إيجاز البيان عن
معاني القرآن الَّذِينَ
يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ
وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا
أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (3) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ
رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ
فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى
بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى
النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) وَإِذْ قَالَ مُوسَى
لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ
أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ
الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ
نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ
(6) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ
لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي
لَشَدِيدٌ (7) وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ
فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8)
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ
نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا
يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ
بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ
وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا
لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9)
ومن سورة إبراهيم
3 يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ:
يعتاضونها ويؤثرونها/ [50/ أ] عليها.
5 وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ: بنعم أيامه ونقمها «1» .
7 تَأَذَّنَ [رَبُّكُمْ] «2» : آذن وأعلم، كقولك: توعّد وأوعد
«3» .
9 فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ: عضوا عليها من
الغيظ «4» ، أو ردّوا أيديهم على أفواه الرّسل على المثل «5» ،
إما على ردّهم قولهم، وإما لخوفهم
__________
(1) عن معاني القرآن للزجاج: 3/ 155، ونص كلامه: «وتذكيرهم
بأيام الله، أي: تذكيرهم بنعم الله عليهم، وبنقم الله التي
انتقم فيها من قوم نوح وعاد وثمود، أي: ذكرهم بالأيام التي
سلفت لمن كفر وما نزل بهم فيها، وذكرهم بنعم الله ... » .
وانظر تفسير الطبري: 16/ 519، وزاد المسير: 4/ 346.
(2) في الأصل: «ربك» ، وهي قراءة نسبها الفخر الرازي في
تفسيره: 19/ 86، إلى ابن مسعود رضي الله عنه، والمثبت في النص
موافق لرسم المصحف والقراءات المعتمدة.
(3) ينظر تفسير الطبري: 16/ 526، ومعاني القرآن للنحاس: 3/
517.
(4) روى هذا القول عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
أخرج ذلك عبد الرزاق في تفسيره: 265، والطبري في تفسيره: (16/
530- 533) ، والحاكم في المستدرك: 2/ 351، وقال: «هذا حديث
صحيح بالزيادة على شرطهما» ، ووافقه الذهبي.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 340 عن عبد الله بن مسعود رضي
الله عنه.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 10، وزاد نسبته إلى
الفريابي، وأبي عبيد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني عن
ابن مسعود. ورجح الطبري هذا القول في تفسيره:
16/ 535، وكذا النحاس في معاني القرآن: (3/ 519، 520) .
(5) ذكره الطبري في تفسيره: 16/ 535 دون عزو.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 341، وابن عطية في المحرر
الوجيز: 8/ 208، وابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 349 عن الحسن
رحمه الله.
(1/459)
مِنْ وَرَائِهِ
جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ
وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ
مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ
غَلِيظٌ (17) مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ
أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ
عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ
هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18)
منهم، وإما بإيمائهم إليهم أن اسكتوا «1» .
وحكى أبو عبيدة «2» : كلّمته في حاجتي فرد يده في فيه: إذا سكت
فلم يجب.
16 مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ: من ماء مثل الصديد كقولك: هو أسد «3» ،
أو من ماء يصدّ الصّادي عنه لشدته «4» .
17 وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ: أي: أسبابه من
جميع جسده «5» .
18 فِي يَوْمٍ عاصِفٍ: ذي عصوف «6» ، أو عاصف الرّيح.
__________
(1) عن معاني القرآن للزجاج: 3/ 156.
وانظر تفسير الماوردي: 2/ 340، وزاد المسير: 4/ 349، وتفسير
القرطبي: 9/ 345.
(2) مجاز القرآن: 1/ 336، ونص كلامه: «مجازه مجاز المثل،
وموضعه موضع كفوا عما أمروا بقوله من الحق ولم يؤمنوا به ولم
يسلموا، ويقال: ردّ يده في فمه، أي أمسك إذا لم يجب» .
ونقل ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 230 قول أبي عبيدة هذا
ثم قال: «ولا أعلم أحدا قال: ردّ يده في فيه، إذا أمسك عن
الشيء! والمعنى: ردّوا أيديهم في أفواههم، أي: عضوا عليها حنقا
وغيظا ... » .
