إيجاز البيان عن معاني القرآن

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5) فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)

ومن سورة الكهف
1، 2 أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً: أي: أنزل الكتاب قيّما على الكتب كلّها «1» . وقيل «2» : مستقيما، إليه يرجع، ومنه يؤخذ.
وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً: عدولا عن الحق.
5 كَبُرَتْ كَلِمَةً: أي: كبرت الكلمة.
كَلِمَةً: نصب على القطع «3» ، ولفظ البصريين نصب على التمييز «4» ، أي: كبرت مقالتهم بالولد كلمة.
6 باخِعٌ نَفْسَكَ: قاتل لها «5» . بخع الشاة: بالغ في ذبحها، وبخع الأرض: نهكها وتابع حراثها «6» .
إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا: كسرت إِنْ لأنّها في معنى الجزاء، ولو فتحت
__________
(1) معاني القرآن للفراء: 2/ 133، وتفسير الطبري: 15/ 190، وتفسير الماوردي: 2/ 465.
(2) عن تفسير الماوردي: 2/ 465، وانظر تفسير الطبري: 15/ 190، وتفسير البغوي:
3/ 144.
(3) أي: على الحال، وهو اصطلاح الكوفيين.
البحر المحيط: 6/ 97.
(4) ينظر تفسير الطبري: 15/ 193، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 268، وإعراب القرآن للنحاس: 2/ 447، والبيان لابن الأنباري: 2/ 100، والتبيان للعكبري: 2/ 838، والبحر المحيط: 6/ 97. [.....]
(5) معاني القرآن للفراء: 2/ 134، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 263، وتفسير الطبري:
15/ 194، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 268، والمفردات للراغب: 38.
(6) تهذيب اللغة: 1/ 168، واللسان: 8/ 5 (بخع) .

(2/513)


وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12)

في مثل هذا جاز» .
8 صَعِيداً: أرضا مستوية، جُرُزاً: يابسة لا نبات فيها، أو كأنه حصد نباتها، من «الجرز» : القطع «2» .
9 وَالرَّقِيمِ: واد عند الكهف «3» . ورقمة الوادي: موضع الماء «4» .
وقيل «5» الرَّقِيمِ: لوح كتب فيه قصّة أصحاب الكهف.
11 فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ: كقوله: ضربت على يده إذا منعته عن التصرف.
12 أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى: الفتية أم أهل زمانهم «6» ؟.
أَمَداً: غاية «7» .
__________
(1) في معاني القرآن للفراء: «وتفتحها إذا أردت أنها قد مضت مثل قوله في موضع آخر:
أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ وإِنْ كُنْتُمْ اه.
(2) تفسير الطبري: (15/ 196، 197) ، وتفسير البغوي: 3/ 144، والمفردات للراغب:
91، والبحر المحيط: 6/ 92.
(3) ذكره أبو عبيدة في مجاز القرآن: 1/ 394، وأخرجه الطبري في تفسيره: 15/ 198 عن ابن عباس، وقتادة، ومجاهد.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 467 عن الضحاك، وعزاه ابن عطية في المحرر الوجيز:
9/ 237 إلى ابن عباس، وقتادة.
(4) تفسير الطبري: 15/ 199، والمحرر الوجيز: 9/ 239، واللسان: 12/ 250 (رقم) .
(5) ذكره الفراء في معاني القرآن: 2/ 134، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 263، وأخرجه الطبري في تفسيره: 15/ 199 عن سعيد بن جبير، وابن زيد.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 467، عن مجاهد.
وأورده البغوي في تفسيره: 3/ 145، وابن عطية في المحرر الوجيز: 9/ 238 عن سعيد بن جبير.
ورجح الطبري هذا القول في تفسيره: 15/ 199، وأورده ابن كثير في تفسيره: 5/ 135، ثم قال: «وهذا هو الظاهر من الآية، وهو اختيار ابن جرير ... » .
(6) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 469 دون عزو.
(7) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 394، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 264، وتفسير الطبري: 15/ 206، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 271.

(2/514)


وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (16) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)

16 مِرفَقاً: معاشا في سعة، ويجوز/ اسما وآلة لما يرتفق به [57/ أ] الاسم «1» كمرفق اليد، وكالدرهم، والمسحل للحمار الوحشي «2» ، والآلة كالمقطع والمثقب.
17 تَتَزاوَرُ: تميل وتنحرف «3» .
تَقْرِضُهُمْ: تقطعهم، أي: تجوزهم منحرفة عنهم «4» .
18 وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً: لانفتاح عيونهم، أو لكثرة تقليبهم «5» .
فَجْوَةٍ: متّسع «6» ، وإنّما هذا لئلا يفسدهم ضيق المكان لعفنه، ولا تؤذيهم الشمس بحرّها.
«الوصيد» «7» : فناء الباب «8» ، أو الباب نفسه «9» ، أوصدت الباب: أطبقته.
__________
(1) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 395، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 264، ومعاني الزجاج: 3/ 272.
(2) اللسان: 11/ 329 (سحل) .
(3) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 395، وتفسير الطبري: 15/ 210، والمفردات للراغب:
217.
(4) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 2/ 470، وانظر هذا المعنى في مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 396، وتفسير الطبري: 15/ 211، ومعاني الزجاج: 3/ 273، والمفردات:
400.
(5) في «ج» : تقليبهم. [.....]
(6) معاني القرآن للفراء: 2/ 137، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 396، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 264، ومعاني الزجاج: 3/ 273، وتفسير الماوردي: 2/ 470.
(7) في قوله تعالى: وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ [آية: 18] .
(8) ذكره الفراء في معانيه: 2/ 137، وأبو عبيدة في مجاز القرآن: 1/ 397، والطبري في تفسيره: 15/ 214.
(9) المصادر السابقة، وأورد ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 264 قولا آخر، ورجحه، فقال: «ويقال: عتبة الباب. وهذا أعجب إليّ لأنهم يقولون: أوصد بابك، أي: أغلقه، ومنه: إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ أي: مطبقة مغلقة.
وأصله أن تلصق الباب بالعتبة إذا أغلقته، ومما يوضح هذا: أنك إن جعلت الكلب بالفناء كان خارجا من الكهف. وإن جعلته بعتبة الباب أمكن أن يكون داخل الكهف. والكهف وإن لم يكن له باب وعتبة- فإنما أراد أن الكلب منه بموضع العتبة من البيت ... » .

