سير أعلام النبلاء - الذهبي ج 5
سير أعلام النبلاء
الذهبي ج 5

(5/)


سيرة اعلام النبلاء * (5) *

(5/1)


جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة الرسالة ولا يحق لاية جهة أن تطبع أو تعطي حق الطبع لاحد سواء كان مؤسسة رسمية أو افرادا الطبعة التاسعة 1413 ه - 1993 م مؤسسة الرسالة بيروت - شارع سوريا - بناية صمدي وصالحة

(5/2)


سير أعلام النبلاء تصنيف الامام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى 748 ه - 1374 م الجزء الخامس أشرف على تحقيق الكتاب وحقق هذا الجزء شعيب الارنؤوط مؤسسة الرسالة

(5/3)


بسم الله الرحمن الرحيم

(5/4)


1 - أبو بردة * (ع) ابن أبي موسى، عبد الله بن قيس بن حضار الاشعري، الفقيه، العلامة، قاضي الكوفة.
حدث عن أبيه، وعلي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وحذيفة بن اليمان، وعبد الله بن سلام، وأبي هريرة، وآخرين.
حدث عنه حفيده أبو بردة يزيد بن عبد الله بن أبي بردة، وابنه بلال بن أبي بردة الامير، وثابت البناني، وقتادة، وبكير بن الاشج، وأبو إسحاق الشيباني، وابنه سعيد بن أبي بردة، وطلحه بن يحيى، وحكيم بن الديلم، وحميد بن هلال، وأ ؟ ؟ وعبد الاعلى بن أبي المساور، وخلق سواهم.
وكان من أوعية العلم، حجة باتفاق، اسمه عامر فيما قيل، وولي قضاء الكوفة بعد شريح مدة، ثم عزله الحجاج، وولى أخاه أبا بكر بن أبي موسى.
عبد الله بن وهب حدثنا ابن عياش (1) القتباني، عن أبيه، أن يزيد بن
__________
طبقات ابن سعد 6 / 268، طبقات خليفة 68، تاريخ خليفة 330، الجرح والتعديل 6 / 325، تاريخ ابن عساكر 371، 392، وفيات الاعيان 3 / 10، 12، تهذيب الكمال 1578، تذكرة الحفاظ 1 / 95، تذهيب التهذيب 4 / 199، تاريخ الاسلام 4 / 216، دول الاسلام 73، العبر 1 / 128، الوافي بالوفيات 4 / 142، تهذيب التهذيب 12 / 18، النجوم الزاهرة 1 / 199، 252، خلاصة تذهيب الكمال 443، تهذيب ابن عساكر 7 / 168.
(1) واسمه عبد الله بن عياش القتباني، وهو ضعيف، ضعفه أبو داود، والنسائي، وأبو حاتم، وباقي رجال الاسناد ثقات.
والخبر في تاريخ دمشق ص 387.
[ * ]

(5/5)


المهلب ولي خراسان، فقال: دلوني على رجل كامل بخصال الخير، فدل على أبي بردة، فلما رآه، رأى رجلا قانعا، فلما كلمه رأى من مخبره أفضل من
مرآه، فقال له: إني وليتك كذا وكذا من عملي، فاستعفاه، فأبى، وقال: حدثني أبي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من تولى عملا - وهو يعلم أنه ليس له بأهل - فليتبوأ مقعده من النار ".
أخرجه الروياني (1) في " مسنده " عن أحمد بن أخي ابن وهب عنه.
وروى سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، قال: بعثني أبي أبو موسى إلى عبد الله بن سلام لاتعلم منه.
قال أبو نعيم: مات أبو بردة سنة أربع ومئة، وقال الواقدي: مات سنة ثلاث ومئة.
فأما أخوه أبو بكر بن أبي موسى الاشعري القاضي المذكور، فهو كوفي عثماني عالم ثقة، حدث عن أبيه، وعن أبي هريرة، وابن عباس، وجابر بن سمرة.
حدث عنه أبوعمران الجوني، وأبو جمرة الضبعي، وحجاج بن أرطاة، ويونس بن أبي إسحاق، وآخرون.
ولاه الحجاج قضاء الكوفة، وعاش بعد أخيه أبي بردة قليلا، حديثهما في الكتب.
وأما الامير بلال بن أبي بردة (2) فولي أيضا على البصرة، وكان جليلا
__________
(1) هو الامام أبو بكر محمد بن هارون صاحب المسند المشهور مات سنة سبع وثلاث مئة " تذكرة الحفاظ " 2 / 752، 753.
(2) ترجمته في " تهذيب الكمال " 164، 167، " وتهذيب التهذيب " 1 / 500، و " خزانة الادب " 1 / 452 و " تهذيب ابن عساكر " 3 / 318.
[ * ]

(5/6)


كريما، مدحه ذوالرمة، وكان قد أصابه جذام، فكان ينتقع في السمن
الكثير (1)، ولما ولي يوسف بن عمر (2)، العراق، أخذ بلالا، وعذبه حتى مات سنة نيف وعشرين ومئة.
وقيل: إن أبا بردة افتخر يوما بأبيه وبصحبته، فقال الفرزدق: لو لم يكن لابي موسى منقبة إلا أنه حجم النبي صلى الله عليه وسلم، فامتعض لها أبو بردة، وقال: أما إنه ما حجم أحدا غيره، فقال الفرزدق: كان أبو موسى أورع من أن يجرب الحجامة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسكت أبو بردة على حنق.

2 - أبو حازم * (ع) الاشجعي صاحب أبي هريرة، محدث ثقة، واسمه سلمان الكوفي، مولى عزة.
حدث عن أبي هريرة فأكثر، وعن ابن عمر، والحسين بن علي.
روى عنه منصور، والاعمش، ومحمد بن جحادة، وفرات القزاز، وجماعة.
وثقة أحمد بن حنبل، وابن معين.
__________
(1) في " تهذيب الكمال " عن المدائني قال: كان بلال قد خاف الجذام، فوصف له السمن يستنقع فيه، فكان يفعل ثم يأمر بذلك السمن، فيباع، فتنكب الناس شراء السمن بالبصرة.
(2) انظر ترجمته وخبر تعذيبه بلالا في " وفيات الاعيان " 7 / 101، 112، وقد قالوا: إنه أول من أظهر الجور من القضاة في الحكم، وكان يقول: إن الرجلين ليختصمان إلي، فأجد أحدهما أخف على قلبي، فأقضي له.
* طبقات ابن سعد 6 / 294، التاريخ الكبير 4 / 137، الجرح والتعديل 4 / 297، تهذيب الكمال: 525، تهذيب التهذيب 2 / 41 / 1، تاريخ الاسلام 4 / 73، 74، تهذيب التهذيب 4 / 140، خلاصة تذهيب الكمال: 147.
[ * ]

(5/7)


وروى عنه أيضا نعيم بن أبي حميد، ويزيد بن كيسان، وفضيل بن غزوان، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز، قريبا من سنة مئة، يقال: إنه جالس أبا هريرة خمس سنين.

3 - أبو زرعة * (ع) ابن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي، من ثقات التابعين وعلمائهم، اسمه كنيته على الاشهر، وقيل: اسمه هرم، وقيل: اسمه عمرو كأبيه، وذلك لان أباه مات في حياة جده، فسمي أبو زرعة باسمه.
قيل: إنه رأى عليا، وحدث عن جده، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، وخرشة بن الحر، وطائفة.
حدث عنه عمه إبراهيم، وحفيداه جرير ويحيى ابنا أيوب بن أبي زرعة، والحارث بن عبد الله العكلي، وعبد الله بن شبرمة، وعمارة بن القعقاع، وموسى الجهني، وعلي بن مدرك، ويحيى بن سعيد التيمي، وآخرون.
وكان ثقة، نبيلا، شريفا، كثير العلم، وفد مع جده جرير على معاوية.

4 - أبو المتوكل * * (ع) الناجي البصري، محدث إمام، اسمه علي بن داود، وقيل: إن داود
__________
* طبقات ابن سعد 6 / 297، طبقات خليفة 158، الجرح والتعديل 9 / 374، تهذيب الكمال: 1605 تهذيب التهذيب 4 / 213 / 1، تاريخ الاسلام 4 / 74، تهذيب التهذيب 12 / 99، خلاصة تهذيب الكمال 450.
* * طبقات ابن سعد 7 / 225، طبقات خليفة 206، التاريخ الكبير 6 / 273، الجرح والتعديل 6 / 184، تهذيب الكمال: 970، تذهيب التهذيب 3 / 61 / 1، تاريخ الاسلام 4 / 223، تهذيب التهذيب 12 / 99، خلاصة تذهيب الكمال: 450.
[ * ]

(5/8)


حدث عن عائشة، وأبي هريرة، وابن عباس، وأبي سعيد، وجابر.
وعنه قتادة، وحميد الطويل، وخالد الحذاء، وعلي بن علي الرفاعي، وأبو عقيل بشير بن عقبة، وعدة.
متفق على ثقته، توفي سنة اثنتين ومئة.

5 - سعد بن عبيد * (ع) الامام الثقة أبو حمزة السلمي الكوفي، من علماء الكوفة، وكان زوج ابنة أبي عبدالرحمن السلمي.
حدث عن ابن عمر، والبراء بن عازب، والمستورد بن الاحنف.
وعنه زبيد اليامي، وإسماعيل السدي، ومنصور، والاعمش، وفطر بن خليفة.
مات بعد المئة.
وثقه النسائي وغيره.
مات في الكهولة في حدود سنة بضع ومئة، ولولا قدم موته، لاخرته إلى الطبقة الآتية.
والله أعلم.

6 - سعيد بن أبي هند * * (ع) حجازي جليل، من موالي سمرة بن جندب
__________
طبقات ابن سعد 6 / 298، طبقات خليفة: 155، تاريخ خليفة: 355، الجرح والتعديل 4 / 89، تهذيب الكمال: 474، تذهيب التهذيب 2 / 10 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 118، تهذيب التهذيب 4 / 478، خلاصة تذهيب الكمال: 135.
* * طبقات خليفة: 264، التاريخ الكبير 3 / 518، الجرح والتعديل 4 / 71، كتاب المجروحين 1 / 362، تهذيب الكمال: 509، تذهيب التهذيب 2 / 30 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 119، العبر 1 / 123، تهذيب التهذيب 4 / 93، خلاصة تذهيب الكمال: 143، شذرات الذهب 1 / 123.
[ * ]

(5/9)


حدث عن أبي موسى الاشعري، وابن عباس، وأبي هريرة، وعن عبيدة السلماني، ومطرف بن عبد الله.
حدث عنه ابنه عبد الله، ويزيد بن أبي حبيب، وابن إسحاق، ونافع بن عمر الجمحي، وطائفة.
قال ابن سعد: توفي في خلافة هشام في أولها.
قلت: لعله توفي في حدود سنة عشر ومئة.
اتفقوا على الاحتجاج به، ومات ابنه عبد الله بن سعيد بن أبي هند سنة سبع وأربعين ومئة.
روى البخاري عن رجل عنه، فذلك من عوالي صحيحه.

7 - عبدالرحمن (4) ابن أبان بن عثمان بن عفان القرشي الاموي، أحد من يصلح للخلافة.
روى عن أبيه يسيرا.
وعنه عمر بن سليمان، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم، وموسى بن محمد بن إبراهيم التيمي.
قال موسى التيمي: ما رأيت أحدا أجمع للدين والمملكة والشرف منه.
وقيل: كان يشتري أهل البيت فيكسوهم ويعتقهم ويقول: أستعين بهم على غمرات الموت (1)، فمات وهو نائم في مسجده.
وقيل: كان كثير العبادة
__________
طبقات خليفة 259، الجرح والتعديل 5 / 210، تهذيب الكمال 772، تذهيب التهذيب 2 / 203 / 1، تاريخ الاسلام 4 / 140، تهذيب التهذيب 6 / 130، خلاصة تذهيب الكمال: 223.
(1) نص الخبر في " تهذيب الكمال ": كان عبدالرحمن بن أبان يشتري أهل البيت، ثم يأمر بهم
فيكسون، ثم يعرضون عليه، فيقول أنتم أحرار لوجه الله، أستعين بكم على غمرات الموت (*).

(5/10)


والتأله، رآه علي بن عبد الله بن عباس فأعجبه نسكه وهديه، فاقتدى به في الخير.

8 - عبدالرحمن بن الاسود * (ع) ابن يزيد بن قيس، أبو حفص النخعي الكوفي، الفقيه، الامام ابن الامام.
حدث عن أبيه، وعمه علقمة بن قيس، وعائشة، وابن الزبير، وغيرهم.
وأدرك أيام عمر.
حدث عنه الاعمش، وإسماعيل بن أبي خالد، ومحمد بن إسحاق، وحجاج بن أرطاة، ومالك بن مغول، وزبيد اليامي، وأبو إسرائيل الملائي، وأبو بكر النهشلي، وعبد الرحمن المسعودي، وآخرون.
قال الصقعب بن زهير، عن عبدالرحمن بن الاسود، قال: كان أبي يبعثني إلى أم المؤمنين عائشة، فلما احتلمت أتيتها، فناديت من وراء الحجاب: يا أم المؤمنين ما يوجب الغسل ؟ فقالت: أفعلتها يا لكع ؟ إذا التقت المواسي (1).
قال ابن أبي خالد: قلت لعبد الرحمن بن الاسود: وما منعك أن تسأل كما سأل إبراهيم ؟ قال: إنه كان يقال: جردوا القرآن.
قلت: كان من المتهجدين العباد.
وروى مالك بن مغول عن رجل أنه عد على ابن الاسود يوم جمعة قبل الصلاة ستا وخمسين ركعة.
__________
طبقات ابن سعد 6 / 289، طبقات خليفة 157، التاريخ الكبير 5 / 252، الجرح والتعديل
5 / 209، تهذيب الكمال: 776، تذهيب التهذيب 2 / 204 / 2، العبر 1 / 116، تاريخ الاسلام 4 / 24، تهذيب التهذيب 6 / 140.
(1) الخبر في " طبقات ابن سعد " 6 / 289.
[ * ]

(5/11)


وروى حفص بن غياث، عن ابن إسحاق، قال: قدم علينا عبدالرحمن ابن الاسود حاجا، فاعتلت رجله، فصلى على قدم حتى أصبح.
وقال هلال بن خباب: كان عبدالرحمن بن الاسود، وعقبة مولى أديم، وسعد أبو هشام يحرمون من الكوفة، ويصومون يوما، ويفطرون يوما حتى يرجعوا.
وعن الحكم أن عبدالرحمن بن الاسود لما احتضر، بكى، فقيل له ؟ فقال: أسفا على الصلاة والصوم، ولم يزل يتلو حتى مات.
قال الشعبي: أهل بيت خلقوا للجنة، علقمة والاسود وعبد الرحمن.
وروي أن عبدالرحمن صام حتى أحرق الصوم لسانه.
قال خليفة: مات سنة ثمان أو تسع وتسعين.
وذكر ابن عساكر أنه وفد على عمر بن عبد العزيز.

9 - عكرمة * (خ، 4، م مقرونا) العلامة، الحافظ، المفسر، أبو عبد الله القرشي، مولاهم، المدني، البربري الاصل.
__________
* طبقات ابن سعد 5 / 287، طبقات خليفة: 280، التاريخ الصغير 1 / 257، 258 و 2 / 119، مقدمة فتح الباري: 424، 429، تاريخ الفسوي 2 / 5، الجرح والتعديل 7 / 7، طبقات الشيرازي 70، حلية الاولياء 3 / 326 - 347، تهذيب الاسماء واللغات 1 / 340، وفيات الاعيان 3 / 265، تهذيب الكمال: 954، 957، تذهيب التهذيب 3 / 49 / 2، تذكرة الحفاظ 1 / 95، ميزان
الاعتدال 3 / 93، العبر 1 / 131، تاريخ الاسلام 4 / 156، دول الاسلام: 75، العقد الثمين 6 / 123، 125، تهذيب التهذيب 7 / 263، النجوم الزاهرة 1 / 163، طبقات الحفاظ 37، خلاصة تذهيب الكمال: 270، طبقات المفسرين 1 / 380، شذرات الذهب 1 / 130، شرح العلل 1 / 325، 326 [ * ]

(5/12)


قيل: كان لحصين بن أبي الحر العنبري، فوهبه لابن عباس.
حدث عن ابن عباس، وعائشة، وأبي هريرة، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعقبة بن عامر، وعلي بن أبي طالب، وذلك في النسائي، وأظنه مرسلا، وصفوان بن أمية، والحجاج بن عمرو الانصاري، وجابر بن عبد الله، وحمنة بنت جحش، وأبي سعيد الخدري، وأم عمارة الانصارية، وعدة.
وعن يحيى بن يعمر، وعبد الله بن رافع.
قال ابن المديني: سمع من عائشة، وأبي هريرة، وأبي قتادة، وعبد الله بن عمرو، وابن عمر.
حدث عنه إبراهيم النخعي، والشعبي، وماتا قبله، وعمرو بن دينار، وابو الشعثاء جابر بن زيد، وحبيب بن أبي ثابت، وحصين بن عبدالرحمن، والحكم بن عتيبة، وعبد الله بن كثير الداري، وعبد الكريم الجزري، وعبد الكريم أبو أمية البصري، وعلي بن الاقمر، وقتادة، ومطر الوراق، وموسى بن عقبة، وأبو إسحاق الهمداني، وأبو إسحاق الشيباني، وأبو صالح مولى أم هانئ مع تقدمه، وأبو الزبير المكي، وخلق كثير من جلة التابعين، وأيوب السختياني، وأشعث بن سوار، وثور بن زيد الديلي، وثو بن يزيد الحمصي، وجابر الجعفي، وأبو بشر جعفر، وحجاج بن أرطاة، والحسن بن زيد والد الست نفيسة، وحسين بن عبد الله العباسي، وحسين بن قيس الرحبي، وحسين بن واقد المروزي، والحكم بن أبان، وحميد الطويل،
وخالد الحذاء، وداود بن الحصين، وأبو الجحاف داود بن أبي عوف، وداود ابن أبي هند، والزبير بن الحريث، وزيد أبو أسامة الحجام، وزيد مولى قيس الحذاء، وسعيد بن مسروق، وسفيان بن دينار التمار، وسفيان بن زياد العصفري، والاعمش، وسلمة بن وهرام، وسماك بن حرب، وصالح بن رستم الخزاز، وصفوان بن عمرو الحمصي، وعاصم بن بهدلة، وعاصم

(5/13)


الاحول، وعباد بن منصور، وعبد الله بن حسن بن حسن، وأبو حريز عبد الله ابن الحسين، وابن طاووس، وعبد الله بن عبدالرحمن بن أبي حسين، وعبد الله بن عيسى بن عبدالرحمن بن أبي ليلى، وعبد الله بن كيسان، وعبد الرحمن بن الاصبهاني، وعبد الرحمن بن الغسيل، وعبد العزيز بن أبي رواد، وابن جريج مرسل، وعبد الملك بن أبي بشير، وعبد الواحد بن صفوان، وعثمان بن سعد الكاتب، وعثمان الشحام، وعثمان بن غياث، وعطاء بن السائب، وعقيل الايلي، وعلباء بن أحمر، وعلي بن بذيمة، وعمارة بن أبي حفصة، وعمر بن عطاء بن وراز، وعمر بن فروخ العبدي، وعمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، وعمرو بن مسلم الجندي، وعمرو بن هرم، والفضل ابن ميمون، وفضل بن غزوان، وفطر بن خليفة، وقباث بن رزين اللخمي، وليث بن أبي سليم، وأبو الاسود يتيم عروة، وابن شهاب، ومغيرة بن مقسم، ومقاتل بن حيان، ومنصور بن النعمان اليشكري، ومهدي بن حرب، وموسى ابن أيوب الغافقي، وموسى بن مسلم الطحان، ونزار بن حيان، والنضر أبو عمر الخزاز، ونوح بن ربيعة، وهشام بن حسان، ويزيد بن أبي سعيد النحوي، وأبو الاشهب العطاردي، وأمم سواهم.
روى حرمي بن عمارة، عن عبدالرحمن بن حسان: سمعت عكرمة
يقول: طلبت العلم أربعين سنة، وكنت أفتي بالباب، وابن عباس في الدار.
وروى الزبير بن الخريت عن عكرمة قال: كان ابن عباس يضع في رجلي الكبل (1) على تعليم القرآن والسنن.
وروى يزيد النحوي، عن عكرمة أن ابن عباس قال: انطلق فأفت الناس، وأنا لك عون، قلت: لو أن هذا الناس مثلهم مرتين، لافتيتهم.
__________
(1) الكبل: القيد من أي شئ كان، وفي قصيدة كعب: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول * متيم إثرها لم يفد مكبول.
أي: مقيد.
[ * ]

(5/14)


قال: انطلق فأفتهم، فمن جاءك يسألك عما يعنيه فأفته، ومن سألك عما لا يعنيه، فلا تفته، فإنك تطرح عنك ثلثي مؤنة الناس.
قال عبدالحميد بن بهرام: رأيت عكرمة أبيض اللحية عليه عمامة بيضاء، طرفها بين كتفيه، قد أدارها تحت لحيته، وقميصه إلى الكعبين، وكان رداؤه أبيض، وقدم على بلال بن مرداس، وكان على المدائن (1)، فأجازه بثلاثة آلاف، فقبضها منه.
قال أبو سعيد بن يونس: عكرمة من سكان المدينة، وقد كان سكن مكة، قدم مصر.
قلت: كان كثير الاسفار، قال: ونزل على عبدالرحمن بن الحساس الغافقي، وصار إلى إفريقية.
قال العباس بن مصعب المروزي: كان أعلم شاكردي ابن عباس بالتفسير (2)، وكان يدور البلدان يتعرض.
وقدم مرو على مخلد بن يزيد بن المهلب، وكان يجلس في السراجين في دكان أبي سلمة السراج مغيرة بن مسلم، فحمله على بغلة خضراء.
وقال أبوتميلة، عن ضماد بن عامر القسملي، عن الفرزدق بن جواس الحماني، قال: كنا مع شهر بن حوشب بجرجان، فقدم علينا عكرمة، فقلنا لشهر: ألا نأتيه ؟ قال: ائتوه، فإنه لم تكن أمة إلا كان لها حبر، وإن مولى ابن عباس حبر هذه الامة.
قال عبد الصمد بن معقل: لما قدم عكرمة الجند، أهدى له طاووس نجبا بستين دينارا، فقيل لطاووس: ما يصنع هذا العبد بنجب بستين دينارا، قال: أتروني لا أشتري علم ابن عباس بستين دينارا لعبد الله بن طاووس.
قال يحيى بن معين: مات ابن عباس، وعكرمة عبد لم يعتق، فباعه
__________
(1) المدائن: قرب بغداد تبعد عنها سبعة فراسخ على حافتي دجلة، كانت مسكن الملوك من الاكاسرة الساسانية، وفتحت على يد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في صفر في خلافة عمر رضي الله عنه.
(2) شاكردي: كلمة فارسية معناها: التلميذ والخادم، والمعنى: كان عكرمة أعلم تلاميذ ابن عباس بالتفسير.
[ * ]

(5/15)


علي بن عبد الله، فقيل له: تبيع علم أبيك ؟ فاسترده.
روى الواقدي عن أبي بكر بن أبي سبرة، قال: باع علي بن عبد الله بن عباس عكرمة من خالد بن يزيد بن معاوية بأربعة آلاف دينار، فقال له عكرمة: ما خير لك، بعت علم أبيك بأربعة آلاف دينار ؟ ! فاستقاله، فأقاله وأعتقه.
داود بن أبي هند، عن عكرمة قال: قرأ ابن عباس هذه الآية * (لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا) * [ الاعراف: 164 ] قال ابن عباس: لم أدر أنجا القوم أم هلكوا ؟ قال: فما زلت أبين له أبصره حتى عرف أنهم قد نجوا، قال: فكساني حلة.
ابن فضيل، عن عثمان بن حكيم قال: كنت جالسا مع أبي أمامة بن سهل إذ جاء عكرمة، فقال: يا أبا أمامة أذكرك الله: هل سمعت ابن عباس يقول: ما حدثكم عني عكرمة فصدقوه، فإنه لم يكذب علي، فقال أبو أمامة: نعم.
قال أيوب، عن عمرو بن دينار: دفع إلي جابر بن زيد مسائل، أسأل عكرمة، وجعل يقول: هذا عكرمة مولى ابن عباس، هذا البحر فسلوه.
ابن عيينة، عن عمرو سمع أبا الشعثاء يقول: هذا عكرمة مولى ابن عباس، هذا أعلم الناس، قال سفيان: الوجه الذي عليه فيه عكرمة المغازي، إذا تكلم فسمعه إنسان قال: كأنه مشرف عليهم يراهم.
مغيرة: قيل لسعيد بن جبير: تعلم أحدا أعلم منك ؟ قال: نعم، عكرمة.
قال مصعب بن عبد الله: تزوج عكرمة أم سعيد بن جبير، فلما قتل سعيد (1)، قال إبراهيم: ما خلف بعده مثله.
__________
(1) قتله شقي هذه الامة الحجاج بن يوسف الثقفي.
[ * ]

(5/16)


وقال إسماعيل بن أبي خالد: سمعت الشعبي يقول: ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة.
وقال قتادة: أعلم الناس بالحلال والحرام الحسن، وأعلمهم بالمناسك عطاء، وأعلمهم بالتفسير عكرمة.
وروى سعيد عن قتادة قال: كان أعلم التابعين أربعة، كان عطاء أعلمهم بالمناسك، وكان سعيد بن جبير أعلمهم بالتفسير، وكان عكرمة أعلمهم بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الحسن أعلمهم بالحلال والحرام.
روى حاتم بن وردان، عن أيوب، قال: اجتمع حفاظ ابن عباس، منهم سعيد بن جبير، وعطاء وطاووس، على عكرمة، فأقعدوه، فجعلوا يسألونه عن حديث ابن عباس، فكلما حدثهم حديثا قال سعيد: هكذا، يعقد ثلاثين، حتى سئل عن الحوت (1)، فقال عكرمة: كان يسايرهما في ضحضاح [ من ] الماء، فقال سعيد: أشهد على ابن عباس أنه قال: كانا يحملانه في مكتل، فقال أيوب: أراه كان يقول القولين جميعا.
قال أبو بكر الهذلي: قلت للزهري: إن عكرمة وسعيد بن جبير اختلفا في رجل من المستهزئين، فقال سعيد: الحارث بن غيطلة، وقال عكرمة: الحارث بن قيس، فقال: صدقا جميعا، كانت أمه تدعى غيطلة (2)، وكان أبوه يدعى قيسا.
__________
(1) يريد الحوت الذي نسيه موسى وفتاه حين بلغا مجمع البحرين، والضحضاح: مارق من الماء على وجه الارض إلى نحو الكعبين، وقد استعير للنار في حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب، فقال: " لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه يغلي منها دماغه " أخرجه البخاري 7 / 149، ومسلم (210).
(2) وهو كذلك في تفسير الطبري 14 / 70، وفي سيرة ابن هشام 1 / 409: الحارث بن الطلاطلة.
قال ابن إسحاق: فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر الله تعالى صابرا محتسبا مؤديا إلى قومه النصيحة على ما يلقى منهم من التكذيب والاذى والاستهزاء.
وذكر عظماء المستهزئين، ثم قال: فلما تمادوا في الشر، وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء، أنزل الله تعالى عليه * (فاصدع بما تؤمر وأعرض = [ * ]

(5/17)


أبو سنان عن حبيب بن أبي ثابت قال: اجتمع عندي خمسة لا يجتمع مثلهم أبدا: عطاء، وطاووس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، فأقبل مجاهد وسعيد يلقيان على عكرمة التفسير، فلم يسألاه عن آية إلا فسرها
لهما، فلما نفد ما عندهما جعل يقول: أنزلت آية كذا في كذا، وآية كذا في كذا، قال: ثم دخلوا الحمام ليلا.
قال يحيى القطان: أصحاب ابن عباس ستة: مجاهد، وطاووس، وعطاء، وسعيد، وعكرمة، وجابر بن زيد.
ابن عيينة، سمعت أيوب يقول: لو قلت لك: إن الحسن ترك كثيرا من التفسير حين دخل علينا عكرمة البصرة حتى خرج منها، لصدقت.
قال الثوري: خذوا التفسير عن أربعة: عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك.
قال أيوب: قال عكرمة: إني لاخرج إلى السوق، فأسمع الرجل يتكلم بالكلمة، فينفتح لي خمسون بابا من العلم.
قال يحيى بن أيوب: قال لي ابن جريج: قدم عليكم عكرمة ؟ قلت: بلى، قال: فكتبتم عنه ؟ قلت: لا، قال: فاتكم ثلثا العلم.
وقال أبو مسلمة سعيد بن يزيد: سمعت عكرمة يقول: ما لكم لا تسألوني، أفلستم ؟ أمية بن شبل، عن معمر، عن أيوب قال: قدم علينا عكرمة، فاجتمع الناس عليه حتى صعد فوق ظهر بيت.
معمر، عن أيوب قال: كنت أريد أن أرحل إلى عكرمة، إلى أفق من الآفاق، فإني لفي سوق البصرة، إذا رجل على حمار، فقيل لي: عكرمة، فاجتمع الناس إليه، فقمت إليه، فما قدرت على شئ أسأله، ذهبت مني المسائل، فقمت إلى جنب حماره، فجعل الناس يسألونه وأنا أحفظ.
وعن أيوب - وسئل عن عكرمة - فقال: لو لم يكن عندي ثقة لم أكتب
__________
= عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون) * [ الحجر: 95 ].
[ * ]

(5/18)


عنه، وقال حماد بن زيد: قيل لايوب: أكنتم تتهمون عكرمة ؟ قال: أما أنا فلم
أكن أتهمه.
الاعمش، عن حبيب بن أبي ثابت قال: مر عكرمة بعطاء، وسعيد بن جبير يحدثهم، فلما قام، قلت لهم: ما تنكران مما حدث شيئا ؟ قالا: لا.
شيبان، عن أبي إسحاق: سمعت سعيد بن جبير يقول: إنكم لتحدثون عن عكرمة بأحاديث لو كنت عنده ما حدث بها، قال: فجاء عكرمة، فحدث بتلك الاحاديث كلها، والقوم سكوت، فما تكلم سعيد، ثم قام عكرمة فقالوا: يا أبا عبد الله ما شأنك ؟ قال: فعقد ثلاثين، وقال: أصاب الحديث.
قال أيوب: قال عكرمة: أرأيت هؤلاء الذين يكذبوني من خلفي، أفلا يكذبوني في وجهي ؟ ! حجاج الصواف، عن أرطاة بن أبي أرطاة، أنه سمع عكرمة يحدث القوم وفيهم سعيد بن جبير وغيره، فقال: إن للعلم ثمنا، فأعطوه ثمنه، قالوا: وما ثمنه يا أبا عبد الله ؟ قال: أن تضعه عند من يحسن حفظه ولا يضيعه.
وقال سليمان الاحول: لقيت عكرمة ومعه ابن له، قلت: أيحفظ هذا من حديثك شيئا ؟ قال: إنه يقال: أزهد الناس في عالم أهله.
قال حماد، عن أيوب سمعت رجلا قال لعكرمة: فلان قذفني في النوم، قال: اضرب ظله ثمانين.
عن عكرمة أنه كان إذا رأى السؤال يوم الجمعة سبهم، ويقول: كان ابن عباس يسبهم، ويقول: لا تشهدون جمعة ولا عيدا إلا للمسألة والاذى، وإذا كانت رغبة الناس إلى الله، كانت رغبتهم إلى الناس، قلت: فكيف إذا انضاف إلى ذلك غنى ما عن السؤال، وقوة على التكسب.
وقد نقموا على هذا العالم أخلاقا وآراء، وروى حميد الطويل، عن عكرمة أنه ذكر عنده كراهة الحجامة للصائم، قال: أفلا تكره له الخراءة.

(5/19)


ابن لهيعة، عن أبي الاسود: أنا أول من هيج عكرمة على المسير إلى إفريقية، قلت له: أنا أعرف قوما لو أتيتهم، قال: فلقيني جليس له، فقال: هو ذا عكرمة يتجهز إلى إفريقية، فلما قدم عليهم، اتهموه.
قال: وكان قليل العقل خفيفا، كان قد سمع الحديث من رجلين، وكان إذا سئل حدث به عن واحد، ثم يسأل عنه بعد، فيحدث به عن الآخر، فكانوا يقولون: ما أكذبه، فشكوا ذلك إلى إسماعيل بن عبيد الانصاري، وكان له فضل وورع، فقال: لا بأس أنا أشفيكم منه، فبعث إليه، فقال له: كيف سمعت ابن عباس يقول في كذا وكذا ؟ فقال: كذا وكذا، فقال إسماعيل: صدقت، سألت عنها ابن عباس فقال: هكذا.
قال ابن لهيعة: وكان يحدث برأي نجدة الحروري (1)، وأتاه، فأقام عنده ستة أشهر، ثم أتى ابن عباس فسلم، فقال ابن عباس: قد جاء الخبيث.
سعيد بن أبي مريم، عن ابن لهيعة، عن أبي الاسود قال: كنت أول من سبب لعكرمة الخروج إلى المغرب، وذلك أني قدمت من مصر إلى المدينة، فلقيني عكرمة، وسألني عن أهل المغرب، فأخبرته بغفلتهم، قال: فخرج إليهم، وكان أول ما أحدث فيهم رأي الصفرية (2).
__________
(1) هو نجدة بن عامر الحروري الحنفي من بني حنيفة رأس الفرقة النجدية، ويعرف أصحابها بالنجدات، انفرد عن سائر الخوارج بآراء والحرورية: نسبة إلى حروراء: موضع على ميلين من الكوفة، كان أول اجتماع الخوارج به، فنسبوا إليه.
وقدم نجدة مكة، وقتل سنة 69 ه، وله مقالات معروفة، وأتباع انقرضوا، مترجم في " تاريخ الاسلام " 3 / 88، و " لسان الميزان " 6 / 148، و " شذرات الذهب " 1 / 76.
وقد قال الحافظ ابن حجر في " مقدمة الفتح " ص 427 وهو يرد عن عكرمة ما ألصق به: لم يثبت عنه من وجه قاطع أنه كان يرى ذلك، وإنما كان يوافق في بعض المسائل، فنسبوه إليهم،
وقد برأه أحمد والعجلي من ذلك، فقال في كتاب " الثقات " له: عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما مكي تابعي ثقة برئ مما يرميه الناس به من الحرورية.
وقال ابن جرير: ولو كان كل من ادعي عليه مذهب من المذاهب الرديئة، ثبت عليه ما ادعي به وسقطت عدالته، وبطلت شهادته بذلك، للزم ترك أكثر محدثي الامصار، لانه ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلى ما يرغب به عنه.
(2) هم فرقة من الخوارج أتباع زياد بن الاصفر، وقولهم كقول الازارقة في أن أصحاب الذنوب مشركون، إلا أن الصفرية لا يرون قتل أطفال مخالفيهم ولا نسائهم، وقالوا: كل ذنب له حد معلوم في =

(5/20)


قال يحيى بن بكير قدم عكرمة مصر ونزل هذه الدار، وخرج إلى المغرب، فالخوارج الذين بالمغرب عنه أخذوا.
قال علي بن المديني: كان عكرمة يرى رأي نجدة الحروري.
وقال أحمد بن زهير: سمعت يحيى بن معين يقول: إنما لم يذكر مالك عكرمة - يعني في " الموطأ " قال: لان عكرمة كان ينتحل رأي الصفرية.
وروى عمر بن قيس المكي، عن عطاء قال: كان عكرمة إباضيا (1).
وعن أبي مريم قال: كان عكرمة بيهسيا (2).
وقال إبراهيم الجوزجاني: سألت أحمد بن حنبل عن عكرمة، أكان يرى رأي الاباضية ؟ فقال: يقال: إنه كان صفريا، قلت: أتى البربر ؟ قال: نعم، وأتى خراسان يطوف على الامراء يأخذ منهم (3).
وقال علي بن المديني: حكي عن يعقوب الحضرمي، عن جده قال:
__________
= الشريعة لا يسمى مرتكبه مشركا ولا كافرا، بل يدعى باسمه المشتق من جريمته، فيقال: سارق، وقاتل، وقاذف، وكل ذنب ليس فيه حد كمن يترك الصلاة، فمرتكبه كافر، ولا يسمون مرتكب واحد من هذين النوعين جميعا مؤمنا.
" مقالات الاسلاميين " ص 182، 183، " والفرق بين الفرق " ص 70، و " التبصير في الدين " ص 52، و " الملل والنحل " 1 / 137.
(1) هم أتباع عبد الله بن إباض من بني مرة بن عبيد بن تميم خرج في دولة بني أمية، نقل عن الشهرستاني في " الملل والنحل " 1 / 134 قوله: إن مخالفينا من أهل القبلة كفار غير مشركين، ومناكحتهم جائزة، وموارثتهم حلال، وغنيمة أموالهم عند الحرب حلال، وما سواه حرام، وحرام قتلهم وسبيهم في السر غيلة إلا بعد نصب القتال، وإقامة الحجة، ولا تزال بقية من هؤلاء في بلاد الجزائر، وقد طول الزركلي في أعلامه في ترجمة عبد الله بن إياض، فراجعه.
(2) فرقة من الصفرية أصحاب أبي بيهس هيصم بن جابر الضبعي رأس الفرقة البيهسية من الخوارج، وقد كان الحجاج طلبه أيام الوليد، فهرب إلى المدينة، فطلبه بها عثمان بن حيان المري، فظفر به، وحبسه، ثم قتله بأمر من الوليد سنة 94 ه.
والاباضية والصفرية والبيهسية من الازارقة انظر " الملل والنحل " 1 / 125، 127.
(3) قبوله لجوائز الاماء لا يمنع من قبول روايته، فابن شههاب الزهري كان في ذلك أشهر من عكرمة، ومع ذلك، فلم يترك أحد الرواية عنه بسبب ذلك.
[ * ]

(5/21)


وقف عكرمة على باب المسجد فقال: ما فيه إلا كافر.
قال: وكان يرى رأي الاباضية.
وروى خلاد بن سليمان الحضرمي، عن خالد بن أبي عمران قال: دخل علينا عكرمة مولى ابن عباس بإفريقية في وقت الموسم، فقال: وددت أني اليوم بالموسم بيدي حربة أضرب بها يمينا وشمالا، وفي رواية: فأعترض بها من شهد الموسم.
قال خالد: فمن يومئذ رفضه أهل إفريقية.
قال مصعب بن عبد الله: كان عكرمة يرى رأي الخوارج، وادعى على ابن عباس أنه كان يرى رأي الخوارج.
هذه حكاية بلا إسناد.
قال أبو خلف عبد الله بن عيسى الخزاز، عن يحيى البكاء سمعت ابن عمر يقول لنافع: اتق الله، ويحك، لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن
عباس، كما أحل الصرف، وأسلم ابنه صيرفيا.
البكاء واه (1).
إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول لغلام له: يا برد، لا تكذب علي كما يكذب (2) عكرمة على ابن عباس.
__________
بل هو متروك اتفقوا على ضعفه، ومن المحال - كما قال ابن حبان - أن يجرح العدل بكلام المجروح.
(2) قال ابن حبان في ترجمة برد هذا من كتاب " الثقات ": أهل الحجاز يطلقون " كذب " في موضع " أخطأ " ويؤيد ذلك إطلاق عبادة بن الصامت قوله " كذب أبو محمد " لما أخبر أنه يقول: " الوتر واجب " فإن أبا محمد لم يقله رواية، وإنما قاله اجتهادا، والمجتهد لا يقال له: إنه كذب، وإنما يقال: إنه أخطأ.
قلت: وخبر عبادة أخرجه مالك 1 / 123، وأبو داود (1420) وأحمد 5 / 315 و 319، والنسائي 1 / 230، والدارمي 1 / 370، وابن ماجه (1401) كلهم من طريق يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان، عن ابن محيريز أن رجلا من كنانة يدعى المخدجي سمع رجلا بالشام يدعى أبا محمد يقول: إن الوتر لواجب، قال المخدجي: فرحت إلى عبادة بن الصامت، فاعترضت له وهو رائح إلى المسجد، فأخبرته بالذي قال أبو محمد، فقال عبادة: كذب أبو محمد، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " خمس صلوات كتبهن الله على العباد، من جاء بهن، لم ينقص منهن شيئا استخفافا بحقهن، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن، فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة " ورجال إسناده رجال الصحيح ما عدا المخدجي، فإنه لايعرف بغير هذا الحديث، لكن = (*)

(5/22)


قال إسحاق بن الطباع: سألت مالكا: أبلغك أن ابن عمر قال لنافع: لا تكذب علي كما كذب عكرمة على عبد الله ؟ قال: لا، ولكني بلغني أن سعيد ابن المسيب قال ذلك لبرد مولاه.
قلت: هذا أشبه، ولم يكن لعكرمة ذكر في أيام ابن عمر، ولا كان تصدى للرواية.
جرير بن عبدالحميد، عن يزيد بن أبي زياد قال: دخلت على علي بن عبد الله بن عباس، وعكرمة مقيد على باب الحش، قال: قلت: ما لهذا كذا، قال: إنه يكذب على أبي (1).
هشام بن سعد، عن عطاء الخراساني قال: قلت لسعيد بن المسيب: إن عكرمة يزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم (2)، فقال: كذب مخبثان (3)، اذهب إليه فسبه، سأحدثكم: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم، فلما حل تزوجها.
وقال شعبة، عن عمرو بن مرة: سأل رجل سعيد بن المسيب عن آية،
__________
= تابعه عبد الله الصنابحي عند أحمد 5 / 217، وأبي داود (425) وأبو إدريس الخولاني عند الطيالسي (78) فصح الحديث، وقد صححه ابن حبان (252) وغيره.
(1) يزيد بن أبي زياد ضعيف لا يحتج بنقله، فالخبر لا يصح.
والحش: البستان.
(2) لقد ظلم عكرمة في ذلك، فإن هذا مروي عن ابن عباس من طرق كثيرة أنه كان يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم.
وهو معدود في أوهامه رضي الله عنه، فقد صح عن يزيد بن الاصم بن أخت ميمونة، عن ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال، وبنى بها حلالا، وماتت بسرف أخرجه الترمذي (854) ومسلم (1411) وأبو داود (1843) وابن ماجه (1964) وعن سليمان بن يسار، عن أبي رافع، قال: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة حلالا، وبنى بها حلالا، وكنت أنا الرسول بينهما.
أخرجه أحمد 6 / 293، والترمذي (841) وحسنه، وأخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 348 عن سليمان بن يسار مولى ميمونة مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع مولاه ورجلا من الانصار، فزوجاه ميمونة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قبل أن يخرج.
(3) في " اللسان ": هو الخبيث، ويقال للرجل والمرأة جميعا، وكأنه يدل على المبالغة.
[ * ]

(5/23)


فقال: لا تسألني عن القرآن، وسل عنه من يزعم أنه لا يخفى عنه منه شئ
يعني عكرمة.
وقال مطر: قلت لعطاء: إن عكرمة قال: قال ابن عباس: سبق الكتاب المسح على الخفين، فقال: كذب عكرمة، سمعت ابن عباس يقول: امسح على الخفين وإن خرجت من الخلاء (1).
مسلم الزنجي، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم أنه كان جالسا مع سعيد بن جبير، فمر به عكرمة ومعه ناس، فقال لنا سعيد: قوموا إليه واسألوه، واحفظوا ما تسألون عنه وما يجيبكم، فقمنا وسألناه فأجابنا، ثم أتينا سعيدا فأخبرناه، فقال: كذب (2).
بشر بن المفضل، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم سألت عكرمة، أنا وعبد الله بن سعيد، عن قوله: * (والنخل باسقات) * [ ق: 10 ] قال: بسوقها كبسوق النساء عند ولادتها، فرحت إلى سعيد، فأخبرته، فقال: كذب، بسوقها: طولها (3).
إسرائيل، عن عبد الكريم الجزري، عن عكرمة أنه كره كراء الارض،
__________
(1) وأخرجه البيهقي في " سننه " 1 / 273، وقال: ويحتمل أن يكون ابن عباس قال ما روى عنه عكرمة، ثم لما جاءه التثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح بعد نزول المائدة قال ما قال عطاء.
ونقل ابن المنذر عن ابن المبارك قال: ليس في المسح على الخفين عن الصحابة اختلاف، لان كل من روي عنه منهم إنكاره، فقد روي إثباته.
وقال ابن عبد البر: لا أعلم روي عن أحد من فقهاء السلف إنكاره إلا عن مالك مع أن الروايات الصحيحة عنه مصرحة بإثباته، وقال النووي: وقد صرح جمع من الحفاظ بأن المسح على الخفين متواتر، وجمع بعضهم رواته، فجاوزوا الثمانين ومنهم العشرة، وفي مصنف ابن أبي شيبة وغيره عن الحسن البصري: حدثني سبعون من الصحابة بالمسح على الخفين.
(2) مسلم بن خالد الزنجي ضعيف كثير الاوهام، فالخبر لا يصح.
(3) وقد وافق عكرمة في تفسيره هذا الحسن البصري والفراء، ففي القرطبي 17 / 6، 7: وقال الحسن وعكرمة والفراء: مواقير: حوامل، يقال للشاة: بسقت: إذا ولدت، على أن تفسير
" الباسقات " بالطوال مروي أيضا عن عكرمة نقله عنه الطبري 26 / 153 من طريق هناد، عن أبي الاحوص، عن سماك..[ * ]

(5/24)


فذكرت ذلك لسعيد فقال: كذب عكرمة، سمعت ابن عباس يقول: " إن أمثل ما أنتم صانعون استئجار الارض البيضاء سنة بسنة " (1).
وقال مسلم بن إبراهيم، عن الصلت بن دينار، سألت ابن سيرين عن عكرمة فقال: ما يسوؤني أن يكون من أهل الجنة، ولكنه كذاب.
وروى عارم، عن الصلت بن دينار: قلت لابن سيرين: إن عكرمة يؤذينا ويسمعنا ما نكره، فقال كلاما فيه لين، أسأل الله أن يميته ويريحنا منه (2) وهيب [ بن خالد ] سمعت يحيى بن سعيد وأيوب ذكرا عكرمة، فقال يحيى: كان كذابا، وقال أيوب: لم يكن بكذاب.
هشام بن عبد الله بن عكرمة المخزومي (3) سمعت ابن أبي ذئب يقول: رأيت عكرمة، وكان غير ثقة.
هكذا رواه عمران بن موسى بن مجاشع، عن إبراهيم بن المنذر عنه، ورواه العقيلي عن محمد بن زريق بن جامع، عن إبراهيم فقال: كان ثقة.
فالله أعلم، والرواية الاولى أشبه.
قال رجاء بن أبي سلمة: سمعت ابن عون يقول: ما تركوا أيوب حتى استخرجوا منه ما لم يكن يريد - يعني الرواية عن عكرمة - وقال ضمرة: قيل لداود بن أبي هند: هل تروي عن عكرمة ؟ قال: هذا عمل أيوب، قال: عكرمة ؟ فقلنا: عكرمة.
__________
(1) إسناده صحيح، وعلق قول ابن عباس البخاري في " صحيحه " 5 / 19 في الحرث: باب كراء الارض بالذهب والفضة، وقال الحافظ: وصله الثوري في " جامعه " قال: أخبرني عبد الكريم هو الجزري، عن سعيد بن جبير عنه، ولفظه: إن أمثل ما أنتم صانعون أن تستأجروا الارض البيضاء ليس
فيها شجر يعني من السنة إلى السنة.
وإسناده صحيح، وأخرجه البيهقي 6 / 133 من طريق عبد الله بن الوليد العدني، عن سفيان به.
(2) يغلب على الظن أن طعن ابن سيرين عليه من جهة الرأي، فقد قال خالد الحذاء: كل ما قال ابن سيرين: ثبت عن ابن عباس، فإنما أخذه عن عكرمة، وكان لا يسميه، لانه لم يكن يرضاه (3) قال ابن حبان في " المجروحين والضعفاء " 3 / 91: لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد.
[ * ]

(5/25)


وقال معن وغيره: كان مالك لا يرى عكرمة ثقة، ويأمر أن لا يؤخذ عنه.
قال يحيى بن معين: كان مالك يكره عكرمة، قيل: فقد روى عن رجل عنه، قال: شي يسير.
وقال ابن المديني: لم يسم مالك عكرمة في شئ من كتبه إلا في حديث ثور، عن عكرمة، عن ابن عباس في الذي يصيب أهله وهو محرم، قال: يصوم ويهدي (1) وكأنه ذهب إلى أنه يرى رأي الخوارج.
وكان يقول في كتبه: رجل.
وروى الربيع عن الشافعي قال: ومالك سيئ الرأي في عكرمة، قال: لا أرى لاحد أن يقبل حديثه.
قال أحمد بن حنبل: عكرمة بن خالد أوثق من عكرمة مولى ابن عباس، عكرمة مضطرب الحديث يختلف عنه، وما أدري.
وقال قتادة: ما حفظت عن عكرمة إلا بيت شعر، رواه عنه أيوب.
فعلى هذا روايته عنه تدليس.
وفي صحيح البخاري لقتادة عن عكرمة أربعة أحاديث: في تكبيرات الصلاة، والخنصر والابهام سواء، والمتشبهين بالنساء، وفي زوج بريرة (2) وفي السنن أحاديث.
قال أحمد بن أبي خيثمة: رأيت في كتاب علي بن المديني، سمعت
__________
(1) أخرجه مالك 1 / 384 في الحج: باب من أصاب أهله قبل أن يفيض أي: قبل أن يطوف طواف الافاضة.
وقوله: " يصوم ويهدي " كذا الاصل، وهو كذلك في تهذيب الكمال، والذي في " الموطأ " " يعتمر ويهدي " وهو الصواب.
(2) انظر البخاري 2 / 225 في صفة الصلاة: باب التكبير وإذا قام من السجود، و 12 / 198 في الديات: باب دية الاصابع و 10 / 279 في اللباس: باب المتشبهين بالنساء والمتشبهات بالرجال، و 9 / 258 في النكاح: باب خيار الامة تحت العبد.
[ * ]

(5/26)


يحيى بن سعيد يقول، حدثوني والله عن أيوب، أنه ذكر له: عكرمة لا يحسن الصلاة.
قال أيوب: وكان يصلي ؟ ! الفضل بن موسى، عن رشدين بن كريب قال: رأيت عكرمة قد أقيم قائما في لعب النرد.
وقال يزيد بن هارون: قدم عكرمة البصرة، فأتاه أيوب وسليمان التيمي ويونس، فبينا هو يحدثهم إذ سمع صوت غناء، فقال: أمسكوا، ثم قال: قاتله الله، لقد أجاد، فأما سليمان ويونس، فما عادا إليه، وعاد إليه أيوب، فأحسن أيوب.
قال ابن علية: ذكر أيوب عكرمة فقال: كان قليل العقل، أتيناه يوما فقال: والله لاحدثنكم، فمكث، فجعل يحدثنا، ثم قال: أيحسن حسنكم مثل هذا ؟ وبينا أنا عنده إذ رأى أعرابيا فقال: هاه (1)، ألم أرك بأرض الجزيرة أو غيرها، فأقبل عليه وتركنا.
وروى شبابة عن المغيرة بن مسلم قال: لما قدم عكرمة خراسان قال أبو مجلز: سلوه ما جلاجل الحاج ؟ فسئل، فقال: وأنى هذا بهذه الارض ؟ !
جلاجل الحاج: الافاضة، فقيل لابي مجلز، فقال: صدق.
قال عبد العزيز بن أبي رواد: قلت لعكرمة: تركت الحرمين، وجئت إلى خراسان ؟ ! قال: أسعى على بناتي.
شبابة، أخبرنا أبو الطيب موسى بن يسار قال: رأيت عكرمة جائيا من سمرقند على حمار، تحته جوالقان (2)، فيهما حرير، أجازه بذلك عامل
__________
(1) كلمة تقال للتذكر، وتقال أيضا عند التوجع والتلهف.
(2) تثنية جوالق، بضم الجيم وكسر اللام أو فتحها: عدل كبير منسوج من صوف أو شعر.
فارسي معرب.
[ * ]

(5/27)


سمرقند، ومعه غلام، وقيل له: ما جاء بك إلى هذه البلاد ؟ قال: الحاجة.
وقال عمران بن حدير: تناول عكرمة عمامة له خلقا، فقال رجل: ما تريد إلى هذه ؟ عندنا عمائم نرسل إليك بواحدة، قال: لا آخذ من الناس شيئا، إنما آخذ من الامراء.
الاعمش، عن إبراهيم قال: لقيت عكرمة فسألته عن البطشة الكبرى (1) قال: يوم القيامة، فقلت: إن عبد الله كان يقول: يوم بدر، فأخبرني من سأله بعد ذلك، فقال: يوم بدر.
قلت: القولان مشهوران (2).
عباس بن حماد، عن عثمان بن مرة قال: قلت للقاسم: إن عكرمة قال: حدثنا ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزفت، والنقير، والدباء، والحنتم، والجرار (3).
قال: يا ابن أخي ! إن عكرمة كذاب يحدث غدوة حديثا
__________
(1) أي: في قوله تعالى * (يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون) * وتفسير ابن مسعود أخرجه البخاري 8 / 439 في التفسير: باب (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين) وقد وافق ابن مسعود رضي الله عنه على تفسير الآية بهذا جماعة من السلف كمجاهد وأبي العالية وإبراهيم النخعي، والضحاك،
وعطية العوفي، وهو اختيار ابن جرير الطبري.
(2) انظر الطبري 25 / 111، 115 وقال الحافظ في " مقدمة الفتح " ص 427: وأما طعن إبراهيم عليه بسبب رجوعه عن قوله في تفسير البطشة الكبرى إلى ما أخبر به ابن مسعود، فالظاهر أن هذا يوجب الثناء على عكرمه لا القدح، إذ كان يظن شيئا، فبلغه عمن هو أولى منه خلافه، فترك قوله لاجل قوله.
(3) ولم ينفرد عكرمة بذلك، بل رواه عن ابن عباس أبو جمرة نصر بن عمران، انظر البخاري 1 / 120، 125 و 166 و 6 / 146، و 8 / 67 ومسلم (17) وأبو داود (3692) وأحمد 1 / 228 و 274.
والمزفت: الوعاء المطلي بالزفت من داخل، والنقير: أصل خشبة تنقر، وقيل: أصل نخلة، والدباء: القرع، واحدها: دباءة، والحنتم: جرار خضر كانوا يخزنون فيها الخمر، والجرار: جمع جرة وهو من الخزف معروف، وقيل: هو ماكان منه مدهونا.
وهذه الاوعية الاربعة تسرع بالشدة في الشراب، وتحدث فيه القوة المسكرة عاجلا.
وتحريم الانتباذ في هذه الظروف كان في صدر الاسلام، ثم نسخ كما في حديث بريدة رضي الله عنه مرفوعا: " كنت نهيتكم عن الاشربة في ظروف الادم، فاشربوا في كل وعاء غير ألا تشربوا مسكرا " أخرجه مسلم في " صحيحه " (977) (65) 3 / 1585.
[ * ]

(5/28)


يخالفه عشية.
وروى روح بن عبادة عن عثمان نحوه.
القاسم بن معن، حدثني أبي، عن عبدالرحمن، قال: حدث عكرمة بحديث فقال: سمعت ابن عباس يقول: كذا وكذا، فقلت: يا غلام ! هات الدواة والقرطاس، فقال: أعجبك ؟ قلت: نعم، قال: إنما قلته برأيي (1).
أبو مسهر، عن سعيد بن عبد العزيز قال: قال خالد بن يزيد بن معاوية في عكرمة: نعم صاحب رجل عالم، وبئس صاحب رجل جاهل، أما العالم، فيأخذ ما يعرف، وأما الجاهل، فيأخذ كل ما سمع، ثم قال سعيد: وكان عكرمة يحدث الحديث، ثم يقول في نفسه: إن كان كذلك.
النضر بن شميل: حدثنا سالم أبو عتاب بصري قال: كنت أطوف أنا وبكر بن عبد الله المزني، فضحك بكر، فقيل له: ما يضحكك ؟ قال: العجب من أهل البصرة أن عكرمة حدثهم - يعني عن ابن عباس - في تحليل الصرف، فإن كان عكرمة حدثهم أنه أحله، فأنا أشهد أنه صدق، ولكني أقيم خمسين من أشياخ المهاجرين والانصار يشهدون أنه انتفى منه (2).
معتمر بن سليمان، عن أبيه، قيل لطاووس: إن عكرمة يقول: لا يدافعن أحدكم الغائط والبول في الصلاة، أو كلاما هذا معناه، فقال طاووس ؟ المسكين لو اقتصر على ما سمع كان قد سمع علما.
قلت أصاب هنا عكرمة، فقد صح الحديث في ذلك (3) أعني قبل
__________
(1) قال الحافظ: وأما قصة القاسم بن معن، ففيها دلالة على تحريه فإنه حدثه في المذاكرة بشئ فلما رآه يريد أن يكتبه عنه، شك فيه، فأخبره أنه إنما قاله برأيه، فهذا أولى أن يحمل عليه من أن يظن به أنه تعمد الكذب على ابن عباس رضي الله عنه.
(2) سالم أبو عتاب لايعرف بجرح ولا تعديل كما في " الجرح والتعديل " 4 / 191.
وانظر " فتح الباري " 4 / 319، ومسلم (1594) و (1596).
(3) أخرج مسلم في " صحيحه " (560) في المساجد: باب كراهية الصلاة بحضرة الطعام = [ * ]

(5/29)


الاحرام بالصلاة - فإن عرض له ذلك في الصلاة، وأمكنه الصبر، فصلاته صحيحة، وإن أجهده ذلك فلينصرف.
وروى إبراهيم بن ميسرة، عن طاووس: لو أن مولى ابن عباس اتقى الله، وكف من حديثه، لشدت إليه المطايا.
وروى أحمد بن منصور المروزي، عن أحمد بن زهير قال: عكرمة أثبت الناس فيما روى، ولم يحدث عن أقرانه، أكثر حديثه عن الصحابة.
وقال أبو طالب عن أحمد بن حنبل: قال خالد الحذاء: كل ما قال محمد بن سيرين نبئت عن ابن عباس، فإنما رواه عن عكرمة، قيل: ما شأنه ؟ قال: كان يرى رأي الخوارج، رأي الصفرية، ولم يدع موضعا إلا خرج إليه: خراسان والشام واليمن ومصر وإفريقية.
قال أحمد: وإنما أخذ أهل إفريقية رأي الصفرية من عكرمة لما قدم عليهم، وكان يأتي الامراء يطلب جوائزهم.
واختلف أهل المدينة في المرأة تموت ولم يلاعنها زوجها: يرثها ؟ فقال أبان بن عثمان: ادعوا مولى ابن عباس، فدعي فأخبرهم، فعجبوا منه، وكانوا يعرفونه بالعلم (1).
__________
= الذي يريد أكله في الحال، وكراهة الصلاة مع مدافعة الاخبثين من حديث عائشة رضي الله عنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافعه الاخبثان " وأخرجه أبو داود (89) وفي الباب عن أبي هريرة عند ابن حبان (195) بلفظ " لا يصلي أحدكم وهو يدافعه الاخبثان " وعن عبد الله بن الارقم عند مالك في " الموطأ " 1 / 159، وأبي داود (88) والترمذي (142) والنسائي 2 / 110، 111، وابن ماجه (616) وإسناده صحيح، وصححه الترمذي، والحاكم 1 / 168 ووافقه الذهبي، ولفظه " إذا أراد أحدكم الغائط، فليبدأ به قبل الصلاة " وفي لفظ " إذا أراد أحدكم أن يذهب إلى الخلاء، وقامت الصلاة، فليبدأ بالخلاء ".
(1) انظر أقوال العلماء في الوقت الذي تقع فيه الفرقة بين الزوجين في اللعان في " شرح السنة " 9 / 255 وما بعدها بتحقيقنا.
[ * ]

(5/30)


ومات هو وكثير عزة في يوم واحد، فقالوا: مات أعلم الناس وأشعر الناس.
قال أبو بكر المروذي، قلت لاحمد: يحتج بحديث عكرمة ؟ قال: نعم يحتج به.
وقال عثمان بن سعيد: قلت لابن معين: فعكرمة أحب إليك في ابن عباس أو عبيدالله ؟ قال: كلاهما، ولم يختر، قلت: فعكرمة، أو سعيد بن جبير ؟ فقال: ثقة وثقة.
وروى جعفر بن أبي عثمان الطيالسي، عن يحيى بن معين قال: إذا رأيت إنسانا يقع في عكرمة، وفي حماد بن سلمة، فاتهمه على الاسلام.
قلت: هذا محمول على الوقوع فيهما بهوى وحيف في وزنهما، أما من نقل ما قيل في جرحهما وتعديلهما على الانصاف، فقد أصاب، نعم إنما قال يحيى هذا في معرض رواية حديث خاص في رؤية الله تعالى في المنام، وهو حديث يستنكر.
وقد جمع ابن مندة فيه جزءا سماه: " صحة حديث عكرمة ".
وقال يعقوب بن شيبة: سمعت عليا يقول: لم يكن في موالي ابن عباس أغزر من عكرمة.
كان عكرمة من أهل العلم، قد روى عنه الشعبي، وإبراهيم، وجابر أبو الشعثاء، وعطاء، ومجاهد.
وقال أحمد العجلي: مكي تابعي ثقة برئ مما يرميه به الناس من الحرورية.
يعني من رأيهم.
وقال البخاري: ليس أحد من أصحابنا إلا وهو يحتج بعكرمة.
وقال النسائي: ثقة.

(5/31)


وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: ثقة، قلت: يحتج بحديثه ؟ قال: نعم إذا روى عنه الثقات، والذي أنكر عليه يحيى بن سعيد ومالك، فلسبب رأيه.
قيل لابي: فموالي ابن عباس ؟ قال: كريب وسميع وشعبة وعكرمة، وهو أعلاهم.
وسئل أبي عن عكرمة وسعيد بن جبير، أيهما أعلم بالتفسير ؟ فقال: أصحاب ابن عباس عيال على عكرمة (1).
قال الحافظ ابن عدي في " كامله " وعكرمة لم أخرج هنا من حديثه شيئا، لان الثقات إذا رووا عنه، فهو مستقيم الحديث إلا أن يروي عنه ضعيف، فيكون قد أتي من قبل الضعيف، لا من قبله، ولم يمتنع الائمة من الرواية عنه، وأصحاب الصحاح أدخلوا أحاديثه إذا روى عنه ثقة في صحاحهم، وهو أشهر من أن أحتاج أن أخرج له شيئا من حديثه، وهو لا بأس به (2).
وقال أبو أحمد الحاكم: احتج بحديثه الائمة القدماء، لكن بعض المتأخين أخرج حديثه من حيز الصحاح.
قلت: ما علمت مسلما أخرج له سوى حديث واحد، لكنه مقرون بآخر، فروى لابن جريج عن أبي الزبير عن عكرمة.
وطاووس عن ابن عباس في حج ضباعة (3).
قال الخصيب بن ناصح: حدثنا خالد بن خداش قال: شهدت حماد بن
__________
(1) " الجرح والتعديل " 7 / 8، 9.
(2) الكامل اللوحة 623.
(3) هي ضباعة بنت الزبير أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني امرأة ثقيلة، وإني أريد الحج فما تأمرني ؟ قال: أهلي بالحج واشترطي أن محلي حيث تحبسني، قال: فأدركت.
أخرجه مسلم في " صحيحه " (1208) في الحج: باب جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه.
[ * ]

(5/32)


زيد في آخر يوم مات فيه، فقال: أحدثكم بحديث لم أحدث به قط، إني أكره أن ألقى الله ولم أحدث به، سمعت أيوب يحدث عن عكرمة قال: إنما أنزل
الله متشابه القرآن ليضل به.
قلت: هذه عبارة رديئة، بل إنما أنزله الله تعالى ليهدي به المؤمنين، وما يضل به إلا الفاسقين، كما أخبرنا عزوجل في سورة البقرة (1).
قال ابن سعد: كان عكرمة كثير العلم والحديث، بحرا من البحور، وليس يحتج بحديثه، ويتكلم الناس فيه.
قال مصعب بن عبد الله الزبيري: كان عكرمة يرى رأي الخوارج، فطلبه متولي المدينة، فتغيب عند داود بن الحصين حتى مات عنده.
قلت: ولهذا ينفرد عنه داود بأشياء تستغرب، وكثير من الحفاظ عدوا تلك الافرادات مناكير، ولا سيما إذا انفرد بها مثل ابن إسحاق ونحوه.
روى إسماعيل بن أبي أويس، عن مالك بن أنس، عن أبيه قال: أتي بجنازة عكرمة مولى ابن عباس وكثير عزة بعد الظهر، فما علمت أن أحدا من أهل المسجد حل حبوته إليهما.
وروى أبو داود السنجي، عن الاصمعي، عن ابن أبي الزناد قال: مات كثير وعكرمة مولى ابن عباس في يوم واحد، فأخبرني غير الاصمعي، قال: فشهد الناس جنازة كثير وتركوا جنازة عكرمة.
__________
(1) نص الآية * (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الارض أولئك هم الخاسرون) * [ البقرة: 26، 27 ].
[ * ]

(5/33)


قلت: ما تركوا عكرمة - مع علمه - وشيعوا كثيرا إلا عن بلية كبيرة في نفوسهم له رضي الله عنه.
وروى يحيى بن بكير، عن الدراوردي قال: مات عكرمة وكثير عزة في يوم واحد فما شهدهما إلا سودان المدينة.
وقال نوح بن حبيب: ماتا في يوم، فقال الناس: مات فقيه الناس، وشاعر الناس.
البخاري وغيره، عن علي بن المديني قال: مات عكرمة بالمدينة سنة أربع ومئة، رواها يعقوب الفسوي عن علي فزاد، قال: فما حمله أحد، اكتروا له أربعة.
وقال علي بن عبد الله التميمي، ومصعب بن عبد الله، وابن نمير، والفلاس، وأبو عبيد، وشباب، وابن يونس، مات سنة خمس ومئة.
وكذا نقل أبو الحسن بن البراء عن ابن المديني.
قال التميمي وابن يونس: وهو ابن ثمانين سنة.
وقال الواقدي: حدثتني بنته أم داود أنه توفي سنة خمس ومئة.
وقال الهيثم بن عدي وأبو عمر الضرير: مات سنة ست ومئة، والاصح سنة خمس.
وقال أبو معشر السندي، وأبو نعيم، وابن أبي شيبة، وأخوه عثمان، وهارون بن حاتم، وقعنب بن المحرر: مات سنة سبع ومئة، وقيل غير ذلك.
خرج له مسلم مقرونا بطاووس في الحج، فالذين أهدروه كبار، والذين احتجوا به كبار (1) والله أعلم بالصواب.
__________
(1) قال أبو جعفر بن جرير الطبري: ولم يكن أحد يدفع عكرمة عن التقدم في العلم بالفقه والقرآن وتأويله، وكثرة الرواية للآثار، وأنه كان عالما بمولاه، وفي تقريظ جلة أصحاب ابن عباس = [ * ]

(5/34)


أخبرنا عبدالرحمن بن محمد وجماعة إجازة، قالوا: أخبرنا عمر بن
محمد، أخبرنا ابن الحصين، أخبرنا ابن غيلان، أخبرنا أبو بكر الشافعي، حدثنا موسى بن سهل الوشاء، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا عباد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خير يوم يحتجم فيه يوم سبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين، وما مررت بملا من الملائكة ليلة أسري بي إلا قالوا: عليك بالحجامة يا محمد " (1).
تفرد به عباد، وفيه ضعف، أخرجه أحمد في مسنده عن يزيد.
وروى ابن المبارك، عن معمر، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة * (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) * [ المعارج: 4 ] قال: من أول الدنيا إلى آخرها خمسون ألف سنة، لا يعلم أحدكم مضى، وكم بقي إلا الله عزوجل (2)
__________
= إياه، ووصفهم له بالتقدم في العلم، وأمرهم الناس بالاخذ عنه ما بشهادة بعضهم تثبت عدالة الانسان، ويستحق جواز الشهادة، ومن ثبتت عدالته، لم يقبل فيه الجرح، وما تسقط العدالة بالظن، وبقول فلان لمولاه: لا تكذب علي وما أشبهه من القول الذي له وجوه وتصاريف ومعان غير الذي وجهه إليه أهل الغباوة، ومن لا علم له بتصاريف كلام العرب.
وقال ابن مندة في " صحيحه ": وأما حال عكرمة في نفسه، فقد عدله أمة من نبلاء التابعين، فمن بعدهم، وحدثوا عنه، واحتجوا بمقاريده في الصفات والسنن والاحكام، روى عنه زهاء ثلاث مئة رجل من البلدان منهم زيادة على سبعين رجلا من خيار التابعين ورفعائهم، وهذه منزلة لا تكاد توجد لكثير من التابعين على أن من جرحه من الائمة لم يمسك من الرواية عنه، ولم يستغنوا عن حديثه، وكان يتلقى حديثه بالقبول، ويحتج به قرنا بعد قرن، وإماما بعد إمام إلى وقت الائمة الاربعة الذين أخرجوا الصحيح، وميزوا ثابته من سقيمه، وخطأه من صوابه، وأخرجوا روايته، وهم البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، فأجمعوا على إخراج حديثه، واحتجوا به على أن مسلما كان أسوأهم رأيا فيه، وقد أخرج عنه مقرونا وعدله بعدما جرحه.
(1) أخرجه أحمد 1 / 354، والترمذي (2054) والطيالسي (2666) والحاكم 4 / 409، وسنده
ضعيف لضعف عباد بن منصور لتدليسه وسوء حفظه وتغيره.
(2) وأخرجه عبد الرزاق في " تفسيره " عن معمر فيما ذكره الحافظ ابن كثير 4 / 419.
وروى ابن أبي حاتم من طريق عبدالرحمن بن مهدي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) قال: يوم القيامة.
ورجاله ثقات.
[ * ]

(5/35)


قال سنيد بن داود في تفسيره: حدثنا عباد بن عباد المهلبي، عن عاصم الاحول، عن عكرمة في رجل قال لغلامه: إن لم أجلدك مئة سوط، فامرأته طالق، قال: لا يجلد غلامه، ولا يطلق امرأته، هذا من خطوات الشيطان.
قلت: هذا واضح في أن عكرمة كان يرى أن اليمين بالطلاق في الغضب من نزغات الشيطان، فلا يقع بذلك طلاق.
والله أعلم.
وقيل: إن عكرمة هي الحمامة الانثى.

10 - أبو صالح السمان * (ع) القدوة الحافظ الحجة ذكوان بن عبد الله مولى أم المؤمنين جويرية الغطفانية.
كان من كبار العلماء بالمدينة، وكان يجلب الزيت والسمن إلى الكوفة، ولد في خلافة عمر، وشهد فيما بلغنا - يوم الدار، وحصر عثمان، وسمع من سعد بن أبي وقاص، وعائشة، وأبي هريرة، وابن عباس، وأبي سعيد، وعبد الله بن عمر، ومعاوية، وطائفة سواهم، ولازم أبا هريرة مدة.
حدث عنه ابنه سهيل بن أبي صالح، والاعمش، وسمي، وزيد بن أسلم، وبكير بن الاشج، وعبد الله بن دينار، والزهري، ويحيى بن سعيد الانصاري، وخلق سواهم.
ذكره الامام أحمد فقال: ثقة ثقة، من أجل الناس وأوثقهم، وقيل: كان عظيم اللحية.
وروى أبو خالد الاحمر، عن الاعمش قال: سمعت من أبي صالح السمان ألف حديث.
__________
* طبقات ابن سعد 5 / 301، التاريخ الكبير 3 / 260، التاريخ الصغير 1 / 239، تاريخ الفسوي 1 / 415، الجرح والتعديل 3 / 450، تهذيب الكمال: 400، تذهيب التهذيب 1 / 213 / 1، تاريخ الاسلام 4 / 219، العبر 1 / 121، تذكرة الحفاظ 1 / 89، تهذيب التهذيب 3 / 219.
[ * ]

تعليق المستخدم :" أبو صالح السمان" : كانت في الأصل "السبمان" بالباء الموحدة قبل الميم ، وهي تصحيف ، وقمت بتصحيحها ، وصوابها "السمان" بحذف الباء .

حرره : عبد الرحمن الشامي .

(5/36)


قال أبو الحسن الميموني: سمعت أبا عبد الله يقول: كانت لابي صالح لحية طويلة، فإذا ذكر عثمان رضي الله عنه، بكى فارتجت لحيته، وقال: هاه، هاه.
وذكر أبو عبد الله من فضله.
حفص بن غياث، عن الاعمش قال: كان أبو صالح مؤذنا فأبطأ الامام، فأمنا، فكان لا يكاد يجيزها من الرقة والبكاء، رحمه الله.
وقال أبو حاتم: ثقة صالح الحديث، يحتج بحديثه، وقيل: إن أبا هريرة كان إذا رأى أبا صالح قال: ما على هذا أن يكون من بني عبد مناف.
قلت: توفي سنة إحدى ومئة.

11 - أبو صالح باذام * (4) ويقال: باذان.
[ حدث ] عن مولاته أم هانئ، وأخيها علي، وأبي هريرة، وابن عباس.
حدث عنه أبو قلابة، والاعمش، والسدي، ومحمد بن السائب الكلبي، ومحمد بن سوقة، ومالك بن مغول، وسفيان الثوري، وعمار بن محمد.
وهو آخر من روى عنه.
قال يحيى بن معين: ليس به بأس، وإذا حدث عنه الكلبي فليس بشئ.
وقال يحيى القطان: لم أر أحدا من أصحابنا تركه.
وقال ابن عدي: عامة ما يرويه تفسير، قل ما له من المسند.
وقال النسائي: ليس بثقة، كذا عندي، وصوابه بقوي، فكأنها
__________
* طبقات ابن سعد 5 / 302، التاريخ الكبير 2 / 144، التاريخ الصغير 1 / 238، الفسوي 2 / 685، 686 و 782 و 785 و 800، الجرح والتعديل 2 / 431، المجروحين والضعفاء 1 / 185، تهذيب الكمال: 140، تذهيب التهذيب 1 / 79 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 233، ميزان الاعتدال 1 / 266، تهذيب التهذيب 1 / 416، خلاصة تذهيب الكمال: 54.
[ * ]

(5/37)


تصحفت، فإن النسائي لا يقول: ليس بثقة في رجل مخرج في كتابه، وهذا الرجل من طبقة السمان، لكنه عاش بعده نحوا من عشرين سنة.

12 - أبو صالح الحنفي * (م، د، س) الكوفي، يقال: عبدالرحمن بن قيس.
له عن علي، وابن مسعود، وأبي هريرة.
وعنه بيان بن بشر، وابن أبي خالد، وسعيد والد الثوري، وطائفة، وثقه ابن معين، وما هو بالمكثر.

13 - طاووس * * (ع) ابن كيسان، الفقيه القدوة عالم اليمن، أبو عبد الرحمن الفارسي، ثم اليمني الجندي (1) الحافظ.
كان من أبناء الفرس الذين جهزهم كسرى لاخذ اليمن له، فقيل: هو مولى بحير بن ريسان الحميري، وقيل: بل ولاؤه لهمدان.
أراه ولد في دولة
__________
* طبقات ابن سعد 2 / 615، التاريخ الكبير 5 / 338، تاريخ الفسوي 2 / 615، الجرح والتعديل 5 / 276، تهذيب الكمال: 813، تذهيب التهذيب 2 / 226 / 1، تاريخ الاسلام 4 / 78، تهذيب التهذيب 6 / 256، خلاصة تذهيب الكمال: 233.
* * طبقات ابن سعد 5 / 537، طبقات خليفة: 287، تاريخ خليفة: 236، التاريخ الكبير 4 / 365، التاريخ الصغير 1 / 252، تاريخ الفسوي 1 / 705، الجرح والتعديل 4 / 500، حلية الاولياء 4 / 3، 23، طبقات الفقهاء للشيرازي 73، اللباب 1 / 241، تهذيب الاسماء واللغات 1 / 251، وفيات الاعيان 2 / 509، تهذيب الكمال: 623، تذهيب التهذيب 2 / 101 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 126، تذكرة الحفاظ 1 / 90، العبر 1 / 130، طبقات القراء 1 / 341، تهذيب التهذيب 5 / 8، النجوم الزاهرة 1 / 260، طبقات الحفاظ: 34، خلاصة تذهيب الكمال: 181، شذرات الذهب 1 / 133.
(1) نسبة إلى مدينة كبيرة باليمن كثيرة الخيرات، بها قوم من خولان، وبها مسجد جامع بناه معاذ بن جبل رضي الله عنه حين نزلها، نزل بها طاووس، فنسب إليها.
[ * ]

(5/38)


عثمان رضي الله عنه، أو قبل ذلك.
سمع من زيد بن ثابت، وعائشة، وأبي هريرة، وزيد بن أرقم، وابن عباس، ولازم ابن عباس مدة، وهو معدود في كبراء أصحابه.
وروى أيضا عن جابر، وسراقة بن مالك، وصفوان بن أمية، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعن زياد الاعجم، وحجر المدري، وطائفة.
وروى عن معاذ مرسلا.
روى عنه عطاء، ومجاهد، وجماعة من أقرانه، ابنه عبد الله، والحسن بن مسلم، وابن شهاب، وإبراهيم بن ميسرة، وأبو الزبير المكي، وسليمان التيمي، وسليمان بن موسى الدمشقي، وقيس بن سعد المكي، وعكرمة بن عمار، وأسامة بن زيد الليثي، وعبد الملك بن ميسرة، وعمرو بن دينار، وعبد الله بن أبي نجيح، وحنظلة بن أبي سفيان، وخلق سواهم.
وحديثه في دواوين الاسلام، وهو حجة باتفاق.
فروى عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال: إني لاظن طاووسا من أهل الجنة.
وقال قيس بن سعد: هو فينا مثل ابن سيرين في أهل البصرة.
سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح قال: قال مجاهد لطاووس: رأيتك يا أبا عبدالرحمن تصلي في الكعبة، والنبي صلى الله عليه وسلم على بابها يقول لك: اكشف قناعك، وبين قراءتك.
قال طاووس: اسكت لا يسمع هذا منك أحد، قال: ثم خيل إلي أنه انبسط في الكلام، يعني فرحا بالمنام.
عبد الرزاق، عن داود بن إبراهيم أن الاسد حبس ليلة الناس في طريق الحج، فدق الناس بعضهم بعضا، فلما كان السحر، ذهب عنهم، فنزلوا

(5/39)


وناموا، وقام طاووس يصلي، فقال له رجل: ألا تنام، فقال: وهل ينام أحد السحر.
أخبرنا إسحاق بن أبي بكر، أخبرنا يوسف بن خليل، أخبرنا أبو المكارم اللبان، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا محمد بن بدر، حدثنا حماد بن مدرك، حدثنا عثمان بن طالوت، حدثنا عبد السلام بن هاشم، عن الحر بن أبي الحصين العنبري قال: مر طاووس [ برواس ] قد أخرج رأسا فغشي عليه (1).
وروى عبد الله بن بشر الرقي قال: كان طاووس إذا رأى تلك الرؤوس المشوية، لم يتعش تلك الليلة.
سمعه منه معمر بن سليمان.
وبه إلى أبي نعيم، حدثنا الطبراني، حدثنا إسحاق حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاووس أو غيره أن رجلا كان يسير مع طاووس، فسمع غرابا [ ينعب ] فقال: خير، فقال طاووس: أي خير عند هذا أو شر ؟ لا
تصحبني، أو قال: لا تمش معي.
وبه إلى عبد الرزاق سمعت النعمان بن الزبير الصنعاني يحدث أن محمد بن يوسف، أو أيوب بن يحيى بعث إلى طاووس بسبع مئة دينار أو خمس مئة، وقيل للرسول: إن أخذها الشيخ منك، فإن الامير سيحسن إليك ويكسوك، فقدم بها على طاووس الجند، فأراده على أخذها، فأبى، فغفل طاووس، فرمى بها الرجل في كوة البيت، ثم ذهب وقال لهم: قد أخذها، ثم بلغهم عن طاووس شئ يكرهونه فقال: ابعثوا إليه، فليبعث إلينا بمالنا، فجاءه الرسول، فقال: المال الذي بعث به الامير إليك، قال: ما قبضت منه شيئا، فرجع الرسول، وعرفوا أنه صادق، فبعثوا إليه الرجل الاول، فقال: المال
__________
(1) حلية الاولياء 4 / 4.
[ * ]

(5/40)


الذي جئتك به يا أبا عبدالرحمن، قال: هل قبضت منك شيئا ؟ قال: لا، ثم نظر حيث وضعه، فمد يده فإذا بالصرة قد بنى العنكبوت عليها، فذهب بها إليهم.
وبه قال أبو نعيم، حدثنا أحمد بن جعفر، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبو معمر، عن ابن عيينة قال: قال عمر بن عبد العزيز لطاووس: ارفع حاجتك إلى أمير المؤمنين يعني سليمان بن عبدالملك - قال: مالي إليه حاجة، فكأن عمر عجب من ذلك.
قال سفيان: وحلف لنا إبراهيم بن ميسرة وهو مستقبل الكعبة: ورب هذه البنية (1) ما رأيت أحدا، الشريف والوضيع عنده بمنزلة، إلا طاووسا.
وبه حدثنا أحمد بن جعفر، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن ابن طاووس قال: كنت لا أزال أقول
لابي: إنه ينبغي أن يخرج على هذا السلطان، وأن يفعل به، قال: فخرجنا حجاجا، فنزلنا في بعض القرى، وفيها عامل - يعني لامير اليمن - يقال له: ابن نجيح، وكان من أخبث عمالهم، فشهدنا صلاة الصبح في المسجد، فجاء ابن نجيح، فقعد بين يدي طاووس، فسلم عليه، فلم يجبه، ثم كلمه فأعرض عنه، ثم عدل إلى الشق الآخر، فأعرض عنه، فلما رأيت ما به قمت إليه، فمددت بيده وجعلت أسائله، وقلت له: إن أبا عبدالرحمن لم يعرفك، فقال العامل: بلى معرفته بي فعلت ما رأيت، قال: فمضى وهو ساكت لا يقول لي شيئا، فلما دخلت المنزل قال: أي لكع، بينما أنت زعمت تريد أن تخرج عليهم بسيفك، لم تستطع أن تحبس عنه لسانك.
__________
(1) البنية: الكعبة لشرفها، إذ هي أشرف مبنى، يقال: لا ورب هذه البنية ما كان كذا وكذا، وقد كثر قسمهم برب هذه البنية.
[ * ]

(5/41)


محمد بن المثنى العنزي، حدثنا مطهر بن الهيثم الطائي، عن أبيه قال: حج سليمان بن عبدالملك، فخرج حاجبه فقال: إن أمير المؤمنين قال: ابغوا إلي فقيها أسأله عن بعض المناسك، قال: فمر طاووس، فقالوا: هذا طاووس اليماني، فأخذه الحاجب، فقال: أجب أمير المؤمنين، قال: أعفني، فأبى، ثم أدخله عليه، قال طاووس: فلما وقفت بين يديه قلت: إن هذا لمجلس يسألني الله عنه، فقلت: يا أمير المؤمنين ! إن صخرة كانت على شفير جب في جهنم، هوت فيها سبعين خريفا، حتى استقرت قرارها، أتدري لمن أعدها الله ؟ قال: لا، ويلك لمن أعدها ؟ قال: لمن أشركه الله في حكمه فجار، قال: فكبا لها.
قال أبو عاصم النبيل: زعم لي سفيان قال: جاء ابن لسليمان بن عبد
الملك، فجلس إلى جنب طاووس، فلم يلتفت إليه، فقيل له: جلس إليك ابن أمير المؤمنين فلم تلتفت إليه ! قال: أردت أن يعلم أن لله عبادا يزهدون فيما في يديه.
روى أبو أمية عن داود بن شابور قال: قال رجل لطاووس: ادع الله لنا، قال: ما أجد لقلبي خشية، فأدعو لك.
ويروى أن طاووسا جاء في السحر يطلب رجلا، فقالوا: هو نائم، قال: ما كنت أرى أن أحدا ينام في السحر.
ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن أبيه أن طاووسا قال له: يا أبا نجيح ! من قال واتقى الله خير ممن صمت واتقى الله.
ابن عيينة، عن هشام بن حجير، عن طاووس قال: لايتم نسك الشاب حتى يتزوج.
وروى سفيان الثوري، عن سعيد بن محمد قال: كان من دعاء طاووس: اللهم احرمني كثرة المال والولد، وارزقني الايمان والعمل.

(5/42)


قال ابن شهاب: لو رأيت طاووسا، علمت أنه لا يكذب.
الاعمش، عن عبدالملك بن ميسرة، عن طاووس قال: أدركت خمسين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن حبيب بن أبي ثابت قال: اجتمع عندي خمسة لا يجتمع مثلهم عند أحد: عطاء وطاووس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة.
معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه قال: لقي عيسى عليه السلام إبليس، فقال: أما علمت أنه لا يصيبك إلا ما قدر لك، قال: نعم، قال: فارق ذروة هذا الجبل، فترد منه، فانظر أتعيش أم لا، قال عيسى: إن الله يقول: لا يجربني عبدي، فإني أفعل ما شئت.
ورواه معمر عن الزهري وفيه: فقال: إن العبد لا يبتلي ربه، ولكن الله يبتلي عبده، قال: فخصمه.
حفص بن غياث، عن ليث قال: كان طاووس إذا شدد الناس في شئ، رخص هو فيه، وإذا ترخص الناس في شئ، شدد فيه، قال ليث: وذلك للعلم.
عنبسة بن عبد الواحد، عن حنظلة بن أبي سفيان قال: ما رأيت عالما قط يقول: لاأدري أكثر من طاووس.
وقال سفيان الثوري: كان طاووس يتشيع (1).
وقال معمر: احتبس طاووس على رفيق له حتى فاته الحج.
قلت: قد حج مرات كثيرة.
__________
(1) قال الحافظ ابن حجر في " التهذيب " 1 / 94: التشيع في عرف المتقدمين: هو اعتقاد تفضيل.
علي على عثمان، وأن عليا كان مصيبا في حروبه، وأن مخالفه مخطئ مع تقديم الشيخين وتفضيلهما، وربما اعتقد بعضهم أن عليا أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان معتقد ذلك ورعا دينا صادقا مجتهدا، فلا ترد روايته لاسيما إن كان غير داعية.
[ * ]

(5/43)


وقال جرير بن حازم: رأيت طاووسا يخضب بحناء شديد الحمرة.
وقال فطر بن خليفة: كان طاووس يتقنع ويصبغ بالحناء.
قال عبدالرحمن بن أبي بكر المليكي: رأيت طاووسا وبين عينيه أثر السجود.
سفيان الثوري، عن رجل قال: كان من دعاء طاووس اللهم احرمني [ كثرة ] المال والولد (1).
قال معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه قال: عجبت لاخوتنا من أهل العراق يسمون الحجاج مؤمنا.
قلت: يشير إلى المرجئة منهم، الذين
يقولون: هو مؤمن كامل الايمان مع عسفه وسفكه الدماء وسبه الصحابة (2).
ابن جريج: حدثنا إبراهيم بن ميسرة أن محمد بن يوسف الثقفي استعمل طاووسا على بعض الصدقة، فسألت طاووسا كيف صنعت ؟ قال: كنا نقول للرجل: تزكي رحمك الله مما أعطاك الله ؟ فإن أعطانا أخذنا، وإن تولى، لم نقل: تعال.
وبلغنا أن ابن عباس كان يجل طاووسا، ويأذن له مع الخواص، ولما قدم عكرمة اليمن، أنزله طاووس عنده، وأعطاه نجيبا (3).
روى إبراهيم بن ميسرة، عن طاووس قال: لو أن مولى ابن عباس اتقى الله، وكف من حديثه، لشدت إليه المطايا.
توفي طاووس بمكة أيام الموسم، ومن زعم أن قبر طاووس ببعلبك،
__________
(1) أورده أبو نعيم في " الحلية " 3 / 9، والزيادة منه وتمامه: وارزقني الايمان والعمل.
(2) في " التهذيب ": قال عمر بن عبد العزيز: لو جاءت كل أمة بخبيثها، وجئنا بالحجاج، لغلبناهم.
(3) النجيب من الابل: القوي منها، الخفيف السريع.
[ * ]

(5/44)


فهو لا يدري ما يقول، بل ذاك شخص اسمه طاووس إن صح، كما أن قبر أبي بشرقي دمشق، وليس بأبي بن كعب البتة.
وطاووس هو الذي ينقل عنه ولده أنه كان لا يرى الحلف بالطلاق شيئا، وما ذاك إلا أن الحجاج وذويه كانوا يحلفون الناس على البيعة للامام بالله وبالعتاق والطلاق والحج وغير ذلك.
فالذي يظهر لي أن أخا الحجاج وهو محمد بن يوسف أمير اليمن - حلف الناس بذلك، فاستفتي طاووس في ذلك، فلم يعده شيئا، وما ذاك إلا لكونهم أكرهوا على الحلف.
فالله أعلم.
ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذب قال: شهدت جنازة طاووس بمكة سنة خمس ومئة، فجعلوا يقولون: رحم الله أبا عبدالرحمن، حج أربعين حجة.
وروى عبد الرزاق، عن أبيه قال: مات طاووس بمكة فلم يصلوا عليه حتى بعث ابن هشام بن عبدالملك بالحرس، قال: فلقد رأيت عبد الله بن الحسن بن الحسن واضعا السرير على كاهله، فسقطت قلنسوة كانت عليه، ومزق رداؤه من خلفه، فما زايله إلى القبر، توفي بمزدلفة أو بمنى.
قلت: إن كان فيه تشيع، فهو يسير لا يضر إن شاء الله.
وقال محمد بن عمر الواقدي، ويحيى القطان، والهيثم وغيرهم: مات طاووس سنة ست ومئة، ويقال: كانت وفاته يوم التروية (1) من ذي الحجة، وصلى عليه الخليفة هشام بن عبدالملك، اتفق له ذلك، ثم بعد أيام اتفق له الصلاة بالمدينة على سالم بن عبد الله.
قال شيخنا في " تهذيب الكمال ": حدث عنه إبراهيم بن أبي بكر الاخنسي، وابرإهيم بن ميسرة، وإبراهيم بن يزيد الخوزي، وأسامة بن زيد
__________
(1) هو اليوم الثامن من ذي الحجة، سمي به، لان الحجاج فيما مضى كانوا يتروون فيه من الماء، وينهضون إلى منى ولا ماء بها، فيتزودون ريهم من الماء.
[ * ]

(5/45)


الليثي، وحبيب بن أبي ثابت، والحسن بن مسلم بن يناق، والحكم، وحنظلة بن أبي سفيان، وسعيد بن حسان، وسعيد بن سنان أبو سنان الشيباني، وسليمان التيمي، وسليمان الاحول، وسليمان بن موسى الدمشقي، وأبو شعيب الطيالسي، وصدقة بن يسار، والضحاك بن مزاحم، وعامر بن مصعب، وابنه عبد الله بن طاووس، وعبد الله بن أبي نجيح، وعبد الكريم الجزري، وعبد الكريم أبو أمية البصري، وابن جريج مسألة، وعبد الملك بن ميسرة،
وعبيدالله بن الوليد الوصافي، وعطاء بن السائب، وعكرمة بن عمار، وعمرو بن دينار، وعمرو بن شعيب، وعمرو بن قتادة، وعمرو بن مسلم الجندي، وقيس بن سعد، وليث بن أبي سليم، ومجاهد، وأبو الزبير، والزهري، والمغيرة بن حكيم الصنعاني، ومكحول، والنعمان بن أبي شيبة، وهانئ بن أيوب، وهشام بن حجير، ووهب بن منبه، وأبو عبد الله الشامي.
روى جعفر بن برقان، عن عمرو بن دينار، قال: حدثنا طاووس ولا تحسبن فينا أحدا أصدق لهجة من طاووس..وروى حبيب بن الشهيد، عن عمرو بن دينار قال: ما رأيت قط مثل طاووس.
وقال ابن عيينة: قلت لعبيدالله بن أبي يزيد: مع من كنت تدخل على ابن عباس ؟ قال: مع عطاء وأصحابه، قلت: وطاووس ؟ قال: أيهان (1) ذاك كان يدخل مع الخواص.
ليث بن أبي سليم قال: كان طاووس يعد الحديث حرفا حرفاوقال: تعلم لنفسك، فإن الناس قد ذهبت منهم الامانة.
قال حبيب بن أبي ثابت: قال لي طاووس: إذا حدثتك الحديث، فأثبته
__________
(1) هي كهيهات بمعنى: بعد.
[ * ]

(5/46)


لك، فلا تسألن عنه أحدا.
قال ابن معين وأبو زرعة: طاوس ثقة.
قال ابن حبان: كان من عباد أهل اليمن، ومن سادات التابعين، مستجاب الدعوة، حج أربعين حجة.
وكيع، عن أبي عبد الله الشامي، وقيل: وكيع، عن أبيه، عن أبي عبد
الله الشامي، قال: استأذنت على طاووس لاسأله عن مسألة، فخرج علي شيخ كبير فظننته هو، فقال: لا، أنا ابنه، قلت: إن كنت ابنه، فقد خرف أبوك، قال: تقول ذاك ! إن العالم لا يخرف، قال: فدخلت، فقال لي طاووس: سل وأوجز، وإن شئت علمتك في مجلسك هذا القرآن والتوراة والانجيل، قلت: إن علمتنيهم لا أسألك عن شئ، قال: خف الله مخافة لا يكون شئ عندك أخوف منه، وارجه رجاء هو أشد من خوفك إياه، وأحب للناس ما تحب لنفسك.
وروى عبد الرزاق، عن أبيه قال: كان طاووس يصلي في غداة باردة مغيمة، فمر به محمد بن يوسف أخو الحجاج، أو أيوب بن يحيى في موكبه، وهو ساجد، فأمر بساج أو طيلسان مرتفع فطرح عليه، فلم يرفع رأسه حتى فرغ من حاجته، فلما سلم، نظر فإذا الساج عليه، فانتفض ولم ينظر إليه، ومضى إلى منزله (1).
ليث، عن طاووس قال: ما من شئ يتكلم به ابن آدم إلا أحصي عليه، حتى أنينه في مرضه.
هشام بن حجير عن طاووس قال: لايتم نسك الشاب حتى يتزوج.
__________
(1) حلية الاولياء 3 / 4.
[ * ]

(5/47)


إبراهيم بن ميسرة قال: قال لي طاووس: تزوج أو لاقولن لك ما قال عمر بن الخطاب لابي الزوائد: ما يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور.
ابن طاووس، عن أبيه قال: البخل: أن يبخل الرجل بما في يديه، والشح: أن يحب أن يكون له ما في أيدي الناس.
معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه، قال: كان رجل من بني إسرائيل
ربما يداوي المجانين، وكانت امرأة جميلة، فجنت، فجئ بها إليه، فتركت عنده، فأعجبته، فوقع عليها، فحملت [ منه ]، فجاءه الشيطان فقال: إن علم بها، افتضحت، فاقتلها، وادفنها في بيتك، فقتلها ودفنها، فجاء أهلها بعد ذلك بزمان يسألونه عنها، فقال: ماتت، فلم يتهموه لصلاحه، فجاءهم الشيطان، فقال: إنها لم تمت، ولكن وقع عليها، فحملت، فقتلها ودفنها في بيته، فجاء أهلها فقالوا: ما نتهمك، ولكن أين دفنتها ؟ أخبرنا، ومن كان معك ؟ فنبشوا بيته فوجدوها، فأخذ فسجن، فجاءه الشيطان فقال: إن كنت تريد أن أخرجك مما أنت فيه فاكفر بالله، فأطاعه، فكفر، فقتل، فتبرأ منه الشيطان حينئذ.
قال طاووس: فلا أعلم إلا أن هذه الآية نزلت فيه * (كمثل الشيطان إذ قال للانسان اكفر) * الآية [ الحشر: 16 ] أو بمثله (1).
عن ابن أبي رواد، قال: رأيت طاووسا وأصحابه إذا صلوا العصر، استقبلوا القبلة، ولم يكلموا أحدا، وابتهلوا بالدعاء.
__________
(1) قال ابن جرير في تفسير الآية 28 / 49: يقول تعالى ذكره: مثل هؤلاء المنافقين الذين وعدوا اليهود من النضير النصرة إن قوتلوا، أو الخروج معهم إن أخرجوا، ومثل النضير في غرورهم إياهم بإخلافهم الوعد، وإسلامهم إياهم عند شدة حاجتهم إليهم، وإلى نصرتهم إياهم، كمثل الشيطان الذي غر إنسانا، ووعده على اتباعه وكفره بالله النصرة عند الحاجة، فكفر بالله، واتبعه وأطاعه، فلما احتاج إلى نصرته، أسلمه وتبرأ منه، وقال له: إني أخاف الله رب العالمين، في نصرتك.
والقصة التي أوردها المؤلف هي كما قال ابن كثير - كالمثال لهذا المثل، لاأنها المرادة وحدها بالمثل، بل هي منه مع غيرها من الوقائع المشاكلة لها.
[ * ]

(5/48)


لاريب في وفاة طاووس في عام ستة ومئة، فأما قول الهيثم: مات سنة بضع عشرة ومئة فشاذ.
والله أعلم.
أخبرنا عبدالرحمن بن محمد، ويحيى بن أبي منصور وطائفة إذنا، سمعوا عمر بن محمد، أخبرنا هبة الله بن محمد، أخبرنا محمد بن محمد، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله، حدثنا محمد بن سليمان، حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار أخبره أن طاووسا حدثه أن حجر بن قيس المدري حدثه أن زيد بن ثابت حدثه، أو أخبره زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " العمرى ميراث " (1).

14 - عبدالرحمن * (س، ق) ابن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الاموي، أخو خالد.
كان من الاتقياء العباد.
حدث عن ثوبان.
وعنه أبو طوالة عبد الله، وأبو حازم الاعرج، ومحمد بن قيس، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر (2).
__________
(1) رجاله ثقات، واخرجه الطبراني كما في " الجامع الصغير " بلفظ " العمرى والرقبى سبيلهما سبيل الميراث " وهو في صحيح ابن حبان (1149) بلفظ " من أعمر أرضا، فهي لوارثه " وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1625) (31) في الهبات: باب العمرى من حديث جابر بن عبد الله بلفظ " العمرى ميراث لاهلها " وفي رواية " العمرى لمن وهبت له " العمرى من قولهم: أعمرته الدار عمري، أي: جعلتها له يسكنها مدة عمره، فإذا مات، عادت إلى المعمر، كذا كانوا يفعلون في الجاهلية، فأبطل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وأعلمهم أن من أعمر شيئا في حياته، فهو لورثته من بعده.
* التاريخ الكبير 5 / 364، تاريخ الفسوي 1 / 576، الجرح والتعديل 5 / 299، تهذيب الكمال: 828، تذهيب التهذيب 2 / 234 / 1، تاريخ الاسلام 4 / 145، تهذيب التهذيب 6 / 300، خلاصة تذهيب الكمال: 237.
(2) له حديث واحد عند النسائي وابن ماجه (1837) رواه عن ثوبان، قال: قال رسول الله = [ * ]

(5/49)


قال الوليد بن هشام: كان عمر بن عبد العزيز يرق له، لما هو عليه من النسك، فرفع دينا عليه أربعة آلاف دينار، فوعده أن يوفيه، وقال: وكل أخاك الوليد، فوكله، فقال له عمر: إني أكره أن أقضي عن واحد هذا المال، وإن كان أنفقها في حق.
قال: يا أمير المؤمنين ! إن من أخلاق المؤمن أن ينجز ما وعد، قال: ويحك ! وضعتني هذا الموضع، فلم يقض عنه.
قال المفضل الغلابي: عباد الرحمن من قريش كلهم عابد، عبد الرحمن بن زياد بن أبي سفيان، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وعبد الرحمن بن أبان بن عثمان، وعبد الرحمن بن يزد بن معاوية.
وقيل: اجتهد عبدالرحمن بن يزيد في العبادة حتى صار كالشن البالي.
رحمه الله.

15 - عبد الله بن بريدة * (ع) ابن الحصيب الحافظ الامام، شيخ مرو وقاضيها، أبو سهل الاسلمي المروزي، أخو سليمان بن بريدة، وكانا توأمين، ولدا سنة خمس عشرة.
حدث عن أبيه فأكثر، وعمران بن الحصين، وعبد الله بن مغفل المزني، وأبي موسى، وعائشة، وأم سلمة، وذلك في السنن.
وفي الترمذي أيضا عن أمه، عن أم سلمة، وعن عبد الله بن عمرو السهمي، وابن عمر، وسمرة بن
__________
صلى الله عليه وسلم: " ومن يتقبل لي بواحدة، أتقبل له بالجنة " قلت: أنا، فقال: " لا تسأل الناس شيئا " قال: فكان ثوبان يقع سوطه وهو راكب، فلا يقول لاحد: ناولنيه حتى ينزل، فيأخذه.
وأخرجه أحمد 5 / 277 و 281 وسنده قوي.
* طبقات خليفة: 211، التاريخ الكبير 5 / 51، التاريخ الصغير 2 / 139، 140، الجرح والتعديل 5 / 13، تهذيب الكمال: 667، تذهيب التهذيب 2 / 131 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 263،
تذكرة الحفاظ 1 / 102، العبر 1 / 143، تهذيب التهذيب 5 / 157، طبقات الحفاظ: 40، خلاصة تذهيب الكمال: 192، شذرات الذهب 1 / 151، تهذيب ابن عساكر 7 / 309.
[ * ]

(5/50)


جندب، وأبي هريرة، وابن عباس، والمغيرة بن شعبة، ومعاوية، وعبد الله بن مسعود مرسلا، وعدة، وعن أبي الاسود الديلي، وبشير بن كعب، وحميد بن عبدالرحمن الحميري ويحيى بن يعمر، وحنظلة بن علي، وطائفة.
وكان من أوعية العلم.
حدث عنه ابناه صخر وسهل، ومطر الوراق، ومحارب بن دثار، والشعبي وقتادة، وسعد بن عبيدة، والمغيرة بن سبيع، والوليد بن ثعلبة الطائي، وأبو ربيعة الايادي، وأبو هاشم الرماني، وأجلح بن عبد الله وبشير بن المهاجر، وثواب بن عتبة، وحسين المعلم، وحسين بن واقد، وداود بن أبي الفرات، وسعيد الجريري، وصالح بن حيان القرشي، وعبد المؤمن بن خالد الحنفي، وعثمان بن غياث، وعطاء الخراساني، وعطاء بن السائب، وعيسى بن عبيد الكندي، وفائد أبو العوام، وكهمس بن الحسن، ومالك بن مغول، ومقاتل بن حيان، ومقاتل بن سليمان المفسر، وأبو هلال محمد بن سليم، ومعاوية بن عبد الكريم الثقفي، وخلق سواهم.
قال أبو بكر الاثرم: قلت لابي عبد الله: ابنا بريدة ؟ قال: أما سليمان، فليس في نفسي منه شئ، وأما عبد الله ! ثم سكت.
ثم قال: كان وكيع يقول: كانوا لسليمان بن بريده أحمد منهم لعبد الله، أو ما هذا معناه.
وروى عبد الله بن أحمد، عن أبيه قال: عبد الله بن بريدة الذي روى عنه حسين بن واقدة ما أنكرها ! وأبو المنيب أيضا، قال: يقول: كأنها من قبل هؤلاء.
وروى إسحاق الكوسج، عن يحيى بن معين: ثقة، وكذا قال أبو حاتم والعجلي.
أبوتميلة، عن رميح بن هلال الطائي، عن عبد الله بن بريدة قال: ولدت لثلاث خلون من خلافة عمر رضي الله عنه، فجاء عبد لنا، فبشر أبي وهو عند عمر، فقال: أنت حر، وولد أخي سليمان بعدي، وكانا توأما، فجاء غلام آخر

(5/51)


لنا إلى أبي وهو عند عمر، فقال: ولد لك غلام، قال: سبقك فلان، قال: إنه آخر، قال: فقال عمر: وهذا أيضا، أي: أعتقه.
قال ابن حبان: ولد ابنا بريدة في السنة الثالثة من خلافة عمر سنة خمس عشرة، ومات سليمان بن بريدة بمرو، وهو على القضاء بها سنة خمس ومئة، وولي أخوه بعده القضاء بها، فكان على القضاء إلى أن مات سنة خمس عشرة ومئة، فيكون عمر عبد الله مئة عام، وأخطأ من زعم أنهما ماتا في يوم واحد.
قال أبوتميلة: حدثنا عبدالمؤمن بن خالد، عن ابن بريدة قال: ينبغي للرجل أن يتعاهد من نفسه ثلاثة أشياء لا يدعها: المشي، فإن احتاجه، وجده، وأن لا يدع الاكل فإن أمعاءه تضيق، وأن لا يدع الجماع، فإن البئر إذا لم تنزع ذهب ماؤها.
قلت: يفعل هذه الاشياء باقتصاد، ولاسيما الجماع، إذا شاخ، فتركه أولى.
أحمد في " مسنده ": حدثنا زيد بن الحباب، حدثني حسين، حدثني ابن بريدة قال: دخلت أنا وأبي على معاوية، فأجلسنا على الفراش، ثم أكلنا، ثم شرب معاوية فناول أبي، ثم قال: ما شربته منذ حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال معاوية: كنت أجمل شباب قريش، وأجوده ثغرا، وما شئ كنت أجد له لذة وأنا شاب أجده غير اللبن، أو إنسان حسن الحديث يحدثني (1).

16 - أخوه سليمان بن بريدة * قد كان ابن عيينة يفضله على عبد الله بن بريدة.
روى عن أبيه، وعائشة، وعمران بن حصين.
__________
(1) أخرجه أحمد 5 / 347، وسنده حسن.
* طبقات خليفة: 322، التاريخ الكبير 4 / 4، الجرح والتعديل 4 / 102، تهذيب الكمال: 535، تذهيب التهذيب 2 / 46 / 1، تاريخ الاسلام 4 / 87، العبر 1 / 129، تهذيب التهذيب 4 / 174، خلاصة تذهيب الكمال: 150، شذرات الذهب 1 / 131.
[ * ]

(5/52)


وعنه علقمة بن مرثد، ومحارب بن دثار، ومحمد بن جحادة، وجماعة.
ثقة، مات سنة خمس ومئة، وله تسعون عاما.

17 - عدي بن أرطاة * الفزاري الدمشقي أمير البصرة لعمر بن عبد العزيز.
حدث عن عمرو بن عبسة، وأبي أمامة.
وعنه أبو سلام ممطور، وبكر المزني، ويزيد بن أبي مريم، وطائفة.
قال عباد بن منصور: خطبنا عدي على منبر المدائن حتى بكى وأبكانا.
قال معمر: كتب عمر إلى عدي بن أرطاة: إنك غررتني بعمامتك السوداء، ومجالستك القراء، وقد أظهرنا الله على كثير مما تكتمون أما تمشون بين القبور ؟ ! قال شباب: قدم عدي على البصرة، فقيد يزيد بن المهلب، ونفذه إلى عمر بن عبد العزيز، فلما مات عمر، انفلت، ودعا إلى نفسه، وتسمى بالقحطاني، ونصب رايات سودا، وقال: أدعو إلى سيرة عمر بن الخطاب، فحاربه مسلمة بن عبدالملك، وقتله، ثم وثب ولده معاوية فقتل عديا وجماعة
صبرا، سنة اثنتين ومئة.

18 - القاسم بن محمد * * (ع) ابن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق عبد الله بن أبي قحافة، الامام
__________
* طبقات خليفة 312، تاريخ خليفة: 322 و 325، التاريخ الكير 7 / 44، الطبري 6 / 554 و 556 و 558 و 578 - 584 و 600، الجرح والتعديل 7 / 3، ابن الاثير 5 / 43، 44، 49، 71، 73، 85، 99، تهذيب الكمال: 925، تذهيب التهذيب 3 / 36 / 1، تاريخ الاسلام 4 / 150، ميزان الاعتدال 3 / 61، العبر 1 / 124، تهذيب التهذيب 7 / 164، خلاصة تذهيب الكمال: 263، شذرات الذهب 1 / 124، رغبة الآمل 2 / 76، و 7 / 159.
* * طبقات ابن سعد 5 / 187، طبقات خليفة: 244، تاريخ خليفة: 338، التاريخ الصغير = [ * ]

(5/53)


القدوة الحافظ الحجة، عالم وقته بالمدينة مع سالم وعكرمة، أبو محمد وأبو عبدالرحمن القرشي التيمي البكري المدني.
ولد في خلافة الامام علي، فروايته عن أبيه عن جده انقطاع على انقطاع، فكل منهما لم يحق أباه، وربي القاسم في حجر عمته أم المؤمنين عائشة، وتفقه منها، وأكثر عنها.
وروى عن ابن مسعود مرسلا، وعن زينب بنت جحش مرسلا، وعن فاطمة بنت قيس، وابن عباس، وابن عمر، وأسماء بنت عميس جدته، وأبي هريرة، ورافع بن خديج، وعبد الله بن خباب، وعبد الله بن عمرو، ومعاوية، وطائفة، وعن صالح بن خوات، وعبد الرحمن ومجمع ابني يزيد بن جارية.
حدث عنه ابنه عبدالرحمن، والشعبي، ونافع العمري، وسالم بن عبد الله، وأبو بكر بن حزم، والزهري، وابن أبي مليكة، وسعد بن إبراهيم، وحميد الطويل، وأيوب، وربيعة الرأي، وعبيدالله بن عمر، وابن عون، وربيعة بن
عطاء، وثابت بن عبيد، وجعفر بن محمد، ويحيى بن سعيد الانصاري وأخوه سعد بن سعيد، وشيبة بن نصاح، وطلحة بن عبدالملك، وعاصم بن عبيدالله، وأبو الزناد وعبيدالله بن أبي الزناد القداح، وعمر بن عبد الله بن عروة، وعيسى بن ميمون الواسطي، وموسى بن سرجس، وأفلح بن حميد، وحنظلة ابن أبي سفيان، وأسامة بن زيد الليثي، وعبد الله بن العلاء بن زبر، وصالح بن كيسان، وأيمن بن نابل، وعباد بن منصور، وخلق كثير.
قال ابن المديني: له مئتا حديث.
__________
= 1 / 241 و 253، الجرح والتعديل 7 / 118، حلية الاولياء 2 / 183، طبقات الفقهاء للشيرازي: 59، تهذيب الاسماء واللغات 2 / 55، وفيات الاعيان 4 / 59، تهذيب الكمال 1116، تذهيب التهذيب: 3 / 150 / 2 تاريخ الاسلام 4 / 182، تذكرة الحفاظ 1 / 96، العبر 1 / 132، تهذيب التهذيب 8 / 323، نكت الهميان: 230، طبقات الحفاظ: 38، خلاصة تذهيب الكمال: 313، شذرات الذهب 1 / 135.
[ * ]

(5/54)


وقال ابن سعد: أمه أم ولد يقال لها: سودة، وكان ثقة، عالما، رفيعا، فقيها، إماما، ورعا، كثير الحديث.
موسى بن عقبة، عن محمد بن خالد بن الزبير قال: كنت عند عبد الله بن الزبير، فاستأذن القاسم بن محمد، فقال ابن الزبير: ائذن له، فلما دخل عليه قال له: مهيم (1) ؟ قال: مات فلان، فذكر قصته، قال: فولى، فنظر إليه ابن الزبير وقال: ما رأيت أبا بكر ولد ولدا أشبه به من هذا الفتى.
وعن القاسم قال: كانت عائشة قد استقلت بالفتوى في خلافة أبي بكر وعمر، وإلى أن ماتت، وكنت ملازما لها مع ترهاتي (2)، وكنت أجالس البحر ابن عباس، وقد جلست مع أبي هريرة، وابن عمر فأكثرت.
فكان هناك - يعني ابن
عمر - ورع وعلم جم، ووقوف عما لا علم له به.
ابن شوذب، عن يحيى بن سعيد قال: ما أدركنا بالمدينة أحدا نفضله على القاسم.
وهيب، عن أيوب، وذكر القاسم فقال: ما رأيت رجلا أفضل منه، ولقد ترك مئة ألف وهي له حلال.
البخاري، حدثنا علي، حدثنا سفيان، حدثنا عبدالرحمن بن القاسم، وكان أفضل أهل زمانه، أنه سمع أباه، وكان أفضل أهل زمانه يقول: سمعت عائشة تقول: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم..الحديث (3).
__________
(1) قال الجوهري: مهيم: كلمة يستفهم بها، معناها: ما حالك وما شأنك ؟ (2) الترهات: جمع ترهة: الاباطيل، والقول الخالي عن النفع.
(3) أخرجه البخاري 3 / 466 في الحج: باب الطيب بعد رمي الجمار والحلق قبل الافاضة، ولفظه بتمامه: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين حين أحرم، ولحله حين أحل قبل أن يطوف، وبسطت يديها.
[ * ]

(5/55)


وروى عبدالرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه قال: ما رأيت أحدا أعلم بالسنة من القاسم بن محمد، وما كان الرجل يعد رجلا حتى يعرف السنة، وما رأيت أحد ذهنا من القاسم، إن كان ليضحك من أصحاب الشبه كما يضحك الفتى.
وروى خالد بن نزار، عن ابن عيينة قال: أعلم الناس بحديث عائشة ثلاثة: القاسم وعروة وعمرة.
وقال جعفر بن أبي عثمان: سمعت يحيى بن معين يقول: عبيدالله بن عمر، عن القاسم، عن عائشة ترجمة مشبكة بالذهب.
وقال ابن عون: كان القاسم وابن سيرين ورجاء بن حيوة يحدثون بالحديث على حروفه، وكان الحسن وإبراهيم والشعبي يحدثون بالمعاني (1).
يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: رأيت القاسم بن محمد يصلي، فجاء أعرابي فقال: أيما أعلم أنت أم سالم ؟ فقال: سبحان الله، كل سيخبرك بما علم، فقال: أيكما أعلم ؟ قال: سبحان الله، فأعاد، فقال: ذاك سالم، انطلق، فسله، فقام عنه.
قال ابن إسحاق: كره أن يقول: أنا أعلم، فيكون تزكية، وكره أن يقول: سالم أعلم مني فيكذب.
وكان القاسم أعلمهما.
قال ابن وهب: ذكر مالك القاسم بن محمد فقال: كان من فقهاء هذه
__________
(1) جمهور العلماء سلفا وخلفا على جواز رواية الحديث بالمعنى إذا كان الراوي عالما بالالفاظ ومدلولاتها ومقاصدها، خبيرا بما يحيل معانيها، بصيرا بمقادير التفاوت بينها، وعليه العمل كما هو مشاهد في الاحاديث الصحاح وغيرها، فإن الواقعة تكون واحدة، وتجئ الالفاظ متعددة من وجوه مختلفة متباينة.
وأكثر مرويات الصحابة والتابعين بالمعنى إلا فيما يتعبد بلفظه كالتشهد والقنوت والصلاة وما هو من جوامع حكمه صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا يحرصون على روايته باللفظ النبوي.
ثم إن هذا الخلاف لا يجري في الكتب المصنفة كالكتب الستة والمسانيد والمعاجم وغيرها، فليس لاحد أن يغير لفظ شئ من كتاب، ويثبت بدله فيه لفظا آخر بمعناه لان الرواية بالمعنى إنما رخص فيها من رخص حين كان الحرج شديدا على الرواة في ضبط الالفاظ، وهذا غير موجود فيما اشتملت عليه الكتب.
[ * ]

(5/56)


الامة، ثم حدثني مالك أن ابن سيرين كان قد ثقل وتخلف عن الحج، فكان يأمر من يحج أن ينظر إلى هدي القاسم ولبوسه وناحيته، فيبلغونه ذلك، فيقتدي بالقاسم.
قال مصعب الزبيري: القاسم من خيار التابعين.
وقال العجلي: كان من خيار التابعين [ وفقهائهم، وقال: مدني تابعي ] (1)، ثقة، نزه، رجل صالح.
قال يحيى بن سعيد: سمعت القاسم بن محمد يقول: لان يعيش الرجل جاهلا بعد أن يعرف حق الله عليه خير له من أن يقول ما لا يعلم.
وقال هشام بن عمار، عن مالك: قال: أتى القاسم أمير من أمراء المدينة، فسأله عن شئ، فقال: إن من إكرام المرء نفسه أن لا يقول إلا ما أحاط به علمه.
وعن أبي الزناد قال: ما كان القاسم يجيب إلا في الشئ الظاهر.
ابن وهب، عن مالك أن عمر بن عبد العزيز قال: لو كان إلي من هذا الامر شئ ما عصبته إلا بالقاسم بن محمد.
قال مالك: وكان يزيد بن عبدالملك قد ولي العهد قبل ذلك، قال: وكان القاسم قليل الحديث، قليل الفتيا، وكان يكون بينه وبين الرجل المداراة في الشئ، فيقول له القاسم: هذا الذي تريد أن تخاصمني فيه هو لك، فإن كان حقا، فهو لك، فخذه، ولا تحمدني فيه، وإن كان لي، فأنت منه في حل، وهو لك.
وروى محمد بن عبد الله البكري، عن أبيه: قال القاسم بن محمد: قد جعل الله في الصديق البار المقبل عوضا من ذي الرحم العاق المدبر.
__________
(1) زيادة من التهذيب.
[ * ]

(5/57)


روى حماد بن خالد الخياط، عن عبد الله بن عمر العمري قال: مات القاسم وسالم، أحدهما سنة خمس ومئة، والآخر سنة ست.
وقال خليفة بن خياط: مات في آخر سنة ست أو أول سنة سبع.
وقال الهيثم بن عدي ويحيى بن بكير: مات سنة سبع، زاد يحى بقديد (1).
وقال يحيى بن معين وعلي ببن المديني والواقدي وأبو عبيد والفلاس: سنة ثمان ومئة.
زاد الواقدي: وهو ابن سبعين، أو اثنتين وسبعين سنة، وقد عمي وشذ ابن سعد، فقال: توفي سنة اثنتي عشرة ومئة، ولم يبق إلى هذا الوقت أصلا.
وكذا نقل أبو الحسن بن البراء عن علي، وقيل غير ذلك.
أخبرنا إسحاق بن طارق، أخبرنا يوسف بن خليل، أخبرنا أحمد بن محمد، أخبرنا الحسن بن أحمد، أخبرنا أبو نعيم، أخبرنا أبو بكر بن خلاد، حدثنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا يزيد حدثنا حماد بن سلمة، عن أبن سخبرة، عن القاسم، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة " (2).
أخرجه النسائي عن محمد بن إسماعيل بن علية، عن يزيد بن هارون.
قال يحيى القطان: فقهاء المدينة عشرة، فذكر منهم القاسم.
وقال مالك: ما حدث القاسم مئة حديث.
__________
(1) موضع في الطريق بين مكة والمدينة بينها وبين الجحفة - ميقات أهل الشام - سبعة وعشرون ميلا.
(2) " حلية الاولياء " 2 / 186، وإسناده ضعيف لجهالة ابن سخبرة وبعضهم يسميه الطفيل بن سخبرة، ويقال: هو عيسى بن ميمون المدني فإن يكنه، فهو ضعيف، وأخرجه أحمد 6 / 82 و 145، والحاكم 2 / 178، وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، فأخطا، وأخرج أبو داود (2117) من حديث عقبة بن عامر مرفوعا " خير النكاح أيسره " وسنده صحيح، وصححه ابن حبان (1257).
[ * ]

(5/58)


وروى محمد بن الضحاك الحزامي، عن أبيه قال: قال عمر بن عبد العزيز: لو كان إلي أن أعهد ما عدوت صاحب الاعوص، يعني إسماعيل بن أمية، أو (1) أعيمش بني تيم، يعني القاسم، فروى الواقدي عن أفلح بن حميد
أنها بلغت القاسم، فقال: إني لاضعف عن أهلي، فكيف بأمر الامة.
قال ابن عون: كان القاسم ممن يأتي بالحديث بحروفه.
قال يحيى بن سعيد: كان القاسم لا يكاد يعيب على أحد، فتكلم ربيعة يوما فأكثر، فلما قام القاسم، قال: وهو متكئ علي: لا أبا لغيرك، أتراهم كانوا غافلين عما يقول صاحبنا يعني عما يقول ربيعة برأيه.
حميد الطويل، عن سليمان بن قتة (2)، قال: أرسلني عمر بن عبيدالله التيمي إلى القاسم بخمس مئة دينار، فأبى أن يقبلها.
وقال عبيدالله بن عمر: كان القاسم لا يفسر القرآن.
وقال عكرمة بن عمار: سمعت القاسم وسالما يلعنان القدرية.
قال زيد بن يحيى: حدثنا عبد الله بن العلاء قال: سألت القاسم أن يملي علي أحاديث فمنعني، وقال: إن الاحاديث كثرت على عهد عمر، فناشد الناس أن يأتوه بها، فلما أتوه بها، أمر بتحريقها، ثم قال: مثناة كمثناة (3).
أهل الكتاب.
__________
(1) في الاصل " إذ " وهو خطأ، والاعوص: موضع على أميال من المدينة، والذي منع عمر بن عبد العزيز أن يعهد إلى واحد منهما أن سليمان بن عبدالملك عهد إلى عمر بالخلافة، وليزيد من بعده.
(2) هو سليمان بن حبيب المحاربي يعرف بابن قتة، وهو القائل في رثاء الحسين بن علي رضي الله عنهما: وإن قتيل الطف من آل هاشم * أذل رقاب المسلمين فذلت " تبصير المنتبه " 1122.
قلت: لكن البيت ومعه أربعة أبيات أخر أوردها ياقوت في " معجم البلدان ": طف، ونسبها إلى أبي دهبل الجمحي.
(3) المثناة: كتاب وضعه أحبار بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب.
[ * ]

(5/59)


روى أفلح بن حميد، عن القاسم قال: اختلاف الصحابة رحمة.
أبو نعيم: حدثنا خالد بن إلياس قال: رأيت على القاسم جبة خز، وكساء خز، وعمامة خز.
وقال أفلح بن حميد: كان القاسم يلبس جبة خز.
وقال عطاف بن خالد: رأيت القاسم وعليه جبة خز صفراء، ورداء مثني.
وقال معاذ بن العلاء: رأيت القاسم وعلى رحله قطيفة من خز غبراء، وعليه رداء ممصر.
وقال ابن زبر: دخلت على القاسم وهو في قبة معصفرة، وتحته فراش معصفر.
وقال خالد بن أبي بكر: رأيت على القاسم عمامة بيضاء، قد سدل خلفه منها أكثر من شبر.
وقيل: كان يخضب رأسه ولحيته بالحناء، وكان قد ضعف جدا.
وقيل: كان يصفر لحيته.
وقيل: إنه مات بقديد، فقال: كفنوني في ثيابي التي كنت أصلي فيها، قميصي وردائي.
هكذا كفن أبو بكر.
وأوصى أن لايبنى على قبره.

19 - إبراهيم بن يزيد * (ع) التيمي: تيم الرباب، الامام القدوة الفقيه عابد الكوفة أبو أسماء.
حدث عن أبيه يزيد بن شريك التيمي، وكان أبوه يزيد من أئمة الكوفة أيضا.
يروي عن عمر، وأبي ذر، والكبار، أخذ عنه أيضا الحكم، وإبراهيم النخعي، وحديثه في الدواوين الستة.
نعم وحدث إبراهيم عن
__________
* طبقات ابن سعد 6 / 285، طبقات خليفة: 155، التاريخ الكبير 1 / 333، 334، الجرح والتعديل 2 / 146، اللباب 1 / 190، تهذيب الكمال: 18، تذهيب التهذيب 1 / 45 / 1، تاريخ الاسلام 3 / 337، العبر 1 / 106، طبقات القراء 1 / 29، تهذيب التهذيب 1 / 176، النجوم الزاهرة 1 / 225، طبقات الحفاظ: 29، خلاصة تذهيب الكمال: 23.
[ * ]

(5/60)


الحارث بن سويد، وأنس بن مالك، وعمرو بن ميمون الاودي، وجماعة، وأرسل عن عائشة.
حدث عنه الاعمش، ومسلم البطين، وبيان بن بشر، ويونس بن عبيد، وجماعة.
وكان شابا صالحا قانتا لله عالما فقيها كبير القدر واعظا.
المحاربي: حدثنا الاعمش قال لي إبراهيم التيمي: ما أكلت منذ أربعين ليلة إلا حبة عنب.
أبو أسامة: سمعت الاعمش يقول: قال إبراهيم التيمي: ربما أتى علي شهر لا أطعم طعاما، ولا أشرب شرابا، لا يسمعن هذا منك أحد.
وقال الاعمش: كان إبراهيم التيمي إذا سجد كأنه جذم حائط ينزل على ظهره العصافير.
يقال: قتله الحجاج.
وقيل: بل مات في حبسه سنة اثنتين وتسعين.
وقيل: سنة أربع وتسعين.
لم يبلغ إبراهيم أربعين سنة.
روى الثوري: قال إبراهيم التيمي: كم بينكم وبين القوم ! أقبلت عليهم الدنيا فهربوا، وأدبرت عنكم، فاتبعتموها.
روى أبو حيان عن إبراهيم قال: ما عرضت قولي على عملي إلا خفت أن أكون مكذبا.
قال العوام بن حوشب: ما رأيت إبراهيم التيمي رافعا بصره إلى السماء قط.
وعن إبراهيم قال: إن الرجل ليظلمني فأرحمه.

(5/61)


وروى عنه منصور قال: إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الاولى
فاغسل يدك منه.
قال ابن سعد: أخبرنا علي بن محمد قال: طلب الحجاج إبراهيم النخعي، فجاء الرسول فقال: أريد إبراهيم، فقال إبراهيم التيمي: أنا إبراهيم، ولم يستحل أن يدله على النخعي، فأمر بحبسه [ في الديماس ]، ولم يكن لهم ظل من الشمس، ولا كن من البرد، و [ كان ] كل اثنين في سلسلة، فتغير إبراهيم، فعادته أمه، فلم تعرفه، حتى كلمها، فمات، فرأى الحجاج في نومه قائلا يقول: مات في البلد الليلة رجل من أهل الجنة، فسأل، فقالوا: مات في السجن إبراهيم التيمي، فقال: حلم نزغة من [ نزغات ] الشيطان، وأمر [ به ] فألقي على الكناسة (1).

