إيجاز البيان عن
معاني القرآن أَتَى أَمْرُ اللَّهِ
فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا
يُشْرِكُونَ (1)
المجلد الثاني
بسم الله الرّحمن الرّحيم
ومن سورة النحل
1 أَتى أَمْرُ اللَّهِ: استقرّ دينه، وأحكامه «1» ، فَلا
تَسْتَعْجِلُوهُ:
بالتكذيب، أو أتى أمره وعدا فلا تستعجلوه وقوعا «2» .
و/ «الروح» «3» : الوحي بالنّبوّة «4» ، كقوله تعالى «5» :
يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ، أو هو البيان عن الحق الذي
يجب العمل به، أو هو الروح الذي تحيا به الأبدان.
__________
(1) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: 14/ 75 عن الضحاك.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 382 عن الضحاك، وكذا ابن عطية في
المحرر الوجيز:
8/ 365، وقال: «ويبعده قوله: فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ لأنا لا
نعرف استعجالا إلّا ثلاثة: اثنان منها للكفار في القيامة وفي
العذاب، والثالث للمؤمنين في النصر وظهور الإسلام» .
وانظر زاد المسير: 4/ 427، وتفسير الفخر الرازي: 19/ 223،
وتفسير القرطبي:
10/ 65.
(2) ذكره الطبريّ في تفسيره: (14/ 75، 76) ، ورجحه، وضعّف
القول الأول الذي نسب إلى الضحاك فقال: «وأولى القولين في ذلك
عندي بالصواب، قول من قال: هو تهديد من الله أهل الكفر به
وبرسوله، وإعلام منه لهم قرب العذاب منهم والهلاك، وذلك أنّه
عقب ذلك بقوله سبحانه وتعالى: عَمَّا يُشْرِكُونَ فدل ذلك على
تقريعه المشركين، ووعيده لهم.
وبعد، فإنه لم يبلغنا أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم استعجل فرائض قبل أن تفرض عليهم، فيقال لهم من أجل
ذلك: قد جاءتكم فرائض الله فلا تستعجلوها، وأما مستعجلو العذاب
من المشركين، فقد كانوا كثيرا» اه.
(3) في قوله تعالى: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ
أَمْرِهِ ... [آية: 2] .
(4) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 241، وتفسير الطبري: 14/
77، وتفسير الماوردي:
2/ 383، والمحرر الوجيز: 8/ 368، وزاد المسير: 4/ 428، وتفسير
القرطبي:
10/ 67.
(5) سورة غافر: آية: 15.
(2/478)
خَلَقَ الْإِنْسَانَ
مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4)
وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ
وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ
تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6)
4 فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ: أي: من
أخرج من النطفة ما هذه صفته فقد أعظم العبرة «1» .
5 دِفْءٌ: ما يستدفأ به من لباس «2» ، سمّي بالمصدر من دفؤ
الزمان يدفؤ دفأ فهو دفيء، ودفيء الرجل فهو دفآن.
وفي الحديث «3» : «أنّه أتي بأسير يوعك فقال: أدفوه» فقتلوه
«4» ، فوداه «5» أراد عليه السّلام: أدفئوه، فترك الهمز إذ لم
يكن في لغته، ولو أراد القتل لقال: دافّوه، داففت الأسير:
أجهزت عليه «6» .
7 بِشِقِّ الْأَنْفُسِ: بجهدها «7» .
6 تُرِيحُونَ: باللّيل إلى معاطنها «8» ، وَحِينَ تَسْرَحُونَ:
بالنّهار إلى مسارحها «9» .
__________
(1) عن تفسير الماوردي: 2/ 383.
وقال ابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 429: «والمعنى: أنه مخلوق
من نطفة، وهو مع ذلك يخاصم وينكر البعث، أفلا يستدل بأوله على
آخره، وأنّ من قدر على إيجاده أولا، يقدر على إعادته ثانيا ...
» .
(2) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 241، وتفسير الطبري: 14/
78، ومعاني الزجاج: 3/ 190.
(3) أورده أبو عبيد في غريب الحديث: 4/ 33.
وهو أيضا في الفائق: 1/ 428، وغريب الحديث لابن الجوزي: 1/
341، والنهاية:
2/ 123، وقد جاء في هذين الأخيرين «يرعد» بدل «يوعك» .
(4) الإدفاء: القتل في لغة اليمن.
النهاية لابن الأثير: 2/ 123، واللسان: 1/ 76 (دفأ) .
(5) أي: أدى ديته.
(6) الجمهرة لابن دريد: 2/ 1060، وغريب الحديث للخطابي: 2/
269. [.....]
(7) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 97، وتفسير غريب القرآن لابن
قتيبة: 241، وتفسير الطبري: 14/ 80، والمفردات للراغب: 264.
(8) معاطن الإبل: مباركها ومنازلها.
النهاية: 3/ 258، واللسان: 13/ 286 (عطن) .
