباح في ألف رجل، فقعد تلك الليلة إلى أن مضى صدر من الليل، ثم ضجر وأحب الركوب فترفقت به والدته وقالت: اطلب النوم يا مولانا، فنام ثم انتبه وقد بقي من الليل ثلثه، قال: إن لم أركب وأتفرج خرجت روحي.
فركب وصعد إلى الجبل وليس معه إلا الصبي، فخرج العبدان فطرحاه إلى الأرض وقطعا يديه وشقا جوفه ولفاه في كساء وحملاه إلى ابن دواس بعد أن قتلا الصبي، فحمله ابن دواس إلى أخته فدفنته في مجلسها وكتمت أمره وأحضرت الوزير وعرفته الحال واستكتمته واستحلفته على الطاعة، ورسمت له مكاتبة ولي العهد عن الحاكم، وكان بدمشق بالمبادرة، وأنفذت إلى أحد القواد يقيم في الطريق، فإذا وصل ولي العهد قبض عليه وعدل به إلى تنيس، وكتبت إلى عامل تنيس عن الحاكم بأن يحمل ما قد اجتمع عنده، وكان ألف ألف دينار وألفي ألف درهم.
وفقد الناس الحاكم فماجوا في اليوم الثالث وقصدوا الجبل، فلم يقفواعلى أثر، فعادوا إلى أخته فسألوها عنه، فقالت: قد كان راسلني قبل ركوبه وأعلمني أنه يغيب سبعة أيام. فانصرفوا على طمأنينة ورتبت ركابية يمضون ويعودن كأنهم يقصدون موضعاً ويقولون لكل من يسألهم فارقناه في الموضع الفلاني وهو عائد يوم كذا، ولم تزل الأخت تدعو في هذه الأيام وجوه القواد وتستحلفهم وتعطيهم، وألبست أبا الحسن علي ابن الحاكم أفخر الملابس، واستدعت ابن دواس وقالت له: المعول في القيام بهذه الدولة عليك، وتدبيرها موكول إليك، وهذا الصبي ولدك فينبغي أن تنتهي في الخدمة إلى غاية وسعك، فقبل الأرض ووعد بالإخلاص في الطاعة، وأخرجت الصبي وقد لقبته الظاهر لإعزاز دين الله، وألبسته تاج المعز جد أبيه، وأقيمت المآتم على الحاكم ثلاثة أيام، ورتبت الأمور ترتيباً مهذباً، وخلعت على ابن دواس خلعاً كثيرة وشرفته تشريفاً عظيماً، فخرج فجلس معظماً، فلما تعالى النهار خرج نسيم صاحب الستر والسيف ومعه مائة رجل كانوا مختصين بركاب السلطان يحملون سيوفاً بين يديه، وكانوا يتولون قتل من يؤمر بقتله، فسلموا إلى ابن دواس يكونون بحكمه، وتقدمت الأخت إلى نسيم أن يضبط أبواب القصر بالخدم ففعل، وقالت له: أخرج وقف بين يدي ابن دواس، وقل يا عبيد مولانا، الظاهر يقول لكم: هذا قاتل مولانا الحاكم وأعملهم بالسيف ومرهم بقتله، ففعل ثم قتلت جماعة ممن أطلع على سرها فعظمت هيبتها، وكان عمر الحاكم سبعاً وثلاثين سنة ومدة ولايته خمساً وعشرين سنة.
وفي هذه السنة، ولي أبو تمام بن أبي خازم القضاء بواسط من قبل قاضي القضاة أبي الحسن ابن أبي الشوارب.
وفيها: انحدر سلطان الدولة إلى واسط، وخلع على أبي محمد بن سهلان الوزير، وأمره أن يضرب الطبل في أوقات الصلاة، ثم قبض عليه وكحل بعد ذلك.


ووقع حرب بين السلاطين عند واسط فاشتدت مجاعتهم، فقطعوا عشرين ألف رأس من النخل فأكلوا جمارها، ودقوا الأجذاع واستفوها وأكلوا البغال والكلاب، وبيع الكر الحنطة بألف دينار قاشانية، وبطل الحج في هذه السنة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن موسى بن عبد الله بن إسحاق أبو بكر الزاهد الروشنائي من أهل مصراثا وهي قرية تحت كلواذي. سمع أبا بكر بن مالك القطيعي، وأبا محمد بن ماسي وغيرهما.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الحافظ، قال: أحمد بن موسى الروشنائي نعم العبد كان فيه فضل وديانة وصلاح وعبادة، كتبت عنه في قريته وكان له بيت إلى جنب مسجده فيدخله ويغلقه على نفسه ويشتغل بالعبادة ولا يخرج منه إلا لصلاة الجماعة، وكان شيخنا أبو الحسين بن بشران يزوره في الأحيان ويقيم عنده العدد من الأيام متبركاً برؤيته ومستروحاً إلى مشاهدته.
توفي بمصراثا في رجب هذه السنة خرج الناس من بغداد حتى حضروا الصلاة عليه، وكان الجمع كثيراً جداً، ودفن في قريته.
الحسين بن الحسين بن علي، أبو القاسم القاضي. ابن المنذر ولد سنة إحدى وثلاثين وثلثمائة، وسمع إسماعيل الصفار، وأبا عمرو بن السماك، والنجاد، والخلدي وغيرهم. وكان صدوقاً ضابطاً صحيح النقل، كثير الكتاب، حسن الفهم، وخلف القاضي أبا عبد الله الحسين بن هارون الضبي على القضاء ببغداد، ثم خرج إلى ميافارقين، فتولى القضاء هناك سنين كثيرة ثم عاد إلى بغداد، وأقام يحدث بها إلى حين وفاته.
وتوفي في شعبان هذه السنة.
ثم دخلت
سنة اثنتي عشرة وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أنه كان حاج العراق تأخر عن الحج سنة عشر وسنة إحدى عشرة، فلما جاءت سنة اثنتي عشرة قصد جماعة من الناس يمين الدولة أبا القاسم محمود بن سبكتكين وقالوا له: أنت سلطان الإسلام وأعظم ملوك الأرض، وفي كل سنة تفتتح من بلاد الكفر قطعة والثواب في فتح طريق الحج أعظم، والتشاغل به أوجب، وقد كان بد بن حسنويه، وما في أصحابك إلا من هو أكبر شأناً منه، يسير الحاج بماله وتدبيره عشرين سنة، فانظر لله تعالى، واجعل لهذا الأمر حظاً من اهتمامك، فتقدم إلى أبي محمد الناصحي قاضي القضاة في مملكته بالتأهب للحج، ونادى في سائر أعمال خراسان بالتأهب للمسير، وأطلق للعرب في البادية ثلاثين ألف دينار، وسلمها إلى الناصحي سوى ما أطلقه من الصدقات، فحج بهم الناصح أبو الحسن الأقساسي، فلما بلغوا فيد حاصرهم العرب، فبذل لهم الناصحي خمسة آلاف دينار، فلما لم يقنعوا وصمموا على أخذ الحاج، وكان متقدمهم رجل يقال له جماز بن عدي بضم العين من بني نبهان وكان جباراً فركب فرسه وعليه درعه وبيده رمحه وجال جولة يرهب بها، وكان في جماعة السمرقنديين غلام يعرف بابن عفان يوصف بجودة الرمي، فرماه بنبلة، فوصلت إلى قلبه فسقط ميتاً وأفلت الحاج وساروا فحجوا وعادوا سالمين.
وفي هذه السنة: قلد القاضي أبو جعفر محمد بن أحمد السمناني الحسبة والمواريث، وقرأ الوزير ابن حاجب النعمان عهده، وركب بالسواد، وخلع على أبي علي الحسن بن الحسين الرخجي خلع الوزارة، ولقب مؤيد الملك، وقبض قرواش بن المقلد على أبي القاسم المغربي الوزير وأطلقه، وعلى أبي القاسم سليمان بن فهد فقتل سليمان نفسه.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن إسماعيل بن حفص أبو سعد الماليني الصوفي ومالين قرية من قرى هراة، أحد الرحالين في طلب الحديث والمكثرين منه، رحل إلا البلاد الكثيرة، وسمع من أشياخ كثيري العدد، وكتبه من الكتب الطوال والمصنفات الكبار، ثم رحل إلى مصر فتوفي بها في شوال هذه السنة، وكان ثقة مصنفاً صدوقاً صالحاً.
الحسين بن الحسين بن محمد بن الحسين، أبو محمد القاضي الإستراباذي ابن رامين نزل بغداد، وحدث عن أبي بكر الإسماعيلي وغيره، وكان صدوقاً فقيهاً فاضلاً صالحاً. توفي في هذه السنة.
الحسن بن منصور، أبو غالب الوزير ذا السعادتين


ولد بسيراف سنة اثنتين وخمسين وثلثمائة، وتقلبت به الأمور حتى صحب فخر الملك ولقبه سلطان الدولة وزير الوزراء نجاح الملوك وخلع عليه وجعله ناظراً في بغداد، فلما قطعت خطبة سلطان الدولة وخطب لمشرف الدولة ألزم أبا غالب بالانحدار مع الديلم إلى خوزستان، فانحدر معهم، فلما وصل إلى الأهواز نادى الديلم بشعار سلطان الدولة، وهجموا على أبي غالب فقتلوه، فكانت وزارته ثمانية عشر شهراً وثلاثة أيام، وعمره ستون سنة وخمسة أشهر، وصودر ابنه على ثمانين ألف دينار، فلما بلغ سلطان الدولة قتل أبي غالب سكن قلبه واطمأن، وقال المطرز يرثي أبا غالب:
أبا غالب من للمعالي إذا دعت ... ومن عنك يسعى سعيها ويثيب
ومن للمذاكي يصطلين بغارة ... بها السيف عار والسنان خضيب
فتى يستجير الملك إن صرخت به الح ... وادث أو حنت عليه خطوب
ومن يكشف الغماء عنه بعزمة ... لها في قلوب النائبات وجيب
الحسين بن عمرو أبو عبد الله الغزال قال أبو بكر الخطيب: كتبت عنه، وكان شيخاً ثقة صالحاً كثير البكاء عند الذكر، ومنزله في شارع دار الرقيق. وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة، ودفن في مقبرة باب حرب.
محمد بن عمر أبو القاسم القزاز الحربي سمع النجاد. يروي عنه الخطيب، وقال: كان ثقة يقرئ القرآن ويصوم الدهر. وتوفي في ربيع الأول من هذه السنة، ودفن في مقبرة باب حرب.
محمد بن عمر أبو بكر العنبري الشاعر كان ظريفاً أديباً طلق النفس حسن الشعر.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: أنشدني أبو منصور محمد بن محمد بن عبد العزيز العكبري، قال: أنشدني أبو بكر العنبري لنفسه:
إني نظرت إلى الزما ... ن وأهله نظراً كفاني
فعرفته وعرفتهم ... وعرفت عزي من هواني
فلذاك أطرح الصديق ... فلا أراه ولا يراني
وزهدت فيما في يديه ... ودونه نيل الأماني
فتعجبوا لمقالة ... وهب الأقاصي للأداني
وأنسل من بين الزحا ... م فما له في الخلق ثاني
وكان العنبري يتصوف، ثم بان له عيوب الصوفية، فذمهم بقصائد قد كتبتها في تلبيس إبليس. توفي العنبري يوم الخميس ثاني عشر جمادى الأولى من هذه السنة.
محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رزق بن عبد الله بن يزيد بن خالد، أبو الحسن البزاز ابن رزقويه كان يذكر أن له نسباً في همدان، سمع إسماعيل بن محمد الصفار، وأبا الحسن المصري وخلقاً كثيراً.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: سمعته يقول: ولدت يوم السبت لست خلون من ذي الحجة سنة خمس وعشرين وثلثمائة، وأول من سمعت منه الصفار، وأول ما كتبت سنة سبع وثلاثين.
قال ابن ثابت: كان ابن رزقويه، يذكر أنه درس الفقه وعلق على مذهب الشافعي، وكان ثقة صدوقاً كثير السماع والكتاب، حسن الاعتقاد، جميل المذهب مديماً لتلاوة القرآن، شديداً على أهل البدع، ومكث يملي في جامع المدينة من بعد سنة ثمانين وثلثمائة إلى قبل وفاته بمديدة، وهو أول شيخ كتبت عنه وأول ما سمعت منه في سنة ثلاث وأربعمائة كتبت عنه إملاء مجلساً واحداً، ثم انقطعت عنه إلى أول سنة ست، وعدت فوجدته قد كف بصره، فلازمته إلى آخر عمره.
وسمعته يقول: والله ما أحب الحياة في الدنيا لكسب ولا تجارة ولكن أحبها لذكر الله تعالى ولقراءتي عليكم الحديث. هذا قول أبي بكر الخطيب.
وسمعت البرقاني يسأل عنه، فقال: ثقة، وسمعت الأزهري يذكر أن بعض الوزراء دخل بغداد ففرق مالاً كثيراً على أهل العلم، وكان ابن رزقويه في من وجه إليه من ذلك المال فقبلوا كلهم سواه فإنه رده تورعاً وظلف نفس.
وكانت وفاته غداة يوم الاثنين سادس عشر جمادى الأولى سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، ودفن في يومه بعد صلاة الظهر في مقبرة باب الدير بالقرب من معروف الكرخي.
محمد بن أحمد بن محمد بن فارس بن سهل أبو الفتح بن أبي الفوارس


كان جده سهل يكنى أبا الفوارس، ولد أبو الفتح في سحر يوم الأحد لثمان بقين من شوال سنة ثمان وثلاثين وثلثمائة، وسمع من أبي بكر النقاش، والشافعي، وأبي علي بن الصواف، وخلق كثير. وسافر في طلب الحديث إلى البلاد، وكتب الكثير وجمع، وكان ذا حفظ ومعرفة وأمانة وثقة، مشهوراً بالصلاح، وكتب الناس عنه بانتخابه على الشيوخ، وحدث عنه البرقاني، وهبة الله الطبري، وكان يسكن بالجانب الشرقي ويملي في جامع الرصافة.
وتوفي يوم الأربعاء سادس عشر ذي القعدة من هذه السنة، ودفن إلى جنب أحمد بن حنبل، غير أن بينهما قبور الميمين الثلاثة. كذا قال القزاز عن الخطيب.
محمد بن إبراهيم بن حوران بن بكران أبو بكر الحداد سمع أبا بكر الشافعي، وروى عن أبي جعفر بن برية كتاب المبتدأ لوهب، وكان صدوقاً.
محمد بن الحسن بن محمد أبو العلاء الوراق ولد سنة ثمان عشرة وثلثمائة، وسمع إسماعيل بن محمد الصفار، وأحمد بن كامل القاضي، وغيرهما. وكان ثقة، وكان ينزل في الجانب الشرقي ناحية سوق يحيى، وتوفي يوم الخميس ثاني عشرين ربيع الأول من هذه السنة، ودفن في الخيزرانية.
محمد بن الحسين بن محمد بن موسى، أبو عبد الرحمن السلمي النيسابوري روى عن أبي العباس الأصم وغيره. وروى عنه مشايخ البغداديين الأزهري، والعشاري وغيرهما، وكانت له عناية بأخبار الصوفية، فصنف لهم تفسيراً وسنناً وتاريخاً وجمع شيوخاً وتراجم وأبواباً، وله بينسابور دويرة معروفة يسكنها الصوفية، وفيها قبره وتوفي يوم الأحد ثالث شعبان من هذه السنة.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، قال: قال لي محمد بن يوسف القطان النيسابوري: كان أبو عبد الرحمن غير ثقة، ولم يكن سمع من الأصم إلا شيئاً يسيراً، فلما مات الحاكم أبو عبد الله بن البيع، حدث عن الأصم بتاريخ يحيى بن معين وبأشياء كثيرة سواها، وكان يضع للصوفية الأحاديث.
أبو عبد الله ابن الدجاجي كان يعظ ويتكلم على الأحوال والمعرفة.
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن الحسن الموحد، حدثنا أبو سعد عبد الرحمن بن مأمون بن علي المتولي النيسابوري، أخبرنا أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري، قال: سمعت الأستاذ أبا علي الحسن بن علي الدقاق، يقول في قوله: " من تواضع لغني لأجل دنياه ذهب ثلثا دينه " قال: لأنه تواضع له بلسانه وخدمه بأركانه، فلو تواضع له بقلبه ذهب دينه كله، وقال: عليك بطريق السلامة، وإياك والتطلع لطرق البدء، ثم أنشد:
ذريني تجئني منيتي مطمئنة ... ولم أتجشم هول تلك الموارد
رأيت عليات الأمور منوطة ... بمستودعات في بطون الأساود
وقال: وعند القوم أن سرور الطلب أتم من فرح الوجود لأن فرح الوجود يخطر الزوال، وحال الطلب برجاء الوصال.
وقال في قوله: " اذكروني أذكركم " اذكروني اليوم وأنتم أحياء أذكركم وأنتم تحت التراب، إن الأحباب إذا أقفرت ديار أحبابهم قالوا: سقياً لساكنها ورعياً لقطانها، كذلك الحق سبحانه إذا أتت عليك الأعوام وأنت رميم، يقول: سقياً لعبادي.
وقال: البلاء الأكبر أن تريد ولا تراد، وتدنو وترد إلى البعاد.
وقال: " حفت: جنة بالمكاره " : إذا كان المخلوق لا وصول إليه إلا بتحمل المشاق، فما ظنك بمن لم يزل وقد قال في الكعبة: " لم تكونوا بالغية إلا بشق الأنفس " ، ثم أنشد:
لولا المشقة ساد الناس كلهم ... الجود يفقر والاقدام قتال
قال يعقوب: يقول: يا أسفي على يوسف ويوسف: يقول أنت وليي وأنشد:
جننا بليلى وهي جنت بغيرنا ... وأخرى بنا مجنونة لا نريدها
ثم دخلت
سنة ثلاث عشرة وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أنه في يوم الثلاثاء خامس عشر ذي القعدة فتح المارستان المؤيدي الذي بناه مؤيد الملك أبو علي الحسن الرخجي وزير مشرف الدولة بواسط، وحملت إليه الأدوية والأشربة، ورتب له الخزان والأطباء والوكلاء، ووقفت عليه الوقوف وجعلت على المعاملات السلطانية مشاهرة.


وفي هذه السنة: في زمن الحج عمد بعض الحجاج المصريين إلى الحجر الأسود فضربه بدبوس كان في يده حتى شعثه وكسر قطعة منه، وعاجله الناس فقتلوه وثار المكيون بالمصريين ونهبوا وقتلوا قوماً منهم، وركب أبو الفتوح الحسن بن جعفر فأطفأ الفتنة، ودفع عن المصريين.
قال هلال بن المحسن: وقيل: إن الفاعل ما فعله إلا وهو من الجهلة الذي كان الحاكم استغواهم وأفسد أديانهم. وقيل: كان ذلك في سنة أربع عشرة، قال: وقرأت في كتاب كتب بمصر في هذا المعنى: كان من جملة من دعاه الخوف إلى الانتزاح رجل من أهل البصرة أهوج أثول سار مع الحجيج إلى مكة فرقاً من السيف وتستر بالحج، فلما وصل أعلن الكفر وأظهر ما كان يخفيه من الكفر فقصد الحجر الأسود، فضربه بدبوس في يديه أطارت شظايا منه، ووصلت بعد ذلك، ثم أن هذا الكافر عوجل بالقتل.
أخبرنا شيخنا محمد بن ناصر الحافظ، قال: أخبرنا أبو الغنائم محمد بن علي بن ميمون النرسي، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الرحمن العلوي، قال: في سنة ثلاث عشرة وأربعمائة كسر الحجر الأسود لما صليت الجمعة يوم النفر الأول، ولم يكن رجع الناس بعد من منى، قام رجل ممن ورد من ناحية مصر بإحدى يده سيف مسلول، وبالأخرى دبوس بعدما قضى الإمام الصلاة، فقصد ذلك الرجل ليستلمه على الرسم، فضرب وجه الحجر ثلاث ضربات متوالية بالدبوس، وقال: إلى متى يعبد الحجر ولا محمد ولا علي يمنعني عما أفعله، فإني أهدم هذا البيت وأرفعه فاتقاه أكثر الحاضرين وتراجعوا عنه، وكاد يفلت، وكان رجلاً تام القامة، أحمر اللون، أشقر الشعر، سمين الجسم، وكان على باب المسجد عشرة من الفرسان على أن ينصروه، فاحتسب رجل من أهل اليمن أو من أهل مكة أو من غيرها، فوجأه بخنجر، واحتوشه الناس فقتلوه وقطعوه وأحرقوه بالنار، وقتل من اتهم بمصاحبته ومعونته على ذلك منكر جماعة، وأحرقوا بالنار وثارت الفتن، وكان الظاهر من القتلى أكثر من عشرين نفساً غير ما اختفى منهم، وألحوا في ذلك اليوم على المغاربة والمصريين بالنهب والسلب وعلى غيرهم في طريق منى إلى البلد.
وفي يوم النفر الثاني أضرب الناس وماجوا، وقالوا: إنه قد آخذ في أصحاب الخبيث لعنه الله أربعة أنفس اعترفوا بأنهم مائة بايعوا على ذلك، وضربت أعناق هؤلاء الأربعة وتقشر بعض وجه الحجر في وسطه من تلك الضربات وتخشن، وزعم بعض الحاج أنه سقط من الحجر ثلاث قطع واحدة فوق أخرى، فكأنه يثقب ثلاث ثقب ما يدخل الأنملة في كل ثقب، وتساقط منه شظايا مثل الأظفار، وطارت منه شقوق يميناً وشمالاً، وخرج مكسره أحمر يضرب إلى الصفرة محبباً مثل الخشخاش، فأقام الحجر على ذلك يومين، ثم أن بني شيبة جمعوا ما وجدوه مما سقط منه، وعجنوه بالمسك واللك، وحشوا تلك المواضع وطلوها بطلاء من ذلك، فهو بين لمن تأمله، وهو على حاله اليوم.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
عمر بن محمد بن عمر أبو علي العلوي سكن بغداد وحدث بها، وقد ذكرنا حال أبيه وتوسعه في الدنيا، وكان لعمر هذا مال كثير فقبض عليه قرواش بن المقلد وأخذ منه مائة ألف دينار، وتوفي في هذه السنة، واستولى السلطان على أكثر أمواله وضياعه.
دجى بن عبد الله أبو الحسن الخادم الأسود الخصي مولى الطائع لله. طان قريباً منه، وخصيصاً به يسفر بينه وبين الملوك، سمع أبا الفضل بن المأمون وغيره، وكان سماعه صحيحاً وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
علي بن هلال، أبو الحسن ابن البواب صاحب الخط الحسن صحب ابن سمعون، وكان يقص بجامع المدينة، وبلغنا أن أبا الحسن البتي دخل دار فخر الملك أبي غالب، فوجد ابن البواب جالساً في عتبة باب ينتظر خروج فخر الملك، فقال جلوس الأستاذ في العتب رعاية للنسب، فجرد ابن البواب وقال: لو أن إلي من أمر الدنيا شيئاً ما مكنت مثلك في الدخول، فقال البتي: ما تترك صنعة الشيخ رحمه الله.
توفي الأستاذ أبو الحسن يوم السبت ثاني جمادى الآخرة من هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب ورثي بأبيات منها:
فللقلوب التي أبهجتها حزن ... وللعيون التي أقررتها سهر
ما لعيش وقد ودعته أرج ... ولا لليل وقد فارقته سحر
علي بن عيسى بن سليمان بن محمد بن سليمان بن أبان، أبو الحسن الفارسي السكري الشاعر


أصله من نفر وهو بلد على النرس من بلاد الفرس،ولد ببغداد في صفر سنة سبع وخمسين وثلثمائة، وكان يحفظ القرآن والقراءات، وكان متفنناً في الآداب، وصحب القاضي أبا بكر بن الطيب، وأكثر شعره في مدح الصحابة والرد على الرافضة والنقض على شعرائهم.
توفي في يوم الثلاثاء سلخ شعبان، في هذه السنة، وقيل: يوم الاثنين لثلاث بقين من شعبان، ودفن في مقبرة باب الدير في الموضع المعروف بتل صافي مقابل قبر معروف، وأمر أن يكتب في لوح وينقش على قبره أبيات قالها، وهي:
نفس يا نفس كم تمادين في الغي ... وتأتين بالفعال المعيب
راقبي الله واحذري موضع العر ... ض وخافي يوم الحساب العصيب
لا يغرنك السلامة في الع ... يش فإن السليم رهن الخطوب
كل حي فللمنون ولا يد ... فع بأس المنون كيد الأريب
واعلمي أن للمنية وقتاً ... سوف يأتي عجلان غير هيوب
فأعدي لذلك اليوم زاداً ... وجواباً لله غير كذوب
إن حب الصديق في موقف الحشر ... أمان للخائف المطلوب
محمد بن أحمد بن محمد بن المنصور، أبو جعفر البيع العتيقي أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: ذكر لي ابنه أبو الحسن أنه ولد برويان سنة إحدى وثلاثين وثلثمائة، وحمل إلى طرسوس وهو ابن سبع سنين، فنشأ بها وسمع الحديث من شيخ كان بها يعرف بالخواتيمي، ولم يزل بها حتى غلبت الروم على البلد، فانتقل إلى دمشق، ثم ورد بغداد فسكنها حتى مات بها في يوم الخميس الثاني والعشرين من المحرم سنة ثلاث عشرة وأربعمائة قال أبو الحسن: وحدثني بشيء يسير وسمعت منه.
محمد بن أحمد بن يوسف بن وصيف أبو بكر الصياد ولد في محرم سنة خمس وثلاثين وثلثمائة، وسمع أبا بكر الشافعي، والقطيعي وغيرهما. وكان ثقة صدوقاً خيراً انتخب عليه ابن أبي الفوارس، وتوفي يوم الجمعة لخمس خلون من ربيع الأول من هذه السنة.
محمد بن محمد بن النعمان، أبو عبد الله ابن المعلم شيخ الإمامية وعالمها، صنف على مذهبهم، ومن أصحابه المرتضى، وكان لابن المعلم مجلس نظر بداره بدرب رياح يحضره كافة العلماء، وكانت له منزلة عند أمراء الأطراف، لميلهم إلى مذهبه. توفي في رمضان هذه السنة، ورثاه المرتضى فقال:
من لفضل أخرجت منه خبيئاً ... ومعان فضضت عنها ختاما
من ينير العقول من بعدما كنا ... هموداً ويفتح الأفهاما
من يعير الصديق رأياً إذا ما ... سله في الخطوب كان حساما
ودفن في مقبرة،
ثم دخلت
سنة أربع عشرة وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أنه لما سار مشرف الدولة مصعداً إلى بغداد روسل الخليفة القادر في البروز لتلقيه فتلقاه من الزلاقة ولم يكن تلقى أحداً من الملوك قبله، وخرج في يوم الاثنين لليلتين بقيتا من المحرم، فركب في الطيار وعليه السواد والبردة، ومن جانبه الأيمن الأمير أبو جعفر، ومن جانبه الأيسر الأمير أبو القاسم، وبين يديه أبو الحسن علي بن عبد العزيز، وحوالي القبة المرتضى أبو القاسم الموسوي، وأبو الحسن الزينبي، وقاضي القضاة ابن أبي الشوارب، وفي الزبازب المسودة من العباسيين والقضاة والقراء والفقهاء، فنزل مشرف الدولة في زبزبة ومعه خواصه، وصعدوا إلى الطيار وقد طرح أنجره، فوقف فقبل الأرض دفعة ثانية، وسأله الخليفة عن خبره وعرفه استيحاشه لبعده وأنسه الآن بقربه، والعسكر واقف بأسره في شاطئ دجلة، والعامة في الجانبين، والسماريات، وقام مشرف الدولة فنزل في زبزبة وأصعد الطيار.
وفي يوم الجمعة لثلاث بقين من شعبان: غدر خليفة بن هراج الكلابي بالقافلة الواردة معه، وفي خفارته من مصر، وعدل بها إلى حلته، فأناخ جمالها، وأخذ أحمالها وصرف أربابها على أسوأ حال، وكانت تشتمل على نيف وأربعين حملاً بزاً وثلاثين ألف دينار مغربية، وعرف الخبر قرواش فركب في رمضان من الأنبار، وتوجه نحوه فهزم قرواش وتمزقت العرب بالمال.


وفي هذه السنة: ورد كتاب من يمين الدولة أبي القاسم محمود بن سبكتكين إلى القادر بالله يذكر له غزوة في بلاد الهند، وأنه أوغل في بلادهم حتى جاء إلى قلعة عد فيها ستمائة صنم، وقال: أتيت قلعة ليس لها في الدنيا نظير، وما الظن بقلعة تسع خمسمائة ألف إنسان، وخمسمائة فيل، وعشرين ألف دابة، ويقوم لهذا العدد بما يكفيه من علوفة وطعام، وأعان الله حتى طلبوا الأمان فآمنت ملكهم، وأقررته على ولايته بخراج قرر عليه، وأنفذ هدايا كثيرة وفيلة، ومن الطرف الغربية طائر على هيئة القمري ومن خاصته أنه إذا حضر على الخوان وكان في شيء مما قدم سم دمعت عينه، وجرى منها ماء تحجر، وحك، فطلى بما يحك منه الجراحات ذوات الأفواه الواسعة، فيحملها فتقبلت هديته وانقلب العبد بنعمة من الله وفضله.
وفيها: وزر أبو القاسم المغربي لمؤيد الملك بعد الرخجي، فقال رجل لكون الوزير كان مشغولاً بالنحو:
ويل وعول وويه ... لدولة ابن بويه
سياسة الملك ليست ... ما جاء عن سيبويه
وفي هذه السنة: حج بالناس أبو الحسن محمد بن الحسن الأقساسي العلوي، وعاد على طريق الشام لاضطراب الجادة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
الحسين بن فضل بن سهلان أبو محمد الرامهرمزي وزير لسلطان الدولة، وبنى سور الحائر من مشهد الحسين عليه السلام في سنة ثلاث وأربعمائة، وقتل في شعبان هذه السنة عن ثلاث وخمسين سنة.
الحسين بن محمد، أبو عبد الله الكشفلي الطبري تفقه على أبي القاسم الداركي، وكان فهماً فاضلاً ودرس بعد أبي حامد في مسجده، وهو مسجد عبد الله بن المبارك بقطيعة الربيع، وكان يقرأ عليه فقيه من أهل بلخ، فتأخرت تفقته فأضر به ذلك، فشكا حاله إلى الكشفلي، فأخذه ودخل على رجل من التجار بالقطيعة يقال له ابن برويه وسأله أن يقرضه شيئاً حتى تأتي نفقته من بلده، فأمر بتقديم الطعام، فلما أكلوا تقدم إلى جارية فأحضرت زنفيجلة فوزن منها عشرين ديناراً، ودفعها إليه وخرج الكشفلي وهو يشكره، ورأى الفقيه قد تغير فسأله عن حاله، فأخبره أنه قد هوي الجارية التي حملت الزنفيجلة، فعاد الكشفلي إلى ابن برويه، فقال له: قد وقعنا في قصة أخرى، قال: ما هي؟ فأخبره بحال الفقيه مع الجارية فسلمها إليه وقال: ربما كان في قلبها منه مثل ما في قلبه لها، ووصل الفقيه من أبيه ستمائة دينار.
توفي الكشفلي في ربيع الآخر من هذه السنة، ودفن بمقابر باب حرب.
الحسين بن الحسن بن محمد بن القاسم، أبو عبد الله المخزومي الغضائري سمع الصولي، وابن السماك، والنجاد، والخلدي وكان ثقة، توفي في محرم هذه السنة ودفن بقرب قبر أحمد بن حنبل.
علي بن عبد الله بن جهضم أبو الحسن الصوفي صاحب بهجة الأسرار وكان شيخ الصوفية توفي بمكة، وقد ذكروا أنه كان كذاباً، ويقال أنه وضع صلاة الرغائب.
أخبرنا شيخنا ابن ناصر، عن أبي الفضل بن خيرون، قال: قد تكلموا فيه.
القاسم بن جعفر بن عبد الواحد أبو عمر الهاشمي البصري قدم بغداد في سنة إحدى وسبعين وقبلت شهادته ثم قدمها مع أبي محمد بن معروف في سنة سبع وسبعين وكانت ولادته سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة، سمع عبد الغافر بن سلامة، وأبا علي اللؤلؤي في خلق، وكان ثقة أميناً، وولي القضاء بالبصرة.
وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة.
محمد بن أحمد بن الحسين بن يحيى، أبو الفرج القاضي الشافعي ابن سميكة حدث عن أبي بكر النجاد، وأبي علي بن الصواف، وحبيب بن الحسن القزاز، وغيرهم.
أخبرنا القزاز، أخبرنا ابن ثابت الخطيب، قال: كتبنا عنه بانتقاء محمد بن أبي الفوارس، وكان ثقة، وتوفي يوم الثلاثاء، ودفن يوم الأربعاء لست خلون من شهر ربيع الأول سنة أربع عشرة وأربعمائة، ودفن في مقبرة باب حرب.
محمد بن أحمد، أبو جعفر النسفي كان عالماً بالفقه على مذهب أبي حنيفة، وصنف تعليقة مشهورة، وكان فقيراً متزهداً، فبات ليلة مكروباً من الإضافة، فوقع له فرع من فروع مذهبه، فأعجب به فقام قائماً يرقص في داره، ويقول: أين الملوك وأبناء الملوك، فسألته زوجته عن حاله، فأخبرها فتعجبت. توفي في شعبان هذه السنة.
هلال بن محمد بن جعفر بن سعدان أبو الفتح الحفار


ولد سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة، سمع إسماعيل الصفار، وأبا عمرو بن السماك، والنجاد، وابن الصواف، وكان صدوقاً ينزل بالجانب الشرقي قريباً من الخطابين توفي في شهر صفر هذه السنة رحمه الله وإيانا وجماعة المسلمين بمنه وكرمه.
ثم دخلت
سنة خمس عشرة وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أن الوزير المغربي جمع الأتراك والمولدين ليحلفوا لمشرف الدولة، وكلف مشرف الدولة المرتضى ونظام الحضرتين أبا الحسن الزينبي وقاضي القضاة، وأبا الحسن بن أبي الشوارب، وجماعة من الشهود الحضور، فأحلفت طائفة من القوم فظن الخليفة أن التحالف لنية مدخولة في حقه، فبعث من دار الخليفة من منع الباقين بأن يحلفوا، وأنكر على المرتضى والزينبي وقاضي القضاة حضورهم بلا إذن، واستدعوا إلى دار الخلافة، وسرح الطيار، وأظهر عزم الخليفة على الركوب وتأدى ذلك إلى مشرف الدولة، وانزعج منه، ولم يعرف السبب فيه فبحث عن ذلك إذا به أنه اتصل بالخليفة أن هذا التحالف عليه، فترددت الرسائل باستحالة ذلك، وانتهى الأمر إلى أن حلف مشرف الدولة على الطاعة والمخالصة للخليفة، وكان وقوع اليمين في يوم الخميس الحادي عشر من صفر وتولى أخذها واستيفاءها القاضي أبو جعفر السمناني، ثم حلف الخليفة لمشرف الدولة.
وفي رجب: وقع العقد لمشرف الدولة على بنت علاء الدولة أبي جعفر بن كاكويه، وكان الصداق خمسين ألف دينار.
وفي هذه السنة: تأخر الحاج الخراسنة للإشفاق من فساد طريق مكة.
وفيها حج بالناس: أبو الحسن الأقساسي، وحج معه حسنك صاحب محمود بن سبكتكين، فنفذ إليهما صاحب مصر خلعاً وصلة فسارا إلى العراق ولم يدخل، حسنك بغداد خوفاً أن ينكر عليه من دار الخلافة، فكوتب محمود بن سبكتكين بما فعله حسنك فنفذ برسوله ومعه الخلع المصرية، فأحرقت على باب النوبي، وعاد الحاج على طريق الشام، وورد كثير منهم في السفن من طريق الفرات، وجاء قوم على الظهر إلى أوانا، وذاك لأنهم عللوا العرب في ممرهم بأنا سنرضيكم، فخافوا أن يصيروا في أيديهم بحكمهم، فعرجوا إلى تلك الطريق لطلب السلامة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن محمد بن عمر بن الحسن بن عبيد بن عمرو بن خالد بن الرفيل، أبو الفرج المعدل ابن المسلمة ولد في سنة سبع وثلاثين وثلثمائة، وسمع أباه، وأحمد بن كامل، والنجاد، والخطبي، ودعلج بن أحمد، وغيرهم. وكان ثقة يسكن في الجانب الشرقي بدرب سليم، ويملي في كل سنة مجلساً واحداً في أول المحرم، وكان عاقلاً فاضلاً كثير المعروف، وداره مألفاً لأهل العلم.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أحمد بن ثابت، قال: حدثني رئيس الرؤساء أبو القاسم علي بن الحسن بن أحمد بن محمد، قال: كان جدي يختلف في درس الفقه إلى أبي بكر الرازي، وكان يصوم الدهر، وكان يقرأ كل يوم سبع القرآن بالنهار ويعيده بعينه في ليلته في ورده.
قال رئيس الرؤساء: ورأيت أبا الحسين القدوري الفقيه بعد موته في المنام فقلت له: كيف حالك؟ فتغير وجهه ودق حتى صار كهيئة الوجه المرئي في السيف دقة وطولاً وأشار إلى صعوبة الأمر، فقلت: كيف حال الشيخ أبي الفرج؟ يعني جده فعاد وجهه إلى ما كان عليه وقال لي: ومن مثل الشيخ أبي الفرج ذلك؟ ثم رفع يده إلى السماء، فقلت في نفسي: يريد بهذا قول الله تعالى: " وهم في الغرفات آمنون " .
توفي أبو الفرج ابن المسلمة في ذي القعدة من هذه السنة.
أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم أبو الحسن المحاملي كان أبوه أحد الشهود ببغداد، وتفقه على أبي حامد، وبرع وصنف المصنفات المشهورة، وكان أبو حامد يقول: هو أحفظ للفقه مني. وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة وهو شاب.
سلطان الدولة ابن بهاء الدولة. توفي بشيراز عن اثنتين وثلاثين سنة وخمسة أشهر.
عبيد الله بن عمر بن علي بن الأشرس، أبو القاسم الفقيه المقرئ ابن البقال سمع النجاد، وأبا علي ابن الصواف، قال الخطيب: سمعنا منه بانتقاء ابن أبي الفوارس، وكان ثقة. وتوفي في صفر هذه السنة، ودفن في مقبرة باب حرب.
عبيد الله بن عبد الله بن الحسين، أبو القاسم الخفاف ابن النقيب


أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: رأى الشبلي، وسمع من أبي طالب ابن البهلول. وكان سماعه صحيحاً، وكان شديداً في السنة قال: وبلغني أنه جلس للتهنئة لما مات ابن المعلم شيخ الرافضة، وقال: ما أبالي أي وقت مت بعد أن شاهدت موت ابن المعلم. قال: وسمعت رئيس الرؤساء أبا القاسم وكان ينزل في جواره ناحية الرصافة، قال: مكث كذا وكذا سنة ذهب عني حفظ عددها كثرة يصلي الفجر على وضوء العشاء، ويحيي الليل بالتهجد. قال الخطيب: وسألته عن مولده، فقال: ولدت سنة خمس وثلثمائة.
ومات أبو بكر بن مجاهد في سنة أربع وعشرين ولي تسع عشرة سنة، وأذكر من الخلفاء: المقتدر، والقاهر، والراضي، والمتقي، والمستكفي، والمطيع، والطائع، والقادر، والغالب. خطب له بولاية العهد.
توفي ابن النقيب في سلخ شعبان هذه السنة.
عمر بن عبد الله بن عمر بن تعويذ أبو حفص الدلال توفي في هذه السنة.
قال في المصنف: سمعت أبا الفضل الأرموي، يقول: سمعت أبا الحسين بن المهتدي يقول: سمعت عمر بن عبد الله بن تعويذ، يقول: سمعت الشبلي يقول:
وقد كان شيء يسمى السرور ... قديماً سمعنا به ما فعل
خليلي إن دام هم النفوس ... قليلاً على ما نراه قتل
مؤمل دنيا لتبقى له ... فمات المؤمل قبل الأمل
علي بن محمد بن عبد الله بن بشران بن محمد بن بشر بن مهران أبو الحسين المعدل سمع علي بن محمد المصري، وإسماعيل بن محمد الصفار، والحسين بن صفوان وغيرهم. وكان صدوقاً ثقة ثبتاً حسن الأخلاق تام المروءة.
توفي في شعبان هذه السنة، وقيل: في رجب عن سبع وثمانين سنة، ودفن بباب حرب.
علي بن عبد الصمد أبو الحسن الشيرازي ابن أبي علي تولى حجبة القادر بالله في شوال سنة تسع وثمانين وثلثمائة، فلم يزل على ولايته إلى سنة ثمان وأربعمائة، وكثرت الفتن، فجاء إلى دار الخليفة وأظهر التوبة من العمل، وأشهد على نفسه بذلك في الموكب فولى بعده أبو مقاتل، فأراد دخول الكرخ، فمنعه أهلها فأحرق الدكاكين والجعافرة، فصارت تلولاً، فعاد علي بن أبي علي إلى الولاية في سنة تسع وأربعمائة، وقتل الموسومين بالفتن من الشيعة والسنة، ونفى ابن المعلم فقيه الإمامية وجماعة من الوعاظ وأهل السنة، ونسبهم إلى معاونة أهل الفتن، فقامت الهيبة وسكن البلد، فلما ولي أبو القاسم المغربي الوزارة، صادر علي بن أبي علي على خمسة آلاف دينار مغربية، وألف عليه العيارين فقتلوه على باب درب الديزج ليلة النصف من رجب هذه السنة، وتولى المعونة بعده أبو علي الحسن بن أحمد غلام ابن الهدهد.
محمد بن المظفر بن علي بن حرب أبو بكر الدينوري الصالح توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
محمد بن الحسن أبو الحسن الأقساسي العلوي وهو من ولد محمد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي حج بالناس سنين كثيرة نيابة عن المرتضى الموسوي، وله شعر مليح، ومنه قوله في غلام اسمه بدر:
يا بدر وجهك بدر ... وغنج عينيك سحر
وماء خديك ورد ... وماء ثغرك خمر
أمرت عنك بصبر ... وليس لي عنك صبر
تأمرني بالتسلي ... ما لي مع الشوق أمر
توفي في هذه السنة، ورثاه المرتضى بأبيات منها قوله:
وقد خطف الموت كل الرجال ... ومثلك من بيننا ما خطف
وما كنت إلا أبي الجنان ... على الضيم محتمياً بالأنف
خلياً من العار صفر الإزار ... مدى الدهر من دنس أو نطف
محمد بن أحمد بن عمر بن علي، أبو الحسن ابن الصابوني ولد سنة إحدى وثلاثين وثلثمائة، وسمع أبا بكر الشافعي وغيره. وكان صدوقاً. وتوفي يوم الخميس السادس عشر من رجب، ودفن في مقبرة باب الشام.
محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن الفرج بن أبي طاهر، أبو عبد الله الدقاق. ابن البياض ولد في صفر سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة، وسمع أحمد بن سلمان، وجعفر الخلدي، وأبا بكر الشافعي، وغيرهم.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن ثابت، قال: كان الدقاق شيخاً فاضلاً ديناً صالحاً ثقة من أهل القرآن، ومات في يوم الخميس التاسع والعشرين من شعبان سنة خمس عشرة وأربعمائة.


محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل أبو الحسين الأزرق القطان سمع إسماعيل الصفار، وأبا عمرو بن السماك، وأبا بكر النجاد، وجعفر الخلدي في آخرين، وكان ثقة، وتوفي في رمضان هذه السنة، ودفن في مقبرة باب الدير.
ثم دخلت
سنة ست عشرة وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أن العيارين انبسطوا انبساطاً أسرفوا فيه، وخرقوا هيبة السلطان، وواصلوا العملات وأراقوا الدماء.
وفي ربيع الآخر: توفي الملك مشرف الدولة، ونهبت الخزائن، واستقر الأمر على تولية جلال الدولة أبي طاهر فخطب له على المنابر وهو بالبصرة، فخلع على شرف الملك ابن ماكولا وزيره ولقبه علم الدين سعد الدولة أمين الملة شرف الملك، وهو أول من لقب بالألقاب الكثيرة، ثم تأخر إصعاده لما عليه الأمور من الانتشار، واعلم بأن الملك يحتاج إلى المال وليس عنده فأظهر الجند الخوض في أمر الملك أبي كاليجار، ثم تظاهروا بعقد الأمر له، وانحدر الأصفهلارية إلى دار الخلافة، وراسلوا الخليفة وعددوا ما عاملهم به جلال الدولة من إغفال أمرهم، وإهمال تدبيرهم، وأنهم قد عدلوا إلى أبي كاليجار ثم تظاهروا بعقد الأمر له إذ كان ولي عهد أبيه سلطان الدولة الذي استخلفه بهاء الدولة عليهم، فتوقف الجواب، ثم عادوا فقيل لهم: نحن مؤثرون لما تؤثرونه، وخرج الأمر بإقامة الخطبة للملك أبي كاليجار، وأقيمت له في يوم الجمعة سادس عشر من شوال، فكوتب جلال الدولة بذلك، فاصعد من واسط.
وكان صاحب مصر قد أنفذ إلى يمين الدولة محمود بن سبكتكين خلعة مع أبي العباس أحمد بن محمد الرشيدي الملقب زين القضاة إلى الخليفة، فجلس القادر بالله في يوم الخميس لتسع بقين من جمادى الآخرة لأبي العباس الرشيدي بعد أن جمع القضاة والشهود والفقهاء والأماثل وأحضر أبو العباس ما كان حمله صاحب مصر، وأدى رسالة يمين الدولة بأنه الخادم المخلص الذي يرى الطاعة فرضاً ويبرأ من كل ما يخالف الدولة العباسية، فلما كان فيما بعد هذا اليوم أخرجت الثياب إلى باب النوبي، وحفرت حفرة وطرح فيها الحطب، ووضعت الثياب فوقه وضربت بالنار وأبو الحسن علي بن عبد العزيز والحجاب حاضرون، والعوام ينظرون وسبك المركب، فخرج وزن فضة أربعة آلاف وخمسمائة واثنتين وستين درهماً، فتصدق به على ضعفاء بني هاشم.
وفي هذه السنة: زاد أمر العيارين وكبسوا دور الناس نهاراً وفي الليل بالمشاعل والموكبيات، وكانوا يدخلون على الرجل فيطالبونه بذخائره ويستخرجونها منه بالضرب كما يفعل المصادرون، ولا يجد المستغيث مغيثاً، وقتلوا ظاهراً وانبسطوا على الأتراك، وخرج أصحاب الشرط من البلد، وقتل كثير من المتصلين بهم، وعملت الأبواب، وأوثقت على الدروب، ولم يغن ذلك شيئاً، وأحرقت دار الشريف المرتضى على الصراة، وقلع هو باقيها، وانتقل إلى درب جميل وكان الأتراك قد أحرقوا طاق الحراني لفتنة جرت بينهم وبين العيارين والعامة، وكان هذا الاختلاط من شهر رجب سنة خمس عشرة إلى آخر سنة ست عشرة.
وغلت الأسعار، وفي هذه السنة بيع الكر بثمانين ديناراً، فخرج خلق من أوطانهم.
وتأخر في هذه السنة ورود الحاج الخراسانية، فلم يحج أحد من خراسان ولا من العراق.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
سابور بن أردشير وزر لبهاء الدولة أبي نصر بن عضد الدولة ثلاث مرات، وكان كاتباً شديداً، وابتاع داراً بين السورين في سنة إحدى وثمانين وثلثمائة، وحمل إليها كتب العلم من كل فن، وسماها دار العلم، وكان فيها أكثر من عشرة آلاف مجلد، ووقف عليها الوقوف، وبقيت سبعين سنة وأحرقت عند مجيء طغرلبك في سنة خمسين وأربعمائة، ووزر لشرف الدولة بن عضد الدولة، وكان عفيفاً عن الأموال، كثير الخير سليم الباطن، وكان إذا سمع الآذان ترك ما هو فيه من الأشغال وقام إلى الصلاة، ولم يعبأ بشيء إلا أنه كان يكثر الولاية والعزل، فولى بعض العمال عكبرا فقال له: أيها الوزير كيف ترى أستأجر السمارية مصعداً ومنحدراً فتبسم وقال: امض ساكناً.
وتوفي ببغداد هذه السنة وقد جاوز السبعين.
عثمان النيسابوري الخركوشي الواعظ


كان يعظ الناس، وله كتاب صنفه في الوعظ من أبرد الأشياء، وفيه أحاديث كثيرة موضوعة، وكلمات مرذولة لكنه قد كان فيه خير. دخل على القادر في سنة ست وتسعين وثلثمائة، فوقف بين يديه وقال: أطال الله بقاء أمير المؤمنين حدثني فلان عن فلان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لكل إمام دعوة مستجابة " فإن رأى أمير المؤمنين أن يخصني في هذا اليوم بدعوة، فقال له: بارك الله عليك وفيك.
وكان حشمة عظيمة ومحلته حمى يلجأ عليه وكان محمود بن سبكتكين إذا رآه يقوم له ويستقبله إذا قصده، فدخل عليه محمود يوماً وقال له: قد ضاق صدري كيف قد صرت تكدي؟ فقال: بلغني أنك تأخذ أموال الضعفاء وهذا هو الكدية، وكان محمود قد سقط على أهل نيسابور شيئاً فكق عن ذلك. ووقع بنيسابور جرف فأخذ يغسل الموتى ويواريهم فغسل عشرة آلاف.
محمد بن الحسن ابن صالحان أبو منصور وزر لشرف الدولة أبي الفوارس بن عضد الدولة ثم لأخيه بهاء الدولة وكان يحب الخير والعلماء ويميل إلى العدل ويفضل على الناس وإذا سمع الآذان ترك شغله ونهض لأداء الفرض وكان له مجلس نظر يحضر أهل العلم وكان يعطي العلماء والشعراء وتوفي ببغداد في رمضان هذه السنة عن ست وسبعين سنة. وكان أبو علي إسماعيل الموفق يخلف أبا منصور فأتاه بشر بن هارون النصراني فقال له: إني قد هجوت الوزير أبا منصور بأبيات فيها:
قالوا مضيت إلى الوزير ... فقلت بظر أم الوزير
يلقى الكرام نعم وأما ... ذا فيلقى جوف بئر
فقال: لو سمعها منك لحمدت أمرك معه، فقال: ما عليك إن أنشدتها إياه، قال: ما تؤئر، قال: مائة درهم وعشرة أقفرة حنطة، فدخل إلى الوزير وقال له: قد أنعمت علي بما تقصر شكري عنه وقد حسدني قوم على قربي منك، وقالوا أبياتاً على لساني فيك فأخاف أن تصدق ذلك إذا سمعته، فقال: لا تخف فما الأبيات؟ فأنشده إياه فضحك وخرج فكتب له أبو علي بالدراهم والحنطة على وكيله فدافعه، فكتب إليه:
أيها السيد الكريم الجليل ... هل إلي نظرة إليك سبيل
فأنا جيك باشتكاء وكيل ... ليس حسبي وليس نعم الوكيل
مشرف الدولة أبو علي بن بهاء الدولة أصابه مرض حاد فتوفي لثمان بقين من ربيع الأول عن ثلاث وعشرين سنة وثلاثة أشهر وأربعة عشر يوماً، وكانت مدة إمارته خمس سنين وشهراً وخمسة وعشرين يوماً.
ثم دخلت
سنة سبع عشرة وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: إن الأصفهلارية وردوا إلى بغداد، فراسلوا العيارين وكانوا قد كثروا بالانصراف عن البلد، فلم يلتفتوا إلى هذه المراسلة وخرجوا إلى مضارب الأصفهلارية وصاحوا وشتموا، ووقعت حرب طول النهار وأصبح الجند على غيظ وحنق، فلبسوا السلاح وضربوا الدبادب كما يفعل في الحرب، ودخلوا الكرخ ووقعت النار فاحترق من الدقاقين إلى النحاسين وبعض باب المساكين وسائر الأبواب التي كانوا يتحصنون بها، ونهبت الكرخ في هذا اليوم وهو يوم الأحد لعشر بقين من المحرم، وأخذ الشيء الكثير من القطيعة ودرب رياح، وفيه كانت دار أبي يعلى ابن الموصلي رئيس العيارين، وأخذ من درب أبي خلف الأموال خص بها من دار ابن زيرك البيع، وقلعت الأبواب من درب عون وسائر أسواق الكرخ السالمة من الحريق، وأصبح الناس في اليوم الثالث على خطة صعبه، وكان ما انتهبه العوام من غير أهل الكرخ أكثر مما نهبه الأتراك، ومضى المرتضى مستوحشاً مما جرى إلى دار الخلافة فانحدر الأصفهلارية، وسألوا التقدم إليه بالرجوع، فخلع عليه ثم تقدم إليه بالعود، ثم حفظت المحال واشيعت المصادرات، وقرر على الكرخ مائة ألف دينار.
وفي ربيع الآخر: شهد أبو عبد الله الحسين بن علي الصيمري عند قاضي القضاة ابن أبي الشوارب بعد أن استتابه عما ذكر عنه من الاعتزال.
وفي شهر رمضان: انقض كوكب عظيم الضوء كان له دوي كدوي الرعد.


وجاء في هذه السنة برد لم يعهد مثله منذ يوم الثلاثاء سلخ شوال وإلى يوم الثلاثاء لعشر بقين من ذي الحجة على الدوام، وجمد الماء طول هذه المدة ثخينا حتى في حافات دجلة والأنهار الواسعة، وأما السواقي ومجاري الماء فإنها كانت تجمد طولاً وعرضاً، وقاسى الناس من هذا شدة، وامتنع الكثير منهم من التصرف والحركة، وتأخرت الزيادة في دجلة والفرات، وامتنع المطر فوقفت العمارة، فلم يزرع في السواد إلا القليل.
وفي هذه السنة: اعتقل جلال الدولة أبا سعد بن ماكولا وزيره، واستوزر ابن عمه أبا علي بن ماكولا.
وتأخر الحاج الخراسانية في هذه السنة، وبطل الحج من خراسان والعراق.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن محمد بن عبد الله بن العباس بن محمد بن عبد الملك، أبو الحسن القريشي الأموي ابن أبي الشوارب ولي قضاء البصرة قديماً ثم قضاء القضاة بعد أبي محمد الأكفاني في ثالث من شعبان سنة خمس وأربعمائة، ولم يزل على القضاء إلى حين وفاته، وكان عفيفاً نزهاً، وقد سمع من أبي عمر الزاهد، وعبد الباقي بن قانع إلا أنه لم يحدث.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: حدثني القاضي أبو العلاء الواسطي، قال: إن المتوكل دعا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، وأحمد بن المعدل، وإبراهيم التميمي من البصرة وعرض على كل واحد منهم قضاء القضاة، فاحتج محمد بن عبد الملك بالسن العالية وغير ذلك، واحتج أحمد بن المعدل بضعف البصر وغير ذلك، وامتنع إبراهيم التميمي، فقال: لم يبق غيرك، وجزم عليه فولي فنزل حال إبراهيم التميمي عند أهل العلم، وعلت حالة الآخرين.
قال أبو العلاء: فيرى الناس أن بركة امتناع محمد بن عبد الملك دخلت على ولده فولي منهم أربعة وعشرون قاضياً منهم ثمانية تقلدوا قضاء القضاة، وآخرهم أبو الحسن أحمد بن محمد، وما رأينا مثله جلالة ونزاهة وصيانة وشرفاً.
أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا الخطيب، قال: حدثني القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري، قال: كان بيني وبين القاضي أبي الحسن ابن أبي الشوارب بالبصرة أنس كثير وامتزاج شديد حتى كان يعدني ولداً وأعده والداً، فما علمت له سراً قط أو ظهر عليه ما استحيى منه، وكان بالبصرة رجل من وجوهها واسع الحال كثير المال جداً يعرف بابن نصر بن عبدويه، فقال لي، وقد دخلت عائداً له في علة الموت في صدري سر، وأريد إطلاعك عليه، لما ولي القاضي أبو الحسن بن أبي الشوارب القضاء بالبصرة في أيام بهاء الدولة، وكان بيني وبينه من المودة ما شهرته تغني عن ذكره مضيت إليه، وقلت له: قد علمت أن هذا الأمر الذي تقلدته يحتاج فيه إلى مؤن كثيرة وأمور لا يقدر عليها، وقد أحضرتك مائتي دينار وتعلم أنني ممن لا يطلب قضاء ولا شهادة ولا بيني وبين أحد خصومه احتاج إليها في الترافع إليك، وإن حدث بي حدث اقتضى الترافع إليك فبالله عليك إلا حكمت علي في ذلك فما يجب على يهودي لو كان في موضعي، وأسألك أن تقبض مني هذه الدنانير تستعين بها على أمرك، فإن قبلتها بسبب المودة التي بيننا فأنت في حل منها في الدنيا والآخرة، وإن أبيت قبولها على هذا الوجه، فهي قرض لي عليك، فقال: أعلم أن الأمر كما ذكرته ووالله أني لمحتاج إليها، ولكن لا يراني الله قبلت إعانة على هذا الأمر، وأسألك بالله إن أطلعت أحداً على هذا السر ما دمت في الدنيا، فوالله ما ذكرت لأحد قبل هذا الوقت.
قال ابن حبيب: ومات من يومه ذلك، توفي ابن أبي الشوارب في شوال هذه السنة.
إبراهيم بن عبد الواحد بن محمد بن الحباب أبو القاسم الدلال سمع محمد بن عبد الله الشافعي وغيره، وكان ثقة يسكن الجانب الشرقي. وتوفي في صفر هذه السنة.
جعفر بن بأبى أبو مسلم الختلي سمع ابن بطة، ودرس فقه الشافعي على أبي حامد الإسفرائيني. وكان ثقة فاضلاً ديناً. وتوفي في رمضان هذه السنة.
عبد الله بن جعفر، أبو سعد ابن باكويه وزر لجلال الدولة أبي طاهر واعتقله ومات في اعتقاله في هذه السنة، وكان أديباً شاعراً.
عمر بن أحمد بن إبراهيم، أبو حازم الهذلي النيسابوري ابن عبدويه


سمع إسماعيل بن نجيد، وأبا بكر الإسماعيلي وخلقاً كثيراً، روى عنه محمد بن أبي الفوارس، والتنوخي، وأبو بكر الخطيب، وكان ثقة صادقاً عارفاً حافظاً، سمع الناس بإفادته، وكتبوا بانتخابه، وتوفي في عيد الفطر من هذه السنة.
عمر بن أحمد بن عثمان، أبو حفص البزاز العكبري ولد سنة عشرين وثلثمائة. سمع النقاش، وكان ثقة مقبول الشهادة عند الحكام، وتوفي في هذه السنة.
علي بن أحمد بن عمر بن حفص، أبو الحسن المقرئ ابن الحمامي ولد سنة ثمان وعشرين وثلثمائة، وسمع أبا عمر وابن السماك، والنجاد، والخلدي، وخلقاً كثيراً، وكان صدوقاً ديناً فاضلاً حسن الاعتقاد، وتفرد بأسانيد القراآت وعلوها في وقته، وكان ينزل سوق السلاح من دار المملكة.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال: حدثني نصر بن إبراهيم الفقيه، قال: سمعت سليم بن أيوب الرازي، يقول: سمعت أبا الفتح بن أبي الفوارس يقول: لو رحل رجل من خراسان ليسمع كلمة من أبي الحسن الحمامي أو من أبي أحمد الفرضي لم تكن رحلته ضائعة عندنا.
توفي أبو الحسن الحمامي رابع عشرين من شعبان هذه السنة عن تسع وثمانين سنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
محمد بن أحمد بن إبراهيم بن مشاذي أبو الحسن الهمذاني أخبرنا عبد الرحمن أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: كتبت عنه عند رجوعه من الحج وذلك في سنة تسع وأربعمائة، وكان ثقة.
محمد بن أحمد بن الحسن بن الحسن بن إسحاق أبو الحسن البزاز أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: محمد بن أحمد أبو الحسن البزاز سمع بمكة من عبد الله بن محمد بن إسحاق الفاكهي، وأحمد بن محبوب الفقيه، كتبنا عنه بعد أن كف بصره، وكان ثقة، وتوفي في سنة سبع عشرة وأربعمائة.
ثم دخلت
سنة ثمان عشرة وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أنه في آخر نهار الخميس العاشر من ربيع الآخر جاء برد كبار بنواحي قطربل والنعمانية والنيل، وأثر غلات هذه النواحي، وقتل كثيراً من الوحش والغنم، وقيل: أنه كان في البردة منه ما وزنه رطلان وأكثر.
وجاء في ليلة الجمعة لإحدى عشرة ليلة خلت من هذا الشهر في مدينة السلام برد كبير، كقدر البيض وأكبر بعد مطر متصل.
وورد الكتاب من واسط بأنه سقط من البرد ما كان وزن الواحدة منه أرطالاً فهلكت الغلات ولم يصح منها إلا الأقل.
وفي ربيع الآخر: قصد الإصفهلارية والغلمان دار الخليفة، وراسلوه بأنك أنت مالك الأمور، وقد كنا عند وفاة الملك مشرف الدولة اخترنا جلال الدولة تقديراً منا أنه ينظر في أمورنا، فأغفلنا فعدنا إلى أبي كاليجار ظناً منه أنه يحقق ما يعدنا به، فكنا على أقبح من الحالة الأولى ولا بد لنا من تدبير أمورنا، فخرج الجواب بأنكم أبناء دولتنا، وأول ما نأمركم به أن تكون كلمتكم واحدة، وبعد فقد جرى الأمر من عقد الأمر لأبي طاهر ثم نقضه ثم ساعدناكم عليه، وفيه قبح علينا وعليكم، ثم عقدتم لأبي كاليجار عقداً لا يحسن حله من غير روية ولبني بويه في رقابنا عهود لا يجوز العدول عنها والوجه أن تدعونا حتى نكاتب أبا كاليجار ونعرف ما عنده، ثم كوتب أنك إن لم تتدارك الأمر خرج عن اليد، ثم آل الأمر أن عادوا وسألوا التقدم بالخطبة لجلال الدولة أبي طاهر وأقيمت الخطبة له.
وكتب الأمير يمين الدولة محمود إلى الخليفة كتاباً يذكر فيه ما فتحه من بلاد الهند وكسره الصنم المعروف بسومنات، وكان في كتابه أن أصناف الخلق افتتنوا بهذا الصنم، وربما اتفق برؤ عليل يقصده، وكانوا يأتونه من كل فج عميق ويتقربون إليه بالأموال الكثيرة حتى بلغت أوقافه عشرة آلاف قرية مشهورة في تلك البقاع، وامتلأت خزانته بالأموال، ورتب له ألف رجل للمواظبة على خدمته وثلثمائة يحلقون حجيجه وثلثمائة وخمسون يرقصون ويغنون على باب الصنم، وقد كان العبد يتمنى قلع هذا الوثن فكان يتعرف الأحوال فتوصف له المفاوز إليه وقلة الماء واستيلاء الرمل على الطرق، فاستخار العبد الله عز وجل في الانتداب لهذا الواجب ومثل في فهمه أضعاف المسموع من المتاعب طلباً للثواب الجزيل.


ونهض العبد في شعبان سنة ست عشرة في ثلاثين ألف فارس اختارهم سوى المطوعة ففرق العبد في المطوعة خمسين ألف دينار ليستعينوا على أخذ الآهبة، ثم مضى العبد في مفازة أصعب مما وصف، وقضى الله سبحانه الوصول إلى بلد الصنم، وأعان حتى ملك البلد، وقلع الوثن وأوقدت عليه النار حتى تقطع وقتل خمسون ألف من سكان البلد.
وفي يوم السبت ثالث رمضان: دخل جلال الدولة إلى دار المملكة بعد أن خرج الخليفة ليلقيه قبل ذلك بساعة، فاجتمعا في دجلة ونزل الخليفة من داره في الطيار بين سرادقين مضروبين ومعه الأمير أبو جعفر وأبو الحسن علي بن عبد العزيز، والمرتضى أبو القاسم الموسوي، ونظام الحضرتين أبو الحسن الزينبي، والمصطنع أبو نصر منصور بن رطاس الحاجب، وانحدر إلى أن قرب من مضرب الملك جلال الدولة، فخرج إليه في زبزبه وصعد فقبل الأرض دفعات، وجلس بين يديه على كرسي طرح له، وسأله عن أخباره وعرفه أنه بقرب داره، فشكر ودعا وعاد إلى الزبزب فوقف فيه فتقدم إليه الخليفة بالجلوس فجلس وتبع الطيار على سبيل الخدمة إلى أن عبر إلى درجة دار الخليفة، وصعد الملك من الزبزب وجلس في خيمة لطيفة ضربت له على شاطئ دجلة بقرب قصر عيسى، ثم مضى إلى دار المملكة وتقدم بأن يضرب له الطبل على بابها في أوقات الصلوات الخمس على مثل ما كان سلطان الدولة فعله عند وروده وغيره مشرف الدولة بعده ورده إلى الرسم وهو في أوقات الصلوات الثلاث وعلى ذلك جرت العادة في أيام عضد الدولة وصمصامها وشرفها وبهائها، فثقل ما فعله على الخليفة لأنه مساواة له وراسل في معناه، فاحتج بما فعله سلطان الدولة، فقيل ذلك على غير أصل ومن غير إذن، ولم تجر العادة بمماثلة الخليفة في هذا الأمر، ثم تردد الرسائل ما انتهى إلى أن قطع الملك ضرب الطبل في الواحدة، فأذن الخليفة في ضرب الطبل في أوقات الصلوات الخمس.
وفي هذه السنة: حلف جلال الدولة لجنوده على الوفاء والصفاء، وحلف لأمير المؤمنين أيضاً على المخالصة والطاعة.
وفي يوم الأربعاء لثلاث بقين من شوال وهو التاسع والعشرين من تشرين الثاني: هبت ريح من الغرب باردة، ودام البرد إلى يوم الثلاثاء ثالث ذي القعدة، فجاوز العادة وجمدت منه حافات دجلة، وجمد الخل والنبيذ وأبوال الدواب، ورئيت ناعورة قد وقفت لجمود الماء وقد صار الماء في أنقابها كالعمود.
وقلد أبو طاهر بن جماد واسطاً والبطيحة، ولقب عميد الحضرة ذا الرتبتين.
وفي هذه السنة: زاد الأمر في نقض دار معز الدولة بباب الشماسية، وكان معز الدولة قد بنى هذه الدار بناء صرف إليه عنايته، فعظم المجالس، وفخم البناء، ووصل بها من الإصطبلات ما يسع ألوفاً من الكراع، وجعل على كل إصطبل باباً من حديد وأنفق عليها اثني عشر ألف ألف درهم قيمتها ألف ألف دينار، سوى ما كان يجلب من معادن الجص والنورة والإسفيذاج، ولم يعمل من مسناتها إلا البعض لأنه أراد أن يصل المسناة بمسناة دار الصيمري، فعاجلته المنية، فلما توفي جعلها ولده عز الدولة دار الموكب، وكان لا يحضرها إلا عند البروز للعسكر، وكانت داره التي ينزلها الدار الغربة التي كانت للمتقي لله، وتجددت دولة بعد دولة ودار المعز مهجورة، فلما عمر بهاء الدولة داره بسوق الثلاثاء التي كانت معروفة بمونس فسح في أخذ شيء من آجر الإصطبلات، فدب الخراب فيها، وبعث بهاء الدولة لقلع السقف الساج المذهب من بيت المائدة، وكانت قد أنفقت عليه أموال عظيمة فحمله إلى مهرويان ليحوله إلى دار المملكة بشيراز، فلم يتم ذلك وبقي موضعه، فهلك، وبذل، في ثمنه من يحك ذهبه ثمانية آلاف دينار، فلم يقبل الرجل، ثم امتدت يد الجند إلى أخذ آجرها، ثم أقيم من ينقضها ويبيع آلاتها.
وتأخر في هذه السنة الحاج الخراسانية، ولم يحج من خراسان والعراق أحد من الناس.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد الصمد بن المهتدي بالله أبو عبد الله الشاهد خطب في جامع المنصور في سنة ست وثمانين وثلثمائة، وكان يخطب خطبة واحدة كل جمعة لا يغيرها، وإذا سمعها منه الناس ضجوا بالبكاء وخشعوا لصوته. توفي في هذه السنة.
الحسين بن علي بن الحسين أبو القاسم المغربي الوزير


ولد بمصر في ذي الحجة سنة سبعين وثلثمائة وهرب منها حين قتل صاحبها أباه وعمه، وقصد مكة ثم الشام ثم بغداد فوزر لمشرف الدولة بعد أبي على الرخجي، وكان كاتباً عالماً يقول الشعر الحسن، ثم وزر بعد ذلك لابن مروان بديار بكر ومات عنده، قال أبو غالب بن بشران الواسطي: رويت له أن بعض الحكماء قال لبنيه: تعلموا العلم فلأن يذم الزمان لكم خير من أن يذم بكم، ففكر ساعة وكتب:
وقد بلوت الدهر أعجم صرفه ... فأطاع لي عصيانه ولسانه
ووجدت عقل المرء قيمة نفسه ... وبجده جدواه أو حرمانه
فإذا جفاه المجد عيبت نفسه ... وإذا جفاه الجد عيب زمانه
ومن شعره المستحسن ما أنبأنا به أبو القاسم السمرقندي، قال: أنشدنا أبو محمد التميمي للوزير أبي القاسم المغربي:
وما ظبية أدماء تحنو على الطلا ... ترى الأنس وحشا وهي تأنس بالوحوش
غدت فارتعت ثم انثنت لرضاعه ... فلم تلق شيئاً من قوائمه الحمش
فطافت بذاك القاع ولهى فصادفت ... سباع الفلا ينهشه أي ما نهش
بأوجع مني يوم ظلت أنامل ... تودعني بالدر من شبك النقش
وأجمالهم تمشي وقد خيل الهوى ... كأن مطاياهم على ناظري تمشي
وأعجب ما في الأمر ان عشت بعدهم ... على أنهم ما خلفوا في من بطش
وكان المغربي إذا دخل عليه الفقيه سأله عن النحو، والنحوي سأله عن الفرائض أو الشاعر سأله عن القرآن قصدا ليسكتهم، فدخل عليه شيخ معروف فسأله عن العلم، فقال: ما أدري ولكني رجل يودعني الغريب الذي لا أعرفه الأموال العظيمة، ويعود بعد سنين وهي بختومها فأخجله بذلك وآل الأمر إلى أن زار رجلاً من الصالحين المنقطعين إلى الله تعالى، فقال: لو صحبتنا لنستفيد منك وتستفيد منا، فقال: ردني عن هذا قول الشاعر:
إذا شئت أن تحيا غنياً فلا تكن ... بمنزلة إلا رضيت بدونها
فأنا أكتفي بعيشي هذا، فقال: يا شيخ ما هذا بيت شعر هذا بيت مال، ثم قال: أللهم أغنيت هذا الشيخ، واعتزل السلطان فقيل له: لو تركت المناصب في عنفوان شبابك، فقال:
كنت في سفرة البطالة والجه ... ل زماناً فحان مني قدوم
تبت من كل مأثم فعسى يمح ... ى بهذا الحديث ذاك القديم
بعد خمس وأربعين لقد ما ... طلت إلا أن الغريم كريم
ولما أحس بالموت كتب كتاباً إلى من يصل إليه من الأمراء والرؤساء الذين من ديار بكر والكوفة يعرفهم أن حظية له توفيت، وأن تابوتها يجتاز بهم إلى مشهد أمير المؤمنين علي عليه السلام، وخاطبهم في المراعاة لمن يصحبه ويخفره، وكان قصده أن لا يتعرض أحد لتابوته، وأن ينطوي خبره فتم له ذلك.
وتوفي في رمضان بميافارقين عن ست وأربعين سنة، وحمل إلى مشهد أمير المؤمنين علي عليه السلام فدفن هناك.
أخبرنا محمد بن ناصر، أخبرنا عبد المحسن بن محمد قال: حدثني أبو منصور محمد بن علي الواسطي قال: حدثني الأمير منتخب الملل قال: كان ابن المغربي مختفياً بالقاهرة والسلطان يطلب دمه، وكان بمصر صبي أمرد مما انتهى الحسن إليه في زمانه، وكان يشتهي أن يراه، فخبر أنه يسبح في الخليج، فخرج وغرر بنفسه، ونظر إليه فقال:
علمت منطق حاجيه والين عشر رايته ... وعرفت آثار النعيم بقبلة من عارضيه
ها قد رضيت من الحياة بأسرها نظري إليه ... ولقد أراه في الخليج يشقه من جانبيه
والموج مثل السيف وهو فرنده في صفحتيه ... لا تشربوا من مائه أبداً ولا تردوا عليا
قد ذات مننه السحر من حركاته وحنيته ... مكانه في الموج قلبي بر شواقي إليه
محمد بن إسحاق ابن الطل ابن وائل أبو بكر الأزدي الأنباري سمع أحمد بن يعقوب القرنجلي.
أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب، قال: حدثني الصوري أنه سمع منه بالأنبار في سنة ثمان عشرة وأربعمائة، ومات في تلك السنة.
محمد بن الحسين بن إبراهيم بن محمد، أبو بكر الوراق ابن الخفاف حدث عن أحمد بن جعفر القطيعي وغيره.


أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ، أخبرنا محمد بن الحسين الخفاف، عن جماعة كثيرة لا تعرف ذكر أنه كتب عنهم في السفر، وكان غير ثقة لا شك أنه كان يركب الأحاديث ويضعها على من يرويها عنه، ويختلق أسماء وأنساباً عجيبة، وعندي عنه من تلك الأباطيل أشياء، وكنت عرضت بعضها على هبة الله بن الحسن الطبري، فخرق كتابي بها وجعل يعجب مني كيف أسمع منه. توفي الخفاف في ذي الحجة من هذه السنة.
هبة الله بن الحسن بن منصور، أبو القاسم الرازي طبري الأصل الألكاني سمع عيسى بن علي بن عيسى الوزير، والمخلص، وخلقاً كثيراً. ودرس الفقه على مذهب الشافعي عند أبي حامد الاسفرائيني، وكان يفهم ويحفظ، وصنف كتباً وأدركته المنية قبل أن ينتشر عنه شيء، فتوفي بالدينور في رمضان هذه السنة.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: حدثني علي بن الحسين بن جداء العكبري، قال: رأيت أبا القاسم الطبري في المنام فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، قلت: بماذا؟ فكأنه قال كلمة خفية بالسنة.
أبو القاسم بن القادر بالله توفي ليلة الأحد لليلة خلت من جمادى الآخرة، وصلى عليه أخوه أبو جعفر، ومشى الناس بين يدي جنازته من رأس الجسر إلى التربة بالرصافة، وأعاد الصلاة عليه أبو محمد الحسن بن عيسى بن المقتدر، وقطع ضرب الطبل في دار الخلافة أياماً لأجل المصيبة، ولحق الخليفة عليه من الحزن أمر عظيم.
أبو الحسن ابن طباطبا الشريف له شعر مليح، ومنه أن رجلاً كتب إليه، فأجابه على ظهر رقعته فقال:
وقرأت الذي كتبت وما زا ... ل نجيبي ومؤنسي وسميري
وغدا الفال بامتزاج السطور ... حاكماً بامتزاجنا في الضمير
واقتران الكلام لفظاً وخطاً ... شاهد باقتران ود الصدور
وتبركت باجتماع الكلامي ... ن رجاء اجتماعنا في سرور
وتفاءلت بالظهور على الواش ... ي فصارت إجابتي في الظهور
توفي في ذي القعدة من هذه السنة رحمه الله.
ثم دخلت
سنة تسع عشرة وأربعمائة
فمن الحوادث فيها:


أن الغلمان اجتمعوا يوم الأحد ثاني عشر المحرم، وتحالفوا على اتفاق الكلمة، وأخرجوا الخيم، وأخرجوا أكابر الأصفهلارية معهم، فخرجوا يوم السبت ثامن عشر المحرم، ثم أنفذوا يوم الأحد جماعة إلى دار الخلافة برسالة يقولون فيها: نحن عبيد أمير المؤمنين، وهذا الملك متوفر على لذاته لا يقوم بأمورنا ونريد أن توعز إليه بالعود إلى البصرة، وإنفاذ ولده ليقيم بيننا نائباً عنه في مراعاتنا، فأجيبوا ووعدوا بمراسلة جلال الدولة، وأنفذ إليه المرتضى، وأبو الحسن الزينبي، وأبو نصر المصطنع برسالة تتضمن ما قالوه، فقال: كل ما ذكروا من اغفالنا لهم صحيح، ونحن معتذرون عفا الله عما سلف، ونحن نستأنف الطريقة التي تؤدي إلى مرادهم، فلما بلغهم ذلك، قالوا: فإذا نحن مطيعون إلا أننا نريد ما وعدنا به عاجلاً قبل دخولنا إلى منازلنا، ثم تقرر القواعد بعد ذلك، وأخرج من المصاغ والفضة أكثر من مائة ألف درهم، فلم يرضهم، وباكروا فنهبوا دار الوزير أبي علي بن ماكولا وبعض دور الأصحاب والحواشي، وعظمت الفتنة وخرقت الهيبة، ومد أقوام أيديهم إلى دور العوام، ووكلوا جماعة منهم بأبواب دار المملكة، ومنعوا من دخول الطعام والماء، فضاق الأمر على من في الدار حتى أكلوا ما في البستان، وشربوا من الآبار، فخرج الملك ودعا قوماً من الموكلين بالأبواب فلم يأتوا فكتب رقعة إلى الغلمان: بأني أرجع عن كل ما أنكرتموه وأعطيكم، فقالوا أعطيتنا ملء بغداد لم تصلح لنا ولم نصلح لك، فقال: إذ كرهتموني فمكنوني من الفقال: إذ كرهتموني فمكنوني من الانحدار، واستقر الأمر على انحداره وابتيع له زبزب شعث، فقال: يكون نزولي بالليل، فقالوا: لا بل الآن، والغلمان يرونه قائماً فلا يسلمون عليه، ويدعوهم فلا يجيبونه، فحمل قوم من الغلمان على السرادق فظن أنهم يريدون الحرم، فخرج وفي يده طبر وقال: قد بلغ الأمر إلى الحرم، فقال بعضهم: ارجع إلى دارك فإنك ملكنا، وصاحوا: جلال الدولة يا منصور، وانتضيت السيوف وترجلوا وقبلوا الأرض وأخرج المصاغ حتى حلي النساء فصرفه إليهم، وأخرج الثياب والفروش والآلات الكثيرة، فلم يف ببعض المقصود، ثم اجتمعوا عند الوزير وهموا بقتله، فقال: لا ذنب له وأخرجت الآلات فبيعت، وكان فيها كيس وسفرة وطست.
وقد ذكرنا ما جرى على النخل في السنة الماضية من البرد والريح، فلما جاءت هذه السنة عدم الرطب إلا ما يجلب من بعد، فبيع كل ثلاثة أرطال بدينار جلالي، واشتد البرد فجمدت حافات دجلة، ووقفت العروب بعكبرا عن الدوران لجمود ما حولها، وهلك ببغداد من النخل عشرات ألوف.
وتأخر في هذه السنة ورود الحاج من خراسان، وبطل الحج من العراق والبصرة وتأخر عنه أهل مصر، ومضى قوم من خراسان إلى مكران فركبوا في البحر من هناك إلى جدة فحجوا.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
الحسين بن الحسن بن يحيى، أبو عبد الله العلوي النهرسابسي كتب عنه أبو بكر الخطيب، وكان صدوقاً، قال: وسألته عن مولده، فقال: ولدت بالكوفة سنة تسع وعشرين وثلثمائة، ومات بواسط في جمادى الآخرة من هذه السنة.
حمزة بن إبراهيم أبو الخطاب اتصل ببهاء الدولة بعلمه النجوم، وبلغ منزلة لم يبلغها أمثاله، وكان الوزراء يتبعونه، وحمل إليه فخر الملك ابن خلف لما فتح قلعة سابور مائة ألف دينار، فاستقلها وعاتبه فآل أمره إلى أن مات بكرخ سامرا غريباً مفلوجاً، وذهب ماله وجاهه.
محمد بن محمد بن إبراهيم، أبو الحسن التاجر ابن مخلد سمع إسماعيل بن محمد الصفار، ومحمد بن عمر الرزاز، وعمر بن الحسن الشيباني، وهو آخر من حدث عنهم، وسمع أبا عمر وابن السماك، وأحمد بن سليمان النجاد، وجعفر الخلدي وغيرهم، ولم يكن بقي أعلى إسناداً منه وكانت له معرفة بشيء من الفقه، وكان ذا حال ونعمة، وعرضت عليه الشهادة فأباها، وأشفق من المصادرة فخرج إلى مصر فأقام بها سنة، ثم عاد فالزم في التقسيط على الكرخ الذي وقع في سنة سبع عشرة ما أفقره حتى أنه توفي في ربيع الأول من هذه السنة ولم يكن عنده كفن، فبعث القادر بالله أكفانه من عنده.
مبارك الأنماطي كان له مال عظيم وجاه كثير، فتوفي بمصر وخلف ما يزيد على ثلثمائة ألف دينار، فترك جميع ذلك على بنت كانت ببغداد.
أبو الفوارس بن بهاء الدولة


توفي بكرمان، فنادى أصحابه بشعار ابن أخيه أبي كاليجار، وكان أبو الفوارس ظالماً، كان إذا سكر ضرب أصحابه، وضرب وزيره في بعض الأيام مائتي مقرعة وأحلفه بالطلاق أنه لا يتأوه ولا يخبر بذلك أحداً، فقيل إن حواشيه سموه ودفنوه بشيراز.
محمد باشاذ وزر لأبي كاليجار فلقبه معز الدين، فلك الدولة، سيد الأمة، وزير الوزراء، عماد الملك، ثم سلم إلى جلال الدولة أبي طاهر فاعتل ومات.
أبو عبد الله بن التبان المتكلم، توفي في هذه السنة.
ثم دخلت
سنة عشرين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أنه انحدر ذو البراعتين أحمد بن محمد الواسطي إلى البصرة والياً عليها في محرم هذه السنة.
وورد الخبر لسبع خلون من ربيع الآخر: بأن مطراً ورد بنواحي النعمانية ومعه برد كبار، في بردة أرطال، وذكر أنه ورد بنواحي دير العاقول مطر معه برد وزن الواحدة منها خمسة دراهم وأقل، وارتفعت بعده ريح سوداء فقلعت كثيراً من أصول الزيتون العاتية العتيقة، وعبرت بها من شرقي النهروان إلى غربيه وطرحتها على بعد، وقلعت الريح نخلة من أصلها ثم حملت جذعها إلى دار بينها وبينها ثلاث دور، وقلعت الريح سقف مسجد الجامع ببعض القرى، وشوهد من البرد ما يكون في الواحدة ما بين الرطل إلى الرطلين، ووجدت بردة عظيمة الحجم يزيد وزنها على مائة رطل، فحزرت بمائة وخمسين رطلاً، وكانت كالثور النائم، وقد نزلت في الأرض نحواً من ذراع.
وورد إلى الخليفة كتاب من الأمير يمين الدولة أبي القاسم محمود وكان فيه سلام على سيدنا ومولانا الإمام القادر بالله أمير المؤمنين، فإن كتاب العبد صدر من معسكره بظاهر الري غرة جمادى الآخر سنة عشرين، وقد أزال الله عن هذه البقعة أيدي الظلمة وطهرها من دعوة الباطنية الكفرة والمبتدعة الفجرة، وقد تناهت إلى الحضرة المقدسة حقيقة الحال في ما قصر العبد عليه سعيه واجتهاده من غزو أهل الكفر والضلال، وقمع من نبغ ببلاد خراسان من الفئة الباطنية الفجار، وكانت مدينة الري مخصوصة بالتجائهم إليها وإعلانهم بالدعاء إلى كفرهم فيها يختلطون بالمعتزلة المتبدعة والغالية من الروافض المخالفة لكتاب الله والسنة يتجاهرون بشتم الصحابة ويسرون اعتقاد الكفر ومذهب الإباحة، وكان زعيمهم رستم بن علي الديلمي، فعطف العبد عنانه بالعساكر فطلع بجرجان وتوقف بها إلى انصراف الشتاء، ثم دلف منها إلى دامغان، ووجه علياً لحاجب في مقدمة العسكر إلى الري، فبرز رستم بن علي من وجاره على حكم الاستسلام والاضطرار، فقبض عليه وعلى أعيان الباطنية من قواده.


وطلعت الرايات أثر المقدمة بسواد الري غدوة الإثنين السادس عشر من جمادى الأولى، وخرج الديالمة معترفين بذنوبهم شاهدين بالكفر والرفض على نفوسهم، فرجع إلى الفقهاء في تعرف أحوالهم، فاتفقوا على أنهم خارجون عن الطاعة وداخلون في أهل الفساد مستمرون على العناد، فيجب عليهم القتل والقطع والنفي على مراتب جناياتهم، وإن لم يكونوا من أهل الإلحاد فكيف واعتقادهم في مذاهبهم ولا يعدو ثلاثة أوجه تسود بها الوجوه في القيامة التشيع والرفض والباطن، وذكر هؤلاء الفقهاء أن أكثر القوم لا يقيمون الصلاة، ولا يؤتون الزكاة، ولا يعرفون شرائط الإسلام، ولا يميزون بين الحلال والحرام، بل يجاهرون بالقذف وشتم الصحابة، ويعتقدون ذلك ديانة، والأمثل منهم يتقلد مذهب الاعتزال، والباطنية منهم لا يؤمنون بالله عز وجل وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وأنهم يعدون جميع الملل مخاريق الحكماء، ويعتقدون مذهب الإباحة في الأموال والفروج والدماء، وحكموا بأن رستم بن علي كان يظهر التستر ويتميز به عن سلفه إلا أن في حبالته زيادة على خمسين امرأة من الحرائر ولدن ثلاثة وثلاثين نفساً من الذكور والإناث، وحين رجع إليه في السؤال عن هذه الحال، وعرف أن من يستجيز مثل هذا الصنيع مجاوز كل حد في الاستحلال ذكر أن هذه العدة من النساء أزواجه، وأن أولادهن أولاده، وأن الرسم الجاري لسلفه في ارتباط الحرائر كان مستوراً على هذه الجملة، وأنه لم يخالف عاداتهم في ارتكاب هذه الخطة، وأن ناحية من سواد الري قد خصت بقوم من المزدكية يدعون الإسلام بإعلان الشهادة، ثم يجاهرون بترك الصلاة والزكاة والصوم والغسل وأكل الميتة، فقضى الانتصار لدين الله تعالى بتميز هؤلاء الباطنية عنهم، فصلبوا على شارع مدينة طالما تملكوها غضباً واقتسموا أموالها نهباً، وقد كانوا بذلوا أموالاً جمة يفتدون بها نفوسهم، فعرفوا أن الغرض نهب نفوسهم دون العرض وحول رستم بن علي وابنه وجماعة من الديالمة إلى خراسان، وضم إليهم أعيان المعتزلة والغلاة من الروافض ليتخلص الناس من فتنتهم، ثم نظر فيما اختزنه رستم بن علي من الأثاث فعثر من الجواهر ما يقارب خمسمائة ألف دينار، ومن النقد على مائتين وستين ألف دينار، ومن الذهيبات والفضيات على ما بلغ قيمة ثلاثين ألف دينار، ومن أصناف الثياب على خمسة آلاف وثلثمائة ثوب، وبلغت قيمة الدسوت من النسيج والخزوانيات عشرين ألف دينار، ووقف أعيان الديلم على مائتي ألف دينار، وحول من الكتب خمسون حملاً ما خلا كتب المعتزلة والفلاسفة والروافض فإنها أحرقت تحت جذوع المصلبين، إذ كانت أصول البدع، فخلت هذه البقعة من دعاة الباطنية وأعيان المعتزلة والروافض، وانتصرت السنة فطالع العبد بحقيقة ما يسره الله تعالى لأنصار الدولة القاهرة.
وفي وقت عتمة ليلة الثلاثاء لعشر بقين من رجب انقض كوكب عظيم أضاءت منه الأرض، وكان له دوي كدوي الرعد، وتقطع أربع قطع، وانقض في ليلة الخميس بعده كوكب آخر دونه، وانقض في ليلة الأربعاء لليلتين بقيتا من الشهر كوكب ثالث أكبر من الأول وأكثر إضاءة وانتشار شعاع.
وفي شعبان اضطرب البلد وكثرت العملات، وكبس العيارون عدة محال منه، وضعفت رجالة المعونة.
وفي يوم الإثنين الثامن عشر من هذا الشهر غار الماء من الفرات غوراً شديداً، وجزرت فوهة نهر الرفيل وانقطع الماء عنه، ووقفت الأرحاء التي عليه، وتعذرت الطحون وبلغت أجرة الكارة في طحنها ثلاث دنانير كنية قيمتها دينار، وكانت الركينة نصفاً من المس، ثم صارت مساً واحدة.
وفي هذا اليوم: جمع الأشراف والقضاة والشهود والفقهاء في دار الخلافة، وقرئ عليهم كتاب طويل عمله الخليفة القادر بالله يتضمن الوعظ وتفضيل مذهب السنة، والطعن على المعتزلة وإيراد الأخبار الكثيرة في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة.


