إيجاز البيان عن معاني القرآن

رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (4) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (5) وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7) مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ (8) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (11) كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12)

ومن سورة الحجر
2 رُبَما «1» يَوَدُّ: ربّ للتقليل «2» ، فيكون معناه هنا أنّه يكفي قليل النّدم فكيف كثيره؟ أو العذاب يشغلهم عن تمنّي ذلك إلّا في القليل، أو يقينهم أنه لا يغني عنهم التمني أقل تمنيهم.
12 كَذلِكَ نَسْلُكُهُ: ندخله، أي: الكذب أو الاستهزاء، عن قتادة «3» ،
__________
(1) بتشديد الباء قراءة ابن كثير، وأبي عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي وبالتخفيف قراءة عاصم ونافع.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 366، وحجة القراءات: 380، والتبصرة لمكي: 238.
وفي حجة القراءات عن الكسائي أنه قال: «هما لغتان والأصل التشديد، لأنك لو صغّرت «ربّ» لقلت: «ربيب» ، فرددت إلى أصله» .
(2) ذكره الزجاج في معانيه: 3/ 173، ورد قول من قال إنها للتكثير فقال: «فأما من قال إن «ربّ» يعنى بها الكثير فهذا ضد ما يعرفه أهل اللغة لأن الحروف التي جاءت لمعنى تكون على ما وضعت العرب، ف «رب» موضوعة للتقليل، و «كم» موضوعة للتكثير، وإنما خوطبوا بما يعقلون ويستفيدون» .
وقال الفخر الرازي في تفسيره: 19/ 156: «اتفقوا على أن «رب» موضوعة للتقليل ... » .
وقيل: إن «ربّ» وضعت في الأصل للتقليل ولكنها في هذا الموضع جاءت للتكثير، ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 358، والبغوي في تفسيره: 3/ 43، وابن الأنباري في البيان:
2/ 64، والقرطبي في تفسيره: (10/ 1، 2) ، وأبو حيان في البحر المحيط: 5/ 442، وقال: «ودعوى أبي عبد الله الرازي الاتفاق على أنها موضوعة للتقليل باطلة، وقول الزجاج أن «ربّ» للكثرة ضد ما يعرفه أهل اللغة ليس بصحيح، وفيها لغات وأحكامها كثيرة ذكرت في كتب النحو، ولم تقع في القرآن إلا في هذه السورة على كثرة وقوعها في لسان العرب» .
(3) أخرج الطبري في تفسيره: 14/ 9 عن قتادة قال: «إذا كذبوا سلك الله في قلوبهم أن لا يؤمنوا به» .
وينظر تفسير البغوي: 3/ 45، والمحرر الوجيز: 8/ 287، وتفسير الفخر الرازي:
- 19/ 166، وتفسير القرطبي: 10/ 7.

(1/465)


لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15) وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)

ويكون ذلك بالإخطار بالبال ليجتنب.
وقال الحسن «1» : هو الذكر وإن لم يؤمنوا به.
15 سُكِّرَتْ أَبْصارُنا: سدّت. من سكر الشق «2» ، وليلة ساكرة:
مكفوفة الريح والبرد «3» .
19 مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ: مقدّر، بمقدار لا ينقص عن الحاجة ولا يزيد زيادة تخرج عن الفائدة، ولو كان المراد الأشياء الموزونة فذكرها دون الكيل، لانتهاء الكيل إلى الوزن.
20 وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ: أي: ولمن لستم ترزقونه، أو هو منّة بالخول كما منّ ب المعايش.
21 خَزائِنُهُ: مقدوراته، لأنّ الله يقدر أن يوجد ما شاء من جميع الأجناس «4» .
22 لَواقِحَ: بمعنى ملاقح «5» على تقدير: ذوات لقاح أو لقحة «6» .
__________
(1) أورده القرطبي في تفسيره: 10/ 7، وقال: «ذكره الغزنوي» . [.....]
(2) في تفسير الفخر الرازي: 19/ 171: «وأصله من «السكر» ، وهو سد الشق لئلا ينفجر الماء» .
وفي اللسان: 4/ 375 (سكر) : «وسكر النهر يسكره سكرا: سدّ فاه. وكل شق سدّ فقد سكر، والسّكر ما سدّ به، والسّكر: سد الشق ومنفجر الماء» .
(3) ينظر الصحاح: 2/ 688، واللسان: 4/ 375 (سكر) .
(4) المحرر الوجيز: 8/ 295.
(5) هذا قول أبي عبيدة في مجاز القرآن: 1/ 348، ونص كلامه: «مجازها مجاز «ملاقح» ، لأن الريح ملقحة للسّحاب، والعرب قد تفعل هذا فتلقي الميم لأنها تعيده إلى أصل الكلام ... » .
قال الجوهري في الصحاح: 1/ 401 (لقح) : «ورياح لواقح، ولا يقال ملاقح، وهو من النوادر» .
وأورد ابن قتيبة قول أبي عبيدة ثم قال: «ولست أدري ما اضطره إلى هذا التفسير بهذا الاستكراه. وهو يجد العرب تسمى لواقح، والريح لاقحا ... » .
راجع تفسير غريب القرآن: 236.
(6) ينظر كتاب الريح لابن خالويه: (79، 80) ، وتفسير الفخر الرازي: 19/ 180.