(2/515)


وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20) وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21) سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22)

19 وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ: أي: كما حفظناهم طول تلك المدة كذلك بعثناهم من الرقدة «1» .
21 وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ: كما أطلعناهم على حالهم في مدّة نومهم أطلعناهم على القيامة، فنومهم الطويل شبيه الموت، والبعث بعده شبيه البعث.
وقيل: أطلعنا ليعلم منكروا البعث أنّ وعد الله حقّ.
إِذْ يَتَنازَعُونَ: إِذْ منصوب ب أَعْثَرْنا أي: فعلنا ذلك إذ وقعت المنازعة في أمرهم. وتنازعهم أنّه لما ظهر عليهم وعرف خبرهم أماتهم الله، فقال بعضهم: ابنوا عليهم مسجدا.
وقيل: بنيانا يعرفون به. وقيل «2» : قال بعضهم: ماتوا، وقال بعضهم: نيام كما هم أول مرة.
22 رَجْماً بِالْغَيْبِ: أي: يقولونه ظنا. وإنّما دخل الواو في الثامن لابتداء العطف بها لتمام الكلام بالسبعة التي هي عدد كامل «3» .
ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ: قال ابن عبّاس «4» رضي الله عنه: أنا من
__________
(1) ينظر هذا المعنى في تفسير الطبري: 15/ 216، وتفسير البغوي: 3/ 155.
(2) راجع القولين في تفسير الماوردي: 2/ 474، والمحرر الوجيز: 9/ 271، والبحر المحيط: 6/ 113.
(3) قال البغوي في تفسيره: 3/ 156: «قيل: هذه واو الثمانية، وذلك أن العرب تعدل فتقول:
واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، سبعة، وثمانية لأن العقد كان عندهم سبعة كما هو عندنا عشرة ... » .
وانظر الكشاف: (2/ 478، 479) ، والمحرر الوجيز: 9/ 274، وزاد المسير: 5/ 125.
(4) أخرجه الطبري في تفسيره: 15/ 226.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 375، وزاد نسبته إلى عبد الرزاق، والفريابي، وابن سعد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(2/516)


إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)

القليل الذي استثنى الله، كانوا سبعة وثامنهم كلبهم، ولم يكن الكلب من شأنهم، ولكنهم مرّوا براعي غنم فقال لهم: أين تذهبون؟ فقالوا: إلى ربنا.
فقال الراعي: ما أنا بأغنى عن ربّي منكم فتبعه الكلب.
24 وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ: أمرا ثم تذكرته، فإن لم تذكره فقل: عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً.
وقيل: أيّ وقت ذكرت أنك لم تستثن [فاستثن] «1» .
25 وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً: لتفاوت ما بين السنين المذكورة، شمسيها ثلاث مائة وخمسة وستّون يوما وكسرا، وقمريّها ثلاث مائة وأربعة وخمسون/ يوما وكسرا.
وتنوين ثَلاثَ مِائَةٍ «2» على أن يكون سِنِينَ بدلا «3» ، أو عطف بيان «4» ، أو تمييزا «5» لأنّ ثَلاثَ مِائَةٍ يتناول الشهور والأيام والأعوام.
__________
(1) في الأصل: «واستثن» ، والمثبت في النص عن «ك» ، وهو الصواب لأنه في جواب الشرط الواقع طلبا فيقترن بالفاء ويبدو أن مصدر المؤلف- رحمه الله- في هذا القول هو معاني القرآن للزجاج: 3/ 278، فقد جاء فيه: «أي: أيّ وقت ذكرت أنك لم تستثن، فاستثن، وقل: إن شاء الله» اه.
وانظر تفسير الطبري: 15/ 229، وتفسير البغوي: 3/ 157.
(2) قراءة ابن كثير، ونافع، وأبي عمرو، وعاصم، وابن عامر.
السبعة لابن مجاهد: 389، وحجة القراءات: 414، والتبصرة لمكي: 248.
(3) يكون في موضع خفض بدلا من «مائة» ، لأن «المائة» في معنى «سنين» ، ويجوز أن يكون منصوبا على البدل من «ثلاث» .
إعراب القرآن للنحاس: 2/ 453، والبيان لابن الأنباري: 2/ 106، والتبيان للعكبري:
2/ 844.
(4) فيكون في موضع نصب عطف بيان على «ثلاث» .
مشكل إعراب القرآن لمكي: 1/ 440، والبيان لابن الأنباري: 2/ 106.
(5) ينظر تفسير الطبري: 15/ 232، وإعراب القرآن للنحاس: 2/ 453، والكشف لمكي:
2/ 58، والمحرر الوجيز: 9/ 284، وتفسير القرطبي: 10/ 387.

