إيجاز البيان عن
معاني القرآن الر كِتَابٌ
أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ
خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ
مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ
ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى
أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ
تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ
كَبِيرٍ (3)
ومن سورة هود
1 أُحْكِمَتْ: بالأمر والنهي، ثُمَّ فُصِّلَتْ: بالوعد والوعيد
«1» ، أو أحكمت آياته من الباطل ثم فصلت بالأحكام «2» .
2 أَلَّا تَعْبُدُوا: فصلت لئلا تعبدوا «3» .
[43/ ب] 3 وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ: من الذنوب السالفة
ثم توبوا من/ الآنفة، أو اطلبوا المغفرة ثم توصّلوا «4» إليها
بالتوبة، فالمغفرة أول في الطلب وآخر في السبب «5» .
__________
(1) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (15/ 225، 226) عن
الحسن.
ونقله النحاس في معاني القرآن: 3/ 327، والماوردي في تفسيره:
2/ 202 عن الحسن.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 4/ 399، وزاد نسبته إلى ابن
أبي حاتم، وابن المنذر، وأبي الشيخ عن الحسن رحمه الله.
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 15/ 226 عن قتادة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 4/ 399، وزاد نسبته إلى ابن
المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ عن قتادة رحمه الله.
(3) معاني القرآن للفراء: 2/ 3، وتفسير الطبري: 15/ 228،
والمحرر الوجيز: 7/ 235.
(4) في «ج» : توسلوا.
(5) الوجهان في تفسير الماوردي: 2/ 203، ونص كلام الماوردي
هناك:
«أحدهما: استغفروه من سالف ذنوبكم ثم توبوا إليه من المستأنف
متى وقع منكم.
قال بعض الصلحاء: الاستغفار بلا إقلاع توبة الكذابين.
الثاني: أنه قدم ذكر الاستغفار لأن المغفرة هي الغرض المطلوب
والتوبة هي السبب إليها، فالمغفرة أول في الطلب وآخر في السبب»
.
وانظر هذا المعنى في زاد المسير: 4/ 75، وتفسير الفخر الرازي:
(17/ 188، 189) ، وتفسير القرطبي: 9/ 3.
(1/406)
أَلَا إِنَّهُمْ
يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ
يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا
يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5) وَمَا
مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا
وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي
كِتَابٍ مُبِينٍ (6) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى
الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ
قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ
لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ
مُبِينٌ (7)
5 يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ: الثني: الإخفاء،
ثناه يثنيه، أي: يكتمون ما في صدورهم «1» .
وروى هشيم «2» عن عبد الله بن شدّاد «3» قال: كان أحدهم إذا
مرّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثنى صدره وتغشّى بثوبه
حتى لا يراه النبي «4» عليه السلام.
6 وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها: حياتها وموتها
«5» .
7 وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ: بنية ما بناه، وذلك أعجب «6»
.
وأصل العرش «7» خشبات توضع عليها ثمام «8» يستظل بها الساقي
والضال.
__________
(1) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 201، والكشاف: 2/ 258،
وزاد المسير: 4/ 77، وتفسير القرطبي: 9/ 5.
(2) هو هشيم- بضم الهاء-، ابن بشير- بفتح الباء وكسر الشين
المعجمة- بن القاسم بن دينار السّلمي، أبو معاوية الواسطي.
ترجم له الحافظ في التقريب: 574، وقال: «ثقة ثبت كثير التدليس
والإرسال الخفي، من السابعة، مات سنة ثلاث وثمانين، وقد قارب
الثمانين» .
وانظر ترجمته في تاريخ بغداد: 14/ 85، وتذكرة الحفاظ: 1/ 248،
وسير أعلام النبلاء:
8/ 287.
(3) هو عبد الله بن شدّاد بن الهاد اللّيثي، أبو الوليد،
المدني ثم الكوفي ولد في زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم، ومات
بالكوفة مقتولا سنة إحدى وثمانين للهجرة، وقيل بعدها، ذكره
العجلي من كبار التابعين الثقات.
ترجمته في سير أعلام النبلاء: 3/ 488، وتقريب التهذيب: 307.
(4) أخرجه الطبري في تفسيره: 15/ 234.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 4/ 400، وزاد نسبته إلى سعيد
بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ عن عبد الله
بن شداد.
(5) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 15/ 243 عن الربيع بن
أنس.
(6) قال الفخر الرازي في تفسيره: 17/ 195: «فإن البناء الضعيف
إذا لم يؤسس على أرض صلبة لم يثبت، فكيف بهذا الأمر العظيم إذا
بسط على الماء» .
(7) تهذيب اللغة: 1/ 414، واللسان: 6/ 315 (عرش) .
(8) المراد ب «الثمام» : العيدان قال الجوهري: «الثمام: نبت
ضعيف له خوص أو شبيه بالخوص، وربما حشي وسدّ به خصاص البيوت،
الواحدة ثمامة» .
الصحاح: 5/ 1881 (ثمم) ، وانظر اللسان: 12/ 81 (ثمم) . [.....]
(1/407)
وَلَئِنْ أَخَّرْنَا
عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ
مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا
عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (8)
وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ
نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ
أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ
ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10)
إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ
لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ
بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ
يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ
مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
وَكِيلٌ (12) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا
بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ
اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
(13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا
أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14) مَنْ كَانَ يُرِيدُ
الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ
أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15)
لِيَبْلُوَكُمْ: أنه خلق الخلق ليظهر إحسان
المحسن فهو الغرض من الخلق.
8 إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ: أجل محدود «1» ، وبلغة أزد شنوءة:
سنين معلومة «2» .
12 فَلَعَلَّكَ تارِكٌ: أي: لعظم ما يرد عليك من تخليطهم
يتوهّم أنهم يزيلونك عن بعض ما أنت عليه من أمر ربك «3» .
وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ: أحسن من «ضيّق» لأنه عارض، ولأنه أشكل
ب «تارك» .
14 فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ: الخطاب للمؤمنين، أي: لم
يجبكم الكافرون إلى ما تحدثوهم.
ويجوز الخطاب للمشركين، أي: لم يستجب لكم من دعوتموه ليعينكم.
فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ: أنه حق من
عنده.
وقيل: بِعِلْمِ اللَّهِ: بمواقع تأليفه في علوّ طبقته.
15 نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ: أي: من أراد الدنيا وفّاه
الله ثواب حسناته
__________
(1) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 285، وتفسير الطبري: (15/ 252،
253) ، ومعاني الزجاج: 3/ 40، وتفسير البغوي: 2/ 375، وتفسير
القرطبي: 9/ 9.
(2) ينظر كتاب لغات القبائل الواردة في القرآن لأبي عبيد: 131.
(3) نص هذا القول في زاد المسير: 4/ 82.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: 7/ 249: «سبب هذه الآية أن
كفار قريش قالوا:
يا محمد، لو تركت سب آلهتنا وتسفيه آبائنا لجالسناك واتبعناك.
قالوا: ايت بقرآن غير هذا أو بدله، ونحو هذا من الأقوال، فخاطب
الله تعالى نبيّه صلّى الله عليه وسلّم على هذه الصورة من
المخاطبة، ووقفه بها توقيفا رادا على أقوالهم ومبطلا لها، وليس
المعنى أنه صلّى الله عليه وسلّم همّ بشيء من هذا فزجر عنه،
فإنه لم يرد قط ترك شيء مما أوحى إليه، ولا ضاق صدره، وإنما
كان يضيق صدره بأقوالهم وأفعالهم وبعدهم عن الإيمان» .
(1/408)
أُولَئِكَ الَّذِينَ
لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا
صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)
أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ
شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا
وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ
مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي
مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17) وَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ
عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ
كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى
الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ
(19) أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ
وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ
يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ
السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُولَئِكَ الَّذِينَ
خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا
يَفْتَرُونَ (21) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ
الْأَخْسَرُونَ (22) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ
أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23)
في الدنيا، وهو أن يصل الكافر رحما، أو
يعطي سائلا فيجازى بسعة في الرزق.