(1/466)


وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24)

والرّياح- ولا سيما- الصّبا «1» ملقحة للسّحاب.
وفي الحديث «2» : «الرياح أربعة: الأولى تقمّ الأرض قما «3» ، والثانية تثير السّحاب فتبسطه في السّماء وتجعله كسفا «4» ، والثالثة تؤلف بينه فتجعله ركاما، والرابعة اللّواقح» .
فَأَسْقَيْناكُمُوهُ: أسقاه، إذا جعل لأرضه سقيا «5» وإذا دعا له بالسّقيا.
24 الْمُسْتَقْدِمِينَ: الذين كانوا وماتوا «6» . أو أراد المستقدمين في الخير والمستأخرين عنه «7» .
__________
(1) قال المبرد في الكامل: 2/ 953: «إذا هبت من تلقاء الفجر فهي «الصّبا» تقابل القبلة، فالعرب تسميها القبول» .
وفي اللسان: 14/ 451 (صبا) : «الصّبا ريح معروفة تقابل الدبور» .
وفي الحديث المرفوع: «نصرت بالصّبا وأهلكت عادٌ بالدّبور» .
صحيح البخاري: 4/ 76، كتاب بدء الخلق، باب «ما جاء في قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ.
وصحيح مسلم: 2/ 617، كتاب الاستسقاء، باب «في ريح الصبا والدبور» .
(2) أخرج- نحوه- الطبري في تفسيره: 14/ 21 عن عبيد بن عمير.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 73، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ عن عبيد بن عمير أيضا.
(3) في اللسان: 12/ 493 (قمم) : «قمّم الشيء قما: كنسه» .
(4) بمعنى: قطعا.
ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 261، والمفردات للراغب: 431، وتحفة الأريب: 272.
(5) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 350، وتفسير الطبري: 14/ 22، والمفردات للراغب:
236، وتهذيب اللغة: 9/ 228، واللسان: 14/ 391 (سقي) .
(6) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: (14/ 23، 24) عن ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وابن زيد ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 366 عن الضحاك. وابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 396 عن ابن عباس، ومجاهد، وعطاء، والضحاك، والقرظي.
(7) أخرجه الطبري في تفسيره: 14/ 25 عن الحسن.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 366 عن قتادة. والبغوي في تفسيره: 3/ 48 عن الحسن.
وابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 397 عن قتادة، والحسن.

(1/467)


وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27)