20 - عبدالرحمن بن أبي نعم * (ع) الامام الحجة القدوة الرباني أبو الحكم البجلي الكوفي.
حدث عن المغيرة بن شعبة، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وليس بالمكثر.
روى عنه ابنه الحكم، وعمارة بن القعقاع، وفضيل بن غزوان، وسعيد ابن مسروق، ويزيد بن مردانبة، وفضيل بن مرزوق، وطائفة.
قال بكير بن عامر: كان لو قيل له: قد توجه إليك ملك الموت ما كان عنده زيادة عمل، وكان يمكث جمعتين لا يأكل.
__________
(1) الخبر في الطبقات 6 / 285، والزيادة منه.
* طبقات ابن سعد 6 / 298، التاريخ الكبير 5 / 356، تاريخ الفسوي 2 / 574، الجرح والتعديل 5 / 295، حلية الاولياء 5 / 69، 73، تهذيب الكمال: 823، تذهيب التهذيب 2 / 231 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 144، تهذيب التهذيب 6 / 286، خلاصة تذهيب الكمال: 235.
[ * ]

(5/62)


وروى محمد بن فضيل عن أبيه قال: كان عبدالرحمن بن أبي نعم يحرم من السنة إلى السنة ويقول: لبيك، لو كان رياء لاضمحل.
وروي أنه أنكر على الحجاج كثرة القتل، فهم به، فقال له: من في بطنها أكثر ممن على ظهرها.
رواها أبو بكر بن عياش، عن مغيرة فذكرها.
وقال حفص بن غياث، عن عبدالملك بن أبي سليمان: كنا نجمع مع عبدالرحمن بن أبي نعم، وهو يلبي بصوت حزين، ثم يأتي خراسان وأطراف الارض، ثم يوافي مكة وهو محرم.
قال: وكان يفطر في الشهر مرتين.
قلت: مات بعد المئة.
قرأت على إسحاق الاسدي، أخبركم ابن خليل، أخبرنا أبو المكارم التيمي، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا أبو نعيم، حدثنا يزيد بن مردانبة والحكم بن عبدالرحمن بن أبي نعم، عن عبدالرحمن بن أبي نعم، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " (1).

21 - عراك بن مالك * (ع) الغفاري المدني، أحد العلماء العاملين.
روى عن أبي هريرة، وعبد الله بن عمر، وزينب بنت أبي سلمة، وعن
__________
(1) حلية الاولياء 5 / 71، وإسناده صحيح، وأخرجه أحمد 3 / 3 و 62 و 64 و 80 و 82، والحاكم 3 / 166، 167، والترمذي (3771) وقال: حسن صحيح، وصححه ابن حبان (2228) وفي الباب عن حذيفة عن أحمد 5 / 391، 392، والترمذي (3783) والخطيب في " تاريخه " 6 / 372، وسنده صحيح، وعن علي عند أبي نعيم 4 / 140، والخطيب 12 / 4، وعن ابن مسعود عند الحكام 3 / 167 ورجاله ثقات، وعن البراء عند الطبراني وحسنه الهيثمي في " المجمع " 9 / 184، وعن أبي هريرة عند الطبراني 1 / 123 / 1.
* طبقات خليفة: 248، التاريخ الصغير 1 / 248، تاريخ الفسوي 1 / 396، الجرح والتعديل = [ * ]

(5/63)


عائشة.
فقيل: لم يسمع منها.
حدث عنه ولده خثيم، ويزيد بن أبي حبيب، وبكير بن الاشج، ويحيى بن سعيد الانصاري، وجعفر بن ربيعة، وعدة.
وثقه أبو حاتم وغيره.
وكان يسرد الصوم.
وقال عمر بن عبد العزيز: ما أعلم أحدا أكثر صلاة من عراك بن مالك.
قيل: وكان عراك يحرض عمر بن عبد العزيز على انتزاع ما بأيدي بني أمية من الاموال والفئ، فلما استخلف يزيد بن عبدالملك نفى عراكا إلى جزيرة دهلك (1) من غربي اليمن.
فمات هناك رحمه الله في إمرة يزيد المذكور.
حديثه في الكتب كلها، وليس هو بالكثير الرواية، لعله توفي في سنة أربع ومئة أو قبلها.

22 - عبدالرحمن * (ق) ابن حسان بن ثابت الانصاري المدني الشاعر بن الشاعر، وأمه هي سيرين خالة إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
= 7 / 38، تهذيب الكمال: 927، تاريخ الاسلام 4 / 153، ميزان الاعتدال 3 / 63، العبر 1 / 122، تهذيب التهذيب 7 / 172، خلاصة تذهيب الكمال: 264، شذرات الذهب 1 / 122.
(1) قال ياقوت: هي جزيرة في بحر اليمن، ضيقة حرجة حارة، كان بنو أمية إذا سخطوا على أحد نفوه إليها، قال أبو الفتح نصر بن عبد الله بن قلاقس الاسكندري يذكر دهلك وصاحبه مالك بن الشداد: واقبح بدهلك من بلدة * فكل امرئ حلها هالك كفاك دليلا على أنها * جحيم وخازنها مالك
* طبقات ابن سعد 5 / 266، طبقات خليفة: 251، التاريخ الكبير 5 / 270، التاريخ الصغير 1 / 76، تاريخ الفسوي 1 / 235، الجرح والتعديل 5 / 223، تهذيب الكمال: 784، تذهيب التهذيب 2 / 208 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 141، تهذيب التهذيب 6 / 162، الاصابة ت 6199، خلاصة تذهيب الكمال: 226.
[ * ]

(5/64)


حدث عن أبويه، وزيد بن ثابت.
وعنه ابنه سعيد، وعبد الرحمن بن بهمان، وهو نزر الحديث.
قيل: ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وعاش نيفا وتسعين سنة.
وهو القائل في بنت معاوية: هي زهراء مثل لؤلؤة الغوا * ص ميزت من جوهر مكنون فإذا ما نسبتها لم تجدها * في سنا من المكارم دون فقال معاوية: صدق، قيل: فإنه يقول: ثم خاصرتها إلى القبة الخضرا * ء تمشي في مرمر مسنون فقال معاوية: كذب.
قيل: توفي سنة أربع ومئة.

23 - القرظي * (ع) محمد بن كعب بن سليم.
وقال ابن سعد: محمد بن كعب بن حيان بن سليم، الامام العلامة الصادق أبو حمزة، وقيل: أبو عد الله القرظي المدني، من حلفاء الاوس، وكان أبوه كعب من سبي بني قريظة، سكن الكوفة، ثم المدينة، قيل: ولد محمد بن كعب في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يصح ذلك.
قال زهير بن عباد الرؤاسي، عن أبي كبير البصري، قالت أم محمد بن كعب القرظي له: يا بني ! لولا أني أعرفك طيبا صغيرا وكبيرا لقلت: إنك أذنبت ذنبا موبقا لما أراك تصنع بنفسك، قال: يا أماه ! وما يؤمنني أن يكون
__________
* طبقات خليفة: 264، التاريخ الكبير 1 / 216، التاريخ الصغير: 243، 255، تاريخ
الفسوي 1 / 563، 564، الجرح والتعديل 8 / 67، حلية الاولياء 3 / 212، تهذيب الكمال: 1261، تذهيب التهذيب، تاريخ الاسلام 4 / 199، البداية والنهاية 9 / 257، تهذيب التهذيب 9 / 420، خلاصة تذهيب الكمال: 357، شذرات الذهب 1 / 136.
[ * ]

(5/65)


الله قد اطلع علي، وأنا في بعض ذنوبي فمقتني، وقال: اذهب لا أغفر لك، مع أن عجائب القرآن ترد بي على أمور حتى إنه لينقضي الليل ولم أفرغ من حاجتي.
وروى يعقوب الفسوي، عن محمد بن فضيل البزاز قال: كان لمحمد ابن كعب جلساء من أعلم الناس بالتفسير، وكانوا مجتمعين في مسجد الربذة (1)، فأصابتهم زلزلة، فسقط عليهم المسجد، فماتوا جميعا تحته (2).
قال أبو معشر وجماعة: توفي سنة ثمان ومئة.
وقال الواقدي وخليفة والفلاس وجماعة: مات سنة سبع عشرة.
قال الواقدي وجماعة: وهو ابن ثمان وسبعين سنة.
وقال محمد بن عبد الله بن نمير: سنة تسع عشرة، وقال ابن المديني وابن معين وابن سعد: سنة عشرين ومئة.
وأخطأ من قال: سنة تسع وعشرين.
وحدث عن أبي أيوب الانصاري، وأبي هريرة، ومعاوية، وزيد بن أرقم، وابن عباس، وعبد الله بن يزيد الخطمي، وفضالة بن عبيد، والبراء بن عازب، وعبد الله بن جعفر، وكعب بن عجرة، وجابر، وأبي صرمة الانصاري البدري، وأنس، وابن عمر، وعن محمد بن خثيم، وعبيدالله بن عبدالرحمن ابن رافع، وأبان بن عثمان، وعبد الله بن شداد بن الهاد، وطائفة.
وهو يرسل كثيرا، ويروي عمن لم يلقهم، فروى عن أبي ذر، وأبي الدرداء، وعلي، والعباس، وابن مسعود، وسلمان، وعمرو بن العاص،
ويروي عن رجل عن أبي هريرة.
وكان من أوعية العلم.
__________
(1) الربذة من قرى المدينة على ثلاثة أيام قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز إذا رحلت من فيد تريد مكة، وبهذا الموضع قبر أبي ذر الغفاري جندب بن جنادة رضي الله عنه.
(2) تاريخ الفسوي 1 / 564.
(*)

(5/66)


روى عنه أخوه عثمان، ويزيد بن الهاد، وأبو جعفر الخطمي، وأبو سبرة النخعي، والحكم بن عتيبة، وعاصم بن كليب، وأيوب بن موسى، وأسامة بن زيد الليثي، وزيادة بن محمد، وصالح بن حسان، وعاصم بن محمد العمري، وابن عجلان، وأبو المقدام هشام بن زياد، والوليد بن كثير، وأبو معشر نجيح، ومحمد بن رفاعة القرظي، وخلق كثير.
قال ابن سعد: كان ثقة عالما كثير الحديث ورعا.
وقال ابن المديني وأبو زرعة والعجلي: ثقة، وزاد العجلي، مدني تابعي رجل صالح عالم بالقرآن.
قلت: كان من أئمة التفسير، وقال البخاري: كان أبوه ممن لم ينبت يوم قريظة، فترك (1).
ثم قال: حدثني ابن بشار، حدثنا أبو بكر الحنفي، حدثنا الضحاك بن عثمان، عن أيوب بن موسى، سمعت محمد بن كعب القرظي، سمعت عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة " (2).
قال البخاري: لاأدري أحفظه أم لا.
وقال أبو داود: سمع من علي وابن مسعود.
وقال قتيبة: بلغني أنه ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، سمعه الترمذي منه.
وقال أبو داود: سمعت قتيبة يقول: بلغني أن محمد بن كعب رأى النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: هذا قول منقطع شاذ.
__________
(1) التاريخ الكبير 1 / 216، وممن خلي سبيله من أسرى بني قريظة لانه لم ينبت عطية القرظي كما في سنن أبي داود (4404) والترمذي (1584) والنسائي 6 / 155، وابن ماجه (2541) وسنده حسن.
[ * ] (2) التاريخ الكبير 1 / 216، ورجاله ثقات، وأخرجه الترمذي (2912) في ثواب القرآن من طريق ابن بشار، عن أبي بكر الحنفي، عن الضحاك بن عثمان، عن أيوب بن موسى، عن محمد بن كعب القرظي، عن ابن مسعود..وقال: هذا حديث حسن صحيح.
[ * ]

(5/67)


وقال يعقوب بن شيبة: ولد محمد بن كعب في آخر خلافة علي سنة أربعين، ولم يسمع من العباس.
وروى ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن أبي صخر، عن عبد الله ابن مغيث (1) بن أبي بردة [ الظفري ]، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " يخرج من أحد الكاهنين رجل يدرس القرآن دراسة لا يدرسها أحد يكون من بعده ".
قال نافع بن يزيد: قال ربيعة: فكنا نقول: هو محمد بن كعب.
يعقوب بن عبدالرحمن القاري، عن أبيه: سمعت عون بن عبد الله يقول: ما رأيت أحدا أعلم بتأويل القرآن من القرظي.
وقيل: كان له أملاك بالمدينة، وحصل مالا مرة، فقيل له: ادخر لولدك، قال: لا، ولكن أدخره لنفسي عند ربي، وأدخر ربي لولدي، وقيل: إنه كان مجاب الدعوة، كبير القدر.

24 - يوسف بن ماهك * (ع) الفارسي من موالي أهل مكة.
حدث عن حكيم بن حزام، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، وابن
__________
(1) وبعضهم سماه عبد الله بن معتب، لم يوثقه غير ابن حبان على عادته في توثيق المجاهيل، وأبوه لا يعرف، فالحديث ضعيف، وهو في " المسند " 6 / 11 من طريق ابن وهب.
وقد تحرف فيه معتب إلى معقب وأخرجه الفسوي في " تاريخه " 1 / 563، 564 من طريق نافع بن يزيد، عن أبي صخر، عن عبد الله بن معتب أو مغيث بن أبي بردة، عن أبيه عن جده..، وأورده الحافظ ابن حجر في " الاصابة " في ترجمة أبي بردة الظفري، ونسبه لاحمد والبغوي.
* طبقات ابن سعد 5 / 470، 471، طبقات خليفة: 281، تاريخ خليفة: 345، تاريخ الفسوي 1 / 223، الجرح والتعديل 9 / 229، تهذيب الكمال: 1561، تذهيب التهذيب 4 / 191، تاريخ الاسلام 5 / 21، العقد الثمين 7 / 497، تهذيب التهذيب 11 / 421، خلاصة تذهيب الكمال: 439، شذرات الذهب 1 / 147.
[ * ]

(5/68)


عباس، وعبد الله بن صفوان بن أمية، وعبيد بن عمير.
وعنه أبو بشر، وعطاء، وأيوب السختياني، وحميد الطويل، وابن جريج وآخرون.
وثقه يحيى بن معين.
قال الهيثم بن عدي: مات سنة عشر ومئة، وقيل: سنة أربع عشرة.
وقال الواقدي ويحيى بن بكير والفلاس: توفي سنة ثلاث عشرة ومئة، رحمه الله.

25 - الاعرج * (ع) الامام الحافظ الحجة المقرئ أبو داود عبدالرحمن بن هرمز المدني الاعرج مولى محمد بن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب بن هاشم.
سمع أبا هريرة، وأبا سعيد، وعبد الله بن مالك بن بحينة، وطائفة.
وجود القرآن وأقرأه، وكان يكتب المصاحف.
وسمع أيضا من أبي سلمة بن
عبدالرحمن، وعمير مولى ابن عباس، وعدة.
حدث عنه الزهري، وأبو الزناد، وصالح بن كيسان، ويحيى بن سعيد الانصاري، وعبد الله بن لهيعة، وآخرون.
وتلا عليه نافع بن أبي نعيم.
وقيل: بل ولاؤه لبني مخزوم.
أخذ القراءة عرضا عن أبي هريرة، وابن عباس، وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة.
قال إبراهيم بن سعد: كان الاعرج يكتب المصاحف.
__________
* طبقات ابن سعد 5 / 283، طبقات خليفة: 239، التاريخ الكبير 5 / 360، التاريخ الصغير 1 / 283، تاريخ الفسوي 2 / 737، الجرح والتعديل 5 / 297، اللباب 1 / 75، تهذيب الاسماء واللغات 1 / 305، 306، تهذيب الكمال: 824، تذهيب التهذيب 2 / 232 / 2 تاريخ الاسلام 4 / 275، تذكرة الحفاظ 1 / 97، طبقات القراء للذهبي 1 / 63، مرآة الجنان 1 / 350، طبقات القراء 1 / 381، تهذيب التهذيب 6 / 290، النجوم الزاهرة 1 / 276، طبقات الحفاظ: 38، بغية الوعاة 2 / 91، خلاصة تذهيب الكمال 236، شذرات الذهب 1 / 153.
[ * ]

(5/69)


مالك، عن داود بن الحصين، سمع عبدالرحمن بن هرمز الاعرج يقول: ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان، وكان القارئ يقرأ سورة البقرة في ثماني ركعات، فإذا قام بها في ثنتي عشرة ركعة، رأى الناس أنه قد خفف (1).
ابن لهيعة عن أبي النضر قال: كان عبدالرحمن بن هرمز أول من وضع العربية، وكان أعلم الناس بأنساب قريش، وقيل: إنه أخذ العربية عن أبي الاسود الديلي.
اتفق أن الاعرج سافر في آخر عمره إلى مصر، ومات مرابطا بالاسكندرية.
أرخ وفاته مصعب الزبيري وطائفة في سنة سبع عشرة ومئة،
وأظنه جاوز الثمانين.

26 - أبو السفر * (ع) هو سعيد بن يحمد الهمداني الكوفي الفقيه.
حدث عن ابن عباس، والبراء بن عازب، وعبد الله بن عمرو، وابن عم، وناجية بن كعب.
وعنه الاعمش، وإسماعيل بن أبي خالد، ويونس بن أبي إسحاق، ومالك بن مغول، وآخرون.
وثقه يحيى بن معين وغيره.
توفي سنة ثلاث عشرة ومئة.
__________
(1) أخرجه مالك في " الموطأ " 1 / 115، وعنه عبد الرزاق في " المصنف " (7734) وإسناده صحيح.
* طبقات ابن سعد 6 / 299، طبقات خليفة: 162، التاريخ الكبير 3 / 519، الجرح والتعديل 4 / 73، تهذيب الكمال: 510، تذهيب التهذيب 2 / 30 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 252، تهذيب التهذيب 4 / 96، خلاصة تذهيب الكمال: 143.
[ * ]

(5/70)


27 - أبو الضحى * (ع) مسلم بن صبيح القرشي الكوفي، مولى آل سعيد بن العاص.
سمع ابن عباس، وابن عمر، والنعمان بن بشير، ومسروقا، وغيرهم.
حدث عنه مغيرة، ومنصور، والاعمش، وفطر بن خليفة، وآخرون.
وتفقه بعلقمة وغيره، وكان من أئمة الفقه والتفسير، ثقة حجة، وكان عطارا.
مات نحو سنة مئة في خلافة عمر بن عبد العزيز.

28 - ميمون بن مهران * * (م، 4) الامام الحجة، عالم الجزيرة ومفتيها، أبو أيوب الجزري الرقي،
أعتقته امرأة من بني نصر بن معاوية بالكوفة، فنشأ بها، ثم سكن الرقة.
وحدث عن أبي هريرة، وعائشة، وابن عباس، وابن عمر، والضحاك ابن قيس الفهري الامير، وصفية بنت شيبة العبدرية، وعمرو بن عثمان، وأم الدرداء، وعمر بن عبد العزيز، ونافع، ويزيد بن الاصم، ومقسم، وعدة.
وأرسل عن عمر والزبير.
روى عنه ابنه عمرو، وأبو بشر جعفر بن إياس، وحميد الطويل، وسليمان
__________
* طبقات ابن سعد 6 / 288، طبقات خليفة: 157، تاريخ خليفة: 325، الجرح والتعديل 4 / 186، تهذيب الكمال: 1327، تذهيب التهذيب 4 / 38 / 1، تاريخ الاسلام 4 / 78، تهذيب التهذيب 10 / 132، خلاصة تذهيب الكمال: 375.
* * طبقات ابن سعد 7 / 477، طبقات خليفة: 319، تاريخ الفسوي 2 / 389، الجرح والتعديل 8 / 233، حلية الاولياء 4 / 82، طبقات الشيرازي: 77، تهذيب الكمال: 1396، تذهيب التهذيب 4 / 86 / 2، العبر 1 / 147، تاريخ الاسلام 5 / 8، تذكرة الحفاظ 1 / 98، البداية 9 / 314، تهذيب التهذيب 10 / 390، طبقات الحفاظ: 39، خلاصة تذهيب الكمال: 394، شذرات الذهب 1 / 154.
[ * ]

(5/71)


الاعمش، وحجاج بن أرطاة، وخصيف، وسالم بن أبي المهاجر، وجعفر بن برقان، وفرات بن السائب، وزيد بن أبي أنيسة، وحبيب بن الشهيد، والاوزاعي، وعلي بن الحكم، والنضر بن عربي، والجريري، ومعقل بن عبيد الله، وأبو المليح الحسن بن عمر الرقي، وخلق سواهم.
قيل: إن مولده عام موت علي رضي الله عنه.
سنة أربعين.
وثقه جماعة، وقال أحمد بن حنبل: هو أوثق من عكرمة.
وروى سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى قال: هؤلاء الاربعة
علماء الناس في زمن هشام بن عبدالملك: مكحول والحسن والزهري وميمون بن مهران.
وروى إسماعيل بن عبيدالله، عن ميمون بن مهران قال: كنت أفضل عليا على عثمان، فقال لي عمر بن عبد العزيز: أيهما أحب إليك، رجل أسرع في الدماء، أو رجل أسرع في المال، فرجعت وقلت: لا أعود.
وقال: كنت عند عمر بن عبد العزيز، فلما قمت، قال: إذا ذهب هذا وضرباؤه، صار الناس بعده رجراجة (1).
قال أبو المليح: ما رأيت رجلا أفضل من ميمون بن مهران.
روى عمرو بن ميمون بن مهران قال: إني وددت أن أصبغي قطعت من هاهنا، وأني لم أل لعمر بن عبد العزيز ولا لغيره.
أبو المليح الرقي، عن حبيب بن أبي مرزوق: قال ميمون: وددت أن
__________
(1) في " اللسان ": وفي حديث عمر بن عبد العزيز: الناس رجاج بعد هذا الشيخ - يعني ميمون ابن مهران - هم رعاع الناس وجهالهم، وفي " النهاية " في حديث ابن مسعود: " لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس كرجرجة الماء الخبيث " الرجرجة بكسر الراءين: بقية الماء الكدرة في الحوض المختلطة بالطين، فلا ينتفع بها.
قال أبو عبيد: الحديث يروى كرجراجة الماء والمعروف في الكلام رجرجة وقال الزمخشري: الرجراجة: هي المرأة يترجرج كفلها.
[ * ]

(5/72)


إحدى عيني ذهبت، وأني لم أل عملا قط، لاخير في العمل لعمر بن عبد العزيز، ولا لغيره.
قلت: كان ولي خراج الجزيرة، وقضاءها، وكان من العابدين.
روى أبو المليح الرقي، عن ميمون بن مهران قال: لا تجالسوا أهل القدر، ولا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ولا تعلموا النجوم (1).
بقية بن الوليد: أخبرنا عبدالملك بن أبي النعمان الجزري، عن ميمون ابن مهران قال: خاصمه رجل في الارجاء (2)، فبينما هما على ذلك إذ سمعا امرأة تغني، فقال ميمون: أين إيمان هذه من إيمان مريم بنت عمران، فانصرف الرجل ولم يرد عليه (3).
[ * ] (1) المحظور من علم النجوم هو ما عليه الكهان والمشعوذون من علم التأثير الذي يزعمون أنهم يعلمون به الكوائن والحوادث التي لم تقع وستقع في مستقبل الزمان، وأما علم التسيير الذي يدرك من طريق المشاهدة والحس، وتعلم ما يحتاج إليه للاهتداء ولمعرفة الجهات وغير ذلك مما هو مفيد ونافع فلا حرج في تعلمه.
(2) الارجاء يطلقه المعتزلة القائلون بتخليد صاحب الكبيرة في النار على أهل السنة والجماعة، لانهم لا يقطعون بعقاب الفساق الذين يرتكبون الكبائر، ويفوضون أمرهم إلى الله إن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم.
ويطلقه المحدثون على من لا يقول بزيادة الايمان ولا نقصانه، ولا يقول بدخول العمل بحقيقة الايمان ومسماه، وهو مذهب أبي حنيفة والجلة من العلماء وهم يعتدون بالاعمال، ويحرضون عليها، ويفسقون من ضيع شيئا منها، ويرجئون أمر العصاة الذين يرتكبون الكبائر إلى الله إن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم.
ويطلقه الجمهور على الطائفة المذمومة المتهمة في دينها التي تقول: الايمان هو المعرفة، وما سوى الايمان من الطاعات، وما سوى الكفر من المعاصي غير ضارة ولا نافعة..ومن كان من هذا القبيل، فهو مرفوض الرواية ولا كرامة.
(3) يريد ميمون أن يثبت بمقالته هذه أن الايمان تتفاوت نسبته بين مؤمن وآخر، وأنه يزيد وينقص، وهو مذهب جمهور سلف الامة، ونصوص القرآن، وما صح من حديث النبي صلى الله عليه وسلم تقوي ذلك وترجحه، انظر " شرح السنة " 1 / 33، 47 للبغوي بتحقيقنا.
[ * ]

(5/73)


أبو المليح، عن فرات بن السائب قال: كنت في مسجد ملطية (1) فتذاكرنا هذه الاهواء، فانصرفت فنمت، فسمعت هاتفا يهتف: الطريق مع ميمون بن مهران.
عبد الله بن جعفر الرقي: حدثنا عبد الله بن عمرو، عن عبدالملك بن زائدة قال: ضرب على أهل الرقة بعث، فجهز فيه ميمون بن مهران بنبال، فقال مسلمة: لقد أصبح أبو أيوب في طاعتنا شمريا (2).
يعلى بن عبيد: حدثنا هارون البربري، قال: كتب ميمون بن مهران إلى عمر بن عبد العزيز: إني شيخ كبير رقيق، كلفتني أن أقضي بين الناس، وكان على الخراج والقضاء بالجزيرة، فكتب إليه: إني لم أكلفك ما يعنيك، اجب الطيب من الخراج، واقض بما استبان لك، فإذا لبس عليك شئ، فارفعه إلي، فإن الناس لو كان إذا كبر عليهم أمر تركوه، لم يقم دين ولا دنيا.
جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران قال: لا يكون الرجل تقيا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه، وحتى يعلم من أين ملبسه ومطعمه ومشربه.
أحمد بن حنبل: حدثنا عبد الله بن ميمون، عن الحسن بن حبيب قال: رأيت على ميمون جبة صوف تحت ثيابه، فقلت له: ما هذا ؟ قال: نعم، فلا تخبر به أحدا.
وقال جامع بن أبي راشد: سمعت ميمون بن مهران يقول: ثلاثة تؤدى إلى البر والفاجر: الامانة، والعهد، وصلة الرحم
__________
(1) ملطية: مدينة على الفرات، في تركيا كانت من الثغور الشامية.
(2) يقال: رجل شمري، أي: ماض في الامور والحوائج مجرب.
[ * ]

(5/74)


قال أبو المليح: جاء رجل إلى ميمون بن مهران يخطب بنته، فقال: لا أرضاها لك، قال: ولم ؟ قال: لانها تحب الحلي والحلل، قال: فعندي من هذا ما تريد، قال: الآن لا أرضاك لها.
قال الامام أبو الحسن الميموني: قال لي أحمد بن حنبل: إني لاشبه ورع جدك بورع ابن سيرين.
قال أبو المليح: قال رجل لميمون: يا أبا أيوب ! ما يزال الناس بخير ما أبقاك الله لهم، قال: أقبل على شأنك، ما يزال الناس بخير ما اتقوا ربهم.
ابن علية: حدثنا يونس بن عبيد، قال: كتبت إلى ميمون بن مهران بعد طاعون كان ببلادهم أسأله عن أهله، فكتب إلي: بلغني كتابك، وإنه مات من أهلي وخاصتي سبعة عشر إنسانا، وإني أكره البلاء إذا أقبل، فإذا أدبر، لم يسرني أنه لم يكن.
روى أبو المليح، عن ميمون: من أساء سرا، فليتب سرا، ومن أساء علانية، فليتب علانية، فإن الناس يعيرون ولا يغفرون، والله يغفر ولا يعير.
خالد بن حيان الرقي، عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.
عبد الله بن جعفر، عن أبي المليح قال: قال ميمون: إذا أتى رجل باب سلطان، فاحتجب عنه، فليأت بيوت الرحمن، فإنها مفتحة، فليصل ركعتين، وليسأل حاجته.
وقال ميمون: قال محمد بن مروان بن الحكم، ما يمنعك أن تكتب في الديوان، فيكون لك سهم في الاسلام ؟ قلت: إني لارجو أن يكون لي سهام

(5/75)


في الاسلام.
قال: من أين ولست في الديوان ؟ فقلت: شهادة أن لا إله إلا الله سهم، والصلاة سهم، والزكاة سهم، وصيام رمضان سهم، والحج سهم.
قال: ما كنت أظن أن لاحد في الاسلام سهما إلا من كان في الديوان، قلت: هذا ابن عمك حكيم بن حزام لم يأخذ ديوانا قط، وذلك أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم مسألة، فقال: استعف يا حكيم خير لك.
قال: ومنك يا رسول الله ؟ قال: ومني، قال: لاجرم لاأسألك ولا غيرك شيئا أبدا، ولكن ادع الله لي أن يبارك لي في صفقتي - يعني التجارة فدعا له (1) رواها عبد الله بن جعفر، عن أبي المليح، عنه.
قال فرات: سمعت ميمونا يقول: لو نشر فيكم رجل من السلف ما عرف إلا قبلتكم.
أبو المليح: سمعت ميمون بن مهران، وأتاه رجل فقال: إن زوجة هشام ماتت، وأعتقت كل مملوك لها، فقال: يعصون الله مرتين، يبخلون به وقد أمروا أن ينفقوه، فإذا صار لغيرهم أسرفوا فيه.
قال أحمد العجلي والنسائي: ميمون ثقة.
زاد أحمد: كان يحمل على
__________
(1) رجاله ثقات، لكنه منقطع، ميمون بن مهران لم يدرك حكيم بن حزام، وأخرج البخاري 3 / 265، 266، في الزكاة: باب الاستعفاف عن المسألة من حديث الزهري، عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب أن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: " يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس، بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع، اليد العليا خير من اليد السفلى.
" فقال حكيم: فقلت يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا.
فكان أبو بكر رضي الله عنه يدعو حكيما إلى العطاء، فيأبى أن يقبله منه، ثم إن عمر رضي الله عنه دعاه ليعطيه، فأبى أن يقبل منه شيئا، فقال: إني أشهدكم معشر المسلمين على حكيم إني
أعرض عليه حقه من هذا الفئ فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحدا من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[ * ]

(5/76)


علي رضي الله عنه، قلت: لم يثبت عنه حمل، إنما كان يفضل عثمان عليه، وهذا حق.
عبد الله بن جابر الطرسوسي، عن جعفر بن محمد بن نوح، عن إبراهيم بن محمد السمري أن ميمون بن مهران صلى في سبعة عشر يوما سبعة عشر ألف ركعة، فلما كان في اليوم الثامن عشر،، انقطع في جوفه شئ فمات.
عبد الله بن جعفر: حدثنا أبو المليح، عن ميمون قال: أدركت من لم يكن يملا عينيه من السماء فرقا من ربه عزوجل.
وعنه قال: أدركت من كنت أستحيي أن أتكلم عنده.
قال ابن سعد: ميمون يكنى أبا أيوب، ثقة، كثير الحديث.
وقال أبو عروبة: نزل الرقة وبها عقبه.
معمر بن سليمان، عن فرات بن السائب، عن ميمون بن مهران قال: ثلاث لاتبلون نفسك بهن: لا تدخل على السلطان، وإن قلت: آمره بطاعة الله، ولا تصغين بسمعك إلى هوى، فإنك لا تدري ما يعلق بقلبك منه، ولا تدخل على امرأة، ولو قلت: أعلمها كتاب الله.
وروى حبيب بن أبي مرزوق، عن ميمون: وددت أن عيني ذهبت، وبقيت الاخرى أتمتع بها، وأني لم أل عملا قط، قلت له: ولا لعمر بن عبد العزيز ؟ قال: لا لعمر ولا لغيره.
أبو المليح، عن ميمون قال: لا تضرب المملوك في كل ذنب، ولكن احفظ له، فإذا عصى الله، فعاقبه على المعصية، وذكره الذنوب التي بينك وبينه.
أبو المليح، سمعت ميمونا يقول: لان أوتمن على بيت مال أحب إلي من أن أوتمن على امرأة.

(5/77)


عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثني يحيى بن عثمان الحربي، حدثنا أبو المليح، عن ميمون، قال: ما نال رجل من جسيم الخير - نبي ولاغيره إلا بالصبر.
الحارث بن أبي أسامة: حدثنا كثير بن هشام، حدثنا جعفر بن برقان، حدثنا يزيد بن الاصم قال: لقيت عائشة رضي الله عنها مقبلة من مكة، أنا وابن لطلحة وهو ابن أختها، وقد كنا وقعنا في حائط من حيطان المدينة، فأصبنا منه، فبلغها ذلك، فأقبلت على ابن أختها تلومه، ثم وعظتني، ثم قالت: أما علمت أن الله ساقك حتى جعلك في بيت نبيه، ذهبت والله ميمونة، ورمي برسنك على غاربك، أما إنها كانت من أتقانا لله عزوجل، وأوصلنا للرحم (1).
جرى القلم بكتابة هذا هنا، ويزيد بن الاصم من فضلاء التابعين بالرقة.
وقد خرج أرباب الكتب لميمون بن مهران سوى البخاري، فما أدري لم تركه ؟ قال ابن سعد وأبو عروبة وغيرهما: توفي سنة سبع عشرة ومئة، وقال شباب: سنة ست عشرة.
رحمه الله.
له حديث سيأتي.

29 - عطاء بن أبي رباح * (ع) أسلم، الامام شيخ الاسلام، مفتي الحرم، أبو محمد القرشي مولاهم
__________
(1) سند هذا الخبر قوي ورجاله كلهم ثقات ويزيد بن الاصم: هو ابن أخت ميمونة أم المؤمنين زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ولا علاقة لهذا الخبر بالمترجم له، وإنما ذكره المؤلف رحمه الله استطرادا، وقد نبه على
ذلك بقوله: جرى القلم بكتابه هذا هنا.
* طبقات ابن سعد 5 / 467، طبقات خليفة: 280، تاريخ البخاري 6 / 463، التاريخ الصغير 1 / 277، تاريخ الفسوي 1 / 701، الجرح والتعديل 6 / 330، طبقات الشيرازي: 69، وفيات الاعيان 3 / 261، تهذيب الكمال: 938، تذهيب التهذيب 3 / 41 / 1، تاريخ الاسلام = [ * ]

(5/78)


المكي، يقال: ولاؤه لبني جمح، كان من مولدي الجند (1)، ونشأ بمكة، ولد في أثناء خلافة عثمان.
حدث عن عائشة، وأم سلمة، وأم هانئ، وأبي هريرة، وابن عباس، وحكيم بن حزام، ورافع بن خديج، وزيد بن أرقم، وزيد بن خالد الجهني، وصفوان بن أمية، وابن الزبير، وعبد الله بن عمرو، وابن عمر، وجابر ومعاوية، وأبي سعيد، وعدة من الصحابة.
وأرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي بكر، وعتاب بن أسيد، وعثمان بن عفان، والفضل بن عباس، وطائفة.
وحدث أيضا عن عبيد بن عمير، ويوسف بن ماهك، وسالم بن شوال، وصفوان بن يعلى بن أمية، ومجاهد، وعروة، وابن الحنفية، وعدة.
حتى إنه ينزل إلى أبي الزبير المكي، وابن أبي مليكة، وعبد الكريم أبي أمية البصري، وكان من أوعية العلم.
حدث عنه مجاهد بن جبر، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو الزبير، وعمرو ابن دينار، والقدماء، والزهري، وقتادة، وعمرو بن شعيب، ومالك بن دينار، والحكم بن عتيبة، وسلمة بن كهيل، والاعمش، وأيوب السختياني، ومطر الوراق، ومنصور بن زاذان، ومنصور بن المعتمر، ويحيى بن أبي كثير، وخلق من صغار التابعين، وأبو حنيفة، وجرير بن حازم، ويونس بن عبيد، وأسامة بن زيد الليثي، وإسماعيل بن مسلم المكي، والاسود بن شيبان، وأيوب بن
موسى الفقيه، وأيوب بن عتبة اليمامي، وبديل بن ميسرة، وبرد بن سنان،
__________
= 4 / 278، ميزان الاعتدال 3 / 70، العبر 1 / 141، نكت الهميان: 199، البداية 9 / 306، العقد الثمين 6 / 84، طبقات القراء 1 / 513، تهذيب التهذيب 7 / 199، النجوم الزاهرة 1 / 273، طبقات الحفاظ: 309، خلاصة تذهيب الكمال: 266، شذرات الذهب 1 / 147.
(1) الجند، بفتح الجيم والنون، بعدها دال مهملة: بلدة مشهورة باليمن، خرج منها جماعة من العلماء، بينها وبين صنعاء ثمانية وخمسون فرسخا.
[ * ]

(5/79)


وجعفر بن برقان، وجعفر الصادق، وحبيب بن الشهيد، وحجاج بن أرطاة، وحسين المعلم، وخصيف الجزري، ورباح بن أبي معروف المكي، ورقبة ابن مصقلة، والزبير بن خريق، وزيد بن أبي أنيسة، وطلحة بن عمرو المكي، وعباد بن منصور الناجي، وعبد الله بن عبدالرحمن بن أبي حسين، وعبد الله ابن أبي نجيح، وعبد الله بن المؤمل المخزومي، والاوزاعي، وعبد الملك بن أبي سليمان، وابن جريج، وعبد الواحد بن سليم البصري، وعبد الوهاب بن بخت، وعبيدالله بن عمر، وعثمان بن الاسود، وعسل بن سفيان، وعطاء الخراساني، وعفير بن معدان، وعقبة بن عبد الله الاصم، وعكرمة بن عمار، وعلي بن الحكم، وعمارة بن ثوبان، وعمارة بن ميمون، وعمر بن سعيد بن أبي حسين، وعمر بن قيس سندل، وفطر بن خليفة، وقيس بن سعد، وكثير ابن شنظير، والليث بن سعد، ومبارك بن حسان، وابن إسحاق، ومحمد بن جحادة، ومحمد بن سعيد الطائفي، ومحمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى، ومحمد بن عبيدالله العرزمي، ومسلم البطين، ومعقل بن عبيدالله الجزري، ومغيرة بن زياد الموصلي، وموسى بن نافع أبو شهاب الكوفي، وهمام بن يحيى، وعبد الله بن لهيعة، ويزيد بن إبراهيم التستري، وأبو عمرو بن
العلاء، وأبو المليح الرقي، وأمم سواهم.
قال علي بن المديني: اسم أبي رباح أسلم مولى حبيبة بنت ميسرة بن أبي خثيم.
وقال ابن سعد: هو مولى لبني فهر أو بني جمح، انتهت فتوى أهل مكة إليه وإلى مجاهد، وأكثر ذلك إلى عطاء.
سمعت بعض أهل العلم يقول: كان عطاء أسود أعور أفطس أشل أعرج، ثم عمي، وكان ثقة، فقيها، عالما، كثير الحديث.
قال أبو داود: أبوه نوبي، وكان يعمل المكاتل، وكان عطاء أعور أشل أفطس أعرج أسود، قال: وقطعت يده مع ابن الزبير.

(5/80)


قال أبو عمرو بن العلاء: قلت لعطاء: إنك يومئذ لخنشليل (1) بالسيف، قال: إنهم دخلوا علينا.
وقال جرير بن حازم: رأيت يد عطاء شلاء، ضربت أيام ابن الزبير.
وقال أبو المليح الرقي: رأيت عطاء أسود يخضب بالحناء.
وروى عباس عن ابن معين قال: كان عطاء معلم كتاب.
وعن خالد بن أبي نوف عن عطاء قال: أدركت مئتين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثوري، عن عمر بن سعيد بن أبي حسين، عن أمه أنها أرسلت إلى ابن عباس تسأله عن شئ، فقال: يا أهل مكة ! تجتمعون علي وعندكم عطاء.
وقال قبيصة عن سفيان بهذه ولكن جعله عن ابن عمر.
وقال بشر بن السري، عن عمر بن سعيد، عن أمه أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم في منامها فقال لها: سيد المسلمين عطاء بن أبي رباح.
وقال أبو عاصم الثقفي: سمعت أبا جعفر الباقر يقول للناس - وقد
اجتمعوا: عليكم بعطاء، هو والله خير لكم مني.
وعن أبي جعفر قال: خذوا من عطاء ما استطعتم.
وروى أسلم المنقري، عن أبي جعفر قال: ما بقي على ظهر الارض أحد أعلم بمناسك الحج من عطاء.
عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه قال: ما أدركت أحدا أعلم بالحج من عطاء بن أبي رباح.
أبو حفص الابار، عن ابن أبي ليلى قال: دخلت على عطاء فجعل
__________
(1) الخنشليل: هو المسن القوي والجيد الضرب بالسيف.
[ * ]

(5/81)


يسألني، فكأن أصحابه أنكروا ذلك، وقالوا: تسأله ؟ قال: ما تنكرون ؟ هو أعلم مني.
قال ابن أبي ليلى - وكان عالما بالحج: قد حج زيادة على سبعين حجة.
قال: وكان يوم مات ابن نحو مئة سنة، رأيته يشرب الماء في رمضان ويقول: قال ابن عباس: * (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين.
فمن تطوع خيرا فهو خير له) * [ البقرة: 184 ]: إني أطعم أكثر من مسكين (1).
ابن وهب، عن مالك قال: عمرو بن دينار، ومجاهد، وغيرهما من أهل مكة، لم يزالوا متناظرين حتى خرج عطاء بن أبي رباح إلى المدينة، فلما رجع إلينا استبان فضله علينا.
وروى إبراهيم بن عمر بن كيسان قال: أذكرهم في زمان بني أمية يأمرون في الحج مناديا يصيح: لا يفتي الناس إلا عطاء بن أبي رباح، فإن لم يكن عطاء، فعبد الله بن أبي نجيح.
قال أبو حازم الاعرج: فاق عطاء أهل مكة في الفتوى.
__________
(1) أخرجه الحافظ أبو بكر بن مردويه فيما ذكره ابن كثير 1 / 215 من حديث الحسين بن محمد بن
بهرام المخزومي، حدثنا وهب بن بقية، حدثنا خالد بن عبد الله، عن ابن أبي ليلى، قال: دخلت على عطاء في رمضان وهو يأكل، فقال: قال ابن عباس: نزلت هذه الآية * (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) * فنسخت الاولى إلا الكبير الفاني إن شاء أطعم عن كل يوم مسكينا.
وأخرج البخاري في " صحيحه " 8 / 135 في تفسير سورة البقرة من طريق عمرو بن دينار، عن عطاء سمع ابن عباس يقول: * (وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين) * قال ابن عباس: ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما، فليطعما مكان كل يوم مسكينا.
قال الحافظ: " يطوقونه " بفتح الطاء وتشديد الواو مبنيا للمفعول مخفف الطاء من طوق بضم أوله بوزن قطع، وهذه قراءة ابن مسعود أيضا.
وقد وقع عند النسائي من طريق ابن أبي نجيح، عن عمرو بن دينار يطوقونه: يكلفونه، وهو تفسير حسن أي: يكلفون إطاقته.
ولابي داود (2318) والطبري 3 / 427 من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس * (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) * كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا والحبلى والمرضع إذا خافتا - قال أبو داود: يعني على أولادهما - أفطرتا وأطعمتا.
وإسناده قوي.
[ * ]

(5/82)


وروى همام عن قتادة قال: قال لي سليمان بن هشام: هل بالبلد - يعني مكة - أحد ؟ قلت: نعم، أقدم رجل في جزيرة العرب علما، فقال: من ؟ قلت: عطاء بن أبي رباح.
ابن أبي عروبة، عن قتادة - فيما يظن الراوي قال: إذا اجتمع لي أربعة، لم ألتفت إلى غيرهم، ولم أبال من خالفهم: الحسن، وابن المسيب، وإبراهيم، وعطاء، هؤلاء أئمة الامصار.
ضمرة، عن عثمان بن عطاء قال: كان عطاء أسود شديد السواد، ليس في رأسه شعر إلا شعرات، فصيح إذا تكلم، فما قال بالحجاز قبل منه.
وقال ابن عيينة، عن إسماعيل بن أمية قال: كان عطاء يطيل الصمت، فإذا
تكلم يخيل لنا أنه يؤيد.
وقال أسلم المنقري: جاء أعرابي يسأل، فأرشد إلى سعيد بن جبير، فجعل الاعرابي يقول: أين أبو محمد ؟ فقال سعيد: ما لنا ها هنا مع عطاء شئ.
وروى عبدالحميد الحماني، عن أبي حنيفة قال: ما رأيت فيمن لقيت أفضل من عطاء بن أبي رباح، ولا لقيت أكذب من جابر الجعفي، ما أتيته قط بشئ إلا جاءني فيه بحديث، وزعم أن عنده كذا وكذا ألف حديث من رأيي عن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينطق بها (1).
وقال محمد بن عبد الله الديباج (2): ما رأيت مفتيا خيرا من عطاء، إنما
__________
(1) في " الميزان " ما أتيته بشئ قط إلا جاء فيه بحديث وزعم أن عنده كذا وكذا ألف حديث لم يظهرها.
ولفظ ابن حبان في " المجروحين والضعفاء " 1 / 209: ما أتيته بشئ قط من رأي إلا جاءني فيه بحديث وزعم أنه عنده كذا وكذا ألف حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينطق بها.
(2) لقب به لحسن وجهه، وهو محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان الاموي المدني = [ * ]

(5/83)


كان مجلسه ذكر الله لايفتر، وهم يخوضون، فإن تكلم أو سئل عن شئ أحسن الجواب.
وروى أيوب بن سويد، عن الاوزاعي قال: مات عطاء بن أبي رباح يوم مات، وهو أرضى أهل الارض عند الناس، وما كان يشهد مجلسه إلا تسعة أو ثمانية.
وقال الثوري، عن سلمة بن كهيل: ما رأيت أحدا يريد بهذا العلم وجه الله غير هؤلاء الثلاثة: عطاء، وطاووس، ومجاهد.
قال ابن جريج: كان المسجد فراش عطاء عشرين سنة، وكان من
أحسن الناس صلاة.
وقال إسماعيل بن عياش: قلت لعبد الله بن عثمان بن خثيم: ما كان معاش عطاء ؟ قال: صلة الاخوان، ونيل السلطان.
قال الاصمعي: دخل عطاء بن أبي رباح على عبدالملك، وهو جالس على السرير، وحوله الاشراف، وذلك بمكة في وقت حجه في خلافته، فلما بصر به عبدالملك، قام إليه فسلم عليه، وأجلسه معه على السرير، وقعد بين يديه، وقال: يا أبا محمد: حاجتك ؟ قال: يا أمير المؤمنين ! اتق الله في حرم الله، وحرم رسوله، فتعاهده بالعمارة، واتق الله في أولاد المهاجرين والانصار، فإنك بهم جلست هذا المجلس، واتق الله في أهل الثغور، فإنهم حصن المسلمين، وتفقد أمور المسلمين، فإنك وحدك المسؤول عنهم، واتق الله فيمن على بابك، فلا تغفل عنهم، ولا تغلق دونهم بابك، فقال له: أفعل، ثم نهض وقام، فقبض عليه عبدالملك وقال: يا أبا محمد ! إنما سألتنا حوائج غيرك، وقد قضيناها، فما حاجتك ؟ قال: مالي إلى مخلوق حاجة، ثم
__________
= الصدوق، وهو أخو عبد الله بن الحسن بن الحسن لامه، قتله المنصور سنة خمس وأربعين ومئة [ * ]

(5/84)


خرج، فقال عبدالملك: هذا وأبيك الشرف، هذا وأبيك السؤدد.
محمد بن حميد: حدثنا أبوتميلة، حدثنا مصعب بن حيان أخو مقاتل قال: كنت عند عطاء بن أبي رباح فسئل عن شئ، فقال: لا أدري نصف العلم، ويقال: نصف الجهل.
الوليد الموقري (1)، عن الزهري: قال لي عبدالملك بن مروان: من أين قدمت ؟ قلت: من مكة، قال: فمن خلفت يسودها ؟ قلت: عطاء، قال: أمن العرب أم من الموالي ؟ قلت: من الموالي، قال: فيم سادهم ؟ قلت: بالديانة
والرواية، قال: إن أهل الديانة والرواية ينبغي أن يسودوا، فمن يسود أهل اليمن ؟ قلت: طاووس، قال: فمن العرب أو الموالي ؟ قلت: من الموالي، قال: فمن يسود أهل الشام ؟ قلت: مكحول، قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قلت: من الموالي، عبد نوبي أعتقته امرأة من هذيل، قال: فمن يسود أهل الجزيرة ؟ قلت: ميمون بن مهران، وهو من الموالي، قال: فمن يسود أهل خراسان ؟ قلت: الضحاك بن مزاحم من الموالي، قال: فمن يسود أهل البصرة ؟ قلت: الحسن من الموالي، قال: فمن يسود أهل الكوفة ؟ قلت: إبراهيم النخعي، قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قلت: من العرب.
قال: ويلك، فرجت عني، والله ليسودن الموالي على العرب في هذا البلد حتى يخطب لها على المنابر، والعرب تحتها.
قلت: يا أمير المؤمنين: إنما هو دين، من حفظه، ساد، ومن ضيعه سقط.
الحكاية منكرة، والوليد بن محمد واه فلعلها تمت للزهري مع أحد أولاد عبدالملك، وأيضا ففيها: من يسود أهل مصر ؟ قلت: يزيد بن أبي
__________
(1) بضم الميم، وفتح الواو، وفتح القاف المشددة نسبة إلى موقر: حصن بالبلقاء، ضعفه أبو حاتم، وقال ابن المديني: لا يكتب حديثه، وقال ابن خزيمة: لا أحتج به، وكذبه يحيى بن معين، وقال النسائي: متروك الحديث.
[ * ]

(5/85)


حبيب، وهو من الموالي.
فيزيد كان ذاك الوقت شابا لا يعرف بعد والضحاك، فلا يدري الزهري من هو في العالم، وكذا مكحول يصغر عن ذاك.
قال عبد العزيز بن رفيع: سئل عطاء عن شئ، فقال: لا أدري، قيل: ألا تقول برأيك ؟ قال: إني أستحيي من الله أن يدان في الارض برأيي.
يعلى بن عبيد قال: دخلنا على ابن سوقة، فقال: يا ابن أخي ! أحدثكم بحديث لعله ينفعكم، فقد نفعني.
قال لنا عطاء بن أبي رباح: إن من قبلكم كانوا يعدون فضول الكلام ما عدا كتاب الله، أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو أن تنطق في معيشتك التي لابد لك منها، أتنكرون أن عليكم حافظين كراما كاتبين، عن اليمين وعن الشمال قعيد، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد، أما يستحي أحدكم لو نشرت صحيفته التي أملى صدر نهاره، وليس فيها شئ من أمر آخرته.
قال ابن جريج عن عطاء: إن الرجل ليحدثني بالحديث، فأنصت له كأني لم أسمعه، وقد سمعته قبل أن يولد (1).
روى علي، عن يحيى بن سعيد القطان قال: مرسلات مجاهد أحب إلي من مرسلات عطاء بكثير، كان عطاء يأخذ عن كل ضرب.
الفضل بن زياد، عن أحمد بن حنبل قال: ليس في المرسلات شئ أضعف من مرسلات الحسن وعطاء بن أبي رباح، كانا يأخذان عن كل أحد، ومرسلات ابن المسيب أصح المرسلات، ومرسلات إبراهيم النخعي لا بأس بها.
وروى محمد بن عبدالرحيم، عن علي بن المديني قال: كان عطاء
__________
(1) ومثله قوله: وتراه يصغي للحديث بسمعه * وبقلبه ولعله أدرى به [ * ]

(5/86)


[ اختلط ] (1) بأخرة، تركه ابن جريج وقيس بن سعد.
قلت: لم يعن علي بقوله تركه هاذان الترك العرفي، ولكنه كبر وضعفت حواسه، وكانا قد تكفيا منه وتفقها وأكثرا عنه، فبطلا، فهذا مراده بقوله: تركاه (2).
ولم يكن يحسن العربية، روى العلاء بن عمرو الحنفي، عن عبد القدوس، عن حجاج، قال عطاء: وددت أني أحسن العربية، قال: وهو يومئذ ابن تسعين سنة.
وعن عطاء قال: أعقل مقتل عثمان.
وقال عمر بن قيس: سألت عطاء: متى ولدت ؟ قال: لعامين خلوا من خلافة عثمان.
وعن ابن جريج قال: لزمت عطاء ثماني عشرة سنة، وكان بعد ما كبر وضعف يقوم إلى الصلاة، فيقرأ مئتي آية من البقرة وهو قائم لا يزول منه شئ ولا يتحرك.
قال عمر بن ذر: ما رأيت مثل عطاء بن أبي رباح، وما رأيت عليه قميصا قط، ولا رأيت عليه ثوبا يساوي خمسة دراهم.
وقال ابن جريج: سمعت عطاء يقول: إذا تناهقت الحمير بالليل، فقولوا: بسم الله الرحمن الرحيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (3).
وعن عطاء قال: لو ائتمنت على بيت مال لكنت أمينا، ولا آمن نفسي
__________
(1) سقطت من الاصل، واستدركت من تاريخ الاسلام للمؤلف.
(2) لفظ المؤلف في " الميزان ": قلت: لم يعن الترك الاصطلاحي، بل عنى أنهما بطلا الكتابة عنه، وإلا فعطاء ثبت رضي.
(3) الثابت عنه صلى الله عليه وسلم التعوذ بالله دون البسملة إذا سمع نهيق الحمير في الليل أو النهار، فقد أخرج البخاري في " صحيحه " 6 / 251، ومسلم (2729) عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وإذا سمعتم نهيق الحمير، فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطانا ".
[ * ]

(5/87)


على أمة شوهاء.
قلت: صدق رحمه الله.
ففي الحديث: " ألا لا يخلون رجل
بامرأة، فإن ثالثهما الشيطان " (1).
روى عفان، عن حماد بن سلمة قال: قدمت مكة، وعطاء حي، فقلت: إذا أفطرت، دخلت عليه، قال: فمات في رمضان.
وكذا ابن أبي ليلى يدخل عليه، فقال لي عمارة بن ميمون: الزم قيس بن سعد، فإنه أفقه من عطاء.
قال الهيثم، وأبو المليح الرقي، وأحمد، وأبو عمر الضرير، وغيرهم: مات عطاء سنة أربع عشرة ومئة.
وقال يحيى القطان: سنة أربع أو خمس عشرة.
وقال ابن جريج وابن عيينة والواقدي وأبو نعيم والفلاس: سنة خمس عشرة ومئة.
وقال الواقدي: عاش ثمانيا وثمانين سنة.
وقال شباب: مات سنة سبع عشرة.
فهذا خطأ وابن جريج وابن عيينة أعلم بذلك.
وقد كان بمكة مع عطاء من أئمة التابعين مجاهد، وطاووس، وعبيد بن عمير الليثي، وابن أبي مليكة، وعمرو بن دينار، وأبو الزبير المكي، وآخرون.

30 - ابن أبي مليكة * (ع) عبد الله بن عبيدالله بن أبي مليكة، زهير بن عبد الله بن
__________
(1) قطعة من حديث صحيح أخرجه أحمد 1 / 18، والترمذي (2166) في الفتن: باب ما جاء في لزوم الجماعة من حديث محمد بن سوقه، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: خطبنا عمر بالجابية، فقال: يا أيها الناس إني قمت فيكم كمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا، فقال: " أوصيكم بأصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل ولا يستحلف، ويشهد الشاهد ولا يستشهد، ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان، عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد من أراد بحبوحة الجنة، فليلزم الجماعة، من سرته حسنته، وساءته سيئته، فذلكم المؤمن " وإسناده صحيح، وصححه الحاكم 1 / 113 و 115 ووافقه المؤلف في " مختصره ".
* طبقات ابن سعد 5 / 473، طبقات خليفة: 257، تاريخ البخاري 5 / 137، التاريخ
الصغير 1 / 283، الجرح والتعديل 5 / 99، تهذيب الكمال: 708، تذهيب التهذيب 2 / 146 / 1، = [ * ]

(5/88)


جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي.
الامام الحجة الحافظ أبو بكر وأبو محمد القرشي التيمي المكي القاضي الاحول المؤذن، ولد في خلافة علي أو قبلها.
وحدث عن عائشة أم المؤمنين، وأختها أسماء، وأبي محذورة، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو السهمي، وابن عمر، وابن الزبير، وعقبة بن الحارث، والمسور بن مخرمة، وأم سلمة، وعبد الله بن جعفر، وعن عثمان بن عفان، وهو مرسل، وعن جده أبي مليكة، وحميد بن عبدالرحمن الزهري، وذكوان مولى عائشة، وعباد بن عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن السائب، وعبد الله بن مولة، وعبيد بن أبي مريم، وعلقمة بن وقاص، والقاسم بن محمد، ويعلى بن مملك، ويحيى بن حكيم بن صفوان بن أمية، وطائفة.
وكان عالما مفتيا صاحب حديث وإتقان، معدود في طبقة عطاء، وقد ولي القضاء لابن الزبير، والاذان أيضا.
حدث عنه رفيقه عطاء بن أبي رباح، وذلك في " صحيح مسلم " وعمرو ابن دينار، وعبد العزيز بن رفيع، وأبوب السختياني، وحميد الطويل، وحبيب بن الشهيد، وابن جريج، وأبو العميس عتبة بن عبد الله، وعمر بن سعيد بن أبي حسين، وعثمان بن الاسود، وعبد الواحد بن أيمن، وحاتم بن أبي صغيرة، وعبد الجبار بن الورد، وزنفل العرفي، وأبو هلال محمد بن سليم، ونافع بن عمر الجمحي، والليث، وابن لهيعة، ويزيد بن إبراهيم التستري، وأبو عامر الخزاز، وعبد الله بن المؤمل، وعبد الله بن يحيى التوأم، وابن أخيه عبدالرحمن بن أبي بكر المليكي، وعدة.
__________
= تذكرة الحفاظ 1 / 101، العبر 1 / 145، تاريخ الاسلام 4 / 267، العقد الثمين 5 / 204، طبقات القراء 1 / 430، تهذيب التهذيب 5 / 306، النجوم الزاهرة 1 / 276، طبقات الحفاظ: 41، خلاصة تذهيب الكمال: 205، شذرات الذهب 1 / 153.
[ * ]

(5/89)


وثقه أبو زرعة، وأبو حاتم.
قلت البخاري وجماعة: مات سنة سبع عشة ومئة.
قلت: كان من أبناء الثمانين.
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن تاج الامناء، وأبو عبد الله بن محمد بن أبي عصرون، عن عبدالمعز بن محمد البزاز، أخبرنا محمد بن إسماعيل الفضيلي، أخبرنا سعيد بن أبي سعيد العباد، حدثنا عبيدالله بن محمد الفامي، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن ابن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: " إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، فلا آذن، ثم لا آذن، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما هي بضعة مني، يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها " (1) أخرجه الجماعة سوى ابن ماجه عن قتيبة.

31 - بلال بن سعد * (ت) ابن تميم السكوني الامام الرباني الواعظ أبو عمرو الدمشقي شيخ أهل دمشق، كان لابيه سعد صحبة.
__________
(1) أخرجه البخاري 7 / 67، 68 في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وباب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وباب مناقب فاطمة، وفي الجمعة: باب من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد، وفي الجهاد: باب ما ذكر من درع النبي صلى الله عليه وسلم وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه، وفي النكاح: باب ذب الرجل
عن ابنته في الغيرة والانصاف، وفي الطلاق: باب الشقاق، وأخرجه مسلم (2449) في فضائل الصحابة: باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو داود (2069) و (2070) و (2071) والترمذي (3866).
* طبقات ابن سعدد 7 / 461، التاريخ الكبير 2 / 108، تاريخ الفسوي 2 / 72، 73 و 330 و 405 و 407، الجرح والتعديل 2 / 398، حلية الاولياء 5 / 221، تاريخ ابن عساكر 10 / 356، تهذيب الكمال: 167، تذهيب التهذيب 1 / 93 / 1، تاريخ الاسلام 4 / 234، البداية 9 / 348، تهذيب التهذيب 1 / 503، خلاصة تذهيب الكمال: 53، تهذيب ابن عساكر 3 / 318.
[ * ]

(5/90)


حدث عن أبيه، وعن معاوية، وجابر بن عبد الله.
وهو قليل الحديث.
روى عنه الاوزاعي، وعبد الله بن العلاء بن زبر، وعبد الرحمن بن يزيد ابن جابر، وسعيد بن عبد العزيز.
وكان بليغ الموعظة، حسن القصص، نفاعا للعامة.
قال الاوزاعي: كان من العبادة على شئ لم نسمع أحدا قوي عليه، كان له كل يوم وليلة ألف ركعة.
وثقه أحمد العجلي، وبعضهم يشبهه بالحسن البصري.
قال أبو زرعة النصري: كان لاهل الشام كالحسن البصري بالعراق.
وكان قارئ أهل الشام جهير الصوت.
قال عبدالملك بن محمد: حدثنا الاوزاعي، قال: لم أسمع واعظا قط أبلغ من بلال بن سعد.
وقال عبدالرحمن بن يزيد بن تميم: سمعته يقول: يا أهل التقى ! إنكم لم تخلقوا للفناء، وإنما تنقلون من دار إلى دار، كما نقلتم من الاصلاب إلى
الارحام، ومن الارحام إلى الدنيا، ومن الدنيا إلى القبور، ومن القبور إلى الموقف، ومن الموقف إلى الخلود في جنة أو نار.
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا الفتح بن عبد السلام، أخبرنا هبة الله بن الحسين، أخبرنا ابن النقور، حدثنا عيسى بن الجراح، أخبرنا أبو بكر بن نيروز، حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا الوليد بن مسلم: سمعت الاوزاعي يقول: سمعت بلال بن سعد يقول: لا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر من عصيت.
قال أبو القاسم ابن عساكر: كان بلال بن سعد إمام جامع دمشق، فقال

(5/91)


الوليد بن مسلم: كان إمام الجامع، وإذا كبر، سمع صوته من الاوزاع (1)، وتبين قراءته من العقبة التي فيها دار الصيارفة، لم يكن هذا العمران.
قال الضحاك بن عثمان: رأيته يعظ في المصلى إلى جانب المنبر حتى يخرج الخليفة.
وقال الاوزاعي: سمعته يقول: والله لكفى به ذنبا أن الله يزهدنا في الدنيا، ونحن نرغب فيها.
وقال الاوزاعي: خرجوا يستسقون بدمشق، وفيهم بلال بن سعد، فقام فقال: يا معشر من حضر ! ألستم مقرين بالاساءة ؟ قلنا: نعم، قال: اللهم إنك قلت: * (ما على المحسنين من سبيل) * [ التوبة: 91 ] وقد أقررنا بالاساءة، فاعف عنا واسقنا، قال: فسقينا يومئذ.
توفي بلال سنة نيف وعشرة ومئة.
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد الغرافي بالثغر، أخبرنا محمد بن أحمد الحافظ، أخبرنا أبو بكر بن الزاغوني، أخبرنا أبو نصر الزينبي، أخبرنا أبو طاهر
الذهبي، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا محمد بن أبي سمينة، حدثنا صالح بن بيان، حدثنا فرات بن السائب، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس: * (خذوا زينتكم عند كل مسجد) * [ الاعراف: 31 ] قال: الصلاة في النعلين.
وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نعليه، قال: فخلعهما، فخلع الناس، فلما قضى الصلاة قال: لم خلعتم نعالكم ؟ قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا،
__________
(1) الاوزاع من قرى دمشق القريبة منها كانت شمال الجامع الاموي ويغلب على الظن أنها هي التي تسمى الآن العقيبة، قال ياقوت: وهو في الاصل اسم قبيلة من اليمن سميت القرية باسمهم لسكناهم بها فيما أحسب، والاوزاع بطن من ذي الكلاع من حمير، وقيل: بطن من همدان.
[ * ]

(5/92)


قال: " إن جبريل عليه السلام أتاني فقال: إن فيهما دم حيضة " إسناده واه لضعف صالح (1) وشيخه.

32 - أبو الحباب سعيد بن يسار * (ع) المدني مولى أم المؤمنين ميمونة، وقيل: بل مولى الحسن بن علي.
حدث عن أبي هريرة، وزيد بن خالد الجهني، وابن عباس، وعبد الله ابن عمر.
روى عنه ابن أخته معاوية بن أبي مزرد، وسعيد المقبري، وأبو طوالة
__________
(1) قال الدارقطني: متروك، وشيخه فرات بن السائب قال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن معين: ليس بشئ، وقال الدارقطني وغيره: متروك، فالخبر باطل، والصحيح أن قوله تعالى * (خذوا زينتكم عند كل مسجد) * نزلت ردا على المشركين فيما كانوا يعتمدونه من الطواف بالبيت عراة كما رواه مسلم (3028) وابن جرير 8 / 160 واللفظ له من طريق شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة الرجال والنساء الرجل بالنهار، والنساء بالليل، وكانت المرأة تقول:
اليوم يبدو بعضه أوكله * وما بدا منه فلا أحله فقال الله: * (خذوا زينتكم عند كل مسجد) * وقال العوفي عن ابن عباس في الآية: كان رجال يطوفون بالبيت عراة، فأمرهم الله بالزينة، والزينة: اللباس وهو ما يواري السوأة، وما سوى ذلك من جيد البز والمتاع، فأمروا أن يأخذوا زينتهم عند كل مسجد، وهكذا قال مجاهد وعطاء وإبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير، وقتادة والسدي والضحاك ومالك عن الزهري وغير واحد من أئمة السلف في تفسيرها أنها نزلت في طواف المشركين بالبيت عراة.
ونقل ابن حزم الاتفاق على أنها في ستر العورة وقال الامام النووي: وكان أهل الجاهلية يطوفون عراة ويرمون ثيابهم ويتركونها ملقاة على الارض، ولا يأخذونها أبدا، ويتركونها تداس بالارجل حتى تبلى، ويسمى: اللقاء، حتى جاء الاسلام، فأمر الله بستر العورة، فقال تعالى: * (خذوا زينتكم عند كل مسجد) * وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يطوف بالبيت عريان ".
* طبقات ابن سعد 5 / 284، تاريخ البخاري 3 / 520، الجرح والتعديل 4 / 72، تهذيب الكمال: 512، تذهيب التهذيب 3 / 31 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 253، البداية 9 / 314، تهذيب التهذيب 4 / 102، خلاصة تذهيب الكمال: 144، شذرات الذهب 1 / 153.
[ * ]

(5/93)


عبد الله بن عبدالرحمن، ويحيى بن سعيد، وابن عجلان، ومحمد بن إسحاق، وآخرون.
وكان من العلماء الاثبات.
توفي سنة ست عشرة ومئة، وقيل: توفي سنة سبع عشرة ومئة بالمدينة.

33 - أبو المليح * (ع) ابن أسامة بن عمير بن عامر بن أقيشر الهذلي، الكوفي ثم البصري، أحد الاثبات.
قيل: اسمه عامر، وقيل: زيد.
حدث عن أبيه، وعن عائشة، وعوف بن مالك الاشجعي، وبريدة بن
الحصيب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وابن عباس، وجماعة.
روى عن قتادة، وأيوب، وأبو بشر جعفر بن إياس، وخالد الحذاء، وحجاج بن أرطاة، وأبو بكر الهذلي وآخرون.
وكان متوليا على الابلة (1).
أرخ وفاته أبو بكر بن أبي عاصم وابن سعد سنة اثنتي عشرة ومئة.
__________
* طبقات ابن سعد 7 / 219، طبقات خليفة: 207، التاريخ الكبير 6 / 449، التاريخ الصغير 1 / 237، تاريخ الفسوي 2 / 151 و 3 / 72، الجرح والتعديل 6 / 319، تهذيب الكمال: 1656، تذهيب التهذيب، تاريخ الاسلام 5 / 25، تهذيب التهذيب 12 / 246، خلاصة تذهيب الكمال: 460.
(1) الابلة: بضم الهمزة والباء واللام المشددة: مدينة بالعراق، بينها وبين البصرة أربعة فراسخ، ونهرها الذي في شمالها وجانبها الآخر على غربي دجلة، كان خالد بن صفوان يقول: ما رأيت أرضا مثل الابلة مسافة ولا أغذى نطفة، ولا أوطأ مطية، ولا أربح لتاجر، ولا أخفى لعائذ.
وقال الاصمعي: جنان الدنيا ثلاث: غوطة دمشق، ونهر بلخ، ونهر الابلة.
[ * ]

(5/94)


34 - نافع * (ع) الامام المفتي الثبت، عالم المدينة، أبو عبد الله القرشي، ثم العدوي العمري، مولى ابن عمر وراويته.
روى عن ابن عمر، وعائشة، وأبي هريرة، ورافع بن خديج، وأبي سعيد الخدري، وأم سلمة، وأبي لبابة بن عبد المنذر، وصفية بنت أبي عبيد زوجة مولاه، وسالم وعبد الله وعبيدالله وزيد أولاد مولاه، وطائفة.
وعنه الزهري، وأيوب السختياني، وعبيدالله بن عمر، وأخوه عبد الله وزيد بن واقد، وحميد الطويل، وأسامة بن زيد، وابن جريج، وعقيل
وبكير بن عبد الله بن الاشج، وابن عون، ويزيد بن عبد الله بن الهاد، ويونس بن عبيد، ويونس بن يزيد، وإسماعيل بن أمية، وابن عمه أيوب بن موسى، ورقبة بن مصقلة، وحنظلة بن أبي سفيان، وحفص بن عنان اليمامي، وخالد بن زياد الترمذي متأخر، وعبد الله بن سعيد بن أبي هند، وعبد الله بن سليمان الطويل، وعبد الحميد بن جعفر، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وعبد العزيز بن أبي رواد (1) وعمر، وأبو بكر، ولدا نافع، ومحمد بن إسحاق، وابن أبي ذئب، وابن أبي ليلى، ومحمد بن عجلان، والزبيدي، وشعيب بن أبي حمزة، وأبو معشر نجيح، وهشام بن الغاز، وهمام بن يحيى، وهشام بن سعد، وحميد بن زياد، وحجاج بن أرطاة، والاوزاعي، والضحاك بن عثمان،
__________
* تاريخ خليفة: 206، التاريخ الكبير 8 / 84، التاريخ الصغير 2 / 59، المعارف: 460، تاريخ الفسوي 1 / 645، 647، الجرح والتعديل 8 / 451، تهذيب الاسماء واللغات 2 / 123، وفيات الاعيان 5 / 367، تهذيب الكمال: 1404، تذهيب التهذيب 4 / 91 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 10، تذكرة الحفاظ 1 / 99، العبر 1 / 147، مرآة الجنان 1 / 251، البداية 9 / 319، تهذيب التهذيب 10 / 412، طبقات الحفاظ: 40، خلاصة تذهيب الكمال: 400، شذرات الذهب 1 / 154.
(1) في الاصل: داود وهو تصحيف.
[ * ]

(5/95)


ومالك بن مغول، وزيد، وعاصم، وواقد، وأبو بكر، وعمر بنو محمد بن زيد العمري، وجرير بن حازم، وجويرية بن أسماء، وفليح بن سليمان، ومالك، والليث، ونافع بن أبي نعيم، وخلق سواهم.
أخبرنا علي بن أحمد العلوي، أخبرنا محمد بن أحمد القطيعي، أخبرنا محمد بن عبيدالله الكتبي، أخبرنا محمد بن محمد الزينبي، أخبرنا محمد بن عبدالرحمن المخلص، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا خلف بن هشام
البزار، سنة ست وعشرين ومئتين، حدثنا القطاف بن خالد المخزومي، حدثنا نافع أنه أقبل مع ابن عمر من مكة، حتى إذا كان ببعض الطريق لقيه خبر من امرأته أنها بالموت، وكان إذا نودي للمغرب، نزل مكانه، فصلى، فلما كانت تلك العشية نودي بالمغرب، فسار حتى أمسى، وظننا أنه نسي، فقلنا: الصلاة، فسار حتى إذا كاد الشفق يغيب نزل، فصلى المغرب، وغاب الشفق، فصلى العتمة، ثم أقبل علينا فقال: هكذا كنا نصنع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جد به السير.
أخرجه النسائي عن قتيبة عن العطاف (1)، فوقع بدلا عاليا.
قال النسائي: أول طبقة من أصحاب نافع: أيوب وعبيدالله ومالك.
الطبقة الثانية: صالح بن كيسان، وابن عون، وابن جريج، ويحيى بن سعيد.
الثالثة: موسى بن عقبة، وإسماعيل بن أمية، وأيوب بن موسى.
الرابعة: يونس بن يزيد، وجويرية بن أسماء، والليث.
الخامسة: ابن عجلان، وابن أبي ذئب، والضحاك بن عثمان.
السادسة: سليمان بن موسى، وبرد بن سنان، وابن أبي رواد.
__________
(1) أخرجه النسائي 1 / 288 في المواقيت: باب الوقت الذي يجمع فيه المسافر بين المغرب والعشاء، وسنده حسن.
وقوله: إذا جد به السير، أي: إذا اهتم به، وأسرع فيه، يقال: جد يجد بالضم والكسر، وجد به الامر، وأجد به، وجد فيه: إذا اجتهد.

(5/96)


السابعة: عبدالرحمن السراج، وعبيدالله بن الاخنس.
الثامنة: ابن إسحاق، وأسامة بن زيد، وعمر بن محمد، وصخر بن جويرية، وهمام بن يحيى، وهشام بن سعد.
التاسعة: ليث بن أبي سليم، وحجاج بن أرطاة، وأشعث بن سوار،
وعبد الله بن عمر.
العاشرة: إساحق بن أبي فروة، وأبو معشر، وعبد الله بن نافع، وعثمان البري وطائفة.
قال البخاري: أصح الاسانيد: مالك، عن نافع، عن ابن عمر (1).
قال عبيدالله بن عمر: بعث عمر بن عبد العزيز نافعا مولى ابن عمر إلى أهل مصر يعلمهم السنن.
الاصمعي: حدثنا العمري عن نافع قال: دخلت مع مولاي على عبد الله بن جعفر، فأعطاه في اثني عشر ألفا، فأبى وأعتقني، أعتقه الله.
وروى زيد بن أبي أنيسة، عن نافع قال: سافرت مع ابن عمر بضعا وثلاثين حجة وعمرة، قال أحمد بن حنبل: إذا اختلف سالم ونافع ما أقدم عليهما.
قال ابن وهب: قال مالك: كنت آتي نافعا، وأنا حدث السن، ومعي غلام لي فيقعد ويحدثني، وكان صغير النفس، وكان في حياة سالم لا يفتي شيئا.
__________
(1) إطلاق الاصحية على بعض الاسانيد يتفاوت بين حافظ وآخر.
فقد قال أحمد وإسحاق: أصحها الزهري، عن سالم، عن أبيه.
وقال ابن المديني وعمرو بن علي الفلاس: أصحها محمد بن سيرين، عن عبيدة، عن علي.
وقال يحيى بن معين: أصحها الاعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود.
وقال البخاري: أصحها مالك، عن نافع، عن ابن عمر.
[ * ]

(5/97)


مطرف بن عبد الله، عن مالك قال: كان في نافع حدة، ثم حكى مالك أنه كان يلاطفه ويداريه، ويقال: كان في نافع لكنة وعجمة.
قال إسماعيل بن أمية: كنا نرد على نافع اللحن فيأبى.
وروى محمد بن عمر الواقدي عن جماعه قالوا: كان كتاب نافع الذي سمعه من ابن عمر صحيفة، فكنا نقرؤها.
قال يونس بن يزيد: قال نافع: من يعذرني: (1) من زهريكم، يأتيني فأحدثه عن ابن عمر، ثم يذهب إلى سالم، فيقول: هل سمعت هذا من أبيك ؟ فيقول: نعم، فيحدث به عن سالم ويدعني، والسياق من عندي.
ابن وهب، عن مالك: كنت آتي نافعا، وأنا غلام حديث السن، فينزل ويحدثني، وكان يجلس بعد الصبح في المسجد لا يكاد يأتيه أحد، فإذا طلعت الشمس، خرج، وكان يلبس كساء، وربما وضعه على فمه لا يكلم أحدا، وكنت أراه بعد صلاة الصبح يلتف بكساء له أسود.
إسماعيل بن أبي أويس، عن أبيه: كنا نختلف إلى نافع، وكان سيئ الخلق، فقلت: ما أصنع بهذا العبد ؟ فتركته ولزمهم غيري، فانتفع به.
معمر، كان أيوب السختياني يحدثنا عن نافع، ونافع حي.
وقال مالك: إذا قال نافع شيئا، فاختم عليه.
وقال عبدالرحمن بن خراش: نافع: ثقة نبيل.
وروى أيوب أن عمر بن عبد العزيز ولى نافعا صدقات اليمن.
__________
(1) أي: من يقوم بعذري إن كافأته على سوء صنيعه فلا يلومني، والزهري: هو محمد بن مسلم بن عبيدالله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة القرشي الفقيه الحافظ انعقدت الخناصر على جلالته وإتقانه.

(5/98)


ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، حدثني نافع بن أبي نعيم، وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، وابن أبي فروة قالوا: كان كتاب نافع الذي
سمعه من ابن عمر في صحيفة، فكنا نقرؤها عليه، فيقول: يا أبا عبد الله ! أتقول: حدثنا نافع ؟ فيقول: نعم.
الاصمعي، عن نافع بن أبي نعيم، عن نافع أنه قيل له: قد كتبوا علمك، قال: كتبوا ؟ قيل: نعم، قال: فليأتوا به حتى أقومه.
عبدالمجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن أبيه، عن نافع، أنه لما احتضر بكى، فقيل: ما يبكيك ؟ قال: ذكرت سعدا (1) وضغطة القبر.
قال حماد بن زيد وجماعة: توفي نافع سنة سبع عشرة ومئة.
وشذ الهيثم بن عدي، وأبو عمر الضرير، فقالا: مات سنة عشرين ومئة.
قال إسماعيل بن أمية: كنا نرد نافعا عن اللحن، فيأبى، ويقول: لا، إلا الذي سمعته.
وقد اختلف في محتد نافع على أقوال: فقيل: هو بربري، وقيل: نيسابوري.
وقيل: ديلمي.
وقيل: طالقاني.
وقيل: كابلي.
والارجح أنه فارسي المحتد في الجملة.
قال النسائي: أثبت أصحاب نافع: مالك، ثم أيوب، ثم عبيدالله، ثم يحيى بن سعيد، ثم ابن عون، ثم صالح بن كيسان، ثم موسى بن عقبة، ثم ابن
__________
(1) هو سعد بن معاذ بن النعمان الانصاري الاشهلي سيد الاوس، شهد بدرا وأحدا والخندق ورمي يوم الخندق بسهم فعاش شهرا، ثم انتقض جرحه فمات منه.
وهو الذي حكم في يهود قريظة أن تقتل رجالهم، وتقسم أموالهم، وتسبى ذراريهم ورضي بحكمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لقد قضيت بحكم الله، كما في " الصحيح " وحديث ضغطة القبر صحيح أخرجه أحمد 6 / 55 و 98 من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن للقبر ضغطة لو كان أحد ناجيا منها، نجا سعد بن معاذ " وأخرجه ابن سعد في " الطبقات " من حديث ابن عمر.
[ * ]

(5/99)


جريج، ثم كثير بن فرقد، ثم الليث بن سعد.
وقد اختلف سالم ونافع على ابن عمر في ثلاثة أحاديث، وسالم أجل منه، لكن أحاديث نافع الثلاثة أولى بالصواب.
وبلغنا أنهم تذاكروا حديث إتيان الدبر الذي تفرد به نافع عن مولاه، فقال ميمون بن مهران: إنما قال هذا نافع بعد ما كبر وذهب عقله.
وروي أن سالما قالوا له: هذا عن نافع، فقال: كذب العبد، أو أخطأ العبد، إنما كان ابن عمر يقول: يأتيها مقبلة ومدبرة في الفرج.
وعن أبي إبراهيم المنذر الحزامي قال: ما سمعت من هشام بن عروة رفثا قط إلا يوما واحدا، أتاه رجل، فقال: يا أبا المنذر ! نافع مولى ابن عمر يفضل أباك عروة على أخيه عبد الله بن الزبير، فقال: كذب عدو الله، وما يدري نافع عاض بظر أمه ! عبد الله خير والله وأفضل من عروة.
قلت: وقد جاءت رواية أخرى عنه بتحريم أدبار النساء، وما جاء عنه بالرخصة فلو صح، لما كان صريحا، بل يحتمل أنه أراد بدبرها من ورائها في القبل، وقد أوضحنا المسألة في مصنف مفيد، لا يطالعه عالم إلا ويقطع بتحريم ذلك (1).
__________
(1) اتفق أهل العلم على أنه يجوز للرجل إتيان زوجته في قبلها من جانب دبرها، وعلى أي صفة يشاء، وفيه نزلت الآية، قال ابن عباس * (فأتوا حرثكم أنى شئتم) * قال: ائتها من بين يديها، ومن خلفها بعد أن يكون في المأتى.
أخرجه الدارمي 1 / 258 من طريق عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، وأخرجه الطبري (4310) من طريق عطاء، عن سعيد عن ابن عباس بلفظ: ائتها أنى شئت مقبلة ومدبرة ما لم تأتها في الدبر والمحيض، وقال عكرمة: * (فأتوا حرثكم أنى شئتم) *: إنما هو الفرج.
وأما الاتيان في الدبر، فحرام، فمن فعله جاهلا بتحريمه، نهي عنه، فإن عاد، عزر، فقد أخرج الشافعي 2 / 360، وأحمد 2 / 213، والطحاوي 2 / 25، من حديث خزيمة بن ثابت أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن " وسنده صحيح، وصححه ابن حبان (1299) وابن الملقن في " خلاصة البدر المنير " ووصفه الحافظ في " الفتح " 8 / 43 بأنه من الاحاديث = [ * ]

(5/100)


قد ذكرنا أن الاصح وفاة نافع سنة سبع عشرة ومئة.
وقال ابن عيينة وأحمد بن حنبل: سنة تسع عشرة ومئة.
وقول ميمون بن مهران: كبر وذهب عقله، قول شاذ، بل اتفقت الامة على أنه حجة مطلقا.
قال ابن سعد: كان ثقة، كثير الحديث.
وقال العجلي والنسائي: مدني ثقة.
وقال ابن خراش: ثقة نبيل.

35 - علي بن رباح * (م، 4) ابن قصير بن قشيب بن يينع الامام الثقة أبو موسى اللخمي المصري.
سمع من عمرو بن العاص، وعقبة بن عامر، وأبي قتادة الانصاري، وأبي هريرة، وفضالة بن عبيد، وعبد الله بن عمرو، وطائفة من الصحابة، وعمر دهرا طويلا.
__________
= الصالحة الاسناد.
وأخرج أحمد 2 / 444 و 479، وأبو داود (2162) وابن ماجه (1923) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ملعون من أتى امرأة في دبرها " صححه البوصيري في " الزوائد " وله شاهد من حديث عقبة بن عامر عند ابن عدي في " الكامل " 211 / 1 بسند حسن فيصح به.
وأخرج الترمذي (1165) من حديث ابن عباس مرفوعا " لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في الدبر " وسنده حسن وصححه ابن حبان (1302) وقال أبو الدرداء حين سئل عن الرجل يأتي المرأة في دبرها ؟.
وهل يفعل ذلك إلا كافر.
أخرجه عنه أحمد (6968) بسند صحيح وهو في الطبري (4332) وسنن البيهقي 7 / 199.
وذكر لابن عمر ذلك، فقال: وهل يفعله أحد من المسلمين ؟ ! أخرجه
الطبري (4329) والطحاوي 2 / 23، وإسناده صحيح.
* طبقات ابن سعد 7 / 512، طبقات خليفة: 293، التاريخ الكبير 6 / 274، تاريخ الفسوي 2 / 490، الجرح والتعديل 6 / 186، تاريخ علماء الاندلس: 310، رياض النفوس 1 / 77، تهذيب الكمال: 969، تذهيب التهذيب 3 / 61 / 1، تاريخ الاسلام 4 / 282، العبر 1 / 142، تهذيب التهذيب 7 / 318، خلاصة تذهيب الكمال: 273، نفح الطيب 3 / 8، شذرات الذهب 1 / 149.
[ * ]

(5/101)


حدث عنه ابنه موسى بن علي فأكثر، ويزيد بن أبي حبيب، وحميد بن هانئ، ومعروف بن سويد، وعدة.
وكان من كبار علماء التابعين، وله وفادة على معاوية، وقد قال: كنت خلف مؤدبي، فسمعته يبكي، فقلت: مالك ؟ قال: قتل أمير المؤمنين عثمان، وكنت بالشام.
قال ابن يونس: قيل: إنه ولد عام اليرموك.
قال: وذهبت عينه يوم غزوة ذات الصواري في البحر مع الامير عبد الله بن سعد بن أبي سرح في سنة أربع وثلاثين (1).
وكانت له منزلة من الامير عبد العزيز بن مروان، وهو الذي زف بنته أم البنين إلى الشام حتى عمل عرسها على الوليد بن عبدالملك، ثم إن عبد العزيز تغير عليه، فأغزاه إلى إفريقية، فلم يزل مرابطا بها إلى أن مات.
سئل عنه أحمد بن حنبل: فقال: ما علمت إلا خيرا.
قال أبو عبد الرحمن المقرئ: كانت بنو (2) أمية إذا سمعوا بمولود اسمه علي قتلوه، فبلغ ذلك رباحا، فغير اسم ابنه.
قيل: توفي علي سنة أربع عشرة ومئة، وقال الحسن بن علي العداس: توفي سنة سبع عشرة ومئة.
وعلى أن يكون ولد عام اليرموك فقد تعدى المئة.
رحمه الله.
وقيل: إن حديثه من خمس مئة حديث إلى ست مئة.

36 - المسيب * (ع) ابن رافع الفقيه الكبير أبو العلاء الاسدي الكاهلي كوفي ثبت.
__________
(1) قال المؤلف في " العبر " 1 / 34: وفي سنة أربع وثلاثين كانت غزوة ذات الصواري في البحر من ناحية اسكندرية، وأميرها ابن أبي سرح، وأما الطبري 4 / 288، وابن الاثير 3 / 117، وابن كثير 7 / 157، فقد قالوا: إنها كانت في سنة إحدى وثلاثين.
(2) في الاصل: أبو وهو تحريف.
* طبقات ابن سعد 6 / 293، طبقات خليفة: 155، تاريخ خليفة: 336، التاريخ الكبير = [ * ]

(5/102)


حدث عن جابر بن سمرة، وأبي سعيد الخدري، والبراء بن عازب، وطائفة.
روى عنه ابنه العلاء، والاعمش، ومنصور، وأبو إسحاق، وآخرون.
قال ابن معين: لم يسمع من صحابي إلا من البراء، وعامر بن عبدة (1).
وقيل: إن عمر بن هبيرة الامير أراد أن يولي المسيب القضاء، فقال: ما يسرني، وإن سواري مسجدكم لي ذهبا.
قيل: توفي سنة خمس ومئة.

37 - عون بن عبد الله * (م، 4) ابن عتبة بن مسعود الامام القدوة العابد أبو عبد الله الهذلي، الكوفي، أخو فقيه المدينة عبيدالله.
حدث عن أبيه، وأخيه، وابن المسيب، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو وطائفة.
وحدث عن عائشة، وأبي هريرة، لكن قيل: روايته عنهما
__________
= 7 / 407، 408، الجرح والتعديل 8 / 293، تهذيب الكمال: 1329، تذهيب التهذيب 4 / 41 / 1، تاريخ الاسلام 4 / 203، تهذيب التهذيب 10 / 153، خلاصة تذهيب الكمال: 377، شذرات
الذهب 1 / 131.
(1) عامر بن عبدة ليس بصحابي، بل هو تابعي كما نص عليه غير واحد من الائمة، وقد اضطرب ابن عبد البر، فذكره في التابعين، ثم غفل، فذكره في الصحابة، وقال: روى عن النبي صلى الله وعليه وسلم، فذكر حديثا هو في مقدمة صحيح مسلم 1 / 12 من طريق عامر بن عبدة قال: قال عبد الله بن مسعود: إن الشيطان ليتمثل في صورة الرجل فيأتي القوم فيحدثهم بالحديث من الكذب، فيتفرقون، فيقول الرجل منهم: سمعت رجلا أعرف وجهه، ولا أدري ما اسمه يحدث.
وراجع " الاصابة " ت (6555).
* طبقات ابن سعد 6 / 313، تاريخ البخاري 7 / 13، التاريخ الصغير 1 / 273، الجرح والتعديل 6 / 384، حلية الاولياء 4 / 240، تهذيب الاسماء واللغات 2 / 41، تهذيب الكمال: 1067، تذهيب التهذيب 3 / 20 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 287، تهذيب التهذيب 8 / 171، خلاصة تذهيب الكمال: 298، شذرات الذهب 1 / 140.
[ * ]

(5/103)


مرسلة، وأرسل أيضا عن عم أبيه عبد الله بن مسعود.
حدث عنه إسحاق بن يزيد الهذلي، وحنظلة بن أبي سفيان، ومالك بن مغول، ومحمد بن عجلان، وأبو حنيفة، ومسعر، وصالح بن صالح بن حي، والمسعودي، وجماعة.
وثقه أحمد وغيره، وقال علي بن المديني: صلى عون خلف أبي هريرة.
وقال ابن سعد: لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة جاءه راحلا إليه عون بن عبد الله وموسى بن أبي كثير وعمر بن ذر، فكلموه في الارجاء وناظروه، فزعموا أنه لم يخالفهم في شئ منه، قال: وكان عون ثقة يرسل.
وقال البخاري: عون سمع أبا هريرة.
وقال الاصمعي: كان من آدب أهل المدينة وأفقههم، كان مرجئا، ثم تركه.
وقيل: خرج مع ابن الاشعث وفر، فأمنه محمد بن مروان بالجزيرة، وتعلم منه ولده مروان، فبلغنا أن أباه قال: كيف رأيت ابن أخيك ؟ قال: ألزمتني أيها الامير رجلا إن قعدت عنه عتب، وإن جئته حجب، وإن عاتبته، صخب، وإن صاخبته غضب، فتركه، ولزم عمر بن عبد العزيز، فكانت له منه مكانة، وقد كان طال مقام جرير بباب عمر بن عبد العزيز، فكتب إلى عون بهذه الابيات.
يا أيها القارئ المرخي عمامته * هذا زمانك إني قد مضى زمني أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه * أني لدى الباب كالمصفود في قرن (1) روى جرير بن عبدالحميد، عن مغيرة قال: كان عون بن عبد الله
__________
(1) ديوانه 2 / 738.
[ * ]

(5/104)


يقص، فإذا فرغ أمر جارية له أن تعظ وتطرب (1)، فأردت أن أرسل إليه: إنك من أهل بيت صدق، وإن الله لم يبعث نبيه بالحمق، وصنيعك هذا حمق.
زيد بن عوف، حدثنا سعيد بن زربى، عن ثابت البناني قال: كان لعون جارية يقال لها: بشرة، تقرأ بألحان، فقال لها يوما: اقرئي على إخواني، فكانت تقرأ بصوت وجيع حزين، فرأيتهم يلقون العمائم ويبكون، فقال لها يوما: يا بشرة ! قد أعطيت بك ألف دينار لحسن صوتك، اذهبي، فأنت حرة لوجه الله.
توفي سنة بضع عشرة ومئة.

38 - عون * (ع) ابن أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي الكوفي.
روى عن أبيه، والمنذر بن جرير بن عبد الله، وعبد الرحمن بن سمير.
حدث عنه مالك بن مغول، وحجاج بن أرطاة، وعمر بن أبي زائدة، وشعبة، وسفيان الثوري، وقيس بن الربيع.
وثقه يحيى بن معين.
مات قبل سنة عشرين ومئة.

39 - محمد بن زيد * * (ع) ابن عبد الله بن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أبو عاصم العدوي
__________
(1) التطريب في الصوت: مده وتحسينه، وطرب في قراءته: مد ورجع، ويعني بوعظها أنها كانت تقرأ القرآن بصوت شجي، ولحن عذب يبينه الخبر الآتي.
* طبقات ابن سعد 6 / 319، طبقات خليفة: 159، تاريخ خليفة: 351، تاريخ البخاري 7 / 15، الجرح والتعديل 6 / 385، تهذيب الكمال: 1067، تذهيب التهذيب 3 / 120 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 288، تهذيب التهذيب 8 / 170، خلاصة تذهيب الكمال: 298.
* * طبقات خليفة: 262، التاريخ الكبير 1 / 84، الجرح والتعديل 7 / 256، تهذيب = [ * ]

(5/105)


العمري المدني.
حدث عن جده ابن عمر، وسعيد بن زيد، وابن عباس.
حدث عنه أولاده الخمسة: عاصم، وواقد، وزيد، وعمر، وأبو بكر، والاعمش، وآخرون.
وثقه أبو حاتم، وهو قليل الحديث.
قيل: إنه وفد على هشام بن عبد الملك، فتباخل عليه، وما وصله بشئ.

40 - محمد بن عباد * (ع) ابن جعفر القرشي المخزومي المكي.
يروي عن جده لامه عبد الله بن السائب المخزومي، وأبي هريرة، وابن
عباس، وجابر بن عبد الله، وعدة، وهو من العلماء الاثبات.
حدث عنه زياد بن سعد، وابن جريج، والاوزاعي، وآخرون.

41 - موسى بن يسار * * (م، د، س، ق) المخرمي مولاهم المدني عم صاحب المغازي.
سمع أبا هريرة.
__________
= الكمال: 1198، تذهيب التهذيب 3 / 205 / 1، تاريخ الاسلام 4 / 192، تهذيب التهذيب 9 / 172، خلاصة تذهيب الكمال: 337.
* طبقات ابن سعد 5 / 475، طبقات خليفة: 281، تاريخ البخاري، 1 / 175، التاريخ الصغير 2 / 365، تاريخ الفسوي 1 / 374، الجرح والتعديل 8 / 13، تهذيب الكمال 1198، تذهيب التهذيب 3 / 216 / 1، تاريخ الاسلام 4 / 199، العقد الثمين 2 / 40، 41، تهذيب التهذيب 9 / 243.
* * التاريخ الكبير 7 / 298، الجرح والتعديل 8 / 168، تهذيب الكمال: 1396، تذهيب التهذيب 4 / 84 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 8، ميزان الاعتدال 4 / 226، العقد الثمين 7 / 310، تهذيب التهذيب 10 / 377، خلاصة تذهيب الكمال: 393.
[ * ]

(5/106)


وعنه ابن أخيه محمد بن إسحاق، وداود بن قيس الفراء، وعبد الرحمن بن الغسيل (1).
وثقه يحيى بن معين.

42 - عبادة * (خ، م) ابن الوليد بن عبادة بن الصامت الفقيه أبو الصامت الانصاري.
مدني حجة، وهو أخو يحيى.
يروي عن جده، وأبي أيوب، وعائشة، وجماعة.
وعنه أبو حزرة يعقوب بن مجاهد، ويحيى بن سعيد، وعبيدالله بن
عمر، وابن إسحاق.
وثقه أبو زرعة.

43 - موسى بن وردان * * (د، ت، ق) الامام الواعظ أبو عمر العامري مولاهم المصري القاص مولى عبد الله
__________
(1) هو عبدالرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة الانصاري المعروف بابن الغسيل، والغسيل لقب حنظلة جد أبيه، وإنما قيل له ذلك، لانه حين استشهد في غزوة أحد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن صاحبكم تغسله الملائكة، فاسألوا صاحبته "، فقالت: خرج وهو جنب حين سمع الهائعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لذلك غسلته الملائكة " أخرجه إبن إسحاق وغيره بسند صحيح، وصححه ابن حبان، والحاكم 3 / 204، ووافقه المؤلف في مختصره.
* تاريخ البخاري 6 / 94، الجرح والتعديل 6 / 95، تهذيب الكمال: 655، تذهيب التهذيب 2 / 124 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 135، تهذيب التهذيب 5 / 114، خلاصة تذهيب الكمال: 188.
* * التاريخ الكبير 7 / 297، تاريخ الفسوي 2 / 492، الجرح والتعديل 8 / 165، 166، المجروحين والضعفاء 2 / 239، تهذيب الكمال: 1393، تذهيب التهذيب 4 / 84 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 7، ميزان الاعتدال 4 / 226، البداية 9 / 314، تهذيب التهذيب 10 / 376، خلاصة تذهيب الكمال: 393، شذرات الذهب 1 / 154.
[ * ]

(5/107)


ابن سعد بن أبي سرح.
روى عن أبي هريرة، وكعب بن عجرة، وأبي سعيد الخدري، وجابر، وأنس بن مالك، وعن سعيد بن المسيب، وغيرهم، وأرسل عن أبي الدرداء، وجماعة.
حدث عن الحسن بن ثوبان، ومحمد بن أبي حميد، وعياش بن عباس
القتباني، والليث بن سعد، وابن لهيعة، وطائفة آخرهم ضمام بن إسماعيل وكان صاحب ثروة وتجارة.
قال أبو داود: ثقة، وقال أبو حاتم: ليس به بأس، وقال ابن معين: ضعيف، وروى عباس عن ابن معين: صالح.
وروى عثمان الدارمي عنه: ليس بالقوي.
قال ابن يونس: توفي سنة سبع عشرة ومئة.

44 - سالم بن أبي الجعد * (ع) الاشجعي الغطفاني مولاهم الكوفي الفقيه أحد الثقات.
روى عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجابر، وابن عباس، والنعمان ابن بشير، وعبد الله بن عمرو، وابن عمر، وأنس بن مالك، وأبيه أبي الجعد رافع، وجماعة، ويروي عن عمر، وعن علي، وذلك منقطع، على أن ذلك في سنن النسائي، فهو صاحب تدليس (1).
__________
* طبقات ابن سعد 6 / 291، طبقات خليفة: 156، التاريخ الكبير 4 / 107، التاريخ الصغير 1 / 211، 212، الجرح والتعديل 4 / 181، تهذيب الكمال: 460، تذهيب التهذيب 2 / 2 / 1، تاريخ الاسلام 3 / 369، العبر 9 / 189، البداية 9 / 189، تهذيب التهذيب 3 / 432، خلاصة تذهيب الكمال: 131، شذرات الذهب 1 / 118.
(1) أي: أنه يروي عمن لم يسمع منه موهما أنه سمع منه، كأن يقول: عن فلان، أو قال = [ * ]

(5/108)


حدث عنه الحكم، وقتادة، ومنصور، والاعمش، وحصين بن عبد الرحمن، وآخرون.
وكان من نبلاء الموالي وعلمائهم، مات سنة مئة، ويقال: قبل المئة.
وقيل: مات سنة إحدى ومئة، وحديثه مخرج في الكتب الستة، وكان طلابة
للعلم، كان يكتب.
قال منصور: كان سالم إذا حدث، حدث فأكثر، وكان إبراهيم إذا حدث، جزم (1)، فقلت لابراهيم، فقال: إن سالما كان يكتب.
قيس بن الربيع، عن عطاء بن السائب أن علقمة والاسود وابن نضيلة رخصوا لسالم بن أبي الجعد أن يبيع ولاء مولى له من عمرو بن حريث بعشرين ألفا (2)، يستعين بها على عبادته.
قال ابن سعد: قالوا: توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز.
وقال أبو نعيم: بل مات في خلافة سليمان، وكان ثقة، كثير الحديث، ثم قال: وقالوا: كان لابي الجعد ستة بنين: فاثنان شيعيان، واثنان مرجئان، واثنان خارجيان، فكان أبوهم يقول: قد خالف الله بينكم.
قلت: وهم: عبيد وعمران، وزياد، ومسلم، وعبد الله (3).
__________
= فلان، أو نحو ذلك، وحديثه الذي من هذا القبيل ضعيف، أما إذا صرح بالسماع أو التحديث، ولم يكن سمعه من شيخه، فلا يكون مدلسا، بل هو كذاب فاسق ترد روايته مطلقا.
(1) الخبر ذكره في " الطبقات " 6 / 291، والجزم: هو القطع، وأراد به هنا أنه لا يذكر الحديث بتمامه، ولفظ الخبر في " تهذيب الكمال ": قلت لابراهيم: ما لسالم بن أبي الجعد أتم حديثا منك ؟ قال: لانه كان يكتب.
وأما قول إبراهيم النخعي ولا أصل له في المرفوع التكبير جزم، والسلام جزم فمعناه كما قال الزمخشري الاسراع به، والامساك عن إشباع الحركات والتعمق فيها، وقطعها أصلا في مواضع الوقف والاضراب عن الهمز المفرط، والمد الفاحش وأن يختلس الحركة.
وما ورد في بعض المصادر من تفسيره بأنه تسكن أواخر حروفه ولا تعرب فخطأ محض، لان استعمال الجزم في مقابل الاعراب اصطلاح حادث.
(2) في " الطبقات " بعشرة آلاف.
(3) لم يذكر السادس.
[ * ]

(5/109)


قال ابن المديني: لم يلق سالم عائشة، ولقي ابن عباس، وعبد الله بن عمرو، والمغيرة بن شعبة، وابن عمر، وطائفة.

45 - عدي بن الرقاع * العاملي الشاعر، مدح الوليد بن عبدالملك، وهاجى جرير بن الخطفى.
وقيل: كان أبرص، آية في الشعر.

أما:
46 - عدي بن زيد * * ابن الحمار العبادي التميمي النصراني فجاهلي، من فحول الشعراء، ذكرته للتمييز، وهو أحد [ الفحول ] الاربعة الذين هم: هو وطرفة بن العبد وعبيد بن الابرص وعلقمة بن عبدة.
وأما صاحب الاغاني فقيد جده الخمار بمعجمة مضمومة.
وهو القائل: أين أهل الديار من قوم نوح * ثم عاد من بعدهم وثمود أين آباؤنا وأين بنوهم * أين آباؤهم وأين الجدود
__________
* الاغاني 8 / 172، 177، المؤتلف والمختلف: 116، المرزباني: 253، تاريخ الاسلام 4 / 150، طبقات ابن سلام: 88، 89، الاشتقاق: 225، سمط اللآلي: 309، خزانة الادب 4 / 470، شرح الشواهد: 168، الشعر والشعراء 2 / 618، 621، وجاء فيه: وكان شاعرا محسنا، وهو أحسن من وصف ظبية وصفا، فقال: كالظبية البكر الفريدة ترتعي * من أرضها قفراتها وعهادها خضبت لها عقد البراق (المراق) جبينها * من عركها علجانها وعرادها كالزين في وجه العروس تبدلت * بعد الحياء فلاعبت أرادها تزجي أغن كأن إبرة روقه * قلم أصاب من الدواة مدادها * * طبقات ابن سلام: 31، تاريخ خليفة: 482، 483، الشعر والشعراء 1 / 225، 233،
الاغاني 2 / 97، سمط اللآلي: 221، ابن الاثير 1 / 483، 485، اللباب 1 / 111، تاريخ الاسلام 4 / 151، معاهد التنصيص: 139، 145، بلوغ الارب 2 / 262، 265، شعراء الجاهلية: 439، 474، خزانة الادب 1 / 183، 186.
[ * ]

(5/110)


سلكوا منهج المنايا فبادوا * وأرانا قد حان منا ورود بينماهم على الاسرة والانما * ط أفضت إلى التراب الخدود ثم لم ينقض الحديث ولكن * بعد ذاك الوعيد والموعود وأطباء بعدهم لحقوهم * ضل عنهم صعوطهم واللدود (1) وصحيح أضحى يعود مريضا * هو أدنى للموت ممن يعود وهذه الكلمة السائرة له أيضا: أيها الشامت المعير بالده * ر أأنت المبرأ الموفور (2) فذكر القصيدة.
وأظنه مات في الفترة.
والله أعلم.

47 - سليمان بن عبدالملك * ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية الخليفة أبو أيوب القرشي الاموي، بويع بعد أخيه الوليد سنة ست وتسعين.
وكان له دار كبيرة مكان طهارة جيرون (3)، وأخرى أنشأها للخلافة بدرب محرز، وعمل لها قبة شاهقة صفراء.
وكان دينا فصيحا مفوها عادلا محبا للغزو، يقال: نشأ بالبادية: مات بذات الجنب، ونقش خاتمه: أو من بالله مخلصا، وأمه وأم الوليد هي ولادة
__________
(1) الصعوط والسعوط: اسم للدواء يصب في الانف، واللدود من الادوية: ما يسقاه المريض في أحد شقي الفم، ولديد الفم: جانباه.
(2) انظر القصيدة بتمامها في " الشعر والشعراء " والاغاني.
* تاريخ خليفة: 281 و 298، التاريخ الكبير 4 / 25، تاريخ الفسوي 1 / 223، تاريخ اليعقوبي 3 / 36، الطبري 6 / 546، الجرح والتعديل 4 / 130، مروج الذهب 2 / 127، ابن الاثير 5 / 37، وفيات الاعيان 2 / 420، 427، تاريخ الاسلام 4 / 8، العبر 1 / 115 و 118، فوات الوفيات 2 / 68، 70، البداية 9 / 183، ابن خلدون 3 / 74، تاريخ الخميس 2 / 314، شذرات الذهب 1 / 116.
(3) هي إلى جانب الباب الشرقي لجامع بني أمية، وباب الجامع هذا يقال له: باب جيرون.
[ * ]

(5/111)


بنت العباس بن حزن العبسية.
ولسليمان من البنين: يزيد، وقاسم، وسعيد، ويحيى، وعبيدالله، وعبد الواحد، والحارث، وغيرهم.
جهز جيوشه مع أخيه مسلمة برا وبحرا لمنازلة القسطنطينية، فحاصرها مدة حتى صالحوا على بناء مسجدها.
وكان أبيض كبير الوجه، مقرون الحاجب جميلا، له شعر يضرب منكبيه، عاش تسعا وثلاثين سنة، قسم أموالا عظيمة، ونظر في أمر الرعية، وكان لا بأس به، وكان يستعين في أمر الرعية بعمر بن عبد العزيز، وعزل عمال الحجاج، وكتب: إن الصلاة كانت قد أميتت، فأحيوها بوقتها، وهم بالاقامة ببيت المقدس، ثم نزل قنسرين (1) للرباط، وحج في خلافته.
وقيل: رأى بالموسم الخلق، فقال لعمر بن عبد العزيز: أما ترى هذا الخلق الذين لا يحصيهم إلا الله، ولا يسع رزقهم غيره ! ؟ قال: يا أمير المؤمنين ! هؤلاء اليوم رعيتك، وهم غدا خصماؤك، فبكى وقال: بالله أستعين.
وعن ابن سيرين قال: يرحم الله سليمان افتتح خلافته بإحياء الصلاة،
واختتمها باستخلافه عمر.
وكان سليمان ينهى الناس عن الغناء.
وكان من الاكلة، حتى قيل: إنه أكل مرة أربعين دجاجة، وقيل: أكل مرة خروفا وست دجاجات، وسبعين رمانة، ثم أتي بمكوك (2) زبيب طائفي
__________
(1) بلدة بالشام بين حلب وانطاكية، فتحها المسلمون سنة 17 ه بقيادة أبي عبيدة بن الجراح.
(2) المكوك: مكيال يختلف مقداره باختلاف اصطلاح الناس عليه في البلاد، يقال.
إنه يسع صاعا ونصفا.
[ * ]

(5/112)


فأكله.
ولما مرض بدابق (1) قال لرجاء بن حيوة الكندي: من لهذا الامر ؟ قال: ابنك غائب، قال: فالآخر ؟ قال: صغير، قال: فمن ترى ؟ قال عمر بن عبد العزيز، قال: أتخوف إخوتي، قال: ول عمر، ثم من بعده يزيد بن عبد الملك، وتكتب كتابا، وتختمه، وتدعوهم إلى بيعة من فيه، قال: لقد رأيت.
وكتب العهد، وجمع الشرط، وقال: من أبى البيعة، فاقتلوه، وفعل ذلك وتم، ثم كفن سليمان في عاشر صفر سنة تسع وتسعين، وصلى عليه عمر بن عبد العزيز، وقيل: عاش أربعين سنة، وخلافته سنتان وتسعة أشهر وعشرون يوما، عفا الله عنه.
في آل مروان نصب (2) ظاهر سوى عمر بن عبد العزيز رحمه الله.
أخوه عبد الله بن عبدالملك الامير (3) ولي الديار المصرية بعد عبد العزيز ابن مروان إلى أن صرف بقرة بن شريك (4) سنة تسعين.
وولي غزو الروم، فأنشأ مدينة المصيصة (5)، وله دار بدمشق.
قيل: مات بسر بن سعيد الفقيه (6)، فما ترك كفنا، ومات سنة مئة عبد الله هذا، فخلف ثمانين مد ذهب.
__________
(1) دابق: قرية من أرض قنسرين بين حلب ومعرة النعمان عندها مرج معشب نزه كان ينزله بنو مروان إذا غزوا الصائفة وبه قبر سليمان بن عبدالملك.
(2) أي: بغض لامير المؤمنين علي رضي الله عنه.
(3) ولاة مصر للكندي: 59.
(4) هو قرة بن شريك بن مرثد العبسي الغطفاني القنسريني ولي إمارة مصر، واستمر فيها إلى أن مات سنة 96 وصفه المؤلف في " دول الاسلام " 1 / 63 بأنه كان ظالما كالحجاج، وكان عمر بن عبد العزيز يقول: الوليد الخليفة بدمشق، والحجاج بالعراق، وأخوه باليمن، وعثمان بن حيان بالحجاز وقرة بن شريك بمصر، امتلات والله الدنيا جورا.
(5) مدينة على ساحل البحر من ثغور الشام.
بالقرب من أنطاكية.
(6) المدني العابد مولى ابن الحضرمي، قال ابن سعد: كان من العباد المنقطعين، وأهل الزهد في الدنيا، وكان ثقة، كثير الحديث، أخرج له الجماعة.
[ * ]

(5/113)


48 - عمر بن عبد العزيز * (ع) ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، الامام الحافظ العلامة المجتهد الزاهد العابد السيد أمير المؤمنين حقا أبو حفص، القرشي الاموي المدني ثم المصري، الخليفة الزاهد الراشد أشج بني أمية.
حدث عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، والسائب بن يزيد، وسهل ابن سعد، واستوهب منه قدحا شرب منه النبي صلى الله عليه وسلم، وأم بأنس بن مالك، فقال: ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى.
وحدث أيضا عن سعيد بن المسيب، وعروة، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وأبي بكر بن عبدالرحمن، وعبد الله بن إبراهيم بن قارظ، وعامر بن
سعد، ويوسف بن عبد الله بن سلام، وطائفة.
وأرسل عن عقبة بن عامر، وخولة بنت حكيم، وغيرهم.
وكان من أئمة الاجتهاد، ومن الخلفاء الراشدين رحمة الله عليه.
حدث عنه أبو سلمة أحد شيوخه، وأبو بكر بن حزم، ورجاء بن حيوة، وابن المنكدر، والزهري، وعنبسة بن سعيد، وأيوب السختياني، وإبراهيم بن عبلة، وتوبة العنبري، وحميد الطويل، وصالح بن محمد بن زائدة الليثي،
__________
* سيرة عمر بن عبد العزيز لابن عبد الحكم، طبقات ابن سعد 5 / 330، تاريخ خليفة: 321، 322، التاريخ الكبير 6 / 174، تاريخ الفسوي 1 / 568، 620، الطبري 6 / 565، 573، الجرح والتعديل 6 / 122، الاغاني 9 / 254، حلية الاولياء 5 / 253، طبقات الشيرازي: 64، سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي، ابن الاثير 5 / 58، 66، تهذيب الكمال 1017، تذهيب التهذيب 3 / 88 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 164، تذكرة الحفاظ 1 / 118، العبر 1 / 120، فوات الوفيات 3 / 133، البداية 9 / 192، 219، سيرة عمر بن عبد العزيز للآجري، العقد الثمين 6 / 331، طبقات ابن الجزري 1 / 593، تهذيب التهذيب 7 / 475، النجوم الزاهرة 1 / 246، تاريخ الخلفاء: 228، خلاصة تذهيب التهذيب: 284، شذرات الذهب 1 / 119.
[ * ]

(5/114)


وابنه عبد العزيز بن عمر، وأخوه زبان، وصخر بن عبد الله بن حرملة، وابنه عبد الله بن عمر، وعثمان بن داود الخولاني، وأخوه سليمان بن داود، وعمر ابن عبدالملك، وعمر بن عامر البجلي، وعمرو بن مهاجر، وعمير بن هانئ العنسي، وعيسى بن أبي عطاء الكاتب، وغيلان بن أنس، وكاتبه ليث بن أبي رقية، وأبو هاشم مالك بن زياد، ومحمد بن أبي سويد الثقفي، ومحمد بن قيس القاص، ومروان بن جناح، ومسلمة بن عبدالملك الامير، والنضر بن عربي، وكاتبه نعيم بن عبد الله القيني، ومولاه هلال أبو طعمة، والوليد بن
هشام المعيطي، ويحيى بن سعيد الانصاري، ويعقوب بن عتبة بن المغيرة، وخلق سواهم.
قال ابن سعد في الطبقة الثالثة من تابعي أهل المدينة فقال: أمه هي أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب.
قالوا: ولد سنة ثلاث وستين، قال: وكان ثقة مأمونا، له فقه وعلم وورع، وروى حديثا كثيرا، وكان إمام عدل رحمه الله ورضي عنه.
وقال الزبير بن بكار: وإخوته من أبويه عاصم وأبو بكر ومحمد وقال الفلاس: سمعت الخريبي يقول: الاعمش، وهشام بن عروة، وعمر بن عبد العزيز، وطلحة بن يحيى ولدوا سنة مقتل الحسين، يعني سنة إحدى وستين، وكذلك قال خليفة بن خياط وغير واحد في مولده.
وذكر صفته سعيد بن عفير: أنه كان أسمر، رقيق الوجه، حسنه، نحيف الجسم، حسن اللحية، غائر العينين، بجبهته أثر نفحة دابة، قد وخطه الشيب.
وقال إسماعيل الخطبي: رأيت صفته في بعض الكتب: أبيض، رقيق الوجه، جميلا، نحيف الجسم، حسن اللحية، غائر العينين، بجبهته أثر حافر

(5/115)


دابة، فلذلك سمي أشج بني أمية، وقد وخطه الشيب.
قال ضمرة بن ربيعة: دخل عمر بن عبد العزيز إلى إصطبل أبيه، وهو غلام، فضربه فرس، فشجه، فجعل أبوه يمسح عنه الدم، ويقول: إن كنت أشج بني أمية إنك إذا لسعيد.
وروى ضمام بن إسماعيل عن أبي قبيل: أن عمر بن عبد العزيز بكى وهو غلام صغير، فأرسلت إليه أمه، وقالت: ما يبكيك ؟ قال: ذكرت الموت
قال: وكان يومئذ قد جمع القرآن، فبكت أمه حين بلغها ذلك.
أبو خيثمة: حدثنا المفضل بن عبد الله، عن داود بن أبي هند قال: دخل علينا عمر بن عبد العزيز من هذا الباب يعني بابا من أبواب المسجد بالمدينة.
فقال رجل من القوم: بعث إلينا هذا الفاسق بابنه هذا يتعلم الفرائض والسنن، وزعم أنه يكون خليفة بعده، ويسير بسيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: فقال لنا داود: فوالله ما مات حتى رأينا ذلك فيه.
قيل: إن عمر بن الخطاب قال: إن من ولدي رجلا، بوجهه شتر، يملا الارض عدلا.
مبارك بن فضالة، عن عبيدالله بن عمر، عن نافع قال: قال ابن عمر: يا ليت شعري من هذا الذي من ولد عمر يملؤها عدلا، كما ملئت ظلما وجورا.
سعيد بن عفير: حدثنا يعقوب، عن أبيه أن عبد العزيز بن مروان بعث ابنه عمر إلى المدينة يتأدب بها، وكتب إلى صالح بن كيسان يتعاهده، وكان يلزمه الصلوات، فأبطأ يوما عن الصلاة، فقال: ما حبسك ؟ قال: كانت مرجلتي تسكن شعري، فقال: بلغ من تسكين شعرك أن تؤثره على الصلاة، وكتب بذلك إلى والده، فبعث عبد العزيز رسولا إليه فما كلمه حتى حلق شعره.

(5/116)


وكان عمر بن عبد العزيز يختلف إلى عبيدالله بن عبد الله، يسمع منه العلم، فبلغ عبيدالله أن عمر يتنقص عليا، فأقبل عليه، فقال: متى بلغك أن الله تعالى سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم، قال: فعرف ما أراد، فقال: معذرة إلى الله وإليك، لاأعود.
فما سمع عمر بعدها ذاكرا عليا رضي الله عنه إلا بخير.
نقل الزبير بن بكار عن العتبي: أن أول ما استبين من عمر بن عبد العزيز أن أباه ولي مصر، وهو حديث السن، يشك في بلوغه، فأراد إخراجه، فقال: يا أبت.
أو غيرذلك ؟ لعله أن يكون أنفع لي ولك: ترحلني إلى المدينة فأقعد إلى فقهاء أهلها، وأتأدب بآدابهم، فوجهه إلى المدينة، فاشتهر بها بالعلم والعقل مع حداثة سنه.
قال: ثم بعث إليه عبدالملك بن مروان عند وفاة أبيه، وخلطه بولده، وقدمه على كثير منهم، وزوجه بابنته فاطمة التي قيل فيها: بنت الخليفة، والخليفة جدها * أخت الخلائف، والخليفة زوجها وكان الذين يعيبون عمر ممن يحسده بإفراطه في النعمة، واختياله في المشية.
وقال أبو مسهر: ولي عمر المدينة في إمرة الوليد من سنة ست وثمانين إلى سنة ثلاث وتسعين.
قلت: ليس له آثار سنة ثنتين وسبعين بالمدينة، ولا سماع من جابر بن عدا الله، ولو كان بها وهو حدث، لاخذ عن جابر.
وقال أبو بكر بن عياش: حج بالناس عمر بن عبد العزيز غير مرة، أولها سنة تسع وثمانين.