وفي يوم الخميس لعشر بقين من شهر رمضان: جمع الأشراف والقضاة والشهود والفقهاء والوعاظ والزهاد إلى دار الخلافة، وقرأ عليهم أبو الحسن بن حاجب النعمان كتاباً طويلاً عمله الخليفة القادر بالله، وذكر فيه أخباراً من أخبار النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، وما روي عنه في عدة أمور من الدين وشرائعه، وخرج من ذلك إلى الطعن على من يقول بخلق القرآن وتفسيقه وحكاية ما جرى بين عبد العزيز وبشر المريسي فيه، ثم ختم القول بالوعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأخذت في آخر الكتاب خطوط الحاضرين وسماعهم بما سمعوه.
وفي يوم الإثنين غرة ذي القعدة: جمع القضاة والشهود والفقهاء والوعاظ والزهاد إلى دار الخلافة، وقرئ عليهم كتاب طويل جداً يتضمن ذكر أبي بكر وعمر وفضائلهما ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم، والطعن على من يقول بخلق القرآن، وأعيد فيه ما جرى بين بشر المريسي وعبد العزيز المكي في ذاك، ويخرج من هذا الوعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأقام الناس إلى بعد العتمة حتى استوفيت قراءته، ثم أخذت خطوطهم في آخره بحضورهم وسماع ما سمعوه.
وكان يخطب في جامع براثا من يذكر في خطبته مذهباً فاحشاً من مذاهب الشيعة، فقبض عليه في دار الخلافة، وتقدم يوم الجمعة التاسع عشر من ذي القعدة إلى أبي منصور بن تمام الخطيب ليخطب بدلاً عن الخطيب الذي كان مرسوماً به، فلما صعد المنبر دقه بعقب سيفه، على ما جرت به العادة، والشيعة تنكر ذلك، وخطب خطبة قصر فيها عما كان يفعله من تقدمه في ذكر علي بن أبي طالب، وختم قوله بأن قال: اللهم اغفر للمسلمين، ومن زعم أن علياً مولاه، فرماه العامة حينئذ بالآجر ودموا وجهه، ونزل من المنبر ووقف المشائخ دونه حتى صلى ركعتي الجمعة خفيفة وعرف الخليفة ذلك فغاظه واحفظه، وخرج أمره باستدعاء الشريفين أبي القاسم المرتضى، وأبي الحسن الزينبي، نظام الحضرتين محمد بن علي والقاضي أبي صالح، وأمر بمكاتبة الحضرة الملكية والوزير أبي علي ابن ماكولا والأصبهلارية في هذا المعنى بما تقام الصحبة فيه فكان فيما كتب:


" بسم الله الرحمن الرحيم إذا بلغ الأمر، أطال الله بقاء صاحب الجيش، إلى الجرأة على الدين وسياسة الدولة والمملكة، ثبتها الله من الرعاع والأوباش، فلا صبر دون المبالغة بما توجبه الحمية وبغير شك أنه قد بلغه ما جرى في يوم الجمعة الماضية من مسجد براثا الذي يجمع الكفرة والزنادقة، ومن قد تبرأ الله منه فصار أشبه شيء بمسجد الضرار، وذلك أن خطيباً كان فيه يجري إلى ما لا يخرج به عن الزندقة والدعوى لعلي بن أبي طالب عليه السلام ما لو كان حياً، فسمعه لقتل قائله وقد فعل مثل ذلك في الغواة أمثال هؤلاء الغثاء الذين يدعون الله، ما تكاد السموات يتفطرن منه، فإن كان في بعض ما يورده هذا الخطيب قبحه الله بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول وعلى أخيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مكلم الجمجمة، ومحيي الأموات البشري الإلاهي مكلم فتية أصحاب الكهف، إلى غير ذلك من الغلو المبتدع الذي تقشعر منه الجلود، ويتحرك من المسلمون، وتنخلع قلوبهم، ويرون الجهاد فيه كجهاد الثغر، فلما ظهر ذلك قبض على الخطيب وأنفذ ابن تمام ليعتمد إقامة الخطبة القويمة، فأورد الرسم الذي يطرق الأسماع من الخطبة ولم يخرج عن قوله: اللهم صل على محمد وعلى آله الطاهرين وأصحابه المنتجبين وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، وذكر العباس وعلياً عليهما السلام، ثم قال في التفاته المعهود عن يمينه: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد إمام أئمة الهدى، وعن يساره ألهم صل على محمد الشفيع المشفع في الورى وأقام الدعوتين الجليلتين، ونزل فوافاه الآجر كالمطر فخلع كتفه وكسر أنفه وأدمى وجهه وهو لما به وأشيط بدمه لولا أنه كان هناك أربعة من الأتراك أيدهم الله فنفروا واجتهدوا في أن حموه لكان قد هلك، وهذه هجمة على دين الله وفتك في شريعة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلاعة في ذكر الربوبية، والحاجة صادقة، والضرورة ماسة إلى أن يقصد الامتعاض البالغ في هذه الحال العظيمة الهائلة التي ارتكبها الكفرة الفجرة، وأقدموا على ما أقدموا عليه، وبقي التظافر على اقتناصهم وأخذ البريء بالسقيم، وإباحة الدماء الواجب سفحها، وكسر الأيدي والأرجل التي تجب إبانتها عن أجسادها والشد على أيدي أصحاب المعونة فيما يقصدونه من ذلك، والعمل على ركوب الجم الغفير وجمهور كبراء العسكر أدام الله عزهم في يوم الجمعة الآتية ليكون الخطيب أيده الله في صحبتهم، ويجري الأمر في الخطبة الإسلامية على تقويمها، ورغم من رغم، ولا يكون ذلك إلا بعد نكاية تظهر وتعم، فإن هؤلاء الشيع قد درسوا الإسلام وقد بقيت منه بقية، وإن لم يدفع هؤلاء الزنادقة المرتدة عن سنن الإسلام وإلا هدم وذهبت هذه البقية، وله أدام الله تأييده سامي رأيه في الوقوف على ذلك والجري على العادة في كفاية هذا المهم، وإجابتي عن هذه الرقعة بما أنهيه فيقع السكون إليه والاعتماد عليه إن شاء الله بعد فقد لحق تماماً الخطيب في نفسه وولده ما ستنشر معرفته، وقد انهتك محرمه، ويحتاج أن يستدعي صاحب المعونة ليستكشف عن حقيقة الحال ومن الذي جنى هذه الجناية، ويتعرف من الملاحين الذين في المشارع من أي جهة وردوا وإلى أين صاروا، ويتعرف ذلك من حراس الدروب بعد الإرهاب الذي يعمل في مثله ويطالع بما ينتهي إليه الإجتهاد إن شاء الله.
وكان الذي لحق الخطيب أنه كبسه نحو ثلاثين رجلاً في داره ليلة الإثنين بالمشاعل، وأخذوا ما كان في داره وأعروه وأعروا ولده وحرمه، وأشفق الوزير والاصفهلارية في الجمعة الثانية من حدوث فتنة بركوب الغلمان مع الخطيب، فراسلوا أبا الحسن بن حاجب النعمان بالتوقف عن إنفاذه في هذا اليوم إلى أن تسكن الثورة، وترتب لهذا الأمر قاعدة يؤمن معها الاختلاط والفساد، فلم يحضر خطيب ولا أقيمت صلاة الجمعة في مسجد براثا، وقد كان شيوخ الشيعة امتنعوا من حضوره وتأهب الأحداث والسفهاء للفتنة.


وفي هذا الوقت كثرت العملات والكبسات في الجانب الشرقي من المعروف بالبرجمي ومن معه من الدعار المتغربين من الأجمة بالأحمرية، وكانوا يدخلون على الدار التي يعينون عليها من نقوب ينقبونها إليها فيصيح أهلها ويطلبون مغيثاً أو معيناً من الأتراك الذين يجاورونهم، فلا يخرج أحد منهم من داره، ولا يمتعض لما يجري في جواره، وزاد الأمر بخلو الجانب الشرقي من ناظر في معونة، ودخل على أبي بكر بن تمام الخطيب ومنزله ملاصق مسجد القهرمانة بإزاء دار المملكة، فصاح واستغاث بالملك ودعاه باسمه، فلما كان في ليلة السبت لثلاث بقين من ذي القعدة ارتفع الصياح ليلاً في جوار دار المملكة لأن هؤلاء الدعار قصدوا داراً لبعض الأتراك وحاولوا الوصول إليها فنذر بهم وسمع الملك الصوت فركب في غلمانه وحواشيه وخرج إلى باب درب حماد، فطلب القوم، وخرج كثير من العامة يدعون له ويذكرون الأتراك بما يعجزونهم فيه، فعاد إلى داره، وتعدى الفساد من الجانب الشرقي إلى الجانب الغربي، وكبست فيه دور، وفتحت دكاكين، وكبس جامع الرصافة ليلاً، وأخذت ثياب من فيه، واستؤذن الخليفة في تحويل آلات الجامع من الستور، والقناديل، فحولت إلى التربة بالرصافة.
وفي يوم الخميس التاسع من ذي الحجة: حضر الأشراف والقضاة والشهود في دار الخلافة، وقرئ عليهم عهد أبي عبد الله الحسين بن علي بن ماكولا بتقليده قضاء القضاة، وخلع عليه ثم قرئ عهده بعد ذلك في جامع الرصافة وجامع المدينة.
وفي يوم الجمعة الذي كان عيد النحر: خرج الناس والجند إلى ظاهر البلد بحضرة مسجد براثا، فلم يحضر خطيب ولا حضر صاحب معونة، فلما طال الانتظار قيل لأحد المؤذنين في الموضع تقدم فصل، فتقدم وكبر في أول ركعة ما لم يضبط عدده حيرة ودهشاً، وسجد قوم ولم يسجد قوم، وكبر في الركعة الثانية تكبيرة أو تكبيرتين، ووقعت الصيحة فظن أنها من فتنة فانزعج الناس واختلطوا وانقطعت الصلاة، وكان سبب انقطاع الخطباء عن هذا الموضع ما سبق ذكره عن أبي منصور بن تمام الخطيب، وغيظ الخليفة في أن لم يفعل مقابلة ذلك لما كتب وأمر به، ثم اجتمع بعد هذا قوم من مشايخ أهل الكرخ، فصاروا مع الشريف المرتضى إلى دار الخلافة، فأحالوا على سفهاء الأحداث فيما جرى على الخطيب، وسألوا الصفح عن هذه الجناية، وأن لا يخلي عن هذا المسجد من المراعاة وإقامة الخطبة فيه، فأقيم لهم خطيب وعادت الصلاة في مسجد براثا منذ يوم الجمعة غرة المحرم بعد أن عملت للخطيب نسخة يعتمدها فيما يخطب وإعفاءهم الخطيب من دق المنبر بعقب سيفه، ومن قوله: " اللهم اغفر للمسلمين ومن اعتقد أن علياً مولاه " .
وفي ليلة الجمعة لعشر بقين من ذي الحجة: ورد أبو يعلى الموصلي وجماعة من العيارين كانوا مقيمين باوانا وعكبرا، فقتلوا خمسة من الرجالة وأصحاب المسالح، وظهروا من الغد في الكرخ بالسيوف المسلولة، وأظهروا أن كمال الدولة أبا سنان أنفذهم لحفظ البلد وخدمة السلطان، فثار بهم أهل الكرخ فقتلوا وصلبوا.
وفي هذه السنة: جند صاحب مصر جيشاً لقتال صالح بن مرداس صاحب حلب، وبعث الجيش مع انوشتكين التزبري، فكانت الواقعة عند شاطئ نهر الأردن، فاستظهر التزبري وقتل صالحاً وابنه، وأنفذ رأسيهما إلى مصر، وأقام نصر بن صالح بحلب.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
الحسن بن أبي الهبيش ويكنى أبا علي كان من الزهاد المتعبدين، ودخل عليه أبو القاسم ابن المغربي الوزير، فقبل يده، فقيل له: كيف قبلت يده؟ فقال: كيف لا أقبل يداً ما امتدت إلي قط إلا إلى الله تعالى.
وحكى أبو عبد الله محمد بن علي العلوي، قال: بت عنده ليلة فلم أتمكن من النوم لكثرة البق وهو واقف يصلي، فلا أدري أمنع البق منه أم صبر عليه، ورأيت مئزره قد انحل وسقط عن كعبية ثم استوى وعلا إلى سرته وهو واقف يصلي، ولا ادري ارتفع المئزر أم طالت يده حتى أعادته.
توفي في هذه السنة وقبره ظاهر بالكوفة، وقد عمل عليه مشهد، وقد زرته في طريق الحج.
الحسين بن عبد الله بن أحمد بن الحسن ابن أبي علاثة، أبي الفرج المقرئ تفقه في حداثته، وقرأ بالقراآت، وكتب الحديث الكثير، وحدث عن الشافعي وغيره، ثم في كبره سخف أمره وسقطت مروءته. توفي في جمادى الأولى من هذه السنة.
علي بن عيسى بن الفرج بن صالح


أبو الحسن الربعي النحوي صاحب أبي علي الفارسي. ولد سنة ثمان وعشرين وثلثمائة، ودرس ببغداد الأدب على أبي سعيد السيرافي، وخرج إلى شيراز فدرس بها على أبي علي الفارسي عشرين سنة، ثم عاد فأقام ببغداد إلى آخر عمره، فكان أبو علي يقول: قولوا له: لو سافرت من الشرق إلى الغرب لم تجد أنحى منك.
وكان علي بن عيسى يوماً يمشي على شاطئ دجلة فرأى الرضي والمرتضى في سفينة ومعهما عثمان بن جني، فقال لهما: من أعجب أحوال الشريفين أن يكون عثمان جالساً معهما ويمشي علي على الشط بعيداً منهما.
توفي في محرم هذه السنة عن اثنتين وتسعين سنة ودفن بمقبرة باب الدير.
وأخبرنا ابن ناصر عن أبي الفضل بن خيرون، قال: قيل: إنه تبع جنازته ثلاثة أنفس.
ثم دخلت
سنة إحدى وعشرين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أنه في ليلة عاشوراء أغلق أهل الكرخ أسواقهم وعلقوا المسوح على دكاكينهم رجوعاً إلى عادتهم الأولى في ذلك وسكوناً إلى بعد الأتراك، وكان السلطان قد انحدر عنهم، فحدثت فتنة ووقع القتال بينهم وبين أهل القلائين، وروسل المرتضى في إنفاذ من يحظ التعاليق، فحط والفتنة قائمة بين العوام واستمرت بعد ذلك، وقتل من الفريقين، وخربت عدة دكاكين ورتب بين الدقاقين والقلائين من يمنع القتال.
وفي ليلة السبت مستهل صفر: كبس جماعة من العيارين يزيدون على خمسين رجلاً على مصلحي بنهر الدجاج فقتلوه وقتلوا قوماً كانوا معه وأخربوا الدار، ولم يتجاسر أحد من الجيران أن ينذر بهم خوفاً منهم.
وفي هذا الشهر: كثرت العملات والكبسات في الجانب الشرقي من المعروف بالبرجمي متقدم العيارين، ووصل إلى عدة مخازن ومنازل، وأخذ منها شيئاً كثيراً، واستمر ذلك فلقي الناس منه أمراً عظيماً.
وفي يوم الأحد النصف من صفر: عصفت ريح شديدة، وسمع في أثنائها دوي أفزع، وتلاه برد كهيئة التين في حجمه، وتحدد رأسه.
وفي يوم السبت الحادي عشر من ربيع الآخر: ورد الكتاب بدخول الملك جلال الدولة والاصفهلارية والغلمان الأهواز، فضربت البوقات للبشارة بذلك، وخلع على الركابية وطيف بهم في الأسواق، وذلك أنه لما امتنع عليهم قتال من بواسط عمدوا إلى قصد الأهواز، وأطعموا العسكر في المنهب، فلما مضوا إليها تخاذل من كان بها من الأتراك، وهرب الديلم فدخلوا فنهبوا ما يتجاوز حد الحصر، واستمر النهب ستة عشر يوماً حتى أنه أخذ من دار ميمون البائع وخان انباره ما قدره سبع مائة ألف دينار، وزاد المأخوذ من البلد على خمسة آلاف ألف دينار، وألفي جارية وحرائر، وأتلف وأحرق ما لا يمكن ضبطه.
وفي يوم الجمعة لليلتين خلتا من جمادى الأولى: سقطت قنطرة الزياتين على نهر عيسى.


وفي يوم الأحد الثامن عشر من هذا الشهر: جلس الخليفة القادر بالله وأذن للخاصة والعامة فدخلوا عليه وشاهدوه، وذلك عقب شكاة عرضت له، ووقع الارجاف معها به، وأظهر في هذا اليوم تقليد الأمير أبي جعفر عبد الله ولده ولاية عهده، وكانت الأقوال قبل هذا قد كثرت في معنى الأمير أبي جعفر وتوليته العهد، وتوقف الخليفة عن ذلك، ثم ابتدئت الحال بأن ذكر على المنابر بالحضرة في ذي الحجة من السنة الماضية في عرض الدعاء للخليفة، وقيل: اللهم أمتعه بذخيرة الدين المرجو لولاية عهده في المسلمين إشارة إليه من غير إفصاح باسمه ولا نص عليه، فلما جلس في هذا اليوم تقدم الصاحب أبو الغنائم محمد بن أحمد وقوم من الأتراك، وقال أبو الغنائم في أثناء ضجة، وازدحام: خدم مولانا أمير المؤمنين الغلمان داعون له بإطلالة البقاء وإدامة الدولة وشاكرون لما بلغهم من نظرة لهم وللمسلمين باختيار الأمير أبي جعفر لولاية العهد، فقال الخليفة: من هذا المتكلم ولم يفهم قوله، فقيل الناظر في أمور الأتراك، فقال للأمير أبي جعفر: اسمع ما يقوله، فأعاد الصاحب القول، فقال الخليفة: إن كان الله قد أذن في ذلك فقد أذنا فيه، فقال الأمير أبو جعفر: مولانا يقول: إذا كان الله قد أذن في ذلك فنرجو الخيرة فيه فقال الخليفة وزحف من مخاده حتى أشرف على الناس من أعلى سريره بصوت عال: وقد أذنا فيه، فقام نظام الحضرتين أبو الحسن الزينبي: قد سمع قول مولانا أمير المؤمنين وحفظ والله يقرن ذلك بالخيرة والسعادة، ومدت الستارة في وجهه، وجلس الأمير أبو جعفر على السرير الذي كان قائماً عليه بين يديه وخدمه الحاضرون بالدعاء والتهنيئة، وتقدم أبو الحسن ابن حاجب النعمان فقبل يده وهنأه ودعا له، فقال له: " ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً، وكفى الله المؤمنين القتال " اتهاماً له فساد رأي الخليفة فيه، فبكى وأكب على تقبيل قدمه وتعفير خده ولحيته بين يديه، قال قولاً كثيراً في التبري والاستغفار والاستعطاف، فلما كان يوم الجمعة لسبع بقين من الشهر ذكر في الخطبة علة منابر الحضرة بالقائم بأمر الله ولي عهد المسلمين، وأثبت ذلك على سكة العين والورق.
ثم ورد في يوم السبت لست بقين من الشهر كتاب الملك جلال الدولة إلى الخليفة يسأله فيه هذا الذي فعل، فجمع الناس يوم الثلاثاء في بيت الموكب، وقريء عليهم، وكان فيه: " سلام على أمير المؤمنين، أما بعد أطال الله بقاء سيدنا ومولانا الإمام القادر بالله أمير المؤمنين، فإن كتابي صادر إلى الحضرة القاهرة القادرية المحفوفة بالبركات النبوية، وما أستأمن فيه من أمور الرعايا وحفظ نظام العسكر مستمر بمبذول الإمكان والاجتهاد، فما أزال أعمل فكراً في مصالح المسلمين، وأدأب سعياً في حراسة شملهم وعلم سيدنا ومولانا الإمام القادر بالله أمير المؤمنين محيط بأن الله تعالى جعل لكل شيء أمداً، وسوى في نقل الخلق فلم يخل من حتمه نبياً ولا صفياً، وقد سار سيدنا ومولانا القادر بالله أمير المؤمنين بأحسن السير حامياً للخواص والعوام من الغير والأشبه تسمية النظر في حاضر يومه لغده، وإعداد ما سيظهر به من عدده حتى لا يسأله الله يوم المعاد عن حق أهمل، وقد تعين وجوده، وأن أولى ما اعتمده النظر لأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومن في ذمتها، والنص على ما يعهد الله بسياستها حتى لا تكون مهملة في وقت وأن الحنبة العزيزة الجعفرية مستحقة لولاية العهد بعد الأمد الفسيح الذي نسأل الله أن يطيله، وأرغب إلى الموقف القادري أن يشد إزر الخلافة بإمضاء العقد المتين لها وصلة اسمها بالاسم العزيز في إقامة الدعوة، وإنشاء الكتب إلى البلاد بما رأى في ذلك ليكون سيدنا ومولانا أمير المؤمنين بعد الأمد الفسيح قد سلم الأمة إلى راع، فإن رأت الحضرة الشريفة النبوية الإنعام بالإجابة إلى المرام أنعمت بذلك، وأصدرت هذه الخدمة يوم الأحد لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى سنة إحدى وعشرين وأربعمائة " .
وأتبع هذا الكتاب عن الخليفة يذكر ما قلده الأمير أبا جعفر من ولاية عهده، فقال فيه: وإن أمير المؤمنين لما تأمل ما وهبه الله تعالى من سلالته أبي جعفر عبد الله وجده شهاباً لا يخبوء وخبر من مغيبات أحواله ما لم يزل يستوضحه فولاه عهده.


وفي يوم الإثنين لليلة خلت من رجب قلد أبو محمد بن النسوي النظر في المعونة، ولقب الناصح، واستحجب وخلع عليه، واستدعى جماعة من العيارين، فأقامهم أعواناً وأصحاب مصالح.
وفي رمضان: ورد الخبر من الموصل بتاريخ يوم الجمعة لخمس بقين من شعبان: أن فضلون الكردي غزا الخزم فقتل منهم وسبى وغنم من أموالهم غنماً كثيراً، وعاد إلى بلده يقرر أنه قد كسر شوكتهم، وأمن غائلتهم فاتبعوه وكبسوا واستنقدوا الغنائم والسبي من يده، قتلوا من الأكراد والمطوعة أكثر من عشرة آلاف، واستباحوا أموالهم.
وكان ملك الروم قد قصد حلب في ثلثمائة ألف وكان معه أموال على سبعين جمازة، فأشرف على عسكره مائة فارس من العرب وألف راجل فظن الروم أنها كبسة، فلبس ملكهم خفاً أسود حتى يخفي أمره، وأفلت وأخذوا من خاصته أربعمائة بغل محملة ثياباً ومالاً، وقتلوا مقتلة كثيرة من رجاله.
ولليلة بقيت من رمضان كان أول تشرين الأول وينقضي أيلول عن حر شديد زاد على حر تموز وحزيران زيادة كثيرة، وعصفت في اليوم السابع منه ريح سموم تلاها رعد ومطر جود.
وكان في هذه السنة: موتان ببغداد وجرف عظيم في السواد.
وفي سادس شوال: جرت منازعة بين أحد الأتراك النازلين بباب البصرة وبعض الهاشميين، فاجتمع الهاشميون إلى جامع المدينة ورفعوا المصاحف، واستنفروا الناس، فاجتمع لهم الفقهاء والعدد الكثير من الكرخ وغيرها، وضجوا بالاستغفار من الأتراك وسبهم، فركب جماعة من الأتراك، فلما رأوهم قد رفعوا أوراق القرآن على القصب رفعوا بإزائهم قناة عليها صليب،وترامى الفريقان بالنشاب والآجر وقتل من الآجر قوم ثم أصلحت الحال.
وفي ليالي هذه الأيام: كثرت العملات والكبسات بالجانب الشرقي من البرجمي ورجاله، وقصدوا درب علية ودرب الربع، ففتحوا فيها عدة خانيبارات ومخازن، وأخذوا منها شيئاً كثيراً، وكبسوا عدة دور واستولوا على ما فيها.
وتجدد القتال بين القلائين والدقاقين، استمرت الفتنة ودخل من كان غائباً من العيارين وكثر الاستقفاء، وفتح الدكاكين، وعمل العملات ليلاً.
ولم يعمل الغدير ولا الغار في هذه السنة لأجل الفتنة، وفي هذا الوقت تجدد دخول الأكراد المتلصصة ليلاً إلى البلد، وأخذهم دواب الأتراك من إصطبلاتهم، وفعل ذلك في عدة إصطبلات بالجانبين حتى دعاهم الخوف إلى نقل دوابهم إلى دورهم وشدها فيها ليلاً، ونقل السلطان ماله من كراع إلى دار المملكة، وعملت هناك المعالف، وأغلق جلال الدولة بابه وصرف حواشيه لارتفاع الإقامة عنه، وانصرف الحاصل إلى الأتراك.
وتأخر الحاج من خراسان في هذه السنة، ولم يخرج من العراق إلا قوم ركبوا من الكوفة على جمال البادية، وتخفروا من قبيلة إلى قبيلة، وبلغت أجرة الراكب إلى فيد أربعة دنانير.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
إبراهيم بن الفضل ابن حيان الحلواني قاضي سر من رأى نزل بغداد، وحدث بها روى عنه المعافى بن زكريا توفي في هذه السنة.
الحسن بن أحمد بن محمد بن فارس بن سهل أبو الفوارس البزاز وهو أخو أبي الفتح بن أبي الفوارس، ولد سنة أربع وأربعين وثلثمائة، سمع أبا بكر الشافعي، وابن الصواف وكان ثقة، وتوفي في صفر هذه السنة، ودفن في مقبرة الخيزران.
الحسين بن محمد أبو عبد الله الخالع الشاعر توفي في هذه السنة عن سن عالية.
علي بن عبد العزيز بن إبراهيم بن بيان، أبو الحسن ابن حاجب النعمان كان كاتب القادر بالله. ولد سنة أربعين وثلثمائة، وذكر أنه سمع من أبي بكر النجاد، والشافعي، وابن مقسم، وكان أبوه يخدم أبا عمر المهلبي في أيام وزارته، وكتب هو للطائع لله، ثم كتب بعده للقادر في شوال سنة ست وثمانين، فكتب للخليفتين أربعين سنة، وكان له لسان وبلاغة.
وتوفي في رجب هذه السنة، ودفن ببركة زلزل، ثم نقل تابوته إلى مقابر قريش، ودفن بها في سنة خمس وعشرين.
عنبر أبو المسك خادم بهاء الدولة كان قد بلغ مبلغاً لم يبلغه أمثاله، ورأي أصحاب الأطراف يقبلون يده ويترجلون عند لقائه، وينفذ حكمه فيما ينفذ فيه حكم الملوك انحدر إلى بغداد طمعاً في تملكها معونة للملك أبي كاليجار فتوفي.
محمد بن جعفر بن علان، أبو جعفر الوراق الشروطي الطوابيقي


أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي الخطيب، قال: كان شيخاً مستوراً من أهل القرآن ضابطاً لحروف قراءة كانت تقرأ عليه، وحدث عن أحمد بن يوسف بن خلاد، وأبي علي الطوماري، وأبي جعفر بن المتيم وغيرهم، كتبت عنه، وكان صدوقاً ومات في ذي القعدة من سنة إحدى وعشرين وأربعمائة، ودفن في مقابر باب الدير.
محمود بن سبكتكين يكنى أبا القاسم ويكنى أبوه أبا منصور كان أبو منصور صاحب جيش السامانية، واستولى عليها بعد وفاة منصور بن نوح، وتوفي سبكتكين في سنة سبع وثمانين وثلثمائة ببلخ، فنازع إسماعيل بن سبكتكين أخاه محموداً فكسره محمود وملك خراسان وزالت على يده دولة سامان، وكان آل سامان قد ملكوا سمرقند وفرعانة وتلك النواحي أكثر من مائة سنة، وقصدهم محمود وقبض عليهم وملك ديارهم وأقام الخطبة للقادر بالله، وراسل محمود بهاء الدولة أبا نصر بن بويه بأبي عمر البسطامي، ونفد إليه هدايا وخمسة أفيلة وسأله خطاب الخليفة في توليته، فبعث بهاء الدولة بأبي عمر البسطامي إلى فخر الملك أبي غالب، وأمره أن يقصد دار الخلافة ويسأله في هذا المعنى، فأجاب القادر بالله إلى ذلك في شعبان سنة أربع وأربعمائة وحصل له من الفتوح في بلاد الهند والكفر ما لم يحصل لغيره وكان الخليفة قد بعث إليه الخلع ولقبه بيمين الدولة وأمين الملة ثم أضيف إلى ذلك نظام الدين ناصر الحق وملك محمود سجستان وتملك مملكة واسعة وبلغ إلى قلعة لملك الهند تسع خمسمائة ألف إنسان وخمسمائة فيل وعشرين ألف دابة فأحاط بها فجاءه رسول على نعش يحمل قوائمه أربعة غلمان ويحفه مطرح ومخدة، فقال له: إن مفارقة ديننا لا سبيل إليه ولكن نصالحك، فصالحهم على خمسمائة فيل وثلاثة آلاف ومائة بقرة، فبعث محمود إلى ملكهم قباء وعمامة وسيفاً ومنطقة وفرساً ومركباً وخفاً وخاتماً عليه اسمه، وأمره أن يقطع إصبعه وهي عادة للتوثقة عندهم، وكان عند محمود من أصابع من هادنه الكثير فلبس ملكهم الخلعة وأخرج حديدة قطع إصبعه الصغرى من غير أن يتغير وجهه، وأحضر دواء فطرحه عليها وشدها.
وفتح محمود قلعة سومنات وهدم البيت الذي يحجونه وفيه أصنام من الذهب والفضة مرصعة بالجواهر وقيمة ذلك تزيد على عشرين ألف ألف دينار وكانوا يحملون إلى الصنم ماء من نهر بينه وبينه مائتا فرسخ. ورتبوا ألفاً من البراهمة يواظبون على خدمته ويحلقون رؤوس زواره ولحاهم وأجروا على ثلثمائة رجل وخمسمائة امرأة كانوا يغنون للزوار فحاربهم محمود وقتل خمسين ألفاً وغنم الأموال، وقبض على أبي طالب رستم بن فخر الدولة أبي الحسن وكتب إلى القادر بالله بأنه وجد لأبي طالب زيادة على خمسين امرأة حرة على ما سبق ذكره وخطب لمحمود في الأطراف وعقد على جيحون جسراً ولم يقدر على ذلك أحد قبله وأنفق في سفرته ألفي ألف دينار ولم يحظ بطائل فاتهم وزيره وقال أغرمتني هذا المال فأخذ منه خمسمائة آلا ف ألف دينار واعتقله، وكان قد عبر في غزوة إلى ما وراء النهر فضمن له أهل سمرقند ألف غلام حتى كف عنهم وكان معه أربعمائة فيل تقاتل، وحمل إليه وهو بغزنة شخصان من النسناس الذين يكونون في بادية نحو الترك، وهم على صور الناس في جميع أعضائهم إلا أن أبدانهم ملبسة بالشعر لا يكاد يبين منه، ولهم كلام كصفير الوحوش، فقدم لهذين المحمولين خبز وثريد ولحم، فلم يأكلا، وحملا إلى موضع الفيلة فما خافا وأكلا من الحشيش الذي يأكلونه. كما يأكل الحمار وتغوطا كما تفعل البهائم وأتراك بلادهم يأكلونهم ويذكرون أنهم أطيب اللحوم لحماً، ومرض محمود وكانت علته سوء المزاج وانطلاق البطن وهو على غزواته ونهضاته لا يثنى، فلما اشتد به الأمر أمر بالجواهر التي أقتناها من ملوك خراسان وما وراء النهر وعظماء الترك والهند، فصفت في صحن فسيح في قصره وكان قد جمع سبعين رطلاً من الجوهر، فلما نظر إليها بكى بكاء متحسر على ما يخلفه، ثم أمر بردها إلى مكانها من القلعة بغزنة، وتوفي يوم الخميس لسبع بقين من ربيع الآخر من هذه السنة، وهو ابن ثلاث وستين سنة، ملك منها ثلاث وثلاثين سنة، ومات وهو مستند في دسته لم يضع جنبه إلى الأرض، وكان ظاهر أمره التدين والتسنن، وولي ابنه مسعود مكانه.
ثم دخلت
سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها:


أنه في ليلة الخميس ثالث محرم نقب قوم من اللصوص على دار المملكة، فأفضوا إلى حجرة من حجر الحرم، وأخذوا منها شيئاً من الثياب، ونذر بهم فهربوا، ورتب بعد ذلك حرس يطوفون حول الدار في كل ليلة.
وفي صفر: عملت عملة في أصحاب الأكسية فأخذت أمتعة كثيرة وثار أهل الكرخ بالعيارين وطلبوهم فهربوا وأقام التجار على إغلاق دكاكينهم والمبيت في أسواقهم، وراسلوا حاجب الحجاب وسألوه أن يندب إلى المعونة من يعاونونهم على إصلاح البلد، فأعيد أبو محمد النسوي إلى العمل، فوجدوا أحد العيارين فقتلوه ونهبت الدار التي استتر فيها، ثم قوي العيارون وهرب ابن النسوي، وعادت الفتن.
وفي يوم الثلاثاء خامس ربيع الأول: صرف أبو الفضل محمد بن علي بن عبد العزيز بن حاجب النعمان عن كتابة القادر بالله، وكانت مدة نظره سبعة أشهر وعشرين يوماً، وسبب ذلك أنه لما توفي والده أبو الحسن وأقيم مقامه لم يكن له دربة بالعمل.
وفي يوم الجمعة لثمان بقين من ربيع الأول: تجددت الفتنة بين السنة والروافض واشتدت، وكان سبب ذلك الخزلجي الصوفي الملقب بالمذكور أظهر العزم على الغزو، واستأذن السلطان، فكتب له منشور من دار الخلافة وأعطي منحوقاً، واجتمع إليه لفيف كثير، وقصد في هذا اليوم جامع المدينة للصلاة فيه وقراءة المنشور، فاجتاز بباب الشعير وخرج منه إلى طاق الحراني وعلى رأسه المنحوق وبين يديه الرجال بالسلاح، فصاح من بين يديه العوام بذكر أبي بكر وعمر، وقالوا: هذا يوم مغازي، فنافرهم أهل الكرخ ورموهم، وثارت الفتنة، ومنعت الصلاة، ونقبت دار المرتضى فخرج منها مرتاعاً منزعجاً، فجاءه جيرانه من الأتراك فدافعوا عنه وعن حرمه، وأحرقت إحدى سميريتيه، ونهبت دور اليهود وخانتاراتهم، وطلبوا لأنه قيل عنهم أنهم أعانوا أهل الكرخ، فلما كان من الغد اجتمع عامة أهل السنة من الجانبين، وانضاف إليهم كثير من الأتراك وقصدوا الكرخ، فأحرقوا وهدموا الأسواق، وأشرف أهل الكرخ عن خطة عظيمة وكتب الخليفة إلى الملك والاصفهلارية ينكر ذلك عليهم إنكاراً شديداً، وينسب إليهم تخريق علامته التي كانت مع الغزاة، وأمر بإقامة الحد في الجناة، فركب وزير الملك فوقعت في صدره آجرة وسقطت عمامته، وقتل من أهل الكرخ جماعة، وانتهب الغلمان ما قدروا عليه، ثم رتب الوزير قوماً منعوا القتال، واحترق وخرب من هذه الفتنة سوق العروس، وسوق الأنماط، وسوق الصفارين، وسوق الدقاقين، ومواضع أخرى.
وفي ليلة الأحد لثمان بقين من ربيع الآخر: كبس قوم من الدعار المسجد الجامع ببراثا وأخذوا ما فيه من حصر وسجادات، وقلعوا شباكه الحديد، وزاد الاختلاط في هذه الأيام وعاد القتال بين العوام، وكثرت العملات، واجتاز سكران بالكرخ فضرب بالسيف رأس صبي فقلته، ولم يجر في هذه الأشياء إنكار من السلطان لسقوط هيبته.
وفي جمادى الآخرة: قتل العامة الكلالكي، وكان ينظر قديماً في المعونة، وأحرقوه ثم زاد الاختلاط ببسط العوم كثيراً، وأثاروا الفتنة ووقع القتال في أصقاع البلد من جانبيه، واقتتل أهل نهر طابق، وأهل القلائين، وأهل الكرخ، وأهل باب البصرة، وفي الجانب الشرقي أهل سوق السلاح، وأهل سوق الثلاثاء، وأهل باب الطاق والأساكفة، وأهل سوق يحيى والرهادرة، وأهل الفرضة، وأهل درب سليمان حتى قطع الجسر ليفرق بين الفريقين، ودخل العيارون البلد، وكبسوا أبا محمد النسوي في داره بدرب الزبرج، وكثر الاستقفاء نهاراً والكبس ليلاً.


وفي هذه الأيام: لحقت القادر بالله شكاة أرجف به فوقع الانزعاج وانتقل من كان ملتجأ إلى داره ومقيماً بها، ونقل ما كان فيها من الأموال، وتكلم الغلمان في مطالبة الأمير ولي العهد بمال البيعة، ثم استقل الخليفة مما وجده، ثم وجد الغلمان وأظهروا كراهية الملك جلال الدولة، وشكوا اطراحه تدبيرهم، وأشاعوا بأنهم يقطعون خطبته في الجمعة المقبلة إلى أن يستقر رأيهم على من يختارونه، فعرف الملك ذلك فأقلقه، وفرق مالاً في بعضهم، ووعدهم، وندل أن يحلف لهم فحلف ثم عادوا الاجتماع والخوض في قطع خطبته، وقالوا: قد وقفت أمورنا وانقطعت موادنا ويأسنا من أن يجري لنا على يد هذا الملك خير، وهو أن أرضى بعضنا فماذا يصنع الباقون، وأنفذوا إلى دار الخلافة جماعة من طوائفهم يقولون قد عرف أمير المؤمنين صورتنا مع هذا الملك وما هو عليه من اطراحنا ونريد أن تأمر بقطع خطبته، فخرج الجواب بأننا على ما تعرفون من المراعاة لكم، وهذا الرجل مولاكم وشيخ بني بويه اليوم، وله في عنفنا عهود، وإذا أنكرتم منه أمراً رددناه عنه وتوسطنا الأمر، فأما غير هذا فلا يجوز الأذن فيه، فإن قيلتم هذا وإلا فما خل فيها ولا نأمركم بها، فانصرفوا غير راضين، وصليت الجمعة من غد ووقعت الخطبة على رسمها إلا في جامع الرصافة، فإن قوماً من الأتراك حضروا عند المنبر ومنعوا أبا بكر بن تمام الخطيب من ذكر الملك، وضرب أحدهم يد الخطيب، وخاف الناس الفتنة فتفرقوا من غير صلاة، ثم عاودوا الشكوى حتى شارفت الحال المكاشفة، ثم توطنوا فسكتوا.
وكان المهرجان في رمضان فلم يجلس السلطان فيه ولا ضرب له دبدبة على ما جرى به الرسم، وقد كان الطبالون انصرفوا قبل ذلك بأيام وقطعوا ضرب الطبل في أوقات الصلوات وذلك لانقطاع الإقامة عنهم وعن الحواشي، ثم وقع عيد الفطر فجرت الحال على مثل هذه السبيل، ولم يركب إلى الجامع والمصليان صاحب المعونة، ولا ضرب بوق، ولا نشر علم، ولا أظهرت زينة، وزاد الاختلاط ووقعت الفتنة بين العوام، وأحرقت سوق الخراطين، ومدبغة الجلود، وقبلها سوق القلائين، وكثر الاستقفاء والكبسات، ثم حدث في شوال فتنة بين أصحاب الأكسية وأصحاب الخلقان أشفى منها أهل الكرخ على خطر عظيم، والفريقان متفقان على مذهب التشيع.
وثارت في هذا الوقت فتنة بين الغلمان، فمالت العوام إلى بعضهم فأوقعوا بهم وأخذوا سلاحهم، ثم نودي في الكرخ بإخافة العيارين وبإحلالهم يومين، فلما كان الليل اجتمعوا وكانوا نحواً من خمسين ووقفوا على دجلة بإزاء دار المملكة وعليهم السلاح وبين أيديهم المشاعل، وصاحوا بعد الدعاء للملك بأنا يا مولانا عبيدك العيارون، وما نريد ابن النسوي والياً علينا فإن عدل عنه وإلا أحرقنا وأفسدنا، وانصرفوا فخرج قوم منهم إلى السواد، ثم طلبوا فهربوا، ثم عادوا إلى الكبسات والعملات.
وفي أول ذي الحجة: جرت فتنة وقتال شديد على القنطرتين العتيقة والجديدة، واعترض أهل باب البصرة قوماً من القميين لزيارة المشهدين بالكوفة والحائر، وقتلوا منهم ثلاثة نفر، وجرحوا آخرين، وامتنعت زيارة المشهد بمقابر قريش يومئذ.
وفي ذي الحجة توفي القادر بالله، وولي القائم بالله.
باب ذكر خلافة القائم بأمر الله
اسمه عبد الله بن القادر بالله، ويكنى أبا جعفر. أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: سمعت أبا القاسم علي بن المحسن التنوخي يذكر أن مولد الإمام القائم بأمر الله يوم الجمعة الثامن عشر من ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وثلثمائة، وأمه أم ولد تسمى قطر الندى، أرمنية أدركت خلافته.
بويع للخلافة القائم بأمر الله بعد موت أبيه القادر بالله يوم الإثنين الحادي عشر من ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، وكان القادر بالله جعله ولي عهده من بعده، ولقبه القائم بأمر الله وخطب له بذلك في حياته.
قال المصنف رحمه الله: وذكر أبو الحسن علي بن هبة الله بن عبد السلام الكاتب أن القائم بأمر الله ولد يوم الخميس ثامن عشر ذي القعدة، وأنه بويع له بالخلافة يوم الثلاثاء الثالث عشر من ذي الحجة، وأن أمه أم ولد اسمها بدر الدجى، وأنه كان سنه يوم ولي إحدى وثلاثين سنة.
ذكر البيعة


لما توفي القادر حضر الأشراف والقضاة والفقهاء والأماثل، وحفظت أبواب البلد مخافة الفتنة، وخرج القائم بأمر الله وقت العصر من وراء ستر فصلى بالحاضرين المغرب، وصلى بعدها على القادر فكبر أربعاً، ثم جلس في دار الشجرة على كرسي وعليه قميص ورداء، فبايعه الناس، فكان يقال للرجل تبايع أمير المؤمنين القائم بأمر الله على الرضا بإمامته، والالتزام بشرائط طاعته، فيقول: نعم ويأخذ يده فيقبلها، وأول من بايعه المرتضى، وقال له:
فأما مضى جبل وانقضى ... فمنك لنا جبل قد رسا
وأنا فجعنا ببدر التمام ... فقد بعثت منه شمس الضحى
لنا حزن في محل السرور ... وكم ضحك في خلال الرجا
فيا صار ما أغمدته يد ... لنا بعدك الصارم المتنضى
ولما حضرناك عقد البياع ... عرفنا بهديك طرق الهدى
فقابلتنا بوقار المشيب ... كما لا وسنك سن الفتى
وحضر الأمير أبو محمد الحسن بن عيسى، بن المقتدر من الغد وبايعه وكتب إلى البلاد بأخذ البيعة له، وهم الأتراك بالشغب لأجل رسم البيعة، فتكلم تركي بما لا يصلح في حق الخليفة القائم فقتله هاشمي فثار الأتراك، وقالوا: إن كان هذا بأمر الخليفة خرجنا عن البلاد، وإن لم يكن فيسلم إلينا القاتل، فخرج توقيع الخليفة أنه لم يجر ذلك بإرادتنا، وإنما فعله رعاع في مقابلة قول تجاوز به عدوه، ونحن نطلب القاتل ونقيم فيه حد الله تعالى، ولم يركب السلطان إلى البيعة غضباً للأتراك، ثم لجوا في طلب مال البيعة، فقيل لهم: ان القادر لم يخلف مالاً فأدى الملك بهاء الدولة من عنده إلى الجند، ثم تقرر الأمر على ما قيمته ثلاثة آلاف ألف دينار، فعرض الخليفة عند ذلك خاناً بالقطيعة وبستاناً وشيئاً من أنقاض الدار على البيع، ووزر له أبو طالب محمد بن أيوب، وأبو الفتح بن دارست، وأبو القاسم بن المسلمة، وأبو نصر بن جهير، وكان قاضيه ابن ماكولا، وأبو عبد الله الدامغاني.
ذكر طرف من سيرة القائم بأمر الله كانت للقائم عناية بالأدب ولم يكن يرتضي أكثر ما ينشأ من الديوان حتى يصلح فيه أشياء، وروى الرئيس أبو الحسن علي بن هبة الله بن عبد السلام، عن أبي الفضل محمد بن علي بن عامر الوكيل، قال: دخلت يوماً إلى المخزن فلم يبق أحد إلا وأعطاني قصة وامتلأت أكمامي بالرقاع فلما رأيتها كثيرة قلت: لو كان هذا الخليفة أخي أو ابن عمي حتى أعرض عليه هذه الرقاع لأعرض عني، وألقيتها في بركة ماء والقائم ينظر إلي وأنا لا أعلم، فلما وقفت بين يديه أمر الخدم بأخذ الرقاع من البركة فتبادروا إليها وبسطوها في الشمس فكلما جفت قصة حملت إليه، فلما تأملها وقع عليها جميعها بأغراض أصحابها، ثم قال: يا عامي وكان إذا ضجر يخاطبني بهذا ما حملك على هذا الفعل، وهل كان عليك في إيصالها درك؟ فقلت: بل وقع لي ان الضجر يقع منها، فقال: ويحك ما أطلقنا من أموالنا شيئاً بل نحن وكلاء، فلا تعد إلى ما هذا سبيله، ومتى ورد عليك وارد فإياك أن تتقاصى عن أنصال قصته.
وفي يوم الإثنين الثامن عشر من ذي الحجة: كان الغدير، وقام العيارون بالإشعال في ليلته، ونحر جمل في صبيحته بعد أن جبوا الأسواق والمحال لذلك، واشتد تبسط هذه الطائفة، وخلعوا جلباب المراقبة وتبسطوا وضربوا وقتلوا، وفعل أهل السنة في محالهم ما كانوا يفعلونه من تعليق الثياب والسلاح، وإظهار الزينة، ونصب الأعلام، وإشعال النيران ليلاً في الأسواق في يوم الإثنين المقبل زعماً منهم أنه في هذا اليوم اجتمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في الغار.
ثم إن العيارين أسعروا الناس ليلاً كبساً لمنازلهم وأخذا لأموالهم، ثم ظهروا وعدلوا بالكبسات عن الكرخ إلى باقي المحال.
وورد الخبر بأن قوماً من الدعار كبسوا أبا الطيب ابن كمارويه القاضي بواسط في داره، واخذوا ما وجدوه وضربوه ضربات كانت فيها وفاته.
وخرجت هذه السنة ومملكة جلال الدولة ما بين الحضرة وواسط والبطيحة، وليس له من ذلك إلا الخطبة، فأما الأموال والأعمال فمنقسمة بين الأعراب والأكراد والأطراف منها في أيدي المقطعين من الأتراك والوزارة خالية من ناظر فيها.