(9) قال الطبري- رحمه الله- في تفسيره: 14/ 80: «يعني تردونها
بالعشي من مسارحها إلى مراحها ومنازلها التي تأوي إليها، ولذلك
سمي المكان: المراح، لأنها تراح إليها عشيا، فتأوي إليه، يقال
منه: أراح فلان ماشيته، فهو يريحها إراحة. وقوله: وَحِينَ
تَسْرَحُونَ يقول: وفي وقت إخراجكموها غدوة من مراحها إلى
مسارحها، يقال منه: سرح فلان ماشيته يسرحها تسريحا، إذا أخرجها
للرعي غدوة، وسرحت الماشية: إذا خرجت للمرعى تسرح سرحا وسروحا،
فالسرح بالغداة، والإراحة بالعشي» .
(2/479)
وَعَلَى اللَّهِ
قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ
أَجْمَعِينَ (9) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10)
يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ
وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ
اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ
مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ
يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ
مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ
يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ
لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ
حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ
وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)
9 وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ: بيان
الحق. أو إليه طريق كلّ أحد لا يقدر أحد أن يجوز عنه.
وَمِنْها جائِرٌ: أي: من السّبيل ما هو مائل عن الحق «1» .
10 تُسِيمُونَ: ترعون أنعامكم، والسّوم في الرعي من التسويم
بالعلامة «2» لأنّ الراعي يسم الراعية بعلامات يعرف بها البعض
عن البعض.
أو يظهر في مواضع الرعي علامات وسمات من اختلاء النبات «3»
ومساقط الأبعار.
14 وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ: أي: جواري «4» . مخرت السفينة
كما تمخر الرّيح.
والمخر: هبوب الريح، والمخر: شق الماء بشيء يعترض في جهة
جريانه «5» .
__________
(1) قال الطبري في تفسيره: 14/ 84: «يعني تعالى ذكره: ومن
السبيل جائر عن الاستقامة معوج، فالقاصد من السبل: الإسلام،
والجائر منها: اليهودية والنصرانية، وغير ذلك من ملل الكفر
كلها جائر عن سواء السبيل وقصدها، سوى الحنيفية المسلمة» .
(2) معاني القرآن للزجاج: 3/ 192، واللسان: 12/ 312 (سوم) .
(3) اختلاء النبات: نزعها وقطعها. وفي اللسان: «واختلاه
فانخلى: جزّه وقطعه ونزعه» .
اللسان: 14/ 243 (خلا) .
(4) أخرجه الطبري في تفسيره: 22/ 124 عن ابن عباس رضي الله
عنهما.
وذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 242، والزجاج في
معانيه: 3/ 193، والبغوي في تفسيره: 3/ 64، ونقله ابن الجوزي
في زاد المسير: 4/ 435 عن ابن عباس رضي الله عنهما. وكذا الفخر
الرازي في تفسيره: 20/ 7.
(5) ينظر تفسير الماوردي: 2/ 386، والمفردات للراغب: 464،
والكشاف: 2/ 404، وزاد المسير: 4/ 435، وتفسير الفخر الرازي:
20/ 7، وتفسير القرطبي: 10/ 89، واللسان:
5/ 160 (مخر) .
قال الفخر الرازي رحمه الله: «إذا عرفت هذا فقول ابن عباس:
«مواخر» أي: جوار، إنما حسن التفسير به، لأنها لا تشق الماء
إلا إذا كانت جارية» .
(2/480)
وَأَلْقَى فِي
الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا
وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ
وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ
لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا
نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ
رَحِيمٌ (18) وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا
تُعْلِنُونَ (19) وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ
غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)
إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ
بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ
(22) لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا
يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا
أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ
كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ
يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ
(25) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ
بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ
مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا
يَشْعُرُونَ (26) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ
وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ
فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ
الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27) الَّذِينَ
تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ
فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)
فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ
مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا
مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ
أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ
الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي
اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ
الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) هَلْ
يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ
يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا
أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا
عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
(34) وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا
عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا
وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا
الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (35) وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ
أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا
الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ
حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ
فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) إِنْ
تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ
يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37) وَأَقْسَمُوا
بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ
يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي
يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا
أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39) إِنَّمَا قَوْلُنَا
لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
(40) وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا
ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً
وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)
الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42)
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي
إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا
تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا
إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ
إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) أَفَأَمِنَ
الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ
بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ
لَا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ
فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى
تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47)
وقيل «1» : مَواخِرَ: مواقر مثقلات.
15 أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ: لئلا تميد «2» .
27 كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ: تظهرون شقاق المسلمين
لأجلهم.
28 فَأَلْقَوُا السَّلَمَ: الخضوع والاستسلام لملائكة العذاب
«3» .
46 تَقَلُّبِهِمْ: تصرّفهم في أسفارهم وأعمالهم «4» .
47 أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ: أي: ما يتخوّفون منه من
الأعمال السّيئة «5» .
أو [ما يتخوفون] «6» عليه من متاع الدنيا.
وقيل «7» : هو على تنقّص، أي: نسلّط عليهم الفناء فيهلك الكثير
في
__________
(1) أخرجه الطبري في تفسيره: 14/ 88 عن الحسن رحمه الله تعالى.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 386 عن الحسن أيضا، وكذا ابن
الجوزي في زاد المسير:
4/ 435، والقرطبي في تفسيره: 10/ 89.