و «الصّلصال» «1» : الطين اليابس الذي يصلّ بالنّقر كالفخّار «2» .
[51/ أ] والحمأ: الطين الأسود «3» /.
و «المسنون» : المصبوب، سننت الماء: صببته «4» ، أو المصوّر، من سنّة الوجه: صورته «5» ، أو المتغيّر، من سننت الحديدة على المسنّ فتغيّر بالتحديد «6» .
27 وَالْجَانَّ: أبو الجنّ إبليس «7» .
__________
(1) من قوله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ [آية: 26] .
(2) في مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 350: «الصلصال: الطين اليابس الذي لم تصبه نار فإذا نقرته صلّ فسمعت له صلصلة، فإذا طبخ بالنار فهو فخّار، وكل شيء له صلصلة صوت فهو صلصال سوى الطين» .
ومعنى: يصلّ يصوت كما في معاني القرآن للزجاج: 3/ 178.
وانظر غريب القرآن لليزيدي: 200، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 237، وتفسير الطبري: 14/ 27، والمفردات للراغب: 284. [.....]
(3) تفسير الطبري: 14/ 28، وتفسير الماوردي: 2/ 367، والمفردات: 133.
(4) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 351، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 238، وتفسير الطبري: 14/ 29، والمحرر الوجيز: 8/ 306، وتفسير القرطبي: 10/ 22.
(5) ذكره الفخر الرازي في تفسيره: 19/ 184، وعزاه إلى سيبويه، وكذا القرطبي في تفسيره:
10/ 22. وانظر تفسير الطبري: 14/ 29، والكشاف: 2/ 390، وزاد المسير: 4/ 398، والبحر المحيط: 5/ 453.
(6) ذكره الفراء في معاني القرآن: 2/ 88. وانظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 238، وتفسير الطبري: 14/ 29، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 179، والمحرر الوجيز: 8/ 305، وزاد المسير: 4/ 398، وتفسير القرطبي: 10/ 22، والبحر المحيط: 5/ 453.
(7) أخرجه الطبري في تفسيره: 14/ 30 عن قتادة.
وفرّق بعضهم بين أبي الجن، وإبليس.
فنقل الماوردي في تفسيره: 2/ 368 عن الحسن أنه قال إنه إبليس.
وذكره ابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 399 وزاد نسبته إلى عطاء، وقتادة، ومقاتل.
أما أبو الجن، فذكره ابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 399، وقال: «قاله أبو صالح عن ابن عباس.
ونقله الفخر الرازي في تفسيره: 19/ 184 عن ابن عباس رضي الله عنهما وقال: وهو قول الأكثرين» .

(1/468)


قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47)

خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ: نار لطيفة «1» تناهت في العليّان «2» في أفق الهواء، وهي بالإضافة إلى النّار- التي جعلها الله متاعا- كالجمد إلى الماء والحجر إلى التراب.
32 ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ: موضع «أن» نصب بإسقاط «في» ، أي: أيّ شيء لك في أن لا تكون «3» .
47 إِخْواناً: حال «4» .
مُتَقابِلِينَ: لا ينظر بعضهم في قفا بعض «5» .
__________
(1) وفي صحيح مسلم: 4/ 2294، كتاب الزهد والرقائق، باب «في أحاديث متفرقة» عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار ... » .
(2) العليّان كصليّان، والمراد بالعليان الطول والارتفاع.
اللسان: 15/ 92 (علا) .
(3) عن معاني القرآن للزجاج: 3/ 179، وانظر تفسير الطبري: 14/ 32، وإعراب القرآن للنحاس: 2/ 380، والبيان لابن الأنباري: 2/ 69، والبحر المحيط: 5/ 453.
(4) معاني القرآن للزجاج: 3/ 180، وإعراب القرآن للنحاس: 2/ 382، والمحرر الوجيز:
8/ 320.
قال العكبري في التبيان: 2/ 783: «هو حال من الضمير في الظرف في قوله تعالى:
جَنَّاتٍ، ويجوز أن يكون حالا من الفاعل في ادْخُلُوها مقدرة، أو من الضمير في آمِنِينَ وقيل: هو حال من الضمير المجرور بالإضافة، والعامل فيها معنى الإلصاق والملازمة» .
وانظر تفسير القرطبي: (10/ 33، 34) ، والبحر المحيط: 5/ 457.
(5) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 14/ 38 عن مجاهد. ونقله ابن عطية في المحرر الوجيز: 8/ 320 عن مجاهد أيضا.
وانظر معاني القرآن للزجاج: 3/ 180، وتفسير البغوي: 3/ 52.

(1/469)


فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65) وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66) وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (69) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70) قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75)