وتأخرت الأمطار في هذه السنة، وقلت الزراعة في السواد لقلة المياه، وتجدد لاحتباس القطر يبس في الأبدان، فأصاب أكثر الناس نزلات في رؤوسهم وصدروهم معها حمى وسعال، فكثر طباخو ماء الشعير حتى طبخه أصحاب الأرز باللبن، وبيع كل ثلاثين رمانة حلوة بدينار سابوري ومنا شراب بعشرة قراريط، وأصحاب أهل الري وهمذان وحلوان وواسط ونواحي فارس وكرمان وأرجان نحو ذلك، وكان السبب تأخر المطر.
ولم يحج الناس في هذه السنة من خراسان والعراق لانقطاع الطرق، وزيادة الاضطراب.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد القادر بالله أمير المؤمنين ابن إسحاق بن المقتدر أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: توفي القادر بالله في ليلة الإثنين الحادي عشر من ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، ودفن ليلة الثلاثاء بين المغرب والعشاء في دار الخلافة، بعد أن صلى عليه ابنه القائم بأمر الله ظاهراً، وعامة الناس وراءه، وكبر عليه أربعاً فلم يزل مذ توفي في الدار، حتى نقل تابوته وحمل في الطيار ليلاً إلى الرصافة، فدفن بها في ليلة الجمعة لخمس خلون من ذي القعدة سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة، وكان مبلغ عمر القادر بالله ستاً وثمانين سنة وعشرة أشهر وإحدى وعشرين يوماً، وكانت مدة خلافته إحدى وأربعين سنة وثلاث أشهر، ولم يبلغ هذا القدر أحد في الخلافة غيره.
وقال غيره: جلسوا في عزائه سبعة أيام لمعنيين أحدهما تعظيم المصيبة، والثاني لاجتماع العامة وإقامة الهيبة خوفاً من فتنة الغلمان.
الحسن بن علي بن جعفر أبو علي بن ماكولا وزر لجلال الدولة أبي ظاهر، وقتله غلام له بالأهواز في ذي الحجة من هذه السنة، وكان عمره ستاً وخمسين سنة.
طلحة بن علي بن الصقر أبو القاسم الكتاني سمع النجاد، وأبا بكر الشافعي، وكان ثقة صالحاً يسكن درب الدجاج، وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة، ودفن بالشونيزية.
عبد الوهاب بن علي بن نصر أبو محمد المالكي كان فقيهاً على مذهب مالك، وولي قضاء بادرايا وباكساياً، وخرج من بغداد لإضافته، فحصل له مال كثير من المغاربة، ومات بها في شعبان وقال شعراً يتشوق فيه إلى بغداد:
سلام على بغداد في كل موقف ... وحق لها مني سلام مضاعف
فوالله ما فارقتها على قلى لها ... وإني بشطي جانبيها لعارف
ولكنها ضاقت علي بأسرها ... ولم تكن الأرزاق فيها تساعف
فكانت كخل كنت أهوى دنوه ... وأخلاقه تنأى به وتخالف
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: روى عبد الوهاب عن ابن شاهين، وكتبت عنه، وكان ثقة ولم نلق من المالكيين أحداً أفقه منه.
ثم دخلت
سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أن المطر لما تأخر في الشتوة وخرج الناس للاستسقاء لست خلون من المحرم بأمر من دار الخليفة فذهبوا إلى الجوامع واستمر تأخر المطر، وكثر الموتان بنواحي النيل.
وفي يوم الثلاثاء: كان عاشوراء، علقت المسوح في الأسواق، وأقيم النواح في المشاهد، وتولى ذلك العيارون.
وفي يوم الإثنين سادس عشر المحرم: قرئ في الموكب عهد خرج من حضرة القائم بأمر الله بإقرار قاضي القضاة أبي عبد الله الحسين بن علي على ما يتولاه من قضاء القضاة، وكان في الكتاب وأن أمير المؤمنين أعمل فكره وأدام سبره في اختيار من يسند أليه الأحكام ويجعله حجة بينه وبين الله تعالى في هذا المقام، وكان الحسين بن علي قاضي القضاة منتهى رأيه ومقر اختياره لما هو عليه من عفافه واستقامة طريقته، وأمره في الكتاب بتقوى الله والعدل في الحكم وترك المحاباة، وأورد فيه أخباراً كثيرة في العدل وحكايات.
وفي يوم الجمعة لخمس خلون من صفر: ثار أهل الكرخ بالعيارين وطلبوهم فهربوا، فكبسوا دورهم، ونهبوا سلاحهم، وراسلوا السلطان ليعاونهم، وكان سبب هذا الفعل أن العيارين دخلوا ليلاً على أحد البزازين، فأخذوا ماله، فتعصب أهل سوقه، فرد العيارون بعض ما أخذوا.


ثم كبسوا في ليلة الأحد دار ابن الفلو الواعظ بدار القطن من نهر طابق فأخذوا ماله وما كان للناس عنده، ومروا على عادتهم في الكبسات، واختلط بهم في العملات مولدو الأتراك وحواشيهم، ثم إن الغلمان صمموا على عزل جلال الدولة أبي طاهر، وإظهار أبي كاليجار، وقال بعضهم لبعض: هذا الملك مشغول عنا، وقد طمع فينا حتى العوام وبلغ منا الفقر فتحالفوا على خلعه، واجتهدوا في إصلاحهم، فلم ينفع وقالوا له: لا بد أن تخرج عنا وتنحدر إلى واسط.
وفي يوم الإثنين لثمان بقين من صفر: قرئ في الموكب بدار الخلافة كتاب ورد من القاضي أبي إسحاق محمد بن عبد المؤمن بإسكاف، وتوقيع أقرن به، وأمر الناس فيه بالخروج إلى الاستسقاء، وكان في ذلك الكتاب أنه ذكر عن رجل أنه حكى أن امرأة عربية ولدت ولداً لم يظهر منه سوى رأس بفم وأسنان وحلق كالخيارة منتفخة، وبقية البدن كالحية والمصران، بلا يد ولا رجل، فحين سقط إلى الأرض تكلم، وقال الناس تحت غضب منذ أربع سنين، ويجب عليهم الإنابة، وأن يخرجوا إلى الاستسقاء والأطفال والبهائم، فخرج التوقيع يذكر فيه أن امتناع القطر لأجل ما أقام عليه المذنبون من المعاصي، فتقدم إلى الناس بالخروج في يوم الجمعة والسبت والأحد بعد أن يصوموا هذه الأيام الثلاثة، ويخلصوا الدعاء والابتهال، فلم يخرج في يومي السبت والأحد إلا عدد قليل لم يتجاوز عددهم يوم السبت في جامع المدينة نيفاً وأربعين، وببراثا عشرة نفر، وخرج يوم الأحد إلى جامع المدينة سبعة عشر، وببراثا خمسة نفر، وكانت الجوامع الباقية على نحو هذا، فلم يسق الناس ولا أغيثوا.
وفي يوم الجمعة الثالث من ربيع الأول: ركب جماعة من القواد فقطعوا خطبة جلال الدولة، وبلغه ذلك فأزعجه وبعث خواص جواريه إلى دار الخلافة، وغيرها وخير الباقيات بين أن يعتقن أو يأخذن لنفوسهن، ومنهن من أعتق ومنهن من مضى إلى من كن له من قبل، ثم اجتمع الغلمان وراسلوا الملك، فقالوا: قد علمت ما وافقتنا عليه من الانحدار إلى واسط، والوجه أن تستخير الله في ذلك، فقال: إنما قررتم من يخرج معي من يسلم إلى البصرة، فأما أن أخرج على غير قاعدة فما أفعل، وامتلأ جانبا دجلة وشطها بالناس والسميريات، وترددت الرسل إلى الملك بالمطالبة بالخروج، فقال: ابعثوا معي مائة غلام يحرسونني في طريقي، فقالوا: لا يمكن مائة، ولكن عشرون، فقال: أريد شفيقاً يحملني ونفقة تنهضني، فقرروا بينهم إطلاق ستين ديناراً لنفقة من يصحبه من الغلمان، والتزم بعض القواد منها ثلاثة دنانير ونصفاً.


فلما كان الليل من ليلة الإثنين سادس ربيع الأول خرج في نفر من غلمانه، فمضى إلى عكبرا على وجه المخاطرة، فتبادر الغلمان إلى دار المملكة، فهبوا ما فيها وكتب الإصفهلارية عن نفوسهم، وعن فرق من الغلمان وطوائفهم كتبا إلى الملك أبي كاليجار بما فعلوه في خدمته، وهنأوه باجتماع الكلمة على طاعته، واستدعوا منه إنفاذ من يدبر الأمور ويحفظ نظام الجمهور، وأخرجوا بها ركابية، فقال: هؤلاء الأتراك يكتبون ما لا يعقدون الوفاء به ويعدون ولا يصدقون، فإن كانوا محقين في طاعتهم فليظهروا شعارنا، وليخرجوا من عندهم ولا أقل من أن يخرجوا إلينا منهم خمسمائة غلام ليكون توجهنا معهم، فأما بالاغترار بأقوال لا يعرف ما وراءها فلا والوجه أن يعلل القوم بالمدافعة وتوقعوا ما تحدثه الأيام، فإنهم في كل يوم يضعفون وتدعوهم الضرورة إلينا، فنأخذ الأمر عفواً، ونربح المال الذي ننفقه، والغرر الذي نركبه، وكان من وزراء أبي كاليجار أبو منصور بن فنة، وكان فاضلاً ومن آثاره دار كتب وقفها على طلاب العلم جمع فيها تسعة عشر ألف مجلد ما فيها إلا أصل منسوب، وفيها أربعة آلاف ورقة بخط بني مقلة، ثم اختلت المملكة، وقطع عن جلال الدولة المادة حتى أخرج من ثيابه وآلاته الحقيرة وباعها في الأسواق، وخلت داره من حاجب وفراش وبواب، وصار أكثر الأبواب مغلقاً، وقطع ضرب الطبل له في أكثر الأيام لانقطاع الطبالين، وظهر العيارون، وكثر الاستقفاء والكبسات، ومد الأتراك أيديهم إلى الغصوب، وتشاور القواد في أن يخطب للملك أبي كاليجار، فقال بعضهم: لا نخطب لأحد حتى تستقر أمورنا معه، وخرج الملك إلى عكبرا، وقصد حلة كمال الدولة أبي سنان فاستقبل وقبل الأرض بين يديه، وقال له: خزانتي وأموالي وبلادي لك، وأنا أتوسط بينك وبين جندك، وزوجه ابنته ثم مضى إليه جماعة من الجند واعتذروا مما فعلوا، وأعيدت خطبة جلال الدولة في السابع عشر من ربيع الأول، فأقيمت في جامع المدينة، وجامع الرصافة، ولم تقم في جامع الخليفة، قم أقيمت فيه في الجمعة الثالثة.
وفي يوم السبت الثامن عشر منه: خرج أبو منصور بن طاس الحاجب، وأبو القاسم علي بن أبي علي، وخادمان إلى حضرة الملك بكتاب من الخليفة يتضمن الاستيحاش لبعده، ويهنئه بالسلامة واسفار الأمور عن الاستقامة، ثم بعث الخليفة القاضي أبا الحسن الماوردي، ومبشراً الخادم إلى الملك أبي كاليجار إلى الأهواز بكتاب، قال الماوردي: قدمنا عليه فتلقينا وأنزلنا داراً عامرة وحملت إلينا انزال كثيرة، ثم استدعينا إلى حضرته وقد فرشت دار الإمارة بالفروش الجميلة، ووقف الخواص والأصحاب على مراتبهم من جانبي سريره، وأقيم الجند في المجلس والصحن صفين، فما يتجاوز قدم قدماً وفي آخر الصفين ستمائة غلام دارية البزة الحسنة والأقبية الملونة، فخدمنا وسلمنا وأوصلنا الكتاب وتردد من القول بين استخبار وأخبار الأخبار وابتداء وجواب ما يتردد مثله. وانصرفنا.
وأقيمت الخطبة في يوم الجمعة السابعة ليوم اللقاء، ثم جرى الخوض فيما طلبوه من اللقب واقترحوا أن يكون اللقب السلطان المعظم مالك الأمم، فقلت: هذا لا يمكن لأن السلطان المعظم الخليفة، وكذلك مالك الأمم، فعدلوا إلى ملك الدولة فقلت: هذا ربما جاز، وأشرت أن يخدم الخليفة بألطاف فقالوا: يكون ذلك بعد التقليب، فقلت: الأولى بأن يقدم، ففعلوا وحملوا معي ألفي دينار سابورية، وثلاثين ألف درهم نقرة، وعشرة أثواب خزاً سوسياً، ومائة ثوب ديباجياً مرتفعة، ومائة أخرى دونها، وعشرين منا عوداً. وعشرة أمناء كافوراً، وألف مثقال عنبر، وألف مثقال مسكاً، وثلاث مائة صحن صيني، ووقع بأقطاع وكيل الخدمة خمسة آلاف دينار مغربية من معاملات البصرة، وأن يسلم إليه ثلاث آلاف قوصرة كل سنة، ويجاز بغير مؤونة ولا ضريبة، وأفرد عميد الرؤساء أبو طالب ابن طالب بن أيوب بخمسمائة دينار وعشرة آلاف درهم، وعشرة أثواب ديباجاً وعدنا إلى بغداد، فرسم لي الخروج إلى جلال الدولة وأعلامه الحال، فخرجت وتلطفت في إجراء حديث اللقب، وما سأله الملك فثقل عليه ذلك ثقلاً اقتضاء وقوف الأمر فيه.
وفي ربيع الآخر وكان في أذار: جمد الماء جموداً ثخيناً حتى في حافات دجلة، وهبت ريح رمت رملاً أحمر، وقام الثلج ما جمع ودق واستمر تأخر الأمطار، وأجدبت الأرض وتلفت وهلك المواشي وتلف جمهور الثمار.


وقوي أمر العيارين، وكبس رئيسهم البرجمي خاناً، فأخذ جميع ما فيه، فقوتل فقتل جماعة، وكان يأخذ كل مصعد ومنحدر، وكبس داراً بسوق يحيى، وأخذ ما فيها وأحرقها هذا والعسكر ببغداد.
وفي هذا الشهر: اجتمع الجند ومنعوا من الخطبة للخليفة لأجل رسول البيعة، فلم تصل الجمعة، فتلطف الأمر حتى أقيمت الخطبة في الجمعة الثانية على العادة.
وفي هذا الشهر: حلف الملك للخليفة يميناً حضرها المرتضى وقاضي القضاة ابن ماكولا وغيرهما، وركب الوزير أبو القاسم من غد إلى دار الخلافة، فحضر عنده وحضر المرتضى وقاضي القضاة، فحلف الملك فكان فيها: " أقسم عبد الله أبو جعفر القائم بأمر الله أمير المؤمنين، فقال: والله الذي لا إله إلا هو الطالب الغالب المدرك المهلك عالم السر والعلانية، ووحق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ووحق القرآن العظيم والآيات والذكر الحكيم لأقيمن لركن الدولة جلال الدولة أبي طاهر بن بهاء الدولة أبي نصر على إخلاص النية والصفاء ولألتزمن له شروط الموافقة والوفاء من غير إخلال بما يصلح حاله، ويحفظ عليه مكانه ولأكونن له على أفضل ما يؤثره من حراسته في نفسه، وما يليه ولوزير الوزراء أبي القاسم وسائر حاشيته وإقراره على رتبته وله علي بذلك عهد الله وميثاقه وما أخذه على ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين، والله شهيد على ذلك وهذه اليمين يميني، والنية فيها نية جلال الدولة أبي طاهر " . وذلك في ربيع الآخر سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة.
وفي عشية يوم الأربعاء لخمس خلون من جمادى الأولى: عند تصويب الشمس للغروب انقض كوكب كبير الجرم كثير الضوء، وعاد في هذا الوقت أمر العيارين فاشتد وتجدد القتال بين العوام، ثم ولي ابن النسوي، فردعهم ردعاً تاماً.
وفي نصف رجب: عصفت ريح شديدة ثلاثة أيام متصلة ليلاً ونهاراً واحتجبت منها السماء والشمس، ورمت تراباً أحمراً ورملاً.
وفي هذا الشهر: زادت الأسعار، ووردت الأخبار بتلف الغلات في الموصل وأنه لم ترجع البذور في كثير من النواحي، وكذلك الأهواز وواسط، ووردت الأخبار عن الأحساء وتلك البلاد أن الأقوات عدمت، فاضطر أهل بادية كانوا فيها إلى أكل مواشيهم ثم أولادهم، وكان الواحد يعارض بولده ولد غيره كيلا تدركه رقة في ذبحه وأكله، وفارق أهل البوادي منازلهم.
وفي ليلة الإثنين ثاني شوال: انقض كوكب أضاءت منه الأرض وارتاع له الناس، وكان في شكل ولم يزل يتقلب حتى اضمحل.


وفي يوم الأربعاء حادي عشر شوال: نزل الملك أبو طاهر من داره على سكر وانحدر في سميرية بمنكور إلى دار الخلافة، ومعه ثلاثة نفر من حواشيه، وصعد إلى بستان الدار، ورمى بعض معيناته القصب ودخله، ثم جلس تحت شجرة واستدعى نبيذاً فشربه، وأمر الزامر أن يزمر فزمر، وعرف الخليفة ذلك فشق عليه وأزعجه وغلقت أواب الدار على وجه الاستظهار، ثم خرج إليه القاضي أبو علي ابن أبي موسى، وأبو منصور بن بكران الحاجب، فخدماه ووقفا بين يديه وقالا له: قد سر مولانا السلطان قرب مولاه وانبساطه، وأما النبيذ والزمر فإنهما مما لا يجوز في هذا الموضع، فلم يقبل ولا امتنع، وقال لأبي منصور بن بكران: قل لمولانا أمير المؤمنين أنا عبدك، وقد حصل وزيري أبو سعد في دارك ووقف أمري بذلك، وأريد أن يتقدم بتسليمه إلي، فأراد أبو منصور أن يجيبه فزبره، وقال له: ليس الخطاب معك ولا الجواب عليك، وإنما أنت رسول، فامض وأعد ما قيل لك: فمضى وعاد بجواب يقال فيه: ما نعلم أن الوزير في دارنا ولا ها هنا امتناع عليك مما يؤدي إلى صلاح أمرك، فرده. وقال: أريد جواباً محصلاً بفعل أو منع، فعاد وقال: الأمر يجري على ما تؤثره، فقال للمختص أبي غانم: أشهد عليهم بأنهم يسلمون وزيري، فقال له: الأمر لك، وجعلوا يدارونه حتى نزل إلى زبزبه، وأصعد إلى داره، واجتمع من العامة على دجلة خلق كثير يهزأون بالقول ويخرجون إلى الحرق ومعهم سيوف وسكاكين مستورة، فلما كان من الغد استدعى الخليفة المختص أبا غانم، والقائد أبا الوفاء وقال لهما: قد عرفتما ما جرى أمس وأنه أمر زاد على الحد وتناهى في القبح وقابلناه بالاحتمال والحلم وكان الأولى بجلال الدولة أن يتنزه عن فعله وينزهنا عن مثله ويتخلق بأخلاق آبائه في مراعاة الخدمة والتزام الحشمة، ويكفي ما نحن محملوه من مجاري الأفعال المحظورة ومتحملوه فيها من سوء السمعة والأحدوثة، فإن جرائر ذلك متعلقة بنا وأوزاره متعدية إلينا، إذا كانت هذه الأمور معصوبة بنا، وإنما فوضناها إلى جلال الدولة إحساناً للظن به، واعتقاداً للجميل فيه، وليس من حقوق ذلك وما نفضي عليه من الأسباب المذكورة، ونتجرعه فيها من المرارة الشديدة، أن يرتكب معنا هذه المراكب المستنكرة ويجترئ علينا هذه الجراآت المستمرة، ونعامل حالاً بعد حال، ووقتاً بعد وقت بما يفارق فيه المراقبة والمجاملة، وكيف كانت الصورة تكون لو جرى من ذلك الجمع نادرة غلط، وهل كان الفائت يستدرك، والآن فإما رجع معنا إلى الأولى وسلك الطريق المثلى، وإلا فارقنا هذا البلد ودبرنا أمورنا بما يجب.
فقبلا الأرض وأقاما بعض العذر ومضيا إلى الملك فأوردا عليه ما سمعاه، واعتذارهما عنه، فركب يوم الجمعة في زبزبه، وأشعر الخليفة بحضوره للاعتذار، فنزل إليه عميد الرؤساء أبو طالب بن أيوب وخدم وقال له: تذكر حضوري للخدمة وتجديد الاعتذار من تلك الخرمة التي لم تكن بارادة، ووقف حتى رجع بجواب يدل على قبول العذر وشكر ما استونف من الفعل، ثم يمم إلى الميدان بالحلبة، ولعب فيه بالصولجان وعاد في زبزبه.
وفي ليلة الجمعة لخمس خلون من ذي القعدة: نقل تابوت القادر بالله من دار الخلافة إلى التربة بالرصافة، واختير هذا الوقت لأجل حضور حاج خراسان في البلد، واجتمع الأكابر وعليهم ثياب التعزية، وحمل التابوت إلى الطيار، ثم حمل من مشرعة باب الطاق على أعناق الرجال إلى التربة والجماعة مشاة بين يديه.
وصح عند الناس عدم المياه في طريق مكة والعلوفة فتأخروا وحضر الناس يوم الموكب لخمس بقين من هذا الشهر فأظهر أن أبا الحسن علي بن ميكائيل الوارد من خراسان قد بذل إطلاق ألفي دينار تنفق على طريق مكة فرد الخبر على الخليفة ذلك وأطلقه من خزانته، وخلع على ابن الأقساسي لتقلده النيابة عن المرتضى في الحج.
وورد الكتاب من البصرة بما جرى على حاج البصرة من أخذ العرب لهم على ثلاثة أيام من البصرة، وأنهم نهبوا وسلبوا وجاعوا، فبعث إليهم الوزير أبو الفرج ابن فسانجس جمالاً وزاداً وتمراً لحملهم ومعاونتهم.
وحج الناس من الأمصار إلا من بغداد وخراسان، وورد مع المصرية كسوة للكعبة ومال للصدقة وصلات لأمير مكة.


ووردت الأخبار بما كان من الوباء والموت في بلاد الهند وغزنة وكثير من أعمال خراسان وجرجان والري وأصبهان ونواحي الجبل والموصل، وأن ذلك زاد على مجاري العادة، وخرج من أصبهان في مدة قريبة أربعون ألف جنازة، وكان ببغداد من ذلك طرف قوي، ومات من الصبيان والرجال والنساء بالجدري ما زاد على حد الإحصاء، حتى لم تخل دار من مصاب، واستمر هذا الجدري في حزيران وتموز وآب وأيلول وتشرين الأول والثاني، وكان في الصيف أكثر منه في الخريف، وجاء كتاب من الموصل أنه مات بالجدري أربعة آلاف صبي.
وخرجت هذه السنة ومملكة جلال الدولة مشتملة على ما بين الحضرة وواسط والبطيحة وليس له من جميع ذلك إلا إقامة الخطبة والوزارة خالية عن ناظر فيها، ورأى رجل من أصبهان في النوم أن شخصاً صعد منارة مسجد أصبهان، وكان أهل أصبهان إذ ذلك في خفض من العيش والراحة والأمن، وقال بصوت جهوري رفيع إلى أن أسمع أهل أصبهان: " سكت نطق سكت نطق سكت نطق " ثلاث مرات فانتبه الرجل فزعاً وحكى هذا المنام، فما عرف تأويله، فقال رجل: احذروا يا أهل أصبهان فإني قرأت في شعر أبي العتاهية:
سكت الدهر زماناً عنهم ... ثم أبكاهم دماً حين نطق
فما مر على هذا الحديث إلا أيام قلائل حتى جاء مسعود بن محمود بن سبكتكين، فنهب البلد، وقتل عالماً لا يحصى حتى قتل جماعة في الجوامع نسأل الله العافية.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
إسماعيل بن إبراهيم بن علي بن عروة أبو القاسم البندار ولد في رجب سنة ثمان وثلاثين وثلثمائة، وحدث عن أبي سهل بن زياد، وأبي بكر الشافعي، وكان صدوقاً وتوفي في محرم هذه السنة.
روح بن محمد بن أحمد أبو زرعة الرازي: أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: جد روح أبو بكر ابن السني الدينوري الحافظ واسمه أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن أسباط بن عبد الله بن إبراهيم بن بديح مولى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. سمع أبو زرعة جماعة وقدم علينا حاجاً فكتبنا عنه، ولقيته بالكرخ فكتبت عنه هناك، وكان صدوقاً فهماً أديباً، يتفقه على مذهب الشافعي، وولي قضاء أصبهان، وبلغني أنه مات بالكرخ في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة.
علي بن أحمد بن الحسن بن محمد بن نعيم، أبو الحسن البصري النعيمي نسبة إلى جده: حدث عن جماعة، وكان حافظاً فاضلاً شاعراً.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال: سمعت محمد بن علي الصوري يقول: لم أر ببغداد أحداً أكمل من النعيمي، كان جمع معرفة الحديث والكلام والأدب، ودرس شيئاً من فقه الشافعي، قال: وكان أبو بكر البرقاني يقول: هو كامل في كل شيء لولا بأو فيه.
أنشدنا أبو نصر أحمد بن محمد الطوسي، قال: أنشدنا الحسين بن عاصم، أنشدنا أبو الحسن البصري المعروف بالنعيمي لنفسه:
إذا أظمأتك أكف اللئام ... كفتك القناعة شبعاً وريا
فكن رجلاً رجله في الثرى ... وهامة همته في الثريا
أبياً لنائل ذي ثروة ... تراه بما في يديه أبيا
فإن اراقه ماء الحيا ... ة دون إراقة ماء المحيا
توفي النعيمي في ذي القعدة من هذه السنة.
محمد بن أحمد بن السري بن أبي عون، أبو الحسن النهرواني سمع أبا بكر بن مالك الاسكافي وغيره.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر الخطيب، قال: قدم علينا هذا الرجل بغداد في حياة أبي الحسن ابن بشران وكتبنا عنه، وكان صدوقاً.
محمد بن الطيب بن سعيد بن موسى أبو بكر الصباغ حدث عن أحمد بن سليمان النجاد، وأبي بكر الشافعي، وكان صدوقاً.
أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا أبو بكر الخطيب، قال: سمعت رئيس الرؤساء أبا القاسم علي بن الحسن يقول: تزوج محمد بن الطيب الصباغ زيادة على تسعمائة امرأة.
قال الخطيب: وسمعت محمد بن الطيب يقول: ولدت في سنة ثمان وثلاثين وثلثمائة. ومات يوم الجمعة تاسع ربيع آخر سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة.
ثم دخلت
سنة أربع وعشرين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أن الخليفة هنئ بدخول الحمام من جدري ظهر به، وكتم الأمر فيه إلى أن برأ، وذلك في المحرم.


وفي يوم الإثنين لست بقين من صفر كبس البرجمي العيار درب أبي الربيع ووصل إلى مخازن فيها مال عظيم، وتفاوض الناس أن جماعة من الأصبهلارية خرجوا إليه وآكلوه وشاربوه، فظهر من خوف الخلق منه ما أوجب نقل الأموال إلى دار الخليفة، وواصل الناس المبيت في الدروب والأسواق للتحفظ، وزيد في حرس دار الخلافة، وطيف وراء السور وقتل صاحب الشرطة بباب الأزج غيلة، واتصلت العملات، وكبست دار تاجر فأخذ منها ما قيمته عشرة آلاف دينار، وزادت المخافة من هذا العيار حتى صار أهل الرصافة وباب الطاق، ودار الروم لا يتجاسرون على ذكره إلا أن يقولوا القائد أبو علي لئلا يصل إليه منهم غير ذلك، وشاع عنه أنه لا يتعرض لامرأة ولا يمكن من أخذ شيء معها أو عليها.
وفي ربيع الأول: خرج جماعة من القواد والاصبهلارية في طلب هذا البرجمي عند زيادة أمره وتعاظم خطبه واتصال فساده، فنزلوا الأجمة التي يأوى إليها وهي أجمة ذات قصب وماء كثير تمتد خمسة فراسخ، وفي وسطها تل قد جعله معقلاً ومنزلاً، فترتب كل واحد من الاصبهلارية على باب من أبوابها، فخرج إليهم البرجمي في ركاء وعلى رأسه غلامه، وقال لهم: من العجب خروجكم إلي وأنا كل ليلة عندكم، فإن شئتم أن ترجعوا وأدخل إليكم فعلت، وإن شئتم أن تدخلوا إلي فافعلوا، فذكر أن قوماً منهم راسلوه وقووا نفسه، وأروه أنهم يردون العسكر عنه.
وفي جمادى الأولى: كثرت العملات والكبسات، ووقع القتال في القلائين وعلى القنطرتين، وعاد الاختلاط، وطرحت النار فاحترق شيء عظيم وأسواق ومساجد وغيرها، ووقع النهب في درب عون، وأخذت أبوابه ودرب القراطيس إلى نهر الدجاج.


وفي هذه الأيام: تغيرت قلوب الجند، فقدم الوزير أبو القاسم فظنوا أن وروده للتعرض بأموالهم ونعمهم، واستوحشوا وأنكروا ورود الوزير من غير إجماع منهم ولا استقرار قاعدة معهم في أمره، وأظهر المطالبة بما أخذه الملك من مال بادرويا، فجاءت منهم جماعة إلى باب دار السلطان وصاحوا وجلبوا وأخذوا دواب من كان هناك، وانزعج الوزير ومن معه من الأكابر وبادروا الدخول إلى صحن الدار مبادرة ازدحموا فيها، وانقضى ذلك اليوم واجتمعوا من غد في مسجد القهرمانة وتكلموا في إهمال السلطان لأمورهم وأخذ أموالهم، وعقدوا آراءهم على مراسلة الملك بتسليمه أقواماً من أصحابه وخروجه من بغداد إلى واسط أو البصرة وإقامة أحد أولاده الأصاغر عندهم، ثم انفصلت طائفة منهم فاجتازوا على دار المملكة، فإذا باب البستان مفتوح فدخلوا بدوابهم، فعرف الملك فخرج من دور الحرم إليهم، فرأوه فتراجعوا قليلاً فأطاف بهم غلمان الدار والحواشي، فأمرهم بالانصراف فتبعه أحد خواصه فضربه بآجرة فرجع ومشى وحده إلى القوم، وقال لهم: تعالوا حتى أسمع كلامكم وأنظر ما تريدون، فأحاطوا به وأخذوه وأخرجوا إلى دجلة وهم لا يدرون ما يفعلون، لأن الذي جرى منهم لم يكن على أصل ولا اتفاق، وإنما كان تخليطاً، وأنزلوه سميرية فلما حصل فيها قال بعضهم لبعض: هذا غلط وربما عبر إلى الجانب الغربي واعتصم بالكرخ واستجاش العوام، والصواب أن نحمله إلى مجمع الغلمان ليدبروا أمره بما يرون، فتسرعوا إلى رد السميرية وعلقوا بمجدافها واضطربت فدخلها الماء حتى ابتلت ثيابه وتكابوا عليه فرجموه وأخرجوه ومشوا به خطوات كثيرة، فأعطاه الأتراك فرسه فحملوه إلى الجمع بعد أن كلموه بكل قبيح وأقاموا راكباً في الشمس زماناً وأنزلوه فوقف على عتبة الباب طويلاً ثم دخل المسجد، فوكلوا به ثم تفرقوا إلى منازلهم وجاءت صلاة الظهر وهو مشتغل بالصلاة والدعاء ثم تآمروا على نقله إلى الدار المهلبية، فخرج القائد أبو الوفاء ومعه عشرون غلاماً دارية وحواشي الدار والعامة ومن تاب من العيارين وهجم عليهم فدفعهم عنه، واستخرجوه من أيديهم فأعادوه إلى داره، وكان ذلك في رمضان، فنقل الملك ولده وحرمه وما بقي من ثيابه وآلاته ودوابه وفرش داره إلى الجانب الغربي بعد أن نهب الغلمان ما نهبوا من ذلك، ثم عبر في آخر الليل إلى الكرخ، فتلقاه أهلها بالدعاء، فنزل في دار المرتضى بدرب جميل، وعبر الوزير أبو القاسم بعبوره فنزل في دار تجاوره، ثم اجتمع الغلمان وعزموا على عقد الجسر والعبور للمطالبة لأهل الكرخ بإخراج الملك عنهم ثم تشاوروا فاختلفوا، فقال الخائفون من عقبى ما جنوا على الملك: هذا الملك قد أقل مراعاتنا والمبالاة بنا وأخذ أموالنا وتركنا جياعاً، وما ينفع فيه عذل ولا يصلحه قبيح ولا جميل، وقد كان منا إليه ما قد علمتم أولاً وأخيراً ما لا يصفو لنا معه نية منه. وقال آخرون: فما ترون وما الذي نفعل. وهل ها هنا من نجعله عوضاً عنه وما بقي من بني بويه إلا هو وأبو كاليجار ابن أخيه قد سلم الأمر إليه ومضى إلى فارس وتنحل الأمر إلى أن كتبوا إلى الملك رقعة يقولون فيها: " نحن عبيدك ومماليكك ملكناك أمورنا ابتداء وقد ضيقت علينا مرة بعد مرة وتعدنا وتعتذر إلينا، ولا نجد أثر ذلك، ولك ممالك كثيرة فيجوز أن تطرح كلك عنها مدة وتوفر علينا هذه الصبابة من المادة. وهذا أمر قد اجتمعت عليه كلمتنا، ومن الصواب أن لا تخالفنا فيه وتحوج هذا العسكر إلى تجاوز ما قد وقفوا عنده " .


وأنفذوا الرقعة إلى المرتضى ليعرضها ويتنجز جوابها، فعرضها عليه، فأجاب: " بأنا معترفون لكم بما ذكرتم وما يحصل لنا نصرفه إليكم، وأما خروجنا فالأحوال التي نقاسيها تدعو إليها ولو لم تسألوه وهذه أيام صوم وحر، وإذا انقضت انحدرنا على ما هو أجمل بنا وبكم " فلما وصل الجواب نفروا وقالوا: إنما غرضه المدافعة لينتقض ما عقدنا من غرضنا، ولا نتركه إلا اليوم أو غداً، فقال بعضهم: هذا لا يحسن ولكن كاتبوه ليقتصر على مدة قريبة، فكاتبوه فأجاب: إذا قدرتم مدة قريبة يمكن إنجاز أموري في مثلها، وندبتم من يكون في صحبتي، وعينتم على اليوم الذي تختارونه لم أتأخر عنه، فوصل الجواب وجمعهم أقل من كل يوم فوجموا، وقال بعضهم لبعض: إذا خرج فعلى ما نعول بعده، فكتبوا إليه قد شكرنا إنعام مولانا ونحن نسأل قبل الخروج أن يحلف لنا على صلاح النية، وأن لا يريد بنا سوءاً أو يرتب عندنا أحد الأمراء الأصاغر برسم النيابة عنه ثم ينحدر.
وأنفذ الملك في أثناء هذه المراجعات إلى الأصاغر يستميلهم ويعدهم، وجاءه بعضهم ليلاً فخاطبهم بما استصلحهم به فوعدوه فل هذه العزيمة، وراسل كلاً من الأكابر وأراه سكونه إليه وتعويله عليه، والتمس حاجب الحجاب منه تجيد اليمن على سلامة الاعتقاد فيه، وأن لا يستوزر أبا القاسم، ففعل فاجتمعوا في مسجد القهرمانة وقال بعضهم لبعض: جلال الدولة ملكنا ونحن جنده، وباكروا دار المرتضى ودخلوا إلى الملك وقبلوا الأرض بين يديه واستصفحوا عما جرت الهفوة فيه، وسألوه العود إلى داره، فركب معهم إلى دار المرتضى التي بناها على شاطئ دجلة، وسكنت الثائرة، ورضوا بالوزير أبي القاسم، وأقام جلال الدولة مكانه حتى تكرر سؤالهم فعبر إلى داره.
وفي هذه الأيام: تبسط العامة وانتشر العيارون وقتلوا وترددوا في الكرخ حاملين السلاح. وتبعهم أصاغر المماليك، ومضت الأيام على كبس المنازل ليلاً والاستقفاء نهاراً فعظمت المحنة وتعدوا إلى الجانب الشرقي ففسد، ووقع بين عوامه من أهل باب الطاق وسوق يحيى قتال اتصل وهلك فيه جماعة، فاجتمع الوزير وحاجب الحجاب على تدبير الأمور، وقلد أبا محمد ابن النسوي البلد، وضم إليه جماعة فطلب العيارين وشردهم، ثم قتل رفيق لابن النسوي فخاف واستتر وخرج عن البلد. فعاد الأمر كما كان وكبس البرجمي داراً في ظهر دار المرتضى في ليلة الثلاثاء لعشر بقين من شوال، وأخذ منها شيئاً كثيراً، وصاح أهل الدار والجيران فلم يجدوا مغيثاً.
فلما كان يوم الجمعة: ثار العوام في جامع الرصافة ومنعوا من الخطبة، ورجموا القاضي أبا الحسن بن العريف الخطيب وقالوا: إن خطبت للبرجمي وإلا فلا تخطب لخليفة ولا لملك. ثم أقيم على المعونة أبو الغنائم بن علي فركب وطاف وقتل فوقعت الرهبة، ثم عاد واتفق أن بعض القواد أخذ أربعة من أصحاب البرجمي فاعتقلهم، فأخذ البرجمي أربعة من أصحاب ذلك القائد، وجاء بهم وأقبل إلى دار القائد، فطرق عليه الباب فخرج فوقف خلف الباب، فقال له: قد أخذت أربعة من أصحابك عوضاً عمن أخذته من أصحابي فإما أن تطلق من عندك لأطلق من عندي، وإما أن أضرب رقابهم، وأحرق دارك وانصرف وشأنك ومن عندك، فسلم القوم إليه، ومما يشاكل هذا الوهن أن أحد وجوه الأتراك بسوق يحيى أراد أن يختن ولداً له فأهدى إلى البرجمي حملاناً وفاكهة وشراباً، وقال: هذا نصيبك من طهر فلان ولدي. واستذم منهم على داره.
وتأخر ورود الحاج الخراسانية في هذه السنة، وتأخر المصريون خرفاً من البادية، وخرج أهل البصرة فخفروا فغدروا بهم ونهبوهم وارتهنوهم.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن الحسين بن أحمد، أبو الحسن الواعظ ابن السماك ولد سنة ثلاثين وثلثمائة، وحدث عن جعفر الخلدي وغيره، وكان يعظ بجامع المنصور، وجامع المهدي، ويتكلم على طريقة التصوف.
أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين، قال: حكى لي أبو محمد التميمي، أن أبا الحسين بن السماك الواعظ دخل عليهم يوماً وهم يتكلمون في أبابيل، فقال: لا ألف وصل ولا ألف قطع، وإنما ألف سخط، ألا ترى أنه بلبل عليهم عيشهم. فضحك القوم من ذلك.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال: قال لي أبو الفتح محمد بن أحمد المصري: لم أكتب ببغداد عمن أطلق عليه الكذب غير أربعة منهم أبو الحسين بن السماك.


توفي في ذي الحجة من هذه السنة، ودفن في مقبرة باب حرب.
ثم دخلت
سنة خمس وعشرين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: عود العيارين إلى الانتشار ومواصلة الكبسات بالليل والنهار ومضى البرجمي إلى العامل على المأصر الأعلى بقطيعة الدقيق، فقرر معه أن يعطيه في كل شهر عشرة دنانير من الارتفاع ويطلقوا له سميريتين كبيرتين بغير اعتراض، وأخذ عهده على مراعاة الموضع، وواصل البرجمي محال الجانب الشرقي حتى خرب كثير منه، ودخل خان القوارير بباب الطاق فأخذ منه شيئاً عظيماً، وعبر إلى الجانب الغربي وطلب درب الزعفراني. فمنع أصحابه عن نفوسهم، وتحارس الناس واجتمعوا طول الليل في الدروب وعلى السطوح، ثم جد الخليفة والسلطان في طلب العيارين.
وورد كتاب من الموصل ذكر فيه أن ريحاً سوداء هبت بنصيبين فقلعت من بساتينها أكثر من مائتي أصل توتاً وعناباً وجوزاً ودحت بها على الأرض خطوات، وأنه كان في بعض البساتين قصر مبني بآجر وحجارة وكلس فرمته من أصله، ومطر البلد بعد ذلك مطراً وقع معه برد كبار في أشكال الأكف والزنود والأصابع، وورد الخبر بأن البحر في تلك الوساحل جزر نحو ثلاثة فراسخ، وخرج الناس إلى ما ظهر من الأرض يبتغون السمك والصدف، فجاء الماء وأخذ قوماً منهم.
وكان بالرملة زلازل خرج الناس منها بأولادهم وحرمهم وعبيدهم إلى ظهر البلد، فأقاموا ثمانية أيام وهدمت تلك الزلزلة ثلث البلد تقديراً، وقطعت المسجد الجامع تقطيعاً، وأهلكت من الناس قوماً، وتعدت إلى نابلس فسقط نصف بنيانها، وتلف ثلثمائة نفس من سكانها وقلبت قرية بإزائها فخاست بأهلها وبقرها وغنمهم وخسف بقرى أخر، وسقط بعض حائط بيت المقدس، ووقع من محراب داود عليه السلام قطعة كبيرة، ومن مسجد إبراهيم عليه السلام قطعة إلا أن الحجرة سلمت، وسقطت منارة المسجد الجامع بعسقلان، ورأس منارة غزة.
واتفق في هذا الوقت كثرة الموتان ببغداد لا سيما في النساء وكان معظمه بالخوانيق، وكان مثل ذلك بالموصل.
واتصل الخبر بما كان بنواحي فارس وشيراز من الموت، حتى كانت الدور تسد على أصحابها وأن الفأر متن في الدور.
ثم عاد العيارون فظهروا، ثم بذلوا حفظ البلد ولزوم الاستقامة فأفرقوا على ذلك وفسح لهم في جباية ما كان أصحاب المسالح يجبونه من الأسواق وأعطوا ما كان لصاحب المعونة من ارتفاع المواخير والقيان، وكان يخاطبون بالقواد.
وفي هذا الأوان خاطب الدينوري الزاهد الملك في إزالة ضرائب الملح، وأعلمه ما يتطرق على الناس من الأذى بذلك، فأمر بذلك وكتب منشور وقرئ في الجوامع، وكتب على أبوابها بلعن من يتعرض لإعادة هذه الجباية، وكانت جارية في الخاص وارتفاعها نحو ألفي دينار في كل سنة.
ثم عاد أمر العيارين فانتشروا واتصلت الفتن بأهل الكرخ مع أهل باب البصرة والقلائين، وأهل باب الطاق مع أهل سوق يحيى، وأهل نهر طابق مع أهل الارحاء وباب الدير، ثم انضاف إلى ذلك قتال جرى بين الطائفتين من الأتراك وكثر قتل النفوس ولم يقدر أحد على جناية أو يؤخذ بقود، وانتشرت العرب ببادرويا وقطربل، فنهبوا النواحي وساقوا المواشي وقطعوا الطريق وبلغوا إلى أطراف بغداد حتى وصلوا إلى جامع المدينة، وسلبوا النساء ثيابهن في المقابر.
ثم عاد الجند إلى التشغيب وقالوا: قد كان قررت لنا أمور ما نرى لها أثراً ثم أدخلوا أيديهم في الأموال وخاص السلطان وقدروا ارتفاع ذلك، فكان أربعة وخمسين ألف دينار سابورية، وفتحوا، الجوالي وطالبوا أهل الذمة بها وخاضوا في أمر دار الضرب وإقامة صاغة فيها، وفسروا متاعاً ورد من الموصل، واستوفوا ضرائبه.


وفي أول رمضان عمل ابنا الأصبهاني العياران اللذان كانا تابا وحصلا في دار المملكة وخدما في جملة فراشيها ومن في جملتها من العيارين مجانيق مذهبة للخروج إلى زيارة قبر مصعب بن الزبير مقابلة لما عمله عيارو الكرخ في النصف من شعبان من مثلها للخروج إلى زيارة المشهد بالحائر، ورفعوها وطافوا بالأسواق بها وبين أيديهم البوقات، ووقفوا بإزاء دار المملكة ومعهم لفيف كثير، ودعوا للسلطان وأحدث ذلك وقوع القتال بين هذه الطائفة وبين أهل الكرخ على باب درب الديزج وفي القلائين والصفارين وعند القنطرتين، وعظمت الفتنة واعترض كل فريق على من يجتاز من أهل محال الفريق الآخر، وقتلت النفوس وأخذت الأموال ومنع أبناء الأصفهاني من حمل الماء من دجلة إلى الكرخ ورواضعه حتى تأذى الناس بذلك ولحقتهم المشقة، وبيعت الراوية بدرهمين وثلاثة ثم توسط الأمر بين الفئتين فاصطلحتا.
وفي ليلة الأحد سادس عشر رمضان: غرق البرجمي اللص بفم الدجيل، أخذه معتمد الدولة فغرقه بعد أن بذل مالاً كثيراً على أن يترك فلم يقبل منه، ثم دخل أخو البرجمي إلى بغداد فأخذ أختاً له من سوق يحيى وخرج فتبع وقتل.
وفي يوم السبت ثالث عشر شوال: روسل المرتضى بإحضار العيارين إلى داره وأن يقول لهم: من أراد منكم التوبة قبلت توبته وأقر في معيشته، ومن أراد خدمة السلطان استخدم مع صاحب البلد ومن أراد الانصراف عن البلد كان آمناً على نفسه ثلاثة أيام.
فعرض ذلك عليهم فقالوا: نخرج فخرجوا وتجدد الاستفقاء والفساد وقلد أبو محمد ابن النسوي المعونة لسكون أهل الكرخ إليه ثم خاف فاستعفى وأظهر التوبة ورد أبو الغنائم بن أبي علي، وقد حصلت له هيبة شديدة.
وفي ليلة الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة انقض شهاب كبير هال منظره، فلما جاءت ليلة الجمعة وقت العتمة انقض شهاب كأعظم ما يكون من البرق حتى ملأ ضوءه الأرض وغلب ضوؤه المشاعل، وروع من رآه، وتطاول مكثه من وقت انقضاضه إلى وقت انغضاضه زيادة على ما جرت به عادة أمثاله، وقال من لا يعلم: ان السماء انفرجت لعظم ما شهدوا.
وفي ذي الحجة وقع الموت، فذكر أنه مات في بغداد سبعون ألفاً.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب، أبو بكر الخوارزمي البرقاني ولد سنة ست وثلاثين وثلثمائة، ورحل إلى البلاد وسمع بها الكثير وكتب الكثير، وانتقل من دار إلى دار، فنقل كتبه في ثلاثة وستين سفطاً وصندوقين، وكان إماماً ثقة ورعاً متقناً متثبتاً فهماً حافظاً للقرآن عارفاً بالفقه والنحو، وصنف في الحديث تصانيف، وكان الأزهري يقول: إذا مات البرقاني ذهب هذا الشأن، وقيل له: هل رأيت أنفس منه؟ قال: لا.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال: سمعت أبا محمد الخلال ذكر البرقاني فقال: كان نسيج وحده. قال ابن ثابت: وحدثني محمد بن يحيى الكرماني الفقيه قال: ما رأيت في أصحاب الحديث أكثر عبادة من البرقاني.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، قال: قال لي محمد بن علي الصوري: دخلت على البرقاني قبل وفاته بأربعة أيام أعوده، فقال لي: هذا اليوم السادس والعشرين من جمادى الآخرة، وقد سألت الله تعالى أن يؤخر وفاتي حتى يهل رجب، فقد روي أن لله فيه عتقاء من النار عسى أن أكون منهم. قال الصوري: وكان هذا القول يوم السبت، فتوفي صبيحة يوم الأربعاء مستهل رجب.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال: مات البرقاني يوم الأربعاء أول يوم من رجب سنة خمس وعشرين وأربعمائة، ودفن في مقبرة الجامع مما يلي باب سكة الخرقي.
أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن سعيد أبو العباس الأبيوردي أحد فقهاء الشافعيين من أصحاب أبي حامد الاسفرائيني، سكن بغداد وولي القضاء بها على الجانب الشرقي ومدينة المنصور في أيام ابن الأكفاني، ثم عزل، وكان يدرس في قطيعة الربيع وله حلقة الفتوى في جامع المنصور، وقد سمع الحديث ورواه، وكان حسن الاعتقاد جميل الطريقة فصيح اللسان، يقول الشعر، وكان صبوراً على الفقر كاتماً له.


أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن ثابت، قال: ذكر لي عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي عمن حدثه أن القاضي أبا العباس الأبيوردي كان يصوم الدهر، وأن غالب أفطاره كان على الخبز والملح، وكان فقيراً يظهر المروءة، ومكث شتوة كاملة لا يملك جبة يلبسها، وكان يقول لأصحابه: بي علة تمنعني من لبس المحشو، فكانوا يظنونه يعني بذلك الفقر ولا يظهره تصوناً.
توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة. ودفن في مقبرة باب حرب.
الحسن بن عبيد الله بن يحيى أبو علي البندنيجي الفقيه الراضي سكن بغداد، ودرس فقه الشافعي على أبي حامد الاسفرائيني، ولم يكن في أصحابه مثله، وكان له حلقة في جامع المنصور للفتوى، وكان صالحاً ديناً ورعاً. وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد أبو الفرج التميمي ولد سنة ثلاث وخمسين وثلثمائة، وسمع من أبيه وغيره، وكان له في جامع المنصور حلقة للوعظ والفتوى على مذهب أحمد بن حنبل.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، حدثنا عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان بن يزيد بن أكينة بن عبد الله التميمي، قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام وقد سئل عن الحنان المنان، فقال: الحنان الذي يقبل على من أعرض عنه، والمنان الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال.
قال: الخطيب بين أبي الفرج وبين علي تسعة آباء آخرهم أكينة.
توفي عبد الوهاب في ربيع الأول من هذه السنة ودفن عند قبر أحمد. رضي الله عنه.
محمد بن الحسن بن علي بن ثابت بن أحمد أبو بكر النعماني ولد في سنة تسع وأربعين وثلثمائة، وسمع من أحمد بن سندي، وغيره، وكان سماعه صحيحاً. توفي ليلة الخميس رابع جمادى الأولى من هذه السنة ودفن في مقبرة باب الدير وكان صدوقاً ثقة.
ثم دخلت
سنة ست وعشرين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أنه تجدد في المرحم ورود العرب المتلصصة إلى أطراف البلاد في الجانب الغربي وحدث منهم أنهم إذا أسروا من أسروه أخذوا ما معه وطالبوه يفتدي نفسه.
ثم ظهر قوم من العيارين ففتكوا وقتلوا، فنهض أبو الغنائم بن علي فقتل منهم نفس فعاودوا الخروج وقتلوا رجلين، وقاتلوا أبا الغنائم وتتابعت العملات والاستفقاء وأخذ ما يحضر من جمال السقائين وبغالهم، ونهض أبو الغنائم ففتك وأخذ وقتل ثم عاد الفساد، وحصل العيارون في دور الأتراك والحواشي يخرجون منها ليلاً ويقيمون فيها نهاراً، وسقطت الهيبة بإهمال ما أهمل من الأمر، وكتب العيارون رقاعاً يقولون فيها: إن صرف أبو الغنائم عنا حفظنا البلد وإن لم يصرف فما نترك الفساد.
واتفق أن غلاماً كبس قراحاً للخليفة ونهب من ثمرته فامتعض الخليفة من ذلك وكوتب الملك والوزير بالقبض على هذا الغلام وتأديبه، فوقع التواني عن ذلك لضعف الهيبة، فزاد غيظ الخليفة فأمر القضاة بالامتناع عن الحكم، والفقهاء بترك الفتاوى، والخطباء بأن لا يحضروا أملاكاً ولا يعقدوا عقداً، وعمل على إغلاق باب الجامع ومنع الصلاة فحمل الغلام ووكل به، ثم أطلق وعادت الفتن، وكثر القتل ومنع أهل سوق يحيى حمل الماء من دجلة إلى أهل باب الطاق والرصافة، وخذل الأتراك والسلطان في هذه الأمور حتى لو حاولوا دفع فساد زاد، وملك العيارون البلد.
وفي مستهل صفر: زاد ماء المد في دجلة البصرة حتى علا على الضياع نحو ذراعين، وسقط بالبصرة في هذا اليوم وليلته أكثر من ألفي دار.
وفي شعبان: وصل كتاب من الأمير مسعود بن محمود بن سبكتكين بفتح فتحه بالهند ذكر فيه أنه قتل من القوم خمسين ألفاً، وسبى سبعين ألفاً، وغنم منهم ما يقارب ثلاثين ألف ألف درهم، فرجع وقد أفسد الغزو بلاده فأوقع بهم وفتح جرجان وطبرستان.
ووثب أبو الحسن بن أبي البركات بن ثمال الخفاجي على عمه فقتله وأقام بإمارة بني خفاجة.
ثم اشتد أمر العيارين وكاشفوا بالإفطار في رمضان، وشرب الخمر وارتكاب الفجور.


وفي شوال: وقع حريق في وسط العطارين احترق فيه عدة دور ودكاكين ومخازن، ونهب العيارون من أموال الناس وما كانوا يحصلونه من منازلهم وخانباراتهم ما يزيد على عشرة آلاف دينار، وكانت النهابة تنقل النار من موضع إلى موضع، فتجعل ذلك طريقاً إلى النهب، وعاد القتال بين أهل المحال، وكثرت العملات وأعيا الخرق على الراقع، وقال الملك: أما أركب بنفسي في هذا الأمر.
ولم يحج الناس في هذه السنة كمن خراسان ولا العراق.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن كليب الأديب الشاعر أخبرنا عبد الله بن المبارك الحافظ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي، قال: حدثني أبو محمد علي بن أحمد الفقيه الحافظ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الحسن المذحجي الأديب، قال: كنت أختلف في النحو إلى أبي عبد الله محمد بن خطاب النحوي في جماعة أيام الحداثة، وكان معنا أسلم بن أحمد بن سعيد بن قاضي قضاة الأندلس، قال محمد بن الحسن: وكان من أجمل من رأته العيون، وكان معنا عند محمد بن خطاب أحمد بن كليب، وكان من أهل الأدب والشعر، فاشتد كلفه بأسلم وفارق صبره، وصرف فيه القول مستتراً بذلك إلى أن فشت أشعاره فيه وجرت على الألسنة، وتنوشدت في المحافل فلعهدي بعرس في بعض الشوارع والنكوري الزامر في وسط المحافل يزمر بقول أحمد بن كليب في أسلم:
وأسلمني في هوا ... ه أسلم هذا الرشا
غزال له مقلة ... يصيب بها من يشا
وشى بيننا حاسد ... يسأل عما وشى
فلو شاء أن يرتشي ... على الوصل روحي رشا
ومغن محسن يسايره، فلما بلغ هذا المبلغ انقطع عن جميع مجالس الطلب ولزم بيته والجلوس على بابه، وكان أحمد بن كليب لا شغل له إلا المرور على باب دار أسلم سائراً أو مقبلاً نهاره كله، فانقطع أسلم من الجلوس على باب داره نهاراً، فإذا صلى المغرب واختلط الظلام خرج مستروحاً وجلس على باب داره فعيل صبر أحمد بن كليب فتحيل في بعض الليالي ولبس جبة صوف من جباب أهل البادية واعتم بمثل عمائمهم وأخذ بإحدى يديه دجاجاً وبالأخرى قفصاً فيه بيض، كأنه قدم من بعض الضياع، ونحن جلوس مع أسلم عند اختلاط الظلام على بابه فتقدم إليه وقبل يده، وقال: يا مولاي من يقبض هذا، فقال له أسلم: من أنت، فقال: أجيرك في الضيعة الفلانية. وقد كان يعرف أسماء ضياعه والعاملين فأمر أسلم غلمانه بقبضذلك منه على عادتهم في قبول هدايا العاملين في ضياعهم. ثم جعل يسأله عن أحوال الضيعة. فلما جاوبه أنكر الكلام فتأمله فعرفه، فقال له: يا أخي وإلى ها هنا تتبعني أما كفاك انقطاعي عن مجالس الطلب، وعن الخروج جملة، وعن القعود على بابي نهاراً حتى قطعت علي جميع مالي فيه راحة فقد صرت في سجنك، والله لا فارقت بعد هذه الليلة قعر منزلي ولا جلست بعدها على بابي ليلاً ولا نهاراً، ثم قام وانصرف أحمد بن كليب حزيناً كئيباً.


قال محمد: واتصل بنا ذلك فقلنا لأحمد بن كليب: قد خسرت دجاجك وبيضك، فقال: هات كل ليلة قبلة يده وأخسر أضعاف ذلك، فلما يئس من رؤيته البتة نهكته العلة وأضجعه المرض، قال محمد بن الحسن: فأخبرني شيخنا محمد بن خطاب قال: عدته فوجدته بأسوأ حال، فقلت له: لم لا تتداوى؟ فقال: دوائي معروف، وأما الأطباء فلا حيلة لهم في البتة فقلت له: فما دواؤك؟ قال: نظرة من اسلم فلو سعيت في أن يزورني لأعظم الله أجرك بذلك وأجره، قال: فرحمته وتقطعت نفسي له فنهضت إلى أسلم فاستأذنت عليه فأذن لي وتلقاني بما يجب، فقلت له: لي حاجة، فقال: وما هي؟ قلت: قد علمت ما جمعك مع أحمد بن كليب من ذمام الطلب عندي. فقال: نعم ولكن قد تعلم أنه برح بي وشهر اسمي وآذاني، فقلت له: كل ذلك يغتفر في مثل هذه الحال التي هو فيها والرجل يموت فتفضل بعيادته، فقال لي: والله ما أقدر على ذلك فلا تكلفني هذا. فقلت له: لا بد من ذلك فليس عليك فيه شيء وإنما هي عيادة مريض. قال: ولم يزل به حتى أجاب، فقلت له: فقم الآن. قال: لست والله أفعل ولكن غداً. فقلت له: ولا خلف؟ قال: نعم، فانصرفت إلى أحمد بن كليب فأخبرته بوعده بعد تأبيه فسر بذلك فارتاحت نفسه، فلما كان من الغد بكرت إلى أسلم وقلت له: الوعد. فوجم، وقال: والله لقد تحملني على خطة صعبة علي، وما أدري كيف أطيق ذلك؟. قال: فقلت له: لا بد أن تفي بوعدك لي فقال: فأخذ رداءه ونهض معي راجلاً، فلما أتينا منزل أحمد بن كليب وكان يسكن في درب طويل وتوسط الزقاق وقف واحمر وخجل، وقال لي: يا سيدي الساعة والله أموت وما أستطيع أن أنقل قدمي ولا أستطيع أن أعرض هذا على نفسي. فقلت: لا تفعل بعد أن بلغت المنزل تنصرف، قال: لا سبيل والله إلى ذلك البتة، قال: ورجع هارباً فاتبعته وأخذت بردائه فتمادى وتمزق الرداء وبقيت قطعة منه في يدي لمده وإمساكي له ومضى ولم أدركه، فرجعت ودخلت على أحمد بن كليب قال: وقد كان غلامه دخل عليه إذ رآني من أول الزقاق مبشراً، قال: فلما رآني تغير وجهه وقال: أين أبو الحسن؟. فأخبرته بالقصة فاستحال من وقته واختلط وجعل يتكلم بكلام لا يعقل منه أكثر من الاسترجاع، فاستبشعت الحال وجعلت أتوجع وقمت، قال: فثاب إليه ذهنه فقال: يا أبا عبد الله اسمع مني واحفظ مني ثم أنشأ يقول:
اسلم يا راحة العليل ... رفقاً على الهائم النحيل
وصلك أشهى إلى فؤادي ... من رحمة الخالق الجليل
قال: فقلت له: اتق الله ما هذه الخطة العظيمة، فقال: قد كان، قال: فخرجت عنه فوالله ما توسطت الزقاق حتى سمعت الصراخ عليه وقد فارق الدنيا.
قال الحميدي: قال لنا أبو محمد: وهذه قصة مشهورة عندنا، ومحمد بن الحسن ثقة، وأسلم هذا من بني خالد، وكانت فيهم وزارة وحجابة وأبوه الآن في الحياة يكنى أبا الجعد، قال أبو محمد: ولقد ذكرت هذه الحكاية لأبي عبد الله محمد بن سعيد الخولاني الكاتب فعرفها، وقال: لقد أخبرني الثقة أنه رأى أسلم هذا في يوم شديد المطر لا يكاد أحد يمشي في طريق وهو جالس على قبر أحمد بن كليب المذكور زائراً له قد تحين غفلة الناس في مثل ذلك اليوم، قال الحميدي: وأنشدني أبو محمد علي بن أحمد، قال: أنشدني محمد بن عبد الرحمن النحوي لأحمد بن كليب وقد أهدى إلى أسلم كتاب الفصيح لثعلب:
هذا كتاب الفصيح ... بكل لفظ مليح
وهبته لك طوعاً ... كما وهبتك روحي
الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان بن حرب، أبو علي البزاز بن مهران ولد في ربيع الأول سنة تسع وثلاثين وثلثمائة، وسمع عثمان بن أحمد الدقاق، والنجاد، والخلدي، وخلقاً كثيراً وكان ثقة صدوقاً.


أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال: حدثني محمد بن يحيى الكرماني، قال: كنا يوماً بحضرة أبي علي بن شاذان فدخل علينا شاب لا يعرفه منا أحد فسلم، وقال: أيكم أبو علي بن شاذان؟ فأشرنا إليه، فقال له: أيها الشيخ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: سل عن أبي علي بن شاذان؟ فإذا لقيته فأقرئه السلام، ثم انصرف الشاب، فبكى أبو علي، وقال: ما أعرف لي عملاً أستحق به هذا اللهم إلا أن يكون صبري على قراءة الحديث علي وتكرير الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما جاء ذكره، قال: ولم يلبث أبو علي بعد ذلك إلا شهرين أو ثلاثة حتى مات.
توفي في محرم هذه السنة، ودفن في مقبرة باب الدير.
الحسن بن عثمان بن أحمد بن الحسن بن سورة أبو عمر الواعظ ابن الفلو ولد في ربيع الآخر سنة سبع وأربعين وثلثمائة، وسمع الحديث من جماعة، وكان يعظ وله بلاغة وفيه كرم.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي، وأخبرنا ابن ناصر أخبرنا ابن خيرون، قال: أخبرنا أحمد بن الحسن المعدل، قال: أنشدنا أبو عمر ابن الفلو لنفسه:
دخلت على السلطان في دار عزه ... بفقر ولم أجلب بخيل ولا رجل
وقلت انظروا ما بين فقري وملككم ... بمقدار ما بين الولاية والعزل
توفي ليلة الأحد الرابع عشر من صفر في هذه السنة، وصلى عليه بجامع المدينة، ودفن بمقبرة باب حرب إلى جنب أبي الحسين بن السماك.
الحسين بن أحمد بن عثمان، أبو القاسم البزاز ابن شيطا سمع أبا بكر الشافعي، قال أبو بكر الخطيب: كتبت عنه، وكان ثقة، وتوفي في صفر هذه السنة.
الحسين بن عمر بن محمد بن أحمد بن عبد الله أبو عبد الله العلاف أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر الخطيب، قال: قال لنا الحسن بن عمر: ولدت في يوم الخميس الثالث من شوال سنة إحدى وأربعين وثلثمائة، قال: وسمع أبا بكر الشافعي، ويحيى بن وصيف، وأحمد بن جعفر بن سلم، كتبنا عنه وكان ثقة، يسكن الجانب الشرقي في درب السقائين قريباً من سوق السلاح، وتوفي في رجب هذه السنة.
حمزة بن يوسف بن إبراهيم بن موسى بن إبراهيم أبو القاسم الجرجاني روى الحديث الكثير توفي في هذه السنة.
عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد ابن شاذان، أبو محمد الصيرفي وهو أخو أبي علي: سمع أبا بكر بن مالك القطيعي وغيره، وكان صدوقاً توفي في شعبان هذه السنة، ودفن بمقبرة باب الدير.
عمر بن إبراهيم بن إسماعيل أبو الفضل بن أبي سعد الزاهد من أهل هراة، ولد سنة ثمان وأربعين وثلثمائة، قدم بغداد فحدث بها عن أبي بكر الإسماعيلي، وأبي أحمد الغطريفي، قال الخطيب: كتبنا عنه وكان ثقة، وتوفي بهراة في هذه السنة.
ثم دخلت
سنة سبع وعشرين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أن العيارين كبسوا في المحرم دار بلوربك التركي بباب خراسان وأخذوا ما فيها.
ورد أبو محمد النسوي إلى باب البصرة لكشف العملة فأخذ هاشمياً فقتله، فثار أهل الموضع ورفعوا المصاحف على القصب، ومضوا إلى دار الخلافة، وجرى خطب طويل.
وكانت قنطرة الشوك قد سقطت على نهر عيسى فبقيت مدة، فأمر الملك بعمارتها فتكامل عمارتها في المحرم، وكان أبو الحسين بن القدوري يشارف الإنفاق عليها.
وفي صفر: تقدم الخليفة بترك التعامل بالدنانير المغربية وأمر الشهود أن لا يشهدوا في كتاب ابتياع ولا إجازة ولا مداينة يذكر فيها هذا الصنف، فعدل الناس إلى القادرية والنيسابورية والقاشانية.
وفي ليلة الثلاثاء ثاني ربيع الآخر: دخل العيارون البلد في مائة رجل من الأكراد والأعراب والسواد فأحرقوا دار ابن النسوي، وفتحوا خاناً، وأخذوا ما فيه، خرجوا إلى الطريق والكارات على رؤوسهم.


وفي ربيع الآخر نقل أبو القاسم بن ماكولا الوزير بعد أن قبض عليه وسلم إلى المرتضى إلى دار المملكة فمرض ويئس منه، فروسل الخليفة في معنى أخيه قاضي القضاة أبي عبد الله بن ماكولا، وقيل: هو يعرف أمواله فدافع عنه الخليفة وحامى وكاد ت الحال من الأتراك تشرف على أحد حالين: إما تسليمه، وإما خرق لا يتلافى فكتب إلى الخليفة في حقه، فحرج في الجواب أنه لم يبق من أمرنا إلا هذا الناموس في حراسة من عندنا وهو لكم لا لنا، وهذا القاضي لم يتصرف تصرفاً سلطانياً يلزمه فيه تبعة، ثم زاد الأمر في ذلك وروجع الخليفة فكتب إلى حاجب رقعة قال فيها قد زاد الأمر في اطراح مراقبتنا وإسقاط حشمتنا، وصار الأولى أن نغلق بابنا وندبر أمرنا بما نحرس سبه جاهنا، فأمسك عن المراجعة ثم إن الجند شغبوا على جلال الدولة، وقالوا: إن البلد لا يحتملنا وإياك فاخرج من بيننا فإنه أولى لك، فقال: كيف يمكنني الخروج على هذه الصورة أمهلوني ثلاثة أيام حتى آخذ حرمي وولدي وأمضي فقالوا: لا نفعل ورموه بآجرة في صدره فتلقاها بيده وأخرى في كتفه فاستجاش الملك الحواشي والعوام، وكان المرتضى والزينبي والماوردي عند الملك فاستشارهم في العبور إلى الكرخ كما فعل في المرة الأولى، فقالوا: أليس الأمر كما كان وأحداث الموضع قد ذهبوا وحول الغلمان خيمهم إلى ما حول الدار إحاطة بها، وبات الناس على أصعب خطة، فخرج الملك نصف الليل إلى زقاق غامض، فنزل إلى دجلة فقعد في سميرية فيها بعض حواشيه فغرقوها تقديراً أنه فيها، ومضى الملك مستتراً إلى دار المرتضى وبعث حرمه إلى دار الخليفة ونهب الجند دار المملكة وأبوابها وساجها، ورتبوا فيها حفظة فكانت الحفظة تخربها نهاراً وتنقل ما اجتمع من ذلك ليلاً، وراسل الجند الخليفة في قطع خطبة جلال الدولة فقيل لهم: سننظر، ثم خرج الملك إلى أوانا، ثم إلى كرخ سامرا، ثم خرجوا إليه واعتذروا، وصلحت الحال.
وفي جمادى الآخرة: وردت ظلمة طبقت البلد حتى لم يشاهد الرجل صاحبه الماشي بين يديه، وأخذت بالأنفاس حتى لو تأخر انكشافها لهلك كثير من الناس.
وفي ضحوة نهار يوم السبت لثمان بقين من رجب: انقض كوكب غلب ضوؤه على ضوء الشمس، وشوهد في آخره مثل التنين أزرق يضرب إلى السواد، وبقي نحو ساعة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
الحسن بن وهب بن موصلايا الكاتب المجود. توفي في هذه السنة.
علي أبو الحسن بن الحاكم، صاحب مصر الظاهر لإعزاز دين الله توفي يوم الأحد النصف من شعبان هذه السنة، وكان عمره ثلاثين سنة إلا شهراً، فكانت ولايته ست عشرة سنة وتسعة أشهر، وولي بعده ولده ولقب المستنصر بالله.
محمد بن إبراهيم بن أحمد أبو بكر الأردستاني أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: كان الأردستاني يسكن أصبهان، وكان رجلاً صالحاً يكثر السفر إلى مكة ويحج ماشياً، وحدث ببغداد عن الدارقطني وغيره، وكان ثقة يفهم الحديث قال: وبلغنا أنه مات بهمذان في سنة سبع وعشرين وأربعمائة.
محمد بن الحسين بن عبيد الله بن عمر بن حمدون، أبو يعلى الصيرفي ابن السراج ولد في سنة ثلاث وسبعين وثلثمائة وسمع أبا الفضل الزهري، وكان ثقة فهما يعلم القراآت والنحو، وتوفي ليلة الجمعة الثامن والعشرين من ذي الحجة من هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
ثم دخلت
سنة ثمان وعشرين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أن الخليفة خلع على أبي تمام محمد بن محمد بن علي الزينبي وقلده ما كان إلى أبيه أبي الحسن من نقابة العباسيين والصلاة.
ثم تجدد شغب من الجند على جلال الدولة، ثم آل الأمر في هذه السنة إلى أن قطعوا خطبته وخطبوا للملك كاليجار، ثم عادوا وخطبوا لهما ثم صلحت حال جلال الدولة وحلف الخليفة له وقبض على ابن ماكولا، ووزر أبو المعالي بن عبد الرحيم.
وفي ربيع الآخر: ورد كتاب من فم الصلح ذكر فيه أن قوماً من أهل الجبل وردوا وحكوا أنهم مطروا مطراً كثيراً في أثنائه سمك وزن بعضه رطل ورطلان.
وكان صاحب مصر قد بعث مالاً لينفقه على نهر بالكوفة فجاء أهل الكوفة يستأذنون الخليفة، فجمع الفقهاء لذلك في جمادى الآخرة، فقالوا: هذا مال من فيء المسلمين وصرفه في مصالحهم صواب فأذن في ذلك.


وفي ليلة السبت لتسع بقين من جمادى الآخرة: ثار جماعة من العيارين فكبسوا الحبس بالشرقية وقتلوا بضعة عشر نفساً من رجالة المعونة، ثم عادوا في ذي الحجة، فكثروا وأخذوا بغال السقائين وثياب القصارين وانبسطوا انبساطاً زائداً عن الحد.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر أبو الحسن القدوري الفقيه الحنفي ولد سنة اثنتين وستين وثلثمائة.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر الخطيب، قال: سمع القدوري من عبيد الله بن محمد الجوشي ولم يحدث إلا بشيء يسير كتبت عنه، وكان صدوقاً، وكان ممن أنجب في الفقه لذكائه، وانتهت إليه بالعراق رياسة أصحاب أبي حنيفة، وارتفع جاهه وكان حسن العبارة في النظر، مديماً لتلاوة القرآن، وتوفي يوم الأحد الخامس من رجب هذه السنة، ودفن من يومه في داره بدرب أبي خلف.
الحسن بن شهاب بن الحسن بن علي بن شهاب أبو علي العكبراوي ولد بعكبرا في محرم سنة خمس وثلاثين وثلثمائة، وسمع الحديث على كبر من أبي علي بن الصواف، وأبي علي الطوماري، وابن مالك القطيعي، وكان فقيهاً فاضلاً يتفقه على مذهب أحمد، وكان يقرأ القراآت ويعرف الأدب، ويقول الشعر، قال البرقاني، هو ثقة أمين.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت أخبرنا عيسى بن أحمد الهمذاني قال: قال لي أبو علي بن شهاب يوماً: أرني خطك فقد ذكر لي انك سريع الكتابة فنظر فيه فلم يرضه، وقال لي: كسبت في الوراقة خمسة وعشرين ألف درهم راضية، وكنت أشتري كاغدا بخمسة دراهم فأكتب فيه ديوان المتنبي في ثلاث ليال وأبيعه بمائتي درهم وأقله بمائة وخمسين درهماً، قال ابن ثابت: وسمعت الأزهري يقول: أخذ السلطان من تركة بن شهاب ما قدره ألف دينار سوى ما خلفه من الكروم والعقار، وكان أوصى بثلث ماله لمتفقهة الحنابلة فلم يعطوا شيئاً، توفي في ليلة النصف من رجب هذه السنة.
الحسن بن علي بن الحسين بن إبراهيم بن بطحا، أبو عبد الله التميمي المحتسب سمع أبا بكر الشافعي، وكان ثقة، سكن شارع باب الرقيق، وتوفي في جمادى الأولى من هذه السنة.
عثمان بن محمد بن يوسف بن دوست، أبو عمرو العلاف هو أخو عبد الله، وكان الأصغر، ولد سنة اثنتين وأربعين وثلثمائة، وسمع النجاد، وكان صدوقاً توفي في صفر هذه السنة.
لطف الله بن أحمد بن عيسى أبو الفضل الهاشمي كان ذا لسان وولي القضاء والخطابة، وسكن بدرزنجان وأضر، وكان يروي حكايات وأناشيد من حفظه.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: أنشدنا لطف الله بن أحمد، قال: أنشدنا أبو الحسن عمر بن أحمد النوقاتي السجزي لنفسه:
وإني لأعرف كيف الحقوق ... وكيف يبر الصديق الصديق
وكم من جواد وساعي الخطى ... يقصر عنه خطاه مضيق
ورحب فؤاد الفتى محنة ... عليه إذا كان في الحال ضيق
توفي لطف الله في هذه السنة.
محمد بن أحمد بن محمد بن أبي موسى واسم أبي موسى عيسى بن أحمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب أبو علي الهاشمي القاضي ولد في ذي القعدة سن خمس وأربعين، وسمع محمد بن المظفر، وأبا الحسين بن سمعون، وكان ثقة، وهو أحد فقهاء أصحاب أحمد بن حنبل، وكان يدرس ويفتي وله تصانيف على مذهب أحمد، قال أبو علي: ضاق بي الأمر مرة قبعت، جلاً داري وإذا رجل قد دخل علي فأنشد:
ليس من شدة تصيبك إلا ... سوف تمضي وسوف تكشف كشفا
لا يضق ذرعك الرحيب فإ ... ن النار يعلو لهيبها ثم تطفا
قال التميمي: دخلت على أبي علي في مرضه، فقال لي: اسمع مني الاعتقاد ولا تشك في عقلي، فما رأيت الملكين بعد. وتوفي يوم الأحد الثالث من ربيع الآخر من هذه السنة، ودفن بباب حرب.
محمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن موسى، أبو الحسين الأهوازي ابن أبي علي الأصبهاني ولد في سنة خمس وأربعين وثلثمائة، وقدم إلى بغداد من الأهواز، وخرج له أبو الحسن النعيمي أجزاء من حديثه، وسمع منه البرقاني إلا أنه بان كذبه.


أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي، حدثنا أبو الوليد الحسن بن محمد الدربندي، قال: سمعت أبا نصر أحمد بن علي بن عبدوس، يقول: كنا نسمي ابن أبي علي الأصبهاني جراب الكذب.
أقام الأهوازي ببغداد سبع سنين ثم خرج إلى الأهواز، ووصل الخبر بوفاته في هذه السنة.
محمد بن علي أبو الحسن الزينبي نقيب العباسيين توفي بداء الصرع في هذه السنة، وقلد ابنه أبو تمام ما كان إليه.
مهيار بن مرزويه أبو الحسن الكاتب الفارسي كان مجوسياً فأسلم سنة أربع وتسعين وثلثمائة وصار رافضياً غالياً، وفي شعره لطف إلا أنه يذكر الصحابة بما لا يصلح.
قال له أبو القاسم ابن برهان: يا مهيار انتقلت بإسلامك في النار من زاوية إلى زاوية، قال: وكيف ذاك؟ قال: لأنك كنت مجوسياً فأسلمت فصرت تسب الصحابة.
وكان منزله بدرب رياح بالكرخ، وكانت امرأة تخدمه فكنست الغرفة فوجدت خيطاً فإذا هو خيط هميان فيه مال وكان قد نزل الدار قوم من الخراسانية الحاج فأخبرته فلم يتغير، وقال لها: قد تعبت حتى خبأته فلماذا نبشته، وكان فيه ألف دينار وسعي به إلى جلال الدولة فقبض عليه ثم أطلقه.
ومن مستحسن شعره قوله:
أستنجد الصبر فيكم وهو مغلوب ... وأسأل النوم عنكم وهو مسلوب
وأبتغي عندكم قلباً سمعت به ... وكيف يرجع شيء وهو موهوب
ومنها:
ما كنت أعرف ما مقدار وصلكم ... حتى هجرتم وبعض الهجر تأديب
وله:
أجيراننا بالغور والركب متهم ... أيعلم حال كيف بات المتيم
رحلتم وعمر الليل فينا وفيكم ... سواء ولكن ساهرون ونوم
تناءيتم من ظاعنين وخلفوا ... قلوباً أبت أن تعرف الصبر عنكم
ولما جلا التوديع عما حذرته ... ولم يبق إلا نظرة تتغنم
بكيت على الوادي فحرمت ماءه ... وكيف يحل الماء أكثره دم
ولما رأيت شعره مستحسناً كله اقتصرت على ما ذكرت.
توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
هبة الله بن الحسن، أبو الحسين الحاجب كان من أهل الفضل والأدب والتدين، وله شعر مستحسن: أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أنشدني أبو الحسين الحاجب لنفسه:
يا ليلة سلك الزما ... ن بطيبها في كل مسلك
إذ أرتعي روض المسر ... ة مدركاً ما ليس يدرك
والبدر قد فضح الظلا ... م فستره فيه مهتك
وكأنما زهر النجو ... م بلمعها شعل تحرك
والغيم أحياناً يلوح ... ح كأنه ثوب ممسك
وكأن تجعيد الريا ... ح لدجلة ثوب مفرك
وكأن نشر المسك ينفح ... في النسيم إذا تحرك
وكأنما المنثور مصفر ... الذرى ذهب مشبك
والنور يبسم في الريا ... ض فإن نظرت إليه سرك
شارطت نفسي أن أقو ... م بحقها والشرط أملك
حتى تولى الليل منهزماً ... وجاء الصبح يضحك
واه الفتى لو أنه ... في ظل طيب العيش يترك
والمرء يحسب عمره ... فإذا أتاه الشيب فذلك
توفي هبة الله فجأة في رمضان هذه السنة رحمه الله.
ثم دخلت
سنة تسع وعشرين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أنه ورد الكتاب من عكبرا بأن قوماً من أهلها اجتمعوا في ليلة الميلاد لإشعال النار على عادتهم في ذلك، وصعدت طائفة منهم إلى روشن في المكان وتكاثروا عليه فسقط على الباقين فمات ثلاثة وأربعون نفساً منهم ست نسوة إحداهن حبلى.


وفي يوم الجمعة التاسع من جمادى الأولى: حضر أبو الحسن ابن القزويني الزاهد الجامع والخطيب على المنبر فاختلط الناس بين لآت معه وناهض لتلقيه ومتشوق إلى رؤيته، ووقع الصياح فظن قوم أنه للصلاة، فقاموا ووقفوا طويلاً إلى أن عرفوا الحال، فجلسوا وقعد القزويني عند المنبر، فلما قضيت الصلاة وضع منبر من وراء الشباك دون المقصورة، فوقف عليه ابن المذهب الواعظ فحمد الله وأثنى عليه وقرأ أحاديث الرؤية: " أنكم ترون ربكم " . فناداه ابن التميمي الواعظ أذكر في كل باب حديثاً، فلم يلتفت إلى قوله، فقام التميمي فتخطا رقاب الناس وصعد على المنبر وأخذ الكتاب من يده، وقرأ أحاديث الصفات ثم التفت إلى ابن القزويني فقال: إن رأى الشيخ الزاهد أن يقول قولاً تسمعه الجماعة فيروونه عنه. فقال: بلغهم عني أن القرآن كلام الله،وإن الجوال بدعة والمتكلمين على ضلالة فذكر نحو هذا.
وفي رجب حلف جلال الدولة للملك أبي كاليجار،وحلف له أيضاً أن لا يجري من أحدهما ما يؤذي الآخر.
وفي سلخ رجب: جمع الأشراف والقضاة والشهود والفقهاء والوجوه إلى بيت النوبة، واستدعى جاثليق النصاري ورأس جالوت اليهود، وخرج توقيع الخليفة في أمر العيار وإلزام أهل الذمة إياه، وكان في التوقيع: " بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد، فإن الله تعالى بعزته التي لا تحاول وقدرته التي لا تطاول اختار الإسلام ديناً وارتضاه وشرفه وأعلاه وبعث به محمداً واجتباه وأذل من ناواه، فقال تعالى: " وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم " وقال: " ليظهره على الدين كله " وأمير المؤمنين يرى أن من أقرب الوسائل إلى الله به بقاء ما كان حافظاً للشرع ومجدداً لمعالمه وقد كان الخلفاء الراشدون فرضوا على أهل الذمة المعاهدين حدوداً معقودة على الاستشعار والأخبات والاستكانة، والتفرد عن المسلمين أعظاماً للإسلام وأهله ولما تطرق على هذه السنة الإغفال واستمر فيها الإهمال اطرحت هذه الطائفة دواعي الاحتراس، وتشبهت بالمسلمين في زيهم، فرأى أمير المؤمنين الإيعاز إلى جميع أهل الذمة بتغيير اللباس الظاهر مما يعرفون به عند المشاهدة، فليعلم ذلك من رأي أمير المؤمنين " فقالوا: السمع والطاعة.
وفي رمضان: استقر أن يزاد في ألقاب جلال الدولة شاهنشاه الأعظم ملك الملوك، فأمر الخليفة بذلك فخطب له به فنفر العامة ورموا الخطباء بالآجر، ووقعت فتنة، وكتب إلى الفقهاء في ذلك، فكتب أبو عبد الله الصيمري الحنفي أن هذه الأسماء يعتبر فيها القصد والنية، وقد قال الله تعالى: " إن الله قد بعث طالوت ملكاً " وقال تعالى: " وكان وراءهم ملك " وإذا كان في الأرض طول جاز أن يكون بعضهم فوق بعض لتفاضلهم في القوة والإمكان وجائز أن يكون بعضهم أعظم من بعض، وليس في ما يوجب التكبر ولا المماثلة بين الخالق والمخلوقين.
وكتب أبو الطيب الطبري أن إطلاق ملك الملوك جائز ويكون معناه ملك ملوك الأرض فإذا جازان يقال كافي الكفاة وقاضي القضاة جاز ملك الملوك فإذا كان في اللفظ ما يدل على أن المراد به ملوك الأرض زالت الشبهة، وفيه قولهم: اللهم أصلح الملك فينصرف الكلام إلى المخلوقين.
وكتب نحو ذلك، وقد حكي عن قاضي القضاة أبي الحسن الماوردي أنه كتب قريباً من ذلك، وذكر محمد بن عبد الملك الهمذاني المؤرخ أن الماوردي منع من جواز ذلك، وكان مختصاً بخدمة جلال الدولة، فلما امتنع عن الكتابة انقطع عن خدمته، واستدعاه جلال الدولة بكرة يوم العيد، فمضى علي وجل شديد يتوقع المكروه، فلما دخل على الملك قال له: أن أتحقق أنك لو حابيت أحداً لحابيتني لما بيني وبينك مع كونك أكثر الفقهاء مالاً وأوفاهم جاهاً وحالاً وما حملك على مخالفتي إلا الدين، وقد قربك مني وزاد محلك في قلبي، وقدمتك على نظائرك عندي.
قال المصنف: الذي ذكره الأكثرون في جواز أن يقال ملك الملوك هو القياس إذا قصد به ملوك الدنيا إلا أني لا أرى إلا ما رآه الماوردي، لأنه قد صح في الحديث ما يدل على المنع، ولكن الفقهاء المتأخرين عن النقل بمعزل.


أخبرنا هبة الله بن محمد بن الحصين، أخبرنا الحسن بن علي بن المذهب، أخبرنا أبو بكر بن مالك القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، حدثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أخنع اسم عند الله يوم القيامة رجل تسمى بملك الأملاك " . قال أحمد: سألت أبا عمر والشيباني عن أخنع، فقال: أوضع.
أخرجه البخاري عن علي، وأخرجه مسلم عن الإمام أحمد كلاهما، عن سفيان، وقال سفيان: هو مثل شاهنشاه.
وأخرجه مسلم من حديث همام، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أغيظ رجل على الله يوم القيامة واخبثه رجل يسمى ملك الأملاك، لا ملك إلا الله " .
وأخبرنا ابن الحصين، أخبرنا ابن المذهب، أخبرنا أحمد بن جعفر، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا عوف، عن الخلاس، عن أبي هريرة، قال:قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اشتد غضب الله على رجل قتله نبيه، واشتد غضب الله على رجل تسمى بملك الأملاك، لا ملك إلا الله سبحانه وتعالى " .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن جعفر بن مخلد بن سهل، أبو الفضل اابن الباقرحي ولد سنة خمس وستين وثلثمائة. توفي في ربيع الآخر من هذه السنة، وكان صدوقاً.
الحسين بن أحمد بن سفيان أبو علي العطار قال الخطيب كتبت عنه، وكان صدوقاً، وتوفي في هذه السنة.
علي بن الحسين بن مكرم أبو القاسم صاحب عثمان توفي في هذه السنة وقام ابنه مقامه.
محمد بن عمر بن الأخضر الداوودي ولد سنة ثلاث وخمسين وثلثمائة، وكان ثقة كثير السماع يفهم الحديث، توفي في شوال هذه السنة.
ثم دخلت
سنة ثلاثين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أنه في ليلة الثلاثاء لست بقين من ربيع الآخر سقط ثلج بجانبي مدينة السلام من وقت العتمة إلى نصف الليل، وعلا على وجه الأرض قدر شبر، فرماه الناس من سطوحهم بالرفوش، وبقي أياماً في الدروب.
وفي جمادى الآخرة ملك سلجوق خراسان والجبل، وهرب مسعود بن محمود بن سبكتكين، وأخذوا الدولة واستولى طغرل بك أبو طالب محمد وأخوه داود ونيروز أولاد ميكائيل على البلاد، وتقسموا الأطراف.
وفي يوم الثلاثاء لتسع بقين من جمادى الآخرة، وكان العشرين من آذار: وافى حر شديد كاشد ما يكون في حزيران وتموز، فلما كان يوم الثلاثاء والأربعاء بعدهما جاء برد شديد جمد منه الماء.
وفي يوم الخميس من شعبان: جلس الخليفة، وخلع على قاضي القضاة أبي عبد الله الحسين بن علي بن ماكولا خلع التشريف قريباً مما طرقه من المصيبة بالوزير أبي القاسم أخيه، وقرئ توقيع جميل في أمره.
وفي يوم السبت النصف من هذا الشهر: قبل قاضي القضاة أبو عبيد الله شهادة أبي محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي.
وفي هذه السنة: خوطب أبو منصور ابن جلال الدولة بالملك العزيز، وكان مقيماً بواسط وبه انقرض ملك بن بويه.
ولم يحج الناس في هذه السنة من خراسان والعراق ومصر والشام كثير أحد.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق أبو نعيم الأصبهاني الحافظ سمع الكثير وصنف الكثير وكان يميل إلى مذهب الأشعري ميلاً كثيراً.
أنبأنا محمد بن ناصر، أنبأنا أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب ابن مندة، قال: سمعت أن أبا بكر أحمد بن علي بن ثابت كان يقول: كان أبو نعيم يخلط المسموع له بالمجاز ولا يوضح أحدهما من الآخر، قال أبو زكريا: وسمعت أبا الحسين القاضي يقول: سمعت عبد العزيز النخشبي يقول: لم يسمع أبو نعيم مسند الحارث بتمامه من أبي بكر ابن خلاد فحدث به كله.
توفي أبو نعيم في ثاني عشر محرم من هذه السنة.
الحسن بن أحمد بن محمد بن عمر بن الحسن، أبو محمد المعدل ابن المسلمة ولد في سنة تسع وستين وثلثمائة، وحدث عن محمد بن المظفر. وكان صدوقاً ينزل درب سليم من الجانب الشرقي توفي في صفر هذه السنة.
الحسن بن أحمد بن محمد بن الحسن بن حمزة أبو علي الخطيب البلخي ولد سنة أربع وثلاثين وثلثمائة، وحدث ببغداد، وكان صدوقاً توفي ببلخ في هذه السنة.
الحسن بن جعفر


أبو الفتوح العلوي أمير مكة. توفي في هذه السنة.
الحسن بن الحسين أبو علي الرخجي وزر لمشرف الدولة أبي علي بن بهاء الدولة سنتين ثم عزل وكان في زمان عطلته عظيم الجاه، وتوفي في هذه السنة وقد قارب الثمانين، وكان قد قيل: إن واسط خالية عن مارستان وهي مصر من الأمصار الكبار، وتجاورها البطائح وأعمالها، فاختار موضعاً فجعله مارستاناً وأنفق عليه جملة وافرة وفتح في سنة ثلاث عشرة وحملت إليه الأدوية ورتب له الخزان والأطباء ووقف عليه الوقوف وتولى إثارة أموال فخر الملك أبي غالب من غير ضرب بعصا فاستخرجها بألطف شيء، وكان فخر الدولة قد أودع أقواماً ولحن أسمائهم وكنى عن ألقابهم فكان فيها عند الكوسج اللحياني عشرون ألف دينار وعند بسرة بقمعها ثلاثون ألف دينار فلم يعرف من هذان فدخل عليه رجل كان يتطايب لفخر الملك ويأنس به وكان يلقبه الكوسج اللحياني لكثافة الشعر في أحد عارضيه وخفته في الآخر فدخل إلى الرخجي متظلماً من جار له متقرباً إليه بخدمة فخر الملك فقال له: يا مولانا إنه كان يطلعني فخر الملك على أسراره ويلقبني بالكوسج اللحياني فقال لأصحابه لا تفارقوه إلا بعشرين ألف دينار وتهدده بالعقوبة فحملها بختومها ثم تفكر في قوله عند بسرة بقمعها فقال: هم الصابئ فأحضر هلال بن المحسن فخاطبه سراً وكان هذا أحد كتاب فخر الملك فلم ينكر فقال له: قم أيها الرئيس آمناً ولا تظهر هذا الحديث لأحد وأنفق المال على نفسك وولدك ثم حضر ابن الصابئ على أبي سعد بن عبد الرحيم في وزارته فقال له: قد عرفت ما دار بينك وبين الرخجي وأنت تعلم حاجتي إلى الحبة الواحدة وتاولي على من لا معاملة بيني وبينه ولا يسبقني الرخجي إلى مكرمة وما كنت لأنكب مثلك والصواب أن تشتغل بتاريخ أخبار الناس فاشتغل ابن الصابئ من ذلك الوقت بتاريخه الذي ذيله على تاريخ سنان فاستخدمه الملوك فلم يحتج إلى إنفاق شيء من المال وخلف ولده أبا الحسن غرس النعمة وخلف له أملاكاً نفيسة على نهر عيسى وأنفق مقتصداً في النفقة وعمر الأملاك ولم يطلع أحد من أولاده على حاله وظن أولاده أن تركته تقارب الألف دينار فوجدوا له تذكرة تشتمل على دفائن في داره فحفروها فكانت اثني عشر ألف دينار وكان ما خلفه من القماش وغيره لا يبلغ خمسين ديناراً وأنفق أولاده التركة في أسرع زمان.
الحسين بن محمد بن الحسن بن علي أبو عبد الله المؤدب وهو أخو أبي محمد الخلال سمع أبا حفص بن الزيات وأبا الحسن بن البواب وسافر إلى خراسان فسمع صحيح البخاري من إسماعيل بن محمد بن حاجب الكشميهيني وتوفي في جمادى الأولى في هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب.
عبيد الله بن منصور بن علي بن حبيش، أبو القاسم المقرئ الغزال من أهل الحربية. أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب أنه كان شيخاً صالحاً ثقة ظاهر الخشوع كثير البكاء عند الذكر وأقعد في آخر عمره سألته عن مولده فقال: سنة تسع وأربعين وثلثمائة وتوفي في صفر هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب.
عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن محمد بن بشر، أبو القاسم الواعظ ابن مهران ولد في شوال سنة تسع وثلاثين وسمع النجاد ودعلج بن أحمد والآجري وغيرهم وكان يسكن درب الديوان من الجانب الشرقي بالقرب من جامع المهدي وكان صدوقاً ثبتاً وكان يشهد عند الحكام قديماً ثم ترك الشهادة رغبة عنها وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة وصلى عليه بجامع الرصافة وكان الجمع يفوت الإحصاء ودفن في مقبرة المالكية إلى جانب أبي طالب المكي وصية منه بذلك.
محمد بن الحسين بن خلف، أبو خازم القاضي أبي يعلى ابن الفراء سمع أبا الفضل الزهري وعلي بن عمر السكري وأبا عمر بن حيويه والدارقطني وابن شاهين وغيرهم.
أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر بن علي بن ثابت قال: كتبنا عن أبي خازم وكان لا بأس به رأيت له أصولاً سماعه فيها ثم بلغنا عنه أنه خلط في التحديث بمصر واشترى من الوراقين صحفاً فروى منها وكان يذهب إلى الاعتزال ومات بتنيس في يوم الخميس سابع عشر محرم هذه السنة.
محمد بن الحسين بن علي بن حمدون أبو الحسن اليعقوبي