(2) قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 242: «أي: لئلا تميد
بكم الأرض. والميد:
الحركة والميل. ومنه يقال: فلان يميد في مشيته: إذا تكفّا» .
وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 357، وتفسير الطبري: 14/ 90،
وتفسير البغوي:
3/ 64.
(3) قال ابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 442: «قال المفسرون:
وهذا عند الموت يتبرؤون من الشرك، وهو قولهم: ما كُنَّا
نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ وهو الشرك، فترد عليهم الملائكة فتقول:
بَلى، وقيل: هذا رد خزنة جهنم عليهم: بَلى إِنَّ اللَّهَ
عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ من الشرك والتكذيب.
(4) تفسير الطبري: 14/ 112، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 201،
وتفسير الماوردي:
2/ 392، وتفسير القرطبي: 10/ 109، وتفسير ابن كثير: 4/ 493.
(5) ذكر نحوه الماوردي في تفسيره: 2/ 392.
(6) ما بين معقوفين عن نسخة «ج» . [.....]
(7) معاني القرآن للفراء: 2/ 101، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/
360.
وقال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 243: «ومثله: التخوّن،
يقال: تخوفته الدهور وتخونته، إذا نقصته وأخذت من ماله أو
جسمه» .
وانظر تفسير الطبري: (14/ 112- 114) ، ومعاني القرآن للزجاج:
3/ 201، وتفسير البغوي: 3/ 70.
(2/481)
وقت يسير، أو بنقصهم في أموالهم وثمارهم
«1» .
وسأل عمر عنها على المنبر فسكت النّاس حتى قام شيخ هذليّ فقال:
هذه لغتنا، التخوّف: التنقّص. فقال عمر: و/ هل شاهد «2» ؟
فأنشد لأبي كبير «3» :
تخوّف الرّحل «4» منها تامكا «5» قردا ... كما تخوّف عود
النّبعة السّفن «6»
__________
(1) ذكره الزجاج في معاني القرآن: 3/ 201.
وانظر زاد المسير: 4/ 451، وتفسير القرطبي: (10/ 109، 110) .
(2) كذا في «ك» وورد في المصادر التي ذكرت الرواية: «فهل تعرف
العرب ذلك في أشعارها؟
قال: نعم ... » .
(3) كذا ورد في الرواية التي ذكرها القرطبي في تفسيره: 10/
110، والبيضاوي في تفسيره:
1/ 557، منسوبا إلى أبي كبير الهذلي.
ونسبه الأزهري في التهذيب: 7/ 594 إلى ابن مقبل، والجوهري في
الصحاح: 4/ 1359 (خوف) إلى ذي الرمة، والزمخشري في الكشاف: 2/
411 إلى زهير.
وأورده صاحب اللسان مرتين، نسبه في الأولى مادة (خوف) إلى ابن
مقبل، وفي الثانية (سفن) إلى ذي الرمة.
وقد ذكر الزبيدي هذا الاختلاف في نسبة البيت فقال: «وقد روى
الجوهري هذا الشعر لذي الرمّة، ورواه الزجاج، والأزهري لابن
مقبل، قال الصّاغاني: وليس لهما. وروى صاحب الأغاني- في ترجمة
حمّاد الراوية- أنه لابن مزاحم الثمالي، ويروى لعبد الله بن
العجلان النّهدي.
قلت (الزبيدي) : وعزاه البيضاوي في تفسيره إلى أبي كبير
الهذلي، ولم أجد في ديوان شعر هذيل له قصيدة على هذا الرويّ»
اه.
ينظر تاج العروس: 23/ 292 (خوف) .
(4) في تهذيب اللّغة، والصحاح، واللسان، وتاج العروس: «السّير»
: مكان «الرحل» .
(5) في الأصل: «تامكا صلبا قردا ... » ، وأثبت ما ورد في «ك» ،
وسائر المصادر التي ذكرت البيت.
(6) قال القرطبي في شرح هذا البيت: «تمك السنام يتمك تمكا، أي:
طال وارتفع فهو تامك، والسّفن والمسفن ما ينجر به الخشب» .
ينظر تفسيره: 10/ 111.
(2/482)
أَوَلَمْ يَرَوْا
إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ
عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ
دَاخِرُونَ (48)
فقال عمر: عليكم بديوانكم شعر العرب «1» .
48 يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ: يتميل ويتحول «2» ، وتفيّأت في
الشّجرة: دخلت في أفيائها، والفيء: الظلّ بعد الزوال لأنه مال
«3» .
عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ: في أول النهار وآخره «4» ، إذ
بالغداة يتقلص «5» الظلّ من إحدى الجهتين وبالعشيّ ينبسط من
الأخرى.
وجمع الشَّمائِلِ للدلالة على أنّ المراد ب «اليمين» الجمع على
معنى الجنس، ولأنّ الابتداء من اليمين ثم ينقبض حالا فحالا عن
الشمائل «6» .
