إيجاز البيان عن معاني القرآن

سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)

ومن سورة بني إسرائيل
1 سُبْحانَ: لا ينصرف، لأنّه علم لأحد معنيين: إمّا التبرئة والتنزيه، وإمّا التعجب «1» .
أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا: بمعنى «بعض ليل» على تقليل وقت الإسراء «2» .
والإسراء في رواية أبي هريرة «3» وحذيفة بن اليمان «4» كان بنفسه في الانتباه. وفي رواية عائشة ومعاوية بروحه حال النّوم «5» .
__________
(1) ينظر إعراب القرآن للنحاس: 2/ 413، ومشكل إعراب القرآن لمكي: 1/ 427، وتفسير الماوردي: 2/ 420، ونور المسرى في تفسير آية المسرى: (47، 48) .
(2) قال العكبري في التبيان: 2/ 811: «وتنكيره يدل على قصر الوقت الذي كان الإسراء والرجوع فيه» .
وانظر الكشاف: 2/ 436، وتفسير الفخر الرازي: 20/ 147، وتفسير القرطبي: 10/ 204.
(3) في صحيح البخاري: (4/ 140، 141) ، كتاب الأنبياء، باب قوله تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها.
وصحيح مسلم: 1/ 154، كتاب الإيمان، باب «الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات» .
وانظر تفسير الطبري: (15/ 6، 7) ، ودلائل النبوة للبيهقي: 2/ 358، والدر المنثور:
(5/ 198، 199) .
(4) ينظر مسند أحمد: 5/ 387، وسنن الترمذي: 5/ 307، كتاب تفسير القرآن «سورة الإسراء» حديث رقم (3147) ، قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح» .
ومستدرك الحاكم: 2/ 359، كتاب التفسير، وقال: «حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.
ودلائل النبوة للبيهقي: 2/ 364، والدر المنثور: 5/ 216.
(5) نقل ابن إسحاق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن الله أسرى بروحه» .
وأخرج عن معاوية رضي الله تعالى عنه أنه كان إذا سئل عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«كانت رؤيا من الله تعالى صادقة» . قال ابن إسحاق: «فلم ينكر ذلك من قولهما ... »
السيرة: (1/ 399، 400) .
وعلق الحافظ ابن كثير على نقل ابن إسحاق بقوله: «وقد توقف ابن إسحاق في ذلك، وجوز كلّا من الأمرين من حيث الجملة، ولكن الذي لا يشك فيه ولا يتمارى أنه كان يقظانا لا محالة لما تقدم، وليس مقتضى كلام عائشة رضي الله عنها- أن جسده صلى الله عليه وسلم ما فقد وإنما كان الإسراء بروحه أن يكون مناما كما فهمه ابن إسحاق، بل قد يكون وقع الإسراء بروحه حقيقة وهو يقظان لا نائم وركب البراق وجاء بيت المقدس وصعد السماوات وعاين ما عاين حقيقة ويقظة لا مناما. لعل هذا مراد عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، ومراد من تابعها على ذلك، لا ما فهمه ابن إسحاق من أنهم أرادوا بذلك المنام، والله أعلم» اه.
ينظر البداية والنهاية: (3/ 112، 113) .

(2/493)


والحسن أوّل قوله «1» : وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ بالمعراج «2» .
وقد رويت الروايتان بطرق صحيحة، فالأولى الجمع والقول بمعراجين: أحدهما في النّوم، والآخر في اليقظة «3» .
وروي أنّ المشركين سألوه عن بيت المقدس وما رآه في طريقه فوصفه لهم شيئا فشيئا، وأخبرهم أنّه رأى في طريقه قعبا «4» مغطى مملوء ماء فشرب منه، ثم غطّاه كما كان، ووصف لهم إبلا كانت في طريق الشّام يقدمها جمل أورق «5» ، فوجدوا الأمر كما وصف.
__________
(1) سورة الإسراء: آية: 60.
(2) ينظر قوله في السيرة لابن هشام: 1/ 400، وتفسير الماوردي: 2/ 421، وتفسير ابن كثير: 5/ 41، والدر المنثور: 5/ 309.
وأخرج البخاري في صحيحه: 5/ 227، كتاب التفسير، باب وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به ... » .
(3) ذكره ابن العربي في أحكام القرآن: 3/ 1194، ورجحه السهيلي في الروض الأنف:
2/ 149، وأبو شامة المقدسي في نور المسرى: 117.
(4) أي قدحا.
اللسان: 1/ 683 (قعب) .
(5) الأورق: الأسمر.
النهاية: 5/ 175. [.....]

(2/494)


وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5)