حدث عن أبي القاسم ابن الصيدلاني وولي القضاء ببعقوباً والحسبة ببغداد وكان ثقة وقتله أبو الشوك أمير الأكراد في ربيع الأول من هذه السنة.
محمد بن عبيد الله أبو بكر الدينوري الزاهد وكان يسكن بغداد ناحية الرصافة وكان حسن العيش وكان أبو الحسن القزويني يقول عبر الدينوري قنطرة خلف من بعده وراءه وكان السلطان جلال الدولة يأتيه فيزوره وسأله يوماً في ضريبة الملح كانت كل سنة ألفي دينار فتركها السلطان وتوفي في ليلة الأحد لسبع بقين من شعبان هذه السنة واجتمع الناس من أقطار البلد وصلي عليه في جامع الرصافة ثم حمل إلى جامع المدينة صلي عليه ثم جامع الحربية أيضاً ودفن في مقبرة باب حرب.
هبة الله بن علي بن جعفر، أبو القاسم ابن ماكولا وزر لجلال الدولة أبي طاهر مراراً وكان حافظاً للقرآن عارفاً بالشعر والأخبار وخنق بهيت في جمادى الآخرة من هذه السنة.
الفضل بن منصور بن الظريف أبو الرضا أخبرنا محمد بن ناصر عن أبي زكريا التبريزي قال: أنشدني أبو العلاء المعري لابن الظريف.
يا قالة الشعر قد نصحت لكم ... ولست أدهى إلا من النصح
قد ذهب الدهر بالكرام وفي ... ذاك أمور طويلة الشرح
وتطلبون النوال من رجل ... قد طبعت نفسه على الشح
وأنتم تمدحون بالحسن وال ... ظرف وجوهاً في غاية القبح
وأنتم تمدحون بالجود وال ... بذل لئاماً في غاية الشح
من أحل ذا تحرمون رزقكم ... لأنكم تكذبون في المدح
صونوا القوافي فما أرى أحداً ... يغتر فيه الرجاء بالنجح
فإن شككتم فيما أقول لكم ... فكذبوني بواحد سمح
ويروى لابن ظريف.
ومخطف الخصر مطبوع على صلف ... عشقته ودواعي البين تعشقه
فكيف أطمع منه في مواصلة ... وكل يوم لنا شمل يفرقه
وقد تسامح قلبي في مساعدتي ... على السلو ولكن من يصدقه
أهابه وهو طلق الوجه مبتسم ... فكيف يطمعني في السيف رونقه
ثم دخلت
سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أن دجلة زادت في يوم وليلة ستة عشر ذراعاً وحملت الجسر قطعة واحدة ومن كان عليه.
وفي ذي القعدة: شغب الأتراك وخرجوا بالخيم إلى شاطئ دجلة واجتمعوا وتفاوضوا في الشكوى من تأخر الأقساط عليهم وامتناع الأقوات على كثير منهم ووقوع الاستيلاء على إقطاعاتهم فعرف السلطان هذا فكاتب دبيس بن علي بن مزيد وأبا الفتح بن ورام وأبا الفوارس بن سعدى للاستظهار بهم في أمر إن غلب وكتب إلى الغلمان رقعة يستعلم السبب فيما فعلوا ويقول فيها قد كان الأولى الاجتماع في دارنا ومطالعتنا بما تشكونه. فأعرضوا عن قراءة الرقعة وتفاوضوا فيما يؤكد الفساد وقالوا نريد أن يتوسط أمرنا الخليفة ثم كمن قوم منهم تحت دار المملكة فنزل قوم وثاوروهم وقتلوا بعضهم وأفلت قوم وألقى وألقى آخرون أنفسهم في دجلة وركب جماعة منهم في ذي الحجة على أن يحيطوا بدار المملكة ويحاصرون من فيها وعبر السلطان فانزعج الناس وبذل لهم السلطان شيئاً معروفاً وقال: إن قنعتم بما بذلنا وإلا فأعطونا قدر ما نحتاج إليه لمؤونتنا وتسلموا جميع المعاملات وإلا اعتزلناكم وعملتم ما تريدون.
فقالوا أقوالاً لا ترجع إلى محصول وزادت البلوى بنهب النواحي فغلا السعر وصار الناس لا يستطيعون الورود من المحول والياسرية والخروج إليها إلا بخفير يأخذ من الماشي دانقين ومن الراكب الحمار أربعة دوانيق وأحرقت عدة دواليب وجرى على السواد في جانبي بغداد من النهب والاجتياح وأخذ العوامل والمواشي ما درسه حتى اإن الخطيب صلى يوم الجمعة يوم عيد الضحى ببراثا وليس وراءه إلا ثلاثة نفر ونودي في جمعة أخرى من أراد الصلاة بجامع براثا فثلاثة أنفس بدرهم خفارة وخرج الملك أبو طاهر لزيارة المشهدين بالحائر والكوفة ومعه أولاده والوزير كمال الملك وجماعة من الأتراك والأتباع فبدأ بالحائر ومشى حافياً من القبر إلى المشهد وزار الكوفة فمشى حافياً من الخندق إلى المشهد فقدر ذلك فرسخ.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر


إسماعيل بن أحمد بن عبد الله أبو عبد الرحمن الضرير الحيري من أهل نيسابور ولد في رجب سنة إحدى وستين وثلثمائة وقدم إلى بغداد حاجاً سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة وحدث عن جماعة وكان فاضلاً عالماً عارفاً فهما ذا أمانة وحذق وديانة وحسن خلق وقرأ عليه الخطيب ببغداد صحيح البخاري بروايته عن أبي الهيثم الكشميهني عن الفربري في ثلاثة مجالس.
بشرى بن مسيس: أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: بشرى بن مسيس أبو الحسن الرومي مولى فاتن مولى المطيع لله كان يذكر أنه أسر من بلاد الروم وهو كبير، قال: وأهداني بعض أمراء بني حمدان الفاتن فعلمني وأدبني وأسمعني الحديث وكان يروي عن محمد بن جعفر بن الهيثم الأنباري ومحمد بن بدر الحمامي ومحمد بن حميد المخرمي وعمر بن محمد الترمذي وسعد بن محمد الصيرفي وأبي بكر بن مالك القطيعي وأحمد بن جعفر بن سلم الختلي وغيرهم من البغداديين والغرباء كتبنا عنه وكان صدوقاً صالحاً ديناً وحدثني أن أباه ورد بغداد سراً ليتلطف في أخذه ورده إلى بلاد الروم فلما رآني على تلك الصفة من الاشتغال بالعلم والمثابرة على لقاء الشيوخ علم ثبوت الإسلام في قلبي ويئس مني فانصرف وكان بشرى ينزل الجانب الشرقي في حريم الخلافة بالقرب من الباب النوبي ومات في يوم عيد الفطر من سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة وكان بوم سبت.
الحسن بن الحسين بن العباس، أبو علي ابن دوما سمع أبا بكر الشافعي وخلقاً كثيراً وأكثر من السماع وذكر الخطيب أنه ألحق سماعه في جزء قال المصنف رحمه الله ومن الجائز أن يكون قد عارضه بأصل فيه سماعه. توفي في هذه السنة.
عبد الغالب بن جعفر بن الحسن أبو معاذ الضراب سمع ابن شاهين والكتاني قال الخطيب: كتبت عنه وكان عبداً صالحاً صدوقاً. توفي في شعبان هذه السنة.
محمد بن أحمد بن عبد الله بن إبراهيم أبو الحسن الجواليقي مولى بني تميم من أهل الكوفة. سمع إبراهيم بن عبد الله بن أبي العزائم وجعفر بن محمد الأحمسي وخلقاً كثيراً وقدم بغداد وحدث بها وكان ثقة وتوفي بمصر في هذه السنة.
محمد بن علي بن أحمد بن يعقوب بن مروان أبو العلاء الواسطي ولد في صفر سنة تسع وأربعين وثلثمائة أصله من فم الصلح ونشأ بواسط وحفظ بها القرآن وقرأ على شيوخها وكتب بها الحديث ثم قدم بغداد فسمع ورحل إلى الكوفة والدينور ثم عاد واستوطن بغداد وقبلت شهادته عند الحكام ورد إليه القضاء بالحريم من شرقي بغداد بالكوفة وغيرها من شقي الفرات وكان قد جمع الكثير من الحديث وقد قدح في روايته القراآت جماعة من القراء وفي روايته الحديث جماعة من المحدثين. توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن في داره، رحمة الله تعالى عليه.
ثم دخلت
سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أن الغز نزلوا الري وانصرف مسعود بن محمود بن سبكتكين إلى غزنة وعاد طغرل بك إلى نيسابور واستولت الغز على جميع خراسان وظهر من خرقهم الهيبة واطراحهم الحشمة وقتلهم الناس ما خرج عن الحد وقصدوا خلقاً كثيراً من الكتاب وغيرهم فقتلوا منهم وصانعهم بعضهم.
وفي يوم الأربعاء لثمان خلون من جمادى الأولى: تجددت الفتن ووقع القتال بين أهل الكرخ وباب البصرة على القنطرتين واستمر ذلك وقتل في أثنائه جماعة وكان السبب انخراق الهيبة وقلة الأعوان.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
الحسن بن عبد الله، بن محمد بن الحسين، أبو علي المقرئ الصفار سمع من ابن مالك القطيعي وغيره وكان ثقة يسكن نهر القلائين توفي في ربيع الأول من هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب.
صاعد بن محمد، أبو العلاء النيسابوري الاستوائي من أهل استواء وهي قرية من رستاق نيسابور. سمع الحديث بنيسابور وولي قضاءها ثم عزل وكان عالماً فاضلاً صدوقاً انتهت إليه رياسة أصحاب الرأي بخراسان وتوفي في هذه السنة.
محمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن إسحاق أبو المظفر القرينيني وقرينين ناحية من نواحي مرو: سكن بغداد وحدث بها عن المخلص وغيره وكان صدوقاً ثقة يذهب مذهب الشافعي وتوفي بناحية شهرزور في ذي القعدة من هذه السنة.
محمد بن الحسن بن الفضل بن العباس أبو يعلى البصري الصوفي


أذهب عمره في السفر والتغرب وقدم بغداد في سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة فحدث بها عن أبي بكر بن أبي الحديد الدمشقي وأبي الحسين بن جميع الغساني وكان صدوقاً ظريفاً من أهل الأدب والفضل حسن الشعر.
ثم دخلت
سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أنه دخل أبو كاليجار همذان ودفع الغز عنها. وأن الأتراك شغبوا في جمادى الآخرة وتبسطوا في أخذ ثياب الناس وخطف ما يرد إلى البلد وغرقوا امرأتين من نساء أصحاب المسالح وكثر الهرج إلى أن وعدوا بإطلاق أرزاقهم.
وفي شوال: سقطت قنطرة بني زريق على نهر عيسى والقنطرة العتيقة التي تقاربها وورد رجل من البلغر ذكر أنه من كبار القوم في خمسين رجلاً قاصداً للحج فروعي من ذار الخلافة بنزل يحمل إليه وكان معه رجل يعرف بيعلى ابن إسحاق الخوارزمي ويدعى بالقاضي فسئل في الديوان عن البلغر من أي الأمم هم فقال: هم قوم تولدوا من بين الترك والصقالبة وبلادهم في أقصى بلاد الترك وكانوا كفاراً ثم ظهر فيهم الإسلام وهم على مذهب أبي حنيفة ولهم عيون تجري في أنهار وزروعهم على المطر وعندهم كورات العسل وحكى أن الليل يقصر عندهم حتى يكون ست ساعات وكذلك النهار.
وفي هذه السنة: قرئ الاعتقاد القادري في الديوان.


أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ حدثنا أبو الحسين محمد بن محمد بن الفراء قال: أخرج الإمام القائم بأمر الله أمير المؤمنين أبو جعفر ابن القادر بالله في سنة نيف وثلاثين وأربعمائة الاعتقاد القادري الذي ذكره القادر فقرئ في الديوان وحضر الزهاد والعلماء وممن حضر الشيخ أبو الحسن علي بن عمر القزويني فكتب خطة تحته قبل أن يكتب الفقهاء وكتب الفقهاء خطوطهم فيه أن هذا اعتقاد المسلمين ومن خالفه فقد فسق وكفر وهو، يجب على الإنسان أن يعلن أن الله عز وجل وحده لا شريك له لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولم يكن له شريك في الملك وهو أول لم يزل وآخر لا يزال قادر على كل شيء غير عاجز عن شيء إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون غني غير محتاج إلى شيء لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم يطعم ولا يطعم لا يستوحش من وحدة ولا يأنس بشيء وهو الغني عن كل شيء لا تخلفه الدهور والأزمان وكيف تغيره الدهور والأزمان وهو خالق الدهور والأزمان والليل والنهار والضوء والظلمة والسموات والأرض وما فيها من أنواع الخلق والبر والبحر وما فيهما وكل شيء حي أو موات أو جماد كان ربنا وحده لا شيء معه ولا مكان يحويه فخلق كل شيء بقدرته وخلق العرش لا لحاجته إليه فاستوى عليه كيف شاء وأراد لا استقرار لراحة كما يستريح الخلق وهو مدبر السموات والأرضين ومدبر ما فيهما ومن في البر والبحر ولا مدبر غيره ولا حافظ سواه يرزقهم ويمرضهم ويعافيهم ويميتهم ويحييهم والخلق كلهم عاجزون والملائكة والنبيون والمرسلون والخلق كلهم أجمعون وهو القادر بقدرة والعالم بعلم أزلي غير مستفاد وهو السميع بسمع والمبصر ببصر يعرف صفتهما من نفسه لا يبلغ كنههما أحد من خلقه متكلم بكلام لا بآلة مخلوقة كآلة المخلوقين لا يوصف إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به نبيه عليه السلام وكل صفة وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم فهي صفة حقيقية لا مجازية ويعلم أن كلام الله تعالى غير مخلوق تكلم به تكليماً وأنزله على رسوله صلى الله عيه وسلم على لسان جبريل بعدما سمعه جبريل منه فتلاه جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم وتلاه محمد على أصحابه وتلاه أصحابه على الأمة ولم يصر بتلاوة المخلوقين مخلوقاً لأنه ذلك الكلام بعينه الذي تكلم الله به فهو غير مخلوق فبكل حال متلواً ومحفوظاً ومكتوباً ومسموعاً ومن قال أنه مخلوق على حال من الأحوال فهو كافر حلال الدم بعد الاستتابة منه ويعلم أن الإيمان قول وعمل ونية وقول باللسان وعمل بالأركان والجوارح وتصديق به يزيد وينقص يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وهو ذو أجزاء وشعب فأرفع أجزائه لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من شعب الإيمان والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد والإنسان لا يدري كيف هو مكتوب عند الله ولا بماذا يختم له فلذلك يقول مؤمن إن شاء الله وأرجو أن أكون مؤمناً ولا يضره الاستئناء والرجاء ولا يكون بهما شاكاً ولا مرتاباً لأنه يريد بذلك ما هو مغيب عنه عن أمر آخرته وخاتمته وكل شيء يتقرب به إلى الله تعالى ويعمل لخالص وجهه من أنواع الطاعات فرائضه وسننه وفضائله فهو كله من الإيمان منسوب إليه ولا يكون للإيمان نهاية أبدا لأنه لا نهاية للفضائل ولا للمتبوع في الفرائض أبداً ويجب أن يحب الصحابة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم ونعلم أنهم خير الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن خيرهم كلهم وأفضلهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ويشهد للعشرة بالجنة ويترحم على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن سب سيدتنا عائشة رضي الله عنها فلا حظ له في الإسلام ولا يقول في معاوية رضي الله عنه إلا خيراً ولا يدخل في شيء شجر بينهم ويترحم على جماعتهم، قال الله تعالى: " والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم " وقال فيهم: " ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين " ولا يكفر بترك شيء من الفرائض غير الصلاة المكتوبة وحدها فإنه من تركها من غير عذر وهو صحيح فارغ حتى يخرج وقت الأخرى فهو كافر وإن لم يجحدها


لقوله صلى الله عليه وسلم بين العبد والكفر ترك الصلاة فمن تركها فقد كفر ولا يزال كافراً حتى يندم ويعيدها فإن مات قبل أن يندم ويعيد أو يضمر أن يعيد لم يصل عليه وحشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف وسائر الأعمال لا يكفر بتركها وإن كان يفسق حتى يجحدها، ثم قال: هذا قول أهل السنة والجماعة الذي من تمسك به كان على الحق المبين وعلى منهاج الدين والطريق المستقيم ورجى به النجاة من النار ودخول الجنة إن شاء الله تعالى وقال النبي صلى الله عليه وسلم وعلم الدين النصيحة قيل لمن يا رسول الله قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين ولعامتهم وقال عليه السلام: أيما عبد جاءته موعظة من الله تعالى في دينه فإنها نعمة من الله سيقت إليه فإن قبلها يشكر وإلا كانت حجة عليه من الله ليزداد بها إثماً ويزاد بها من الله سخطاً جعلنا الله لآلائه من الشاكرين ولنعمائه ذاكرين وبالسنة معتصمين وغفر لنا ولجميع المسلمين.وله صلى الله عليه وسلم بين العبد والكفر ترك الصلاة فمن تركها فقد كفر ولا يزال كافراً حتى يندم ويعيدها فإن مات قبل أن يندم ويعيد أو يضمر أن يعيد لم يصل عليه وحشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف وسائر الأعمال لا يكفر بتركها وإن كان يفسق حتى يجحدها، ثم قال: هذا قول أهل السنة والجماعة الذي من تمسك به كان على الحق المبين وعلى منهاج الدين والطريق المستقيم ورجى به النجاة من النار ودخول الجنة إن شاء الله تعالى وقال النبي صلى الله عليه وسلم وعلم الدين النصيحة قيل لمن يا رسول الله قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين ولعامتهم وقال عليه السلام: أيما عبد جاءته موعظة من الله تعالى في دينه فإنها نعمة من الله سيقت إليه فإن قبلها يشكر وإلا كانت حجة عليه من الله ليزداد بها إثماً ويزاد بها من الله سخطاً جعلنا الله لآلائه من الشاكرين ولنعمائه ذاكرين وبالسنة معتصمين وغفر لنا ولجميع المسلمين.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
بهرام بن مافنة، أبو منصور وزير الملك أبي كاليجار ولد بكازرون سنة ست وستين وثلثمائة ونشأ عفيفاً وعمل بفيروز اباذ خزانة كتب تشتمل على سبعة آلاف مجلد فيها أربعة آلاف ورقة بخط أبي علي وأبي عبد الله ابني مقلة.
الحسين بن بكر بن عبيد الله بن محمد بن عبيد الله، أبو القاسم ولد سنة خمسين وثلثمائة وسمع أبا بكر بن مالك القطيعي وغيره وكان ثقة مقبول القول والشهادة عند القضاة وخلفه القاضي أبو محمد الأكفاني على عمله بالكرخ وتوفي في رمضان هذه السنة.
محمد بن أحمد بن عبد الله، أبو بكر المؤدب الأعور ابن أبي العباس الصابوني سمع أبا بكر ابن القطيعي وأحمد بن إبراهيم بن شاذان وأبا القاسم بن حبابة وكان سماعه صحيحاً وتوفي في شوال هذه السنة.
محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن جعفر بن هارون، أبو الحسن ابن أبي شيخ حدث عن محمد بن المظفر وكان ثقة من الشهود المعدلين.
أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال: سمعت ابن أبي شيخ يقول ولدت يوم السبت للنصف من ربيع الآخر سنة ست وخمسين وسمعت من ابن مالك القطيعي جميع مسند أحمد بن حنبل وسمعت من ابن المظفر شيئاً كثيراً وذكر أنه كتب له شيء كثير من الحديث ولكن ذهبت كتبه ومات في ليلة الثلاثاء السادس عشر من جمادى الأولى من سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة ودفن في صبيحة تلك الليلة بمقابر قريش.
محمد بن جعفر، أبو الحسين الجهرمي أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال: هو أحد الشعراء الذين لقيناهم وسمعنا منهم وكان يجيد القول ولد في سنة ثمان وخمسين وثلثمائة ومسكنه دار القطن ومات يوم السبت التاسع عشر من جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة ومن شعره:
يا ويح قلبي من تقلبه ... أبداً يحن إلى معذبه
قالوا كتمت هواه عن جلد ... لو أن لي جلداً لبحت به
بأبي حبيب غير مكترث ... عني ويكثر من تعتبه
حسبي رضاه من الحياة ويا ... قلقي وموتي من تغضبه
مسعود بن محمود بن سبكتكين توفي وقام أخوه مقامه وخرج مود ود بن مسعود على عمه محمد فقبض عليه وعاد إلى غزنة واستتب له الأمر.
بنت التقي لله


توفيت في الحريم الطاهري في رجب هذه السنة عن إحدى وتسعين سنة ودفنت في التربة بالرصافة.
ثم دخلت
سنة أربع وثلاثين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أن الجوالي افتتحت في أول المحرم فأنفذ الملك أبو طاهر من منع أصحاب الخليفة عنها وأخذ ما استخرجوه منها وأقام فيها من يتولى جبايتها وشق على الخليفة ذلك وترددت فيه المراسلات ولم تنفع فأظهر العزم على مفارقة البلد وتقدم بإصلاح الطيار والزبازب وروسل وجوه الأطراف والقضاة والفقهاء والشهود بالتأهب للخروج في الصحبة وتحدث بأن الخليفة قد عمل على غلق الجوامع ومنع الصلاة يوم الجمعة سابع هذا الشهر.
قال أبو الحسن علي بن محمد الماوردي خرج التوقيع من الخليفة وكنت أنا الرسول فنفذ لعلي بن محمد بن حبيب ليس يختل على ذي عقل غلط ما أباه جلال الدولة من عدوله عن عهوده والوفاء بعقوده وأن الأيمان المؤكدة اشتملت على ما لا فسيحة في نقضه ولا سبيل إلى حله وفيما جرى من الاعتراض على الجوالي في جبايتها بعد تسليمها إلى الوكلاء نقض لما عقده والتعويل على عهده فانطلقت الألسن بما يصان عن مثله فان ذكر أن ضرورة دعت إلى ذاك قالا راسلنا على الوجه الأجمل ولو أنه لما أراد ما أراد جعل الوكلاء القائمين به يحملونه إليه لكان ذلك أولى فأما العدول عن هذه الطريقة فظاهر الغرض قصداً لومقين ولولا ما عليه الوكلاء من الإضافة، نرى ترك القول في مال هذه الجوالي مع نزارة قدره لكن للضرورة حكماً تمنع من الاختيار وإن روعي الوكلاء يدفعون أيامهم وإلا فلهم عند الضرورات متسع في الأرض ونحن نقاضيه إلى الله تعالى وهو الحكم بيننا. فكان الجواب من الملك الاعتراف بوجوب الطاعة ثم قال : ونحن نائبون عن الخدمة نيابة لا تنتظم إلا بإطلاق أرزاق العساكر وقد التجأ جماعة ممن خدمنا إلى الحريم واستعصم به حتى أن أحدهم أخذ من تلاعنا في دفعة واحدة تسعمائة بدرة ونحن نمنع من إحضارها ونحن محذورون عند الحاجة. وورد كتاب أبي جعفر ابن الرقي العلوي النقيب بالموصل بتاريخ تاسع وعشرين جمادى الأولى بما قال فيه. وردت الأخبار الصحيحة بوقوع زلزلة عظيمة بتبريز هدمت قلعتها وسورها ودورها ومساكنها وحماماتها وأسواقها وأكثر دار الإمارة وخلص الأمير لكونه كان في بعض البساتين وسلم جنده لأنه كان قد أنفذهم إلى أخيه وأنه أحصى من هلك تحت الهدم فكانوا قريباً من خمسين ألف إنسان وأن الأمير لبس السواد وجلس على المسوح لعظم هذا المصاب وأنه أجبر على الصعود إلى بعض قلاعه والتحصن بها خوفاً من توجه الغز إلى بلد وهم الترك.
وفي هذه السنة: استولى طغرل بك على نيسابور وأنفذ أخاه إبراهيم بن يوسف المعروف بينال فأخذ الري والجبل.
وولي القضاء بواسط أبو القاسم علي بن إبراهيم بن غسان.
وفيها: فرغ من عمل القنطرة على فوهة نهر ملك عملها دبيس بن علي.
وفيها: ملك ثمال بن صالح بن مرداس حلب فأنفذ المصريون إليه من حاربه.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
حسين بن عمر بن محمد بن عبد الله، أبو عبد الله ابن القصاب سمع ابن مالك القطيعي والدارقطني وكان صدوقاً وتوفي في رجب هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب.
الحسين بن يحيى بن عياش، أبو عبد الله القطان التمار ولد في رجب سنة تسع وثلاثين وثلثمائة وسمع الحسن بن عرفة وغيره، روى عنه الدارقطني ويوسف القواس وأبو عمر بن مهدي وابن مخلد وهلال الخفار وكان ثقة وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن عند قبر معروف.
عبيد الله بن عبد العزيز بن جعفر أبو القاسم البرذعي سمع محمد بن عبيد الله بن الشخير. روى عن ابن المظفر. قال الخطيب: كتبت عنه وكان صدوقاً وسألته عن مولده فقال: ولدت في مدينة أبي جعفر في دار القاضي أبي بكر بن الجعابي في سنة ثلاث وستين وثلثمائة وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة.
عبد الودود بن عبد المتكبر بن هارون بن محمد بن عبيد الله بن المهتدي ولد في سنة أربعين وثلثمائة حدث عن أبي بكر الشافعي وتوفي في شعبان هذه السنة ودفن بقرب القبة الخضراء.
عبد الله بن أحمد بن محمد أبو ذر الهروي


سافر الكثير وحدث وخرج إلى مكة فسكنها مدة ثم تزوج في المغرب وأقام بالسروات وكان يحج كل عام ويقيم بمكة أيام الموسم ويحدث ويرجع إلى أهله وكان ثقة ضابطاً فاضلاً وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة وقيل أنه كان يميل إلى مذهب الأشعري.
محمد بن الحسين بن محمد بن جعفر، أبو الفتح الشيباني العطار قطيط سافر الكثير إلى البصرة ومكة ومصر والشام والجزيرة وبلاد الثغور وبلاد فارس وحدث عن أبي الفضل الزهري وابن المظفر وابن شاهين وغيرهم وكان شيخاً ظريفاً مليح المحاضرة يسلك طريق التصوف وكان يقول لما ولدت سميت قطيطاً على أسماء أهل البادية ثم سماني بعض أهلي محمداً. وتوفي في هذه السنة.
أبو الحسن بن سفر يشوع المهندس صاحب علم الهيئة توفي في هذه السنة.
ثم دخلت
سنة خمس وثلاثين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أنه ردت الجوالي على وكلاء الخدمة وسافر طغرل بك إلى الجبل وورد كتابه على جلال الدولة أبي طاهر من الري وكان أصحابه قد أخربوها ولم يبق منها لا غير ثلاثة ألف نفس وسدت أبواب المساجد وخاطب طغرل بك جلال الدولة بالملك الجليل فخاطبه جلال الدولة بالملك الجليل وخاطب عميد الدولة بالشيخ الأجل الرئيس أبي طالب محمد بن أيوب، من طغرل بك محمد بن ميكائيل ولي أمير المؤمنين فخرج التوقيع إلى أقضى القضاة الماوردي وروسل به طغرل بك برسالة تتضمن تقبيح ما فعل في البلاد ويأمره بالإحسان إلى الرعية فمضى الماوردي وخرج طغرل بك فتلقاه على أربعة فراسخ إجلالاً لرسالة الخليفة.
وأرجف بموت أبي طاهر جلال الدولة إرجافاً لورم لحقه في كبده وانزعج الناس ونقلوا أموالهم إلى دار الخلافة وما زال الإرجاف حتى خرج الملك فجلس على كرسي فرآه الناس فسكتوا ثم توفي وغلقت الأبواب وخرج الأمراء أولاده فأطلعوا من الروشن على الأتراك والاصبهلارية وقالوا لهم: أنتم أصحابنا ومشايخ دولتنا وقائمون مقام والدنا فارعوا حقوقنا وصونوا حريمنا فإنكم تعلمون أنه لا مال عندنا فقبلوا الأرض وبكوا بكاء شديداً وقالوا: السمع والطاعة وكان ابنه الملقب بالملك العزيز بواسط فأنشئت إليه تعزية من الديوان وأجاب ثاني العيد.
وفي هذه السنة: دخل الغز الموصل وأخذوا حرم قرواش وأفسدوا فيها ووصل أبو البركات ربيب أبي جعفر السمناني إلى الخليفة مستنفراً عليهم ثم ورد الشريف أبو الحسن بن جعفر النسابة هارباً فاجتمع قرواش بن المقلد ودبيس بن علي بن مزيد على الإيقاع بالغز فقتلت منهم مقتلة عظيمة وخطب في بغداد للملك أبي كاليجار.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
الحسين بن عثمان بن أحمد بن سهل بن أحمد بن عبد العزيز، يكنى أبا سعد ابن أبي دلف العجلي رحل في طلب الحديث إلى أصبهان والري وبلاد خراسان ثم أقام ببغداد وحدث.
أخبرنا القزاز أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: كتبنا عنه وكان صدوقاً متنبهاً وانتقل في آخر عمره إلى مكة فسكنها حتى مات بها في شوال هذه السنة.
عبيد الله بن أبي الفتح، واسمه أحمد بن عثمان بن الفرج بن الأزهر أبو القاسم الصيرفي وهو الأزهري ابن السوادي أخبرنا القزاز أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: ذكر لي عبيد الله أن جده عثمان كان من أهل اسكاف قدم بغداد فاستوطنها فعرف بالسوادي وجده لأمه يعرف بالدبثائي سمع ابن مالك القطيعي وأبا محمد بن ماسي وأبا سعيد الخرقي وأبا حفص بن الزيات ومن يطول ذكره وكان أحد المكثرين من الحديث كتابة وسماعاً من المعتنين به والجامعين له مع صدق وأمانة وصحة واستقامة وسلامة مذهب وحسن معتقد ودوام درس للقرآن وسمعنا منه المصنفات الكبار والكتب الطوال وكان يسكن درب الآجر من نهر طابق وسمعته يقول: ولدت يوم السبت التاسع من صفر سنة خمس وثلاثين وأربعمائة ودفن من الغد في تربة كانت له آخر درب الآجر مما يلي نهر عيسى وكان مدة عمره ثمانين سنة وعشرة أيام.
أبو طاهر جلال الدولة


ولد في ذي الحجة سنة ثلاث وثمانين وثلثمائة وكان يزور الصالحين ويتبرك بهم ويقصد القزويني والدينوري وسأله الدينوري في ضريبة الملح فأسقطها وكانت في كل سنة ألفي دينار ولحقه ورم في كبده وتوفي في ليلة الجمعة خامس شعبان من هذه السنة وغسله أبو القاسم بن شاهين الواعظ وأبو محمد وعبد القادر بن السماك ودفن في بيته من دار المملكة في بيت كان دفن فيه عضد الدولة وبهاء الدولة قبل نقلهما وكانت ولايته لبغداد ست عشرة سنة وأحد عشر شهراً وخلف من الذكور ستة وخمس عشرة أنثى وكان عمره إحدى وخمسين سنة وأشهراً.
ثم دخلت
سنة ست وثلاثين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أنه جاء مطر في شعبان فيه رعد فوقعت رجفة عقيب الرعد وكان في الصحراء غلام يرعى فرساً ومهراً فماتوا في الوقت ولحقت ثلاثة أنفس كانوا على بعد منها مثل الغشي فأفاقوا بعد عتمة.
وفي سادس رمضان نقل تابوت جلال الدولة وبنته الكبرى من دار المملكة إلى تربة لهم في مقابر قريش.
وفي يوم الخميس ثالث عشر رمضان حمل الطيار الجلالي إلى باب دار المملكة بعد مخاطبات جرت من أجله ومراجعات فيما استجد من صفره وآلاته فقال الملك: إننا نزلنا عنه لدار الخلافة وهذا طيار جليل لم يعمل مثله وكان جلال الدولة قد أنفق عليه عشرة آلاف دينار، ودخل أبو كاليجار بغداد وصرف أبو المعالي بن عبد الرحيم عن الوزارة موقراً وفي يوم الجمعة رابع عشر هذا الشهر استقر النظر في الوزارة للوزير ذي السعادات أبي الفرج محمد بن جعفر بن العباس بن فسانجس وقيل للأتراك، اعترفوا له حقه.
وتوفي المرتضى فتقلد أبو أحمد عدنان ابن الرضي ما كان يتقلده عمه المرتضى.
وتوفي الوزير الجرجرائي بمصر فوزر أبو نصر أحمد بن يوسف وكان يهودياً فأسلم.
وأحدث أبو كاليجار ضرب الطبل في الصلوات الخمس ولم يكن الملوك يضرب لها الطبل ببغداد فأكرم عضد الدولة بأن ضرب له فيها ثلاث نوب وجعلها أبو كاليجار خمساً.
وفي هذه السنة: نظر رئيس الرؤساء أبو القاسم ابن مسلمة في كتابه القائم وكان عنده في منزل عالية.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
الحسين بن علي بن محمد بن جعفر أبو عبد الله الصيمري منسوب إلى نهر من أنهار البصرة يقال له الصيمر عليه عدة قرى. ولد سنة إحدى وخمسين وثلثمائة وكان أحد الفقهاء المذكورين من العراقيين حسن العبارة جيد النظر ولي قضاء المدائن ثم ولي القضاء بربع الكرخ وحدث عن أبي بكر المفيد وابن شاذان وعن ابن شاهين وغيرهم وكان صدوقاً وافر العقل جميل المعاشرة عارفاً بحقوق العلماء وتوفي في شوال هذه السنة ودفن في داره بدرب الزرادين.
طاهرة بنت أحمد بن يوسف الأزرق التنوخية ولدت سنة تسع وخمسين وثلثمائة وسمعت من أبي محمد بن ماسي وجماعة وتوفيت بالبصرة في هذه السنة.
عبد الوهاب منصور بن أحمد، أبو الحسين ابن المشتري الأهوازي كان له قضاء الأهواز ونواحيها وكانت له منزلة عند السلطان وكان كثير المال مفضلاً على طائفة من أهل العلم وكان ينتحل مذهب الشافعي وكان صدوقاً توفي في ذي القعدة من هذه السنة بالأهواز.
علي بن الحسن بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب


ولد سنة خمس وخمسين وثلثمائة وهو أكبر من أخيه الرضي وكان يلقب بالمرتضى ذي المجدين وكانت له نقابة الطالبيين وكان يقول الشعر الحسن وكان يميل إلى الاعتزال ويناظر عنده في كل المذاهب وكان يظهر مذهب الإمامية ويقول فيه العجب وله تصانيف على مذهب الشيعة فمنها كتابهم الذي ذكر فيه فقههم وما انفردوا به نقلت منه مسائل من خط أبي الوفاء بن عقيل وأنا أذكرها ها هنا شيئاً منها فمنها لا يجوز السجود على ما ليس بأرض ولا من نبات الأرض كالصوف والجلود والوبر، وإن الاستجمار لا يجزي في البول بل في الغائط وإن الكتابيات حرام، وإن الطلاق المعلق على شرط لا يقع وإن وجد شرطه، وإن الطلاق لا يقع إلا بحضور شاهدين عدلين، ومتى حلف أن فعل كذا فامرأته طالق لم يكن يميناً، وأن النذر لا ينعقد إذا كان مشروطاً بقدوم مسافر أو شفاء مريض، وإن من نام عن صلاة العشاء إلى أن يمضي نصف الليل وجب عليه إذا استيقظ القضاء وأن يصبح صائماً كفارة لذلك، وأن المرأة إذا جزت شعرها فعليها كفارة قتل الخطأ، وأن من شق ثوبه في موت ابن له أو زوجة فعليه كفارة يمين، وأن من تزوج امرأة ولها زوج وهو لا يعلم لزمه أن يتصدق بخمسة دراهم، وأن قطع السارق من أصول الأصابع، وأن ذبائح أهل الكتاب محرمة واشترطوا في الذبح استقبال القبلة، وكل طعام تولاه اليهود أو النصارى أو من قطع بكفره فحرام أكله،وهذه مذاهب عجيبة تخرق الإجماع وأعجب منها ذم الصحابة.


أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ أخبرنا أبو الفضل أحمد بن الحسين بن خيرون المعدل أنه نسخ من نسخة ذكرنا ناسخها أنه كتبها عن المرتضى من تأليفه وكلامه قال المرتضى: سألني الرئيس الأجل عن السبب في نكاح أمير المؤمنين بنته عمر بن الخطاب فكيف صح ذلك مع اعتقاد الشيعة الإمامية في عمر أنه على حال لا يجوز معها إنكاحه قال: وأنا أذكر من الكلام في ذلك جملة كافية: اعلم أن الزيدية القائلين بالنص على أمير المؤمنين بالإمامة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم يذهبون إلى أن رفع النص فسق يستحق به فاعله الخلود في نار جهنم وليس يكفر والفاسق يجوز إنكاحه والنكاح إليه بخلاف الكافر ويبقى الكلام مع الإمامية الذين يذهبون إلى أن رفع النص كفر ويسألون عن ذلك مسائل منها إنكاح النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان بنتيه واحدة بعد واحدة وذلك مع القول بأنه يكفر بجحد النص على أمير المؤمنين غير جائز وليس لكم أن تقولوا جحد النص إنما كان بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فهو غير مناف كما وقع في حياته لأن رفع النص إذا كان كفراً والكافر عندكم لا يجوز أن يقع منه الإيمان متقدم بل المستقر في مذاهبهم أن من آمن بالله طرفة عين لا يجوز أن يكفر بعد إيمانه فعلى هذا المذهب أن كل من كفر بدفع النص لا يجوز أن يكون له حالة إيمان متقدمة وإن أظهر الإيمان فهو مبطن لخلافه والمسألة لازمة مع هذا التحقيق. ومن مسائلهم أيضاً أن عائشة إذا كانت بقتالها أمير المؤمنين قد كفرت ويدفعها أيضاً إمامته وكانت حفصة أيضاً شريكتها مع إنكار إمامته والاختلاف عليه فقد اشتركتا في الكفر وعلى مذاهبهم لا يجوز أن يكون الإيمان واقعاً في حالة متقدمة ممن كفر ومات على كفر وكيف ساغ للنبي صلى الله عليه وسلم أن ينكحهما وهما في تلك الحال غير مؤمنتين ومن المسائل تزويج أمير المؤمنين علي من عمر بن الخطاب وتحقيق الكلام في ذلك كتحقيقه في عثمان قال المرتضى: والجواب أن نكاح الكافرة ونكاح الكافر لا يدفعه العقل وليس في مجرده ما يقتضي قبيحه وإنما يرجع في قبيحه أو حسنه إلى أدلة السمع ولا شيء أوضح وأدل على الأحكام من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أو فعل أمير المؤمنين فإذا رأيناهما قد نكحا وأنكحا إلى من ذكرت حاله وفعلهما حجة وما لا يقع إلا صحيحاً صواباً قطعنا على جواز ذلك وأنه غير قبيح ولا محظور وبعد فليست حال عثمان ونكاحه بنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحال نكاح عائشة وحفصة كحال عمر في نكاح بنت أمير المؤمنين لأن عثمان كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لم يظهر منه ما ينافي الإيمان وإنما كان مظهراً بغير شك الإيمان وكذلك عائشة وحفصة وعمر في حال نكاح بنت أمير المؤمنين كان مظهراً من جحد النص ما هو كفر والحال مفترقة فإذا قيل واي انتفاء الآن بإظهار الإيمان والنبي صلى الله عليه وسلم يقطع على كفره مظهراً في الباطن لأنه إذا علم أنه سيظهر ممن أظهر الإيمان في تلك الأحوال كفر ويموت عليه فلا بد أن يكون في الحال قاطعاً على أن الإيمان المظهر إنما هو نفاق كان الباطن بخلافه وقد عدنا إلى أنه أنكح ونكح مع القطع على الكفر، قلنا غير ممنوع أن يكون عليه السلام في حال نكاح عثمان لم يكن الله أطلعه على أنه سيجحد النص بعده فإن ذلك مما لا يجب الاطلاع عليه ثم إذا ظهر في مذاهب الإمامية أنه عليه السلام كان مطلعاً على ذلك فليس معنا تاريخ بوقت اطلاعه ويجوز أن يكون عليه السلام إنما علم ذلك بعد الإنكاح أبو بعد موت المرأتين المنكوحتين وكذلك القول في عائشة وحفصة يجوز أن يكون ما علم بأحوالهما إلا بعد النكاح لهما فإذا قيل فكان يجب أن يفارقهما بعد العلم بما لا يجوز استمرار الزوجية معه أمكن أن يقال ليس معنا قطع على أنه عليه السلام أعلم أن المرأتين يجحدان النص فإن ذلك مما لم ترد به رواية وأكثر ما وردت به الرواية وإن كانت من جهة الآحاد ومما لا يقطع بمثله أنه عليه السلام قال: ستقاتلينه وأنت ظالمة له وهذا إذا صح وقطع عليه أمكن أن يقال فيه إن محض القتال ليس بكفر وإنما يكون كفراً إذا وقع على سبيل الاستحلال له والجحود لإمامته ونفي فرض طاعته وإذا جاز أن يكون عليه السلام لم يعلم بأكثر من مجرد القتال الذي يجوز أن يكون فسقاً أو يجوز أن يكون كفراً فلا يجب أن يكون قاطعاً على نفاق في الحال لأن


الفاسق في المستقبل لا يمتنع أن يتقدم من الإيمان وهذه المحاسبة والمناقشة لم تمض في كتب أحد من أصحابنا وفيها سقوط هذه المسألة على أنا إذا سلمنا على أشد الوجوه أنه عليه السلام علم أنهما في الحال على نفاق وعلم أيضاً في عثمان مثل ذلك في حال إنكاحه لا بعد ذلك جاز أن يقول أن نكاح المنافق وإنكاحه جائز في الشريعة ولا يجب أن يجري المنافق مجرى مظهر الكفر ومعلنه وإذا جاز أن تفرق الشريعة بين الكافر الحربي والمرتد وبين الذمي في جواز النكاح فتقبح نكاح الذمية عند مخالفينا كلهم مع اختيار وعند مرافقينا مع الضرورة وفقد المؤمنات ولا نبيح نكاح الحربية على كل حال جاز أن يفرق بين مظهر الكفر ومبطنه في جواز النكاح وإذا فرقت الشريعة بين نكاح الذمي والنكاح إليه جاز الفرق بين المظهر للكفر والمنافق في جواز إنكاحه والشيعة الإمامية تقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرف جماعة من المنافقين بأعيانهم ويقطع على أن في بواطنهم الكفر بدلالة قوله تعالى: " ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره " ومحال أن يتعبده بترك الصلاة والقيام على قبره إلا وقد عينه تعالى له عليه السلام وبدلالة قوله تعالى: " ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول " وإذا كان عليه السلام عارفاً بأحوال المنافقين ومميزاً لهم من غيرهم ومع هذا فما رأيناه فرق بين أحد منهم وبين زوجته ولا خالف بين أحكامهم وأحكام المؤمنين وكان على الظاهر يعظمهم كما يعظم المؤمنين الذين لا يطلع على نفاقهم فقد بان أن الشريعة قد فرقت بين مظهر الكفر ومبطنه في هذه الأحكام فإن قيل أفيجوز أن يكون نكح وأنكح من يعلم خبث باطنه؟ قلنا فعله ذلك يقتضي أنه مباح غير أننا نبعد أن ينكح أحدنا غيره مع قطعه على أنه عدو في الدين. وإن جاز أن تبيح ذلك الشريعة والأشبه أن يكون عليه السلام إذا فرضنا أنه عالم بخبث باطن من أنكحه في الحال أن يكون إنما فعل ذلك لتدبير وسياسة وتألف وإلا فمع الإيثار وارتفاع الأسباب لا يجوز أن يفعل ذلك ومن حمل نفسه من عقلة أصحابنا على أن دفع كون رقية وزينب بنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحقيقة وإنهما بنتا خديجة من ابن أبي هالة دافع ظاهراً معلوماً لأن العلم بذلك كالعلم بغيره من الأمور والشك فيه كالشك في أمر معلوم وما بنا إلى المكابرات ودفع المعلومات حاجة فأما الكلام في نكاح عمر فقد تقدم أن العقل لا يمنع من مناكحة الكفار وإن فعل أمير المؤمنين قوي حجة واضح دليل وهذه الجملة كافية لو اقتصرنا عليها لكنا نقول إن أمير المؤمنين لم ينكح عمر محتاراً بل مكرهاً وبعد مراجعة وتهديد ووعيد وقد ورد الخبر بأنه راسله فدفعه بأجمل دفع فاستدعى عمه العباس فقال له ما لي أي بأس بي فقال له العباس وما الذي اقتضى هذا القول فقال له خطبت هذا القول فقال له خطب إلى ابن أخيك فدفعني وهذا يدل على عداوته لي وثنوه عني والله لأفعلن كذا وكذا ولأبلغن إلى كذا وكذا و إنما كتبنا عن التصريح بالوعيد عما روي لفحشه وقبحه وتجاوزه كل حد والألفاظ مشهورة في الرواية معروفة فعاد العباس إلى أمير المؤمنين فعاتبه وخوفه وسأله رد أمر المرأة إليه فقال له افعل ما شئت فمضى وعقد عليها ومع الإكراه والتخويف قد تحل المحارم كالخمر والخنزير قال المرتضى وروي أن أبا عبد الله الصادق سئل عن ذلك فقال ذاك فرج غصبنا عليه وبعد فإذا كانت التقية وخوف المخارجة قطع مادة المظاهرة وما حمل مجموعه وتفصيله على بيعة من جلس من مكانه واستولى على حقه وإظهار طاعته والرضا بإمامته وأخذ عطيته فأهون من ذلك إنكاحه فما النكاح بأعظم مما ذكرنا فإذا حسن العذر في هذه الأمور كلها ولولاه لكانت قبيحة محظورة فكذلك العذر بعينه قائم في النكاح وبعد فإن النكاح أخف حالاً وأهون خطباً مما عددنا لأنه جائز في العقول يبيح الله إنكاح الكافر مع الاختيار فليس في ذلك وجه ثابت لبد من حصوله وليس تبيح العقول مع الإيثار والاختيار أن يسمى بالإمامة من لا يستحقها وأن يطاع ويقتدي بمن لم يكن فيه شرائط الإمامة فإذا أباحت الضرورة ما كان لا يجوز مع الإيثار في القول إباحته كيف لا تبيح الضرورة ما كان يجوز في العقول مع الإيثار في القول استباحته ومن حمل نفسه من أصحابنا على إيثار هذه المظاهرة كمن حمل نفسه على إنكار كون


رقية وزينب بنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في دفع الضرورة والإشمات بنفسه أعداءه فإنه يطرق عليه أنه لا يعلم حقائق الأمور وانه في كل مذاهبه واعتقاداته على مثل هذه الحال التي لا تخفى على العقلاء ضرورة ومرتكبها أو من قال من جهال أصحابنا أن العقد وقع لكن الله كان يبدل هذه العقود عليها بشيطانه عند القصد إلى التمتع بها فما يضحك الثكلى لأن المسألة باقية عليه في العقد لكافر على مؤمنة هذا المطلوب منه فلا معنى ذلك المنع من المتمتع كيف سمح بالعقد المبيح للتمتع من لا يجوز مناكحته ولا عقد النكاح له وإذا أباح بالعقد المبيح للتمتع من لا يجوز مناكحته ولا عقد النكاح له فكيف منعه من لا يقتضيه العقد والمنع من العقد أولى من إيقاعه والمنع من مقتضاه وإنما أحوج إلى ذلك العجز عن ذكر العذر الصحيح وهذه جملة مغنية عما سواها: قال المصنف رحمه الله: ومن تأمل ما صنعه المرتضى من الفقه المتقدم وكلامه في الصحابة وأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبناته علم أنه أحق بما قرف به سواه ولولا أن هذا الكتاب لا يصلح التطويل فيه بالرد لبينت عوار كلامه على أن الأمر ظاهر لا يخفى على من له فهم وأول ما ذكر فيما ادعاه النص على علي عليه السلام وهل يروي إلا في الأحاديث الموضوعة المحالات وإنما يكفر الإنسان لمخالفة النص الصحيح الصريح الذي لا يحتمل التأويل وما لنا ها هنا بحمد الله نص أصلاً حتى ندعي على الصحابة الكفر والفسق بمخالفته ومن التخرص وعيد عمر لعلي إذ أبى تزويجه وغير ذلك من المحالات والعجب أنه يقول روى حديث قتال عائشة لعلي من طريق الآحاد افترى النص عليه ثبت عنده بطريق التواتر ولكن إذا لم تستحي فاصنع ما شئت.ب بنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في دفع الضرورة والإشمات بنفسه أعداءه فإنه يطرق عليه أنه لا يعلم حقائق الأمور وانه في كل مذاهبه واعتقاداته على مثل هذه الحال التي لا تخفى على العقلاء ضرورة ومرتكبها أو من قال من جهال أصحابنا أن العقد وقع لكن الله كان يبدل هذه العقود عليها بشيطانه عند القصد إلى التمتع بها فما يضحك الثكلى لأن المسألة باقية عليه في العقد لكافر على مؤمنة هذا المطلوب منه فلا معنى ذلك المنع من المتمتع كيف سمح بالعقد المبيح للتمتع من لا يجوز مناكحته ولا عقد النكاح له وإذا أباح بالعقد المبيح للتمتع من لا يجوز مناكحته ولا عقد النكاح له فكيف منعه من لا يقتضيه العقد والمنع من العقد أولى من إيقاعه والمنع من مقتضاه وإنما أحوج إلى ذلك العجز عن ذكر العذر الصحيح وهذه جملة مغنية عما سواها: قال المصنف رحمه الله: ومن تأمل ما صنعه المرتضى من الفقه المتقدم وكلامه في الصحابة وأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبناته علم أنه أحق بما قرف به سواه ولولا أن هذا الكتاب لا يصلح التطويل فيه بالرد لبينت عوار كلامه على أن الأمر ظاهر لا يخفى على من له فهم وأول ما ذكر فيما ادعاه النص على علي عليه السلام وهل يروي إلا في الأحاديث الموضوعة المحالات وإنما يكفر الإنسان لمخالفة النص الصحيح الصريح الذي لا يحتمل التأويل وما لنا ها هنا بحمد الله نص أصلاً حتى ندعي على الصحابة الكفر والفسق بمخالفته ومن التخرص وعيد عمر لعلي إذ أبى تزويجه وغير ذلك من المحالات والعجب أنه يقول روى حديث قتال عائشة لعلي من طريق الآحاد افترى النص عليه ثبت عنده بطريق التواتر ولكن إذا لم تستحي فاصنع ما شئت.
توفي المرتضى في هذه السنة ودفن في داره.
أخبرنا ابن ناصر عن أبي الحسين بن الطيوري. قال: سمعت أبا القاسم بن برهان يقول دخلت على الشريف المرتضى أبي القاسم العلوي في مرضه وإذا قد حول وجهه إلى الجدار فسمعته يقول: أبو بكر وعمر وليا فعدلا واسترحما فرحما أما أنا أقول ارتدا بعدما أسلما، فقمت فما بلغت عتبة الباب حتى سمعت الزعقة عليه.
محمد بن أحمد بن شعيب بن عبد الله بن الفضل أبو منصور الروياني صاحب أبي حامد الاسفرائيني. أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال: سكن هذا الرجل بغداد وحدث بها عن علي بن محمد بن أحمد بن كيسان وأبي حفص بن الزيات وأبي بكر بن المفيد ومن في طبقتهم كتبنا عنه وكان صدوقاً يسكن قطيعة الربيع ومات في يوم الأربعاء السابع من ربيع الأول سنة ست وثلاثين وأربعمائة ودفن من الغد في مقبرة باب حرب.