__________
(1) أورد هذا الأثر الزمخشري في الكشاف: 2/ 411، والفخر الرازي
في تفسيره: 20/ 40، والقرطبي في تفسيره: 10/ 110، والبيضاوي في
تفسيره: 1/ 557.
وأشار إليه المناوي في الفتح السماوي: 2/ 755، وقال: «لم أقف
عليه» .
ونقل محقق الفتح السماوي عن ابن همات الدمشقي في تحفة الراوي
في تخريج أحاديث البيضاوي أنه قال: «قال السيوطي: لا يحضرني
الآن تخريجه، لكن أخرج ابن جرير (تفسير الطبري: 14/ 113) عن
عمر أنه سألهم عن هذه الآية فقالوا: ما نرى إلا أنه عند تنقص
ما يردده من الآيات، فقال عمر: ما أرى إلّا أنه على تنتقصون من
معاصي الله، فخرج رجل ممن كان عند عمر فلقي أعرابيا فقال: يا
فلان ما فعل ربك؟ قال: قد تخيفته يعني- تنقصته- فرجع إلى عمر
فأخبره، فقال: قدر الله ذلك» .
(2) عن تفسير الماوردي: 2/ 392.
(3) هذا قول رؤبة بن العجاج، قال ثعلب في كتابه «الفصيح» :
319: «وأخبرت عن أبي عبيدة قال: قال رؤبة بن العجاج: كل ما
كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو فيء وظلّ وما لم تكن عليه الشمس
فهو ظل» .
وانظر تهذيب اللغة: (15/ 577، 578) ، والمحرر الوجيز: 8/ 432،
وتفسير الفخر الرازي: 20/ 41.
(4) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 14/ 115 عن قتادة، ونقله
الماوردي في تفسيره:
2/ 393 عن قتادة، والضحاك. وكذا البغوي في تفسيره: 3/ 71.
(5) في «ج» : يتنقص.
(6) ينظر المحرر الوجيز: 8/ 432، وزاد المسير: 4/ 453، وتفسير
الفخر الرازي: 20/ 43، وتفسير القرطبي: 10/ 112.
(2/483)
يَخَافُونَ رَبَّهُمْ
مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50) وَقَالَ
اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ
إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا
أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52)
سُجَّداً: خضّعا «1» لأمر الله لا يمتنع
على تصريفه، إذ التصرف لا يخلو عن التغير، والتغيّر لا بدّ له
من مغيّر ومدبّر فهي في تلك الشهادة كالخاضع السّاجد.
داخِرُونَ: صاغرون خاضعون «2» بما فيهم من التسخير ودلائل
التيسير.
50 يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ: أي عذابه وقضاءه، إذ
قدرته فوق ما أعارهم من القوى والقدر، كقوله «3» : وَهُوَ
الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ، أو لمّا وصف الله بالتعالي على
معنى لا قادر أقدر منه، وأنّ صفته في أعلى مراتب صفات القادرين
حسن القول مِنْ فَوْقِهِمْ ليدل على هذا المعنى.
53 تَجْئَرُونَ: ترفعون أصواتكم بالاستغاثة «4» .
52 وَلَهُ الدِّينُ: الطاعة «5» ، واصِباً: دائما، أو خالصا
«6» .
والوصب «7» : التّعب بدوام العمل.
__________
(1) تفسير الماوردي: 2/ 393، وزاد المسير: 4/ 453، وتفسير
الفخر الرازي: 20/ 44. [.....]
(2) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 360، وتفسير غريب القرآن
لابن قتيبة: 243، وتفسير الطبري: 14/ 116، والمفردات للراغب:
166.
(3) سورة الأنعام: آية: 61.
(4) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 3/ 204، وقال:
«يقال: جأر الرجل يجأر جؤارا» .
وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 361، وتفسير الطبري: 14/
121، وتفسير البغوي:
3/ 72.
(5) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 243، وتفسير الطبري: 14/
118، ومعاني الزجاج:
3/ 203، وتفسير الماوردي: 2/ 394.
(6) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 104، ومجاز القرآن لأبي
عبيدة: 1/ 361، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 243، وتفسير
الطبري: (14/ 119، 120) ، وتفسير البغوي: 3/ 72.
(7) تفسير الطبري: 14/ 118، وتهذيب اللغة للأزهري: 12/ 255،
واللسان: 1/ 797 (وصب) ، والبحر المحيط: 5/ 500.
(2/484)
لِيَكْفُرُوا بِمَا
آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55)
وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ
تَفْتَرُونَ (56) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ
سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ
أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ
كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا
بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي
التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) لِلَّذِينَ لَا
يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ
الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60)
وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ
عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ
مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ
سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61)
55 لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ: بما
أنعمنا عليهم، أي: جعلوا ما أنعمنا به عليهم سببا للكفر، فهم
بمنزلة من أشرك في العبادة ليكفروا بما أوتى من النعمة كأنّه
لا غرض في شركه إلّا هذا.
56 تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ: سؤال التوبيخ وهو الذي لا جواب
لصاحبه إلا بما فيه فضيحته، وهو يشبه سؤال الجدال من المحق
للمبطل.
وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ: أنه يضر وينفع.
نَصِيباً: يتقربون به إليه، أي: الأصنام، كما في قوله «1» :
وَهذا لِشُرَكائِنا.
57 وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ: أي: من البنين.
60 وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى: مع/ قوله «2» : فَلا
تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ [35/ أ] لأنّها الأمثال التي
توجب الاشتباه «3» .
ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ: أي: من أهل الظلم «4» ، أو
لأنّه لو أهلك
__________
(1) سورة الأنعام: آية: 136.
(2) سورة النحل: آية: 74.
(3) في «ك» : الأشباه.
وذكر القرطبي هذا القول في تفسيره: 10/ 119، وقال: «أي لا
تضربوا لله مثلا يقتضي نقصا وتشبيها بالخلق، و «المثل الأعلى»
وصفه بما لا شبيه له ولا نظير ... » .
(4) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 396، وابن عطية في المحرر
الوجيز: 8/ 450، عن فرقة، قال: «ويدل على هذا التخصيص أن الله
تعالى لا يعاقب أحدا بذنب أحد.
واحتجت- الفرقة- بقوله تعالى: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ
أُخْرى. وهذا كله لا حجة فيه وذلك أن الله تعالى لا يجعل
العقوبة تقصد أحدا بسبب إذ ناب غيره، ولكنه إذا أرسل عذابا على
أمة عاصية لم يمكن البريء التخلص من ذلك العذاب، فأصابه العذاب
لا بأنه له مجازاة. ونحو هذا قوله: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا
تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وقيل للنبي
صلى الله عليه وسلم: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم إذا كثر
الخبث» .
ثم لا بد من تعلق ظلم ما بالأبرياء وذلك بترك التغيير ومداجنة
أهل الظلم ومداومة جوارهم» اه.
وانظر تفسير الفخر الرازي: 20/ 61، وتفسير القرطبي: (10/ 119،
120) .
(2/485)
وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ
مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ
لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ
وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62) تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا
إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ
أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ (63) وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا
لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى
وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) وَإِنَّ
لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي
بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا
سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66)
الآباء لم يكن الأنباء «1» .
62 لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ: وجب قطعا، أو كسب فعلهم
أنّ لهم النّار، فيكون لا ردّا للكلام «2» ، أو صلة.
مُفْرَطُونَ: معجّلون «3» ، أو مقدمون، تقول: أفرطناه في طلب
الماء: قدمناه.
66 مِمَّا فِي بُطُونِهِ: التذكير للرد إلى لفظ «ما» «4» ، أو
للردّ على النّعم.
والنّعم والأنعام واحد «5» لأنّ النّعم اسم جنس فيذكّر على
اللّفظ، ألا ترى أنّ النعم يؤنث على نية الأنعام فيذكّر
الأنعام على نية النّعم. أو ردّ الكناية إلى البعض «6» ، أي:
نسقيكم مما في بطون البعض منها إذ ليس لكلّها لبن يشرب.
__________
(1) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 396 دون عزو، وكذا البغوي في
تفسيره: 3/ 74، والفخر الرازي في تفسيره: 20/ 61، والقرطبي في
تفسيره: 10/ 119.
(2) ذكره الزجاج في معانيه: 3/ 207، ونقله ابن الجوزي في زاد
المسير: 4/ 460، والفخر الرازي في تفسيره: 20/ 62، والقرطبي في
تفسيره: 10/ 121 عن الزجاج.
(3) قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: (244، 245) : «أي
معجلون إلى النار. يقال: فرط مني ما لم أحسبه، أي: سبق.
والفارط: المتقدم إلى الماء لإصلاح الأرشية والدلاء حتى يرد
القوم وأفرطته: أي: قدمته» .
وانظر تفسير الطبري: 14/ 128، ومعاني الزجاج: 2/ 207، والكشاف:
2/ 415، والمفردات للراغب: 376.
(4) ذكره الطبري في تفسيره: 14/ 132، والفخر الرازي في تفسيره:
20/ 66. ونقله القرطبي في تفسيره: 10/ 124 عن الكسائي. [.....]
(5) ذكره الفراء في معانيه: (2/ 108، 109) .
وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 362، وتفسير غريب القرآن
لابن قتيبة: 245، وتفسير الطبري: 14/ 131، وإعراب القرآن
للنحاس: 2/ 401، وزاد المسير: 4/ 463.
(6) نقله المؤلف في وضح البرهان: 1/ 507 عن المؤرج.
وأورده النحاس في إعراب القرآن: 2/ 402، وقال: «حكاه أبو عبيد
عن أبي عبيدة» ، ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 4/ 463،
والقرطبي في تفسيره: 10/ 124 عن أبي عبيدة أيضا.
وانظر تفسير الطبري: 14/ 133، والمحرر الوجيز: 8/ 457.
(2/486)
وَمِنْ ثَمَرَاتِ
النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا
وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ
يَعْقِلُونَ (67) وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ
اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا
يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ
فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا
شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ
فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)
67 سَكَراً: شرابا مسكرا «1» ، وَرِزْقاً
حَسَناً: فاكهة.