65 بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ: بظلمة «1» ، وقيل «2» : بآخر الليل.
وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ: سر خلفهم.
66 دابِرَ هؤُلاءِ: آخرهم «3» .
72 لَعَمْرُكَ: وحياتك «4» . وقيل «5» : مدة بقائك.
لَفِي سَكْرَتِهِمْ: سكرة الجهل غمورة «6» النّفس.
73 مُشْرِقِينَ: داخلين في وقت الإشراق وهو إضاءة الشمس، والشروق: طلوعها.
75 لِلْمُتَوَسِّمِينَ: للمتفكرين «7» .
__________
(1) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 373 عن قطرب.
(2) نقله ابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 142 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
والماوردي في تفسيره: 2/ 373 عن الكلبي.
(3) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 353، وتفسير الطبري: 14/ 42، وتفسير الماوردي:
2/ 373، والمفردات للراغب: 164.
(4) أخرج الطبري في تفسيره: 14/ 44 عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «ما حلف الله تعالى بحياة أحد إلا بحياة محمد صلّى الله عليه وسلّم، قال: وحياتك يا محمد وبقائك في الدنيا ... » .
وأخرج نحوه أبو نعيم في دلائل النبوة: 1/ 70، والبيهقي في الدلائل: 5/ 488 عن ابن عباس.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 89، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، والحارث بن أبي أسامة، وأبي يعلى، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأشار الهيثمي في مجمع الزوائد: 7/ 49 إلى رواية أبي يعلى وقال: «وإسناده جيد» . [.....]
(5) تفسير الطبري: 14/ 44.
(6) في «ج» : غمرة.
(7) هذا قول الفراء في معانيه: 2/ 91، ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 374 عن ابن زيد، والبغوي في تفسيره: 3/ 55 عن مقاتل، وعزاه القرطبي في تفسيره: 10/ 43 إلى ابن زيد، ومقاتل.
قال الزجاج في معاني القرآن: 3/ 184: «وحقيقته في اللغة المتوسمون النظار المتثبتون في نظرهم حتى يعرفوا حقيقة سمة الشيء، تقول: توسّمت في فلان كذا وكذا، أي: عرفت وسم ذلك فيه» .

(1/470)


وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77) وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (79) وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80)

76 لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ: طريق واضح، كقوله «1» : لَبِإِمامٍ مُبِينٍ، ومعناه:
أنّ الاعتبار بها ممكن، لأنّ آثارها ثابتة مقيمة، وهي قرية «سدوم» «2» .
و «أصحاب الأيكة» «3» : قوم شعيب «4» ، بعث إليهم وإلى أهل مدين، فأهلك الله مدين بالصّيحة «5» والأيكة بالظّلّة فاحترقوا بنارها «6» .
79 وَإِنَّهُما: مدينة قوم لوط وأصحاب الأيكة «7» ، لَبِإِمامٍ مُبِينٍ:
طريق يؤمّ ويتّبع «8» .
80 الْحِجْرِ: ديار ثمود «9» .
__________
(1) آية: 79 من سورة الحجر.
(2) سدوم: بفتح أوله وضم ثانيه: مدينة من مدائن قوم لوط.
وفي معجم البلدان: 3/ 200 عن أبي حاتم الرازي في كتاب «المزال والمفسد» قال: إنما هو «سذوم» بالذال المعجمة، قال: والدال خطأ» .
قال الأزهري: «وهو الصحيح، وهو أعجمي» .
وانظر تهذيب اللّغة: 12/ 374، ومعجم ما استعجم: 3/ 729، والروض المعطار:
308.
(3) من قوله تعالى: وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ [آية: 78] .
(4) تفسير الطبري: 14/ 48، وتفسير البغوي: 3/ 55، والمحرر الوجيز: 8/ 344.
(5) وقال الله تعالى فيهم: وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ [هود: 94] .
(6) قال تعالى: فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الشعراء: آية:
189] .
وانظر تفسير الماوردي: 2/ 375، والمحرر الوجيز: 8/ 345.
(7) تفسير الطبري: 14/ 49، وتفسير الماوردي: 2/ 375، وتفسير البغوي: 3/ 55.
(8) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 91، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 239، وتفسير الطبري: 14/ 49.
(9) ذكره الطبري في تفسيره: 14/ 50، ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 375 عن ابن شهاب.
وينظر تفسير البغوي: 3/ 55، والتعريف والإعلام للسهيلي: 90.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: 8/ 347: «وهي ما بين المدينة وتبوك» .

(1/471)


وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87)