(5/117)


ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه، قال: لما قدم عمر بن عبد العزيز المدينة واليا، فصلى الظهر دعا بعشرة، عروة، وعبيدالله، وسليمان بن يسار، والقاسم، وسالما، وخارجة، وأبا بكر بن عبد الرحمن، وأبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: إني دعوتكم لامر تؤجرون فيه، ونكون فيه
أعوانا على الحق، ما أريد أن أقطع أمرا إلا برأيكم، أو برأي من حضر منكم، فإن رأيتم أحدا يتعدى، أو بلغكم عن عامل ظلامة، فأحرج بالله على من بلغه ذلك إلا أبلغني.
فجزوه خيرا، وافترقوا.
الليث بن سعد: حدثني قادم البربري أنه ذاكر ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيئا من قضاء عمر بن عبد العزيز إذ كان بالمدينة، فقال ربيعة: كأنك تقول: أخطأ، والذي نفسي بيده ما أخطأ قط.
قال أبو زرعة عبدالاحد بن أبي زرارة القتباني: سمعت مالكا يقول: أتى فتيان إلى عمر بن عبد العزيز، وقالوا: إن أبانا توفي وترك مالا عند عمنا حميد الامجي (1)، فأحضره عمر، فلما دخل قال: أنت القائل: حميد الذي أمج داره * أخو الخمر ذوالشيبة الاصلع أتاه المشيب على شربها * وكان كريما فلم ينزع قال: نعم، قال: ما أراني إلا سوف أحدك، إنك أقررت بشرب الخمر، وانك لم تنزع عنها، قال: أيهات ! أين يذهب بك ؟ ألم تسمع الله يقول: * (والشعراء يتبعهم الغاوون) * إلى قوله * (وأنهم يقولون ما لا يفعلون) * [ الشعراء: 224، 226 ].
__________
(1) قال ياقوت في " معجم البلدان " أمج: بلد من أعراض المدينة منها حميد الامجي، وأورد البيتين قبلهما بيت آخر هو: شربت المدام فلم أقلع * وعوتبت فيها فلم أسمع [ * ]

(5/118)


فقال: أولى لك يا حميد، ما أراك إلا قد أفلت، ويحك يا حميد ! كان أبوك رجلا صالحا، وأنت رجل سوء، قال: أصلحك الله، وأينا يشبه أباه ؟ كان أبوك رجل سوء، وأنت رجل صالح.
قال: إن هؤلاء زعموا أن
أباهم توفي وترك مالا عندك، قال: صدقوا، وأحضره بختم أبيهم، وقال: أنفقت عليهم من مالي، وهذا مالهم.
قال: ما أحد أحق أن يكون هذا عنده منك، فقال: أيعود إلي وقد خرج مني ؟ ! (1).
العطاف بن خالد: حدثنا زيد بن أسلم قال لنا أنس: ما صليت وراء إمام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاة برسول الله من إمامكم هذا - يعني عمر بن عبد العزيز قال زيد: فكان عمر يتم الركوع والسجود، ويخفف القيام والقعود (2).
قال سهيل بن أبي صالح: كنت مع أبي غداة عرفة، فوقفنا لننظر لعمر ابن عبد العزيز، وهو أمير الحاج، فقلت: يا أبتاه ! والله إني لارى الله يحب عمر، قال: لم ؟ قلت: لما أراه دخل له في قلوب الناس من المودة، وأنت سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أحب الله عبدا نادى جبريل: إن الله قد أحب فلانا فأحبوه " الحديث (3).
__________
(1) أورد الخبر مع الابيات البكري في " معجم ما استعجم " 1 / 191، والحميري في " الروض المعطار " 30، 31، وأنشد المبرد في " الكامل " 1 / 216 البيت الاول مستشهدا به على حذف التنوين من " حميد ".
(2) سنده حسن، وأخرجه النسائي 2 / 166 في الافتتاح: باب تخفيف القيام والقراءة من طريق قتيبة، عن العطاف بن خالد، عن زيد بن أسلم، قال: دخلنا على أنس بن مالك فقال: صليتم ؟ قلنا: نعم، قال: يا جارية هلمي لي وضوءا، ما صليت وراء إمام أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من إمامكم هذا.
قال زيد: وكان عمر بن عبد العزيز يتم الركوع والسجود، ويخفف القيام والقعود.
(3) أخرجه مسلم (2637) (157) (158) من حديث سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله إذا أحب عبدا، دعا جبريل، فقال: إني أحب فلانا، فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلانا، فأحبوه فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الارض، وإذا أبغض عبدا، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض = [ * ]

(5/119)


وعن أبي جعفر الباقر (1) قال: لكل قوم نجيبة، وإن نجيبة بني أمية عمر بن عبد العزيز، إنه يبعث أمة وحده.
روى الثوري، عن عمرو بن ميمون قال: كانت العلماء مع عمر بن عبد العزيز تلامذة.
معمر، عن أخي الزهري قال: كتب الوليد إلى عمر - وهو على المدينة أن يضرب خبيب بن عبد الله بن الزبير (2)، فضربه أسواطا، وأقامه في البرد، فمات.
قلت: كان عمر إذا أثنوا عليه، قال: فمن لي بخبيب.
رحمهما الله.
قلت: قد كان هذا الرجل حسن الخلق والخلق، كامل العقل، حسن السمت، جيد السياسة، حريصا على العدل بكل ممكن، وافر العلم، فقيه النفس، ظاهر الذكاء والفهم، أواها منيبا، قانتا لله، حنيفا زاهدا مع الخلافة، ناطقا بالحق مع قلة المعين، وكثرة الامراء الظلمة الذين ملوه وكرهوا محاققته لهم، ونقصه أعطياتهم، وأخذه كثيرا مما في أيديهم، [ مما ] أخذوه بغير حق، فما زالوا به حتى سقوه السم، فحصلت له الشهادة والسعادة، وعد عند أهل العلم من الخلفاء الراشدين، والعلماء العاملين.
مبشر بن إسماعيل، عن جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران قال: أتينا عمر بن عبد العزيز، ونحن نرى أنه يحتاج إلينا، فما كنا معه إلا تلامذة.
وكذلك جاء عن مجاهد وغيره.
وفي " الموطأ ": بلغني أن عمر بن عبد العزيز
__________
= فلانا، فأبغضه، قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانا، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الارض " وأخرجه البخاري في " صحيحه مختصرا 6 / 220 في بدء الخلق تعليقا، ووصله في الادب 10 / 385، 386: باب المقة من الله.
(1) هو محمد بن علي بن الحسين بن علي أمير المؤمنين ثقة فاضل أخرج حديثه الجماعة.
(2) قال مصعب الزبيري في " نسب قريش " ص 240: كان خبيب يعلم علما كثيرا مع فضل له وصلاح.
[ * ]

(5/120)


حين خرج من المدينة، التفت إليها، فبكى، ثم قال: يا مزاحم أتخشى (1) أن نكون ممن نفته المدينة (2).
ابن إسحاق، عن إسماعيل بن أبي حكيم: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول: خرجت من المدينة وما من رجل أعلم مني، فلما قدمت الشام نسيت.
معمر، عن الزهري قال: سمرت مع عمر بن عبد العزيز ليلة، فحدثته، فقال: كل ما حدثته الليلة فقد سمعته، ولكنك حفظت ونسينا.
عقيل، عن ابن شهاب أن عمر بن عبد العزيز أخبره أن الوليد أرسل إليه بالظهيرة، فوجده قاطبا بين عينيه، قال: فجلست وليس عنده إلا ابن الريان، قائم بسيفه، فقال: ما تقول فيمن يسب الخلفاء ؟ أترى أن يقتل ؟ فسكت، فانتهرني، وقال: مالك ؟ فسكت، فعاد لمثلها، فقلت: أقتل يا أمير المؤمنين ؟ قال: لا، ولكنه سب الخلفاء، قلت: فإني أرى أن ينكل، فرفع رأسه إلى ابن الريان، فقال: إنه فيهم لنابه.
عن عبد العزيز بن يزيد الايلي قال: حج سليمان، ومعه عمر بن عبد العزيز، فأصابهم برق ورعد حتى كادت تنخلع قلوبهم، فقال سليمان: يا أبا حفص ! هل رأيت مثل هذه الليلة قط، أو سمعت بها ؟ قال: يا أمير المؤمنين ! هذا صوت رحمة الله، فكيف لو سمعت صوت عذاب الله ! ؟ وروى ابن عيينة عن رجل: قال عمر بن عبد العزيز: ما كذبت منذ علمت أن الكذب يضر أهله.
عبد العزيز بن الماجشون: حدثنا عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال:
قال عمر: إنا كنا نتحدث، وفي لفظ: يزعم الناس أن الدنيا لا تنقضي حتى
__________
(1) في البداية 9 / 195: نخشى.
(2) الموطأ 2 / 889 في الجامع: باب ما جاء في سكن المدينة والخروج منها.
[ * ]

(5/121)


يلي رجل من آل عمر، يعمل بمثل عمل عمر، قال: فكان بلال ولد عبد الله بن عمر بوجهه شامة، وكانوا يرون أنه هو حتى جاء الله بعمر بن عبد العزيز، أمه هي ابنة عاصم بن عمر.
رواه جماعة عنه.
جويرية، عن نافع: بلغنا أن عمر قال: إن من ولدي رجلا بوجهه شين، يلي فيملا الارض عدلا، قال نافع: فلا أحسبه إلا عمر بن عبد العزيز.
وروى عبيدالله بن عمر، عن نافع قال: كان ابن عمر يقول: ليت شعري ! من هذا الذي من ولد عمر، في وجهه علامة، يملا الارض عدلا.
تفرد به مبارك بن فضالة عنه، وهو صدوق.
ضمرة بن ربيعة، عن السري بن يحيى، عن رياح بن عبيدة قال: خرج عمر بن عبد العزيز إلى الصلاة، وشيخ متوكئ على يده، فقلت في نفسي: هذا شيخ جاف، فلما صلى ودخل، لحقته فقلت: أصلح الله الامير، من الشيخ الذي كان يتكئ على يدك ؟ فقال: يا رياح ! رأيته ؟ قلت: نعم، قال: ما أحسبك إلا رجلا صالحا، ذاك أخي الخضر، أتاني فأعلمني أني سألي أمر الامة، وأني سأعدل فيها (1).
__________
(1) وأخرجه يعقوب بن سفيان في " تاريخه " 1 / 577 من طريق عبد العزيز الرملي، عن ضمرة ابن ربيعة، عن السري بن يحيى، عن رياح بن عبيدة وأخرجه أبو عروبة الحراني في " تاريخه " وأبو نعيم في " الحلية " 5 / 254 عن أيوب بن محمد الوزان، عن ضمرة بن ربيعة به.
وهذا الخبر ضعيف السند تفرد به ضمرة وهو معدود في جملة منكراته، فإنه وإن كان ثقة أنكر عليه الامام أحمد حديث " من ملك
ذا رحم محرم فهو عتيق " ورده ردا شديدا وقال: لو قال رجل: إن هذا كذب لما كان مخطئا، وأخرجه الترمذي، وقال: لا يتابع ضمرة عليه، وهو خطأ عند أهل الحديث.
ثم إن في الخبر ما يدل على بطلانه وهو حياة الخضر عليه السلام فقد صرح بموته جمهور أهل العلم فيما نقله أبو حيان في " البحر المحيط "، وذكر الحافظ في " الاصابة " منهم إبراهيم الحربي، وعبد الله بن المبارك، والبخاري، وأبا طاهر ابن العبادي، وأبا الفضل بن ناصر، وأبا بكر بن العربي، وابن الجوزي وغيرهم.
ونقل عن أبي الحسن بن المنادي قوله: بحثت عن تعمير الخضر وهل هو باق أم لا ؟ فإذا أكثر المغفلين مغترون بأنه باق من أجل ما روي في ذلك، قال: والاحاديث المرفوعة في ذلك واهية، والسند إلى أهل الكتاب = [ * ]

(5/122)


المدائني، عن جرير بن حازم، عن هزان بن سعيد، حدثني رجاء بن حيوة قال: لما ثقل سليمان بن عبدالملك رآني عمر بن عبد العزيز في الدار، أخرج، وأدخل، وأتردد، فقال: يا رجاء ! أذكرك الله والاسلام أن تذكرني لامير المؤمنين، أو تشير بي، فوالله ما أقوى على هذا الامر، فانتهرته، وقلت: إنك لحريص على الخلافة، فاستحيى، ودخلت، فقال لي سليمان: من ترى لهذا الامر ؟ فقلت: اتق الله، فإنك قادم على الله تعالى، وسائلك عن هذا الامر، وما صنعت فيه، قال: فمن ترى ؟ قلت: عمر بن عبد العزيز، قال: كيف أصنع بعهد عبدالملك إلى الوليد وإلي في ابني عاتكة أيهما بقي، قلت: تجعله من بعده، قال: أصبت، جئني بصحيفة، فأتيته بصحيفة، فكتب عهد عمر ويزيد ابن عبدالملك من بعد، ثم دعوت رجالا، فدخلوا، فقال: عهدي في هذه الصحيفة مع رجاء، اشهدوا واختموا الصحيفة، قال: فلم يلبث أن مات، فكففت النساء عن الصياح، وخرجت إلى الناس، فقالوا: كيف أمير المؤمنين ؟ قلت: لم يكن منذ اشتكى أسكن من الساعة، قالوا: لله الحمد.
قال ابن عيينة: حدثني من شهد دابق، وكان مجتمع غزو الناس، فمات
سليمان بدابق، ورجاء بن حيوة صاحب أمره ومشورته، خرج إلى الناس، فأعلمهم بموته، وصعد المنبر فقال: إن أمير المؤمنين كتب كتابا، وعهد عهدا، وأعلمهم بموته، أفسامعون أنتم مطيعون ؟ قالوا: نعم، وقال هشام: نسمع ونطيع إن كان فيه استخلاف رجل من بني عبدالملك، قال: ويجذبه الناس حتى سقط إلى الارض، وقالوا: سمعنا وأطعنا، فقال رجاء: قم يا عمر وهو على المنبر فقال عمر: والله إن هذا لامر ما سألته الله قط.
__________
= ساقط لعدم ثقتهم، وخبر مسلمة بن مصقلة كالخرافة، وخبر رياح كالريح، قال: وما عدا ذلك كله من الاخبار كلها واهية الصدور والاعجاز لا يخلو حالها من أحد أمرين، إما أن تكون أدخلت على الثقات استغفالا ويكون بعضهم تعمد ذلك، وقد قال تعالى: * (وما جعلنا لبشر بن قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون) * [ الانبياء: 34 ].
[ * ]

(5/123)


الوليد بن مسلم، عن عبدالرحمن بن حسان الكناني قال: لما مرض سليمان بدابق قال: يا رجاء ! أستخلف ابني ؟ قال: ابنك غائب، قال: فالآخر ؟ قال: هو صغير، قال: فمن ترى ؟ قال: عمر بن عبد العزيز، قال: أتخوف بني عبدالملك أن لا يرضوا، قال: فوله، ومن بعده يزيد بن عبد الملك، وتكتب كتابا وتختمه، وتدعوهم إلى بيعة مختوم عليها، قال: فكتب العهد وختمه، فخرج رجاء، وقال: إن أمير المؤمنين يأمركم أن تبايعوا لمن في هذا الكتاب، قالوا: ومن فيه ؟ قال: مختوم، ولا تخبرون بمن فيه حتى يموت، فامتنعوا، فقال سليمان: انطلق إلى أصحاب الشرط، وناد الصلاة جامعة، ومرهم بالبيعة، فمن أبى، فاضرب عنقه، ففعل، فبايعوا، قال رجاء: فلما خرجوا، أتاني هشام في موكبه، فقال: قد علمت موقفك منا، وأنا أتخوف أن يكون أمير المؤمنين أزالها عني، فأعلمني مادام في الامر نفس،
قلت: سبحان الله ! يستكتمني أمير المؤمنين، وأطلعك، لا يكون ذاك أبدا، فأدارني وألاصني (1)، فأبيت عليه، فانصرف، فبينا أنا أسير إذ سمعت جلبة خلفي، فإذا عمر بن عبد العزيز، فقال: يا رجاء ! قد وقع في نفسي أمر كبير من هذا الرجل، أتخوف أن يكون جعلها إلي ولست أقوم بهذا الشأن، فأعلمني ما دام في الامر نفس لعلي أتخلص، قلت: سبحان الله ! يستكتمني امرا أطلعك عليه ! روى نحوها الواقدي.
حدثنا داود بن خالد، عن سهيل بن أبي سهيل، سمع رجاء بن حيوة يقول..وزاد: فصلى على سليمان عمر بن عبد العزيز، فلما فرغ من دفنه،
__________
(1) يقال: ألاصه على كذا: إذا أداره على الشئ الذي يريده، وقال عمر لعثمان في معنى كلمة الاخلاص: هي الكلمة التي ألاص عليها النبي صلى الله عليه وسلم عمه يعني أبا طالب عند الموت: شهادة أن لا إله إلا الله، أي: أداره عليها، وراوده فيها.
[ * ]

(5/124)


أتي بمراكب الخلافة، فقال، دابتي أرفق لي، فركب بغلته، ثم قيل: تنزل منزل الخلافة ؟ قال: فيه عيال أبي أيوب، وفي فسطاطي كفاية، فلما كان مساء تلك الليلة، قال: يا رجاء ! ادع لي كاتبا، فدعوته، فأملى عليه كتابا أحسن إملاء وأوجزه، وأمر به فنسخ إلى كل بلد.
وقد كان سليمان بن عبدالملك من أمثل الخلفاء، نشر علم الجهاد، وجهز مئة ألف برا وبحرا، فنازلوا القسطنطينية، واشتد القتال والحصار عليها أكثر من سنة.
قال سعيد بن عبد العزيز: ولي سليمان، فقال لعمر بن عبد العزيز: يا أبا حفص ! إنا ولينا ما قد ترى، ولم يكن لنا بتدبيره علم، فما رأيت من مصلحة
العامة، فمر به، فكان من ذلك عزل عمال الحجاج، وأقيمت الصلوات في أوقاتها بعد ما كانت أميتت عن وقتها، مع أمور جليلة كان يسمع من عمر فيها، فقيل: إن سليمان حج، فرأى الخلائق بالموقف، فقال لعمر: أما ترى هذا الخلق الذي لا يحصي عددهم إلا الله ؟ قال: هؤلاء اليوم رعيتك، وهم غدا خصماؤك، فبكى بكاء شديدا.
قلت: كان عمر له وزير صدق، ومرض بدابق أسبوعا، وتوفي، وكان ابنه داود غائبا في غزو القسطنطينية.
وعن رجاء بن حيوة قال: ثقل سليمان، ولما مات أجلسته وسندته وهيأته، ثم خرجت إلى الناس، فقالوا: كيف أصبح أمير المؤمنين ؟ قلت: أصبح ساكنا، فادخلوا سلموا عليه، وبايعوا بين يديه على ما في العهد، فدخلوا، وقمت عنده، وقلت: إنه يأمركم بالوقوف، ثم أخذت الكتاب من جيبه، وقلت: إن أمير المؤمنين يأمركم أن تبايعوا على ما في هذا الكتاب، فبايعوا، وبسطوا أيديهم، فلما فرغوا، قلت: آجركم الله في أمير المؤمنين،

(5/125)


قالوا: فمن ؟ ففتحت الكتاب، فإذا فيه: عمر بن عبد العزيز، فتغيرت وجوه بني عبدالملك، فلما سمعوا: " وبعده يزيد " تراجعوا، وطلب عمر فإذا هو في المسجد، فأتوه، وسلموا عليه بالخلافة فعقر (1)، فلم يستطع النهوض حتى أخذوا بضبعيه، فأصعدوه المنبر، فجلس طويلا لا يتكلم، فقال رجاء: ألا تقومون إلى أمير المؤمنين فتبايعونه، فنهضوا إليه، ومد يده إليهم، فلما مد هشام بن عبدالملك يده إليه، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال عمر: نعم إنا لله، حين صار يلي هذه الامة أنا وأنت، ثم قام، فحمد الله، وأثنى عليه، وقال: أيها الناس ! إني لست بفارض، ولكني منفذ، ولست بمبتدع،
ولكني متبع، وإن من حولكم من الامصار إن أطاعوا كما أطعتم، فأنا واليكم، وإن هم أبوا فلست لكم بوال، ثم نزل، فأتاه صاحب المراكب، فقال: لا ائتوني بدابتي، ثم كتب إلى عمال الامصار.
قال رجاء: كنت أظن أنه سيضعف، فلما رأيت صنعه في الكتاب علمت أنه سيقوى.
قال عمرو بن مهاجر: صلى عمر المغرب، ثم صلى على سليمان.
قال ابن إسحاق: مات سليمان يوم الجمعة عاشر صفر سنة تسع وتسعين.
قال خالد بن مرداس، حدثنا الحكم بن عمر، شهدت عمر بن عبد العزيز حين جاءه أصحاب مراكب الخلافة يسألونه العلوفة ورزق خدمها، قال: ابعث بها إلى أمصار الشام يبيعونها، واجعل أثمانها في مال الله، تكفيني بغلتي هذه الشهباء.
وعن الضحاك بن عثمان قال: لما انصرف عمر بن عبد العزيز عن قبر سليمان، قدموا له مراكب سليمان، فقال:
__________
(1) العقر بفتحتين: أن يفجأه الروع، فلا يقدر أن يتقدم أو يتأخر دهشا، وبابه طرب ومنه قول عمر رضي الله عنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام أبو بكر فتلا * (إنك ميت وإنهم ميتون) *: فعقرت حتى خررت إلى الارض.
[ * ]

(5/126)


فلولا التقى ثم النهى خشية الردى * لعاصيت في حب الصبى كل زاجر قضى ما قضى فيما مضى ثم لا ترى * له صبوة أخرى الليالي الغوابر لا قوة إلا بالله.
سفيان بن وكيع: حدثنا ابن عيينة، عن عمر بن ذر أن مولى لعمر بن عبد العزيز قال له بعد جنازة سليمان: مالي أراك مغتما ؟ قال: لمثل ما أنا فيه فليغتم، ليس أحد من الامة إلا وأنا أريد أن أوصل إليه حقه غير كاتب إلي فيه،
ولا طالبه مني.
قال عبيدالله بن عمر: خطبهم عمر، فقال: لست بخير أحد منكم، ولكني أثقلكم حملا.
أيوب بن سويد: حدثنا يونس، عن الزهري قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى سالم ليكتب إليه بسيرة عمر في الصدقات، فكتب إليه بذلك، وكتب إليه: إنك إن عملت بمثل عمل عمر في زمانه ورجاله في مثل زمانك ورجالك، كنت عند الله خيرا من عمر.
قلت: هذا كلام عجيب، أنى يكون خيرا من عمر ؟ حاشى وكلا، ولكن هذا القول محمول على المبالغة، وأين عز الدين بإسلام عمر ؟ وأين شهوده بدرا ؟ وأين فرق الشيطان من عمر ؟ وأين فتوحات عمر شرقا وغربا ؟ وقد جعل الله لكل شئ قدرا.
حماد بن زيد، عن أبي هاشم أن رجلا جاء إلى عمر بن عبد العزيز فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، وأبو بكر عن يمينه، وعمر عن شماله، فإذا رجلان يختصمان وأنت بين يديه، فقال لك: يا عمر ! إذا عملت فاعمل بعمل هذين، فاستحلفه بالله لرأيت ؟ فحلف له، فبكى.
قال ميمون بن مهران: إن الله كان يتعاهد الناس بنبي بعد نبي، وإن الله تعاهد الناس بعمر بن عبد العزيز.

(5/127)


قال حماد بن أبي سليمان: لما ولي عمر بن عبد العزيز بكى، فقال له رجل: كيف حبك للدنيا والدرهم ؟ قال: لاأحبه، قال: لا تخف، فإن الله سيعينك.
يعقوب الفسوي: حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى، حدثني أبي، عن
جدي قال: كنت أنا وابن أبي زكريا بباب عمر بن عبد العزيز، فسمعنا بكاء، فقيل: خير أمير المؤمنين امرأته بين أن تقيم في منزلها وعلى حالها، وأعلمها أنه قد شغل بما في عنقه عن النساء، وبين أن تلحق بمنزل أبيها، فبكت، فبكت جواريها.
جرير، عن مغيرة، قال: كان لعمر بن عبد العزيز سمار يستشيرهم، فكان علامة ما بينهم إذا أحب أن يقوموا قال: إذا شئتم.
وعنه أنه خطب وقال: والله إن عبدا ليس بينه وبين آدم أب إلا قد مات لمعرق له في الموت (1).
جرير، عن مغيرة قال: جمع عمر بن عبد العزيز بني مروان حين استخلف، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له فدك (2) ينفق منها، ويعود منها على صغير بني هاشم، ويزوج منها أيمهم، وإن فاطمة سألته أن يجعلها لها، فأبى، فكانت كذلك حياة أبي بكر وعمر، عملا فيها عمله، ثم أقطعها مروان، ثم صارت لي، فرأيت أمرا منعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنته ليس لي بحق،
__________
(1) أي: إن له فيه عرقا، وإنه أصيل في الموت، وعرق كل شئ أصله.
(2) هي قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان أفاءها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم في سنة سبع صلحا، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل خيبر، وفتح حصونها، ولم يبق إلا ثلاث، واشتد بهم الحصار، راسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن ينزلهم على الجلاء وفعل، وبلغ ذلك أهل فدك، فأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصالحهم على النصف من ثمارهم وأموالهم فأجابهم إلى ذلك، فهي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فكانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
[ * ]

(5/128)


وإني أشهدكم أني قد رددتها على ما كانت عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
قال الليث: بدأ عمر بن عبد العزيز بأهل بيته، فأخذ ما بأيديهم،
وسمى أموالهم مظالم، ففزعت بنو أمية إلى عمته فاطمة بنت مروان، فأرسلت إليه: إني قد عناني أمر، فأتته ليلا، فأنزلها عن دابتها، فلما أخذت مجلسها قال: يا عمة ! أنت أولى بالكلام، قالت: تكلم يا أمير المؤمنين، قال: إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة، ولم يبعثه عذابا، واختار له ما عنده، فترك لهم نهرا، شربهم سواء، ثم قام أبو بكر فترك النهر على حاله، ثم عمر، فعمل عمل صاحبه، ثم لم يزل النهر يشتق منه يزيد ومروان وعبد الملك، والوليد وسليمان، حتى أفضى الامر إلي، وقد يبس النهر الاعظم، ولن يروي أهله حتى يعود إلى ما كان عليه، فقالت: حسبك، فلست بذاكرة لك شيئا، ورجعت فأبلغتهم كلامه.
وعن ميمون بن مهران، سمعت عمر بن عبد العزيز يقول: لو أقمت فيكم خمسين عاما ما استكملت فيكم العدل، إني لاريد الامر من أمر العامة،
__________
(1) أخرجه أبو داود (2972) في الخراج والامارة: باب في صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاموال، ورجاله ثقات.
وقال ياقوت في " معجم البلدان ": فكانت في أيدي ولد فاطمة أيام عمر بن عبد العزيز، فلما ولي يزيد بن عبدالملك، قبضها فلم تزل في أيدي بني أمية حتى ولي أبو العباس السفاح الخلافة، فدفعها إلى الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فكان هو القيم عليها يفرقها في بني علي ابن ابي طالب، فلما ولي المنصور، وخرج عليه بنو الحسن، قبضها عنهم، فلما ولي المهدي بن منصور الخلافة، أعادها عليهم، ثم قبضها موسى الهادي ومن بعده إلى أيام المأمون، فجاءه رسول بني علي بن أبي طالب، فطالب بها، فأمر أن يسجل لهم بها، فكتب السجل، وقرئ على المأمون، فقام دعبل الشاعر وأنشد: أصبح وجه الزمان قد ضحكا * برد مأمون هاشم فدكا وانظر البخاري 7 / 377 في المغازي: باب غزوة خيبر، وف ي الجهاد: باب فرض الخمس، وفي فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الفرائض: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا
نورث ما تركنا صدقة " ومسلم (1759) في الجهاد والسير: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا نورث ما تركنا صدقة ".
[ * ]

(5/129)


فأخاف ألا تحمله قلوبهم، فأخرج معه طمعا من طمع الدنيا (1).
ابن عيينة، عن إبراهيم بن ميسرة قلت لطاووس: هو المهدي يعني عمر بن عبد العزيز قال: هو المهدي، وليس به إنه لم يستكمل العدل كله.
قال ابن عون: كان ابن سيرين إذا سئل عن الطلاء (2) قال: نهى عنه إمام هدى، يعني عمر بن عبد العزيز.
قال حرملة: سمعت الشافعي يقول: الخلفاء خمسة: أبو بكر، وعمر،
__________
(1) وتمامه في تاريخ المصنف 4 / 170: فإن أنكرت قلوبكم هذا، سكنت إلى هذا، وفي " البداية " 9 / 200: وإني لاريد الامر، فما أنفذه إلا مع طمع من الدنيا حتى تسكن قلوبهم.
(2) الطلاء بالكسر والمد: الشراب المطبوخ من عصير العنب وهو الرب.
وقد رأى جواز شربه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة ومعاذ إذا طبخ، فصار على الثلث، ونقص منه الثلثان، فقد أخرج مالك 2 / 847 من طريق محمود بن لبيد الانصاري أن عمر بن الخطاب حين قدم الشام، شكا إليه أهل الشام وباء الارض وثقلها، وقالوا: لا يصلحنا إلا هذا الشراب، فقال عمر: اشربوا هذا العسل، فقالوا: لا يصلحنا العسل، فقال رجل من أهل الارض: هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئا لا يسكر ؟ قال: نعم، فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان، وبقي الثلث، فأتوا به عمر، فأدخل فيه عمر أصبعه، ثم رفع يده، فتبعها يتمطط فقال: هذا الطلاء هو مثل طلاء الابل، فأمرهم عمر أن يشربوه، فقال له عبادة بن الصامت: أحللتها والله، فقال عمر: كلا والله، اللهم إني لاأحل لهم شيئا حرمته عليهم، ولا أحرم عليهم شيئا أحللته لهم، وأخرج سعيد بن منصور من طريق أبي مجلز عن عامر بن عبد الله، قال: كتب عمر إلى عمار: أما بعد، فإنه جاءني عير تحمل شرابا أسود كأنه طلاء الابل، فذكروا أنهم يطبخونه حتى يذهب ثلثاه الاخبثان: ثلث بريحه، وثلث ببغيه، فمر من قبلك أن
يشربوه.
ومن طريق سعيد بن المسيب أن عمر أحل من الشراب ما طبخ، فذهب ثلثاه وبقي ثلثه، وأخرج النسائي 8 / 329 من طريق عبد الله بن يزيد الخطمي، قال: كتب عمر: اطبخوا شرابكم حتى يذهب نصيب الشيطان منه، فإن للشيطان اثنين، ولكم واحد.
قال الحافظ في " الفتح " 10 / 55: وهذه أسانيد صحيحة، وقد أفصح بعضها بأن المحذور منه السكر، فمتى أسكر لم يحل، وقد وافق عمر ومن ذكر معه على الحكم المذكور أبو موسى وأبو الدرداء.
أخرجه النسائي عنهما، وعلي وأبو أمامة وخالد بن الوليد وغيرهم أخرجها ابن أبي شيبة وغيره، ومن التابعين ابن المسيب والحسن وعكرمة، ومن الفقهاء الثوري والليث ومالك وأحمد والجمهور وشرط تناوله عندهم ما لم يسكر، وكرهه طائفة تورعا.
[ * ]

(5/130)


وعثمان، وعلي، وعمر بن عبد العزيز.
وفي رواية: الخلفاء الراشدون، وورد عن أبي بكر بن عياش نحوه، وروى عباد [ بن ] السماك عن الثوري مثله.
أبو المليح، عن خصيف قال: رأيت في المنام رجلا، وعن يمينه وشماله رجلان، إذ أقبل عمر بن عبد العزيز، فأراد أن يجلس بين الذي عن يمينه وبينه، فلصق صاحبه، فجذبه الاوسط فأقعده في حجره، فقلت: من هذا ؟ قالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا أبو بكر، وهذا عمر.
عبدالرحمن بن زيد، عن عمر بن أسيد، قال: والله، ما مات عمر بن عبد العزيز حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم، فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون، فما يبرح حتى يرجع بماله كله.
قد أغنى عمر الناس.
قال جويرية بن أسماء: دخلنا على فاطمة (1) بنت الامام علي، فأثنت على عمر بن عبد العزيز، وقالت: فلو كان بقي لنا ما احتجنا بعد إلى أحد.
وعن ضمرة، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله: أما بعد: فإذا دعتك قدرتك على الناس إلى ظلمهم، فاذكر قدرة الله تعالى عليك،
ونفاد ما تأتي إليهم، وبقاء ما يأتون إليك.
عمر بن ذر، حدثني عطاء بن أبي رباح، قال: حدثتني فاطمة امرأة عمر بن عبد العزيز أنها دخلت عليه، فإذا هو في مصلاه يده على خده، سائلة دموعه، فقلت: يا أمير المؤمنين ! الشئ حدث ؟ قال: يا فاطمة ! إني تقلدت أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فتفكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري المجهود، والمظلوم المقهور، والغريب المأسور، والكبير، وذي
__________
(1) هي فاطمة الصغرى روت عن أبيها ولم تسمع منه، وعن أخيها محمد بن الحنفية، وأسماء بنت عميس وروى عنها الحارث بن كعب الكوفي، والحكم بن عبدالرحمن، وموسى الجهني، ونافع ابن أبي نعيم القارئ وغيرهم.
قال ابن جرير: توفيت سنة سبع عشرة ومئة.
أخرج حديثها النسائي.
[ * ]

(5/131)


العيال في أقطار الارض، فعلمت أن ربي سيسألني عنهم، وأن خصمهم دونهم محمد صلى الله عليه وسلم، فخشيت ألا تثبت لي حجة عند خصومته، فرحمت نفسي فبكيت.
وروى حماد بن النضر، عن محمد بن المنكدر، عن عطاء عنها نحوه، وقال: حدثتني بعد وفاة عمر.
قال الفريابي: حدثنا الاوزاعي أن عمر بن عبد العزيز جلس في بيته، وعنده أشراف بني أمية، فقال: أتحبون أن أولي كل رجل منكم جندا من هذه الاجناد، فقال له رجل منهم: لم تعرض علينا ما لا تفعله ؟ قال: ترون بساطي هذا ؟ إني لاعلم أنه يصير إلى بلى، وإني أكره أن تدنسوه علي بأرجلكم، فكيف أوليكم ديني ؟ وأوليكم أعراض المسلمين وأبشارهم تحكمون فيهم ؟ هيهات هيهات، قالوا: لم أمالنا قرابة ؟ أما لنا حق ؟ قال: ما أنتم وأقصى رجل من المسلمين عندي في هذا الامر إلا سواء، إلا رجل حبسه عني طول
شقة (1).
يحيى بن أبي غنية، عن حفص بن عمر بن أبي الزبير، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم: أن أدق قلمك، وقارب بين أسطرك، فإني أكره أن أخرج من أموال المسلمين ما لا ينتفعون به.
قال ميمون بن مهران: أقمت عند عمر بن عبد العزيز ستة أشهر، ما رأيته غير رداءه، كان يغسل من الجمعة إلى الجمعة، ويبين بشئ من زعفران.
الثوري، عن عمر بن سعيد بن أبي حسين قال: كان مؤذن لعمر بن عبد
__________
(1) الشقة: السفر الطويل البعيد، وفي حديث وفد عبد قيس: إنا نأتيك من شقة بعيدة، أي: مسافة بعيدة.
[ * ]

(5/132)


العزيز إذا أذن، رعد، فبعث إليه: أذن أذانا سمحا ولا تغنه وإلا فاجلس في بينك.
وروى عمر بن ميمون، عن أبيه ما زلت ألطف في أمر الامة أنا وعمر بن عبد العزيز حتى قلت له: ما شأن هذه الطوامير (1) التي تكتب فيها بالقلم الجليل، وهي من بيت المال، فكتب إلى الآفاق بتركه، فكانت كتبه نحو شبر.
قال حميد الطويل: أمل علي الحسن رسالة إلى عمر بن عبد العزيز، فأبلغ، ثم شكى الحاجة والعيال، فقلت: يا أبا سعيد ! لاتهجن الكتاب بالمسألة [ اكتب هذا في غير ذا ] قال: دعنا منك، فأمر بعطائه، قال: قلت: يا أبا سعيد اكتب إليه في المشورة، فإن أبا قلابة قال: كان جبريل ينزل بالوحي، فما منعه عليه السلام ذلك أن أمره الله بالمشورة، فقال: نعم، فكتب بالمشورة فأبلغ.
رواه حماد بن سلمة عنه (2).
خلف بن تميم: حدثنا عبد الله بن محمد، عن الاوزاعي، قال: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز رسالة، لم يحفظها غيري وغير مكحول: أما بعد، فإنه من أكثر ذكر الموت، رضي من الدنيا باليسير، ومن عد كلامه من عمله، قل كلامه إلا فيما ينفعه والسلام.
وقال الاوزاعي: كان عمر بن عبد العزيز إذا أراد أن يعاقب رجلا حبسه ثلاثا، ثم عاقبه كراهية أن يعجل في أول غضبه.
معاوية بن صالح: حدثنا سعيد بن سويد أن عمر بن عبد العزيز صلى بهم
__________
(1) في " اللسان " عن ابن سيده: الطامور والطومار: الصحيفة، قيل: هو دخيل، قال: وأراه عربيا محضا، لان سيبويه قد اعتد به في الابنية.
(2) الخبر في تاريخ المولف 4 / 171، والزيادة منه.
[ * ]

(5/133)


الجمعة ثم جلس وعليه قميص مرقوع الجيب من بين يديه ومن خلفه، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين ! إن الله قد أعطاك، فلو لبست ! فقال: أفضل القصد عند الجدة، وأفضل العفو عند المقدرة (1).
قال جويرية بن أسماء: قال عمر بن عبد العزيز: إن نفسي تواقة، وإنها لم تعط من الدنيا شيئا إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه، فلما أعطيت ما لا أفضل منه في الدنيا، تاقت إلى ما هو أفضل منه، يعني الجنة.
قال حماد بن واقد: سمعت مالك بن دينار يقول: الناس يقولون عني: زاهد، إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز الذي أتته الدنيا فتركها.
الفسوي: حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى، حدثني أبي عن عبد العزيز [ بن ] عمر بن عبد العزيز قال: دعاني المنصور فقال: كم كانت غلة عمر ابن عبد العزيز حين استخلف ؟ قلت: خمسون ألف دينار، قال: كم كانت
يوم موته ؟ قلت: مئتا دينار.
وعن مسلمة بن عبدالملك قال: دخلت على عمر وقميصه وسخ، فقلت لامرأته، وهي أخت مسلمة: اغسلوه، قالت: نفعل، ثم عدت فإذا القميص على حاله، فقلت لها، فقالت: والله ماله قميص غيره.
وروى اسماعيل بن عياش، عن عمرو بن مهاجر: كانت نفقة عمر بن عبد العزيز كل يوم درهمين.
وروى سعيد بن عامر الضبعي، عن عون بن المعتمر أن عمر بن عبد العزيز قال لامرأته: عندك درهم أشتري به عنبا ؟ قالت: لا، قال: فعندك فلوس ؟ قالت: لا، أنت أمير المؤمنين ولا تقدر على درهم، قال: هذا أهون
__________
(1) الخبر في طبقات ابن سعد 5 / 402، وقد تصحفت فيه " الجدة " إلى " الحدة ".
[ * ]

(5/134)


من معالجة الاغلال في جهنم.
مروان بن معاوية، عن رجل قال: كان سراج بيت عمر بن عبد العزيز على ثلاث قصبات [ فوقهن طين ].
عبد الله بن إدريس، عن أبيه، عن أزهر صاحب له: قال: رأيت عمر بن عبد العزيز يخطب بخناصرة (1)، وقميصه مرقوع.
قال مروان بن محمد: حدثنا محمد بن مهاجر، حدثني أخي عمرو أن عمر بن عبد العزيز كان يلبس برد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويأخذ قضيبه في يده يوم العيد.
وقال معرف بن واصل: رأيت عمر بن عبد العزيز قدم مكة، وعليه ثوبان أخضران.
وقال الوليد بن أبي السائب: كان لعمر بن عبد العزيز جبة خز غبراء،
وجبة خز صفراء، وكساء خز، ثم ترك ذلك.
قال الواقدي: حدثنا عبدالرحمن بن عبد العزيز، عن عمرو بن مهاجر: رأيت عمر بن عبد العزيز يخطب الاولى جالسا، وبيده عصا قد عرضها على فخذه، يزعمون أنها عصا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فرغ من خطبته سكت، ثم قام فخطب الثانية متوكئا عليها، فإذا مل لم يتوكأ، [ وحملها حملا ] فإذا دخل في الصلاة، وضعها إلى جنبه.
وفي " الزهد " لابن المبارك، أخبرنا إبراهيم بن نشيط، حدثنا سليمان بن حميد، عن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع أنه دخل على فاطمة بنت عبدالملك
__________
(1) خناصرة: بليدة من أعمال حلب تحاذي قنسرين نحو البادية، وقد ذكرها عدي بن الرقاع فقال: وإذا الربيع تتابعت أنواؤه * فسقى خناصرة الاحص وجادها.
[ * ]

(5/135)


فقال: ألا تخبريني عن عمر ؟ قالت: ما أعلم أنه اغتسل من جنابة ولا احتلام منذ استخلف.
قال يحيى بن حمزة: حدثنا عمرو بن مهاجر أن عمر بن عبد العزيز كان تسرج عليه الشمعة ما كان في حوائج المسلمين، فإذا فرغ، أطفأها وأسرج عليه سراجه.
وقال مالك: أتي عمر بن عبد العزيز بعنبرة، فأمسك على أنفه مخافة أن يجد ريحها، وعنه: أنه سد أنفه، وقد أحضر مسك من الخزائن.
خالد بن مرداس: حدثنا الحكم بن عمر قال: كان لعمر ثلاث مئة حرسي وثلاث مئة شرطي، فشهدته يقول لحرسه: إن لي عنكم بالقدر حاجزا وبالاجل حارسا، من أقام منكم، فله عشرة دنانير، ومن شاء، فليلحق بأهله.
عمرو بن عثمان الحمصي: حدثنا خالد بن يزيد، عن جعونة قال: دخل
رجل على عمر بن عبد العزيز فقال: يا أمير المؤمنين ! إن من قبلك كانت الخلافة لهم زينا، وأنت زين الخلافة، فأعرض عنه.
وعن عبد العزيز بن عمر: قال لي رجاء بن حيوة: ما أكمل مروءة أبيك ! سمرت عنده، فعشي السراج، وإلى جانبه وصيف نام، قلت: ألا أنبهه ؟ قال: لا، دعه، قلت: أنا أقوم: قال: لا، ليس من مروءة الرجل استخدامه ضيفه، فقام إلى بطة (1) الزيت، وأصلح السراج، ثم رجع، وقال: قمت وأنا عمر بن عبد العزيز، ورجعت وأنا عمر بن عبد العزيز.
وكان رحمه الله فصيحا مفوها، فروى حماد بن سلمة، عن رجاء
__________
(1) البطة: الدبة بلغة أهل مكة، لانها تعمل على شكل البطة من الحيوان، وهي إناء كالقارورة.
[ * ]

(5/136)


الرملي، عن نعيم بن عبد الله كاتب عمر بن عبد العزيز أن عمر قال: إنه ليمنعني من كثير من الكلام مخافة المباهاة.
جرير بن حازم، عن مغيرة بن حكيم: قالت فاطمة امرأة عمر بن عبد العزيز: حدثنا مغيرة أنه يكون في الناس من هو أكثر صلاة وصياما من عمر بن عبد العزيز، وما رأيت أحدا أشد فرقا من ربه منه، كان إذا صلى العشاء، قعد في مسجده، ثم يرفع يديه، فلم يزل يبكي حتى تغلبه عينه، ثم ينتبه، فلا يزال يدعو رافعا يديه يبكي حتى تغلبه عينه، يفعل ذلك ليله أجمع.
ابن المبارك، عن هشام بن الغاز، عن مكحول: لو حلفت لصدقت، ما رأيت أزهد ولا أخوف لله من عمر بن عبد العزيز.
قال النفيلي (1): حدثنا النضر بن عربي قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز، فكان ينتفض أبدا، كأن عليه حزن الخلق.
الفسوي: حدثنا إبراهيم بن هشام الغساني (2)، حدثنا أبي عن جدي، عن ميمون بن مهران قال لي عمر بن عبد العزيز: حدثني، فحدثته، فبكى بكاء شديدا، فقلت: لو علمت لحدثتك ألين منه، فقال: إنا نأكل العدس، وهي ما علمت مرقة للقلب، مغزرة للدمعة، مذلة للجسد.
حكام بن سلم، عن أبي حاتم قال: لما مرض عمر بن عبد العزيز جئ بطبيب فقال: به داء ليس له دواء، غلب الخوف على قلبه.
__________
(1) هو أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل الحراني ثقة حافظ، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن، وقد تحرف في المطبوع من تاريخ المؤلف 4 / 174 إلى " الرملي ".
(2) هو إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني كذبه أبو حاتم وأبو زرعة، وذكره ابن حبان في " الثقات " وتعقبه المؤلف في " ميزانه " في ترجمة يحيى بن سعيد القرشي، فقال: والصواب: إبراهيم بن هشام أحد المتروكين الذين مشاهم ابن حبان، فلم يصب.
قلت: وهو صاحب حديث أبي ذر الطويل الذي أخرجه ابن حبان في " صحيحه " رقم (94) انفرد به عن أبيه عن جده.
[ * ]

(5/137)


وعن عطاء قال: كان عمر بن عبد العزيز يجمع كل ليلة الفقهاء فيتذاكرون الموت والقيامة والآخرة ويبكون.
وقيل: كتب عمر بن عبد العزيز إلى رجل: إنك أن استشعرت ذكر الموت في ليلك ونهارك بغض إليك كل فان، وحبب إليك كل باق والسلام.
ومن شعره: من كان حين تصيب الشمس جبهته * أو الغبار يخاف الشين والشعثا ويألف الظل كي تبقى بشاشته * فسوف يسكن يوما راغما جدثا في قعر مظلمة غبراء موحشة * يطيل في قعرها تحت الثرى اللبثا تجهزي بجهاز تبلغين به * يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثا
قال سعيد بن أبي عروبة: كان عمر بن عبد العزيز إذا ذكر الموت اضطربت أوصاله.
ومما روي له: ولا خير في عيش امرئ لم يكن له * من الله في دار القرار نصيب فإن تعجب الدنيا أناسا فإنها * متاع قليل، والزوال قريب ومما روي له: أيقظان أنت اليوم ؟ أم أنت نائم ؟ * وكيف يطيق النوم حيران هائم فلو كنت يقظان الغداة لخرقت * مدامع عينيك الدموع السواجم تسر بما يبلى وتفرح بالمنى * كما اغتر باللذات في اليوم حالم نهارك يا مغرور سهو وغفلة * وليلك نوم والردى لك لازم وسعيك فيما سوف تكره غبه * كذلك في الدنيا تعيش البهائم وعن وهيب بن الورد قال: كان عمر بن عبد العزيز يتمثل كثيرا بهذه:

(5/138)


يرى مستكينا وهو للهو ماقت * به عن حديث القوم ما هو شاغله وأزعجه علم عن الجهل كله * وما عالم شيئا كمن هو جاهله عبوس عن الجهال حين يراهم * فليس له منهم خدين يهازله تذكر ما يبقى من العيش آجلا * فأشغله عن عاجل العيش آجله عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، سمع عمير بن هانئ يقول: دخلت على عمر بن عبد العزيز فقال لي: كيف تقول في رجل رأى سلسلة دليت من السماء، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتعلق بها، فصعد، ثم جاء أبو بكر فتعلق بها فصعد، ثم جاء عمر، فتعلق بها فصعد، ثم جاء عثمان فتعلق بها، فانقطعت، فلم يزل حتى وصل ثم صعد، ثم جاء الذي رأى هذه الرؤيا فتعلق
بها فصعد، فكان خامسهم.
قال عمير: فقلت في نفسي هو هو، ولكنه كنى عن نفسه، قلت: يحتمل أن يكون الرجل عليا، وما أمكن الرأي يفصح به لظهور النصب (1) إذ ذاك.
قال معاوية بن يحيى: حدثنا أرطاة قال: قيل لعمر بن عبد العزيز: لو جعلت على طعامك أمينا لا تغتال، وحرسيا إذا صليت، وتنح عن الطاعون.
قال: اللهم إن كنت تعلم أني أخاف يوما دون يوم القيامة فلا تؤمن خوفي.
قال علي بن أبي حملة، عن الوليد بن هشام قال: لقيني يهودي فقال: إن عمر بن عبد العزيز سيلي، ثم لقيني آخر ولاية عمر فقال: إن صاحبك قد سقي، فمره فليتدارك نفسه، فأعلمت عمر، فقال: قاتله الله ما أعلمه، لقد علمت الساعة التي سقيت فيها، ولو كان شفائي أن أمسح شحمة أذني ما فعلت.
وقد رواها أبو عمير بن النحاس، عن ضمرة، عنه، فقال: عن
__________
(1) أي بغض أمير المؤمنين علي رضي الله عنه مع أنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال له: " إنه لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق " أخرجه مسلم في " صحيحه " (78) في الايمان: باب الدليل على أن حب الانصار وعليا رضي الله عنه من الايمان، والنسائي 8 / 114، وابن ماجه (114).
[ * ]

(5/139)


عمرو بن مهاجر بدل الوليد (1).
مروان بن معاوية، عن معروف بن مشكان، عن مجاهد: قال لي عمر بن عبد العزيز: ما يقول في الناس ؟ قلت: يقولون: مسحور، قال: ما أنا بمسحور، ثم دعا غلاما له فقال: ويحك ! ما حملك على أن سقيتني السم ؟ قال: ألف دينار أعطيتها، وعلى أن أعتق، قال هاتها، فجاء بها، فألقاها في بيت المال، وقال: اذهب حيث لا يراك أحد (2).
إسماعيل بن عياش، عن عمرو بن مهاجر قال: اشتهى عمر بن عبد
العزيز تفاحا، فأهدى له رجل من أهل بيته تفاحا، فقال: ما أطيب ريحه وأحسنه ! وقال: ارفعه يا غلام للذي أتى به، وأقر مولاك السلام، وقل له: إن هديتك وقعت عندنا بحيث تحب، فقلت: يا أمير المؤمنين ! ابن عمك، ورجل من أهل بيتك، وقد بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل الهدية، قال: ويحك ! إن الهدية كانت له هدية وهي اليوم لنا رشوة.
قال ابن عيينة: قلت لعبد العزيز بن عمر: ما آخر ما تكلم به أبوك ؟ فقال: كان له من الولد أنا وعبد الله، وعاصم وإبراهيم، وكنا أغيلمة، فجئنا كالمسلمين عليه والمودعين له، فقيل له: تركت ولدك ليس لهم مال، ولم تؤوهم إلى أحد، فقال: ما كنت لاعطيهم ما ليس لهم، وما كنت لاخذ منهم حقا هو لهم، وإن وليي الله فيهم الذي يتولى الصالحين، إنما هو أحد
__________
(1) وهذا سند رجاله ثقات، رواه يعقوب بن سفيان في " تاريخه " 1 / 605 عن أبي عمير (وقد تصحف في المطبوع إلى أبي عمر) واسمه عيسى بن محمد، عن ضمرة، عن عمر بن أبي حملة، عن عمرو بن مهاجر.
(2) رجال إسناد الخبر ثقات، وقد قال المؤلف في " تاريخه " 4 / 175 بعد أن أورد الخبر: قلت: كانت بنو أمية قد تبرمت بعمر، لكونه شدد عليهم، وانتزع كثيرا مما في أيديهم مما قد غصبوه، وكان قد أهمل التحرز، فسقوه السم.
[ * ]

(5/140)


رجلين: صالح أو فاسق.
وقيل: إن الذي كلمه فيهم خالهم مسلمة.
وروى حماد بن زيد، عن أيوب قال: قيل لعمر بن عبد العزيز: يأ أمير المؤمنين ! لو أتيت المدينة، فإن قضى الله موتا، دفنت في موضع القبر الرابع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: والله لان يعذبني الله بغير النار أحب إلي من أن يعلم من قلبي أني أراني لذلك أهلا (1).
وروى ابن شوذب، عن مطر مثله.
وعن ليث بن أبي رقية أن عمر بن عبد العزيز قال: أجلسوني، فأجلسوه، فقال: أنا الذي أمرتني فقصرت، ونهيتني فعصيت، ثلاثا، ولكن لا إله إلا الله، ثم أحد النظر، وقال: إني لارى خضرة ما هم بإنس ولا جن، ثم قبض.
وروى نحوها أبو يعقوب الخطابي، عن السري بن عبيدالله.
وقال المغيرة بن حكيم: قلت لفاطمة بنت عبدالملك: كنت أسمع عمر بن عبد العزيز في مرضه يقول: اللهم أخف عليهم أمري ولو ساعة، قالت: قلت له: ألا أخرج عنك، فإنك لم تنم، فخرجت، فجعلت أسمعه يقول: * (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) * [ القصص: 83 ] مرارا، ثم أطرق، فلبثت طويلا لا يسمع له حس، فقلت لوصيف: ويحك ! انظر، فلما دخل، صاح، فدخلت فوجدته ميتا، قد أقبل بوجهه على القبلة، ووضع إحدى يديه على فيه، والاخرى على عينيه.
سمعها (2) جرير بن حازم منه.
__________
(1) أخرجه يعقوب بن سفيان في " تاريخه " 1 / 608 من طريق أبي النعمان، وابن سعد في " الطبقات " 5 / 404 من طريق عارم بن الفضل، كلاهما عن حماد بن زيد، عن أيوب، ورجاله ثقات.
(2) في الاصل: " سمعنا " وهو تحريف، فقد جاء في تاريخ المصنف 4 / 175: جرير بن حازم حدثني المغيرة بن حكيم..وأورده أبو نعيم في " الحلية " 5 / 335 من طريق ابن إسحاق، عن أبي [ * ]

(5/141)


عن عبيد بن حسان قال: لما احتضر عمر بن عبد العزيز قال: اخرجوا عني، فقعد مسلمة وفاطمة على الباب، فسمعوه يقول: مرحبا بهذه الوجوه ليست بوجوه إنس ولا جان، ثم تلا * (تلك الدار الآخرة نجعلها) * الآية.
ثم هدأ الصوت، فقال مسلمة [ لفاطمة ]: قد قبض صاحبك فدخلوا فوجدوه قد
قبض.
هشام بن حسان، عن خالد الربعي قال: إنا نجد في التوراة أن السماوات والارض تبكي على عمر بن عبد العزيز أربعين صباحا.
وقال هشام لما جاء نعيه إلى الحسن، قال: مات خير الناس.
قال أبو إسحاق الجوزجاني، حدثنا محمد بن سعيد القرشي، حدثنا محمد بن مروان العقيلي، حدثنا يزيد أن الوفد الذين بعثهم عمر بن عبد العزيز إلى قيصر يدعوه إلى الاسلام، قال: فلما بلغه قدومنا، تهيأ لنا، وأقام البطارقة على رأسه والنسطورية واليعقوبية (1) إلى أن قال: فأتاني رسوله: أن أجب فركبت ومضيت، فإذا أولئك قد تفرقوا عنه، وإذا البطارقة قد ذهبوا، ووضع التاج، ونزل عن السرير، فقال: أتدرى لم بعثت إليك، قلت: لا، قال: إن صاحب مسلحتي كتب إلي أن الرجل الصالح عمر بن عبد العزيز مات، قال: فبكيت، واشتد بكائي، وارتفع صوتي، فقال لي: ما يبكيك ؟ ألنفسك تبكي أم له أم لاهل دينك ؟ قلت: لكل أبكي، قال: فابك لنفسك، ولاهل دينك،
__________
= كريب عن ابن المبارك، عن جرير بن حازم (وقد تصحف فيها إلى جابر بن حازم) عن المغيرة بن حكيم، قال: حدثتني فاطمة.
وهذا سند قوي وهو في " أخبار عمر " ص 83 للآجري.
(1) النسطورية: أصحاب نسطور الحكيم الذي ظهر في زمان المأمون، وتصرف في الاناجيل بحكم رأيه، واليعقوبية: هم أصحاب يعقوب قالوا بالاقانيم الثلاثة إلا أنهم قالوا: انقلبت الكلمة لحما ودما فصار الاله هو المسيح، وهو الظاهر بجسده، بل هو هو " الملل والنحل " 1 / 224، 228 للشهرستاني.
[ * ]

(5/142)


فأما عمر، فلا تبك له، فإن الله لم يكن ليجمع عليه خوف الدنيا وخوف الآخرة، ثم قال: ما عجبت لهذا الراهب الذي تعبد في صومعته وترك الدنيا،
ولكن عجبت لمن أتته الدنيا منقادة، حتى صارت في يده ثم خلى عنها.
ابن وهب، عن مالك أن صالح بن علي الامير سأل عن قبر عمر بن عبد العزيز فلم يجد من يخبره، حتى دل على راهب، فسأله، فقال: قبر الصديق تريدون ؟ هو في تلك المزرعه.
ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا محمد بن مسلم بن جماز، عن عبدالرحمن بن محمد قال: أوصى عمر بن عبد العزيز عند الموت، فدعا بشعر من شعر النبي صلى الله عليه وسلم، وأظفار من أظفاره فقال: اجعلوه في كفني (1).
وعن رجاء بن حيوة قال [ لي ] عمر بن عبد العزيز: كن فيمن يغسلني، وتدخل قبري، فإذا وضعتموني في لحدي، فحل العقد، ثم انظر إلى وجهي، فإني قد دفنت ثلاثة من الخلفاء، كلهم إذا أنا وضعته [ في لحده ] حللت العقد، ثم نظرت إليه فإذا وجهه مسود إلى غير القبلة، قال رجاء: فدخلت القبر، وحللت العقد، فإذا وجهه كالقراطيس في القبلة.
إسنادها مظلم، وهي في طبقات ابن سعد (2).
وروى ابن سعد وإسحاق بن سيار، عن عباد بن عمر الواشحي المؤذن، حدثنا مخلد بن يزيد وكان فاضلا خيرا عن يوسف بن ماهك قال: بينا نحن نسوي التراب على قبر عمر بن عبد العزيز إذ سقط علينا كتاب رق من السماء، فيه: بسم الله الرحمن الرحيم: أمان من الله لعمر بن عبد العزيز من النار.
__________
(1) الخبر في " طبقات ابن سعد " 5 / 406 رواه عن شيخه محمد بن عمر الواقدي، وهو على سعة علمه متروك كما في " التقريب ".
(2) 5 / 407.
[ * ]

(5/143)


قلت: مثل هذه الآية لو تمت لنقلها أهل ذاك الجمع، ولما انفرد بنقلها
مجهول، مع أن قلبي منشرح للشهادة لعمر: أنه من أهل الجنة.
قال ابن المبارك: أخبرني ابن لهيعة قال: وجدوا في بعض الكتب: تقتله خشية الله.
يعني عمر بن عبد العزيز.
محمد بن مسلم الطائفي، عن إبراهيم بن ميسرة أن عمر بن عبد العزيز اشترى موضع قبره قبل أن يموت بعشرة دنانير.
ولكثير عزة يرثيه: عمت صنائعه فعم هلاكه * فالناس فيه كلهم مأجور والناس مأتمهم عليه واحد * في كل دار رنة وزفير يثني عليك لسان من لم توله * خيرا لانك بالثناء جدير ردت صنائعه عليه حياته * فكأنه من نشرها منشور روى خليفة بن خياط وغيره أن عمر بن عبد العزيز مات يوم الجمعة لخمس بقين من رجب سنة إحدى ومئة بدير سمعان (1) من أرض حمص.
قال.
وإنما هو من أرض المعرة، ولكن المعرة كانت من أعمال حمص هي وحماة.
وعاش تسعا وثلاثين سنة ونصفا.
وقال جعفر الصادق، عن سفيان بن عاصم: إنه مات لخمس مضين من رجب يوم الخميس، ودفن بدير سمعان، وصلى عليه مسلمة بن عبدالملك.
قال: وكان أسمر دقيق الوجه، حسنه، نحيف الجسم، حسن اللحية، بجبهته شجة.
__________
(1) وقال الشريف الرضي في عمر بن عبد العزيز: يا ابن عبد العزيز لو بكت العي * ن فتى من أمية لبكيتك أنت أنقذتنا من السب والشت * م فلو أمكن الجزا لجزيتك دير سمعان لاعدتك العوادي * خير ميت من آل مروان ميتك [ * ]

(5/144)


وقال أبو عمر الضرير: مات بدير سمعان من أرض حمص يوم الجمعة لعشر بقين من رجب، وله تسع وثلاثون سنة ونصف.
وقال طائفة: في رجب، لم يذكروا اليوم، وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر وأياما.
قال سليمان بن عمير الرقي، حدثنا أبو أمية الخصي غلام عمر بن عبد العزيز قال: بعثني عمر بدينارين إلى أهل الدير فقال: إن بعتموني موضع قبري، وإلا تحولت عنكم.
قال هشام بن الغاز: نزلنا منزلا مرجعنا من دابق، فلما ارتحلنا مضى مكحول، ولم نعلم أين يذهب، فسرنا كثيرا حتى جاء، فقلنا: أين ذهبت ؟ قال: أتيت قبر عمر بن عبد العزيز، وهو على خمسة أميال من المنزل، فدعوت له، ثم قال: لو حلفت ما استثنيت ما كان في زمانه أحد أخوف لله، ولا أزهد في الدنيا منه.
قال الحكم بن عمر الرعيني: رأيت عمر بن عبد العزيز يصلي في نعلين وسراويل، وكان لا يحفي شاربه، ورأيته يبدأ بالخطبة قبل العيدين، ثم ينزل فيصلي، وشهدت عمر بن عبد العزيز كتب إلى أصحاب الطرز لا تجعلوا سدى الخز (1) الا [ من ] قطن، ولا تجعلوا فيه إبريسم، وصليت معه فكان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في كل سورة يقرؤها (2)، وصليت خلفه الفجر، فقنت
__________
(1) قال ابن الاثير: الخز: ثياب تنسج من صوف وإبريسم وهي مباحة قد لبسها الصحابة والتابعون، والسدى بوزن الحصى: خلاف اللحمة، وهو ما مد طولا في النسج.
(2) جاء في " نصب الراية 1 / 354 نقلا عن الحافظ ابن عبد الهادي: وما روي عن عمر بن عبد العزيز من الجهر بها، فباطل لا أصل له.
قلت: وأخرج البخاري 2 / 188 في صفة الصلاة من حديث
أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهم كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين، وأخرجه الترمذي (246) وعنده " القراءة " بدل الصلاه وزاد: عثمان، وأخرجه مسلم = [ * ]

(5/145)


قبل الركوع، ورأيته يأتي العيدين ماشيا، ويرجع ماشيا، ورأيت خاتمه من فضة، وفصه من فضة مربع.
فهذه الفوائد من نسخة خالد بن مرداس، سمعها من الحكم.
أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن المؤيد الطوسي، أخبرنا محمد بن المفضل، أخبرنا عبد الغافر الفارسي، أخبرنا محمد بن عمرويه، أخبرنا إبراهيم بن محمد، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثني عمرو الناقد، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا عبد العزيز بن أبي سلمة، عن سهيل بن أبي صالح قال: كنا بعرفة، فمر عمر بن عبد العزيز، وهو على الموسم، فقام الناس ينظرون إليه، فقلت لابي: يا أبة ! إني أرى الله يحب عمر بن عبد العزيز، قال: وما ذاك ؟ قلت: لماله من الحب في قلوب الناس.
قال: سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر مثل حديث جرير عن سهيل، وهو: " إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الارض " (1).
سعيد بن منصور: حدثنا يعقوب بن عبدالرحمن، عن أبيه أن حيان بن
__________
= (399) بلفظ: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم.
ورواه أحمد 3 / 264 والطحاوي 1 / 119، والدارقطني: 119، وقالوا فيه: فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم، ورواه ابن حبان في " صحيحه " وزاد: ويجهرون بالحمد لله رب العالمين، وفي لفظ للنسائي 2 / 135، وابن حبان: فلم أسمع أحدا منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم،
وفي لفظ لابي يعلى الموصلي في " مسنده ": " فكانوا يستفتحون القراءة فيما يجهر به بالحمد لله رب العالمين " وفي لفظ للطبراني في " معجمه " وأبي نعيم في " الحلية " وابن خزيمة (498) والطحاوي 1 / 119: وكانوا يسرون ببسم الله الرحمن الرحيم.
قال الزيلعي: ورجال هذه الروايات كلهم ثقات مخرج لهم في الصحيح جمع.
(1) أخرجه مسلم (2637) (158) في البر والصلة: باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده.
[ * ]

(5/146)


شريح عامل مصر كتب إلى عمر بن عبد العزيز: ان أهل الذمة قد أشرعوا في الاسلام، وكسروا الجزية، فكتب إليه: إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم داعيا ولم يبعثه جابيا، فإذا أتاك كتابي فإن كان أهل الذمة أشرعوا في الاسلام، وكسروا الجزية، فاطو كتابك وأقبل (1).
ابن وهب: حدثني مالك أن عمر بن عبد العزيز ذكر بعض ما مضى من العدل والجور، فقال هشام بن عبدالملك: إنا والله لا نعيب أبانا، ولا نضع شرفنا، فقال عمر: أي عيب أعيب ممن عابه القرآن.
قال ابن عيينة: قال رجل لعمر بن عبد العزيز: جزاك الله عن الاسلام خيرا، قال: بل جزى الله الاسلام عني خيرا.
ابن سعد: أخبرنا علي بن محمد، عن لوط بن يحيى قال: كان الولاة من بني أمية قبل عمر بن عبد العزيز يشتمون رجلا رضي الله عنه، فلما ولي هو أمسك عن ذلك، فقال كثير عزة الخزاعي: وليت فلم تشتم عليا ولم تخف * بريا، ولم تتبع مقالة مجرم تكلمت بالحق المبين وإنما * تبين آيات الهدى بالتكلم فصدقت معروف الذي قلت بالذي * فعلت فأضحى راضيا كل مسلم لجرير:
لو كنت أملك، والاقدار غالبة * تأتي رواحا وتبيانا وتبتكر رددت عن عمر الخيرات مصرعه * بدير سمعان لكن يغلب القدر (2) ولعمر بن عبد العزيز من الولد ابنه عبدالملك الذي توفي قبله، وعبد
__________
(1) رجاله ثقات.
(2) لم أجدهما في المطبوع من ديوانه، وقد أوردهما الحافظ ابن كثير مع أربعة أبيات أخرى في " البداية " ونسبها لمحارب بن دثار الكوفي الفقيه الثقة المتوفى سنة ست عشرة ومئة.
[ * ]

(5/147)


الله الذي ولي العراق، وعبد العزيز الذي ولي الحرمين، وعاصم، وحفص، وإسماعيل، وعبيدالله، وإسحاق، ويعقوب، ويزيد، وإصبغ، والوليد، وزبان، وآدم، وإبراهيم، فأم إبراهيم كلبية، وسائرهم لعلات (1).
ومات معه في سنة إحدى ومئة عمه الامير:
49 - محمد بن مروان * ابن الحكم الاموي أمير الجزيرة حدث عن أبيه، روى عنه ابنه مروان الحمار، والزهري.
وكان مفرط القوى، شديد البأس، موصوفا بالشجاعة.
كان أخوه عبدالملك يغبطه على ذلك ويحسده، وربما قابله بما يكره، فغضب، وتجهز للرحيل إلى أرمينية، وأتى يودع أخاه الخليفة فقال: أقسمت عليك إلا ما أقمت، فلن ترى بعدها ما تكره.
وله حروب ومصافات (2) مشهودة مع نصارى الروم.
وأمه أم ولد.

50 - عبد العزيز * * ابن الخليفة الوليد بن عبدالملك أبو الأصبغ الاموي، وهو ابن أخت عمر بن عبد العزيز.
ولي نيابة دمشق، وعزم أبوه على خلع أخيه سليمان من ولاية العهد ليولي ابنه هذا، وأراد على ذلك آله، فامتنع عمر بن عبد العزيز،
وقال: لسليمان في أعناقنا بيعة، فغضب الوليد، وطين على عمر، ثم فتح
__________
(1) أولاد العلات: الذين أمهاتهم مختلفة وأبوهم واحد، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري 6 / 353، 354، ومسلم (2365) من حديث أبي هريرة مرفوعا " الانبياء إخوة من علات، وأمهاتهم شتى، ودينهم واحد ".
* تاريخ خليفة: 325، ابن الاثير 5 / 70، تاريخ الاسلام 4 / 86، العبر 1 / 121، دول الاسلام 1 / 70، لسان الميزان 5 / 375، شذرات الذهب 1 / 121، فتوح البلدان للبلاذري 340.
(2) المصاف: بالفتح وتشديد الفاء: جمع مصنف وهو موضع الحرب الذي يكون فيه الصفوف * * تاريخ خليفة 305 و 306 و 311 و 312، الطبري 6 / 454، ابن الاثير 4 / 555 و 578 و 582 و 5 / 41 و 91 و 6 / 438، تاريخ الاسلام 4 / 146.
[ * ]

(5/148)


عليه بعد ثلاث.
وقد ذبل، ومالت عنقه، وقيل: خنق بمنديل حتى صاحت أم البنين أخت الوليد، فلذلك شكر سليمان لعمر، وأعطاه الخلافة من بعده.
وقد حج عبد العزيز بالناس، وغزا الروم، وكان لبيبا عاقلا، دعا إلى نفسه بالخلافة، فلما سمع باستخلاف خاله، سكن، ودخل في الطاعة.

51 - عبدالحميد * (ع) ابن عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب الامام الثقة الامير العادل أبو عمر العدوي الخطابي المدني الاعرج، وله أخوان: أسيد وعبد العزيز، ولي إمرة الكوفة لعمر بن عبد العزيز.
وروى عن ابن عباس، ومحمد بن سعد، ومسلم بن يسار، ومقسم.
حدث عنه ابناه عمر، وزيد، والزهري، وزيد بن أبي أنيسة، وطائفة آخرهم عبدالرحمن بن يزيد بن جابر.
وثقه ابن خراش وغيره.
روى المدائني عن يعقوب بن زيد أن عمر بن
عبد العزيز أجاز عامله على الكوفة عبدالحميد بعشرة آلاف.
قلت: اتفق موت عبدالحميد الخطابي بحران في سنة نيف عشرة ومئة.
وهو قليل الرواية، كبير القدر.

52 - عمر بن عبد الله * * ابن أبي ربيعة المخزومي، شاعر قريش، واسم جده عمر بن المغيرة بن
__________
* التاريخ الكبير 6 / 45، التاريخ الصغير 1 / 212، الجرح والتعديل 6 / 15، تهذيب الكمال: 769، تذهيب التهذيب 2 / 201 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 273، تهذيب التهذيب 6 / 119، خلاصة تذهيب الكمال: 222، العقد الفريد 4 / 436، 437، رغبة الآمل 4 / 437.
* * الشعر والشعراء: 348، 352، الجرح والتعديل 6 / 119، الامالي 1 / 227 و 2 / 14 و 307، = [ * ]

(5/149)


عبد الله بن عمر بن مخزوم، وفد على عبدالملك فامتدحه، فأجازه بمال جزيل، لشرفه، وحسن نظمه.
وله رواية عن سعيد بن المسيب، روى عنه مصعب بن شيبة، وعطاف ابن خالد (1)، قيل: إنه غزا البحر، فاحترقت سفينتهم واحترق، ونظمه فائق سائر فمنه: ولهن بالبيت العتيق لبانة * والبيت يعرفهن لو يتكلم لو كان حيى مثلهن ظعائنا * حيى الحطيم وجوههن وزمزم

53 - يزيد بن عبد الملك * * الخليفة أبو خالد القرشي الاموي الدمشقي، استخلف بعهد عقده له أخوه سليمان بعد عمر بن عبد العزيز.
وأمه هي عاتكة بنت يزيد بن معاوية.
ولد سنة إحدى وسبعين، وكان أبيض جسيما جميلا مدور الوجه، لم يتكهل.
قال ابن جابر: أقبل يزيد بن عبدالملك إلى مجلس مكحول، فهممنا
أن نوسع له، فقال: دعوه يتعلم التواضع.
ابن وهب: حدثنا عبدالرحمن بن يزيد قال: لما توفي عمر بن عبد
__________
= الاغاني 1 / 60، 248، الموشح: 201، زهر الآداب: 246، الكامل: 60 و 137 و 171 و 252 و 965 و 986 و 1004، وفيات الاعيان 3 / 436، تاريخ الاسلام 4 / 161، سرح العيون: 198، البداية 9 / 92، العقد الثمين 6 / 311، 329، شرح شواهد المغني 1 / 29، شذرات الذهب 1 / 101، خزانة الادب 1 / 240.
(1) قال المؤلف في " تاريخه " 4 / 161: وأخشى أن تكون رواية عطاف عنه منقطعة، فما أراه بقي إلى حدود العشرين ومائة، فإنه من طبقة جرير والفرزدق، وعبد الله بن قيس الرقيات.
* تاريخ خليفة 9 / 278، تاريخ اليعقوبي 3 / 52، الطبري 7 / 21، ابن الاثير 5 / 120، تاريخ الاسلام 4 / 212، العبر 1 / 128، فوات الوفيات 4 / 322، البداية 9 / 231، شذرات الذهب 1 / 128.
[ * ]

(5/150)


العزيز قال يزيد: سيروا بسيرة عمر بن عبد العزيز، فأتى بأربعين شيخا شهدوا أن الخلفاء ما عليهم حساب ولا عذاب (1).
وقال ابن الماجشون وآخر: إن يزيد قال: والله ما عمر بن عبد العزيز بأحوج إلى الله مني، فأقام أربعين يوما يسير بسيرته، فتلطفت حبابة وغنته أبياتا، فقال للخادم: ويحك ! قل لصاحب الشرط يصلي بالناس.
وهي التي أحب يوما الخلوة معها، فحذفها بعنبة، وهي تضحك، فوقعت في فيها فشرقت، فماتت، وبقيت عنده حتى أروحت، واغتم لها، ثم زار قبرها وقال: فإن تسل عنك النفس أو تدع الصبى * فباليأس تسلو عنك لا بالتجلد وكل خليل زارني فهو قائل: * من اجلك هذا هامة اليوم أو غد ثم رجع، فما خرج إلا على النعش، وقيل: عاش بعدها خمسة عشر يوما.
وكانت بديعة الحسن، مجيدة للغناء، لامه أخوه مسلمة من شغفه بها، وتركه مصالح المسلمين، فما أفاد.
__________
(1) إن صح هذا الخبر، ولا إخاله يصح، فإن هؤلاء الشيوخ قد شهدوا زورا وبهتانا، ونقضوا الاحاديث الصحيحة المصرحة أن كل إنسان خليفة أو أميرا أو من عامة الناس سيسأل يوم القيامة عن كل تصرفاته وأعماله، ويحاسب من قبل ربه، ويجازى بما يستحق من نعيم أو عذاب، ففي البخاري 2 / 317 و 13 / 100، ومسلم (1829) من حديث ابن عمر مرفوعا " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الامام راع ومسؤول عن رعيته..".
وأخررج البخاري 13 / 112، ومسلم (1460) من حديث معقل بن يسار سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة " وأخرج أبو داود (2948) والترمذي (1332) عن أبي مريم الازدي رضي الله عنه أنه قال لمعاوية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم، احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة " وإسناده صحيح، وصححه الحاكم 4 / 93، 94، وله شاهد من حديث معاذ بن جبل عند أحمد 5 / 238، 239.
وأخرج الترمذي (2419) والخطيب البغدادي في " اقتضاء العلم العمل " رقم (1) بسند صحيح عن أبي برزة الاسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم عمل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيم أبلاه " وله شاهد من حديث معاذ عند الخطيب والبزار والطبراني.
[ * ]

(5/151)


وكان لا يصلح للامامة، مصروف الهمة إلى اللهو والغواني.
قيل: مشى مع جارية في قصوره بعد موت حبابة، فقالت جاريته: كفى حزنا بالواله الصب أن يرى * منازل من يهوى معطلة قفرا فصاح، وخر مغشيا عليه، ومات بعد أيام.
قيل: مات بسواد الاردن، ومرض بنوع من السل.
وقال أبو مسهر: مات بإربد، وقالوا: مات لخمس بقين من
شعبان سنة خمس ومئة.
فكانت دولته أربعة أعوام وشهرا.
وعهد بالخلافة إلى أخيه هشام، ثم من بعده لولده الوليد بن يزيد ذاك الفويسق، وخلف أحد عشر ابنا.

54 - كثير عزة * من فحول الشعراء، وهو أبو صخر كثير بن عبدالرحمن بن الاسود الخزاعي المدني، امتدح عبدالملك والكبار.
وقال الزبير بن بكار: كان شيعيا، يقول بتناسخ الارواح، وكان خشبيا (1)، يؤمن بالرجعة، وكان قد تتيم بعزة، وشبب بها، وبعضهم يقدمه على الفرزدق والكبار، ومات هو وعكرمة في يوم سنة سبع ومئة.
__________
طبقات ابن سلام: 457، الشعر والشعراء: 410، الاغاني 8 / 25، المؤتلف والمختلف: 169، الموشح: 143، معجم الشعراء: 250، اللآلي: 61، شرح ديوان الحماسة 3 / 140، وفيات الاعيان 4 / 106، تاريخ الاسلام 4 / 186، عيون الاخبار 2 / 144، شرح شواهد المغني 1 / 131، معاهد التنصيص 2 / 36، تزيين الاسواق 1 / 43، شذرات الذهب 1 / 131، خزانة الادب 2 / 381.
(1) انظر في تعريف الخشبية " شرح القاموس 1 / 234 "، وقوله يؤمن بالرجعة، أي رجعة علي رضي الله عنه إلى الدنيا، كذا قال المؤلف، والمعروف أن كثيرا هو على مذهب الكيسانية الذين ادعو حياة محمد بن الحنفية ولم يصدقوا بموته، وأنه سيعود بعد الغيبة، وأبياته التالية شاهدة بذلك: ألا إن الائمة من قريش * ولاة الحق أربعة سواء علي والثلاثة من بنيه * هم الاسباط ليس بهم خفاء فسبط سبط إيمان وبر * وسبط غيبته كربلاء = [ * ]

(5/152)


الطبقة الثالثة من التابعين

55 - معاوية بن قرة * (ع) ابن إياس بن هلال بن رئاب، الامام العالم الثبت أبو إياس المزني البصري والد القاضي إياس.
حدث عن والده، وعن عبد الله بن مغفل، وعلي بن أبي طالب إن صح إسناده، وابن عمر، ومعقل بن يسار، وأبي أيوب الانصاري، وأبي هريرة، وابن عباس، وعائد بن عمرو المزني، والحسن بن علي، وأنس بن مالك، وغيرهم، وعن عبيد بن عمير الليثي، وكهمس صاحب عمر، وطائفة.
حدث عنه ابنه إياس، ومنصور بن زاذان، وقتادة، ومطر الوراق، وثابت البناني، وزيد العمي، وعروة بن عبد الله بن قشير، ومعلى بن زياد، وخالد بن ميسرة، وخالد بن أبي كريمة، وبسطام بن مسلم، وخالد الحذاء، وقرة بن خالد، وشعبة، والقاسم الحداني، ومالك بن مغول، وحماد بن يحيى الابح،
__________
= وسبط لا يذوق الموت حتى * يقود الخيل يقدمها اللواء تغيب لا يرى فيهم زمانا * برضوى عنده عسل وماء انظر " مقالات الاسلاميين " 1 / 92، 93 و " الفرق بين الفرق " ص 28، 29 للبغدادي، و " الملل والنحل " 2 / 150 للشهرستاني و " تاريخ الاسلام " 1 / 405 للدكتور حسن إبراهيم حسن.
ونقل المؤلف في " تاريخه " 4 / 188 عن الزبير بن بكار قول عمر بن عبد العزيز: إني لاعرف صلاح بني هاشم وفسادهم بحب كثير، فمن أحبه منهم، فهو فاسد، ومن أبغضه منهم، فهو صالح، لانه كان خشبيا يؤمن بالرجعة.
* طبقات ابن سعد 7 / 221، طبقات خليفة: 207، تاريخ خليفة: 257، تاريخ البخاري 7 / 330، الجرح والتعديل 8 / 278، 379، تهذيب الكمال: 1346، تذهيب التهذيب 4 / 52 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 304، تهذيب التهذيب 10 / 216، خلاصة تذهيب الكمال: 382.
[ * ]

(5/153)


وأبو عوانة، وحفيده المستنير بن أخضر بن معاوية، وخلق كثير حتى إن شهر بن حوشب روى عنه.
وثقه ابن معين، والعجلي، وأبو حاتم، وابن سعد، والنسائي.
روى مطر الاعنق (1) عن معاوية بن قرة قال: لقيت كثيرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم من مزينة خمسة وعشرون رجلا.
وروى أبو طلحة شداد بن سعيد الراسبي عن معاوية: أدركت ثلاثين من الصحابة، ليس فيهم إلا من طعن أو طعن، أو ضرب أو ضرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال تمام بن نجيح، عن معاوية بن قرة قال: أدركت سبعين من الصحابة، لو خرجوا فيكم اليوم، ما عرفوا شيئا مما أنتم فيه إلا الاذان.
حماد بن سلمة: حدثنا حجاج الاسود أن معاوية بن قرة قال: من يدلني عل رجل بكاء بالليل، بسام بالنهار.
وروى عون بن موسى، عن معاوية بن قرة قال: بكاء العمل أحب إلي من بكاء العين.
وروى علي بن المبارك، عن معاوية بن قرة قال: لا تجالس بعلمك السفهاء، ولا تجالس بسفهك العلماء.
أسد بن موسى، عن عون بن موسى سمعت معاوية بن قرة يقول: لان لا يكون في نفاق أحب إلي من الدنيا وما فيها، كان عمر يخشاه، وآمنه أنا ؟ ! قيل: مولد معاوية يوم الجمل.
__________
(1) هو مطر بن عبدالرحمن العبدي الاعنق أبو عبد الرحمن البصري من رجال " التهذيب ".
[ * ]

(5/154)


وقال خليفة بن خياط: مات سنة ثلاث عشرة ومئة، وقال يحيى ابن معين: مات هو ابن ست وسبعين سنة.

ابنه
56 - إياس بن معاوية * قاضي البصرة العلامة أبو واثلة.
يروي عن أبيه، وأنس، وابن المسيب، وسعيد بن جبير.
وعنه خالد الحذاء، وشعبة، وحماد بن سلمة، ومعاوية بن عبد الكريم الضائع (1) وغيرهم.
وكان يضرب به المثل في الذكاء والدهاء والسؤدد والعقل.
قلما روي عنه، وقد وثقه ابن معين، له شئ في مقدمة صحيح مسلم، واستوعب شيخنا المزي أخباره في " تهذيبه " وابن عساكر قبله.
توفي سنة إحدى وعشرين ومئة كهلا.

57 - مكحول * * (م، 4) عالم أهل الشام، يكنى أبا عبد الله، وقيل: أبو أيوب، وقيل: أبو مسلم الدمشقي، الفقيه، وداره بطرف سوق الاحد.
__________
طبقات خليفة 212، المعارف لابن قتيبة: 467، ثمار القلوب: 72، حليه الاولياء 3 / 123، الشريشي 1 / 113، وفيات الاعيان 1 / 247، 250، ميزان الاعتدال 1 / 283، البداية 9 / 334، شذرات الذهب 1 / 160، تهذيب ابن عساكر 3 / 178، 188.
(1) ويلقب أيضا بالضال، وليس بضال في الدين، بل هو ثقة من عقلاء أهل البصرة، وإنما قيل له ذلك، لانه ضل طريق مكة كما ذكره السمعاني والازدي.
* * طبقات ابن سعد 7 / 453، طبقات خليفة: 310، تاريخ خليفة: 345، التاريخ الكبير 8 / 21، التاريخ الصغير 2 / 272، الجرح والتعديل 8 / 407، حلية الاولياء 5 / 177، طبقات الشيرازي: 75، تهذيب الاسماء واللغات 2 / 113، 114، وفيات الاعيان 5 / 280، تهذيب
الكمال: 1368، تذهيب التهذيب 4 / 67، تاريخ الاسلام 5 / 3، تذكرة الحفاظ 1 / 107، العبر 1 / 140، البداية 9 / 305، تهذيب التهذيب 10 / 289، النجوم الزاهرة 1 / 272، طبقات الحفاظ: 42، حسن المحاضرة 1 / 119، خلاصة تذهيب الكمال: 386.
[ * ]

(5/155)


أرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث، وأرسل عن عدة من الصحابة لم يدركهم، كأبي بن كعب، وثوبان، وعبادة بن الصامت، وأبي هريرة، وأبي ثعلبة الخشني، وأبي جندل بن سهيل، وأبي هند الداري، وأم أيمن، وعائشة، وجماعة.
وروى أيضا عن طائفة من قدماء التابعين، ما أحسبه لقيهم، كأبي مسلم الخولاني، ومسروق، ومالك بن يخامر.
وحدث عن واثلة بن الاسقع، وأبي أمامة الباهلي، وأنس بن مالك، ومحمود بن الربيع، وشرحبيل بن السمط، وسعيد بن المسيب، وعبد الله بن محيريز، وجبير بن نفير، وأم الدرداء، وطاووس، وأبي سلمة بن عبدالرحمن، وكثير بن مرة، وأبي إدريس الخولاني، وأبي أسماء الرحبي، ووقاص بن ربيعة، وكريب، وغضيف بن الحارث، وعنبسة بن أبي سفيان، ويبعد أنه لقيه، وأبي سلام الاسود، وأبي الشمال بن ضباب، وأبي مرة الطائفي، وقبيصة بن ذؤيب، وقزعة بن يحيى، وعبد الرحمن بن غنم، وينزل إلى [ أن ] يروي عن عمرو بن شعيب ونحوه.
حدث عنه الزهري، وربيعة الرأي، وزيد بن واقد، وسليمان بن موسى، وأيوب بن موسى، وعامر الاحول، وقيس بن سعد، وابن عون، وابن عجلان، وإسماعيل بن أمية، وبحير بن سعيد، وثابت بن ثوبان، وبرد بن سنان، وتميم بن عطية، وثور بن يزيد، وصفوان بن عمرو، ومحمد بن الوليد الزبيدي، ويزيد بن يزيد بن جابر، ومحمد بن إسحاق، وحجاج بن أرطاة،
وعبد الله بن العلاء بن زبر، وسعيد بن عبد العزيز، وأبو معيد حفص بن غيلان، وأبو عمرو الاوزاعي، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وعبد الرحمن بن يزيد بن تميم، وعبد القدوس بن حبيب، وعكرمة بن عمار، وعلي بن أبي

(5/156)


حملة، ومحمد بن راشد المكحولي، ومحمد بن عبد الله الشعيثي، ومعاوية بن يحيى الصدفي، وهشام بن الغاز، وخلق سواهم، ذكرهم صاحب " التهذيب " شيخنا وذكر فيهم " الهيثم بن حميد، فوهم، وإنما روى عن أصحاب مكحول، وكان يفتي بقوله ويدريه.
واختلف في ولاء مكحول، فقيل: مولى امرأة هذلية، وهو أصح، وقيل: مولى امرأة أموية، وقيل: كان لسعيد بن العاص فوهبه للهذلية فأعتقته، وكان نوبيا، وقيل: من سبي كابل (1) وقيل: من الابناء (2) ولم يملك، وليس هذا بشئ، وقيل: أصله من هراة، وهو مكحول بن أبي مسلم شهراب بن شاذل بن سند بن شروان بن يزدك بن يغوث بن كسرى، وأن مكحولا سبي من كابل.
عداده في أوساط التابعين، من أقران الزهري.
قال أبو مسهر: لم يسمع من عنبسة.
وسئل أبو مسهر: هل سمع من الصحابة ؟ قال: سمع من أنس.
قال أبو حاتم: فقلت لابي مسهر: هل سمع من أبي هند الداري يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فكأنه لم يلتفت إلى ذلك، فقلت له: فواثلة بن الاسقع ؟ قال: من ؟ فقلت: حدثنا أبو صالح، حدثني معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن مكحول قال: دخلت أنا وأبو الازهر على واثلة.
فكأنه أومأ برأسه (3).
قال ابن وهب، عن معاوية، عن العلاء، عن مكحول قال: دخلت على
__________
(1) من ثغور خراسان، وهي اليوم عاصمة أفغانستان، وتقع في شمال شرقي البلاد على نهر كابل.
(2) الابناء: لفظ يطلق على كل من ولد باليمن من أبناء الفرس الذين وجههم كسرى مع سيف بن ذي يزن.
(3) الجرح والتعديل 8 / 408.
[ * ]

(5/157)


واثلة بن الاسقع.
وقال أبو عيسى الترمذي: سمع من واثلة وأنس وأبي هند، يقال: لم يسمع من أحد من الصحابة سوى هؤلاء الثلاثة.
يونس بن بكير، عن ابن إسحاق سمعت مكحولا يقول: طفت الارض كلها في طلب العلم.
قلت: هذا القول منه على سبيل المبالغة لا على حقيقته.
أبو وهب الكلاعي اسمه عبد الله بن عبيد، فيما رواه يحيى بن حمزة القاضي عنه، عن مكحول قال: عتقت بمصر، فلم أدع بها علما إلا احتويت عليه فيما أرى، ثم أتيت العراق، فلم أدع بها علما إلا احتويت عليه فيما أرى، ثم أتيت المدينة، فلم أدع بها علما إلا احتويت عليه، ثم اتيت الشام فغربلتها، كل ذلك أسأل عن النفل فلم أجد أحدا يخبرني عنه، حتى مررت بشيخ من بني تميم يقال له: زياد بن جارية جالسا على كرسي، فسألته فقال: حدثني حبيب بن مسلمة قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل في البداءة الربع، وفي الرجعة الثلث (1).
إبراهيم بن عبد الله بن العلاء، عن أبيه، عن الزهري قال: العلماء أربعة: سعيد بن المسيب بالمدينة، والشعبي بالكوفة، والحسن بالبصرة، ومكحول بالشام.
__________
(1) أخرجه أبو داود (2750) في الجهاد: باب فيمن قال: الخمس قبل النفل، وإسناده صحيح، وصححه ابن حبان (1672) وفي الباب عن عبادة بن الصامت أخرجه أحمد 5 / 319، 320، وابن ماجه (2852) والترمذي (1561) وحسنه.
قال الخطابي: البداءة: ابتداء السفر للغزو، وإذا نهضت سرية من جملة العسكر، فإذا أوقعت بطائفة من العدو، فما غنموا، كان لهم فيه الربع، ويشركهم سائر العسكر في ثلاثة أرباعه، فإنه قفلوا من الغزاة، ثم رجعوا، فأوقعوا بالعدو ثانية كان لهم مما غنموا الثلث، لان نهوضهم بعد القفل أشق، لكون العدو على حذر وحزم.
[ * ]

(5/158)


وقال سعيد بن عبد العزيز: كان سليمان بن موسى يقول: إذا جاءنا العلم من الحجاز عن الزهري، قبلناه، وإذا جاءنا من الشام عن مكحول قبلناه، وإذا جاءنا من الجزيرة عن ميمون بن مهران، قبلناه، وإذا جاءنا من العراق عن الحسن، قبلناه، هؤلاء الاربعة علماء الناس في خلافة هشام.
وروى مروان بن محمد، عن سعيد بن عبد العزيز قال: كان مكحول أفقه من الزهري، مكحول أفقه أهل الشام.
وقال عثمان بن عطاء: كان مكحول رجلا أعجميا لا يستطيع أن يقول: قل، يقول: كل، فكل ما قال بالشام قبل منه.
وروى أبو مسهر عن سعيد بن عبد العزيز قال: لم يكن في زمن مكحول أبصر بالفتيا منه.
وقال محمد بن عبد الله بن عمار: مكحول إمام أهل الشام.
وقال العجلي: تابعي ثقة.
وقال ابن خراش: صدوق يرى القدر.
وروى مروان بن محمد، عن الاوزاعي قال: لم يبلغنا أن أحدا من التابعين تكلم في القدر إلا هذين الرجلين: الحسن ومكحول، فكشفنا عن ذلك، فإذا هو باطل، قلت: يعني رجعا عن ذلك.
قال أبو حاتم: ما بالشام أحد أفقه من مكحول.
قال ابن يونس: ذكر أن مكحولا من أهل مصر، ويقال: كان لرجل من هذيل مصري فأعتقه، فسكن الشام.
ويقال: إنه من الفرس من السبي الذين سبوا من فارس، ويكنى أبا مسلم.
وكان فقيها عالما، ورأى أبا أمامة وأنسا، وسمع واثلة بن الاسقع.
وفاته مختلف فيها.
فقال أبو نعيم ودحيم وجماعة: سنة اثنتي عشرة ومئة.
وقال أبو مسهر: مات سنة ثلاث عشرة، وقال مرة: بعد سنة اثنتي عشرة

(5/159)


وقال مرة: أو سنة أربع عشرة.
وقال سليمان ابن بنت شرحبيل وأبو عبيد مات سنة ثلاث عشرة.
وقال محمد بن سعد: مات سنة ست عشرة ومئة.
وقال ابن يونس وآخر: سنة ثماني عشرة ومئة، وهذا بعيد.
أما
58 - مكحول الازدي البصري * أبو عبد الله، فروى عن ابن عمر، وأنس.
وعنه عمارة بن زاذان، والربيع ابن صبيح، وهارون بن موسى النحوي.
وثقه يحيى بن معين، وقال أبو حاتم: لا بأس به.
قلت: له في الادب للبخاري أنه قال: كنت إلى جنب ابن عمر، فعطس رجل من ناحية المسجد، فقال ابن عمر: يرحمك الله إن كنت حمدت الله (1).
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله سنة اثنتين وتسعين وست مئة، أنبأنا عبدالمعز بن محمد، أخبرنا تميم الجرجاني، أخبرنا أبو سعد الكنجروذي، أنبأنا أبو عمرو الحيري، أنبأنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا علي بن الجعد، حدثنا ابن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن جبير بن نفير، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " (2).
هذا
حديث عال صالح الاسناد، أخرجه الترمذي والقزويني من حديث عبد
__________
* تاريخ البخاري 8 / 22، الجرح والتعديل 8 / 407، تهذيب الكمال: 1369، تذهيب التهذيب 4 / 68 / 2، تهذيب التهذيب 10 / 293، خلاصة تهذيب الكمال: 387.
(1) أخرجه البخاري في " الادب المفرد " رقم (936) من طريق عارم، حدثنا عمارة بن زاذان، قال: حدثني مكحول الازدي قال:..وعمارة بن زاذان صدوق كثير الخطأ، وباقي رجاله ثقات.
وإلى هنا انتهى المؤلف من ترجمه مكحول الازدي العارضة ثم عاد إلى ترجمة مكحول الشامي.
(2) إسناده حسن، وأخرجه أحمد 2 / 132 و 153، والترمذي (3531) في الدعوات، وابن ماجه (4253) في الزهد، وصححه ابن حبان (2449) والحاكم 4 / 257، ووافقه المؤلف في مختصره.
وقوله: ما لم يغرغر.
أي: ما لم تبلغ روحه حلقومه، فتكون بمنزلة الشئ يتغرغر به.
[ * ]

(5/160)


الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن أبيه، وحسنه الترمذي، وعند القزويني عن عبد الله بن عمرو، فلم يصنع شيئا، صوابه: ابن عمر.
قال عباس: سمعت ابن معين يقول: مكحول رأى أبا هند الداري وواثلة، وسمع أيضا من واثلة، وفضالة بن عبيد، وأنسا، وخطأ من روى أنه دخل على أبي أمامة.
وقال يعقوب بن شيبة: روى مكحول عن سعد بن أبي وقاص وجماعة من الصحابة لم يسمع عنهم.
قال إسماعيل بن أمية: قال لي مكحول: عامة ما أحدثك فعن سعيد بن المسيب والشعبي.
وقال تميم بن عطية: سمعت مكحولا يقول: اختلفت إلى شريح ستة أشهر أسمع ما يقضي به.
قال سعيد بن عبد العزيز: قال مكحول: ما استودعت صدري شيئا سمعته إلا وجدته حين أريد.
ثم قال شعبة: كان مكحول أفقه أهل الشام.
قال سعيد: كان إذا سئل عن شئ لا يجيب حتى يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، هذا رأي، والرأي يخطئ ويصيب.
قال تميم بن عطية العبسي: كثيرا ما كان مكحول يسأل، فيقول: ندانم يعني: لا أدري.
قال سعيد بن عبد العزيز: لم يكن عندنا أحد أحسن سمتا في العبادة من مكحول وربيعة بن يزيد.
قلت: هذا هو ربيعة بن يزيد الدمشقي القصير أحد الائمة الثقات تابعي صغير.
يروي عن أنس وعدة.
قال الاوزاعي وغيره: عن مكحول: لان أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن ألي القضاء، ولان ألي القضاء أحب إلي من أن ألي بيت المال.

(5/161)


وروى الاوزاعي وسعيد عنه، قال: إن يكن في مخالطة الناس خير، فالعزلة أسلم.
أبو المليح الرقي، عن أبي هريرة الشامي قال: جلست إلى مكحول، فقال: بأي وجه تلقون ربكم، وقد زهدكم في أمر، فرغبتم فيه، ورغبكم في أمر، فزهدتم فيه ؟.
الوليد بن مسلم، عن سعيد: أن مكحولا أعطي مرة عشرة آلاف دينار، فكان يعطي الرجل من أصحابه خمسين دينارا ثمن الفرس.
الوليد بن مسلم، عن ابن جابر، قال: أقبل يزيد بن عبدالملك إلى مكحول في أصحابه فلما رأيناه، هممنا بالتوسعة له، فقال مكحول: دعوه يجلس حيث أدرك، يتعلم التواضع.
وقال سعيد بن عبد العزيز: كانوا يؤخرون الصلاة زمن الوليد، ويستحلفون الناس: انهم ما صلوا، فأتى عبد الله بن أبي زكريا، فاستحلف:
ما صلى فحلف، وأتى مكحول، فقال: فلم جئنا إذا ؟ قال: فترك.
قال أبو حازم المديني: كتب عمر بن عبد العزيز إلى الشام: أن انظروا الاحاديث التي رواها مكحول في الديات فأحرقوها، فأحرقت.
قال الاوزاعي: كان الزهري ومكحول، يقولان: أمروا هذه الاحاديث كما جاءت.
وقال ضمرة عن رجاء بن أبي سلمة، عن أبي عبيد مولى سليمان.
قال: ما سمعت رجاء بن حيوة يلعن أحدا إلا رجلين: يزيد بن المهلب ومكحولا، قلت: أظنه لاجل القدر.
ضمرة، عن علي بن حملة، قال: كنا على ساقية بأرض الروم [ والناس

(5/162)


يمرون، وذلك ] في الغلس، ورجل يقص، فدعا، فقال: اللهم ارزقنا رزقا طيبا، واستعملنا صالحا، فقال مكحول وهو في القوم: إن الله لا يرزق إلا طيبا.
ورجاء بن حيوة وعدي بن عدي ناحية، فقال أحدهما لصاحبه: أسمعت ؟ قال: نعم.
فقيل لمكحول: إن رجاء وعديا سمعاك.
فشق عليه، فقال له عبد الله بن زيد: أنا أكفيك رجاء، فلما نزلوا، جاء ابن زيد فأجرى ذكر مكحول، فقال رجاء: دعه عنك، أليس هو صاحب الكلمة ؟ فقال: ما تقول رحمك الله في رجل قتل يهوديا، فأخذ منه ألف دينار فكان يأكل منها، حتى مات: أرزق رزقه الله إياه ؟ فقال رجاء: كل من عند الله.
وقال ابن أبي حملة لمكحول: يجالسك غيلان فقال: إنما لنا مجلس، فلا أستطيع أن أقول لهذا: قم ولهذا اجلس.
وقال رجاء بن أبي سلمة، عن عاصم بن رجاء: قال: جاء مكحول إلى أبي، فقال: يا أبا المقدام: إنهم يريدون دمي، قال: قد حذرتك القرشيين
ومجالستهم، ولكنهم أدنوك وقربوك، فحدثتهم بأحاديث، فلما أفشوها عنك كرهتها.
فراح، فجاء الذين يعيبونه فذكروه، فقال أبي: دعوه، فقد كنتم حديثا وأنتم تحسنون ذكره.
قال رجاء: قال مكحول: ما زلت مستقلا بمن بغاني حتى أعانهم علي رجاء (1)، وذلك أنه رجل أهل الشام في أنفسهم.
قال عبد الرزاق: كان مكحول، يقوله: يعني القدر، وبلغنا أن مكحولا
__________
(1) مضى النص في ترجمة رجاء من هذا الكتاب بلفظ " ما زلت مضطلعا على من ناوأني حتى عاونهم علي رجاء بن حيوة " وعلق المصنف رحمه الله عليه بقوله: قلت: كان ما بينهما فاسدا، وما زال الاقران ينال بعضهم من بعض، ومكحول ورجاء إمامان، فلا يلتفت إلى قول أحد منهما في الآخر.
[ * ]

(5/163)


تنصل من القدر فرضي عنه الدولة، وكان سعيد بن عبد العزيز، يبرئه من القدر.

59 - قيس بن مسلم * (ع) الامام المحدث أبو عمرو الجدلي الكوفي.
روى عن طارق بن شهاب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، ومجاهد بن جبر.
حدث عنه أيوب بن عائذ، وأبو حنيفة، ومسعر، وشعبة، وأبو العميس، وسفيان الثوري وآخرون.
وثقه أحمد وغيره، قال أبو داوود: كان مرجئا.
أحمد بن حنبل، عن ابن عيينة، قال: كانوا يقولون: ما رفع قيس بن مسلم رأسه إلى السماء منذ كذا وكذا تعظيما لله.
قلت: توفي سنة عشرين ومئة.
ورفع الرأس إلى السماء يلزم المسلم ليعرف مواقيت الصلاة، والنجوم التي يهتدى بها.
والله أعلم.

60 - سعيد بن الحارث * * (ع) ابن أبي سعيد بن المعلى الانصاري الفقيه، قاضي المدينة حدث عن
__________
* طبقات ابن سعد 6 / 317، طبقات خليفة: 160، التاريخ الصغير 1 / 303، التاريخ الكبير 5 / 154، تاريخ الفسوي 1 / 422 و 563، الجرح والتعديل 7 / 103، تهذيب الكمال: 1139، تذهيب التهذيب 3 / 166 / 1، تاريخ الاسلام 4 / 297، تهذيب التهذيب 8 / 403، خلاصة تذهيب الكمال: 318.
* * التاريخ الكبير 3 / 463، الجرح والتعديل 4 / 12، تهذيب الكمال: 485، تذهيب التهذيب 2 / 16 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 78، تهذيب التهذيب 4 / 15، خلاصة تذهيب الكمال: 136.
[ * ]

(5/164)


أبي هريرة وابن عمر، وأبي سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله وغيرهم.
حدث عنه زيد بن أبي أنيسة، وعمارة بن غزية، وعمرو بن الحارث، ومحمد بن عمرو بن علقمة، وفليح بن سليمان وآخرون.
مجمع على الاحتجاج به، مات في حدود سنة عشرين ومئة، وقد شاخ.

61 - عمرو بن شعيب * (4) ابن محمد بن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل، الامام المحدث أبو إبراهيم وأبو عبد الله القرشي السهمي الحجازي فقيه أهل الطائف، ومحدثهم، وكان يتردد كثيرا إلى مكة، وينشر العلم، وله مال بالطائف، وأمه حبيبة بنت مرة الجمحية.
حدث عن أبيه فأكثر، وعن سعيد بن المسيب، وطاووس، وسليمان
ابن يسار، وعمرو بن الشريد بن سويد، وعروة بن الزبير، ومجاهد، وعطاء، وسعيد المقبري، وعاصم بن سفيان، والزهري.
وينزل إلى عبد الله بن أبي نجيح وطائفة، وقد حدث عن الربيع بنت معوذ، وزينب بنت أبي سلمة، ولهما صحبة، وعن عمته زينب السهمية وأرسل عن أم كرز الخزاعية.
حدث عنه الزهري، وقتادة، وعطاء بن أبي رباح شيخه، وعمرو بن
__________
* طبقات خليفة: 286، تاريخ خليفة: 349، التاريخ الكبير 6 / 342، الجرح والتعديل 6 / 238، المغني في الضعفاء 2 / 484، تهذيب الاسماء واللغات 2 / 28، 29، تهذيب الكمال: 1037، تذهيب التهذيب 3 / 101 / 1، تاريخ الاسلام 4 / 285، ميزان الاعتدال 3 / 263، العبر 1 / 148، العقد الثمين 6 / 396، تهذيب التهذيب 8 / 41، لسان الميزان 7 / 325، خلاصة تذهيب الكمال: 290، شذرات الذهب 1 / 155.
[ * ]

(5/165)


دينار، ومكحول، ومطر الوراق، ووهب بن منبه، وحسان بن عطية، وأيوب السختياني وابن طاووس، وعاصم الاحول، وعطاء الخراساني، ويحيى بن سعيد الانصاري، ويحيى بن أبي كثير، ويزيد بن أبي حبيب، ويزيد بن عبد الله بن الهاد، وهشام بن عروة، وعبد العزيز بن رفيع، وعبد الكريم الجزري، وثابت البناني، وبكير بن الاشج، وموسى بن أبي عائشة، وداود بن أبي هند، وحسين المعلم، وحبيب المعلم، وأسامة بن زيد الليثي، وسليمان بن موسى، وعامر الاحول، وابن عون، وعبيدالله بن عمر، والعلاء بن الحارث، والضحاك بن حمزة، وعبد الله بن عبدالرحمن بن يعلى الطائفي، وعبد الرحمن بن حرملة، وعبد الله بن عامر الاسلمي، وثور بن يزيد، وداود بن شابور، وداود بن قيس الفراء، ورجاء بن أبي سلمة، وابن إسحاق،
والاوزاعي، وحجاج بن أرطاة، وعمرو بن الحارث، وابن عجلان، والمثنى ابن الصباح، وابن لهيعة، وهشام بن سعد، وهشام بن الغاز، وخلق سواهم.
روى صدقة بن الفضل، عن يحيى القطن، قال: إذا روى عن عمرو ابن شعيب الثقات، فهو ثقة محتج به، هكذا نقل صدقة.
وقال علي بن المديني، عن يحيى بن سعيد، قال: حديثه عندنا واه.
وروى علي، عن ابن عيينة، قال: كان إنما يحدث عن أبيه [ عن جده ] وكان حديثه عند الناس فيه شئ.
وروى أحمد بن سليمان، عن معتمر بن سليمان، سمعت أبا عمرو بن العلاء، يقول: كان لا يعاب على قتادة وعمرو بن شعيب، إلا أنهما كانا لا يسمعان شيئا إلا حدثا به.
وقال أبو الحسن الميموني: سمعت أحمد بن حنبل، يقول: له أشياء

(5/166)


مناكير، وإنما نكتب حديثه نعتبر به، فأما أن يكون حجة، فلا.
وقال محمد بن علي الجوزجاني الوراق: قلت لاحمد: عمرو بن شعيب سمع من أبيه شيئا ؟ قال: يقول: حدثني أبي، قلت: فأبوه سمع من عبد الله بن عمرو ؟ قال: نعم أراه قد سمع منه.
وقال الاثرم: سئل أبو عبد الله، عن عمرو بن شعيب، فقال: ربما احتججنا به، وربما وجس في القلب منه شئ، ومالك يروي عن رجل عنه.
وقال الترمذي عن البخاري: رأيت أحمد وعليا وإسحاق وأبا عبيد وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، ما تركه أحد من المسلمين، فمن الناس بعدهم ؟ قلت: أستبعد صدور هذه الالفاظ من البخاري، أخاف أن يكون أبو
عيسى وهم.
وإلا فالبخاري لا يعرج على عمرو، أفتراه يقول: فمن الناس بعدهم، ثم لا يحتج به أصلا ولا متابعة ؟ بلى احتج به أرباب السنن الاربعة، وابن خزيمة، وابن حبان في بعض الصور، والحاكم (1).
وروى أبو داود عن أحمد، قال: أصحاب الحديث إذا
__________
(1) قال في " المستدرك " 2 / 65: " وقد أكثرت في هذا الكتاب الحجج في تصحيح روايات عمرو ابن شعيب إذا كان الراوي عنه ثقة، وكنت أطلب الحجة الظاهرة في سماع شعيب بن محمد، عن عبد الله بن عمرو، فلم أصل إليها إلا في هذا الوقت: حدثني أبو الحسن علي بن عمر الحافظ، حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد الفقيه النيسابوري، حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا عبيدالله بن عمر، عن عمرو بن شعيب عن أبيه أن رجلا أتى عبد الله بن عمرو يسأله عن محرم وقع بامرأة فأشار إلى عبد الله بن عمر، فقال: اذهب إلى ذاك، فسله، قال شعيب فلم يعرفه الرجل، فذهبت معه، فسأل ابن عمر، فقال: بطل حجك، فقال الرجل: فما أصنع ؟ قال: أحرم مع الناس، واصنع ما يصنعون، وإذا أدركت قابلا، فحج وأهد، فرجع إلى عبد الله بن عمرو وأنا معه، فقال: اذهب إلى ابن عباس فسله، قال شعيب: فذهبت معه إلى ابن عباس، فسأله، فقال له كما قال ابن عمر، فرجع إلى عبد الله بن عمرو وأنا معه، فأخبره بما قال ابن عباس، ثم قال: ما تقول: أنت ؟ فقال: قولي مثل ما قالا " هذا = [ * ]

(5/167)


شاؤوا احتجوا بحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وإذا شاؤوا، تركوه.
قلت: هذا محمول على أنهم يترددون في الاحتجاج به، لا أنهم يفعلون ذلك على سبيل التشهي.
وروى الكوسج، عن يحيى، قال: يكتب حديثه، وروى عباس عنه، قال: إذا حدث عن أبيه، عن جده، فهو كتاب، ويقول: أبي عن جدي، فمن هنا جاء ضعفه أو نحو هذا القول، فإذا حدث عن ابن المسيب، أو سليمان بن
يسار، أو عروة، فهو ثقة عنهم، أو قريب من هذا.
وروى عباس أيضا، ومعاوية بن صالح عن يحيى: ثقة، وقال أبو حاتم: سألت يحيى عنه، فغضب وقال: ما أقول ؟ روى عنه الائمة، وروى أحمد بن
__________
= حديث ثقات رواته حفاظ، وهو كالاخذ باليد في صحة سماع شعيب بن محمد، عن جده عبد الله بن عمرو، وأقره المؤلف رحمة الله عليه في " مختصره ".
وممن جزم بصحة حديثه أبو عمر بن عبد البر، فقد ذكر في كتابه " التقصي لحديث الموطأ " ص 254، 255: حديث مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى عن بيع وسلف، ثم قال: هذا الحديث معروف مشهور من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث صحيح لا يختلف أهل العلم في قبوله، والعمل به.
وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده مقبول عند أكثر أهل العلم بالنقل، ثم روى بإسناده عن علي بن المديني قال: هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص سمع عمرو بن شعيب من أبيه، وسمع أبوه من عبد الله بن عمرو بن العاص.
وكذلك قال البيهقي في " السنن " 7 / 397: وسماع شعيب بن محمد بن عبد الله صحيح من جده عبد الله، لكن يجب أن يكون الاسناد إلى عمرو صحيحا.
ومما يؤكد الجزم بسماعه منه ما رواه البيهقي 5 / 92 عن عمرو بن شعيب، عن أبيه قال: كنت أطوف مع أبي عبد الله بن عمرو بن العاص.
فهذا يشير إلى صحة ما نقل المؤلف أن والد شعيب تركه صغيرا، ورباه جده عبد الله بن عمرو، ولذلك يسميه هنا أباه، إذ هو أبوه الاعلى، وهو الذي رباه وقال النووي رحمه الله: إن الاحتجاج بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده هو الصحيح المختار الذي عليه المحققون من أهل الحديث، وهم أهل هذا الفن، وعنهم يؤخذ.
[ * ]

(5/168)


زهير عن يحيى: ليس بذاك.
فهذا إمام الصنعة أبو زكريا قد تلجلج قوله في عمرو، فدل على أنه ليس حجة عنده مطلقا، وأن غيره أقوى منه.
وقال أبو زرعة: إنما أنكروا عليه لكثرة روايته عن أبيه عن جده، وقالوا:
إنما سمع أحاديث يسيرة، وأخذ صحيفة كانت عنده فرواها، وما أقل ما تصيب عنه مما روى عن غير أبيه من المنكر، وعامة هذه المناكير التي تروى عنه، إنما هي عن المثنى بن الصباح، وابن لهيعة، والضعفاء، وهو ثقة في نفسه.
قلت: ويأتي الثقات عنه أيضا بما ينكر.
وقال ابن أبي حاتم: سئل أبي أيما أحب إليك - هو أو بهز بن حكيم عن أبيه عن جده فقال: عمرو أحب إلي.
وقال أبو عبيد الآجري: قيل لابي داود: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عندك حجة ؟ قال: لا، ولا نصف حجة، ورجح بهز بن حكيم عليه.
وروى جرير، عن مغيرة، أنه كان لا يعبأ بصحيفة عبد الله بن عمرو.
قال معمر: كان أيوب السختياني إذا قعد إلى عمرو بن شعيب، غطى رأسه يعني: حياء من الناس.
وقال ابن أبي شيبة: سألت علي بن المديني، عن عمرو بن شعيب، فقال: ما روى عنه أيوب وابن جريج، فذاك كله صحيح، وما روى عمرو عن أبيه عن جده، فإنما هو كتاب وجده، فهو ضعيف.
قلت: هذا الكلام قاعد قائم.
قال جرير بن عبدالحميد، عن مغيرة: كان لا يعبأ بحديث سالم بن أبي الجعد، وخلاس بن عمرو، وأبي الطفيل، وبصحيفة عبد الله بن عمرو، ثم قال مغيرة: ما يسرني أن صحيفة عبد الله بن عمرو عندي بتمرتين أو بفلسين.
قال

(5/169)


الحافظ أيضا: اعتبرت حديثه، فوجدت أن بعض الرواة، يسمي عبد الله، وبعضهم يروي ذلك الحديث بعينه، فلا يسميه، ورأيت في بعضها قد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده محمد، عن عبد الله، وفي بعضها عمرو، عن
جده محمد.
قلت: جاء هذا في حديث واحد مختلف، وعمرو لم يلحق جده محمدا أبدا.
ومن الاحاديث التي جاء فيها عن جده عبد الله: حرملة، أنبأنا ابن وهب، حدثني عمرو بن الحارث، أن عمرو بن شعيب، حدثه عن أبيه، عن عبد الله ابن عمرو، أن مزنيا قال: يا رسول الله: كيف ترى في حريسة الجبل ؟ قال: " هي ومثلها والنكال " قال: فإذا جمعها المراح ؟ قال: " قطع اليد إذا بلغ ثمن المجن " (1).
ابن عجلان عن عمرو، عن أبيه، عن جده عبد الله بحديث في اللقطة (2).
أحمد، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا محمد هو ابن راشد عن سليمان بن موسى، عن عمرو، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " في كل أصبع عشر من الابل " (3).
__________
(1) إسناده حسن وأخرجه النسائي 8 / 85، 86 في قطع السارق: باب الثمر يسرق بعد أن يؤويه الجرين من طريق ابن وهب به، وأخرجه أيضا من طريق قتيبة عن الليث، عن ابن عجلان عن عمرو بن شعيب، عن أبيه: عن جده عبد الله بن عمرو.
وحريسة الجبل: يقال للشاة التي يدركها الليل قبل أن تصل إلى مراحها: حريسة.
والنكال: العقوبة، والمراح، بضم الميم: الموضع الذي تروح إليه الماشية، أو تأوي إليه ليلا.
(2) سنده حسن، أخرجه أبو داود (1710) من طريق قتيبة بن سعيد، عن الليث عن ابن عجلان به، وفيه: وسئل عن اللقطة، فقال: " ما كان منها في طريق الميتاء أو القرية الجامعة، فعرفها سنة، فإن جاء طالبها، فادفعها إليه، وإن لم يأت، فهي لك، وما كان في الخراب، ففيها وفي الركاز الخمس " والطريق الميتاء: هي المسلوكة التي يأتيها الناس.
(3) سليمان بن موسى فيه لين، وباقي رجاله ثقات، وهو في " المصنف (17702) وفي الباب = [ * ]

(5/170)


حسين المعلم، عن عمرو عن أبيه، عن جده عبد الله مرفوعا " في المواضح خمس " (1).
أحمد: حدثنا يزيد، أنبأنا ابن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله، قال: " لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح، قام في الناس خطيبا، وقال: لا حلف في الاسلام " (2) الحديث.
جرير بن عبدالحميد، عن ابن إسحاق، عن عمرو، عن أبيه، عن جده، عن عبد الله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأمر بكلمات من الفزع: " أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه، ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون ".
كذا هذا عن جده، عن عبد الله، رواه الحاكم في " الدعوات ": حدثنا محمد بن أحمد بن بالويه، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا عبيدالله
__________
= ما يقويه عن أبي موسى الاشعري عند أبي داود (4557) والنسائي 8 / 56، وابن ماجه (2654).
(1) أخرجه أبو داود (4566) في الديات: باب ديات الاعضاء، وسنده حسن.
والمواضح جمع الموضحة: وهي التي تبدي وضح العظام، أي: بياضه.
(2) رجاله ثقات أخرجه أحمد 2 / 180، وتمامه " والمسلمون يد على من سواهم، تتكافأ دماؤهم، ويجير عليهم أدناهم، ويرد عليهم أقصاهم، ترد سراياهم على قعدهم، لا يقتل مؤمن بكافر دية الكافر نصف دية المسلم، لا جلب ولا جنب، ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في ديارهم " وقوله: " لا حلف في الاسلام " أصل الحلف: المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق، فما كان منه في الجاهلية على الفتن والقتال بين القبائل والثارات، فذلك الذي ورد النهي عنه في الاسلام بقوله صلى الله عليه وسلم " لا حلف في الاسلام " وما كان منه في الجاهلية على نصر المظلوم، وصلة الارحام كحلف المطيبين وما جرى مجراه، فذلك الذى قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم (2530) من حديث جبير بن مطعم:
" أيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الاسلام إلا شدة " يريد من المعاقدة على الخير ونصرة الحق، وبذلك يجتمع الحديثان ويأتلفان.
[ * ]

(5/171)


ابن عمر، حدثنا جرير، فذكره.
ثم قال الحاكم: صحيح الاسناد، متصل في موضع الخلاف.
قال الحافظ الضياء: أظن " عن " فيه زائدة وإلا فيكون من رواية محمد عن أبيه، قلت: رواه أحمد في " مسنده " (1) عن يزيد، عن ابن إسحاق، فلم يزد على قوله: عن جده.
الدارقطني في " سننه " حدثنا أبو بكر النيسابوري، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن، حدثني عمي، حدثنا مخرمة بن بكير، عن أبيه، سمعت عمرو بن شعيب، يقول: سمعت شعيبا، يقول: سمعت عبد الله بن عمرو، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: " في البيعين بالخيار " (2).
أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا ابن جريج، قال: قال عمرو بن شعيب: عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أيما امرأة نكحت على صداق أو عدة أو حباء قبل عصمة النكاح، فهو لها " (3).
__________
(1) 2 / 181، وأخرجه أبو داود (3893) في الطب: باب كيف الرقى من طريق حماد، والترمذي (3528) في الدعوات وابن السني ص 239 من طريق إسماعيل بن عياش، كلاهما عن محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده..ورجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة ابن إسحاق، لكن يشهد له حديث " الموطأ " المرسل 2 / 950، فيتقوى به، وقد حسنه الحافظ في " أمالي الاذكار " فيما نقله عنه ابن علان في " الفتوحات الربانية " (2) أخرجه الدارقطني 3 / 50، ولفظه: " أيما رجل ابتاع من رجل بيعة، فإن كل واحد منهما بالخيار حتى يتفرقا من مكانهما إلا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل لاحد أن يفارق صاحبه مخافة ألا يقيله " وأخرجه أبو داود (3456) والنسائي 7 / 251، 252، والترمذي (1247) من طريق الليث بن
سعد، عن ابن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله " وسنده حسن.
(3) هو في " المصنف " (10739) ورواه عنه أحمد في " المسند " 2 / 182، وأخرجه ابن ماجه (1955) من طريق أبي خالد عن ابن جريج، وأخرجه النسائي 6 / 120، والبيهقي 7 / 248 من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج، وابن جريج قد عنعن وهو مدلس وقوله: قبل عصمة النكاح، أي: قبل عقد النكاح، والعصمة: هي ما يعتصم به من عقد أو سبب [ * ]

(5/172)


حرملة: حدثنا ابن وهب، أخبرني اسامة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مثل الذي يسترد ما وهب، كمثل الكلب يقئ.
" (1).
وعندي عدة أحاديث سوى ما مر يقول: عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، فالمطلق محمول على المقيد المفسر بعبد الله، والله أعلم.
قال ابن عدي: هو في نفسه ثقة، إلا إذا روى عن أبيه، عن جده يكون مرسلا، لان جده عنده محمد بن عبد الله بن عمرو، ولا صحبة له.
قلت: الرجل لا يعني بجده إلا جده الاعلى عبد الله رضي الله عنه، وقد جاء كذلك مصرحا به في غير حديث، يقول: عن جده عبد الله، فهذا ليس بمرسل، وقد ثبت سماع شعيب والده من جده عبد الله بن عمرو، ومن معاوية، وابن عباس، وابن عمر، وغيرهم، وما علمنا بشعيب بأسا، ربي يتيما في حجر جده عبد لله، وسمع منه، وسافر معه، ولعله ولد في خلافة علي، أو قبل ذلك، ثم لم نجد صريحا لعمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده محمد بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ورد نحو من عشرة أحاديث هيئتها عن عمرو بن شعيب، عن أبيه،
عن عبد الله بن عمرو، وبعضها عن عمرو، عن أبيه، عن جده عبد الله، وما أدري، هل حفظ شعيب شيئا من أبيه أم لا ؟ وأنا عارف بأنه لازم جده وسمع منه.
__________
(1) سنده حسن وأخرجه أبو داود (3540) في البيوع: باب الرجوع في الهبة من طريق سليمان ابن داود المهري، عن ابن وهب، عن أسامة بن زيد أن عمرو بن شعيب حدثه عن أبيه.
وتمامه " فيأكل قيئه، فإذا استرد الواهب فليوقف، فليعرف بما استرد، ثم ليدفع إليه ما وهب " وأخرجه أبو داود (3539) من طريق حسين المعلم عن عمرو بن شعيب، عن طاووس، عن ابن عمرو، وابن عباس بلفظ " ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها يأكل، فإذا أشبع، قاء ثم عاد في قيئه " وسنده قوي، وقال الترمذي (2133): حسن صحيح، وفي الباب عن ابن عباس عند البخاري 5 / 160، ومسلم (1622) بلفظ " العائد في هبته كالعائد في قيئه ".
[ * ]

(5/173)


وأما تعليل بعضهم بأنها صحيفة، وروايتها وجادة (1) بلا سماع، فمن جهة أن الصحف يدخل في روايتها التصحيف لا سيما في ذلك العصر، إذ لا شكل بعد في الصحف، ولا نقط بخلاف الاخذ من أفواه الرجال.
قال يحيى بن معين: هو ثقة، بلي بكتاب أبيه عن جده.
وممن تردد وتحير في عمرو أبو حاتم بن حبان، فقال في كتاب " الضعفاء ": إذا روى عن طاووس وابن المسيب وغيرهما من الثقات غير أبيه، فهو ثقة، يجوز الاحتجاج به، وإذا روى عن أبيه عن جده، ففيه مناكير كثيرة، فلا يجوز عندي الاحتجاج بذلك.
قال: وإذ روى عن أبيه، عن جده، فإن شعيبا لم يلق عبد الله، فيكون الخبر منقطعا، وإذا أراد به جده الادنى، فهو محمد، ولا صحبة له، فيكون مرسلا (2).
قلت: قد أجبنا عن هذا، وأعلمنا بأن شعيبا صحب جده، وحمل عنه.
وأخبرنا ابن أبي عمر في كتابه عن الصيدلاني، أخبرتنا فاطمة الجوزدانية، أنبأنا ابن ريذة، أنبأنا الطبراني، حدثنا علي بن عبد العزيز والكجي، قالا: حدثنا حجاج، قال الطبراني: وحدثنا جعفر بن محمد بن
__________
(1) الوجادة في اصطلاح المحدثين: هو أن يقف الراوي على أحاديث بخط راويها، سواء لقيه أو سمع منه أم لم يلقه، ولم يسمع منه، أو وجد أحاديث في كتب مؤلفين معروفين، ففي هذه الانواع كلها لا يجوز أن يرويها عن أصحابها، بل يقول: وجدت بخط فلان إذا عرف الخط ووثق منه، أو يقول: قال فلان ونحو ذلك وقد نقل عن أكثر المحدثين وفقهاء المالكية وغيرهم أن العمل بالاحاديث التي يتحملها بها غير جائز، ونقل عن الشافعي والمحققين من أصحابه جوازه، وذهب بعض المحققين إلى وجوب العمل بها عند حصول الثقة بما وجده، وهذا هو الصحيح الذي لا يتجه غيره في الاعصار المتأخرة، فإنه لو توقف العمل فيها على الرواية، لانسد باب العمل بالمنقول لتعذر شرط الرواية فيها، فإذا اطمأن الباحث إلى صحة نسبة الكتاب إلى مؤلفه، وكان ثقة مأمونا، وجب أن يعمل بما فيه من الاحاديث التي يصح سندها.
(2) كتاب المجروحين والضعفاء 2 / 72.
[ * ]

(5/174)


حرب، حدثنا سليمان بن حرب، قالا: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن شعيب بن عبد الله بن عمرو، قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: ما رئي النبي صلى الله عليه وسلم، يأكل متكئا، ولا يطأ عقبه رجلان (1).
فهذا شعيب يخبر أنه سمع من عبد الله.
ثم إن أبا حاتم بن حبان تحرج من تليين عمرو بن شعيب، وأداه اجتهاده إلى توثيقه، فقال: والصواب في عمرو بن شعيب أن يحول من هنا إلى تاريخ الثقات، لان عدالته قد تقدمت.
فأما المناكير في حديثه إذا كانت في روايته، عن أبيه، عن جده، فحكمه حكم الثقات إذا رووا المقاطيع والمراسيل بأن يترك من حديثهم المرسل والمقطوع، ويحتج بالخبر الصحيح.
فهذا يوضح لك أن الآخر من الامرين عند ابن حبان أن عمرا ثقة في نفسه، وأن روايته، عن أبيه، عن جده، إما منقطعة أو مرسلة، ولاريب أن بعضها من قبيل المسند المتصل، وبعضها يجوز أن تكون روايته وجادة أو سماعا، فهذا محل نظر واحتمال.
ولسنا ممن نعد نسخة عمرو، عن أبيه، عن جده من أقسام الصحيح الذي لا نزاع فيه من أجل الوجادة، ومن أجل أن فيها مناكير.
فينبغي أن يتأمل حديثه، ويتحايد ما جاء منه منكرا، ويروى ما عدا ذلك في السنن والاحكام محسنين لاسناده، فقد احتج به أئمة كبار، ووثقوه في الجملة، وتوقف فيه آخرون قليلا، وما علمت أن أحدا تركه.
شريك، عن ليث، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، قال: ما يرغبني
__________
(1) رجاله ثقات، وأخرجه أبو داود (3770) وابن ماجه (244) من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن شعيب بن عبد الله، عن أبيه.
وقوله: لا يطأ عقبه رجلان.
أي: لا يمشي خلفه رجلان فضلا عن الزيادة.
[ * ]

(5/175)


في الحياة إلا خصلتان: الصادقة والوهطة، فأما الصادقة فصحيفة كتبتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الوهطة فأرض (1) تصدق بها عمرو بن العاص، كان يقوم عليها.
أيوب بن سويد، عن الاوزاعي، قال: ما رأيت قرشيا أفضل، وفي لفظ: ما أدركت قرشيا أكمل من عمرو بن شعيب.
قال علي بن المديني، سمع شعيب من عبد الله بن عمرو، وسمع منه
ابنه عمرو بن شعيب.
وروى الحسن بن سفيان، عن ابن راهويه، قال: إذا كان الراوي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده ثقة، فهو كأيوب، عن نافع، عن ابن عمر.
وقال العجلي والنسائي: ثقة وقال النسائي مرة: ليس به بأس.
وقال أحمد بن عبد الله: عمرو بن شعيب: ثقة روى عنه الذين نظروا في الرجال مثل أيوب والزهري والحكم، واحتج أصحابنا بحديثه، وسمع أبوه من عبد الله بن عمرو، وابن عمر، وابن عباس.
وقال أبو بكر بن زياد [ النيسابوري ]: صح سماع عمرو بن شعيب، وصح سماع شعيب من جده عبد الله.
وقال الدارقطني: لعمرو بن شعيب ثلاثة أجداد: الادنى منهم محمد، والاوسط عبد الله، والاعلى عمرو، وقد سمع شعيب من الادنى محمد، ومحمد تابعي، وسمع جده عبد الله، فإذا بينه وكشف، فهو صحيح حينئذ، قال: ولم يترك حديثه أحد من الائمة، ولم يسمع من جده عمرو بن العاص.
__________
(1) هي بالطائف على ثلاثة أميال من وج [ * ]

(5/176)


وقال الدارقطني أيضا: سمعت أبا بكر النقاش، يقول: عمرو بن شعيب ليس من التابعين، وقد روى عنه عشرون من التابعين.
قلت: فسكت الدارقطني، بل عمرو تابعي، قد سمع من ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم زينب ومن الربيع ولهما صحبة (1).
قال الحافظ ابن عدي: روى عنه أئمة الناس وثقاتهم، وجماعة من الضعفاء، إلا أن أحاديثه، عن أبيه، عن جده مع احتمالهم إياه، لم يدخلوها
في صحاح ما خرجوا، وقالوا: هي صحيفة.
قال يحيى بن بكير وشباب: مات عمرو بن شعيب سنة ثماني عشرة ومئة، زاد ابن بكير بالطائف.
قلت: الضعفاء الراوون عنه مثل المثنى بن الصباح، ومحمد بن عبيد الله العرزمي، وحجاج بن أرطاة، وابن لهيعة، وإسحاق بن أبي فروة، والضحاك بن حمزة ونحوهم، فإذا انفرد هذا الضرب عنه بشئ، ضعف نخاعه، ولم يحتج به، بل وإذا روى عنه رجل مختلف فيه كأسامة بن زيد، وهشام بن سعد، وابن إسحاق، ففي النفس منه، والاولى أن لا يحتج به بخلاف رواية حسين المعلم، وسليمان بن موسى الفقيه، وأيوب السختياني، فالاولى أن يحتج بذلك إن لم يكن اللفظ شاذا ولا منكرا، فقد قال أحمد بن حنبل إمام الجماعة: له أشياء مناكير.
قتيبة: حدثنا ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيب، أنه دخل على زينب
__________
(1) في " تهذيب الكمال ": 1038 بعد أن نقل كلام أبي بكر النقاش ما نصه: وكأن الدارقطني قد وافقه على أنه ليس من التابعين، وليس كذلك، فإنه قد سمع من زينب بنت أبي سلمة، ومن الربيع بنت معوذ بن عفراء، ولهما صحبة.
قلت: وترجمة الربيع وزينب في " الاصابة " ت (413) و (468).
[ * ]

(5/177)


بنت أبي سلمة، فحدثته أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حبيب المعلم، عن عمرو، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " يحضر الجمعة ثلاثة: واع داع، أو لاغ، أو منصت ".
(1) قال الاوزاعي: حدثني عمرو بن شعيب، ومكحول جالس.
قال نعيم بن حماد: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، سمع أيوب يقول
لليث بن أبي سليم: شد يدك بما سمعت من طاووس ومجاهد، وإياك وجواليق وهب بن منبه، وعمرو بن شعيب، فإنهما صاحبا كتب.
يعني: يرويان عن الصحف (2).
وقال ابن حبان: حدثنا أبو يعلى، حدثنا كامل بن طلحة، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده بنسخة طويلة وابن لهيعة نبرأ من عهدته، قال: فمنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال " إن الله زادكم صلاة، فحافظوا عليها وهي الوتر " (3).
__________
(1) سنده حسن، أخرجه أبو داود (1113) في الصلاة: باب الكلام والامام يخطب من طريق مسدد وأبي كامل، عن يزيد، عن حبيب المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يحضر الجمعة ثلاثة نفر: رجل حضرها يلغو، وهو حظه منها، ورجل حضرها يدعو، فهو رجل دعا الله عزوجل إن شاء أعطاه، وإن شاء منعه ورجل حضرها بإنصات وسكوت، ولم يتخط رقبة مسلم، ولم يؤذ أحدا، فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام، وذلك بأن الله عزوجل يقول (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) ".
(2) لكن ثمت فرق كبير بين ما يرويه عمرو بن شعيب وجادة من صحيفة جد أبيه عبد الله بن عمرو التي دون فيها ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وبين ما يرويه وهب بن منبه عن كتب أهل الكتاب المحرفة المبتورة السند، وفيها الكثير من الاخبار المنكرة، والقصص الواهية، والحكايات الباطلة.
(3) وأخرجه الدارقطني ص 174 من طريق محمد بن عبيدالله العرزمي، وأحمد 2 / 180 من طريق الحجاج، و 206 عن المثنى بن الصباح - وثلاثتهم ضعفاء - عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن = [ * ]

(5/178)


ومنها عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " من استودع وديعة، فلاضمان عليه " (1).
ومنها أن امرأتين أتتا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي أيديهما سواران من ذهب، فقال: " أتحبان أن يسوركما الله بسوارين من نار ؟ قالتا: لا.
قال: " فأديا زكاته " (2).
ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " من صلى مكتوبة فليقرأ بأم القرآن، وقرآن معها " (3).
__________
= جده وله شاهد صحيح يقوى به من حديث أبي بصرة الغفاري أخرجه أحمد 6 / 7، والطبراني في " المعجم الكبير " 1 / 100 / 1 من طريقين عن عبد الله بن المبارك، عن سعيد بن يزيد، حدثني ابن هبيرة عن أبي تميم الجيشاني أن عمرو بن العاص خطب الناس يوم الجمعة، فقال: إن أبا بصرة حدثني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله زادكم صلاة - وهي الوتر فصلوها بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر " قال أبو تميم، فأخذ بيدي أبو ذر، فسار في المسجد إلى أبي بصرة، فقال له: أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما قال عمرو ؟ قال أبو بصرة: أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإسناده صحيح على شرط مسلم، وأخرجه أحمد 6 / 397، والطحاوي 1 / 250.
من طريق ابن لهيعة، عن ابن هبيرة..(1) حديث حسن بطرقه أخرجه ابن ماجه (2401) من طريق أيوب بن سويد عن المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، وأخرجه الدارقطني 3 / 41، عن عمرو بن عبد الجبار، عن عبيدة بن حسان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم " ليس على مؤتمن ضمان " وعمرو وعبيدة ضعيفان، وأخرجه الدارقطني 3 / 41، والبيهقي 6 / 289 من طريق يزيد بن عبدالملك، عن محمد بن عبدالرحمن الحجبي، عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده بلفظ " لا ضمان على مؤتمن ".
(2) أخرجه الترمذي (637) من طريق ابن لهيعة، وعبد الرزاق (7065) من طريق المثنى بن الصباح، وأخرجه أبو داود (1563) والنسائي 5 / 38 من طريق حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده..وهذا سند حسن، وصححه ابن القطان وابن الملقن، وقال الحافظ المنذري: إسناده لا مقال فيه، وقال الحافظ ابن حجر: هذا إسناد تقوم به الحجة.
وقد قال بإيجاب الزكاة في الحلي عمر، وابن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاص، وابن
عباس، وهو قول سعيد بن جبير، وسعيد بن المسيب، وعطاء وابن سيرين، وجابر بن زيد، ومجاهد، وإليه ذهب الزهري والثوري وأصحاب الرأي.
(3) لكن الحديث على ضعف سنده صحيح بشواهده فقد أخرج مسلم (395) (37) وأبو داود (822) من طريق الزهري، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا = (*)

(5/179)


ومنها أنه عليه السلام، قال: " من أعهر بحرة أو أمة قوم، فولدت، فالولد ولد زني، لا يرث ولا يورث " (1) ومنها " لا تمشوا في المساجد وعليكم بالقميص وتحته الازار ".
ومنها " العرافة أولها ملامة، وأوسطها ندامة، وآخرها عذاب يوم القيامة " (2).
ومن أفراد عمرو حديث حماد بن سلمة، عن حبيب، وداود، عن عمرو ابن شعيب، عن أبيه، عن جده مرفوعا " لا يجوز لامرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها عصمتها " (3).
وحديث " من زوج فتاته، فلا ينظرن إلى ما بين السرة والركبة " (4) رواه سوار أبو حمزة عنه عن أبيه، عن جده مرفوعا.
__________
= صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعدا " وأخرج أبو داود (818) من حديث أبي سعيد الخدري قال: " أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر " ورجاله ثقات، وصححه ابن حبان (453) من حديث أبي هريرة بلفظ " لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب وما تيسر " وانظر " نصب الراية " 1 / 364، 365.
(1) حديث حسن أخرجه الترمذي (2113) في الفرائض: باب ما جاء في إبطالا ميراث ولد الزنى من طريق ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وقال: وقد روى غير ابن لهيعة هذا الحديث عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، والعمل على هذا عند أهل العلم أن ولد الزنى لا يرث من أبيه، ورواه أبو داود (2265) والبيهقي 6 / 260 من طريق محمد بن راشد، عن سليمان
ابن موسى عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده بنحوه.
(2) لكن له شاهد يتقوى به من حديث أبي هريرة أخرجه الطيالسي في " مسنده " والعرافة: الامارة قال الامام النووي: هذا أصل عظيم في اجتناب الولاية والعرافة سيما لمن كان فيه ضعف، وهو في حق من دخل فيها بغير أهلية، ولم يعدل، فإنه يندم على ما فرط فيه إذا جوزي بالخزي والعذاب يوم القيامة، وأما من كان أهلا وعدلا، فأجره عظيم كما تظاهرت به الاخبار.
(3) أخرجه أبو داود (3547) في البيوع والاجازات: باب في عطية المرأة بغير إذن زوجها، وسنده حسن.
(4) أخرجه أبو داود (496) و (4114) وأحمد 2 / 187، والدارقطني: 85، وسنده حسن وله طريق آخر ضعيف عند ابن عدي ساقه الزيلعي في " نصب الراية ".
[ * ]

(5/180)


فأما
62 - شعيب * (4) فما علمت به بأسا، وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: روى عن جده، وأبيه محمد، ومعاوية.
قلت: مع أن روايته عن أبيه محمد في سنن أبي داود والنسائي والترمذي، والمتن هو " لا يحل سلف وبيع " (1).
حدث عنه ابناه عمرو، وعمر، وثابت البناني، فنسبه إلى جده، فقال: شعيب بن عبد الله بن عمرو، وممن روى عنه أيضا عثمان بن حكيم، وعطاء الخراساني، وقد ذكر البخاري وأبو داود وغير واحد، أنه سمع من جده ومن ابن عباس وابن عمر، ولم نعلم متى توفي، فلعله مات بعد الثمانين في دولة عبدالملك.