2 أَلَّا تَتَّخِذُوا: معناه الخبر لئلا يتخذوا.
3 ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا: أي: يا ذريّة «1» .
4 وَقَضَيْنا: أعلمنا وأوحينا، كقوله «2» : وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ... أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ.
5 بَعَثْنا عَلَيْكُمْ: خلّيناهم وإياكم، وكان أولئك هم العمالقة «3» .
وقيل: إنّه بختنصّر «4» ، إذ كان أصحاب سليمان بن داود عرفوا من جهة أنبيائهم خراب الشّام ثم عودها إلى عمارتها، ولما وقفوا على قصد بختنصّر انجلوا عنها واعتصموا بمصر «5» .
__________
(1) معاني القرآن للفراء: 2/ 116، وقال الزجاج في معانيه: 3/ 226: «وهي منصوبة على النداء، كذا أكثر الأقوال، المعنى: «يا ذرية من حملنا مع نوح ... » .
(2) سورة الحجر: آية: 66.
(3) نقله الماوردي في تفسيره: 2/ 423، والكرماني في غرائب التفسير: 1/ 621، وابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 9 عن الحسن رحمه الله تعالى.
(4) بختنصّر: كان حاكما لبلاد بابل من قبل ملك الفرس.
وكلمة «بختنصر» مركب مزجى، وتركيبه من «بخت» معرب «بوخت» ، بمعنى: ابن و «نصر» اسم صنم.
ينظر تاريخ الطبري: 1/ 558، والصحاح: 1/ 243 (بخت) ، والمعرّب للجواليقي:
129.
(5) ينظر هذه الرواية في تفسير الطبري: (15/ 21- 30) ، وتفسير الماوردي: 2/ 423، والتعريف والإعلام للسهيلي: 98، وزاد المسير: 5/ 9.
وأشار إليها ابن كثير في تفسيره: 5/ 44، ثم قال: «وقد وردت في هذا آثار كثيرة إسرائيلية لم أر تطويل الكتاب بذكرها لأن منها ما هو موضوع، من وضع زنادقتهم، ومنها ما قد يحتمل أن يكون صحيحا، ونحن في غنية عنها، ولله الحمد. وفيما قص الله تعالى علينا في كتابه غنية عما سواه من بقية الكتب قبله، ولم يحوجنا الله ولا رسوله إليهم. وقد أخبر الله تعالى أنهم لما بغوا وطغوا سلط عليهم عدوهم، فاستباح بيضتهم، وسلك خلال بيوتهم وأذلهم وقهرهم، جزاء وفاقا، وما ربك بظلام للعبيد، فإنهم كانوا قد تمردوا وقتلوا خلقا من الأنبياء والعلماء» اه.

(2/495)


إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8) إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10) وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11)

فَجاسُوا: مشوا وترددوا «1» . وقيل «2» : عاثوا وأفسدوا.
7 وَعْدُ الْآخِرَةِ: [وعد] «3» المرّة الآخرة «4» .
لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ: أي: الموصوفون بالبأس يسوءوا ساداتكم «5» .
وَلِيُتَبِّرُوا: يهلكوا ويخرّبوا «6» .
ما عَلَوْا: ما وطئوا من الديار.
حَصِيراً: محبسا» .
9 لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ: للحال التي هي أقوم وهي توحيد الله، والإيمان برسله، والعمل بطاعته/ «8» .
11 وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ: يدعو على نفسه وولده غضبا، أو يطلب
__________
(1) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 424 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وانظر المفردات للراغب: 103، وتفسير الفخر الرازي: 20/ 157، وتفسير البيضاوي:
1/ 578.
(2) هذا قول ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 251، ونقله ابن الجوزي في زاد المسير:
5/ 10، والفخر الرازي في تفسيره: 20/ 157 عن ابن قتيبة أيضا.
(3) ما بين معقوفين عن نسخة «ج» .
(4) تفسير الطبري: 15/ 31، وتفسير الماوردي: 2/ 425، وتفسير البغوي: 3/ 106، وتفسير الفخر الرازي: 20/ 159.
(5) ذكره القرطبي في تفسيره: 10/ 223 فقال: «قيل: المراد ب «الوجوه» السادة، أي:
ليذلوهم» .
(6) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 251، وتفسير الطبري: 15/ 43، وتفسير الفخر الرازي:
20/ 160.
(7) في مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 371: «من الحصر والحبس، فكأن معناه: محبسا، ويقال للملك: حصير، لأنه محجوب» .
وانظر تفسير الطبري: 15/ 45، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 228، وتفسير القرطبي:
10/ 224.
(8) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 3/ 229.
وانظر هذا المعنى في تفسير الطبري: (15/ 46، 47) ، والمحرر الوجيز: 9/ 26، وتفسير القرطبي: 10/ 225.

(2/496)


وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12) وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)

ما هو شرّ له ليعجّل الانتفاع.
12 فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ: هو السواد الذي في القمر «1» .
مُبْصِرَةً: أهلها بصراء كمضعف لمن قومه ضعفاء.
13 طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ: عمله «2» : فيكون في اللّزوم كالطوق للعنق، أو طائِرَهُ: كتابه الذي يطير إليه يوم القيامة «3» .
14 كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً: شاهدا، وقيل: حاكما.
ولقد أنصفك من جعلك حسيبا على نفسك.
16 وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً
: هذه الإرادة على مجاز المعلوم من عاقبة الأمر.
أَمَرْنا
«4» تْرَفِيها: أمرناهم على لسان رسولهم بالطاعة.
فَفَسَقُوا
: خرجوا عن أمرنا، كقوله: أمرته فعصى «5» ، أو أمرنا:
__________
(1) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 15/ 49 عن ابن عباس، ومجاهد.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 247، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في «المصاحف» عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. [.....]
(2) ذكره الفراء في معانيه: 2/ 118، وأخرجه الطبري في تفسيره: 15/ 51 عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة.
(3) نص هذا القول في البحر المحيط: 6/ 15 عن السدي.
وقال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 252: «المعنى فيما أرى- والله أعلم-: أن لكل امرئ حظا من الخير والشر قد قضاه الله عليه فهو لازم عنقه. والعرب تقول لكل ما لزم الإنسان- قد لزم عنقه، وهو لازم صليف عنقه. وهذا لك عليّ وفي عنقي حتى أخرج منه.
وإنما قيل للحظ من الخير والشر: طائر، لقول العرب: جرى له الطائر بكذا من الخير، وجرى له الطائر بكذا من الشر على طريق الفأل والطيرة، وعلى مذهبهم في تسمية الشيء بما كان له سببا، فخاطبهم الله بما يستعملون، وأعلمهم أن ذلك الأمر الذي يجعلونه بالطائر، هو ملزمة أعناقهم ... » .
(4) بفتح الميم وإسكان الراء، وهي قراءة الجمهور وعليها القراء السبعة.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 379، والبحر المحيط: 6/ 17.
(5) ينظر البحر المحيط: 6/ 18.