85 فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ: الإعراض من غير احتفال، كأنّه يولّيه صفحة الوجه «1» . وعند من لا يرى النّسخ «2» هو فيما بينه وبينهم لا فيما أمر من جهادهم.
87 سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي: الفاتحة «3» ، لأنّها سبع آيات والذكر فيها مثنى مقسوم بين الرّبّ والعبد «4» . وقيل «5» : هي السّبع الطّول من أول القرآن.
__________
(1) تفسير الطبري: 14/ 51، والمفردات للراغب: 282، وتفسير القرطبي: 10/ 54.
(2) ذكره القرطبي في تفسيره: 10/ 54 فقال: «ليس بمنسوخ، وإنه أمر بالصفح في حق نفسه فيما بينه وبينهم» .
وذكر الفخر الرازي في تفسيره: 19/ 210 قول من قال إن الآية منسوخة بآية السيف ثم رده بقوله: «وهو بعيد لأن المقصود من ذلك أن يظهر الخلق الحسن والعفو والصفح، فكيف يصير منسوخا؟» . [.....]
(3) يدل عليه الحديث المرفوع الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: 5/ 146، كتاب التفسير، باب «ما جاء في فاتحة الكتاب» بلفظ: «الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته» .
وانظر تفسير الطبري: (14/ 54- 57) ، وزاد المسير: 4/ 413، وتفسير الفخر الرازي:
19/ 212، وتفسير ابن كثير: 4/ 465.
(4) وفي الحديث القدسي: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: أثنى عليّ عبدي. وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي ... » الحديث.
وهو في صحيح مسلم: 1/ 296، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة.
(5) أخرجه الطبري في تفسيره: (14/ 51- 54) عن ابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، والضحاك.
وأخرجه الطبراني في المعجم (الكبير: 11/ 59، والحاكم في المستدرك: 2/ 355، كتاب التفسير، «تفسير سورة الحجر» ، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.
وأشار الهيثمي في مجمع الزوائد: 7/ 49 إلى رواية الطبراني عن ابن عباس، ثم قال:
«ورجاله رجال الصحيح» .

(1/472)


لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89) كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90)

وقيل «1» : بل [هي] «2» السّور التي تقصر عن المئين وتزيد على المفصّل، لأنّها مثاني المئين، والمئين كالمبادي فإذا جعلت السّبع المثاني ف «من» للتبيين، وإذا جعلت القرآن مثاني لتثنية الأخبار والأمثال ف «من» للتبعيض «3» .
88 أَزْواجاً مِنْهُمْ: أصنافا وأشكالا «4» .
90 الْمُقْتَسِمِينَ: أي: أنزلنا عليك الكتاب/ كما أنزلنا على أهل [51/ ب] الكتاب فاقتسموه، آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه» .
وقيل «6» : هم كفار قريش اقتسموا طرقات مكّة فإذا مرّ بهم مارّ إلى
__________
(1) ذكره الفخر الرازي في تفسيره: 19/ 213، وقال: «واختار هذا القول قوم واحتجوا عليه بما روى ثوبان أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الله تعالى أعطاني السبع الطوال مكان التوراة، وأعطاني المئين مكان الإنجيل، وأعطاني المثاني مكان الزبور، وفضلني ربي بالمفصّل» .
ثم قال الفخر الرازي رحمه الله: وأقول إن صحّ هذا التفسير عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلا غبار عليه، وإن لم يصح فهذا القول مشكل، لأنا قد بينا أن المسمى بالسبع المثاني يجب أن يكون أفضل من سائر السور، وأجمعوا على أن هذه السور التي سموها بالمثاني ليست أفضل من غيرها، فيمتنع حمل السبع المثاني على تلك السور» .
والسور المئون سميت بذلك لأن آيات كل سورة منها لا تزيد على المائة أو تقاربها، والمفصّل لقصر أعداد سوره من الآي، أو لكثرة الفصول التي بين السور ببسم الله الرحمن الرحيم.
انظر البرهان للزركشي: (1/ 244، 245) ، والإتقان: (1/ 179، 180) ، واللسان:
11/ 524 (فصل) .
(2) في الأصل: «هو» ، والمثبت في النص من «ك» .
(3) ينظر ما سبق في معاني الزجاج: 3/ 185، وزاد المسير: 4/ 415، وتفسير الفخر الرازي:
19/ 214.
(4) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 239، وتفسير الماوردي: 2/ 377، والكشاف: 2/ 397.
(5) أخرج الإمام البخاري في صحيحه: 5/ 222، كتاب التفسير، باب قوله: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «هم أهل الكتاب جزّءوه أجزاء وآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه» .
وانظر تفسير الطبري: (14/ 61، 62) ، ومفحمات الأقران: 130، والدر المنثور:
5/ 98.
(6) ذكره الفراء في معانيه: (2/ 91، 92) ، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 239، وأخرجه الطبري في تفسيره: 14/ 63 عن قتادة. ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 378 عن الفراء.