وأما أبو شعيب
63 - محمد بن عبد الله بن عمرو * * (د، ت، س)
السهمي، فذكره ابن يونس في " تاريخه " وقال: روى عن أبيه، روى عنه ابنه شعيب، وحكم بن الحارث، وقال الزبير بن بكار: أمه هي بنت محمية بن جزء الزبيدي.
وقال أحمد بن محمد بن الوليد الازرقي: حدثنا عبدالمجيد (2) بن أبي
__________
* التاريخ الكبير 4 / 218، تهذيب الكمال 587، تهذيب التهذيب 4 / 356، خلاصة تذهيب الكمال 167.
(1) أخرجه أبو داود (3504) والنسائي 7 / 288 والطيالسي (2257) وابن ماجه (2188) وأحمد (6628) و (6671) وسنده حسن.
والسلف بفتحتين: القرض، والمعنى: لا يحل بيع مع شرط قرض بأن يقول: بعتك هذه السلعة على أن تسلفني ألفا، وقيل: هو أن تقرضه، ثم تبيع منه شيئا بأكثر من قيمته، فإنه حرام، لانه قرض جر نفعا.
* * تهذيب الكمال 1221، تهذيب التهذيب 9 / 266، خلاصة تذهيب الكمال 345.
(2) في الاصل عبدالحميد، وهو تحريف.
[ * ]

(5/181)


رواد، عن ابن جريج والمثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، قال: طاف محمد بن عبد الله بن عمرو مع أبيه، فلما كان في السابع، أخذ بيده إلى دبر الكعبة الحديث (1).
ومحمد نزر الرواية، قد ذكرنا له حديث: " [ لا يحل ] سلف وبيع ".
وقال النسائي: حدثنا عثمان بن عبد الله بن خرزاذ، حدثنا سهيل بن بكار، عن وهيب، عن ابن طاووس، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن أبيه محمد بن عبد الله، قال مرة: عن أبيه، وقال مرة: عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الاهلية وعن الجلالة " (2) هكذا يرويه أبو علي الاسيوطي، عن النسائي، ووقع في رواية ابن
حيويه، عن النسائي عمرو بن شعيب، عن أبيه محمد بن عبد الله بن عمرو، وهو وهم، وأما أبو داود، فرواه عن سهل بن بكار بإسناده، فقال: عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، كباقي أحاديثه.
فهذا كل ما يمكن أن يتعلق به من أن لمحمد رواية، والظاهر موته في حياة أبيه.
والله أعلم.
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن المؤيد، أنبأنا الفتح بن عبد السلام، أنبأنا هبة الله بن أبي شريك، أنبأنا أحمد بن محمد بن النقور، حدثنا عيسى بن الجراح سنة تسع وثمانين وثلاث مئة، قرئ على أبي القاسم البغوي، وأنا
__________
(1) رجاله ثقات.
(2) النسائي 7 / 239، 240 في.
الضحايا: باب النهي عن أكل لحوم الجلالة،، وأبو داود (3811) في الاطعمة: باب في لحوم الحمر الاهلية، وسنده حسن.
والجلالة: هي التي تأكل الجلة، وهي العذرة، وأصل الجلة: البعر فكنى بها عن العذرة.
[ * ]

(5/182)


أسمع، قيل له: حدثكم عمرو بن محمد الناقد، حدثنا سفيان، حدثنا عمرو ابن دينار، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم " (1).
هذا حديث صالح الاسناد، محفوظ المتن، وقد جمع الحافظ الضياء في كتاب " المختارة " (2) له نسخة لعمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.
وآل عمرو بن شعيب، إلى اليوم، لهم بقية بالطائف، يتوارثون الوهط وهو بستان كبير إلى الغاية لجماعة كبيرة هو معاشهم.
والطائف واد طيب كثير الفواكه والاعناب والمياه الباردة، ويتجلد فيه الماء في البرد، أخبرني صدوق عاين الجليد بها، ولهم جامع كبير وهو مسيرة
أرجح من يوم عن مكة، وخيرات الطائف تجلب إلى مكة وغيرها.
__________
(1) إسناده حسن، وأخرجه مسلم (735) في صلاة المسافرين وقصرها: باب جواز النافلة قائما وقاعدا، وفعل بعض الركعة قائما وقاعدا، وأبو داود (950) في الصلاة: باب في صلاة القاعد، والنسائي 3 / 223 في قيام الليل: باب فصل صلاة القائم على القاعد من طريق منصور، عن هلال بن يساف، عن أبي يحيى، عن عبد الله بن عمرو قال: حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة " قال: فأتيته، فوجدته يصلي جالسا، فوضعت يدي على رأسه، فقال: مالك يا عبد الله بن عمرو ؟ قلت: حدثت يا رسول الله أنك قلت " صلاة الرجل قاعدا على نصف الصلاة " وأنت تصلي قاعدا: قال: " أجل، ولكني لست كأحدكم ".
(2) لم يطبع بعد ومنه أجزاء في المكتبة الظاهرية بدمشق، قال الحافظ ابن كثير: وفيه علوم حسنة حديثية، وهو أجود من مستدرك الحاكم لو كمل، ونقل في " الباعث الحثيث " ص 29 أن بعض الحفاظ من مشايخه كان يرجحه على مستدرك الحاكم وكأنه يعني شيخه الحافظ ابن تيمية، وذكر السيوطي في " اللآلي " عن الزركشي في تخريج الرافعي أن تصحيحه أعلى مزية من تصحيح الترمذي وابن حبان.
و مؤلفه هو محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبدالرحمن المقدسي الجماعيلي ثم الدمشقي الصالحي، الحافظ الرحالة سمع الكثير بدمشق ومصر وبغداد وهراة، وكتب عن شيوخ كثيرين، له تآليف تنبئ عن حفظه واطلاعه، وتضلعه من علوم الحديث متنا وإسنادا، توفي سنة 643 ه، وستأتي ترجمته في المجلد الاخير من هذا الكتاب.
[ * ]

(5/183)


64 - المنهال * (خ، 4) ابن عمرو أبو عمرو الاسدي، مولاهم الكوفي.
يروي عن أنس بن مالك، وزر بن حبيش، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبي عمر زاذان، وسعيد ابن جبير.
روى عنه حجاج بن أرطاة، وزيد بن أبي أنيسة، ومنصور، وشعبة،
والمسعودي، وسوار بن مصعب، وطائفة كبيرة.
وقيل: إن سوارا إنما روى عن الاعمش عنه، ثم إن شعبة ترك الرواية عنه، لكونه سمع آلة الطرب من بيته (1).
وثقه يحيى بن معين وغيره، وقال الدارقطني: صدوق، وقال ابن حزم: ليس بالقوي.
قلت: حديثه في شأن القبر بطوله فيه نكارة وغرابة، يرويه عن زاذان عن البراء (2).
وقد تلا على سعيد بن جبير (3)، قرأ عليه ابن أبي ليلى وغيره.
توفي سنة بضع عشرة ومئة.
__________
* طبقات خليفة: 160، التاريخ الكبير 8 / 12، الجرح والتعديل 8 / 356، 357، تهذيب الكمال 1377، تذهيب التهذيب 4 / 74 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 7، ميزان الاعتدال 4 / 192، طبقات القراء 2 / 315، تهذيب التهذيب 10 / 319، 320.
(1) عبارة المؤلف في " الميزان " لانه سمع من بيته صوت غناء وتعقبه بقوله: وهذا لا يوجب غمز الشيخ، وفي " الجرح والتعديل " 8 / 357: لانه سمع من داره صوت قراءة بالتطريب.
(2) بل هو حديث حسن وليس فيه علة أخرجه الامام أحمد 4 / 287 و 295 و 296، وأبو داود (4753) في السنة: باب في المسألة عند القبر، وصححه الحاكم 1 / 37، 40، وأقره المؤلف في " مختصره ".
(3) وروى عنه حديث ابن عباس " أنزل القرآن إلى السماء الدنيا ليلة القدر جملة " قاله المؤلف في " تاريخه 5 / 7.
قلت: وحديث ابن عباس هذا أخرجه ابن جرير 30 / 258، والحاكم 2 / 222 من طريق داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس، وأخرجه الحاكم 2 / 222 من طريق جرير عن = [ * ]

(5/184)


65 - سليم بن عامر * (م، 4) الكلاعي الخبائري الحمصي.
حدث عن أبي الدرداء، وتميم الداري، والمقداد بن الاسود، وعوف ابن مالك، وأبي هريرة، وعمرو بن عبسة، وطائفة، ويجوز أن روايته عن المقداد ونحوه مرسلة، وأنه ما شافههم.
حدث عنه محمد بن الوليد الزبيدي، وحريز بن عثمان، وعبد الرحمن ابن يزيد بن جابر، وعفير بن معدان، ومعاوية بن صالح، وآخرون، وعمر دهرا.
وكان يقول: استقبلت الاسلام من أوله، فهذا يدل على أنه ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
وثقه أحمد بن عبد الله العجلي، وقال أبو حاتم: لا بأس به.
روى شعبة، عن يزيد بن خمير، قال: سمعت سليم بن عامر، وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال يحيى بن معين: سليم بن عامر الكلاعي زعم أنه قرأ عليهم كتاب عمر رضي الله عنه.
وقال أبو القاسم بن عساكر: شهد فتح القادسية.
__________
= منصور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: * (إنا أنزلناه في ليلة القدر) * قال: أنزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر إلى السماء الدنيا، وكان بموقع النجوم، وكان الله ينزله على رسوله صلى الله عليه وسلم بعضه في اثر بعض، قال: * (وقالوا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا) * وصححه الحاكم، ووافقه المؤلف في " مختصره " وأورده السيوطي في " الدر المنثور " 6 / 370، وزاد نسبته إلى ابن الضريس، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في " الدلائل ".
* طبقات ابن سعد 7 / 464، التاريخ الكبير 4 / 125، التاريخ الصغير 1 / 313، تاريخ الفسوي 2 / 331، الجرح والتعديل 4 / 211، اللباب 1 / 418، تهذيب الاسماء واللغات 1 / 232، تهذيب الكمال: 532، تذهيب التهذيب 2 / 44 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 255، تهذيب التهذيب 4 / 166، خلاصة تذهيب الكمال: 150، شذرات الذهب 1 / 140.
[ * ]

(5/185)


قال أحمد بن محمد بن عيسى الحمصي: عاش سليم بعد سنة اثنتي عشرة ومئة.
قلت: جاوز المئة بسنتين، فأما قول محمد بن سعد (1)، وخليفة بن خياط (2): إنه مات سنة ثلاثين ومئة، فهو بعيد، ما أعتقد أنه بقي إلى هذا الوقت، ولو عاش إلى هذا الوقت، لسمع منه إسماعيل بن عياش وأقرانه.

66 - محمد بن يحيى * (ع) ابن حبان بن منقذ بن عمرو، الامام الفقيه الحجة أبو عبد الله الانصاري النجاري، المازني المدني، حفيد الصحابي الذي كان يخدع في البيوع.
ويقول: " لا خلابة " (3) مولده في سنة سبع وأربعين.
وحدث عن ابن عمر، ورافع بن خديج، وأنس بن مالك، وعبد الله بن
__________
(1) ابن سعد 7 / 467.
(2) في الطبقات ص 313.
* طبقات ابن سعد 7 / 449، 450، طبقات خليفة: 258، التاريخ الكبير 1 / 265، تاريخ الفسوي 1 / 389، الجرح والتعديل 8 / 122، 123، تهذيب الكمال 1284، تذهيب التهذيب 4 / 8 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 162، العبر 1 / 153، تهذيب التهذيب 9 / 507، خلاصة تذهيب الكمال: 363، شذرات الذهب 1 / 159.
(3) الخلابة: الخديعة: وهي مصدر: خلبت الرجل: إذا خدعته، أخلبه خلبا وخلابة، وفي المثل: " إذا لم تغلب فاخلب " يقول: إذا أعياك الامر مغالبة، فاطلبه مخادعة والحديث أخرجه مالك 2 / 685 في البيوع: باب جامع البيوع، والبخاري 4 / 283 في البيوع: باب ما يكره من الخداع في البيع، وفي الاستقراض: باب ماينهى عن إضاعة المال، وفي الخصومات: باب من رد السفيه والضعيف العقل وإن لم يكن حجر عليه الامام، وفي الحيل باب ما ينهى من الخداع في البيوع ومسلم (1533) في البيوع: باب من يخدع في البيع من حديث ابن عمر أن رجلا ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
يخدع في البيوع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا بايعت فقل لا خلابة " قال: فكان الرجل إذا بايع يقول: لا خلابة.
ولاحمد من طريق ابن إسحاق حدثني نافع عن ابن عمر: كان رجل من الانصار وزاد ابن الجارود في " المنتقى " 567 من طريق سفيان عن نافع أنه حبان بن منقد، وهو بفتح الحاء وتشديد الباء.
[ * ]

(5/186)


محيريز، وعمرو بن سليم الزرقي، وعبد الرحمن الاعرج، وعمه واسع بن حبان.
حدث عنه ربيعة الرأي، وعبيدالله بن عمر، ومحمد بن عجلان، وعمرو بن يحيى المازني، ومالك، وابن إسحاق، والليث وخلق سواهم.
وهو إمام مجمع على ثقته، قال الواقدي: كانت له حلقة للفتوى وكان ثقة كثير الحديث، عاش أربعا وسبعين سنة.
قلت: أرخ جماعة موته في سنة إحدى وعشرين ومئة، وهو من أعيان مشيخة مالك رحمه الله.

67 - ابن موهب * (خ، م، ت، س، ق) الامام أبو عبد الله عثمان بن عبد الله بن موهب التيمي المدني الاعرج.
سكن العراق، وحدث عن أبي هريرة، وأم سلمة، وجابر بن سمرة، وابن عمر، وعبد الله بن أبي قتادة.
روى عنه أبو حنيفة، وشعبة، وسفيان، وإسرائيل، وشيبان، وأبو عوانة، وآخرون.
وثقه ابن معين وغيره.
توفي بعد سنة عشرين ومئة، وقدوهم ابن سعد، فقال ما لا يسوغ وهو: مات في خلافة المهدي سنة ستين ومئة.
__________
* طبقات خليفة: 273، التاريخ الكبير 6 / 231، الجرح والتعديل 6 / 155، تهذيب الكمال: 915، تذهيب التهذيب 3 / 31 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 108، تهذيب التهذيب 7 / 132، خلاصة تذهيب الكمال: 261.
[ * ]

(5/187)


68 - عدي بن ثابت * (ع) الامام الحافظ الواعظ الانصاري الكوفي، سبط عبد الله بن يزيد الخطمي.
روى عن أبيه، وعن البراء بن عازب، وسليمان بن صرد، وعبد الله بن أبي أوفى، وعبد الله بن يزيد الخطمي، وزر بن حبيش، وزيد بن وهب، وسعيد بن جبير، وأبي حازم الاشجعي، ويزيد بن البراء وجماعة.
وعنه علي بن زيد بن جدعان، ويحيى بن سعيد الانصاري، وأبان ابن تغلب، وأبو إسحاق الشيباني، وأبو إسحاق السبيعي، وسليمان الاعمش، وأشعث بن سوار، وحجاج بن أرطاة، وأبو اليقظان عثمان بن عمير، وفضيل ابن مرزوق، ومسعر، وزيد بن أبي أنيسة، وشعبة، والعلاء بن صالح وخلق.
قال أحمد بن حنبل والعجلي، ثقة، وتبعهما النسائي، وقال أبو حاتم: صدوق، كان إمام مسجد الشيعة وقاصهم.
قال أبو عمر بن عبد البر: عبيد بن عازب (1) أخو البراء هو جد عدي بن ثابت روى في الوضوء والحيض، شهد عبيد والبراء مع علي مشاهده كلها (2).
وقال غيره: هو عدي بن أبان بن ثابت بن قيس بن الخطيم الانصاري الظفري، وثابت صحابي كبير.
__________
* طبقات خليفة: 161، تاريخ خليفة: 351، التاريخ الكبير 7 / 44، الجرح والتعديل 7 / 2، تهذيب الكمال: 925، تذهيب التهذيب 3 / 36 / 1، تاريخ الاسلام 4 / 276، دول الاسلام 1 / 80،
ميزان الاعتدال 3 / 61، العبر 1 / 144، تهذيب التهذيب 7 / 165، خلاصة تذهيب الكمال: 263.
(1) وهو أحد العشرة الذين وجههم عمر من الصحابة إلى الكوفة مع عمار بن ياسر فيما ذكره ابن سعد.
(2) الاستيعاب ت (1733).
[ * ]

(5/188)


وقال ابن حبان: مات عدي في ولاية خالد القسري على العراق، وقال ابن قانع: سنة 116، وأما يحيى بن معين، فقال: هو عدي بن ثابت بن دينار.
أخبرنا عبد المحسن بن محمد،، أنبأنا ابن خليل، أنبأنا مسعود بن أبي منصور، وأحمد بن محمد (ح) (1) وأنبئت عنهما قالا: أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا أبو بكر بن خلاد، حدثنا محمد بن يونس السامي، حدثنا عبد الله بن داود الخريبي، حدثنا الاعمش، عن عدي بن ثابت عن زر: سمعت عليا رضي الله عنه يقول: " والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، وتردى بالعظمة، إنه لعهد النبي صلى الله عليه وسلم إلي: " أنه لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق " رواه مسلم (2) من طريق أبي معاوية ووكيع عن الاعمش.

69 - الجراح * مقدم الجيوش، فارس الكتائب، أبو عقبة الجراح بن عبد الله الحكمي، ولي البصرة من جهة الحجاج، ثم ولي خراسان، وسجستان لعمر بن عبد العزيز، وكان بطلا شجاعا، مهيبا طوالا، عابدا قارئا، كبير القدر.
روى عن ابن سيرين، وعنه صفوان بن عمرو، ويحيى بن عطية، وربيعة بن فضالة.
__________
(1) رمز لتحويل السند.
(2) رقم (78) في الايمان: باب الدليل على حب الانصار وعلي رضي الله عنهم من الايمان
وعلاماته..وأخرجه النسائي 8 / 114 في الايمان: باب علامة الايمان، وابن ماجه (114).
* طبقات خليفة 156، 157، تاريخ خليفة: 310 و 317 و 318 و 320 و 322 و 329 و 330 و 331 و 333 و 336 و 337 و 341 و 342 و 343 و 361، التاريخ الكبير 2 / 226، 227، الطبري 6 / 350 و 361 و 433 و 447 و 491 و 526 و 554 و 557 و 562 و 585 و 7 / 14 و 21 و 67 و 70 و 71 و 114، الجرح والتعديل 2 / 522، ابن الاثير 5 / 48، 50 و 158 و 161، تاريخ الاسلام 4 / 237، 238، العبر 1 / 137، 138، شذرات الذهب 1 / 144.
[ * ]

(5/189)


روى أبو مسهر عن شيخ من حكم قال: قال الجراح الحكمي: تركت الذنوب حياء أربعين سنة، ثم أدركني الورع.
قال شباب: هو دمشقي نزل البصرة والكوفة، وكان من القراء قال الوليد بن مسلم: كان إذا مر في جامع دمشق يميل رأسه عن القناديل من طوله.
وقال مجالد: ولي يزيد بن المهلب العراق، فلما سار إلى خراسان، استخلف الجراح على العراق، وعن الحسن الزرقي، قال: كان الجراح بن عبد الله على خراسان كلها حربها وصلاتها ومالها.
قال ابن جابر: وفي سنة اثنتي عشرة ومئة غزا الجراح بلاد الترك ورجع، فأدركته الترك، فقتل هو وأصحابه.
وقال أبو سفيان الحميري: كان الجراح على أرمينية وكان رجلا صالحا فقتلته الخزر (1)، ففزع الناس لقتله في البلدان.
قال سليم بن عامر: دخلت على الجراح، فرفع يديه، فرفع الامراء أيديهم، فمكث طويلا، ثم قال لي: يا أبا يحيى، هل تدري ما كنا فيه ؟ قلت: لا، وجدتكم في رغبة، فرفعت يدي معكم، قال: سألنا الله الشهادة، فوالله ما بقي منهم أحد في تلك الغزاة حتى استشهد.
قال خليفة: زحف الجراح من برذعة (2) سنة اثنتي عشرة إلى ابن خاقان، فاقتتلوا قتالا شديدا، فقتل الجراح في رمضان، وغلبت الخزر على أذربيجان، وبلغوا إلى قريب من الموصل (3).
قال الواقدي: كان البلاء بمقتل الجراح على المسلمين عظيما، بكوا عليه في كل جند.
__________
(1) الخزر: شعب قطن شمالي بحر قزوين ثم قسما من أرمينيا انظر للتعريف بهم " معجم البلدان " و " الروض المعطار " ص 218 و 219 و " مروج الذهب " 2 / 7.
(2) برذعة: قصبة أذربيجان.
(3) تاريخ خليفة ص 342.
[ * ]

(5/190)


70 - طلحة بن مصرف * (ع) ابن عمرو بن كعب، الامام الحافظ المقرئ، المجود، شيخ الاسلام، أبو محمد اليامي الهمداني الكوفي.
تلا على يحيى بن وثاب وغيره، وحدث عن أنس بن مالك، وعبد الله بن أبي أوفى، ومرة الطيب، وزيد بن وهب، ومجاهد، وخيثمة بن عبدالرحمن، وذر الهمداني، وأبي صالح السمان وطائفة.
حدث عنه ابنه محمد بن طلحة ومنصور، والاعمش، ومالك بن مغول وشعبة، وخلق كثير.
قال أبو خالد الاحمر: أخبرت أن طلحة بن مصرف شهر بالقراءة، فقرأ على الاعمش لينسلخ ذلك الاسم عنه (1)، فسمعت الاعمش يقول: كان يأتي، فيجلس على الباب حتى أخرج فيقرأ، فما ظنكم برجل لا يخطئ ولا يلحن.
وقال موسى الجهني: سمعت طلحة بن مصرف يقول: قد أكثرتم علي في
عثمان، ويأبى قلبي إلا أن يحبه (2).
__________
* طبقات ابن سعد 6 / 308، طبقات خليفة: 162، التاريخ الكبير 4 / 346، التاريخ الصغير 1 / 271، الجرح والتعديل 4 / 473، حلية الاولياء 5 / 14، تهذيب الكمال: 631، تذهيب التهذيب 2 / 107 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 260، العبر 1 / 139، تهذيب التهذيب 5 / 25، خلاصة تهذيب الكمال: 180، شذرات الذهب 1 / 145، الجمع بين رجال الصحيحين: 230، طبقات القراء 1 / 343.
(1) قال في " الشذرات ": كان يسمى سيد القراء ولما علم إجماع أهل الكوفة على أنه أقرأ من بها ذهب ليقرأ على الاعمش رفيقه لتنزل رتبته في أعينهم، ويأبى الله إلا رفعته.
(2) وحق له أن يحبه، فهو أمير المؤمنين ومن أول الناس إسلاما وزوجه الرسول صلى الله عليه وسلم بابنتيه رقية وأم كلثوم، وهو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، ولما صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا هو وأبو بكر وعمر وعثمان رجف بهم، فقال: اثبت أحد عليك نبي وصديق وشهيدان، وكان صلى الله عليه وسلم يستحي منه ويقول: ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة، وشهد له صلى الله عليه وسلم أنه هو وأصحابه على الهدى، ولما جهز جيش العسرة بألف دينار قال له صلى الله عليه وسلم: " ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم ".
[ * ]

(5/191)


وعن عبدالملك (1) بن أبجر، قال: ما رأيت طلحة بن مصرف في ملا إلا رأيت له الفضل عليهم.
وقال الحسن بن عمرو: قال لي طلحة بن مصرف: لولا أني على وضوء لاخبرتك بما تقول الرافضة.
قال فضيل بن غزوان: قيل لطلحة بن مصرف: لو ابتعت طعاما ربحت فيه، قال: إني أكره أن يعلم الله من قلبي غلا على المسلمين.
وقال فضيل بن عياض: بلغني عن طلحة أنه ضحك يوما فوثب على نفسه وقال: ولم تضحك، إنما يضحك من قطع الاهوال، وجاز الصراط، ثم قال: آليت أن لا أفتر ضاحكا حتى أعلم بم تقع الواقعة، فما رئي ضاحكا حتى صار إلى
الله.
ابن عيينة، عن أبي جناب، سمعت طلحة بن مصرف يقول: شهدت الجماجم (2) فما رميت، ولا طعنت، ولا ضربت، ولوددت أن هذه سقطت ها هنا ولم أكن شهدتها.
قال ليث بن أبي سليم: حدثت طلحة بن مصرف في مرضه أن طاووسا كره الانين، فما سمع طلحة يئن حتى مات.
وقال شعبة: كنا في جنازة طلحة بن مصرف، فأثنى عليه أبو معشر وقال: ما خلف مثله.
__________
(1) في الاصل: عبد الله، وهو تحريف.
(2) موضع في العراق قريب من الكوفة نشبت عنده معركة سنة 82 أو 83 ه بين عبدالرحمن ابن الاشعث والحجاج، كان الغلب والظفر فيها للحجاج بعد أن كانت بينهما وقائع كثيرة انهزم في معظمها الحجاج وجيشه انظر " الكامل " 4 / 469 - 472.
[ * ]

(5/192)


قال أحمد بن عبد الله العجلي: كان طلحة يحرم النبيذ، قلت: وكان يحب عثمان رضي الله عنه، فهاتان خصلتان عزيزتان في الرجل الكوفي.
توفي طلحة في آخر سنة اثنتي عشرة ومئة.

71 - أبو الزاهرية * (م، د، س، ق) حدير بن كريب الحمصي إمام مشهور من علماء الشام، سمع أبا أمامة الباهلي، وعبد الله بن بسر، وجبير بن نفير وطائفة، وأرسل عن أبي الدرداء، وحذيفة بن اليمان، وجماعة.
روى عنه إبراهيم بن أبي عبلة، وسعيد بن سنان، وأحوص بن حكيم، ومعاوية بن صالح، وآخرون.
قال أحمد بن محمد بن عيسى في " تاريخه ": زعموا أنه أدرك أبا الدرداء وكان أميا لا يكتب، وثقه يحيى بن معين وغيره.
قتيبة: حدثنا شهاب بن خراش، عن حميد بن أبي الزاهرية، عن أبيه قال: أغفيت في صخرة بيت المقدس فجاءت السدنة، فأغلقوا علي الباب، فما انتبهت إلا بتسبيح الملائكة، فوثبت مذعورا فإذا المكان صفوف، فدخلت معهم في الصف.
قال أبو عبيد، وغيره: مات أبو الزاهرية سنة مئة، وقال المدائني: في خلافة عمر بن عبد العزيز، وقال ابن سعد وشباب: توفي سنة سبع عشرة ومئة.
__________
* طبقات خليفة: 311، تاريخ البخاري 3 / 98، التاريخ الصغير 301، تاريخ الفسوي 2 / 448 و 3 / 203، الجرح والتعديل 3 / 295، حلية الاولياء 6 / 100، تهذيب الكمال 241، تذهيب التهذيب 1 / 125 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 194، 4 / 74، البداية 9 / 190، تهذيب التهذيب 2 / 218، خلاصة تذهيب الكمال: 97، تهذيب ابن عساكر 4 / 93، 95.
[ * ]

(5/193)


72 - القاسم * (4) ابن عبدالرحمن الامام، محدث دمشق.
أبو عبد الرحمن الدمشقي مولى عبدالرحمن بن خالد بن يزيد بن معاوية الاموي، وهو القاسم بن أبي القاسم يرسل كثيرا عن قدماء الصحابة، كعلي وتميم الداري، وابن مسعود ويروي عن أبي هريرة، وفضالة بن عبيد، ومعاوية، وأبي أمامة وعدة.
حدث عنه يحيى بن الحارث الذماري، وثور بن يزيد، وعبد الله بن العلاء ابن زبر، ومعاوية بن صالح، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر وخلق.
قال ابن سعد: هو مولى أم المؤمنين أم حبيبة، وقيل مولى معاوية له حديث كثير، وفي بعض حديث الشاميين أن القاسم أدرك أربعين بدريا.
ذكر البخاري في " تاريخه " (1) أنه سمع عليا وابن مسعود، وهذا من وهم البخاري، وقال يحيى بن معين: ثقة.
وروى ابن شابور، (2) عن يحيى الذماري، سمعت القاسم أبا عبدالرحمن يقول: لقيت مئة من الصحابة.
وروى يحيى بن حمزة، عن عروة بن رويم، عن القاسم أبي عبدالرحمن، قال: قدم علينا سلمان الفارسي دمشق.
قلت: أنكر أحمد بن حنبل هذا وقال: كيف يكون له هذا اللقاء، وهو مولى لخالد بن يزيد.
__________
* طبقات ابن سعد 7 / 449، 450، طبقات خليفة: 311، التايخ الكبير 7 / 159، الجرح والتعديل 7 / 113، تهذيب الكمال: 1112، تذهيب التهذيب 3 / 148 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 293، ميزان الاعتدال 3 / 373، العبر 1 / 139، تهذيب التهذيب 8 / 322، خلاصة تذهيب الكمال: 312، شذرات الذهب 1 / 145.
(1) أي: " التاريخ الصغير " 1 / 220، ولكنه حين ترجمه في " التاريخ الكبير " 7 / 159، لم يذكر عليا وابن مسعود واقتصر على قوله: سمع أبا أمامة.
(2) هو محمد بن شعيب بن شابور الاموي مولاهم الدمشقي من كبار التاسعة، مات سنة 200 ه وهو من رجال " التهذيب ".
[ * ]

(5/194)


عبد الله بن صالح: حدثنا معاوية بن صالح، عن سليمان أبي الربيع عن القاسم، قال: رأيت الناس مجتمعين على شيخ، فقلت: من هذا ؟ فقالوا: سهل ابن الحنظلية.
قال دحيم: كان القاسم مولى جويرية بنت أبي سفيان فورثت.
قال عبدالرحمن بن يزيد بن جابر: ما رأيت أحدا أفضل من القاسم أبي عبد الرحمن، كنا بالقسطنطينية، وكان الناس يرزقون رغيفين رغيفين، فكان يتصدق
برغيف ويصوم، ويفطر على رغيف.
وقال أحمد بن حنبل: في حديث القاسم مناكير مما ترويه الثقات.
وقال ابن سعد: منهم من يضعفه.
وقال أحمد: حديث القاسم عن أبي أمامة " الدباغ طهور " هذا منكر (1)، وقال أحمد أيضا: روى عنه علي بن يزيد أعاجيب، وما أراها إلا من قبل القاسم.
وقال ابن حبان: يروي عن الصحابة المعضلات، وكان يزعم أنه لقي أربعين بدريا.
وقال جماعة عن ابن معين: ثقة، وقال أبو إسحاق الجوزجاني: كان خيارا فاضلا، أدرك أربعين من المهاجرين والانصار، وقال الترمذي: ثقة، قال ابن سعد وغيره: مات سنة اثنتي عشرة ومئة.

73 - القاسم * (ح، 4) ابن عبدالرحمن بن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، عبد الله بن مسعود الهذلي
__________
(1) لكن في الباب أحاديث صحيحة يؤخذ منها طهارة الجلد المدبوغ، انظرها في " نصب الراية " 1 / 115 - 120.
* طبقات ابن سعد 6 / 330، طبقات خليفة: 159، تاريخ خليفة: 334 و 351، التاريخ

(5/195)


الامام المجتهد، قاضي الكوفة، أبو عبد الرحمن الكوفي، عم القاسم بن معن الفقيه.
ولد في صدر خلافة معاوية، وحدث عن أبيه، وعبد الله بن عمر، وجابر بن سمرة، ومسروق، وطائفة.
روى عنه الاعمش، ومحمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى، والمسعودي ومسعر بن كدام وآخرون.
وثقه يحيى بن معين وغيره، وقال ابن المديني: لم يلق ابن عمر، قال
الاعمش: كنت أجلس إليه وهو قاض، وقال محارب بن دثار: صحبناه إلى بيت المقدس ففضلنا بكثرة الصلاة، وطول الصمت والسخاء.
قلت وما كان يأخذ على القضاء رزقا، كان في كفاية.
قال بن عيينة: قلت لمسعر: من أشد من رأيت توقيا للحديث ؟ قال: القاسم بن عبدالرحمن.
قال ابن نافع: توفي سنة ست عشرة ومئة.

74 - عمرو بن مرة * (ع) ابن عبد الله بن طارق بن الحارث بن سلمة بن كعب بن وائل بن جمل ابن كنانة بن ناجية بن مراد، الامام القدوة الحافظ أبو عبد الله المرادي ثم
__________
= الكبير 7 / 158، التاريخ الصغير 1 / 265، تاريخ الفسوي 2 / 584، الجرح والتعديل 7 / 112، تهذيب الكمال: 1112، تذهيب التهذيب 3 / 148 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 293، ميزان الاعتدال 3 / 374، تهذيب التهذيب 8 / 321، خلاصة تذهيب الكمال: 312.
* طبقات خليفة: 163، تاريخ خليفة: 349، التاريخ الكبير 6 / 368، التاريخ الصغير 1 / 78، تاريخ الفسوي 2 / 615، الجرح والتعديل 6 / 257، نهاية الارب: 300، جمهرة أنساب العرب 445، تهذيب الكمال: 1051، تذهيب التهذيب 3 / 110 / 1، تاريخ الاسلام / 286، العبر 1 / 234، تهذيب التهذيب 8 / 102، خلاصة تذهيب الكمال: 293، شذرات الذهب 1 / 152.
[ * ]

(5/196)


الجملي الكوفي، أحد الائمة الاعلام.
حدث عن عبد الله بن أبي أوفى، وأرسل عن ابن عباس وغيره، وروى عن أبي وائل، وسعيد بن المسيب، وابن أبي ليلى، وعمرو بن ميمون الاودي، ومرة الطيب، وخيثمة بن عبدالرحمن، وسعيد بن جبير، وهلال بن يساف، وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، ويوسف بن ماهك، وأبي البختري الطائي، وإبراهيم النخعي، وأبي عمر زاذان، وسالم بن أبي الجعد، وعبد
الله بن سلمة، وأبي الضحى، ومصعب بن سعد، وأبي بردة، وخلق كثير.
حدث عنه أبو إسحاق السبيعي وهو من طبقته، والاعمش، وإدريس بن يزيد، والعوام بن حوشب، ومنصور بن المعتمر، وأبو خالد الدالاني، وحصين بن عبدالرحمن وهو من أقرانه، وزيد بن أبي أنيسة، وشعبة، والثوري، وقيس بن الربيع، ومسعر، وخلق سواهم.
قال علي بن المديني: له نحو مئتي حديث، وقال سعيد بن أبي سعيد الرازي: سئل أحمد بن حنبل عنه فزكاه، وروى الكوسج عن ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: ثقة يرى الارجاء (1).
قال الحسن بن محمد الطنافسي، عن حفص بن غياث: ما سمعت الاعمش يثني على أحد إلا على عمرو بن مرة فإنه كان يقول: كان مأمونا على ما عنده.
قال بقية: قلت لشعبة: عمرو بن مرة ؟ قال: كان أكثرهم علما.
وروى معاذ بن معاذ عن شعبة قال: ما رأيت أحدا من أصحاب الحديث إلا يدلس (2) إلا عمرو بن مرة، وابن عون.
__________
(1) الارجاء الذي يعد بدعة هو قول من يقول: لا تضر مع الايمان معصية، وأما من يقول: نرجئ أمر المؤمنين ولو كانوا فساقا إلى الله، لاننزلهم جنة ولا نارا، ولا نتبرأ منهم، ونتولاهم في الدين فهو من الارجاء المحمود الذي يقول به جمهور الائمة من المسلمين، والذي يغلب على الظن أن المترجم يقول بالارجاء الثاني لا بالاول.
(2) هذا من مبالغات شعبة فإن كثيرا من المحدثين غيرهما لا يوصفون بالتدليس كما يعلم من مراجعة كتب التراجم.
[ * ]

(5/197)


أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ، وأحمد بن عبدالرحمن قالا: أنبأنا عبد الله بن عمر، أنبأنا أبو الوقت السجزي، أنبأنا عبدالرحمن بن عفيف سنة سبع وسبعين وأربع مئة، أنبأنا عبدالرحمن بن أحمد الانصاري، حدثنا أبو
القاسم البغوي، حدثنا أحمد بن إبراهيم العبدي، حدثنا عبدالرحمن بن غزوان أبو نوح، قال: سمعت شعبة يقول: ما رأيت عمرو بن مرة في صلاة قط إلا ظننت أنه لا ينفتل حتى يستجاب له.
وبه إلى البغوي: حدثنا الاشج، حدثنا عبد العزيز القرشي، عن مسعر، قال: لم يكن بالكوفة أحب إلي ولا أفضل من عمرو بن مرة.
وبه حدثني أحمد بن زهير، حدثني نصر بن المغيرة، قال سفيان بن عيينة، قلت لمسعر: من أفضل من أدركت ؟ قال: ما كان أفضل من عمرو بن مرة.
وبه حدثني أحمد، حدثنا علي بن الجعد، أنبأنا شعبة قال: كنت مع عمرو بن مرة إلى المسجد، وكان ضريرا.
وبه حدثني أحمد، حدثنا ابن الاصبهاني، حدثنا عبد السلام، عن أبي خالد الدالاني، قال: قلت لعمرو بن مرة: تحدث فلانا وهو كذا وكذا، قال: إنما استودعنا شيئا، فنحن نؤديه.
وبه حدثنا محمد بن حميد، حدثنا جرير، عن مغيرة، قال: لم يزل في الناس بقية، حتى دخل عمرو بن مرة في الارجاء، فتهافت الناس فيه.
وبه حدثني عبد الله بن سعيد الاشج حدثنا أحمد بن بشير، حدثنا مسعر: سمعت عبدالملك بن ميسرة ونحن في جنازة عمرو بن مرة، وهو يقول: إني لاحسبه خير أهل الارض.

(5/198)


وروى مسعر عن عمر قال: عليكم بما يجمع الله [ عليه ] المتفرقين يريد - والله أعلم - الاجماع والمشهور.
روى عبد الجبار بن العلاء، عن ابن عيينة، عن مسعر، قال: كان
عمرو بن مرة من معادن الصدق.
أبو حاتم الرازي، عن حماد بن زاذان، سمعت عبدالرحمن بن مهدي، يقول: حفاظ الكوفة أربعة: عمرو بن مرة، ومنصور، وسلمة بن كهيل، وأبو حصين.
أحمد بن سنان، عن عبدالرحمن قال: أربعة بالكوفة لا يختلف في حديثهم، فمن اختلف عليهم، فهو مخطئ، منهم عمرو بن مرة.
قال أبو نعيم وأحمد بن حنبل: مات عمرو سنة ست عشرة ومئة، وقيل: مات سنة ثماني عشرة.
ومن حديثه: أخبرنا ابن البخاري وجماعة كتابة قالوا: أنبأنا عمر بن محمد، أنبأنا عبد الوهاب الحافظ، أنبأنا ابن هزارمرد، أنبأنا ابن حبابة، أنبأنا عبد الله بن محمد، حدثنا علي بن الجعد، أنبأنا شعبة، عن عمرو بن مرة: سمعت عبد الله بن أبي أوفى، وكان من أصحاب الشجرة، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقة قال: " اللهم صل عليهم " فأتاه أبي بصدقته، فقال: " اللهم صل على آل أبي أوفى " (1).
(1) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 3 / 286 في الزكاة: باب صلاة الامام ودعائه لصاحب الصدقة وفي المغازي 7 / 345 باب: غزوة الحديبية، ومسلم (178) في الزكاة: باب الدعاء لمن أتى بصدقة من طرق، عن شعبة عن عمرو بن مرة به، وقوله: " اللهم صل على آل أبي أوفى " يريد أبا أوفى نفسه، لان الآل يطلق على ذات الشئ، كقوله صلى الله عليه وسلم في قصة أبي موسى الاشعري: " لقد أوتي مزمارا من مزامير آل داود " واسم أبي أوفى: علقمة بن خالد بن الحارث الاسلمي شهد هو وابنه عبد الله بيعة الرضوان تحت الشجرة.
[ * ]

(5/199)


وبه عن عمرو بن مرة، قال: صليت خلف سعيد بن جبير فقرأ: " بسم
الله الرحمن الرحيم "، ثم قرأ: " ولا الضالين " ثم قرأ: " بسم الله الرحمن الرحيم " وكان لا يتم التكبير، ويسلم تسليمة واحدة (1).
أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن عبدالمعز بن محمد، أنبأنا تميم بن أبي سعيد، أنبأنا محمد بن عبدالرحمن، أنبأنا أبو عمرو بن حمدان، أنبأنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا علي بن الجعد، أنبأنا شعبة، عن عمرو بن مرة، سمعت يحيى بن الجزار، عن ابن عباس قال: جئت أنا وغلام من بني هاشم على حمار، فمررنا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فنزلنا عنه وتركناه يأكل من بقل الارض، أو من نبات الارض، فدخلنا معه في الصلاة، فقال رجل: أكان بين يديه عنزة قال: لا (2).

75 - سعيد بن عمرو * (خ، م) ابن سعيد بن العاص بن أبي أحيحة القرشي الاموي المدني، نزيل الكوفة، كان مع أبيه عمرو الاشدق، إذ تملك دمشق، ثم أمنه عبدالملك وغدر بن فذبحه (3)، فسار سعيد بآله إلى المدينة.
__________
(1) إسناده صحيح.
(2) إسناده صحيح، وأورده الهيثمي في " المجمع " 2 / 63 ونسبه إلى أبي يعلى وقال: رجاله رجال الصحيح، وأخرجه مالك 1 / 155 - 156، والبخاري 1 / 472 أول سترة المصلي، ومسلم (504) من طريق ابن شهاب عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن عبد الله بن عباس أنه قال: أقبلت راكبا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى، فمررت بين يدي بعض الصف، فنزلت، فأرسلت الاتان ترتع، ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك علي أحد.
والعنزة: مثل نصف الرمح أو أكبر شيئا، وفيها سنان مثل سنان الرمح والعكازة قريب منها.
* طبقات خليفة: 286، التاريخ الكبير 8 / 415، التاريخ الصغير 1 / 306، الجرح والتعديل 9 / 302، تهذيب الكمال: 1555، تذهيب التهذيب 4 / 188 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 20، تهذيب
التهذيب 11 / 403، خلاصة تذهيب الكمال: 438، تهذيب ابن عساكر 6 / 167، 168.
(3) انظر الطبري 6 / 140، 145.
[ * ]

(5/200)


حدث عن أبي هريرة، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو، وابن عمر، وأم خالد بنت خالد، ووالده.
روى عنه بنوه: عمرو، وإسحاق، وخالد، وحفيده عمرو بن يحيى، وشعبة وآخرون.
وثقه النسائي وغيره، وكان من سروات قومه وعلمائهم، وفد على الوليد ابن يزيد في خلافته سنة ست وعشرين ومئة وقد أسن.

76 - يعلى بن عطاء * (م، 4) العامري شيخ ثقة طائفي، سكن واسط يروي عن أبيه، ووكيع بن عدس، وعمارة بن حديد، وعمرو بن الشريد وجماعة كثيرة.
حدث عنه شعبة، وحماد بن سلمة، وأبو عوانة، وشريك، وهشيم.
وثقه أحمد بن حنبل، توفي سنة عشرين ومئة.

77 - القاسم بن مخيمرة * * (خت، م، 4) الامام القدوة الحافظ أبو عروة الهمداني الكوفي، نزيل دمشق.
حدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وأبي سعيد الخدري، وأبي أمامة الباهلي، وعن علقمة بن قيس، وعبد الله بن عكيم، وشريح بن هانئ
__________
* التاريخ الكبير 3 / 499، تاريخ الفسوي 1 / 292، الجرح والتعديل 4 / 49، تهذيب الكمال: 503، تذهيب التهذيب 2 / 26 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 79، تهذيب التهذيب 4 / 68، خلاصة تذهيب الكمال: 141.
* * طبقات ابن سعد 6 / 303، طبقات خليفة: 157 و 311، تاريخ خليفة: 325، التاريخ
الكبير 7 / 167، تاريخ الفسوي 2 / 407، الجرح والتعديل 7 / 120، تهذيب الكمال: 1117، تذهيب التهذيب 3 / 152 / 1، تاريخ الاسلام 4 / 294، العبر 1 / 227، تهذيب التهذيب 8 / 337، خلاصة تذهيب الكمال: 314، شذرات الذهب 1 / 144.
[ * ]

(5/201)


ووراد كاتب المغيرة، وأبي عمار الهمداني، وسليمان بن بريدة، وأبي بردة بن أبي موسى، وأبي مريم الازدي، وطائفة، وليس هو بالمكثر.
حدث عنه أبوه إسحاق السبيعي، وسلمة بن كهيل، والحكم، وسماك بن حرب، وعلقمة بن مرثد، وهلال بن يساف مع تقدمه، وأبو حصين، و ابن أبي خالد، وحسان بن عطية، ويزيد بن أبي زياد، والحسن بن الحر، ويزيد بن أبي مريم الشامي، والاوزاعي، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، ومحمد بن عبد الله الشعيثي، وسعيد بن عبد العزيز، وزيد بن واقد، والضحاك ابن عبدالرحمن بن حوشب النصري، ويزيد بن يزيد بن جابر، وخلق سواهم.
ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية من أهل الكوفة، قال: وكان ثقة، وله أحاديث.
وروى عباس عن يحيى بن معين، قال: هو كوفي، وذهب إلى الشام، ولم نسمع أنه سمع من أحد من الصحابة.
وقال يحيى وأبو حاتم والعجلي: ثقة.
وقال أبو حاتم: ثقة صدوق كوفي، كان معلما بالكوفة ثم سكن الشام.
وقال إسماعيل بن أبي خالد: كنا في كتاب القاسم بن مخيمرة، فكان يعلمنا، ولا يأخذ منا.
وروى محمد بن كثير، عن الاوزاعي، قال: كان القاسم بن مخيمرة، يقدم علينا ها هنا متطوعا، فإذا أراد أن يرجع، استأذن الوالي، فقيل له:
أرأيت إن لم يأذن لك، قال: إذا أقيم، ثم قرأ: * (وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه) * [ النور: 62 ].
وروى أبو إسحاق الفزاري عن الاوزاعي نحو ذلك، وزاد فيها ويقول: من عصى من بعثه، لم تقبل له صلاة حتى يرجع.

(5/202)


وقال علي بن أبي حملة: ذكر الوليد بن هشام القاسم بن مخيمرة لعمر بن عبد العزيز، فأرسل إليه، فدخل عليه، فقال: سل حاجتك، قال: يا أمير المؤمنين، قد علمت ما يقال في المسألة، قال: ليس أنا ذاك، إنما أنا قاسم، سل حاجتك.
قال: تلحقني في العطاء قال: قد ألحقناك في خمسين، فسل حاجتك، قال: تقضي عني ديني، قال: قد قضيناه، فسل حاجتك، قال: تحملني على دابة، قال: قد حملناك، فسل، قال: تلحق بناتي في العيال، قال: قد فعلنا، فسل حاجتك، قال: أي شئ بقي، فقال: قد أمرنا لك بخادم فخذها من عند أخيك الوليد بن هشام.
وروى سعيد بن عبد العزيز، عن القاسم بن مخيمرة، قال: لم يجتمع على مائدتي لونان من طعام قط، وما أغلقت بابي قط ولي خلفه هم.
قال الاوزاعي: أتى القاسم بن مخيمرة عمر بن عبد العزيز ففرض له، وأمر له بغلام، فقال: الحمد لله الذي أغناني عن التجارة، وكان له شريك، كان إذا ربح، قاسم شريكه، ثم يقعد في بيته، لا يخرج حتى يأكله.
وقال عمر بن أبي زائدة: كان القاسم بن مخيمرة إذا وقعت عنده الزيوف، كسرها ولم يبعها.
وقال الاوزاعي، عن موسى بن سليمان بن موسى، عن القاسم بن مخيمرة، قال: من أصاب مالا من مأثم، فوصل به، أو تصدق به، أو أنفقه في
سبيل الله جمع ذلك كله في نار جهنم.
وقال محمد بن عبد الله الشعيثي: كان القاسم بن مخيمرة يدعو بالموت، فلما حضره الموت، قال لام ولده: كنت أدعو بالموت، فلما نزل بي، كرهته..قلت: هكذا يتم لغالب من يتمنى الموت، والنبي صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يتمنى أحدنا الموت لضر نزل به، وقال: " ليقل: اللهم أحيني إذا كانت

(5/203)


الحياة خيرا لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي " (1).
قال المدائني، والهيثم، وشباب، وطائفة: مات القاسم بن مخيمرة في خلافة عمر بن عبد العزيز بدمشق.
وقال الفلاس، والمفضل الغلابي: سنة مئة.
وقال ابن معين: سنة مئة أو إحدى ومئة.
أبو مسهر: حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال: قال القاسم بن مخيمرة: ما اجتمع على مائدتي لونان.
وقال ابن جابر: رأيت القاسم بن مخيمرة يجيب إذا دعي، ولا يأكل إلا من لون واحد.
قال الاوزاعي: كان القاسم يقدم علينا مرابطا متطوعا، وسمعته يقول: لان أطأ على سنان محمي ينفذ من قدمي أحب إلي من أن أطأ على قبر مؤمن متعمدا (2).

78 - ثمامة * (ع) ابن عبد الله بن أنس بن مالك الانصاري.
__________
(1) أخرجه البخاري: 10 / 107، 108 في المرض: باب تمني المريض الموت، ومسلم (2680) في الذكر والدعاء: باب كراهة تمني الموت لضر نزل به من حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لايتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه، فإن كان لابد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي " وأخرجه البخاري 10 / 109، 110 من حديث أبي
هريرة بلفظ " لا يتمنى أحدكم الموت، إما محسنا فلعله أن يزداد خيرا وإما مسيئا، فلعله أن يستعتب " وأخرجه مسلم (2682) بلفظ " لا يتمنى أحدكم الموت ولا يدعو به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا ".
(2) لان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الجلوس على القبر، فقد أخرج مسلم في " صحيحه " (971) وأبو داود (3228) والنسائي 4 / 95، وابن ماجه (1566) من حديث أبي هريرة مرفوعا: " لان يجلس أحدكم على جمرة فيحترق ثوبه حتى تخلص إليه خير له من أن يجلس على قبر ".
* طبقات ابن سعد 7 / 239، التاريخ الكبير 2 / 177، تاريخ الفسوي 2 / 244، 248، الجرح والتعديل 2 / 466، تهذيب الكمال: 178، تذهيب التهذيب 1 / 98 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 237، تهذيب التهذيب 2 / 28، خلاصة تذهيب الكمال: 58.
[ * ]

(5/204)


روى عن جده، والبراء بن عازب.
وعنه ابن عون، ومعمر، وعزرة بن ثابت، ومعاوية بن عبد الكريم الضال (1)، وأبو عوانة وعدة.
وكان من العلماء الصادقين، ولي قضاء البصرة وكان يقول: صحبت جدي ثلاثين سنة.

79 - معبد * (ع) ابن خالد الجدلي الكوفي العابد، قاص الكوفة، وأحد الاثبات أبو القاسم.
حدث عن جابر بن سمرة، والمستورد بن شداد، وحارثة بن وهب ومسروق، وعبد الله بن شداد، وجماعة.
روى عنه مسعر، وحجاج بن أرطاة، وشعبة، والثوري، وغيرهم، وثقه غير واحد.
مات سنة ثمان عشرة ومئة، رحمه الله.

80 - جامع بن شداد * * (ع) الامام الحجة أبو صخرة المحاربي، أحد علماء الكوفة.
__________
(1) هو معاوية بن عبد الكريم الثقفي أبو عبد الرحمن البصري، ثقة من عقلاء أهل البصرة، وهو مولى أبي بكر، قيل له الضال، لانه ضل طريق مكة.
* طبقات خليفة: 160، التاريخ الكبير 7 / 399، الجرح والتعديل 8 / 280، تهذيب الكمال: 1347، تذهيب التهذيب 4 / 53 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 305، تهذيب التهذيب 10 / 221، 222، خلاصة تذهيب الكمال: 382، شذرات الذهب: 156.
* * طبقات ابن سعد 6 / 318، طبقات خليفة: 160، تاريخ خليفة: 378، التاريخ الكبير 2 / 240، 241، التاريخ الصغير 1 / 285، الجرح والتعديل 2 / 529، تهذيب الكمال: 186، تذهيب التهذيب 1 / 101 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 237، تهذيب التهذيب 2 / 56، خلاصة تذهيب الكمال: 60.
[ * ]

(5/205)


حدث عن صفوان بن محرز، وحمران بن أبان، وأبي بردة بن أبي موسى، وجماعة.
حدث عنه الاعمش، ومسعر، وشعبة، وسفيان، وشريك، وآخرون.
وثقه أبو حاتم وغيره، وهو من أقران الاعمش، وإنما قدمته، لانه قديم الموت، توفي سنة ثمان عشرة ومئة.

81 - علقمة بن مرثد * (ع) الامام الفقيه الحجة أبو الحارث الحضرمي الكوفي.
حدث عن أبي عبدالرحمن السلمي، وطارق بن شهاب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وسعد بن عبيدة وأمثالهم.
عداده في صغار التابعين،
ولكنه قديم الموت.
حدث عنه غيلان بن جامع، وأبو حنيفة، والاوزاعي، وشعبة، وسفيان الثوري، ومسعر بن كدام، والمسعودي وآخرون.
قال الامام أحمد: هو ثبت في الحديث.
قلت: توفي سنة عشرين ومئة.

82 - علي بن زيد * * (4، م مقرونا) (1) ابن جدعان ، الامام العالم الكبير أبو الحسن القرشي، التيمي البصري الاعمى.
__________
طبقات خليفة: 163، تاريخ خليفة: 351، التاريخ الكبير 7 / 41، تهذيب الكمال: 956، تذهيب التهذيب 2 / 53، تاريخ الاسلام 4 / 281، تهذيب التهذيب 7 / 278، خلاصة تذهيب الكمال: 271، شذرات الذهب 1 / 157.
* * طبقات خليفة: 215، التاريخ الكبير 6 / 275، التاريخ الصغير 1 / 318، الجرح والتعديل 6 / 186، تهذيب الكمال: 969، تذهيب التهذيب 3 / 61 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 111، تذكرة الحفاظ 1 / 140، ميزان الاعتدال 3 / 127، 129، العقد الثمين 6 / 174، 175، تهذيب التهذيب 7 / 322، طبقات الحفاظ: 58، خلاصة تذهيب الكمال: 274، شذرات الذهب 1 / 176.
(1) أي أن مسلما أخرج حديثه مقرونا بغيره.
[ * ]

(5/206)


ولد أظن في دولة يزيد، وحدث عن أنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، وأبي عثمان النهدي، وعروة بن الزبير، وأبي قلابة، والحسن، والقاسم بن محمد وعدة.
حدث عنه شعبة، وسفيان، وحماد بن سلمة، وعبد الوارث، وحماد بن زيد، وسفيان بن عيينة، وإسماعيل بن علية، وشريك وعدة.
ولد أعمى كقتادة، وكان من أوعية العلم على تشيع قليل فيه، وسوء حفظ يغضه من درجة الاتقان.
قال أبوزعة وأبو حاتم: ليس بقوي، وقال البخاري وغيره: لا يحتج به، وقال ابن خزيمة: لاأحتج به لسوء حفظه، وقال الترمذي: صدوق، وكان ابن عيينة يلينه، وقال شعبة: حدثنا علي بن زيد وكان رفاعا وقال مرة: حدثنا قبل أن يختلط.
وقال حماد بن زيد: أنبأنا علي بن زيد: وكان يقلب الاحاديث، وقال الفلاس: كان يحيى بن سعيد يتقيه، وقال أحمد بن حنبل: ضعيف، وروى عباس عن يحيى: ليس بشئ، ومرة قال: هو أحب إلي من ابن عقيل: وعاصم ابن عبيدالله.
وروى عثمان الدارمي عن يحيى: ليس بذاك القوي، وقال العجلي: كان يتشيع، ليس بالقوي.
وقال الفسوي: اختلط في كبره، وقال الدارقطني: لا يزال عندي فيه لين.
قلت: قد استوفيت أخباره في " الميزان " وغيره، وله عجائب ومناكير، لكنه واسع العلم، قال منصور بن زاذان: لما مات الحسن، قلنا لعلي بن زيد: اجلس مكانه، وقال الجريري: أصبح فقهاء البصرة عميانا: قتادة، وابن جدعان، وأشعث الحداني.

(5/207)


مات علي سنة إحدى وثلاثين ومئة.

83 - الحكم بن عتيبة * (ع) الامام الكبير عالم أهل الكوفة، أبو محمد الكندي، مولاهم الكوفي،
ويقال: أبو عمرو، ويقال: أبو عبد الله.
حدث عن أبي جحيفة السوائي، وشريح القاضي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبي وائل شقيق بن سلمة، وإبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير، ومصعب بن سعد، وطاووس، وعكرمة، ومجاهد، وأبي الضحى، وعلي بن الحسين، وأبي الشعثاء المحاربي، وعامر الشعبي، وعطاء بن أبي رباح، والحسن بن مسلم، وعمرو بن ميمون الاودي، ومقسم، وأبي عمر الصيني، وعراك بن مالك، ويحيى بن الجزار، وخيثمة بن عبدالرحمن، وسالم بن أبي الجعد، وقيس بن أبي حازم، وعمرو بن نافع، وأبي صالح السمان، وإبراهيم التيمي، وخلق سواهم.
وعنه منصور، والاعمش، وزيد بن أبي أنيسة، وأبان بن تغلب، ومسعر ابن كدام، ومالك بن مغول، والاوزاعي، وحمزة بن حبيب الزيات، وشعبة، وقيس بن الربيع، وأبو عوانة، ومعقل بن عبيدالله، وآخرون.
قال أحمد بن حنبل: هو من أقران إبراهيم النخعي، ولدا في عام واحد، قلت: ما عين السنة، وهي نحو سنة ست وأربعين.
__________
* طبقات ابن سعد 6 / 331، طبقات خليفة: 162، التاريخ الصغير 1 / 276، 277، الجرح والتعديل 3 / 123، طبقات الشيرازي: 82، تهذيب الكمال: 316، تذهيب التهذيب 1 / 167 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 242، تذكرة الحفاظ 1 / 117، العبر 1 / 143، تهذيب التهذيب 2 / 432، طبقات الحفاظ: 44، خلاصة تذهيب الكمال: 89، شذرات الذهب 1 / 151، وفي ميزان المؤلف 1 / 577 وهو بصدد ترجمة الحكم بن عتيبة بن نهاس المجهول: وقد جعل البخاري هذا والحكم بن عتيبة الامام المشهور واحدا، فعد من أوهام البخاري.
[ * ]

(5/208)


كتب إلي من سمع أبا حفص المعلم، أنبأنا ابن المبارك، أنبأنا أبو
محمد الخطيب، أنبأنا ابن حبابة، حدثنا البغوي، حدثنا محمد بن غيلان، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، قال: كان ابن شهاب في أصحابه بمنزلة الحكم في أصحابه.
قال الاوزاعي: حججت فلقيت عبدة ابن أبي لبابة، فقال لي: هل لقيت الحكم، قلت: لا، قال: فالقه، فما بين لابتيها أفقه منه.
قال أحمد بن حنبل: هو أثبت الناس في إبراهيم.
قال سفيان بن عيينة: ما كان بالكوفة مثل الحكم، وحماد بن أبي سليمان.
قال عباس الدوري: كان الحكم صاحب عبادة وفضل، وقال أحمد بن عبد الله العجلي: كان الحكم ثقة ثبتا فقيها من كبار أصحاب إبراهيم، وكان صاحب سنة واتباع.
قال سليمان الشاذكوني، حدثنا يحيى بن سعيد، سمعت شعبة يقول: كان الحكم يفضل عليا على أبي بكر وعمر، قلت: الشاذكوني ليس بمعتمد وما أظن أن الحكم يقع منه هذا.
وروى أبو إسرائيل الملائي، عن مجاهد بن رومي، قال: ما كنت أعرف فضل الحكم إلا إذا اجتمع علماء الناس في مسجد منى نظرت إليهم [ فإذا هم ] (1) عيال عليه.
وبإسنادي إلى البغوي: حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا ابن نمير، حدثنا ابن إدريس، عن أبيه، قال: رأيت الحكم وحمادا في مجلس محارب وهو على
__________
(1) لفظه في " تهذيب الكمال ": ما كنت أعرف فضل الحكم إلا إذا اجتمع الناس في مسجد منى حتى رأيت علماء الناس عيالا عليه.
[ * ]

(5/209)


القضاء أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله، فينظر إلى هذا مرة، وإلى هذا مرة.
وقال شعبة: أحاديث الحكم عن مقسم كتاب سوى خمسة (1) أحاديث، ثم قال يحيى القطان: هي حديث الوتر، وحديث القنوت، وحديث عزيمة الطلاق، وجزاء الصيد، وإتيان الحائض.
ثم قال يحيى: والحجامة للصائم ليس بصحيح.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا بهز وأبو داود قالا: حدثنا شعبة عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم بالقاحة (2)، لم يقل بهز: بالقاحة.
حدثنا أحمد بن حنبل قال: قال يحيى بن سعيد: قال شعبة: لم يسمع
__________
(1) حديث عزيمة الطلاق: أخرجه الطبري 2 / 429 من طريق شعبة، عن الحكم، عن مقسم عن ابن عباس قال: عزم الطلاق انقضاء الاربعة الاشهر، وإسناده صحيح، وحديث اجزاء الصيد: أخرجه الطبري 7 / 44 من طريق جرير، عن منصور، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس في قوله تعالى * (فجزاء مثل ما قتل من النعم) *، قال: إذا أصاب المحرم الصيد، وجب عليه جزاؤه من النعم، فإن وجد جزاء، ذبحه، فتصدق به، فإن لم يجد جزاءه، قوم الجزاء دراهم، ثم قوم الدراهم حنطة، ثم صام مكان كل نصف صاع يوما.
قال: وإنما أريد بالطعام الصوم، فإذا وجد طعاما وجد جزاء.
وإسناده صحيح.
وحديث إتيان الحائض: أخرجه أبو داود (264) من طريق مسدد، عن يحيى، عن شعبة، عن الحكم، عن عبدالحميد بن عبدالرحمن، عن مقسم، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: " يتصدق بدينار أو نصف دينار " وإسناده صحيح وقد صححه غير واحد من الائمة، وأخرجه النسائي 1 / 153، وابن ماجه (640) وأحمد 1 / 229، 230، 286، وابن الجارود 58 و 59 والحاكم 1 / 171 و 172 والبيهقي من طرق عن شعبة، عن الحكم، عن عبدالحميد، عن مقسم عن ابن عباس مرفوعا ولم يذكر عبدالحميد، وأخرجه الدارمي 1 / 255 عن الحكم عن مقسم،
عن ابن عباس موقوفا.
(2) أخرجه أحمد 1 / 244 و 248، والطيالسي ص 353، والطحاوي 351 من طرق عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس.
وصححه البخاري والترمذي وغيرهما، وضعفه أحمد بن حنبل ويحيى بن سعيد القطان وغيرهما.
والقاحة: اسم موضع بين مكة والمدينة على ثلاث مراحل منها.
[ * ]

(5/210)


الحكم من مقسم، يعني حديث الحجامة (1).
حدثنا أبو خيثمة، حدثنا محمد بن خازم، حدثنا الاعمش، عن شقيق، عن عبد الله قال: والله إن الذي يفتي الناس في كل ما يسألونه لمجنون، قال الاعمش: قال لي الحكم: لو سمعت هذا منك قبل اليوم ما كنت أفتي في كثير مما كنت أفتي.
حدثنا أحمد بن محمد القاضي، حدثنا مسلم، حدثنا شعبة، عن الحكم قال: خرجت على جنازة وأنا غلام، فصلى عليها زيد بن أرقم، فسمعت الناس يقولون: كبر عليها أربعا.
وقال معقل بن عبيدالله: قلت للحكم يا أبا محمد.
قال علي بن المديني: قلت ليحيى: أي أصحاب إبراهيم أحب إليك ؟ قال: الحكم ومنصور ما أقربهما، قال المدائني: الحكم بن عتيبة كندي ويقال: أسدي مولى.
قال حجاج بن محمد: سمعت أبا إسرائيل يقول: إن أول يوم عرفت فيه الحكم يوم مات الشعبي، جاء إنسان يسأل عن مسألة فقالوا: عليك بالحكم بن عتيبة.
أحمد بن زهير، حدثنا ابن معين، حدثنا جرير، عن مغيرة، قال: كان الحكم إذا قدم المدينة، فرغت له سارية النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إليها.
حميد بن عبدالرحمن: سمعت ابن أبي ليلى يقول: كان الشعبي يقول:
__________
(1) وقال أحمد: رواه سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن طاووس، عن ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام احتجم وهو محرم، وكذلك رواه روح عن زكريا بن إسحاق، عن عمرو، عن طاووس عن ابن عباس مثله، وكذلك رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مثله، وقال أحمد: فهؤلاء أصحاب ابن عباس لا يذكرون صياما.
[ * ]

(5/211)


ما قالت الصعافقة (1) ما قال الناس يعني الحكم.
وقال ضمرة عن الاوزاعي: لقيت الحكم بمنى فإذا رجل حسن السمت متقنعا.
وقال أبو همام: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثني الاوزاعي قال: قال لي يحيى بن أبي كثير ونحن بمنى: لقيت الحكم بن عتيبة ؟ قلت: نعم، قال: ما بين لابتيها أحد أفقه منه.
قال: وبها عطاء وأصحابه.
وقال أبو نعيم: حدثنا الاعمش، عن الحكم قال لرجل: أنت مثل الطير الذي يرى الكواكب في السماء يحسب أنها سمك.
وقال ابن إدريس: سألت شعبة متى مات الحكم ؟ قال: سنة خمس عشرة ومئة، قال ابن إدريس: فيها ولدت، وفيها أرخه أبو نعيم وغيره، وقيل سنة أربع عشرة، وليس بشئ.
أخبرنا القاضي أبو محمد عبد الخالق بن عبد السلام، أنبأنا عبد الله بن أحمد الفقيه، أنبأنا أحمد بن عبد الغني، أنبأنا نصر بن أحمد، أنبأنا عبد الله بن عبيدالله، حدثنا أبو عبد الله المحاملي، حدثنا محمد بن الوليد، حدثنا محمد هو ابن جعفر، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي رافع، عن أبي رافع، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة فقال لابي رافع:
اصحبني كيما تصيب منها، فقال: حتى آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأسأله، فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله، فقال: " إن الصدقة لا تحل لنا، وإن مولى القوم من أنفسهم ".
__________
(1) أراد الذين ليس عندهم علم ولا فقه، شبههم بالصعافقة الذين يشهدون السوق وليست عندهم رؤوس أموال ولانقد.
[ * ]

(5/212)


هذا حديث صحيح غريب، أخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي (1) من رواية شعبة، فوقع لنا عاليا، وابن أبي رافع، هو عبيدالله.

84 - ابن أبي المهاجر * (خ، م، د، س، ق) إسماعيل بن عبيدالله بن أبي المهاجر، الامام الكبير أبو عبد الحميد الدمشقي مولى بني مخزوم ومفقه أولاد عبدالملك الخليفة، من الثقات العلماء.
حدث عن السائب بن يزيد، وأنس بن مالك، وعبد الرحمن بن غنم وأم الدرداء وجماعة.
روى عنه الاوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، وطائفة.
وثقه أحمد العجلي وغيره.
قال رجاء بن أبي سلمة عن معن التنوخي: ما رأيت أحدا أزهد منه، ومن عمر بن عبد العزيز، وقد كان ولاه عمر المغرب فأقام بها سنتين، وولوا بعده يزيد بن أبي مسلم.
قال شباب: أسلم عامة البربر في ولاية إسماعيل، وكان حسن السيرة.
وقال أبو مسهر: أدرك إسماعيل بن عبيدالله معاوية وهو غلام.
قيل: إن عبدالملك قال له: يا إسماعيل علم ولدي، ولست أعطيك على القرآن إنما
أعطيك على النحو.
مات في سنة اثنتين وثلاثين ومئة، قبل دخول بني العباس دمشق بالسيف بثلاثة أشهر.
__________
(1) أخرجه أبو داود (1650) في الزكاة: باب الصدقة على بني هاشم، والترمذي (657) في الزكاة: باب ما جاء في كراهية الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته ومواليه، والنسائي 5 / 107 في الزكاة: باب مولى القوم منهم، وأحمد 6 / 8 و 10، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم 1 / 204، ووافقه المؤلف في " مختصره " وهو كما قالوا.
* طبقات خليفة: 315، التاريخ الكبير 1 / 366، التاريخ الصغير 2 / 11، الجرح والتعديل 2 / 182، تهذيب الكمال: 107، تذهيب التهذيب 1 / 65 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 226، تهذيب = [ * ]

(5/213)


85 - أبو يعفور * (ع) العبدي الكوفي، من ثقات التابعين، اسمه واقد، وقيل: وقدان، وهو أبو يعفور الكبير.
حدث عن ابن عمر، وأنس بن مالك، وعبد الله بن أبي أوفى، ومصعب ابن سعد.
روى عنه شعبة، وإسرائيل، والثوري، وأبو الاحوص، وابنه يونس بن أبي يعفور، وسفيان بن عيينة، وآخرون.
وثقه غير واحد.
لم أقع بوفاته.

86 - أبو قبيل * * (ت، س) المعافري المحدث حي (1) بن هانئ بن ناضر، بمعجمة، يماني، قدم واستوطن مصر، وروى عن عقبة بن عامر، وعبد الله بن عمرو، وشفي بن ماتع.
وعنه يحيى بن أيوب، والليث بن سعد، وضمام بن إسماعيل، وبكر بن مضر، وجماعة.
__________
= التهذيب 1 / 317، خلاصة تذهيب الكمال: 35، تهذيب تاريخ دمشق 3 / 28، 31.
* طبقات ابن سعد 6 / 348، التاريخ الكبير 9 / 82، الجرح والتعديل 9 / 48، تهذيب الكمال: 1458، تذهيب التهذيب 4 / 131 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 197، تهذيب التهذيب 11 / 123.
* * طبقات ابن سعد 7 / 512، طبقات خليفة: 294، التاريخ الكبير 3 / 75، التاريخ الصغير 1 / 262، تاريخ الفسوي 5 / 507، الجرح والتعديل 3 / 275، تهذيب الكمال: 351، تذهيب التهذيب: 1 / 184 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 195، 196، ميزان الاعتدال 1 / 624، تهذيب التهذيب 3 / 72، خلاصة تذهيب الكمال: 97، شذرات الذهب 1 / 175.
(1) حي بياء واحدة، وهو كذلك في " طبقات ابن سعد " " وطبقات خليفة " " والجرح والتعديل " والاكمال.
وفي التهذيب، وفروعه، وتاريخ البخاري الكبير والصغير " حيي " بيائين وسيذكره المؤلف.
[ * ]

(5/214)


وثقه أحمد، روى ضمام عنه قال: جاءنا باليمن مقتل عثمان ففزعنا.
وقيل: اسمه حيي.
قال ابن يونس: مات سنة ثمان وعشرين ومئة.
قلت: لعله جاوز المئة.

87 - زياد بن علاقة * (ع) ابن مالك أبو مالك الثعلبي الكوفي، من الثقات المعمرين.
يقال: إنه أدرك ابن مسعود.
وقد حدث عن عمه قطبة بن مالك، وجرير بن عبد الله البجلي، والمغيرة بن شعبة، وأسامة بن شريك، وعمرو بن ميمون الاودي، وجماعة.
حدث عنه شعبة، وسفيان الثوري، وشيبان النحوي، وزائدة، وزهير بن معاوية، وإسرائيل وأبو عوانة، وأبو الاحوص، وسفيان بن عيينة وطائفة، وهو أكبر شيخ لابن عيينة.
قال ليث بن أبي سليم: أدرك ابن مسعود، وقال النسائي وغيره: ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق.
قيل: مات سنة خمس وعشرين ومئة، وقيل: مات بعد ذلك بيسير.
قلت: أحسبه جاوز المئة، وقع لي حديثه عاليا.
قرأت على علي بن عيسى المعدل، أخبركم محمد بن إبراهيم الفارسي أنبأنا أحمد بن محمد، أنبأنا أبو عبد الله الثقفي، أنبأنا أبو الحسين بن بشران، أنبأنا إسماعيل الصفار، حدثنا سعدان، حدثنا ابن عيينة، عن زياد بن علاقة
__________
* طبقات ابن سعد 6 / 316، طبقات خليفة: 159، التاريخ الكبير 3 / 364، الجرح والتعديل 3 / 540، تهذيب الكمال: 447، تذهيب التهذيب 1 / 245 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 72، تهذيب التهذيب 3 / 380، شذرات الذهب 1 / 166.
[ * ]

(5/215)


سمع أسامة بن شريك يقول: شهدت الاعراب يسألون النبي صلى الله عليه وسلم: هل علينا من جناح في كذا وكذا ؟.
فقال: " عباد الله وضع الله الحرج إلا امرءا اقترض من عرض أخيه شيئا، فذاك الذي حرج " قالوا: يا رسول الله، ما خير ما أعطي العبد ؟ قال: " خلق حسن " (1).

88 - سعيد المقبري * (ع) الامام المحدث الثقة أبو سعد سعيد بن أبي سعيد كيسان الليثي مولاهم المدني المقبري، كان يسكن بمقبرة البقيع.
حدث عن أبيه، وعن عائشة، وأبي هريرة، وسعد بن أبي وقاص، وأم
سلمة، وابن عمر، وأبي شريح الخزاعي، وأبي سعيد الخدري وعدة وكان من أوعية الحديث.
حدث عنه أولاده عبد الله وسعد، وابن أبي ذئب، وإسماعيل بن أمية، وزيد بن أبي أنيسة، وعبيدالله بن عمر، ومالك بن أنس، وإبراهيم بن طهمان، والليث بن سعد، وخلق سواهم.
وحديثه مخرج في الصحاح.
قال أبو حاتم: صدوق، وقال عبد الرحمن بن حراش: ثقة جليل، وأثبت الناس فيه الليث، وقال ابن سعد: ثقة
__________
(1) رجاله ثقات، وأخرجه ابن ماجه (3436) من حديث سفيان، عن زياد بن علاقة به، وزاد فيه: فقالوا: يا رسول الله ! هل علينا جناح ألا نتداوى ؟ قال: " تداووا عباد الله، فإن الله سبحانه لم يضع داء إلا وضع معه شفاء إلا الهرم " وإسناده صحيح، وأخرج بعضه أبو داود (2015) وقوله: اقترض: معناه: اغتاب أخاه أو سبه، أو آذاه، وأصله من القرض وهو القطع.
* التاريخ الكبير 3 / 474، التاريخ الصغير 1 / 282، الجرح والتعديل 4 / 57، اللباب 3 / 246، تهذيب الكمال: 493، تذهيب التهذيب 2 / 20 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 80، تذكرة الحفاظ 1 / 116، ميزان الاعتدال 2 / 139، تهذيب التهذيب 4 / 38، خلاصة تذهيب الكمال: 138، شذرات الذهب 1 / 163.
[ * ]

(5/216)


لكنه اختلط قبل موته بأربع سنين.
قلت: ما أحسبه روى شيئا في مدة اختلاطه، وكذلك لا يوجد له شئ منكر.
توفي سنة خمس وعشرين ومئة، وقيل: توفي سنة ثلاث وعشرين وقيل: سنة ست وعشرين، وكان من أبناء التسعين.
وقع لنا من عواليه، أخبرنا أحمد بن إسحاق، أنبأنا أكمل بن أبي الازهر
أنبأنا أبو القاسم بن البناء، أنبأنا محمد بن محمد، أنبأنا أبو بكر بن زنبور، حدثنا عبد الله بن سليمان، حدثنا عيسى بن حماد، أنبأنا الليث عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مئة سنة " (1).

89 - محارب بن دثار * (ع) ابن كردوس بن قرواش السدوسي الكوفي الفقيه قاضي الكوفة، وليها لخالد بن عبد الله القسري.
حدث عن ابن عمر، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن يزيد الخطمي والاسود بن يزيد وجماعة، وليس حديثه بالكثير.
__________
(1) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (2826) في الجنة من طريق قتيبة بن سعيد، عن ليث، عن سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، وأخرجه البخاري 8 / 481 من طريق سفيان، عن أبي الزناد، عن الاعرج عن أبي هريرة.
* طبقات ابن سعد 6 / 307، طبقات خليفة: 161، التاريخ الكبير 7 / 28، التاريخ الصغير 1 / 287، تاريخ الفسوي 2 / 674، الجرح والتعديل 8 / 416، تهذيب الكمال: 1305، تذهيب التهذيب 4 / 25 / 1، تاريخ الاسلام 4 / 297، ميزان الاعتدال 3 / 441، تهذيب التهذيب 10 / 49، خلاصة تذهيب الكمال: 395، شذرات الذهب: 1 / 152.
[ * ]

(5/217)


حدث عنه زبيد اليامي، ومسعر، وشعبة، والثوري، وقيس بن الربيع، وعدد كثير.
وكان ثقة حجة، قال سفيان: ما يخيل إلي أنني رأيت أحدا أفضله على محارب بن دثار.
قال ابن سعد: كان من المرجئة الاولى الذين يرجئون عليا وعثمان إلى
أمر الله، ولا يشهدون عليهما بإيمان ولا بكفر.
وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين.
قال ابن عيينة: رأيت محاربا يقضي في المسجد، وروى عبد الله بن إدريس عن أبيه قال: رأيت الحكم وحماد بن أبي سليمان في مجلس حكم محارب بن دثار، أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله.
قال سفيان الثوري: استعمل محارب على القضاء فبكى أهله، وعزل عن القضاء فبكى أهله.
وقال سعد بن الصلت: حدثنا هارون بن الجهم، حدثنا عبدالملك بن عمير، قال: كنت في مجلس قضاء محارب بن دثار، فادعى رجل على رجل، فأنكر، فقال: ألك بينة، قال: نعم، فلان، فقال خصمه: إنا لله، لئن شهد علي ليشهدن بزور، ولئن سألتني عنه لازكينه، فلما جاء الشاهد قال محارب: حدثنا ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الطير لتضرب بمناقيرها، وتقذف ما في حواصلها من هول يوم القيامة، وإن شاهد الزور لا تقار قدماه على الارض حتى يقذف به في النار " (1) ثم قال: بم تشهد ؟ قال: قد نسيت، أرجع فأتذكر.
__________
(1) قال المصنف في ترجمة هارون بن الجهم من " الميزان ": حدث عنه سعد بن الصلت بحديث منكر عن عبدالملك بن عمير، عن محارب بن دثار عن ابن عمر.
وقال العقيلي: يخالف في حديثه، وليس بمشهور بالنقل، وأورده الهيثمي في " المجمع " 4 / 200 ونسبه للطبراني في " الاوسط " وقال: وفيه من لاأعرفه، وأخرجه مختصرا ابن ماجه (2373) عن ابن = [ * ]

(5/218)


توفي محارب في سنة ست عشرة ومئة.
روى زهير بن معاوية، عن أبيه، عن محارب قال: رأيت عمران بن حطان
فما سأل واحد منا صاحبه عن الهوى، كان عمران خارجيا، وكان محارب يتشيع.

90 - عامر * (ع) ابن عبد الله بن الزبير بن العوام، الامام الرباني أبو الحارث الاسدي المدني، أحد العباد.
سمع أباه وعمرو بن سليم، وعنه أبو صخرة جامع، وابن عجلان، وعبد الله بن سعيد بن أبي هند، وابن جريج ومالك وآخرون.
قال أحمد بن حنبل: حدثنا سفيان أن عامر بن عبد الله اشترى نفسه من الله ست مرات، يعني يتصدق كل مرة بديته.
قال الزبير بن بكار: كان أبوه لما يرى منه يقول: قد رأيت أبا بكر وعمر لم يكونا هكذا، قال مالك: كان عامر يواصل ثلاثا (1).
__________
= عمر مرفوعا: " لن تزول قدما شاهد الزور حتى يوجب الله به النار " وفي سنده محمد بن الفرات متفق على ضعفه، وكذبه أحمد، وهو في " المستدرك " 4 / 98، وصححه الحاكم، فأخطأ، وعجب من المؤلف كيف وافقه على تصحيحه في " مختصره " مع أنه حين ترجم لمحمد بن الفرات في " الميزان " نقل تكذيبه عن أحمد وأبي داود، وتضعيفه عن غير واحد من الائمة وأورد حديثه هذا في جملة منكراته.
* نسب قريش: 243، طبقات خليفة: 259، التاريخ الكبير 6 / 448، تاريخ الفسوي 1 / 665، الجرح والتعديل 6 / 325، حلية الاولياء 3 / 166، 168، تهذيب الكمال: 645، تذهيب التهذيب 2 / 117 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 91، تهذيب التهذيب 5 / 74، خلاصة تذهيب الكمال: 184.
(1) ربما لم يبلغه حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه مالك 1 / 300، والبخاري 4 / 177، ومسلم (1102) من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال، قالوا: إنك تواصل، قال: " إني لست
كهيئتكم إني أطعم وأسقى " وقال الامام النووي: اتفق أصحابنا على النهي عن الوصال وهو صوم يومين فصاعدا من غير أكل وشرب بينهما.
[ * ]

(5/219)


قال مصعب: سمع عامر المؤذن وهو يجود بنفسه، فقال: خذوا بيدي فقيل: إنك عليل، قال: أسمع داعي الله، فلا أجيبه، فأخذوا بيده، فدخل مع الامام في المغرب، فركع ركعة، ثم مات.
القعبني: سمعت مالكا يقول: كان عامر بن عبد الله يقف عند موضع الجنائز يدعو وعليه قطيفة، فتسقط وما يشعر.
معن، عن مالك قال: ربما انصرف عامر من العتمة، فيعرض له الدعاء، فلا يزال يدعو إلى الفجر.
قلت: مجمع على ثقته.
توفي سنة نيف وعشرين ومئة، وله عدة إخوة: خبيب ومحمد وأيوب وهاشم وحمزة وعباد وثابت.

91 - ثابت بن أسلم * (ع) الامام القدوة شيخ الاسلام أبو محمد البناني، مولاهم البصري، وبنانة هم بنو سعد بن لؤي بن غالب، ويقال: هم بنو سعد بن ضبيعة بن نزار.
ولد في خلافة معاوية.
وحدث عن عبد الله بن عمر، وذلك في مسلم، وعبد الله بن مغفل المزني، وذلك في سنن النسائي، وعن عبد الله بن الزبير، وذلك في البخاري، وأبي برزة الاسلمي، وعمر بن أبي سلمة المخزومي ربيب النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك في الترمذي والنسائي، وأنس بن مالك، ومطرف بن عبد
__________
* طبقات ابن سعد 7 / 232، طبقات خليفة: 214، التاريخ الكبير 2 / 159، 160، التاريخ الصغير 1 / 318، 319، تاريخ الفسوي 2 / 98، الجرح والتعديل 2 / 449، حلية الاولياء 3 / 180،
تهذيب الكمال: 173، تذهيب التهذيب 1 / 96 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 50، 52، تذكرة الحفاظ 1 / 125، العبر 1 / 142، طبقات القراء 2 / 202، تهذيب التهذيب 2 / 2، النجوم الزاهرة 1 / 273، طبقات الحفاظ: 49، خلاصة تذهيب الكمال: 300، شذرات الذهب 1 / 149.
[ * ]

(5/220)


الله، وأبي رافع الصائغ، وأبي بردة الاشعري، وصفوان بن محرز، وأبي عثمان النهدي، والجارود بن أبي سبرة، وشعيب بن محمد، وولده عمرو ابن شعيب، وعبد الله بن رباح الانصاري، وكنانة بن نعيم، وأبي أيوب المراغي، وأبي ظبية الكلاعي، وأبي العالية، وحبيب بن أبي ضبيعة الضبعي، وعبد الرحمن بن عباس القرشي، وواقع بن سحبان، ومعاوية بن قرة، وشهر بن حوشب، وبكر بن عبد الله المزني، وخلق سواهم.
وكان من أئمة العلم والعمل، رحمة الله عليه.
حدث عنه عطاء بن أبي رباح مع تقدمه، وقتادة، وابن جدعان، ويونس ابن عبيد، وحبيب بن الشهيد، وحميد الطويل، وسليمان التيمي، وسيار أبو الحكم، وعبد الله بن عبيد بن عمير الليثي، وعبد الله بن المثنى، وأشعث بن براز، وداود بن أبي هند، وعبيدالله بن عمر، ويزيد بن أبي زياد، وابن شوذب، ومعمر، وشعبة، وجرير بن حازم، وسليمان بن المغيرة، وسلام بن مسكين، وحاتم بن ميمون، والحكم بن عطية، وحماد بن سلمة، وحماد بن يحيى الابح، وبكر بن خنيس، وبكر بن الحكم أبو البشر المزلق، وبحر بن كنيز، وحماد بن زيد، وديلم بن غزوان، وسعيد بن زربى، وسهيل بن أبي حزم، وأبو المنذر سلام بن سليمان القاري، والضحاك بن نبراس، وعبد الله بن الزبير الباهلي، وعبد العزيز بن المختار، ومبارك بن فضالة، ومرحوم بن عبد العزيز العطار، وهارون بن موسى النحوي، وأبو عوانة الوضاح،
وعمارة بن زاذان، وابنه محمد بن ثابت، وجعفر بن سليمان الضبعي وخلق كثير.
قال أبو طالب: سألت أحمد بن حنبل عن ثابت وقتادة، فقال: ثابت تثبت في الحديث، وكان يقص، وقتادة كان يقص، وكان أذكر، وكان محدثا

(5/221)


من الثقات المأمونين، صحيح الحديث.
وقال أحمد العجلي: ثقة رجل صالح، وقال النسائي: ثقة، وقال أبو حاتم الرازي: أثبت صحاب أنس بن مالك الزهري، ثم ثابت، ثم قتادة.
وقال ابن عدي: هو من تابعي أهل البصرة وزهادهم ومحدثيهم، كتب عنه الائمة، وأروى الناس عنه حماد بن سلمة، وأحاديثه مستقيمة، إذا روى عنه ثقة، وما وقع في حديثه من النكرة إنما هو من الراوي عنه، فقد روى عنه جماعة مجهولون ضعفاء.
قال علي بن المديني: حدثني عبدالرحمن أو بهز عن حماد بن سلمة قال: كنت أسمع أن القصاص لا يحفظون الحديث، فكنت أقلب الاحاديث على ثابت أجعل أنسا لابن أبي ليلى وبالعكس، أشوشها عليه، فيجئ بها على الاستواء.
حماد بن زيد، عن أبيه قال: قال أنس: إن للخير أهلا، وإن ثابتا هذا من مفاتيح الخير.
عفان، عن حماد بن سلمة، قال: كان ثابت يقول: اللهم إن كنت أعطيت أحدا الصلاة، في قبره فأعطني الصلاة في قبري، فيقال: إن هذه الدعوة استجيبت له، وإنه رئي بعد موته يصلي في قبره فيما قيل.
قال علي بن الحسين بن واقد، عن أبيه، عن ثابت حدثني عبد الله بن مغفل
في شأن الحديبية، وصحبت أنس بن مالك أربعين سنة ما رأيت أعبد منه.
وقيل: بنانة هي والدة سعد بن لؤي بن غالب.
واختلفوا في وفاة ثابت، فعن جعفر بن سليمان مما رواه البخاري في " تاريخه الاوسط " عن محمد بن محبوب، عن شيخ له، عنه قال: مات ثابت،

(5/222)


ومالك بن دينار، ومحمد بن واسع سنة ثلاث وعشرين ومئة.
وقال سعيد بن عامر عن الثلاثة: ماتوا في سنة واحدة قبل الطاعون أراه بسنتين.
وقال البخاري: حدثنا أحمد بن سليمان: سمعت ابن علية قال: مات ثابت سنة سبع وعشرين ومئة ومات ابن جدعان بعده.
وعند محمد بن ثابت قال: مات ثابت سنة سبع وعشرين ومئة وهو ابن ست وثمانين سنة (1).
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أنبأنا الفتح بن عبد الله، أنبأنا هبة الله بن الحسين، أنبأنا أبو الحسين بن النقور، حدثنا عيسى بن الجراح، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد إملاء، حدثنا هدبة بن خالد، حدثنا سهيل بن أبي حزم، عن ثابت بن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية * (هو أهل التقوى وأهل المغفرة) * قال: يقول ربكم عزوجل: أنا أهل أن أتقى فلا يشرك بي غيري، وأنا أهل لمن اتقى أن يشرك بي أن أغفر له ".
هذا حديث حسن (2) غريب أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه، ثلاثتهم من طريق زيد بن الحباب عن سهيل القطعي، فوقع لنا بعلو درجتين.
أخبرنا إسحاق الاسدي، أنبأنا ابن خليل، أنبأنا اللبان، أنبأنا الحداد، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا ابن مالك، حدثنا عبد الله بن أحمد القواريري، حدثنا
__________
(1) " التاريخ الصغير " 1 / 318.
(2) بل ضعيف لضعف سهيل بن أبي حزم، وعجب من المؤلف كيف يحسن حديثه هنا وقد نقل في " ميزانه " تضعيفه عن أبي حاتم والبخاري والنسائي وابن معين، وأخرجه الترمذي (3325) في تفسير القرآن، وابن ماجه (4299) في الزهد: باب ما يرجى من رحمة الله في يوم القيامة من حديث زيد بن الحباب، وأخرجه النسائي من حديث المعافى بن عمران كلاهما عن سهيل القطعي به، ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن هدبة بن خالد عن سهيل به، وهكذا رواه أبو يعلى والبزار والبغوي وغيرهم من حديث سهيل به.
[ * ]

(5/223)


حماد بن زيد، أخبرني أبي قال: قال أنس بن مالك يوما: إن للخير مفاتيح وإن ثابتا من مفاتيح الخير.
وقال غالب القطان عن بكر المزني: من أراد أن ينظر إلى أعبد أهل زمانه فلينظر إلى ثابت البناني، فما أدركنا الذي هو أعبد منه، ومن أراد أن ينظر إلى أحفظ أهل زمانه فلينظر إلى قتادة.
وعن ابن أبي رزين، أن ثابتا قال: كابدت الصلاة عشرين سنة، وتنعمت بها عشرين سنة.
روح: حدثنا شعبة قال: كان ثابت البناني يقرأ القرآن في كل يوم وليلة، ويصوم الدهر (1).
وقال حماد بن زيد: رأيت ثابتا يبكي حتى تختلف أضلاعه.
وقال جعفر بن سليمان: بكى ثابت حتى كادت عينه تذهب، فنهاه الكحال عن البكاء، فقال: فما خيرهما إذا لم يبكيا، وأبى أن يعالج (2).
__________
(1) أخرج البخاري 4 / 195 في الصوم، ومسلم (1159) في الصوم أيضا من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لاصام من صام الابد " وقوله: لا صام من صام الابد من الدعاء
عليه، قال ابن العربي في " العارضة " 3 / 299: فيا بؤس من أصابه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وأما من قال: إنه خبر، فيا بؤس من أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يصم، فقد علم أنه لا يكتب له ثواب لوجوب الصدق في خبره صلى الله عليه وسلم وقد نفى الفضل عنه، فكيف يطلب ما نفاه النبي عليه الصلاة والسلام.
وروى عبد الرزاق في " المصنف " (7871) عن أبي عمر السيباني قال: كنا عند عمر بن الخطاب فأتي بطعام له فاعتزل رجل من القوم فقال: ماله ؟ قالوا: إنه صائم، قال: وما صومه، قالوا: الدهر، قال: فجعل يضرب رأسه بقناة معه ويقول: " كل يا دهر كل يا دهر " وإسناده صحيح.
وأخرج البخاري 4 / 195 من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: " اقرأ القرآن في كل شهر " قال: إني أطيق أكثر، فما زال حتى قال في ثلاث، وأخرج البخاري 9 / 84، ومسلم (1159) (182) من حديث عبد الله بن عمرو قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ القرآن في كل شهر، قال: قلت إني أجد قوة، قال: فاقرأه في عشرين ليلة قال: قلت إني أجد قوة، قال فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك.
(2) كيف وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أسامة بن شريك وهو الواجب الاتباع بنص القرآن أن أناسا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتداوى ؟ قال: " نعم يا عباد الله، إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء " أخرجه أحمد 4 / 278، وابن ماجه (3436)، وأبو داود (3855)، والترمذي (39 ؟ 2)، وإسناده = [ * ]

(5/224)


وقال حماد بن سلمة: قرأ ثابت (أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا) * [ الكهف: 37 ] وهو يصلي صلاة الليل ينتحب ويرددها.
وقال سليمان بن المغيرة: رأيت ثابتا يلبس الثياب الثمينة والطيالس والعمائم.
وقال مبارك بن فضالة: دخلت على ثابت فقال: يا إخوتاه لم أقدر أن أصلي البارحة كما كنت أصلي، ولم أقدر أن أصوم، ولا أنزل إلى أصحابي فأذكر معهم، اللهم إذ حبستني عن ذلك فلا تدعني في الدنيا ساعة (1).

92 - محمد بن عمرو * (ع) ابن عطاء الامام أبو عبد الله القرشي العامري المدني، أحد الثقات.
حدث عن أبي حميد الساعدي في عشرة من الصحابة، في وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) وعن أبي هريرة، وأبي قتادة، وابن عباس، وسعيد بن المسيب وجماعة.
__________
= صحيح.
وصححه الترمذي وابن حبان (1395) و (1924)، وأخرج أبو داود (3874) عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا تتداووا بحرام " وسنده قوي.
(1) الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن تمني الموت، فقد أخرج البخاري 10 / 107 - 108، ومسلم (2680) من حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لايتمنين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان لابد فاعلا، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي ".
* طبقات خليفة: 263، التاريخ الكبير 1 / 189، الجرح والتعديل 8 / 29، تهذيب الكمال: 1251، تاريخ الاسلام 4 / 300، تهذيب التهذيب 9 / 373، خلاصة تذهيب الكمال: 354، شذرات الذهب 1 / 144.
(2) حديثه مخرج في البخاري 2 / 252، 255 في صفة الصلاة: باب سنة الجلوس في التشهد عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالسا في نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية أبي داود في عشرة فذكرنا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو حميد الساعدي: أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيته إذا = [ * ]

(5/225)


حدث عنه محمد بن عمرو بن حلحلة، وعمرو بن يحيى المازني والوليد بن كثير، وابن عجلان، ومحمد بن إسحاق، وعبد الحميد بن جعفر، وابن أبي ذئب وآخرون.
قال ابن سعد: كانت له هيئة ومروءة، كانوا يتحدثون أنه تفضي إليه الخلافة لهيئته وعقله وكماله، لقي ابن عباس وغيره، وكان ثقة له أحاديث.
توفي في آخر خلافة هشام بن عبدالملك.

93 - وهب بن كيسان * (ع) الفقيه أبو نعيم الاسدي المدني المؤدب، من موالي آل الزبير بن العوام.
رأى أبا هريرة، وحدث عن ابن عباس، وأبي سعيد الخدري، وجابر، وابن الزبير، وعمر بن أبي سلمة.
روى عنه عبيدالله بن عمر، وهشام بن عروة، وابن إسحاق، ومالك، وآخرون، وثقوه.
مات في سنة سبع وعشرين ومئة.
__________
= كبر، جعل يديه حذو منكبيه، وإذا ركع، أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار إلى مكانه، فإذا سجد، وضع يديه غير مفترش، ولا قابضهما واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة فإذا جلس في الركعتين، جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الآخرة، قدم رجله اليسرى ونصب الاخرى، وقعد على مقعدته.
* طبقات خليفة: 260، تاريخ خليفة: 378، التاريخ الكبير 8 / 163، الجرح والتعديل 9 / 23، تهذيب الكمال: 1478، تذهيب التهذيب 4 / 143 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 179، تهذيب التهذيب 11 / 166، خلاصة تهذيب الكمال: 419، شذرات الذهب 1 / 173.
[ * ]

(5/226)


94 - نعيم بن عبد الله * (ع) المجمر المدني الفقيه، مولى آل عمر بن الخطاب، كان يبخر مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
جالس أبا هريرة مدة، وسمع أيضا من ابن عمر، وجابر، وجماعة، وكان من بقايا العلماء.
وثقه أبو حاتم وغيره.
حدث عنه العلاء بن عبدالرحمن، وسعيد بن أبي هلال، ومالك بن أنس، وفليح بن سليمان، وهشام بن سعد، ومسلم بن خالد، وآخرون.
روى سعيد بن أبي مريم، عن مالك سمع نعيما المجمر يقول: جالست أبا هريرة عشرين سنة.
قلت: عاش إلى قريب سنة عشرين ومئة.

95 - يزيد بن صهيب * * (خ، م، د، س، ق) الفقير أبو عثمان الكوفي، ثقة مقل.
حدث عن ابن عمر، وجابر، وأبي سعيد الخدري.
وعنه الحكم، وعبد الكريم الجزري، وجعفر بن برقان، ومسعر، وعدة وله وفادة على عمر بن عبد العزيز.
[ * ]
__________
التاريخ الكبير 8 / 92، الجرح والتعديل 8 / 460، تهذيب الكمال: 1421، تذهيب التهذيب 4 / 103 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 12، تهذيب التهذيب 10 / 465، خلاصة تذهيب الكمال: 403.
* * طبقات ابن سعد 6 / 305، التاريخ الكبير 8 / 342، الجرح والتعديل 9 / 272، تهذيب الكمال: 1535، تذهيب التهذيب 4 / 212، خلاصة تذهيب الكمال 432.
[ * ]

(5/227)


وثقه ابن معين، وأبو زرعة، وقال أبو حاتم: صدوق.
قلت: لقب بالفقير، لانه اشتكا فقار ظهره، وهو من كبار شيوخ أبي حنيفة.

96 - عبد العزيز بن رفيع * (ع) المحدث الثقة أبو عبد الله الاسدي الطائفي ثم الكوفي.
حدث عن ابن عباس، وابن عمر، وأنس بن مالك، والقاضي شريح وزيد بن وهب.
وعبيد بن عمير، وعدة.
روى عنه شعبة، وسفيان، وأبو الاحوص، وشريك، وجرير بن عبد الحميد، وأبو بكر بن عياش، وسفيان بن عيينة وآخرون.
وثقه غير واحد، وحديثه نحو من ستين حديثا.
روى عنه من شيوخه ورفاقه عمرو بن دينار.
وقيل: إنه قلما تزوج امرأة إلا وطلبت الطلاق لكثرة استمتاعه بها، وقد أسن ومات وهو في عشر المئة أو التسعين.
توفي في سنة ثلاثين ومئة.
قال البخاري: رأى عائشة رضي الله عنها.
أخبرنا إسماعيل بن عبدالرحمن، أنبأنا ابن قدامة، أنبأنا ابن البطي، أنبأنا الحسين بن طلحة، أنبأنا علي بن محمد المعدل، أنبأنا محمد بن عمرو، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عبد العزيز بن رفيع، عن سويد بن غفلة، عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من مات لا يشرك بالله شيئا، دخل الجنة " قلت: يا رسول الله وإن زنى وإن سرق، قال: " وإن
__________
طبقات خليفة: 165، الجرح والتعديل 5 / 381، تهذيب الكمال: 839، تذهيب التهذيب 2 / 240 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 102، تهذيب التهذيب 6 / 337، خلاصة تذهيب الكمال: 239، شذرات الذهب 1 / 177.
[ * ]

(5/228)


زنى وإن سرق " ثلاث مرات، حديث صحيح (1) عال.

97 - عبدة بن أبي لبابة * (خ، م، ت، س، ق)
أبو القاسم الاسدي ثم الغاضري، مولاهم الكوفي التاجر، أحد الائمة، نزل دمشق.
وحدث عن ابن عمر، وعلقمة، وسويد بن غفلة، وزر، وأبي وائل.
روى عنه عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، والاوزاعي، وشعبة، وسفيان بن عيينة، وآخرون، وكان شريكا للحسن بن الحر، فقدما مكة بتجارة، فتصدقا برأس المال أربعين ألفا.
قال أحمد بن حنبل: لقي عبدة ابن عمر بالشام.
قال الاوزاعي: لم يقدم علينا من العراق أحد أفضل من عبدة وابن الحر.
وروى ابن ثوبان عن عبدة قال: كنت في سبعين من أصحاب ابن مسعود وقرأت عليهم القرآن.
وروى الاوزاعي عن عبدة قال: إذا رأيت الرجل لجوجا مماريا معجبا برأيه، فقد تمت خسارته.
قال حسين الجعفي: قدم ابن الحر وعبدة في تجارة مكة وبها فاقة، فتصدقا بعشرة آلاف، ففضل خلق من المساكين فما تخلصوا منهم إلا بإنفاق أربعين ألفا، وخرجوا من مكة ليلا.
يروى عن عبدة قال: ذقت ماء البحر ليلة سبعة وعشرين فوجدته عذبا.
__________
(1) وأخرجه البخاري 3 / 88، 89 في أول الجنائز و 13 / 387، ومسلم (94) في الايمان: باب من مات لا يشرك بالله شيئا من طريق واصل الاحدب، عن المعرور بن سويد عن أبي ذر، وأخرجه البخاري 5 / 41، 42 من طريق الاعمش، عن زيد بن وهب، عن أبي ذر..* طبقات ابن سعد 6 / 328، طبقات خليفة: 160، التاريخ الكبير 6 / 114، الجرح والتعديل 6 / 99، المجروحين والضعفاء 3 / 133، تهذيب الكمال: 875، تذهيب التهذيب 2 / 262 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 106، تهذيب التهذيب 6 / 461.
[ * ]

(5/229)


وروى الاوزاعي عنه قال: أقرب الناس إلى الرياء آمنهم منه.
وقال رجاء بن أبي سلمة: سمعت عبدة يقول: لوددت أن حظي من أهل الزمان أنهم لا يسألوني عن شئ، ولا أسألهم، إنهم يتكاثرون بالمسائل كما يتكاثر أهل الدراهم بالدراهم.
مات في حدود سنة سبع وعشرين ومئة.

98 - يونس بن ميسرة * (د، ت، ق) ابن حلبس أبو عبيد وأبو حلبس الجبلاني الاعمى عالم دمشق، وأخو أيوب ويزيد، طال عمره، وحدث عن معاوية، وعبد الله بن عمرو، وواثلة بن الاسقع، وابن عمر، وأبي مسلم الخولاني، والصنابحي وعدة.
وعنه عمرو بن واقد، ومروان بن جناح، والاوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، وآخرون.
قال أبو عبيد وأبو حسان الزيادي: بلغ مئة وعشرين سنة، وكان يقرئ القرآن في الجامع، وله كلام نافع في الزهد والمعرفة.
وثقه العجلي، والدارقطني، وهو القائل: إذا تكلفت ما لا يعنيك لقيت ما يعنيك.
قال عمرو بن واقد: حدثنا يونس، سمعت معاوية على المنبر، فذكر حديثا.
وقال الهيثم بن عمران: كنت جالسا عند ابن حلبس، وكان يدعو عند المغيب: اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك، فأقول: من أين يرزقها وهو أعمى ؟ فلما دخلت المسودة دمشق، قتل، فبلغني أن اللذين قتلاه، بكيا لما أخبرا بصلاحه، وذلك في سنة اثنتين وثلاثين ومئة.
__________
* التاريخ الكبير 8 / 402، التاريخ الصغير 1 / 280، الجرح والتعديل 9 / 246، حلية الاولياء 5 / 250، 253، تهذيب الكمال: 1570، تذهيب التهذيب 4 / 195 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 320،
تهذيب التهذيب 11 / 448، خلاصة تذهيب الكمال: 441.
[ * ]

(5/230)


99 - حماد بن أبي سليمان * (4، قرنه م) العلامة الامام فقيه العراق، أبو إسماعيل بن مسلم الكوفي مولى الاشعريين، أصله من أصبهان.
روى عن أنس بن مالك، وتفقه بإبراهيم النخعي، وهو أنبل أصحابه وأفقههم، وأقيسهم وأبصرهم بالمناظرة والرأي، وحدث أيضا عن أبي وائل، وزيد بن وهب، وسعيد بن المسيب، وعامر الشعبي وجماعة.
وليس هو بالمكثر من الرواية، لانه مات قبل أوان الرواية، وأكبر شيخ له: أنس بن مالك، فهو في عداد صغار التابعين.
روى عنه تلميذه الامام أبو حنيفة، وابنه إسماعيل بن حماد، والحكم بن عتيبة، وهو أكبر منه، والاعمش، وزيد بن أبي أنيسة، ومغيرة، وهشام الدستوائي، ومحمد بن أبان الجعفي، وحمزة الزيات، ومسعر بن كدام، وسفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، وحماد بن سلمة، وأبو بكر النهشلي، وخلق.
وكان أحد العلماء الاذكياء، والكرام الاسخياء، له ثروة وحشمة وتجمل.
قال محمد بن عبد الله بن نمير: كان أبو سليمان والد حماد مولى أبي موسى الاشعري رضي الله عنه.
قال الحميدي: حدثنا سفيان قال: رأيت حماد بن أبي سليمان جاء إلى
__________
* طبقات ابن سعد 6 / 332، طبقات خليفة: 162، التاريخ الكبير 3 / 18، الضعفاء للعقيلي 107 - 110، الجرح والتعديل 3 / 146، تهذيب الكمال: 331، تذهيب التهذيب 1 / 174 / 2،
تاريخ الاسلام 5 / 243، العبر 1 / 151، تهذيب التهذيب 3 / 16، طبقات الحفاظ: 48، خلاصة تذهيب الكمال: 92.
[ * ]

(5/231)


أبي طلحة الكحال يستنعته من شئ بعينه وهو على فرس، فرأيته أشهب اللحية.
وقال ابن إدريس، عن أبي إسحاق الشيباني، عن عبدالملك بن إياس الشيباني: قال: قلت لابراهيم النخعي: من نسأل بعدك ؟ قال: حماد، قال ابن إدريس: فما سمعت الشيباني ذكر حمادا إلا أثنى عليه.
قال ابن عون: رأيت حمادا وقد دخل على إبراهيم ومعه أطراف (1) فجعل يسأل إبراهيم عنها، فقال له إبراهيم: ما هذا ؟ ألم أنه عن هذا ؟ فقال: إنما هي أطراف.
روى منصور، عن إبراهيم قال: لا بأس بكتابة الاطراف، وروى شريك عن جامع أبي صخرة قال: رأيت حماد يكتب عند إبراهيم، ويقول: إنا لا نريد بذلك دنيا، وعليه كساء أنبجاني.
قال ابن عيينة: كان معمر يقول: لم أر من هؤلاء أفقه من الزهري وحماد، وقتادة.
قال ابن عيينة: وكان حماد أبصر بإبراهيم من الحكم.
ابن إدريس: سمعت أبي عن ابن شبرمة قال: ما أحد أمن علي بعلم من حماد.
أبو بكر بن عياش، عن مغيرة، قال: أتينا إبراهيم نعوده حين اختفى، فقال: عليكم بحماد، فإنه قد سألني عن جميع ما سألني عنه الناس.
__________
(1) جمع طرف: الطائفة من الشئ، أي أنه كتب من الحديث طرفا منه ليستثبته وكان إبراهيم
النخعي يكره كتابة العلم وتخليده في الكراريس، والصواب خلافه، كما هو رأي الجمهور، فإن الحديث لا يضبط إلا بالكتابة، ثم بالمقابلة والمدارسة والتعهد والتحفظ والمذاكرة، انظر " المحدث الفاصل " 363 - 388، و " تقييد العلم " 109 - 112، و " جامع بيان العلم " 89 - 100.
[ * ]

(5/232)


يحيى بن معين: حدثنا جرير، عن مغيرة، قال: كنا نرى أن بعد إبراهيم الاعمش، حتى جاء حماد بما جاء به.
وقال شعبة: كان حماد ومغيرة أحفظ من الحكم، وقال يحيى بن سعيد: حماد أحب إلي من مغيرة.
وقال معمر: كنا نأتي أبا إسحاق فيقول: من أين جئتم ؟ فنقول: من عند حماد، فيقول: ما قال لكم أخو المرجئة ؟ فكنا إذا دخلنا على حماد، قال: من أين جئتم ؟ قلنا: من عند أبي إسحاق، قال: الزموا الشيخ فإنه يوشك أن يطفى.
قال: فمات حماد قبله.
قال معمر: قلت لحماد: كنت رأسا، وكنت إماما في أصحابك، فخالفتهم فصرت تابعا، قال: إني أن أكون تابعا في الحق خير من أن أكون رأسا في الباطل.
قلت: يشير معمر إلى أنه تحول مرجئا إرجاء الفقهاء، وهو أنهم لا يعدون الصلاة والزكاة من الايمان، ويقولون: الايمان إقرار باللسان، ويقين في القلب، والنزاع على هذا لفظي إن شاء الله، وإنما غلو الارجاء من قال: لا يضر مع التوحيد ترك الفرائض، نسأل الله العافية.
روى حماد بن زيد أن حماد بن أبي سليمان قال: من أمن أن يستثقل ثقل.
قال شعبة: سألت حماد بن أبي سليمان عن عين الاضحية يكون فيها
البياض، فلم يكرهها.
وسألته عن الرجل: يحلف على الشئ كاذبا وهو يرى أنه صادق، قال: لا يكفر.
وسألته عن التربع في الصلاة، فقال: لا بأس به.
وسألت حمادا عن الرجل يسرق من بيت المال، فقال: يقطع.

(5/233)


وسألته عن رجل قال: إن فارقت غريمي، فمالي عليه في المساكين، قال: ليس بشئ.
وسألته عن الصفر بالحديد نسيئة.
قال مغيرة بن مقسم: قلت لابراهيم: إن حمادا قد جلس يفتي، قال: وما يمنعه وقد سألني عما لم تسألني عن عشره ؟.
وقال شعبة: سمعت الحكم يقول: ومن فيهم مثل حماد يعني أهل الكوفة.
قال أبو إسحاق الشيباني: حماد بن أبي سليمان أفقه من الشعبي، ما رأيت أفقه من حماد، وقال شعبة: كان حماد صدوق اللسان لا يحفظ الحديث وقال النسائي: ثقة مرجئ.
وقال أبو حاتم الرازي: هو مستقيم في الفقه، فإذا جاء الاثر شوش.
وقال أحمد بن عبد الله العجلي: كان أفقه أصحاب إبراهيم، وكانت ربما تعتريه موتة (1) وهو يحدث.
وبلغنا أن حمادا كان ذا دنيا متسعة، وأن [ - ه ] كان يفطر في شهر رمضان خمس مئة إنسان، وأنه كان يعطيهم بعد العيد لكل واحد مئة درهم.
وحديثه في كتب السنن، ما أخرج له البخاري، وخرج له مسلم حديثا
واحد مقرونا بغيره.
ولا يلتفت إلى ما رواه أبو بكر بن عياش عن الاعمش، قال: حدثني حماد وكان غير ثقة عن إبراهيم وفي لفظ: وما كنا نثق بحديثه.
وقال أبو بكر عن مغيرة: إنه ذكر له عن حماد شيئا، فقال: كذب.
يوسف بن موسى: حدثنا جرير، عن مغيرة قال: حج حماد بن أبي
__________
(1) الموتة: الغشي، وفي تاريخ المؤلف: وكانت به موتة، كان ربما حدث، فتعتريه، فإذا أفاق أخذ من حيث انتهى.
[ * ]

(5/234)


سليمان، فلما قدم أتيناه نسلم عليه فقال: أبشروا يا أهل الكوفة، فإني قدمت على أهل الحجاز، فرأيت عطاء وطاووسا ومجاهدا، فصبيانكم بل صبيان صبيانكم أفقه منهم.
قال مغيرة: فرأينا أن ذاك بغي منه.
خلف بن خليفة، عن أبي هشام قال: أتيت حماد بن أبي سليمان فقلت: ما هذا الرأي الذي أحدثت لم يكن على عهد إبراهيم النخعي، فقال: لو كان حيا، لتابعني عليه، يعني: الارجاء.
الفريابي وعبيدالله، عن سفيان، قال: ما كنا نأتي حماد إلا خفية من أصحابنا.
عبد الرزاق، عن معمر، قال: كان حماد بن أبي سليمان يصرع، وإذا أفاق، توضأ، قلت: نعم، لانه نوع من الاغماء وهو أخو النوم، فينقض الوضوء.
وروى جرير بن عبدالحميد، عن مغيرة قال: كان حماد يصيبه المس، فإذا أصابه شئ من ذلك، ثم ذهب عنه، عاد إلى الموضع الذي كان فيه.
حجاج بن محمد: حدثنا شعبة، عن منصور قال: حدثنا حماد قبل أن يحدث ما أحدث.
قال العقيلي في ترجمة حماد الفقيه وطولها: حدثنا أحمد بن أصرم، حدثنا القواريري، حدثنا حماد بن زيد قال: قدم علينا حماد بن أبي سليمان البصرة، فخرج وعليه ملحفة حمراء، فجعل صبيان البصرة يسخرون به، فقال له رجل: ما تقول في رجل وطئ دجاجة ميتة، فخرجت من بطنها بيضة ؟ وقال له آخر: ما تقول في رجل طلق امرأته ملء سكرجة ؟ وقال: حدثنا أحمد الابار، حدثنا عبيد بن هشام، حدثنا أبو المليح، قال: قدم علينا حماد بن أبي سليمان الرقة، فخرجت لاسمع منه، فإذ عليه

(5/235)


ملحفة معصفرة حمراء، وقد خضب لحيته بالسواد، فرجعت، فلم أسمع منه.
حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا مسلم، حدثنا حماد بن سلمة قال: كنت أسأل حماد بن أبي سليمان عن أحاديث المسند والناس يسألونه عن رأيه فكنت إذا جئت قال: لا جاء الله بك.
قال أبو داود: سمعت أبا عبد الله أحمد يقول: حماد مقارب الحديث، ما روى عنه سفيان، وشعبة، ولكن حماد بن سلمة عنده عنه تخليط.
فقلت لاحمد: أبو معشر أحب إليك أم حماد في إبراهيم، قال: ما أقربهما.
وقال الاثرم عن أبي عبد الله: أما روايات القدماء عن حماد فمقاربة، كشعبة وسفيان وهشام، وأما غيرهم فقد جاؤوا عنه بأعاجيب، قلت له: حجاج وحماد بن سلمة ؟ فقال: حماد على ذاك لا بأس به، ثم قال أحمد: وقد سقط فيه غير واحد مثل محمد بن جابر وذاك وأشار بيده، فظننا أنه عنى سلمة الاحمر أو عنى غيره.
قال كاتبه: إنما التخليط فيها من سوء حفظ الراوي عنه.
وقال ابن عدي: يقع في رواية حماد بن أبي سليمان أفراد وغرائب،
وهو لا بأس به، متماسك في الحديث.
مات حماد سنة عشرين ومئة، أرخه خليفة، وقيل: سنة تسع عشرة ومئة.
فأفقه أهل الكوفة علي وابن مسعود، وأفقه أصحابهما علقمة، وأفقه أصحابه إبراهيم، وأفقه أصحاب إبراهيم حماد، وأفقه أصحاب حماد أبو حنيفة، وأفقه أصحابه أبو يوسف، وانتشر أصحاب أبي يوسف في الآفاق، وأفقههم محمد، وأفقه أصحاب محمد أبو عبد الله الشافعي، رحمهم الله تعالى.

(5/236)


وقال أبو نعيم الكوفي: مات حماد سنة عشرين ومئة، قلت: مات كهلا رحمه الله.
أخبرنا علي بن أحمد كتابة، أنبأنا عمر بن محمد، أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك، أنبأنا عبد الله بن محمد، أنبأنا عبيدالله بن حبابة، أنبأنا عبد الله بن محمد، حدثنا علي بن الجعد، أنبأنا شعبة، عن حماد، عن أبي وائل، عن عبد الله، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالتشهد: " التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله " (1).
وبه إلى البغوي، عبد الله، حدثنا أحمد بن إبراهيم العبدي، حدثنا عثمان بن عمر، أنبأنا شعبة، عن حماد، سمعت أنس بن مالك يقول: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: " من كذب علي متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار " (2).
أخبرنا إسماعيل بن عبدالرحمن، ومحمد بن علي، وأحمد بن مؤمن، قالوا: أنبأنا أبو المحاسن محمد بن السيد الانصاري بالمزة، أنبأنا أبو
الفتح نصر الله بن محمد المصيصي، وهبة الله بن طاووس سنة أربع وثلاثين وخمس مئة قراءة عليهما، قالا: أنبأنا علي بن محمد بن علي الفقيه، أنبأنا عبدالرحمن بن عثمان، حدثنا عمي أبو علي محمد بن القاسم بن معروف، حدثنا أبو بكر أحمد بن علي القاضي، حدثنا علي بن الجعد، أنبأنا شعبة عن
__________
(1) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (402) من طريق منصور، عن أبي وائل، عن عبد الله، وأخرجه البخاري 2 / 257، و 11 / 12 من طريق الاعمش، عن شقيق، عن عبد الله.
(2) إسناده صحيح وأخرجه أحمد 3 / 203 و 209 و 278، والبخاري 1 / 179 و 180، ومسلم (2) والترمذي (2661)، وابن ماجه (32) من حديث أنس وهو حديث متواتر رواه أكثر من سبعين صحابيا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[ * ]

(5/237)


حماد عن إبراهيم عن أصحاب عبد الله قالوا: " الميت يغسل وترا، ويكفن وترا، ويجمر وترا " (1).
وبه عن حماد، سمعت سعيد بن جبير ومجاهدا وإبراهيم يقولون: إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر، والصوم أفضل يعنون رمضان في السفر.
وبه عن حماد: سألت سعيد بن المسيب عن الجنب يقرأ القرآن ؟ قال: أو ليس هو في جوفه.
قال محمد بن الحسين البرجلاني، عن إسحاق السلولي، سمعت داود الطائي يقول: كان حماد بن أبي سليمان سخيا على الطعام، جوادا بالدنانير والدراهم.
وقال أيضا عن زكريا بن عدي، عن الصلت بن بسطام، عن أبيه قال: كان حماد بن أبي سليمان يزورني، فيقيم عندي سائر نهاره، فإذا أراد أن ينصرف قال: انظر الذي تحت الوسادة فمرهم ينتفعون به، فأجد الدراهم
الكثيرة.
وعن الصلت بن بسطام قال: وكان يفطر كل يوم في رمضان خمسين إنسانا، فإذا كان ليلة الفطر، كساهم ثوبا ثوبا.
روى عثمان بن زفر التيمي: سمعت محمد بن صبيح يقول: لما قدم أبو الزناد الكوفة على الصدقات، كلم رجل حماد بن أبي سليمان فيمن يكلم أبا الزناد يستعين به في بعض أعماله، فقال حماد: كم يؤمل صاحبك من أبي الزناد أن يصيب معه ؟ قال: ألف درهم.
قال: قد أمرت له بخمسة آلاف درهم ولا يبذل وجهي إليه، قال: جزاك الله خيرا.
قال البخاري في " صحيحه " (2): قال حماد: إذا أقر مرة عند الحاكم،
__________
(1) رجاله ثقات.
(2) 13 / 140 في الاحكام: باب الشهادة تكون عند الحاكم.
[ * ]

(5/238)


رجم يعني الزاني.
وروى له في كتاب الادب، وأخرج له مسلم مقرونا بغيره والباقون.

100 - غيلان بن جرير * (ع) الامام أبو يزيد الازدي المعولي، بصري ثقة.
حدث عن أنس بن مالك، وعبد الله بن معبد الزماني، وزياد بن رباح، وأبي بردة بن أبي موسى.
حدث عنه أيوب السختياني، وجرير بن حازم، وشعبة، وحماد بن زيد، ومهدي بن ميمون، وأبو هلال محمد بن سليم وآخرون.
توفي سنة تسع وعشرين ومئة، رحمه الله.
وفيها توفي فراس بن يحيى الهمداني بالكوفة، ويحيى بن أبي كثير باليمامة، ومطر الوراق، وسالم أبو النضر المدني، وخالد بن أبي عمران قاضي
أفريقية، وعلي بن زيد بن جدعان، وقيس بن حجاج السلفي.

101 - ربيعة * * (ع) ابن يزيد الامام القدوة، أبو شعيب الايادي الدمشقي القصير.
حدث عن واثلة بن الاسقع، وجبير بن نفير، وأبي إدريس الخولاني وجماعة، وكان من أبناء ثمانين سنة رحمه الله، وقيل: إنه سمع من معاوية.
__________
طبقات ابن سعد 7 / 465، طبقات خليفة: 313، التاريخ الكبير 3 / 288، الجرح والتعديل 3 / 474، تهذيب الكمال: 413، تذهيب التهذيب 1 / 223 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 68، العبر 1 / 250، تهذيب التهذيب 3 / 264، خلاصة تذهيب الكمال: 119، شذرات الذهب 1 / 161.
* * تاريخ خليفة: 389، التاريخ الكبير 7 / 101، الجرح والتعديل 7 / 52، تهذيب الكمال: 1092، تذهيب التهذيب 3 / 135 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 121، تهذيب التهذيب 8 / 253، خلاصة تذهيب الكمال: 307.
[ * ]

(5/239)


حدث عنه حيوة بن شريح المصري، والاوزاعي، ومعاوية بن صالح، وسعيد بن عبد العزيز، وفرج بن فضالة وعدة.
قال فرج بن فضالة: كان ربيعة يفضل على مكحول يعني: في العبادة.
وقال سعيد بن عبد العزيز: لم يكن عندنا أحد أحسن سمتا في العبادة منه ومن مكحول، وقيل: كانت دار ربيعة القصير بناحية باب الفراديس (1).
قال أبو مسهر: حدثنا عبدالرحمن بن عامر، سمعت ربيعة بن يزيد يقول: ما أذن المؤذن لصلاة الظهر منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد إلا أن أكون مريضا أو مسافرا.
قال الدارقطني: ربيعة يعرف بالقصير، يعتبر به.
وقال مروان بن محمد الطاطري: خرج ربيعة القصير مع كلثوم بن
عياض غازيا، فقتله البربر في سنة ثلاث وعشرين ومئة.
وقال أبو مسهر الغساني: استشهد ربيعة رحمه الله بأفريقية.

102 - عاصم بن عمر * (ع) ابن قتادة بن النعمان، أبو عمر الظفري الانصاري المدني ويقال: أبو عمرو، أحد العلماء.
يروي عن أبيه، وعن جابر بن عبد الله، ومحمود بن لبيد، ورميثة الصحابية، وهي جدته، وأنس بن مالك.
__________
(1) هو أحد أبواب دمشق السبعة ويقع شمال شرق جامع بني أمية، ويسمى في عصرنا: باب العمارة، والفراديس: البساتين.
* طبقات خليفة: 258، تاريخ الفسوي 1 / 422، الجرح والتعديل 6 / 346، تهذيب الكمال: 638، تذهيب التهذيب 2 / 112 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 261، ميزان الاعتدال 2 / 355، تهذيب التهذيب 5 / 53، خلاصة تذهيب الكمال: 183.
[ * ]

(5/240)


حدث عنه بكير بن الاشج، وابن عجلان، وابن إسحاق، وعبد الرحمن ابن سليمان بن الغسيل وجماعة.
وثقه أبو زرعة، والنسائي، وغيرهما، وكان عارفا بالمغازي، يعتمد عليه ابن إسحاق كثيرا.
توفي سنة تسع عشرة ومئة، وقيل سنة عشرين، وهو أصح، ويقال: سنة ست، أو سنة سبع وعشرين ومئة، وكان جده من فضلاء الصحابة وهو الذي رد النبي صلى الله عليه وسلم عينه، فعادت بإذن الله كما كانت.