16 وَحَبِطَ ما صَنَعُوا: فسد، حبط بطنه: فسد بالمطعم الوبيء
«1» .
17 أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ: أي: القرآن «2» ، أو ما ركز
في العقل من دلائل التّوحيد «3» .
وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ: ما تضمنه القرآن فهو شاهد العقل، وعلى
[القول] «4» الأول ما تضمنه العقل فهو شاهد القرآن «5» .
19 وَيَبْغُونَها عِوَجاً: يريدون غير الإسلام دينا «6» ، أو
يؤولون القرآن تأويلا باطلا «7» .
20 ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ: استماع الحق، بغضا له.
22 لا جَرَمَ: لا بد «8» ، والجرم: القطع، / أي: لا قاطع عنه
ولا مانع [44/ ا] أنهم في الآخرة هم الأخسرون.
23 وَأَخْبَتُوا: اطمأنوا عن خشوع «9» .
__________
(1) الصحاح: 3/ 1118، واللسان: 7/ 270 (حبط) .
(2) ذكر الماوردي هذا القول في تفسيره: 2/ 206، وابن الجوزي في
زاد المسير: 4/ 85 عن عبد الرحمن بن زيد.
وذكره الفخر الرازي في تفسيره: 17/ 209 دون عزو.
(3) ذكر نحوه الماوردي في تفسيره: 2/ 206 عن ابن بحر.
(4) ما بين معقوفين عن نسخة «ج» .
(5) تفسير الماوردي: 2/ 207، والمحرر الوجيز: 7/ 258، وزاد
المسير: 4/ 86، وتفسير القرطبي: 9/ 17.
(6) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 2/ 208 عن أبي مالك.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 4/ 413، وعزا إخراجه إلى ابن
أبي حاتم عن أبي مالك أيضا.
(7) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 208 عن علي بن عيسى.
(8) معاني القرآن للفراء: 2/ 8، وتفسير الماوردي: 2/ 208، وزاد
المسير: 4/ 91.
(9) معاني القرآن للفراء: 2/ 9، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/
286، وتفسير الطبري:
15/ 290، وتفسير القرطبي: 9/ 21.
(1/409)
أَنْ لَا تَعْبُدُوا
إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ
أَلِيمٍ (26) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ
قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ
اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ
الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ
نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ
إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً
مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا
وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28) وَيَا قَوْمِ لَا
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى
اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ
مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ
(29) وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ
طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (30) وَلَا أَقُولُ لَكُمْ
عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا
أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي
أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ
أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ
الظَّالِمِينَ (31) قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا
فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ
كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ
بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33)
وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ
لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ
رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34) أَمْ يَقُولُونَ
افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي
وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35) وَأُوحِيَ إِلَى
نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ
آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)
وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا
تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ
(37)
26 إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ: وإن كان عذاب
الكافر يقينا لأنه لا يدرى إلى أي شيء يؤول حالهم من إيمان أو
كفر، وهذا الوجه ألطف وأقرب في الدعوة.
27 بادِيَ «1» الرَّأْيِ: أول الرأي، وبغير الهمز ظاهر الرأي،
ونصبه على الظرف، أي: في بادئ الرأي، ويجوز ظرفا «2» للرؤية
وللأتباع وللأرذال.
29 وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا: أي الذين قيل لهم
«الأرذال» ، لأنهم ملاقو ربهم «3» .
34 إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ: مجازاة على
كفركم، أو يحرمكم من رحمته «4» .
36 فَلا تَبْتَئِسْ: لا تحزن ولا تأسف، من «البأساء» «5» .
37 وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا: بحفظنا «6» ، حفظ من
يعاين، وَوَحْيِنا:
__________
(1) بالهمز قراءة أبي عمرو، وقرأ باقي السبعة بادِيَ الرَّأْيِ
بغير همز.
السبعة لابن مجاهد: 332، والتبصرة لمكي: 222.
وانظر توجيه القراءتين في: معاني الفراء: 2/ 11، ومجاز أبي
عبيدة: 1/ 287، والكشف لمكي: 1/ 526، والبحر المحيط: 5/ 215.
(2) المحرر الوجيز: 7/ 272، والبيان لابن الأنباري: 2/ 11،
والتبيان للعكبري: 2/ 695، والبحر المحيط: 5/ 215، والدر
المصون: (6/ 310، 311) . [.....]
(3) قال الماوردي في تفسيره: 2/ 210: «يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون قال ذلك على وجه الإعظام لهم بلقاء الله
تعالى.
الثاني: على وجه الاختصام بأني لو فعلت ذلك لخاصموني عند الله»
.
(4) تفسير الفخر الرازي: (17/ 227، 228) .
(5) قال الطبري في تفسيره: 15/ 306: «وهو «تفتعل» من «البؤس» ،
يقال: ابتأس فلان بالأمر يبتئس ابتئاسا» .
وفي اللسان: 6/ 21 (بأس) : «والبأساء والمبأسة: كالبؤس» .
وانظر مفردات الراغب: 66.
(6) ينظر معاني القرآن للزجاج: 3/ 50، وتفسير الماوردي: 2/
212.
(1/410)
حَتَّى إِذَا جَاءَ
أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ
كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ
عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا
قَلِيلٌ (40)
تعليمنا وأمرنا «1» .
40 وَفارَ التَّنُّورُ: فار الماء من مكان النار آية للعذاب
«2» .
وقيل «3» : التنور وجه الأرض من «تنوير الصبح» «4» ، فكما أن
الصبح إذا نور طبق الآفاق، فكذلك ذلك الماء.
وقيل: إنه مثل شدة غضب الله عليهم، كقوله عليه السلام: «الآن
__________
(1) عن تفسير الماوردي: 2/ 212، ونص كلام الماوردي هناك:
وَوَحْيِنا فيه وجهان:
أحدهما: وأمرنا لك أن تصنعها.
الثاني: وتعليمنا لك كيف تصنعها» .
وأخرج الطبري في تفسيره: 15/ 309 عن مجاهد في قوله تعالى:
وَوَحْيِنا قال: كما نأمرك.
وانظر المحرر الوجيز: 7/ 288، وزاد المسير: 4/ 101.
(2) ذكر المؤلف- رحمه الله- هذا القول في وضح البرهان: 1/ 434
عن مجاهد.
وفي معاني الفراء: 2/ 14: «إذا فار الماء من أحرّ مكان في دارك
فهي آية للعذاب فأسر بأهلك» .
(3) أخرجه الطبري في تفسيره: 15/ 318 عن ابن عباس، وعكرمة،
والضحاك.
وذكره الزجاج في معاني القرآن: 3/ 51، والنحاس في معانيه: 3/
348، ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 214 عن ابن عباس، وابن
الجوزي في زاد المسير: 4/ 105 عن ابن عباس، وعكرمة، والزهري.
ووصفه ابن كثير في تفسيره: 4/ 254 بأنه أظهر.
(4) ظاهر هذا الكلام أنه متعلق بما قبله، وهو قول آخر كما
أخرجه الطبري في تفسيره:
(15/ 318، 319) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ونقله
الماوردي في تفسيره:
2/ 214 عن علي أيضا.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 4/ 423، وزاد نسبته إلى أبي
الشيخ، وابن أبي حاتم عن علي رضي الله عنه.
وعقّب النحاس على هذه الأقوال بقوله: «وهذه الأقوال ليست
بمتناقضة، لأن الله قد خبرنا أن الماء قد جاء من السماء
والأرض، فقال: فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ
مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً.
فهذه الأقوال تجتمع في أن ذلك كان علامة» .
انظر معاني القرآن: 3/ 348.
(1/411)
وَقَالَ ارْكَبُوا
فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي
لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41)
حمي الوطيس» «1» .
مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ: أي: ذكر وأنثى في حال
ازدواجهما، والزوج واحد له شكل، والاثنان زوجان، تقول: عندي
زوجان من الخفّ «2» .