وأورد الطبري في تفسيره: 16/ 535 قول أبي عبيدة ورده بقوله:
«وهذا أيضا قول لا وجه له، لأن الله عز ذكره، قد أخبر عنهم
أنهم قالوا: «إنا كفرنا بما أرسلتم» ، فقد أجابوا بالتكذيب» .
(3) عن تفسير الماوردي: 2/ 343، ونص كلامه: «من ماء مثل
الصديد، كما يقال للرجل الشجاع: أسد، أي: مثل الأسد.
وانظر هذا المعنى في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 331،
ومعاني النحاس: 3/ 522، وتفسير الفخر الرازي: 19/ 105، وتفسير
القرطبي: 9/ 351.
(4) في تفسير الماوردي: 2/ 343: «من ماء كرهته تصد عنه، فيكون
الصديد مأخوذا من الصد» .
والصادي شديد العطش كما في النهاية: 3/ 19.
(5) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 2/ 343 عن ابن عباس رضي
الله عنهما.
وكذا القرطبي في تفسيره: 9/ 352.
(6) قال الفراء في معانيه: (2/ 73، 74) : «فجعل «العصوف» تابعا
لليوم في إعرابه، وإنما العصوف للريح وذلك جائز على جهتين،
إحداهما: أن العصوف وإن كان للريح فإن اليوم يوصف به لأن الريح
فيه تكون، فجاز أن تقول: «يوم عاصف كما تقول: يوم بارد ويوم
حار ... » .
والوجه الآخر: أن يريد في يوم عاصف الريح، فتحذف الريح لأنها
ذكرت في أول الكلمة» .
وانظر تفسير الطبري: (16/ 554، 555) ، وتفسير الماوردي: 2/
344، وتفسير البغوي:
3/ 30، والمحرر الوجيز: 8/ 221، وتفسير القرطبي: 9/ 353.
[.....]
(1/460)
وَقَالَ الشَّيْطَانُ
لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ
الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ
عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ
فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ
مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي
كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ
الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) وَأُدْخِلَ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي
مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ
رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ (23) أَلَمْ تَرَ
كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ
طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24)
تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ
اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
(25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ
اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)
يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ
فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ
الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27) أَلَمْ
تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا
وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28)
22 بِمُصْرِخِكُمْ: الصّارخ: المستغيث،
والمصرخ: المغيث «1» . من لغات السّلب كالمشكي والمعتب «2» .
26 اجْتُثَّتْ: انتزعت كأنه أخذت جثتها بكمالها «3» .
27 بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ: المسألة في القبر «4» .
28 أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ
كُفْراً: قال عليّ رضي الله عنه:
هم الأفجران من قريش: بنو أمية، وبنو المغيرة، فأما بنو أمية
فمتّعوا إلى حين، وأمّا بنو المغيرة فأخزاهم الله يوم بدر «5»
. وعن ابن عمر «6»
__________
(1) تهذيب اللغة: 7/ 135، واللسان: 3/ 33 (صرخ) وهو في تفسير
الفخر الرازي: 19/ 116 عن ابن الأعرابي.
وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 339، وتفسير الطبري: 16/
561، ومعاني الزجاج:
3/ 159، وتفسير القرطبي: 9/ 357.
(2) المشكي والمعتب من أساليب السلب، وهي صفة إذا أطلقت على
الشيء نفت ضدها.
ينظر اللسان: 1/ 578، وتاج العروس: 3/ 311 (عتب) . ومعاني
النحاس: 3/ 529، والمفردات للراغب: (88، 447) .
(3) معاني القرآن للزجاج: 3/ 161.
(4) ثبت ذلك في رواية أخرجها الإمام البخاري في صحيحه: 5/ 220،
كتاب التفسير، باب «يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت» عن
البراء بن عازب رضي الله عنه مرفوعا.
وكذا في صحيح مسلم: 4/ 2201، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها،
باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، وإثبات عذاب القبر
والتعوذ منه» .
وانظر تفسير الطبري: 16/ 589، وتفسير ابن كثير: 4/ 413.