محمد بن الحسين بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن بكير أبو طالب التاجر سمع أبا بكر بن مالك القطيعي وأبا الفتح الأزدي وغيرهما وكان صدوقاً وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن على نهر عيسى بين محلة التوتة ودرب الآجر.
محمد بن علي بن الطيب أبو الحسين البصري المتكلم المعتزلي. سكن بغداد وكان يدرس هذا المذهب وله التصانيف الواسعة فيه توفي في ربيع الآخر من هذه السنة وصلى عليه القاضي أبو عبد الله الصيمري ودفن في الشونيزية ولا يعرف أنه روى غير حديث واحد.
أخبرنا به أبو منصور القزاز أخبرنا الخطيب أخبرنا محمد بن علي بن الطيب قال: قرئ على هلال بن محمد ابن أخي هلال الراي بالبصرة وأنا أسمع قيل له حدثكم أبو مسلم الكجي وأبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي والغلابي والمازني والزريقي قالوا: حدثنا القعنبي عن شعبة عن منصور عن ربعي عن أبي منصور البدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت، قال الغلابي: اسمه محمد والمازني محمد بن حيان والزريقي أبو علي محمد بن أحمد بن خالد البصري.
ثم دخلت
سنة سبع وثلاثين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أنه في المحرم قبل قاضي القضاة أبو عبد الله الحسين بن علي شهادة أبي منصور عبد الملك بن محمد بن يوسف بأمر الخليفة.
وفي يوم الإثنين لثمان بقين من ربيع الآخر رسم لأبي القاسم علي بن الحسن ابن المسلمة من حضرة الخليفة النظر في أمور خدمته وتقدم إلى الحواشي بتوفية حقوقه فيما جعل إليه فجلس لذلك على باب دهليز الفردوس وعليه الطيلسان وبين يديه الدواة وحضر من جرت عادته بحضور الموكب فهنأوه وفي يوم الخميس الثامن من جمادى الأولى خلع عليه واستدعي إلى حضرة القائم بأمر الله وخرج فجلس في الديوان في مجلس عميد الرؤساء ودسته وحمل على بغلة بمركب ومضى إلى داره بدرب سليم من الرصافة ومعه الخدم والحجاب والأشراف والقضاة والشهود.
وفي شوال: حدثت فتنة بين أهل الكرخ وباب البصرة قتل جماعة فيها من الفريقين وجاء صاحب المعونة ونفر العامة على اليهود وأحرقوا الكنيسة العتيقة ونهبوا دور اليهود.
وفيها وقع الوباء في الخيل فهلك من معسكر أبي كاليجار اثنا عشر ألف رأس وعم ذلك في البلاد وامتلأت حافات دجلة من جيف الخيل.
وورد الخبر بمجيء إبراهيم ينال أخي طغرل بك إلى قرميسين وأخذها من يد أبي الشوك فارس بن محمد وتلا ذلك مجيئه إلى حلوان فإنه عمرها في مدة.
ومات أبو الحسين العلاء بن أبي علي الحسين بن سهل النصراني بواسط فجلس قوم من أقاربه في مسجد على بابه للعزاء به وأخرج تابوته نهاراً ومعه قوم من الأتراك فثار العوام فاعروا الميت من أكفانه وأحرقوه ورموا بقيته في دجلة ومضوا إلى الدير فنهبوه وعجز الأتراك عن دفعهم.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
الحسين بن محمد بن الحسن بن بيان، أبو عبد الله المؤذن في جامع المنصور ابن مجوجا ولد في رجب سنة سبع وأربعين وثلثمائة وروى عن جماعة كتب عنه أبو بكر الخطيب وقال: كان صدوقاً وكان يسكن في جوار الصيمري بدرب الزرادين وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن في مقبرة باب الكناس.
خديجة بنت موسى بن عبد الله الواعظة وتكنى أم سلمة بنت البقال أخبرنا القزاز أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: سمعت خديجة بنت موسى أبا حفص ابن شاهين، كتبت عنها وكانت فقيرة صالحة فاضلة تنزل ناحية التوتة وتوفيت في جمادى الآخرة من سنة سبع وثلاثين وأربعمائة ودفنت في مقبرة الشونيزية.
عبد الصمد بن محمد بن عبد الله أبو الفضل الفقاعي ولد سنة ثلاث وستين وثلثمائة سمع ابن مالك القطيعي وأبا علي حمكان.
أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال: كتبت عنه وكان صدوقاً يسكن قريباً من دار القطن ثم تولى الخطابة بالرخجية وهي قريبة على نحو فرسخ من بغداد وراء باب الأزج وتوفي في رمضان هذه السنة وبها دفن.
علي بن محمد بن نصر أبو الحسن الكاتب صاحب الرسائل فارس بن محمد بن عنان صاحب حلوان والدينور
ثم دخلت
سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها:


أنه وقع الموتان في الدواب فربما أنفق في اليوم الواحد مائة وأكثر وكان ذلك يطرح في دجلة فاجتنب كثير من الناس الشرب منها وكان قوم يحضرون لدوابهم الأطباء فيسقونها ماء الشعير ويدبرونها.
وفي صفر: خاطب ذو السعادات أبو الفرج بن فسانجس رئيس الرؤساء أبا القاسم ابن المسلمة في معنى أبي محمد بن النسوي وكان قد صرف عن الشرطة فقال له: هذا الرجل قد ركب العظائم ولا سبيل إلى الإبقاء عليه فتقدم الخليفة بحبسه ورفع عليه أنه كان يتبع الغرباء والعجم من أرباب البضائع فيقبض عليهم ليلاً ويأخذ أموالهم ويقتلهم ويلقيهم في آبار وحفر معروفة المكان فحفرت فوجد فيها رمم بالية ورؤوس فثار العوام ونشروا المصاحف وعبروا بالعظام إلى الباب النوبي وكثرت الدعاوى عليه إلى أن أدعى وكيل لورثة أبي جبلة الهاشمي ان ابن النسوي قتل ابن أبي جبلة بيده بالسيف عامداً فجحد ذلك فشهد عليه ابن أبي الجند قوقي وابن أبي العباس الهاشميان وزكاهما ابن الغريق وابن المهتدي فقال القاضي أبو الطيب الطبري قد امضيت شهادتكما وحكم عليه بالقتل وشهد عليه بمال فآل الأمر إلى أن ادى خمسة آلاف وخمسمائة دينار عن ثلاث ديات قتلهم ومال أخذه فتناول ذلك جهبذ السلطان وصرف في أقساط الجند.
وفي هذه السنة: فارق سعدي بن فارس بن عنان مهلهلاً ومضى إلى الغز وعاد ومعه عدة منهم وغلب على حلوان وخطب بها لإبراهيم ينال ونفسه ثم غلب مهلهل عليها بعد شهر ثم عاد سعدى والغز عليها فنهبوها ومات بدران بن سلطان بن ثمال الخفاجي وتأمر على بني خفاجة رجب بن منيع بن ثمال وأسر سرخاب بن محمد أبا الفتح بن ورام وابنه وأخاه وخالد بن عمر وسعدي بن فارس وقتل راما وابنيه وصلبهما.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
الحسن بن محمد بن عمر بن القاسم، أبو علي النرسي البزاز ابن عديسة ولد في سنة ثمانين وثلثمائة وسمع ابن شاهين وغيره وكان صدوقاً من أهل القرآن والمعرفة بالقراآت وانتقل بآخرة إلى مكة فسكنها وتوفي بها في ليلة النصف من رجب هذه السنة.
عبد الله بن أحمد بن عبد الله أبو محمد الهاشمي من أولاد المعتصم سمع ابن مالك القطيعي وأبا محمد بن ماسي وكان صدوقاً وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب.
عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيويه أبو محمد الجويني والد أبي المعالي. وأصلهم من قبيلة من العرب يقال لها سنبس وجوين من نواحي نيسابور، سمع الحديث بمرو على جماعة وبنيسابور وبهمذان وببغداد وبمكة وقرأ الأدب على أبيه أبي يعقوب وتفقه على أبي الطيب سهل بن محمد بن سليمان الصعلوكي ثم خرج إلى مرو إلى أبي بكر عبد الله بن أحمد القفال وعاد إلى نيسابور فدرس وأفتى وعقد مجلس المناظرة وكان مهيباً لا يجري بين يديه إلا الجد وصنف التصانيف الكثيرة في أنواع من العلوم وكان لا يدق وتداً في جدار مشترك بينه وبين جاره ويحتاط في أداء الزكاة فربما أداها مرتين، وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة.
محمد بن الحسن بن عيسى بن عبد الله، أبو طاهر ابن شرارة الناقد ولد سنة ثلاث وخمسين وثلثمائة وسمع أبا بكر بن مالك القطيعي وأبا محمد بن ماسي وغيرهما وكان صدوقاً يسكن نهر طابق وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة.
محمد بن إبراهيم بن محمد، أبو الحسن المطرز أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال: هو أصبهاني الأصل، كان يتوكل بين يدي القضاة ومنزله بناحية نهر الدجاج، وحدث عن محمد بن عبد الله بن بخيث وغيره وكان صدوقاً صحيح الأصول سألته عن مولده فقال: يوم السبت لعشر بقين من شوال سنة ثمان وخمسين وثلثمائة، قال: وجدي من أهل أصبهان فأما أبي فإنه ولد ببغداد، وتوفي محمد بن إبراهيم في شوال هذه السنة.
محمد بن الحسين بن أبي سليمان محمد بن الحسين بن علي أبو الحسين ابن الحراني الشاهد سمع أبا بكر بن مالك وأبا محمد بن ماسي وابن المظفر وأبا الفضل الزهري وغيرهم وكان صدوقاً وتوفي في ليلة الجمعة لست عشرة ليلة خلت من هذه السنة ودفن بباب حرب.
ثم دخلت
سنة تسع وثلاثين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها:


أنه غدر الأكراد بسرخاب بن محمد بن عنان وحملوه مقبوضاً عليه إلى إبراهيم ينال فقلع إحدى عينيه وظفر بنو نمير بأصفر الغازي وكان قد أوغل في بلاد الروم فسلم إلى ابن مروان فسد عليه برجاً من أبراج آمد.
وعاد القتال بين أهل الكرخ وباب البصرة حتى ان صاحب المعونة فارق موضعه ومضى إلى باب الأزج.
وفي رمضان: غلا السعر ببغداد وورد كتاب من الموصل أن الغلاء اشتد بها حتى أكلوا الميتة وكثر الموت حتى انه أحصي جميع من صلى الجمعة فكانوا أربعمائة وعد أهل الذمة في البلد فكانوا نحو مائة وعشرين.
وفي شوال: قبض على الوزير ذي السعادات أبي الفرج محمد بن جعفر فسانجس.
وفي ذي القعدة: كثر الوباء ببغداد وبيعت رمانة بقيراطين ونيلوفرة بقيراطين وفروج بقيراطين وخيارة بقيراط ومائة ومن سكر بتسعين ديناراً وطباشير درهم بدرهم فضة وزاد الأمر في ذي الحجة وكثرت الأمراض.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن محمد بن عبد الله بن أحمد أبو الفضل القاضي الهاشمي الرشيدي من ولد الرشيد مروروذي الأصل ولي القضاء بسجستان وسمع من أبي أحمد الغطريفي وغيره.
أخبرنا القزاز أخبرنا أحمد بن علي قال: أنشدنا أبو الفضل الرشيدي لنفسه.
قالوا اقتصد في الجود أنك منصف ... عدل وذو الإنصاف ليس يجور
فأجبتهم إني سلالة معشر ... لهم لواء في الندى منشور
تالله إني شائد ما قد بنى ... جدي الرشيد وقبله المنصور
الحسن بن محمد بن الحسن بن علي أبو محمد بن أبي طالب الخلال ولد سنة اثنتين وخمسين وثلثمائة وسمع القطيعي والخرقي وابن المظفر وابن حيويه وغيرهم وكان يسكن بنهر القلائين ثم انتقل إلى باب البصرة وكان ثقة له معرفة وتنبه وجمع وخرج وتوفي في جمادى الأولى من هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب.
الحسين بن علي بن عبيد الله بن أحمد أبو الفرج الطناجيري ولد سنة خمسين وثلثمائة وكان يسكن درب الدنانير قريباً من نهر طابق سمع محمد بن المظفر وأبا بكر بن شاذان وخلقاً كثيراً وكان ثقة صدوقاً وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب.
الحسين بن الحسن بن علي بن بندار أبو عبد الله الأنماطي أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: حدث الحسين بن الحسن عن عبد الله بن إبراهيم بن ماسي وأبي الحسن الدارقطني كتبت عنه وكان يسكن الجانب الشرقي من ناحية مربعة أبي عبيد الله وكان ينتحل الاعتزال والتشيع وكان ظاهر الحمق بادي الجهل فيما ينتحله ويدعو إليه ويناظر عليه ووجد في منزله ميتاً يوم الإثنين الثالث عشر من شعبان سنة تسع وثلاثين وأربعمائة ولم يشعر أحد بموته حتى وجد في هذا اليوم وقد أكلت الفأر أنفه وأذنيه.
عبد الوهاب بن علي بن الحسن، أبو تغلب المؤدب أبو حنيفة الفارسي اللخمي من أهل الجانب الشرقي كان يسكن شارسوك وحدث عن المعافى بن زكريا قال الخطيب: كتبنا عنه وكان صدوقاً وكان أحد حفاظ القرآن عارفاً بالقراآت عالماً بالفرائض وقسمة المواريث.
توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
عبد الملك بن عبد القاهر بن راشد بن مسلم أبو القاسم ولد بنصبين في سنة ثلاث وسبعين وثلثمائة وكان صدوقاً ينزل نهر القلائين وتوفي في ربيع الأول من هذه السنة ودفن بمقبرة الشونيزية.
عبد الواحد بن محمد بن يحيى بن أيوب، أبو القاسم الشاعر المطرز وكان يسكن ناحية نهرالدجاج أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: أنشدني المطرز لنفسه في الزهد.
يا عبد كم لك من ذنب ومعصية ... إن كنت ناسيها فالله أحصاها
لا بد يا عبد من يوم تقوم له ... ووقفة لك يدمي القلب ذكراها
إذا عرضت علي قلبي تذكرها ... قد ساء ظني فقلت استغفر الله
توفي المطرز في جمادى الآخر من هذه السنة.
محمد بن الحسين بن علي بن عبد الرحيم أبو سعد أصله من براز الروذوزر للملك أبي كاليجار دفعات وتوفي بجزيرة ابن عمر في ذي القعدة من هذه السنة من ست وخمسين سنة.
محمد بن أحمد بن موسى، أبو عبد الله الواعظ الشيرازي


أخبرنا القزاز أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: قدم هذا الرجل بغداد وأقام فيها مدة يتكلم بلسان الوعظ ويشير إلى طريقة الزهد ويلبس المرقعة ويظهر عزوف النفس عن طلب الدنيا فافتتن الناس به لما رأوا من حسن طريقته وكان يحضر مجلس وعظه خلق لا يحصون وعمر مسجداً خراباً بالشونيزية فسكنه وسكن معه فيه جماعة من الفقراء وكان يعلو سطح المسجد في جوف الليل ويذكر الناس ثم إنه قبل ما كان يوصل به بعد امتناع شديد كان يظهره وحصل له ببغداد مال كثير ونزع المرقعة ولبس الثياب الناعمة الفاخرة وجرت له أقاصيص وصار له تبع وأصحاب ثم أظهر أنه يريد الغزو فحشد الناس إليه وصار معه عسكر كثير ونزل بظاهر البلد من أعلاه وكان يضرب له الطبل في أوقات الصلاة ورحل إلى الموصل ثم رجع جماعة من أتباعه وبلغني أنه صار إلى نواحي آذربيجان واجتمع له أيضاً جمع وضاهى أمير تلك الناحية وقد كان حدث ببغداد عن أحمد بن محمد بن عمران الجندي وغيره وكتبت عنه أحاديث يسيرة في سنة عشر وأربعمائة وقد حدثني عنه بعض أصحابنا بشيء يدل على ضعفه في الحديث، وأنشدني هو لبعضهم.
إذا ما أطعت النفس في كل لذة ... نسبت إلى غير الحجى والتكرم
إذا ما أجبت النفس في كل دعوة ... دعتك إلى الأمر القبيح المحرم
قال: وحدثني المعمر بن أحمد الصوفي أن أبا عبد الله الشيرازي مات بنواحي آذربيجان سنة تسع وثلاثين وأربعمائة.
محمد بن الحسين بن عمر بن برهان أبو الحسن الغزال سمع أبا الحسن ابن لؤلؤ، ومحمد بن المظفر وأبا الفضل الزهري وغيرهم وكان صدوقاً.
محمد بن علي بن إبراهيم أبو الخطاب الجبلي الشاعر كان من أهل الأدب الفصحاء مليح النظم سافر في حداثته إلى الشام فسمع الحديث وقال الشعر فمن شعره.
ما حكم الحب فهو ممتثل ... وما جناه الحبيب محتمل
يهوى ويشكو الصبا وكل هوى ... لا ينحل الجسم فهو منتحل
وورد على معرة النعمان فمدح أبا العلاء المعري بأبيات فأجابه عنها بأبيات وكان لما خرج إلى السفر له عينان كأنهما نرجستان حسناً فعاد وقد عمي فأقام ببغداد حتى توفي بها في ذي القعدة من هذه السنة وذكر أنه كان شديد الترخص.
ثم دخلت
سنة أربعين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أنه في ربيع الآخر جلس رئيس الرؤساء أبو القاسم في صحن السلام لوفاة أخت الأمير أبي نصر وهي زوجة الخليفة ولم يضرب الطبل في دار المملكة أيام العزاء.
وعاد القتال بين أهل الكرخ وباب البصرة.
ومرض الملك أبو كاليجار في جمادى الأولى وفصد في يوم ثلاث مرات وهو في برية وحم فركب المهد ثم شق عليه فعملت له محفة على أعناق الرجال وقضى في ليلة الخميس فانتهب الغلمان الخزائن والسلاح والكراع وأحرق الجواري الخيم فما تركن إلا خيمة وخركاه هو فيها مسجى وولي مكانه ابنه أبو نصر وسموه الملك الرحيم وخرج من معسكره إلى دار الخلافة فركب من شاطئ دجلة عند بيت النوبة حتى نزل من صحن السلام في الموضع الذي نزل فيه عضد الدولة ومن بعده ووصل إلى حضرة الخليفة فقبل الأرض وأجلس على كرسي وتكلم عنه بما أكثر فيه الداء والشكر ثم أنهض ولبس الخلع فلبس السبع الكاملة والعمامة السوداء، العمة الرصافية والطوق والسوارين وقلد سيفاً بجزابل ووضع على رأسه التاج المرصع وبرز له لواآن معقودان وأحضر الكتاب بالتقليد والتقليب فسلم إليه بعد أن قريء صدره ووصاه الخليفة باستعمال التقوى ومراعاة العقبى واتباع العدل في الرعية ونهض فقام إليه فرس أدهم بمركب ذهب وخرج فنزل الطيار الخليفي وصعد منه إلى مضربه وجلس على سدته ساعة خدمه فيها الناس وهنأوه ثم نهض ودخل خيمه ونزع ما كان عليه وخرج وركب ومضى إلى ديالى وكان يوماً مشهوداً.
وفي يوم السبت لست بقين من جمادى الآخرة قبل القاضي أبو عبد الله بن ماكولا شهادة القاضي أبي يعلى بن الفراء.
وفي هذه السنة: دار السور على شيراز وكان دوره اثني عشر ألف ذراع وطول حائطه ثمانية أذرع وعرضه ستة أذرع وكان له أحد عشر باباً.


وفي هذه السنة أتى كثير من الغز من ما وراء النهر إلى ينال فقال لهم: نضيق عن مقامكم عندنا والوجه أن نمضي إلى غزاة الروم ونجاهد فساروا وسار بعدهم فبقي بينه وبين القسطنطينية خمسة عشر يوماً وحصل له من السبي زائد على مائة ألف رأس وغنم منهم أربعة آلاف درع وحمل ما وصل إليه على عشرة آلاف عجلة وعاد. .
وفي شعبان هذه السنة: ختن ذخيرة الدين أبو العباس محمد بن القائم بأمر الله وذكر على المنابر بأنه ولي العهد.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
الحسن بن عيسى بن المقتدر بالله أبو محمد ولد في محرم سنة ثلاث وأربعين وثلثمائة وسمع من مؤدبه أحمد بن منصور اليشكري وأبي الأزهر عبد الوهاب بن عبد الرحمن الكاتب وكان فاضلاً ديناً حافظاً لأخبار الخلفاء عارفاً بأيام الناس صالحاً زاهداً ترك الخلافة عن قدرة وآثر بها القادر بالله.
وتوفي في هذه السنة ووصى أن يغسله ويصلي عليه القاضي أبو الحسين بن الغريق ويحمل إلى باب حرب في النهار ويدفن بغير تابوت، حضر جنازته الوزراء كمال الملك وزعيم الملك ومشى البساسيري خلف جنازته من داره إلى قبره ودفن بقرب قبر أحمد بن حنبل وجلس رئيس الرؤساء أبو القاسم من الغد للعزاء.
الحسن بن أحمد بن الحسن بن محمد بن خداداذ أبو علي الباقلاوي كرخي الأصل ولد سنة اثنتين وثمانين وثلثمائة. سمع من أبي عمر بن مهدي وغيره وحدث وكان صدوقاً ديناً خيراً من أهل القرآن والسنة توفي في محرم هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب.
عبيد الله بن عمر بن أحمد بن عثمان، أبو القاسم الواعظ ابن شاهين ولد في ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وثلثمائة.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: سمع عبيد الله أباه وابن مالك القطيعي وأبا محمد بن ماسي وأبا بجر البربهاري ومحمد بن المظفر كتبت عنه وكان صدوقاً ينزل بالجانب الشرقي المعترض وراء الحطابين ومات في ربيع الآخر من هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب.
علي بن الحسن بن محمد بن المنتاب، أبو القاسم ابن أبي عثمان الدقاق أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال: سمع علي بن الحسن أبا بكر بن مالك وأبا محمد بن ماسي وابن المظفر وغيرهم كتبت عنه وكان شيخاً صدوقاً دينا حسن المذهب سكن نهر القلائين وسألته عن مولده فقال: سنة خمس وخمسين وثلثمائة ومات في هذه السنة ودفن في مقبرة الشونيزية.
محمد بن جعفر بن أبي الفرج بن فسانجس، ويكنى أبا الفرج ذو السعادات وزر لأبي كاليجار بفارس ووزر له ببغداد وكانت له مروءة فائضة وكان مليح الشعر والترسل ومن شعره.
أودعكم وإني ذو اكتئاب ... وأرحل عنكم والقلب آبي
وإن فراقكم في كل حال ... لأوجع من مفارقة الشباب
أسير وما ذممت لكم جواراً ... وما ملت منازلكم ركابي
وأشكر كلما أوطئت داراً ... ليالينا القصار بلا احتساب
وأذكركم إذا هبت جنوب ... تذكرني غزارات التصابي
لكم مني المودة في اغترابي ... وأنتم ألف نفسي في اقترابي
سقى عهد الأحبة حيث كانوا ... سحال القطر من خلل السحاب
فروعات الفراق وإن أغامت ... يقشعها مسرات الإياب
واشتهر عنه أن بعض شهود الأهواز كتب إليه أن فلاناً مات وخلف خمسين ألف دينار مغربية وعقاراً بخمسين ألف دينار وخلف ولداً له ثمانية أشهر فإن رأى الوزير أن يقترض من العين إلى حين بلوغ الطفل فكتب على ظهر الرقعة المتوفى رحمه الله والطفل جبره الله والمال ثمرة الله والساعي لعنه الله لا حاجة لنا إلى مال الأيتام.
اعتقل الوزير ذو السعادات بقلعة بني ورام ببهندف أحد عشر شهراً ونفذ أبو كاليجار من قتله بها في رمضان هذه السنة وقد بلغ إحدى وخمسين سنة.
أبو كاليجار المرزبان بن سلطان الدولة أبي شجاع بن بهاء الدولة أبي نصر: ولد بالبصرة في شوال سنة تسع وتسعين وثلثمائة وتوفي في هذه السنة وله أربعون سنة وأشهر وولي العراق أربع سنين وشهرين وأياماً ونهبت قلعة له وكان فيها ما يزيد على ألف ألف دينار.
محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان بن عبد الله بن غيلان بن حكيم بن غيلان أبو طالب البزاز


ولد سنة ست وأربعين وثلثمائة وروى عن أبي بكر الشافعي وهو آخر من حدث عنه، روى عنه جماعة وكان صدوقاً ديناً صالحاً وكان قوي النفس على كبر السن قال أبو عبد الله محمد بن محمود الرشيدي: لما أردت سفر الحجاز أوصاني الشيوخ بسماع مسند أحمد بن حنبل وفوائد أبي بكر الشافعي من أبي طالب بن غيلان فجئت إلى أبي علي التميمي الذي كان عنده مسند أحمد فراودته على السماع منه فقال: أريد مائتي دينار حمر لاقرئك الكتاب فقلت: إن جميع ما استصحبت من نفقتي للحج لا يبلغ مائة دينار فإن كان لا بد فأجز لي ذلك فقال: أريد عشرين ديناراً أحمر لأجيز لك فتركت ذلك الكتاب وقلت لأبي منصور بن حيدر أريد أن أسمع من ابن غيلان، فقال: إنه مبطون عليل فسألته عن سنه فقال: هو ابن مائة وخمس سنين، قال: فاعجل، قال: لا حج، فقلت: شيخ ابن مائة وخمس سنين مبطون كيف يسمح قلبي بتركه وكيف أعتمد على حياته. قال: اذهب فإني ضامن لك حياته، فقلت: ما سبب اعتمادك على حياته؟ قال: إن له ألف دينار حمر جعفرية يجاء بها كل يوم وتصب في حجره فيقلبها ويتقوى بذلك. فخرجت وحججت فلما رجعت سمعت عليه.
أخبرنا أبو القاسم بن الحصين عن أبي طالب بن غيلان الأجزاء التي تسمى الغيلانيات التي خرجها الدارقطني لابن غيلان وتحديثه عن المزكي.
توفي ابن غيلان في يوم الاثنين السادس من شوال سنة أربعين وأربعمائة ودفن من الغد في داره بدرب عبدة في قطيعة الربيع بباب مسجد هناك يسمى مسجد ابن المبارك وكان الإمام في الصلاة أبو الحسين بن المهتدي.
ثم دخلت
سنة إحدى وأربعين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أنه تقدم في ليلة عاشوراء إلى أهل الكرخ أن لا ينوحوا ولا يعلقوا المسوح على ما جرت به عادتهم خوفاً من الفتنة فوعدوا وأخلفوا وجرى بين أهل السنة والشيعة ما يزيد عن الحد من الجرح والقتل حتى عبر الأتراك وضربوا الخيم.
وفي يوم الأربعاء ثالث ربيع الأول: قبل قاضي القضاة أبو عبد الله بن ماكولا شهادة أبي عبد الله محمد بن على الدامغاني.
وفي شعبان: نقض أهل الكرخ سوق الأنماط دكاكينها وأرحاءها وبنوا بآخرها سوراً من ورائها يحصنون بها الكرخ ويقطعون به ما بين خراب القلائين وبينه فلما رأى ذلك أهل السنة من القلائين ومن يجري مجراهم شرعوا في بناء سور على سوق القلائين وبدأوا بعمل بابه محاذياً لباب السماكين ونقضوا كل حائط أمكنهم نقضه وأخذوا كل آجر وجدوه واجتمع منهم جمع كثير يحملون الآجر إلى موضع العمل وعاونهم الأتراك بأموالهم وساعدوهم ببغالهم وجرى من اجتماع الجموع ما لم يجر مثله من قبل في شيء حتى جرت سفينة على العجل حمل فيها آجر وعلى ملاحها قباء ديباج وعمامة قصب أهبة وهم لأهل الكرخ أن يبنوا باباً آخر من آجر الدقاقين وحملوا الآجر إلى موضعه على رؤوس الرجال في البافدانات المجللة بالثياب الديباج والمناديل الدبيقي وقدامها الطبول والزمور والمخانيث معهم آلات الحكاية وقابل أهل القلائين ذلك بأن حملوا آجرهم بين يدي حمالية البرقات والدبادب وزاد الأمر وسخف وأفرط الوهن ونقضت أبنية كثيرة وأخذ من تنانير الآجر الجديدة عدة وجرى في عمل هذه الأبواب وبنائها وجمع آجرها وآلاتها وتقسيط نفقاتها والخلع على بنائها وطرح ماء الورد في أساساتها ما خرج عن الحد حتى أن امرأة اجتازت بباب القلائين فنزعت جوكانية ديباج كانت عليها فأعطتها للبناء.


وفي يوم عيد الفطر: ثارت الفتنة بين أهل الكرخ وأهل القلائين فاشتدت ووقع بينهما جرح وقتل ونقل أهل القلائين آخر السور الذي على سوق الأنماط فاستعملوه في بنائهم وجعل مع كل جهة قوم من الأتراك يشدون منهم وامتنع على السلطان الإصلاح وعمل أهل القلائين باباً آخر دون بابهم وسقفوا ما بينهما وبنوا دكاكين جانبيها وفرشوا الحصر وعلقوا القناديل وخلقوا الحيطان وأظهروا عمل ذلك مسجداً وأذنوا للصلوات فيه وسمي الباب المسعود وبطلت الأسواق ودعي أبو محمد بن النسوي ورسم له العبور إلى الجانب الغربي وإزالة الفتنة فقتل جماعة من المذكورين وانتهى إلى الخليفة أن القضاة أبا الحسن السمناني وأبا الحسن البيضاوي وأبا عبد الله الدامغاني وابن الواثق وابن المحسن الوكيلين حضروا عند القاضي أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي وجرى ذكر أهل الكرخ وما عملوا فقال التنوخي: هذه طائفة نشأت على سب الصحابة وما منعت منه إلا وجدت به ولا كان لدار الخلافة أمر عليها فما تحاول الآن منها وإني لأذكره وأنا أحمل رقاع ابن حاجب النعمان لدار الخلافة القادرية إلى الرضي فلا يفضها ويقول: إن كانت لك حاجة قضيتها فلما قام أخوه المرتضى أظهر الطاعة حفظاً لنعمته فكتب الوكيلان بما جرى إلى الديوان وشهد بذلك الشهود فتقدم بما وقف عليه ابن عبد الرحيم الوزير فكاتب الخليفة وسأله في الصفح عن التنوخي فوقع الاقتصار على أن كتب رئيس الرؤساء إلى قاضي القضاة ليتوقف قاضي القضاة الحسين ابن علي عن استماع شهادة التنوخي وليوعز عليه بملازمة منزله إلى أن يكشف عن حاله ثم لم يزل يسال فيه حتى أذن له في الشهادة ودخول الديوان ثم زادت الفتن بين السنة والشيعة ونقضت المحال ورميت فيها النار.
واشتد أمر العيارين بالجانب الغربي حتى انتقل أهله إلى الحريم وابتاعوا خرابات وعمروها.
وفي ذي الحجة: عصفت ريح غبراء ترابية فأظلمت الدنيا فلم ير أحد أحداً وكان الناس في أسواقهم فحاروا ودهشوا ودامت ساعة فقلعت رواشن دار الخلافة ودار المملكة وانحدر الطيار ووقع الظلال في الأسواق وسقط من النخل والشجر الكثير.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن محمد بن أحمد بن منصور، أبو الحسن العتيقي وكان بعض أجداده يسمى عتيقاً فنسب إليه. ولد في محرم سنة سبع وستين وثلثمائة وسمع من ابن شاهين وغيره وكان صدوقاً وتوفي في صفر هذه السنة ودفن بمقبرة الشونيزي.
علي بن عبد الله بن الحسين، أبو القاسم العلوي ابن ابن شيبة أخبرنا القزاز أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: سمع علي بن عبد الله من ابن المظفر وكتبت عنه وكان صدوقاً ديناً حسن الاعتقاد يورق بالأجرة ويأكل من كسب يده ويواسي الفقراء من كسبه وسألته عن مولده فقال: ليلة عيد الضحى من سنة ستين وثلثمائة وتوفي في رجب هذه السنة.
عبد الوهاب بن أقضى القضاة أبي الحسن المارودي أبو الفائز شهد عند ابن ماكولا في سنة إحدى وثلاثين وقبل شهادته في بيت النوبة ولم يفعل ذلك مع غيره احتراماً لأبيه توفي في محرم هذه السنة.
محمد بن علي بن عبد الله بن محمد أبو عبد الله الصوري سمع بصيداء من أبي الحسين بن جميع وهو أسند شيوخه ثم صحب عبد الغني الحافظ فكتب عنه وعن غيره من المصريين وكتب عنه عبد الغني أشياء في تصانيفه وإنما طلب الحديث بنفسه في الكبر وقدم بغداد سنة ثمان عشرة وأربعمائة فسمع من أبي الحسن بن مخلد ومن بعده فأقام يكتب الحديث وكان من أحرص الناس عليه وأكثرهم كتباً له وأوفرهم رغبة في تحصيله فربما كرر قراءة الحديث على شيخه مرات ورايته بخطه في الوجهة الواحدة ثمانين سطراً وكان لهم فهم ومعرفة بالحديث ومضى إلى الكوفة فسمع بها من أربعمائة شيخ وكان يظهر هناك السنة ويترحم على أبي بكر وعمر فثار أهل الكوفة ليقتلوه فالتجأ إلى أبي طالب بن عمر العلوي وكان أبو طالب يسب الصحابة فأجاره وقال له: احضر كل يوم عندي وارو لي ما سمعت في فضائل الصحابة فقرأ عنده فضائلهم فتاب أبو طالب وقال: قد عشت أربعين سنة أسب الصحابة واشتهي أعيش مثلها حتى أذكرهم بخير وكان الصوري يسرد الصوم دائماً لا يفطر إلا العيدين والتشريق.


أخبرنا جماعة من أشياخنا عن أبي الحسين ابن الطيوري. قال أكثر كتب الخطيب سوى تاريخ بغداد مستفادة من كتب الصوري ابتدأ بها وكان قد قسم أوقاته في نيف وثلاثين شيئاً وكان له أخت بصور وخلف عندها اثني عشر عدلاً من الكتب فحصل الخطيب من كتبه أشياء، قال: وأظنه لما خرج إلى الشام أعطى أخته شيئاً وأخذ منها بعض كتبه، قال: وكان الصوري طيب المجالسة حسن الخلق يصوم الدهر وذهبت إحدى عينيه وكان يكتب المجلدة في جزء وكان سبب موته أنه افتصد فتورمت يده ومات في ذلك.
قال ابن الطيوري: حدثني أبو نصر علي بن هبة الله بن ماكولا أن السبب في ذلك أن الطبيب الذي فصده وكان قد أعطي مبضعاً مسموماً ليفصد غيره فغلط وفصده به، وكان الصوري يفيد الناس وإذا أراد أن يسمع شيئاً أعلم الناس كلهم ليحضروا المجلس، قال: وكان الخطيب إذا ظفر بجزء مرة واحدة فقرأ على الشيخ: أخبرنا محمد بن انصر المبارك بن عبد الجبار قال: أنشدنا الصوري لنفسه:
تولى الشباب بريعانه ... وجاء المشيب بأحزانه
فقلبي لفقدان ذا مؤلم ... كئيباً بهذا ووجدانه
وإن كان ما جار في سيره ... ولا جاء في غير إبانه
ولكن أتى مؤذناً بالرحيل ... فويلي من قرب ايذانه
ولولا ذنوب تحملتها ... لما راعني حال اتيانه
ولكن ظهري ثقيل بما ... جناه شبابي بطغيانه
فمن كان يبكي زماناً مضى ... ويندب طيب ازمانه
فليس بكائي وما قد ترو ... ن مني لوحشة فقدانه
ولكن لما كان قد جره ... علي بوثبات شيطانه
فولى وابقى علي الهموم ... بما قد تحملت في شانه
فويلي وعولي لئن لم يجد ... علي مليكي برضوانه
ولم يتغمد ذنوبي وما ... جنيت بواسع غفرانه
ويجعل مصيري إلى جنة ... يحل بها أهل قربانه
وإنكنت ما لي من قربة ... سوى حسن ظني بإحسانه
وإني مقر بتوحيده ... عليم بعزة سلطانه
أخالف في ذاك أهل الجحود ... وأهل الفسوق وعدوانه
وأرجو به الفوز في منزل ... مقر لأعين سكانه
ولب يجمع الله أهل الجحود ... ومن قد أقر بإيمانه
فهذا ينجيه إيمانه ... وهذا يبوء بخسرانه
وهذا ينعم في جنة ... وذلك في قعر نيرانه
قال: وأنشدنا الصوري لنفسه.
قل لمن عاند الحديث وأضحى ... غائياً أهله ومن يدعيه
أبعلم تقول هذا ابن لي ... أم بجهل فالجهل خلق السفيه
أيعاب الذين هم حفظوا الدين ... من الترهات والتمويه
وإلى قولهم وما قد رووه ... راجع كل عالم وفقيه
توفي الصوري بالمارستان في يوم الأربعاء سلخ جمادى الآخرة ودفن في مقبرة جامع المدينة وكان قد نيف عن الستين سنة.
؟ثم دخلت
سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أنه ندب أبو محمد النسوي للعبور و ضبط البلد ثم اجتمع العامة من أهل الكرخ و القلائين و باب الشعير و باب البصرة على كلمة واحدة في أنه متى عبر ابن النسوي أحرقوا أسواقهم و انصرفوا عن البلد فصار أهل الكرخ إلى باب نهر القلائين فصلوا فيه و أذنوا في المشهد حي على خير العمل و أهل القلائين بالعتيقة و المسجد بالبزازين بالصلاة خير من النوم و اختلطوا و اصطلحوا و خرجوا إلى زيارة المشهدين مشهد علي والحسين وأظهروا بالكرخ الترحم على الصحابة و كبس أهل الكرخ دار الوزارة وأخرجوا منها أبا نصر بن مروان و خلصوا من المصادرة.
ووقعت في ليلة الجمعة ثاني رمضان صاعقة في حلة نور الدولة على خيمة لبعض العرب كان فيها رجلان فأحرقت نصفهما ورأس أحد الرجلين ونصف بدنه ويدا واحدة ورجلاً واحدة فمات وسقط الآخر مغشياً عليه لم يتكلم يومين وليلة ثم أفاق. وعصفت ريح شديدة وجاء مطر جود فقلعت رواسن دار الخلافة على دجلة.


