إيجاز البيان عن معاني القرآن

ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8)

ومن سورة مريم
2 ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ/ عَبْدَهُ: هذا ذكر «1» . أو فيما أنزل عليك ذكر [59/ ب] رحمت ربّك عبده بالرحمة، لأنّ ذكر الرحمة إياه لا يكون إلّا بالله «2» .
5 خِفْتُ الْمَوالِيَ: الذين يلونه في النّسب «3» .
6 يَرِثُنِي: على صفة الولي «4» ، وبمعنى النكرة، أي: وليا وارثا، وإنّما دعا أن يرثه الدين لئلّا يغيّر بنو عمّه كتبه إذ كانوا أشرارا «5» .
7 سَمِيًّا: نظيرا «6» .
8 أَنَّى يَكُونُ لِي [غُلامٌ] «7» : على الاستخبار أبتلك الحال أم بقلبه شابا»
؟.
__________
(1) فيكون خبرا لمبتدأ محذوف هو «هذا» . [.....]
(2) ذكره الزجاج في معانيه: 3/ 318.
وانظر إعراب القرآن للنحاس: 3/ 4، وزاد المسير: 5/ 206، والتبيان للعكبري:
2/ 865.
(3) قال الزجاج في معانيه: 3/ 319: «والموالي واحدهم مولى، وهم بنو العم وعصبة الرجل، ومعناه الذين يلونه في النسب كما أن معنى القرابة الذين يقربون منه في النسب» .
وانظر تفسير الماوردي: 2/ 516، وزاد المسير: 5/ 207.
(4) معاني القرآن للزجاج: 3/ 320.
(5) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 516 دون عزو.
(6) ينظر تفسير الطبري: 16/ 49، ومعاني القرآن للزجاج: 3/ 320، وتفسير الماوردي:
2/ 517.
(7) في الأصل: «ولد» .
(8) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 2/ 517، وذكره الفخر الرازي في تفسيره:
21/ 189.
وراجع ص (144) عند تفسير قوله تعالى: قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ [آل عمران: 40] .

(2/533)


وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19)

عِتِيًّا: سنا عاليا «1» .
13 وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا: رحمة من عندنا «2» . وقيل «3» : تعطفا وتحنّنا على عبادنا، أو على دعاء الناس إلينا.
وَزَكاةً: تطهيرا لمن يدعوه إلى الله «4» ، أو زكيناه بالثناء عليه «5» .
16 انْتَبَذَتْ
: تباعدت واحتجبت لتعبد الله «6» .
19 زَكِيًّا
: ناميا على الخير والبركة «7» .
«البغيّ» «8» الفاجرة «9» ، مصروفة عن الباغية «10» ، أو بمعنى
__________
(1) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 2، وتفسير الماوردي: 2/ 517، وتفسير البغوي: 3/ 189.
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (16/ 55، 56) عن ابن عباس، وقتادة، وعكرمة، والضحاك.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 519 عن ابن عباس، وقتادة.
وذكره الفراء في معانيه: 2/ 163، وأبو عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 2، والزجاج في معانيه: 3/ 322.
(3) أخرجه الطبري في تفسيره: 16/ 56 عن مجاهد.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 519 عن مجاهد أيضا.
(4) ذكره الزجاج في معانيه: 3/ 322، وابن عطية في المحرر الوجيز: 9/ 437.
ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 214 عن الزجاج.
(5) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 2/ 519.
(6) معاني القرآن للزجاج: 3/ 323، وتفسير القرطبي: 11/ 90.
(7) ذكر نحوه الفخر الرازي في تفسيره: 19/ 200.
وقال الطبري في تفسيره: 16/ 61: «والغلام الزكي: هو الطاهر من الذنوب، وكذلك تقول العرب: غلام زاك وزكى، وعال وعليّ» . [.....]
(8) في قوله تعالى: قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا [آية: 20] .
(9) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 164، وتفسير البغوي: 3/ 191، وزاد المسير: 5/ 217.
(10) فهي فعيل بمعنى فاعل، ذكر هذا الوجه ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 218 عن ابن الأنباري.