(5) أخرجه الطبري في تفسيره: 13/ 221، والحاكم في المستدرك: 2/
352، كتاب التفسير، وقال: «هذا حديث صحيح ولم يخرجاه» ، ووافقه
الذهبي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 41، وزاد نسبته إلى ابن
المنذر، وابن مردويه عن علي رضي الله تعالى عنه.
(6) كذا في «ك» ، ولم أقف على هذا الأثر عنه. لكن الإمام
البخاري أخرجه في التاريخ الكبير:
8/ 373 عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مختصرا.
وكذا الطبري في تفسيره: 13/ 221 وإسناده حسن ورجاله ثقات، إلا
حمزة بن حبيب الزيات فهو صدوق كما في التقريب: 179.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 41، وزاد نسبته إلى ابن
المنذر، وابن مردويه عن عمر رضي الله عنه، ولعل «ابن» زائدة
هنا فيكون من مسند عمر رضي الله عنه. وفي صحيح البخاري: 5/
220، كتاب التفسير باب «ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله
كفرا» عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «هم كفار أهل مكة» .
(1/461)
وَسَخَّرَ لَكُمُ
الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ
وَالنَّهَارَ (33) وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ
الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) وَإِذْ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا
وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ
إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ
تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ (36) رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي
بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ
رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ
النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ
لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا
نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ
شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (38) الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ
وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) رَبِّ
اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا
وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ
وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)
رضي الله عنهما مثله.
33 دائِبَيْنِ: دائمين فيما سخرهما الله عليه.
34 وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ: ما احتجتم إليه من
غنى وعافية وولد وخول «1» ونجاة وشرح صدر ونحوها.
37 أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ: تكسير «وفود» على «أوفدة» «2» ثم
قلب اللّفظ وقلبت الواو ياء كما قلبت في الأفئدة جمع «فؤاد» .
تَهْوِي إِلَيْهِمْ: تقصدهم.
40 وتقبّل دعائي «3» : عبادتي «4» .
41 رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ: كانا في الأحياء فرجي
إيمانهما «5» ، أو هو على وجه التعليم.
__________
(1) في النهاية: 2/ 88: «الخول: حشم الرجل وأتباعه، واحدهم
خائل. وقد يكون واحدا، ويقع على العبد والأمة، وهو مأخوذ من
التخويل: التملك، وقيل: من الرعاية» .
(2) تفسير القرطبي: 9/ 373.
(3) بإثبات الياء في الوصل، وهي قراءة ابن كثير، وحمزة، وأبي
عمرو، وحفص عن عاصم.
ورواية البزّي عن ابن كثير إثبات الياء في الوصل والوقف.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 363، والتبصرة لمكي: 237، والبحر
المحيط: 5/ 434.
(4) تفسير الطبري: 13/ 235، والكشاف: 2/ 382، وتفسير الفخر
الرازي: 19/ 142، وتفسير القرطبي: 9/ 375.
(5) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 351، وابن الجوزي في زاد
المسير: 4/ 369، والفخر الرازي في تفسيره: 19/ 142.
(1/462)
وَلَا تَحْسَبَنَّ
اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا
يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)
مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ
طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)
42 تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ: ترتفع «1»
.
43 مُهْطِعِينَ: مسرعين «2» ، وبعير مهطع: في عنقه تصويب خلقة
«3» ، ولا يفسّر بالإطراق «4» ، لقوله: مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ،
والإقناع: رفع الرأس إلى السّماء من غير إقلاع «5» .
وقيل «6» : المقنع والمقمح الشّاخص ببصره.
وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ: جوف عن القلوب للخوف «7» .
وقيل «8» : منخرقة للرّعب كهواء الجوّ في الانخراق وبطلان
الإمساك
__________
(1) تفسير البغوي: 3/ 39، واللسان: 7/ 46 (شخص) .
(2) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 342، وتفسير غريب القرآن لابن
قتيبة: 233، ورجحه الطبري في تفسيره: 13/ 237.
ونقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 2/ 352 عن سعيد بن جبير،
والحسن، وقتادة.
وكذا ابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 370، والقرطبي في تفسيره:
9/ 376.
(3) عن الليث في تهذيب اللغة: 1/ 134، واللسان: 8/ 372 (هطع) .
[.....]