(2/517)


قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26) وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)

ومن لم ينوّن للإضافة «1» اعتمد على «الثلاث» في المعنى دون «المائة» «2» ، وإن كان هو نعت «مائة» .
26 قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا: أي: إن حاجوك فيهم، أو الله أعلم به إلى وقت أن أنزل نبأهم» .
أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ: خرج على التعجب في صفته تعالى على جهة التعظيم له «4» .
27 مُلْتَحَداً: معدلا أو مهربا «5» .
28 وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ: وجدناه غافلا «6» ، ولو كان بمعنى صددنا لكان العطف بالفاء فاتبع هواه حتى يكون الأول علة للثاني، كقولك: سألته فبذل «7» .
فُرُطاً: ضياعا «8» ، والتفريط في حق الله تعالى: تضييعه.
__________
(1) وهي قراءة حمزة والكسائي.
السبعة لابن مجاهد: 390، والتبصرة لمكي: 248، والتيسير للداني: 143. [.....]
(2) ينظر الكشف لمكي: 2/ 58، والبيان لابن الأنباري: 2/ 106.
(3) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 2/ 477.
وانظر تفسير الطبري: 15/ 232، وتفسير القرطبي: 10/ 287.
(4) قال الزجاج في معانيه: 3/ 280: «أجمعت العلماء أن معناه: ما أسمعه وأبصره، أي: هو عالم بقصة أصحاب الكهف وغيرهم» اه.
(5) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 398، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 266، وتفسير الطبري: 15/ 233، ومعاني الزجاج: 3/ 280، واللسان: 3/ 389 (لحد) .
(6) أورده الماوردي في تفسيره: 2/ 478، وبه قال الزمخشري في الكشاف: 2/ 482، وذكره الفخر الرازي في تفسيره: (21/ 116- 118) ، ونسب هذا القول إلى المعتزلة، ثم أورد الأدلة على بطلانه، وأثبت أن المراد بقوله تعالى: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ هو إيجاد الغفلة لا وجدانها.
(7) ينظر تفسير الفخر الرازي: 21/ 118.
(8) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 15/ 236 عن الحسن رحمه الله تعالى.
ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 133 عن مجاهد.

(2/518)


وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30)

وقيل «1» : سرفا وإفراطا.
29 أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها: [عن] «2» يعلى بن أميّة «3» عن النبيّ صلى الله عليه وسلم:
«سرادقها: البحر المحيط بالدنيا» «4» .
وعن قتادة «5» : سُرادِقُها: دخانها ولهبها.
«المهل» : كل جوهر معدني إذا أذيب أزبد «6» .
30 قوله تعالى: إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا: قيل: إنّه خبر «إن» الأولى بمعنى: لا نضيع أجرهم فأوقع المظهر وهو مَنْ موقع المضمر.
__________
(1) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 2/ 479.
وانظر معناه في مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 398، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة:
266، والمحرر الوجيز: 9/ 293.
(2) ما بين معقوفين عن نسخة «ج» .
(3) هو يعلى بن أمية بن أبيّ بن عبيدة بن همام التميمي الحنظلي، صحابي جليل، أسلم يوم الفتح، وشهد حنينا والطائف وتبوك.
راجع ترجمته في الاستيعاب: 4/ 1584، وأسد الغابة: 5/ 523، والإصابة: 6/ 685.
(4) عن تفسير الماوردي: 2/ 479.
وأخرج الإمام أحمد في مسنده: 4/ 223 عن صفوان بن يعلى عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«البحر هو جهنم» ، قالوا ليعلى فقال: ألا ترون أن الله عز وجل يقول: ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها ... » .
وأخرجه الإمام البخاري في التاريخ الكبير: 1/ 70، والطبري في تفسيره: 15/ 239.
وأخرج نحوه الحاكم في المستدرك: 5/ 596، كتاب الأهوال، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد» ، ووافقه الذهبي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 385، وزاد نسبته إلى ابن أبي الدنيا، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في «البعث» عن يعلى بن أمية رضي الله عنه.
(5) في تفسير الماوردي: 2/ 479، وتفسير القرطبي: 10/ 393.
وذكره ابن عطية في المحرر الوجيز: 9/ 298 دون عزو، وكذا الفخر الرازي في تفسيره:
21/ 121.
(6) تفسير الطبري: 15/ 240، وتفسير الماوردي: 2/ 479، وتفسير الفخر الرازي: 21/ 121.

(2/519)


وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32)

وقيل: «إن» الثانية بدل من الأولى فلا تحتاج الأولى إلى خبر «1» .
«الأساور» «2» : جمع أسوار. ذكر قطرب «3» الأساور جمع «إسوار» على حذف الياء لأنّ جمع «أسوار» : أساوير «4» .
وقيل: الأسورة جمع سوار اليد- بالكسر-، وقد حكي سوار- بالضم- مجموع على أسورة «5» .
و «الأرائك» : الأسرة «6» .
32 وَحَفَفْناهُما: جعلنا النّخل مطيفا بهما «7» . وكان عمر- رضي الله عنه- أصلع له حفاف، وهو أن ينكشف الشّعر عن قمّة الرأس ويبقى
__________
(1) ينظر ما سبق في إعراب القرآن للنحاس: 2/ 454، ومشكل إعراب القرآن لمكي:
1/ 441، والبيان لابن الأنباري: 2/ 107، والتبيان للعكبري: (2/ 845، 846) ، والبحر المحيط: 6/ 121. [.....]
(2) من قوله تعالى: أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ ... [آية: 31] .
(3) قطرب: (؟ - 206 هـ) .
هو محمد بن المستنير بن أحمد البصري، أبو علي، النحوي، اللغوي، تلميذ إمام النحو سيبويه.
قال عنه ابن خلكان في وفيات الأعيان: 4/ 312: «كان من أئمة عصره» .
صنف معاني القرآن، والأضداد، وغريب الحديث ... وغير ذلك.
أخباره في: طبقات النحويين للزبيدي: (99، 100) ، وبغية الوعاة: 4/ 242، وطبقات المفسرين للداودي: 2/ 254.
(4) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 401، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 267، والمحرر الوجيز: 9/ 301، واللسان: 4/ 388 (سور) .
(5) اللسان: 4/ 387 (سور) .
(6) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 401، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 267، والمفردات للراغب: 16.
(7) عن معاني القرآن للزجاج: 3/ 284.
وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 402، وتفسير الطبري: 15/ 244، والكشاف:
2/ 483.