(2/497)


كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22) وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25) وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)

كثّرنا «1» ، أمره وآمره. وفي الحديث «2» : «خير المال مهرة مأمورة» «3» .
20 كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ: أي: من أراد العاجلة ومن أراد الآخرة.
مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ: من رزقه.
23 أُفٍّ: معناه التكرّه والتضجّر «4» .
24 وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ: لن لهما جانبك متذللا من مبالغتك في الرحمة لهما «5» .
26 وَلا تُبَذِّرْ: لا تنفق في غير طاعة الله شيئا.
27 إِخْوانَ الشَّياطِينِ: قرناءهم في النّار «6» ، أو أتباعهم في
__________
(1) ورد هذا المعنى على قراءة الجمهور بالقصر وفتح الميم وإسكان الراء، وكذلك على قراءة «آمرنا» بالمد. وهي قراءة عشرية، قرأ بها يعقوب بن إسحاق البصري، وتنسب هذه القراءة أيضا إلى علي بن أبي طالب، وابن عباس، والحسن، وقتادة، وأبي العالية، وعاصم، وابن كثير، وأبي عمرو، ونافع.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 379، والمحتسب لابن جني: (2/ 15، 16) ، والغاية في القراءات العشر لابن مهران: 190، والنشر: 3/ 150، وإتحاف فضلاء البشر: 2/ 195، والبحر المحيط: 6/ 20.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسنده: 3/ 468 عن سويد بن هبيرة، ورفعه.
وكذا الطبراني في المعجم الكبير: 7/ 91، والقضاعي في مسند الشهاب: (2/ 230، 231) .
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد: 5/ 260 وقال: «رجال أحمد ثقات» .
وأورده السيوطي- أيضا- في الجامع الصغير: 2/ 11، ورمز له بالصحة.
(3) أي: كثيرة الولد.
مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 373.
(4) قال ابن عطية في المحرر الوجيز: (9/ 55، 56) : «ومعنى اللفظة أنها اسم فعل، كأن الذي يريد أن يقول: أضجر، أو أتقذر، أو أكره، أو نحو هذا، يعبر إيجازا بهذه اللفظة فتعطي معنى الفعل المذكور، وجعل الله تعالى هذه اللفظة مثلا لجميع ما يمكن أن يقابل به الآباء مما يكرهون، فلم ترد هذه اللفظة في نفسها وإنما هي مثال الأعظم منها والأقل، فهذا هو مفهوم الخطاب الذي المسكوت عنه حكمه حكم المذكور» .
(5) عن معاني القرآن للزجاج: 2/ 235.
(6) ذكره الفخر الرازي في تفسيره: 20/ 195، وقال: «كما قال: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ، وقال تعالى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ، أي قرناءهم من الشياطين. اه.
وانظر هذا القول في الكشاف: 2/ 446، وتفسير القرطبي: 10/ 248، والبحر المحيط:
6/ 30.

(2/498)


وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28) وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30) وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)

آثارهم «1» .
28 وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ: أي: الذين أمرنا بإعطائهم إذا أعرضت عنهم لعوز فقل لهم قولا ليّنا ييسّر عليهم فقرهم.
و «الرحمة» : الرزق «2» .
29 مَحْسُوراً: منقطعا به «3» ، أو ذا حسرة «4» ، أو مكشوفا، من حسرت الذراع «5» .
31 خِطْأً: يجوز اسما ك «الإثم» «6» ، ومصدرا ك «الحذر» «7» .
__________
(1) قال الطبري في تفسيره: 15/ 74: «وكذلك تقول العرب لكل ملازم سنة قوم وتابع أثرهم:
هو أخوهم» .
وانظر تفسير الفخر الرازي: 20/ 195.
(2) ذكره الطبري في تفسيره: 15/ 75، والبغوي في تفسيره: 3/ 112، وأورده ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 28، وقال: «قاله الأكثرون» .
(3) ينظر هذا القول في معاني الفراء: 2/ 122، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 254، وتفسير الطبري: 15/ 76، وتفسير البغوي: 3/ 113، والكشاف: 2/ 447.
(4) ذكر القرطبي هذا القول في تفسيره: 10/ 251 عن قتادة، ثم قال: «وفيه بعد لأن الفاعل من «الحسرة» حسر وحسران، ولا يقال: محسور» . [.....]
(5) اللسان: 4/ 189 (حسر) .
(6) معاني القرآن للفراء: 2/ 133، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 76، وتفسير الطبري:
15/ 79، ومعاني الزجاج: 3/ 236.
(7) قرأ ابن عامر- من السبعة خطا بفتح الخاء والطاء.
قال أبو زرعة في حجة القراءات: 401: «وهو مصدر ل خطى الرجل يخطأ خطئا» .
ووجه الطبري لقراءة الكسر وجهين فقال:
أحدهما: أن يكون اسما من قول القائل: خطئت فأنا أخطأ، بمعنى: أذنبت وأثمت.
ويحكى عن العرب: خطئت: إذا أذنبت عمدا، وأخطأت: إذا وقع منك الذنب خطأ على غير عمد منك له.
والثاني: أن يكون بمعنى «خطأ» بفتح الخاء والطاء، ثم كسرت الخاء وسكنت الطاء، كما قيل: قتب وقتب، وحذر وحذر، ونجس ونجس. و «الخطء» بالكسر اسم، و «الخطأ» بفتح الخاء والطاء مصدر من قولهم: خطيء الرجل، وقد يكون اسما من قولهم: أخطأ، فأما المصدر منه ف «الإخطاء ... » اه.
راجع تفسيره: 15/ 79، والسبعة لابن مجاهد: 379، والتبصرة لمكي: 224، والمحرر الوجيز: 9/ 67.