(4) وهو قول ابن زيد كما في تفسير الطبري: 13/ 237، وتفسير
الماوردي: 2/ 352، وزاد المسير: 4/ 370، وتفسير القرطبي: 9/
376.
(5) معاني القرآن للزجاج: 3/ 166، وتفسير البغوي: 3/ 39،
وتفسير الفخر الرازي:
19/ 144، واللسان: 8/ 299 (قنع) .
(6) معاني القرآن للنحاس: 3/ 538، وقال الفراء في معانيه: 2/
373: «والمقمح: الغاض بصره بعد رفع رأسه» .
وقال الزجاج في معانيه: 4/ 279: «المقمح: الرافع رأسه الغاض
بصره» .
وانظر تهذيب اللغة: (4/ 81، 82) ، والمفردات للراغب: 412،
واللسان: 2/ 566 (قمح) .
(7) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 344، وتفسير البغوي: 3/ 39،
وزاد المسير: 4/ 371 عن أبي عبيدة.
(8) تفسير الماوردي: 2/ 353، والمحرر الوجيز: 8/ 261، وزاد
المسير: 4/ 371، وتفسير القرطبي: 9/ 377.
قال البغوي في تفسيره: 3/ 39: «وحقيقة المعنى: أن القلوب زائلة
عن أماكنها والأبصار شاخصة من هول ذلك اليوم» .
(1/463)
وَأَنْذِرِ النَّاسَ
يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا
رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ
وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ
قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي
مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ
كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45)
وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ
وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)
فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ
اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ
الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا
لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ
يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49)
[50/ ب] فالهواء لا يثبت على حال ولا يثبت
فيه شيء/
44 يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ: نصب يَوْمَ على المفعول به
والعامل فيه «أنذرهم» ، وليس بظرف. [إذا] «1» لم يؤمر بالإنذار
في ذلك اليوم.
46 وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ: أي: ما
كان توهينا لأمرهم «2» .
48 يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ: تصوّر صورة
أخرى أرضا بيضاء كالفضّة لم يعمل عليها معصية «3» ،
وَالسَّماواتُ: بانتشار نجومها «4» .
49 مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ: يجمعون في الأغلال كما كانوا
مقترنين على الضلال «5» .
__________
(1) في الأصل: «إذا» ، والمثبت في النص من «ك» و «ج» .
(2) تفسير الماوردي: 2/ 354، وزاد المسير: 4/ 374.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: 8/ 264: «وهذا على أن تكون
إِنْ نافية بمعنى «ما» ، ومعنى الآية تحقير مكرهم، وأنه ما كان
لتزول منه الشرائع والنبوات وأقدار الله بها التي هي كالجبال
في ثبوتها وقوتها، وهذا تأويل الحسن وجماعة المفسرين» .
(3) ورد في هذا المعنى أثر أخرجه الطبري في تفسيره: 13/ 164 عن
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «أرض بيضاء كالفضة لم
يسفك فيها دم حرام ولم يعمل فيها خطيئة» .
وأخرج نحوه الطبراني في المعجم الكبير: 9/ 232.
وأشار إليه الهيثمي في مجمع الزوائد: 7/ 48، وقال: «إسناده
جيد» .
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 57، وزاد نسبته إلى عبد
الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي
حاتم، وأبي الشيخ، والحاكم، والبيهقي في «البعث» عن ابن مسعود
رضي الله عنه موقوفا.
وأخرج الطبراني في المعجم الكبير: 10/ 199 عن عبد الله بن
مسعود عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله: يَوْمَ
تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ، قال: أرض بيضاء، كأنها
فضة لم يسفك فيها دم حرام ولم يعمل فيها بمعصية» .
وفي إسناده جرير بن أيوب البجلي، قال عنه الهيثمي في مجمع
الزوائد: 7/ 48: وهو متروك» .
(4) ذكره الزجاج في معانيه: 3/ 169، والماوردي في تفسيره: 2/
355.
(5) عن تفسير الماوردي: 2/ 355.
وانظر معنى «الأصفاد» في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 234،
ومعاني القرآن للزجاج:
3/ 170، ومعاني النحاس: 3/ 546، والمفردات للراغب: 282.
(1/464)
|