103 - مسلمة بن عبدالملك * (د) ابن مروان بن الحكم الامير الضرغام، قائد الجيوش أبو سعيد وأبو
الاصبغ الاموي الدمشقي، ويلقب: بالجرادة الصفراء.
حكى عنه يحيى بن يحيى الغساني، ومعاوية بن صالح.
وله حديث في سنن أبي داود، له مواقف مشهودة مع الروم، وهو الذي غزا القسطنطينية، وكان ميمون النقيبة، وقد ولي العراق لاخيه يزيد، ثم أرمينية.
قال الليث: وفي سنة تسع ومئة: غزا مسلمة الترك والسند.
قال خليفة (1): مات مسلمة سنة عشرين ومئة.
قلت: كان أولى بالخلافة من سائر إخوته.
وفيه يقول أبو نخيلة: أمسلم إني يا ابن خير خليفة * ويا فارس الهيجاء يا جبل الارض شكرتك إن الشكر حبل من التقى * وما كل من أوليته نعمة يغضي
__________
* تاريخ خليفة: 301، الجرح والتعديل 8 / 266، تهذيب الكمال: 1328، تذهيب التهذيب 4 / 39 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 302، تهذيب التهذيب 10 / 144.
(1) في تاريخه الصفحة (350).
[ * ]

(5/241)


وأحسنت لي ذكري وما كنت خاملا * ولكن بعض الذكر أنبه، من بعض
104 - عبيدالله بن أبي يزيد * (ع) المكي مولى بني كنانة حلفاء بني زهرة.
حدث عن ابن عباس، وابن عمر، وعبد الله بن الزبير، والحسين، وسباع ابن ثابت، ونافع بن جبير، ومجاهد، وعقيل بن عمير وعدة.
روى عنه ابن جريج، وشعبة، وورقاء، وحماد بن زيد، وسفيان بن عيينة وعدة.
وثقه علي بن المديني وغيره، وهو من كبار مشيخة ابن عيينة، كعمرو ابن دينار، وزياد بن علاقة وأبي إسحاق.
قال ابن عيينة: كان ابن جريج، يحدثنا عن عبيدالله بن أبي يزيد، ويقول: هو شيخ قديم يوهمنا أنه قد مات، فبينا أنا يوما على باب دار، إذ سمعت رجلا يقول: ادخل بنا على عبيدالله بن أبي يزيد، فقلت: من ذا ؟ قال: شيخ لقي ابن عباس، قلت: أأدخل معكم ؟ قالوا: نعم.
قال: فسمعت منه يومئذ أحاديث، ثم أتيت ابن جريج فحدث عنه.
فقلت: قد سمعت منه ؟ قال: وقد وقعت عليه ؟ قال: فلم أزل أختلف إليه حتى مات في سنة ست وعشرين ومئة.
وكان ثقة.
قال: وعاش ستا وثمانين سنة.
قلت: وقع لنا أحاديث من عواليه.
__________
* طبقات ابن سعد 5 / 481، طبقات خليفة: 282، التاريخ الكبير 5 / 403، التاريخ الصغير 1 / 327، الجرح والتعديل 5 / 337، تهذيب الكمال: 893، تذهيب التهذيب 3 / 22 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 105، تهذيب التهذيب 7 / 56، خلاصة تذهيب الكمال: 254، شذرات الذهب 1 / 171.
[ * ]

(5/242)


105 - أبو جمرة * (ع) نصر بن عمران الضبعي البصري، أحد الائمة الثقات.
حدث عن ابن عباس، وابن عمر، وزهدم الجرمي، وعائذ بن عمرو المزني، وطائفة.
حدث عنه أيوب السختياني، ومعمر، وشعبة، والحمادان، وإبراهيم بن طهمان، وعباد بن عباد المهلبي، وآخرون.
استصحبه معه الامير يزيد بن المهلب إلى خراسان، فأقام بها مدة، ثم رجع إلى البصرة.
قال مخلد بن يزيد: رأيت أبا جمرة مضبب الاسنان بالذهب.
قال يحيى بن معين: أبو جمرة وأبو حمزة رويا عن ابن عباس.
فأبو جمرة الضبعي نصر بن عمران، وأبو حمزة: عمران بن أبي عطاء واسطي، ثقة.
أخبرنا عبدالرحمن بن محمد في كتابه، أنبأنا عمر بن محمد، أنبأنا ابن خيرون، وعبد الوهاب الحافظ، قالا: أنبأنا أبو محمد بن هزارمرد، أنبأنا عبيد الله بن حبابة، أنبأنا أبو القاسم البغوي، حدثنا علي بن الجعد، أنبأنا شعبة، عن أبي جمرة، قال: كنت أقعد مع ابن عباس، وكان يجلسني معه على سريره، فقال لي: أقم عندي، حتى أجعل لك سهما من مالي، فأقمت معه شهرين.
قال ابن سعد: وأبو جمرة ثقة.
مات في ولاية يوسف بن عمر على
__________
* طبقات ابن سعد 7 / 235، طبقات خليفة: 214، التاريخ الكبير 8 / 104، الجرح والتعديل 8 / 465، تهذيب الكمال: 1409، تذهيب التهذيب 4 / 95، تاريخ الاسلام 5 / 167، تهذيب التهذيب 10 / 431، خلاصة تذهيب الكمال: 401، شذرات الذهب 1 / 175.
[ * ]

(5/243)


العراق، وقال غيره: مات بسرخس في آخر سنة سبع وعشرين ومئة، ويقال: سنة ثمان.

106 - إياد بن لقيط * (م، د، ت، س) السدوسي الكوفي من علماء التابعين وثقاتهم.
حدث عن البراء بن عازب، وأبي رمثة البلوي، والبراء بن قيس، والحارث بن حسان البكري، ويزيد بن معاوية العامري البكائي ولهما صحبة.
حدث عنه ولده عبيدالله بن إياد، وعبد الملك بن عمير، وهو من أقرانه، ومسعر بن كدام، وسفيان الثوري، وقيس بن الربيع وآخرون.
وثقه يحيى بن معين، والنسائي، وقال أبو حاتم: صالح الحديث.
قلت: توفي قبل العشرين ومئة.

107 - إياس بن سلمة * * (ع) ابن الاكوع الاسلمي المدني مشهور، وما علمته روى عن غير أبيه.
حدث عنه موسى بن عبيدة، وعكرمة بن عمار، وابن أبي ذئب، وأبو العميس عتبة بن عبد الله، ويعلى بن الحارث المحاربي وجماعة.
وثقه يحيى بن معين.
مات سنة تسع عشرة ومئة.
__________
طبقات خليفة 156 و 199، التاريخ الكبير 2 / 69، تاريخ الفسوي 3 / 103 و 145 و 180، الجرح والتعديل 2 / 345 تهذيب الكمال: 129، تذهيب التهذيب 1 / 75 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 233، تهذيب التهذيب 1 / 386، خلاصة تذهيب الكمال: 45.
* * طبقات ابن سعد 5 / 248، طبقات خليفة: 249، التاريخ الكبير 1 / 439، الجرح والتعديل 2 / 279، تهذيب الكمال: 129، تذهيب التهذيب 1 / 76 / 1، تاريخ الاسلام 4 / 233، تهذيب التهذيب 1 / 388، خلاصة تذهيب الكمال: 42.
[ * ]

(5/244)


108 - سعيد بن مينا * (خ، م، د، ت، ق) الامام الثقة أبو الوليد الحجازي، حديثه في الصحاح.
يروي عن أبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، وجابر بن عبد الله، وابن الزبير، وطائفة.
حدث عنه أيوب السختياني، وزيد بن أبي أنيسة، ومحمد بن إسحاق، وسليم بن حيان، وحنظلة بن أبي سفيان وغيرهم.
قال أحمد بن حنبل: ثقة.

109 - سماك بن حرب * * (م، 4) ابن أوس بن خالد بن نزار بن معاوية بن حارثة.
الحافظ الامام الكبير أبو المغيرة الذهلي البكري الكوفي أخو محمد وإبراهيم.
حدث عن ثعلبة بن الحكم الليثي، وله صحبة، وابن الزبير، والنعمان ابن بشير، وجابر بن سمرة، والضحاك بن قيس، وأنس بن مالك، وعن قبيصة ابن هلب، وعلقمة بن وائل، ومحمد بن حاطب الجمحي، ومري بن قطري، وموسى بن طلحة، وعكرمة، وهو مكثر عنه، ومصعب بن سعد، وعبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، وتميم بن طرفة.
وأبي صالح باذام، وسويد ابن قيس، وسعيد بن جبير، وأبي سلامة عبد الله بن حصن، وهو عبد الله بن
__________
* طبقات ابن سعد 5 / 311، التاريخ الكبير 3 / 512، الجرح والتعديل 4 / 61، تهذيب الكمال: 509، تهذيب التهذيب 4 / 91، تاريخ الاسلام 4 / 252، تذهيب التهذيب 2 / 30 / 1، خلاصة تذهيب الكمال: 143.
* * طبقات ابن سعد 6 / 323، طبقات خليفة: 161، تاريخ خليفة: 363، التاريخ الكبير 4 / 173، الجرح والتعديل 4 / 279، شرح علل الترمذي ص 106 و 444، المجروحين والضعفاء 2 / 249، الثقات 3 / 103، تذهيب التهذيب 2 / 58 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 84، ميزان الاعتدال 2 / 232، 234، تهذيب التهذيب 4 / 232، خلاصة تذهيب الكمال: 155، شذرات الذهب 1 / 161.
[ * ]

(5/245)


عميرة بن حصن، وأبي المهاجر عبد الله بن عميرة القيسي، وعبد الله بن عميرة صاحب الاحنف، وعبد الله بن عميرة قائد الاعشى في الجاهلية، وإبراهيم النخعي، وثروان بن ملحان، وجعفر بن أبي ثور، والحسن البصري، وأبي ظبيان الجنبي، وسليمان بن أبي صالح مولى عقيل بن أبي طالب، وحميد بن أخت صفوان بن أمية، وحسن الكناني، وسيار بن معرور المازني، والشعبي، وعباد بن حبيش، وعبد الله بن جبير الخزاعي، وعبد الله ابن ظالم المازني وخلق.
وينزل إلى الرواية عن القاسم بن مخيمرة، وعبد الرحمن بن القاسم ابن محمد، وكان من حملة الحجة ببلده.
حدث عنه زكريا بن أبي زائدة، وحاتم بن أبي صغيرة، ومالك بن مغول، وشعبة، والثوري، وزائدة، والحسن بن صالح، وسليمان بن قرم بن معاذ، وشيبان النحوي، وعمر بن موسى بن وجيه الوجيهي، والوليد بن أبي ثور، وشريك، وأبو عوانة ومعتقه يزيد بن عطاء اليشكري، وحماد بن سلمة، وأبو الاحوص، وزهير بن معاوية، وعمر بن عبيد، وقيس بن الربيع، وإسرائيل، وأسباط بن نصر، وإبراهيم بن طهمان وآخرون، ومن القدماء الاعمش، وابن أبي خالد.
قال علي بن المديني: له نحو مئتي حديث، وروى حماد بن سلمة عنه: أدركت ثمانين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد ذهب بصري، فدعوت الله تعالى، فرد علي بصري.
وقال أبو بكر بن عياش: سمعت أبا إسحاق السبيعي يقول: عليكم بعبد الملك بن عمير، وسماك بن حرب.
وقال سفيان الثوري: ما سقط لسماك بن حرب حديث.
وقال أحمد بن حنبل: هو أصح حديثا من عبدالملك بن عمير،

(5/246)


وذلك أن عبدالملك يختلف عليه الحفاظ.
هذه رواية صالح بن أحمد، عن أبيه، وروى أبو طالب، عن أحمد، قال: مضطرب الحديث.
وروى أحمد بن سعد، عن ابن معين: ثقة، وكان شعبة يضعفه.
وكان يقول في التفسير عكرمة، ولو شئت أن أقول له: ابن عباس لقاله.
ثم قال يحيى: فكان شعبة لا يروي تفسيره إلا عن عكرمة يعني: لا يذكر فيه ابن عباس.
وقال أحمد بن زهير: سمعت يحيى بن معين سئل عن سماك: ما
الذي عابه ؟ قال: أسند أحاديث لم يسندها غيره، وهو ثقة.
وقال محمد بن عبد الله بن عمار: ربما خلط، ويختلفون في حديثه.
وقال أحمد بن عبد الله: جائز الحديث إلا أنه كان في حديث عكرمة ربما وصل الشئ عن ابن عباس، وربما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما كان عكرمة يحدث عن ابن عباس.
وكان الثوري يضعفه بعض الضعف، ولم يرغب عنه أحد، وكان عالما بالشعر وأيام الناس، فصيحا.
وقال أبو حاتم: صدوق ثقة.
قال ابنه: فقلت لابي: قال أحمد: هو أصلح حديثا من عبدالملك بن عمير، فقال: هو كما قال.
وقال ابن المديني: أحاديثه عن عكرمة مضطربة.
فشعبة وسفيان يجعلونها عن عكرمة، وغيرهما أبو الأحوص وإسرائيل يقول: عن ابن عباس.
زكريا بن عدي، عن ابن المبارك، قال: سماك ضعيف في الحديث.
وقال يعقوب السدوسي: روايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وهو في غير عكرمة صالح، وليس من المتثبتين، ومن سمع منه قديما مثل شعبة وسفيان، فحديثهم عنه صحيح مستقيم.
وقال صالح بن محمد: يضعف، وقال النسائي: ليس به بأس، وفي حديثه شئ، وقال عبدالرحمن بن خراش: في حديثه لين.

(5/247)


قلت: ولهذا تجنب البخاري إخراج حديثه، وقد علق له البخاري استشهادا به.
فسماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس نسخة عدة أحاديث، فلا هي على شرط مسلم لاعراضه عن عكرمة، ولا هي على شرط البخاري، لاعراضه عن سماك، ولا ينبغي أن تعد صحيحة، لان سماكا إنما تكلم فيه من أجلها.
قال جرير بن عبدالحميد: أتيت سماك بن حرب فرأيته يبول قائما، فرجعت ولم أسأله (1)، وقلت: خرف.
قال جناد المكتب: كنا نأتي سماكا نسأله عن الشعر، ويأتيه أصحاب الحديث، فيقبل علينا ويقول: سلوا، فإن هؤلاء ثقلاء.
روى مؤمل بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، سمع سماكا يقول: ذهب بصري، فرأيت إبراهيم الخليل عليه السلام في النوم، فقلت: ذهب بصري، فقال: انزل في الفرات فاغمس رأسك، وافتح عينيك [ وسل ] أن يرد الله عليك بصرك، ففعلت ذلك، فرد الله علي بصري.
قال أبو عبد الرحمن النسائي: إذا انفرد سماك بأصل لم يكن حجة، لانه كان يلقن فيتلقن.
وروى حجاج، عن شعبة، قال: كانوا يقولون لسماك: عكرمة عن ابن عباس، فيقول: نعم، فأما أنا فلم أكن ألقنه.
وروى قتادة، عن أبي الاسود، قال: إن سرك أن يكذب صاحبك فلقنه.
وقال آخر: كان سماك بن حرب فصيحا مفوها، يزين الحديث منطقه وفصاحته.
قال أبو الحسين بن قانع: مات سنة ثلاث وعشرين ومئة.
قلت: ما
__________
(1) لا يدل صنيع سماك على خرف، فربما فعل ذلك من عذر، والنبي صلى الله عليه وسلم بال قائما كما رواه البخاري 1 / 282، ومسلم (272) من حديث حذيفة.
[ * ]

(5/248)


سمع منه سفيان بن عيينة.

فأما
110 - سماك بن الفضل * (د، ت، س)
الخولاني الصنعاني فشيخ صدوق، يروي عن مجاهد، ووهب بن منبه وجماعة.
روى عنه معمر، وشعبة وغيرهما، روى عبد الرزاق، عن الثوري، قال: لا يكاد يسقط لسماك بن الفضل حديث لصحة حديثه، ووثقه النسائي.
روى له أبو داود، والترمذي، والنسائي حديثا واحدا عن وهب، عن عبد الله بن عمرو حديث: في كم أقرأ القرآن (1)، وساقه النسائي أيضا، عن وهب، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.

ولهم
111 - سماك بن الوليد * * (م، 4) المحدث أبو زميل الحنفي اليمامي نزيل الكوفة.
عن ابن عباس، وابن عمر، ومالك بن مرثد.
__________
* طبقات خليفة 288، التاريخ الكبير 4 / 174، الجرح والتعديل 4 / 280، تهذيب الكمال: 553، تذهيب التهذيب 2 / 58 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 84، تهذيب التهذيب 4 / 235، خلاصة تذهيب الكمال: 156.
(1) أخرجه أبو داود (1395) في الصلاة: باب تخريب القرآن، والترمذي (2947) في القراءات: باب في كم يختم القرآن، من طريق سماك بن الفضل، عن وهب بن منبه عن عبد الله بن عمرو أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم في كم يقرأ القرآن ؟ قال: في أربعين يوما، ثم قال: في شهر، ثم قال: في عشرين، ثم قال في خمس عشرة، ثم قال في عشر، ثم قال: في سبع، لم ينزل من سبع، وإسناده صحيح.
* * التاريخ الكبير 4 / 173، التاريخ الصغير 1 / 268، الجرح والتعديل 4 / 280، تهذيب الكمال: 553، تذهيب التهذيب 2 / 58 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 256، تهذيب التهذيب 4 / 235، خلاصة تذهيب الكمال: 156.
[ * ]

(5/249)


وعنه سبطه عبد ربه بن بارق الحنفي، ومسعر، والاوزاعي، وعكرمة بن عمار، وشعبة.
وثقه أحمد، وابن معين.
وقال أبو حاتم وغيره: صدوق لا بأس به.

و
112 - سماك بن عطية * (خ، م، د) المربدي بصري ثقة مقل مات شابا.
روى عن الحسن، وعن أيوب، ومات قبل أيوب، وعنه حرب بن ميمون، وحماد بن زيد.
وثقه النسائي، له حديثان في الكتب.
فهؤلاء الاربعة متعاصرون أقوياء.
وما في " تهذيب الكمال " من اسمه سماك غيرهم.

113 - بكر بن سوادة * * (م، 4) أبو ثمامة الجذامي المصري الفقيه.
حدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وسهل بن سعد، وسعيد بن المسيب، وأبي سالم الجيشاني، وعطاء بن يسار، وجماعة.
حدث عنه عمرو بن الحارث، والليث، وابن لهيعة وآخرون.
وثقه النسائي، واحتج به مسلم، واستشهد به البخاري.
مات سنة ثمان وعشرين ومئة بمصر.
__________
* التاريخ الكبير 4 / 174، تهذيب الكمال: 553، تذهيب التهذيب 3 / 58، تاريخ الاسلام 5 / 260، تهذيب التهذيب 4 / 235، خلاصة تذهيب الكمال: 156.
* * طبقات خليفة: 295، التاريخ الكبير 2 / 89، 90، الجرح والتعديل 2 / 386، تهذيب
الكمال: 160، تذهيب التهذيب 1 / 89 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 48، البداية 10 / 29، تهذيب التهذيب 1 / 483، خلاصة تذهيب الكمال: 51، شذرات الذهب 1 / 175، معالم الايمان 1 / 160.
[ * ]

(5/250)


114 - أبو طوالة * (ع) الامام قاضي المدينة عبد الله بن عبدالرحمن بن معمر بن حزم الانصاري النجاري المدني.
حدث عن أنس، وعامر بن سعد، وأبي يونس مولى عائشة، وأبي الحباب سعيد بن يسار، وعدة.
وعنه مالك، وفليح، وسليمان بن بلال، وإسماعيل بن جعفر وجماعة.
وكان فقيها ثقة صواما قواما خيرا.
مات بعد الثلاثين ومئة.

115 - أبوالتياح * * (ع) هو الامام الحجة أبوالتياح يزيد بن حميد الضبعي البصري.
حدث عن أنس بن مالك، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، ومطرف بن الشخير، وأبي عثمان النهدي، وأبي مجلز، وموسى بن سلمه بن المحبق وحمران بن أبان، وابن أبي مليكة، والمغيرة بن سبيع، وأبي زرعة البجلي، وزهدم الجرمي، والحسن البصري وعدة.
وعنه سعيد بن أبي عروبة، وشعبة، وهمام، وحماد بن سلمة، وعبد الله ابن شوذب، والمثنى بن سعيد، وأبو هلال الراسبي، وحماد بن زيد، وإسماعيل بن علية وخلق.
__________
طبقات خليفة: 264، تاريخ خليفة: 324، التاريخ الصغير 2 / 79، تاريخ الفسوي 1 / 426، تهذيب الكمال: 704، تذهيب التهذيب 2 / 164 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 267، تهذيب التهذيب 5 / 267، خلاصة تذهيب الكمال: 204.
* * طبقات ابن سعد 7 / 238، طبقات خليفة: 216، تاريخ خليفة: 395، التاريخ الكبير 8 / 326، الجرح والتعديل 9 / 256، تهذيب الكمال: 1530، تذهيب التهذيب 4 / 174 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 186، تهذيب التهذيب 11 / 320، خلاصة تذهيب الكمال: 431.
[ * ]

(5/251)


روى عبد الله بن أحمد، عن أبيه، قال: ثبت ثقة ثقة، وقال أبو حاتم: صالح، وقال شعبة: إنما كنا نكنيه، بأبي حماد، وبلغني أنه كان يكنى بأبي التياح وهو غلام.
حجاج بن محمد، عن شعبة، قال: قال أبو إسحاق: سمعت أبا إياس يقول: ما بالبصرة أحد أحب إلي أن ألقى الله تعالى بمثل عمله من أبي التياح.
قال مسلم بن الحجاج: مات أبو جمرة وأبو التياح " بسرخس "، وقال عمرو بن علي والترمذي: مات سنة ثمان وعشرين ومئة، وقيل: بل توفي سنة ثلاثين ومئة.

116 - علي بن عبد الله (1) (م، 4) ابن العباس بن عبدالمطلب الامام السيد أبو الخلائف، أبو محمد الهاشمي السجاد.
ولد عام قتل الامام علي، فسمي باسمه.
حدث عن أبيه، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وعبد الله بن عمر، وغيرهم، وهو قليل الحديث.
حدث عنه بنوه عيسى، وداود، وسليمان، وعبد الصمد، وابن شهاب، وسعد بن ابراهيم قاضي المدينة، ومنصور بن المعتمر، وعلي بن أبي حملة، وآخرون.
وأمه هي ابنة مشرح بن عدي الكندي أحد الملوك الاربعة.
كان رحمه الله عالما عاملا، جسيما وسيما، طوالا مهيبا، يخضب لحيته بالوسمة.
__________
(1) سيكرر المؤلف ترجمته في الصفحة 284 ولم يفطن لذلك، وسنذكر هناك مصادر الترجمة.
[ * ]

(5/252)


ذكر عنه الاوزاعي وغيره أنه كان يسجد كل يوم ألف سجدة.
قال ابن سعد: ثقة، قليل الحديث، وقال: قال له عبدالملك بن مروان: لا أحتمل لك الاسم والكنية جميعا، فغيره بأبي محمد، يعني: وكان يكني بأبي الحسن.
قال عكرمة: قال لي ابن عباس ولابنه علي: اذهبا إلى أبي سعيد، فاسمعا من حديثه، فأتيناه في حائط له.
ميمون بن زياد: حدثنا أبو سنان قال: كان علي بن عبد الله معنا بالشام، وكانت له لحية طويلة يخضبها بالوسمة، وكان يصلي كل يوم ألف ركعة.
قال علي بن أبي حملة: دخلت على علي بن عبد الله، وكان جسيما آدم، ورأيت له مسجدا كبيرا في وجهه.
قال ابن المبارك: كان له خمس مئة شجرة، يصلي عند كل شجرة ركعتين، وذلك كل يوم.
قلت: كان هو وأولاده قد خاف منهم هشام، وأسكنهم بالحميمة من البلقاء.
توفي علي سنة ثماني عشرة ومئة.

117 - عبد الله بن دينار * (ع) الامام المحدث الحجة أبو عبد الرحمن العدوي العمري مولاهم المدني.
__________
طبقات خليفة: 263، التاريخ الصغير 2 / 31، الجرح والتعديل 5 / 46، تهذيب الكمال: 679، تذهيب التهذيب 2 / 142 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 265، تذكرة الحفاظ 1 / 126، ميزان الاعتدال 2 / 417، تهذيب التهذيب 5 / 201، طبقات الحفاظ: 50، خلاصة تذهيب الكمال: 196، شذرات الذهب 1 / 173.
[ * ]

(5/253)


سمع ابن عمر، وأنس بن مالك، وسليمان بن يسار، وأبا صالح السمان، وجماعة.
حدث عنه شعبة، ومالك، وسفيان الثوري، وورقاء بن عمر، وسليمان ابن بلال، وابنه عبدالرحمن بن عبد الله بن دينار، وإسماعيل بن جعفر، وسفيان بن عيينة، وخلق كثير.
وقد تفرد بحديث عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن بيع الولاء، وعن هبته.
متفق على إخراجه في " الصحيحين " (1).
وقد أساء أبو جعفر العقيلي (2) بإيراده في " كتاب الضعفاء " له، فقال: في
__________
(1) أخرجه البخاري 5 / 121 و 12 / 37، ومسلم (1506) كلاهما في العتق: باب النهي عن بيع الولاء وهبته.
وقد اشتهر هذا الحديث عن عبد الله بن دينار حتى قال مسلم لما أخرجه في " صحيحه ": الناس في هذا الحديث عيال عليه، وقال الترمذي بعد تخريجه: حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن دينار، رواه عنه سعيد وسفيان ومالك، ويروى عن شعبة أنه قال: وددت أن عبد الله بن دينار لما حدث بهذا الحديث أذن لي حتى كنت أقوم إليه، فأقبل رأسه.
وقد اعتنى أبو نعيم الاصبهاني بجمع طرقه عن عبد الله بن دينار، فأورده عن خمسة وثلاثين نفسا ممن حدث به عن عبد الله بن دينار..(2) هو أبو جعفر محمد بن عمرو العقيلي الحجازي المتوفى بمكة سنة 322 ه، وقد جرح في كتابه الضعفاء كثيرا من رجال " الصحيحين " وأئمة الفقه وحملة الآثار مما حمل ابن عبد البر وغيره من
الائمة ومنهم المؤلف رحمه الله على تعقبه وبيان ما نأى فيه عن الصواب، وقد قال المؤلف رحمه الله في " ميزانه " في ترجمة علي بن المديني ت (5874): ذكره العقيلي في كتابه الضعفاء فبئس ما صنع، وهذا أبو عبد الله البخاري - وناهيك به قد شحن صحيحه بحديث علي بن المديني، وقال: ما استصغرت نفسي بين يدي أحد إلا بين يدي علي بن المديني، ولو تركت حديث علي، وصاحبه محمد، وشيخه عبد الرزاق وعثمان بن أبي شيبة، وإبراهيم بن سعد، وعفان، وأبان العطار، وإسرائيل، وأزهر السمان، وبهز بن أسد، وثابت البناني، وجرير بن عبدالحميد، لغلقنا الباب وانقطع الخطاب، ولماتت الآثار، واستولت الزنادقة، ولخرج الدجال، أفمالك عقل يا عقيلي، أتدري فيمن تتكلم ؟ وإنما تبعناك في ذكر هذا النمط لنذب عنهم، ولنزيف ما قيل فيهم، كأنك لا تدري أن كل واحد من هؤلاء أوثق منك بطبقات، بل وأوثق من ثقات كثيرين لم توردهم في كتابك فهذا مما لا يرتاب فيه محدث، وأنا أشتهي أن تعرفني من هو الثقة الثبت الذي ما غلط، ولا انفرد بما لا يتابع عليه، بل الثقة الحافظ إذا انفرد بأحاديث كان أرفع له وأكمل لرتبته، وأدل على اعتنائه بعلم الاثر، وضبطه دون أقرانه لاشياء ما = (*)

(5/254)


رواية المشايخ عن عبد الله بن دينار اضطراب، ثم إنه أورد له حديثين مضطربي الاسناد ولا ذنب لعبد الله، وإنما الاضطراب من الرواة عنه.
وقد وثقه جماعة.
توفي في سنة سبع وعشرين ومئة.
قال الحافظ أحمد بن علي الاصبهاني: حديثه نحو مئتي حديث.

118 - أبوعمران الجوني * (ع) الامام الثقة عبدالملك بن حبيب البصري، رأى عمران بن حصين، وروى عن جندب البجلي، وأنس بن مالك، وعبد الله بن الصامت، وأبي بكر بن أبي موسى وطائفة.
حدث عنه شعبة والحمادان، وأبان العطار، وسهيل بن أبي حزم، وعبد
العزيز بن عبد الصمد العمي وآخرون.
__________
= عرفوها اللهم إلا أن يتبين غلطه ووهمه [ في ] الشئ، فيعرف ذلك، فانظر أول شئ إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبار والصغار، ما فيهم أحد إلا وقد انفرد بسنة فيقال له: هذا الحديث لا يتابع عليه ! وكذلك التابعون كل واحد عنده ما ليس عند الآخر من العلم، وما الغرض هذا، فإن هذا مقرر على ما ينبغي في علم الحديث.
وإن تفرد الثقة المتن يعد صحيحا غريبا، وإن تفرد الصدوق ومن دونه يعد منكرا، وإن إكثار الراوي من الاحاديث التي لا يوافق عليها لفظا أو إسنادا، يصيره متروك الحديث، ثم ما كل أحد فيه بدعه، أو له هفوة، أو ذنوب، يقدح فيه بما يوهن حديثه، ولا من شرط الثقة أن يكون معصوما عن الخطايا والخطأ، ولكن فائدة ذكرنا كثيرا من الثقات الذين فيهم أدنى بدعة أولهم أوهام يسيرة في سعة علمهم أن يعرف أن غيرهم أرجح منهم وأوثق إذا عارضهم أو خالفهم، فزن الاشياء بالعدل والورع.
* طبقات خليفة: 215، التاريخ الكبير 5 / 410، التاريخ الصغير 1 / 318، الجرح والتعديل 5 / 346، حلية الاولياء 2 / 309، 318، تهذيب الكمال: 853، تذهيب التهذيب 2 / 248 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 104، تهذيب التهذيب 6 / 389، خلاصة تذهيب الكمال: 243، شذرات الذهب 1 / 175.
[ * ]

(5/255)


وثقه يحيى بن معين وغيره، وحديثه في الاصول الستة.
قال أبو سعيد بن الاعرابي: كان الغالب عليه الكلام في الحكم، وكان يقول: أما والله لئن ضيعنا، إن لله عبادا آثروا طاعة الله تعالى على شهواتهم، وكان يقول: أجرى الله علينا وعليكم محنته، وجعل قلوبنا أوطانا تحن إليه.
قيل: توفي في سنة ثلاث وعشرين ومئة، وقيل: توفي سنة ثمان وعشرين عن سن عالية.

119 - عاصم بن أبي النجود * (4، خ، م مقرونا)
الامام الكبير مقرئ العصر، أبو بكر الاسدي مولاهم الكوفي واسم أبيه بهدلة، وقيل: بهدلة أمه، وليس بشئ، بل هو أبوه، مولده في إمرة معاوية بن أبي سفيان.
وقرأ القرآن على أبي عبدالرحمن السلمي، وزر بن حبيش الاسدي، وحدث عنهما، وعن أبي وائل، ومصعب بن سعد، وطائفة من كبار التابعين، وروى فيما قيل عن الحارث بن حسان البكري، ورفاعة بن يثربي التميمي، أو التيمي، ولهما صحبة، وهو معدود في صغار التابعين.
حدث عنه عطاء بن أبي رباح، وأبو صالح السمان، وهما من شيوخه، وسليمان التيمي، وأبو عمرو بن العلاء، وشعبة، والثوري، وحماد بن سلمة، وشيبان النحوي، وأبان بن يزيد، وأبو عوانة، وأبو بكر بن عياش، وسفيان بن عيينة وعدد كثير.
وتصدر للاقراء مدة بالكوفة، فتلا عليه أبو بكر، وحفص بن سليمان،
__________
* طبقات خليفة: 159، التاريخ الكبير 6 / 487، التاريخ الصغير 2 / 9، الجرح والتعديل 6 / 340، تاريخ ابن عساكر: 3، 26، وفيات الاعيان 3 / 9، تهذيب الكمال: 634، تذهيب التهذيب 2 / 109 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 89، ميزان الاعتدال 2 / 357، العبر 1 / 167، تهذيب التهذيب 5 / 38، خلاصة تذهيب الكمال: 182، تهذيب ابن عساكر 7 / 122، 124، طبقات القراء 1 / 346.
[ * ]

(5/256)


والمفضل بن محمد الضبي، وسليمان الاعمش، وأبو عمرو، وحماد بن شعيب، وأبان العطار، والحسن بن صالح، وحماد بن أبي زياد، ونعيم بن ميسرة وآخرون.
وانتهت إليه رئاسة الاقراء بعد أبي عبدالرحمن السلمي شيخه، قال أبو بكر بن عياش: لما هلك أبو عبد الرحمن، جلس عاصم يقرئ الناس، وكان أحسن الناس صوتا بالقرآن حتى كأن في حنجرته جلاجل.
قال أبو خيثمة وغيره: أسم أبي النجود بهدلة، وقال أبو حفص الفلاس: بهدلة أمه.
قال أبو عبيد: كان من قراء أهل الكوفة يحيى بن وثاب، وعاصم بن أبي النجود، وسليمان الاعمش، وهم من موالي بني أسد.
ابن الاصبهاني، ومحمد بن إسماعيل قالا: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن الحارث بن حسان، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر، وبلال قائم متقلد سيفا (1).
أبو بكر بن عياش: سمعت أبا إسحاق، يقول: ما رأيت أحد أقرأ من عاصم.
يحيى بن آدم: حدثنا الحسن بن صالح، قال: ما رأيت أحدا قط أفصح من عاصم بن أبي النجود، إذا تكلم كاد يدخله خيلاء.
عفان: حدثنا حماد، أنبأنا عاصم بن أبي النجود، قال: ما قدمت على أبي وائل من سفر إلا قبل كفي.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن عاصم بن بهدلة، فقال: رجل صالح خير ثقة، قلت: أي القراءات أحب إليك ؟ قال: قراءة أهل المدينة، فإن لم يكن، فقراءة عاصم.
__________
(1) وأخرجه أحمد 3 / 482 من طريق أبي بكر بن عياش عن الحارث بن حسان البكري، ورواه أحمد 3 / 422، وأبو بكر بن أبي شيبة، عن عاصم، عن أبي وائل، عن الحارث.
[ * ]

(5/257)


أبو كريب: حدثنا أبو بكر، قال لي عاصم: مرضت سنتين، فلما قمت قرأت القرآن فما أخطأت حرفا.
منجاب بن الحارث، حدثنا شريك، قال: كان عاصم صاحب همز
ومد وقراءة شديدة.
أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن شمر بن عطية، قال: قام فينا رجلان أحدهما أقرأ القرآن لقراءة زيد وهو عاصم، والآخر أقرأ الناس لقراءة عبد الله وهو الاعمش.
قال أحمد العجلي: عاصم صاحب سنة وقراءة، كان رأسا في القرآن قدم البصرة فأقرأهم، قرأ عليه السلام أبو المنذر، وكان عثمانيا.
قرأ عليه الاعمش في حداثته، ثم قرأ بعده على يحيى بن وثاب.
قال أبو بكر بن عياش: كان عاصم نحويا فصيحا إذا تكلم، مشهور الكلام، وكان هو والاعمش وأبو حصين الاسدي لا يبصرون.
جاء رجل يوما يقود عاصما فوقع وقعة شديدة فما نهره، ولا قال له شيئا.
حماد بن زيد، عن عاصم، قال: كنا نأتي أبا عبدالرحمن السلمي، ونحن غلمة أيفاع.
قلت: هذا يوضح أنه قرأ القرآن على السلمي في صغره.
قال أبو بكر: قال عاصم: من لم يحسن من العربية إلا وجها واحدا لم يحسن شيئا، ثم قال: ما أقرأني أحد حرفا إلا أبو عبد الرحمن، وكان قد قرأ على علي رضي الله عنه، وكنت أرجع من عنده فأعرض على زر بن حبيش، وكان زر قد قرأ على أبن مسعود، فقلت لعاصم: لقد استوثقت.
رواها يحيى ابن آدم عن أبي بكر، ثم قال: ما أحصي ما سمعت أبا بكر يذكر هذا عن عاصم.
وروى جماعة عن عمرو بن الصباح، عن حفص الغاضري، عن

(5/258)


عاصم، عن أبي عبدالرحمن، عن علي بالقراءة، وذكر عاصم أنه لم يخالف
أبا عبدالرحمن في شئ من قراءته، وأن أبا عبدالرحمن لم يخالف عليا رضي الله عنه في شئ من قراءته.
وروى أحمد بن يونس، عن أبي بكر، قال: كل قراءة عاصم قراءة أبي عبدالرحمن إلا حرفا.
أبو بكر عن عاصم، قال: كان أبو عمرو الشيباني يقرئ الناس في المسجد الاعظم، فقرأت عليه، ثم سألته عن آية فاتهمني بهوى، فكنت إذا دخلت المسجد يشير إلي، ويحذر أصحابه مني.
وروي عن حفص بن سليمان، قال: قال لي عاصم: ما كان من القراءة التي قرأت بها على أبي عبدالرحمن، فهي التي أقرأتك بها، وما كان من القراءة التي أقرأت بها أبا بكر بن عياش، فهي القراءة التي عرضتها على زر عن ابن مسعود.
قال سلمة بن عاصم: كان عاصم بن أبي النجود ذا أدب ونسك وفصاحة، وصوت حسن.
يزداد بن أبي حماد: حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا أبو بكر، قال: لم يكن عاصم يعد " آلم " آية، ولا " حم " آية، ولا " كهيعص " آية، ولا " طه " آية، ولا نحوها.
زياد بن أيوب: حدثنا أبو بكر، قال: كان عاصم إذا صلى ينتصب كأنه عود، وكان يكون يوم الجمعة في المسجد إلى العصر، وكان عابدا خيرا يصلي أبدا، ربما أتى حاجة، فإذا رأى مسجدا، قال: مل بنا، فإن حاجتنا لا تفوت، ثم يدخل، فيصلي.
حسين الجعفي، عن صالح بن موسى، قال: سمعت أبي سأل عاصم

(5/259)


ابن أبي النجود، فقال: يا أبا بكر على ما تضعون هذا من علي رضي الله عنه " خير هذه الامة بعد نبيها، أبو بكر وعمر " وعلمت مكان الثالث ؟ فقال عاصم: ما نضعه إلا أنه عنى عثمان هو كان أفضل من أن يزكي نفسه.
قال أبو بكر بن عياش: دخلت على عاصم، وهو في الموت فقرأ: * (ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق) * بكسر الراء وهي لغة لهذيل (1).
أبو هشام الرفاعي: حدثنا يحيى، حدثنا أبو بكر، قال: دخلت على عاصم فأغمي عليه، ثم أفاق ثم قرأ قوله تعالى: * (ثم ردوا إلى الله) * الآية فهمز فعلمت أن القراءة منه سجية.
قلت: كان عاصم ثبتا في القراءة، صدوقا في الحديث، وقد وثقه أبو زرعة وجماعة، وقال أبو حاتم: محله الصدق، وقال الدارقطني: في حفظه شئ يعني: للحديث لا للحروف، وما زال في كل وقت يكون العالم إماما في فن مقصرا في فنون.
وكذلك كان صاحبه حفص بن سليمان ثبتا في القراءة، واهيا في الحديث، وكان الاعمش بخلافه كان ثبتا في الحديث، لينا في الحروف، فإن للاعمش قراءة منقولة في كتاب " المنهج " وغيره لا ترتقي إلى رتبة القراءات السبع، ولا إلى قراءة يعقوب وأبي جعفر.
والله أعلم.
قال النسائي: عاصم ليس بحافظ.
توفي عاصم في آخر سنة سبع وعشرين ومئة.
وقال إسماعيل بن مجالد: توفي في سنة ثمان وعشرين ومئة، قلت: حديثه في الكتب الستة، لكن في " الصحيحين " متابعة، وهذا الحديث أعلى ما وقع لي من حديث عاصم بيني وبينه سبعة أنفس.
__________
(1) وذكرها عن عاصم ابن الجزري في " طبقات القراء " 1 / 348، وذكرها أبو حيان في " البحر المحيط " 4 / 149، ولم ينسبها لعاصم، وإنما قال: وقرئ بكسر الراء، نقل حركة الدال التي أدغمت
إلى الراء.
[ * ]

(5/260)


قرأت على إسحاق بن طارق، أخبركم يوسف بن خليل، أنبأنا خليل ابن بدر، وعلي بن قادشاه (ح) وأنبأني عن خليل وعلي أحمد بن سلامة أن أبا علي الحداد أخبرهما، قال: أنبأنا أبو نعيم، أنبأنا عبد الله بن فارس، حدثنا محمد بن عاصم، حدثنا سفيان بن عيينة، قال عاصم، عن زر، قال: أتيت صفوان بن عسال فقال لي: ما جاء بك ؟ فقلت: ابتغاء العلم، قال: " فإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يطلب " وذكر الحديث (1).

120 - عباس بن سهل * (خ، م، د، ت، ق) ابن سعد بن مالك بن خالد الانصاري الخزرجي الساعدي المدني الفقيه، أحد ثقات التابعين.
روى عن أبيه، وسعيد بن زيد العدوي، وأبي هريرة، وأبي حميد الساعدي وعدة.
وكان مولده في نحو سنة خمس وعشرين في أول خلافة عثمان.
حدث عنه ابناه أبي وعبد المهيمن، والعلاء بن عبدالرحمن، ومحمد ابن إسحاق، وعبد الرحمن بن الغسيل، وفليح بن سليمان.
وثقه يحيى بن معين وغيره، وقد أذاه الحجاج وضربه، واعتدى عليه،
__________
(1) حلية الاولياء 7 / 308 وتمامه " قلت: حاك في نفسي أو صدري مسح على الخفين بعد الغائط والبول، فهل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ؟ قال: نعم كان يأمرنا إذا كنا سفرا أو مسافرين ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة لا من غائط وبول ونوم " قلت: سمعته يذكر الهوى ؟ قال: نعم بينما نحن معه في مسير إذ ناداه أعرابي بصوت له جهوري، فقال: يا محمد فأجابه على نحو من كلامه هاء، قال: أرأيت رجلا أحب قوما ولم يلحق بهم ؟ قال: " المرء مع من أحب " ثم أنشأ يحدثنا أن
من قبل المغرب بابا يفتح للتوبة مسيرة عرضه أربعون سنة، فلا يغلق حتى تطلع الشمس " وسنده حسن، وأخرجه الشافعي في " المسند " 1 / 33، وأحمد 4 / 240 من طريق سفيان، عن عاصم عن زر به.
* طبقات ابن سعد 5 / 271، التاريخ الصغير 1 / 253، تاريخ الفسوي 1 / 567، الجرح والتعديل 6 / 210، تهذيب الكمال: 657، تذهيب التهذيب 2 / 125 / 1، تاريخ الاسلام 4 / 17، و 262، 263 تهذيب التهذيب 5 / 118، خلاصة تذهيب الكمال: 188.
[ * ]

(5/261)


لكونه كان من أصحاب ابن الزبير، فجاء أبوه سهل بن سعد يشفع فيه وقال: ألا تحفظ فينا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم " اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم " (1) فأطلقه وكاشر عنه.
قيل: توفي قريبا من سنة عشرين ومئة بالمدينة.

121 - محمد بن زياد * (ع) القرشي الجمحي البصري، مولى عثمان بن مظعون رضي الله عنه، وهو مدني، نزل البصرة.
حدث عن عائشة، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمر، وابن الزبير، له نحو من خمسين حديثا.
حدث عنه يونس بن عبيد، ومعمر، وشعبة، وإبراهيم بن طهمان والربيع بن مسلم، وحماد بن زيد، وآخرون.
وثقه أحمد وغيره.
مات سنة نيف وعشرين ومئة.
وقع لنا من عواليه

122 - سكينة * * بنت الحسين الشهيد، روت عن أبيها، وكانت بديعة الجمال، تزوجها ابن عمها عبد الله بن الحسن الاكبر، فقتل مع أبيها قبل الدخول بها، ثم
__________
(1) أخرجه البخاري 7 / 93 في المناقب: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم " اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن
مسيئهم "، ومسلم (2510) في فضائل الصحابة: باب من فضائل الانصار من حديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الانصار كرشي وعيبتي، وإن الناس سيكثرون ويقلون، فاقبلوا من محسنهم، واعفوا عن مسيئهم ".
* التاريخ الكبير 1 / 82، تاريخ الفسوي 2 / 191، الجرح والتعديل 7 / 257، تهذيب الكمال: 1197، تذهيب التهذيب 3 / 204 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 130، تهذيب التهذيب 9 / 169، خلاصة تذهيب الكمال: 336.
* * طبقات ابن سعد 8 / 475، نسب قريش: 59، المحبر: 438، التاريخ الصغير 1 / 205، الاغاني 17 / 41 / 54، مصارع العشاق: 272، وفيات الاعيان 2 / 394، 397، تاريخ الاسلام 4 / 253، الدر المنثور: 244، شذرات الذهب 1 / 154.
[ * ]

(5/262)


تزوجها مصعب أمير العراق، ثم تزوجت بغير واحد.
وكانت شهمة مهيبة، دخلت على هشام الخليفة، فسلبته عمامته ومطرفه، ومنطقته، فأعطاها ذلك، ولم نظم جيد.
قال بعضهم: أتيتها فإذا ببابها جرير والفرزدق وجميل وكثير، فأمرت لكل واحد بألف درهم.
توفيت في ربيع الاول سنة سبع عشرة ومئة.
قلما روت.

123 - هارون بن رئاب * (م، د، س) الامام الرباني العابد أبو بكر التميمي الاسيدي البصري.
حدث عن أنس بن مالك، والاحنف بن قيس، وقبيصة بن ذؤيب وكنانة بن نعيم.
روى عنه أيوب السختياني، والاوزاعي، وشعبة، والحمادان، وسفيان ابن عيينة، وجماعة.
قال أبو داود: يقال: إنه كان أجل أهل البصرة، وقال أحمد بن حنبل: ثقه.
قلت: هو مقل من الرواية، حتى قال ابن عيينة: عنده أربعة أحاديث.
قال: وكان يخفي الزهد، ويلبس الصوف تحت.
وكان النور على وجهه.
وقال ابن شوذب: كنت إذا رأيت هارون بن رئاب كأنما أقلع عن البكاء.
قرأت على إسحاق بن أبي بكر، أخبركم ابن خليل، أنبأنا أبو المكارم التيمي، أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا محمد بن معمر، حدثنا أبو شعيب الحراني، أنبأنا البابلتي، حدثنا الاوزاعي، حدثني هارون بن رئاب، قال: حملة العرش ثمانية، يتجاوبون بصوت رخيم حسن، يقول
__________
* التاريخ الكبير 8 / 219، الجرح والتعديل 9 / 89، تهذيب الكمال 1428، تذهيب التهذيب 4 / 108 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 169، تهذيب التهذيب 11 / 4، خلاصة تذهيب الكمال: 407، حلية الاولياء: 3 / 55 - 57، وقد تصحف فيه إلى رباب.
[ * ]

(5/263)


أربعة: سبحانك وبحمدك على حلمك بعد علمك، ويقول الآخرون سبحانك وبحمدك على عفوك بعد قدرتك.
قال يحيى بن معين والنسائي: ثقة.
وقال أبو محمد بن حزم الفقيه: يمان، وهارون، وعلي بنو رئاب، فهارون من أئمة السنة، ويمان من أئمة الخوارج، وعلي بن أئمة الروافض، وكانوا متعادين.
قال جعفر بن سليمان: عدت هارون بن رئاب، وهو يجود بنفسه، فما فقدت وجه رجل فاضل إلا رأيته عنده.
فقال محمد بن واسع: كيف تجدك ؟ فقال: هوذا أخوكم، يذهب به إلى النار، أو يعفو الله.
قيل: عاش ثلاثا وثمانين سنة.

124 - السدي * (م، 4)
إسماعيل بن عبدالرحمن بن أبي كريمة الامام المفسر أبو محمد الحجازي ثم الكوفي الاعور السدي، أحد موالي قريش.
حدث عن أنس بن مالك، وابن عباس، وعبد خير الهمداني، ومصعب بن مسعد، وأبي صالح باذام، ومرة الطيب، وأبي عبدالرحمن السلمي وعدد كثير.
حدث عنه شعبة، وسفيان الثوري، وزائدة، وإسرائيل، والحسن بن حي وأبو (1) عوانة، والمطلب بن زياد، وأسباط بن نصر، وأبو بكر بن عياش وآخرون.
__________
(1) * طبات ابن سعد 6 / 323، طبقات خليفة: 163، التاريخ الكبير 1 / 360، التاريخ الصغير 1 / 312، 313، الجرح والتعديل 2 / 184، 185، اللباب 1 / 537، تهذيب الكمال: 106، تذهيب التهذيب 1 / 65 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 43، ميزان الاعتدال 1 / 236، روضات الجنات: 101، 102، تهذيب التهذيب 1 / 313، النجوم الزاهرة 1 / 308، خلاصة تذهيب الكمال: 35، طبقات المفسرين 1 / 109.
(1) في الاصل: أبي، وهو خطأ.
[ * ]

(5/264)


وورد عنه أنه رأى أبا هريرة، والحسن بن علي.
قال النسائي: صالح الحديث، وقال يحيى بن سعيد القطان: لا بأس به، وقال أحمد بن حنبل: ثقة، وقال مرة: مقارب الحديث.
وقال يحيى بن معين: ضعيف، وقال أبو زرعة: لين، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، وقال ابن عدي: هو عندي صدوق، وقيل: كان السدي عظيم اللحية جدا.
قال عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت: سمعت الشعبي، وقيل له: إن إسماعيل السدي قد أعطي حظا من علم، فقال: إن إسماعيل قد أعطي حظا
من الجهل بالقرآن.
قلت: ما أحد إلا وما جهل من علم القرآن أكثر مما علم، وقد قال إسماعيل بن أبي خالد: كان السدي أعلم بالقرآن من الشعبي رحمهما الله.
وقال سلم بن عبدالرحمن شيخ لشريك: مر إبراهيم النخعي بالسدي وهو يفسر، فقال: إنه ليفسر تفسير القوم.
قال خليفة بن خياط: مات إسماعيل السدي في سنة سبع وعشرين ومئة.
قلت: أما السدي الصغير، فهو محمد بن مروان الكوفي أحد المتروكين، كان في زمن وكيع.

125 - هلال بن علي * (ع) هو هلال بن أبي ميمونة العامري المدني مولى آل عامر بن لؤي ثقة مشهور.
__________
* التاريخ الكبير 8 / 204، 205، الجرح والتعديل 9 / 76، تهذيب الكمال: 1451، تذهيب التهذيب 4 / 124 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 172، تهذيب التهذيب 11 / 82، خلاصة تذهيب الكمال: 412.
[ * ]

(5/265)


حدث عن أنس بن مالك، وأبي سلمة بن عبدالرحمن، وعطاء بن يسار، وعبد الرحمن بن أبي عمرة.
روى عنه سعيد بن أبي هلال، ومالك بن أنس، وعبد العزيز بن الماجشون، وفليح بن سليمان.
قال النسائي: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: شيخ يكتب حديثه، قلت: مات سنة بضع وعشرين ومئة.

126 - يزيد بن عبد الله بن قسيط * (ع) الامام الفقيه الثقة أبو عبد الله الليثي المدني الاعرج عن أبي هريرة، وابن عمر، وعبيد بن جريج، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير.
وعنه أبو صخر حميد بن زياد، وابن إسحاق، ومالك، وابن أبي ذئب والليث بن سعد وآخرون.
قال ابن إسحاق: كان ثقة فقيها، يستعان به في الاعمال لامانته وفقهه، وقال أبو حاتم: ليس بقوي.
وروى مالك عنه قليلا.
مات سنة اثنتين وعشرين ومئة.
وحديثه حسن في الكتب الستة، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، ويقال: بلغ تسعين سنة.

127 - نصيب بن رباح * * أبو محجن الاسود الشاعر مولى عمر بن عبد العزيز، مدح عبدالملك
__________
* تاريخ خليفة: 354، التاريخ الكبير 8 / 344، الجرح والتعديل 9 / 273، تهذيب الكمال: 1536، تذهيب التهذيب 4 / 178 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 187، تهذيب التهذيب 11 / 342، خلاصة تذهيب الكمال: 332، شذرات الذهب 1 / 160.
* * طبقات فحول الشعراء: 141، الشعر والشعراء: 410، 412، الاغاني 1 / 125، 145، سمط اللآلي: 291، 292، معجم الادباء 19 / 228، 243، تاريخ الاسلام 5 / 11.
[ * ]

(5/266)


ابن مروان، وشعره في الذروة، تنسك، وأقبل على شأنه، وترك التغزل، له ترجمة في " تاريخ دمشق ".

128 - ذو الرمة * من فحول الشعراء غيلان بن عقبة بن بهيس (1) مضري النسب، والرمة:
هي الحبل، شبب بمية بنت مقاتل المنقرية، وبالخرقاء وله مدائح في الامير بلال بن أبي بردة.
قال أبو عمرو بن العلاء: افتتح الشعراء بامرئ القيس، وختموا بذي الرمة.
وقيل: إن الفرزدق وقف عليه وهو ينشد، فأعجبه شعره.
وكان يكون ببادية العراق، وفد على الوليد، وامتدحه.
وحدث عن ابن عباس، روى عنه أبو عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر النحوي.
وقيل: إن الوليد قال للفرزدق: أتعلم أحدا أشعر منك ؟ قال: غلام من بني عدي، يركب أعجاز الابل، يريد ذا الرمة.
قلت: هو القائل: وعينان قال الله كونا فكانتا * فعولان بالالباب ما تفعل الخمر مات ذو الرمة بأصبهان كهلا سنة سبع عشرة ومئة.

129 - حمزة بن بيض * * الحنفي الكوفي من بلغاء الشعراء، سائر القول، كثير المجون، كان
__________
* طبقات فحول الشعراء 121، 125، الشعر والشعراء 524، 536، الاغاني 16 / 106، 125، سمط اللآلي، 81 و 82، وفيات الاعيان 4 / 11، تاريخ الاسلام 4 / 247، البداية 9 / 319، 320، الاشتقاق 116، خزانة الادب 1 / 50، 53.
(1) كذا الاصل بهيس بالسين المهملة، وضبطه في المشتبه 1 / 96 بالشين المعجمة، وهو كذلك في الاكمال، والروض الانف، والشعر والشعراء، وذكر ابن السيد أنه نهيس بالنون.
* * الاغاني 16 / 142، أخبار الحمقى والمغفلين: 43، معجم الادباء 10 / 280، تاريخ الاسلام 4 / 245، فوات الوفيات 1 / 395، نهاية الارب 4 / 79، تاج العروس 5 / 14.
[ * ]

(5/267)


منقطعا إلى المهلب وبنيه، ثم إلى أمير البصرة بلال، حصل أموالا جزيلة من
الجوائز وخيلا ورقيقا، وله نظم فائق.
وبيض بكسر أوله، أخباره مستقصاة في كتاب " الاغاني " فإن شئت، فطالعها.

130 - العرجي * من أعيان الشعراء:
هو عبد الله بن عمر بن عمرو بن عفان الاموي، وكان أيضا بطلا شجاعا مجاهدا، أتهم بدم (1)، فأخذ وسجن بمكة إلى أن مات في خلافة هشام وله: أضاعوني وأي فتى أضاعوا * ليوم كريهة وسداد ثغر وخلوني بمعترك المنايا * وقد شرعت أسنتها لنحري كأني لم أكن فيهم وسيطا * ولم تك نسبتي في آل عمرو

131 - البطال * * رأس الشجعان والابطال أبو محمد عبد الله البطال، وقيل: أبويحيى من أعيان أمراء الشاميين.
وكان شاليش الامير مسلمة بن عبدالملك، وكان مقره
__________
* الشعر والشعراء: 574، 576، الاغاني 1 / 147، 160، سمط اللآلي: 422، 423، معجم البلدان: عرج، تاريخ الاسلام 4 / 277، شرح شواهد المغني: 52، معاهد التنصيص 3 / 260، خزانة الادب 1 / 50.
ولقب بالعرجي لانه كان يسكن العرج وهو منزل بطريق مكة.
(1) الذي في الخزانة وغيرها أنه مات في حبس محمد بن هشام بن إسماعيل المخزومي - وهو خال هشام بن عبدالملك وكان واليا بمكة، بعد ضرب كثير وتشهير في الاسواق لانه شبب بأمه ليفضحه لا لمحبة كانت بينه وبينها.
* * الطبري 7 / 88 و 90 و 191، ابن الاثير 5 / 248، تاريخ الاسلام 4 / 227، البداية 9 / 331، المسعودي 2 / 353، النجوم الزاهرة 1 / 272، دول الاسلام 1 / 79، وسماه عبدالملك،
وأرخ وفاته سنة 113 ه، وفيه: ولكن كذب عليه جهلة القصاص وحكوا عنه من الخرافات ما لا يليق.
[ * ]

(5/268)


بأنطاكية، أوطأ الروم خوفا وذلا.
ولكن كذب عليه أشياء مستحيلة في سيرته الموضوعة.
وعن عبدالملك بن مروان أنه أوصى مسلمة أن صير على طلائعك البطال، ومره فليعس بالليل، فإنه أمير شجاع مقدام.
وقال رجل: عقد مسلمة للبطال على عشرة آلاف، وجعلهم يزكا (1).
وعن أبي مروان عن البطال، قال: اتفق لي أنا أتينا قرية لنغير، فإذا بيت فيه سراج وصغير يبكي، فقالت أمه: اسكت، أو لادفعنك إلى البطال فبكى فأخذته من سريره، وقالت: خذه يا بطال فقلت: هاته وجرت له أعاجيب وفي الآخر أصبح في معركة مثخونا وبه رمق فجاء الملك ليون، فقال أبا يحيى: كيف رأيت ؟ قال: وما رأيت ؟ كذلك الابطال تقتل وتقتل، فقال: علي بالاطباء، فأتوا فوجدوه قد أنفذت مقاتله، فقال: هل لك حاجة ؟ قال: تأمر من يثبت معي بولايتي وكفني والصلاة علي ثم تطلقهم، ففعل.
قتل سنة اثنتي عشرة، وقيل: سنة ثلاث عشرة ومئة.

132 - قتادة * (ع) ابن دعامة بن قتادة بن عزيز، وقيل: قتادة بن دعامة بن عكابة، حافظ
__________
(1) اليزك: طلائع الجيش، والكلمة فارسية.
* طبقات ابن سعد 7 / 229، طبقات خليفة: 213، تاريخ خليفة: 332 و 348، التاريخ الكبير 7 / 185، التاريخ الصغير 1 / 282، المعارف: 462، تاريخ الفسوي 2 / 277، الجرح والتعديل 7 / 133، جمهرة الانساب: 318، طبقات الشيرازي: 89، معجم الادباء 17 / 9، 10، تهذيب الاسماء واللغات 2 / 57، وفيات الاعيان 4 / 85، تهذيب الكمال: 1122، تذهيب التهذيب
3 / 155 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 295، تذكرة الحفاظ 1 / 122، ميزان الاعتدال 3 / 385، العبر 1 / 146، نكت الهميان 230، البداية 9 / 313، 314، طبقات القراء 2 / 25، تهذيب التهذيب 8 / 351، النجوم الزاهرة 1 / 276، طبقات الحفاظ: 47، خلاصة تذهيب الكمال: 315، طبقات المفسرين 2 / 43، شذرات الذهب 1 / 153.
[ * ]

(5/269)


العصر، قدوة المفسرين والمحدثين أبو الخطاب السدوسي البصري الضرير الاكمه، وسدوس: هو ابن شيبان بن ذهل بن ثعلبة من بكر بن وائل مولده في سنة ستين.
وروى عن عبد الله بن سرجس، وأنس بن مالك، وأبي الطفيل الكناني، وسعيد بن المسيب، وأبي العالية رفيع الرياحي، وصفوان بن محرز وأبي عثمان النهدي، وزرارة بن أوفى، والنضر بن أنس، وعكرمة مولى ابن عباس، وأبي المليح بن أسامة، والحسن البصري، وبكر بن عبد الله المزني، وأبي حسان الاعرج، وهلال بن يزيد، وعطاء بن أبي رباح، ومعاذة العدوية، وبشر بن عائذ المنقري، وبشر بن المحتفز، وبشير بن كعب، وأبي الشعثاء جابر بن زيد، وجري بن كليب السدوسي، وحبيب بن سالم فيما كتب إليه، وحسان بن بلال، وحميد بن عبدالرحمن بن عوف، وخالد بن عرفطة، وخلاس الهجري، وخيثمة بن عبدالرحمن، وسالم بن أبي الجعد، وشهر بن حوشب، وعبد الله بن شقيق، وعقبة بن صهبان، ومطرف بن الشخير، ومحمد بن سيرين، ونصر بن عاصم الليثي، وأبي مجلز، وأبي أيوب المراغي، وأبي الجوزاء الربعي، وعن عمران بن حصين، وسفينة، وأبي هريرة مرسلا، وعن مسلم بن يسار، وقزعة بن يحيى، وعامر الشعبي وخلق كثير.
وكان من أوعية العلم، وممن يضرب به المثل في قوة الحفظ.
روى عنه أئمة الاسلام أيوب السختياني، وابن أبي عروبة، ومعمر بن راشد، والاوزاعي، ومسعر بن كدام، وعمرو بن الحارث المصري، وشعبة بن الحجاج، وجرير بن حازم، وشيبان النحوي، وهمام بن يحيى، وحماد بن سلمة، وأبان العطار، وسعيد بن بشير، وسلام بن أبي مطيع، وشهاب بن خراش، وحسام بن مصك، وخليد بن دعلج، وسعيد بن زربى، والصعق بن حزن، وعفير بن معدان، وموسى بن خلف العمي، ويزيد بن إبراهيم

(5/270)


التستري، وأبو عوانة الوضاح، وأمم سواهم.
وهو حجة بالاجماع إذا بين السماع، فإنه مدلس معروف بذلك، وكان يرى القدر، نسأل الله العفو.
ومع هذا فما توقف أحد في صدقه، وعدالته، وحفظه، ولعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه، وبذل وسعه، والله حكم عدل لطيف بعباده، ولا يسأل عما يفعل.
ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعلم تحريه للحق، واتسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه وورعه واتباعه، يغفر له زلله، ولا نضلله ونطرحه، وننسى محاسنه نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك.
قال معمر: أقام قتادة عند سعيد بن المسيب ثمانية أيام، فقال له في اليوم الثالث: ارتحل يا أعمى فقد أنزفتني (1).
قال معمر: وسمعت قتادة يقول: ما في القرآن آية إلا وقد سمعت فيها شيئا، وعنه قال: ما سمعت شيئا إلا وحفظته، قال عبد الرزاق: قتادة من بكر ابن وائل.
وقال يحيى بن معين: ولد قتادة سنة ستين، وكان من سدوس.
قال
الامام أحمد: مولد قتادة والاعمش واحد.
عبد الرزاق، عن معمر، قيل للزهري: أقتادة أعلم عندكم أو مكحول ؟ قال: لا بل قتادة، ما كان عند مكحول إلا شئ يسير.
عبد الرزاق، عن معمر، قال: قال محمد بن سيرين: قتادة أحفظ الناس، أو من أحفظ الناس.
أبو هلال الراسبي، عن غالب القطان، عن بكر المزني، قال: من سره
__________
(1) أي: أخذت مني علمي كله ولم يبق منه شئ، يقال: نزفت ماء البئر نزفا: إذا نزحته كله.
[ * ]

(5/271)


أن ينظر إلى أحفظ من أدركنا، فلينظر إلى قتادة.
جرير، عن مغيرة، قال الشعبي: قتادة حاطب ليل.
قال يحيى بن يوسف الزمي: حدثنا ابن عيينة، قال لي عبد الكريم الجوزي: يا أبا محمد، تدري ما حاطب ليل ؟ قلت: لا، قال: هو الرجل يخرج في الليل فيحتطب، فيضع يده على أفعى فتقتله، هذا مثل ضربته لك لطالب العلم، أنه إذا حمل من العلم ما لا يطيقه، قتله علمه، كما قتلت الافعى حاطب الليل.
قال الصعق بن حزن: حدثنا زيد أبو عبد الواحد، سمعت سعيد بن المسيب، يقول: ما أتاني عراقي أحفظ من قتادة.
ابن علية، عن روح بن القاسم، عن مطر، قال: كان قتادة إذا سمع الحديث يختطفه اختطافا يأخذه العويل والزويل (1)، حتى يحفظه.
قال عفان: أهدى حسام بن مصك إلى قتادة نعلا، فجعل قتادة يحركها وهي تتثنى من رقتها وقال: إنك لتعرف سخف الرجل في هديته.
وقال عفان: قال لنا قيس بن الربيع: قدم علينا قتادة الكوفة، فأردنا أن نأتيه فقيل لنا: إنه يبغض عليا رضي الله عنه فلم نأته، ثم قيل لنا بعد: إنه
أبعد الناس من هذا، فأخذنا عن رجل عنه.
البغوي في ترجمة قتادة له: حدثنا إبراهيم بن هانئ، حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، قال: قال قتادة لسعيد بن المسيب: يا أبا النضر: خذ المصحف، قال: فأعرض (2) عليه سورة البقرة فلم يخط فيها حرفا قال: فقال: يا أبا النضر أحكمت ؟ قال: نعم، قال: لانا لصحيفة جابر ابن عبد الله أحفظ مني لسورة البقرة، قال: وكانت قرئت عليه الصحيفة التي
__________
(1) أي القلق والانزعاج.
(2) في التهذيب: فعرض.

(5/272)


يرويها سليمان اليشكري عن جابر.
وبه قال معمر: قال قتادة: جالست الحسن اثنتي عشرة سنة أصلي معه الصبح ثلاث سنين.
قال: ومثلي يأخذ عن مثله.
قال وكيع: قال شعبة: كان قتادة يغضب إذا وقفته على الاسناد، قال: فحدثته يوما بحديث أعجبه، فقال: من حدثك ؟ قلت: فلان عن فلان قال: فكان يعده.
قال أبو هلال: سألت قتادة عن مسألة، فقال: لا أدري، فقلت: قل فيها برأيك، قال: ما قلت برأي منذ أربعين سنة، وكان يومئذ له نحو من خمسين سنة.
قلت: فدل على أنه ما قال في العلم شيئا برأيه.
قال أبو عوانة: سمعت قتادة يقول: ما أفتيت برأي منذ ثلاثين سنة.
أبو ربيعة: حدثنا أبو عوانة، قال: شهدت قتادة يدرس القرآن في رمضان.
وعن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة قال: دهن الحاجبين أمان من الصداع.
ضمرة بن ربيعة، عن حفص، عن قائد لقتادة، قال: قدت قتادة عشرين سنة، وكان يبغض الموالي، ويقول: دباغين حجامين أساكفة، فقلت: ما يؤمنك أن يجيئ بعضهم فيأخذ بيدك، فيذهب بك إلى بئر فيطرحك فيها ؟ قال: كيف قلت ؟ فأعدت عليه، فقال: لا قدتني بعدها.
عفان: حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا قتادة، عن عمرو بن دينار بحديث في الوصية، فسألت عمرا ثم قلل معناه غير ما قال قتادة، فقلت: إن قتادة نبأ عنك بكذا وكذا، قال: إني أوهمت يوم حدثت به قتادة.
قال ابن عيينة: قالوا: كان معمر يقول: لم أر في هؤلاء أفقه من الزهري وقتادة وحماد.

(5/273)


ضمرة، عن ابن شوذب، قال رجل من أهل البصرة: إن لم تجد إلا مثل عبادة ثابت، وحفظ قتادة، وورع ابن سيرين، وعلم الحسن، وزهد مالك بن دينار لا تطلب العلم.
عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، قال: تكرير الحديث في المجلس يذهب نوره، وما قلت لاحد قط: أعد علي.
وبه عن قتادة، قال: لقد كان يستحب أن لا تقرأ الاحاديث التي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على طهارة.
قال أبو هلال: سمعت قتادة يقول: إذا سرك أن يكذب صاحبك فلقنه.
الطيالسي، عن عمران القطان، عن قتادة، قال: قال أبو الأسود الدؤلي: إذا أردت أن يكذب الشيخ، فلقنه.
أبو هلال: سمعت قتادة يقول: إن الرجل ليشبع من الكلام كما يشبع من الطعام.
قال أبو داود الطيالسي: قال شعبة: كنا نعرف الذي لم يسمع قتادة مما سمع إذا قال: قال فلان، وقال فلان عرفنا أنه لم يسمع.
وقال ابن مهدي: سمعت شعبة يقول: كنت أنظر إلى فم قتادة كيف يقول، فإذا قال حدثنا يعني: كتبت.
وقال أبو داود: سمعت شعبة: كنت أتفطن إلى فم قتادة فإذا قال: حدثنا سعيد، وحدثنا أنس، وحدثنا مطرف، فإذا حدث بما لم يسمع، قال: حدث سليمان بن يسار، وحدث أبو قلابة.
قال عفان، قال لي همام، كل شئ أقول لكم قال قتادة: فأنا سمعته منه، فإذا كان فيه لحن فأعربوه، فإن قتادة كان لا يلحن.

(5/274)


أبو هلال، عن مطر الوراق، قال: ما زال قتادة متعلما حتى مات.
قال أبو هلال: قالوا لقتادة: نكتب ما نسمع منك ؟ قال: وما يمنعك أن تكتب، وقد أخبرك اللطيف الخبير أنه يكتب، فقال: * (علمها عند ربي في كتاب) * [ طه: 52 ] وسمعته يقول: الحفظ في الصغر كالنقش في الحجر.
روى بكر بن خنيس، عن ضرار بن عمرو، عن قتادة: باب من العلم يحفظه الرجل لصلاح نفسه وصلاح من بعده أفضل من عبادة حول.
أبو عوانة، عن قتادة، قال في مصحف الفضل بن عباس (وأنزلنا بالمعصرات ماء ثجاجا) (1).
بشر بن عمر، حدثنا همام عن قتادة، قال: كان يقال: قلما ساهر الليل منافق.
زيد بن الحباب، عن الوزير بن عمران، قال: كان قتادة إذا دعي إلى طعام، حل أزراره.
أبو هلال، عن قتادة، قال: إنما حدث هذا الارجاء بعد هزيمة ابن
الاشعث.
قال حنظلة بن أبي سفيان: كنت أرى طاووسا إذا أتاه قتادة، يفر، قال: وكان قتادة يتهم بالقدر.
أبو سلمة المنقري: حدثنا أبان العطار، قال: ذكر يحيى بن أبي كثير عند قتادة، فقال: متى كان العلم في السماكين، فذكر قتادة عند يحيى، فقال: لا يزال أهل البصرة بشر ما كان فيهم قتادة.
قلت: كلام الاقران يطوى ولا يروى، فإن ذكر تأمله المحدث، فإن
__________
(1) نسب هذه القراءة أبو حيان في " البحر " 8 / 411 و 412 إلى ابن الزبير وابن عباس والفضل ابن عباس، وعبد الله بن يزيد، وعكرمة وقتادة، والتلاوة * (وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا) * [ النبأ: 14 ].
[ * ]

(5/275)


وجد له متابعا، وإلا أعرض عنه.
أخبرني إسحاق الاسدي، أنبأنا يوسف بن خليل، أنبأنا أحمد بن محمد التيمي، أنبأنا أبو علي، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا أبو الشيخ، حدثنا ابن أخي سعدان بن نصر، حدثنا حسين بن مهدي، حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، سمعت قتادة يقول: ما سمعت أذناي شيئا قط إلا وعاه قلبي.
وبه إلى أبي الشيخ، حدثنا ابن أبي عاصم، حدثنا هدبة، حدثنا همام، عن قتادة، قال لي سعيد بن المسيب: لم أر أحدا أسأل عما يختلف فيه منك، قلت: إنما يسأل عن ذلك من يعقل.
وعن معمر، قال: جاء رجل إلى ابن سيرين فقال: رأيت كأن حمامة التقطت لؤلؤة فقذفتها سواء، قال: ذاك قتادة، ما رأيت أحفظ منه.
قال مطر الوراق: كان قتادة عبد العلم.
حسين بن محمد: حدثنا شيبان، عن قتادة * (إنما يخشى الله من عباده العلماء) * قال: كفى بالرهبة علما، اجتنبوا نقض الميثاق، فإن الله قدم فيه وأوعد، وذكره في آي من القرآن تقدمة ونصيحة وحجة، إياكم والتكلف والتنطع والغلو والاعجاب بالانفس، تواضعوا لله، لعل الله يرفعكم.
قال سلام بن أبي مطيع: كان قتادة يختم القرآن في سبع، وإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث، فإذا جاء العشر ختم كل ليلة.
وقال سلام بن مسكين، عن عمران بن عبد الله، قال سعيد بن المسيب لقتادة: ما كنت أظن أن الله خلق مثلك.
قال أحمد بن حنبل: كان قتادة عالما بالتفسير، وباختلاف العلماء، ثم وصفه بالفقه والحفظ، وأطنب في ذكره، وقال: قلما تجد من يتقدمه.
وعن سفيان الثوري: قال: وهل كان في الدنيا مثل قتادة.
وقال الامام أحمد: كان قتادة أحفظ أهل البصرة لا يسمع شيئا إلا

(5/276)


حفظه، قرئ عليه صحيفة جابر مرة واحدة فحفظها.
وقال عبد الله بن إدريس: قال شعبة: نصصت على قتادة سبعين حديثا كلها يقول: سمعت أنس بن مالك.
قال شعبة: لا يعرف لقتادة سماع من أبي رافع، وقال يحيى بن معين: لم يسمع قتادة من سعيد بن جبير ولا من مجاهد، قال يحيى بن سعيد القطان: لم يسمع قتادة من سليمان بن يسار، وقال أحمد بن حنبل: لم يسمع من معاذة العدوية.
قلت: قد عدوا رواية قتادة، عن جماعة هكذا من غير سماع، وكان مدلسا.
قال وكيع: كان سعيد بن أبي عروبة وهشام الدستوائي وغيرهما
يقولون: قال قتادة: كل شئ بقدر إلا المعاصي (1).
وروى ضمرة، عن ابن شوذب، قال: ما كان قتادة لا يرضى حتى يصيح به صياحا يعني: القدر.
قلت: قد اعتذرنا عنه وعن أمثاله، فإن الله عذرهم، فيا حبذا، وإن هو عذبهم، فإن الله لا يظلم الناس شيئا، ألا له الخلق والامر.
وقد كان قتادة أيضا رأسا في العربية والغريب وأيام العرب، وأنسابها
__________
(1) يغلب على الظن أن القدر الذي نفاه قتادة رحمه الله إنما هو القدر الذي حكاه الله تعالى عن المشركين في قوله * (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولاحرمنا من شئ..) * وقد رد الله مقالتهم تلك ووصفهم بالكذب والجهل، واتباع الظنون والاوهام، فقال: * (كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم، فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون) * وقد اتفق الائمة الذين يعتد بهم في هذا الشأن: أن قدرة العبد مؤثرة في عمله كتأثير سائر الاسباب في المسببات بمشيئة الله الذي ربط بعضها ببعض كما هو ثابت بالحس والوجدان والقرآن.
والله سبحانه يكره من عباده أن يعملوا الشر وإن وقع بإرادته إذ لا يقع في ملكه إلا ما يشاء، وليس معنى المشيئة أنه يحب ذلك الشر بل معناها: أن الشر لا يقع على الرغم منه، وحاشا له.
وإرادة الله لا ترغم العبد على فعل الشر، فلو أن العبد فعل الخير بدل الشر، لكان فعل الخير بإرادته سبحانه أيضا فالطاعات والمعاصي تقع من العبد بإرادة الله سبحانه ومشيئته، أي: بغير أن يكون مكرها على وقوعها، كما أن مشيئته تعالى لم تكره العبد على المعصية التي تقع منه.
[ * ]

(5/277)


حتى قال فيه أبو عمرو بن العلاء: كان قتادة من أنسب الناس، ونقل القفطي (1) في " تاريخه " أن الرجلين من بني أمية كانا يختلفان في البيت من الشعر، فيبردان بريدا إلى العراق يسألان قتادة عنه.
قال ابن المديني: قلت ليحيى بن سعيد: إن عبدالرحمن يقول: اترك من كان رأسا في بدعة يدعو إليها، قال: فكيف يصنع بقتادة، وابن أبي رواد
وعمر بن ذر، وذكر قوما، ثم قال يحيى: إن ترك هذا الضرب ترك ناسا كثيرا، ثم قال: عمرو بن دينار أثبت من قتادة، وقال يحيى: أخرج قتادة حيان الاعرج من الحجرة.
قلت: لم أخرجه ؟ قال: لانه ذكر عثمان رضي الله عنه، فقلت ليحيى: من أخبرك ؟ قال أصحابنا: وسمعت يحيى، يقول عن شعبة، قال: ذكرت لقتادة حديث احتج آدم وموسى، فقال: مجنون أنت وإيش هذا، قد كان الحسن يحدث بها.
أخبرنا ابن البخاري إجازة، أنبأنا ابن طبرزد، أنبأنا عبد الوهاب الانماطي، أنبأنا الصريفيني، أنبأنا ابن حبابة، أنبأنا البغوي، حدثنا هدبة، حدثنا حماد بن سلمة، عن حميد، عن الحسن، عن جندب أو غيره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " لقي آدم موسى، فقال موسى: يا آدم أنت الذي خلقك الله بيده وأسكنك جنته، وأسجد لك ملائكته، ففعلت ما فعلت، وأخرجت ذريتك من الجنة ؟ فقال: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته، وكلمك، وآتاك التوراة، فأنا أقدم أم الذكر ؟ قال: بل الذكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فحج آدم موسى " رواه أحمد بن أبي خيثمة، عن حرمي بن حفص وأبي
__________
(1) هو علي بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الواحد الشيباني القفطي أحد الكتاب المشهورين المبرزين في النظم والنثر، وكانت له معرفة باللغة والنحو والفقه والحديث وعلوم القرآن والاصول والمنطق والحكمة، والهندسة والتاريخ، وله تصانيف كثيرة تشهد له بالتفوق في العلم والبراعة فيه توفي سنة 646 ه ترجم له ياقوت في " معجم الادباء " 5 / 175، 203 ترجمة مطولة.
[ * ]

(5/278)


سلمة، قالا: حدثنا حماد، فقال عن جندب ولم يشك.
وهذا حديث جيد الاسناد (1).
قال حماد بن زيد: سمعت أيوب يقول: ما أقام قتادة عن محمد حديثا،
وقال نصر بن علي: حدثنا أبي، حدثنا خالد بن قيس، قال: قال قتادة: ما نيست شيئا، ثم قال يا غلام: ناولني نعلي، قال: نعلك في رجلك.
قلت: هذه الحكاية غيرة، فإن الدعاوي لا تثمر خيرا.
عبد الرزاق: أنبأنا معمر، عن قتادة في قوله * (وهو ألد الخصام) * [ البقرة: 204 ] قال: جدل باطل (2).
محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة * (ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم) * [ الانعام: 121 ] قال: جادلهم المشركون في الذبيحة (3).
__________
(1) كيف وفيه عنعنة الحسن، نعم صح الحديث من طريق أبي هريرة، فقد أخرجه البخاري 11 / 441 في القدر: باب تحاج آدم وموسى عند الله، ومسلم (2652) في القدر: باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام، ومالك 2 / 898 في القدر: باب النهي عن القول بالقدر، وأبو داود (4701) والترمذي (2135) ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تحاج آدم وموسى، فقال أنت الذي أخرجت الناس من الجنة بذنبك، وأشقيتهم، قال: فقال آدم لموسى: أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه أتلومني على أمر كتبه الله علي قبل أن يخلقني، أو قدره علي قبل أن يخلقني، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فحج آدم موسى " وله ألفاظ أخرى انظرها في " جامع الاصول " 10 / 124، 126.
وقوله " فحج آدم موسى " آدم مرفوعة الميم على الفاعلية، و (موسى) في محل النصب، أي ألزمه آدم الحجة، قال الخطابي: إنما حجه آدم في دفع اللوم إذ ليس لاحد من الآدميين أن يلوم أحدا، وأما الحكم الذي تنازعاه، فهما فيه على السواء لا يقدر أحد أن يسقط الاصل الذي هو القدر، ولا أن يبطل الكسب الذي هو السبب.
(2) رجاله ثقات، وأخرجه الطبري 2 / 315 من طريق عبد الرزاق ولفظه: " جدل بالباطل " وأخرج الطبري أيضا من طريق سعيد عن قتادة: قوله * (وهو ألد الخصام) * يقول: شديد القسوة في معصية، جدل بالباطل، وإذا شئت رأيته عالم اللسان، جاهل العمل، يتكلم بالحكمة، ويعمل بالخطيئة.
(3) رجاله ثقات وتمامه كما في " الطبري " 8 / 18: فقالوا: أما ما قتلتم بأيديكم فتأكلونه، وأما ما قتل الله فلا تأكلونه، يعنون الميتة: فكانت هذه مجادلتهم إياهم.
[ * ]

(5/279)


عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد، عن قتادة * (وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى) * [ الانعام: 68 ] إلى بعد ما نهى الله رسوله أن يجالس أهل الاستهزاء بكتاب الله إلا ريث ما ينسى، فيعرض إذا ذكر (1).
أبو سلمة التبوذكي: حدثنا أبو هلال، حدثنا قتادة، قال: قالت بنو إسرائيل: يا رب أنت في السماء ونحن في الارض، فكيف لنا أن نعرف رضاك وغضبك ؟ قال: إذا رضيت عليكم، استعملت عليكم خياركم، وإذا غضبت، استعملت عليكم شراركم.
ومن عالي ما يقع لنا من حديث قتادة: أخبرنا أبو المعالي الهمداني، أنبأنا الفتح بن عبد السلام، أنبأنا محمد ابن عمر القاضي، ومحمد بن أحمد الطرائفي، ومحمد بن الداية، قالوا: أنبأنا أبو جعفر بن المسلمة، أنبأنا عبيدالله الزهري، أنبأنا جعفر الفريابي، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن أبى موسى الاشعري: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الاترجة ريحها طيب، وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر ".
وبه إلى الفريابي، حدثنا هدبة بن خالد، حدثنا همام بن يحيى، حدثنا قتادة، عن أنس، عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مثل المؤمن الذي
يقرأ القرآن كمثل الاترجة " وذكر الحديث.
__________
(1) وأخرجه الطبري 7 / 228 من طريق عبد الرزاق، عن معمر عن قتادة بلفظ " نهاه الله أن يجلس مع الذين يخوضون في آيات الله يكذبون بها، فإن نسي، فلا يقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ".
[ * ]

(5/280)


أخرجه الشيخان (1) عن هدبة، وأخرجه مسلم والترمذي عن قتيبة، فوافقناهم بعلو.
وعندي حديث ابن الجعد، عن شعبة، وشيبان عن قتادة في إخفاء البسملة كتبته في أخبار شعبة.
أخبرنا الشيخ المقرئ عماد الدين عبد الحافظ بن بدران شيخ نابلس بها، ويوسف بن أحمد الغسولي بدمشق، قالا: أنبأنا موسى بن عبد القادر، أنبأنا أبو القاسم سعيد بن البناء، أنبأنا علي بن أحمد البندار، أنبأنا محمد بن عبدالرحمن، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا طالوت بن عباد، حدثنا سعيد ابن إبراهيم، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار " (2).
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله، ومحمد بن عبد السلام الحلبي قراءة عن عبدالمعز بن محمد البزاز، أبنأنا محمد بن إسماعيل الفضيلي، أنبأنا محلم بن إسماعيل أبو مضر الضبي، أنبأنا الخليل بن أحمد القاضي قال: أنبأنا أبو العباس محمد بن إسحاق الثقفي، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من مسلم يغرس غرس أو يزرع زرعا، فيأكل منه طائر أو إنسان أو بهيمة إلا كانت
__________
(1) أخرجه البخاري 9 / 58، 59 في فضائل القرآن: باب فضل القرآن على سائر الكلام،
ومسلم (797) في صلاة المسافرين: باب فضيلة حافظ القرآن، من طريق هدبة بن خالد، عن همام عن قتادة به، وأخررجه البخاري 9 / 481 في الاطعمة: باب ذكر الطعام، ومسلم (797)، والترمذي (2865) من طريق قتيبة بن سعيد، عن أبي عوانة، عن قتادة، عن أنس عن أبي موسى.
(2) وأخرجه البخاري 1 / 81 في الايمان: باب وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا، و 12 / 173 في الديات: باب ومن أحياها، ومسلم (2888) في الفتن: باب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما من طريق حماد بن زيد، عن أيوب ويونس، عن الحسن، عن الاحنف بن قيس، عن أبي بكرة.
(*)

(5/281)


له صدقة ".
أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن قتيبة (1) فوافقناهم.
قال أبو نعيم وخليفة وأحمد بن حنبل وغيرهم: مات قتادة سنة سبع عشرة ومئة.
قال خليفة: هو قتادة بن دعامة بن عزيز بن زيد بن ربيعة بن عمرو بن كرب بن عمرو بن الحارث بن سدوس أبو الخطاب: مات [ سنة سبع عشرة ومئة ] بواسط، وقال ابن عائشة: مات بواسط، كان عند خالد بن عبد الله القسري، وقال ابن شوذب: أوصى قتادة إلى مطر.
وبإسنادي المذكور إلى البغوي في " الجعديات ": حدثنا علي بن الجعد، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن ابن مسعود * (يوم يأتي بعض آيات ربك) * [ الانعام: 158 ] قال: طلوع الشمس من مغربها (2).
قال محمد بن سواء، عن شعبة، قال: حدثت سفيان بحديث قتادة، عن أبي حسان، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم: " قلد الهدي وأشعره " قال: فقال لي سفيان: وكان في الدنيا مثل قتادة.
قال أبو داود في حديث قتادة، عن أبي رافع، عن أبي هريرة " إذا دعي أحدكم إلى طعام، فجاء مع الرسول، فإن ذلك إذنه " (3) قتادة لم يسمع من أبي
__________
(1) أخرجه البخاري 5 / 2 في أول المزارعة، ومسلم (1552) (8) في المساقاة: باب فضل الغرس والزرع، والترمذي (1382) في الاحكام: باب ما جاء في فضل الغرس.
(2) إسناده صحيح، وأخرج البخاري 8 / 223 في التفسير: باب لا ينفع نفسا إيمانها، من طريق موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الواحد، حدثنا عمارة، حدثنا أبو زرعة، حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا رآها الناس.
آمن من عليها، فذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل " وأخرجه مسلم (157) في الايمان: باب الزمن الذي لا يقبل فيه الايمان من طرق عن أبي هريرة.
(3) أخرجه أبو داود (5190) في الاددب: باب في الرجل يدعى أيكون ذلك إذنه، والبخاري في " الادب المفرد " (1075) وإسناده صحيح، وعلقه البخاري في " صحيحه " 11 / 27 بصيغة الجزم، = [ * ]

(5/282)


رافع، قلت: بل سمع منه، ففي صحيح البخاري حديث سليمان التيمي، عن قتادة، سمعت أبا رافع، عن أبي هريرة حديث: إن رحمتي غلبت غضبي (1).
قال معمر: قال قتادة: جالست الحسن ثنتي عشرة سنة أصلي معه الصبح ثلاث سنين، ومثلي أخذ عن مثله، وعن ابن علية، قال: توفي قتادة سنة ثماني عشرة ومئة.

133 - نافع بن مالك * (ع) ابن أبي عامر الامام الفقيه أبو سهيل الاصبحي المدني.
حدث عن ابن عمر، وسهل بن سعد، وأنس بن مالك، وسعيد بن المسيب ووالده، وهو مكثر عنه.
روى عنه ابن أخيه مالك بن أنس، وابن شهاب، وهو من أقرانه، وسليمان بن بلال، وإسماعيل بن جعفر، وعبد العزيز الدراوردي، وغيرهم
وثقه أحمد بن حنبل وغيره، تأخر إلى قريب الثلاثين ومئة.
__________
= وإعلال أبي داود له بأن قتادة لم يسمع من أبي رافع رده المصنف هنا، والحافظ في " الفتح " 11 / 27 بأنه ثبت سماعه منه في الحديث الذي أخرجه في " صحيحه " 13 / 439، وللحديث مع ذلك متابع أخرجه البخاري في " الادب المفرد " (1076) وأبو داود (5189) من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة بلفظ " رسول الرجل إلى الرجل إذنه " وله شاهد موقوف على ابن مسعود عند البخاري في " الادب المفرد " (1074) قال: إذا دعي الرجل، فقد أذن له.
(1) أخرجه البخاري 13 / 439 في التوحيد: باب قول الله تعالى " بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ " من طريق المعتمر سمعت أبي يقول: حدثنا قتادة أن أبا رافع حدثه أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: " إن الله كتب كتابا قبل أن يخلق الخلق، إن رحمتي سبقت غضبي، فهو مكتوب عنده فوق العرش ".
* التاريخ الكبير 8 / 86، تاريخ الفسوي 1 / 406، الجرح والتعديل 8 / 453، تهذيب الكمال: 1403، تذهيب التهذيب 4 / 91 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 307، تهذيب التهذيب 10 / 409، خلاصة تذهيب الكمال: 399.
[ * ]

(5/283)


134 - علي بن عبد الله * (م، 4) ابن عباس بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف الامام القانت أبو محمد الهاشمي المدني السجاد.
ولد عام قتل الامام علي، فسمي باسمه حدث عن أبيه ابن عباس، وأبي هريرة، وابن عمر، وأبي سعيد وجماعة.
روى عنه بنوه: عيسى، وداود، وسليمان، وعبد الصمد، والزهري، ومنصور بن المعتمر، وسعد بن إبراهيم، وعلي بن أبي حملة وآخرون.
وأمه ابنة ملك كندة مشرح بن عدي، وكان جسيما وسيما كأبيه طوالا،
مهيبا، مليح اللحية، يخضب بالوسمة.
ورد عن الاوزاعي وغيره أنه كان يصلي في اليوم ألف سجدة.
وقال ابن سعد: هو ثقة قليل الحديث.
قال له عبدالملك بن مروان: لاأحتمل لك الاسم والكنية فغيره، وكناه أبا محمد.
قال عكرمة: قال لي ابن عباس ولابنه علي: انطلقا إلى أبي سعيد الخدري، فاسمعا من حديثه، فأتيناه في حائط له.
وقال علي بن أبي حملة: دخلت على علي بن عبد الله، وكان آدم جسيما، ورأيت له مسجدا كبيرا في وجهه.
وقال ابن المبارك: كان له خمسمئة شجرة يصلي عند كل شجرة ركعتين، وذلك كل يوم.
__________
طبقات خليفة: 239، تاريخ الفسوي 2 / 381، الجرح والتعديل 6 / 193، تهذيب الكمال: 984، تذهيب التهذيب 3 / 69 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 282، تهذيب التهذيب 7 / 357، خلاصة تذهيب الكمال: 275، شذرات الذهب 1 / 148.
[ * ]

(5/284)


وعن أبي المغيرة كنا نطلب له النعل فما نجده حتى يستعمله لكبر رجله.
قلت: لقب بالسجاد لكثرة صلاته.
وقيل: إنه دخل على عبدالملك، فأجلسه معه على السرير.
قال المبرد: ضربه الوليد مرتين إحداهما في تزويجه لبابة بنت عبد الله ابن جعفر، وكانت عند عبدالملك، فعض تفاحة وناولها، وكان أبخر، فقشطتها بسكين، وقالت: أميط عنها الاذى، فطلقها، فتزوجها علي.
ورؤي مضروبا وهو على جمل مقلوبا ينادى عليه: هذا علي الكذاب، لانهم بلغهم عنه أنه يقول: إن هذا الامر سيصير في ولدي، وحلف ليكونن
فيهم حتى تملك عبيدهم الصغار الاعين العراض الوجوه.
وقيل: إنه دخل على هشام، فاحترمه وأعطاه ثلاثين ألفا، ثم قال: إن هذا الشيخ اختل وخلط، يقول: إن هذا الامر سينتقل إلى ولدي، فسمعها علي، فقال: والله ليكونن ذلك، وليتملكن هذان، وكان معه ولدا ابنه السفاح والمنصور.
قلت: كان قد أسكنه هشام بالحميمة (1) قرية من البلقاء هو وأولاده.
توفي سنة ثماني عشرة ومئة عن ثمان وسبعين سنة، وهو جد الخلفاء، وله من الولد المذكورون، ومحمد الامام، وصالح، وأحمد، وبشير، ومبشر وإسماعيل، وعبد الله، وعبيدالله، وعبد الملك، وعثمان، وعبد الرحمن، ويحيى، وإسحاق، ويعقوب، وعبد العزيز، والاحنف، وعدة بنات.
__________
(1) قال ياقوت: الحميمة: بلد من أرض الشراة من أعمال عمان في أطراف الشام.
[ * ]

(5/285)


135 - عبد الله بن أبي زكريا * (د) الامام القدوة الرباني أبويحيى الخزاعي الدمشقي.
أرسل عن سلمان الفارسي، وأبي الدرداء، وعبادة [ بن ] الصامت، وطائفة، وسمع من أم الدرداء، وغيرها.
حدث عنه صفوان بن عمرو، وعلي بن أبي حملة، والاوزاعي، وعبد الرحمن ابن يزيد بن جابر، وخالد بن دهقان، وسعيد بن عبد العزيز، وعدد كثير.
قال أبو مسهر: كان سيد أهل المسجد، فقيل: بم سادهم ؟ قال: بحسن الخلق.
قال الواقدي: كان يعدل بعمر بن عبد العزيز، وقال يمان بن عدي: كان عبد الله بن أبي زكريا عابد أهل الشام، وكان يقول: ما عالجت من العبادة شيئا
أشد من السكوت.
قال الاوزاعي: لم يكن بالشام رجل يفضل على ابن أبي زكريا.
وروى بقية، عن مسلم بن زياد، قال: كان عبد الله بن أبي زكريا لا يكاد يتكلم إلا أن يسأل، وكان من أكثر الناس تبسما، قال: ما مسست دينارا ولا درهما قط، ولا اشتريت شيئا قط، ولا بعته إلا مرة، وكان له إخوة يكفونه.
قال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث صاحب غزو، وكان عمر بن عبد العزيز يجلسه معه على السرير.
قلت: توفي سنة سبع عشرة ومئة رحمهما الله تعالى، ورضي عنهم.
__________
* طبقات خليفة: 312، تاريخ الفسوي 2 / 320، 378، الجرح والتعديل 5 / 7، حلية الاولياء 5 / 149، 153، تهذيب الكمال: 683، تذهيب التهذيب 2 / 145 / 1، تاريخ الاسلام 4 / 264، تهذيب التهذيب 5 / 218، خلاصة تذهيب الكمال: 198.
[ * ]

(5/286)


136 - أبو جعفر القارئ * أحد الائمة العشرة في حروف القراءات، واسمه يزيد بن القعقاع المدني.
تلا على مولاه عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي، وذكر جماعة أنه قرأ أيضا على أبي هريرة، وابن عباس عن أخذهم عن أبي بن كعب، وقد صلى بابن عمر.
وحدث عن أبي هريرة، وابن عباس، وهو نزر الرواية، لكنه في الاقراء إمام.
قيل: تصدر للاداء من قبل وقعة الحرة، ويقال: تلا على زيد بن ثابت ولم يدركه.
قرأ عليه نافع، وسليمان بن مسلم بن جماز، وعيسى بن وردان، وطائفة وحدث عنه مالك بن أنس، والدراوردي، وعبد العزيز بن أبي حازم.
ووثقه ابن معين والنسائي، قال أبو عبيد، كان يقرئ قبل وقعة الحرة، حدثنا بذلك إسماعيل بن جعفر عنه.
وقال إسماعيل بن جعفر: قال لي سليمان بن مسلم: أخبرني أبو جعفر أنه كان يقرئ قبل الحرة، وكان يمسك المصحف على مولاه، قال: وكان من أقرإ الناس، وكنت أرى كل ما يقرأ، وأخذت عنه قراءته.
وأخبرني أبو جعفر أن أم سلمة مسحت على رأسه، ودعت له.
وعن يحيى بن عباد: سألت أبا جعفر: متى علمت القرآن ؟ قال: زمن معاوية.
وقال نافع القارئ: كان أبو جعفر، يقوم الليل، فإذا أقرأ ينعس، فيقول لهم: ضعوا الحصى بين أصابعي وضموها، فكانوا يفعلون ذلك، والنوم يغلبه.
__________
* طبقات ابن سعد 6 / 352، طبقات خليفة: 262، تاريخ خليفة: 405، التاريخ الكبير 8 / 353، 354، الجرح والتعديل 9 / 284، تهذيب الكمال: 1593، تذهيب التهذيب 4 / 207 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 188، وفيات الاعيان، 6 / 274، طبقات القراء 2 / 382، تهذيب التهذيب 12 / 58، شذرات الذهب 1 / 176.
[ * ]

(5/287)


فقال: إذا نمت، فمدوا خصلة من لحيتي.
قال: فمر به مولاه، فيرى ما يفعلون به.
فيقول: أيها الشيخ، ذهبت بك الغفلة، فيقول أبو جعفر: هذا في خلقه شئ، دوروا بنا واء القبر.
وقال ابن وهب: حدثنا ابن زيد بن أسلم، قال: قال رجل لابي جعفر وكان في دينه فقيها وفي دنياه أبله: هنيئا لك ما آتاك من القرآن، قال: ذاك إذا أحللت حلاله، وحرمت حرامه، وعملت بما فيه.
وكان يصلي خلف القراء في رمضان، يلقنهم، يؤمر بذلك، وجعلوا بعده شيبة.
وقيل: كان يتصدق حتى بإزاره، وكان من العباد.
وروى زيد بن أسلم، عن
سليمان بن مسلم، قال: رأيت أبا جعفر القارئ على الكعبة، فقال: أقرئ إخواني السلام، وخبرهم أن الله جعلني من الشهداء الاحياء المرزوقين.
وروى إسحاق المسيبي، عن نافع، قال: لما غسل أبو جعفر، نظروا ما بين نحوه إلى فؤاده كورقة المصحف، فما شك من حضره أنه نور القرآن.
وقد سقت كثيرا من أخبار أبي جعفر في " طبقات القراء ".
مات سنة سبع وعشرين ومئة، قاله محمد بن المثنى، وقال شباب: سنة اثنتين وثلاثين، وعاش نيفا وتسعين سنة رحمه الله.

137 - حبيب بن أبي ثابت * (ع) الامام الحافظ، فقيه الكوفة أبويحيى القرشي الاسدي مولاهم، واسم أبيه قيس
__________
* طبقات ابن سعد 6 / 320، طبقات خليفة: 159، التاريخ الكبير 2 / 323، تاريخ الفسوى 2 / 204، الجرح والتعديل 3 / 107، طبقات الشيرازي: 83، تهذيب الكمال: 229، تذهيب = [ * ]

(5/288)


ابن دينار، وقيل: قيس بن هند، ويقال: هند.
حدث عن ابن عمر، وابن عباس، وأم سلمة، وقيل: لم يسمع منهما، وحديثه عنهما في ابن ماجه، وحكيم بن حزام وحديثه عنه في الترمذي.
قال الترمذي: وعندي لم يسمع منه، وأنس بن مالك، وزيد بن أرقم، وأبي وائل، وزيد بن وهب، وعاصم بن ضمرة، وأبي الطفيل، وأبي عبدالرحمن السلمي، وإبراهيم بن سعد بن أبي وقاص، وذر الهمداني، وأبي صالح ذكوان، والسائب ابن فروخ، وطاووس، وأبي المنهال عبدالرحمن بن مطعم، ونافع بن جبير، وكريب، وعروة في المستحاضة، وقيل: بل هو عروة المري، وينزل إلى عبدة بن أبي لبابة، وعمارة بن عمير، وكان من أئمة العلم.
روى عنه عطاء بن أبي رباح، وهو من شيوخه، وحصين، ومنصور،
والاعمش، وأبو حصين، وأبو الزبير، وطائفة من الكبار، وابن جريج، وحاتم ابن أبي صغيرة، ومسعر، وعبد العزيز بن سياه، وشعبة، والثوري، والمسعودي، وقيس بن الربيع، وحمزة الزيات، وخلق.
قال ابن المديني: له نحو مئتي حديث.
وقال أحمد بن يونس عن أبي بكر بن عياش: كان بالكوفة ثلاثة، ليس لهم رابع: حبيب بن أبي ثابت، والحكم، وحماد، كانوا من أصحاب الفتيا، ولم يكن أحد بالكوفة، إلا يذل لحبيب.
وقال أحمد العجلي: كوفي تابعي ثقة، كان مفتي الكوفة قبل حماد بن أبي سليمان.
وقال ابن المبارك، عن سفيان: حدثنا حبيب بن أبي ثابت، وكان دعامة، أو كلمة نحوها.
وروى أبو بكر بن عياش، عن أبي يحيى القتات، قال: قدمت الطائف مع
__________
= التهذيب 1 / 118 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 240، تذكرة الحفاظ 1 / 116، العبر 1 / 150، تهذيب التهذيب 2 / 178، النجوم الزاهرة 1 / 283، طبقات الحفاظ: 44، شذرات الذهب 1 / 156.
[ * ]

(5/289)


حبيب بن أبي ثابت، فكأنما قدم عليهم نبي.
قال أحمد بن سعد بن أبي مريم، عن يحيى: ثقة حجة.
فقيل ليحيى: حبيب ثبت ؟ قال: نعم.
إنما روى حديثين، ثم قال: أظن يحيى يريد منكرين: حديث " تصلي المستحاضة، وإن قطر الدم على الحصير (1) " وحديث " القبلة للصائم " (2).
وقال أبو حاتم: صدوق ثقة، لم يسمع من أم سلمة.
__________
(1) أخرجه ابن ماجه (624) في الطهارة: باب ما جاء في المستحاضة التي قد عدت أيام أقرائها من طريق وكيع، عن الاعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر،
أفأدع الصلاة ؟ قال: " لا إنما ذلك عرق، وليس بالحيضة، اجتنبي الصلاة أيام محيضك، ثم اغتسلي وتوضئي لكل صلاة، وإن قطر الدم على الحصير " ورجاله ثقات، وأخرجه أحمد 6 / 42، والطحاوي ص 61، والدارقطني ص 78، والبيهقي 1 / 344.
وقد توسع في الكلام عليه صاحب " نصب الراية " 1 / 199 و 200، والجوهر النقي 1 / 344 و 345.
(2) هذا خطأ من المؤلف رحمه الله صوابه: وحديث ترك الوضوء من القبلة كما في سنن أبي داود (180) والنسائي 1 / 104، 105، والترمذي (86) والبيهقي 1 / 126، والدارقطني ص 51، ولفظ الحديث من طريق الاعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عروة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قبل بعض نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ.
قلت: من هي إلا أنت فضحكت.
وقال ابن عبد البر فيما نقله عنه صاحب " الجوهر النقي " 1 / 124 في رد دعوى من يقول: إن حبيبا لم يسمع من عروة لروايته عمن هو أكبر من عروة وأقدم موتا، وقا أيضا: لا شك أنه لقي عروة، وقال أبو داود في كتاب السنن: وقد روى حمزة الزيات عن حبيب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة حديثا صحيحا.
قال ابن " التركماني " وهذا يدل ظاهرا على أن حبيبا سمع من عروة وهو مثبت، فيقدم على النافي، والحديث الذي أشار إليه أبو داود هو أنه كان عليه السلام يقول: " اللهم عافني في جسدي وعافني في بصري.." رواه الترمذي وقال حسن غريب.
على أن حبيبا لم ينفرد بروايته، فقد تابعه عليه هشام بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير، فقد روى الدارقطني 1 / 50 من حديث وكيع عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة قالت: قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض نسائه ولم يتوضأ، ثم ضحكت، وقد جاء الحديث باسناد آخر صحيح عن عائشة رواه البزار في " مسنده " ورجاله ثقات رجال الصحيح خلا شيخ البزار إسماعيل بن يعقوب بن صبيح وهو ثقة.
[ * ]

(5/290)


وروى الترمذي، عن البخاري، قال: لم يسمع حبيب من عروة شيئا.
وقال أبو داود: روي عن الثوري قال: ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني.
قلت: قد حدث عنه عطاء بن أبي رباح.
وذلك في النسائي، وابن ماجه، وأبو
بكر بن عياش وهو خاتمة أصحابه، فقال هو ومحمد بن عبد الله بن نمير، والبخاري: مات سنة تسع عشرة ومئة.
وأما ابن سعد، فروى عن الهيثم، عن يحيى بن سلمة بن كهيل: مات حبيب سنة اثنتين وعشرين ومئة في ولاية يوسف بن عمر.
قلت: كان من أبناء الثمانين وهو ثقة بلا تردد.
وقد تناكد الدولابي بذكره في الضعفاء له لمجرد قول ابن عون فيه: كان أعور، وإنما هذا نعت لبصره لا جرح له.
قال فيه البخاري: سمع ابن عمر وابن عباس.
قال زافر بن سليمان، عن أبي سنان، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: من وضع جبينه لله، فقد برئ من الكبر.
وقال أبو بكر بن عياش: رأيت حبيب بن أبي ثابت ساجدا فلو رأيته قلت ميت: يعني: من طول السجود.
أخبرنا إسماعيل بن عميرة، أنبأنا عبد الله بن أحمد الفقيه، أنبأنا أبو بكر بن النقور، أنبأنا أبو القاسم الربعي، أنبأنا محمد بن محمد بن مخلد، أنبأنا جعفر الخلدي، حدثنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا الحسن بن قتيبة، حدثنا مسعر، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي العباس، عن عبد الله بن عمرو قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد، فقال: " أحي والداك ؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد " أخرجه البخاري ومسلم (1) من طريق الاعمش عن حبيب، واسم أبي العباس: السائب بن فروخ.
__________
(1) أخرجه البخاري 6 / 97، 98، في الجهاد: باب الجهاد بإذن الابوين من طريق شعبة عن = [ * ]

(5/291)


138 - عبد الله بن عامر * (م، ت)
ابن يزيد بن تميم الامام الكبير مقرئ الشام، وأحد الاعلام أبوعمران اليحصبي الدمشقي.
يقال: ولد عام الفتح، وهذا بعيد، والصحيح ما قال تلميذه يحيى بن الحارث الذماري، أن مولده سنة إحدى وعشرين.
وروينا بإسناد قوي أنه قرأ على أبي الدرداء، والظاهر أنه قرأ عليه من القرآن.
وروي أنه سمع قراءة عثمان بن عفان، فلعل والده حج به فتهيأ له ذلك، وقيل: قرأ عليه نصف القرآن، ولم يصح.
وجاء أيضا أنه قرأ على قاضي دمشق فضالة بن عبيد الصحابي، والمشهور أنه تلا على المغيرة بن أبي شهاب المخزومي صاحب عثمان.
وحدث عن معاوية، والنعمان بن بشير، وفضالة بن عبيد، وواثلة بن الاسقع، وعدة.
حدث عنه ربيعة بن يزيد القصير، والزبيدي، ويحيى الذماري، وعبد الرحمن ابن يزيد بن جابر، وعبد الله بن العلاء وجماعة، وتلا عليه يحيى بن الحارث وغيره.
وثقة النسائي وغيره، وهو قليل الحديث.
__________
= حبيب..ومسلم (2549) في البر والصلة: باب بر الوالدين وأنهما أحق به من طريق شعبة والاعمش عن حبيب.
* طبقات خليفة: 235، التاريخ الصغير 1 / 100 و 164، الجرح والتعديل 5 / 122، تاريخ ابن عساكر، تهذيب الكمال: 697، تذهيب التهذيب 2 / 156 / 1، تاريخ الاسلام 3 / 267، ميزان الاعتدال 2 / 449، طبقات القراء 1 / 423، تهذيب التهذيب 5 / 274، خلاصة تذهيب الكمال: 202.
[ * ]

(5/292)


قال الهيثم بن عمران: كان ابن عامر رئيس أهل المسجد زمن الوليد بن عبد الملك وبعده.
خفيت على ابن عامر سنة متواترة، فنقل سعيد بن عبد العزيز: قال: ضرب ابن عامر عطية بن قيس حين رفع يديه في الصلاة، وقيل: إن عمر ابن عبد العزيز لما بلغه ذلك، حجبه عن الدخول إليه.
وفي كنية ابن عامر أقوال تسعة: أقواها أبوعمران، والاصح أنه عربي، ثابت النسب من حمير، قال يحيى الذماري: كان ابن عامر قاضي الجند، وكان على بناء مسجد دمشق، وكان رئيس المسجد لا يرى فيه بدعة إلا غيرها.
قال: ومات يوم عاشوراء سنة ثمان عشرة ومئة، وله سبع وتسعون سنة.
ومراده بالجند: جند دمشق، وهي البلد، وما يلتحق بها من السواحل والقلاع.
قد سقت ترجمة هذا الامام مستوفاة في كتاب " طبقات القراء ".

139 - أبو سفيان * (م، 4، خ مقرونا) طلحة بن نافع الاسكاف الواسطي عراقي صدوق.
روى عن جابر بن عبد الله، وابن عباس، وأنس بن مالك، وعبيد بن عمير وغيرهم.
روى عنه حصين بن عبدالرحمن، والاعمش، ومحمد بن إسحاق، وحجاج ابن أرطاة، وشعبة وغيرهم.
قال أبو حاتم الرازي: أبو الزبير أحب إلي منه، وقال أحمد بن حنبل وغيره: ليس به بأس، وقال سفيان بن عيينة: إنما أبو سفيان عن جابر صحيفة.
قلت:
__________
* طبقات خليفة 155، التاريخ الكبير 4 / 346، الجرح والتعديل 4 / 475، تهذيب الكمال 631، تذهيب التهذيب 2 / 108 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 23، ميزان الاعتدال 2 / 342، العقد الثمين 5 / 71، تهذيب التهذيب 5 / 26، خلاصة تذهيب الكمال 180.
[ * ]

(5/293)


خرج له البخاري مقرونا بآخر.
وسئل أبو زرعة عنه، فقال: أتريد أن أقول: ثقة، الثقة سفيان وشعبة.

140 - محمد بن إبراهيم * (ع) التيمي المدني الحافظ من علماء المدينة مع سالم ونافع، وكان جده الحارث بن خالد بن صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة القرشي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين، وهو ابن عم أبي بكر الصديق.
رأى محمد سعد بن أبي وقاص، وأرسل عن أسيد بن حضير، وأسامة بن زيد، وعائشة، وابن عباس.
وحدث عن ابن عمر، وأبي سعيد، وجابر، وأنس بن مالك، ومحمود بن لبيد، وعلقمة بن وقاص، وعيسى بن طلحة، ونافع بن عجير، وعروة، وعطاء ابن يسار، وأبي العلاء عبدالرحمن مولى الحرقة، ومعاذ بن عبدالرحمن التيمي، وابن حازم التمار، وأبي سلمة بن عبدالرحمن، وخلق سواهم.
حدث عنه يحيى بن سعيد الانصاري، وهشام بن عروة، ويحيى بن أبي كثير، وعمارة بن غزية، وحميد بن قيس الاعرج، والزهري، ومحمد بن عمارة بن عمرو بن حزم، وتوبة العنبري، وابن عجلان، وابن إسحاق، ومحمد بن عمرو، وعبيدالله بن عمر، والاوزاعي، وابنه موسى بن محمد، وأسامة بن زيد الليثي، وخلق سواهم.
قال ابن سعد: كان فقيها محدثا عنى ولده موسى (1).
__________
* طبقات خليفة: 256، التاريخ الكبير 1 / 22، الجرح والتعديل 7 / 184، تهذيب الكمال: 1155، تذهيب التهذيب 3 / 177 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 298، ميزان الاعتدال 3 / 445، تهذيب التهذيب 9 / 5، خلاصة تذهيب الكمال: 324، شذرات الذهب 1 / 157.
(1) النص في الطبقات: فولد محمد بن إبراهيم موسى بن محمد، وكان فقيها محدثا.
[ * ]

(5/294)


وقال العقيلي: حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: سمعت أبي ذكر محمد بن إبراهيم التيمي، فقال: في حديثه شئ، يروي أحاديث مناكير أو منكرة.
وقال ابن معين وأبو حاتم والنسائي وابن خراش: ثقة.
وقال الواقدي: يكنى أبا عبد الله، وكان جده الحارث من المهاجرين الاولين.
مات محمد في سنة عشرين ومئة.
قال ابن سعد: وكان ثقة كثير الحديث.
وقال أبو حسان الزيادي: مات سنة تسع عشرة ومئة، وهو ابن أربع وسبعين، وقد سمعت أنه مات سنة عشرين، وكان عريف قومه.
قلت: لعل مالكا لم يحمل عنه لمكان العرافة، لكنه يروي عن رجل عنه.
وقال الهيثم ومحمد بن عبد الله بن نمير والفلاس: مات سنة عشرين ومئة.
وقال خليفة: سنة إحدى وعشرين.
قلت: من غرائبه المنفرد بها حديث " الاعمال " (1) عن علقمة، عن عمر وقد جاز القنطرة، واحتج به أهل الصحاح بلا مثنوية (2).
أخبرنا أبو الفضل بن تاج الامناء، أنبأنا أبو روح عبدالمعز بن محمد كتابة، أنبأنا أبو القاسم المستملي، أنبأنا سعيد بن محمد البحيري، أنبأنا زاهر
__________
(1) ونصه " إنما الاعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى " أخرجه مالك في " الموطأ " ص 401 برواية محمد بن الحسن، والبخاري 1 / 7 و 5، ومسلم (1907)، وأبو داود (2201)، والترمذي (1647)، وابن ماجه (2427)، والنسائي 1 / 58، 60، وقد قال الحفاظ: لم يرو هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من رواية عمر بن الخطاب، ولا عن عمر إلا من رواية علقمة بن وقاص، ولا عن علقمة إلا من رواية محمد بن إبراهيم التيمي، ولا عن محمد إلا من رواية يحيى بن سعيد الانصاري وعن يحيى انتشر، فرواه جمع من الائمة، فهو غريب في أوله، مشهور في آخره.
(2) أي: بلا استثناء من قولهم: حلفت يمينا غير مثنوية، أي: غير محللة.
[ * ]

(5/295)


ابن أحمد، أنبأنا عبد الله المنيعي، حدثنا هدبة، حدثنا أبان العطار، حدثنا يحيى بن أبي كثير، أن محمد بن إبراهيم حدثه أن أبا سلمة حدثه أنه دخل على عائشة وهي تخاصم في أرض، فقالت: اجتنب الارض، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من ظلم قيد شبر من الارض، طوقه من سبع أرضين يوم القيامة " أخرجه مسلم (1) عن إسحاق بن منصور، عن حبان، عن أبان بن يزيد نحوه.

141 - زبيد بن الحارث * (ع) اليامي الكوفي الحافظ أحد الاعلام.
حدث عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، وأبي وائل، وإبراهيم بن يزيد النخعي، وإبراهيم بن سويد النخعي وطائفة، وما علمت له شيئا عن الصحابة، وقد رآهم، وعداده في صغار التابعين.
حدث عنه جرير بن حازم، وشعبة، ومحمد بن طلحة، وسفيان الثوري، وشريك وآخرون.
قال شعبة: ما رأيت رجلا خيرا من زبيد.
قال سفيان بن عيينة: قال زبيد: ألف بعرة أحب إلي من ألف دينار.
وقال ابن شبرمة: كان زبيد يجزئ الليل ثلاثة أجزاء: جزءا عليه، وجزءا على ابنه، وجزءا على ابنه الآخر عبدالرحمن.
فكان هو يصلي، ثم يقول لاحدهما: قم فإن تكاسل، صلى جزءه، ثم يقول للآخر: قم، فإن تكاسل أيضا صلى جزءه، فيصلي الليل كله.
__________
(1) رقم (1612) في المساقاة: باب تحريم الظلم وغصب الارض وغيرها.
* طبقات ابن سعد 6 / 309.
طبقات خليفة 162، التاريخ الكبير 3 / 450، التاريخ الصغير 1 / 315، الجرح والتعديل 3 / 623، تهذيب الكمال: 426، تذهيب التهذيب 1 / 231 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 69، ميزان الاعتدال 2 / 66، تهذيب التهذيب 3 / 310، خلاصة تذهيب الكمال: 130، شذرات الذهب 1 / 160.
[ * ]

(5/296)


قال نعيم بن ميسرة: قال سعيد بن جبير: لو خيرت من ألقى الله تعالى في مسلاخه، لاخترت زبيد اليامي.
وروى عبد الله بن إدريس، عن عقبة بن إسحاق، قال: كان منصور بن المعتمر يأتي زبيد بن الحارث، فكان يذكر له أهل البيت، ويعصر عينيه يريده على الخروج أيام زيد بن علي.
فقال زبيد: ما أنا بخارج إلا مع نبي، وما أنا بواجده.
قلت: اختلف في كنية زبيد، فقيل: أبو عبد الله، وقيل: أبو عبد الرحمن.
قال يحيى القطان: زبيد ثبت.
وقال أبو حاتم وغيره: ثقة.
وروى ليث، عن مجاهد، قال: أعجب أهل الكوفة إلي أربعة، فذكر منهم زبيدا.
وقال إسماعيل بن حماد: كنت إذا رأيت زبيد بن الحارث مقبلا من السوق، رجف قلبي.
وروى شجاع بن الوليد، عن عمران بن عمرو، قال: كان عمي زبيد حاجا، فاحتاج إلى الوضوء، فقام فتنحى ثم قضى حاجته، ثم أقبل، فإذا هو بماء في موضع لم يكن معهم ماء، فتوضأ، ثم جاءهم ليعلمهم، فأتوا، فلم يجدوا شيئا.
قال يونس بن محمد المؤدب: أخبرني زياد، قال: كان زبيد مؤذن مسجده، فكان يقول للصبيان: تعالوا فصلوا، أهب لكم جوزا، فكانوا يصلون ثم يحيطون به، فقلت له في ذلك، فقال: وما علي أن أشتري لهم
جوزا بخمسة دراهم، ويتعودون الصلاة.
وبلغنا عن زبيد أنه كان إذا كانت ليلة مطيرة طاف على عجائز الحي، ويقول: ألكم في السوق حاجة ؟.
قال الحسن بن حي، قال زبيد، سمعت كلمة فنفعني الله بها ثلاثين سنة.

(5/297)


قال حصين بن عبدالرحمن: أعطى أمير زبيدا دراهم، فلم يقبلها.
قال أبو نعيم الحافظ: أدرك زبيد ابن عمر، وأنس بن مالك.
قرأت على إسحاق الصفار: أنبأنا ابن خليل، أنبأنا اللبان، أنبأنا الحداد، أنبأنا أبو نعيم، أنبأنا محمد بن يعقوب فيما كتب إلي، حدثنا الربيع بن سليمان، حدثنا أسد بن موسى، حدثنا أبو بكر الداهري، عن عمرو بن قيس، عن زبيد اليامي، عن ابن عمر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزالون مدفوعا عنهم بلا إله إلا الله " (1) غريب.
والداهري ضعيف.
قيل: مات سنة اثنتين وعشرين ومئة.

142 - سلمة بن كهيل * (ع) ابن حصين الامام الثبت الحافظ أبويحيى الحضرمي ثم التنعي (2) الكوفي وتنعة: بطن من حضرموت، وروي عن ابن الكلبي أن تنعة قرية فيها بئر برهوت.
دخل على ابن عمر، وعلى زيد بن أرقم.
وحدث عن أبي جحيفة السوائي، وجندب البجلي، وابن أبي أوفى، وأبي الطفيل، وسويد بن غفلة، وأبي وائل، وحبة بن جوين، وحجية بن عدي، وزيد بن وهب، وسعيد بن جبير، والشعبي،
__________
(1) حلية الاولياء 5 / 33، وأبو بكر الداهري وقد تصحف فيه إلى الزهراني اسمه عبد الله بن حكيم قال أحمد: ليس بشئ، وكذا قال ابن المديني وغيره، وقال ابن معين مرة: ليس بثقة، وكذا قال
النسائي: وقال الجوزجاني: كذاب.
* طبقات ابن سعد 6 / 316، التاريخ الكبير 4 / 74، التاريخ الصغير 1 / 311، تاريخ الفسوي 2 / 648، الجرح والتعديل 4 / 170، تهذيب الكمال: 530، تذهيب التهذيب 2 / 43 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 81، تهذيب التهذيب 4 / 155، خلاصة تذهيب الكمال: 149، شذرات الذهب 1 / 159.
(2) انظر معجم البلدان 2 / 49.
[ * ]

(5/298)


وسعيد بن عبدالرحمن بن أبزى، وعلقمة بن قيس، وكريب، ومجاهد، وعدة.
وعنه ابنه يحيى بن سلمة، ومنصور، والاعمش، وهلال بن يساف، وهو من شيوخه، والعوام بن حوشب، وزيد بن أبي أنيسة، وشعبة، والثوري، والحسن ابن صالح بن حي، وأخوه علي بن صالح، ومسعر، وعقيل بن خالد، وخلق كثير.
قال علي بن المديني: له مئتان وخمسون حديثا.
وقال أحمد بن حنبل: كان متقنا للحديث.
وقال أحمد العجلي: تابعي ثقة ثبت في الحديث وفيه تشيع قليل، وحديثه أقل من مئتي حديث.
وقال أبو حاتم: ثقة متقن.
وقال يعقوب ابن شيبة: ثقة ثبت على تشيعه.
وقال جرير بن عبدالحميد: لما قدم شعبة البصرة، قالوا: حدثنا عن ثقات أصحابك، فقال: إن حدثتكم عن ثقات أصحابي، فإنما أحدثكم عن نفر يسير من هذه الشيعة، الحكم، وسلمة بن كهيل، وحبيب بن أبي ثابت، ومنصور.
وروى خلف بن حوشب، عن طلحة بن مصرف، قال: ما اجتمعنا في مكان إلا غلبنا هذا القصير على أمرنا يعني: سلمة بن كهيل.
وقال ابن المبارك، عن سفيان: حدثنا سلمة بن كهيل، وكان ركنا من الاركان
وشد قبضته.
قال عبدالرحمن بن مهدي: لم يكن بالكوفة أثبت من أربعة: منصور، وأبي حصين، وسلمة بن كهيل، وعمرو بن مرة.
قال يحيى بن سلمة: ولد أبي في سنة سبع وأربعين ومات يوم عاشوراء سنة إحدى وعشرين ومئة، وكذلك قال جماعة في تاريخ وفاته.
وقال أحمد بن حنبل: مات سنة إحدى وعشرين في آخرها يوما.
وقال الهيثم

(5/299)


وابن سعد، وأبو عبيد: مات سنة اثنتين وعشرين ومئة.
وقال مطين وهارون بن حاتم: سنة ثلاث وعشرين ومئة.

143 - أبو يونس * (م، د، ت) مولى أبي هريرة اسمه سليم بن جبير.
حدث عن مولاه، وأبي أسيد الساعدي، وأبي سعيد الخدري.
وعنه عمرو بن الحارث، وحيوة بن شريح، والليث، وابن لهيعة.
وثقة النسائي، وكان والده مكاتبا لابي هريرة فعجز، فرده إلى الرق، ثم قدم به مولاه على مسلمة بن مخلد ومعه ولده أبو يونس، فشفع فيهما مسلمة فأعتقهما أبو هريرة، فسكنا مصر، وتوفي أبو يونس سنة ثلاث وعشرين ومئة.