(2/499)


وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38) ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39) أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (41)

36 وَلا تَقْفُ: لا تتبع، من «قفوت أثره» «1» .
إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا: أي: عن الإنسان لأنها الأشهاد يوم القيامة، أو كان الإنسان عن ذلك مسؤولا لأنّ الطاعة والمعصية بها «2» .
38 كان سيئة «3» عند ربك مكروها: أراد ب «السيئة» : الذنب «4» .
أو مَكْرُوهاً بدل عن السّيئة وليس بوصف «5» . وأمّا سَيِّئُهُ بالإضافة «6» فلأنّه تقدّم أوامر ونواهي فما كان في كلّ المذكور من سيئ كان عند الله مكروها/، فيعلم به أنّ ما كان من حسن كان مرضيّا.
40 أَفَأَصْفاكُمْ: أخلص لكم البنين فاختصكم بالأجلّ.
41 وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ: صرّفنا القول فيه على وجوه من أمر
__________
(1) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 123، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 379، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: (254، 255) ، وتفسير الطبري: 15/ 87، ومعاني الزجاج: 3/ 239.
(2) عن تفسير الماوردي: 2/ 435.
وانظر تفسير البغوي: 3/ 114، والمحرر الوجيز: (9/ 86، 87) .
(3) هذه قراءة ابن كثير، ونافع، وأبي عمرو.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 380، والتبصرة لمكي: 244، والتيسير للداني: 140.
(4) زاد المسير: 5/ 36.
(5) والتقدير: كان سيئة وكان مكروها.
ينظر تفسير الفخر الرازي: 20/ 213، والمحرر الوجيز: 9/ 91، وتفسير القرطبي:
10/ 262، والبحر المحيط: 6/ 38.
(6) بإضافة السيء إلى الهاء، وهي قراءة عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 380، وحجة القراءات: 403، والتبصرة لمكي: 244.

(2/500)


قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43) تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44) وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (46) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48) وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49) قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50)

ونهي، ووعد ووعيد، وتسلية وتحسير وتزكية وتقريع وقصص وأحكام وتوحيد وصفات وحكم وآيات.
وَما يَزِيدُهُمْ: أي: هذه المعاني، إِلَّا نُفُوراً إلّا اعتقادهم الشبه.
42 لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا: إلى ما يقرّبهم إليه لعظمته عندهم.
44 وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ: أي: من جهة خلقته، أو في معنى صفته وهي حاجته بحدوثه إلى صانع أحدثه.
45 حِجاباً مَسْتُوراً: ساترا لهم عن إدراكه، ك «مشؤوم» و «ميمون» في معنى شائم ويا من لأنّه من شامهم ويمنهم «1» .
وقيل «2» : مستورا عن أبصار النّاس.
46 نُفُوراً: جمع «نافر» «3» .
47 وَإِذْ هُمْ نَجْوى: اسم للمصدر، أي: ذوو نجوى يتناجون «4» .
50 قُلْ كُونُوا حِجارَةً: أي: استشعروا أنكم منها فإنّه يعيدكم، إذ القدرة التي بها أنشأكم هي التي بها يعيدكم «5» .
__________
(1) عن معاني القرآن للأخفش: 2/ 613.
وانظر هذا المعنى في تفسير الطبري: (15/ 93، 94) ، والمحرر الوجيز: 9/ 99، وزاد المسير: 5/ 41.
(2) ذكره الطبري في تفسيره: 15/ 94، ورجحه.
وانظر تفسير الماوردي: 2/ 437، وتفسير البغوي: 3/ 117، وتفسير القرطبي:
10/ 271.
(3) قال أبو عبيدة في مجاز القرآن: 1/ 381: «بمنزلة قاعد وقعود وجالس وجلوس» .
(4) عن معاني القرآن للزجاج: 3/ 243.
(5) قال الزجاج في معانيه: 3/ 244: «ومعنى هذه الآية فيه لطف وغموض، لأن القائل يقول:
كيف يقال لهم كونوا حجارة أو حديدا وهم لا يستطيعون ذلك؟.
فالجواب في ذلك أنهم كانوا يقرّون أن الله جل ثناؤه خالقهم، وينكرون أن الله يعيدهم خلقا آخر، فقيل لهم: استشعروا أنكم لو خلقتم من حجارة أو حديد لأماتكم الله ثم أحياكم لأن القدرة التي بها أنشأكم وأنتم مقرون أنه أنشأكم بتلك القدرة بها يعيدكم، ولو كنتم حجارة أو حديدا، أو كنتم الموت الذي هو أكبر الأشياء في صدوركم» . [.....]

(2/501)


أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (52) وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (54) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57) وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58) وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59) وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60)