(2/520)


كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38)

ما حوله «1» .
33 وَلَمْ تَظْلِمْ: لم تنقص «2» .
34 وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ: أموال مثمرة نامية.
40 حُسْباناً: نارا أو عذابا بحساب الذنب «3» .
وقيل «4» : الحسبان سهام ترمى في مرمى واحد.
صَعِيداً زَلَقاً: أرضا ملساء، لا ينبت فيها نبات ولا يثبت قدم «5» .
41 ماؤُها غَوْراً: غائرا «6» .
42 يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ: يضرب إحداهما على الأخرى تحسّرا.
38 لكِنَّا: «لكن أنا» بإشباع ألف «أنا» فألقيت حركة همزة «أنا» على نون «لكن» ، كما قالوا/ في الأحمر: «الحمر» ، فصار «لكننا» فأدغمت [58/ أ] كقوله «7» : ما لَكَ لا تَأْمَنَّا، وإثبات الألف للعوض عن الهمزة المحذوفة.
__________
(1) الفائق: 1/ 297، وغريب الحديث لابن الجوزي: 1/ 224، والنهاية: 1/ 408.
(2) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 402، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 267، وتفسير الطبري: 15/ 244، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 284.
(3) هذا قول الزجاج في معانيه: 3/ 290، ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 145 عن الزجاج.
وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 403، وتفسير الطبري: 15/ 248، والمفردات للراغب: 116.
(4) ذكره القرطبي في تفسيره: 10/ 408 دون عزو.
(5) عن تفسير الماوردي: 2/ 482، وانظر معاني القرآن للفراء: 2/ 145، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 403، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 267، ومعاني الزجاج: 3/ 290، والمفردات للراغب: 215.
(6) ذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 267، وقال: «فجعل المصدر صفة، كما يقال:
رجل نوم ورجل صوم ورجل فطر، ويقال للنساء: نوح: إذا نحن» .
وانظر هذا المعنى في مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 403، وتفسير الطبري: 15/ 249، ومعاني الزجاج: 3/ 290، وتفسير القرطبي: 10/ 409.
(7) سورة يوسف: آية: 11.

(2/521)


هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45)

وفي «أنا» ضمير الشأن والحديث أي: لكن أنا الشأن. والحديث، الله ربّي «1» .
44 هُنالِكَ الْوَلايَةُ: بالفتح «2» مصدر «الوليّ» ، أي: يتولون الله في مثل تلك الحال ويتبرّؤون مما سواه. وبالكسر «3» مصدر «الوالي» ، أي: الله يلي جزاءهم.
لِلَّهِ الْحَقِّ: كسر الْحَقِّ على الصّفة لله، أي: الله على الحقيقة، ورفعه على النعت ل «الولاية» «4» .
هُوَ خَيْرٌ ثَواباً: أي: لو كان يثيب غيره لكان هو خير «5» ثوابا.
وَخَيْرٌ عُقْباً: أي: الله خير لهم في العاقبة.
45 كَماءٍ أَنْزَلْناهُ: تمثيل الدّنيا بالماء من حيث إنّ أمورها في السّيلان، ومن حيث إنّ قليلها كاف وكثيرها إتلاف، ومن حيث اختلاف أحوال بينهما كاختلاف ما ينبت بالماء.
و «الهشيم» : النّبت جفّ وتكسّر «6» .
تَذْرُوهُ الرِّياحُ: ذرته الريح وذرّته وأذرته: نسفته وطارت به «7» .
__________
(1) ينظر ما سبق في معاني الفراء: (2/ 144، 145) ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 403، وتفسير الطبري: 15/ 247، ومعاني الزجاج: 3/ 286. [.....]
(2) قراءة ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وعاصم.
السبعة لابن مجاهد: 392، وحجة القراءات: 418، والتبصرة لمكي: 249.
(3) وهي قراءة حمزة والكسائي.
(4) قرأ برفع: الحق الكسائي، وأبو عمرو، وباقي السبعة بكسر القاف.
السبعة لابن مجاهد: 392.
ينظر توجيه قراءات هذه الآية في حجة القراءات: 419، وإعراب القرآن للنحاس:
2/ 459، والكشف لمكي: 2/ 63، والتبيان للعكبري: 2/ 849.
(5) في «ج» : خيرا.
(6) قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 268: «وأصله: من هشمت بالشيء إذا كسرته، ومنه سمي الرجل: هاشما» .
(7) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 405، وتفسير الطبري: 15/ 252، والمفردات للراغب:
178، وتفسير القرطبي: 10/ 413، واللسان: 14/ 282 (ذرا) .