41 مَجْراها وَمُرْساها: إجراؤها وإرساؤها، بمعنى المصدر «3» ،
أو بمعنى الوقت «4» كالممسي والمصبح، ولم يجز «مرسيها» «5»
بالفتح وإن قريء «مجريها» «6» لأن السفينة تجري ولا ترسو إلا
إذا أرساها الملّاح.
__________
(1) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: 3/ 1399، كتاب الجهاد والسير،
باب «في غزوة حنين» واللفظ فيه: «هذا حين حمي الوطيس» .
وقال القاضي عياض في مشارق الأنوار: 2/ 285: «وقوله: حمي
الوطيس هو التنور، واستعاره لشدة الحرب، ويقال إنه من كلامه
الذي لم يسبق إليه صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله» .
(2) عن معاني القرآن للزجاج: 3/ 51، ونص كلامه: «أي من كل شيء،
والزوج في كلام العرب واحد ويجوز أن يكون معه واحد، والاثنان
يقال لهما: «زوجان» ، يقول الرجل:
عليّ زوجان من الخفاف، وتقول: عندي زوجان من الطير، وإنما تريد
ذكرا أو أنثى فقط» .
وانظر تفسير الطبري: (15/ 322، 323) ، ومعاني القرآن للنحاس:
3/ 349، وزاد المسير: 4/ 106.
(3) بمعنى المصدر الميمي ذي الأصل الرباعي من أجريته مجرى
وإجراء.
(4) على الظرفية، والتقدير: اركبوا فيها مسمّين وقت جريانها
ورسوها.
وهذا التوجيه والذي قبله على قراءة ابن كثير، ونافع، وأبي
عمرو، وابن عامر، وأبي بكر عن عاصم، بضم الميمين في «مجراها
ومرساها» .
السبعة لابن مجاهد: 333، والتبصرة لمكي: 223.
وانظر توجيه هذه القراءة في معاني القرآن للزجاج: 3/ 52،
وإعراب القرآن للنحاس:
2/ 283، والكشف لمكي: 1/ 528، والبحر المحيط: 5/ 225، والدر
المصون:
6/ 325.
(5) أي لا يجوز إمالة الياء في «مرسيها» ، لأن أصل الألف واو
بخلاف «مجريها» فإن أصل الألف ياء.
قال مكي في الكشف: 1/ 528: «وقد أجمعوا على الضم في «مرساها»
من «أرسيت» ... » .
(6) بفتح الميم والإمالة، وهي قراءة حمزة، والكسائي، وعاصم في
رواية حفص.
السبعة لابن مجاهد: 333، والتبصرة لمكي: 223، والتيسير للداني:
124. [.....]
(1/412)
وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ
فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي
مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ
الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي
مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ
اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ
فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي
مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ
الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا
لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ
رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ
وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ
لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا
تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ
تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)
42 وَكانَ فِي مَعْزِلٍ: أي من السفينة «1»
، وهو الموضع المنقطع عن غيره.
ارْكَبْ مَعَنا: دعاه إلى الركوب لأنه كان ينافق بإظهار
الإيمان، أو دعاه على شريطة الإيمان.
44 يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ: تشرّبي «2» في سرعة بخلاف
العادة فهو أدلّ على القدرة وأشد في العبرة.
وَيا سَماءُ أَقْلِعِي: لا تمطري «3» ، وَغِيضَ الْماءُ: نقص،
غاض الماء وغضته «4» .
46 إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ: ذو عمل «5» ، أو عمله عمل
غير صالح «6» ، أو سؤالك هذا غير صالح «7» .
__________
(1) ذكره الزجاج في معاني القرآن: 2/ 54: «وقال: «يجوز أن يكون
كان في معزل من دينه، أي: دين أبيه. ويجوز أن يكون- وهو أشبه-
أن يكون في معزل من السفينة» .
وانظر هذا القول في معاني القرآن للنحاس: 3/ 352، وزاد المسير:
4/ 110.
(2) تفسير الطبري: 15/ 334، والمحرر الوجيز: 7/ 305.
(3) تفسير الطبري: 15/ 334، وتفسير الماوردي: 2/ 216، وزاد
المسير: 4/ 111.
قال الماوردي: «من قولهم: أقلع عن الشيء إذا تركه» .
(4) غريب القرآن وتفسيره لليزيدي: 174، وتفسير غريب القرآن
لابن قتيبة: 204، ومعاني الزجاج: 3/ 55، والمفردات للراغب:
368.
(5) ذكره الزجاج في معاني القرآن: 3/ 55، والنحاس في معانيه:
3/ 355.
ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 114 عن الزجاج.
قال الآلوسي في روح المعاني: 12/ 69: «وأصله إنه ذو عمل فاسد،
فحذف «ذو» للمبالغة بجعله عين عمله لمداومته عليه، ولا يقدّر
المضاف لأنه حينئذ تفوت المبالغة المقصودة منه ... » .
(6) ذكره النحاس في معاني القرآن: 3/ 355 دون عزو.
(7) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 15/ 347 عن ابن عباس،
ومجاهد، وقتادة، وإبراهيم، ورجحه الطبري.
وكذا النحاس في معانيه: 3/ 355، وابن الجوزي في زاد المسير: 4/
114.
(1/413)
وَإِلَى عَادٍ
أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا
لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ
(50) يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ
أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ
(51) وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا
إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا
وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا
مُجْرِمِينَ (52) قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ
وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا
نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلَّا
اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ
اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54)
مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55)
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ
دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى
صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ
أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ
رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ
رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57) وَلَمَّا جَاءَ
أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ
بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58)
وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا
رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59)
[44/ ب] وقراءة عَمَلٌ «1» غَيْرُ صالِحٍ:
فعل سوءا/.
50 ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ: أبو عمرو «2» يختار حمل
الصّفة على الموضع «3» لأن فيها معنى الاستثناء، كأنه: مالكم
إلا هو، أي: لكم هو.
56 إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ: على الحق والعدل «4»
، أو فيه حذف أي: يدل على صراط مستقيم «5» .
59 وَعَصَوْا رُسُلَهُ: لأن الرسل قد قامت عليهم حجة دعوتهم،
وأنهم عصوا هودا «6» .
__________
(1) «عمل» بفتح العين، وكسر الميم، وفتح اللام، و «غير» بفتح
الراء وهي قراءة الكسائي كما في السبعة لابن مجاهد: 334،
والتبصرة لمكي: 223، والتيسير للداني: 125.
(2) أبو عمرو بن العلاء: (70- 154 هـ) .
هو زبان بن عمار التميمي البصري، أبو عمرو.
الإمام اللغوي الأديب، أحد القراء السّبعة.
أخباره في طبقات النحويين للزبيدي: 35، ووفيات الأعيان: 3/
466، ومعرفة القراء الكبار: 1/ 100.
(3) قرأ أبو عمرو برفع «غير» ، وكذا باقي السبعة إلا الكسائي
فقد قرأ بالخفض.
السبعة لابن مجاهد: 284، وحجة القراءات: 286، والتبصرة لمكي:
203.
قال العكبري في التبيان: 1/ 577: «و «غيره» بالرفع فيه وجهان:
أحدهما: هو صفة ل «إله» على الموضع.
والثاني: هو بدل من الموضع، مثل: لا إله إلا الله» .
وانظر مشكل إعراب القرآن: 1/ 367، والكشف لمكي: 1/ 467، والبحر
المحيط:
4/ 320.
(4) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 15/ 364 عن مجاهد.
ونقله النحاس في معاني القرآن: 3/ 359، والماوردي في تفسيره:
2/ 218، وابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 118 عن مجاهد أيضا.
(5) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 118، والفخر الرازي في
تفسيره: 18/ 14 دون عزو.
(6) قال ابن عطية في المحرر الوجيز: 7/ 327: «وذلك أن في تكذيب
رسول واحد تكذيب سائر الرسل وعصيانهم، إذ النبوات كلها مجمعة
على الإيمان بالله والإقرار بربوبيته» .