واستهل ذو الحجة: فعمل الناس على الخروج لزيارة المشهدين بالحائر والكوفة فبدأ أهل القلائين بعمل طرد أسود عليه اسم الخليفة ونصبوه على بابهم وأخرج أهل نهر الدجاج والكرخ مناجيق ملونة مذهبات واختلط الفريقان من السنة والشيعة وساروا إلى الجامع المدينة فلقيهم مناجيق باب الشام وشارع دار الرقيق، ثم عادوا والعلامات بين أيديهم تقدمها العلامة السوداء والبوقات تضرب فجازوا بصيفية الكرخ فنثر عليهم أهل الموضعين دراهم وخرج إلى الزيارة من الأتراك وأهل السنة من لم تجر له عادة بها.
ورخص السعر حتى بيع الكر من الحنطة بسبع دنانير.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
الحسن بن محمد بن الحسن بن باقة أبو يعلى الرازي سمع أبا بكر بن مالك وأبا محمد بن ماسي وكان صحيح السماع لكنه كان يتشيع توفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
عمر بن ثابت أبو القاسم الثمانين الضرير النحوي هو الذي شرح اللمع وكان غاية في ذلك العلم وكان يأخذ على ذلك الأجر.
علي بن عمر بن محمد بن الحسن، أبو الحسن الحربي القزويني ولد مستهل محرم سنة ستين وهي الليلة التي توفي فيها أبو بكر الآجري وسمع أبا حفص الزيات وابن حيويه وأبا بكر بن شاذان في آخرين وكان وافر العقل من كبار عباد الله الصالحين يقرئ القرآن ويروي الحديث ولا يخرج من بيته إلا للصلاة وله كرامات وتوفي في شعبان هذه السنة وكان في كانون الأول ثمانية وعشرون يوماً وتولى أمره أبو منصور بن يوسف وغسله أبو محمد التميمي وصلي عليه في الصحراء بين الحربية والعتابين وكان يوماً مشهوداً غلقت فيه الأسواق ببغداد.
قال أبو علي البرداني حضرة مائة ألف رجل قال: وانتبه أخي أبو غالب تلك الليلة وهو يبكي ويرتعد فسكنه والدنا وقال مالك يابني؟ وقلت: مالك؟ قال: رأيت في المنام كأن أبواب السماء قد فتحت وابن القزويني يصعد إليها فلما كانت صبيحة تلك الليلة سمعت المنادي بموته.
قرواش بن المقلد أبو المنيع الأمير وكان قد جلس له القادر في سنة ست وتسعين وثلثمائة ولقبه معتمد الدولة ثم تفرد بالإمارة وكانت له بلاد الموصل والكوفة وشق الفرات واستنزل على ابن مزيد على ما كان إليه من كوثى ونهر الملك ورد إلى قرواش وكان قرواش قد جمع بين أختين فلامته العرب فقال خبروني ما الذي نستعمله مما تبيحه الشريعة وكان يقول ما على رقبتي غير خمسة أو ستة من البادية قتلتهم فأما الحاضرة فلا يعبأ الله بهم.
وكان الحاكم الذي بمصر يكاتبه ويراسله ويستميله فأقام له الدعوة بالموصل والكوفة ثم اعتذر إلى القادر وسأله العفو ولما دخل الغز إلى الموصل نهبوا من دار قرواش ما يزيد على مائتي ألف دينار وتوفي في هذه السنة وقام بالأمر بعده قريش بن بدران بن المقلد.
محمد بن أحمد بن الحسين بن محمد، أبو الحسن القطان ابن المحاملي سمع علي بن عمر السكري وأبا القاسم بن حبابة وعيسى بن علي الوزير والمخلص وغيرهم.
أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر بن أحمد بن علي الخطيب قال: كتبت عن أبي الحسن القطان شيئاً يسيراً وكان صدوقاً من أهل القرآن حسن التلاوة جميل الطريقة وسمعته يقول: ولدت في سحر يوم الأحد العشرين من شوال سنة اثنتين وثمانين وثلثمائة.
ومات في ليلة الثلاثاء الرابع عشر من ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة ودفن يوم الثلاثاء في داره بدرب الآجر من نواحي نهر طابق.
محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد الصمد بن المهتدي بالله أبو الحسن الهاشمي خطيب جامع المنصور ولد سنة أربع وثمانين وثلثمائة وقرأ القرآن على أبي القاسم الصيدلاني وحدث شيئاً يسيراً عن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن بكير وكان صدوقاً وشهد عند قاضي القضاة أبي عبد الله بن ماكولا وقاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني فقبلاه.
محمد بن علي بن محمد، أبو طاهر ابن العلاف سمع أبا بكر بن مالك القطيعي وأحمد بن جعفر بن مسلم في آخرين وكان صدوقاً مستوراً ظاهر الوقار حسن السمت ينزل بدرب الديوان في جوار أبي القاسم بن بشران وله مجلس وعظ في جامع المهدي ثم اتخذ حلقة في جامع المنصور. توفي في ربيع الآخر من هذه السنة ودفن بمقبرة الخيزران.
مودود بن مسعود بن محمود بن سبكتكين


توفي فقام مقامه عمه عبد الرشيد بن محمود.
ثم دخلت
سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أنه في ليلة الأحد الخامس من المحرم وهو اليوم التاسع عشر من أيار عصفت ريح مغرب ورد في أثنائها مطر جود وقلعت رواشن دار الخليفة على دجلة ودار المملكة وعدة دور من الدور الشاطية وأثرت في ذلك الآثار البينة وانحل الطيار الممدود عن باب الغربة من رباطه فوقع على الرواشن فقلعه من أوله إلى آخره وغرق في انحداره عدة سفن فيها غلة وتمر وسميريات كانت سائرة في دجلة هلك فيها قوم وخرجت سفن الجسر من الصراة وكانت مشدودة فيها وانحدرت مع الماء وغرق بعضهم ووقع الظلال على الأسواق من الجانبين وانقلع من النخل والسرو والشجر والتوت في الصحراء والدور الشيء الكثير.
وفي أول صفر: تجددت الفتنة بين السنة والشيعة وكان الاتفاق الذي حكيناه بين السنة والشيعة غير مأمون الانتقاض لما في الصدور فمضت عليه مديدة وشرع أهل الكرخ في بناء باب السماكين وأهل القلائين في عمل ما بقي من بنائهم وفرغ أهل الكرخ من بنيانهم وعملوا أبراجاً وكتبوا بالذهب على آخر تركوه محمد وعلي خير البشر فأنكر أهل السنة ذلك وأثاروا الشر وادعوا أن المكتوب محمد وعلي خير البشر فمن رضي فقد شكر ومن أبى فقد كفر فأنكر أهل الكرخ هذه الزيادة وثارت الفتنة وآلت إلى أخذ ثياب الناس في الطرقات ومنع أهل باب الشعير من حمل الماء من دجلة إلى الكرخ ورواضعه وانضاف إلى هذا انقطاع الماء عن نهر عيسى فبيعت الراوية بقيراط إذا خفرت فلحق الضعفاء بذلك مشقة عظيمة وغلقت الأسواق ووقفت المعايش ومضى بعض سفهاء أهل الكرخ بالليل فأخذوا من دجلة الصراة عدة روايا وصبوها في حباب نصبوها في الأسواق وخلطوا بها ماء الورد وصاحوا السبيل وعمدوا إلى سمارية في مشرعة باب الشعير فأخذوها وحملوها إلى السماكين محا أهل الكرخ ما كتبوه من خير البشر وجعلوا عوضه عليهما السلام وقال أهل السنة ما نقنع إلا بقلع الآجر الذي عليه محمد وعلي وتجاوزوا هذا الحال إلى المطالبة بإسقاط حي على خير العمل. فلما كان يوم الأربعاء لسبع بقين من صفر اجتمع من أهل السنة عدد يفوت الإحصاء وعبروا إلى دار الخلافة وملأوا الشوارع والرحاب واخترقوا الدهاليز والأبواب وزاد اللغط وقيل لهم سنبحث عن هذا وهجم أهل القلائين علب باب السماكين فأحرقوا بواري كانت مسبلة في وجهه فبادر أهل الكرخ وطفئت النار وبيضوا ما اسود من الباب وقويت الحرب وكثر القتل وانقطعت الجمعة في مسجد براثا لأن الشيعة نقلوا المنبر والقبلة منه وأشفقوا من الأصحار وظهر عيار يعرف بالطقطقي من أهل درزيجان وحضر الديوان واستتيب وجرى منه في معاملة أهل الكرخ وتتبعهم في المحال وقتلهم على الاتصال ما عظمت فيه البلوى واجتمع أهل الكرخ وقت الظهيرة فهدمت حائط باب القلائين ورموا العذرة على حائطه وقطع الطقطقي رجلين وصلبهما على هذا الباب بعد أن قتل ثلاثة من قبل وقطع رؤوسهم ورمى بها إلى أهل الكرخ وفال تغدو برؤوس ومضى إلى درب الزعفراني فطالب أهله بمائة دينار وتوعدهم إن لم يفعلوا بالإحراق فلاطفوه فانصرف ووافاهم من الغد فقتل منهم رجل هاشمي فحمل إلى مقابر قريش.
واستنفر البلد ونقب مشهد باب التبن ونهب ما فيه وأخرج جماعة من القبور فأحرقوا مثل العوفي والناشئ والجذوعي ونقل من المكان جماعة موتى فدفنوا في مقابر شتى وطرح النار في الترب القديمة والحديثة واحترق الضريحان والقبتان الساج وحفروا أحد الضريحين ليخرجوا من فيه ويدفنوه بقبر أحمد فبادر النقيب والناس فمنعوهم فلما عرف أهل الكرخ ما جرى صاروا إلى خان الفقهاء الحنفيين بقطيعة الربيع فأخذوا ما وجدوا وأحرقوا الخان وكسبوا دور الفقهاء فاستدعي أبو محمد وأمر بالعبور فقال قد جرى ما لم يجر مثله فإن عبر معي الوزير عبرت فقويت يده وأظهر أهل الكرخ الحزن وقعدوا في الأسواق للعزاء وعلقوا المسوح على الدكاكين فقال الوزير إن وأخذنا الكل خرب البلد فالأصلح التغاضي.
وفي يوم الجمعة لعشر بقين من ربيع الآخر: خطب بجامع براثا وأسقط حي على خير العمل ودق الخطيب المنبروقد كانوا يمنعون منه وذكر العباس في خطبته.
وفي عيد الأضحى:حضر الناس في بيت النوبة واستدعى رئيس الرؤساء فخلع عليه وقرئ توقيع بما لقب به من جمال الورى شرف الوزراء.


وفي يوم الخميس لعشر بقين من ذي الحجة: كبس العيارون أبا محمد بن النسوي و جرحوه جراحات.
وفي هذه السنة: ورد الخبر بفتح أصبهان ودخول طغرلبك إليها وكان طغرلبك قد عمر الري عمارة حسنة وهدم داراً فوجد فيها مراكب مرصعة بالجوهر الثمين وقماقم الدنانير وبرنيتين صيني مملوئتين بالجواهر النفيس ودفيناً عظيماً ووجد في عقد قد انشق برنية خضراء فيها عشرون ألف دينار.
وكبس منصور بن الحسن بمن معه من الغزاة الأهواز وقتل بها من الديلم والأتراك والعامة وأحرقها ونجا الملك الرحيم ابن أبي كاليجار بنفسه وفقد كمال الملك أبو المعالي بن عبد الرحيم.
وقبلها كانت وقعة بين المغاربة وأهل مصر قتل فيها من المغاربة ثلاثون ألفاً ووردت كتب من صاحب المغرب بما فتحه الله تعالى منها وبإقامة الدعوة للقائم بأمر الله.
ذكر من توفي هذه السنة من الأكابر
بركة بن الملقد الملقب زعيم الدولة أمير بني عقيل فأقام مقامه قريش بن بدران.
عبيد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم ابن لؤلؤ أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: سمع ابن لؤلؤ بن مالك وغيره كتبت عنه وكان ثقة وسألته عن مولده فقال: في رمضان سنة ست وخمسين وثلثمائة ومات في شوال هذه السنة ودفن بمقبرة حرب.
عبيد الله بن محمد بن عبيد الله أبو القاسم النجار ابن الدلو سمع ابن المظفر. قال الخطيب: كتبت عنه وكان صدوقاً يسكن وراء نهر عيسى وتوفي في رمضان هذه السنة.
محمد بن محمد بن أحمد أبو الحسن الشاعر البصروي. وبصرى قرية دون عكبرا. سكن بغداد وكان متكلماً وله نوادر مطبوعة، قال رجل لقد شربت الليلة ماء عظيماً فاحتجت كل ساعة إلى القيام كأني جدي فقال له: لم تصغر نفسك يا سيدنا؟ وله شعر مليح أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال: أنشدنا أبو الحسن البصروي:
نرى الدنيا وزهرتها فنصبو ... وما يخلو من الشهوات قلب
فضول العيش أكثرها هموم ... وأكثر ما يضرك ما تحب
فلا يغررك زخرف ما تراه ... وعيش لين الأعطاف رطب
إذا ما بلغة جاءتك عفواً ... فخذها فالغنى مرعى وشرب
إذا اتفق القليل وفيه سلم ... فلا ترد الكثير وفيه حرب
ثم دخلت
سنة أربع وأربعين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها:


أن أبا الحسن علي بن الحسين بن محمود البغدادي المعروف بالشباش توفي بالبصرة وكان هذا الرجل هو وأبوه وعمه مستقرين فيها ومستوعبين بها وكانت الظنون تختلف في المذهب الذي يعتقدونه إلا أن الأقوال في أنهم من الشيعة الإمامية والغلاة الباطنية أغلب وكانت لهم نعم واسعة وأملاك كثيرة وشيعة من سواد البصرة والقرامطة والبطون المتفرقة يسرون طاعتهم ويحملون إليهم ما يجرونه مجرى زكواتهم وأما أبوه وعمه فكانا يتظاهران بالتجارة ويساتران عن اعتقادهما ويظهران من التدين والتصون ما يدفعان به عن أنفسهما فأما أبو الحسن فإن إشفاقه من هذه الأسباب وما كان يرمونه من اليسار دعاه إلى أن خالط الأجناد وداخل العمال وتظاهر بالأكل والشرب وسماع الغناء والترخص في المحظورات وهو في ذلك يعتذر إلى أصحابه بأنه يقصد نفي الظنة عنه فلما توفي أبو الحسن نشأ ولد يكنى أبا عبد الله فقام مقامه وسلك طريقه، قال المصنف رحمه الله: ونقلت من خط أبي الوفاء ابن عقيل قال: كان الشباش وأبوه قبله له طيور سوابق وأصدقاء في جميع البلاد فينزل به قوم فيرفع طائراً في الحال إلى قريتهم يخبر له من هناك بنزولهم ويستعمله عن أحوالهم وما تجدد هناك قبل مجيئهم إليه فيكتب إليه ذلك الحوادث فيحدث القوم بأحوالهم حديث من هو عندهم ثم يقول: قد تجدد الساعة كذا وكذا فيدهشون ويرجعون إلى رستاقهم فيجدون الأمر على ما قال ويتكرر هذا فيصير عندهم كالقطع على أنه يعلم الغيب. قال: ومما فعل أخذ عصفوراً وجعل في رجله بلفكاً وشد في البلفك كتاباً لطيفاً وشد في رجل حمامة بلفكاً وشد في طرف البلفك كتاباً أكبر من ذلك وجعلها بين يديه وجعل العصفور بيد غلام له في سطح داره والحمامة بيد آخر وبعث طائرين برقعتين إلى بقعتين معروفتين يمر بهما الأصحاب المنتدبون لهذا فلما تكامل مجلسه بمن يدخل عليه قال: يا بارش يوهم أنه يخاطب شيطاناً اسمه بارش خذ هذا الكتاب إلى قرية فلان فقد جرت بينهم خصوم فاجتهد في إصلاح ذات بينهم ويرفع صوته بذلك فيسرح غلامه المترصد لكلامه العصفور الذي في يده فيرتفع الكتاب بحضور الجماعة نحو السماء فيرونه عياناً من غير أن تدرك عيونهم البلفك فإذا ارتفع الكتاب نحو السطح جذبه غلامه فقيد العصفور وقطع البلفك حتى لا يرى ويرسل طائراً إلى ملك القرية ليصلح الأمر وكذلك يفعل في الحمامة ويتحقق هذا في القلوب فلا يبقى شك.
وفي يوم الخميس ثالث ذي العقدة: حضر قاضي القضاة ابن ماكولا والقضاة والشهود والفقهاء والأعيان بيت النوبة وخرج رئيس الرؤساء ومعه توقيع من الخليفة تشريف قاضي القضاة وتحميله فقرأه رئيس الرؤساء رافعاً به صوته.
وفي يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة: قبل قاضي القضاة أبو عبد الله الحسين بن علي شهادة أبي نصر عبد السيد بن محمد بن الصباغ.
وفي ذي القعدة: عادت الفتنة بين أهل الكرخ والقلائين واحترقت دكاكين وكتبوا على مساجدهم محمد وعلي خير البشر وأذنوا حي على خير العمل وشرع في رد أبي محمد بن النسوي إلى النظر في المعونة.
وفي يوم الخميس لخمس بقين من ذي القعدة: حمل أهل القلائين على أهل الكرخ حملة هرب منها النظارة من الناس ودخل كثير منهم في مسلك ضيق فهلك من النساء نيف وثلاثون امرأة وستة رجال وصبيان وطرحت النار في الكرخ وعادوا في بناء الأبواب والقتال.
وفي يوم الثلاثاء سادس عشر ذي الحجة جرى بين أهل الكرخ وباب البصرة قتال فجمع الطقطقي قوماً من أصحابه وكبس بهم طاق الحراني وهو من محال الكرخ وقتل رجلين وقطع رأسيهما وحملهما إلى القلائين فصبهما على حائط المسجد المستجد.
وفي هذه السنة: كانت بأرجان والأهواز وتلك النواحي زلازل عظيمة ارتجت منها الأرض وانقلعت منها الحيطان ووقعت شرافات القصور وحكى بعض من يعتمد على قوله إنه كان قاعداً في إيوان داره فانفرج حتى رأى السماء من وسطه ثم رجع إلى حاله.
وفي هذه السنة: كتب محاضر في الديوان ذكر فيها صاحب مصر ومن تقدم من أسلافه بما يقدح في أنسابهم التي يدعونها وجحد الاتصال برسول الله صلى الله عليه وسلم وبعلي وفاطمة وعزوا إلى الديصانية من المجوس والقداحية من اليهود وأنهم خارجون عن الإسلام وما جرى هذا المجرى مما قد ذكرنا مثله في أيام القادر بالله وأخذت خطوط الأشراف والقضاة والشهود والعلماء بذلك.


ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
الحسن بن علي بن محمد بن علي بن أحمد بن وهب بن شبل قرة ابن واقد، أبو علي التميمي الواعظ ابن المذهب ولد سنة خمس وخمسين وثلثمائة سمع أبا بكر بن مالك القطيعي وأبا محمد بن ماسي وابن شاهين والدارقطني وخلقاً كثيراً ولا يعرف فيه إلا الخير والدين وقد ذكر الخطيب عنه أشياء لا توجب القدح عند الفقهاء وإنما يقدح بها عوام المحدثين فقال: كان يروي عن ابن مالك مسند أحمد بأسره وكان سماعه صحيحاً إلا في أجزاء فإنه ألحق اسمه فيها قال المصنف: وهذا لا يوجب القدح لأنه إذا تيقن سماعه للكتاب جاز أن يكتب سماعه بخطه لإجلال الكتب والعجب من عوام المحدثين كيف يجيزون قول الرجل أخبرني فلان ويمنعون إن كتب سماعه بخط نفسه أو إلحاق سماعه فيها بما يتيقنه ومن أين له إنما كتب لم يعارض به أصلاً فيه سماعه وحدث ابن المذهب عن ابن مالك عن أبي شعيب بحديث وجميع ما كان عند ابن مالك عن أبي شعيب جزء واحد وليس الحديث فيه قال المصنف رحمه الله: ومن الجائز أن يكون ذاك الحديث سقط من نسخة ووجد في أخرى ويجوز أن يكون سمعه منه في غير ذلك الجزء.
قال الخطيب: وكان يعرض على أحاديث في أسانيدها أسماء فيها لين يسألني عنهم فأذكر له أنسابهم فيلحقها في تلك الأحاديث.
قال المصنف: هذا قلة فقه من الخطيب فإني إذا انتقيت في الرواية عن ابن عمر أنه عبد الله جاز أن أذكر اسمه ولا فرق بين أن أقول حدثنا ابن المذهب وبين أن أقول أخبرنا الحسن بن علي بن المذهب وقد كان في الخطيب شيئان أحدهما الجري على عادة عوام المحدثين من قبله من قلة الفقه والثاني التعصب في المذهب ونحن نسأل الله السلامة.
توفي ابن المذهب ليلة الجمعة سلخ ربيع الأول من هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب.
عبد الله بن محمد بن مكي، أبو محمد السواق المقرئ ابن ماردة سمع أبا الحسن ابن كيسان. وكان صدوقاً يسكن نهر القلائين، توفي في ذي القعدة من هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب.
عبد الكريم بن محمد إبراهيم أبو منصور المطرز أصبهاني الأصل ولد سنة ست وستين وثلثمائة وكان يسكن ناحية العتابين وحدث عن علي بن محمد بن كيسان وكان صدوقاً. توفي في رمضان هذه السنة.
محمد بن أحمد بن محمد أبو جعفر السمناني القاضي ولد سنة إحدى وستين وثلاثمائة وسكن بغداد وحدث عن علي بن عمر السكري وابن الحسن الدارقطني وابن حبابة وغيرهم وكان عالماً فاضلاً سخياً لكنه كان يعتقد في الأصول مذهب الأشعري وكان له في داره مجلس نظر.
توفي في ربيع الأول من هذه السنة بالموصل وهو القاضي بها بعد أن كف بصره.
محمد بن إسماعيل بن عمر بن محمد بن خالد بن إسحاق بن خالد بن عبد الملك بن جرير بن عبد الله البجلي، أبو الحسن ابن سبنك ولد سنة خمس وستين وثلثمائة وكان أحد الشهود المعدلين وحدث عن أبي بكر بن شاذان وابن شاهين والدارقطني وابن حبابة وغيرهم توفي ليلة الخميس رابع عشرين رمضان هذه السنة.
محمد بن الحسن بن محمد بن جعفر بن داؤد بن الحسن، أبو نصر سمع المخلص وغيره وكان صدوقاً. توفي ليلة الجمعة ثامن ربيع الآخر من هذه السنة.
محمد بن عبد العزيز بن العباس بن محمد بن المهدي أبو الفضل الهاشمي خطيب جامع الحربية سمع من أبي الحسين بن سمعون وغيره. وكان صدوقاً خيراً فاضلاً من المحدثين وتوفيفي غرة هذه السنة.
ثم دخلت
سنة خمس وأربعين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: عود الفتن بين السنة والشيعة وخرق السياسة وأنه أحضر ابن النسوي وقويت يده وضربت الخيم بين باب الشعير وسوق الطعام فضرب وقتل ونقض ما كتب عليه محمد وعلي خير البشر وطرحت النار في الكرخ بالليل والنهار.
وورد الخبر أن الغز قد جاؤوا إلى حلوان وأنهم على قصد العراق ونظر سابور ابن المظفر في الوزارة وقبل قاضي القضاة ابن ماكولا شهادة أبي الفتح ابن شيطا.


وفي هذه السنة: أعلن بينسابور لعن أبي الحسن الأشعري فضج من ذلك أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري وعمل رسالة سماها شكاية أهل السنة لما نالهم من المحنة وقال فيها: أيلعن إمام الدين ومحيي السنة؟ وكان قد رفع إلى السلطان طغرلبك من مقالات الأشعري شيء فقال أصحاب الأشعري هذا محال وليس بمذهب له فقال السلطان: إنما يوغر بلعن الأشعري الذي قال هذه المقالات فإن لم يدينوا بها ولم يقل الأشعري شيئاً منها فلا عليكم مما يقول، قال القشيري: فأخذنا في الاستعطاف فلم يسمع لنا حجة ولم يقض لنا حاجة فأغضبنا على قذى الاحتمال وأحلنا على بعض العلماء فحضرنا فظننا أنه يصلح الحال، فقال: الأشعري عندي مبتدع يزيد على المعتزلة، قال القشيري: يا معشر المسلمين الغياث الغياث.
قال المصنف رحمه الله: لو أن القشيري لم يعمل في هذا رسالة كان أستر للحال لأنه إنما ذكر فيها أنه وقع اللعن وأنه سئل السلطان أن يتقدم بترك ذلك فلم يجب ثم لم يذكر حجة له ولا دفع شبهة للخصم وذكر مثل هذا نوع تغفيل.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
أحمد بن عمر بن روح أبو الحسين النهرواني كان ينظر في العيار بدار الضرب وله شعر حسن، قال: كنت على شط النهروان فسمعت رجلاً يتغنى، في سفينة منحدرة.
وما طلبوا سوى قتلي ... فهان علي ما طلبوا
فاستوقفته وقلت أضف إليه:
على قتلى الأحبة بالتم ... ادي في الجفا غلبوا
وبالهجران طيب النو ... م من عيني قد سلبوا
وما طلبوا سوى قتلي ... فهان علي ما طلبوا
توفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
إبراهيم بن عمر بن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن مهران أبو إسحاق البرمكي كان سلفه قديماً يسكنون في محلة ببغداد تعرف بالبرامكة وقيل بل كانوا يسكنون قرية تعرف بالبرمكية وهي قرية بقرب باب البصرة فنسبوا إليها، ولد في رمضان سنة إحدى وستين وثلثمائة وسمع أبا بكر بن مالك القطيعي وخلقاً كثيراً وحدثنا أشياخنا عنه وكان صدوقاً ديناً فقيهاً على مذهب أحمد بن حنبل وكانت له حلقة للفتوى في جامع المنصور وتوفي يوم الأحد سابع ذي الحجة من هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب.
عمر بن محمد بن علي بن عطية، أبو حفص المعروف والده بأبي طالب المكي ولد سنة ثلاث وستين وثلثمائة وسمع أباه وأبا حفص ابن شاهين وكان صدوقاً يسكن باب الطاق وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
محمد بن أحمد بن عثمان بن الفرج بن الأزهر، أبو طالب ابن السوادي أخو أبي القاسم الأزهري ولد في ليلة الجمعة لعشر بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث وستين وثلثمائة وسمع أبا حفص ابن الزيات ومحمد بن المظفر في آخرين.
أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: كتبنا عنه وكان صدوقاً وتوفي بواسط من هذه السنة.
محمد بن محمد بن أبي تمام أبو تمام الزينبي نقيب النقباء توفي في هذه السنة فولي ابنه أبو علي مكانه.
ثم دخلت
سنة ست وأربعين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها:


أن الأتراك اجتمعوا في دار المملكة وتفاوضوا بينهم الشكوى من وزير السلطان فيما يشعره عليهم من الأمتعة ويطلق لهم من الأموال المتفاوتة القيمة وأن الوزير قد استعصم بالحريم وتفرقوا على شغب اعتزموه فضربوا الخيم على شاطئ دجلة وركبوا بالسلاح وصار قوم منهم إلى الديوان فخاطبوا على أمر الوزير وقالوا: من الواجب على صاحب الحريم أن يقوم بأمورنا ليلتزمنا طاعته وركبوا على نفور وكثرت الأراجيف وخفيت الفتنة وغلقت الدروب وذلك في يوم الجمعة ولم يصل الجمعة يومئذ في جامع القصر وصلى في غيره ونقل الناس أموالهم إلى باب النوبة وباب المراتب وكان ذلك من العجب لأن تلك الأماكن كانت مقصودة ونودي في البلد متى وجد الوزير في دار أحد فقد حل دمه وماله ومن دل عليه حسنت مكافأته فركب الأتراك بالسلاح إلى دار الروم وفيها دور أبي الحسن بن عبيد كاتب البساسيري وغيره فنهبوا ودخلوا البيعة واخذوا أموالاً كثيرة وأحرقوا البيعة وعدة دور وقاتلهم العوام وعبر أهل الكرخ والقلائين ونهر طابق وباب البصرة والحربية إلى باب الغربة للحراسة وراسل الخليفة الأتراك وقال: عرفتم طلبنا للوزير وقبضنا على أصحابه وهذا غاية الممكن ولم يبق إلا الفتنة التي تهلك النفس فإن كانت مطلوبكم فأمهلونا أياماً إلى أن نتأهب لسفرنا ونخرج إلى حيث يعرف فيه حقنا فأجابوه بالطاعة وقررت لهم أشياء فأخذوها وسكنوا ثم إن الوزير ظهر فطولب فجرح نفسه بسكين ثم تسلمه البساسيري وتقلد الوزارة أبو الحسين بن عبد الرحيم.
وغزا طغرلبك بلاد الروم.
وفي مستهل ربيع الآخر: انقطع الماء من الفرات على نهر عيسى انقطاعاً تلف به ما كان من زرع وتعذرت الطحون وأدرك الناس بذلك ضرر شديد.
وفي هذا الشهر: ورد من الصراصير ما زاد وكثر وسمع لها بالليل دوي كدوي الجراد إذا طار.
وخلع الخليفة على رئيس الرؤساء خلعة حسنة وكتب له درجاً قرأه قائماً في يوم الخميس لعشرين من جمادى الأولى من هذه السنة وعبر يوم الجمعة فصلى بجامع المنصور.
وقصد قريش بن بدران الأنبار ففتحها وخطب بها وبالموصل وفتح السوق.
وورد أبو الحارث المظفر البساسيري إلى بغداد منصرفاً عن الوقعة مع بني خفاجة فسار إلى داره بالجانب الغربي ولم يلم بدار الخليفة على رسمه وتأخر عن الخدمة بعد ذلك وبانت منه آثار النفرة وخرج إلى دجيل فاجتازت به سفينة لبعض أقارب رئيس الرؤساء فاعتاقها وطالبها بالضريبة وكثرت دواعي الوحشة فراسله الخليفة بما طيب قلبه فقال: ما أشكو إلا من النائب في الديوان ثم خرج إلى طريق خراسان فثقل على ضياع الديوان.
وفي ذي الحجة: توجه إلى الأنبار فخرج إليه الأتراك والعوام طامعين في النهب فوصل إليها ففتحها وقطع أيدي عالم فيها وكان معه دبيس بن علي بن مزيد وذلك بعد أن أحرق دمماً والفلوجة ثم قدم فتقرر أنه يحضر بيت النوبة ويخلع عليه فجاء إلى أن حاذى بيت النوبة وخدم وانصرف ولم يعبر.
ذكر من توفي هذه السنة من الأكابر
إبراهيم بن محمد بن عمر بن يحيى أبو طاهر العلوي ولد ببابل سنة تسع و ستين و ثلثمائة و حدث عن أبي المفضل الشيباني و كان سماعه صحيحاً.
توفي ببغداد في صفر هذه السنة.
الحسين بن جعفر بن محمد بن جعفر بن داود أبو عبد الله السلماسي سمع من ابن حيويه والدارقطني وابن شاهين وكان ثقة مشهوراً باصطناع البر وفعل الخير وافتقاد الفقراء وكثرة الصدقة وكان قد أريد للشهادة فأبى.
وحدثنا محمد بن ناصر الحافظ عن أبي الحسين ابن الطيوري قال: ما كان يعلم نفقة أبي الحسين القزويني من أين هي حتى مات أبو عبد الله السلماسي فوجدوا في روزنامجه عشرة دنانير في كل شهر نفقة أبي الحسن القزويني قال: ودخل إلى بغداد السلطان فاحتاج إلى نفقة فاستقرض من التجار واستقرض من أبي عبد الله عشرة آلاف واتفق أنه اشترى زيتاً بعشرة آلاف فباعه بعشرين ألفاً فلما دخل السلطان دخله بعث إليه العشرة آلاف فلم يأخذ وقال: قولوا للسلطان هو في أوسع حل منها وأنا أسأل أن أعفي عنها فقيل للسلطان فقال: قولوا له أي شيء سبب هذا فقال: يأكل من مالي أقوام إن علموا أني قد أخذت من مال السلطان لم يأكلوا منه شيئاً وقد أخلفها الله علي في ثمن الزيت.


قال المصنف رحمه الله: وحدثني بعض الأشياخ عن السلماسي أنه سوم في ثمرة في بستان له فبذل له خمسمائة دينار فسكت فدخل قوم فزادوه على ذلك زيادة كبيرة فقال: جوارحي سكنت إلى الأول لا أعير نيتي. توفي أبو عبد الله في جمادى الأولى من هذه السنة.
عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن، أبو عبد الله الأصبهاني ابن اللبان سمع بأصبهان أبا بكر ابن المقرئ وببغداد المخلص وبمكة أبا الحسن بن فراس ودرس فقه الشافعي على أبي حامد الاسفرائيني وولي قضاء ايذج وكان يسكن درب الآجر في نهر طابق ويصلي بالناس التراويح ثم يقف بعدها مصلياً إلى الفجر، وقال في آخر رمضان لم أضع جنبي في هذا الشهر ليلاً ولا نهاراً توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
محمد بن إسحاق بن محمد، أبو الحسن الكوفي المعدل ابن فدويه أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب قال: قدم علينا محمد بن إسحاق في سنة أربع وعشرين وأربعمائة وحدث عن أبي الحسن بن أبي السري البكائي وكان شيخاً ثقة له هيئة حسنة ووقار ظاهر وكان الصوري يثني عليه خيراً وقال: أصوله جياد وسماعه صحيح وهو في نفسه حسن الاعتقاد من أهل السنة.
مات بالكوفة في اليوم السادس من شعبان سنة ست وأربعين وأربعمائة.
ثم دخلت
سنة سبع وأربعين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها: أنه وصل زورق فيه شراب للبساسيري في ربيع الآخر إلى مشرعة باب الأزج فنزل إليه ابن سكرة الهاشمي وجماعة من أصحاب عبد الصمد فكسروه.
وفي آخر نهار يوم الخميس لثمان بقين من ربيع الآخر: انقض كوكب كبير الجرم فتقطع ثلاث قطع.
وزادت الأهواز فزادت قيمة الكر من الحنطة حتى بلغت ثلثمائة دينار وبشيراز ألف دينار.
واتصلت الفتن بين أهل باب الطاق وسوق يحيى اتصالاً مسرفاً وركب صاحب الشرطة والأراك لإطفاء الفتنة فلم ينفع ذلك وانتقل القتال إلى باب البصرة وأهل الكرخ على القنطرتين. ووقعت بين الحنابلة والأشاعرة فتنة عظيمة حتى تأخر الأشاعرة عن الجمعات خوفاً من الحنابلة وكان أبو الحارث البساسيري قد أحضر الديوان وأحلف على إخلاص الطاعة ثم إن الأتراك ضجوا بين يديه وذكروا أنه لا يوصل إليهم حقوقهم ثم استأذنوا في ماله وأصحابه فأذن لهم وأطلق رئيس الرؤساء لسانه فيه وذكر قبح أفعاله وانه كاتب صاحب مصر وخلع ما في عنقه للخليفة وعدد ما كان مطوياً في قلبه. ثم سئل الخليفة فيه فقال: ليس الآن إهلاكه.
أخبرنا عبد الرحمن أخبرنا أبو بكر بن علي الخطيب قال: كان أرسلان التركي المعروف بالبساسيري قد عظم أمره واستفحل لعدم نظرائه من متقدمي الأتراك فاستولى على البلاد وطار اسمه وتهيبته أمراء العرب والعجم ودعي له على كثير من المنابر العراقية والأهواز ونواحيها وجبى الأموال ولم يكن القائم بأمر الله يقطع أمراً دونه ثم صح عند الخليفة سوء عقيدته وشهد عنده جماعة من الأتراك أن البساسيري عرفهم وهو إذ ذاك بواسط عزمه على نهب دار الخلافة والقبض على الخليفة فكاتب الخليفة أبا طالب محمد بن ميكائيل المعروف بطغرلبك أمير الغز وهو بنواحي الري يستنهضه على المسير إلى العراق وانفض أكثر من كان مع البساسيري وعادوا إلى بغداد ثم أجمع رأيهم على أن قصدوا دار البساسيري وهي في الجانب الغربي في الموضع المعروف بدرب صالح بقرب الحريم الظاهري فأحرقوها وهدموا أبنيتها.
ووصل طغرلبك إلى بغداد في رمضان سنة سبع وأربعين وأربعمائة ومضى البساسيري على الفرات إلى الرحبة وتلاحق به خلق كثير من الأتراك البغداديين وكاتب صاحب مصر يذكر له كونه في طاعته وأنه على إقامة الدعوة له بالعراق فأمده بالأموال وولاه الرحبة.


قال المصنف: ولما قرب طغرلبك وانتشر عسكره في طريق خراسان فانزعج الناس وشملهم الخوف ودخل إلى الحريم أهل السواد ثم ورد رسوله إلى الديوان في نحو ثلاثين من الغز وانزعج العسكر وركبوا بالسلاح فسلم الرسول كتاباً يتضمن الدعاء والثناء وأنه قصد الحضرة الشريفة للتبرك بمشاهدتها والمسير بعد ذلك إلى الحج وعمارة طريقه والانتقال إلى قتال أهل الشام وكان معاند ثم خطب لطغرلبك ثم للمسمى بالملك الرحيم من بعده. ثم خرج رئيس الرؤساء لتلقي السلطان معه الموكب فلقيه حاجب السلطان في جماعة من الترك ومعه شهري فقدمه إليه وقال: هذا الفرس من مراكب السلطان الخاصة وقد رسم ركوبك أياماً فنزل عن بغلته وركبه وجاء بعده عميد الدولة أبو نصر الكندري وزير السلطان فاستقبله ورام أن يترجل له فمنعه وتعانقا على ظهور دوابهما وتمما إلى النهروان ولقي السلطان فذكر له ما يصلح ذكره عن الخليفة فشكر وأومأ إلى تقبيل الأرض وقال: ما وردت إلا منصرفاً عن الأوامر السامية وممتثلاً للمراسم العالية ومتميزاً عن ملوك خراسان بالدنو من هذه الخدمة الشريفة ومنتقماً من أعدائها وسائراً إلى بلاد الشام لفتحها وإصلاح طريق الحج. فقال له رئيس الرؤساء: إن الله تعالى أعطاك الدنيا بأسرها فاشتر نفسك منه ببعضها وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة وسأله في الملك الرحيم أن يجريه مجرى أولاده فأعطاه يده ثم استأسره بعد ذلك وقطعت خطبته سلخ رمضان هذه السنة وحمل إلى القلعة فاعتقل فيها اعتقالاً جميلاً.
قال المصنف: فطغرلبك أول ملك من الترك السلجوقية وهو الذي بنى لهم الدولة والمسمى بالملك الرحيم كان آخر أمراء الديلم وملوك بني بويه.
وفي رمضان: قبض على أبي الحسن سعيد بن نصر النصراني كاتب البساسيري وختم على ماله وخزانته بدار الخلافة وغيرها.
وفي حادي عشر رمضان: فرغ من طيار الخليفة وحط إلى الماء بدجلة بالقراء والأصحاب وثارت بين العوام والأتراك فتنة أدت إلى قتل وأسر فنهب الجانب الشرقي بأسره وذهبت أموال الناس.
وفي ثاني شوال: نزل طغرلبك دار المملكة وتفرق عسكره في دور الأتراك وكان معه ثمانية فيلة.
وفي يوم الثلاثاء عاشر ذي القعدة: قلد أبو عبد الله محمد بن علي الدامغاني قضاء القضاة وخلع عليه ثم خلع على طغرلبك أيضاً في يوم الأربعاء وعاد القاضي بعد أن خلع عليه طغرلبك إلى داره وبين يديه بوقات ودبادب.
وفي ذي القعدة: توفي ذخيرة الدين أبو العباس محمد بن القائم وكان قد نشأ نشوءاً حسناً فعظمت الرزية وجلس رئيس الرؤساء للعزاء به فر رواق صحن دار السلام وحضر الناس وقد أمروا بتخريق ثيابهم وتشويش عمائمهم والتحفي فلما صار وقت العتمة قطع الرواق بسرادق من دونه سبنية وجعل وراءها التابوت وخرج الخليفة فصلى عليه والناس من بعد السرادق وكبر أربعاً ودخل رئيس الرؤساء وعميد الملك إلى السبنية وعزيا الخليفة وخرجا وقطع ضرب الطبل أيام التعزية من دار الخلافة ومن الخيم السلطانية ولما كان يوم الأحد رابع الجلوس حضر عميد الملك في جماعة وأدى عن السلطان رسالة تتضمن الدعاء والسؤال بالتقدم بالنهوض من مجلس التعزية وطلب السلطان مالاً من الخليفة فبذل بعض الولاة تصحيح المطلوب على أن يطلق يده في الحريم ويبسط في التناول. فقال الخليفة: ما زال هذا الحريم مصوناً وقد جرى فيه ما رأينا مكافاته في ولدنا فما نشك إن دعوه فسمعت والرعية سألت فأجيبت فعاودوه في ذلك إلى أن تقدم بالرفق فيما يفعل.
وفي هذه السنة: استولى أبو كامل علي بن محمد الصليحي الهمذاني على أكثر أعمال اليمن واعتزى إلى صاحب مصر وقوي على الذي كان يخطب في هذه الأعمال للقائم.
وفي هذه السنة: قبض الملك الرحيم بواسط على الوزير شرف الأمة أبي عبد الله بن عبد الرحيم وقيل طرح في بئر.
وكثر فساد الغز ونهبهم فثار العوام وقتلوا عدداً من الغز وكثر النهب حتى بلغ الثور خمسة قراريط إلى عشرة والحمار قيراطين إلى خمسة.
وكان أبو دلف فولاذ بن خسرو بن كندي بن حرة قد ملك شيراز وجمع إليه الديلم بها ثم حوصر فبلغت الحنطة سبعة أرطال بدينار ومات أهلها جوعاً فبقي فيها نحو ألف إنسان.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
تمام بن محمد بن هارون بن عيسى أبو بكر الهاشمي الخطيب


ولد سنة ثلاث وستين وثلثمائة وسمع من يوسف القواس وأبي عبيد الله المرزباني وكان صدوقاً وشهد عند أبي عبد الله بن ماكولا فقبل شهادته وتقلد الخطابة بجامع الرصافة سنة ست وثمانين وثلثمائة ثم أضيف إلى ذلك تقليده الخطابة بجامع القصر وكان يتناوب هو وأبو الحسين بن المهتدي الصلاة في الجامعين إلى أن ترك ابن المهتدي الصلاة في جامع الرصافة واقتصر على مناوبة تمام في جامع القصر وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة.
الحسن بن علي بن عبد الله، أبو علي المؤدب الأقرع المقرئ سمع الكتاني والمخلص وغيرهما وتوفي في صفر هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب ولم يكن به بأس.
324 - الحسن بن علي بن عيسى النحوي الربعي، أبو البركات الدينوري: كان ينوب عن الوزير ببغداد وله معرفة بعلم الكتاب وجن في شبيبته وادعى النبوة في جنونه ثم برأ.
وتوفي في شعبان هذه السنة بباب المراتب.
الحسين بن علي بن جعفر بن علكان بن محمد بن دلف بن أبي دلف العجلي، أبو عبد الله. ابن ماكولا من أهل جرباذقان، ولد سنة ثمان وستين وثلثمائة وولي القضاء بالبصرة من قبل أبي الحسن بن أبي الشوارب، ثم استحضره القادر بالله فولاه قضاء القضاة في سنة عشرين وأربعمائة فلما ولي القائم أقره على ولايته إلى حين وفاته فمكث يتولى قضاء القضاة سبعاً وعشرين سنة وكان يقول: سمعت من أبي عبد الله بن مندة وكان ينتحل مذهب الشافعي رضي الله عنه وكان يقول الشعر.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي بن أحمد عن أبي محمد زرق الله بن عبد الوهاب التميمي قال: أنشدنا قاضي القضاة أبو عبد الله الحسين بن علي بن ماكولا لنفسه.
تصابى برهة من بعد شيب ... فما أغنى مع الشيب التصابي
وسود عارضيه بلون خضر ... فلم ينفعه تسويد الخضاب
وأبدي للأحبة كل عطف ... فما ازدادوا سوى فرط اجتناب
سلام الله عوداً بعد بدء ... على أيام ريعان الشباب
تولى غير مذموم وأبقى ... بقلبي حسرة تحت الحجاب
وكان نزهاً صيناً عفيفاً فحكى ابن عبيد المالكي وكان يتوكل للقائم بأمر الله قال: أمرني الخليفة أن أحمل ببقاعين عليه في مراكن إلى النقيبين وقاضي القضاة ابن ماكولا وإلى جماعة ففعلت فكلهم قبل غير ابن ماكولا فاجتهدت فلم يفعل فعدت بالمحمول وكتبت بما جرت الحال فلما قرأها الخليفة جعل يقول: ما أغثه ما أغثه أترى تقع إليه حكومة فيحابيني فيها. توفي ابن ماكولا في شوال هذه السنة وصلى عليه أبو منصور ابن يوسف ودفن في داره بالحريم قريباً من باب العامة.
عبد الغفار بن محمد بن عبد الغفار أبو طاهر القرشي الأموي أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال: هو من ولد مسلمة بن عبد الملك ويعرف بان الأموي سمع إسحاق بن سعد بن سفيان كتبت عنه وكان صدوقاً يسكن باب البصرة سألته عن مولده فقال: في ربيع الأول ثلاث وستين وثلثمائة ومات في ذي الحجة من هذه السنة.
علي بن المحسن بن علي بن محمد ابن أبي الفهم أبو القاسم التنوخي وتنوخ الذين ينسب إليهم اسم لعدة قبائل اجتمعوا قديماً بالبحرين وتحالفوا على التوازر والتناصر وأقاموا هناك فسموا تنوخاً ولد بالبصرة في شعبان سنة خمس وستين وثلثمائة وأول سماعه في شعبان سنة سبعين وقبلت شهادته عند الحكام في حداثته وكان محتاطاً صدوقاً إلا أنه كان معتزلياً ويميل إلى الرفض وتقلد قضاء نواحي عدة منها المدائن وأعمالها ودرزيجان والبردان وقرميسين وتوفي في محرم هذه السنة ودفن في داره بدرب التل.
محمد بن القائم بأمر الله الذخيرة توفي في ذي القعدة من هذه السنة وعظم المصاب به على ما ذكرناه في الحوادث.
ستيتة بنت القاضي أبي القاسم عبد الواحد بن محمد بن عثمان البجلي أخبرنا أبو منصور أخبرنا أبو بكر بن ثابت الخطيب قال: سمعت ستيتة من أبي القاسم عمر بن محمد بن سنبك كتبت عنها وكانت صادقة فاضلة تنزل الجانب الشرقي في حريم دار الخلافة وماتت في رجب من سنة سبع وأربعين وأربعمائة.