(2/534)


فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24)

المفعولة «1» ، كقولك: نفس قتيل، وكفّ خضيب.
23 فَأَجاءَهَا: ألجأها أو جاء بها «2» .
نَسْياً مَنْسِيًّا: مصدر موصوف من لفظه، كقوله «3» : حِجْراً مَحْجُوراً.
وقيل: النّسي ما يرمى به لوقاحته.
24 تَحْتَكِ سَرِيًّا: شريفا وجيها «4» .
وقيل «5» : السّريّ: النهر الصغير ليكون الرطب طعامها والنهر شرابها.
__________
(1) البحر المحيط: 6/ 181.
(2) معاني القرآن للفراء: 2/ 164، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 4، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 273.
(3) سورة الفرقان: آية: 22.
(4) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 16/ 70 عن الحسن، وابن زيد.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 522 عن الحسن، وعزاه ابن الجوزي في زاد المسير:
5/ 222 إلى الحسن، وعكرمة، وابن زيد.
(5) ذكر الإمام البخاري في صحيحه: 4/ 140، كتاب الأنبياء، باب قوله تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ تعليقا موقوفا على البراء بن عازب قال: «سريا» : نهر صغير بالسريانية.
وأخرجه عبد الرازق في تفسيره: 326 عن البراء، والحاكم في المستدرك: 2/ 373، كتاب التفسير، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.
وأخرجه الطبري في تفسيره: (16/ 69، 70) عن البراء بن عازب، وابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، والضحاك، وقتادة.
ورجحه الطبري فقال: «وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قيل من قال: عني به الجدول، وذلك أنه أعلمها ما قد أعطاها الله من الماء الذي جعله عندها، وقال لها:
وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا فَكُلِي من هذا الرطب، وَاشْرَبِي من هذا الماء، وَقَرِّي عَيْناً بولدك، و «السري» معروف من كلام العرب أنه النهر الصغير ... » اه.
وانظر معاني القرآن للفراء: 2/ 165، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 5، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 274.

(2/535)


وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)

25 تُساقِطْ: تتساقط، أدغمت التاء في السين «1» .
رُطَباً: نصب على التمييز «2» ، أو على وقوع الفعل لأنّ التساقط متعد كالتقاضي والتناسي، قال الله تعالى «3» : فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ، أو التقدير: هزي رطبا جنيا بجذع النخل تساقط عليك «4» .
27 فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ: يجوز تَحْمِلُهُ حالا منها ومنه ومنهما «5» ، ولو كان تحمله إليهم لجاز حالا منهم أيضا لحصول الضمائر في الجملة التي هي حال.
فَرِيًّا: عجيبا «6» ، أو مفترى من الفرية «7» .
29 مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا: أي: من يكن في المهد صبيا كيف نكلمه «8» ؟.
34 ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ: أي: ذلك الذي قال: إني عبد الله
__________
(1) ورد هذا التوجيه لقراءة حمزة بفتح التاء والتخفيف.
ينظر إعراب القرآن للنحاس: 3/ 12، وحجة القراءات: 442، والكشف لمكي:
2/ 88.
(2) معاني القرآن للزجاج: 3/ 326، والتبيان للعكبري: 2/ 872.
(3) سورة طه: آية: 62.
(4) ينظر وجوه الإعراب في هذه الآية في معاني القرآن للزجاج: 2/ 325، وإعراب القرآن للنحاس: (3/ 12، 13) ، ومشكل إعراب القرآن لمكي: 2/ 452، والتبيان للعكبري:
2/ 672، والبحر المحيط: 6/ 185.
(5) ينظر إعراب القرآن للنحاس: 3/ 14، والتبيان للعكبري: 2/ 673.
(6) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 7، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 274. [.....]
(7) هذا قول اليزيدي في غريب القرآن: 238، قال: «يقال فريت الكذب وافتريته وكذلك تَخْلُقُونَ إِفْكاً تصنعونه. خلقت الكذب واختلقته مثل فريته وافتريته، ومنه إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ، أي: افتراء الأولين ... » .
(8) عن معاني القرآن للزجاج: 3/ 328، وقال: «يكون «من» في معنى الشرط والجزاء ويكون المعنى: من يكن في المهد صبيا- ويكون صَبِيًّا حالا- فكيف نكلمه. كما تقول: من كان لا يسمع ولا يعقل فكيف أخاطبه» .