(1/414)
وَإِلَى ثَمُودَ
أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا
لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ
وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا
إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) قَالُوا يَا
صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا
أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا
لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) قَالَ
يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ
رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ
اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ
(63) وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً
فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا
بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوهَا
فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ
وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا
نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ
مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ
الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا
الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67)
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا
رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68) وَلَقَدْ جَاءَتْ
رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ
سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)
61 وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها: جعلكم عمّارها
«1» ، فيدل على أن الله يريد عمارة الأرض لا التبتل.
وقيل «2» : جعلها لكم مدة أعماركم، بمعنى: أعمره داره عمرى «3»
.
وقيل «4» : أطال أعماركم فيها بمنزلة عمّركم، وكانت ثمود طويلة
الأعمار، فاتخذوا البيوت من الجبال.
63 إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي: جواب إِنْ فاء
فَمَنْ يَنْصُرُنِي، وجواب إِنْ الثانية مستغنى عنه بالأول
بتقدير: إن عصيته فمن ينصرني؟! ومعنى الكلام: أعلمتم من ينصرني
من الله إن عصيته بعد بينة من ربي ونعمة.
فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ: أي: غير تخسيري لو
اتّبعت دين آبائكم، أو غير تخسيركم حيث «5» أنكرتم تركي دينكم.
67 جاثِمِينَ: هلكى ساقطين على الوجوه والركب «6» .
69 قالُوا سَلاماً: سلمت سلاما، قالَ سَلامٌ: أي: وعليكم سلام
«7» .
__________
(1) هذا قول أبي عبيدة في مجاز القرآن: 1/ 291، وذكره ابن
الجوزي في زاد المسير:
4/ 123 عن أبي عبيدة. والقرطبي في تفسيره: 9/ 56. [.....]
(2) ذكره الطبري في تفسيره: 15/ 368، والماوردي في تفسيره: 2/
218 عن مجاهد.
وكذا ابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 123.
(3) في تفسير الطبري: «من قولهم: «أعمر فلان فلانا داره، وهي
له عمرى» و «عمرى» بضم العين وسكون الميم، مصدر مثل «رجعي» .
يقال: أعمره الدار إذا جعله يسكن الدار مدة عمره.
اللسان: 4/ 603 (عمر) .
(4) نقله الماوردي في تفسيره: 2/ 218 عن الضحاك، وكذا ابن
الجوزي في زاد المسير:
4/ 123، والقرطبي في تفسيره: 9/ 56.
(5) في «ج» : حين.
(6) عن تفسير الماوردي: 2/ 219، وينظر تفسير الطبري: 15/ 381،
وتحفة الأريب: 89.
(7) تفسير الطبري: 15/ 382.
(1/415)
فَلَمَّا رَأَى
أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ
مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى
قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ
فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ
يَعْقُوبَ (71)
و «الحنيذ» »
المشوي بالرّضاف «2» حتى يقطر عرقا، من حناذ الخيل، وهو أن
يظاهر عليها جلّ «3» فوق جلّ لتعرق.
70 وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً: أحسّ وأضمر «4» لأنه رآهم
شبّانا أقوياء ولم [يتحرمون] «5» بطعامه؟ وكان ينزل طرفا
بمنزلة الأشراف بالأطراف.
71 فَضَحِكَتْ: تعجّبا من غرّة قوم لوط «6» ، أو من إحياء
العجل الحنيذ «7» ، أو سرورا بالولد- على التقديم والتأخير-
أي: فبشرناها فضحكت «8»
__________
(1) ينظر مجاز القرآن: 1/ 292، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة:
205، وتفسير الطبري:
15/ 383، ومعاني الزجاج: 3/ 61، واللسان: 3/ 484 (حنذ) .
(2) الرّضف: الحجارة التي حميت بالشمس أو النار.
اللسان: 9/ 121 (رضف) .
(3) الجلّ: بضم الجيم، ما تلبس الدابة لتصان به.
الصحاح: 4/ 1658، واللسان: 11/ 119 (جلل) .
(4) تفسير الطبري: 15/ 389، ومعاني الزجاج: 3/ 61، ومعاني
القرآن للنحاس: 3/ 363.
(5) في الأصل ونسخة «ك» : «يتحرموا» ، والمثبت في النص هو
الصواب، ولعل الناسخ قرأها «لم» فجزم الفعل.
(6) أي من غفلتهم ومما أتاهم من العذاب.
وقد أخرج عبد الرزاق هذا القول في تفسيره: 239، والطبري في
تفسيره: 15/ 390 عن قتادة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 4/ 451 وزاد نسبته إلى ابن
المنذر، وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن قتادة.
ورجح الطبري هذا القول في تفسيره: 15/ 394 فقال: «وأولى
الأقوال التي ذكرت في ذلك بالصواب، قول من قال: معنى قوله:
فَضَحِكَتْ، فعجبت من غفلة قوم لوط عمّا قد أحاط بهم من عذاب
الله وغفلتهم عنه.
وإنما قلنا هذا القول أولى بالصواب، لأنه ذكر عقيب قولهم
لإبراهيم: لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ،
فإذا كان ذلك كذلك، وكان لا وجه للضحك والتعجب من قولهم
لإبراهيم: لا تَخَفْ، كان الضحك والتعجب إنما هو من أمر قوم
لوط» .
(7) أورده الماوردي في تفسيره: 2/ 223 عن عون بن أبي شداد،
والفخر الرازي في تفسيره:
18/ 27 دون عزو.
(8) ذكره الفراء في معاني القرآن: 2/ 22، والطبري في تفسيره:
15/ 391.
وقال النحاس في معانيه: 3/ 364: «وهذا القول لا يصح، لأن
التقديم والتأخير لا يكون في الفاء» . [.....]
(1/416)
قَالَتْ يَا وَيْلَتَى
أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا
لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72)
أو ضحكت لسرورها بأمن زوجها فأتبعوها بسرور
آخر وهو البشارة بالولد «1» .
ومن قال إن «ضحكت» : حاضت «2» ، فلعله من ضحاك الطّلعة «3»
انشقاقها «4» .
فإنما حاضت لروعة ما سمعت من العذاب، أو حاضت مع الكبر لتوقن
بالولد «5» .
72 قالَتْ يا وَيْلَتى: على عادة النساء إذا عجبن، وألف
وَيْلَتى ألف
__________
(1) معاني القرآن للفراء: 2/ 22، وتفسير الطبري: 15/ 392 ونقله
ابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 131 عن الفراء.
(2) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره: 239 عن عكرمة، وذكره ابن
قتيبة في تفسير غريب القرآن:
205 عن عكرمة أيضا.
وأخرجه الطبري في تفسيره: 15/ 392 عن مجاهد.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 4/ 451، وعزا إخراجه إلى عبد
بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ عن ابن عباس
رضي الله عنهما.
قال الفراء في معانيه: 2/ 22: «وأما قوله: فَضَحِكَتْ: حاضت
فلم نسمعه من ثقة» .
وقال الزجاج في معاني القرآن: 3/ 62: «فأما من قال: ضحكت:
حاضت، فليس بشيء» .
ووصفه النحاس في معانيه: 3/ 364 بقوله: «وهذا قول لا يعرف ولا
يصح» .
(3) في «ج» : الكمامة.
(4) جاء في اللسان: 10/ 460 (ضحك) : «والضّحك: طلع النخل حين
ينشق، وقال ثعلب:
هو ما في جوف الطلعة ... » .
(5) قال الماوردي في تفسيره: 2/ 222: «فإن حمل تأويله على
الحيض ففي سبب حيضها وجهان:
أحدهما: أنه وافق عادتها فخافت ظهور دمها وأرادت شدادة فتحيرت
مع حضور الرسل.
والقول الثاني: ذعرت وخافت فتعجل حيضها قبل وقته، وقد تتغير
عادة الحيض باختلاف الأحوال وتغير الطباع.