144 - عمرو بن دينار * * (ع) الامام الكبير الحافظ أبو محمد الجمحي مولاهم المكي الاثرم، أحد الاعلام وشيخ الحرم في زمانه.
ولد في إمرة معاوية سنة خمس أو ست وأربعين.
وسمع من ابن عباس، وجابر بن عبد الله، وابن عمر، وأنس بن مالك، وعبد الله بن جعفر، وأبي الطفيل وغيرهم من الصحابة.
__________
* التاريخ الكبير 4 / 122، الجرح والتعديل 4 / 213، تهذيب الكمال: 532، تذهيب
التهذيب 2 / 44 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 83، تهذيب التهذيب 4 / 166، خلاصة تذهيب الكمال: 150، شذرات الذهب 1 / 161.
* * طبقات ابن سعد 5 / 479، طبقات خليفة: 281، تاريخ خليفة: 368، التاريخ الكبير 6 / 328، التاريخ الصغير: 169، المعارف: 468، تاريخ الفسوي 2 / 18 و 207، الجرح والتعديل 6 / 231، طبقات الشيرازي: 70، تهذيب الكمال: 1032، تذهيب التهذيب 3 / 97 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 114، العقد الثمين 6 / 374، 376، طبقات القراء 1 / 600، تهذيب التهذيب 8 / 28، طبقات الحفاظ: 43، خلاصة تذهيب الكمال: 288، شذرات الذهب 1 / 171 [ * ]

(5/300)


ذكره الحاكم في كتاب " مزكي الاخبار " فقال: هو من كبار التابعين كذا قال، ولم يصب.
فإن كبار التابعين علقمة والاسود، وقيس بن أبي حازم، وعبيد بن عمير المكي، وسعيد بن المسيب، وكثير بن مرة، وأبو إدريس الخولاني، وأمثالهم، وأوساط التابعين، كعروة، والقاسم، وطاووس، والحسن، وابن سيرين، وعطاء بن أبي رباح،، فبالجهد حتى يعد عمرو بن دينار في هذه الطبقة، وإلا فالاولى أنه من طبقة تابعة لهم، كثابت البناني، وأبي إسحاق السبيعي، ومكحول، وأبي قبيل المعافري ونحوهم إلا أن يكون أبو عبد الله عنى بقوله: إنه من كبارهم في الفضل والجلالة فهذا ممكن.
ثم قال: وكان من الحفاظ المقدمين.
أفتى بمكة ثلاثين سنة.
سمع ابن عمر، وابن عباس، وجابرا، وابن الزبير، وأبا سعيد، والبراء بن عازب، وعبد الله بن عمرو، وأبا هريرة، وزيد بن أرقم، وأنسا، والمسور بن مخرمة، وأبا الطفيل.
قلت: وسمع بجالة بن عبدة، وعبيد بن عمير الليثي، وعبد الرحمن بن مطعم، وأبا الشعثاء جابر بن زيد، وأبا سلمة بن عبدالرحمن، وطاووسا، وسعيد بن جبير وعدة، وينزل إلى أبي جعفر الباقر ونحوه، وروايته عن
أبي هريرة جاءت في سنن ابن ماجه.
وقال أبو زرعة: لم يسمع من أبي هريرة.
وكان من أوعية العلم، وأئمة الاجتهاد.
حدث عنه ابن أبي مليكة وهو أكبر منه، وقتادة بن دعامة، والزهري، وأيوب السختياني، وعبد الله بن أبي نجيح، وجعفر الصادق، وعبد الملك بن ميسرة، وابن جريج، وشعبة، وسفيان الثوري، والحمادان، وورقاء بن عمر، ومحمد ابن مسلم الطائفي، وداود بن عبدالرحمن العطار، وإبراهيم بن طهمان، وروح ابن القاسم، وزمعة بن صالح، وسليمان بن كثير، وعمرو بن الحارث، ومعقل

(5/301)


ابن عبيدالله، وهشيم، وأبو عوانة، وأبو الربيع السمان، وسفيان بن عيينة، وخلق كثير.
وقيل: إن نافعا مولى ابن عمر يروي عنه.
قال شعبة: ما رأيت في الحديث أثبت من عمرو بن دينار، وقال ابن عيينة: كان عمرو لا يدع إتيان المسجد، كان يحمل على حمار ما ركبه إلا وهو مقعد، وكان يقول: أحرج على من يكتب عني فما كتبت عن أحد شيئا، كنت أتحفظ.
قال: وكان يحدث بالمعنى، وكان فقيها رحمه الله.
قال عبد الله بن أبي نجيح: ما رأيت أحدا قط أفقه من عمرو بن دينار، لا عطاءا ولا مجاهدا ولا طاووسا.
وقال ابن عيينة: عمرو ثقة ثقة ثقة، قال: كان عمرو من أبناء الفرس.
قال يحيى بن معين: أهل المدينة لا يرضون عمرا يرمونه بالتشيع، والتحامل على ابن الزبير، ولا بأس به، هو برئ مما يقولون.
قال عبد الله بن محمد الزهري: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، قال: لم يكن بأرضنا أعلم من عمرو بن دينار ولا في جميع الارض.
وقال إسحاق بن منصور السلولي: حدثنا ابن عيينة، قال أبو جعفر: إنه
ليزيدني في الحج رغبة لقاء عمرو بن دينار.
روى عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، عن سفيان، قال: كان عمرو بن دينار: جزأ الليل ثلاثة أجزاء، ثلثا ينام، وثلثا يدرس حديثه، وثلثا يصلي.
هارون بن معروف، حدثنا سفيان، قلت لمسعر: من رأيت أشد تثبتا في الحديث ممن رأيت ؟ قال: ما رأيت مثل القاسم بن عبدالرحمن، وعمرو بن دينار.
قال أحمد بن حنبل: كان شعبة لا يقدم على عمرو بن دينار أحدا لا الحكم

(5/302)


ولا غيره في الثبت، قال: وكان عمرو مولى هؤلاء، ولكن الله شرفه بالعلم.
علي بن المديني: حدثنا سفيان، قال: رأيت مالكا وعبيدالله بن عمر جاءا إلى عمرو بن دينار، فقال لعبيدالله: ما فعل مولاكم ثابت ؟ يعني: الاعرج ؟ فقال: هو حي.
قال: فذكر قصة طلاق المكره، قال سفيان: فسمعناه بعد ذلك منه.
قال سفيان: أدركنا عمرا وقد سقطت أسنانه ما هي إلا ناب، فلولا أنا أطلنا مجالسته لم نفهم كلامه.
قال ابن أبي عمر: سمعت سفيان يقول: ما كان أثبت عمرو بن دينار.
إبراهيم بن بشار، عن سفيان، قال: قيل لاياس بن معاوية: أي أهل مكة رأيت أفقه ؟ قال: أسوؤهم خلقا عمرو بن دينار الذي كنت إذا سألته عن حديث يقلع عينه.
قال ابن بشار: وسمعت سفيان، يقول: كان عمرو بن دينار إذا بدأ بالحديث جاء به صحيحا مستقيما، وإذا سئل عن حديث، استلقى وقال: بطني بطني.
نعيم بن حماد: حدثنا ابن عيينة، قال: ما كان عندنا أحد أفقه من عمرو بن دينار، ولا أعلم، ولا أحفظ منه.
إسحاق السلولي: حدثنا عمرو بن ثابت، سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر يقول: إنه ليزيدني في الحج رغبة لقاء عمرو بن دينار، فإنه يحبنا ويفيدنا.
وقال ابن عيينة: قلت لعمرو بن دينار: يا أبا محمد، أبو صالح سمعت به قال: لا، ومن يدري من أبو صالح ؟ قال الحاكم: عنى بهذا الذي يروي عنه الكلبي، عن ابن عباس.
إسماعيل بن إسحاق الطالقاني: سمعت ابن عيينة، يقول: قالوا لعطاء: بمن تأمرنا ؟ قال: بعمرو بن دينار.
[ * ]

(5/303)


عباس الدوري، عن يحيى، حدثني سفيان، قال: قال عمرو بن دينار: جئت إلى أبي جعفر وليس معي أحد، فقال لاخويه زيد وأخ له: قوما إلى عمكما فأنزلاه، فقاما إلي فنزلاني.
وكان ابن عيينة، يقول: سمعت من عمرو ما لبث نوح في قومه يريد ألفا إلا خمسين حديثا.
وروى عبد الرزاق، عن معمر قال: كان عمرو بن دينار إذا جاءه رجل يريد أن يتعلم منه لم يحدثه، وإذا جاء إليه الرجل، مازحه وحدثه، وألقى إليه الشئ، انبسط إليه وحدثه وقال النسائي: عمرو ثقة ثبت.
وروى علي بن الحسن، عن ابن عيينة، قال: مرض عمرو بن دينار فعاده الزهري، فلما قام الزهري، قال: ما رأيت شيخا أنص للحديث الجيد من هذا الشيخ.
قلت: وقد روى عمرو عن الزهري وهو عنه.
قال يحيى القطان وأحمد بن حنبل: عمرو أثبت من قتادة، وقال أحمد: هو أثبت الناس في عطاء، يعني: ابن أبي رباح، وعمرو يروي أيضا عن عطاء
ابن ميناء، وعن عطاء بن يسار، وذلك في صحيح مسلم.
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق قراءة، أنبأنا الفتح بن عبد الله ببغداد (ح) وأنبأنا يحيى بن أبي منصور الفقيه في كتابه، أنبأنا محمد بن علي بن الجلاجلي سنة ثمان وست مئة، قالا: أنبأنا هبة الله بن الحسين، أنبأنا أبو الحسين بن النقور البزاز، حدثنا عيسى بن علي إملاء، أنبأنا أبو القاسم البغوي، حدثنا داود بن عمرو، حدثنا محمد بن مسلم الطائفي، عن عمرو، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الحرب خدعة " (1).
__________
(1) إسناده قوي، وأخرجه البخاري 6 / 110 في الجهاد: باب الحرب خدعة، ومسلم (1739) في الجهاد: باب جواز الخداع في الحرب، وأبو داود (2636)، والترمذي (1675) من = [ * ]

(5/304)


وبه قرئ على أبي القاسم البغوي، وأنا أسمع، قيل له: حدثكم عمرو بن محمد الناقد، حدثنا سفيان، حدثنا عمرو بن دينار، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم " (1).
أخبرنا أحمد بن هبة الله بن تاج الامناء، وأحمد بن عبدالحميد، وأحمد بن محمد بن المجاهد، ونصر الله بن عياش، وعلي بن بقاء، وعمر بن محمد الفارسي، وأحمد بن عبدالرحمن، وعبد الدائم الوزان، ومحمد بن علي بن الواسطي، وأحمد بن عزيز، ومحمد بن قايماز، وعلي بن محمد الفقيه وعدة، قالوا: أنبأنا الحسين بن مبارك وعبد الله بن عمر الحريمي وزاذان الواسطي، فقال: وأنبأنا موسى بن عبد القادر حضورا، وأنبأنا أبو محمد بن قوام، ويوسف بن أبي نصر، وعلي بن عثمان، ومحمد بن خازم، ومحمد بن هاشم، وعمر بن عبد الدائم، وسونج بن محمد، وفاطمة الآمدية، وخديجة المراتبية، وهدية بنت
عبدالحميد وطائفة، قالوا: أنبأنا الحسين بن المبارك (ح) وأنبأنا محمد بن أبي الذكر، وموسى بن قاسم، وعمر بن أبي الفتوح بالقاهرة، ويوسف العادلي وحسن الخلالي، ومحمود السلطاني، وعبد الرحمن الدير قانوني، وعلي بن مطر، وأحمد بن سعد، وعيسى بن بركة، وأحمد بن مكتوم وعبد
__________
= طريق سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن جابر.
وقوله " خدعة " يروى هذا الحرف من ثلاثة أوجه، أصوبها: خدعة بفتح الخاء وسكون الدال، قال ثعلب: بلغنا أنها لغة النبي صلى الله عليه وسلم قال الخطابي: معنى الخدعة أنها مرة واحدة، أي إذا خدع المقاتل مرة، لم يكن لها إقالة.
ويقال: أي ينقضي أمرها بخدعة واحدة، ويروى " خدعة " بضم الخاء وسكون الدال، وهو اسم من الخداع، كما يقال: هذه لعبة، يقال: " خدعة " بضم الخاء وفتح الدال، ومعناها: أنها تخدع الرجال وتمنيهم ثم لا تفي لهم.
(1) سنده حسن، وأخرجه أبو داود (950) ومسلم (735) والنسائي (3 / 223) من طريق جرير، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن أبي يحيى، عن عبد الله بن عمرو..وهذا الحديث خاص بصلاة التطوع، لان أداء الفرائض قاعدا مع القدرة على القيام لا يجوز.
[ * ]

(5/305)


المنعم بن عساكر، ومحمد بن يوسف الحسامي، وأبو حامد المكبر، وعبد العزيز بن محمد المعدل، وأحمد بن إبراهيم الدباغ، وأبو الحزم، وأبو بكر، أنبأنا عثمان السنبوسكي، وإبراهيم بن عنبر، وسنقر الحلبي، وخديجة بنت غنيمة، وابن السخنة وخلق سواهم، قالوا: أنبأنا عبد الله بن عمر (ح) وأنبأنا أحمد بن إسحاق الهمداني، أنبأنا الحسين بن المبارك، ونفيس بن كرم، وعبد اللطيف بن عساكر (ح) وأنبأنا عبد الحافظ بن بدران، أنبأنا موسى بن عبد القادر، والحسين بن المبارك، قالوا ستتهم: أنبأنا أبو الوقت السجزي، أنبأنا محمد بن أبي مسعود الفارسي، أنبأنا عبدالرحمن بن أحمد بن أبي شريح، أنبأنا عبد الله بن محمد البغوي ببغداد، حدثنا أبو الجهم العلاء بن
موسى الباهلي إملاء سنة سبع وعشرين ومئتين، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن جابر بن عبد الله الانصاري رضي الله عنه، قال: أخبرني من شهد معاذا رضي الله عنه حين حضرته الوفاة، يقول: اكشفوا عني سجف القبة، فإني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لم يمنعني أن أحدثكموه إلا مخافة أن تتكلوا، سمعته يقول: " من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا وثبتا من قلبه، دخل الجنة، ولم تمسه النار " (1).
أخبرنا أبو الغنائم بن محاسن المعمار قراءة، أنبأنا جدي لامي أبو بكر عبد الله بن أبي نصر قاضي حران، أنبأنا عيسى بن أحمد الدوشابي (ح) وأنبأنا أحمد بن عبدالرحمن، أنبأنا عبدالرحمن بن نجم، وأخبرتنا ست الاهل بنت الناصح، أنبأنا
__________
(1) وأخرجه أحمد في " المسند " 5 / 226 من طريق سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: أنا من شهد معاذا حين حضرته الوفاة يقول: اكشفوا عني سجف القبة أحدثكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمنعني أن أحدثكموه إلا أن تتكلوا، سمعته يقول: " من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا من قلبه أو يقينا من قلبه، لم يدخل النار أو دخل الجنة، وقال مرة: دخل الجنة ولم تمسه النار " وإسناده صحيح، وقد قيد العلماء هذا الحديث وما شابهه بمن عمل الاعمال الصالحة، لانه ثبت بالادلة القطعية أن طائفة من عصاة المؤمنين يعذبون، ثم يخرجون من النار بالشفاعة.
[ * ]

(5/306)


البهاء عبدالرحمن، قالا: أخبرتنا فخر النساء شهدة، قالا: أنبأنا أبو عبد الله الحسين ابن علي، أنبأنا عبد الله بن يحيى السكري قرئت على إسماعيل بن محمد، حدثنا سعدان بن نصر، حدثنا سفيان بن عيينة، قال: قال عمرو: قال ابن عباس: " نكاح الحرة على الامة طلاق الامة " (1).
روى البخاري عن ابن المديني، قال: لعمرو نحو أربع مئة حديث.
قلت: قد مر أن ابن عيينة وحده قد سمع منه تسع مئة وخمسين حديثا، فلعل عليا عنى المسند فقط.
أبو سلمة، عن ابن عيينة، عن عمرو، قال: جالست جابرا، وابن عمر، وابن عباس، وقد وثقه أبو زرعة، وأبو حاتم.
قال نعيم بن حماد: سمعت سفيان يقول: قال لي عمرو بن دينار: مثلك حفظت الحديث، وكنت صغيرا.
قال: وبلغه أني أكتب فشق ذلك عليه.
وروى الازرق بن حسان، عن شعيب بن حرب، سمعت شعبة يقول: جلست إلى عمرو بن دينار خمس مئة مجلس، فما حفظت عنه سوى مئة حديث في كل خمسة مجالس حديثا.

فأما
145 - عمرو بن دينار البصري * (ت، ق) فهو أبويحيى الاعور قهرمان آل الزبير ابن شعيب البصري مقل، له حديثان أو أكثر.
__________
(1) وأخرجه البيهقي 7 / 176 من طريق سعدان بن نصر، عن سفيان بن عمرو، عن ابن عباس، ورجاله ثقات.
* التاريخ الكبير 6 / 329، الجرح والتعديل 6 / 232، كتاب المجروحين 2 / 71، تهذيب الكمال 1033، تذهيب التهذيب، ميزان الاعتدال 3 / 259، تهذيب التهذيب 8 / 30، 31.
[ * ]

(5/307)


حدث عن سالم بن عبد الله، وصيفي بن صهيب.
روى عنه الحمادان، وخارجة بن مصعب، وصالح المري، وعبد الوارث ابن سعيد، ومعتمر بن سليمان، وجعفر بن سليمان الضبعي وآخرون.
ضعفه أحمد، والفلاس، وأبو حاتم، وقال ابن معين: ذاهب، وقال البخاري: فيه نظر، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال أيضا: ضعيف.
وكذا ضعفه الدارقطني والناس.
وأسرف بن حبان، فقال: لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب، ينفرد بالموضوعات عن الاثبات.
قلت: روى له الترمذي وقال: ليس بالقوي في الحديث.
تفرد عن سالم بأحاديث.
قلت: القهرمان نحو الوكيل ولهذا يقال له: وكيل آل الزبير، له حديث " من دخل السوق " (1) وحديث " من رأى مبتلى، فقال: الحمدلله الذي فضلني " (2) الحديث.
ومات في حدود الثلاثين ومئة.
__________
(1) أخرجه الترمذي (3429) من طريق حماد بن زيد والمعتمر بن سليمان قالا: حدثنا عمرو ابن دينار وهو قهرمان آل الزبير عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قال في السوق لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شئ قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، وبنى له بيتا في الجنة " وسنده ضعيف، لكن للحديث طرق يحسن بها انظرها في " المستدرك " 1 / 538 و 539، وابن السني (178) والترمذي (3428) والزهد لاحمد ص 214.
(2) أخرجه الترمذي (3431) وابن ماجه (3892)، وأبو نعيم في " الحلية " 6 / 265، وسنده ضعيف لضعف عمرو بن دينار، لكن جاء الحديث من طريقين آخرين يصح بهما، فقد رواه الترمذي (3432) من طريق عبد الله بن عمر العمري، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " " من رأى مبتلى، فقال: الحمدلله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا، لم يصبه ذلك البلاء ".
وأخرجه أبو نعيم 5 / 13 من طريق مروان بن محمد الطاطري، حدثنا الوليد بن عتبة، حدثنا محمد بن سوقة عن نافع، عن ابن عمر..وهذا سند
حسن في الشواهد يتقوى به الطريق السابق، فيصح الحديث.
[ * ]

(5/308)


146 - سليمان بن حبيب * (خ، د، ق) المحاربي الدمشقي الداراني، قاضي دمشق أبو أيوب، وقيل: أبو ثابت.
حدث عن أبي هريرة، ومعاوية، وأبي أمامة الباهلي، وأسود بن أصرم.
روى عنه أيوب بن موسى أبو كعب، وعبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، والاوزاعي، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وجماعة.
وكان إماما كبير القدر، وثقه ابن معين وغيره، قال يحيى بن معين: حكم بدمشق ثلاثين سنة، وقال النسائي: ليس به بأس.
قال أبو نعيم: حدثنا عبد العزيز ابن عمر، عن سليمان بن حبيب، قال لي عمر بن عبد العزيز: ما أقلت السفهاء من أيمانهم فلا تقلهم العتاق والطلاق.
قال الواقدي: توفي سنة ست وعشرين ومئة.

147 - حميد بن هلال * * (ع) ابن سويد بن هبيرة الامام الحافظ الفقيه أبو نصر العدوي عدي تميم، البصري.
روى عن عبد الله بن معقل المزني، وعبد الرحمن بن سمرة، وأنس بن مالك، وأبي قتادة العدوي، وهصان بن كاهل، وبشر بن عاصم الليثي، ومطرف بن
__________
* طبقات ابن سعد 7 / 456، طبقات خليفة: 312، التاريخ الكبير 4 / 6، التاريخ الصغير 1 / 304، الطبري 6 / 491، الجرح والتعديل 4 / 105، تهذيب الكمال: 536، تذهيب التهذيب 2 / 246، تاريخ الاسلام 5 / 82، تهذيب التهذيب 4 / 177، خلاصة تذهيب الكمال: 150، تهذيب ابن عساكر 6 / 248، 249.
* * طبقات ابن سعد 7 / 231، طبقات خليفة: 212، الجرح والتعديل 3 / 230، تهذيب
الكمال: 344، تذهيب التهذيب 1 / 180 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 245، ميزان الاعتدال 1 / 616، تهذيب التهذيب 3 / 51، خلاصة تذهيب الكمال: 95.
[ * ]

(5/309)


الشخير، وأبي الدهماء قرفة بن بهيس، وأبي رافع الصائغ، وأبي صالح السمان، وربعي بن خراش، وعبد الرحمن بن قرط، وسعد بن هشام بن عامر وخالد بن عمير، ومروان بن أوس، وأبي بردة بن أبي موسى، وأبي الاحوص الجشمي وعدة.
روى عنه أيوب، وعاصم الاحول، وخالد الحذاء، وعمرو بن مرة، ومات قبله بدهر، وابن عون، ويونس، وهشام بن حسان، وحبيب بن الشهيد، وحجاج الصواف، وجرير بن حازم، وحماد بن سلمة، وسليمان بن المغيرة، وشعبة بن الحجاج، وأبو عامر الخزاز، وأبو هلال الراسبي، وقرة بن خالد، وخلق سواهم.
وثقه ابن معين، والنسائي، وروى علي عن يحيى بن سعيد، قال: كان ابن سيرين لا يرضى حميد بن هلال.
قال عبدالرحمن بن أبي حاتم: فذكرت ذلك لابي، فقال: دخل في شئ من عمل السلطان.
فلهذا كان لا يرضاه وكان في الحديث ثقة.
وروى أبو سلمة عن أبي هلال الراسبي، قال: ما كان بالبصرة أعلم من حميد بن هلال، ما أستثني الحسن ولا ابن سيرين غير أن التناوه (1) أضر به.
قال ابن عدي: له أحاديث كثيرة، والذي حكاه القطان من أن ابن سيرين لا يرضاه.
لا أدري ما وجهه ؟ ! فلعله كان لا يرضاه في معنى آخر ليس الحديث، فأما في الحديث، فإنه لا بأس به، وبرواياته.
وقال علي بن المديني: لم يلق عندي أبا رفاعة العدوي، قلت: روايته عنه في صحيح مسلم، وقد أدركه، ثم هو رجل من
قبيلته ومعه في وطنه.
وقال ابن سعد: مات في ولاية خالد بن عبد الله على العراق.
__________
(1) أي: الشهرة.
[ * ]

(5/310)


قلت: الظاهر أنه بقي إلى قريب سنة عشرين ومئة، احتج به الجماعة.
أخبرنا إسحاق بن طارق، أنبأنا ابن خليل، أنبأنا مسعود الجمال، وأبو المكارم التيمي (ح) وأنبأنا عنهما أحمد بن أبي الخير، أن أبا علي الحداد أخبرهما، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا بشر بن موسى حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ، حدثنا سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، عن هشام بن عامر، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما بين خلق آدم إلى أن تقوم الساعة فتنة أكبر من الدجال " (1) تابعه أيوب السختياني عن حميد به.

148 - همام بن منبه * (ع) ابن كامل بن سيج الا بناوي الصنعاني المحدث المتقن أبو عقبة صاحب تلك الصحيفة الصحيحة التي كتبها عن أبي هريرة، وهي نحو من مئة وأربعين حديثا.
حدث بها عنه معمر بن راشد، وقد حفظ أيضا عن معاوية، وابن عباس وطائفة.
__________
(1) " حلية الاولياء " 2 / 254، وأخرجه مسلم في " صحيحه " (2946) في الفتن وأشراط الساعة: باب في بقية من أحاديث الدجال من طريق أيوب، عن حميد بن هلال، عن رهط منهم أبو الدهماء وأبو قتادة، قالوا: كنا نمر على هشام بن عامر نأتي عمران بن حصين، فقال ذات يوم: إنكم لتجاوزوني إلى رجال ما كانوا بأحضر لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني، ولا أعلم بحديثه مني، سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال ".
* طبقات خليفة: 287، الجرح والتعديل 9 / 107، تهذيب الاسماء 2 / 140، تهذيب الكمال: 1447، تذهيب التهذيب 4 / 122 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 309، تهذيب التهذيب 11 / 67، خلاصة تذهيب الكمال: 411، شذرات الذهب 1 / 182.
[ * ]

(5/311)


حدث عنه أخوه وهب صاحب القصص، ومات قبله بزمان، وابن أخيه عقيل بن معقل، وعلي بن الحسن بن أنس الصنعاني.
وثقه يحيى بن معين وغيره.
قال أحمد بن حنبل: كان يغزو، وكان يشتري الكتب لاخيه، فجالس أبا هريرة بالمدينة، وعاش حتى أدرك ظهور المسودة (1) وسقط حاجباه على عينيه من الكبر.
قال سفيان بن عيينة: كنت أتوقع قدوم همام مع الحجاج عشر سنين.
قال الميموني: سمعت أحمد بن حنبل يقول في صحيفة همام: أدركه معمر أيام السودان، فقرأ عليه همام حتى إذا مل، أخذ معمر، فقرأ عليه الباقي، وعبد الرزاق لم يكن يعرف ما قرئ عليه مما قرأه هو، وهي نحو من مئة وأربعين حديثا.
قلت: لو كان أحد سمعها من همام كما عاش همام بعد أبي هريرة بضعا وسبعين سنة، لعاش إلى سنة بضع ومئتين، وما رأينا من روى الصحيفة عن همام إلا معمر، وجميع ما عاش بعده نيفا وعشرين سنة.
قال البخاري: قال علي: سألت رجلا لقي هماما عن موته، فقال: سنة ثنتين وثلاثين ومئة.
أخبرنا أبو الفداء إسماعيل بن عبدالرحمن المعدل، أنبأنا أبو محمد عبد الله بن أحمد المقدسي، أنبأنا أبو الفتح محمد بن عبدا لباقي، أنبأنا أبو
الحسن علي بن محمد بن محمد الانباري، أنبأنا علي بن محمد المعدل، أنبأنا إسماعيل بن محمد، أنبأنا أحمد بن منصور الرمادي، حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ذروني ما تركتكم فإنما هلك الذين من قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم
__________
(1) أي: العباسيين، فإن السواد كان شعارهم.
[ * ]

(5/312)


على أنبيائهم.
فإذا نهيتكم عن شئ، فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر، فأتوا منه ما استطعتم " (1).
قال عبد الرزاق: أنبأنا أبي وغيره، أن همام بن منبه قعد إلى ابن الزبير، وكان رجل بنجران من الابناء يعظمونه يقال له: حنش لم يكن له لحية، فقال له رجل من قريش: من أنت ؟ قال: من أهل اليمن، قال: ما فعلت عجوزكم يريد حنشا، قال همام: عجوزنا أسلمت مع سليمان لله رب العالمين، وعجوزكم حمالة الحطب، فبهت القرشي.
فقال له ابن الزبير: أما تدري من كلمت ؟ لم تعرضت بابن منبه ؟ رواها إسحاق الكوسج عنه.

149 - علي بن الاقمر * (ع) ابن عمرو بن الحارث الامام أبو الوازع الهمداني الوادعي الكوفي حدث عن أبي جحيفة السوائي، وأسامة بن شريك، وحدث أيضا عن الاغر أبي مسلم، وأبي حذيفة سلمة بن صهيبة، وأبي الاحوص عوف الجشمي وجماعة.
روى عنه الاعمش، وشعبة، وسفيان الثوري، والحسن بن صالح، وشريك القاضي وآخرون.
وثقه جماعة.

150 - أبو بكر بن محمد * * (ع) ابن عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان الانصاري الخزرجي النجاري المدني
__________
(1) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (1337) والنسائي (5 / 110 و 111) كلاهما من طريق الربيع بن مسلم، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة.
* طبقات ابن سعد 6 / 311، طبقات خليفة 162، التاريخ الكبير 6 / 261، الجرح والتعديل 6 / 174، تهذيب الكمال 957، تذهيب التهذيب 3 / 53 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 281، خلاصة تذهيب الكمال 271.
* * تاريخ خليفة 320، الجرح والتعديل 9 / 337، تهذيب الكمال 1586، تذهيب التهذيب 4 / 204 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 22، تهذيب التهذيب 12 / 38.
[ * ]

(5/313)


أمير المدينة، ثم قاضي المدينة، أحد الائمة الاثبات.
قيل: كان أعلم أهل زمانه بالقضاء.
روى عن أبيه، وعن عباد بن تميم، وعن سلمان الاغر، وعبد الله بن قيس بن مخرمة، وعمرو بن سليم الزرقي، وأبي حبة البدري، وخالته عمرة، وطائفة.
وعداده في صغار التابعين.
حدث عنه ابناه عبد الله ومحمد والاوزاعي، وأفلح بن حميد والمسعودي، وآخرون وثقوه.
قال مالك: لم يكن على المدينة أمير أنصاري سواه، وقيل: كان كثير العبادة والتهجد رحمه الله.
وقال الواقدي: هو الذي كان يصلي بالناس، ويتولى أمرهم، واستقضى ابن عمه أبا طوالة، قال أبو الغصن المدني: رأيت في يد أبي بكر بن حزم خاتم ذهب، فصه ياقوتة حمراء.
قلت: لعله ما بلغه التحريم، ويجوز أن يكون فعله وتاب.
وروى عطاف بن خالد، عن أمه، عن زوجة ابن حزم: أنه ما اضطجع على
فراشه بالليل منذ أربعين سنة.
وقيل: كان رزقه في الشهر ثلاث مئة دينار.
قال مالك بن أنس: ما رأيت مثل ابن حزم أعظم مروءة وأتم حالا، ولا رأيت من أوتي مثل ما أوتي ولاية المدينة والقضاء والموسم.
قيل: توفي سنة عشرين ومئة، وقيل: مات في سنة سبع عشرة.

151 - ولده عبد الله * (ع) ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الامام الحافظ أبو محمد الانصاري
__________
* طبقات خليفة 264، الجرح والتعديل 5 / 17، تهذيب الاسماء واللغات 2 / 195، 196، = [ * ]

(5/314)


صاحب المغازي وشيخ ابن إسحاق.
حدث عن أنس بن مالك، وعباد بن تميم، وعروة بن الزبير، وعمرة، وحميد بن نافع وطائفة، ويرسل كثيرا.
حدث عنه الزهري وهو أكبر منه، وابن جريج، وأبن إسحاق، ومالك، وفليح ابن سليمان، وسفيان بن عيينة وآخرون.
قال مالك: كان رجل صدق، كثير الحديث، وقال ابن سعد: كان ثقة عالما كثير الحديث.
عاش سبعين سنة.
قال: وتوفي سنة خمس وثلاثين ومئة.
وقيل: بل توفي سنة ثلاثين ومئة.
وله إخوة وأقارب من أهل العلم.

152 - جبلة بن سحيم * (ع) التيمي وقيل: الشيباني من ثقات التابعين بالكوفة.
حدث عن معاوية، وابن عمر، وعبد الله بن الزبير، وحنظلة رجل من الصحابة، وغير واحد.
روى عنه أبو إسحاق الشيباني وحجاج بن أرطاة، وشعبة، والثوري، وقيس
ابن الربيع وآخرون.
وثقه يحيى القطان، وابن معين.
وقال خليفة: توفي في سنة خمس وعشرين ومئة رحمه الله.
وكان شعبة [ وسفيان ] يوثقانه وله نحو من عشرين حديثا.
وكذا لنظيره آدم بن علي.
__________
= تهذيب الكمال: 669، تذهيب التهذيب 2 / 134 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 264، تهذيب التهذيب 5 / 164، خلاصة تذهيب الكمال 192.
* طبقات ابن سعد 6 / 312، طبقات خليفة 161، التاريخ الكبير 2 / 219، تاريخ الفسوي 3 / 376، الجرح والتعديل 2 / 580، تهذيب الكمال 187، تذهيب التهذيب 1 / 102 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 53، تهذيب التهذيب 2 / 61، خلاصة تذهيب الكمال 60، شذرات الذهب 1 / 169.
[ * ]

(5/315)


153 - زيد بن أسلم * (ع) الامام الحجة القدوة أبو عبد الله العدوي العمري المدني الفقيه.
حدث عن والده أسلم مولى عمر، وعن عبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وسلمة بن الاكوع، وأنس بن مالك، وعن عطاء بن يسار، وعلي بن الحسين، وابن المسيب وخلق.
حدث عنه مالك بن أنس، وسفيان الثوري، والاوزاعي، وهشام بن سعد، وسفيان بن عيينة، وعبد العزيز الدراوردي، وأولاده أسامة، وعبد الله، وعبد الرحمن بنو زيد، وخلق كثير.
وكان له حلقة للعلم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو حازم الاعرج: لقد رأيتنا في مجلس زيد بن أسلم أربعين فقيها أدنى خصلة فينا التواسي بما في أيدينا، وما رأيت في مجلسه متماريين ولا متنازعين في حديث لا ينفعنا.
وكان أبو حازم، يقول: لا أراني الله يوم زيد بن أسلم، إنه لم يبق أحد
أرضى لديني ونفسي منه.
قال: فأتاه نعي زيد بن أسلم، فعقر فما شهده.
وقال البخاري: كان علي بن الحسين يجلس إلى زيد بن أسلم فكلم في ذلك، فقال: إنما يجلس الرجل إلى من ينفعه في دينه.
قلت: لزيد تفسير رواه عنه ابنه عبدالرحمن، وكان من العلماء العاملين.
أرخ ابنه وفاته في ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومئة.
ظهر لزيد من المسند أكثر من مئتي حديث.
__________
* طبقات خليفة 263، التاريخ الكبير 3 / 287، التاريخ الصغير 2 / 32، 40، تاريخ الفسوي 1 / 675، الجرح والتعديل 3 / 554، حلية الاولياء 3 / 221، 229، تهذيب الكمال 451، تذهيب التهذيب 1 / 248 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 251، تذكرة الحفاظ 1 / 132، 133، تهذيب التهذيب 3 / 395، طبقات الحفاظ 53، خلاصة تذهيب الكمال 126، شذرات الذهب 1 / 194، تهذيب ابن عساكر 5 / 442، 446.
[ * ]

(5/316)


أخبرنا إسماعيل بن عبدالرحمن، أنبأنا ابن قدامة، أنبأنا ابن البطي، أنبأنا أبو بكر الطريثيثي، حدثنا هبة الله اللالكائي، أبنأنا محمد بن عبد الله بن القاسم، حدثنا محمد بن أحمد بن يعقوب، حدثني يعقوب بن شيبة، أنبأنا الحارث بن مسكين، أنبأنا ابن وهب، وابن القاسم، قالا: قال مالك: استعمل زيد بن أسلم على معدن بني سليم، وكان معذرا لا يزال يصاب فيه الناس من قبل الجن.
فلما وليهم شكوا ذلك إليه، فأمرهم بالاذان أن يؤذنوا ويرفعوا أصواتهم، ففعلوا، فارتفع عنهم ذلك حتى اليوم.
قال مالك: أعجبني ذلك من مشورة زيد بن أسلم.

154 - المطلب بن عبد الله * (4) ابن حنطب القرشي المخزومي المدني أحد الثقات، وكان جده حنطب بن
الحارث بن عبيد المخزومي من مسلمة الفتح.
أرسل المطلب عن عمر بن الخطاب وغيره، وحدث عن عبد الله بن عمرو وابن عباس، وجابر، وأبي هريرة، وعدة.
روى عنه اباه الحكم وعبد العزيز، وعمرو بن أبي عمرو مولاهم، وعبد الله بن طاووس، وابن جريج، والاوزاعي، وزهير بن محمد وآخرون.
وثقه أبو زرعة، والدارقطني، وهو ابن أخت مروان بن الحكم، وابن أخت أبي سلمة بن عبدالرحمن.
قال أبو حاتم: لم يدرك عائشة، وعامة حديثه مراسيل، وقال أبو زرعة: أرجو أن يكون سمع منها وقال ابن سعد: ليس يحتج بحديثه، لانه يرسل كثيرا.
قلت: وفد على الخليفة هشام، فوصله بسبعة عشر ألف دينار.
كان حيا في حدود سنة عشرين ومئة.
__________
* طبقات خليفة 245، التاريخ الكبير 8 / 7، الجرح والتعديل 8 / 359، تهذيب الكمال 1335، تذهيب التهذيب 4 / 45 / 1، تاريخ الاسلام 4 / 303، تهذيب التهذيب 10 / 178، خلاصة تذهيب الكمال: 379.
[ * ]

(5/317)


155 - عبد الله بن كثير * ابن عمرو بن عبد الله بن زاذان بن فيروزان، بن هرمز الامام العلم مقرئ مكة، وأحد القراء السبعة أبو معبد الكناني الداري المكي مولى عمرو ابن علقمة الكناني.
وقيل: يكنى أبا عباد، وقيل: أبا بكر، فارسي الاصل.
وكان داريا وهو العطار (1) وقدوهم البخاري، فقال: إنه من بني عبدالدار.
وقال ابن أبي داود: هو من قوم تميم الداري والدار: بطن من لخم أبوهم الدار ابن هانئ بن حبيب بن نمارة بن لخم من أدد بن سبأ.
وكذا تابعه الدارقطني
فوهما.
وقال الاصمعي: الذي لا يبرح من داره هو الداري، فلا يطلب معاشا و ؟ قال: كان ابن كثير عطارا، قلت: هذا الحق، واشتراك الانساب لا يبطل ذلك.
وكان من أبناء فارس الذين بعثهم كسرى إلى صنعاء اليمن، فطردوا عنها الحبشة.
قيل: قرأ على عبد الله بن السائب المخزومي، وذلك محتمل، والمشهور تلاوته على مجاهد ودرباس مولى ابن عباس.
تلا عليه أبو عمرو بن العلاء، ومعروف بن مشكان، وإسماعيل بن قسطنطين وعدة.
وقد حدث عن ابن الزبير، وأبي المنهال عبدالرحمن بن مطعم، وعكرمة، ومجاهد وغيرهم.
وهو قليل الحديث.
روى عنه أيوب، وابن جريج، وإسماعيل بن أمية، وزمعة بن صالح،
__________
* طبقات خليفة 282، التاريخ الكبير 5 / 181، التاريخ الصغير 1 / 304، 305، الجرح والتعديل 5 / 144، تهذيب الكمال 726، تذهيب التهذيب 2 / 175 / 1، تاريخ الاسلام 4 / 268، 269، تهذيب التهذيب 5 / 367، خلاصة تذهيب الكمال 210، طبقات القراء 1 / 433، 444 (1) في " تهذيب الكمال " وأهل مكة يقولون للعطار: داري.
[ * ]

(5/318)


وعمر بن حبيب المكي، وليث بن أبي سليم، وعبد الله بن عثمان بن خثيم، وجرير بن حازم، وحسين بن واقد، وعبد الله بن أبي نجيح، وحماد بن سلمة وآخرون.
وثقه علي بن المديني وغيره.
وكان رجلا مهيبا طويلا أبيض اللحية جسيما أسمر، أشهل العينين، تعلوه سكينة ووقار، وكان فصيحا مفوها واعظا كبير الشأن.
يقال: إن ابن عيينة أدركه، وسمع منه، ولم يصح، إنما شهد جنازته.
وقد وثقه النسائي أيضا، وعاش خمسا وسبعين سنة.
مات سنة عشرين ومئة.
قال ابن عيينة: رأيته يخضب بالصفرة، ويقص للجماعة.
أخبرنا إسحاق بن أبي بكر، أنبأنا ابن خليل، أنبأنا علي بن قادشاه، أنبأنا أبو علي المقرئ، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا بشر بن موسى، حدثنا خلاد بن يحيى، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير، عن ابن الزبير، قال: كانت بنو إسرائيل إذا بلغوا ذا طوى، نزعوا نعالهم.
عن ابن عيينة، قال: كان ابن كثير يبيع العطر قديما، وقال شبل بن عباد: ولد ابن كثير بمكة سنة 48 ومات سنة عشرين ومئة.
قال ابن سعد: كان ابن كثير المقرئ ثقة، له أحاديث صالحة، مات سنة اثنتين وعشرين ومئة.
وقال البخاري في " تاريخه ": حدثنا الحميدي، عن ابن عيينة، سمعت مطرفا بمكة في جنازة عبد الله بن كثير، وأنا غلام سنة عشرين، قال: سمعت الحسن، ثم قال: وقال علي: قيل لابن عيينة: رأيت عبد الله بن كثير ؟ قال: رأيته سنة اثنتين وعشرين ومئة، أسمع قصصه وأنا غلام، كان قاص الجماعة.
قلت: فهاذان قولان لابن عيينة، فإما شك، وإما عنى بأن الذي مات سنة عشرين هو عبد الله بن كثير بن المطلب السهمي الذي خرج له مسلم في الجنائز من طريق ابن جريج عنه وهذا أشبه.

(5/319)


وقال أبو علي الغساني: حديث السلف يرويه ابن أبي نجيح، عن عبد الله ابن كثير، عن أبي المنهال عبدالرحمن بن مطعم، عن ابن عباس، ثم قال: فقال أبو الحسن القابسي وغيره: هو ابن كثير القارئ، ثم قال: وهذا ليس بصحيح، بل هو
ابن كثير بن المطلب السهمي.
كذا نسبه الكلاباذي وهو أخو كثير بن كثير، لا شئ له في الصحيح سوى حديث السلم (1) عن صحيح البخاري وكذا ذكر الدارقطني والحاكم وغيرهما عبد الله بن كثير بن المطلب في رجال " الصحيحين " وذكره البخاري في " تاريخه " لكنه وهم في نسبته إلى بني عبدالدار.
وقال أبو نعيم الحافظ: عبد الله بن كثير القارئ الداري مولى بني عبدالدار.
قال ابن المديني: قد روى عن الداري أيوب وابن جريج، وكان ثقة.
حجاج بن منهال، عن حماد بن سلمة: رأيت أبا عمرو بن العلاء يقرأ على عبد الله بن كثير.
قال ابن عيينة: لم يكن بمكة أحد أقرأ من حميد بن قيس، وعبد الله بن كثير.
وقال جرير بن حازم: رأيت عبد الله بن كثير فصيحا بالقرآن.
وذكر الداني أن ابن كثير أخذ القراءة عن عبد الله بن السائب.
ابن مجاهد: حدثنا بشر بن موسى، حدثنا الحميدي، عن سفيان، حدثنا قاسم الرحال في جنازة عبد الله بن كثير، يعني: في سنة عشرين.
أنبأنا عبدالرحمن بن محمد، والمسلم بن علان، قالا: أنبأنا حنبل، أنبأنا
__________
(1) أخرجه البخاري 4 / 355 في أول السلم من طريق عمرو بن زرارة، عن إسماعيل بن علية، عن ابن أبي نجيح، عن عبد الله بن كثير، عن أبي المنهال، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة والناس يسلفون في الثمر العام والعامين، أو قال: عامين أو ثلاثة، شك إسماعيل، فقال: " من أسلف في تمر، فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم " قال الحافظ: ومداره على عبد الله بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة السهمي، وكلاهما ثقة، والاول أرجح فإنه مقتضى صنيع البخاري في " تاريخه ".
[ * ]

(5/320)


هبة الله، أنبأنا ابن المذهب، أنبأنا أبو بكر القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد،
حدثني أبي، حدثنا إسماعيل، حدثنا ابن أبي نجيح، عن عبد الله بن كثير، عن أبي المنهال، عن ابن عباس: " قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، والناس يسلفون في التمر العام والعامين، أو قال: عامين وثلاثة، فقال: من سلف في تمر، فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم "، أخرجوه ستتهم (1).
عن رجالهم من حديث ابن أبي نجيح.
فترددنا في ابن كثير هذا، هل هو الداري أو السهمي، واختلف العلماء قبلنا فيه، وفي رجال مسلم للدارقطني ذكر السهمي فقط، وذكر في رجال البخاري عبد الله بن كثير المكي فقط، وكل منهما مكي، والذي علم بالتأمل، أن الداري رجل كبير شهير، وأن السهمي لا يكاد يعرف إلا بحديث واحد في صحيح مسلم، وهو معلل في استغفاره صلى الله عليه وسلم لاهل البقيع، تفرد به ابن وهب، عن ابن جريج، عن عبد الله ابن كثير بن المطلب، عن محمد بن قيس بن مخرمة، عن عائشة في خروجه عليه السلام ليلا، واستغفاره لهم، وهو من الموافقات العالية في فوائد الاخميمي، ثم قال مسلم في عقبه: وحدثني من سمع حجاج بن محمد، عن ابن جريج، عن عبد الله رجل من قريش، عن محمد بن قيس بهذا (2).
قال الدارقطني: هو عبد الله بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة.
قلت: المطلب هذا هو ابن الحارث بن صبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم القرشي.
ولعبد الله إخوة: كثير، وجعفر، وسعيد، وليسوا بالمشهورين.
__________
(1) أخرجه أحمد 1 / 217 و 222 و 288 و 358، والبخاري 4 / 355 في أول السلم، ومسلم (1604) في المساقاة: باب السلم، والترمذي (1311) في البيوع: باب ما جاء في السلف في الطعام والتمر، وأبو داود (3463) في الاجازة: باب في السلف، والنسائي 7 / 290 في البيوع: باب السلف في الثمار، وابن ماجه (2280) في التجارات: باب السلف في كيل معلوم.
(2) صحيح مسلم (974) (103) في الجنائز: باب ما يقال عند دخول المقابر.
[ * ]

(5/321)


وقال النسائي، عن يوسف بن مسلم، عن حجاج، عن ابن جريج، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن محمد بن قيس، ثم قال النسائي: حجاج في ابن جريج عندنا أثبت من ابن وهب.
قلت: ما اختلفا فيه، وإنما ابن مسلم زاد من عنده إيضاحا بحسب ظنه فقال بعد عبد الله: ابن أبي مليكة.
فهذا ما عندنا من ذكر السهمي، ولم نتيقن له رواية حديث سوى هذا.
وأما حديث السلف، فمتجاذب بينه وبين الداري، فليلتمس مرجح لاحدهما والله أعلم.
وأما الكلاباذي، فقال في رجال البخاري: عبد الله بن كثير بن المطلب القرشي العبدري المكي القاص حدث عن أبي المنهال عبدالرحمن بن مطعم، روى عنه ابن أبي نجيح في أول السلم، فهذا كما ترى: جعل ابن كثير بن المطلب عبدريا، وإنما هو سهمي، وجعله القاص، وإنما القاص الداري القارئ، وكذا قال البخاري في ابن المطلب: إنه من بني عبدالدار بن قصي.
وما ذكر في تاريخه (1) سواه، وما ذكر ابن أبي حاتم (2) سواه، إلا ابن كثير الطويل الدمشقي.

156 - عمرو بن قيس * (4) ابن ثور بن مازن الامام الكبير أبو ثور الكسوني الكندي، شيخ أهل حمص ولجده مازن بن خيثمة صحبة، ولد عمرو سنة أربعين، ووفد مع أبيه على معاوية.
وحدث عن عبد الله بن عمرو، وواثلة بن الاسقع، وأبي أمامة، والنعمان بن بشير، وعبد الله بن بسر، وعاصم بن حميد وطائفة.
__________
(1) 5 / 181.
(2) 5 / 144.
* طبقات خليفة 314، التاريخ الكبير 6 / 363، تاريخ الفسوي 2 / 329، 350، الجرح والتعديل 6 / 254، تهذيب الكمال 1048، تذهيب التهذيب 3 / 108 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 286، تهذيب التهذيب 8 / 91، خلاصة تذهيب الكمال 292، شذرات الذهب 1 / 209.
[ * ]

(5/322)


وعنه ثوابة بن عون، ومعاوية بن صالح، وسعيد بن عبد العزيز، وعبد الحميد بن عبد العزيز وآخرون، خاتمتهم محمد بن حمير.
قال إسماعيل بن عياش: أدرك سبعين صحابيا، وولي إمرة الغزو لعمر بن عبد العزيز.
قال ابن سعد: صالح الحديث، وقال إسماعيل بن عياش: سمعته يقول: سمعت معاوية على المنبر نزع بهذه الآية * (اليوم أكملت لكم) * نزلت في يوم جمعة.
يوم عرفة.
وقال أبو حاتم وغيره: ثقة.
بقية، عن أبي بكر بن أبي مريم، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى والي حمص: انظر إلى الذين نصبوا أنفسهم للفقه، وحبسوها في المسجد عن طلب الدنيا، فأعط كل رجل منهم مئة دينار، فكان عمرو بن قيس، وأسد بن وداعة فيمن أخذها.
وقيل: إن عمرو بن قيس كان ممن سار للطلب بدم الوليد الفاسق.
قال محمود بن خالد: مات سنة أربعين ومئة عن مئة عام، وقيل: مات سنة خمس وعشرين ومئة.

157 - عبادة بن نسي * (4) الامام الكبير قاضي طبرية أبو عمر الكندي الاردني.
حدث عن شداد بن أوس، ومعاوية، وأبي بن عمارة بكسر العين، وأبي سعيد الخدري وطائفة.
__________
* طبقات ابن سعد 7 / 456، التاريخ الكبير 6 / 95، التاريخ الصغير 1 / 285، تاريخ الفسوي 2 / 329، الجرح والتعديل 6 / 96، تهذيب الكمال 656، تذهيب التهذيب 2 / 124 / 1، تاريخ الاسلام 4 / 261، تهذيب التهذيب 5 / 113، خلاصة تذهيب الكمال 188.
[ * ]

(5/323)


حدث عنه برد بن سنان، وعلي بن أبي حملة، وهشام بن الغاز، وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم، وعبد الله بن عثمان، وخلق.
وكان سيدا شريفا، وافر الجلالة ذا فضل وصلاح، وعلم، وثقه يحيى بن معين وغيره.
ولي قضاء الاردن من قبل عبدالملك بن مروان، ثم ولي الاردن نائبا لعمر بن عبد العزيز.
قال أبو مسهر: حدثنا كامل بن سلمة الكندي، قال: سألهم هشام بن عبدالملك: من سيد أهل فلسطين ؟ قالوا: رجاء بن حيوة، قال: فمن سيد أهل الاردن ؟ قالوا: عبادة بن نسي، قال: فمن سيد دمشق ؟ قالوا: يحيى بن يحيى الغساني، قال: فمن سيد أهل حمص ؟ قالوا: عمرو بن قيس السكوني، قال: فمن سيد أهل الجزيرة ؟ قالوا: عدي بن عدي الكندي.
وعن مسلمة بن عبدالملك، قال: في كندة ثلاثة إن الله بهم ينزل الغيث وينصرنا: رجاء بن حيوة، وعبادة بن نسي، وعدي بن عدي.
وقيل: أهدى رجل قلة عسل لعبادة فقبله وقضى عليه، ثم قال له: ذهبت القلة يا فلان.
قالوا: مات سنة ثمان عشرة ومئة.

158 - عطية بن قيس * (م، 4) الامام القانت مقرئ دمشق مع ابن عامر أبويحيى الكلبي الدمشقي المذبوح.
عرض على أم الدرداء، وكانت عارفة بالتنزيل، قد أخذت عن زوجها أبي الدرداء.
وحدث عن عمرو بن عبسة، وعبد الله بن عمرو، والنعمان بن بشير،
__________
* طبقات ابن سعد 7 / 460، طبقات خليفة 311، التاريخ الكبير 7 / 9، التاريخ الصغير 1 / 307، تاريخ الفسوي 2 / 332، 397، الجرح والتعديل 6 / 383، تهذيب الكمال 942، تذهيب التهذيب 3 / 44 / 1، تاريخ الاسلام 4 / 155، تهذيب التهذيب 7 / 228، خلاصة تذهيب الكمال 268.
[ * ]

(5/324)


ومعاوية، وابن عمر، وعبد الرحمن بن غنم، وأرسل عن أبي الدرداء، وطائفة.
وغزا في دولة معاوية، عرض عليه القرآن علي بن أبي حملة، والحسن بن عمران، وسعيد بن عبد العزيز.
وروى عنه ولده سعد، وأبو بكر بن أبي مريم، وعبد الله بن العلاء بن زبر، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر وغيرهم.
قال سعيد بن العزيز: لم نكن نطمع أن يفتح ذكر الدنيا في مجلس عطية.
قال أبو القاسم بن عساكر، وله دار قبلي كنيسة لليهود.
وكان قارئ الجند، وهو أكبر من ابن عامر.
توفي سنة إحدى وعشرين ومئة، وقيل: سنة عشر ومئة.
وقيل: هو حمصي.
قال الوليد بن مسلم: ذكرت لسعيد بن عبد العزيز قدم عطية، فقال: سمعته يذكر أنه كان فيمن غزا القسطنطينية زمن معاوية.
قال دحيم: كان هو وإسماعيل بن عبيدالله فارسي الجند.
وقال عبد الواحد ابن قيس: كانوا يصلحون مصاحفهم على قراءة عطية بن قيس، وهم جلوس على درج الكنيسة.
وقال أبو مسهر: مولده سنة سبع، وتوفي سنة عشر ومئة.
وروى جماعة عن أبي مسهر أيضا، أنه مات سنة إحدى وعشرين ومئة.

159 - عطية بن سعد * (د، ت، ق) ابن جنادة العوفي الكوفي أبو الحسن من مشاهير التابعين، ضعيف الحديث.
روى عن ابن عباس، وأبي سعيد، وابن عمر.
__________
* طبقات ابن سعد 6 / 304، طبقات خليفة 160، التاريخ الكبير 7 / 8، التاريخ الصغير 1 / 236، الجرح والتعديل 6 / 382، تهذيب الكمال 942، تذهيب التهذيب 3 / 44 / 1، تاريخ الاسلام 4 / 280، ميزان الاعتدال 3 / 79، تهذيب التهذيب 7 / 224، خلاصة تذهيب الكمال 267، شذرات الذهب 1 / 144.
[ * ]

(5/325)


وعنه ابنه الحسن، وحجاج بن أرطاة، وقرة بن خالد، وزكريا بن أبي زائدة، ومسعر، وخلق.
وكان شيعيا توفي سنة إحدى عشرة.

160 - أخبار الزهري * (ع) محمد بن مسلم بن عبيدالله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، الامام العلم، حافظ زمانه أبو بكر القرشي الزهري المدني نزيل الشام.
روى عن ابن عمر، وجابر بن عبد الله شيئا قليلا، ويحتمل أن يكون سمع منهما، وأن يكون رأى أبا هريرة، وغيره، فإن مولده فيما قاله دحيم وأحمد بن صالح في سنة خمسين، وفيما قاله خليفة بن خياط: سنة إحدى وخمسين.
وروى عنبسة: حدثنا يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، قال: وفدت إلى مروان، وأنا محتلم، فهذا مطابق لما قبله، وأبى ذلك يحيى بن بكير، وقال: ولد سنة ست وخمسين حتى قال له يعقوب الفسوي، فإنهم يقولون: إنه وفد إلى مروان، فقال: هذا باطل، إنما خرج إلى عبدالملك بن مروان، وقال: لم يكن عنبسة موضعا لكتابة الحديث.
قال أحمد العجلي: سمع ابن شهاب من ابن عمر ثلاثة أحاديث، وقال عبد
__________
* طبقات خليفة: 261، التاريخ الكبير 1 / 220، التاريخ الصغير 1 / 320، تاريخ الفسوي 1 / 620، الجرح والتعديل 8 / 71، معجم المرزباني: 345، حلية الاولياء 3 / 360، 381، طبقات الشيرازي: 63، تهذيب الاسماء 1 / 90، 92، وفيات الاعيان 4 / 177، 179، تهذيب الكمال 1268، تاريخ الاسلام 5 / 136، تذكرة الحفاظ 1 / 108، 113، ميزان الاعتدال 4 / 40، العبر 1 / 158، البداية 9 / 340، 344، طبقات القراء 2 / 262، صفة الصفوة 2 / 77، تهذيب التهذيب 9 / 445، النجوم الزاهرة 1 / 294، طبقات الحفاظ: 42، 43، خلاصة تذهيب الكمال 359، شذرات الذهب 1 / 162.
[ * ]

(5/326)


الرزاق، حدثنا معمر، قال: سمع الزهري من ابن عمر حديثين.
قلت: وروى عن سهل بن سعد، وأنس بن مالك، ولقيه بدمشق، والسائب بن يزيد، وعبد الله بن ثعلبة بن صعير، ومحمود بن الربيع، ومحمود بن لبيد، وسنين أبي جميلة، وأبي الطفيل عامر، وعبد الرحمن بن أزهر، وربيعة بن عباد الديلي، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، ومالك بن أوس بن الحدثان، وسعيد بن المسيب، وجالسه ثماني سنوات، وتفقه به، وعلقمة بن وقاص، وكثير بن العباس، وأبي أمامة بن سهل، وعلي بن الحسين، وعروة بن الزبير، وأبي إدريس الخولاني، وقبيصة بن ذؤيب، وعبد الملك بن مروان، وسالم بن عبد الله، ومحمد بن جبير بن مطعم، ومحمد بن النعمان بن بشير، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وعبيدالله بن عبد الله بن عتبة، وعثمان بن إسحاق العامري، وأبي الاحوص مولى بني ثابت، وأبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث، والقاسم بن محمد، وعامر بن سعد، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعبد الله بن كعب بن مالك، وأبي عمر رجل من بلي له صحبة، وأبان بن عثمان.
فحديثه عن رافع بن خديج، وعبادة بن الصامت مراسيل، أخرجها
النسائي، وله عن أبي هريرة في جامع الترمذي.
قال عبد الرزاق: أنبأنا معمر، عن الزهري، قال: كتب عبدالملك إلى الحجاج، اقتد بابن عمر في مناسكك، قال: فأرسل إليه يوم عرفة، إذا أردت أن تروح فآذنا، قال: فجاء هو وسالم وأنا معهما حين زاغت الشمس، فقال: ما يحبسه، فلم ينشب أن خرج الحجاج، فقال: إن أمير المؤمنين، كتب إلي أن أقتدي بك، وآخذ عنك.
قال: إن أردت السنة، فأوجز الخطبة والصلاة، قال الزهري: وكنت يومئذ صائما، فلقيت من الحر شدة.
قلت: حدث عنه عطاء بن أبي رباح، وهو أكبر منه، وعمر بن عبد العزيز،

(5/327)


ومات قبله ببضع وعشرين سنة، وعمرو بن دينار، وعمرو بن شعيب، وقتادة بن دعامة، وزيد بن أسلم، وطائفة من أقرانه، ومنصور بن المعتمر، وأيوب السختياني، ويحيى بن سعيد الانصاري، وأبو الزناد، وصالح بن كيسان، وعقيل ابن خالد، ومحمد بن الوليد الزبيدي، ومحمد بن أبي حفصة، وبكر بن وائل، وعمرو بن الحارث، وابن جريج، وجعفر بن برقان، وزياد بن سعد، وعبد العزيز ابن الماجشون، وأبو أويس، ومعمر بن راشد، والاوزاعي، وشعيب بن أبي حمزة، ومالك بن أنس، والليث بن سعد، وإبراهيم بن سعد، وسعيد بن عبد العزيز، وفليح بن سليمان، وابن أبي ذئب، وابن إسحاق، وسفيان بن حسين، وصالح بن أبي الاخضر، وسليمان بن كثير، وهشام بن سعد، وهشيم بن بشير، وسفيان بن عيينة، وأمم سواهم.
قال علي بن المديني: له نحو من ألفي حديث.
وقال أبو داود: حديثه ألفان ومئتا حديث، النصف منها مسند.
أبو صالح، عن الليث بن سعد، قال: ما رأيت عالما قط أجمع من ابن
شهاب، يحدث في الترغيب، فتقول: لا يحسن إلا هذا، وإن حدث عن العرب والانساب، قلت: لا يحسن إلا هذا، وإن حدث عن القرآن والسنة، كان حديثه.
وقال الليث: قدم ابن شهاب على عبدالملك سنة اثنتين وثمانين.
الذهلي: حدثنا أبو صالح، حدثنا العطاف بن خالد، عن عبدالاعلى ابن عبد الله بن أبي فروة، عن ابن شهاب، قال: أصاب أهل المدينة حاجة زمان فتنة عبدالملك فعمت، فقد خيل إلي أنه أصابنا أهل البيت من ذلك ما لم يصب أحدا، فتذكرت: هل من أحد أخرج إليه، فقلت: إن الرزق بيد الله، ثم خرجت إلى دمشق، ثم غدوت إلى المسجد، فاعتمدت إلى أعظم مجلس رأيته، فجلست إليهم فبينا نحن كذلك إذ أتى رسول عبدالملك فذكر قصة ستأتي بمعناها، وأن عبدالملك فرض له.

(5/328)


قال أبو الزناد: كنا نطوف مع الزهري على العلماء ومعه الالواح والصحف، يكتب كلما سمع.
إبراهيم بن المنذر: حدثنا يحيى بن محمد بن حكم، حدثنا ابن أبي ذئب، قال: ضاقت حال ابن شهاب، ورهقه دين، فخرج إلى الشام، فجالس قبيصة بن ذؤيب، قال ابن شهاب: فبينا نحن معه نسمر إذ جاءه رسول عبدالملك، فذهب إليه، ثم رجع إلينا فقال: من منكم يحفظ قضاء عمر رضي الله عنه في أمهات الاولاد ؟ قلت: أنا قال: قم فأدخلني على عبدالملك بن مروان، فإذا هو جالس على نمرقة بيده مخصرة وعليه غلالة ملتحف بسبيبة (1) بين يديه شمعة، فسلمت، فقال من أنت ؟ فانتسبت له فقال: إن كان أبوك لنعارا في الفتن (2)، قلت: يا أمير المؤمنين عفا الله عما سلف، قال: اجلس، فجلست، قال: تقرأ القرآن ؟ قلت: نعم، قال: فما تقول في امرأة تركت زوجها وأبويها ؟
قلت: لزوجها النصف، ولامها السدس، ولابيها ما بقي، قال: أصبت الفرض، وأخطأت اللفظ، إنما لامها ثلث ما بقي، ولابيها ما بقي.
هات حديثك، قلت: حدثني سعيد بن المسيب فذكر قضاء عمر في أمهات الاولاد.
فقال عبدالملك: هكذا حدثني سعيد.
قلت: يا أمير المؤمنين اقض ديني، قال: نعم.
قلت: وتفرض لي، قال: لا والله لا نجمعهما لاحد، قال: فتجهزت إلى المدينة.
وروى نحوا منها سعيد بن عفير، عن عطاف بن خالد كما مضى.
أحمد بن شبيب، عن أبيه، عن يونس، قال ابن شهاب: قدمت دمشق زمان تحرك ابن الاشعث، وعبد الملك يومئذ مشغول بشأنه.
وروى سعيد بن عفير: حدثنا حفص بن عمران، عن السري بن يحيى، عن
__________
(1) هي الثوب الرقيق.
(2) في " اللسان ": ورجل نعار في الفتن: خراج فيها سعاء.
[ * ]

(5/329)


ابن شهاب، قال: قدمت الشام: أريد الغزو فأتيت عبدالملك فوجدته في قبة على فرش، يفوت القائم، والناس تحته سماطان.
ابن سعد: حدثنا محمد بن عمر، حدثنا عبدالرحمن بن عبد العزيز، سمعت الزهري، يقول: نشأت وأنا غلام، لا مال لي، ولا أنا في ديوان، وكنت أتعلم نسب قومي من عبد الله بن ثعلبة بن صعير، وكان عالما بذلك وهو ابن أخت قومي وحليفهم.
فأتاه رجل، فسأله عن مسألة من الطلاق فعي بها وأشار له إلى سعيد بن المسيب، فقلت في نفسي: ألا أراني مع هذا الرجل المسن يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مسح رأسه، ولا يدري ما هذا ؟ ! فانطلقت مع السائل إلى سعيد بن المسيب، وتركت ابن ثعلبة، وجالست عروة، وعبيدالله، وأبا بكر بن عبدالرحمن
حتى فقهت، فرحلت إلى الشام، فدخلت مسجد دمشق في السحر، وأممت حلقة وجاه المقصورة عظيمة، فجلست فيها.
فنسبني القوم، فقلت: رجل من قريش، قالوا: هل لك علم بالحكم في أمهات الاولاد ؟ فأخبرتهم بقول عمر بن الخطاب، فقالوا: هذا مجلس قبيصة بن ذؤيب وهو حاميك، وقد سأله أمير المؤمنين، وقد سألنا فلم يجد عندنا في ذلك علما، فجاء قبيصة فأخبروه الخبر، فنسبني فانتسبت، وسألني عن سعيد بن المسيب ونظرائه، فأخبرته.
قال: فقال: أنا أدخلك على أمير المؤمنين، فصلى الصبح، ثم انصرف فتبعته، فدخل على عبدالملك وجلست على الباب ساعة، حتى ارتفعت الشمس، ثم خرج الآذن، فقال: أين هذا المديني القرشي ؟ قلت: ها أنا ذا، فدخلت معه على أمير المؤمنين فأجد بين يديه المصحف قد أطبقه، وأمر به فرفع، وليس عنده غير قبيصة جالسا، فسلمت عليه بالخلافة، فقال: من أنت ؟ قلت: محمد بن مسلم، وساق آباءه إلى زهرة، فقال: أوه قوم نعارون في الفتن، قال: وكان مسلم بن عبيدالله مع ابن الزبير، ثم قال: ما عندك في أمهات الاولاد ؟ فأخبرته عن سعيد، فقال: كيف سعيد، وكيف حاله ؟ فأخبرته، ثم قلت: وأخبرني أبو بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، فسأل

(5/330)


عنه، ثم حدثته الحديث في أمهات الاولاد عن عمر.
فالتفت إلى قبيصة فقال: هذا يكتب به إلى الآفاق، فقلت: لا أجده أخلى منه الساعة، ولعلي لا أدخل بعدها.
فقلت: إن رأى أمير المؤمنين أن يصل رحمي، وأن يفرض لي فعل، قال: إيها الآن انهض لشأنك، فخرجت والله مؤيسا من كل شئ خرجت له، وأنا يومئذ مقل مرمل، ثم خرج قبيصة فأقبل علي لائما لي، وقال: ما حملك على ما صنعت من غير أمري ؟ قلت: ظننت والله أني لا أعود إليه، قال: ائتني في المنزل، فمشيت خلف دابته، والناس يكلمونه، حتى دخل منزله فقلما لبث حتى خرج إلي خادم
بمئة دينار، وأمر لي ببغلة وغلام وعشرة أثواب، ثم غدوت إليه من الغد على البغلة، ثم أدخلني على أمير المؤمنين، وقال: إياك أن تكلمه بشئ، وأنا أكفيك أمره.
قال: فسلمت، فأومأ إلي أن اجلس، ثم جعل يسألني عن أنساب قريش، فلهو كان أعلم بها مني، وجعلت أتمني أن يقطع ذلك لتقدمه علي في النسب، ثم قال لي: قد فرضت لك فرائض أهل بيتك، ثم أمر قبيصة أن يكتب ذلك في الديوان، ثم قال: أين تحب أن يكون ديوانك مع أمير المؤمنين هاهنا أم في بلدك ؟ قلت: يا أمير المؤمنين أنا معك.
ثم خرج قبيصة، فقال: إن أمير المؤمنين أمر أن تثبت في صحابته، وأن يجري عليك رزق الصحابة، وأن يرفع فريضتك إلى أرفع منها، فالزم باب أمير المؤمنين، وكان على عرض الصحابة رجل، فتخلفت يوما أو يومين، فجبهني جبها شديدا، فلم أتخلف بعدها، قال: وجعل يسألني عبد الملك: من لقيت ؟ فأذكر من لقيت من قريش، قال: أين أنت عن الانصار، فإنك واجد عندهم علما، أين أنت عن ابن سيدهم خارجة بن زيد، وسمى رجالا منهم.
قال: فقدمت المدينة فسألتهم، وسمعت منهم.
قال: وتوفي عبدالملك، فلزمت ابنه الوليد، ثم سليمان، ثم عمر بن عبد العزيز، ثم يزيد، فاستقضى يزيد بن عبد الملك على قضائه الزهري، وسليمان بن حبيب المحاربي جميعا.
قال: ثم لزمت هشام بن عبدالملك وصير هشام الزهري مع أولاده، يعلمهم ويحج معهم.

(5/331)


ابن وهب: حدثني يعقوب بن عبدالرحمن، قال: رأيته ررجلا قصيرا قليل اللحية، له شعيرات طوال خفيف العارضين، يعني: الزهري.
معن بن عيسى، عن ابن أخي الزهري، قال: جمع عمي القرآن في ثمانين ليلة.
الحميدي عن سفيان، قال: رأيت الزهري أحمر الرأس واللحية في حمرتها انكفاء، كأنه يجعل فيها كتما، وكان رجلا أعيمش، وله جمة، قدم علينا سنة
ثلاث وعشرين ومئة فأقام إلى هلال المحرم سنة أربع وأنا يومئذ ابن ست عشرة سنة.
معمر عن الزهري، قال: مست ركبتي ركبة سعيد بن المسيب ثماني سنين.
الزبير في " النسب " له: حدثني محمد بن حسن، عن مالك، عن ابن شهاب، قال: كنت أخدم عبيدالله بن عبد الله، حتى إن كنت أستقي له الماء المالح، وكان يقول لجاريته من بالباب ؟ فتقول: غلامك الاعمش.
روى إبراهيم بن سعد، عن أبيه، قال: ما سبقنا ابن شهاب من العلم بشئ، إلا أنه كان يشد ثوبه عند صدره ويسأل عما يريد، وكنا تمنعنا الحداثة.
ابن أبي الزناد، عن أبيه، قال: كنا نكتب الحلال والحرام، وكان ابن شهاب يكتب كلما سمع، فلما احتيج إليه، علمت أنه أعلم الناس، وبصر عيني به ومعه ألواح أو صحف، يكتب فيها الحديث، وهو يتعلم يومئذ.
وعن أبي الزناد، قال: كنت أطوف أنا والزهري ومعه الالواح والصحف فكنا نضحك به.
ابن وهب، عن الليث، كان ابن شهاب، يقول: ما استودعت قلبي شيئا قط فنسيته، وكان يكره أكل التفاح، وسؤر الفأر، وكان يشرب العسل ويقول: إنه يذكر.
ولفائد بن أقرم يمدح الزهري: ذر ذا وأثن على الكريم محمد * واذكر فواضله على الاصحاب وإذا يقال من الجواد بماله * قيل: الجواد محمد بن شهاب أهل المدائن يعرفون مكانه * وربيع ناديه على الاعراب

(5/332)


ابن مهدي: سمعت مالكا يقول: حدث الزهري يوما بحديث، فلما قام قمت فأخذت بعنان دابته، فاستفهمته، فقال: تستفهمني ؟ ! ما استفهمت عالما قط، ولا رددت شيئا على عالم قط.
ابن المديني: سمعت عبدالرحمن، يقول: قال مالك، حدثنا الزهري بحديث طويل، فلم أحفظه، فسألته عنه، فقال: أليس قد حدثتكم به ؟ قلنا: بلى، قلت: كنت تكتب ؟ قال: لا.
قلت: أما كنت تستعيد ؟ قال: لا.
ورواها الامام أحمد، عن عبدالرحمن بن مهدي، تابعه ابن وهب.
قال عثمان الدارمي، حدثنا موسى بن محمد البلقاوي، سمعت مالكا، يقول: حدث الزهري بمئة حديث، ثم التفت إلي، فقال: كم حفظت يا مالك ؟ قلت: أربعين.
فوضع يده على جبهته، ثم قال: إنا لله كيف نقص الحفظ.
موسى ضعيف.
معمر، عن الزهري: ما قلت لاحد قط: أعد علي.
مروان بن محمد، سمع الليث يقول: تذكر ابن شهاب ليلة بعد العشاء حديثا وهو جالس يتوضأ، فما زال ذاك مجلسه حتى أصبح.
أبو مسهر: حدثنا يزيد بن السمط، سمعت قرة بن عبدالرحمن، يقول: لم يكن للزهري كتاب إلا كتاب فيه نسب قومه.
إبراهيم بن سعد: سمعت ابن شهاب، يقول: أرسل إلي هشام أن اكتب لبني بعض أحاديثك، فقلت: لو سألتني عن حديثين ما تابعت بينهما، ولكن إن كنت تريد، فادع كاتبا، فإذا اجتمع إلي الناس فسألوني كتبت لهم، فقال لي: يا أبا بكر، ما أرانا إلا قد أنقصناك، قلت: كلا إنما كنت في عرار الارض الآن هبطت الاودية.
رواه نوح بن يزيد، عن إبراهيم، وزاد فيه: بعث إلي كاتبين فاختلفا إلي سنة.

(5/333)


ابن وهب: أنبأنا يعقوب بن عبدالرحمن، أن الزهري، كان يبتغي العلم من عروة وغيره، فيأتي جارية له، وهي نائمة فيوقظها يقول لها: حدثني فلان بكذا،
وحدثني فلان بكذا، فتقول: مالي ولهذا ؟ فيقول: قد علمت أنك لا تنتفعي به، ولكن سمعت الآن فأردت أن أستذكره.
أحمد بن أبي الحواري: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: خرج الزهري من الخضراء من عند عبدالملك، فجلس عند ذلك العمود، فقال: يا أيها الناس، إنا كنا قد منعناكم شيئا قد بذلناه لهؤلاء، فتعالوا حتى أحدثكم، قال: فسمعهم يقولون: قال رسول الله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أهل الشام: مالي أرى أحاديثكم ليست لها أزمة ولا خطم ؟ ! قال الوليد: فتمسك أصحابنا بالاسانيد من يومئذ، وروى نحوها من وجه آخر: أنه كان يمنعهم أن يكتبوا عنه، فلما ألزمه هشام بن عبدالملك أن يملي على بنيه، أذن للناس أن يكتبوا.
معمر، عن الزهري، قال: كنا نكره الكتاب، حتى أكرهنا عليه الامراء، فرأيت أن لا أمنعه مسلما.
عبد الرزاق سمع معمرا يقول: كنا نرى أنا قد أكثرنا عن الزهري، حتى قتل الوليد، فإذا الدفاتر قد حملت على الدواب من خزائنه، يقول: من علم الزهري.
وروى محمد بن الحسن بن زبالة، عن الدراوردي، قال: أول من دون العلم وكتبه ابن شهاب.
خالد بن نزار الايلي، عن سفيان، قال: كان الزهري أعلم أهل المدينة.
عبد الوهاب الثقفي، عن يحيى بن سعيد الانصاري قال: قال عمر بن عبد العزيز: ما ساق الحديث أحد مثل الزهري.
ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، قال: ما رأيت أحدا أنص للحديث من الزهري، وما رأيت أحدا أهون عنده الدراهم منه، كانت عنده بمنزلة البعر.

(5/334)


أبو سلمة المنقري: حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، قال: جالست ابن
عباس، وابن عمر، وجابرا، وابن الزبير، فلم أر أحدا أنسق للحديث من الزهري.
قال محمد بن سهل بن عسكر: سمعت أحمد بن حنبل، يقول: الزهري أحسن الناس حديثا، وأجود الناس إسنادا.
وقال أبو حاتم: أثبت أصحاب أنس الزهري.
شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، قال: اختلفت من الحجاز إلى الشام خمسا وأربعين سنة، فما استطرفت حديثا واحدا، ولا وجدت من يطرفني حديثا.
ابن عيينة، عن إبراهيم بن سعد، سمعت أبي يسأل الزهري عن شئ من الخلع والايلاء، فقال: إن عندي لثلاثين حديثا، ما سألتموني عن شئ منها.
أبو صالح، عن الليث: كان ابن شهاب، يختم حديثه بدعاء جامع، يقول: اللهم أسألك من كل خير أحاط به علمك في الدنيا والآخرة، وأعوذ بك من كل شر أحاط به علمك في الدنيا والآخرة.
وكان من أسخى من رأيت، كان يعطي، فإذا فرغ ما معه يستلف من عبيده، يقول: يا فلان أسلفني كما تعرف، وأضعف لك كما تعلم، وكان يطعم الناس الثريد، ويسقيهم العسل، وكان يسمر على العسل كما يسمر أهل الشراب على شرابهم، ويقول: اسقونا وحدثونا.
وكان يكثر شرب العسل، ولا يأكل شيئا من التفاح، وسمعته يبكي على العلم بلسانه، ويقول: يذهب العلم، وكثير ممن كان يعمل به.
فقلت له: لو وضعت من علمك عند من ترجو أن يكون خلفا.
قال: والله ما نشر أحد العلم نشري، ولا صبر عليه صبري، ولقد كنا نجلس إلى ابن المسيب، فما يستطيع أحد منا أن يسأله عن شئ، إلا أن يبتدئ الحديث، أو يأتي رجل يسأله عن شئ قد نزل به.
روى إبراهيم بن سعد، عن أبيه، قال: ما رؤي أحد جمع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جمع ابن شهاب.

(5/335)


الليث، عن يحيى بن سعيد، قال: ما بقي عند أحد من العلم ما بقي عند ابن شهاب.
عبد الرزاق: حدثنا معمر، عن رجل: قال عمربن عبد العزيز: عليكم بابن شهاب هذا فإنكم لا تلقون أحدا أعلم بالسنة الماضية منه.
سعيد بن بشير، عن قتادة، ما بقي أحد أعلم بسنة ماضية من ابن شهاب، وآخر، كأنه عنى نفسه.
سعيد بن عبد العزيز: سمعت مكحولا، يقول: ما بقي أعلم بسنة ماضية من ابن شهاب.
وهيب: سمعت أيوب، يقول: ما رأيت أحدا أعلم من الزهري، فقال له صخر بن جويرية، ولا الحسن البصري ؟ فقال: ما رأيت أحدا أعلم من الزهري.
الوليد بن مسلم: سمعت سعيد بن عبد العزيز، يقول: ما كان إلا بحرا، وسمعت مكحولا، يقول: ابن شهاب، أعلم الناس.
وقال ابن عيينة: سمعت أبا بكر الهذلي، يقول وقد جالس الحسن وابن سيرين: لم أر مثل هذا قط.
يعني: الزهري.
وقال العدني: قال ابن عيينة: كانوا يرون يوم مات الزهري، أنه ليس أحد أعلم بالسنة منه.
بقية: عن شعيب بن أبي حمزة، قيل لمكحول: من أعلم من لقيت ؟ قال: ابن شهاب، قيل: ثم من ؟ قال: ابن شهاب، قيل: ثم من ؟ قال: ابن شهاب.
قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول: بقي ابن شهاب، وماله في الناس نظير.
وقال معمر: كان الزهري في أصحابه كالحكم بن عتيبة في أصحابه، قال
موسى بن إسماعيل: شهدت وهيبا، وبشر بن المفضل وغيرهما ذكروا الزهري فلم يجدوا أحدا يقيسونه به إلا الشعبي.
قال علي بن المديني: أفتى أربعة: الحكم وحماد، وقتادة، والزهري، والزهري عندي أفقههم.

(5/336)


قال سعيد بن عبد العزيز: جعل يزيد الزهري قاضيا مع سليمان بن حبيب.
الوليد بن مسلم، عن الاوزاعي، عن الزهري، قال: الاعتصام بالسنة نجاة.
روى يونس بن يزيد عنه نحوه.
وروى الاوزاعي عنه، قال: أمروا أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاءت.
الليث: عن جعفر بن ربيعة، قلت لعراك بن مالك: من أفقه أهل المدينة ؟ قال: أما أعلمهم بقضايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقضايا أبي بكر وعمر وعثمان، وأفقههم فقها، وأعلمهم بما مضى من أمر الناس، فسعيد بن المسيب، وأما أغزرهم حديثا فعروة، ولا تشاء أن تفجر من عبيدالله بن عبد الله بحرا إلا فجرته وأعلمهم عندي جميعا ابن شهاب، فإنه جمع علمهم جميعا إلى علمه.
الحميدي: حدثنا سفيان، قيل للزهري، لو أنك سكنت المدينة، ورحت إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبره، تعلم الناس منك، قال: إنه ليس ينبغي أن أفعل حتى أزهد في الدنيا، وأرغب في الآخرة، ثم قال سفيان: ومن كان مثل الزهري ؟ قلت: كان رحمه الله محتشما جليلا بزي الاجناد له صورة كبيرة في دولة بني أمية.
روى الاوزاعي عن الزهري، قال: إنما يذهب العلم النسيان، وترك المذاكرة.
عبد الرزاق: سمعت عبيدالله بن عمر، يقول: أردت أطلب العلم، فجعلت آتي مشايخ آل عمر، فأقول: ما سمعت من سالم ؟ فكلما أتيت رجلا
منهم، قال: عليك بابن شهاب، فإنه كان يلزمه.
قال: وابن شهاب يومئذ، كان بالشام، فلزمت نافعا فجعل الله في ذلك خيرا كثيرا.
عنبسة، عن يونس، عن ابن شهاب، قال: قال لي سعيد بن المسيب: ما مات من ترك مثلك.

(5/337)


مفضل بن فضالة، عن عقيل، قال: رأيت على خاتم ابن شهاب: محمد يسأل الله العافية.
إبراهيم بن المنذر الحزامي، حدثنا داود بن عبد الله، سمعت مالكا يقول: كان ابن شهاب من أسخى الناس، فلما أصاب تلك الاموال قال له مولى له وهو يعظه: قد رأيت ما مر عليك من الضيق، فانظر كيف تكون، أمسك عليك مالك، قال: إن الكريم لا تحنكه التجارب.
نعيم بن حماد: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، قال: القراءة على العالم والسماع منه سواء إن شاء الله.
قال عبيدالله بن عمر: دفعت إلى ابن شهاب كتابا نظر فيه، فقال: اروه عني.
إبراهيم بن أبي سفيان القيسراني: حدثنا الفريابي، سمعت الثوري، يقول: أتيت الزهري فتثاقل علي، فقلت له: أتحب لو أنك أتيت مشايخ، فصنعوا بك مثل هذا ؟ فقال: كما أنت، ودخل، فأخرج إلي كتابا، فقال: خذ هذا فاروه عني، فما رويت عنه حرفا.
معمر، عن الزهري، قال: إعادة الحديث أشد من نقل الصخر.
عبد الوهاب بن عطاء: حدثنا الحسن بن عمارة، قال: أتيت الزهري بعد أن ترك الحديث، فألفيته على بابه، فقلت: إن رأيت أن تحدثني، قال: أما علمت أني قد تركت الحديث ؟ فقلت: إما أن تحدثني، وإما أن أحدثك، فقال: حدثني،
فقلت: حدثني الحكم، عن يحيى بن الجزار، سمع عليا رضي الله عنه، يقول: ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا، حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا، قال: فحدثني بأربعين حديثا.
قال يحيى بن سعيد القطان: مرسل الزهري شر من مرسل غيره، لانه حافظ، وكل ما قدر أن يسمي سمى، وإنما يترك من لا يحب أن يسميه.

(5/338)


قلت: مراسيل الزهري كالمعضل، لانه يكون قد سقط منه اثنان، ولا يسوغ أن نظن به أنه أسقط الصحابي فقط، ولو كان عنده عن صحابي لاوضحه ولما عجز عن وصله، ولو أنه يقول: عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن عد مرسل الزهري كمرسل سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير ونحوهما، فإنه لم يدر ما يقول: نعم مرسله كمرسل قتادة ونحوه.
أبو حاتم: حدثنا أحمد بن أبي شريح سمعت الشافعي، يقول: إرسال الزهري، ليس بشئ لانا نجده يروي عن سليمان بن أرقم.
زيد بن يحيى الدمشقي: حدثنا علي بن حوشب، عن مكحول، وذكر الزهري، فقال: أي رجل هو لولا أنه أفسد نفسه بصحبة الملوك، قلت: بعض من لا يعتد به لم يأخذ عن الزهري لكونه كان مداخلا للخلفاء، ولئن فعل ذلك فهو الثبت الحجة.
وأين مثل الزهري رحمه الله.
سلام بن أبي مطيع، عن أيوب السختياني، قال: لو كنت كاتبا عن أحد لكتبت عن ابن شهاب، قلت: قد أخذ عنه أيوب قليلا.
يعقوب السدوسي: حدثني الحلواني، حدثنا الشافعي، حدثنا عمي، قال: دخل سليمان بن يسار على هشام بن عبدالملك، فقال: يا سليمان: من الذي تولى كبره منهم ؟ قال: عبد الله بن أبي ابن سلول، قال: كذبت، هو علي، فدخل ابن شهاب، فسأله هشام،
فقال: هو عبد الله بن أبي، قال: كذبت هو علي، فقال: أنا أكذب لا أبا لك، فوالله لو نادى مناد من السماء، إن الله أحل الكذب ما كذبت، حدثني سعيد وعروة وعبيد وعلقمة بن وقاص، عن عائشة: أن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي، قال: فلم يزل القوم يغرون به، فقال له هشام: ارحل فوالله ما كان ينبغي لنا أن نحمل على مثلك، قال: ولم ؟ أنا اغتصبتك على نفسي، أو أنت اغتصبتني على نفسي ؟ فخل عني، فقال له: لا.
ولكنك استدنت ألفي ألف، فقال: قد علمت، وأبوك قبلك أني ما استدنت هذا المال عليك ولا على أبيك، فقال هشام: إنا أن نهيج الشيخ.
فأمر

(5/339)


فقضى عنه ألف ألف فأخبر بذلك، فقال: الحمد لله الذي هذا هو من عنده.
قال عمي: ونزل ابن شهاب بماء من المياه.
فالتمس سلفا فلم يجد، فأمر براحلته فنحرت، ودعا إليها أهل الماء، فمر به عمه فدعاه إلى الغداء، فقال: يا ابن أخي، إن مروءة سنة تذهب بذل الوجه ساعة، قال: يا عم انزل فاطعم، وإلا فامض راشدا.
ونزل مرة بماء، فشكا إليه أهل الماء، أن لنا ثماني عشرة امرأة عمرية أي: لهن أعمار ليس لهن خادم، فاستسلف ابن شهاب ثمانية عشر ألفا، وأخدم كل واحدة خادما بألف.
قال سعيد بن عبد العزيز: قضى هشام عن الزهري سبعة آلاف دينار، وقال: لا تعد لمثلها تدان، فقال: يا أمير المؤمنين، حدثني سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين " (1).
قال إسحاق بن الطباع، عن مالك: قال الزهري: وجدنا السخي لا تنفعه التجارب.
يونس بن عبدالاعلى: سمعت الشافعي، يقول: مر رجل تاجر بالزهري
وهو بقريته، والرجل يريد الحج، فأخذ منه بأربع مئة دينار إلى أن يرجع من حجه، فلم يبرح الزهري حتى فرقه، فعرف الزهري في وجه التاجر الكراهية، فلما رجع، قضاه، وأمر له بثلاثين دينارا ينفقها.
علي بن حجر: حدثنا الوليد الموقري، قال: قيل للزهري: إنهم يعيبون عليك كثرة الدين، قال: وكم ديني ؟ قيل: عشرون ألف دينار، قال: ليس كثيرا وأنا ملئ لي خمسة أعين كل عين منها ثمن أربعين ألف دينار.
سويد بن سعيد: حدثنا ضمام، عن عقيل بن خالد، أن ابن شهاب كان
__________
(1) أخرجه البخاري (439) في الادب: باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، ومسلم (2998) في الزهد.
[ * ]

(5/340)


يخرج إلى الاعراب يفقههم، فجاء أعرابي وقد نفد ما بيده، فمد الزهري يده إلى عمامتي فأخذها فأعطاه، وقال: يا عقيل أعطيك خيرا منها.
أبو مسهر: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، قال: كنا نأتي الزهري بالراهب وهي محلة قبلي دمشق، فيقدم لنا كذا وكذا لونا.
سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد قال: كان الزهري يحدث ثم يقول: هاتوا من أشعاركم وأحاديثكم، فإن الاذن مجاجة وإن للنفس حمضة.
معمر، عن الزهري، قال: إذا طال المجلس، كان للشيطان فيه نصيب.
قال محمد بن إشكاب، كان الزهري جنديا، قلت: كان في رتبة أمير.
قال إسحاق المسيبي المقرئ، عن نافع بن أبي نعيم أنه عرض القرآن على الزهري.
قلت: وكان الزهري يوصف بالعبادة، فروى معن بن عيسى، حدثني المنكدر بن محمد، قال: رأيت بين عيني الزهري أثر السجود.
قال الليث بن
سعد: كان للزهري قبة معصفرة، وعليه ملحفة معصفرة.
الوليد بن مسلم: حدثني القاسم بن هزان، سمع الزهري يقول: لا يرضي الناس قول عالم لا يعمل، ولا عمل عامل لا يعلم.
القاسم: ثقة.
وعن أبي الزناد قال: كان الزهري يقدح أبدا عند هشام في الوليد بن يزيد ويعيبه، ويذكر أمورا عظيمة حتى يذكر الصبيان، وأنهم يخضبون بالحناء، ويقول لهشام: ما يحل لك إلا خلعه، فكان هشام لا يستطيع ذلك للعقد الذي عقد له، ولا يكره ما صنع الزهري رجاء أن يؤلب عليه الناس، فكنت يوما عنده في ناحية الفسطاط، أسمع ذم الزهري للوليد، فجاء الحاجب، فقال: هذا الوليد بالباب، قال: أدخله، فأوسع له هشام على فراشه، وأنا أعرف في وجه الوليد الغضب والشر، فلما استخلف الوليد بعث إلي وإلى ابن المنكدر، وابن القاسم، وربيعة، قال: فأرسل إلي ليلة مخليا وقدم العشاء، وقال: حديث حدث يا ابن ذكوان،

(5/341)


أرأيت يوم دخلت على الاحول وأنت عنده، والزهري يقدح في، أفتحفظ من كلامه شيئا ؟ قلت: يا أمير المؤمنين، أذكر يوم دخلت والغضب في وجهك أعرفه، قال: كان الخادم الذي رأيت على رأس هشام ينقل ذلك كله إلي، وأنا على الباب قبل أن أدخل إليكم، وأخبرني أنك لم تنطق بشئ، قلت: نعم، قال: قد كنت عاهدت الله، لئن أمكنني الله القدرة بمثل هذا اليوم أن أقتل الزهري.
رواها الواقدي، عن أبي الزناد، عن أبيه.
وقال الواقدي: حدثنا ابن أخي الزهري، قال: كان عمي قد اتعد هو وابن هشام بن عبدالملك، وكان الوليد يتلهف لو قبض عليه.
الوليد بن مسلم: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، أنبأنا الزهري، قال لهشام: اقض ديني، قال: وكم هو ؟ قال: ثمانية عشر ألف دينار، قال: إني أخاف إن
قضيتها عنك أن تعود، فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين " فقضاها عنه.
قال: فما مات الزهري حتى استدان مثلها.
فبيعت شغب (1)، فقضي دينه.
العدني: حدثنا سفيان، قال: رأيت مالك بن أنس، وعبيدالله بن عمر، أتيا الزهري بمكة، فكلماه يعرضان عليه، فقال الزهري: إني أريد المدينة وطريقي عليكما، تأتيان إن شاء الله.
قال: وكان عبيدالله هو المتكلم ومالك معه ساكت، ولم يسمعا عليه بمكة شيئا.
قال معمر: أتيت الزهري بالرصافة فجالسته.
الليث، عن معاوية بن صالح، أن أبا جبلة حدثه قال: كنت مع ابن شهاب في سفر، فصام يوم عاشوراء، فقيل له: لم تصوم وانت تفطر في رمضان في السفر ؟ قال: إن رمضان له عدة من أيام أخر، وإن عاشوراء يفوت.
__________
(1) قال ياقوت: شغب: ضيعة خلف وادي القرى [ * ]

(5/342)


أبو مسهر: حدثنا يحيى بن حمزة، قال الزهري: ثلاث إذا كن في القاضي، فليس بقاض: إذا كره الملام، وأحب المحامد، وكره العزل.
يحيى بن أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب، عن ابن شهاب قال: لا تناظر بكتاب الله، ولا بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال عبدالرحمن بن القاسم، عن مالك قال: قدم ابن شهاب المدينة، فأخذ بيد ربيعة، ودخلا إلى بيت الديوان، فما خرجا إلى العصر.
فقال ابن شهاب: ما ظننت أن بالمدينة مثلك، وخرج ربيعة وهو يقول: ما ظننت أن أحدا بلغ من العلم ما بلغ ابن شهاب.
ابن أبي رواد، عن ابن شهاب قال: العمائم تيجان العرب، والحبوة
حيطان العرب، والاضطجاع في المسجد رباط المؤمنين.
يونس، عن ابن شهاب قال: الايمان بالقدر نظام التوحيد، فمن وحد ولم يؤمن بالقدر، كان ذلك ناقضا توحيده.
سعيد بن أبي مريم: حدثنا يحيى بن أيوب ونافع بن يزيد قالا: حدثنا عقيل، عن ابن شهاب قال: من سنة الصلاة أن تقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم فاتحة الكتاب، ثم تقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم تقرأ سورة، فكان ابن شهاب يقرأ أحيانا سورة مع الفاتحة، يفتتح كل سورة منها ببسم الله الرحمن الرحيم، وكان يقول: أول من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم سرا بالمدينة: عمرو بن سعيد بن العاص، وكان رجلا حييا.
ابن أبي يونس: سمعت مالكا يقول: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذونه.
لقد أدركت في المسجد سبعين ممن يقول: قال فلان، قال رسول الله، وإن أحدهم لو ائتمن على بيت مال، لكان به أمينا.
فما أخذت منهم شيئا، لانهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن، ويقدم علينا الزهري وهو شاب فتزدحم (فنزدحم) على بابه.

(5/343)


قلت: كان مالكا انخدع بخضاب الزهري فظنه شابا.
رواها أبو إسماعيل الترمذي، عن إسماعيل.
محمد بن عباد المكي: حدثنا سفيان، سمعت الزهري يقول: كنت أحسب أني قد أصبت من العلم، حتى جالست عبيدالله بن عبد الله بن عتبة، فكأنما كنت في شعب من الشعاب.
إسحاق بن محمد الفروي: سمعت مالكا يقول: دخلت أنا وموسى بن عقبة، ومشيخة على ابن شهاب، فسأله إنسان عن حديث، فقال: تركتم العلم،
حتى إذا صرتم كالشنان (1) قد توهت، طلبتموه، والله لاجئتم بخيرا أبدا.
فضحكنا.
يونس عن ابن شهاب: جالست ابن المسيب حتى ما كنت أسمع منه إلا الرجوع، يعني: المعاد، وجالست عبيدالله فما رأيت أغرب منه، ووجدت عروة بحرا لا تكدره الدلاء.
أبو ضمرة: حدثنا عبيدالله بن عمر، رأيت ابن شهاب يؤتي بالكتاب ما يقرأه ولا يقرأ عليه، فنقول: نأخذ هذا عنك ؟ فيقول: نعم.
فيأخذونه وما قرأه ولا يرونه.
عبدالرحمن بن إسحاق، عن الزهري قال: ما استعدت حديثا قط، وما شككت في حديث إلا حديثا واحدا.
فسألت صاحبي فإذا هو كما حفظت.
قال معمر: قد روى الزهري عن الموالي: سليمان بن يسار، وطاووس، والاعرج ونافع مولى ابن عمر، ونافع مولى أبي قتادة، وحبيب مولى عروة، وكثير مولى أفلح.
وقلت له: إنهم يقولون: إنك لا تروي عن الموالي.
قال: قد رويت عنهم، ولكن إذا وجدت عن أبناء المهاجرين والانصار، فما حاجتي إلى غيرهم.
وسمعته يقول: يا أهل العراق، يخرج الحديث من عندنا شبرا، ويصير عندكم ذراعا..عطاء بن مسلم الخفاف، عن عبد الله بن عمر، عن الزهري قال: حدثت علي ابن الحسين بحديث، فلما فرغت منه، قال: أحسنت، بارك الله فيك، هكذا
__________
(1) هي القرب المهترئة البالية، والكلام على التشبيه.
[ * ]

(5/344)


حدثناه، قلت: أراني حدثتك بحديث أنت أعلم به مني، قال: لا تقل ذاك، فليس من العلم ما لايعرف، إنما العلم ما عرف، وتواطأت عليه الالسن.
ابن وهب قال: قال مالك: لقد هلك سعيد بن المسيب، ولم يترك كتابا، ولا القاسم بن محمد، ولا عروة، ولا ابن شهاب، قلت لابن شهاب وأنا أريد أن أخصمه: ما كنت تكتب ؟ قال: [ قلت ]: ولا تسأل أن يعاد عليك الحديث ؟
قال: لا.
قال معمر: كان الزهري إذا ذكر علي بن الحسين، قال: لم أر في أهل بيته أفضل منه.
أيوب بن سويد: حدثنا يونس، قال الزهري: إياك وغلول الكتب، قلت: وما غلولها ؟ قال: حبسها.
الاوزاعي، عن سليمان بن حبيب، عن عمر بن عبد العزيز قال: ما أتاك به الزهري عن غيره، فشد يدك به، وما أتاك به عن رأيه، فانبذه.
قال ابن المديني: دار علم الثقات على ستة، فكان بالحجاز الزهري، وعمرو بن دينار، وبالبصرة قتادة، ويحيى بن أبي كثير، وبالكوفة أبو إسحاق والاعمش.
داود بن المحبر، عن مقاتل بن سليمان، عن الزهري قال: كان ابن عباس يقول: خمس يورثن النسيان: أكل التفاح، والبول في الماء الراكد، والحجامة في القفا، وإلقاء القملة في التراب، وسؤر الفأرة (1).
قال محمد بن يحيى الذهلي: أبو حميد مولى مسافع، عن أبي هريرة، روى عنه الزهري حديث " لتنتقن كما ينتقى التمر " (2).
__________
(1) خبر موضوع، داود بن المحبر البكراوي متروك، وأكثر أحاديث كتاب العقل الذي صنفه موضوعات، وشيخه مقاتل بن سليمان الخراساني البلخي كذبوه وهجروه.
(2) أخرجه ابن ماجه (4038) في الفتن: باب شدة الزمان، من طريق يونس بن يزيد الايلي، = [ * ]

(5/345)


وحديث " إياكم ومحقرات الاعمال " (1) رواهما يونس بن يزيد عنه.
أحمد بن عبد العزيز الرملي، حدثنا الوليد بن مسلم، عن الاوزاعي، سمعت الزهري لما حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " لا يزني الزاني حين يزني وهو
مؤمن " (2) قلت له: فما هو ؟ قال: من الله القول، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم، أمروا حديث رسول الله كما جاء بلا كيف.
محمد بن ميمون المكي: حدثنا ابن عيينة، قال: أتيت الزهري، وهو عند سارية عند باب الصفا، فجلست بين يديه، فقال: يا بني قرأت القرآن ؟ قلت: بلى.
قال: تعلمت الفرائض ؟ قلت: بلى.
قال: كتبت الحديث ؟ قلت: بلى.
يعني عن أبي إسحاق الهمداني.
قال: أبو إسحاق إسناد.
ضمرة بن ربيعة، عن رجاء بن أبي سلمة، عن أبي رزين، سمعت الزهري يقول: أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من منسوخه.
وعن إسماعيل المكي: سمعت الزهري يقول: من سره أن يحفظ
__________
= عن الزهري، عن أبي حميد مولى مسافع، عن أبي هريرة بلفظ " لتنتقون كما ينتقى التمر من أغفاله، فليذهبن خياركم، وليبقين شراركم.." وسنده ضعيف لضعف يونس في روايته عن الزهري، وجهالة أبي حميد مولى مسافع.
(1) وأخرجه ابن ماجه (4243)، وأحمد 6 / 71 و 151، من طريق عامر بن عبد الله بن الزبير، عن عوف بن الحارث، عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عائشة إياك ومحقرات الاعمال، فإن لها من الله طالبا " وصححه ابن حبان (2497) والبوصيري في " الزوائد " وفي الباب عن سهل بن سعد عند أحمد 5 / 331 بلفظ " إياكم ومحقرات الذنوب كقوم نزلوا في بطن واد، فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود، حتى أنضجوا خبزتهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه " وإسناده صحيح وذكره الهيثمي في " المجمع " 10 / 190، وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، ورواه الطبراني في الثلاثة من طريقين، ورجال أحدهما رجال الصحيح غير عبد الوهاب بن الحكم وهو ثقة، وفي الباب أيضا عن ابن مسعود عند أحمد 1 / 402، والطبراني، وسنده حسن.
(2) متفق عليه من حديث أبي هريرة.
[ * ]

(5/346)


الحديث فليأكل الزبيب، قال الحاكم: لان زبيب الحجاز حار حلو رقيق فيه يبس مقطع للبلغم.
أيوب بن سويد، عن يونس، عن الزهري، قال لي القاسم: أراك تحرص على الطلب، أفلا أدلك على وعائه ؟ قلت: بلى.
قال: عليك بعمرة بنت عبد الرحمن، فإنها كانت في حجر عائشة، فأتيتها، فوجدتها بحرا لا ينزف.
قال الشافعي: قال ابن عيينة: حدث الزهري يوما بحديث، فقلت: هاته بلا إسناد، قال: أترقى، السطح بلا سلم ؟.
عن الوليد بن عبيدالله العجلي، عن الزهري قال: الحافظ لا يولد إلا في كل أربعين سنة مرة.
يونس بن محمد: حدثنا أبو أويس، سألت الزهري عن التقديم والتأخير في الحديث، فقال: إن هذا يجوز في القرآن (1)، فكيف به في الحديث ؟ إذا أصيب معنى الحديث، ولم يحل به حراما، ولم يحرم به حلالا، فلا بأس، وذلك إذا أصيب معناه.
أخبرنا أحمد بن إسحاق الزاهد، أنبأنا محمد بن هبة الله بن عبد العزيز المراتبي ببغداد، أنبأنا عمي محمد بن عبد العزيز الدينوري سنة تسع وثلاثين وخمس مئة، أنبأنا عاصم بن الحسن، أنبأنا عبد الواحد بن محمد، حدثنا الحسين ابن إسماعيل المحاملي، حدثنا أحمد بن إسماعيل، حدثنا مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عمرة بنت عبدالرحمن، عن عائشة، أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الانسان (2).
__________
(1) التقديم والتأخير في القرآن بالنسبة للالفاظ لا يجوز ولو لم يتغير المعنى، لان القرآن لفظه ومعناه من عند الله، فلا يسوغ فيه إلا الاتباع.
(2) أخرجه مالك 1 / 312 في الاعتكاف: باب ذكر الاعتكاف، والبخاري 4 / 236 في = [ * ]

(5/347)


أخبرنا أبو المعالي الابرقوهي، أنبأنا الفتح بن عبد السلام، أنبأنا هبة الله بن الحسين، أنبأنا أحمد بن محمد بن النقور، حدثنا عيسى بن علي، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد، حدثنا منصور بن أبي مزاحم، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن الزهري، أن النبي صلى الله عليه وسلم " رأى في يد رجل خاتما من ذهب، فضرب إصبعه حتى ألقاه، ورأى على أم سلمة قرطي ذهب، فأعرض عنها، حتى رمت بهما " هكذا أرسله منصور (1).
وبالاسناد إلى أبي القاسم هو البغوي، حدثنا بشر بن الوليد، حدثنا إبراهيم ابن سعد، عن الزهري، عن أنس، أنه أبصر على النبي صلى الله عليه وسلم خاتم ورق يوما واحدا، فصنع الناس خواتيمهم من ورق فلبسوها، فطرح النبي صلى الله عليه وسلم خاتمه، وطرحوا خواتيمهم، ورأى في يد رجل، خاتما فضرب إصبعه حتى رمى به (2).
أخبرنا محمد بن عبد السلام التميمي، وأحمد بن هبة الله بن تاج الامناء
__________
= الاعتكاف: باب لا يدخل البيت إلا لحاجة، وباب الحائض ترجل المعتكف، وباب غسل المعتكف وباب المعتكف يدخل رأسه البيت للغسل، وفي اللباس: باب ترجيل الحائض زوجها، ومسلم (297) في الحيض: باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه.
(1) وأورده موصولا النسائي في " سننه " 8 / 171 عن الزهري عن عطاء بن يزيد، عن أبي ثعلبة الخشني دون قوله: ورأى على أم سلمة قرطي..وقال: خالفه يونس رواه عن الزهري عن أبي إدريس مرسلا أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو إدريس الخولاني أن رجلا ممن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم لبس خاتما من ذهب..ولبس الذهب للمرأة مباح بالاجماع لايعرف له مخالف.
(2) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري 10 / 269، ومسلم (2093) من طريق ابن شهاب، عن أنس، قال الحافظ: هكذا روى الحديث الزهري، عن أنس، واتفق الشيخان على تخريجه من طريقه، ونسب فيه إلى الغلط لان المعروف أن الخاتم الذي طرحه النبي صلى الله عليه وسلم بسبب اتخاذ الناس مثله إنما هو خاتم الذهب كما صرح به في حديث ابن عمر، وقال النووي تبعا لعياض، قال جميع أهل الحديث: هذا وهم من ابن شهاب، لان المطروح ما كان إلا خاتم الذهب.
[ * ]

(5/348)


قراءة، عن عبدالمعز بن محمد، أنبأنا أبو الفضل محمد بن إسماعيل، أنبأنا محلم ابن إسماعيل، أنبأنا الخليل بن أحمد السجزي، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا قتيبة، حدثنا المفضل، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم: " كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة، جمع كفيه، ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما * (قل هو الله أحد) * و * (قل أعوذ برب الفلق) * و * (قل أعوذ برب الناس) * ثم مسح بهما ما استطاع من جسده، بدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات ".
أخرجه البخاري (1) عن قتيبة بن سعيد مثله.
وقد وقع لنا جملة صالحة من عالي حديث الزهري وقد طالت هذه الترجمة وبقيت أشياء، والله الموفق.
قال محمد بن سعد: أخبرني الحسين بن المتوكل العسقلاني، قال: رأيت قبر الزهري بأدما وهي خلف شغب وبدا (2)، وهي أول عمل فلسطين، وآخر عمل الحجاز، وبها ضيعة للزهري، رأيت قبره مسنما مجصصا.
قال يحيى القطان: توفي الزهري سنة أربع أو ثلاث وعشرين ومئة، تابعه أبو عبيد، ويحيى بن معين.
وقال عدة: مات سنة أربع.
قال معن بن عيسى: حدثنا ابن أخي الزهري،
__________
(1) 9 / 56 في فضائل القرآن: باب فضل المعوذات، وأخرجه الترمذي في " الشمائل " (254)
من طريق قتيبة أيضا.
(2) في معجم البلدان: شغب: ضيعة خلف وادي القرى كانت للزهري وبها قبره ينسب إليها.
زكريا بن عيسى الشغبي مولى الزهري روى نسخة عن الزهري، عن نافع وقال في بدا: واد قرب أيلة من ساحل البحر، وقيل: بوادي القرى، وقيل: بوادي عذرة قرب الشام، قال كثير: وأنت التي حببت شغبا إلى بدا * إلي وأوطاني بلاد سواهما حللت بهذا حلة ثم حلة * بهذا فطاب الواديان كلاهما

(5/349)


أن عمه مات سنة أربع، وكذا قال إبراهيم بن سعد، وابن عيينة، زاد الواقدي: وهو ابن اثنتين وسبعين سنة.
وقال ابن سعد وخليفة والزبير: مات لسبع عشرة خلت من رمضان سنة أربع وعشرين.
وشذ أبو مسهر، فقال: مات سنة خمس.

161 - يحيى البكاء * (ت، ق).
شيخ بصري، محدث فيه لين من موالي الازد، وهو يحيى بن مسلم، وقيل يحيى بن سليمان، وقيل ابن سليم، وهو يحيى بن أبي خليد.
حدث عن ابن عمر، وسعيد بن المسيب، وأبي العالية وغيرهم، وهو قليل الرواية.
حدث عنه حماد بن سلمة، وعبد الوارث، وحماد بن زيد، وقدامة بن شهاب، وعبد العزيز بن عبد الله النرمقي (1)، وعلي بن عاصم وآخرون.
قال ابن سعد: ثقة إن شاء الله.
وقال أبو زرعة: ليس بقوي.
كان يحيى القطان لا يرضاه، وقال عباس، عن يحيى: يروي وكيع عن شيخ له ضعيف، يقال له: يحيى بن مسلم كوفي.
قلت: هكذا ساق ابن عدي في ترجمة البكاء فوهم، لان البكاء مات سنة
ثلاثين ومئة.
__________
* تاريخ خليفة: 395، التاريخ الكبير 8 / 281، الجرح والتعديل 9 / 186، تهذيب الكمال: 1517، تذهيب التهذيب 4 / 165 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 182، تهذيب التهذيب 11 / 278، خلاصة تذهيب الكمال: 428.
(1) بفتح النون وسكون الراء وفتح الميم، وينسب إلى نرمق: قرية من قرى الري وهو منكر الحديث كما في " التقريب ".
[ * ]

(5/350)


وقال النسائي: متروك الحديث بصري، وروى أحمد بن زهير، عن يحيى: ليس بذاك.
حماد بن زيد، عن يحيى البكاء قال: سمعت رجلا قال لابن عمر: إني لاحبك، قال: وأنا أبغضك في الله، قال: لم ؟ قال: لانك تبغي في أذانك، وتأخذ عليه أجرا.

162 - هشام بن عبدالملك * ابن مروان الخليفة، أبو الوليد القرشي الاموي الدمشقي.
ولد بعد السبعين، واستخلف بعهد معقود له من أخيه يزيد، ثم من بعده لولد يزيد، وهو الوليد.
وكانت داره عند باب الخواصين، واليوم بعضها هي المدرسة والتربة النورية (1).
استخلف في شعبان سنة خمس ومئة إلى أن مات في ربيع الآخر، وله أربع وخمسون سنة.
وأمه فاطمة بنت الامير هشام بن إسماعيل بن هشام أخي خالد ابني الوليد بن المغيرة المخزومي.
وكان جميلا أبيض مسمنا أحول، خضب بالسواد.
قال مصعب الزبيري: زعموا أن عبدالملك رأى انه بال في المحراب أربع
__________
* تاريخ اليعقوبي 3 / 57، تاريخ الطبري 7 / 200، وما بعدها، مروج الذهب 2 / 142، 145 الكامل لابن الاثير 5 / 261، 264، تاريخ الاسلام 5 / 170، 172، دول الاسلام 1 / 85، مرآة الجنان 1 / 261، 263، فوات الوفيات 4 / 238، 239، خلاصة الذهب المسبوك: 26، البداية 9 / 351، 354، النجوم الزاهرة 1 / 296، تاريخ الخلفاء: 269، تاريخ الخميس 2 / 318، شذرات الذهب 1 / 163.
(1) جاء في " منادمة الاطلال " (212) في التعريف بالمدرسة النورية: موضعها كان يسمى بالخواصين، وهي معروفة الآن مشهورة في غرب سوق الخياطين، قال النعيمي: كان موضعها قديما دارا لمعاوية بن أبي سفيان، وفي " الكواكب الدرية " أنها صارت بعد لسليمان بن عبدالملك، ولم تزل تنتقل من يد إلى يد إلى أن بنى بعضها الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين محمود بن زنكي المدرسة المعروفة الآن بالنورية، بناها لاصحاب الامام أبي حنيفة، ثم نقل والده إليها، فدفنه في قبر معروف به بعد أن كان مدفنه في القلعة.
[ * ]

(5/351)


مرات، فدس من سأل ابن المسيب عنها، فقال: يملك من ولده لصلبه أربعة، فكان هشام آخرهم، وكان حريصا جماعا للمال، عاقلا حازما سائسا، فيه ظلم مع عدل.
روى أبو عمير بن النحاس، عن أبيه قال: كان لا يدخل بيت المال لهشام شئ، حتى يشهد أربعون قسامة لقد أخذ من حقه، ولقد أعطي الناس حقوقهم.
قال الاصمعي: أسمع رجل هشام بن عبدالملك كلاما، فقال له: مالك أن تسمع خليفتك.
وغضب مرة على رجل، فقال: والله لقد هممت أن أضربك سوطا.
ابن سعد، عن الواقدي: حدثني سحبل بن محمد، قال: ما رأيت أحدا من الخلفاء، أكره إليه الدماء، ولا أشد عليه من هشام، ولقد دخله من مقتل زيد بن
علي وابنه يحيى أمر شديد، حتى قال: وددت لو كنت افتديتهما.
وقال الواقدي: حدثني ابن أبي الزناد، عن أبيه قال: ما كان أحد أكره إليه الدماء من هشام، ولقد ثقل عليه خروج زيد، فما كان شئ حتى أتي برأسه.
قال الواقدي: فلما ظهر بنو العباس، نبش هشاما عبد الله بن علي وصلبه.
قال العيشي: قال هشام: ما بقي علي شئ من لذات الدنيا إلا وقد نلته إلا شيئا واحدا، أخ أرفع مؤنة التحفظ منه.
ويقال: إنه ما حفظ له من الشعر سوى هذا.
إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى * إلى بعض ما فيه عليك مقال حرملة: حدثنا الشافعي، قال: لما بنى هشام الرصافة (1) بقنسرين
__________
(1) موقع الرصافة في غربي الرقة بينهما أربعة فراسخ على طرف البرية، بناها هشام لما وقع الطاعون بالشام وكان يسكنها في الصيف، وإياها عنى الفرزدق بقوله: [ * ]

(5/352)


أحب أن يخلو يوما لا يأتيه فيه غم، فما تنصف النهار حتى أتته ريشة بدم من بعض الثغور.
فقال: ولا يوم واحد ؟ ! قال ابن عيينة: كان هشام لا يكتب إليه بكتاب فيه ذكر الموت.
قال الهيثم بن عمران: مات هشام بورم الحلق: داء يقال له: الحرذون بالرصافة، وتسلم الخلافة الوليد بن يزيد ولي العهد.
وقيل: كان هشام مغرى بالخيل، اقتنى من جيادها ما لا يوصف كثرة.
وله من الاولاد: معاوية، وخلف ومسلمة، ومحمد، وسليمان، وسعيد وعبد الله، ويزيد الافقم، ومروان، وإبراهيم، ومنذر، وعبد الملك، والوليد، وقريش، وعبد الرحمن، وبنات.
نقله وكيع القاضي.

163 - محمد بن المنكدر * (ع)
ابن عبد الله بن الهدير بن عبدالعزى بن عامر بن الحارث بن حارثة بن سعد ابن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي، الامام الحافظ القدوة، شيخ الاسلام أبو عبد الله القرشي التيمي المدني.
ويقال: أبو بكر أخو أبي بكر وعمر.
ولد سنة بضع وثلاثين، وحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن سلمان، وأبي رافع، وأسماء بنت عميس، وأبي قتادة وطائفة مرسلا.
وعن عائشة، وأبي هريرة، وعن ابن عمر، وجابر، وابن عباس، وابن الزبير، وأميمة بنت رقيقة،
__________
= إلام تلفتين وأنت تحتي * وخير الناس كلهم أمامي متى تردي الرصافة تستريحي * من الانساع والجلب الدوامي * طبقات خليفة: 268، التاريخ الكبير 1 / 219، التاريخ الصغير 1 / 287 و 2 / 32، المعارف: 461، الجرح والتعديل 8 / 97، حلية الاولياء 3 / 146، 165، تهذيب الكمال: 1275، تذهيب التهذيب تاريخ الاسلام 5 / 155، تذكرة الحفاظ 1 / 127، تهذيب التهذيب 9 / 473، طبقات الحفاظ: 51، خلاصة تذهيب الكمال: 360، شذرات الذهب 1 / 177، 178.
[ * ]

(5/353)


وربيعة بن عباد، وأنس بن مالك، وأبي أمامة بن سهل، ومسعود بن الحكم، وعبد الله بن حنين، وحمران، وذكوان أبي صالح، وسعيد بن المسيب، وعروة، وعبد الرحمن بن يربوع، وأبيه المنكدر، وخلق.
وعنه عمرو بن دينار، والزهري، وهشام بن عروة، وأبو حازم الاعرج، وموسى بن عقبة، ومحمد بن واسع، ويحيى بن سعيد الانصاري، ومحمد بن سوقة، وعبيدالله بن عمر، وابن جريج، ومعمر، ومالك، وجعفر الصادق، وشعبة، والسفيانان، وروح بن القاسم، وشعيب بن أبي حمزة، والاوزاعي، وعبد العزيز بن الماجشون، وعمرو بن الحارث، وأبو حنيفة، وابن أبي ذئب، والمنكدر ابنه، وورقاء بن عمر، وأبو عوانة، والوليد بن أبي ثور، ويوسف بن
يعقوب بن الماجشون، وابنه الآخر يوسف بن محمد، ويوسف بن إسحاق السبيعي وخلق كثير.
قال علي: له نحو مئتي حديث، وروى ابن راهويه، عن سفيان قال: كان من معادن الصدق، ويجتمع إليه الصالحون، ولم يدرك أحدا أجدر أن يقبل الناس منه إذا قال: قال رسول الله منه.
وقال الحميدي: هو حافظ، وقال ابن معين وأبو حاتم: ثقة.
وقال الترمذي: سألت محمدا يعني: البخاري، سمع من عائشة ؟ فقال: نعم.
يقول في حديثه: سمعت عائشة.
قلت: إن ثبت الاسناد إلى ابن المنكدر بهذا فجيد، وذلك ممكن، لانه قرابتها، وخصيص بها، ولحقها وهو ابن نيف وعشرين سنة.
وقال أبو حاتم البستي: كان من سادات القراء، لا يتمالك البكاء إذا قرأ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يصفر لحيته ورأسه بالحناء.
وقال أبو القاسم اللالكائي: كان المنكدر خال عائشة، فشك إليها الحاجة،

(5/354)


فقالت: إن لي شيئا يأتيني، أبعث به إليك فجاءتها عشرة آلاف، فبعثت بها إليه، فاشترى جارية، فولدت له محمدا، وأبا بكر، وعمر.
وقال مالك: كان ابن المنكدر سيد القراء.
وقال أحمد بن إبراهيم الدورقي: حدثنا يحيى بن الفضل الانيسي، سمعت بعض من يذكر عن محمد بن المنكدر، أنه بينا هو ذات ليلة قائم يصلي إذ استبكى، فكثر بكاؤه حتى فزع له أهله، وسألوه، فاستعجم عليهم، وتمادى في البكاء، فأرسلوا إلى أبي حازم فجاء إليه، فقال: ما الذي أبكاك ؟ قال: مرت بي آية، قال: وما هي ؟ قال: * (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) * فبكى أبو حازم
معه، فاشتد بكاؤهما.
وروى عفيف بن سالم، عن عكرمة بن إبراهيم، عن ابن المنكدر، أنه جزع عند الموت، فقيل له: لم تجزع ؟ قال: أخشى آية من كتاب الله * (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) * فأنا أخشى أن يبدو لي من الله ما لم أكن أحتسب.
قال ابن عيينة: كان لمحمد بن المنكدر جار مبتلى، فكان يرفع صوته بالبلاء، وكان محمد يرفع صوته بالحمد.
قال عبد العزيز الاويسي: حدثنا مالك قال: كان محمد بن المنكدر لا يكاد أحد يسأله عن حديث إلا كان يبكي.
وعن ابن المنكدر قال: كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت.
أبو خالد الاحمر، عن محمد بن سوقة، عن ابن المنكدر قال: إن الله يحفظ العبد المؤمن في ولده وولد ولده، ويحفظه في دويرته ودويرات حوله، فما يزالون في حفظ أو في عافية ما كان بين ظهرانيهم.
وسمعت ابن المنكدر يقول: نعم العون على تقوى الله الغنى.