(1/473)


النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال بعضهم: هو ساحر، وقال آخر: هو شاعر، وآخر: مجنون وكاهن، فكانوا مقتسمين إمّا طرق مكة، أو القول في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقوله: عِضِينَ يدلّ على اقتسام القول، أي: جعلوا القول في القرآن [فرقا] «1» من شعر وكهانة وأساطير كأنّهم عضوه أعضاء كما يعضّى الجزور، والأصل «عضة» منقوصة فكانت «عضوة» ك «عزة» و «عزين» «2» و «برة» و «برين» «3» .
وقال الفراء «4» : «العضة» : السّحر، والجمع «العضون» .
وفي الحديث «5» : «لعن الله العاضهة والمستعضهة» ، أي: السّاحرة والمستسحرة «6» .
ويقال: ينتجب غير عضاهة: ينتحل شعر غيره «7» .
__________
(1) ما بين معقوفين عن «ك» و «ج» .
(2) عزون: جمع «عزه» ، وهي الجماعة من الناس.
مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 270، والمفردات: 334.
(3) عن معاني القرآن للفراء: (2/ 92، 93) قال: «وواحد البرين برة. ومثل ذلك «الثبين» و «عزين» . ويجوز فيه ما جاز في العضين والسنين، وإنما جاز ذلك في هذا المنقوص الذي كان على ثلاثة أحرف فنقصت لامه، فلما جمعوه بالنون توهموا أنه «فعول» إذ جاءت الواو وهي واو جماع، فوقعت في موقع الناقص، فتوهموا أنها الواو الأصلية وأن الحرف على فعول ... » .
(4) معاني القرآن: 2/ 92.
(5) ذكره مرفوعا الماوردي في تفسيره: 2/ 379، والزمخشري في الكشاف: 2/ 399، وابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 419، والقرطبي في تفسيره: 10/ 59.
قال الحافظ ابن حجر في الكافي الكشاف: 94: «رواه أبو يعلى، وابن عدي، من حديث ابن عباس، وفي إسناده زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام، وهما ضعيفان، وله شاهد عند عبد الرزاق من رواية عن ابن جريج عن عطاء» . [.....]
(6) تهذيب اللغة: 1/ 130، والنهاية: 3/ 255.
(7) هذا من أقوال العرب كما في تهذيب اللغة للأزهري: 1/ 132، واللسان: 13/ 518 (عضه) .

(1/474)


فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95)

والتوفيق بين قوله «1» : لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، وقوله «2» : لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ أنّه لا يسأل هل أذنبتم؟ للعلم به، ولكن لم أذنبتم؟ «3» ، أو المواقف مختلفة يسأل في بعضها أو في بعض اليوم «4» .
وقوله «5» : هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ، مع قوله «6» : عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ فالمراد هو النّطق المسموع المقبول.
94 فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ: احكم بأمرنا.
95 إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ: هم الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، وأبو زمعة «7» ، والأسود بن عبد يغوث، والحارث بن [الطلاطلة] «8» ، وطيء الحارث شبرقة «9» فلم يزل يحك بدنه حتى مات.
وقال العاص: لدغت لدغت، فلم يجدوا شيئا فمات مكانه.
__________
(1) الحجر: آية: 92.
(2) سورة الرحمن: آية: 39.
(3) ذكره البغوي في تفسيره: (3/ 58، 59) ، ثم قال: «واعتمده قطرب فقال: السؤال ضربان سؤال استعلام وسؤال توبيخ، فقوله تعالى: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ يعني: استعلاما، وقوله: لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ يعني توبيخا وتقريعا» اهـ.
وانظر هذا القول في المحرر الوجيز: 8/ 358، وزاد المسير: (4/ 419، 420) ، وتفسير الفخر الرازي: 19/ 218، وتفسير القرطبي: 10/ 61.
(4) ذكره البغوي في تفسيره: 3/ 59، وعزاه إلى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، وكذا ابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 420.
وانظر تفسير الفخر الرازي: 19/ 219، وتفسير القرطبي: 10/ 61.
(5) سورة المرسلات: آية: 35.
(6) سورة الزمر: آية: 31.
(7) هو الأسود بن المطلب بن أسد.
(8) في الأصل و «ك» و «ج» : «حنظلة» ، والمثبت في النص عن المصادر التي ذكرت هذه الرواية.
(9) الشّبرق: نبت حجازي يؤكل وله شوك، وإذا يبس يسمّى الضّريع.
النهاية لابن الأثير: 2/ 440، واللسان: 10/ 172 (شبرق) .