51 فَسَيُنْغِضُونَ: يحرّكون، وهو تحريك المستبطئ للشيء والمبطل له المستهزئ به.
52 فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ: أي: بأمره «1» . وقيل «2» : تستجيبون حامدين.
إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا: أي: في الدنيا بالقياس إلى الآخرة.
60 وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ: أي: علمه وقدرته فيعصمك منهم.
إِلَّا فِتْنَةً: ابتلاء بمن كفر به، فإنّ قوما أنكروا المعراج فارتدوا «3» .
وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ: أي: وما جعلنا الشجرة الملعونة [في القرآن] «4» إلّا فتنة، إذ قال أبو جهل: هل رأيتم الشّجر ينبت في النّار «5» .
وقيل «6» : الشجرة الملعونة بنو أميّة فإنّهم الذين بدلوا وبغوا.
__________
(1) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 15/ 101 عن ابن عباس، وابن جريج. ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 439 عن ابن جريج وسفيان.
وانظر المحرر الوجيز: 9/ 109، وزاد المسير: 5/ 45.
(2) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 439 دون عزو. ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 45 عن سعيد بن جبير.
(3) ذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 258. وأخرج- نحوه- الطبري في تفسيره:
15/ 110 عن الحسن.
(4) ما بين معقوفين عن «ج» و «ك» .
(5) أخرج الطبري في تفسيره: 15/ 114 عن قتادة قال: «هي شجرة الزقوم، خوف الله بها عباده، فافتنوا بذلك، حتى قال قائلهم أبو جهل بن هشام: زعم صاحبكم هذا أن في النار شجرة، والنار تأكل الشجر» .
وانظر تفسير الماوردي: 2/ 443، وتفسير البغوي: 3/ 120.
(6) ذكر الحافظ ابن كثير هذا القول في تفسيره: 5/ 90، ثم قال «وهو غريب ضعيف» .
والأثر الذي أخرجه الطبري في تفسيره: 15/ 112 عن سهل بن سعد قال: «رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم- بني فلان ينزون على منبره نزو القرود، فساءه ذلك، فما استجمع ضاحكا حتى مات- قال: وأنزل الله في ذلك: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ ...
الآية.
وضعف ابن كثير إسناده فقال: «وهذا السند ضعيف جدا، فإن محمد بن الحسن بن زبالة متروك، وشيخه أيضا ضعيف بالكلية.
ولهذا اختار ابن جرير أن المراد بذلك ليلة الإسراء، وأن الشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم، قال: لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك، أي: في الرؤيا والشجرة» اه.

(2/502)


قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64)

والرؤيا: ما رآه النبي- عليه السلام- من نزوهم «1» على منبره.
62 أَرَأَيْتَكَ: معناه أخبر، والكاف للخطاب ولا موضع لها، لأنّها للتوكيد، والجواب محذوف، وهذَا منصوب ب «أرأيت» ، أي: أخبرني عن هذا الذي كرّمته عليّ لم كرّمته «2» ؟.
لَأَحْتَنِكَنَّ/ ذُرِّيَّتَهُ: لأستولينّ عليهم وأستأصلنّهم كما يحتنك [55/ ب] الجراد الزّرع «3» .
64 وَاسْتَفْزِزْ: استخفّ «4» ، أو استزل بصوتك بدعائك إلى المعاصي «5» .
وقيل «6» : إنه الغناء بالأوتار والمزامير.
__________
(1) أي: وثوبهم عليه.
النهاية لابن الأثير: 5/ 44، واللسان: 15/ 319 (نزا) .
(2) عن معاني القرآن للزجاج: 3/ 349.
وانظر إعراب القرآن للنحاس: 2/ 432، والبحر المحيط: 6/ 57.
(3) معاني القرآن للفراء: 2/ 127، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 384، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 258، وتفسير الطبري: 15/ 117، والمفردات للراغب: 134.
(4) معاني القرآن للفراء: 2/ 127، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 384، وتفسير غريب القرآن: 258، وتفسير الطبري: 15/ 118، والمحرر الوجيز: 9/ 135.
(5) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 15/ 118 عن ابن عباس، وقتادة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 312، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(6) أخرجه الطبري في تفسيره: 15/ 118 عن مجاهد.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 312 وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور، وابن أبي الدنيا في «ذم الملاهي» ، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رحمه الله تعالى.
وعقّب الطبري على هذه الأقوال بقوله: «وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال: إن الله تبارك وتعالى- قال لإبليس: واستفزز من ذرية آدم من استطعت أن تستفزه بصوتك، ولم يخصص من ذلك صوتا دون صوت، فكل صوت كان دعاء إليه وإلى عمله وطاعته، وخلافا للدعاء إلى طاعة الله، فهو داخل في معنى صوته الذي قال الله تبارك وتعالى اسمه- له:
وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ اه.

(2/503)


وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67)

وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ: أجمع عليهم، بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ: بكل راكب وماش في الضلالة، وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ: ما يكسبونه من حرام وينفقونه في معصية «1» ، وَالْأَوْلادِ: إذا ولدوهم بالزنا «2» ، أو عوّدوهم الضلالة والبطالة.
67 ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ: بطل، كقوله «3» : أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ، أو غاب كقوله «4» : أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ.
«الحاصب» «5» : الحجارة الصغار «6» . وقيل «7» : الريح التي ترمى
__________
(1) ذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 258.
وأخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: 15/ 119 عن ابن عباس، والحسن، ومجاهد.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 444 عن الحسن رحمه الله تعالى.
(2) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 258.
وأخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (15/ 120، 121) عن ابن عباس، ومجاهد، والضحاك.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 312، وزاد نسبته إلى ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما. [.....]
(3) سورة محمد: آية: 1.
(4) سورة السجدة: آية: 10، ومصدره في القولين- فيما يبدو- تفسير الماوردي: 2/ 445.
وانظر زاد المسير: 5/ 61.
(5) في قوله تعالى: أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا [آية: 68] .
(6) تفسير الطبري: 15/ 124، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 251.
(7) هذا قول ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 259.
وانظر تفسير الطبري: 15/ 124، وتفسير البغوي: 3/ 124.