وقيل «2» : السكر ما شربت، والرزق الحسن ما أكلت.
68 وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ: ألهمها «3» ، أي: جعله
في طباعها حتى صارت سبله لها مذلّلة سهلة، فتراها تبكّر إلى
الأعمال وتقسمها بينها كما يأمرها اليعسوب «4» فبعض يعمل
الشّمع، وبعض العسل، وبعض يبني البيوت، وبعض يستقي الماء
ويصبّه في الثّقب.
يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ: سمّاه شرابا إذ يجيء منه
الشّراب وإن كانت تجيء بالعسل بأفواهها فهو يخرج من جهة
أجوافها وبطونها ويكون باطنا في فيها ولأن الاستحالة لا يكون
إلّا في البطن فالنّحل تخرج العسل من البطن إلى الفم كالريق،
وخوطب بهذا الكلام أهل تهامة وضواحي كنانة
__________
(1) فيكون هذا القول محمولا على قبل تحريم الخمر، وقد ذكر هذا
القول الفراء في معانيه:
2/ 109، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 245، وأخرجه الطبري
في تفسيره:
(14/ 134- 136) عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، والحسن، ومجاهد.
قال الفخر الرازي في تفسيره: 20/ 70 «فإن قيل: الخمر محرمة
فكيف ذكرها في معرض الإنعام؟ أجابوا عنه من وجهين:
الأول: أن هذه السورة مكية، وتحريم الخمر نزل في سورة المائدة،
فكان نزول هذه الآية في الوقت الذي كانت فيه غير محرمة.
الثاني: أنه لا حاجة إلى التزام هذا النسخ، وذلك لأنه تعالى
ذكر ما في هذه الأشياء من المنافع وخاطب المشركين بها، والخمر
من أشربتهم فهي منفعة في حقهم، ثم إنه تعالى نبه في هذه الآية
أيضا على تحريمها، وذلك لأنه ميز بينها وبين الرزق الحسن في
الذكر، فوجب أن يكون السكر رزقا حسنا، ولا شك أنه حسن بحسب
الشهوة، فوجب أن يقال الرجوع عن كونه حسنا بحسب الشريعة، وهذا
إنما يكون كذلك إذا كانت محرمة» اه.
(2) نقله المؤلف- رحمه الله- في كتابه وضح البرهان: 1/ 508 عن
الحسن رحمه الله تعالى، ونقله البغوي في تفسيره: 3/ 75 عن
الشعبي.
(3) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 109، وتفسير غريب القرآن
لابن قتيبة: 245، وتفسير الطبري: 14/ 139، ومعاني الزجاج: 3/
310، والمحرر الوجيز: 8/ 460.
(4) اليعسوب: فحل النحل.
النهاية: 3/ 234، واللسان: 1/ 599 (عسب) .
(2/487)
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ
ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ
الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ
اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70) وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ
عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا
بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ
فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71)
- وهم أهل العسل- فلم ينكر أحد هذا المجاز.
فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ: إذ المعجونات كلها بالعسل، وفي الحديث
«1» :
«عليكم بالشفاءين: القرآن والعسل» .
70 أَرْذَلِ الْعُمُرِ: أردأه وأوضعه «2» ، وهو إذا صار إلى
خمس وسبعين سنة، عن عليّ رضي الله عنه «3» .
لِكَيْلا يَعْلَمَ: لما فيه من الاعتبار بتصريف الأحوال.
71 فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما
مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ: أي:
ما ملكت أيمانهم لا يشاركونهم في ملكهم ولا يملكون/ شيئا من
رزقهم، فكيف يجعلون لله من خلقه شركاء في ملكه «4» .
و «الحفدة» «5» : الخدم والأعوان «6» . وبنو البنين بلغة سعد
__________
(1) أخرجه ابن ماجة في السنن: 2/ 1142، كتاب الطب، باب «العسل»
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعا.
وأخرجه الحاكم في المستدرك: 4/ 200، كتاب الطب، باب «الشفاء
شفاءان قراءة القرآن وشرب العسل» عن عبد الله بن مسعود مرفوعا،
وقال: «هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه» ، ووافقه
الذهبي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 144، وزاد نسبته إلى سعيد
بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم،
والطبراني، وابن مردويه عن ابن مسعود موقوفا.
(2) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 246، وتفسير الطبري: 14/
141، والكشاف: 2/ 418، وتفسير القرطبي: 10/ 140، واللسان: 11/
281 (رذل) .
(3) أخرجه الطبري في تفسيره: (14/ 141، 142) عن علي رضي الله
عنه.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 400 عن علي أيضا، وكذا البغوي في
تفسيره: 3/ 76، وابن عطية في المحرر الوجيز: 8/ 464، وابن
الجوزي في زاد المسير: 4/ 467.
(4) ينظر تفسير الطبري: 14/ 142، ومعاني القرآن للزجاج: 3/
212، وتفسير البغوي:
3/ 77، والمحرر الوجيز: 8/ 465.