ويحتمل قولا ثالثا: أن يكون الحيض بشيرا بالولادة لأن من لم
تحض لا تلد» .
(1/417)
قَالُوا أَتَعْجَبِينَ
مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ
عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ
الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ
إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) يَا
إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ
رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76)
وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ
بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77)
ندبة «1» ، أو منقلبة من ياء الإضافة «2» .
[45/ أ] 73 أَتَعْجَبِينَ: ألف تنبيه في صيغة الاستفهام، / ولم
يجز التعجب من أمر الله إذا عرف سببه وهو قدرته على كل شيء.
رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ: دعاء لهم، أو تذكير بذلك عليهم
«3» .
74 يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ: يراجع القول فيهم مع رسلنا
«إنّ فيها لوطا» «4» .
و «الأوّاه» «5» : كثير التأوّه من خوف الله «6» ، وقيل «7» :
كثير الدعاء.
«حليم» : كان- عليه السّلام- يحتمل ممن آذاه ولا يتسرع إلى
مكافأته.
77 ذَرْعاً: أي: وسعا «8» ، وذرع النّاقة: خطوها، ومذارعها:
قوائمها «9» .
__________
(1) اختاره الطبري في تفسيره: 15/ 399.
(2) ذكره الزجاج في معاني القرآن: 3/ 63، وقال: «والأصل: «يا
ويلتي» فأبدل من الياء والكسرة الألف، لأن الفتح والألف أخف من
الياء والكسرة» .
واختاره النحاس في إعراب القرآن: 2/ 293، والزمخشري في الكشاف:
2/ 281، وابن عطية في المحرر الوجيز: 7/ 348، وأبو حيان في
البحر المحيط: 5/ 244.
(3) قال ابن عطية في المحرر الوجيز: 7/ 351: «يحتمل اللّفظ أن
يكون دعاء وأن يكون إخبارا، وكونه إخبارا أشرف، لأن ذلك يقتضي
حصول الرحمة والبركة لهم، وكونه دعاء إنما يقتضي أنه أمر يترجى
ولم يتحصل بعد» .
وينظر تفسير البغوي: 2/ 393، وزاد المسير: 4/ 133، وتفسير
القرطبي: 9/ 71.
(4) هذا بعض آية: 32 من سورة العنكبوت.
(5) من قوله تعالى: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ
مُنِيبٌ [آية: 75] .
(6) معاني القرآن للفراء: 2/ 23، وتفسير غريب القرآن لابن
قتيبة: 193، ومعاني الزجاج:
3/ 65.
(7) رجحه الطبري في تفسيره: 14/ 532، وذكره الزجاج في معاني
القرآن: 2/ 473.
(8) المحرر الوجيز: 7/ 357، وزاد المسير: 4/ 136، وتذكرة
الأريب: 1/ 252، وتفسير القرطبي: 9/ 74.
(9) في اللسان: 8/ 95 (ذرع) : «مذراع الدابة: قائمتها تذرع بها
إلى الأرض، ومذرعها: ما بين ركبتها إلى إبطها ... » . [.....]
(1/418)
وَجَاءَهُ قَوْمُهُ
يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ
السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ
أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي
ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78)
يَوْمٌ عَصِيبٌ: عصيب بالشر. عصب يومنا
يعصب عصابة «1» .
78 يُهْرَعُونَ: يسرعون «2» من الأفعال التي يرفع فيها الفعل
بالفاعل، ومثله: أولع وأرعد وزهي «3» .
وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ: ألفوا الفاحشة
فجاهروا بها.
هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ: لو تزوجتم بهن «4» ، أو أراد نساء
أمّته.
وكلّ نبيّ أبو أمّته وأزواجه أمّهاتهم «5» .
__________
(1) عن غريب القرآن وتفسيره لليزيدي: 177، وتفسير الطبري: 15/
409.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: (7/ 357، 358) : «و «عصيب»
بناء اسم فاعل معناه:
يعصب الناس بالشر كما يعصب الخابط السّلمة (ضرب من الشجر) إذا
أراد خبطها ونفض ورقها ... ف «عصيب» بالجملة: في موضع شديد
وصعب الوطأة» .
وانظر تفسير القرطبي: 9/ 74، والدر المصون: 6/ 361.
(2) قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 206: «يقال: أهرع
الرجل: إذا أسرع على لفظ ما لم يسم فاعله، كما يقال: أرعد.
ويقال: جاء القوم يهرعون، وهي رعدة تحل بهم حتى تذهب عندها
عقولهم من الفزع والخوف إذا أسرعوا» .
(3) زاد المسير: 4/ 137، وتفسير الفخر الرازي: 18/ 32، وتفسير
القرطبي: 9/ 75، وفي تهذيب اللّغة: 6/ 371: «زهى فلان: إذا
أعجب بنفسه» .
(4) قال الماوردي في تفسيره: 2/ 226: «فإن قيل كيف يزوجهم
ببناته مع كفر قومه وإيمان بناته؟ قيل عن هذا ثلاثة أجوبة:
أحدها: أنه كان في شريعة لوط يجوز تزويج الكافر بالمؤمنة، وكان
هذا في صدر الإسلام جائزا حتى نسخ، قاله الحسن.
الثاني: أنه يزوجهم على شرط الإيمان كما هو مشروط بعقد النكاح.
الثالث: أنه قال ذلك ترغيبا في الحلال وتنبيها على المباح ...
» .
وانظر معاني القرآن للزجاج: 3/ 67، ومعاني النحاس: 3/ 368،
وتفسير الفخر الرازي:
18/ 34.
(5) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 15/ 414 عن مجاهد.
ونقله النحاس في معاني القرآن: 3/ 368، والماوردي في تفسيره:
2/ 226 عن مجاهد أيضا.
وهذا القول باطل من وجوه:
الأول: النبي ليس أبا لأمته ولا أزواجه أمهاتهم وإنما هو أب
للمؤمنين وأزواجه أمهات للمؤمنين.
الثاني: عرضه بناته عليهم ليس على إطلاقه وإنما هو تنبيه إلى
الحلال بشرطه.
الثالث: أن قوله: بَناتِي لا يلزم منه أن تكفي للجميع، وإنما
تنبيه إلى الفطرة التي خلق الإنسان عليها لحفظ النسل وبدأ
ببناته للترغيب والتنبيه إلى الفطرة التي تجاهلوها بعصيانهم
وفسوقهم، وهي كما تتحقق في بناته تتحقق في سائر البنات لكن
بالنسبة لبناته هو المالك لعصمتهن فبدأ بهن. وكيف يدعى أبوة لا
يسلم الخصم بأبوته، ومن يريد إحجاج خصمه فلا بد أن يبدأ بمقدمة
مسلمة منه ليبني عليها حكمه، وإلّا لقالوا: ومن أعطاك هذا
الحق؟.
ويؤيد ذلك أيضا قولهم: «ما لنا في بناتك من حق» وإلا فقالوا:
وهل هن بناتك حتى تعرضهن علينا؟ ويكون فيه أيضا إجراء الحق على
ظاهره دون حاجة إلى تأويل.
وينظر أضواء البيان: (3/ 34، 35) .
(1/419)
قَالُوا لَقَدْ
عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ
لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ
قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قَالُوا يَا
لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ
بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ
أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ
إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ
(81)
79 ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ: من
حاجة «1» ، فجعلوا تناول ما لا حاجة فيه كتناول ما لا حق فيه.
80 رُكْنٍ شَدِيدٍ: عشيرة منيعة «2» .
81 بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ: نصف الليل، كأنه قطع بنصفين «3» .
وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ: أي: إلى ماله ومتاعه لئلا
يفترهم عن
__________
(1) تفسير الماوردي: 2/ 227، وزاد المسير: 4/ 139.
قال الفخر الرازي في تفسيره: 18/ 35: «وفيه وجوه:
الأول: ما لنا في بناتك من حاجة ولا شهوة، والتقدير أن من
احتاج إلى شيء فكأنه حصل له فيه نوع حق، فلهذا السبب جعل نفي
الحق كناية عن نفي الحاجة.