(2/504)


يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71)

بالحصباء، كما سمّي الجمار بالمحصّب لرمي الحصباء بها. وحصب في الأرض: ذهب فيها «1» .
و «القاصف» »
: الريح التي تقصف الشّجر «3» .
والتبيع: المنتصر الثائر «4» .
71 يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ: بنيّهم «5» ، أو بدينهم وكتابهم «6» ، أو بأعمالهم «7» ، أو بقادتهم ورؤسائهم «8» .
__________
(1) اللسان: (1/ 319، 320) (حصب) .
(2) في قوله تعالى: فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً [آية: 69] .
(3) عن ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 259.
وانظر تفسير الماوردي: 2/ 445، والمفردات للراغب: 405، وتفسير البغوي:
3/ 125.
(4) معاني القرآن للفراء: 2/ 127، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 259، وتفسير الطبري:
15/ 125، وتفسير البغوي: 3/ 125.
(5) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 15/ 126 عن مجاهد، وقتادة.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 446 عن مجاهد، وابن عطية في المحرر الوجيز:
9/ 148 عن قتادة ومجاهد.
وعزاه ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 65 إلى أنس بن مالك، وسعيد بن جبير، وقتادة، ومجاهد.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 316، وعزا إخراجه إلى ابن أبي حاتم، وابن مردويه، والخطيب عن أنس رضي الله عنه.
(6) ذكره الزجاج في معانيه: 3/ 253، والماوردي في تفسيره: 2/ 446، وابن عطية في المحرر الوجيز: 9/ 148.
(7) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (15/ 126، 127) عن ابن عباس، والحسن، والربيع بن أنس.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 446 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(8) ذكر- نحوه- ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 259 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأورده ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 64، وقال: «قاله أبو صالح عن ابن عباس» .
وأورد ابن عطية الأقوال التي قيلت في المراد ب «الإمام» ، ثم قال: «ولفظة «الإمام» تعمّ هذا كله، لأن الإمام هو ما يؤتم به ويهتدى به في القصد ... » .

(2/505)


وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72) وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)

72 وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى: أي: عن الطاعة والهدى، فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى: عن طريق الجنة «1» . أو من عمي عن هذه العبر المذكورة فهو عمّا غاب عنه من أمر الآخرة أعمى «2» .
73 وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ: همّوا صرفك. في وفد ثقيف حين أرادوا الإسلام على أن يمتّعوا باللّات سنة ويكسر باقي أصنامهم «3» .
74 لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ: هممت من غير عزم «4» ، وهو حديث النفس المرفوع.
75 ضِعْفَ الْحَياةِ: ضعف عذاب الحياة «5» ، أي: مثليه، لعظم ذنبك
__________
(1) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 446. [.....]
(2) تفسير الطبري: 15/ 129، والمحرر الوجيز: 9/ 150، وتفسير القرطبي: 10/ 298.
(3) ذكر نحوه الزمخشري في الكشاف: 2/ 460، وقال الحافظ في الكافي الشاف: 100: «لم أجده، وذكره الثعلبي عن ابن عباس من غير سند» .
وأخرج الطبري في تفسيره: 15/ 130 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: « ... أن ثقيفا كانوا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أجلنا سنة حتى يهدى لآلهتنا، فإذا قبضنا الذي يهدى لآلهتنا أخذناه، ثم أسلمنا وكسرنا الآلهة، فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم، وأن يؤجلهم، فقال الله: وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا.
وفي إسناده محمد بن سعد عن أبيه عن عمه عن أبيه، وهذا الإسناد مسلسل بالضعفاء.
وقد تقدم بيان حالهم، راجع ص (135) .
وانظر أسباب النزول للواحدي: 335، وتفسير البغوي: (3/ 126، 127) ، والفتح السماوي: 2/ 778.
(4) قال ابن عطية في المحرر الوجيز: 9/ 155: «ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يركن، ولكنه كاد بحسب همه بموافقتهم طمعا منه في استئلافهم» .
وقال الكرماني في غرائب التفسير: 1/ 367: «لولا تدل على امتناع الشيء لوجود غيره، فالممتنع في الآية إرادة الركون لوجود تثبيت الله إياه، هذا هو الظاهر في الآية» اه.
وانظر تفسير القرطبي: 10/ 300.
(5) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 386، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 259، وتفسير الطبري: 15/ 132.

(2/506)


وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا (77) أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)

على شرف منزلتك. أو «الضعف» هو العذاب «1» ، لتضاعف الألم كما هو عذاب لاستمراره في الأوقات، كالعذاب الذي يستمر في الحلق، ولما نزلت هذه الآية قال عليه السّلام «2» : «اللهم لا تكلني [إلى نفسي] «3» طرفة عين» .
76 وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ، حين قالت اليهود: إن أرض الشّام أرض الأنبياء وفيها الحشر والنشر «4» .
والاستفزاز: الاستخفاف بالإزعاج «5» .
78 لِدُلُوكِ الشَّمْسِ: لزوالها «6» . والآية جمعت الصلوات الخمس، لأنّه بدأ «7» من/ الزوال إلى «الغسق» وإلى قُرْآنَ الْفَجْرِ وهو صلاته، [56/ أ]
__________
(1) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 448، وانظر تفسير البيضاوي: 1/ 593.
(2) أخرجه الطبري في تفسيره: 15/ 131 عن قتادة ورفعه، واللفظ عنده: «اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين» .
وذكر مثله الماوردي في تفسيره: 2/ 448، وابن عطية في المحرر الوجيز: 9/ 154، والزمخشري في الكشاف: 2/ 461.
وقال الحافظ في الكافي الشاف: 101: «لم أجده، وذكره الثعلبي عن قتادة مرسلا» .
(3) في الأصل: «على طرفة عين» ، والمثبت في النص عن الهامش و «ج» ، الذي أشار ناسخه إلى وروده في نسخة أخرى.
(4) أخرج- نحوه- الطبري في تفسيره: 15/ 132، عن حضرمي.
وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة: 5/ 254، عن عبد الرحمن بن غنم رضي الله عنه وذكر الحافظ ابن كثير هذا القول في تفسيره: 5/ 97، وقال: «وهذا القول ضعيف لأن هذه الآية مكية، وسكنى المدينة بعد ذلك» ، ثم أورد رواية البيهقي، وقال: «وفي هذا الإسناد نظر، والأظهر أن هذا ليس بصحيح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغز تبوك عن قول اليهود، إنما غزاها امتثالا لقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وقوله تعالى:
قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ، وغزاها ليقتص وينتقم ممن قتل أهل مؤتة من أصحابه، والله أعلم ... » اه.
(5) معاني القرآن للفراء: 2/ 129، وتفسير الطبري: 15/ 132، والمفردات للراغب: 379.
(6) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 129، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 387، وتفسير الطبري:
(15/ 135، 136) ، ومعاني الزجاج: 3/ 255.
(7) في «ج» : مدّ.