(5) في قوله تعالى: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ
أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ
وَحَفَدَةً ... [آية: 72] .
(6) ذكره الفراء في معانيه: 2/ 110، وأبو عبيدة في مجاز
القرآن: 1/ 364، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 246، وأخرجه
الطبري في تفسيره: (14/ 144، 145) عن ابن عباس، وعكرمة،
والحسن، ومجاهد، وقتادة.
(2/488)
وَضَرَبَ اللَّهُ
مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى
شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ
لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ
بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76) وَلِلَّهِ
غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ
إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77) وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ
بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ
لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ (78) أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ
فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ
فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79) وَاللَّهُ
جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ
جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ
ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا
وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى
حِينٍ (80) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا
وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ
سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ
بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ
لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا
عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (82) يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ
اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ
(83) وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا
يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84)
وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ
عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (85) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ
أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ
شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ
فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (86)
وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ
عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (87) الَّذِينَ كَفَرُوا
وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ
الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88) وَيَوْمَ نَبْعَثُ
فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ
وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا
عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى
وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) إِنَّ اللَّهَ
يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي
الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)
العشيرة «1» ، أي: الله جعل من الأزواج
بنين ومن يعاون على ما يحتاج إليه بسرعة. يقال: حفد أسرع في
العمل «2» .
76 كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ: وليّه.
77 وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ: أي: إذا
أمرنا «3» .
أَوْ هُوَ أَقْرَبُ: على تقدير قول المخاطب وشكه، أي: كونوا
فيها على هذا الظن.
84 نَبْعَثُ [مِنْ] «4» كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً: يبعث الله يوم
القيامة من أهل كل عصر من هو حجة عليهم فيشهد.
90 إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ: تجالس مسروق «5» وشتير
«6» ، فقال شتير:
__________
(1) ورد في كتاب لغات القرآن لأبي عبيد: 160 أن «الحفدة» :
الأختان، بلغة سعد العشيرة.
وقد أخرج الطبري في تفسيره: 14/ 146 عن ابن عباس رضي الله
عنهما قال: «هم الولد وولد الولد» .
ورجحه ابن العربي في أحكام القرآن: 3/ 1162 فقال: «الظاهر عندي
من قوله: بَنِينَ أولاد الرجل من صلبه، ومن قوله: حَفَدَةً
أولاد ولده. وليس في قوة اللفظ أكثر من هذا، ونقول: تقدير
الآية على هذا: والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا، ومن أزواجكم
بنين، ومن البنين حفدة» .
(2) ينظر تفسير الطبري: 14/ 147، ومعاني القرآن للزجاج: 3/
213، وتهذيب اللغة:
4/ 426، واللسان: 3/ 153 (حفد) . [.....]
(3) قال الزجاج في معانيه: 3/ 214: «ليس يريد أن الساعة تأتي
في أقرب من لمح البصر، ولكنه يصف سرعة القدرة على الإتيان بها»
.
وانظر زاد المسير: 4/ 474، وتفسير القرطبي: 10/ 150.
(4) في الأصل: «في» .
(5) هو مسروق بن الأجدع بن مالك الهمداني، الوادعي، الكوفي.
الإمام التابعي الجليل. قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب:
528: «ثقة فقيه عابد، مخضرم، من الثانية» .
ترجمته في طبقات ابن سعد: 6/ 76، وتذكرة الحفاظ: 1/ 49، وسير
أعلام النبلاء: 4/ 63.
(6) هو شتير بن شكل بن حميد العبسي الكوفي.
ضبط ابن ماكولا اسمه فقال: «أوله شين معجمة مضمومة بعدها تاء
مفتوحة معجمة باثنتين من فوقها ثم ياء معجمة باثنتين من تحتها
وآخره راء» . الإكمال: 4/ 378.
ترجم له الحافظ في التقريب: 264، فقال: «يقال إنه أدرك
الإسلام، ثقة، من الثانية» .
(2/489)
وَلَا تَكُونُوا
كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا
تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ
أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ
اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا
كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92)
إمّا أن تحدّث ما سمعت من عبد الله «1»
وأصدّقك وإمّا أن أحدّثك وتصدقني. قال مسروق: بل تحدّث وأصدقك،
فقال شتير: سمعت عبد الله يقول: أجمع آية في القرآن لخير وشرّ
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ الآية. فقال مسروق: صدقت
«2» .
92 أَنْكاثاً: أنقاضا «3» .
دَخَلًا: غرورا ودغلا، كأنّ داخل القلب يخالف ظاهر القول «4» .
أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ: أعزّ وأزيد
«5» ، وكانوا يعقدون الحلف ثم ينقضونه إذا وجدوا من هو أقوى.
و «الحياة الطيّبة» «6» : الرزق الحلال «7» ، أو القناعة «8»
وأكثر
__________
(1) هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه.
(2) أخرجه الحاكم في المستدرك: 2/ 356، كتاب التفسير، باب
«أجمع آية في القرآن للخير والشر» وقال: «هذا حديث صحيح على
شرط الشيخين ولم يخرجاه ... » ووافقه الذهبي.