(2/522)


الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46) وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48) وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51) وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55)

وَكانَ اللَّهُ: تأويل كانَ إن ما شاهدتم من قدرته ليس بحادث وأنه كان كذلك لم يزل.
46 وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ: كل عمل [صالح] «1» يبقى ثوابه.
وَخَيْرٌ أَمَلًا: لأنّه لا يكذب بخلاف سائر الآمال.
47 وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً: لا يسترها جبل، أو برز ما في بطنها من [الأموات] «2» والكنوز.
َدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ
: أي: أحياء.
52 مَوْبِقاً: محبسا «3» . وقيل «4» : مهلكا. وبق يبق وبوقا «5» .
55 قُبُلًا: مقابلة «6» ، أو أنواعا من العذاب كأنه جمع «قبيل» أو
__________
(1) ما بين معقوفين عن «ك» و «ج» .
(2) في الأصل: «الأموال» والمثبت في النص عن «ك» وانظر هذا القول في تفسير القرطبي:
10/ 416 عن عطاء.
(3) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 156 عن الربيع بن أنس.
ونقل الأزهري في تهذيب اللغة: 9/ 354 عن ابن الأعرابي قال: «كل حاجز بين شيئين فهو موبق» .
(4) ذكره الفراء في معاني القرآن: 2/ 147، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 269، وأخرجه الطبري في تفسيره: 15/ 264 عن ابن عباس، وقتادة.
وانظر معاني القرآن للزجاج: 3/ 295، وتفسير الماوردي: 2/ 489، وزاد المسير:
5/ 155.
(5) ينظر معاني القرآن للزجاج: 3/ 295، وتهذيب اللغة: 9/ 355، واللسان: 10/ 370 (وبق) .
(6) في «ج» : مفاجأة.
وذكر أبو عبيدة هذا المعنى الذي ورد في الأصل في مجاز القرآن: 1/ 407، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 269، ومكي بن أبي طالب في الكشف: 2/ 64 توجيها لقراءة من كسر القاف، وأشار- أيضا- إلى أن من قرأ بضم القاف يحتمل هذا المعنى.
ونقل عن أبي زيد الأنصاري أنه قال: «لقيت فلانا قبلا ومقابلة وقبلا وقبلا وقبيلا وقبليا، كله بمعنى مقابلة، أي: عيانا، فالمعنى في الآية: أن يأتيهم العذاب مقابلة يرونه» .

(2/523)


وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58) وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (59)

«مقابلة» ، وهي بمعنى «قبلا» ، وفي الحديث «1» : «إنّ الله كلّم آدم قبلا» ، أي: معاينة.
و «قبلا» : مستأنفا «2» .
56 لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ: يبطلوه ويزيلوه.
58 مَوْئِلًا: منجى «3» وملجأ.
59 لِمَهْلِكِهِمْ: لإهلاكهم، مصدر «4» ، كقوله «5» : مُدْخَلَ صِدْقٍ.
ويجوز «مهلكهم» اسم زمان الهلاك، أي: جعلنا لوقت إهلاكهم موعدا، ولكنّ المصدر أولى لتقدم أَهْلَكْناهُمْ «6» ، والفعل يقتضي المصدر وجودا وحصولا، وهو المفعول المطلق، ويقتضي الزّمان والمكان محلا وظرفا، وكلّ فعل زاد على ثلاثة/ أحرف فالمصدر واسم الزّمان والمكان منه على
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده: (5/ 265، 266) عن أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعا.
وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد: 1/ 164 وقال: «رواه أحمد والطبراني في الكبير ...
ومداره على علي بن يزيد وهو ضعيف» .
وأخرجه الخطابي في غريب الحديث: 2/ 157 عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه مرفوعا.
(2) قال الخطابي في غريب الحديث: 2/ 157: «وقوله: «قبلا» ، إذا كسرت القاف كان معناه المقابلة والعيان، وكذلك قبلا، يقال: لقيت فلانا قبلا وقبلا: أي مقابلة، وإذا فتحت القاف والباء كان معناه الاستقبال والاستئناف» .
وانظر غريب الحديث لابن الجوزي: 2/ 217، والنهاية: 4/ 8. [.....]
(3) في الأصل: «منجاء» .
وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 408، وتفسير الطبري: 15/ 369، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 297.
(4) على قراءة الكسائي، ونافع، وابن كثير، وأبي عمرو، وابن عامر، وحمزة، بضم الميم وفتح اللام الثانية.
ينظر معاني القرآن للزجاج: 3/ 297، وحجة القراءات: (421، 422) ، والكشف لمكي: 2/ 66.
(5) سورة الإسراء: آية: 80.
(6) في قوله تعالى: وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا....

(2/524)