(2/507)


وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80) وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81) وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)

سمّيت الصلاة قرآنا لتأكيد القراءة فيها «1» ، ونصب قُرْآنَ على الإغراء «2» .
كانَ مَشْهُوداً: يشهده ملائكة الليل وملائكة النّهار «3» .
79 نافِلَةً لَكَ: خاصة.
مَقاماً مَحْمُوداً: الشفاعة «4» . وقيل «5» : إعطاؤه لواء الحمد.
مُدْخَلَ صِدْقٍ: أي: أدخلني فيما أمرتني به وأخرجني عما نهيتني عنه «6» .
81 وَزَهَقَ الْباطِلُ: ذهب.
82 وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ: وذلك أنّه البيان الذي يزيل عمى الجهل وحيرة الشكّ، وأنّه برهان معجز يدلّ على صدق الرسول، وأنه يتبرّك به فيدفع به المضارّ والمكاره، وأنّ تلاوته الصلاح الداعي إلى كل صلاح.
__________
(1) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 450، وانظر معاني القرآن للزجاج: (3/ 255، 256) .
(2) والتقدير: وعليك قرآن الفجر إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً.
ينظر تفسير الطبري: 15/ 139، والتبيان للعكبري: 2/ 830، وتفسير القرطبي:
10/ 305.
(3) ثبت ذلك في صحيح البخاري: (5/ 227، 228) ، كتاب التفسير، باب قوله: إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً من رواية أخرجها عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعا.
وكذا في صحيح مسلم: 1/ 450، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب «فضل صلاة الجماعة، وبيان التشديد في التخلف عنها» عن أبي هريرة أيضا. [.....]
(4) يدل عليه ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: 5/ 228، كتاب التفسير، باب قوله:
عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً عن آدم بن علي قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا كلّ أمة تتبع نبيّها، يقولون: يا فلان اشفع حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود» .
وانظر صحيح مسلم: 1/ 179، كتاب الإيمان، باب «أدنى أهل الجنة منزلة فيها» .
(5) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 451، دون عزو.
(6) نقله الماوردي في تفسيره: 2/ 452، عن بعض المتأخرين.
وأورده القرطبي في تفسيره: 10/ 311، وقال: «وهذا القول لا تنافر بينه وبين الأول، فإنه يكون بيده لواء الحمد ويشفع» .

(2/508)


وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (84) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)

وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً: لكفرهم به وحرمان أنفسهم المنافع التي فيه.
83 وَنَأى بِجانِبِهِ: بعّد بنفسه عن القيام بحقوق النّعم، كقوله «1» :
فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ.
كانَ يَؤُساً: لا يثق بفضل الله «2» .
84 شاكِلَتِهِ: عادته أو طريقته التي تشاكل أخلاقه «3» .
طريق ذو شواكل: متشعب منه الطرق «4» .
85 قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي: من خلق ربّي، لأنهم سألوه عنه:
أقديم «5» ؟، وإن كان معناه: من علم ربّي، فإنما لم يجبهم عنه لأن طريق معرفته العقل لا السّمع، فلا يجري القول فيه على سمت النّبوّة كما هو في كتب الفلاسفة، ولئلا يصير الجواب طريقا إلى سؤالهم عما لا يعنيهم، وليراجعوا عقولهم في معرفة مثله لما فيه من الرياضة على استخراج الفائدة.
وقيل في حد الروح: إنه جسم رقيق هوائيّ على بنية حيوانية في كل
__________
(1) سورة الذاريات: آية: 39.
(2) قال القرطبي في تفسيره: 10/ 321: «أي إذا ناله شدة من فقر أو سقم أو بؤس يئس وقنط، لأنه لا يثق بفضل الله تعالى» .
(3) في «ج» أخلاطه.
(4) ينظر معاني القرآن للزجاج: 3/ 257، والكشاف: 2/ 464، واللسان: 11/ 357 (شكل) .
(5) وفي سبب نزول هذه الآية أخرج الإمامان البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: بينا أنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث وهو متكئ على عسيب إذ مر عليه اليهود، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، فقال: ما رابكم إليه؟ وقال بعضهم: لا يستقبلكم بشيء تكرهونه، فقالوا: سلوه، فسألوه عن الروح، فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليهم شيئا. فعلمت أنه يوحى إليه، فقمت مقامي، فلما نزل الوحي قال: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا.
راجع صحيح البخاري: 5/ 228، كتاب التفسير، باب «ويسألونك عن الروح» .
وصحيح مسلم: 4/ 2152، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب «سؤال اليهود النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح» ، وأسباب النزول للواحدي: 337.