الثاني: أن نجري اللفظ على ظاهره، فنقول: معناه إنهن لسن لنا
بأزواج ولا حق لنا فيهن ألبتة. ولا يميل أيضا طبعنا إليهن فكيف
قيامهن مقام العمل الذي نريده وهو إشارة إلى العمل الخبيث.
الثالث: ما لنا في بناتك من حق لأنك دعوتنا إلى نكاحهن بشرط
الإيمان ونحن لا نجيبك إلى ذلك فلا يكون لنا فيهن حق» .
(2) معاني القرآن للفراء: 2/ 24، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/
294، وتفسير الطبري:
15/ 418، وتفسير الماوردي: 2/ 227، وتفسير الفخر الرازي: 18/
36.
(3) عن تفسير الماوردي: 2/ 228.
وانظر تفسير الفخر الرازي: 18/ 37، وتفسير القرطبي: 9/ 80.
(1/420)
فَلَمَّا جَاءَ
أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا
عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً
عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)
الخروج «1» ، وإلا ففي لفتة النّظر عبرة.
82 سِجِّيلٍ: حجارة صلبة «2» ، قيل: إنها معربة «سنك» و «كل»
«3» ، بل هو «فعيل» مثل السّجل في الإرسال «4» .
والسّجل: الدّلو «5» ، وقيل: من أسجلته: أرسلته من السّجل
والإرسال «6» .
مَنْضُودٍ: نضد: جمع «7» .
83 مُسَوَّمَةً: معلمة باسم من يرمى به «8» .
__________
(1) ذكر الماوردي هذا القول في تفسيره: 2/ 228، وقال: «حكاه
علي بن عيسى» .
وانظر تفسير الفخر الرازي: 18/ 37، وتفسير القرطبي: 9/ 80.
(2) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 296، وتفسير الطبري: 15/ 433،
وتفسير الماوردي:
2/ 230.
(3) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 207، وتفسير الطبري: 15/
433.
وينظر المعرّب للجواليقي: 229، والمهذّب للسيوطي: 96.
(4) ذكره الطبريّ في تفسيره: 15/ 435.
وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: «والذي أراه أرجح وأصح، أنها
عربية، لأنها لو كانت معرّبة عن «سنك» و «كل» بمعنى: حجارة
وطين، لما جاءت وصفا للحجارة، لأن لفظها حينئذ يدل على
الحجارة، فلا يوصف الشيء بنفسه» .
راجع هامش المعرّب: 229.
(5) في تهذيب اللغة للأزهري: 10/ 584: «وهو الدّلو ملآن ماء،
ولا يقال له وهو فارغ:
سجل ولا ذنوب» .
وانظر اللسان: 11/ 325 (سجل) .
(6) تهذيب اللّغة: 10/ 586، واللسان: 11/ 326 (سجل) .
وفي تفسير الماوردي: 2/ 230: «يقال: أسجلته أي: أرسلته، ومنه
سمي الدلو سجلا لإرساله في البئر فكأن «السجيل» هو المرسل
عليهم» . [.....]
(7) ينظر غريب القرآن لليزيدي: 177، ومعاني النحاس: 3/ 371،
والصحاح: 2/ 544، واللسان: 3/ 424 (نضد) .
(8) نقله ابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 146، والفخر الرازي في
تفسيره: 18/ 40 عن الربيع.
وذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 230، وابن عطية في المحرر
الوجيز: 7/ 373، والقرطبي في تفسيره: 9/ 83، وابن كثير في
تفسيره: 4/ 271 دون عزو.
(1/421)
عِنْدَ رَبِّكَ: في خزانته التي لا يملكها
غيره، رجم بهذه الحجارة من غاب عن المؤتفكات «1» .
وقيل «2» : رجموا أولا ثم قلبت المدائن.
وفي الحديث «3» : «أن جبريل- عليه السّلام- أخذ بعروتها الوسطى
ثم حرجم بعضها على بعض «4» ، ثم أتبع شذّاذ «5» القوم صخرا من
سجّيل» .
يقال: حرجم الطعام: أكله بعنف.
وعن زيد «6» بن أسلم: أن السّجيل السماء الدنيا، والسّجين
الأرض
__________
(1) المؤتفكات: سمّيت بذلك للانتقال والانقلاب.
وقيل: المؤتفكة مدينة بقرب سلمية بالشام.
معجم البلدان: 5/ 219، ومراصد الاطلاع: 3/ 1329، والروض
المعطار: 566.
(2) لم أقف على هذا القول، ويدفعه ظاهر الآية الذي يفيد بأنهم
عوقبوا بالرجم بعد أن قلبت المدائن بهم، قال تعالى: فَلَمَّا
جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا
عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ، وعلى هذا الترتيب
جرت التفاسير.
ينظر تفسير الطبري: (15/ 441، 442) ، وتفسير الماوردي: 2/ 229،
وتفسير النسفي:
2/ 200، والبحر المحيط: 5/ 249، والدر المنثور: 4/ 463.
(3) أخرج نحوه الطبري في تفسيره: (15/ 441، 442) عن قتادة
والسدي.
وذكره ابن كثير في تفسيره: 4/ 271 عن قتادة.
قال الشوكاني في فتح القدير: 2/ 517: «وقد ذكر المفسرون روايات
وقصصا في كيفية هلاك قوم لوط طويلة متخالفة، وليس في ذكرها
فائدة لا سيما وبين من قال بشيء من ذلك وبين هلاك قوم لوط دهر
طويل لا يتيسر له في مثله إسناد صحيح، وذلك مأخوذ عن أهل
الكتاب، وحالهم في الرواية معروف، وقد أمرنا بأنا لا نصدقهم
ولا نكذبهم ... » .
(4) ينظر الصحاح: 5/ 1898 (حرجم) ، والنهاية: 1/ 362.
(5) أي ما تفرق منهم.
(6) هو زيد بن أسلم العدوي، المدني، الإمام التابعي، الفقيه
الثقة.
روى عن جماعة من الصحابة، وأرسل عن جابر، وأبي هريرة، وأبي
سعيد الخدري، وعائشة، وعلي رضي الله عنهم. وروى عنه مالك بن
أنس، وابن جريج وغيرهما.
قال عنه الحافظ ابن حجر: «ثقة عالم، وكان يرسل، من الثالثة،
مات سنة ست وثلاثين ومائة» ، وذكره في المرتبة الأولى من
المدلسين الذين يقبل حديثهم.
ترجمته في الكاشف: 1/ 336، وتقريب التهذيب: 222، وتعريف أهل
التقديس لابن حجر: 37.
(1/422)
قَالُوا يَا شُعَيْبُ
مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ
فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا
أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي
أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ
وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ
مُحِيطٌ (92) وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ
إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ
يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ
رَقِيبٌ (93) وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا
وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ
الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ
جَاثِمِينَ (94) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا
لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا
مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ
وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ
فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ
الْمَوْرُودُ (98)
السفلى «1» .
91 لَرَجَمْناكَ: لرميناك بالحجارة، أو لشتمناك «2» .
92 وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا: منسيا، كقوله «3» : وَكانَ
الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً: [أي] «4» ذليلا هيّنا كالشيء
المنسي «5» ، أو نبذتم أمره وراء ظهوركم. /. [45/ ب] ظهرت به:
أعرضت [عنه] «6» وولّيته ظهري «7» .
93 اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ: تهديد بصيغة الأمر، أي: كأنكم
أمرتم بأن تكونوا كذلك كافرين، والمكانة: التمكن من العمل «8»
.
98 يَقْدُمُ قَوْمَهُ: يتقدمهم «9» ، أو يمشي على قدمه.
__________
(1) الأثر في تفسير الطبري: 15/ 434 عن عبد الرحمن بن زيد بن
أسلم بلفظ: «السماء الدنيا اسمها «سجيل» ، وهي التي أنزل الله
على قوم لوط» .