مثال «المفعول» «1» ، وإذا كان «المهلك» اسم زمان «الهلاك» لا يجوز «الموعد» اسم الزمان لأنّ الزّمان وجد في المهلك فلا يكون للزّمان زمان بل يكون الموعد بمعنى المصدر، أي: جعلنا لزمان هلاكهم وعدا وعلى العكس «2» . وهذا من المشكل حتى على الأصمعي «3» ، فإنه أنشد للعجاج «4» :
جأبا «5» ترى تليله مسحجا
__________
(1) أي يأتي على وزن اسم المفعول بأن يؤتى بالمضارع من الفعل المزيد فيضم أوله ويفتح ما قبل آخره.
(2) ينظر ما سبق في معاني القرآن للزجاج: 3/ 397.
(3) الأصمعي: (122- 216 هـ) .
هو عبد الملك بن قريب بن علي الباهلي، أبو سعيد.
الإمام اللغوي المشهور.
من كتبه: خلق الإنسان، والخيل، واشتقاق الأسماء.
أخباره في تاريخ بغداد: 10/ 410، وطبقات النحويين للزبيدي: 167، وبغية الوعاة:
2/ 112.
(4) العجاج: (؟ - نحو 90 هـ) .
هو عبد الله بن رؤبة بن لبيد بن صخر التميمي، أبو رؤبة.
راجز من أهل البصرة، قوي العارضة، كثير الرجز.
ذكر ابن قتيبة في الشعر والشعراء: 2/ 591 أنه لقي أبا هريرة وسمع منه أحاديث.
أخباره في طبقات فحول الشعراء: 2/ 738.
والبيت في ديوانه: 373.
(5) الجأب: الحمار الوحشي الضخم، يهمز ولا يهمز، والجمع جؤوب.
وجاء في شرح ديوان العجاج: الجأب الغليظ، ويروى: بليته، قال أبو حاتم:
كان الأصمعي ينشد: ترى تليله. والتليل العنق، وهو الذي كان يختاره. وغيره يقول: بليته، أي بعنقه، والليتان ناحيتا العنق. قال أبو حاتم: رواه الناس كلهم: بليته مسحّجا، فقال الأصمعي: هذا تصحيف. قال أبو حاتم: ويخلط الأصمعي، فقلت له: لم؟ قال: كيف يكون ترى بعنقه مسحّجا؟ لو كان ذاك لقال: تسحيجا، قلت له: في كتاب الله وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ يريد كل تمزيق. فسكت وعرف الحق» اه.
راجع هذه المناظرة- أيضا- في الخصائص لابن جني: (1/ 366، 367) ، وشرح ما يقع فيه التصحيف للعسكري: 100، والمزهر للسيوطي: (2/ 375، 376) ، واللسان:
2/ 296 (سحج) .

(2/525)


وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)

فقال أبو حاتم «1» : إنّما هو «بليته» ، فقال: من أخبرك بهذا؟
فقال: من سمعه من فلق في رؤبة «2» - يعني أبا زيد «3» - فقال: هذا لا يكون. قال: بلى، جعل «مسحّجا» مصدرا، كما قال «4» :
ألم تعلم مسرّحي القوافي
فكأنه أراد أن يدفعه، فقال: فقد قال الله «5» : وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ.
60 وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ: وهو ابن أخيه يوشع بن نون «6» .
__________
(1) أبو حاتم: (؟ - 248 هـ) .
هو سهل بن محمد بن عثمان الجشعي السجستاني.
المقرئ، اللغوي، النحوي، الشاعر.
له كتاب «المعمرين» ، وما تلحن فيه العامة، والأضداد ... وغير ذلك.
وقيل: إن وفاته كانت سنة 255 هـ، وقيل: سنة 250 هـ.
أخباره في الفهرست لابن النديم: 64، ووفيات الأعيان: 2/ 430، وسير أعلام النبلاء:
12/ 268، وطبقات المفسرين للداودي: 1/ 216.
(2) رؤبة: (؟ - 145 هـ) .
هو رؤبة بن عبد الله العجاج بن رؤبة التميمي.
الراجز المشهور، له ديوان مطبوع.
أخباره في طبقات فحول الشعراء: 2/ 761، والشعر والشعراء: 2/ 594، ووفيات الأعيان: 2/ 303.
(3) هو أبو زيد الأنصاري، وقد تقدم التعريف به.
(4) هو جرير الشاعر المشهور، والبيت في ديوانه: 2/ 651.
(5) سورة سبأ: آية: 19. [.....]
(6) ثبت ذلك في رواية أخرجها الإمام البخاري في صحيحه: 5/ 230، كتاب التفسير، «سورة الكهف» ، باب وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ ... عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا.
وانظر التعريف والإعلام للسهيلي: 103، وتفسير القرطبي: 11/ 9، ومفحمات الأقران:
140.

(2/526)


فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63)

لا أَبْرَحُ: لا أزال أمشي.
مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ: بحر روم وبحر فارس «1» ، يبتدئ أحدهما من المشرق والآخر من المغرب فيلتقيان.
وقيل «2» : أراد بالبحرين الخضر وإلياس لغزارة علمهما.
حُقُباً: حينا طويلا «3» .
61 فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما: إفريقيّة «4» .
فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ: الحوت، أحياه الله فطفر «5» في البحر.
سَرَباً: مسلكا «6» ، وهو مفعول كقولك: اتخذت طريقي مكان كذا، ويجوز مصدرا يدل عليه «اتخذ» أي سرب الحوت سربا «7» .
63 وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ: «أن» بدل من الهاء، لاشتمال
__________
(1) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 15/ 271 عن قتادة، ومجاهد.
ونقله البغوي في تفسيره: 3/ 171، وابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 164 عن قتادة.
(2) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 492 عن السدي.
وقيل: إن البحرين موسى والخضر.
ذكره الزمخشري في الكشاف: 2/ 490، ووصفه بأنه من بدع التفاسير.
وضعفه ابن عطية في المحرر الوجيز: 9/ 350، والقرطبي في تفسيره: 11/ 9.
(3) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 269، وتفسير الطبري: 15/ 271، والمفردات للراغب: 126.
(4) نقل البغوي هذا القول في تفسيره: 3/ 171 عن أبي بن كعب، وكذا ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 164.
وأورده السيوطي في مفحمات الأقران: 141، وعزا إخراجه إلى ابن أبي حاتم عن أبي بن كعب رضي الله عنه.
(5) الطفر بمعنى الوثوب.
اللسان: 4/ 501 (طفر) .
(6) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 409، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 269، وتفسير الطبري: 15/ 273.
(7) عن معاني القرآن للزجاج: 3/ 299.