(5/355)


وقال أبو معشر السندي: بعث ابن المنكدر إلى صفوان بن سليم بأربعين دينارا، ثم قال لبنيه: يا بني ما ظنكم بمن فرغ صفوان بن سليم لعبادة ربه.
أبو معاوية، عن عثمان بن واقد قال: قيل لابن المنكدر: أي الدنيا أحب إليك ؟ قال: الافضال على الاخوان.
قال أبو معشر: كان سيدا يطعم الطعام، ويجتمع عنده القراء.
وروى جعفر بن سليمان، عن محمد بن المنكدر، أنه كان يضع خده على الارض، ثم يقول لامه: قومي ضعي قدمك على خدي.
قرأت على إسحاق الاسدي، أخبركم يوسف الحافظ، أنبأنا أبو المكارم التيمي، أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا الحسن بن محمد بن كيسان، حدثنا إسماعيل القاضي، حدثنا نصر بن علي، حدثنا الاصمعي، حدثنا أبو مودود، عن محمد بن المنكدر، قال: جئت إلى المسجد، فإذا شيخ يدعو عند المنبر بالمطر، فجاء المطر، وجاء بصوت، فقال: يا رب ليس هكذا أريد.
فتبعته حتى دخل دار آل حرام، أو دار آل عثمان، فعرضت عليه شيئا فأبى، فقلت: أتحج معي ؟ فقال: هذا شئ لك فيه أجر، فأكره أن أنفس عليك، وأما شئ آخذه، فلا.
وبه إلى أبي نعيم، حدثنا أبو محمد بن حيان، حدثنا أبو العباس الهروي، حدثنا يونس بن عبدالاعلى، حدثنا ابن وهب، حدثنا ابن زيد، قال: قال ابن المنكدر: إني لليلة مواجه هذا المنبر في جوف الليل أدعو، إذا إنسان عند أسطوانة مقنع رأسه، فأسمعه يقول: أي رب إن القحط قد اشتد على عبادك، وإني مقسم عليك يا رب إلا سقيتهم، قال: فما كان إلا ساعة إذا سحابة قد أقبلت، ثم أرسلها الله، وكان عزيزا على ابن المنكدر أن يخفى عليه أحد من أهل الخير، فقال: هذا بالمدينة ولا أعرفه ! فلما سلم الامام، تقنع وانصرف، وأتبعه، ولم يجلس للقاص حتى أتى دار أنس، فدخل موضعا، ففتح ودخل.
قال: ورجعت، فلما سبحت،

(5/356)


أتيته، فقلت: أدخل ؟ قال: ادخل، فإذا هو ينجر أقداحا، فقلت: كيف أصبحت ؟ أصلحك الله، قال: فاستشهرها وأعظمها مني، فلما رأيت ذلك، قلت: إني سمعت إقسامك البارحة على الله، يا أخي هل لك في نفقة تغنيك عن هذا، وتفرغك لما تريد من الآخرة ؟ قال: لا ولكن غير ذلك، لا تذكرني لاحد، ولا تذكر هذا لاحد حتى أموت، ولا تأتني يا ابن المنكدر، فإنك إن تأتني شهرتني للناس، فقلت: إني أحب أن ألقاك، قال: القني في المسجد، قال: وكان فارسيا، فما ذكر
ذلك ابن المنكدر لاحد حتى مات الرجل.
قال ابن وهب: بلغني أنه انتقل من تلك الدار، فلم ير، ولم يدر أين ذهب.
فقال أهل تلك الدار: الله بيننا وبين ابن المنكدر، أخرج عنا الرجل الصالح (1).
قال محمد بن الفيض الغساني: حدثنا عبد الله بن يزيد الدمشقي، حدثنا صدقة بن عبد الله، قال: جئت محمد بن المنكدر، وأنا مغضب، فقلت له: أحللت للوليد أم سلمة ؟ قال: أنا ! ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حدثني جابر أنه صلى الله عليه وسلم قال: " لا طلاق لما لا تملك، ولا عتق لما لا تملك " (2) ورواه أحمد بن خليد الكندي عن عبد الله بن يزيد.
وقد كان الوليدبن يزيد استقدم محمد بن المنكدر في عدة من الفقهاء أفتوه في طلاق زوجته أم سلمة.
محمد بن سعد: حدثنا أحمد بن أبي إسحاق العبدي، حدثنا حجاج بن محمد، عن أبي معشر، أن المنكدر جاء إلى أم المؤمنين عائشة، فشكى إليها
__________
(1) حلية الاولياء 3 / 151، 152 وقوله: فلما سبحت، أي: صليت الضحى.
(2) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 2 / 419 و 420 من طريق عبد الله بن يزيد الدمشقي، عن صدقة بن عبد الله، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، وأخرجه أيضا من طريق وكيع، عن ابن أبي ذئب، عن عطاء ومحمد بن المنكدر، عن جابر..ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه ": حدثنا وكيع بن وهذا سند قوي، وفي الباب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ " لا نذر لابن آدم فيما لا يملك " أخرجه أبو داود (2190) والترمذي (1181) وسنده حسن.
[ * ]

(5/357)


الحاجة، فقالت: أول شئ يأتيني أبعث به إليك.
فجاءتها عشرة آلاف درهم، فقالت: ما أسرع ما امتحنت يا عائشة، وبعثت بها إليه فاتخذ منها جارية، فولدت له محمدا وأبا بكر وعمر.
كنى أبو خيثمة، وابن سعد وجماعة محمدا: أبا عبد الله، وكناه البخاري ومسلم والنسائي: أبا بكر.
قال يعقوب الفسوي: هو غاية في الاتقان والحفظ والزهد، حجة.
وقال الحميدي: حدثنا سفيان، قال: كان ابن المنكدر يقول: كم من عين ساهرة في رزقي في ظلمات البر والبحر.
وكان إذا بكى، مسح وجهه ولحيته من دموعه، ويقول: بلغني أن النار لا تأكل موضعا مسته الدموع.
وروي أنه كان يقترض ويحج، فكلم في ذلك، فقال: أرجو وفاءها.
وقال سهل بن محمود: حدثنا سفيان، قال: تعبد ابن المنكدر وهو غلام، وكانوا أهل بيت عبادة.
قال يحيى بن بكير: محمد، وأبو بكر، وعمر (1): لا يدرى أيهم أفضل ؟ قال سعيد بن عامر: قال ابن المنكدر: إني لادخل في الليل فيهولني، فأصبح حين أصبح وما قضيت منه أربي.
وقال إبراهيم بن سعد: رأيت ابن المنكدر يصلي في مقدم المسجد، فإذا انصرف، مشى قليلا، ثم استقبل القبلة ومد يديه ودعا، ثم ينحرف عن القبلة ويشهر يديه ويدعو، يفعل ذلك حين يخرج فعل المودع.
وقال مصعب بن عبد الله: حدثني إسماعيل بن يعقوب التيمي قال: كان ابن المنكدر يجلس مع أصحابه، فكان يصيبه صمات، فكان يقوم كما هو حتى
__________
(1) هم أولاد ابن المنكدر كما تقدم.
[ * ]

(5/358)


يضع خده على قبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع.
فعوتب في ذلك، فقال: إنه يصيبني خطر، فإذ وجدت ذلك، استعنت بقبر النبي صلى الله عليه وسلم (1).
وكان يأتي موضعا من المسجد يتمرغ فيه ويضطجع، فقيل له في ذلك،
فقال: إني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع.
ويروى أنه حج، فوهب كل ما معه حتى بقي في إزار، فلما نزل بالروحاء، قال وكيله: ما بقي معنا درهم، فرفع صوته بالتلبية، فلبى أصحابه، ولبى الناس، وبالماء محمد بن هشام، فقال: إني أظن محمد بن المنكدر بالماء، فنظروا، فقالوا: نعم.
قال: ما أظن معه شيئا، احملوا إليه أربعة آلاف، فأتي محمد بها.
قال المنكدر بن محمد: كان أبي يحج بولده، فقيل له: لم تحج بهؤلاء ؟ قال: أعرضهم لله.
قال سعيد بن عامر: قال ابن المنكدر.
بات أخي عمر يصلي، وبت أغمز قدم أمي، وما أحب أن ليلتي بليلته.
وقال ابن عيينة: تبع ابن المنكدر جنازة سفيه، فعوتب، فقال: والله إني لاستحيي من الله أن أرى رحمته عجزت عن أحد.
الفسوي: حدثنا زيد بن بشر، حدثنا ابن وهب، حدثني ابن زيد، قال: خرج ناس غزاة في الصائفة، فيهم محمد بن المنكدر، فبيناهم يسيرون في الساقة، قال رجل منهم: أشتهي جبنا رطبا، قال محمد: فاستطعمه الله، فإنه قادر، فدعا القوم، فلم يسيروا إلا شيئا حتى وجدوا مكتلا، فإذا هو جبن رطب، فقال بعضهم: لو كان لهذا عسلا، فقال: الذي أطعمكموه قادر على ذلك.
فدعوا،
__________
(1) إسناد القصة ضعيف، فقد قال المصنف في " ميزان الاعتدال " في ترجمة إسماعيل بن يعقوب التيمي: ضعفه أبو حاتم وله حكاية منكرة عن مالك ساقها الخطيب.
[ * ]

(5/359)


فساروا قليلا، فوجدوا فاقرة عسل على الطريق، فنزلوا فأكلوا الجبن والعسل.
سويد بن سعيد: حدثنا خالد بن عبد الله اليمامي، قال: استودع محمد بن المنكدر وديعة فاحتاج فأنفقها.
فجاء صاحبها فطلبها، فتوضأ وصلى ودعا، فقال:
يا ساد الهواء بالسماء، ويا كابس الارض على الماء، ويا واحد قبل كل أحد وبعد كل أحد، أدعني أمانتي، فسمع قائلا يقول: خذ هذه فأد بها عن أمانتك، واقصر في الخطبة، فإنك لن تراني.
رواها ابن أبي الدنيا عن سويد وقيل: كانت مئة دينار.
قال: فإذا بصرة في نعله، فأداها إلى صاحبها (1).
قال الواقدي: فأصحابنا يتحدثون أن الذي وضعها عامر بن عبد الله بن الزبير، كان كثيرا ما يفعل مثل هذا.
وقال ابن الماجشون: إن رؤية محمد بن المنكدر لتنفعني في ديني.
قال الواقدي وابن المديني وخليفة وجماعة: مات ابن المنكدر سنة ثلاثين ومئة، وقال الفسوي: سنة إحدى وثلاثين.
قيل: بلغت أحاديث ابن المنكدر المسندة أزيد من مئتي حديث.
أخبرنا محمد بن عبد العزيز المقرئ في سنة اثنتين وتسعين وست مئة، وأحمد ابن أبي الفتح، وأحمد بن سليمان، والحسن بن علي، وإبراهيم بن غالب، ومحمد بن يوسف، وأبو المحاسن محمد بن أبي الحزم، وإبراهيم بن عبد الرحمن الفارسي، ومحمد بن أحمد العقيلي سماعا منهم في أوقات، قالوا: أنبأنا علي بن محمد السخاوي، وقرأت على علي بن محمد الحافظ، ولؤلؤ المحسني، وعلي بن أحمد القناديلي، وسليمان بن قدامة، قالوا: أنبأنا علي بن هبة الله الخطيب، وقرأت على عبد المعطي بن الباشق، وعبد المحسن بن هبة الله
__________
(1) في سويد بن سعيد كلام، وشيخه خالد بن عبد الله اليمامي لم أتبينه.
[ * ]

(5/360)


الفوي، أخبركما عبدالرحمن بن مكي، قالوا: أنبأنا أبو طاهر السلفي، أنبأنا مكي بن علان الكرجي، وأخبرتنا عائشة بنت عيسى سنة اثنتين وتسعين، أنبأنا الامام أبو محمد بن قدامة حضورا في سنة أربع عشرة وست مئة، أنبأنا أبو
زرعة المقدسي، أنبأنا محمد بن أحمد الساوي قالا: حدثنا زكريا بن يحيى بن أسد المروزي ببغداد، حدثنا سفيان بن عيينة، عن ابن المنكدر، سمع ابن الزبير، يقول: " إذا رميت الجمرة يوم النحر، فقد حل لك ما وراء النساء " (1).
أخرجاه من حديث سفيان.
وبه حدثنا سفيان، عن ابن المنكدر، أنه سمع جابرا يقول: ولد لرجل منا غلام، فسماه القاسم فقلنا: لانكنيك أبا القاسم ولا ننعم لك عينا.
فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له.
فقال " سم ابنك عبدالرحمن " وأخرجاه (2) عن جماعة، عن سفيان بن عيينة.
أخوه عمر بن المنكدر المدني العابد من كبار الصالحين.
وله ترجمة في طبقات ابن سعد قلما روى.
__________
(1) إسناده صحيح، ورواه ابن حزم في " المحلى " 7 / 119 عن سفيان بن عيينة، عن محمد ابن المنكدر، عن ابن الزبير..وأخرجه الحاكم 1 / 461 من طريق يزيد بن هارون، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن عبد الله بن الزبير بأطول مما هنا ولفظه " فإذا رمى الجمرة الكبرى، حل له كل شئ حرم عليه إلا النساء والطيب حتى يزور البيت " وقال الحاكم: هذا حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
وأخرج مالك 1 / 328، والبخاري 3 / 315 و 317، ومسلم (1189) من طريق عبدالرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: " كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت " وأخرجه أحمد 6 / 244، من طريق عمر بن عبد الله بن عروة أنه سمع عروة والقاسم يخبران عن عائشة أنها قالت: " طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي بذريرة لحجة الوداع للحل والاحرام حين أحرم، وحين رمى جمرة العقبة يوم النحر قبل أن يطوف بالبيت " وإسناده صحيح.
واستدل به على حل الطيب وغيره من محرمات الاحرام بعد رمي جمرة العقبة، ويستمر امتناع الجماع ومتعلقاته على الطواف بالبيت انظر " سنن البيهقي " 5 / 135، 137، و " المحلى " 7 / 138، 139.
وقول المصنف " أخرجاه " يريد
في " الصحيحين " ولم أقف عليه فيهما ولا في أحدهما.
(2) أخرجه البخاري 10 / 470، في الآداب: باب أحب الاسماء إلى الله عزوجل، ومسلم (2133) (7) في الآداب: باب النهي عن التكني بأبي القاسم.
[ * ]

(5/361)


164 - مالك بن دينار * (4) علم العلماء الابرار، معدود في ثقات التابعين، ومن أعيان كتبة المصاحف، كان من ذلك بلغته.
ولد في أيام ابن عباس، وسمع من أنس بن مالك، فمن بعده، وحدث عنه، وعن الاحنف بن قيس، وسعيد بن جبير، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، والقاسم بن محمد، وعدة.
حدث عنه سعيد بن أبي عروبة، وعبد الله بن شوذب، وهمام بن يحيى، وأبان بن يزيد العطار، وعبد السلام بن حرب، والحارث بن وجيه، وطائفة سواهم، وليس هو من أساطين الرواية.
وثقه النسائي وغيره، واستشهد به البخاري، وحديثه في درجة الحسن.
قال علي بن المديني: له نحو من أربعين حديثا.
قال جعفر بن سليمان: سمعت مالك بن دينار يقول: وددت أن رزقي في حصاة أمتصها لا ألتمس غيرها، حتى أموت.
وقال: مذ عرفت الناس لم أفرح بمدحهم، ولم أكره ذمهم لان حامدهم مفرط، وذامهم مفرط، إذا تعلم العالم العلم للعمل كسره، وإذا تعلمه لغير العمل، زاده فخرا.
الاصمعي عن أبيه، قال: مر المهلب على مالك بن دينار متبخترا، فقال:
__________
* طبقات ابن سعد 7 / 243، طبقات خليفة: 216، تاريخ خليفة: 395، التاريخ الكبير
7 / 309، 310، التاريخ الصغير 1 / 316، تاريخ الفسوي 2 / 96، الجرح والتعديل 8 / 208، تهذيب الاسماء 2 / 80، 81، تهذيب الكمال: 1297، تذهيب التهذيب 4 / 18 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 128، ميزان الاعتدال 3 / 426، العبر 1 / 238، تهذيب التهذيب 10 / 14، خلاصة تذهيب الكمال: 367، شذرات الذهب 1 / 173.
[ * ]

(5/362)


أما علمت أنها مشية يكرهها الله إلا بين الصفين ؟ ! فقال المهلب: أما تعرفني ؟ قال: بلى، أو لك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة.
فانكسر، وقال: الآن عرفتني حق المعرفة.
قال حزم القطعي: دخلنا على مالك وهو يكيد بنفسه، فرفع طرفه ثم قال: اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء لبطن ولا فرج.
قيل: كان أبوه دينار من سبي سجستان، وكناه النسائي أبا يحيى، وقال: ثقة.
قال جعفر بن سليمان، عن مالك بن دينار: إذا لم يكن في القلب حزن خرب، وعن مالك بن دينار قال: من تباعد من زهرة الدنيا، فذاك الغالب هواه.
وروى رياح القيسي عنه قال: ما من أعمال البر شئ، إلا ودونه عقيبة، فإن صبر صاحبها، أفضت به إلى روح، وإن جزع، رجع.
وقيل: دخل عليه لص، فما وجد ما يأخذ، فناداه مالك: لم تجد شيئا من الدنيا، فترغب في شئ من الآخرة ؟ قال: نعم.
قال: توضأ، وصل ركعتين، ففعل ثم جلس وخرج إلى المسجد.
فسئل من ذا ؟ قال: جاء ليسرق فسرقناه.
عن سلم الخواص قال: قال مالك بن دينار: خرج أهل الدنيا من الدنيا ولم يذوقوا أطيب شئ فيها، قيل: وما هو ؟ قال: معرفة الله تعالى.
وروى جعفر بن سليمان، عن مالك قال: إن الصديقين إذا قرئ عليهم
القرآن طربت قلوبهم إلى الآخرة.
ثم يقول: خذوا، فيتلو، ويقول: اسمعوا إلى قول الصادق من فوق عرشه.
قال محمد بن سعد: مالك ثقة، قليل الحديث، كان يكتب المصاحف.
وقال جعفر بن سليمان، حدثنا مالك بن دينار قال: أتينا أنسا أنا وثابت ويزيد الرقاشي، فنظر إلينا، فقال: ما أشبهكم بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لانتم أحب إلي

(5/363)


من عدة ولدي إلا أن يكونوا في الفضل مثلكم، إني لادعو لكم في الاسحار.
قال الدارقطني: مالك بن دينار ثقة، ولا يكاد يحدث عنه ثقة.
قال السري بن يحيى: قال مالك بن دينار: إنه لتأتي علي السنة لا آكل فيها لحما إلا من أضحيتي يوم الاضحى.
قال سليمان التيمي: ما أدركت أحدا أزهد من مالك بن دينار.
جعفر بن سليمان، سمعت مالكا يقول: وددت أن الله يجمع الخلائق، فيأذن لي أن أسجد بين يديه، فأعرف أنه قد رضي عني، فيقول لي: كن ترابا.
قال رياح بن عمرو القيسي: سمعت مالك بن دينار يقول: دخل علي جابر ابن زيد، وأنا أكتب، فقال: يا مالك مالك عمل إلا هذا ؟ تنقل كتاب الله، هذا والله الكسب الحلال.
وعن شعبة، قال: كان أدم مالك بن دينار في كل سنة بفلسين ملح.
قال جعفر بن سليمان: كان ينسخ المصحف في أربعة أشهر، فيدع أجرته عند البقال فيأكله.
وعنه: لو استطعت لم أنم مخافة أن ينزل العذاب.
يا أيها الناس النار النار.
قال معلى الوراق: سمعت مالك بن دينار يقول: خلطت دقيقي بالرماد
فضعفت عن الصلاة.
قال السري بن يحيى: توفي مالك بن دينار سنة سبع وعشرين ومئة.
وقال ابن المديني: سنة ثلاثين ومئة.

165 - صفوان بن سليم * (ع) الامام الثقة الحافظ الفقيه، أبو عبد الله، وقيل: أبو الحارث القرشي
__________
* طبقات خليفة: 261، تاريخ خليفة 404، التاريخ الكبير 4 / 307، 308، التاريخ الصغير 2 / 19، تاريخ الفسوي 1 / 661، الجرح والتعديل 4 / 423، حلية الاولياء 3 / 158، 166، تهذيب = [ * ]

(5/364)


الزهري المدني مولى حميد بن عبدالرحمن بن عوف.
حدث عن ابن عمر، وأنس، وأم سعد بنت عمر والجمحية، وجابر بن عبد الله وعن حميد مولاه، وعطاء بن يسار، ونافع بن جبير بن مطعم، وطاووس، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن سلمة الازرقي، وسلمان الاغر، والقاسم بن محمد، وأبي بسرة الغفاري (تابعي مجهول) وخلق سواهم.
وعنه يزيد بن أبي حبيب، وموسى بن عقبة، وابن جريج، وابن عجلان، ومالك، والليث، وعبد العزيز الدراوردي، والسفيانان، وخلق كثير آخرهم وفاة أبو ضمرة الليثي.
قال ابن سعد: كان ثقة، كثير الحديث، عابدا، وقال ابن المديني: ثقة.
وعن أحمد بن حنبل قال: من الثقات، يستشفى بحديثه، وينزل القطر من السماء بذكره.
وروى عبد الله بن أحمد، عن أبيه: ثقة من خيار عباد الله الصالحين، وقال أبو حاتم والعجلي والنسائي: ثقة.
وقال المفضل بن غسان: كان يقول بالقدر.
وقال يعقوب بن شيبة: ثبت ثقة مشهور بالعبادة، سمعت علي بن عبد الله يقول: كان صفوان بن سليم يصلي على السطح في الليلة الباردة لئلا يجيئه النوم.
إسحاق بن محمد، عن مالك بن أنس قال: كان صفوان بن سليم يصلي في الشتاء في السطح، وفي الصيف في بطن البيت، يتيقظ بالحر والبرد، حتى يصبح، ثم يقول: هذا الجهد من صفوان وأنت أعلم، وإنه لترم رجلاه حتى يعود كالسقط من قيام الليل، ويظهر فيه عروق خضر.
__________
= الكمال: 608، تذهيب التهذيب 2 / 93 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 262، العبر 1 / 176، تهذيب التهذيب 4 / 425، طبقات الحفاظ: 54، خلاصة تذهيب الكمال: 174، شذرات الذهب 1 / 189، تهذيب ابن عساكر 6 / 435، 436.
[ * ]

(5/365)


وروى محمد بن يزيد الآدمي، عن أنس بن عياض قال: رأيت صفوان بن سليم ولو قيل له: غذا القيامة، ما كان عنده مزيد على ما هو عليه من العبادة.
وقال يعقوب بن محمد الزهري، عن عبد العزيز بن أبي حازم قال: عادلني صفوان بن سليم إلى مكة، فما وضع جنبه في المحمل حتى رجع.
قال ابن عيينة: حج صفوان، فذهبت بمنى فسألت عنه، فقيل لي: إذا دخلت مسجد الخيف فأت المنارة، فانظر أمامها قليلا شيخا، إذا رأيته علمت أنه يخشى الله تعالى، فهو صفوان بن سليم، فما سألت عنه أحدا حتى جئت كما قالوا، فإذا أنا بشيخ كما رأيته علمت أنه يخشى الله، فجلست إليه، فقلت: أنت صفوان بن سليم ؟ قال: نعم.
قال: وحج صفوان بن سليم وليس معه إلا سبعة دنانير فاشترى بها بدنة.
فقيل له في ذلك، فقال: إني سمعت الله يقول: * (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير) * [ الحج: 36 ].
محمد بن يعلى الثقفي، عن المنكدر بن محمد قال: كنا مع صفوان بن
سليم في جنازة وفيها أبي وأبو حازم، وذكر نفرا من العباد، فلما صلي عليها، قال صفوان: أما هذا، فقد انقطعت عنه أعماله، واحتاج إلى دعاء من خلف بعده، قال: فأبكى والله القوم جميعا.
يعقوب بن محمد الزهري، عن أبي زهرة مولى بني أمية، سمعت صفوان بن سليم يقول: في الموت راحة للمؤمن من شدائد الدنيا، وإن كان ذا غصص وكرب، ثم ذرفت عيناه.
قدامة بن محمد الخشرمي، عن محمد بن صالح التمار قال: كان صفوان ابن سليم يأتي البقيع في الايام فيمر بي، فاتبعته ذات يوم، وقلت: لانظرن ما

(5/366)


يصنع، فقنع رأسه، وجلس إلى قبر منها، فلم يزل يبكي حتى رحمته، وظننت أنه قبر بعض أهله، ومر بي مرة أخرى، فاتبعته، فقعد إلى جنب قبر غيره، ففعل مثل ذلك.
فذكرت ذلك لمحمد بن المنكدر، وقلت: إنما ظننت أنه قبر بعض أهله، فقال محمد: كلهم أهله وإخوته، إنما هو رجل يحرك قلبه بذكر الاموات كلما عرضت له قسوة.
قال: ثم جعل محمد يمر بي، فيأتي البقيع، فسلمت عليه ذات يوم، فقال: أما نفعك موعظة صفوان ؟ فظننت أنه انتفع بما ألقيت إليه منها.
قال أبو غسان النهدي: سمعت سفيان بن عيينة وأعانه على الحديث أخوه، قال: حلف صفوان ألا يضع جنبه بالارض حتى يلقى الله.
فمكث على ذلك أكثر من ثلاثين عاما، فلما حضرته الوفاة، واشتد به النزع والعلز (1) وهو جالس، فقالت ابنته: يا أبة لو وضعت جنبك، فقال: يا بنية إذا ما وفيت لله بالنذر والحلف، فمات، وإنه لجالس.
قال سفيان: فأخبرني الحفار الذي يحفر قبور أهل المدينة، قال:
حفرت قبر رجل، فإذا أنا قد وقعت على قبر فوافيت جمجمة، فإذا السجود قد أثر في عظام الجمجمة، فقلت لانسان: قبر من هذا ؟ فقال: أو ما تدري ؟ هذا قبر صفوان بن سليم.
وروى سهل بن عاصم، عن محمد بن منصور قال: قال صفوان بن سليم: أعطي الله عهدا أن لا أضع جنبي على فراش حتى ألحق بربي، فبلغني أن صفوان عاش بعد ذلك أربعين سنة لم يضع جنبه، فلما نزل به الموت، قيل له: رحمك الله ألا تضطجع ؟ قال: ما وفيت لله بالعهد إذا، فأسند فما زال كذلك حتى خرجت نفسه.
قال: ويقول أهل المدينة: إنه بقيت جبهته من كثرة السجود.
__________
(1) العلز: القلق والكرب عند الموت، وشبه رعدة تأخذ المريض أو الحريص على الشئ كأنه لا يستقر في مكانه من الوجع.
[ * ]

(5/367)


وقال ابن أبي حازم: دخلت مع أبي على صفوان وهو في مصلاه، فما زال به أبي حتى رده إلى فراشه، فأخبرته مولاته قالت: ساعة خرجتم مات.
وروى كثير بن يحيى، عن أبيه قال: قدم سليمان بن عبدالملك المدينة، عمر بن عبد العزيز عامل عليها، قال: فصلى بالناس بالظهر، ثم فتح باب المقصورة، واستند إلى المحراب، واستقبل الناس بوجهه، فنظر إلى صفوان بن سليم، فقال لعمر: من هذا ؟ ما رأيت أحسن سمتا منه.
قال: صفوان، قال: يا غلام كيس فيه خمس مئة دينار فأتاه به، فقال لخادمه: اذهب بها إلى ذلك القائم، فأتى حتى جلس إلى صفوان وهو يصلي، ثم سلم، فأقبل عليه، فقال: ما حاجتك ؟ قال: يقول أمير المؤمنين: استعن بهذه على زمانك وعيالك، فقال صفوان: لست الذي أرسلت إليه، قال: ألست صفوان بن سليم ؟ قال: بلى.
قال: فإليك أرسلت، قال: اذهب فاستثبت، فولى الغلام، وأخذ صفوان نعليه وخرج، فلم يربها حتى خرج
سليمان من المدينة.
قال الواقدي وابن سعد وخليفة وابن نمير وعدة: مات صفوان سنة اثنتين وثلاثين ومئة.
قال أبو حسان الزيادي: عاش اثنتين وسبعين سنة.
وعن ابن عيينة قال: آلى صفوان أن لا يضع جنبه إلى الارض حتى يلقى الله تعالى.
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن عساكر بسفح قاسيون، أنبأنا المؤيد ابن محمد الطوسي إجازة، أنبأنا هبة الله بن سهل، أنبأنا أبو عثمان سعيد بن محمد البحيري، أنبأنا أبو علي زاهر بن أحمد الفقيه، أنبأنا إبراهيم بن عبد الصمد، حدثنا أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري، أنبأنا مالك، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(5/368)


" غسل الجمعة واجب على كل محتلم " (1).
أخرجه مسلم وأبو داود، عن أصحاب مالك، ورواه النسائي (2)، عن هارون بن عبد الله الحمال، عن الحسن بن سوار، عن الليث بن سعد، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن أبي بكر بن المنكدر، عن عمرو بن سليم الزرقي، عن أبي عبدالرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه رضي الله عنه.
فاعتبار العدد كأن شيخنا رواه بالاجازة، عن النسائي.
والله المنة.

166 - زيد بن جبير الطائي * (ع) الكوفي من ثقات التابعين.
حديثه عن ابن عمر في الصحاح، وروى عن خشف بن مالك، وأبي يزيد الضبي.
حدث عنه حجاج بن أرطاة، وشعبة، والثوري، وإسرائيل، وزهير، وأبو
عوانة وآخرون.
__________
(1) أخرجه مالك 1 / 102 في الجمعة: باب العمل في غسل يوم الجمعة والبخاري 1 / 212 في الجمعة: باب فضل الغسل يوم الجمعة، وباب الطيب للجمعة، وباب: هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم، وفي الشهادات: باب بلوغ الصبيان وشهادتهم، وفي صفة الصلاة: باب وضوء الصبيان، وأخرجه مسلم (846) في الجمعة: باب وجوب الجمعة على كل بالغ من الرجال، وأبو داود (341)، والنسائي (3 / 93)، وقد ذهب إلى وجوب غسل الجمعة غير واحد، يروى ذلك عن أبي هريرة وهو قول الحسن، وبه قال مالك، وذهب الاكثرون إلى أنه سنة وليس بواجب، لحديث سمرة بن جندب مرفوعا " من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل " وهو حديث جيد قوي أخرجه أحمد 5 / 11 و 16 و 22، وأبو داود (354) والترمذي (497) وله شواهد تقويه انظرها في " نصب الراية " 1 / 91 و 93.
(2) هذا السند لم يرد في المجتبى الذي بين أيدينا - وهو تأليف ابن السني - فلعله في الكبرى.
* طبقات ابن سعد 6 / 329، التاريخ الكبير 3 / 390، الجرح والتعديل 3 / 558، تهذيب الكمال: 453، تذهيب التهذيب 1 / 249 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 74، تهذيب التهذيب 3 / 400، خلاصة تذهيب الكمال: 127.
[ * ]

(5/369)


وثقه يحيى بن معين.
وقال أحمد بن حنبل: صالح الحديث، وقال النسائي وغيره: ليس به بأس.
قلت: مجموع ماله سبعة أحاديث.
وقدوهم العجلي إذ يقول: ليس بتابعي.

167 - الماجشون * الامام المحدث أبو يوسف يعقوب بن دينار، أو ابن ميمون، وهو ابن أبي سلمة المدني مولى آل المنكدر التيمي.
سمع ابن عمر، وعمر بن عبد العزيز، والاعرج، وعنه ابناه يوسف، وعبد
العزيز وابن أخيه الامام عبد العزيز بن عبد الله.
قال ابن سعد: هو وبنوه يلقبون بالماجشون، وهو بالفارسية المورد.
قال مصعب بن عبد الله: كان يعلم الغناء، ويتخذ القيان ظاهر أمره (1) وكان يجالس عروة، ويجالس عمر بن عبد العزيز بالمدينة، ثم وفد عليه، فقال: إنا تركناك حين تركنا لبس الخز.
وقد توفي أبو يوسف، ووضع على المغتسل ثم أفاق وعاش.
وله في ذلك حكاية في " تاريخ دمشق " ثم توفي سنة نيف وعشرين ومئة.
وله في الكتب الستة.
وقلما روى.
ولم يضعف.

168 - الوليد بن يزيد * * ابن عبدالملك بن مروان بن الحكم الخليفة أبو العباس الدمشقي الاموي.
__________
* التاريخ الكبير 8 / 381، 382، الجرح والتعديل 9 / 207، وفيات الاعيان 6 / 376، 378، تهذيب الكمال: 1550، تذهيب التهذيب 4 / 186 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 19، تهذيب التهذيب 11 / 388، خلاصة تذهيب الكمال: 436.
(1) النص في " تاريخ الاسلام ": وكان يعلم الغناء، ويتخذ القيان، وأمره في ذلك ظاهر مع صدقه في الرواية.
* * اليعقوبي 3 / 71، الطبري 7 / 209 وما بعدها، مروج الذهب 2 / 145، الاغاني 7 / 951، ابن الاثير 5 / 264، تاريخ الاسلام 5 / 173، 179، البداية 10 / 2، 5، ابن خلدون 3 / 106، الوزراء والكتاب: 68، تاريخ الخميس 2 / 320، خزانة الادب 1 / 328.
(*)

(5/370)


ولد سنة تسعين، وقيل: سنة اثنتين وتسعين، ووقت موت أبيه كان للوليد نيف عشرة سنة، فعقد له أبوه بالعهد من بعد هشام بن عبدالملك، فلما مات هشام، سلمت إليه الخلافة.
قال أحمد بن حنبل في " مسنده: " حدثنا أبو المغيرة، حدثنا ابن عياش،
حدثني الاوزاعي وغيره، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عمر قال: ولد لاخي أم سلمة ولد، فسموه الوليد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " سميتموه بأسماء فراعنتكم، ليكونن في هذه الامة رجل يقال له الوليد، لهو أشد لهذه الامة من فرعون لقومه " (1).
رواه الوليد، والهقل وجماعة، عن الاوزاعي، فأرسلوه وما ذكروا عمر، وفي لفظ " لهو أضر على أمتي " وجاء باسناد ضعيف " سيكون في الامة فرعون، يقال له: الوليد ".
قال مروان بن أبي حفصة: قال لي الرشيد: صف لي الوليد، قلت: كان من أجمل الناس، وأشعرهم، وأشدهم.
قال الليث: حج الوليد وهو ولي عهد سنة ست عشرة.
وللوليد من البنين عثمان والحكم المذبوحين في الحبس ويزيد والعباس، وعدة بنات.
الواقدي: حدثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه: كان الزهري يقدح أبدا عند هشام في الوليد، ويذكر أمورا عظيمة، حتى يذكر الصبيان، وأنه يخضبهم، ويقول: يجب خلعه، فلا يقدر هشام، ولو بقي الزهري لفتك به الوليد (2).
__________
(1) هو في " المسند 1 / 18، وإسناده ضعيف لانقطاعه وسوء حفظ أبي بكر بن عياش، وقد حكم عليه الحافظ العراقي بالوضع، وأطال الحافظ ابن حجر في الرد عليه لاثبات أن له أصلا في " القول المسدد " (ص 5 و 6 و 11 و 16) فراجعه.
(2) الخبر تالف من أجل الواقدي، فإنه متروك.
[ * ]

(5/371)


قال الضحاك بن عثمان الحزامي: أراد هشام خلع الوليد، فقال الوليد: كفرت يدا من منعم لو شكرتها * جزاك بها الرحمن ذو الفضل والمن رأيتك تبني جاهدا في قطيعتي * ولو كنت ذا حزم لهدمت ما تبني
أراك على الباقين تجني ضغينة * فيا ويحهم إن مت من شر ما تجني كأني بهم يوما وأكثر قيلهم * ألا ليت أنا حين يا ليت لا تغني قال حماد الرواية: كنت عند الوليد بن يزيد، فقال منجمان له: نظرنا فوجدناك تملك سبع سنين، فقلت: كذبا، نحن أعلم بالآثار، بل تملك أربعين سنة، فأطرق ثم قال: لا ما قالا يكسرني، ولا ما قلت يغرني، والله لاجبين المال من حله جباية من يعيش الابد، ولاصرفنه في حقه صرف من يموت الغد.
وعن العتبي: أن الوليد رأى نصرانية اسمها سفري، فجن بها، وراسلها فأبت.
قال المعافى: جمعت من أخبار الوليد وشعره الذي ضمنه ما فجر به من خرقه وسخفه وحمقه، وما صرح به من الالحاد في القرآن والكفر بالله.
أحمد بن زهير: حدثنا سليمان بن أبي شيخ، حدثنا صالح بن سليمان، قال: أراد الوليد بن يزيد الحج، وقال: أشرب فوق الكعبة، فهم قوم بقتله، فحذره خالد القسري، فقال: ممن ؟ فامتنع أن يعرفه، قال: لابعثن بك إلى يوسف بن عمر قال: وإن، فبعث به إليه فعذبه، وأهلكه.
مصعب الزبيري، عن أبيه قال: كنت عند المهدي، فذكر الوليد بن يزيد، فقال رجل: كان زنديقا، قال: مه، خلافة الله أجل من أن يجعلها في زنديق.
الوليد بن هشام القحذمي، عن أبيه قال: لما أحاطوا بالوليد، نشر

(5/372)


المصحف، وقال: أقتل كما قتل ابن عمي عثمان.
وقال عبد الله بن واقد الجرمي: قال: لما اجتمعوا على قتل الوليد، قلدوا أمرهم يزيد بن الوليد، فشاور أخاه العباس، فنهاه، فخرج يزيد في أربعين نفسا
ليلا، فكسروا باب المقصورة، وربطوا واليها، وحمل يزيد الاموال على العجل، وعقد راية لابن عمه عبد العزيز، وأنفق الاموال في ألفي رجل، فتحارب هم وأعوان الوليد، ثم انحاز أعوان الوليد إلى يزيد، ثم نزل يزيد حصن البخراء، فقصده عبد العزيز، ونهب أثقاله، فانكسر أولا عبد العزيز، ثم ظهر ونادى مناد: اقتلوا عدو الله قتلة قوم لوط، ارموه بالحجارة، فدخل القصر، فأحاطوا به، وتدلوا إليه فقتلوه، وقالوا: إنما ننقم عليك انتهاك ما حرم الله، وشرب الخمر، ونكاح أمهات أولاد أبيك.
ونفد إلى يزيد بالرأس وكان قد جعل لمن أتاه به مئة ألف.
وقيل: سبقت كفه رأسه بليلة، فنصب رأسه على رمح بعد الجمعة، فنظر إليه أخوه سليمان، فقال: بعدا له.
كان شروبا للخمر ماجنا، لقد راودني على نفسي (1).
قيل: عاش ستا وثلاثين سنة، وكان مصرعه في جمادى الآخرة سنة ست وعشرين ومئة.
فتملك سنة وثلاثة أشهر، وأمه هي بنت محمد بن يوسف الثقفي أمير اليمن أخي الحجاج ونقل عنه المسعودي مصائب، فالله أعلم.

169 - الفأفاء * (م، 4) الامام الفقيه أبو سلمة خالد بن سلمة بن العاص بن هشام بن المغيرة القرشي المخزومي الكوفي الفأفاء.
__________
(1) قال المؤلف رحمه الله في " تاريخه " 5 / 176، 179: قلت: مقت الناس الوليد لفسقه، وتأثموا من السكوت عنه وخرجوا عليه، ولم يصح عنه كفر ولا زندقة، نعم اشتهر بالخمر والتلوط.
* طبقات ابن سعد 6 / 347، التاريخ الكبير 3 / 154، الجرح والتعديل 3 / 334، تهذيب الكمال: 359، تذهيب التهذيب 3 / 95، تاريخ الاسلام 5 / 239، ميزان الاعتدال 1 / 631، تهذيب التهذيب 3 / 95، خلاصة تذهيب الكمال 101، شذرات الذهب 1 / 189.
[ * ]

(5/373)


حدث عن سعيد بن المسيب، وأبي بردة، والشعبي، وموسى بن طلحة،
وعروة بن الزبير.
وعنه ابنه عبد الله، وشعبة، والثوري، وزائدة، وهشيم وآخرون.
هرب إلى واسط من بني العباس، فقتل بها مع الامير ابن هبيرة.
وقد روى عنه عمرو بن دينار مع تقدمه، وثقه أحمد وابن معين، وكان مرجئا ينال من علي رضي الله عنه.
قتل في أواخر سنة اثنتين وثلاثين ومئة، وهو من عجائب الزمان كوفي ناصبي، ويندر أن تجد كوفيا إلا وهو يتشيع.
وكان الناس في الصدر الاول بعد وقعة صفين على أقسام: أهل سنة، وهم أولو العلم، وهم محبون للصحابة كافون عن الخوض فيما شجر بينهم، كسعد وابن عمر ومحمد بن مسلمة وأمم، ثم شيعة يتوالون وينالون ممن حاربوا عليا ويقولون: إنهم مسلمون بغاة ظلمة، ثم نواصب: وهم الذين حاربوا عليا يوم صفين، ويقرون بإسلام علي وسابقيه، ويقولون: خذل الخليفة عثمان.
فما علمت في ذلك الزمان شيعيا كفر معاوية وحزبه، ولا ناصبيا كفر عليا وحزبه، بل دخلوا في سب وبغض، ثم صار اليوم شيعة زماننا يكفرون الصحابة، ويبرؤون منهم جهلا وعدوانا، ويتعدون إلى الصديق، قاتلهم الله.
وأما نواصب وقتنا فقليل، وما علمت فيهم من يكفر عليا ولا صحابيا.

170 - يزيد بن الوليد * ابن عبدالملك بن مروان الخليفة أبو خالد القرشي الاموي الدمشقي
__________
* تاريخ خليفة: 368، تاريخ اليعقوبي 3 / 74، الطبري حوادث سنة 126، ابن الاثير حوادث سنة 126، البداية 10 / 11، ابن خلدون 3 / 106، النجوم الزاهرة 1 / 126، تاريخ الخميس 2 / 321، 322.
[ * ]

(5/374)


الملقب بالناقص، لكونه نقص عطاء الاجناد.
توثب على ابن عمه الوليد بن يزيد، وتم له الامر كما مر، واستولى على دار الخلافة في سنة ست وعشرين، ولكنه ما متع ولا بلع ريقه.
ذكر سليمان بن أبي شيخ، أن قتيبة بن مسلم الامير غزا بما وراء النهر، فظفر بابنتي فيروز بن الملك يزدجرد، فبعث بهما إلى الحجاج، فبعث منهما بشاهفرند إلى الوليد، فولدت له يزيد، وجدة فيروز هي بنت خاقان ملك الترك، وأمهما هي ابنة قيصر عظيم الروم، فكان يفتخر، ويقول: أنا ابن كسرى وأبي فمروان * وقيصر جدي وجدي خاقان قال خليفة بن خياط: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أبيه أن يزيد بن الوليد، خطب عند قتل الوليد، فقال: اني والله ما خرجت أشرا ولا بطرا، ولا حرصا على الدنيا، ولا رغبة في الملك، وإني لظلوم لنفسي إن لم يرحمني ربي، ولكن خرجت غضبا لله ولدينه، وداعيا إلى كتاب الله وسنة نبيه، حين درست معالم الهدى، وطفئ نور أهل التقوى، وظهر الجبار المستحل للحرمة، والراكب البدعة، فأشفقت إذ غشيكم ظلمه أن لا يقلع عنكم من ذنوبكم، وأشفقت أن يدعو أناسا إلى ما هو عليه، فاستخرت الله، ودعوت من أجابني، فأراح الله منه البلاد والعباد.
أيها الناس إن لكم عندي إن وليت أن لا أضع لبنة على لبنة، ولا أنقل مالا من بلد إلى بلد حتى أسد الثغور، فإن فضل شئ رددته إلى البلد الذي يليه، حتى تستقيم المعيشة وتكون فيه سواء، فإن أردتم بيعتي على الذي بذلت لكم، فأنا لكم، وإن ملت، فلا بيعة لي عليكم، وإن رأيتم أقوى مني عليها، فأردتم بيعته، فأنا أول من يبايع، ويدخل في طاعته، وأستغفر الله لي ولكم.
قال عثمان بن أبي العاتكة: أول من خرج بالسلاح في العيد يزيد بن الوليد،

(5/375)


خرج بين صفين من الخيل في السلاح من باب الحصن إلى المصلى.
وعن أبي عثمان الليثي، أن يزيد الناقص، قال: يا بني أمية إياكم والغناء، فإنه ينقص الحياء، ويزيد في الشهوة، ويهدم المروءة، وينوب عن الخمر، فإن كنتم لابد فاعلين، فجنبوه النساء، فإن الغناء داعية الزنى.
محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: سمعت الشافعي يقول: لما ولي يزيد بن الوليد، دعا الناس إلى القدر، وحملهم عليه، وقرب غيلان القدري أو قال: أصحاب غيلان.
قلت: كان غيلان قد صلبه هشام قبل [ هذا الوقت ] بمدة.
مات يزيد الناقص في سابع ذي الحجة سنة ست وعشرين ومئة، فكانت دولته ستة أشهر، ومات.
وكان شابا أسمر نحيفا، حسن الوجه، وقيل: مات بالطاعون، وبويع من بعده أخوه إبراهيم بن الوليد، ودفن بباب الصغير، سامحه الله.
وقال ابن الفوطي في " معجم الالقاب ": إن لقبه: الشاكر لله، ولد سنة ثمانين، وتوفي يوم الاضحى بالطاعون بدمشق.
وآخر ما تكلم به: واحسرتاه واأسفاه.
ودفن بباب الفراديس، وكان مربوعا أسمر، خفيف العارضين، فصيحا شديد العجب.
يقال: نبشه مروان الحمار وصلبه.
وهو عند المعتزلة أفضل من عمر ابن عبد العزيز للمذهب.
وليزيد من الاولاد خالد، والوليد، وعبد الله، وعبد الرحمن، وأصبغ، وأبو بكر، وعبد المؤمن، وعلي.

171 - إبراهيم بن الوليد * ابن عبدالملك الخليفة أبو إسحاق القرشي الاموي.
__________
* تاريخ اليعقوبي 3 / 75، الطبري 299، 300، ابن الاثير 5 / 308، 311، 321، تاريخ
الاسلام 5 / 41، 42، 224، البداية 10 / 21، 22.
[ * ]

(5/376)


بويع بدمشق عند موت أخيه يزيد، وكان أبيض جميلا وسيما طويلا إلى السمن.
قال معمر: رأيت رجلا من بني أمية، يقال له: إبراهيم بن الوليد، جاء إلى الزهري بكتاب عرضه عليه، ثم قال: أحدث به عنك ؟ قال: إي لعمري فمن يحدثكموه غيري.
قال برد بن سنان: حضرت يزيد بن الوليد لما احتضر، فأتاه قطن، فقال: أنا رسول من وراءك، يسألونك بحق الله لما وليت الامر أخاك إبراهيم، فغضب، وقال بيده على جبهته: أنا أولي إبراهيم ! ثم قال لي: يا أبا العلاء: إلى من ترى أن أعهد ؟ قلت: أمر نهيتك عن الدخول فيه، فلا أشير عليك في آخره.
قال: وأغمي عليه حتى حسبته قد قضى، فقعد قطن، فافتعل كتابا على لسان يزيد بالعهد، ودعا ناسا، فاستشهدهم عليه، ولا والله ما عهد يزيد شيئا.
قال أبو معشر: مكث إبراهيم بن الوليد سبعين ليلة، ثم خلع، ووليها مروان الحمار.
قلت: وعاش إلى سنة اثنتين وثلاثين ومئة مسجونا، وكان ذا شجاعة، وأمه بربرية ولم يستقم له أمر، فكان جماعة يسلمون عليه بالخلافة وطائفة بالامرة، وامتنع جماعة من بيعته.
وقيل: يبايع إبراهيم في كل جمعة * ألا إن أمرا أنت واليه ضائع قال أحمد بن زهير، عن رجاله: أقبل مروان في ثمانين ألفا، فجهز إبراهيم لحربه سليمان بن هشام في مئة ألف، فالتقوا، فانهزم سليمان إلى دمشق، فقتلوا عثمان والحكم ولدي الوليد، وأقبلت خيل مروان، فاختفى إبراهيم.
ونهب بيت
المال، ونبش يزيد الناقص، وصلب على باب الجابية، وتمكن مروان، فأمن إبراهيم، وسليمان بن هشام.
ولابراهيم أربعة أولاد، ثم قتل إبراهيم يوم وقعة الزاب.
سامحه الله.

(5/377)


172 - خالد بن أبي عمران * (م، د، ت، س) التجيبي مولى عمرو بن حارثة الامام القدوة، قاضي افريقية أبو عمر، وقيل.
أبو محمد التونسي.
حدث عن عروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، وحنش الصنعاني، والقاسم ابن محمد، ووهب بن منبه، وسالم بن عبد الله، وعدة.
روى عنه سعيد بن يزيد، ويحيى بن سعيد الانصاري، وهو من أقرانه، وطلحة بن أبي سعيد، وعبيدالله بن زحر، والليث، وحيوة بن شريح، وعبد الله بن لهيعة وآخرون.
وكان فقيه أهل المغرب، ثقة ثبتا صالحا ربانيا، يقال: كان مجاب الدعوة.
قال روين بن خالد الصدفي: خرجت الصفرية بإفريقية يوم القرن، فبرز خالد بن أبي عمران للقتال، فبرز إليه رئيس القوم فلان الزناتي، فقتله خالد.
وعن عبدالملك بن أبي كريمة قال: صحبت خالد بن أبي عمران، ومشيت خلفه فالتفت إلي، وقال لي: يا بني إن للصحبة أمانة، وإن لها خيانة، وإني أذكر الله تعالى فاذكره.
وعن حيوة بن شريح قال: دعا خالد بن أبي عمران وأمنا، ثم قرأ سجدة، وسجد بنا، فقال: اللهم إن كنت استجبت لنا، فأرنا علامة، فرفع رجل رأسه فإذا بنور ساطع فقيل: إن الرجل حيوة.
توفي خالد سنة خمس وعشرين، وقيل: سنة سبع وعشرين ومئة.
__________
طبقات ابن سعد 7 / 521، طبقات خليفة 295، التاريخ الكبير 3 / 163، الجرح والتعديل 3 / 345، تهذيب الكمال 365، تذهيب التهذيب 1 / 191 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 66، تهذيب التهذيب 3 / 110، خلاصة تذهيب الكمال 102، شذرات الذهب 1 / 176.
[ * ]

(5/378)


173 - إبراهيم إلامام * هو السيد أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن علي بن حبر الامة عبد الله بن العباس الهاشمي كان بالحميمة من البلقاء.
عهد إليه أبوه بالامر.
وعلم به مروان الحمار، فقتله.
روى عن جده، وعن عبد الله بن محمد بن الحنفية.
وعنه مالك بن الهيثم، وأخواه السفاح، والمنصور، وأبو مسلم.
قال ابن سعد: توفي في السجن سنة إحدى وثلاثين ومئة عن ثمان وأربعين سنة، وكانت شيعتهم يختلفون إليه ويكاتبونه من خراسان، فاخذه لذلك مروان.
قال الخطبي: أوصى محمد بن علي إلى ابنه إبراهيم، فسمي بالامام بعد أبيه.
وانتشرت دعوته بخراسان، ووجه إليها بأبي مسلم واليا على دعاته، فظهر هناك، فكان يدعو إلى طاعة الامام من غير تصريح باسمه إلى أن ظهر أمره، ووقف مروان على أمره، فأخذ إبراهيم وقتله.
قال صالح بن سليمان: كان أبو مسلم: يكاتبه، فقدم رسوله، فرآه عربيا فصيحا فغمه ذلك.
فكتب إلى أبي مسلم ألم أنهك عن أن يكون رسولك عربيا، يطلع على أمرك، فإذا أتاك فاقتله، فأحس الرسول، ثم قرأ الكتاب، فذهب به إلى مروان، فأخذ إبراهيم، فغمه بحران في مرفقة.
ويقال: إن إبراهيم حضر الموسم في حشمه، فشهر نفسه، فكان سببا لاخذه، ويقال: أتته عجوز هاشمية تسترفده، فوصلها بمال جزيل، واعتذر.
ويذكر أن أبا مسلم صبغ خرقا سودا وشدها في رمح، وكانوا يسمعون
__________
* التاريخ الكبير 1 / 317، الطبري 7 / 435، 437، الجرح والتعديل 2 / 124، ابن الاثير 5 / 422، 423، تهذيب الكمال 64، تذهيب التهذيب 1 / 42 / 1، البداية 10 / 39، 40، تهذيب التهذيب 1 / 157.
[ * ]

(5/379)


بحديث رايات سود من قبل المشرق، فتاقت أنفسهم إلى ذلك، وتبعه عبيد، فقال: من يتبعني فهو حر، ثم خرج بهم، فوقعوا بعامل في تلك الكورة فقتلوه، ثم كثروا ولما قتل إبراهيم، قال: الامر بعدي لابن الحارثية يعني: السفاح.

174 - أبو الزبير (م، 4، خ تبعا) محمد بن مسلم بن تدرس الامام الحافظ الصدوق، أبو الزبير القرشي الاسدي المكي مولى حكيم بن حزام.
روى عن جابر بن عبد الله، وابن عباس، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو، وأبي الطفيل، وابن الزبير، وحديثه عن عائشة أظنه منقطعا.
وروى عن طاووس، وسعيد بن جبير، وعطاء، وأبي صالح ذكوان، وسفيان بن عبدالرحمن الثقفي، وعبيد بن عمير، والاعرج، وعكرمة، ونافع بن جبير وعدة.
وعنه عطاء بن أبي رباح شيخه، والزهري، وليث بن أبي سليم، وأيوب، وإسماعيل بن أمية، وأجلح بن عبد الله، وخصيف، وسلمة بن كهيل، والاعمش، وعبيدالله بن عمر، وعمار الدهني، وهشام بن عروة، وموسى بن عقبة، وهشام الدستوائي، وقرة بن خالد، وحجاج بن أبي عثمان، وأشعث بن سوار، وزيد بن أبي أنيسة، وشعبة، والسفيانان، والليث، ومالك،
وابن لهيعة، وأبو عوانة، وعبد الله بن المؤمل المخزومي، وابن عجلان،
__________
* طبقات ابن سعد 5 / 481، طبقات خليفة 281، التاريخ الكبير 1 / 221، تاريخ الفسوي 2 / 22، الجرح والتعديل 8 / 74، تهذيب الكمال 1266، تاريخ الاسلام 5 / 152، ميزان الاعتدال 4 / 37، تذكرة الحفاظ 1 / 126، العبر 1 / 168، العقد الثمين 2 / 354، 355، تهذيب التهذيب 9 / 440، طبقات الحفاظ 50 - 51، خلاصة تذهيب الكمال 358، شذرات الذهب 1 / 175.
[ * ]

(5/380)


وابن جريج، وهشام بن سعد، ويزيد بن إبراهيم، وهشيم، ومعقل بن عبيد الله، وخلق كثير.
روى ابن عيينة، عن أبي الزبير قال: كان عطاء يقدمني إلى جابر أحفظ لهم الحديث.
وعن يعلى بن عطاء قال: حدثني أبو الزبير، وكان أكمل الناس عقلا وأحفظهم.
وأما أيوب السختياني، فكان إذا روى عنه، قال: حدثنا أبو الزبير، وأبو الزبير أبو الزبير.
قال أحمد بن حنبل: يضعفه بذلك.
وقال يحيى بن معين، والنسائي، وجماعة: ثقة.
وأما أبو زرعة وأبو حاتم، والبخاري، فقالوا: لا يحتج به.
وقد أخرج البخاري في " صحيحه " لابي الزبير مقرونا بغيره.
قال أبو أحمد بن عدي: هو في نفسه ثقة، إلا أن يروي عنه بعض الضعفاء، فيكون ذلك من جهة الضعيف.
قلت: هذا القول يصدق على مثل الزهري وقتادة، وقد عيب أبو الزبير بأمور لا توجب ضعفه المطلق، منها التدليس.
وقد روى محمد بن جعفر المدائني، عن ورقاء، قلت لشعبة: لم تركت
حديث أبي الزبير ؟ قال: رأيته يزن ويسترجح في الميزان.
وروى أبو داود، عن شعبة، قال: لم يكن في الدنيا شئ أحب إلي من رجل يقدم من مكة، فأسأله عن أبي الزبير.
قال: فقدمت مكة، فسمعت من أبي الزبير.
فبينا أنا عنده إذ سأله رجل عن مسألة، فرد عليه، فافترى عليه،

(5/381)


فقلت: تفتري يا أبا الزبير على رجل مسلم ؟ فقال: إنه أغضبني.
قلت: ومن يغضبك تفتري عليه ؟ لا رويت عنك أبدا.
فكان شعبة يقول: في صدري لابي الزبير أربع مئة حديث.
وأما أبو عمر الحوضي: فقال: قيل لشعبة: لم تركت أبا الزبير ؟ قال: رأيته يسئ الصلاة، فتركت الرواية عنه.
قال عمر بن عيسى بن يونس، عن أبيه: قال لي شعبة: لو رأيت أبا الزبير لرأيت شرطيا بيده خشبة.
فقلت: ما لقي منك أبو الزبير.
سعيد بن أبي مريم: حدثنا الليث، قال: قدمت مكة، فجئت أبا الزبير، فدفع إلي كتابين، وانقلبت بهما، ثم قلت في نفسي: لو عاودته فسألته أسمع هذا كله من جابر ؟ فرجعت فسألته فقال: منه ما سمعت منه، ومنه ما حدثت عنه.
فقلت له: أعلم لي على ما سمعت، فأعلم لي على هذا الذي عندي.
قال نعيم بن حماد: قال سفيان: جاء رجل إلى أبي الزبير، ومعه كتاب سليمان اليشكري، فجعل يسأل أبا الزبير فيحدث بعض الحديث، ثم يقول: انظر كيف هو في كتابك، قال: فيخبره بما في الكتاب، فيحدثه كما في الكتاب.
وقال أبو مسلم المستملي: حدثنا سفيان قال: جئت أبا الزبير أنا ورجل، وكنا إذا سألنا عن الحديث فتعايى (فتعابي) فيه، قال: انظروا في الصحيفة
كيف هو ؟ محمد بن يحيى العدني، عن ابن عيينة، قال: ما تنازع أبو الزبير وعمرو بن دينار قط عن جابر إلا زاد عليه أبو الزبير.
قال محمد بن عثمان العبسي: سألت علي بن المديني عن أبي الزبير، فقال: ثقة ثبت.

(5/382)


وقال عثمان بن سعيد: سألت يحيى: أيما أحب إليك أبو الزبير أو ابن المنكدر ؟ فقال: كلاهما ثقتان.
وقال أبو محمد بن حزم: فلا أقبل من حديثه إلا ما فيه: " سمعت جابر " وأما رواية الليث عنه فأحتج بها مطلقا، لانه ما حمل عنه إلا ما سمعه من جابر، وعمدة ابن حزم حكاية الليث، ثم هي دالة على أن الذي عنده إنما هو مناولة فالله أعلم أسمع ذلك منه أم لا.
قال ابن عون: ما أبو الزبير بدون عطاء بن أبي رباح ؟ قلت: ما توقف في الرواية عنه سوى شعبة، قد روى عنه مثل أيوب ومالك.
وقد قال عطاء: كان أبو الزبير أحفظنا.
يونس بن عبدالاعلى: سمعت الشافعي، وقد احتج عليه رجل بحديث عن أبي الزبير فضعفه، وقال: أبو الزبير يحتاج إلى دعامة.
وقال نعيم بن حماد: سمعت هشيما يقول: سمعت من أبي الزبير، فأخذه شعبة فمزقه.
سويد بن عبد العزيز: قال لي شعبة: لا تكتب عن أبي الزبير، فإنه لا يحسن يصلي، ثم ذهب هو فأخذ عنه.
أبو داود الطيالسي: سمعت شعبة يقول: الساعة يخرج، الساعه يخرج،
حدثنا أبو الزبير، عن جابر، قال: كنت في الصف الثاني يوم صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي.
المحاربي وغيره قال: حدثنا الحسن بن عمرو الفقيمي، عن أبي الزبير، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا رأيت أمتي تهاب

(5/383)


الظالم أن تقول له: إنك ظالم، فقد تودع منهم " (1).
سفيان، عن أبي الزبير قال: كان عطاء يقدمني إلى جابر أتحفظ للقوم الحديث.
الحسن بن سعيد الخولاني: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الزبير قال: رأيت العبادلة يرجعون على صدور أقدامهم في الصلاة: ابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وعبد الله بن عمرو (2).
قال يحيى: هو رأى الليث ومفضل بن فضالة.
هشيم، عن أبي الزبير، عن جابر قال: كان أحدنا يأتي الغدير وهو جنب فيغتسل في ناحية (3).
معاوية بن عمار، عن أبي الزبير، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دخل مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام " (4).
ثقة، عن أبي الزبير، عن جابر: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب والسنور " (5).
حماد بن سلمة، عن أبي الزبير، عن جابر: ذبحنا يوم خيبر الخيل.
(6).
__________
(1) إسناده ضعيف لانقطاعه، فإن أبا الزبير لم يسمع من عبد الله بن عمرو، وهو في " المسند " 2 / 163 و 190، وصححه الحاكم، ووافقه المؤلف في مختصره فأخطأ.
(2) ابن لهيعة ضعيف.
(3) فيه تدليس هشيم وأبي الزبير.
(4) أخرجه مسلم (1358) في الحج: باب جواز دخول مكة بغير إحرام وفيه تدليس أبو الزبير، لكن في الباب ما يقويه عن عمرو بن حريث عند مسلم (1359).
(5) أخرجه مسلم في " صحيحه " (1569) من طريق معقل عن أبي الزبير، قال: سألت جابرا عن ثمن الكلب والسنور ؟ قال: زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
ففيه التصريح بسماع أبي الزبير من جابر.
(6) أخرجه مسلم (1941) (37) في العيد والذبائح: باب في أكل لحوم الخيل، وفيه تصريح أبي الزبير بسماعه من جابر، فالحديث صحيح وفي الباب عن أسماء عند مسلم (1942).
[ * ]

(5/384)


أبو الزبير، عن جابر مرفوعا: لا يحل لاحد يحمل السلاح بمكة (1) وبه: رأى عليه السلام امرأة أعجبته، فأتى أهله زينب (2).
وبه: نهى عن تجصيص القبور (3).
فهذه غرائب وهي في صحيح مسلم (4).
حديث الثوري، عن أبي الزبير، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " زار البيت ليلا " أخرجه مسلم (5) وهو عندي منقطع.
وأخرج أبو داود لابي الزبير، عن أبي هريرة، حديث " فطركم يوم تفطرون " (6).
__________
(1) أخرجه مسلم (1356) في الحج: باب النهي عن حمل السلاح بمكة بلا حاجة.
(2) أخرجه مسلم (1403) في النكاح: باب ندب من رأى امرأة، فوقعت في نفسه إلى أن يأتي امرأته أو جاريته فيواقعها ولفظه " إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة، فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه " وأخرجه أبو داود (2151) والترمذي (1158) وأحمد 3 / 330، و 341 و 348 و 395، وللحديث شاهد يتقوى به أخرجه أحمد 4 / 231 من حديث أبي كبشة الانماري وسنده حسن، وآخر من حديث ابن مسعود عند الدارمي 2 / 146، فالحديث صحيح.
(3) أخرجه مسلم (970) في الجنائز: باب النهي عن تجصيص القبر وقد صرح أبو الزبير في رواية بسماعه من جابر، فانتفت شبهة تدليسه، فالحديث صحيح، وصححه الحاكم 1 / 370 ووافقه المؤلف في مختصره.
(4) وتحرير القول في أبي الزبير أنه يرد من حديثه ما يقول فيه " عن " أو " قال " ونحو ذلك سواء كان حديث في الصحيح أو غيره، لانه موصوف بالتدليس، فإذا قال: " سمعت " و " أخبرنا " احتج به، ويحتج به إذا قال " عن " مما رواه عنه الليث به سعد خاصة.
(5) هذا وهم من المؤلف رحمه الله، فإن الحديث لم يخرجه مسلم، وإنما علقه البخاري في " صحيحه " 3 / 452 في الحج: باب الزيارة يوم النحر، وقال أبو الزبير عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم: أخر النبي صلى الله عليه وسلم الزيارة إلى الليل، وقد وصله أبو داود (2000) والترمذي (920) وأحمد 6 / 207، وابن ماجه (3059) من طريق سفيان وهو - الثوري عن أبي الزبير به، قال ابن القطان الفاسي: هذا الحديث مخالف لما رواه ابن عمر وجابر وكلاهما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه طاف يوم النحر، ثم رجع فصلى الظهر بمنى.
(6) أبو داود لم يخرجه من طريق أبي الزبير عن أبي هريرة، وإنما أخرجه (2324) من طريق محمد بن المنكدر، عن أبي هريرة ورجاله ثقات لكنه منقطع، ابن المنكدر لم يسمع من أبي هريرة، لكن = [ * ]

(5/385)


أخبرني محمد بن عثمان الخشاب، أخبرنا أحمد بن محمد الفقيه، أخبرتنا عين الشمس الثقفية، أنبأنا محمد بن علي، أنبأنا أبو طاهر بن عبد الرحيم، أنبأنا أبو الشيخ، حدثنا ابن أبي حاتم، حدثنا علي بن حرب، حدثنا عتيق بن يعقوب الزبيري، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير، سمعت أبا أسيد وابن عباس يفتي الدينار بالدينارين، فأغلظ له أبو أسيد، فقال ابن عباس: ما كنت أظن أحدا يعرف قرابتي من رسول الله، يقول مثل هذا يا أبا أسيد، فقال له أبو أسيد: أشهد لسمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: " الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم، وصاع حنطة بصاع حنطة، وصاع شعير بصاع شعير، وصاع ملح بصاع ملح، لافضل بين ذلك ".
فقال ابن عباس: هذا الذي كنت أقوله برأيي، ولم أسمع فيه بشئ (1) لم يخرجوه في الكتب الستة.
قال أبو حفص الفلاس وغيره: مات أبو الزبير سنة ثمان وعشرين ومئة، ولم يذكروا له مولدا.
ولعله نيف على الثمانين.
__________
أخرجه " الترمذي " (697) من طريق إسحاق بن جعفر بن محمد، عن عبد الله بن جعفر، عن عثمان، ابن محمد الاخنسي، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والاضحى يوم تضحون " وسنده حسن كما قال الترمذي.
ومعنى الحديث كما قال الخطابي أن الخطأ موضوع عن الناس فيما كان سبيله الاجتهاد، فلو أن قوما اجتهدوا، فلم يروا الهلال إلا بعد الثلاثين، فلم يفطروا حتى استوفوا العدد، ثم ثبت عندهم أن الشهر كان تسعا وعشرين، فلا شئ عليهم ولا وزر ولا عتب.
(1) وأخرجه الحاكم 2 / 19 و 20 من طريق عتيق بن يعقوب الزبيري، عن عبد العزيز بن محمد عن إبراهيم بن طهمان..وصححه على شرط مسلم، ووافقه المؤلف في " مختصره " وذكره الهيثمي في " المجمع " 4 / 114، وقال: رواه الطبراني في " الكبير " وإسناده حسن.
[ * ]

(5/386)


175 - محمد بن عبدالرحمن * (ع) ابن عبد الله بن عبدالرحمن بن سعد بن زرارة بن عدس أمير المدينة أبو عبد الله الانصاري النجاري المدني.
وجاء مرة ابن " أسعد " بن زرارة بدل " سعد "، فأسعد جده للام.
فأما جد جده سعد، فله صحبة، وقيل: لعبد الرحمن بن سعد صحبة أيضا.
حدث محمد عن عمته عمرة الفقيهة، وعن خاله يحيى بن أسعد، وهو صحابي فيما قيل، وعن الاعرج، وابن كعب بن مالك، ومحمد بن عمرو بن حسن، وجماعة.
حدث عنه يحيى بن أبي كثير، ويحيى بن سعيد الانصاري، وهما من أقرانه، وشعبة بن الحجاج، وسفيان بن عيينة وآخرون.
وثقه ابن سعد وغيره، وولي إمرة المدينة لعمر بن عبد العزيز.
توفي في سنة أربع وعشرين ومئة.
رحمه الله.

176 - أبو حمزة القصاب * * هو عمران بن أبي عطاء الواسطي.
سمع ابن عباس، ومحمد بن الحنفية وهو قليل الحديث، صدوق.
حدث عنه سفيان، وشعبة، وأبو عوانة، وهشيم، وآخرون.
ولاؤه لبني أسد.
__________
* التاريخ الكبير 1 / 150، التاريخ الصغير 2 / 20، الجرح والتعديل 8 / 312 تهذيب الكمال 1229، تهذيب التهذيب 3 / 224 / 2، تاريخ الاسلام 6 / 123، تهذيب التهذيب 9 / 301، خلاصة تذهيب الكمال 347.
* * التاريخ الكبير 6 / 412، التاريخ الصغير 2 / 13، الجرح والتعديل 6 / 302، تهذيب الكمال 1059 تذهيب التهذيب 3 / 115 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 321، ميزان الاعتدل 3 / 239.
[ * ]

(5/387)


لينه أبو زرعة والنسائي.
له في مسلم حديث: " لا أشبع الله بطنه " (1).

177 - الكميت * ابن زيد الاسدي الكوفي، مقدم شعراء وقته، قيل: بلغ شعره خمسة آلاف بيت.
روى عن الفرزدق، وأبي جعفر الباقر.
وعنه: والبة بن الحباب، وأبان بن تغلب، وحفص القارئ.
وفد على يزيد بن عبدالملك، وعلى أخيه هشام.
قال أبو عبيدة: لو لم يكن لبني أسد منقبة غير الكميت لكفاهم، حببهم إلى الناس، وأبقى لهم ذكرا.
وقال أبو عكرمة الضبي: لولا شعر الكميت لم يكن للغة ترجمان.
وقيل: كان عم الكميت رئيس أسد، وكان الكميت شيعيا، مدح علي بن الحسين، فأعطاه من عنده ومن بني هاشم أربع مئة ألف، وقال: خذ هذه يا أبا المستهل، فقال: لو وصلتني بدانق لكان شرفا، ولكن أحسن إلي بثوب يلي جسدك أتبرك به، فنزع ثيابه كلها فدفعها إليه، ودعا له، فكان الكميت يقول: ما زلت أعرف بركة دعائه.
قال المبرد: وقف الكميت وهو صبي على الفرزدق وهو ينشد، فقال: يا
__________
(1) أخرجه مسلم (2604) في البر والصلة: باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه من طريق شعبة، عن أبي حمزة القصاب، عن ابن عباس، قال: كنت ألعب مع الصبيان، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتواريت خلف باب، قال: فجاء، فحطأني حطأة، وقال: اذهب وادع لي معاوية، قال: فجئت، فقلت: هو يأكل، قال: ثم قال لي: اذهب، فادع لي معاوية، قال: فجئت، فقلت: هو يأكل، فقال: " لاأشبع الله بطنه " وأخرجه الطيالسي في " مسنده " (2746).
* الشعر والشعراء 368، الاغاني 17 / 1، 40، الموشح 191، 192، جمهرة أنساب العرب 187، سمط اللآلي 11 تاريخ الاسلام 5 / 125.
[ * ]

(5/388)


غلام: أيسرك أني أبوك ؟ قال: أما أبي، فلا أبغي به بدلا، ولكن يسرني أن
تكون أمي، فحصر الفرزدق، وقال: ما مر بي مثلها.
قال ابن عساكر: ولد سنة ستين.
ومات سنة ست وعشرين ومئة.
وهو القائل: والحب فيه حلاوة ومرارة * سائل بذلك من تطعم أو ذق ما ذاق يؤس معيشة ونعيمها * فيما مضى أحد إذا لم يعشق
178 - زيد بن علي * (د، ت، ق) ابن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو الحسين الهاشمي العلوي المدني أخو أبي جعفر الباقر، وعبد الله، وعمر، وعلي، وحسين، وأمه أم ولد.
روى عن أبيه زين العابدين، وأخيه الباقر، وعروة بن الزبير.
وعنه ابن أخيه جعفر بن محمد، وشعبة، وفضيل بن مرزوق، والمطلب ابن زياد، وسعيد بن خثيم، وابن أبي الزناد.
وكان ذا علم وجلالة وصلاح، هفا، وخرج، فاستشهد.
وفد على متولي العراق يوسف بن عمر، فأحسن جائزته، ثم رد، فأتاه قوم من الكوفة، فقالوا: ارجع نبايعك، فما يوسف بشئ، فأصغى إليهم وعسكر، فبرز لحربه عسكر يوسف، فقتل في المعركة، ثم صلب أربع سنين.
__________
* طبقات ابن سعد 5 / 325، طبقات خليفة 258، التاريخ الكبير 3 / 403، الجرح والتعديل 3 / 568، مقاتل الطالبيين 127، وفيات الاعيان 5 / 122، و 6 / 110، تهذيب الكمال 459، تذهيب التهذيب 1 / 254 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 74، فوات الوفيات 2 / 35، 38، ابن خلدون 3 / 98، تهذيب التهذيب 3 / 420، خلاصة تذهيب الكمال 129، شذرات الذهب 1 / 158، 159، تاريخ الكوفة 327، تهذيب ابن عساكر 6 / 17، 27.
[ * ]

(5/389)


وقال الفسوي: كلم هشاما في دين، فأبى عليه، وأغلظ له.
قال عيسى بن يونس: جاءت الرافضة زيدا، فقالوا: تبرأ من أبي بكر وعمر حتى ننصرك، قال: بل أتولاهما.
قالوا: إذا نرفضك، فمن ثم قيل لهم: الرافضة.
وأما الزيدية، فقالوا بقوله، وحاربوا معه.
وذكر إسماعيل السدي عنه، قال: الرافضة حزبنا مرقوا علينا، وقيل: لما انتهره هشام وكذبه، قال: من أحب الحياة، ذل، وقال: إن المحكم ما لم يرتقب حسدا * ويرهب السيف أو وخز القنا هتفا من عاذ بالسيف لاقى فرجة عجبا * موتا على عجل أو عاش فانتصفا عاش نيفا وأربعين سنة، وقتل يوم ثاني صفر سنة اثنتين وعشرين ومئة رحمه الله.
وروى عبد الله بن أبي بكر العتكي، عن جرير بن حازم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، كأنه متساند إلى خشبة زيد بن علي، وهو يقول: هكذا تفعلون بولدي ؟ ! قال عباد الرواجني: أنبأنا عمرو بن القاسم قال: دخلت على جعفر الصادق، وعنده ناس من الرافضة.
فقلت: إنهم يبرؤون من عمك زيد، فقال: برأ الله ممن تبرأ منه.
كان والله أقرأنا لكتاب الله، وأفقهنا في دين الله، وأوصلنا للرحم، ما تركنا وفينا مثله.
وروى هاشم بن البريد، عن زيد بن علي، قال: كان أبو بكر رضي الله عنه إمام الشاكرين، ثم تلا * (وسيجزي الله الشاكرين) * ثم قال: البراءة من أبي بكر هي البراءة من علي.
وعن معاذ بن أسد قال: ظهر ابن لخالد القسري على زيد بن علي

(5/390)


وجماعة، أنهم عزموا على خلع هشام، فقال هشام لزيد بن علي: بلغني عنك كذا ؟ ! قال: ليس بصحيح، قال: قد صح عندي، قال: أحلف لك ؟ قال: لا أصدقك.
قال: إن الله لن يرفع من قدر من حلف له بالله، فلم يصدق، قال: اخرج عني، قال: إذا لا تراني إلا حيث تكره.
قلت: خرج متأولا، وقتل شهيدا، وليته لم يخرج، وكان يحيى ولده لما قتل بخراسان، فقال يحيى: لكل قتيل معشر يطلبونه * وليس لزيد بالعراقين طالب قلت: ثار يحيى بخراسان، وكاد أن يملك.
قال ابن سعد: قتله سلم بن أحوز، وأمه هي ريطة بنت عبد الله بن محمد بن الحنفية.
وقال الهيثم: لم يعقب يحيى.
وكان نصر بن سيار عامل خراسان، قد بعث سلما إلى يحيى، فظفر به، فقتله بعد حروب شديدة وزحوف، ثم أصاب يحيى بن زيد سهم في صدغه فقتله، فاحتزوا رأسه، وبعثوا به إلى هشام بن عبدالملك إلى الشام، وصلبت جثته بجوزجان، ثم أنزلها أبو مسلم الخراساني، وواراه، وكتب بإقامة النياحة عليه ببلخ أسبوعا، وبمرو، وما ولد إذ ذاك ولد بخراسان من العرب والاعيان إلا سمي يحيى، ودعا أبو مسلم بديوان بني أمية، فجعل يتصفح أسماء قتلة يحيى ومن سار في ذلك البعث لقتاله.
فمن كان حيا، قتله.
وقال الليث بن سعد: قتل يحيى سنة خمس وعشرين ومئة رحمه الله.

179 - سيار * (ع) ابن وردان الامام الحجة القدوة الرباني أبو الحكم الواسطي العنزي مولاهم.
__________
* طبقات خليفة 161، التاريخ الكبير 4 / 161، التاريخ الصغير 2 / 288، تاريخ الفسوي = [ * ]

(5/391)


حدث عن طارق بن شهاب، وأبي وائل شقيق، وأبي حازم الاشجعي، وعامر الشعبي، وأكثر عنه.
حدث عنه شعبة، ومسعر، وسفيان الثوري، وخلف بن خليفة، وهشيم ابن بشير وآخرون.
قال أحمد بن حنبل: ثقة ثبت.
توفي سنة اثنتين وعشرين ومئة.
وقد ذكره صاحب " الحلية " فقال: ومنهم المتعبد الصبار أبو الحكم سيار.
قال هشيم: دخلنا عليه وهو يبكي، فقلنا: ما يبكيك ؟ قال: ما أبكى العابدين قبلي.
روى محرز بن عون، عن فضيل بن عياض، قال: دخل سيار أبو الحكم على مالك بن دينار في ثياب جياد، فقال له مالك: مثلك يلبس هذا اللباس ؟ ! فقال: ثيابي تضعني عندك أو ترفعني ؟ قال: بل تضعك، فقال: هذا التواضع، ثم قال يا مالك: إني أخاف أن يكون ثوباك قد أنزلا بك من الناس ما لم ينزلا بك من الله.

180 - أبو إسحاق السبيعي * (ع) عمرو بن عبد الله بن ذي يحمد، وقيل: عمرو بن عبد الله بن علي الهمداني الكوفي الحافظ شيخ الكوفة وعالمها ومحدثها، لم أظفر له بنسب
__________
= 1 / 307، الجرح والتعديل 4 / 254، 255، تهذيب الكمال 568، تذهيب التهذيب 2 / 67 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 85، تهذيب التهذيب 4 / 291، خلاصة تذهيب الكمال 160.
* طبقات ابن سعد 6 / 313، 315، طبقات خليفة 162، التاريخ الكبير 6 / 347، التاريخ الصغير 1 / 326، تاريخ الفسوي 2 / 621، الجرح والتعديل 6 / 242، 243، تهذيب الكمال 1040، تذهيب التهذيب 3 / 103 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 116، تذكرة الحفاظ 1 / 114، ميزان
الاعتدال 3 / 270، شرح علل الترمذي 373، 376، تهذيب التهذيب 8 / 63، طبقات الحفاظ 43، 44، العبر 1 / 165، خلاصة تذهيب الكمال 291، شذرات الذهب 1 / 174.
[ * ]

(5/392)


متصل إلى السبيع، وهو من ذرية سبيع بن صعب بن معاوية بن كثير بن مالك ابن جشم بن حاشد، بن جشم، بن خيران بن نوف، بن همدان.
وكان رحمه الله من العلماء العاملين، ومن جلة التابعين.
قال: ولدت لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، ورأيت علي بن أبي طالب يخطب.
وروى عن معاوية، وعدي بن حاتم، وابن عباس، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبي جحيفة السوائي، وسليمان بن صرد، وعمارة بن رويبة الثقفي، وعبد الله بن يزيد الانصاري، وعمرو بن الحارث الخزاعي، وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورأى أيضا أسامة بن زيد النبوي، وقرأ القرآن على الاسود بن يزيد، وأبي عبدالرحمن السلمي، وكان طلابة للعلم، كبير القدر.
وروى أيضا عن علقمة بن قيس، ومسروق بن الاجدع، والضحاك بن قيس الفهري، وعمرو بن شرحبيل الهمداني، والحارث الاعور، وهبيرة بن يريم، وشمر بن ذي الجوشن، وعمر بن سعد الزهري، وعبيدة بن عمرو السلماني، وعاصم بن ضمرة، وعبد الله بن عتبة بن مسعود، وعمرو بن ميمون الاودي، وصلة بن زفر العبسي، وسعيد بن وهب الخيواني، وعبد الرحمن بن أبزى الخزاعي، وحارثة بن مضرب، وعبد الله بن معقل، وصلة بن زفر، وأبي الاحوص عوف بن مالك، ومسلم بن نذير، والاسود بن هلال، وشريح القاضي، وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود الهذلي، وكميل بن زياد
النخعي، والمهلب بن أبي صفرة الامير، والاسود بن هلال المحاربي وخلق كثير من كبراء التابعين.
تفرد بالاخذ عن عدة منهم.

(5/393)


حدث عنه محمد بن سيرين وهو من شيوخه، والزهري، وقتادة، وصفوان ابن سليم وهم من أقرانه، ومنصور، والاعمش، وزيد بن أبي أنيسة، وزكريا ابن أبي زائدة، ومسعر، وسفيان، ومالك بن مغول، وشعبة بن الحجاج، وولده يونس بن أبي إسحاق، وحفيده إسرائيل، وزائدة بن قدامة، وإسماعيل ابن أبي خالد، وأشعث بن سوار، والمسعودي، وعمار بن زريق، والحسين ابن واقد، والحسن بن صالح بن حي، وإبراهيم بن طهمان، وأبو وكيع الجراح ابن مليح، وجرير بن حازم، وحمزة الزيات، وفطر بن خليفة، وورقاء بن عمر، وشعيب بن صفوان، وشعيب بن خالد، ورقبة بن مصقلة، وزهير بن معاوية، وأخوه حديج بن معاوية، وأبو عوانة الوضاح، وشريك القاضي، وأبو الاحوص سلام بن سليم، وأبو بكر بن عياش، وسفيان بن عيينة وخلق كثير.
وهو ثقة حجة بلا نزاع.
وقد كبر وتغير حفظه تغير السن، ولم يختلط.
قرأ عليه القرآن عرضا حمزة بن حبيب، فهو أكبر شيخ له في كتاب الله تعالى، وغزا الروم في دولة معاوية.
وقال: سألني معاوية: كم عطاء أبيك ؟ قلت: ثلاث مئة في الشهر يعني قال: ففرضها لي.
قلت: نعمة طائلة إذا حصل للفارس قديما وحديثا في الشهر ثلاث مئة درهم مع نصيبه من المغانم.
قال علي بن المديني: روى أبو إسحاق، عن سبعين رجلا أو ثمانين لم يرو عنهم غيره، وأحصيت مشيخته نحوا من ثلاث مئة شيخ، وقال علي في موضع آخر: أربعمئة شيخ، وقيل: إنه سمع من ثمانية وثلاثين صحابيا.
قال أبو حاتم: هو يشبه الزهري في الكثرة.
وقال الاعمش: كان أصحاب ابن مسعود إذا رأوا أبا إسحاق، قالوا: هذا عمرو القارئ الذي لا يتلفت.
ابن فضيل، عن أبيه قال: كان أبو إسحاق يقرأ القرآن في كل ثلاث.

(5/394)


قال ابن سعد في " الطبقات ": هو عمرو بن عبد الله بن علي بن أحمد ابن ذي يحمد بن السبيع.
ثم قال: وأكثر من سماه لم يتجاوز أباه.
قال سفيان، عن أبي إسحاق: رأيت عليا رضي الله عنه أبيض الرأس واللحية.
وقال شريك: سمعته يقول: ولدت في سنتين من إمارة عثمان.
وعن أبي بكر بن عياش: حدثنا أبو إسحاق، قال: غزوت في زمن زياد يعني: ابن أبيه ست غزوات أو سبع غزوات.
فمات قبل معاوية، وما رأيت قط خيرا من زياد، فقال له رجل: ولا عمر بن عبد العزيز ؟ قال: ما كان زمن زياد إلا عرس.
رواه أبو القاسم البغوي، عن محمد بن يزيد الكوفي عن أبي بكر.
أنبأنا غير واحد سمعوا ابن طبرزد، أن عبد الوهاب الحافظ أخبره، قال: أنبأنا أبو محمد بن هزارمرد، أنبأنا ابن حبابة، حدثنا البغوي بهذا (1).
وبه إلى البغوي: حدثنا محمود بن غيلان، عن يحيى بن آدم قال: قال أبو بكر بن عياش: سمعت أبا إسحاق السبيعي، يقول: سألني معاوية، كم كان عطاء أبيك ؟ قلت: ثلاث مئة، ففرض لي ثلاث مئة.
وكذلك كانوا يفرضون للرجل في مثل عطاء أبيه، ثم قال أبو بكر: فأدركت أبا إسحاق، وقد بلغ عطاؤه ألف درهم من الزيادة.
وقال شعبة: كان أبو إسحاق أكبر من أبي البختري، لم يدرك أبوالبختري عليا ولم يره.
وبه: حدثنا عبدالرحمن بن صالح الازدي، حدثنا موسى بن عثمان الحضرمي، عن أبي إسحاق، قال: ضربني علي رضي الله عنه بالدرة عند الميضأة.
__________
(1) إسناد القصة ضعيف لضعف محمد بن يزيد الكوفي.
قال البخاري: رأيتهم مجمعين على ضعفه.
[ * ]

(5/395)


حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق قال: قال أبي: قم فانظر إلى أمير المؤمنين، فإذا هو على المنبر شيخا أبيض الرأس واللحية، أجلح ضخم البطن ربعة عليه إزار ورداء ليس عليه قميص، ولم يرفع يده.
فقال رجل: يا أبا إسحاق أقنت ؟ قال: لا.
حدثنا محمود، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا أبو بكر، سمعت أبا إسحاق، يقول: زعم عبدالملك أني أكبر منه بثلاث سنين يعني: ابن عمير.
حدثني شريح، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، سمعت صلة بن زفر منذ سبعين سنة، قال: هذا يدل على أنه طلب العلم في حياة عائشة وأبي هريرة.
وقال ابن عيينة: دخلت على أبي إسحاق، فإذا هو في قبة تركية ومسجد على بابها وهو في المسجد، فقلت: كيف أنت ؟ قال: مثل الذي أصابه الفالج، ما ينفعني يد ولا رجل ؟ فقلت: أسمعت من الحارث ؟ فقال لي ابنه يوسف: هو قد رأى عليا رضي الله عنه، فكيف لم يسمع من الحارث ؟ فقلت: يا أبا إسحاق: رأيت عليا ؟ قال: نعم.
قال سفيان: واجتمع الشعبي وأبو إسحاق، فقال له الشعبي: أنت خير مني يا أبا إسحاق، قال: لا والله، بل أنت خير مني، وأسن مني.
قال سفيان: وقال أبو إسحاق: كانوا يرون السعة عونا على الدين.
وبه: حدثنا أحمد بن عمران الاخنسي، حدثنا أبو بكر بن عياش، سمعت أبا إسحاق، يقول: ما أقلت عيني غمضا منذ أربعين سنة.
حدثنا أحمد بن عمران، حدثنا ابن فضيل، حدثني أبي قال: أتيت أبا إسحاق بعدما كف بصره، قال: قلت: تعرفني ؟ قال: فضيل ؟ قلت: نعم.
قال: إني والله أحبك، لولا الحياء منك لقبلتك، فضمني إلى صدره، ثم

(5/396)


قال: حدثني أبو الأحوص عن عبد الله * (لو أنفقت ما في الارض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم) * [ الانفال: 63 ] نزلت في المتحابين (1).
قال يونس: كان أبي يقرأ كل ليلة ألف آية.
وقال أبو الأحوص: قال لنا أبو إسحاق: يا معشر الشباب اغتنموا يعني: قوتكم وشبابكم، قلما مرت بي ليلة إلا وأنا أقرأ فيها ألف آية، وإني لاقرأ البقرة في ركعة، وإني لاصوم الاشهر الحرم، وثلاثة أيام من كل شهر والاثنين والخميس حدثنا أحمد بن عمران، سمعت أبا بكر يقول: قال أبو إسحاق: ذهبت الصلاة مني وضعفت، وإني لاصلي فما أقرأ وأنا قائم إلا بالبقرة وآل عمران، ثم قال الاخنسي: حدثنا العلاء بن سالم العبدي قال: ضعف أبو إسحاق قبل موته بسنتين، فما كان يقدر أن يقوم حتى يقام، فإذا استتم قائما قرأ وهو قائم ألف آية.
وقال يحيى بن آدم: حدثنا الحسن بن ثابت، سمعت الاعمش، يعجب من حفظ أبي إسحاق لرجاله الذين يروي عنهم، ثم قال الحسن: وحدثنا يونس بن أبي إسحاق قال: كان الاعمش إذا جاء إلى أبي، رحمته من طول جلوس الاعمش معه.
حفص بن غياث: سمعت الاعمش قال: كنت إذا خلوت بأبي إسحاق، حدثنا بأحاديث عبد الله غضا ليس عليها غبار.
أبو بكر بن عياش: سألت أبا إسحاق: أين كنت أيام المختار ؟ قال: كنت غائبا بخراسان.
__________
(1) وأخرجه الطبري 10 / 36 من طريق محمد بن خلف حدثنا عبيدالله بن موسى، حدثنا فضيل بن غزوان عن أبي إسحاق، عن أبي الاحوص عن عبد الله..) ورجاله ثقات، وصححه الحاكم 2 / 329، ووافقه الذهبي، وذكره الهيثمي في " المجمع " 7 / 27، 28، من طريق أخرى، ونسبه للبزار.
[ * ]

(5/397)


وبه، حدثنا محمود بن غيلان، سمعت أبا أحمد الزبيري يقول: لقي أبو إسحاق من الصحابة عليا، وابن عباس، وابن عمر، ومعاوية، وعدي بن حاتم، والبراء، وزيد بن أرقم، وجابر بن سمرة، وحارثة بن وهب، وحبشي ابن جنادة، وأبا جحيفة، والنعمان بن بشير، وسليمان بن صرد، وعبد الله بن يزيد، وجرير بن عبد الله، وذا الجوشن، وعمارة بن رويبة، والاشعث بن قيس، والمغيرة، وأسامة بن زيد، وعمرو بن الحارث، وعمرو بن حريث، ورافع بن خديج، والمسور بن مخرمة، وسلمة بن قيس الاشجعي، وسراقة بن مالك، وعبد الرحمن بن أبزى رضي الله عنهم.
قال ابن عيينة: كان أبو إسحاق يخضب.
وقال يحيى بن معين: أثبت أصحاب أبي إسحاق شعبة والثوري.
قال شريك: ولد أبو إسحاق لثلاث سنين بقين من سلطان عثمان وقال مغيرة: كنت إذا رأيت أبا إسحاق، ذكرت به الضرب الاول.
وقال جرير بن عبدالحميد: كان يقال: من جالس أبا إسحاق، فقد
جالس عليا رضي الله عنه.
قال الامام أحمد: كان أبو إسحاق تزوج امرأة الحارث الاعور، فوقعت إليه كتبه.
شبابة، عن شعبة، ما سمع أبو إسحاق من الحارث إلا أربعة أحاديث يعني: أن أبا إسحاق، كان يدلس.
قال شعبة، عن أبي إسحاق قال: شهدت عند شريح في وصية فأجاز شهادتي وحدي.
وقيل لشعبة: أسمع أبو إسحاق من مجاهد ؟ قال: وما كان يصنع به، هو أحسن حديثا من مجاهد، ومن الحسن، وابن سيرين.

(5/398)


قال عمر بن شبيب المسلي: رأيت أبا إسحاق أعمى يسوقه إسرائيل، ويقوده ابنه يوسف.
وقال ابن عيينة: قال عون بن عبد الله لابي إسحاق: ما بقي منك ؟ قال: أقرأ البقرة في ركعة.
قال: بقي خيرك، وذهب شرك.
قال علي بن المديني: حفظ العلم على الامة ستة: فلاهل الكوفة أبو إسحاق والاعمش، ولاهل البصرة قتادة ويحيى بن أبي كثير، ولاهل المدينة الزهري (1).
قال أبو بكر بن عياش: ما سمعت أبا إسحاق يعيب أحدا قط، وإذا ذكر رجلا من الصحابة، فكأنه أفضلهم عنده.
قال فضيل بن مرزوق: سمعت أبا إسحاق يقول: وددت أني أنجو من علمي كفافا.
قال أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين: أبو إسحاق ثقة.
وقال يحيى بن معين: زكريا بن أبي زائدة، وزهير، وإسرائيل، حديثهم عن أبي إسحاق قريبا من السواء، وإنما أصحابه شعبة والثوري.
وقال جرير، عن مغيرة: ما أفسد حديث أهل الكوفة غير أبي إسحاق والاعمش.
قلت: لا يسمع قول الاقران بعضهم في بعض، وحديث أبي إسحاق محتج به في دواوين الاسلام، ويقع لنا من عواليه.
قال يحيى بن سعيد القطان: توفي أبو إسحاق في سنة سبع وعشرين ومئة يوم دخول الضحاك بن قيس غالبا على الكوفة.
__________
(1) سقط من هنا السادس وذكره في التاريخ، فقال: ولاهل مكة عمرو بن دينار.
[ * ]

(5/399)


قلت: فيها ورخه الهيثم بن عدي، والواقدي، ويحيى بن بكير، وابن نمير، وأحمد، وخليفة، وأبو حفص الفلاس وغيرهم.
وروى يحيى بن آدم قال: قال أبو بكر: دفنا أبا إسحاق أيام الخوارج سنة سبع وعشرين وقال أحمد بن حنبل: مات يوم دخل الضحاك بن قيس الكوفة سنة سبع.
وقال محمد بن يزيد: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: دخل الضحاك الكوفة، فرأى الجنازة وكثرة ما فيها.
فقال: كأن هذا فيهم رباني.
وقال أبو نعيم وأبو عبيد: سنة ثمان وعشرين مات، والاول أصح.
عاش ثلاثا وتسعين سنة، وبيني وبينه سبعة أنفس بإجازة وثمانية بالاتصال.
أخبرنا أحمد بن سلامة وغيره في كتابهم قالوا: أنبأنا عبد المنعم بن كليب، أنبأنا علي بن أحمد بن بيان، أنبأنا محمد بن محمد بن محمد بن مخلد، أنبأنا اسماعيل بن محمد، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا أبو بكر بن
عياش، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فأحرمنا بالحج، فلما قدمنا مكة، قال: " اجعلوا حجكم عمرة " فقال الناس: يا رسول الله قد أحرمنا بالحج، فكيف نجعلها عمرة ؟ فقال: " انظروا الذي آمركم به، فافعلوا " فردوا عليه القول، فغضب، ثم انطلق حتى دخل على عائشة غضبان، فرأت الغصب في وجهه، فقالت: من أغضبك ؟ أغضبه الله.
قال " " وما لي [ لا ] أغضب ؟ ! وأنا آمر بالامر فلا أتبع " (1) أخرجه
__________
(1) أخرجه ابن ماجه (2982) في المناسك: باب فسخ الحج، وأحمد 4 / 286 وسنده قوي وفي الباب حديث ابن عباس وفيه: قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج، فأمرهم أن يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا: يا رسول الله أي الحل ؟ قال: " حل كله " أخرجه البخاري 3 / 337، 338، ومسلم (1240) وعن جابر بن عبد الله أنه حج مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ساق البدن معهم، وقد أهلوا بالحج مفردا، فقال لهم: أحلوا من إحرامكم بطواف بالبيت وبين الصفا والمروة.
وقصروا، ثم أقيموا حلالا حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج، واجعلوا الذي قدمتم = (*)

(5/400)


النسائي عن أبي كريب، والقزويني عن ابن الصباح، كلاهما عن أبي بكر.
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد، قالا: أنبانا موسى بن عبد القادر، أنبأنا سعيد بن أحمد بن البناء، أنبأنا علي بن أحمد بن البسري، أنبأنا محمد بن عبدالرحمن الذهبي، حدثنا يحيى بن محمد، حدثنا لوين، حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن بريد بن أبي مريم، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سأل الله الجنة ثلاث مرات، قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ومن استجار بالله من النار، قالت النار: اللهم أجره من النار " (1).
قال أحمد بن عبدة: سمعت أبا داود الطيالسي يقول: وجدنا الحديث
عند أربعة: الزهري، وقتادة، وأبو إسحاق، والاعمش، وكان قتادة أعلمهم بالاختلاف، والزهري أعلمهم بالاسناد، وأبو إسحاق أعلمهم بحديث علي وابن مسعود، وكان عند الاعمش من كل هذا، ولم يكن عند واحد من هؤلاء إلا الفين الفين.
__________
= بها متعة، فقالوا: كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج، فقال: افعلوا ما أمرتكم، فلولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم، ولكن لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدي محله " ففعلوا.
أخرجه البخاري 3 / 343، ومسلم (1216) (143) وفي الباب غير ما ذكرنا، راجع " زاد المعاد " لابن القيم 2 / 178، 210 بتحقيقنا فإنه قد وفى الموضوع حقه.
(1) وأخرجه الترمذي (2572) في صفة الجنة من طريق هناد، والنسائي 8 / 279 من طريق قتيبة كلاهما عن أبي الاحوص، عن أبي إسحاق، عن بريد بن أبي مريم، عن أنس بن مالك، وصححه الحاكم 1 / 534، 535، وأقره المؤلف في مختصره وهو كما قالا.

(5/401)


الطبقة الرابعة من التابعين
181 - منصور بن المعتمر * (ع) الحافظ الثبت القدوة، أبو عتاب السلمي الكوفي أحد الاعلام.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام: هو من بني بهثة بن سليم من رهط العباس بن مرداس السلمي.
قلت: يروي عن أبي وائل، وربعي بن حراش، وإبراهيم النخعي، وخيثمة بن عبدالرحمن، وهلال بن يساف، وزيد بن وهب، وذر بن عبد الله، وكريب، وأبي الضحى، وأبي صالح باذام، وأبي حازم الاشجعي، وسعيد بن جبير، وعامر الشعبي، ومجاهد، وعبد الله بن مرة، وطبقتهم.
وما علمت له رحلة ولا رواية عن أحد من الصحابة، وبلا شك كان عنده بالكوفة بقايا الصحابة، وهو رجل شاب مثل عبد الله بن أبي أوفى، وعمرو بن حريث إلا أنه كان من أوعية العلم، صاحب إتقان وتأله وخير.
وينزل في الرواية إلى الزهري، وخالد الحذاء، ويفضلونه على الاعمش.
وقيل: أصح الاسانيد مطلقا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود.
__________
* طبقات ابن سعد 6 / 337، طبقات خليفة 164، تاريخ خليفة 404، التاريخ الكبير 7 / 346، الجرح والتعديل 8 / 177، حلية الاولياء 5 / 40، تهذيب الاسماء واللغات 2 / 114، 115، تهذيب الكمال 1375، تذهيب التهذيب 4 / 72 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 305، طبقات القراء 2 / 314، خلاصة تذهيب الكمال 388، شذرات الذهب 1 / 189.
[ * ]

(5/402)


حدث عنه خلق كثير، منهم حصين بن عبدالرحمن وهو ابن عمه، وأيوب السختياني، وسليمان الاعمش، وسليمان التيمي، وهم من أقرانه، وشعبة، وسفيان الثوري، وشيبان النحوي، وشريك القاضي، ومعمر بن راشد، وإبراهيم بن أدهم، والفضيل بن عياض، وأسباط بن نصر، وإسرائيل، وجعفر بن زياد الاحمر، والحسن بن صالح بن حي، ومفضل بن مهلهل، وهريم بن سفيان، وورقاء بن عمر، وزائدة بن قدامة، ووهيب بن خالد، وأبو حمزة محمد بن ميمون المروزي، والجراح، بن مليح أبو وكيع، والحكم بن هشام الثقفي، وسلام بن أبي مطيع، والقاسم بن معن المسعودي، ومعلى بن هلال الطحان، وأبو عوانة الوضاح، وأبو المحياة يحيى بن يعلى التيمي، وعبدة بن حميد، وعمر بن عبدالرحمن الابار، وأبو
الاحوص سلام، وجرير بن عبدالحميد، ومعتمر بن سليمان، وسفيان بن عيينة.
روى شعبة، عن منصور قال: ما كتبت حديثا قط.
وقال عبدالرحمن بن مهدي: لم يكن بالكوفة أحد أحفظ من منصور.
أجاز لنا ابن البخاري، أنبأنا ابن طبرزد، أنبأنا عبد الوهاب الانماطي، أنبأنا الصريفيني، أنبأنا ابن حبابة، حدثنا البغوي، حدثني إبراهيم بن عبد الله القصار، حدثنا مصعب بن المقدام، عن زائدة قال: قلت لمنصور بن المعتمر: اليوم الذي أصوم أقع في الامراء ؟ قال: لا.
قلت: فأقع في من يتناول أبا بكر وعمر ؟ قال: نعم.
وبه إلى البغوي: حدثني ابن زنجويه، سمعت إبراهيم بن مهدي سمعت أبا الأحوص قال: قلت بنت لجار منصور بن المعتمر: يا أبة أين الخشبة التي كانت في سطح منصور قائمة ؟ قال: يا بنية ذاك منصور، كان يقوم الليل.
حدثنا أبو سعيد الاشج، حدثنا أبو بكر بن عياش، رأيت منصورا إذا قام

(5/403)


في الصلاة عقد لحيته في صدره.
حدثني أبو سعيد، حدثنا عبد الله بن الاجلح قال: رأيت منصورا أحسن الناس قياما في الصلاة، وكان يخضب بالحناء.
حدثني العباس بن محمد، حدثنا أبو بكر بن أبي الاسود، سمعت ابن مهدي يقول: لم يكن بالكوفة أثبت من أربعة فبدأ بمنصور، وأبي حصين، وسلمة بن كهيل، وعمرو بن مرة.
قال: وكان منصور أثبتهم.
حدثنا أحمد بن عمران الاخنسي: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: رحم الله منصورا، كان صواما قواما.
قال يحيى بن معين: لم يكن أحد أعلم بحديث منصور من الثوري.
وقد روى حصين، عن منصور، وكان حصين أسن منه.
وقال هشيم: سئل حصين: أنت أكبر أم منصور ؟ قال: إني لاذكر ليلة زفت أم منصور إلى أبيه.
أبو بكر بن عياش، عن مغيرة قال: اختلف منصور إلى إبراهيم وهو من أعبد الناس، فلما أخذ في الآثار، فتر.
وبه قال البغوي: حدثنا الاخنسي، سمعت أبا بكر يقول: لو رأيت منصور بن المعتمر، وربيع بن أبي راشد، وعاصم بن أبي النجود في الصلاة، قد وضعوا لحاهم على صدورهم، عرفت أنهم من أبزار الصلاة.
ابن المديني، عن يحيى، وسئل عن أصحاب إبراهيم أيهم أحب إليك ؟ فقال: إذا جاءك منصور، فقد ملات يديك لا تريد غيره.
كان سفيان يقول: كنت لا أحدث الاعمش عن أحد إلا رده، فإذا قلت: منصور، سكت.

(5/404)


حجاج بن محمد: سمعت شعبة يقول: قال منصور: وددت أبي (أني) كتبت وأن علي كذا وكذا، قد ذهب مني مثل علمي.
وقال يحيى القطان: منصور أحسن حديثا عن مجاهد من ابن أبي نجيح.
وبه إلى البغوي: حدثنا يحيى بن عبدالحميد، حدثنا شريك، حدثنا منصور، ولو أن غير منصور حدثني ما قبلته منه ولقد سألته عنه، فأبى أن يحدثني، فلما جرت بيني وبينه المعرفة، كان هو الذي ابتدأني، قال: حدثنا ربعي قال: حدثنا علي رضي الله عنه قال: اجتمعت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفيهم سهيل بن عمرو، فقالوا: يا محمد، أرقاؤنا لحقوا بك، فارددهم علينا،
فغضب حتى رؤي الغضب في وجهه وذكر الحديث (1).
حدثنا علي بن سهل، حدثنا عفان، حدثنا أبو عوانة قال: لما ولي منصور بن المعتمر القضاء، كان يأتيه الخصمان، فيقص ذا قصته، وذا قصته، فيقول: قد فهمت ما قلتما، ولست أدري ما أرد عليكما، فبلغ ذلك خالد بن عبد الله أو ابن هبيرة، وهو الذي كان ولاه، فقال: هذا أمر لا ينفع إلا من أعان عليه بشهوة، قال يعني: فعزله.
حدثنا الاخنسي، سمعت أبا بكر يقول: كنت مع منصور جالسا في منزله، فتصيح به أمه، وكانت فظة عليه، فتقول: يا منصور يريدك ابن هبيرة على القضاء فتأبى، وهو واضع لحيته على صدره، ما يرفع طرفه إليها.
قال يحيى بن معين: منصور أثبت من الحكم.
__________
(1) إسناده ضعيف لضعف شريك وهو ابن عبد الله النخعي، وأخرجه بنحوه أحمد 1 / 155 من طريق شريك، عن منصور، عن ربعي، عن علي.
[ * ]

(5/405)


يحيى القطان، عن الثوري قال: لو رأيت منصور بن المعتمر، لقلت: يموت الساعة.
وقال زائدة: امتنع منصور من القضاء، فدخلت عليه وقد جئ بالقيد ليقيد، فجاءه خصمان، فقعدا، فلم يسألهما ولم يكلمهما، فقيل ليوسف بن عمر: لو نثرت لحمه لم يل القضاء، فتركه.
يحيى القطان عن شعبة: سألت منصورا وأيوب عن القراءة، يعني: قراءة الحديث، فقالا: جيدة.
ابن معين: سمعت جريرا يقول: كان منصور إذا رأى معي رقعة، يقول: لا تكتب عني، فأتركه، وآتي مغيرة.
قال العلاء بن سالم: كان منصور يصلي في سطحه، فلما مات، قال غلام لامه: يا أمه الجذع الذي في سطح آل فلان، ليس أراه، قالت: يا بني ليس ذاك بجذع، ذاك منصور، وقد مات رحمه الله.
قال خلف بن تميم: حدثنا زائدة، أن منصورا صام أربعين سنة، وقام ليلها، وكان يبكي، فتقول له أمه يا بني: قتلت قتيلا ؟ فيقول: أنا أعلم بما صنعت بنفسي، فإذا كان الصبح، كحل عينيه، ودهن رأسه، وبرق شفتيه وخرج إلى الناس.
وذكر سفيان بن عيينة منصورا، فقال: قد كان عمش من البكاء.
وعن مفضل قال: حبس ابن هبيرة منصورا شهرا على القضاء يريده عليه، فأبى، وقيل: إنه أحضر قيدا ليقيده به، ثم خلاه.
قال أحمد بن عبد الله العجلي: كان منصور أثبت أهل الكوفة، لا يختلف فيه أحد، صالح متعبد، أكره على القضاء فقضى شهرين قال: وفيه

(5/406)


تشيع قليل وكان قد عمش من البكاء.
قلت: تشيعه حب وولاء فقط.
قال أبو حاتم الرازي: الاعمش حافظ، يدلس ويخلط، ومنصور أتقن منه، لا يخلط ولا يدلس.
وقال إبراهيم بن موسى الفراء: أثبت أهل الكوفة منصور، ثم مسعر.
قال أبو أحمد الحاكم في " الكنى ": أبو عتاب منصور بن المعتمر بن عبد الله بن ربيعة، ويقال: ابن المعتمر بن عتاب بن عبد الله بن ربيعة، ويقال: ابن المعتمر بن عتاب بن فرقد السلمي من بهثة بن سليم من رهط العباس بن مرداس ومجاشع بن مسعود السلميين، وجده عبد الله بن ربيعة
السلمي، قد رأي النبي صلى الله عليه وسلم، عداده في التابعين.
سمع زيد بن وهب، وأبا وائل شقيق بن سلمة، وروى عنه عن أنس بن مالك إن كان ذلك محفوظا.
روى عنه سليمان التيمي، وحصين بن عبدالرحمن، وأيوب بن أبي تميمة السختياني، وسليمان بن مهران الكاهلي، وهو أحد متقي مشايخ الكوفيين ونساكهم.
مات سنة ثنتين، ويقال: سنة ثلاث وثلاثين ومئة.
وهو ابن عم حصين بن عبدالرحمن وعتبة بن فرقد، قال: ومحمد بن علي السلمي أخوه لامه.
قال أبو داود: طلب منصور الحديث قبل وقعة الجماجم (1)، والاعمش طلب بعد الجماجم.
__________
(1) وقعة الجماجم بين عبدالرحمن بن الاشعث والحجاج بن يوسف الثقفي، كان الغلب فيها للحجاج وقتل فيها عدد كثير من القراء كانت سنة ثلاث وثمانين أو اثنتين وثمانين، والجماجم: موضع بظاهر الكوفة على سبعة فراسخ منها.
انظر العبر 1 / 96، ودول الاسلام 1 / 58.
[ * ]

(5/407)


وقال أبو حاتم الرازي: هو أتقن من الاعمش، لا يخلط ولا يدلس بخلاف الاعمش.
قال سفيان بن عيينة: كان منصور في الديوان، فكان إذا دارت نوبته لبس ثيابه وذهب فحرس.
يعني: في الرباط.
قال أبو نعيم الملائي: سمعت حماد بن زيد يقول: رأيت منصور بن المعتمر صاحبكم، وكان من هذه الخشبية، وما أراه كان يكذب، قلت: الخشبية: هم الشيعة.
قال يحيى بن سعيد القطان: كان منصور من أثبت الناس.
وحكاية أبي بكر الباغندي الحافظ مشهورة، سمعناها فمعجم الغساني، أنه كان ينتخب على شيخ، فكان يقول له: كم تضجرني ؟ أنت أكثر حديثا مني وأحفظ، فقال: إني قد جئت إلى الحديث، بحسبك أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فلم أسأله الدعاء، وإنما قلت: يا رسول الله أيما أثبت في الحديث منصور أو الاعمش ؟ فقال: منصور منصور.
أخبرنا إسحاق بن طارق، أنبأنا ابن خليل، أنبأنا أبو المكارم اللبان، أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا أبو محمد بن حيان، حدثنا محمد ابن يحيى، حدثنا أزهر بن جميل، حدثنا سفيان بن عيينة، قال: رأيت منصور ابن المعتمر، فقلت: ما فعل الله بك ؟ قال: كدت أن ألقى الله تعالى بعمل نبي.
ثم قال سفيان: صام منصور ستين سنة، يقوم ليلها ويصوم نهارها رحمه الله.
قال أبو نعيم الملائي: مات منصور بعدما قدم السودان، يعني: المسودة أي آل العباس.
أحمد بن زهير: سمعت ابن معين يقول: مات منصور سنة ثلاث وثلاثين ومئة، وفيها أرخه محمد بن عبد الله بن نمير، وشباب العصفري،

(5/408)


وقال أبو القاسم بن مندة: سنة اثنتين وثلاثين بعد السودان بقليل، ثم أعاده في سنة ثلاث وثلاثين فالله أعلم.
ومن عواليه: أخبرنا أحمد بن إسحاق بن محمد بن مؤيد المصري بها في رجب سنة خمس وتسعين وست مئة، أنبأنا أبو الفرج الفتح بن عبد الله بن محمد بن علي الكاتب ببغداد، أنبأنا أبو الفضل محمد بن عمر القاضي، ومحمد بن أحمد الطرائفي، وأبو غالب محمد بن علي، قالوا: أنبأنا محمد بن أحمد بن محمد المعدل، أنبأنا عبيدالله بن عبدالرحمن سنة ثمانين وثلاث مئة في منزلنا،
أخبرنا جعفر بن محمد بن الحسن الحافظ سنة ثمان وتسعين ومئتين، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود، قال: " ثلاث من كن فيه، فهو منافق: كذوب إذا حدث، مخالف إذا وعد، خائن إذا ائتمن، فمن كانت فيه خصلة، ففيه خصلة من النفاق حتى يدعها " (1).
وبه قال جعفر: حدثنا عمرو بن علي، حدثنا أبو داود، حدثنا شعبة، أخبرني منصور، سمعت أبا وائل، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " آية المنافق..فذكر نحوه ".
قال عمرو: لا أعلم أحدا تابع أبا داود على هذا، وهو ثقة، قلت: يعني تفرد برفعه.
__________
(1) إسناده صحيح وكذا سند المرفوع الذي أخرجه الطيالسي، وأورده الهيثمي في " المجمع " 1 / 108، وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح، وفي الباب عن أبي هريرة وأخرجه البخاري 1 / 83 و 84 في الايمان: باب علامات النفاق، ومسلم (59) في الايمان: باب بيان خصال المنافق بلفظ " آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان " وعن عبد الله بن عمرو عند البخاري 1 / 84، ومسلم (58) بلفظ " أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر ".
[ * ]

(5/409)


أخبرنا أحمد بن إسحاق، أنبأنا الفتح بن عبد الله، أنبأنا هبة الله بن حسين، أنبأنا أحمد بن محمد البزاز، حدثنا عيسى بن علي إملاء، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد، حدثنا يحيى بن عبدالحميد، حدثنا شريك، حدثنا منصور، حدثنا ربعي بن خراش، حدثنا علي بن أبي طالب قال: أما
إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تكذبوا علي، فمن كذب علي متعمدا فليلج النار " (1).
هذا حديث حسن عال.
وإسناده مسلسل بحدثنا، وقل أن يقع مثل هذا، وفي رجاله مع صدقهم خمسة رجال فيهم مقال، ومتنه مقطوع به.
ورواه البغوي أيضا في " الجعديات " فقال: حدثنا علي، أنبأنا شعبة، أنبأنا منصور.
أخبرنا أحمد بن سلامة إجازة، عن أحمد بن محمد التيمي، أنبأنا أبو علي، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا إسحاق الدبري، أنبأنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن منصور، عن أبي وائل، عن عبد الله، قال رجل: يا رسول الله، كيف لي أن أعلم إذا أحسنت وإذا أسأت ؟ قال: " إذا سمعت جيرانك يقولون: قد أحسنت، فقد أحسنت، وإذا سمعتهم يقولون: قد أسأت، فقد أسأت " (2) قال أبو نعيم: غريب من حديث منصور.
أخبرنا إسماعيل بن عبدالرحمن المعدل، أنبأنا عبد الله بن أحمد الفقيه سنة ست عشرة وستمئة، أنبأنا خطيب الموصل عبد الله، وشهدة الكاتبة، وتجني الوهبانية، قالوا: أنبأنا طراد بن محمد الهاشمي، أنبأنا هلال بن محمد، أنبأنا الحسين بن يحيى المتولي، حدثنا أبو الأشعث، حدثنا فضيل
__________
(1) وأخرجه الترمذي (2660) في العلم: باب ما جاء في تعظيم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، من طريق شريك بن عبد الله، عن منصور، عن ربعي بن خراش عن علي بن أبي طالب، وهو حديث متواتر.
(2) حلية الاولياء 5 / 43، ورجاله ثقات.
[ * ]

(5/410)


ابن عياض، عن منصور، عن مجاهد قال: * (يوم هم على النار يفتنون) * [ الذاريات: 13 ] قال: يحرقون عليها ويعذبون (1).
أخبرنا عيسى بن بكرة وجماعة، قالوا: أنبأنا عبد الله بن عمر، أنبأنا سعيد بن أحمد حضورا، أنبأنا أبو نصر الزينبي، أنبأنا أبو بكر محمد بن عمر الوراق، حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد، حدثنا عبد الجبار بن العلاء، والحسن بن الصباح البزار، ومحمد بن أبي عبدالرحمن المقرئ، واللفظ لعبد الجبار، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، أن عبد الله رضي الله عنه سجد سجدتي السهو بعد التسليم، وحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بعد التسليم (2).
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران ويوسف الحجار، قالا: أنبأنا موسى بن عبد القادر، أنبأنا أبو القاسم بن البناء، أنبأنا علي بن أحمد، أنبأنا محمد بن عبدالرحمن، حدثنا يحيى بن محمد، حدثنا محمد بن ميمون المكي، حدثنا سفيان، عن منصور، عن أبي حازم، عن أبي هريرة يبلغ به قال: " لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي " (3).
__________
(1) وأخرجه الطبري 26 / 194 من طريق فضيل بن عياض عن منصور، عن مجاهد بلفظ " ينضجون بالنار " وفي تفسير مجاهد ص 617 حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله عز وجل (يفتنون) يعني يحرقون، أي كما يفتن الذهب في النار.
(2) إسناده صحيح، وأخرجه بنحوه البخاري 1 / 422 و 423، ومسلم (572)، وأبو داود (1020)، والنسائي 3 / 28، وابن ماجه (1212).
(3) وأخرجه أحمد 2 / 377 و 389، والنسائي 5 / 99، وابن ماجه (1839) من طريق أبي بكر ابن عياش عن أبي حصين، عن سالم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي " وصححه ابن حبان (806)، وفي الباب عن عبد الله بن عمرو عند أبي داود (1634) والترمذي (652) وأحمد 2 / 164 و 192، وصححه الحاكم 1 / 407، وعن عبيدالله بن عدي بن الخيار عند أبي داود (1633) والنسائي 5 / 99، 100 وإسناده صحيح.
[ * ]

(5/411)


هذا حديث قوي الاسناد متجاذب بين الوقف والرفع، إذ قوله يبلغ به مشعر برفعه، وتركه لذكر النبي صلى الله عليه وسلم مؤذن بوقفه.
قال حماد بن زاذان: سمعت عبدالرحمن بن مهدي يقول: حفاظ الكوفة أربعة: عمرو بن مرة، ومنصور، وسلمة بن كهيل، وأبو حصين.
وقال بشر بن المفضل: لقيت سفيان بمكة، فقال: ما خلفت بعدي بالكوفة آمن على الحديث من منصور.
وقال صالح بن أحمد: قلت لابي: إن قوما قالوا: منصور أثبت في الزهري من مالك، قال: وأي شئ روى عن الزهري ؟ هؤلاء جهال، منصور إذا نزل إلى المشايخ اضطرب، وليس أحد أروى عن مجاهد منه.
وقال ابن معين: منصور نظير أيوب عندي، وهو أثبت من الحكم.
وقال أحمد: الحكم أثبت.
وقال ابن المديني: إذا حدثك عن منصور ثقة، فقد ملات يديك لا تريد غيره.
وقال عبد الرزاق: حدث سفيان يوما عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، فقال: هذا الشرف على الكراسي.

182 - أبو حصين * (ع) عثمان بن عاصم بن حصين، وقيل: بدل حصين زيد بن كثير، الامام الحافظ الاسدي الكوفي.
__________
* طبقات خليفة 159، التاريخ الكبير 6 / 240، 241، الجرح والتعديل 6 / 160، تهذيب الكمال 913، تذهيب التهذيب 3 / 30 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 107، تهذيب التهذيب 7 / 126، خلاصة تذهيب الكمال 260.
[ * ]

(5/412)


قال أبو حاتم: يقال: هو من ولد عبيد بن الابرص.
روى عن جابر بن سمرة، وابن عباس، وابن الزبير، وأنس، وأبي سعيد الخدري وغيرهم من الصحابة.
وروى عن عمران بن حصين مرسلا، وعن عمير بن سعيد، ومجاهد والشعبي، وسالم بن أبي الجعد، وأبي الضحى، وسعيد بن جبير، وأبي صالح السمان، وأبي عبدالرحمن السمان، وأبي وائل الاسدي، ويحيى بن وثاب، وأبي مريم الاسدي وعدة.
وعنه أبو مالك الاشجعي، ومحمد بن جحادة، وشعبة، والثوري، ومالك بن مغول، وزائدة، وشريك، وأبو غسان محمد بن مطرف، وأبو عوانة، وأبو الاحوص الحنفي، يقال: حديثا واحدا، وإسرائيل، وخالد بن عبد الله، وجرير بن عبدالحميد، وأبو بكر بن عياش، وسفيان بن عيينة، وخلق سواهم.
وقال ابن سعد: هو من جشم بن الحارث، ثم من أسد بن خزيمة.
وروى أحمد بن سنان القطان، عن عبدالرحمن بن مهدي قال: أربعة بالكوفة لا يختلف في حديثهم، فمن اختلف عليهم، فهو مخطئ، ليس هم، منهم أبو حصين الاسدي.
وروى أبو بكر بن أبي الاسود، عن ابن مهدي قال: لمن يكن بالكوفة أثبت من أربعة: منصور، وأبو حصين، وسلمة بن كهيل، وعمرو بن مرة، قال: وكان منصور أثبت أهل الكوفة.
وروى الحارث بن شريح النقال، عن عبدالرحمن بن مهدي قال: لا ترى حافظا يختلف على أبي حصين.

(5/413)


الفضل بن زياد، عن أحمد بن حنبل، قال: الاعمش ويحيى بن وثاب موالي، وأبو حصين من العرب، ولولا ذلك لم يصنع الاعمش ما صنع، وكان قليل الحديث، صحيح الحديث، قيل له: أيهما أصح حديثا هو أو أبو إسحاق ؟ قال: أبو حصين أصح حديثا لقلة حديثه، وكذا منصور أصح حديثا من الاعمش لقلة حديثه.
قال أحمد بن عبداله العجلي: كان أبو حصين شيخا عاليا، وكان صاحب سنة، يقال: كان قيس بن الربيع أروى الناس عنه، عنده عنه أربع مئة حديث.
وقال في موضع آخر: كان ثقة عثمانيا رجلا صالحا ثبتا في الحديث، هو أسن من الاعمش، وكان [ الذي ] بينهما متباعدا.
ووقع بينهما [ شر ]، حتى تحول الاعمش عنه إلى بني حرام.
أحمد بن زهير: حدثنا أبو هشام الرفاعي، سمعت وكيعا يقول: كان أبو حصين يقول: أنا أقرأ من الاعمش، وكانا في مسجد بني كاهل، فقال الاعمش لرجل يقرأ عليه: اهمز الحوت فهمزه، فلما كان من الغد، قرأ أبو حصين في الفجر (ن) فقرأ كصاحب الحؤت فهمز، فلما فرغ قال له الاعمش يا أبا حصين: كسرت ظهر الحوت، قال: فكان ما بلغكم ؟ قال: والذي بلغنا أنه قذفه، فحلف الاعمش ليحدنه.
وكلمه بنو أسد، فأبى، فقال خمسون منهم: والله لنشهدن أن أمه كما قال: فحلف الاعمش أن لا يساكنهم وتحول (1).
قال ابن معين والنسائي وجماعة: أبو حصين ثقة.
__________
(1) لا تصح هذه القصة، فإن في سندها أبا هشام الرفاعي وهو محمد بن يزيد بن محمد بن
كثير العجلي الكوفي قاضي المدائن ليس بالقوي، وقال البخاري: رأيتهم مجمعين على ضعفه.
[ * ]

(5/414)


وقال علي بن المديني: أصحاب الشعبي: أبو حصين، ثم إسماعيل، ثم داود بن أبي هند، ثم الشيباني ومطرف وبيان طبقة، الشيباني أعلاهم، ومغيرة كان من أصحاب الشعبي، روى عنه فأجاد، وزكريا بن أبي زائدة، وعبد الله بن أبي السفر، طبقة، ومالك بن مغول، وأبو حيان التيمي، وابن أبجر طبقة، وأشعث بن سوار فوق جابر وابن سالم، ومجالد فوق أشعث، وفوق أجلح الكندي.
روى أبو معاوية، عن الاعمش قال: أبو حصين يسمع مني ثم يذهب فيرويه.
يحيى بن آدم، عن أبي بكر بن عياش، سمعت أبا حصين قال: ما سمعنا بحديث " من كنت مولاه " (1) حتى جاء هذا من خراسان، فنعق به يعني: أبا إسحاق، فاتبعه على ذلك ناس.
قلت: الحديث ثابت بلا ريب ولكن أبو حصين عثماني، وهذا نادر في رجل كوفي.
وروى محمد بن عمران الاخنسي، عن أبي بكر بن عياش، قال: دخلت على أبي حصين وهو مختف من بني أمية، فقال: إن هؤلاء يعني: بني أمية، يريدوني على ديني والله لا أعطيهم إياه أبدا.
وقال الشيباني: قال لي الشعبي ودخلت معه المسجد: انظر هل ترى أبا حصين نجلس إليه ؟ قال ابن عيينة: حدثني رجل قال: سئل الشعبي لما حضرته الوفاة، بمن تأمرنا ؟ قال: ما أنا بعالم، ولا أترك عالما، وإن أبا حصين رجل صالح
__________
(1) ولفظه بتمامه " من كنت مولاه، فعلي مولاه " وهو حديث صحيح ثابت كما قال المؤلف رحمه
الله، فقد أخرجه الترمذي (3713) وأحمد 4 / 370 و 372 من حديث زيد بن أرقم، وسنده صحيح، وقال الترمذي: حسن صحيح، وأخرجه أحمد 4 / 281، وابن ماجه (121) من حديث البراء، ورجال إسناد ابن ماجه، ثقات، وأخرجه أحمد 5 / 358 من حديث بريدة بلفظ " من كنت وليه، فعلي وليه " ورجاله ثقات.
[ * ]

(5/415)


روى مثلها مالك بن مغول.
وقال مسعر: بعث بعض الامراء إلى أبي حصين بألفي درهم، وهو عائل، فردها، فقلت له: لم رددتها ؟ قال: الحياء والتكرم.
وقال ابن عيينة: كان أبو حصين إذا سئل عن مسألة، قال: ليس لي بها [ علم ] والله أعلم.
وقال أبو شهاب الحناط: سمعت أبا حصين يقول: إن أحدهم ليفتي في المسألة، ولو وردت على عمر لجمع لها أهل بدر.
قال أبو أحمد العسكري: أبو حصين، كان يقرأ عليه في مسجد الكوفة خمسين سنة.
قال أبو حاتم الرازي: لم يكن له ولد ذكر، وكانت له بنت، وبنت بنت، تزوج بها قيس بن الربيع.
قال أبو بكر بن عياش: دخلت على أبي حصين في مرضه الذي مات فيه، فأغمي عليه ثم أفاق، فجعل يقول: * (وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين) * [ الزخرف: 76 ] ثم أغمي عليه، ثم أفاق، فجعل يرددها، فلم يزل على ذلك.
قال يحيى بن معين وخليفة: مات أبو حصين سنة سبع وعشرين ومئة.
وقال الواقدي، وعلي بن عبد الله التميمي، وأبو عبيد، وابن بكير،
وابن نمير وغيرهم: سنة ثمان وعشرين، وهذا الصواب.
وقد روى ابن أبي خيثمة، عن يحيى بن معين رواية أخرى شاذة، أنه مات سنة اثنتين وثلاثين ومئة.
أخبرنا محمد بن أبي عصرون التميمي بسفح قاسيون وبالبلد، عن عبد

(5/416)


المعز بن محمد البزاز، أنبأنا تميم بن أبي سعيد، أنبأنا محمد بن عبد الرحمن، أنبأنا أبو عمرو بن حمدان، أنبأنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا إسماعيل بن بنت السدي، حدثنا شريك، عن أبي حصين، عن عمير بن سعد، عن علي رضي الله عنه قال: ما كنت أدي من أقمت عليه الحد إلا شارب الخمر، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسن فيه شيئا، إنما هو شئ قلناه نحن (1).
هذا حديث حسن عال، أخرجه أبو داود، وابن ماجه جميعا عن إسماعيل بن موسى، فوافقناهم بعلو درجته.

183 - مخرمة بن سليمان * (ع) الوالبي المدني من ثقات التابعين.
حدث عن عبد الله بن جعفر الهاشمي، والسائب بن يزيد، وكريب مولى ابن عباس.
روى عنه عبد ربه بن سعيد، والضحاك بن عثمان، ومالك بن أنس وعبد الرحمن بن أبي الزناد.
وثقه يحيى بن معين.
قتل يوم وقعة قديد (2) سنة ثلاثين ومئة بقرب مكة في طلب الامارة، فقتل
__________
(1) أخرجه أبو داود (4486) وابن ماجه (2569) كلاهما في الحدود ورجاله ثقات خلا شريك
فهو سئ الحفظ.
* التاريخ الكبير 8 / 15، الجرح والتعديل 8 / 363، تهذيب الكمال 1311، تذهيب التهذيب 4 / 28 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 162، تهذيب التهذيب 10 / 71، خلاصة تذهيب الكمال 371، شذرات الذهب 1 / 177.
(2) كانت بين جيش عبد الله بن يحيى الكندي المتغلب على اليمن، ثم على مكة، وبين جيش الخليفة مروان الاموي، انظر خبرها في " تاريخ الاسلام " 5 / 38 للمؤلف.

(5/417)


يومئذ نحو الثلاث مئة في صفر، وانهزم أهل المدينة، وقالت امرأة: ما للزمان وماليه * أفنت قديد رجاليه
184 - سعد بن إبراهيم * (ع) ابن عبدالرحمن بن عوف، الامام الحجة الفقيه، قاضي المدينة أبو إسحاق، ويقال: أبو إبراهيم القرشي الزهري المدني.
رأى ابن عمر وجابرا، وحدث عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأنس بن مالك، وأبي أمامة بن سهل، وعبد الله بن شداد بن الهاد، وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، وأبي عبيدة بن محمد بن عمار، وسعيد بن المسيب، وحفص بن عاصم، وأبيه إبراهيم وعمه حميد، وخاليه إبراهيم وعامر ابني عامر بن سعد، وعروة بن الزبير، وعبد الرحمن بن هرمز الاعرج، والقاسم بن محمد، وطلحة بن عبد الله بن عوف، وطلحة بن عبد الله بن عثمان، وعبيدالله بن عبد الله بن عتبة، ومعبد الجهني، ونافع بن جبير، ومحمد بن حاطب وخلق سواهم.
وكان من كبار العلماء، يذكر مع الزهري، ويحيى بن سعيد الانصاري.
روى عنه ولده الحافظ إبراهيم بن سعد، والزهري، ويزيد بن الهاد،
وموسى بن عقبة، ويحيى بن سعيد الانصاري، وابن عجلان، وأيوب السختياني، وزكريا بن أبي زائدة، ومسعر، وابن إسحاق، ويونس بن يزيد وشعبة، وسفيان، وعبد العزيز بن الماجشون، وحماد بن سلمة، وحماد بن
__________
* التاريخ الكبير 4 / 51، التاريخ الصغير 1 / 324، تاريخ الفسوي 1 / 411، 681، تاريخ الطبري 7 / 227، الجرح والتعديل 4 / 79، تهذيب الكمال 471، تذهيب التهذيب 2 / 7 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 77، تهذيب التهذيب 3 / 463، خلاصة تذهيب الكمال 133، شذرات الذهب 1 / 173.
(*)

(5/418)


زيد، وعبد الله بن جعفر المخرمي،، وأبو عوانة، وسفيان بن عيينة وآخرون.
قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث.
وقال أحمد بن حنبل: كان ثقة، فاضلا، ولي قضاء المدينة.
وقال ابن معين وأبو حاتم وجماعة: ثقة.
قال يعقوب بن شيبة: سمعت علي بن المديني، وقيل له: سعد بن إبراهيم سمع من عبد الله بن جعفر ؟ قال: ليس فيه سماع، ثم قال: لم يلق أحدا من الصحابة.
قلت: حديثه عن عبد الله بن جعفر في " الصحيحين " (1).
وروى أبو حاتم عن علي بن عبد الله قال: كان سعد بن إبراهيم لا يحدث بالمدينة، فلذلك لم يكتب عنه أهلها، ومالك لم يكتب عنه، وإنما سمع منه شعبة وسفيان بواسط، وابن عيينة بمكة.
وذكر إبراهيم بن سعد، أن أباه سرد الصوم قبل أن يموت بأربعين سنة.
قال حجاج الاعور: كان شعبة إذا ذكر سعد بن إبراهيم، قال: حدثني حبيبي سعد بن إبراهيم، يصوم الدهر، ويختم القرآن في كل يوم وليلة.
معن، عن سعيد بن مسلم بن بانك قال: رأيت سعد بن إبراهيم يقضي في المسجد.
وقال ابن عيينة: أتى عزل سعد بن إبراهيم عن القضاء، كان يتقى كما يتقى وهو قاض.
الشافعي: أخبرني من لاأتهم، عن ابن أبي ذئب قال: قضى سعد بن
__________
(1) أخرجه البخاري 9 / 495 في الاطعمة: باب القثاء، ومسلم (2044) في الاشربة من طريق إبراهيم بن سعد، عن أبيه قال: سمعت عبد الله بن جعفر قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل الرطب بالقثاء.
[ * ]

(5/419)


إبراهيم على رجل برأي ربيعة، فأخبرته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف ما قضى به فقال سعد لربيعة: هذا ابن أبي ذئب، وهو عندي ثقة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف ما قضيت به، فقال له ربيعة: قد اجتهدت، ومضى حكمك، فقال سعد: واعجبا أنفذ قضاء سعد بن أم سعد، وأرد قضاء قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ! بل أرد قضاء سعد، وأنفذ قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا بكتاب القضية، فشقه وقضى للمقضي عليه.
البخاري: حدثني سهل، حدثنا أبو سلمة، أخبرني أبو الهيثم بن محمد ابن حفص قال: كان سعد عند ابن هشام المخزومي أمير المدينة، فاختصم عنده يوما ولد لمحمد بن مسلمة وآخر من بني حارثة، فقال ابن محمد: أنا ابن قاتل كعب بن الاشرف، فقال الحارثي: أما والله ما قتل إلا غدرا، فانتظر سعد أن يغيرها الامير، فلم يفعل حتى [ قاما ]، فلما استقضي سعد، قال: أعطي [ الله ] عهدا لئن أفلت الحارثي منك يقول لمولاه: لاوجعنك، قال شعبة: فصليت معه الصبح، ثم جئت به سعدا، فلما نظر إليه سعد، شق القميص،
ثم قال: أنت القائل إنما قتل ابن الاشرف غدرا، ثم ضربه خمسين ومئة سوط، وحلق رأسه ولحيته، وقال: والله لاقومنك بالضرب ما كان لي عليك سلطان (1).
وروى يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه قال: دخل ناس من القراء يعودونه، منهم ابن هرمز، وصالح مولى التوءمة، فاغرورقت عينا ابن هرمز، فقال له سعد: ما يبكيك ؟ فقال: والله لكأني بقائلة غدا تقول: واسعداه للحق، ولا سعد، قال: والله لئن قلت ذاك، ما أخذني في الله لومة لائم منذ أربعين سنة، ثم قال: أليس تعلم أنك أحب خلقه إلي يعني القرآن.
قال إبراهيم بن سعد وطائفة: مات سعد سنة خمس وعشرين ومئة.
وقال يعقوب ابن إبراهيم وخليفة وغيرهما: سنة سبع وعشرين ومئة.
وقيل: سنة ست.
__________
(1) التاريخ الكبير 4 / 51، 52.
والزيادات منه.
[ * ]

(5/420)


قال إبراهيم بن عيينة: أنبأنا ابن سعد بن إبراهيم، قال: كان أبي يحتبي، فما يحل حبوته حتى يقرأ القرآن.
وقال يعقوب بن إبراهيم: كان سعد لما توفي ابن اثنتين وسبعين سنة.
قلت: فيكون مولده في [ حياة ] عائشة أم المؤمنين.