(1/475)


وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)

وعمي أبو زمعة، وأصابت الأسود الآكلة «1» ، وتعلقت بالوليد سروة- أي دودة «2» - فخدشته فلم يبرح مريضا حتى مات «3» .
99 وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ: النّصر الموعود «4» ، أو الموت «5»
__________
(1) الآكلة جمع أكلة، ويقال فيها أواكل، والأواكل قروح إذا ظهرت أكلت ما حولها من اللحم وقشرت العظم الذي يليها لحريفية المادة، وربما أبطلت العضو، وقد تدعو الحاجة إلى قطع ما فوقها لسلامة باقي البدن.
ينظر تذكرة أولي الألباب: 2/ 12.
(2) اللسان: 14/ 381 (سرا) .
(3) ورد نحو هذه الرواية في السيرة لابن هشام: (1/ 409، 410) ، وتفسير الطبري:
(14/ 69، 72) ، ودلائل النبوة لأبي نعيم: (1/ 355، 356) ، ودلائل النبوة للبيهقي:
(2/ 316- 318) ، ومجمع الزوائد: (7/ 49، 50) عن الطبراني في «الأوسط» عن ابن عباس رضي الله عنهما وقال: «وفيه محمد بن عبد الملك النيسابوري» ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات، وبين هذه الروايات اختلاف كثير.
قال الفخر الرازي في تفسيره: 19/ 220: «واعلم أن المفسرين قد اختلفوا في عدد هؤلاء المستهزئين في أسمائهم وفي كيفية طريق استهزائهم، ولا حاجة إلى شيء منها. والقدر المعلوم أنهم طبقة لهم قوة وشوكة ورئاسة لأن أمثالهم هم الذين يقدرون على إظهار مثل هذه السفاهة مع مثل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في علو قدره وعظيم منصبه، ودل القرآن على أن الله تعالى أبادهم وأزال كيدهم. والله أعلم» اهـ. [.....]
(4) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 381 عن ابن شجرة، وكذا القرطبي في تفسيره: 10/ 64، وأورده ابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 424، وقال: «حكاه الماوردي» ، ونقله أبو حيان في البحر المحيط: 5/ 471 عن ابن بحر.
(5) أخرجه الطبري في تفسيره: 14/ 74 عن سالم بن عبد الله بن عمر، ومجاهد، وقتادة، والحسن، وابن زيد.
وأورده الإمام البخاري في صحيحه: 5/ 222 عن سالم تعليقا.
ويدل على هذا القول ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: 2/ 71، كتاب الجنائز، باب «الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه» أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دخل على عثمان بن مظعون- رضي الله عنه- وقد مات، فقالت أم العلاء الأنصارية: رحمة الله عليك يا أبا السائب (كنية عثمان بن مظعون) فشهادتي عليك لقد أكرمك الله.
فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «وما يدريك أنّ الله أكرمه؟ فقلت (أم العلاء) : بأبي أنت يا رسول الله فمن يكرمه الله؟ فقال عليه السلام: أما هو فقد جاءه اليقين، والله إني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي، قالت: فو الله لا أزكي أحدا بعده أبدا» .

(1/476)


الذي هو موقن به.
قال عليه السلام «1» : «ما أوحي إليّ أن اجمع المال فأكون من التاجرين، ولكن أوحي إليّ أن سبّح بحمد ربك ... » الآيتان.
__________
(1) أخرج ابن عدي في الكامل: 5/ 1897 هذا الحديث وعدة أحاديث غيره من طريق أبي طيبة عيسى بن سليمان عن كرز بن وبرة، ثم قال: «وهي كلها غير محفوظة، وأبو طيبة هذا كان رجلا صالحا ولا أظن أنه كان يتعمد الكذب» .
ورواه أيضا السّهمي في تاريخ جرجان: 342، وأبو نعيم في حلية الأولياء: 2/ 231، عن ابن مسعود مرفوعا.
وأخرجه البغوي في تفسيره: 3/ 60 عن جبير بن نفير مرفوعا.
وعزاه القرطبي في تفسيره: 10/ 64 إلى أبي مسلم الخولاني مرفوعا.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 105، ونسب إخراجه إلى سعيد بن منصور، وابن المنذر، والحاكم في «التاريخ» ، وابن مردويه، والديلمي- كلهم- عن أبي مسلم الخولاني مرفوعا.

(1/477)