(2/527)


قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64) فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74)

الذكر على الهاء في المعنى، أي: ما أنساني أن أذكره إلّا الشّيطان «1» ، شغل قلبي بوسوسته حتى نسيت ذلك.
64 ما كُنَّا نَبْغِ «2» : أوحى إلى موسى أنك لتلقى الخضر حيث تنسى شيئا من زادك.
فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً: رجعا يقصان الأثر ويتبعانه.
71 شَيْئاً إِمْراً: عجيبا «3» .
73 لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ: تركت.
وَلا تُرْهِقْنِي: لا تعاسرني «4» .
74 زاكية «5» : تامة نامية «6» ، وكان المقتول شابا يقطع الطريق «7» .
وزكية في الدين والعقل فهو على ظاهر الأمر «8» .
__________
(1) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 3/ 300، وانظر تفسير الطبري: 15/ 275.
(2) وهي قراءة نافع، وأبي عمرو، والكسائي بإثبات الياء في الوصل، وقرأ ابن كثير بإثبات الياء في الحالين، وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة بحذف الياء في الحالين.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 403، والكشف لمكي: 2/ 83، والمحرر الوجيز: 9/ 356، وزاد المسير: 5/ 167، والبحر المحيط: 6/ 147.
(3) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 269، وتفسير البغوي: 3/ 174.
(4) معاني القرآن للزجاج: 3/ 302، والكشاف: 2/ 493، وزاد المسير: 5/ 171.
(5) هذه قراءة ابن كثير، ونافع، وأبي عمرو، كما في السبعة لابن مجاهد: 395، وحجة القراءات: 424، والتبصرة لمكي: 250.
(6) أورده الماوردي في تفسيره: 2/ 498، وقال: «قاله كثير من المفسرين» .
وانظر هذا القول في زاد المسير: 5/ 173. [.....]
(7) نقله البغوي في تفسيره: 3/ 174، والقرطبي في تفسيره: 11/ 21 عن الكلبي.
وذكره ابن عطية في المحرر الوجيز: 9/ 365 دون عزو.
(8) عن أبي عبيدة في تفسير الماوردي: 2/ 498، ونص قوله: إن الزاكية في البدن، والزكية في الدين.
وقد ذكر هذا التوجيه لقراءة عاصم، وحمزة، والكسائي، وابن عامر زَكِيَّةً بغير ألف.

(2/528)


فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82) وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85)

77 يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ: يكاد يسقط «1» ، ويقال: قضضنا عليهم الخيل [59/ أ] فانقضّت «2» .
80 فَخَشِينا: كرهنا «3» ، أو علمنا «4» ، مثل «حسب» و «ظنّ» تقارب أفعال الاستقرار والثبات.
81 وَأَقْرَبَ رُحْماً: أكثر برا لوالديه ونفعا «5» ، وأصل الرحم العطف من الرحمة «6» .
مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً: علما يتسبّب به إليه «7» .
85 فَأَتْبَعَ سَبَباً: طريقا من المشرق والمغرب «8» ،
__________
(1) عن تفسير الماوردي: 2/ 499.
وانظر نحو هذا القول في تفسير غريب القرآن: 270، ومعاني الزجاج: 3/ 306، وتفسير البغوي: 3/ 175، والمحرر الوجيز: 9/ 373.
(2) في اللسان: 7/ 219 (قضض) : «قضّ عليهم الخيل يقضّها قضا: أرسلها.
وانقضت عليهم الخيل: انتشرت، وقضضناها عليهم فانقضت عليهم» .
(3) هذا قول الأخفش في معانيه: 2/ 620، وعلل قائلا: «لأن الله لا يخشى» .
وهو قول الزجاج في معانيه: 3/ 305، وقال: «لأن الخشية من الله عز وجل معناه الكراهة، ومعناها من الآدميين الخوف» .
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: 9/ 382: «والأظهر عندي في توجيه هذا التأويل- وإن كان اللفظ يدافعه- أنها استعارة، أي: على ظن المخلوقين والمخاطبين لو علموا حاله لوقعت منهم خشية الرهق للأبوين. وقرأ ابن مسعود: فخاف ربك، وهذا بيّن في الاستعارة، وهذا نظير ما يقع في القرآن في جهة الله تعالى من «لعل» و «عسى» ، فإن جميع ما في هذا كله من ترجّ وتوقّع وخوف وخشية إنما هو بحسبكم أيها المخاطبون» اه.
(4) ذكر الفراء هذا القول في معاني القرآن: 2/ 157، والماوردي في تفسيره: 2/ 502، والبغوي في تفسيره: 3/ 176، ونقله ابن عطية في المحرر الوجيز: 9/ 382 عن الطبري.
(5) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 16/ 4 عن قتادة.
ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 180 عن ابن عباس، وقتادة.
(6) ينظر المفردات للراغب: 191، وزاد المسير: 5/ 180.
(7) تفسير الطبري: 16/ 9، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 308، وتفسير الماوردي: 2/ 504.
(8) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 16/ 10 عن مجاهد.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 504 عن مجاهد، وقتادة.