185 - عمير بن هانئ * (ع) العبسي الداراني الامام أبو الوليد.
سمع معاوية، وابن عمر، وأبا هريرة وطائفة، وحديثه عن معاوية في " الصحيحين ".
حدث عنه الزهري، وقتادة، وأبو بكر بن أبي مريم، والاوزاعي، ومعاوية بن صالح، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وسعيد بن عبد العزيز.
وقد ناب عن الحجاج بالكوفة، ثم ولي الخراج لعمر بن عبد العزيز.
قيل: لحق ثلاثين صحابيا.
قال ابن جابر: كان يضحك، ثم يقول: بلغني أن أبا الدرداء قال: إني لاستجم ليكون أنشط لي في الحق، فقلت: أراك لا تفتر عن الذكر فكم تسبح ؟ قال: مئة ألف إلا أن تخطئ الاصابع.
وروى عنه سعيد بن عبد العزيز أن عبدالملك وجهه بكتب إلى الحجاج وهو يحاصر ابن الزبير.
قال العجلي: تابعي ثقة، وقال الفسوي: لا بأس به.
قلت: هو مقل، وقد كره ظلم الحجاج وفارقه، وقال: كان إذا كتب إلي
__________
* تاريخ خليفة 294، التاريخ الكبير 6 / 535، التاريخ الصغير 1 / 265، الجرح والتعديل 6 / 378، الكامل لابن الاثير 5 / 123، تهذيب الكمال 1062، تذهيب التهذيب 117، تهذيب التهذيب 8 / 149، خلاصة تذهيب الكمال 297، شذرات الذهب 1 / 173.
[ * ]

(5/421)


في رجل أحده حددته، وإذا كتب فيمن أقتله، لم أقتله.
قال أبو داود: قتل عمير صبرا بداريا أيام فتنة الوليد، لانه كان يحرض على قتله - يعني وقام ببيعة الناقص قال: فقتله ابن مرة، وسمط رأسه حلقه، وأتى به مروان بن محمد سنة سبع وعشرين ومئة.
وقال أحمد بن أبي الحواري: إني لابغضه، وقال أبو داود: كان قدريا.
وقال مروان الطاطري: كان عمير أبغض إلى سعيد بن عبد العزيز من النار.
قال على المنبر يوم بيعة الناقص: سارعوا إلى هذه البيعة، فإنما هما هجرتان: هجرة إلى الله ورسوله، وهجرة إلى يزيد بن الوليد.

186 - حصين بن عبدالرحمن * (1) (ع)
الحافظ الحجة المعمر أبو الهذيل السلمي الكوفي ابن عم منصور.
ولد في زمن معاوية في حدود سنة ثلاث وأربعين.
وحدث عن عمارة بن رويبة الصحابي، وجابر بن سمرة، وعن أبي وائل، وزيد بن وهب، وعمرو بن ميمون، وعياض الاشعري، وهلال بن يساف، ومرة بن شراحيل، وعبد الله بن أبي قتادة، وسعيد بن جبير، وسالم بن أبي الجعد، وسعد بن عبيده، وأبي ظبيان حصين بن جندب، والشعبي، وعراك الغفاري، وأبي عبيدة بن حذيفة، وعطاء بن أبي رباح وخلق كثير.
وعنه سليمان التيمي، وشعبة، وزائدة، والثوري، وجرير بن حازم، وجرير بن عبدالحميد، وأبو عوانة، وهشيم، وابن فضيل، وفضيل بن عياض
__________
* طبقات ابن سعد 6 / 338، طبقات خليفة 160، 164، التاريخ الكبير 3 / 7، 8، الجرح والتعديل 3 / 193، تهذيب الكمال 302، تذهيب التهذيب 160، تاريخ الاسلام 5 / 237، تذكرة الحفاظ 1 / 143، ميزان الاعتدال 1 / 551، العبر 1 / 183، تهذيب التهذيب 2 / 381، خلاصة تذهيب الكمال 86، شذرات الذهب 1 / 193.
(1) سقط من الاصل الذي اعتمدناه من قوله: ومضى حكمك في الصفحة 420 إلى هنا، واستدركناه من مصورة المجمع العلمي العربي بدمشق.
[ * ]

(5/422)


وعبثر بن القاسم، وعبد الله بن إدريس، وعباد بن العوام، وعلي بن عاصم، وعمران بن عيينة، وأبو بكر بن عياش، وخلق كثير.
وكان من أئمة الاثر.
روى أبو حاتم، عن أحمد بن حنبل: حصين بن عبدالرحمن الثقة المأمون من كبار أصحاب الحديث.
وقال يحيى بن معين: ثقة.
وقال أحمد العجلي: كوفي ثقة ثبت في الحديث، سكن بلد المبارك
بأخرة، والواسطيون أروى الناس عنه.
قال ابن أبي حاتم: قلت: لابي زرعة، حصين حجة ؟ قال: إي والله.
وقال أبو حاتم: ثقة في الحديث.
قال: وفي آخر عمره ساء حفظه.
وقال النسائي: تغير.
وقال يزيد بن هارون: طلبت الحديث وحصين حي، كان يقرأ عليه، وكان قد نسي.
وعن يزيد قال: اختلط حصين.
وقال علي بن المديني وغيره: لم يختلط.
قلت: احتج به أرباب الصحاح، وهو أقوى من عبدالملك بن عمير، ومن سماك بن حرب، وما هو بدون أبي إسحاق، والعجب من أبي عبد الله البخاري، ومن العقيلي، وابن عدي، كيف تسرعوا إلى ذكر حصين في كتب الجرح.
وقيل: كان يخضب بالحناء.
وقال هشيم: أتى عليه ثلاث وتسعون سنة، وكان أكبر من الاعمش، وقريبا من إبراهيم النخعي.
قلت: وذكر أنه شهد عرس والد منصور بن المعتمر على أم منصور.
روى علي بن عاصم، عن حصين، قال: جاءنا قتل الحسين، فمكثنا

(5/423)


ثلاثا، كأن وجوهنا طليت برماد، قلت: مثل من أنت يومئذ ؟ قال: رجل متأهل.
قال مطين: مات سنة ست وثلاثين ومئة.

وممن اسمه
187 - حصين بن عبدالرحمن * هو ابن عمرو بن سعد بن معاذ الانصاري الاشهلي.
روى عن أنس وطائفة.
وعنه ابن إسحاق، ومحمد بن صالح الازرق، وابنه محمد بن حصين.
روى له أبو داود، والنسائي، وهو مقل، توفي سنة ست وعشرين ومئة.
بالمدينة.

ومنهم:
188 - حصين بن عبدالرحمن الجعفي الكوفي * * يروي عنه طعمة بن غيلان.
189 - وحصين بن عبدالرحمن الحارثي الكوفي * * * عن الشعبي، وعنه حجاج بن أرطاة وغيره.
190 - وحصين بن عبدالرحمن النخعي الكوفي * * * * عن الشعبي أيضا وعنه حفص بن غياث.
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا واثلة بن كراز ببغداد، أنبأنا أبو علي الرحبي، أنبأنا ابن طلحة، أنبأنا أبو عمر بن مهدي، حدثنا أبو عبد الله
__________
* التاريخ الكبير 3 / 8، الجرح والتعديل 3 / 193، تهذيب الكمال 302، تذهيب التهذيب 1 / 161 / 1، تهذيب التهذيب 2 / 380، خلاصة تذهيب الكمال 85.
* * تهذيب التهذيب 302، تذهيب التهذيب 1 / 161 / 1، تهذيب التهذيب 2 / 383.
* * * التاريخ الكبير 3 / 8، الجرح والتعديل 3 / 193، ت 838، تهذيب الكمال 302، تذهيب التهذيب 1 / 161 / 1، تهذيب التهذيب 2 / 383، خلاصة تذهيب الكمال 86.
* * * * التاريخ الكبير 3 / 8، الجرح والتعديل 3 / 194 ت 840، تهذيب الكمال 302، تذهيب التهذيب 1 / 161 / 2، تهذيب التهذيب 3 / 383.
[ * ]

(5/424)


المحاملي، حدثنا سلم بن جنادة، حدثنا ابن إدريس، حدثنا حصين، عن
شقيق، عن عبد الله، قال: " كنا نقول: السلام على الله، فقال: لا تقولوا: السلام على الله فإن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " وذكر الحديث (1).

191 - القسري * (د) الامير الكبير أبو الهيثم خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز البجلي القسري الدمشقي أمير العراقين لهشام، وولي قبل ذلك مكة للوليد بن عبد الملك، ثم لسليمان.
روى عن أبيه، وعنه سيار أبو الحكم، وإسماعيل بن أوسط البجلي وإسماعيل بن أبي خالد، وحميد الطويل.
وقلما روى.
له حديث في " مسند أحمد "، وفي " سنن أبي داود " حديث، رواه عن جده يزيد، وله صحبة.
__________
(1) رجاله ثقات، وأخرجه البخاري 11 / 12 في الاستئذان: باب السلام اسم من أسماء الله تعالى، ومسلم (402) في الصلاة: باب التشهد في الصلاة، وأبو داود (968)، والنسائي 2 / 240، والترمذي (289) وابن ماجه (899) من طرق عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن ابن مسعود قال: كنا إذا صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم، قلنا: السلام على الله قبل عباده، السلام على جبريل، السلام على ميكائيل السلام على فلان، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم، أقبل علينا بوجهه، فقال: " إن الله هو السلام، فإذا جلس أحدكم في الصلاة فليقل: التحيات لله، والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنه إذا قال ذلك، أصاب كل عبد صالح في السماء والارض، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم يتخير بعد من الكلام ما شاء ".
* التاريخ الكبير 3 / 158، الجرح والتعديل 3 / 340، الاغاني 22 / 5، 29، ابن الاثير 5 / 124
و 276 وما بعدها، وفيات الاعيان 2 / 226، 231، تهذيب الكمال 362، تذهيب التهذيب 1 / 189 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 64، البداية والنهاية 10 / 17، 22، ابن خلدون 3 / 105، تهذيب التهذيب 3 / 101، خلاصة تذهيب الكمال 101، شذرات الذهب 1 / 169، الطبري 7 / 254 وما بعدها، تهذيب ابن عساكر 5 / 70 - 83.
[ * ]

(5/425)


وكان جوادا ممدحا معظما عالي الرتبة من نبلاء الرجال، لكنه فيه نصب معروف، وله دار كبيرة في مربعة القز بدمشق، ثم صارت تعرف بدار الشريف اليزيدي، وإليه ينسب الحمام الذي مقابل قنطرة سنان بناحية باب توما.
قال يحيى الحماني: قيل لسيار: تروي عن مثل خالد ؟ فقال: إنه أشرف من أن يكذب.
قال خليفة بن خياط: عزل الوليد عن مكة نافع بن علقمة بخالد القسري سنة تسع وثمانين، فلم يزل واليها إلى سنة ست ومئة، فولاه هشام بن عبدالملك العراق مدة إلى أن عزله سنة عشرين ومئة بيوسف بن عمر الثقفي.
روى العتبي عن رجل، قال: خطب خالد بن عبد الله بواسط، فقال: إن أكرم الناس من أعطى من لا يرجوه، وأعظم الناس عفوا من عفا عن قدرة، وأوصل الناس من وصل عن قطيعة.
ابن أبي خيثمة: حدثنا محمد بن يزيد الرفاعي، سمعت أبا بكر بن عياش يقول: رأيت خالدا القسري حين أتى بالمغيرة بن سعيد وأصحابه، وكان يريهم أنه يحيي الموتى، فقتل خالد واحدا منهم، ثم قال للمغيرة: أحيه فقال: والله ما أحيي الموتى، قال: لتحيينه أو لاضربن عنقك، ثم أمر بطن من قصب فأضرموه، وقال: اعتنقه، فأبى، فعدا جل من أتباعه فاعتنقه، قال أبو بكر: فرأيت النار تأكله وهو يشير بالسبابة، فقال خالد: هذا والله أحق بالرئاسة
منك، ثم قتله وقتل أصحابه.
قلت: كان رافضيا خبيثا كذابا ساحرا، ادعى النبوة، وفضل عليا على الانبياء، وكان مجسما، سقت أخباره في " ميزان الاعتدال " (1).
__________
(1) 4 / 160، 162.
[ * ]

(5/426)


وكان خالد على هناته يرجع إلى إسلام.
وقال القاضي ابن خلكان: كان يتهم في دينه، بنى لامه كنيسة، [ تتعبد فيها ] وفيه يقول الفرزدق: ألا قبح الرحمن ظهر مطية * أتتنا تهادى من دمشق بخالد وكيف يؤم الناس من كان أمه * تدين بأن الله ليس بواحد بنى بيعة فيها الصليب لامه * ويهدم من بغض منار المساجد قال الاصمعي: حرم القسري الغناء، فأتاه حنين في أصحاب المظالم ملتحفا على عود، فقال: أصلح الله الامير، شيخ ذو عيال كانت له صناعة، حلت بينه وبينها، قال: وما ذاك ؟ فأخرج عوده وغنى: أيها الشامت المعير بالشي * ب أقلن بالشباب افتخارا قد لبست الشباب قبلك حينا * فوجدت الشباب ثوبا معارا فبكى خالد، وقال: صدق والله، عد، ولا تجالس شابا ولا معربدا.
الاصمعي، عن ابن نوح: سمعت خالدا يقول على المنبر: إني لاطعم كل يوم ستة وثلاثين ألفا من الاعراب تمرا وسويقا.
الاصمعي: أن أعرابيا قال لخالد القسري: أصلحك الله، لم أصن وجهي عن مسألتك، فصنه عن الرد، وضعني من معروفك حيث وضعتك من رجائي، فوصله.
وقال أعرابي: يأمر الامير لي بملء جرابي دقيقا ؟ قال: املؤوه له دراهم، فقيل للاعرابي، فقال: سألت الامير ما أشتهي، فأمر لي بما يشتهي.
ابن أبي الدنيا: أخبرني محمد بن الحسين، حدثني عبد الله بن شمر الخولاني، حدثني عبدالملك مولى خالد بن عبد الله، قال: إني لاسير بين

(5/427)


يدي خالد بالكوفة ومعه الوجوه، فقام إليه رجل، فقال: أصلح الله الامير، فوقف، وكان كريما، فقال: مالك ؟ قال: تأمر بضرب عنقي ؟ قال: لم ؟ قطعت طريقا ؟ قال: لا، قال: فنزعت يدا من طاعة ؟ قال: لا، قال: فعلام أضرب عنقك ؟ قال: الفقر والحاجة، قال: تمن ؟ قال: ثلاثين ألفا، فالتفت إلى أصحابه فقال: هل علمتم تاجرا ربح الغداة ما ربحت ؟ نويت له مئة ألف، فتمنى ثلاثين ألفا، ثم أمر له بها.
وقيل: كان خالد يجلس ثم يدعو بالبدر، ويقول: إنما هذه الاموال ودائع لابد من تفريقها.
وقيل: أنشده أعرابي: أخالد بين الحمد والاجر حاجتي * فأيهما يأتي فأنت عماد أخالد إني لم أزرك لحاجة * سوى أنني عاف وأنت جواد فقال: سل، قال: مئة ألف، قال: أسرفت يا أعرابي، قال: فأحط للامير ؟ قال: نعم.
قال: قد حططتك تسعين ألفا، فتعجب منه، فقال: سألتك على قدرك، وحططتك على قدري، وما أستأهله في نفسي، قال: لا والله لا تغلبني، يا غلام أعطه مئة ألف.
قال الاصمعي: أنشده أعرابي في مجلس الشعراء تعرضت لي بالجود حتى نعشتني * وأعطيتني حتى ظننتك تلعب
فأنت الندى وابن الندى وأخو الندى * حليف الندى ما للندى عنك مذهب فأعطاه مئة ألف.
الاصمعي، عن يونس بن حبيب نحوها وزاد، فقام أعرابي آخر، فقال: قد كان آدم قبل حين وفاته * أوصاك وهو يجود بالحوباء

(5/428)


ببنيه أن ترعاهم فرعيتهم * فكفيت (1) آدم عيلة الابناء فتمنى أن يعطيه عشرين ألفا، فأعطاه أربعين ألفا، وأن يضرب خمسين جلدة، وأن ينادى عليه: هذا جزاء من لا يحسن قيمة الشعر.
وعنه قال: لا يحتجب الامير عن الناس إلا لثلاث: لعي، أو لبخل، أو اشتمال على سوءة.
قال عبد الله بن أحمد: سمعت ابن معين يقول: خالد بن عبد الله القسري رجل سوء يقع في علي، وقال فضل بن الزبير: سمعت القسي يقول في علي ما لا يحل ذكره.
وقال الاصمعي: خبرت أن القسري ذم زمزم، وقال: يقال: إن زمزم لا تنزح ولا تذم، بلى والله إنها تنزح وتذم، ولكن هذا أمير المؤمنين قد ساق لكم قناة بمكة.
قال أبو عاصم النبيل: ساق خالد ماء إلى مكة، فنصب طستا إلى جنب زمزم، وقال: قد جئتكم بماء العاذبة لا تشبه أم الخنافس، يعني: زمزم، فسمعت عمر بن قيس يقول: لما أخذ خالد بن عبد الله سعيد بن جبير وطلق ابن حبيب، خطب، فقال: كأنكم أنكرتم ما صنعت، والله لو كتب إلي أمير المؤمنين، لنقضتها حجرا حجرا يعني: الكعبة.
الاصمعي: سمعت شبيب بن شيبة، يقول: كان سبب عزل خالد أن امرأة قالت له: إن غلامك المجوسي أكرهني على الفجور، وغصبني نفسي.
قال: كيف وجدت قلفته ؟ فكتب بذلك حسان النبطي إلى هشام، فعزله.
وكان خطب يوما، فقال: تسومونني أن أقيد من قائد لي، ولئن أقدت منه، أقدت من نفسي، ولئن أقدت من نفسي، لقد أقاد أمير المؤمنين من نفسه، ولئن أقاد، لقد أقاد رسول الله من نفسه، ولئن أقاد، ليقيدن هاه هاه،
__________
(1) في الاصل: " فكيف " وهو خطأ.
[ * ]

(5/429)


ويومئ بيده إلى فوق (1).
عن أبي سفيان الحميري، قال: أراد الوليد بن يزيد الحج، فاتعد فتية أن يفتكوا به في طريقه، وسألوا خالد القسري الدخول معهم فأبى، ثم أتى خالد فقال: يا أمير المؤمنين: دع الحج.
قال: ومن تخاف سمهم، قال: قد نصحتك ولن أسميهم قال: إذا أبعث بك إلى عدوك يوسف بن عمر، قال: وإن، فبعث به إليه، فعذبه حتى قتله.
ابن خلكان قال: لما أراد هشام عزل خالد عن العراق، وعنده رسول يوسف بن عمر من اليمن، قال: إن صاحبك قد تعدى طوره، وفعل وفعل، ثم أمر بتخريق ثيابه وضربه أسواطا، وقال: امض إلى صاحبك فعل الله به، ثم دعا بسالم كاتبه، وقال: اكتب إلى يوسف، سر إلى العراق واليا سرا، واشفني من ابن النصرانية وعماله، ثم أمسك الكتاب بيده، وجعله في طي كتاب آخر، ولم يشعر الرسول، فقدم اليمن، فقال يوسف: ما وراءك ؟ قال: الشر، ضربني أمير المؤمنين، وخرق ثيابي، ولم يكتب إليك، بل إلى صاحب ديوانك.
ففض الكتاب وقرأه، ثم وجد الكتاب الصغير، فاستخلف على اليمن ابنه الصلت، وسار إلى العراق، وجاءت العيون إلى خالد، فأشار عليه نائبه طارق ائذن لي إلى أمير المؤمنين، وأضمن له مالي السنة مئة ألف ألف، وآتيك بعهدك، قال:
ومن أين هذه الاموال ؟ قال: أتحمل أنا وسعيد بن راشد أربعين ألف الف، وأبان والزينبي عشرين ألف ألف، ويفرق الباقي على باقي العمال، فقال: إني إذا
__________
وقد أورد ابن كثير في " البداية: 10 / 20، 21، نحوا من هذا، ثم قال: والذي يظهر أن هذا لا يصح عنه فإنه كان قائما في إطفاء الضلال والبدع كما قدمنا من قتله للجعد بن درهم وغيره من أهل الالحاد، وقد نسب إليه صاحب العقد أشياء لا تصح، لان صاحب العقد كان فيه تشيع شنيع، ومغالاة في أهل البيت، وربما لا يفهم أحد من كلامه ما فيه من التشيع، وقد اغتر به شيخنا الذهبي، فمدحه بالحفظ وغيره.
[ * ]

(5/430)


للئيم أسوغهم شيئا، ثم أرجع فيه، قال: إنما نقيك، ونقي أنفسنا ببعض أموالنا، وتبقى النعمة علينا، فأبى، فودعه طارق، ووافى يوسف، فمات طارق في العذاب، ولقي خالد كل بلاء، ومات في العذاب جماعة من عماله بعد أن استخرج منهم يوسف تسعين ألف ألف درهم.
وقيل: إن هشاما حقد على خالد بكثرة أمواله وأملاكه، ولانه كان يطلق لسانه في هشام، وكتب إلى يوسف أن سر إليه في ثلاثين راكبا.
فقدم الكوفة في سبع عشرة ليلة، فبات بقرب الكوفة وقد ختن واليها طارق ولده، فأهدوا لطارق ألف عتيق وألف وصيف، وألف جارية، سوى الاموال والثياب، فأتى رجل طارقا، فقال: إني رأيت قوما أنكرتهم، وزعموا أنهم سفار، وصار يوسف إلى دور بني ثقيف، فأمر رجلا، فجمع له من قدر عليه من مضر، ودخل المسجد الفجر، فأمر المؤذن بالاقامة، فقال: لا حتى يأتي الامام، فانتهره وأقام، وصلى، وقرأ * (إذا وقعت) *، و * (سأل سائل) *، ثم أرسل إلى خالد وأصحابه، فأخذوا وصادرهم.
قال أشرس الاسدي: أتى كتاب هشام يوسف فكتمنا، وقال: أريد
العمرة، فخرج وأنا معه، فما كلم أحدا منا بكلمة، حتى أتى العذيب، فقال: ما هي بأيام عمرة، وسكت حتى أتى الحيرة، ثم استلقى على ظهره، وقال: فما لبثتنا العيس أن قذفت بنا * نوى غربة والعهد غير قديم ثم دخل الكوفة فصلى الفجر، وكان فصيحا طيب الصوت.
وقيل: إن هشام بن عبدالملك كتب إلى يوسف: لئن شاكت خالدا شوكة لاقتلنك، فأتى خالد الشام، فلم يزل بها يغزو الصوائف حتى مات هشام.
وقيل: بل عذبه يوسف يوما واحدا، وسجنه بضعة عشر شهرا، ثم

(5/431)


أطلق، فقدم الشام سنة اثنتين وعشرين.
ونقل ابن خلكان أن يوسف عصره حتى كسر قدميه وساقيه، ثم عصره على صلبه، فلما انقصف مات، وهو في ذلك لا يتأوه ولا ينطق، وهذا لم يصح، فإنه جاء إلى الشام وبقي بها حتى قتله الوليد الفاسق.
قال ابن جرير: لبث خالد بن عبد الله في العذاب يوما، ثم وضع على صدره المضرسة، فقتل من الليل في المحرم سنة ست وعشرين ومئة في قول الهيثم بن عدي، فأقبل عامر بن سهلة الاشعري، فعقر فرسه على قبره، فضربه يوسف بن عمر سبع مئة سوط.
وقال فيه أبو الأشعث العبسي: ألا إن خير الناس حيا وميتا * أسير ثقيف عندهم في السلاسل لعمري لقد أعمرتم السجن خالدا * وأوطأتموه وطأة المتثاقل فإن سجنوا القسري لا يسجنوا اسمه * ولا يسجنوا معروفه في القبائل لقد كان نهاضا بكل ملمة * ومعطي اللهى غمرا كثير النوافل قتيبة بن سعيد وغيره، قالا: حدثنا القاسم بن محمد، عن عبدالرحمن
ابن محمد بن حبيب، عن أبيه، عن جده، قال: شهدت خالدا القسري في يوم أضحى، يقول: ضحوا تقبل الله منكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيرا، ثم نزل فذبحه (1).
قلت: هذه من حسناته، هي، وقتله مغيرة الكذاب.
__________
(1) عبدالرحمن بن محمد وأبوه لا يعرفان، وأخرجه البخاري في " أفعال العباد " ص 69.
[ * ]

(5/432)


192 - الجعد بن درهم * مؤدب مروان الحمار (1)، هو أول من ابتدع بأن الله ما اتخذ إبراهيم خليلا، ولا كلم موسى، وأن ذلك لا يجوز على الله.
قال المدائني: كان زنديقا.
وقد قال له وهب: إني لاظنك من الهالكين، لو لم يخبرنا الله أن له يدا، وأن له عينا ما قلنا ذلك، ثم لم يلبث الجعد أن صلب.

193 - سليمان بن موسى * * (4) الامام الكبير مفتي دمشق، أبو أيوب، ويقال: أبو هشام، وأبو الربيع الدمشقي الاشدق، مولى آل معاوية بن أبي سفيان.
__________
* اللباب 1 / 230، تاريخ الاسلام 4 / 238، ميزان الاعتدال 1 / 399، البداية 9 / 350، 360، لسان الميزان 2 / 105، النجوم الزاهرة 1 / 322، تاريخ الخميس 2 / 322، تاج العروس 2 / 321.
(1) قال ابن كثير في " البداية " 10 / 19: كان الجعد بن درهم من أهل الشام وهو مؤدب مروان الحمار، ولهذا يقال له: مروان الجعدي، فنسب إليه، وهو شيخ الجهم بن صفوان الذي تنسب إليه الطائفة الجهمية الذين يقولون: إن الله في كل مكان بذاته تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، وكان الجعد بن درهم قد تلقى هذا المذهب الخبيث عن رجل يقال له أبان بن سمعان، وأخذه أبان عن
طالوت بن أخت لبيد بن الاعصم، عن خاله لبيد بن الاعصم اليهودي.
قلت: ولم يذكر ابن كثير سنده في هذا الخبر حتى ننظر فيه، ويغلب على الظن أنه افتعله أعداء الجعد ولم يحكموه لان أفكاره التي طرحها في العقيدة مناقضة كل المناقضة لما عليه اليهود، فهو ينكر بعض الصفات القديمة القائمة بذات الله ويؤولها لينزه الله تعالى عن سمات الحدوث، ويقول بخلق القرآن وان الله لم يكلم موسى بكلام قديم بل بكلام حادث بينما اليهود المعروف عنهم الاغراق في التجسيم والتشبيه، ويرى بعض الباحثين المعاصرين أن قتل الجعد كان لسبب سياسي لا لآرائه في العقيدة، ويعلل ذلك بأن خلفاء بني أمية وولاتهم كانوا أبعد الناس عن قتل المسلمين في مسائل تمت إلى العقيدة.
* * طبقات خليفة 312، التاريخ الكبير 4 / 38، الجرح والتعديل 4 / 141، حلية الاولياء 6 / 87، 88، تهذيب الكمال: 550، تذهيب التهذيب 2 / 56 / 2، تاريخ الاسلام 4 / 254، ميزان الاعتدال 2 / 425، 426، تهذيب التهذيب 4 / 226، خلاصة تهذيب الكمال 155، شذرات الذهب 1 / 156، تهذيب ابن عساكر 6 / 286.
[ * ]

(5/433)


يروي عن جابر بن عبد الله، وأبي أمامة، ومالك بن يخامر، وأبي سيارة المتعي، وواثلة بن الاسقع، وغالبه مرسل.
ويروي عن كثير بن مرة، فلعله أدركه، وعن طاووس، ونافع بن جبير، وكريب، والقاسم بن محمد، وعطاء بن أبي رباح، ونافع، وعمرو بن شعيب، ومكحول، وابن شهاب، ونصير مولى معاوية وعدة.
روى عنه ابن جريج، وثور بن يزيد، ورجاء بن أبي سلمة، وزيد بن واقد، وعبد الرحمن بن الحارث المخزومي، ومحمد بن راشد المكحول، والاوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، وأبو معيد حفص بن غيلان، وابن لهيعة، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، ومسرة بن معبد، ومعاوية بن يحيى الصدفي: وهمام بن يحيى، والزبيدي، وخلق كثير.
قال سعيد بن عبد العزيز: كان سليمان بن موسى أعلم أهل الشام بعد مكحول، ولو قيل لي: من أفضل الناس ؟ لاخذت بيد سليمان.
وكان عطاء إذا جاء سليمان بن موسى، يقول: كفوا عن المسألة، فقد جاءكم من يكفيكم المسألة.
قال أبو مسهر: قال لي سعيد بن عبد العزيز: ما رأيت أحسن مسألة منك بعد سليمان بن موسى.
قال سعيد: قال سليمان بن موسى: حسن المسألة نصف العلم.
قال ابن عيينة: لا نعلم مكحولا خلف بالشام مثل يزيد بن يزيد، إلا ما ذكره ابن جريج من سليمان بن موسى.
وقال مطعم بن المقدام: سمعت عطاء بن أبي رباح يقول: سيد شباب أهل الحجاز ابن جريج، وسيد شباب أهل العراق الحجاج بن أرطاة، وسيد شباب أهل الشام سليمان بن موسى.

(5/434)


وقال شعيب عن الزهري: إن مكحولا يأتينا، وسليمان بن موسى وايم الله أحفظ الرجلين.
وقال مروان الطاطري: سمعت ابن لهيعة يقول: ما لقيت مثله يعني: سليمان بن موسى.
فقلت له: ولا الاعرج ؟ قال: ما رأيت مثل سليمان بن موسى.
قال زيد بن واقد: عاش سليمان بن موسى بعد مكحول سنتين، فكنا نجلس إليه بعد مكحول.
فكان يأخذ كل يوم في باب من العلم، فلا يقطعه حتى يفرغ منه، ثم يأخذ في باب غيره، فقلت له يوما: يا أبا الربيع جزاك الله عنا خيرا، فإنك تحدثنا بما نريد وما لا نعقله.
فلو بقي لنا لكفانا الناس.
قال أبو مسهر: كان أعلى أصحاب مكحول سليمان بن موسى، ومعه يزيد بن يزيد بن جابر.
قال دحيم: هو ثقة.
وقال أحمد بن أبي خيثمة عن يحيى: سليمان بن موسى، عن مالك بن يخامر مرسلا، وعن جابر مرسلا.
وقال أبو مسهر: لم يدرك سليمان كثير بن مرة، ولا عبدالرحمن بن غنم.
وقال عثمان الدارمي: قلت ليحيى بن معين: سليمان بن موسى ما حاله في الزهري ؟ قال: ثقة.
وقال أبو حاتم: محله الصدق، وفي حديثه بعض الاضطراب، ولا أعلم أحدا من أصحاب مكحول أفقه منه ولا أثبت منه.
وقال أيضا: أختار من أهل الشام بعد الزهري ومكحول للفقه سليمان ابن موسى.
وقال البخاري: عنده مناكير.
وقال النسائي: هو أحد الفقهاء، وليس بالقوي في الحديث.
وقال مرة: في حديثه شئ.
وقال ابن عدي: هو فقيه راو، حدث عنه الثقات، وهو أحد العلماء، روى أحاديث ينفرد بها لا يرويها غيره، وهو عندي ثبت صدوق.

(5/435)


قال أبو مسهر: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، حدثنا سليمان بن موسى بصحيفة حفظها، فأعجبه ذلك، فقال له مكحول: أتعجب ؟ ! ما سمعت شيئا فاستودعته صدري إلا وجدته حين أريده.
وقال عباس بن محمد: قلت ليحيى: حديث " لا نكاح إلى بولي " (1)
يرويه ابن جريج، فقال: لا يصح في هذا شئ إلا حديث سليمان بن موسى.
قال أحمد بن أبي يحيى: سمعت أحمد بن حنبل يقول: حديث " أفطر الحاجم والمحجوم " (2) " ولا نكاح إلا بولي " أحاديث يشبه بعضها بعضا وأنا أذهب إليها.
قلت: روى الثقات عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، ولها مهرها بما أصاب منها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له " (3).
وعيسى بن يونس، عن ابن جريج نحوه، ولفظه " لا نكاح إلا بولي، وشاهدي عدل " ثم قال ابن عدي: رواه مع سليمان يزيد بن أبي حبيب،
__________
(1) حديث صحيح بطرقه وشواهده.
أخرجه أحمد 4 / 394 و 413 و 418، والترمذي (1101) و (1102)، وأبو داود (2085) والبيهقي 7 / 107 من حديث أبي موسى الاشعري، وصححه ابن حبان (1243) و (1244) و (1245) والحاكم 2 / 169، وأطال في تخريج طرقه، وقد اختلف في وصله وإرساله، قال الحاكم: وقد صحت الرواية فيه عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: عائشة وأم سلمة، وزينب بنت جحش، قال: وفي الباب عن علي، وابن عباس، ومعاذ، وعبد الله بن عمر، وأبي ذر الغفاري، والمقداد بن الاسود، وعبد الله بن مسعود، وجابر، وأبي هريرة، وعمران بن الحصين، وعبد الله بن عمرو، والمسور بن مخرمة، وأنس بن مالك.
(2) حديث صحيح بلا ريب روي من حديث شداد بن أوس، ومن حديث رافع بن خديج، ومن حديث ثوبان، لكنه منسوخ انظر " شرح السنة " 6 / 302، 303، بتحقيقنا.
(3) أخرجه أبو داود (2083) والترمذي (1102) وابن ماجه (1879) من حديث عائشة، وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان (1248) والحاكم 2 / 168، وقط بسط الكلام عليه البيهقي في " السنن " 7 / 105، 107، والحافظ في " التخليص " 3 / 156.
[ * ]

(5/436)


وحجاج بن أرطاة، وقرة بن حيوئيل، وأيوب بن موسى، وسفيان بن عيينة، وإبراهيم بن سعد، وكلها طرق غريبة، سوى حجاج، وطريقه مشهور.
قلت: وهو صاحب حديث زمارة الراعي عن نافع، عن ابن عمر (1).
وروى ابن جريج عنه، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة مرفوعا: " المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لابد منه " (2).
قال دحيم: مات سنة خمس عشرة ومئة.
وقال أبو عبيد، وابن سعد، وخليفة، وجماعة: مات سنة تسع عشرة ومئة.
وله شئ في مقدمة مسلم.

194 - يزيد بن أبي مالك * (د، س، ق) هو العلامة قاضي دمشق يزيد بن عبدالرحمن بن أبي مالك هانئ الهمداني الدمشقي.
ولد سنة ستين، وأرسل عن أبي أيوب، وروى عن واثلة بن الاسقع، وأنس بن مالك، وجبير بن نفير، وابن المسيب، وأبي إدريس الخولاني، وسليمان بن يسار وعدة.
وعنه ابنه خالد، والاوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، وسعيد بن بشير، وعمرو بن واقد وآخرون.
__________
(1) أخرجه أبو داود (4924) في الادب: باب كراهية الغناء والزمر، من طريق سليمان بن موسى، عن نافع قال: سمع ابن عمر مزمارا، قال: فوضع إصبعيه على أذنيه، ونأى عن الطريق، وقال لي: يا نافع هل تسمع شيئا ؟ فقلت: لا، قال: فرفع اصبعيه من أذنيه، وقال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمع مثل هذا فصنع مثل هذا.
وسنده صحيح.
(2) أخرجه البيهقي 1 / 52 من طريق عصام بن يوسف عن عبد الله بن المبارك، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن الزهري، عن عروة عن عائشة.
وعصام بن يوسف هو
البلخي، قال ابن عدي: روى أحاديث لا يتابع عليها، وقال الدارقطني ص 36: تفرد به عصام، ووهم فيه، والصواب عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى مرسلا.
* طبقات خليفة 311، التاريخ الكبير 8 / 347، الجرح والتعديل 9 / 277، تهذيب الكمال 1537، تذهيب التهذيب 4 / 178 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 187، تهذيب التهذيب 11 / 345، خلاصة تذهيب الكمال 433.
[ * ]

(5/437)


وثقه أبو حاتم.
قال أبو مسهر: رأى أنسا.
وقال ابن معين: قضى لهشام ابن عبدالملك.
قلت: كان أحد الفقهاء مع مكحول، وقد ندبه عمر بن عبد العزيز ليفقه بني نمير ويقرئهم.
قال سعيد بن بشير: كان صاحب كتب، يعني: أنه كان بليغا في ترسله.
قلت: لما استخلف الوليد بن يزيد، عزله بالحارث بن محمد الاشعري.
وقال سعيد بن عبد العزيز: لم يكن عندنا أعلم بالقضاء من يزيد بن أبي مالك، لا مكحول ولاغيره.
قال أبو عبيد: مات سنة ثلاثين ومئة.
وقال الوليد بن مسلم: بقي إلى سنة ثمان وثلاثين ومئة.

195 - عبدالملك بن عمير * (ع) ابن سويد بن حارثة القرشي، ويقال: اللخمي أبو عمرو، ويقال: أبو عمر الكوفي الحافظ، ويعرف بالقبطي.
رأى عليا رضي الله عنه، وأبا موسى الاشعري.
وحدث عن جندب البجلي، وجابر بن سمرة، وجبر بن عتيك، وعمروبن حريث، وعطية القرظي، والنعمان بن بشير، وأم عطية، وجرير بن عبد الله
البجلي إن صح، وحصين بن قبيصة أو ابن عقبة، وإياد بن لقيط، والاشعث ابن قيس ولم يدركه، وحصين بن أبي الحر، وزيد بن عقبة، وربعي بن حراش،
__________
* طبقات خليفة 163، التاريخ الكبير 5 / 426، التاريخ الصغير 2 / 39، الجرح والتعديل 5 / 360، تهذيب الكمال 860، تذهيب التهذيب 2 / 252 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 271، ميزان الاعتدال 2 / 660، 661، تهذيب التهذيب 6 / 411، خلاصة تذهيب الكمال 245.
[ * ]

(5/438)


وابن أبي ليلى، وقزعة بن يحيى، وعمرو بن ميمون الاودي، ووراد كاتب المغيرة، وموسى بن طلحة، وأبي بردة بن أبي موسى، وأبي الاحوص الجشمي وخلق من الصحابة وكبار التابعين، وعمر دهرا طويلا، وصار مسند أهل الكوفة.
حدث عنه شعبة، والثوري، ومسعر، وهشيم، وأبو عوانة، وإسرائيل، وزائدة، وحماد بن سلمة، وعبيدالله بن عمروالرقي، وجرير بن عبدالحميد، وسفيان بن عيينة، وعبيدة بن حميد، وخلق كثير.
وحدث عنه من القدماء شهر بن حوشب، وذلك في صحيح مسلم مقرونا بآخر.
قال علي بن المديني: له نحو مئتي حديث.
روى الميموني عن أحمد بن حنبل، عن سفيان بن عيينة، سمعت عبد الملك بن عمير يقول: والله إني لاحدث بالحديث، فما أدع منه حرفا واحدا.
قال النسائي وغيره: ليس به بأس.
وقال أبو حاتم: صالح الحديث، ليس بحافظ، تغير حفظه قبل موته.
وروى إسحاق الكوسج، عن يحيى بن معين قال: مخلط.
وقال علي بن الحسن الهسنجاني: سمعت أحمد بن حنبل يقول: عبدالملك بن عمير مضطرب الحديث جدا مع قلة روايته، ما أرى له خمس مئة حديث، وقد غلط في كثير منها.
وذكر إسحاق الكوسج عن أحمد، أنه ضعفه جدا.
وروى صالح بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، قال: سماك بن حرب أصلح حديثا من عبدالملك بن عمير، وذلك أن عبدالملك يختلف عليه الحفاظ.
وروى محمد بن سفيان الكوفي، عن أبي بكر بن عياش، سمعت أبا

(5/439)


إسحاق، يقول: خذوا العلم من عبدالملك بن عمير.
قال أحمد العجلي: يقال له: ابن القبطة، كان على قضاء الكوفة، وهو صالح الحديث، روى أكثر من مئة حديث، وهو ثقة في الحديث.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل، حدثنا علي، سمعت عبدالرحمن بن مهدي يقول: كان سفيان يعجب من تحفظ عبد الملك، قال صالح: فقلت لابي: هو عبدالملك بن عمير ؟ قال: نعم، قال ابن أبي حاتم: فذكرت هذا لابي، فقال: هذا وهم، إنما هو عبدالملك بن أبي سلمان، عبدالملك بن عمير لم يوصف بالحفظ.
قال البخاري: كان عبدالملك بن عمير من أفصح الناس.
قال ابن عيينة: قال رجل لعبد الملك بن عمير القبطي، قال: أما عبد الملك، فأنا، وأما القبطي، فكان فرس لنا سابق.
وروي عن أبي بكر بن عياش، سمعت عبدالملك بن عمير يقول: هذه السنة توفي لي مئة وثلاث سنين.
روى أبو بكر بن أبي الاسود، عن أبي عبد الله البجلي قال: مات عبد الملك بن عمير سنة ست وثلاثين ومئة أو نحوها، زاد غيره: في ذي الحجة منها.
أخبرنا أبو العباس أحمد بن عبدالرحمن وغيره، قالوا: أنبأنا الحسين بن هبة
الله التغلبي، أنبأنا نضر بن أحمد بن مقاتل، والحسين بن الحسن الاسدي، قالا: أنبأنا علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي الفقيه، أنبأنا محمد وأحمد، أنبأنا الحسن بن سهل بن الصباح ببلد في سنة سبع عشرة وأربع مئة، أنبأنا أحمد بن إبراهيم بن أحمد الامام، حدثنا علي بن حرب، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبدالملك، عن عبدالرحمن بن أبي بكرة، عن أبي بكرة، عن النبي

(5/440)


صلى الله عليه وسلم، قال: " لا ينبغي للقاضي أن يقضي بين اثنين وهو غضبان " متفق عليه (1).
وفي بعض ألفاظ الصحيح: " لا يقضين حكم " رواه شعبة، والكبار عن عبد الملك بن عمير، أخرجه الائمة من حديثه في كتبهم.

196 - منصور بن زاذان * (ع) الامام الرباني شيخ واسط علما وعملا أبو المغيرة الثقفي مولاهم الواسطي.
ولد في حياة ابن عمر، وحدث عن أنس بن مالك، وأبي العالية، والحسن، وابن سيرين، وعمرو بن دينار، والحكم بن عتيبة، وحبيب بن مهاجر، وقتادة، ومعاوية بن قرة، وعطاء، وحميد بن هلال، وعدة.
روى عنه شعبة، وجرير بن حازم، وأبو عوانة، وهشيم، وخلف بن خليفة، وخلق سواهم.
قال ابن سعد: كان ثقة حجة، سريع القراءة، يريد أن يترسل، فلا يستطيع، وكان يختم في الضحى.
وكان قد تحول فنزل المبارك.
قال يزيد بن هارون: كان منصور بن زاذان يقرأ القرآن كله في صلاة الضحى، وكان يختم القرآن من الاولى إلى العصر، ويختم في اليوم مرتين، ويصلي الليل كله (2).
__________
(1) أخرجه البخاري 13 / 120، 121 في الاحكام: باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان، ومسلم (1717) في الاقضية: باب كراهة قضاء القاضي وهو غضبان، والشافعي 2 / 232، والترمذي (1334) وأبو داود (3589) والنسائي 8 / 237، 238.
* طبقات خليفة 325، التاريخ الكبير 7 / 346، الجرح والتعديل 8 / 172، حلية الاولياء 3 / 57، تهذيب الكمال 1373، تذهيب التهذيب 4 / 71 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 303، تهذيب التهذيب 10 / 306، خلاصة تذهيب الكمال 387، شذرات الذهب 1 / 181.
(2) تقدم غير مرة أن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيام الليل كما علمه القرآن " نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه "، وأنه لم يأذن في قراءة القرآن في أقل من ثلاث، وهديه صلى الله عليه وسلم هو الواجب الاتباع.
[ * ]

(5/441)


وعن هشام بن حسان قال: كان يختم فيما بين المغرب والعشاء مرتين، والثالثة إلى الطواسين (1)، وكان يبل عمامته من دموع عينيه.
قال صالح بن عمر الواسطي: كان الحسن يقعد مع أصحابه، فلا يقوم حتى يختم منصور بن زاذان.
قال هشيم: كان منصور لو قيل له: إن ملك الموت على الباب ما كان عنده زيادة في العمل، وكان يصلي من طلوع الشمس إلى أن يصلي العصر، ثم يسبح إلى المغرب.
وروى خلف بن خليفة، عن منصور: الهم والحزن يزيد في الحسنات، والاشر والبطر يزيد في السيئات.
قال أبو معمر القطيعي: ذكر عباد بن العوام، أنه شهد جنازة منصور بن زاذان، قال: فرأيت النصارى على حدة، والمجوس على حدة، واليهود على حدة، وقد أخذ خالي بيدي من كثرة الزحام.
شعبة، عن هشام بن حسان قال: صليت إلى جنب منصور بن زاذان فيما
بين المغرب والعشاء، فقرأ القرآن، وبلغ في الثانية إلى النحل.
قال يزيد بن هارون: توفي في سنة إحدى وثلاثين ومئة.
قلت: قبره بواسط ظاهر يزار.

197 - يوسف بن عمر * ابن محمد بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي أمير العراقين وخراسان لهشام، ثم أقره الوليد بن يزيد، وكان شهما كافيا سائسا مهيبا جبارا عسوفا جوادا معطاء
__________
(1) هذا غير معقول، ولا إخاله يصح.
* الطبري 7 / 148، 166، 260، وغيرها وفيات الاعيان 7 / 101، 112، تاريخ الاسلام 5 / 191، مرآة الجنان 1 / 267، التنبيه والاشراف 281، شذرات الذهب 1 / 172، الكامل 5 / 219، 225، 269، 295، 297.

(5/442)


نقل المدائني أن سماطه بالعراق كان كل يوم خمس مئة مائدة كلها شواء، وقد كان ولي اليمن، وضرب وهب بن منبه حتى أثخنه.
قال ابن عساكر: لما هلك الحجاج، أخذ يوسف هذا في آل الحجاج ليعذب، فقال: أخرجوني أسأل، فدفع إلى الحارث الجهضمي، وكان مغفلا، فأتى دارا لها بابان، فقال: دعني أدخل إلى عمتي أسألها فدخل وهرب من الباب الآخر، وذلك في خلافة سليمان.
قال شباب: ولي يوسف اليمن سنة ست ومئة، فما زال عليها حتى جاءه التقليد بولاية العراق، فاستخلف ابنه الصلت، وسار.
قال الليث: نزع عن العراق خالد القسري سنة عشرين ومئة بيوسف، وكان يضرب بحمقه وتيهه المثل، فكان يقال: أحمق من أحمق ثقيف.
وحجمه إنسان مرة، فهابه وأرعد، فقال يوسف: قل لهذا البائس: لا تخف، وما رضي أن يخاطبه.
وقد هم الوليد بعزله، فبادر وقدم له أموالا عظيمة، وبذل في خالد القسري أربعين ألف ألف درهم، فأخرج وسلم إليه العراق، فأهلكه تحت العذاب والمصادرة، وأخذ منه ومن أعوانه تسعين ألف ألف درهم.
واقتص يزيد بن خالد بن عبد الله من يوسف، وقتله نائبه، ثم قتل يزيد، إذ تملك مروان الحمار.
قال أبو الصيداء: أنا شهدت هذا الخبيث يوسف ضرب وهب بن منبه حتى قتله.
وقال أبو هاشم: بعث يزيد بن خالد مولاه أبا الاسد، فدخل السجن، فضرب عنق يوسف بن عمر سنة سبع وعشرين ومئة، وعاش أزيد من ستين

(5/443)


سنة.
وقيل: رموه قتيلا، فشد الصبيان في رجله حبلا، وجروه في أزقة دمشق.
وكان دميم الجثة له لحية عظيمة، نعوذ بالله من البغي وعواقبه.

198 - داود بن علي * ابن حبر الامة عبد الله بن عباس الهاشمي، عم السفاح الامير أبو سليمان.
روى عن أبيه وعنه: الاوزاعي، والثوري، وشريك، وسعيد بن عبد العزيز، وقيس بن الربيع.
له حديث طويل في الدعاء (1).
تفرد به عنه ابن أبي ليلى، وقيس، وما هو بحجة.
والخبر يعد منكرا، ولم يقحم أولو النقد على تليين هذا الضرب لدولتهم.
وكان داود ذا بأس وسطوة وهيبة وجبروت وبلاغة.
قيل: كان يرى القدر.
ولما قام السفاح يوم بويع يخطب، حصر فقام دونه عمه هذا فأبلغ، وقال
فأوجز، وبسط آمال الناس.
__________
* المحبر 33، الجرح والتعديل 3 / 418، العقد الفريد 4 / 100، 101، تهذيب الكمال 391، تذهيب التهذيب 1 / 206 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 242، ميزان الاعتدال 2 / 13، العقد الثمين 4 / 349، 354، تهذيب التهذيب 3 / 194، خلاصة تذهيب الكمال 110، شذرات الذهب 1 / 191، تهذيب ابن عساكر 5 / 206.
(1) أخرجه الترمذي (3419) في الدعوات من طريق عبد الله بن محمد بن عبدالرحمن، عن محمد بن عمران بن أبي ليلى، حدثني أبي، حدثني ابن أبي ليلى عن داود بن علي، هو ابن عبد الله بن عباس عن أبيه، عن جده ابن عباس قال: سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول ليلة حين فرغ من صلاته: " اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي، وتجمع بها أمري، وتلم بها شعثي، وتصلح بها غائبي، وترفع بها شاهدي، وتزكي بها عملي وتلهمني بها رشدي وترد بها ألفتي، وتعصمني بها من كل سوء.
" وهو حديث طويل ضعيف، والد محمد بن عمران لم يوثقه غير ابن حبان وأبوه سيئ الحفظ، وداود ابن علي ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يخطئ وقال ابن معين: أرجو أنه لا يكذب، وقال ابن عدي: وعندي أنه لا بأس بروايته عن أبيه، عن جده.
[ * ]

(5/444)


مات في ربيع الاول سنة ثلاث وثلاثين ومئة.
بعد أن أقام الموسم، وعاش اثنتين وأربعين سنة.

199 - أبو الزناد * (ع) عبد الله بن ذكوان الامام الفقيه الحافظ المفتي، أبو عبد الرحمن القرشي المدني، ويلقب بأبي الزناد، وأبوه مولى رملة بنت شيبة بن ربيعة زوجة الخليفة عثمان، وقيل: مولى عائشة بنت عثمان بن عفان، وقيل: مولى آل عثمان، وقيل: إن ذكوان كان أخا أبي لؤلؤة قاتل عمر.
قاله أبو داود السجزي، عن أحمد بن صالح.
قلت: مولده في نحو سنة خمس وستين في حياة ابن عباس.
وحدث عن أنس بن مالك، وأبي أمامة بن سهل، وأبان بن عثمان، وعروة، وابن المسيب، وخارجة بن زيد، وعبيدالله بن عبد الله بن عتبة، وعبيد ابن حنين، وعلي بن الحسين، وأبي سلمة بن عبدالرحمن، والقاسم بن محمد، وعبد الرحمن الاعرج، وهو مكثر عنه، ثبت فيه، وعائشة بنت سعد، ومرقع بن صيفي، ومجالد بن عوف، ومحمد بن حمزة بن عمرو الاسلمي، والشعبي وسليمان بن عبدالرحمن وعدة.
وشهد مع عبد الله بن جعفر الهاشمي جنازة، وأرسل عن ابن عمر، وكان من علماء الاسلام، ومن أئمة الاجتهاد.
حدث عنه ابنه عبدالرحمن، وموسى بن عقبة، وابن أبي مليكة مع
__________
* طبقات خليفة 259، التاريخ الكبير 5 / 83، التاريخ الصغير 2 / 27، الجرح والتعديل 5 / 49، تهذيب الكمال 679، تذهيب التهذيب 2 / 142 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 265، ميزان الاعتدال 2 / 418، 420، تهذيب التهذيب 5 / 203، خلاصة تذهيب الكمال 196، شذرات الذهب 1 / 182، تهذيب ابن عساكر 7 / 279، 280.
[ * ]

(5/445)


تقدمه، وصالح بن كيسان، وهشام بن عروة، وعبد الوهاب بن بخت، ومحمد ابن عبد الله بن حسن، وعبيدالله بن عمر، وابن عجلان، وابن إسحاق، ومالك والليث، وورقاء بن عمر، وسفيان الثوري، وزائدة، وشعيب بن أبي حمزة، والمغيرة بن عبدالرحمن الحزامي، وسعيد بن أبي هلال، وسفيان بن عيينة، وخلق سواهم.
وثقه أحمد وابن معين.
قال حرب بن إسماعيل، عن أحمد بن حنبل، قال: كان سفيان يسمي أبا الزناد أمير المؤمنين في الحديث.
قال أحمد: هو فوق
العلاء بن عبدالرحمن، وفوق سهيل، ومحمد بن عمرو.
وقال أبو زرعة الدمشقي: أخبرني أحمد بن حنبل، أن أبا الزناد أعلم من ربيعة.
وروى أحمد بن سعد بن أبي مريم، عن يحيى بن معين قال: ثقة حجة.
وقال علي بن المديني: لم يكن بالمدينة بعد كبار التابعين أعلم من ابن شهاب، ويحيى بن سعيد الانصاري، وأبي الزناد، وبكير الاشج.
قال خليفة بن خياط: أبو الزناد لقي ابن عمر، وأنس بن مالك.
وقال العجلي: تابعي ثقة، سمع من أنس.
وقال أبو حاتم: ثقة فقيه صالح الحديث، صاحب سنة، وهو ممن تقوم به الحجة إذا روى عنه الثقات.
قال البخاري: أصح الاسانيد كلها: مالك، عن نافع، عن ابن عمر وأصح أسانيد أبي هريرة: أبو الزناد، عن الاعرج، عن أبي هريرة.
قال الليث عن عبد ربه بن سعيد: دخل أبو الزناد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ومعه من الاتباع يعني: طلبة العلم مثل ما مع السلطان، فمن سائل عن فريضة، ومن

(5/446)


سائل عن الحساب، ومن سائل عن الشعر، ومن سائل عن الحديث، ومن سائل عن معضلة.
وروى يحيى بن بكير، عن الليث بن سعد قال: رأيت أبا الزناد وخلفه ثلاث مئة تابع من طالب فقه وشعر وصنوف، ثم لم يلبث أن بقي وحده، وأقبلوا على ربيعة، وكان ربيعة يقول: شبر من حظوة خير من باع من علم.
ونقل أبو يوسف، عن أبي حنيفة قال: قدمت المدينة، فأتيت أبا الزناد، ورأيت ربيعة فإذا الناس على ربيعة، وأبو الزناد أفقه الرجلين، فقلت له: أنت
أفقه أهل بلدك، والعمل على ربيعة ؟ فقال: ويحك كف من حظ خير من جراب من علم.
وقال أحمد بن أبي خيثمة، عن مصعب بن عبد الله، قال: كان أبو الزناد فقيه أهل المدينة، وكان صاحب كتاب وحساب، وكان كاتبا لخالد بن عبدالملك بن الحارث بن الحكم بالمدينة، وكان كاتبا لعبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وفد على هشام بن عبدالملك بحساب ديوان المدينة، فجالس هشاما مع ابن شهاب، فسأل هشام ابن شهاب: في أي شهر كان عثمان يخرج العطاء لاهل المدينة ؟ قال: لاأدري، قال أبو الزناد: كنا نرى أن ابن شهاب لا يسأل عن شئ إلا وجد علمه عنده.
فسألني هشام فقلت: في المحرم، فقال هشام لابن شهاب: يا أبا بكر هذا علم أفدته اليوم.
فقال: مجلس أمير المؤمنين أهل أن يفاد فيه العلم، قال: وكان أبو الزناد معاديا لربيعة الرأي، وكانا فقيهي البلد في زمانهما.
وكان الماجشون يعقوب ابن أبي سلمة يعين ربيعة على أبي الزناد.
وكان الماجشون أول من علم الغناء من أهل المروءة بالمدينة.
قال أبو الزناد: مثلي ومثل ذئب، كان يلح على أهل قرية، فيأكل

(5/447)


صبيانهم ودواجنهم، فاجتمعوا له، فخرجوا في طلبه، فهرب منهم، فتقطعوا عنه إلا صاحب فخار، فألح عليه، فوقف له الذئب، وقال: هؤلاء عذرتهم، أرأيتك أنت مالي ولك ؟ ! والله ما كسرت لك فخارة قط.
ثم قال: مالي وللماجشون والله ما كسرت له كبرا ولا بربطا (1).
روى الاصمعي عن ابن أبي الزناد، عن أبيه، قال: كان الفقهاء بالمدينة يأتون عمر بن عبد العزيز، خلا سعيد بن المسيب، فإن عمر بن عبد
العزيز كان يرضى أن يكون بينهما رسول، وأنا كنت الرسول بينهما.
وقال سليمان بن أبي شيخ: ولى عمر بن عبد العزيز أبا الزناد بيت مال الكوفة.
قال محمد بن سلام الجمحي: قيل لابي الزناد: لم تحب الدراهم وهي تدنيك من الدنيا ؟ فقال: إنها وإن أدنتني منها، فقد صانتني عنها.
قال محمد بن سعد: كان أبو الزناد ثقة كثير الحديث، فصيحا بصيرا بالعربية، عالما عاقلا.
قال إبراهيم بن المنذر الحزامي: هو كان سبب جلد ربيعة الرأي، ثم ولي بعد ذلك المدينة فلان التيمي، فأرسل إلى أبي الزناد، فطين عليه بيتا، فشفع فيه ربيعة.
قلت: تؤول الشحناء بين القرناء إلى أعظم من هذا.
ولما رأى ربيعة أن أبا الزناد يهلك بسببه ما وسعه السكوت، فأخرجوا أبا الزناد، وقد عاين الموت وذبل، ومالت عنقه.
نسأل الله السلامة.
__________
(1) الكبر: طبل له وجه واحد، والبربط: العود أعجمي ليس من ملاهي العرب، أعربته حين سمعت به.
[ * ]

(5/448)


وروى الليث بن سعد، عن ربيعة بن أبي عبدالرحمن قال: أما أبو الزناد، فليس بثقة ولا رضي.
قلت: انعقد الاجماع على أن أبا الزناد ثقة رضي.
وقيل: كان مالك لا يرضى أبا الزناد وهذا لم يصح، وقد أكثر مالك عنه في " موطئه ".
قال ابن عيينة: قلت للثوري: جالست أبا الزناد ؟ قلت: ما رأيت
بالمدينة أميرا غيره.
وقال ابن عيينة: جلست إلى إسماعيل بن محمد بن سعد، فقلت: حدثنا أبو الزناد، فأخذ كفا من حصى، فحصبني به.
وكنت أسأل أبا الزناد، وكان حسن الخلق.
يحيى بن بكير: حدثنا الليث، قال: جاء رجل إلى ربيعة [ فقال ]: إني أمرت أن أسألك عن مسألة، وأسأل يحيى بن سعيد، وأسأل أبا الزناد، فقال: هذا يحيى، وأما أبو الزناد، فليس بثقة.
قال يحيى بن معين: قال مالك: كان أبو الزناد كاتبا لهؤلاء، يعني: بني أمية، وكان لا يرضاه يعني: لذلك.
ثم قال ابن عدي: أبو الزناد كما قال يحيى بن معين: ثقة حجة، ولم أورد له حديثا لان كلها مستقيمة.
وقال أبو جعفر العقيلي في ترجمة عبد الله بن ذكوان: حدثنا مقدام بن داود، حدثنا الحارث بن مسكين، وابن أبي الغمر، قالا: حدثنا ابن القاسم قال: سألت مالكا عمن يحدث بالحديث الذي قالوا: " إن الله خلق آدم على صورته " (1) فأنكر ذلك إنكارا شديدا، ونهى أن يتحدث به أحد، فقيل: إن ناسا
__________
(1) أخرجه أحمد 2 / 244، والآجري في " الشريعة " 341 والبيهقي في " الاسماء والصفات " = [ * ]

(5/449)


من أهل العلم يتحدثون به قال: من هم ؟ قيل: ابن عجلان، عن أبي الزناد، فقال: لم يكن يعرف ابن عجلان هذه الاشياء، ولم يكن عالما، ولم يزل أبو الزناد عاملا لهؤلاء حتى مات، وكان صاحب عمال يتبعهم.
قلت: الخبر لم ينفرد به ابن عجلان، بل ولا أبو الزناد، فقد رواه شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد، ورواه قتادة.
عن أبي أيوب المراغي،
عن أبي هريرة، ورواه ابن لهيعة، عن الاعرج وأبي يونس، عن أبي هريرة، ورواه معمر، عن همام، عن أبي هريرة، وصح أيضا من حديث ابن عمر وقد قال إسحاق بن راهويه عالم خراسان: صح هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهذا الصحيح مخرج في كتابي البخاري ومسلم فنؤمن به ونفوض ونسلم ولا نخوض فيما لا يعنينا مع علمنا بأن الله ليس كمثله شئ وهو السميع البصير.
قال الواقدي: مات أبو الزناد فجأة في مغتسله ليلة الجمعة لسبع عشرة خلت من رمضان، وهو ابن ست وستين سنة في سنة ثلاثين ومئة.
وقال ابن سعد: مات في رمضان منها.
وقال خليفة وطائفة: سنة ثلاثين.
وقال يحيى بن معين، وابن نمير، وعلي بن عبد الله التميمي،
__________
= 290 من طريق سفيان، عن أبي الزناد، عن الاعرج، عن أبي هريرة..وأخرجه أحمد 2 / 323 من طريق المغيرة بن عبدالرحمن، عن أبي الزناد، عن موسى بن أبي عثمان، عن أبيه، عن أبي هريرة..وأخرجه أحمد 2 / 251 و 434، وابن خزيمة 36 عن طريق يحيى، عن ابن عجلان، عن سعيد، عن أبي هريرة..وأخرجه البخاري 11 / 2، 6، ومسلم (2841)، وأحمد 2 / 315، وابن خزيمة: 39، 40 من طريق معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة..وأخرجه مسلم (2612) (115) وأحمد 2 / 463، و 519، وابن خزيمة: 37 من طريق قتادة، عن أبي أيوب المراغي، عن أبي هريرة وحديث ابن عمر أخرجه الآجري: 135، والبيهقي 219، وابن خزيمة: 38 من طريق الاعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عطاء، عن ابن عمر مرفوعا بلفظ " لا تقبحوا الوجه، فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن " وقد أعل هذه الرواية ابن خزيمة بتدليس الاعمش وكذا حبيب، وبمخالفة الثوري الاعمش في إرساله.
[ * ]

(5/450)


وغيرهم: مات سنة إحدى وثلاثين ومئة.
قرأت على محمد بن حسين القرشي، أنبأنا محمد بن عماد، أنبأنا ابن رفاعة، أنبأنا أبو الحسن الخلعي، أنبأنا عبدالرحمن بن عمر، أنبأنا أبو سعيد ابن الاعرابي، حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا سفيان بن عيينه، عن أبي الزناد، عن الاعرج، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله عز وجل: إذا هم عبدي بحسنة فاكتبوها، فإن عملها فاكتبوها عشر أمثالها، فإن هم بسيئة، فلا تكتبوها، فإن عملها، فاكتبوها مثلها، وإن تركها، فاكتبوها حسنة " (1).

200 - يعلى بن حكيم * (خ، م، د، س، ق) الثقفي مكي ثقة، نزل البصرة.
وحدث عن سعيد بن جبير، وطاووس، ومسلم بن يسار، وعمر بن عبد العزيز، وعكرمة وجماعة: وعنه قتادة مع تقدمه، وجرير بن حازم، وحماد بن زيد، ومحمد بن ذكوان وغيرهم.
ووفد على عمر بن عبد العزيز.
وثقه أبو زرعة وأحمد، وقال أبو حاتم: لا بأس به.
قال حماد بن زيد: مات بالشام، وترك أمه، فكانت تأتي أيوب، قال: فأتاها أيوب ثلاثة أيام يقعد
__________
(1) إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (128) في الايمان: باب إذا هم العبد بحسنة كتبت وإذا هم بسيئة لم تكتب، والترمذي (3073) في التفسير من طريق سفيان بن عيينة عن أبي الزناد، عن الاعرج به.
* التاريخ الكبير 8 / 417، التاريخ الصغير 1 / 308، الجرح والتعديل 9 / 303، تهذيب الكمال 1555، تذهيب التهذيب 4 / 188 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 191، طبقات القراء 2 / 391، تهذيب التهذيب 11 / 401، خلاصة تذهيب الكمال 437.
[ * ]

(5/451)


على بابها، وتأتيه فتجتمع (1).
وقال جرير بن حازم: بعث يعلى من الشام بصحيفة ضخمة فيها مسائل، فقال: سل عنها قتادة، فسألته، فقال: يشق علي، فسل سعيد بن أبي عروبة، ففعلت ثم عرضتها على قتادة، فما غير إلا شيئين.

201 - يعلى بن عطاء * (م، 4) الطائفي نزل واسط، وحدث عن أوس بن أبي أوس، وعمارة بن حديد، ووكيع بن عدس، وطائفة.
وعنه شعبة، وأبو عوانة، والثوري، وحماد بن سلمة، وهشيم وآخرون وهو من موالي عبد الله بن عمرو بن العاص.
وثقه ابن معين.
وقال أبو حاتم: صالح الحديث.
وقال البخاري: مات سنة عشرين ومئة.

202 - مطر الوراق * * (م، 4) الامام الزاهد الصادق، أبو رجاء بن طهمان الخراساني، نزيل البصرة، مولى علباء بن أحمر اليشكري.
كان من العلماء العاملين، وكان يكتب المصاحف، ويتقن ذلك.
_______________
(1) النص في " تهذيب الكمال " لشيخ المؤلف: وجاء نعي يعلى بن حكيم من الشام إلى أمه، ولم يكن له هاهنا أحد غيرها، وكان أيوب يأتيها ثلاثة أيام بالغداة والعشي، فيقعد وتقعد معه، قال: فلم يزل يصلها حتى ماتت.
* التاريخ الكبير 8 / 415، الجرح والتعديل 9 / 302، تهذيب الكمال 1555، تذهيب التهذيب 4 / 188، تاريخ الاسلام 5 / 20، تهذيب التهذيب 11 / 404، خلاصة تذهيب الكمال 438.
* طبقات خليفة 215، تاريخ خليفة 389، التاريخ الكبير 7 / 400، 401، الجرح والتعديل
8 / 287، حلية الاولياء 3 / 75، تهذيب الكمال 1331، تذهيب التهذيب 4 / 43 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 164، تهذيب التهذيب 10 / 167، خلاصة تذهيب الكمال 378.
[ * ]

(5/452)


روى عن أنس بن مالك، والحسن، وابن بريدة، وعكرمة وشهر بن حوشب، وبكر بن عبد الله، وطائفة.
حدث عنه شعبة، والحسين بن واقد، وإبراهيم بن طهمان، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وعبد العزيز بن عبد الصمد العمي، وآخرون.
وغيره أتقن للرواية منه، ولا ينحط حديثه عن رتبة الحسن، وقد احتج به مسلم.
قال يحيى بن معين: صالح، وقال أحمد بن حنبل: هو في عطاء ضعيف، وقال النسائي: ليس بالقوي.
قال الخليل بن عمر بن إبراهيم: سمعت عمي عيسى يقول: ما رأيت مثل مطر الوراق، في فقهه وزهده.
وقال مالك بن دينار: رحم الله مطرا الوراق، إني لارجو له الجنة.
وعن شيبة بنت الاسود قالت: رأيت مطر الوراق، وهو يقص.
يقال: توفي مطر الوراق سنة تسع وعشرين ومئة.
قال أبو حاتم الرازي: ضعيف.
وكان يحيى القطان يشبه مطرا بابن أبي ليلى في سوء الحفظ، وفيه يقول عثمان بن دحية اللغوي: لا يساوي دستجة (1) بقل.
وقال محمد بن سعد: فيه ضعف في الحديث.
وعن مطر الوراق، قال: لما خلق الله الداء والدواء، جعل دواء المرة المشي، ودواء الدم الحجامة، ودواء البلغم الحمام.
__________
(1) الدستجة: الحزمة، والكلمة معربة.
[ * ]

(5/453)


203 - صالح بن كيسان * (ع) الامام الحافظ الثقة، أبو محمد، ويقال: أبو الحارث المدني المؤدب، مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز، يقال: مولى بني غفار، ويقال: مولى بني عامر، ويقال: مولى آل معيقيب الدوسي.
رأى عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر.
وقد قال يحيى بن معين: إنه سمع منهما.
وحدث عن عبيدالله بن عبد الله، وعروة بن الزبير، وعبد الرحمن بن هرمز الاعرج، وسالم بن عبد الله، ونافع بن جبير، ونافع مولى ابن عمر، ونافع مولى أبي قتادة، والقاسم بن محمد، وابن شهاب رفيقه.
وينزل إلى ابن عجلان، وإسماعيل بن محمد بن سعد، وعدة.
وكان من أئمة الاثر.
حدث عنه عمرو بن دينار وهو أكبر منه، وموسى بن عقبة وهو من طبقته، وابن عجلان، وابن إسحاق، وابن جريج، ومعمر، ومالك، وسليمان ابن بلال، وابن عيينة، والدراوردي، وحماد بن زيد، وإبراهيم بن سعد، وأبو ضمرة الليثي، وخلق سواهم.
قال مصعب بن عبد الله: كان مولى امرأة من دوس، وكان عالما ضمه عمر بن عبد العزيز إلى نفسه، وهو أمير يعني: بالمدينة، قال: فكان يأخذ عنه، ثم بعث إليه الوليد بن عبدالملك، فضمه إلى ابنه عبد العزيز بن الوليد.
وكان صالح جامعا من الحديث والفقه والمروءة.
__________
طبقات خليفة 263، التاريخ الكبير 4 / 288، الجرح والتعديل 4 / 410، تهذيب الكمال 600، تذهيب التهذيب 2 / 88 / 1، تاريخ الاسلام 6 / 82، تذكرة الحفاظ 1 / 148، 149، ميزان الاعتدال 2 / 299، تهذيب التهذيب 4 / 399، طبقات الحفاظ 63، خلاصة تذهيب الكمال 171،
شذرات الذهب 1 / 208.
[ * ]

(5/454)


قال حرب الكرماني: سئل أحمد بن حنبل، عن صالح بن كيسان، فقال: بخ بخ.
وقال عبد الله بن أحمد عن صالح: أكبر من الزهري، قد رأى صالح بن عمر.
وروى إسحاق الكوسج، عن يحيى بن معين: ثقة.
وروى عباس، عن يحيى قال: ليس به بأس في الزهري.
وقد سمع من ابن عمر، وعن يحيى قال: معمر أحب إلي في الزهري.
وروى يعقوب بن شيبة، حدثنا أحمد بن العباس قال: قال يحيى ابن معين: ليس في أصحاب الزهري أثبت من مالك، ثم صالح بن كيسان ثم معمر، ثم يونس.
وقال يعقوب: صالح ثقة ثبت.
وقال علي بن المديني: كان أسن من الزهري، رأى ابن عمر.
وقال ابن أبي حاتم، عن أبيه، قال: صالح أحب إلي من عقيل، لانه حجازي، وهو أسن.
رأى ابن عمر، وهو ثقة، يعد في التابعين.
وقال النسائي وابن خراش وغيرهما: ثقة.
روى معمر، عن صالح، قال: اجتمعت أنا وابن شهاب ونحن نطلب العلم، فاجتمعنا على أن نكتب السنن، فكتبنا كل شئ سمعنا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: نكتب ما جاء عن أصحابه، فقلت: ليس بسنة، فقال: بل هو سنة، فكتب ولم أكتب فأنجح وضيعت.
الحميدي، عن سفيان قال: كان عمرو يحدث حديث صالح بن كيسان في نزول النبي صلى الله عليه وسلم، الابطح يعني: عن نافع مولى أبي قتادة، عن أبي قتادة،
قال: ثم قدم صالح، فقال لنا عمرو: اذهبوا فسلوه عن هذا الحديث فذهبنا إليه، فسألناه.
يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، قال: كان صالح بن كيسان

(5/455)


مؤدب ابن شهاب، فربما ذكر صالح الشئ، فيرد عليه ابن شهاب، فيقول: حدثنا فلان، وحدثنا فلان ؟ بخلاف ما قال، فيقول له صالح: تكلمني وأنا أقمت أود لسانك.
عبد العزيز الاويسي: سمعت إبراهيم بن سعد، جئت صالح بن كيسان في منزله، وهو يكسر لهرة له يطعمها، ثم يفت لحمامات له أو لحمام يطعمه.
وهم الحاكم وهمين في قولة، فقال: مات زيد بن أبي أنيسة وهو ابن ثلاثين سنة، وصالح بن كيسان وهو ابن مئة ونيف وستين سنة، وكان قد لقي جماعة من الصحابة، ثم تلمذ بعد للزهري، وتلقن عنه العلم وهو ابن تسعين سنة، ابتدأ بالعلم وهو ابن سبعين سنة.
والجواب: أن زيدا مات كهلا من أبناء أربعين سنة أو أكثر.
وصالح عاش نيفا وثمانين سنة ما بلغ التسعين، ولو عاش كما زعم أبو عبد الله لعد في شباب الصحابة فإنه مدني، ولكان ابن نيف وثلاثين سنة وقت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولو طلب العلم كما قال الحاكم، وهو ابن سبعين سنة، لكان قد عاش بعدها نيفا وتسعين سنة، ولسمع من سعد بن أبي وقاص وعائشة، فتلاشى ما زعمه.
قال الواقدي: مات صالح بن كيسان بعد الاربعين والمئة، وقبل مخرج محمد بن عبد الله بن حسن.
قال: وكان ثقة كثير الحديث.

204 - زياد مولى ابن عياش * (م، ت، ق)
هو الفقيه الرباني زياد بن أبي زياد، مولى عبد الله بن عياش بن أبي
__________
* طبقات ابن سعد 5 / 305، تاريخ الفسوى 1 / 667، الجرح والتعديل 3 / 532، تهذيب الكمال 443، تذهيب التهذيب 1 / 243 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 72، تهذيب التهذيب 3 / 367، خلاصة تذهيب الكمال 124.
[ * ]

(5/456)


ربيعة من مشايخ وقته بدمشق، وله بها دار وذرية.
حدث عن مولاه، وأنس، وأبي بحرية عبد الله بن قيس، ونافع بن جبير ابن مطعم، وعراك بن مالك وجماعة.
روى عنه يزيد بن عبد الله بن الهاد، وهو من أقرانه، وعبد الله بن سعيد ابن أبي هند، وابن إسحاق، ومالك بن أنس وآخرون.
وثقه النسائي وغيره، وكان عبدا صالحا قانتا لله.
قال مالك بن أنس: كان مملوكا، فدخل يوما على عمر بن عبد العزيز، وكان يكرمه.
وقال الفرزدق وقصد بهذا: يا أيها القارئ المرخي عمامته * هذا زمانك إني قد مضى زمني وكان متعبدا منعزلا، وله دراهم يعالج له فيها، وفيه عجمة، وكان يلبس الصوف، ويهجر اللحم (1).
روى يحيى الوحاظي، عن النضر بن عربي قال: بينما عمر بن عبد العزيز يتغدى إذ بصر بزياد، فطلبه، ثم قعد معه، وقال: يا فاطمة هذا زياد فاخرجي فسلمي، هذا زياد عليه جبة صوف، وعمر قد ولي أمر الامة، وبكى.
فقالت: يا زياد هذا أمرنا وأمره ما فرحنا به، ولا قرت أعيننا منذ ولي.
ابن وهب، عن مالك، قال: كان زياد مولى ابن عياش يمر، فربما أفزعني
حسه، فيضع يده بين كتفي، فيقول: عليك بالجد، فإن كان ما يقول هؤلاء.
__________
(1) إن كان يفعل ذلك، لان نفسه تعافه كما يقع لبعض الناس، فلا محذور فيه، وأما إذا كان يفعل ذلك تزهدا، فغير جائز، لان النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد الزهاد كان يلبس غير الصوف، ويأكل اللحم، ويعجبه منه الذراع، ويهدى إليه فيقبله، ولنا فيه أسوة حسنة، وهديه أكمل الهدي وأحسنه.
[ * ]

(5/457)


من الرخص حقا لم يضرك، وإلا كنت قد أخذت بالحذر.
قال مالك: وكان قد أعانه الناس على فكاك رقبته، وتسارعوا في ذلك، ففضل مال كثير، فرده زياد إليهم بالحصص، وكتبهم عنده، فمازال يدعو لهم حتى مات.
قلت: له في الكتب ثلاثة أحايث.
قلت: اسم أبيه ميسرة.

205 - سهيل بن أبي صالح * (م، 4، خ مقرونا) الامام المحدث الكبير الصادق، أبو يزيد المدني، مولى جويرية بنت الاحمس الغطفانية.
حدث عن أبيه أبي صالح ذكوان السمان، والنعمان بن أبي عياش الزرقي، وعطاء بن يزيد الليثي، وأبي الحباب سعيد بن يسار، وأبي عبيد الحاجب، والحارث بن مخلد الانصاري، وصفوان بن أبي يزيد، وابن المنكدر، وابن شهاب، وعبد الله بن دينار، وينزل إلى أقرانه كالاعمش، وسمي، وربيعة الرأي.
وما علمت له شيئا عن أحد من الصحابة، وهو معدود في صغار التابعين.
وقد حدث عنه الاعمش، وربيعة، وموسى بن عقبة، وهم من التابعين، وجرير بن حازم، وابن عجلان، وعبيدالله بن عمر، وشعبة، والثوري، والحمادان، وزيد بن أبي أنيسة، ومات قبله بدهر، وجرير بن عبدالحميد،
وسليمان بن بلال، وعبد العزيز بن أبي حازم، وعبد العزيز الدراوردي، ووهيب بن خالد، وسفيان بن عيينة، وابن علية، وأبو إسحاق الفزاري، وأنس
__________
* طبقات خليفة 266، التاريخ الكبير 4 / 104، تاريخ الفسوي 1 / 423، الجرح والتعديل 4 / 246، تهذيب الكمال 561، تذهيب التهذيب 2 / 62 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 261، تذكرة الحفاظ 1 / 137، تهذيب التهذيب 4 / 263، خلاصة تذهيب الكمال 158، شذرات الذهب 1 / 208.
[ * ]

(5/458)


ابن عياض الليثي، وخلق كثير.
وكان من كبار الحفاظ، لكنه مرض مرضة غيرت من حفظه.
حكى الترمذي أن سفيان بن عيينة قال: كنا نعد سهيل بن أبي صالح ثبتا في الحديث.
وقال أحمد: ما أصلح حديثه ! وقال أبو طالب: سألت أحمد بن حنبل عن سهيل ومحمد بن عمرو، فقال: قال يحيى بن سعيد: محمد أحب إلي، قال: وما صنع شيئا، سهيل أثبت عندهم.
وقال يحيى بن معين: سهيل، والعلاء بن عبدالرحمن حديثهما قريب من السواء، وليس حديثهما بحجة، رواه عباس الدوري عنه.
وقال أحمد العجلي: سهيل وأخوه عباد ثقتان.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبا زرعة: سهيل أحب إليك أو العلاء ؟ فقال: سهيل أثبت وأشهر.
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به، وهو أحب إلي من العلاء، ومن عمرو بن أبي عمرو.
وقال النسائي وغيره: ليس به بأس.
وقال ابن عدي: ولسهيل نسخ، روى عنه الائمة، وهو عندي ثبت لا بأس به.
وقال ابن معين: سمي خير منه.
قلت: سمي من رجال " الصحيحين " بخلاف سهيل.
وقال ابن معين مرة: ثقة، وأخواه عباد وصالح.
ومن غرائب سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة حديث " من قتل وزغا في

(5/459)


أول ضربة " (1) وحديث " فرخ الزنى لا يدخل الجنة ".
(2) قال أبو عبد الرحمن السلمي: سألت الدارقطني: لم ترك البخاري سهيلا في الصحيح ؟ فقال: لا أعرف له فيه عذرا، فقد كان النسائي إذا حدث بحديث لسهيل، قال: سهيل والله خير من أبي اليمان، ويحيى بن بكير وغيرهما، وكتاب البخاري من هؤلاء ملآن، وخرج لفليح بن سليمان ولا أعرف له وجها.
قال علي بن المديني: مات أخ لسهيل، فوجد عليه، فنسي كثيرا من الحديث.
وروى أحمد بن زهير، عن يحيى بن معين، قال: لم يزل أصحاب الحديث يتقون حديثه، وقال مرة: ضعيف، ومرة: ليس بذاك.
وقيل: إن مالكا إنما أخذ عنه قبل التغير.
قال الحاكم: روى له مسلم كثيرا، وأكثرها في الشواهد، ويقال: ظهر لسهيل نحو من أربعمئة حديث.
أخبرنا أحمد بن عبد المنعم القزويني، أنبأنا محمد بن سعيد، وأنبأنا أبو الحسين علي بن محمد وطائفة، قالوا: أنبأنا الحسين بن أبي بكر، قالا: أنبأنا
__________
(1) أخرجه مسلم (2240) في السلام، وأبو داود (5263)، والترمذي (1482)، وابن ماجه (3228) وأحمد 2 / 355 من طرق عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " من قتل وزغة في أول ضربة، فله كذا وكذا حسنة، ومن قتلها في الضربة الثانية، فله كذا وكذا حسنة لدون الاولى، ومن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة لدون الثانية " وفي رواية " من قتل وزغا في أول ضربة كتبت له مئة حسنة.
" وفي رواية " في أول ضربه سبعين حسنة ".
(2) أخرجه ابن عدي في " الكامل " 189 / 2 من طريق حمزة بن داود، عن محمد بن زنبور، عن عبد العزيز بن أبي حازم عن سهيل بن أبي صالح السمان عن أبيه عن أبي هريرة.
وحمزة بن داود ليس بشئ، ومحمد بن زنبور مختلف فيه، وقد عده ابن الجوزي في الموضوعات.
[ * ]

(5/460)


أبو زرعة، أنبأنا مكي بن منصور، أنبأنا أبو بكر الحيري، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنبأنا الربيع بن سليمان، أنبأنا أبو عبد الله الشافعي، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن ربعية بن أبي عبدالرحمن، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد (1).
وبه: قال عبد العزيز: فذكرت ذلك لسهيل، فقال: أخبرني ربيعة وهو عندي ثقة، انني حدثته إياه ولا أحفظه، ثم قال عبد العزيز، وقد كان أصاب سهيلا علة أضرت ببعض حفظه، ونسي بعض حديثه، فكان سهيل بعد يحدث به عن ربيعة عنه عن أبيه.
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق، حدثنا الفتح بن عبد الله، أنبأنا هبة الله بن الحسين، أنبأنا أبو الحسين بن النقور، حدثنا عيسى بن علي إملاء، حدثنا أبو القاسم البغوي، حدثنا عبدالاعلى بن حماد النرسي، حدثنا خالد بن عبد الله الواسطي، عن سهيل، عن عبد الله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الايمان بضع وستون بابا، أو بضع وسبعون بابا، أفضلها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الاذى عن الطريق، والحياء شعبة من الايمان " هذا حديث صحيح من العوالي، أخرجه الائمة
الستة (2) في كتبهم من حديث سهيل بن أبي صالح، وابن عجلان، وسليمان بن
__________
(1) أخرجه الشافعي 2 / 235، والترمذي (1343) وأبو داود (3610)، وابن ماجه (2369)، وسنده حسن وله شاهد من حديث ابن عباس أخرجه الشافعي 2 / 234، ومسلم (1712) والعمل على هذا عند بعض أهل العلم جوزوا القضاء للمدعي بالشاهد الواحد مع اليمين في الاموال، وهو قول أجلة الصحابة، وأكثر التابعين، منهم أبو سلمة، وبه قال فقهاء الانصار، وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق.
(2) أخرجه البخاري 1 / 48، 49 في الايمان: باب أمور الايمان، ومسلم (35) في الايمان: باب بيان عدد شعب الايمان، وأبو داود (4676) والترمذي (2617) والنسائي 8 / 110، وابن ماجه (57).
[ * ]

(5/461)


بلال، عن عبد الله بن دينار نحوه.

206 - سمي * (ع) المدني الحافظ الحجة.
حدث عن مولاه أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام الفقيه، وسعيد بن المسيب، وأبي صالح السمان وطائفة.
روى عنه ابن عجلان، ومالك، وسفيان الثوري، وورقاء بن عمر، وسفيان بن عيينة وآخرون.
وثقه أحمد بن حنبل، وغيره.
قتل يوم وقعة قديد (1) في سنة إحدى وثلاثين ومئة.
كان من علماء الحديث بالمدينة.
رحمه الله.

207 - عبدالحميد * * ابن يحيى بن سعيد الانباري العلامة البليغ، أبويحيى الكاتب، تلميذ
سالم مولى هشام بن عبدالملك.
سكن الرقة، وكتب الترسل لمروان الحمار.
وله عقب
__________
* طبقات خليفة 261، الجرح والتعديل 4 / 315، تهذيب الكمال 554، تذهيب التهذيب 2 / 59 / 1، تاريخ الاسلام 5 / 260، تهذيب التهذيب 4 / 238، خلاصة تذهيب الكمال 156، شذرات الذهب 1 / 181.
(1) قد تقدم في صفحة (417) أنها كانت بين جيش عبد الله بن يحيى الكندي وبين جيش الخليفة مروان الاموي.
* * البيان والتبيين 3 / 9، الصناعتين 69، صبح الاعشى 10 / 195، عيون الاخبار 1 / 26، الوزراء والكتاب 72، 83، مروج الذهب 3 / 263، ثمار القلوب 196، الفهرست لابن النديم 131، الشريشي 2 / 253، تاريخ الاسلام 5 / 270، أمراء البيان 38، 98.
[ * ]

(5/462)


أخذ عنه خالد بن برمك وغيره.
وتنقل في النواحي، ومجموع رسائله نحو من مئة كراس.
ويقال: افتتح الترسل بعبد الحميد، وختم بابن العميد.
وسار منهزما في خدمة مروان، فلما قتل مخدومه ببوصير، أسر هذا.
فقيل: حموا له طستا ثم وضعوه على دماغه فتلف.
ومن تلامذته وزير المهدي يعقوب بن داود.
ويروى عن مهزم بن خالد قال: قال لي عبدالحميد: إذا أردت أن يجود خطك، فأطل جلفة قلمك، وأسمنها وحرف قطتك وأيمنها.
قتل في آخر سنة اثنتين وثلاثين ومئة.

208 - عبدالملك * ابن مروان بن فاتح الاندلس موسى بن نصير اللخمي الامير كان فصيحا
خطيبا مفوها عادلا كبير القدر.
ولي مصر لمروان بن محمد، فأحسن السيرة، ولما زالت الدولة المروانية، ودخل صالح بن علي مصر، أكرم عبدالملك هذا لما رأى من نجابته.
وأخذه معه إلى العراق، فكان بها أحد القواد الكبار.
ثم ولاه المنصور إقليم فارس سنة بضع وثلاثين ومئة.

209 - نصر بن سيار * * صاحب خراسان الامير أبو الليث المروزي، نائب مروان بن محمد.
__________
* الولاة والقضاة 93، 98، تاريخ الاسلام 5 / 272، النجوم الزاهرة 1 / 324.
* * تاريخ خليفة 383، و 388، المحبر 255، الجرح والتعديل 8 / 469، ابن الاثير 5 / 148، تاريخ الاسلام 5 / 308، خزانة الادب 1 / 326.
[ * ]

(5/463)


حدث عن عكرمة، وأبي الزبير.
وعنه ابن المبارك فيما قيل، ومحمد بن الفضل بن عطية.
خرج عليه أبو مسلم صاحب الدعوة، وحاربه، فعجز عنه نصر، واستصرخ بمروان غير مرة، فبعد عن نجدته، واشتغل باختلال أمر أذربيجان والجزيرة، فتقهقر نصر، وجاءه الموت على حاجة، فتوفي بساوة في سنة إحدى وثلاثين ومئة.
وقد ولي إمرة خراسان عشر سنين، وكان من رجال الدهر سؤددا وكفاءة.

210 - واصل بن عطاء * البليغ الافوه أبو حذيفة المخزومي، مولاهم البصري الغزال، وقيل ولاؤه لبني ضبة.
مولده سنة ثمانين بالمدينة، وكان يلثغ بالراء غينا، فلا قتداره على اللغة
وتوسعه يتجنب الوقوع في لفظة فيها راء (1) كما قيل: وخالف الراء حتى احتال للشعر (2) وهو وعمرو بن عبيد رأسا الاعتزال، طرده الحسن عن مجلسه لما قال: الفاسق لا مؤمن ولا كافر، فانضم إليه عمرو، واعتزلا حلقة الحسن، فسموا
__________
* أمالي المرتضى 1 / 163، معجم الادباء 19 / 243، وفيات الاعيان 6 / 7، 11، تاريخ الاسلام 5 / 310، ميزان الاعتدال 4 / 329، مرآة الجنان 1 / 274، لسان الميزان 6 / 214، الفرق بين الفرق 117، النجوم الزاهرة 1 / 313، شذرات الذهب 1 / 182.
(1) انظر خطبته التي جانب فيها الراء في " نوادر المخطوطات " ص 134، 135.
(2) عجز بيت صدره: ويجعل البر قمحا في تصرفه وبعده: ولم يطق مطرا والقول يعجله * فعاذ بالغيث إشفاقا على المطر أوردهما الجاحظ في البيان والتبيين (1 / 22) ولم ينسبهما.
[ * ]

(5/464)


المعتزلة (1) قال شاعر: وجعلت وصلي الراء لم تلفظ به * وقطعتني حتى كأنك واصل.
وقيل: لواصل تصانيف.
وقيل: كان يجيز التلاوة بالمعنى وهذا جهل.
قيل: مات سنة إحدى وثلاثين ومئة.
وقيل: عرف بالغزال لترداده إلى سوق الغزل ليتصدق على النسوة الفقيرات.
جالس أبا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية، ثم لازم الحسن، وكان صموتا، طويل الرقبة جدا، وله مؤلف في التوحيد.
وكتاب " المنزلة بين المنزلتين ".

211 - أبو بشر * (ع) جعفر بن أبي وحشية إياس اليشكري البصري ثم الواسطي أحد الائمة والحفاظ.
حدث عن الشعبي، وسعيد بن جبير، وحميد بن عبدالرحمن الحميري، ومجاهد، وطاووس، وعطاء، وعكرمة، وأبي الضحى، وميمون ابن مهران، ونافع العمري، وعدة.
وروى عن عباد بن شرحبيل اليشكري، وله صحبة.
__________
(1) وقال أبو الحسين الملطي المتوفى سنة 377 ه في " رد الاهواء والبدع " وهو أقدم مصدر يبين وجه تلقيبهم بالمعتزلة: وهم سموا أنفسهم معتزلة، وذلك عندما بايع الحسن بن علي عليه السلام معاوية وسلم إليه الامر، اعتزلوا الحسن ومعاوية وجميع الناس - وكانوا من أصحاب علي - ولزموا منازلهم ومساجدهم، وقالوا: نشتغل بالعلم والعبادة، فسموا بذلك معتزلة، وذكر المسعودي أن تسميتهم معتزلة لقولهم باعتزال الفاسق عن منزلتي المؤمن والكافر.
وراجع " الملل والنحل " للشهرستاني 1 / 30 و " الفرق بين الفرق " ص 15، و " التبصير في الدين " للاسفراييني ص 64، 65.
* طبقات خليفة 325، التاريخ الكبير 2 / 186، التاريخ الصغير 1 / 320، الجرح والتعديل 2 / 473، تهذيب الكمال 207، تذهيب التهذيب 1 / 106 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 54، تهذيب التهذيب 2 / 83، خلاصة تذهيب الكمال 64.
[ * ]

(5/465)


وحدث عنه الاعمش، وشعبة، وأبو عوانة، وهشيم، وخالد بن عبد الله وآخرون.
وثقه أبو حاتم الرازي وغيره.
وقال أحمد بن حنبل: أبو بشر أحب إلينا من المنهال بن عمرو وأوثق.
وقال يحيى القطان: كان شعبة يضعف حديث أبي بشر عن مجاهد،
وقال: لم يسمع منه شيئا، وقال شعبة أيضا: أحاديث أبي بشر، عن حبيب بن سالم ضعيفة.
وقال أبو أحمد بن عدي: أرجو أنه لا بأس به.
قال نوح بن حبيب: كان أبو بشر ساجدا خلف المقام حين مات رحمه الله.
مات سنة أربع وعشرين ومئة.
وقال مطين وغيره: مات سنة ثلاث وعشرين ومئة.
وقال علي بن محمد المدائني وجماعة: توفي سنة خمس وعشرين ومئة.

212 - حسان بن عطية * (ع) الامام الحجة أبو بكر المحاربي مولاهم الدمشقي.
حدث عن أبي أمامة الباهلي، وسعيد بن المسيب، وأبي كبشة السلولي، وأبي الاشعث الصنعاني، ومحمد بن أبي عائشة وطائفة.
حدث عنه الاوزاعي، وأبو معيد حفص بن غيلان، وأبو غسان محمد
__________
* التاريخ الكبير 3 / 33، تاريخ الفسوي 2 / 293، الجرح والتعديل 3 / 236، حلية الاولياء 6 / 70، 79، تهذيب الكمال 252، تذهيب التهذيب 1 / 130 / 2، تاريخ الاسلام 5 / 60، تهذيب التهذيب 2 / 251، خلاصة تذهيب الكمال 76، تهذيب ابن عساكر 4 / 144، 146.
[ * ]

(5/466)


ابن مطرف.
وقد أخطأ من زعم أن الوليد بن مسلم روى عنه، أنى يكون ذلك ؟ ! وقال الاوزاعي: ما رأيت أحدا أكثر عملا في الخير من حسان بن عطية.
وقيل: كان حسان من أهل بيروت.
وثقه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين.
وقد رمي بالقدر.
قال مروان بن محمد الطاطري، عن سعيد بن عبد العزيز ذلك، فبلغ الاوزاعي كلام سعيد فيه، فقال: ما أغر سعيدا بالله، ما أدركت أحدا أشد اجتهادا، ولا أعمل من حسان بن عطية.
ضمرة، عن رجاء بن أبي سلمة، سمع يونس بن سيف، يقول: ما بقي من القدرية إلا كبشان: أحدهما حسان بن عطية.
وروى عقبة بن علقمة، عن الاوزاعي، وذكر شيئا من مناقب حسان.
الوليد بن مزيد: سمعت الاوزاعي يقول: كان لحسان غنم، فسمع ما جاء في المنائح (1) فتركها.
فقلت: كيف الذي سمع ؟ قال: يوم له ويوم لجاره.
وروى عبدالملك الصنعاني، عن الاوزاعي، قال كان حسان بن عطية إذا صلى العصر، يذكر الله تعالى في المسجد حتى تغيب الشمس.
__________
(1) المنائح: جمع منيحة: العطية، قال أبو عبيد: المنيحة عند العرب على وجهين أحدهما: أن يعطي الرجل صاحبه صلة، فتكون له، والآخر أن يعطيه ناقة أو شاة ينتفع بحلبها ووبرها زمنا ثم يردها، وأخرج البخاري في " صحيحه " 5 / 179 في الهبة: باب فضل المنيحة من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " نعم المنيحة اللقحة الصفي منحة، والشاة الصفي تغدو بإناء، وتروح بإناء " وأخرج البخاري 5 / 180 أيضا من حديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أربعون خصلة أعلاهن منيحة العنز، ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعدها إلا أدخله الله بها الجنة "، وأخرج مسلم (1020) من حديث أبي هريرة مرفوعا " من منح منيحة، غدت بصدقة، وراحت بصدقة، صبوحها وغبوقها ".
[ * ]

(5/467)


ومن دعائه " اللهم إني أعوذ بك أن أتغزز بشئ من معصيتك، وأن أتزين [ للناس ] بما يشينني عندك.
بقي حسان إلى حدود سنة ثلاثين ومئة.
قال يحيى بن معين: كان
قدريا.
قلت: لعله رجع وتاب.

213 - يحيى بن سعيد * (ع) ابن قيس بن عمرو، وقيل: يحيى بن سعيد بن قيس بن قهد الامام العلامة المجود، عالم المدينة في زمانه، وشيخ عالم المدينة، وتلميذ الفقهاء السبعة: أبو سعيد الانصاري الخزرجي النجاري المدني القاضي مولده قبل السبعين زمن ابن الزبير.
وسمع من أنس بن مالك، والسائب بن يزيد، وأبي أمامة بن سهل، وسعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد، وعلي بن الحسين، ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، وعمرة بنت عبدالرحمن، وأبي سلمة بن عبدالرحمن، وعبيد بن حنين، ونافع العمري، وابن شهاب، وسليمان بن يسار الفقيه، وبشير بن يسار، وسعيد بن يسار الاخوة، والاعرج، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وحنظلة بن قيس، والنعمان بن أبي عياش، وأبي صالح ذكوان، وعباد ابن تيمم، وخلق سواهم.
روى عنه الزهري مع تقدمه، وابن أبي ذئب، وشعبة، ومالك، وعبد العزيز بن الماجشون، وسفيان الثوري، وحماد بن سلمة، والاوزاعي، وحماد
__________
* طبقات خليفة 270، التاريخ الكبير 8 / 275، 276، تاريخ الفسوي 1 / 648، الجرح والتعديل 9 / 147، 148، 149، تهذيب الاسماء واللغات 2 / 153، 154، تهذيب الكمال 1499، تذهيب التهذيب 4 / 156 / 2، تاريخ الاسلام 6 / 149، تهذيب التهذيب 11 / 221، طبقات الحفاظ 57، خلاصة تذهيب الكمال 424، شذرات الذهب 1 / 212.
[ * ]

(5/468)


ابن زيد، والليث بن سعد، وإبراهيم بن سعد، وأبو إسحاق الفزاري، وإسماعيل بن عياش، وابن المبارك، والقاضي أبو يوسف، وابن علية،
وسعيد بن محمد الوراق، وسفيان بن عيينة، وعبد الرحمن بن سليمان الداراني، وعبد الوهاب الثقفي، ويحيى بن سعيد الاموي، ويحيى بن سعيد القطان، ويزيد بن هارون، وجعفر بن عون العمري، وخلق سواهم.
وهو صاحب حديث " الاعمال [ بالنيات ] " وعنه اشتهر حتى يقال: رواه عنه نحو المئتين، ووقع عاليا لاصحاب ابن طبرزد.
وقد اختلف في نسبه، فقال أبو عبيدة بن أبي السفر: حدثنا أبو أسامة، حدثني يحيى بن سعيد بن قيس بن قهد الانصاري، عن سعيد بن المسيب، وقال محمد بن عبيد بن حسان، حدثنا حماد، عن يحيى بن سعيد قال: كانت حبيبة بنت سهل إحدى عماتي، وأنبأنا يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو بن سهل.
قلت: حبيبة هذه هي القائلة: لا أنا ولا ثابت بن قيس بن شماس.
وأما قيس بن عمرو فصحابي، له في " السنن " في ركعتي الصبح (1).
__________
(1) أخرجه أبو داود (1267) في الصلاة: باب من فاتته سنة الصبح متى يقضيها، والترمذي (422) في الصلاة: باب فيمن تفوته الركعتان قبل الفجر يصليهما بعد صلاة الفجر، وابن ماجه (1154) في إقامة الصلاة: باب ما جاء فيمن فاتته الركعتان قبل صلاة الفجر متى يقضيهما، وأحمد 5 / 447، والحاكم 1 / 275 من طريق عبد الله بن نمير، عن سعد بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن جده قيس بن عمرو قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقيمت الصلاة، فصليت معه الصبح، ثم انصرف النبي صلى الله عليه وسلم، فوجدني أصلي، فقال: " مهلا يا قيس أصلاتان معا ؟ " قلت: يا رسول الله إني لم أكن ركعت ركعتي الفجر، قال: " فلا إذن " ورجاله ثقات، إلا أن محمد بن إبراهيم لم يسمع من قيس، لكن للحديث طريق متصل صحيح أخرجه الحاكم (1 / 274، 275) وعنه البيهقي 2 / 483 من طريق الربيع بن سليمان، حدثنا أسد بن موسى، حدثنا الليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد، عن أبيه عن جده، قال الحاكم: قيس بن قهد صحابي، والطريق إليه صحيح على شرطهما، ووافقه
الذهبي على تصحيحه وصححه ابن خزيمة (1116).
[ * ]

(5/469)


قال الحاكم: هو قاضي حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومفتيها في عصره يحيى ابن سعيد بن قيس بن قهد بن عمرو بن ثعلبة بن الحارث بن يزيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار.
وقال خليفة في " الطبقات ": يحيى بن سعيد بن قيس بن قهد بن سهل بن ثعلبة بن الحارث بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار أبو سعيد.
وقال أبو أحمد في " الكنى ": يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو بن سهل ابن الحارث بن زيد بن ثعلبة بن غنم، ثم قال: ويقال: ابن سعيد بن قيس بن قهد.
ولم يصح أخو سعد وعبد ربه وسعيد.
قلت: وممن قال: إن جده هو قيس بن عمرو بن سهل بن ثعلبة: أحمد وابن معين.
وقال مصعب: جده قيس بن قهد بن قيس، فقال أحمد بن أبي خيثمة: غلط مصعب، وقيس بن قهد هو جد أبي مريم عبد الغفار بن القاسم الانصاري الكوفي.
قال: وكلاهما له صحبة.
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خير دور الانصار دار بني النجار " (1) رأى يحيى بن سعيد عبد الله بن عمر، قاله الحاكم أبو عبد الله، ثم قال: سمع أنسا، والسائب، وأبا أمامة، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، ويوسف ابن عبد الله بن سلام، وسمع ابن المسيب ومن بعده من الفقهاء السبعة وجالسهم.
روى عنه من التابعين أربعة: هشام بن عروة، وحميد الطويل، وأيوب السختياني، وعبيدالله بن عمر.
__________
(1) أخرجه البخاري 7 / 88 في المناقب: باب فضل دور الانصار، ومسلم (2511) في فضائل
الصحابة: باب خير دور الانصار، من حديث أبي أسيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خير دور الانصار بنو النجار ".
[ * ]

(5/470)


إسماعيل بن أبي أويس: حدثني أبي، حدثنا يحيى بن سعيد بن قيس ابن عمرو بن سهل بن ثعلبة.
ابن سعد: أنبأنا محمد بن عمر قال: يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو بن سهل النجاري، توفي بالهاشمية، وكان قاضيا بها لابي جعفر سنة ثلاث وأربعين.
عارم: حدثنا حماد، عن هشام بن عروة، قال: حدثني العدل الرضى الامين على ما يغيب عليه أبو سعيد يحيى بن سعيد.
قلت: عامة الناس كنوه هكذا.
وروى أبويحيى صاعقة، عن ابن المديني قال: كنيته أبو نصر.
قال سليمان بن بلال: كان يحيى بن سعيد قد ساءت حالته، وأصابه ضيق شديد، وركبه الدين، فبينما هو كذاك إذ جاءه كتاب أبي جعفر المنصور يستقضيه، فوكلني بأهله، وقال لي: والله ما خرجت وأنا أجهل شيئا.
فلما قدم العراق كتب إلي، قلت لك ذاك القول، وإنه والله لاول خصمين جلسا بين يدي، فاقتصا شيئا، والله ما سمعته قط، فإذا جاءك كتابي هذا، فسل ربيعة بن أبي عبدالرحمن، واكتب إلي ما يقول، ولا تعلمه.
هذه حكاية منكرة، فإن ربيعة كان قد مات.
رواها إبراهيم بن المنذر الحزامي، عن يحيى بن محمد ابن طلحة من ولد أبي بكر، عن سليمان، وزاد فيها: فلما خرجت إلى العراق شيعته: فكان أول ما استقبله جنازة، فتغير وجهي، فقال: كأنك تغيرت ؟ فقلت: اللهم لاطير إلا طيرك.
فقال: والله لئن صدق طيرك، لينعشن أمري،
فمضى فما أقام إلا شهرين حتى قضى دينه، وأصاب خيرا.
قال عبد الله بن بشر الطالقاني: سمعت أحمد بن حنبل يقول: يحيى ابن سعيد الانصاري أثبت الناس.

(5/471)


وقال حماد بن زيد: قدم أيوب من المدينة، فقيل له: من أفقه من خلفت بها ؟ قال: يحيى بن سعيد الانصاري.
أبو صالح: حدثنا الليث، عن عبيدالله بن عمر، قال: كان يحيى بن سعيد يحدثنا فيسح علينا مثل اللؤلؤ، إذا طلع ربيعة، فقطع حديثه إجلالا لربيعة وإعظاما (1).
علي بن مسهر: سمعت سفيان يقول: أدركت من الحفاظ ثلاثة: إسماعيل بن أبي خالد، وعبد الملك بن أبي سليمان، ويحيى بن سعيد الانصاري، قلت: فالاعمش ؟ فأبى أن يجعله معهم.
محمد بن المنهال: سمعت يزيد بن زريع يقول: لما قدم يحيى بن سعيد الانصاري، نزل على عبد الوهاب بن عبدالحميد، وكان يحيى لا يملي فكنا ندخل عليه، ومعنا ابن علية وجماعة فنحفظ، فإذا خرجنا كتب هذا ما حفظ، وهذا ما حفظ، فتركت لذلك حديثه، وقلت: لا آخذ ديني عنكم.
محمد بن سعد، عن الواقدي، أن سليمان بن بلال أخبره، قال: خرج يحيى بن سعيد إلى إفريقية في ميراث له، فطلب له ربيعة بن أبي عبدالرحمن البريد، فركبه إلى إفريقية، فقدم بذلك الميراث، وهو خمس مئة دينار، فأتاه الناس يسلمون عليه، وأتاه ربيعة أغلق الباب عليهما، ودعا بمنطقته، فصيرها بين يدي ربيعة، وقال يا أبا عثمان: والله ما غيبت منها دينارا إلا ما أنفقناه في الطريق، ثم عد مئتين وخمسين دينارا فدفعها إلى ربيعة، وأخذ هو مثلها
قاسمه.
قال يحيى القطان: سمعت سفيان بن سعيد يقول: كان يحيى بن سعيد الانصاري أجل عند أهل المدينة من الزهري.
الترمذي: حدثنا قتيبة، حدثنا جرير، سألت يحيى بن سعيد فقلت:
__________
(1) الخبر في " المعرفة والتاريخ " 1 / 648، وفيه: فإذا طلع ربيعة، قطع حديثه إجلالا لربيعة وإعظاما.
[ * ]

(5/472)


أرأيت من أدركت من الائمة ؟ ما كان قولهم في أبي بكر وعمر وعلي ؟ فقال: سبحان الله ما رأيت أحدا يشك في تفضيل أبي بكر وعمر على علي، إنما كان الاختلاف في علي وعثمان.
قال عبدالرحمن بن مهدي: حدثنا وهيب، قال: قدمت المدينة فلم ألق بها أحدا إلا وأنت تعرف وتنكر.
غير يحيى بن سعيد ومالك.
الحاكم: حدثنا أبو بكر محمد بن داود الزاهد، حدثنا يحيى بن أحمد الهروي، أن محمد بن حفص حدثهم، حدثنا يحيى بن أيوب المقابري، حدثني أبو عيسى وغيره، أن قوما كانت بينهم وبين المسيب بن زهير خصومة، فارتفعوا إلى يحيى بن سعيد الانصاري، فكتب إليه يحيى أن يحضر، فأتوه بكتاب يحيى، فانتهرهم وأبى، فجاؤوا إلى يحيى، فقام مغضبا يريد المسيب، فوافقه قد ركب وبين يديه نحو المئتين من الخشابة، فلما رأوا القاضي، أفرجوا له، فأتى المسيب فأخذ بحمائل سيفه، ورمى به إلى الارض، ثم برك عليه يخنقه، قال: فما خلص حمائل السيف من يده إلا أبو جعفر بنفسه.
قلت: هكذا فليكن الحاكم، ومتى خاف الحاكم من العزل لم يفلح، وفي ثبوت هذه الحكاية نظر.
الحسن بن عيسى بن ماسرجس: حدثنا جرير قال: سألت يحيى بن سعيد، وما رأيت شيخا أنبل منه، فذكر تفضيل الشيخين، وقد مر.
قال حماد بن زيد: كان يحيى بن سعيد، يقول في مجلسه: اللهم سلم سلم.
وقال يحيى: كان عبيدالله بن عدي بن الخيار، يقول في مجلسه: اللهم سلمنا وسلم المؤمنين منا.
ابن بكير: حدثنا الليث، عن يحيى بن سعيد قال: أهل العلم أهل

(5/473)


وسعة، وما برح المفتون يختلفون، فيحلل هذا، ويحرم هذا، وإن المسألة لترد على أحدهم كالجبل، فإذا فتح لها بابها، قال: ما أهون هذه.
يعقوب بن كاسب: حدثنا بعض أهل العلم، قال: سمعت صائحا يصيح في المسجد الحرام أيام مروان: لا يفتي الحاج في المسجد إلا يحيى ابن سعيد، وعبيدالله بن عمر، ومالك بن أنس.
ابن وهب، عن مالك، عن يحيى قال: قلت لسالم بن عبد الله: أسمعت هذا من ابن عمر ؟ فقال: مرة واحدة، نعم أكثر من مئة مرة.
وبه عن يحيى قال: لان أكون كتبت كل ما أسمع أحب إلى من أن يكون لي مثل ما لي.
قال أبو سعيد الحنفي: سمعت يزيد بن هارون يقول: حفظت ليحيى ابن سعيد ثلاثة آلاف حديث، فمرضت مرضة، فنسيت نصفها، فقال فتى من القوم: رويدا، ليتك مرضت الثانية فنسيتها كلها، فنستريح منك.
رواها الحاكم ولا أعرف الحنفي.
كان يحيى بن سعيد القطان يقدم يحيى بن سعيد الانصاري على
الزهري، لكونه رآه، ولم ير الزهري.
قال أحمد العجلي: كان يحيى بن سعيد رجلا صالحا فقيها ثقة، وقال الثوري: كان حافظا.
وقال ابن عيينة: محدثوا الحجاز ابن شهاب، ويحيى ابن سعيد، وابن جريج.
وروى أبو أويس، عن يحيى بن سعيد، قال: صحبت أنس بن مالك إلى الشام.
وروى محمد بن سلام الجمحي، قال: كان يحيى بن سعيد خفيف

(5/474)


الحال، فاستقضاه المنصور، فلم يتغير حاله، فقيل له في ذلك، فقال: من كانت نفسه واحدة، لم يغيره المال.
وقال أحمد العجلي: قال يزيد بن هارون: قلت ليحيى بن سعيد: كم تحفظ ؟ قال: ست مئة، سبع مئة.
قلت: هذا يوضح لك ضعف القول المار عن يزيد، ولا كان يحيى بن سعيد عنده ثلاثة آلاف حديث قط.
وعن يحيى القطان قال: هو مقدم على الزهري، لان الزهري اختلف عليه، ويحيى لم يختلف عليه.
وأما علي بن المديني فقال له نحو من ثلاث مئة حديث، فكأنه عنى المسند من حديثه، أو الذي اشتهر له.
سليمان بن حرب، سمعت حماد بن زيد يقول: ليس لاحد عندي كتاب، ولو كان، لسرني أن يكون ليحيى بن سعيد الانصاري.
قلت: توفي بالهاشمية بقرب الكوفة، وله بضع وسبعون سنة، سنة ثلاث وأربعين ومئة.
أخبرنا عبدالرحمن بن محمد الفقيه في كتابه، أنبأنا عمر بن محمد، أنبأنا هبة الله بن محمد الشيباني، أنبأنا أبو طالب محمد بن محمد بن غيلان،
أنبأنا أبو بكر الشافعي، أنبأنا الحارث بن محمد، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا يحيى بن سعيد، عن عبيدالله بن زحر، أنه سمع أبا سعيد الرعيني، يحدث عن عبد الله بن مالك، أنه سمع عقبة بن عامر يذكر أن أخته نذرت أن تمشي إلى البيت حافية غير مختمرة، فذكر ذلك عقبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " مر أختك، فلتركب، ولتختمر، ولتصم ثلاثة أيام " (1) هذا حديث غريب فرد.
__________
(1) اخرجه ابو داود (3299) في الايمان والنذور، والترمذي (1544) وأخرجه البخاري 5 / 68 في جزاء الصيد، ومسلم (1644) من طريق يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر الجهني قال: نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله حافية، فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " لتمش ولتركب ".
[ * ]

(5/475)


واسم أبي سعيد: جعثل بن هاعان قاضي إفريقية.
مات سنة خمس عشرة ومئة محله الصدق ما رواه عنه سوى عبيدالله بن زحر وفيه لين.
أخرجه أبو داود، عن مخلد بن خالد الشعيري، عن عبد الرزاق، عن ابن جريج، قال: كتب إلى يحيى بن سعيد بهذا، وأخرجه الترمذي، عن محمود بن غيلان، عن وكيع، عن سفيان، عن يحيى بن سعيد وحسنه الترمذي.
ووقع لنا عاليا بدرجتين، وهذا الحديث من جملة ما استفاد يحيى في رحلته إلى إفريقية.
عارم، عن حماد قال: قيل لهشام بن عروة: سمعت أباك يقول كذا وكذا ؟ قال: لا، ولكن حدثني العدل الرضي الامين عدل نفسي عندي يحيى ابن سعيد، أنه سمعه من أبي.
قال النسائي: يحيى بن سعيد ثقة ثبت.
وقال العجلي: كان قاضيا على الحيرة، وثم لقيه يزيد بن هارون، فروى عنه مئة وسبعين حديثا.
قال القطان، وأبو عبيد، وأحمد، وعدة: مات سنة ثلاث وأربعين ومئة، وقال يزيد بن هارون، وابن بكير، والفلاس: سنة أربع.
قال أبو القاسم بن مندة: طرق حديث يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة بن وقاص، عن عمر بن الخطاب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما الاعمال بالنيات ".
رواه عنه إبراهيم بن طهمان، وإبراهيم بن أدهم، وإبراهيم بن عيينة الهلالي، وإبراهيم بن محمد أبو إسحاق الفزاري، وإبراهيم بن أبي يحيى المدني، وإبراهيم بن صرمة المدني، وإبراهيم بن محمد بن جناح، وإبراهيم ابن زكريا المعلم الضرير، وإبراهيم بن أبي اليسع، وإبراهيم بن عبدالحميد

(5/476)


الحمصي، وإبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، وإسماعيل بن علية، وإسماعيل ابن عياش، وإسماعيل بن القاسم أبو العتاهية فيما قيل، وإسماعيل بن زكريا الخلقاني، وإسماعيل بن قيس بن سعد بن زيد بن ثابت، وإسماعيل بن زياد، وإسماعيل بن ثابت بن مجمع، وإسحاق بن الربيع العطار، وأنس بن عياض أبو ضمرة، وأبان بن يزيد، وأسيد بن القاسم الكتاني، وأبرد بن الاشرس، وأبو الربيع أشعث بن سعيد السمان، وأسباط بن محمد، وأسد بن عمرو، وأسامة ابن حفص، وأيوب بن واقد كوفي، وأبيض بن الاغر، وأبيض بن أبان، وبحر بن كنيز السقاء، وبكر بن عمرو المعافري، وبشير بن زياد الجزري، وتوبة بن سعيد العنبري بن أبي الاسد، وتليد بن سليمان الكوفي، وثور بن يزيد، وثابت بن كثير، وجعفر الصادق، وجعفر بن عون، وجرير بن حازم، وجرير ابن عبدالحميد، وجنادة بن سلم، وجارية بن هرم الهنائي، وجميع بن ثوب الشامي، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وحماد بن زيد بن عمر كوفي،
وحماد بن أسامة أبو أسامة، وحماد أخو شعبة بن الحجاج، وحماد بن عبد الملك الخولاني، وحماد بن يحيى الابح، وحماد بن شيبة، وحماد بن يونس، وحماد بن نجيح، والحسن بن صالح، والحسن بن عياش أخو أبي بكر، والحسن بن عمارة، والحسن بن أبي جعفر، وحسين بن علوان، وحر الحذاء، وحديج بن معاوية، وحبان بن علي، وحمزة الزيات، وحسان بن غيلان، وحفص بن غياث، وحفص بن عمر القناد، وحفص بن سليمان القارئ، وحكيم بن نافع الرقي، والحارث بن عمير، وحميد بن زياد أبو صخر، وحجاج بن أرطاة، وخالد بن عبد الله الطحان، وخالد بن حميد الرؤاسي، وخالد بن سلمة الجهني، وخالد بن القاسم المدائني، ولم يصح وخالد بن يزيد البحراني، وخلف بن خليفة، وخليفة بن غالب بصري، وخارجة بن مصعب، وخطاب بن أبي خيرة، والخليل بن مرة، وخصيب بن

(5/477)


عبدالرحمن، وخازم بن الحارث أبو عصمة، والخصيب بن جحدر، والخصيب بن عقبة الوابشي، وداود بن عبدالرحمن العطار، وداود بن الزبرقان، وداود بن بكر بن أبي الفرات، وداود بن جشم، وذؤاد بن علبة، وربيعة الرأي، ورقبة بن مصقلة، وروح بن القاسم، والربيع بن حبيب كوفي، ورشدين بن سعد، ورجاء بن صبيح، وزهير بن معاوية، وزهير بن محمد، وزيد بن بكر بن خنيس، وزيد بن علي، وزيد بن أبي أنيسة، وزياد بن خيثمة، وزمعة بن صالح، وزكريا بن أبي العتيك كوفي، وزافر بن سليمان، وزفر الفقيه، وزائدة، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وسفيان بن عمر الحضرمي كوفي، وسليمان التيمي، وسليمان أبو خالد الاحمر، وسليمان بن بلال، وسليمان الاعمش، وسليمان بن عمر، وأبو داود النخعي، وسليمان بن
يزيد الكعبي، وسليمان بن خثيم، وسعيد بن المرزبان أبو سعد البقال، وسعيد بن مسلمة الاموي، وسعير بن الخمس، وسعيد بن محمد الوراق الثقفي، وسعيد بن عبد الله الاودي، وسلمة بن رجاء، وسلام أبو المنذر القارئ، وأبو الاحوص سلام بن سليم، وسابق البربري، وسويد بن عبد العزيز، وسيف بن محمد الثوري، وسيف بن عمر، وسعاد بن سليمان التميمي، وسنان بن هارون، وشعبة، وشريك، وشعيب بن إسحاق، وشجاع بن الوليد، وشرقي بن قطامي، وشجاع بن عبد الله، وشقيق بن عبد الله، وصدقة بن عبد الله الدمشقي، وصالح بن يحيى، وصالح بن جبلة وصالح بن قدامة الجمحي، وصالح بن كيسان، والضحاك بن عثمان، وطلحة بن مصرف اليامي، وطلحة بن زيد، وعبد الله بن عبد الله أبو أويس، وعبد الله بن إدريس، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن هشام بن عروة، وعبد الله بن نمير، وعبد الله بن زياد بن سمعان، وعبد الله بن لهيعة، وعبد الله ابن واقد الهروي، وعبد الله بن عرادة، وعبد الله بن ميمون القداح، وعبد الله بن

(5/478)


حسين بن عطاء، وعبد الله بن سفيان الواسطي، وعبد الله بن شوذب، وعبد الرحمن الاوزاعي، وعبد الرحمن بن بديل، وعبد الرحمن بن الاسود، وعبد الرحمن بن حميد الزهري، وعبد الرحمن بن صالح بن موسى، وعبد الرحمن المحاربي، وعبد الرحمن بن مغراء، وعبد الرحمن بن زياد أبو خالد، وعبد الرحمن العرزمي، وعبد الرحمن بن يحيى بن سعيد الانصاري، وعبد الرحمن بن حميد الرؤاسي، وعبيدالله بن عمرو الرقي، وعبيدالله بن عدي الكندي، وعبيدالله بن هشام بن عروة، وعبد العزيز الدراوردي، وعبد العزيز ابن الحصين، وعبد الغفار بن القاسم، وعبد العزيز بن أبي حازم، وعبد
الاعلى بن محمد المصري، وعبد الملك بن أبي بكر، وعبد الملك بن محمد ابن زرارة، وعبد الملك بن جريج، وعبد الوهاب بن عطاء، وعبد الوهاب الثقفي، وعبد السلام بن حرب، وعبد السلام بن حفص، وعبد ربه أبو شهاب الحناط، وعبدة بن سليمان، وعباد بن عباد، وعباد بن العوام، وعباد بن صهيب، وعبد الحميد الفراء، وعبيدالله بن جعفر، وعبدة بن أبي برزة السجستاني، وعمر بن عبيد، وعمر بن سعيد بن أبي حسين، وعمر بن يزيد، وعمر بن حبيب، وعمر بن علي بن مقدم، وعمر بن عبدالحميد الطائي، وعمر بن هارون، وعمر بن مروان الجلاب، وعمر بن وجيه، وعبد الاعلى بن عبدالاعلى، وعبد المنعم بن نعيم، وعامر بن خداش، وعبد الجبار بن سليمان أو ابن عثمان، وعمران بن الربيع، وعمرو بن هاشم، وعباد بن كثير الثقفي، وعباد بن منصور، وعدي بن الفضل، وعيسى بن شعيب، وعيسى بن يونس، وعبد الرحيم بن سليمان الرازي، وعبد ربه بن سعيد، وعلي بن هاشم، وعلي بن مسهر، وعلي بن القاسم العمري، وعلي بن هاشم بن هاشم وعلي بن عاصم، وعلي بن هاشم بن مرزوق، وعلي بن صالح، وعيسى بن ثوبان، وعيسى بن زيد بن علي، وعمارة بن غزية، وعمرو بن الحارث الفقيه،

(5/479)


وعمرو بن جميع، وعمرو بن أبي قيس، وعثمان بن الحكم، وعثمان بن مخارق، وعقبة بن خالد، وعصمة بن محمد الزرقي، وعائذ بن حبيب، وعمار بن رزيق، وعمار بن سيف، وعطاء بن جبلة، وعمر بن الخطاب بن أبي خيرة، وغسان بن غيلان، وغياث بن إبراهيم، وفضيل بن عياض، وفرح ابن فضالة، وفليح بن محمد، وفليح بن سليمان، وفضالة بن نوح، وفطر بن خليفة، وقيس بن الربيع، والقاسم بن عبد الله العمري، والقاسم بن معن
والقاسم بن الحكم، وقريب الاصمعي، وكنانة بن جبلة، وكثير بن زياد أبو سهل، والليث، وابن عجلان، ومحمد بن عبد الله بن عبيد الليثي، ومحمد بن ورد العجلي، ومحمد بن عمر القارئ، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير، ومحمد بن ميمون السكري، ومحمد بن مغيث البجلي، ومحمد بن سعيد المدني، ومحمد بن مسلم أبو سعيد المؤدب، ومحمد بن إسماعيل بن رجاء، ومحمد بن دينار الطاحي، ومحمد بن عبدالملك الانصاري، ومحمد ابن فضيل، ومحمد بن يزيد، ومحمد بن مروان العجلي، ومحمد بن زياد بن علاقة، ومحمد بن خازم أبو معاوية، ومحمد بن عبدالرحمن بن أبي ذئب، ومحمد بن ميمون الاسدي، ومحمد بن عبيدالطنافسي، ومحمد بن عصمة، ومحمد بن إسحاق، ومحمد بن عبيدالله العرزمي، ومحمد بن جحادة، ومالك، ومروان بن معاوية، ومروان بن سالم، ومعمر، ومندل، ومفضل بن يونس، ومسلمة بن علي، ومنصور بن يسير، ومنصور بن الاسود، ومصاد بن عقبة، ومسكين أبو فاطمة الطاحي، والمسيب بن شريك، ومعاوية بن يحيى، ومعلى بن هلال، ومعاوية بن صالح، ومغلس بن زياد، ومقاتل بن حيان، ومسعر، ومكي بن إبراهيم، ونوح بن أبي مريم، ونوح بن المختار، والنضر بن محمد المروزي، والنعمان أبو حنيفة، ونصر بن باب، ونصر بن طريف، وأبو عوانة الوضاح، ووهيب، وهمام، وهشيم، وهشام بن عروة، وهشام بن عبد

(5/480)


الكريم، وهشام بن حسان، وهشام بن أبي عبد الله وهارون بن عنترة، وهاشم ابن يحيى الغساني، وهريم بن سفيان، وهبار بن عقيل، والهيثم بن عدي، وهشام بن زيد، ويزيد بن هارون، ويزيد بن عبدالملك النوفلي، ويزيد بن عمرو، ويزيد بن أبي حفص كوفي، ويونس بن راشد، ويحيى بن سعيد
القطان، ويحيى بن سعيد الاموي، ويحيى بن أبي زائدة، وأبو عقيل يحيى بن المتوكل، وأبو المقدام يحيى بن ثعلبة، ويحيى بن أيوب المصري، ويحيى ابن العلاء الرازي، ويحيى بن سليم الطائفي، ويحيى بن عبد الله بن الاجلح، ويحيى بن المهلب أبو كدينة، ويعلى بن عبيد، والقاضي أبو يوسف يعقوب، وأبو بكر بن أبي سبرة، وأبو بكر بن أبي مريم، وأبو بكر بن عياش.
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، ويوسف بن أحمد قالا: أنبأنا موسى بن عبد القادر، أنبأنا سعيد بن أحمد، أنبأنا علي بن البسري، أنبأنا أبو طاهر المخلص، حدثنا عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا محمد بن عبدالواهب الحارثي، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم، عن عائشة، قالت: لما مات عثمان بن مظعون، كشف النبي صلى الله عليه وسلم الثوب عن وجهه، وقبل بين عينيه، ثم بكى بكاء طويلا، فلما رفع على السرير، قال: " طوباك يا عثمان، لم تلبسك الدنيا ولم تلبسها ".
محمد بن عبد الله هذا المعروف بالمحرم، ضعفوه (1).
__________
1) في ميزان المؤلف: ضعفه ابن معين، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: متروك وقال ابن عدي: وهو مع ضعفه يكتب حديثه، لكن تقبيل النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان بن مظعون ثابت، فقد أخرجه الترمذي (989) وأبو داود (3163) من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل عثمان بن مظعون وهو ميت وهو يبكي.
وقال الترمذي: حسن صحيح، وله شاهد من حديث معاذ بن ربيعة أورده الهيثمي في المجمع.
[ * ]

(5/481)


أخوه
214 - عبد ربه بن سعيد * (ع) يروي عن أبي أمامة بن سهل، وأبي سلمة بن عبدالرحمن، وعمرة وجماعة.
حدث عنه عطاء بن أبي رباح أحد شيوخه، وشعبة، وعمرو بن الحارث، والليث بن سعد، وابن عيينة.
وثقه أحمد بن حنبل.
وقال يحيى القطان: كان حي الفؤاد وقادا.
توفي سنة تسع وثلاثين ومئة.

أخوهما
215 - سعد بن سعيد الانصاري * * (م، 4) أحد الثقات.
يروي عن أنس بن مالك، والسائب بن يزيد.
حدث عنه شعبة، وابن المبارك، وجماعة.
قال فيه النسائي: ليس بالقوي.
بعونه تعالى وتوفيقه تم الجزء الخامس من سير أعلام النبلاء ويليه الجزء السادس وأوله ترجمة عبدالرحمن بن القاسم
__________
* التاريخ الكبير 6 / 76، الجرح والتعديل 6 / 41، تهذيب الكمال: 771، تذهيب التهذيب 2 / 202 1، تهذيب التهذيب 6 / 126، خلاصة تذهيب الكمال: 223.
* التاريخ الكبير 4 / 56، الجرح والتعديل 4 / 84، تهذيب الكمال 473، تذهيب التهذيب 2 / 8، تاريخ الاسلام 6 / 68، 69، ميزان الاعتدال 2 / 120، تهذيب التهذيب 3 / 470، خلاصة تذهيب الكمال 134.
[ * ]

(5/482)