كذا ورد في تفسير الماوردي: 2/ 230، والمحرر الوجيز: 7/ 370،
وزاد المسير:
4/ 144، وتفسير الفخر الرازي: 18/ 39، وتفسير القرطبي: 9/ 82-
كلهم- عن ابن زيد.
وقد ضعّف ابن عطية هذا القول في المحرر الوجيز: 7/ 371 فقال:
«وهذا ضعيف» .
ويرده وصفه ب «منضود» .
(2) نقله ابن عطية في المحرر الوجيز: 7/ 385 عن ابن زيد.
وذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 235، وابن الجوزي في زاد المسير:
4/ 153، والفخر الرازي في تفسيره: 18/ 51، وتفسير القرطبي: 9/
91 دون عزو.
(3) سورة الفرقان: آية: 55.
(4) ما بين معقوفين عن نسخة «ج» .
(5) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 77، ومفردات الراغب: 317،
واللسان: 4/ 522 (ظهر) .
(6) عن نسخة «ج» . [.....]
(7) اللسان: (4/ 522، 523) (ظهر) .
(8) تفسير الطبري: 15/ 463، وتفسير الفخر الرازي: 18/ 52.
(9) في معاني القرآن للزجاج: 3/ 76: «يقال: قدمت القوم أقدمهم
قدما وقدوما إذا تقدمتهم، أي يقدمهم إلى النار، ويدل على ذلك
قوله: فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ
الْمَوْرُودُ.
(1/423)
وَأُتْبِعُوا فِي
هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ
الْمَرْفُودُ (99) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ
عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100)
99 بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ: بئس
العطية النار بعد الغرق «1» .
والرّفد: العون على الأمر «2» ، وارتفدت منه: أصبت من كسبه.
100 قائِمٌ وَحَصِيدٌ: عامر وخراب «3» ، أو قائم على بنائه وإن
خلا من أهله.
وَحَصِيدٌ: مطموس العين والأثر «4» .
والتتبيب «5» والتباب: الهلاك، وقيل «6» : الخسران.
و «الزّفير» «7» الصّوت في الحلق، والشّهيق في الصدر «8» ،
فالشّهيق
__________
(1) ذكره الماوردي هذا القول في تفسيره: 2/ 336 عن الكلبي.
وعزاه ابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 156 إلى الكلبي ومقاتل.
قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 208: «الرّفد: العطية،
يقال: رفدته أرفده، إذا أعطيته وأعنته.
والْمَرْفُودُ المعطي. كما تقول: بئس العطاء والمعطي» .
(2) في مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 298: «مجازه: العون المعان،
يقال: رفدته عند الأمير، أي أعنته، وهو من كل خير وعون، وهو
مكسور الأول، وإذا فتحت أوله فهو القدح الضخم ... » .
وانظر تفسير الطبري: 15/ 468، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 77.
(3) تفسير الطبري: 15/ 470، وتفسير الماوردي: 2/ 337.
(4) تفسير الطبري: 15/ 471، ومعاني القرآن للنحاس: 3/ 379.
(5) من قوله تعالى: وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ [آية:
101] .
(6) ورد هذان المعنيان في اللّغة.
ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 299، وتفسير غريب القرآن لابن
قتيبة: 209، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 77، ومعاني النحاس: 3/
379، وتهذيب اللغة: 14/ 256، والصحاح: 1/ 90، واللسان: 1/ 226
(تبب) .
(7) من قوله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ
لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ [آية: 106] .
(8) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 15/ 480 عن أبي العالية.
ونقله الماوردي في تفسيره:
2/ 238 عن الربيع بن أنس. وأورده ابن الجوزي في زاد المسير: 4/
159، وقال: «رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال أبو العالية،
والربيع بن أنس» .
(1/424)
خَالِدِينَ فِيهَا مَا
دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ
إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا
الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا
دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ
عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)
أمدّ من شاهق الجبل، والزّفير أنكر من
«الزّفر» وهو الحمل العظيم «1» .
107 إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ: أي: من أهل التوحيد حتى تلحقهم
رحمة الله «2» أو ما شاء ربك من الزيادة عليها، ويستدل بهذا في
قوله: لك عليّ ألف إلّا ألفين على أنه إقرار بثلاثة آلاف، لأنه
استثناء زائد من ناقص، كأنّه [قال] «3» : لك عليّ ألف سوى
ألفين «4» .
108 وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا: من قرأ: سُعِدُوا «5» فعلى
حذف الزيادة من أسعدوا، ك مجنون ومحبوب، والفعل أجنّه وأحبّه
«6» .
غَيْرَ مَجْذُوذٍ: غير مقطوع «7» .
__________
(1) في تفسير الماوردي: 2/ 238، عن علي بن عيسى قال: «الزفير
تردد النفس من شدة الحزن، مأخوذ من «الزفر» وهو الحمل على
الظهر لشدته، والشهيق النفس الطويل الممتد، مأخوذ من قولهم:
جبل شاهق، أي: طويل» .
وانظر هذا القول في زاد المسير: 4/ 159، وتفسير القرطبي: (9/
98، 99) ، واللسان:
4/ 325 (زفر) .
(2) ذكره ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن: 77 وقال: «وهو أن
يكون الاستثناء من الخلود مكث أهل الذنوب من المسلمين في النار
حتى تلحقهم رحمة الله، وشفاعة رسوله، فيخرجوا منها إلى الجنة.
فكأنه قال سبحانه: خالدين في النار ما دامت السموات والأرض إلا
ما شاء ربك من إخراج المذنبين المسلمين إلى الجنة وخالدين في
الجنة ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك من إدخال
المذنبين النار مدة من المدد، ثم يصيرون إلى الجنة.
(3) عن نسخة «ج» . [.....]
(4) عن معاني القرآن للزجاج: 3/ 79، ونحوه في معاني الفراء: 2/
28.
وانظر معاني النحاس: 3/ 382، والدر المصون: 6/ 394.
(5) بضم السين، قراءة حمزة، والكسائي، وعاصم في رواية حفص.
السبعة لابن مجاهد: 339، والتبصرة لمكي: 225، والتيسير للداني:
126.
(6) تفسير الطبري: 15/ 486، والكشف لمكي: 1/ 536، والبيان لابن
الأنباري: 2/ 28، والتبيان للعكبري: 2/ 715.
(7) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 299، وغريب القرآن لليزيدي:
178، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 210، والمفردات للراغب:
90.
(1/425)
فَلَا تَكُ فِي
مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا
كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا
لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109) وَلَقَدْ
آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا
كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ
وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110) وَإِنَّ كُلًّا
لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ
بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111)
109 فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا
يَعْبُدُ هؤُلاءِ: لا تشك في كفرهم.
111 وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ: بالتشديد «1»
بمعنى: «إلّا» «2» ، كقوله «3» :
لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ لأن «لم» و «لا» للنفي فضمّت إلى
إحداهما «ما» وإلى الأخرى «إن» وهما أيضا للنفي، فكان سواء،
وكان «لممّا» .
قال الفراء «4» : أصله «لمن ما» ، فأدغم النون فصار «ممّا»
فخفف وأدغم الميم المفتوحة ليوفينهم وما بمعنى من فحذفت إحدى
الميمات لكثرتها.
أو هي من لممت الشّيء: جمعته «5» ، ولم يصرف مثل: «شتى»
__________
(1) بتخفيف «إن» وتشديد «لمّا» وهي قراءة عاصم في رواية شعبة.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 339، والتبصرة لمكي: 225، والتيسير
للداني: 126 وقد ذكر السمين الحلبي في الدر المصون: 6/ 409 هذا
الوجه في توجيه هذه القراءة ضمن ثمانية أوجه أوردها في ذلك.
(2) اختاره الزجاج في معاني القرآن: 3/ 81.