وأخرج- نحوه- الطبري في تفسيره: 14/ 163 عن ابن مسعود رضي الله
عنه.
وانظر هذا الأثر عن عبد الله بن مسعود في تفسير البغوي: 3/ 82،
والمحرر الوجيز:
8/ 493، وزاد المسير: 4/ 484.
(3) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 367، وتفسير الطبري: 14/
166، والمفردات للراغب: 504، وتفسير القرطبي: 10/ 171.
(4) قال الراغب في المفردات: 166: «والدّخل كناية عن الفساد
والعداوة المستبطنة كالدّغل..» .
(5) تفسير الطبري: 14/ 167، وتفسير الماوردي: 2/ 410.
(6) من قوله تعالى: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ
أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً
... [آية: 97] .
(7) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 14/ 170 عن ابن عباس رضي
الله عنهما.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 164، وزاد نسبته إلى عبد
الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي
حاتم عن ابن عباس.
(8) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 14/ 171 عن الحسن،
والضحاك.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 164، وعزا إخراجه إلى وكيع
عن محمد بن كعب القرظي.
(2/490)
وَلَقَدْ نَعْلَمُ
أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ
الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ
عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ
بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ (104) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا
يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ
(105) مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا
مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ
مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ
اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ
اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ
اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُولَئِكَ
الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ
وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108) لَا
جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (109)
ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا
فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ
بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ
نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا
عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111) وَضَرَبَ اللَّهُ
مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا
رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ
اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ
بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ
مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ
ظَالِمُونَ (113) فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا
طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ
تَعْبُدُونَ (114) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ
وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ
اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ
فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) وَلَا تَقُولُوا لِمَا
تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا
حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ
يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116)
مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117) وَعَلَى
الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ
قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ
يَظْلِمُونَ (118) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا
السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ
وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ
(119) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ
حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا
لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
(121) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي
الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122)
المسلمين ليسوا متّسقي الأرزاق.
103 لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ: يميلون
ويضيفون إليه «1» ، حين اتهموا النّبيّ- عليه السلام- في معرفة
الأخبار ببعض العجم ممن قرأ.
112 فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ: أي: جعل ما يظهر
عليهم من الهزال وسوء الحال كاللباس عليهم.
وإنّما يقال لصاحب الشدّة: ذق لأنّه يتجدّد عليه إدراكه كما
يتجدد على الذائق.
120 إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً: إماما يأتمّ به النّاس
«2» .
قانِتاً: دائما على العبادة.
حَنِيفاً: مسلما مستقبلا في صلاته الكعبة «3» .
122 وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ: فيه غاية
الترغيب في الصّلاح والمدح لإبراهيم- عليه السلام-، إذ شرف
جملة هو منها حتى يصير الاستدعاء إليها بأنه فيها.
وإنّما جاز أن/ يتبع الأفضل المفضول «4» لسبقه إلى القول بالحق
[54/ أ] والعمل به وإن كان نبيّنا أفضل الأنبياء.
__________
(1) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 249، ومعاني الزجاج:
3/ 219، والمفردات:
219.
(2) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 415 عن الكسائي، وأبي عبيدة.
[.....]
(3) قال ابن عطية في المحرر الوجيز: 8/ 541: «الحنيف: المائل
إلى الخير والإصلاح، وكانت العرب تقول لمن يختتن ويحج البيت
حنيفا» .
(4) لعله تفسير لقوله تعالى: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ
اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً ... [آية:
123] .
(2/491)
إِنَّمَا جُعِلَ
السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ
لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا
فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124)
124 إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ: التشديد في
يوم السّبت «1» .
عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ: جاءهم موسى بالجمعة فقال
أكثرهم: لا، بل يوم السّبت «2» .
__________
(1) قال القرطبي في تفسيره: 10/ 199: «كان السبت تغليظا على
اليهود في رفض الأعمال وترك التبسيط في المعاش بسبب اختلافهم
فيه ... » .
(2) معاني القرآن للفراء: 2/ 114، وتفسير الطبري: 14/ 193.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: 8/ 544: «قوله تعالى: إِنَّما
جُعِلَ السَّبْتُ، أي: لم يكن من ملة إبراهيم، وإنما جعله الله
فرضا عاقب به القوم المختلفين فيه، قاله ابن زيد، وذلك أن
موسى- عليه السلام- أمر بني إسرائيل أن يجعلوا من الجمعة يوما
مختصا بالعبادة وأمرهم أن يكون يوم الجمعة، فقال جمهورهم: بل
يكون يوم السبت، لأن الله فرغ فيه من خلق مخلوقاته ... » .
وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة
بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم
فاختلفوا فيه فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غدا
والنصارى بعد غد» اه.
صحيح البخاري: (1/ 211، 212) ، كتاب الجمعة، باب «فرض الجمعة
... » .
وصحيح مسلم: (2/ 585، 586) ، كتاب الجمعة، باب «هداية هذه
الأمة ليوم الجمعة» .
(2/492)
|