(2/529)


حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88)

كقوله «1» : أَسْبابَ السَّماواتِ: طرائقها.
86 تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ: ذات حمأة «2» ، فإنّ من ركب البحر وجد الشّمس تطلع وتغرب فيه، وحامية «3» : حارّه.
إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ: أي: بالقتل لإقامتهم على الشّرك، أو تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً: تحسن إليهم بأن تأسرهم فتعلّمهم الهدى.
88 جَزاءً الْحُسْنى: الجنّة الحسنى، فحذف الموصوف «4» .
ومن قرأه بالنصب والتنوين «5» يكون مصدرا في موضع الحال، أي:
فله الحسنى مجزيا بها جزاء «6» .
__________
(1) سورة غافر: آية: 37.
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 16/ 11 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وقال الزجاج في معانيه: 3/ 308: «من قرأ «حمئة» أراد في عين ذات حمأة، ويقال:
حمأت البئر إذا أخرجت حمأتها، وأحمأتها: إذا ألقيت فيها الحمأة، وحمئت هي تحمأ فهي حمئة إذا صارت فيها الحمأة» .
وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 413، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 270، وتفسير الماوردي: 2/ 505.
والحمأة: الطين الأسود المنتن. اللسان: 1/ 61 (حمأ) .
(3) قرأ بها عامر، وحمزة، والكسائي، وعاصم في رواية أبي بكر.
السبعة لابن مجاهد: 398، وحجة القراءات: 428، والتبصرة لمكي: 251.
وانظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 270، وتفسير الطبري: 16/ 12، ومعاني الزجاج:
3/ 308، والكشف لمكي: 2/ 73.
(4) على قراءة ابن كثير، ونافع، وأبي عمرو، وابن عامر، وعاصم في رواية أبي بكر- بالرفع والإضافة.
ينظر تفسير الطبري: 16/ 13، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 309، وحجة القراءات:
430. [.....]
(5) وهي قراءة حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 399، وحجة القراءات: 430، والتبصرة لمكي: 251.
(6) نص هذا الكلام في معاني القرآن للزجاج: 3/ 309.
وانظر تفسير الطبري: 16/ 13، والكشف لمكي: (2/ 74، 75) .

(2/530)


حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96)

90 لَمْ نَجْعَلْ [لَهُمْ] «1» مِنْ دُونِها سِتْراً: كنّا «2» ببناء، أو خمرا.
والمراد دوام طلوعها عليهم في الصّيف، وإلا فالحيوان يحتال المكن حتى الإنسان، وهذا المكان وراء بريّة من تلقاء «بلغار» «3» ، تدور الشّمس فيه بالصّيف ظاهرة فوق الأرض إلّا أنّها لا تسامت رؤوسهم «4» .
94 خَرْجاً: خراجا كالنبت والنبات «5» .
95 رَدْماً: هو ما جعل بعضه على بعض، ثوب مردّم رقّع رقعة فوق رقعة.
96 زُبَرَ الْحَدِيدِ: قطعا منه.
ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ: بين الجبلين، كلّ واحد يصادف صاحبه ويقابله «6» . أو ينحرف عن صاحبه بمعنى الصّدوف «7» ، والمعنى: حتى إذا
__________
(1) في الأصل: «لها» .
(2) المراد ب «الكن» و «الخمر» هنا ما يسترهم ويحجبهم عن الشمس من بناء أو شجر أو لباس.
(3) بلغار: بضم الباء، والغين معجمة بلد معروف بأوروبا.
قال ياقوت في معجم البلدان: 1/ 485: «مدينة الصقالبة ضاربة في الشمال ... » .
(4) عقب ابن عطية- رحمه الله- على الأقوال التي قيلت في هؤلاء القوم، وصفتهم، ومكان وجودهم بقوله: وكثّر النقّاش وغيره في هذا المعنى، والظاهر من الألفاظ أنها عبارة عن قرب الشمس منهم، وفعلها بقدرة الله- تبارك وتعالى- فيهم، ونيلها منهم، ولو كان لهم أسراب تغني لكان سترا كثيفا، وإنما هم في قبضة القدرة سواء كان لهم أسراب أو دور أو لم يكن ... » .
ينظر المحرر الوجيز: 9/ 398.
(5) ينظر تفسير الطبري: 16/ 22، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 310.
و «خراجا» قراءة حمزة والكسائي كما في السبعة لابن مجاهد: 400، والتيسير للداني: 146.
(6) في تهذيب اللغة للأزهري: 12/ 146: «يقال لجانب الجبلين إذا تحاذيا: صُدُفان وصَدَفان لتصادفهما أي تلاقيهما، يلاقي هذا الجانب الجانب الذي يلاقيه، وما بينهما فج أو شعب أو واد، ومن هذا يقال: صادفت فلانا، أي لاقيته» .
(7) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 508 عن ابن عيسى.

(2/531)


فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)

وازى رؤوسهما بما جعل بينهما.
قِطْراً: نحاسا مذابا.
97 أَنْ يَظْهَرُوهُ: يعلوه.
98 دَكَّاءَ: هدما حتى يندكّ «1» ويستوي بالأرض.
99 يَمُوجُ فِي بَعْضٍ: يضطرب ويختلط كما تختلط أمواج البحر.
100 وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ: أظهرناها.
101 لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً: لعداوتهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
103 بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا: تمييز لإبهامه «2» .
108 حِوَلًا: تحوّلا، مصدر «حال حولا» ، مثل «صغر صغرا» ، وعظم عظما «3» .
وقيل «4» : حيلة، أي: لا يحتالون منزلا غيرها.
__________
(1) في «ج» : ينفك.
(2) قال الزجاج في معاني القرآن: 3/ 314: «منصوب على التمييز، لأنه إذ قال:
بِالْأَخْسَرِينَ دل على أنه كان منهم ما خسروه، فبين ذلك الخسران في أي نوع وقع، فأعلم- جل وعز- أنه لا ينفع عمل عمل مع الكفر به شيئا فقال: الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ... » .
(3) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 3/ 315.
وانظر معاني القرآن للفراء: 2/ 161، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 416، وتفسير الطبري: 16/ 38.
(4) ذكره الزجاج في معانيه: 3/ 315.

(2/532)