(2/509)


وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (86) إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (87) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89) وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92)

جزء منه حياة «1» .
86 وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ: أي: لمحوناه من القلوب والكتب «2» .
ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ: من تتوكّل عليه في ردّ شيء منه «3» .
87 إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ: أي: لكن رحم الله فأثبته في قلبك وقلوب المؤمنين «4» .
و «ينبوع» «5» يفعول من «ينبع بالماء» «6» ، أي: يفور.
92 كِسَفاً: قطعا «7» ، كسفت الثوب أكسفه وذلك المقطوع كسف.
__________
(1) في تفسير الماوردي: 2/ 455- عن بعض المتكلمين-: «أنه لو أجابهم عنها ووصفها بأنها جسم رقيق تقوم معه الحياة، لخرج من شكل كلام النبوة، وحصل في شكل كلام الفلاسفة، فقال: مِنْ أَمْرِ رَبِّي، أي: هو القادر عليه» اه.
وأورد القرطبي في تفسيره: 10/ 324 الأقوال التي قيلت في «الروح» ، ثم عقب عليها بقوله: «والصحيح الإبهام لقوله: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي دليل على خلق الروح، أي:
هو أمر عظيم وشأن كبير من أمر الله تعالى، مبهما له وتاركا تفصيله ليعرف الإنسان على القطع عجزه عن علم حقيقة نفسه مع العلم بوجودها. وإن كان الإنسان في معرفة نفسه هكذا كان يعجزه عن إدراك حقيقة الحق أولى. وحكمة ذلك تعجيز العقل عن إدراك معرفة مخلوق مجاور له، دلالة على أنه عن إدراك خالقه أعجز» اه.
(2) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: (15/ 157، 158) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
وانظر معاني القرآن للزجاج: 3/ 258، وتفسير الماوردي: 2/ 455، وزاد المسير:
5/ 83.
(3) عن معاني القرآن للزجاج: 3/ 259، وانظر تفسير الماوردي: 2/ 455، وتفسير البغوي:
3/ 135.
(4) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 3/ 259.
(5) في قوله تعالى: وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً [آية: 90] .
(6) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 390، ومعاني الزجاج: 3/ 259، وتفسير القرطبي:
10/ 330.
وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: 9/ 193: «والينبوع» : الماء النابع، وهي صفة مبالغة إنما تقع للماء الكثير» . [.....]
(7) معاني القرآن للفراء: 2/ 131، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 390، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 261، والمفردات للراغب: 431.

(2/510)


وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99) قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102) فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103) وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104)

قَبِيلًا: معاينة نعاينهم «1» ، أو جميعا من «قبائل العرب» ، و «قبائل الرأس» : شؤونه لاجتماع/ بعضها إلى بعض «2» .
97 وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً: أي: عمّا يسرّهم.
بكما: عن التكلّم بما ينفعهم.
101 وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ: العصا، واليد، واللسان، والبحر، والطوفان، والجراد، والقمّل، والضفادع، والدّم «3» .
مَثْبُوراً: مهلكا «4» . قال المأمون لرجل: يا مثبور، ثم حدّث عن الرّشيد، عن المهدي، عن المنصور، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس- رضي الله عنه- أنّ «المثبور» ناقص العقل «5» .
104 لَفِيفاً: جميعا من جهات مختلفة «6» .
__________
(1) ذكره أبو عبيدة في مجاز القرآن: 1/ 390، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 261.
وأخرجه الطبري في تفسيره: 15/ 162 عن قتادة، وابن جريج.
ورجحه الطبري بقوله: «وأشبه الأقوال في ذلك بالصواب، القول الذي قاله قتادة من أنه بمعنى المعاينة، من قولهم: قابلت فلانا مقابلة، وفلان قبيل فلان، بمعنى قبالته ... » .
وانظر هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 3/ 259، وتفسير البغوي: 3/ 137، والمحرر الوجيز: 9/ 197.
(2) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 2/ 457 عن ابن بحر.
(3) تفسير الطبري: (15/ 171، 172) ، وتفسير الماوردي: 2/ 459، وتفسير ابن كثير:
5/ 122، والدر المنثور: 5/ 343.
(4) قال الزجاج في معانيه: 3/ 263: «يقال: ثبر الرجل فهو مثبور إذا هلك» .
وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 392، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 261، وتفسير الطبري: 15/ 176، وغريب الحديث للخطابي: 2/ 365، وتفسير القرطبي: (10/ 337، 338) .
(5) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير: (5/ 94، 95) ، وقال: «رواه ميمون بن مهران عن ابن عباس» .
وكذا القرطبي في تفسيره: 10/ 337.
(6) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 132، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 262، وتفسير الطبري: 15/ 177، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 263.

(2/511)


وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109) قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)

106 مُكْثٍ: تثبّت وتوقّف «1» ليقفوا على مودعه فيعملوا به.
109 يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ: إذا ابتدأ المبتدئ يخرّ فأقرب الأشياء من وجهه إلى الأرض الذقن «2» .
110 أَيًّا ما تَدْعُوا: أي: أيّ أسمائه تدعو، و «ما» أيضا بمعنى «أيّ» ، كررت مع اختلاف اللّفظ للتوكيد، كقولك: ما إن رأيت كالليلة ليلة.
111 وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً: أي: عما لا يجوز في صفته، أو صفه بأنّه أكبر من كلّ شيء «3» .
__________
(1) في تفسير الماوردي: 2/ 461 عن مجاهد.
وانظر الكشاف: 2/ 469، والمحرر الوجيز: 9/ 216، وزاد المسير: 5/ 97.
(2) عن معاني القرآن للزجاج: 3/ 264، وقال ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 98: «ويجوز أن يكون المعنى: يخرون للوجوه، فاكتفى بالذقن من الوجه كما يكتفى بالبعض من الكل، وبالنوع من الجنس» .
وانظر القول الذي ذكره المؤلف في تفسير الفخر الرازي: 21/ 70، وتفسير القرطبي:
10/ 341.
(3) ذكر الماوردي هذين القولين في تفسيره: 2/ 464 دون عزو.

(2/512)