وذكر الفراء هذا الوجه في معاني القرآن: 2/ 29، وقال: وأما من
جعل «لمّا» بمنزلة «إلّا» فإنه وجه لا نعرفه. وقد قالت العرب:
بالله لمّا قمت عنا، وإلا قمت عنا، فأما في الاستثناء فلم
يقولوه في شعر ولا في غيره ألا ترى أن ذلك لو جاز لسمعت في
الكلام:
ذهب الناس لمّا زيدا» .
ورده- أيضا- الطبري في تفسيره: 15/ 496، والسمين الحلبي في
الدر المصون:
6/ 409.
(3) سورة الطارق: آية: 4.
(4) معاني القرآن: 2/ 29.
وقد رد الزجاج هذا القول في معاني القرآن: 3/ 81 فقال: «وهذا
القول ليس بشيء، لأن «من» لا يجوز حذفها لأنها اسم على حرفين.
ونقل ابن عطية في المحرر الوجيز: 7/ 410 تضعيف أبي علي الفارسي
لقول الفراء ونصه: «وهذا ضعيف، وقد اجتمع في هذه السورة ميمات
أكثر من هذه في قوله: أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ ولم يدغم هناك
فأحرى ألّا يدغم هنا» .
(5) ذكره النحاس في إعراب القرآن: 2/ 306 عن أبي عبيد القاسم
بن سلام.
وانظر هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 3/ 82، والمحرر
الوجيز: 7/ 411.
(1/426)
فَلَوْلَا كَانَ مِنَ
الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ
الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا
مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ
وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116)
و «تترى» ، أي: وإن كلا جميعا ليوفينهم، أو
«لمّا» فيه معنى الظرف «1» وقد دخل الكلام اختصار، كأنه: وإنّ
كلّا لمّا بعثوا ليوفينهم ربك أعمالهم ولإشكال هذا الموضع قال
الكسائي «2» : ليس لي بتشديد لَمَّا علم، وإنّما نقرأ كما
أقرئنا.
وأمّا لما بالتخفيف «3» ف «ما» بمعنى «من» «4» ، كقوله «5» :
فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ، أو هو لام القسم دخلت على «ما»
التي [46/ أ] للتوكيد «6» .
«زلف «7» اللّيل» : ساعاته «8» .
116 فَلَوْلا كانَ: فهلّا كان، تعجيب وتوبيخ.
إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا: استثناء منقطع لأنه إيجاب
لم يتقدمه نفي «9» .
__________
(1) بمعنى حين، وهو نظير قوله تعالى: إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ
لَمَّا آمَنُوا [يونس: آية: 98] .
وقوله: فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ [الصافات:
آية: 103] .
ينظر رصف المباني: 354.
(2) ينظر قول الكسائي في حجة القراءات: (352، 353) ، والكشف
لمكي: 1/ 538، ومشكل إعراب القرآن: 1/ 375، والمحرر الوجيز: 7/
411، والبيان لابن الأنباري:
2/ 29، والدر المصون: 6/ 414.
(3) وهي قراءة ابن كثير، ونافع، وأبي عمرو، والكسائي.
السبعة لابن مجاهد: 339، وإعراب القرآن للنحاس: (2/ 304، 305)
.
(4) ذكره الفراء في معاني القرآن: 2/ 28، والطبري في تفسيره:
15/ 497.
وانظر حجة القراءات: 350، وتفسير القرطبي: 9/ 105، والدر
المصون: 6/ 412.
قال أبو حيان في البحر: 5/ 367: «وهذا وجه حسن ومن إيقاع «ما»
على من يعقل ... » .
(5) سورة النساء: آية: 3. [.....]
(6) الكشاف: 2/ 295، والبحر المحيط: 5/ 267، والدر المصون: 6/
412.
(7) من قوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ
وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ [آية: 114] .
(8) معاني القرآن للفراء: 2/ 30، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/
300، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 210، وتفسير الطبري: 15/
505.
(9) قال الزجاج في معاني القرآن: 3/ 83: «المعنى: لكنّ قليلا
ممّن أنجينا منهم من نهى عن الفساد» .
(1/427)
وَمَا كَانَ رَبُّكَ
لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً
وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ
رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ
لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ
أَجْمَعِينَ (119) وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ
الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ
الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120)
وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما
أُتْرِفُوا فِيهِ: هلكوا وتبعتهم آثارهم وديارهم.
117 لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ: أي: بظلم منه، تعالى عنه.
118 وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ: أي: في الآراء والديانات
«1» .
119 إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ: من أهل الحق «2» ، أو مختلفين
في الأحوال «3» ليأتلفوا بالاختلاف إلا من رحم ربك بالرضا
والقناعة.
وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ: للاختلاف «4» ، أو للرحمة «5» ، ولم
يؤنث على معنى المصدر، أي: خلقهم ليرحمهم.
120 وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ: في هذه السورة «6»
،............
__________
(1) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: 15/ 131 عن عطاء،
والحسن.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 242 عن مجاهد، وعطاء.
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (15/ 532، 533) عن ابن
عباس، ومجاهد.
(3) من الفقر والغنى، ذكره المؤلف في كتابه وضح البرهان: 1/
447.
وأخرجه الطبري في تفسيره: 15/ 534 عن الحسن.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 242، وابن عطية في المحرر
الوجيز: 7/ 424، وابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 172 عن الحسن.
قال ابن عطية: «وهذا قول بعيد معناه من معنى الآية» .
(4) أخرجه الطبري في تفسيره: 15/ 535 عن الحسن.
ورجحه بقوله: «لأن الله جل ذكره ذكر صنفين من خلقه: أحدهما أهل
اختلاف وباطل، والآخر أهل حق، ثمّ عقّب ذلك بقوله: وَلِذلِكَ
خَلَقَهُمْ، فعمّ بقوله: وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ، صفة الصنفين،
فأخبر عن كل فريق منهما أنه ميسّر لما خلق له ... » .
(5) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (15/ 536، 537) عن ابن
عباس، ومجاهد، وقتادة، وعكرمة، والضحاك.
(6) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (15/ 540- 542) عن أبي
موسى، وابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والحسن، وسعيد بن جبير، وأبي
العالية، والربيع بن أنس.
واختاره الفراء في معانيه: 2/ 30، وابن قتيبة في تفسير غريب
القرآن: 211، والزجاج في معاني القرآن: 3/ 84.
ورجحه الطبري في تفسيره: 15/ 543، وقال: «لإجماع الحجة من أهل
التأويل على أن-
(1/428)
وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا
يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ
(121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122) وَلِلَّهِ
غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ
الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا
رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)
وقيل «1» : في هذه الدنيا.
121 اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ: على ما أنتم عليه «2» ، أو
على شاكلتكم التي تمكنتم عليها.
123 وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ: قال عليه السلام: «من أحبّ «3» أن
يكون أقوى النّاس فليتوكل على الله» .
__________
(1) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (15/ 542، 543) عن
قتادة.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 243، وابن الجوزي في زاد المسير:
4/ 173 عن الحسن، وقتادة.
(2) معاني القرآن للنحاس: 3/ 392، والكشاف: 2/ 299، وزاد
المسير: 4/ 174.
(3) أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب التوكل على الله: 44،
والحاكم في المستدرك: 4/ 270، كتاب الأدب، وأبو نعيم في
الحلية: 3/ 218 عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا.
وفي إسناد ابن أبي الدنيا عبد الرحيم بن زيد العمّي، وهو ضعيف
جدا، وكذبه ابن معين، كما في تقريب التهذيب: 354.
وفي إسناد الحاكم هشام بن زياد، وصفه الذهبي في التلخيص بقوله:
«متروك» ، وفيه أيضا محمد بن معاوية، قال عنه الذهبي: كذبه
الدارقطني، ثم قال: «فبطل الحديث» .
وأورد المناوي هذا الأثر في فيض القدير: 6/ 150، وزاد نسبته
إلى إسحاق بن راهويه، وعبد بن حميد، وأبي يعلى، والطبراني،
والبيهقي في الزهد من طريق هشام.
(1/429)
|