(2/536)


فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (38) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (39) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (40) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47)

عيسى بن مريم لا ما تقول النصارى أنه ابن الله «1» .
قَوْلَ الْحَقِّ: أي: هو قول الحق وكلمته، أو الذي تلوناه من صفته وقصّته قَوْلَ الْحَقِّ.
37 فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ: تحزبوا إلى يعقوبيّة، وملكائيّة، ونسطورية [60/ أ] وغيرها «2» .
38 أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا: أي: لئن عموا وصمّوا عن الحقّ في الدّنيا فما أسمعهم يوم لا ينفعهم!.
44 لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ: لا تطعه فيما سول.
45 فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا: موكولا إليه وهو لا يغني عنك شيئا.
46 لَأَرْجُمَنَّكَ: لأرمينّك بالشّتم «3» ، وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا: حينا طويلا.
47 حَفِيًّا: لطيفا رحيما «4» ، والحفاوة: الرأفة والكرامة «5» .
__________
(1) ذكره الزجاج في معانيه: 3/ 329، والماوردي في تفسيره: 2/ 526.
ونقله البغوي في تفسيره: 3/ 195، وابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 231 عن الزجاج.
(2) هذه الفرق الثلاث نسبة إلى ثلاثة من علماء النصارى هم: يعقوب، وملكاء، ونسطور.
فقالت اليعقوبية: عيسى هو الله، هبط إلى الأرض ثم صعد إلى السماء. وقالت الملكائية:
هو عبد الله ونبيه، وقالت النسطورية: إنه ابن الله.
ينظر تفسير الطبري: 16/ 84، وتفسير البغوي: 3/ 196، وتفسير القرطبي: 11/ 108، وتفسير ابن كثير: (5/ 225، 226) ، وتفسير البيضاوي: 2/ 34.
(3) ذكره الفراء في معانيه: 2/ 169، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 274، والطبري في تفسيره: 16/ 91.
وقال الزجاج في معانيه: 3/ 332: «يقال: فلان يرمي فلانا ويرجم فلانا، معناه يشتمه، وكذلك قوله عز وجل: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ، معناه: يشتمونهن، وجائز أن يكون لَأَرْجُمَنَّكَ لأقتلنك رجما، والذي عليه التفسير أن الرجم هاهنا الشتم» .
(4) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 169، وتفسير الطبري: 16/ 92، ومعاني الزجاج:
3/ 333، والمفردات للراغب: 125.
(5) اللسان: 14/ 187 (حفا) .

(2/537)


وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52) وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (53) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)

52 وَقَرَّبْناهُ: قرّب «1» من أعلى الحجب حتى سمع صرير «2» القلم.
57 وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا: رفع إلى السّماء الرابعة «3» ، وروي:
__________
(1) هو موسى عليه الصلاة والسلام.
(2) في «ك» : «صريف» ، وصرير القلم صوته.
وأخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (16/ 94، 95) عن ابن عباس، وأبي العالية.
وأخرجه الحاكم في المستدرك: 2/ 373، كتاب التفسير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 515، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد عن أبي العالية، كما عزا إخراجه إلى سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير.
(3) أي: إدريس عليه السلام.
وقد ورد هذا القول في أثر أخرجه الترمذي في سننه: 5/ 316، كتاب تفسير القرآن، باب «ومن سورة مريم» عن قتادة قال: حدثنا أنس بن مالك أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «لما عرج بي رأيت إدريس في السماء الرابعة» .
قال الترمذي: وفي الباب عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال: وهذا حديث حسن وقد رواه سعيد بن أبي عروبة وهمام وغير واحد عن قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم، حديث المعراج بطوله، وهذا عندنا مختصر من ذاك» اه.
وأخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (16/ 96، 97) عن أنس مرفوعا.
وأخرجه عن أبي سعيد الخدري، وكعب، ومجاهد.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 518، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وابن مردويه.
عن قتادة عن أنس مرفوعا.
وأخرج البخاري ومسلم عن مالك بن صعصعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث المعراج: أنه رأى إدريس في السماء الرابعة.
ينظر صحيح البخاري: 4/ 77، كتاب بدء الخلق، باب «ذكر الملائكة صلوات الله عليهم» .
وصحيح مسلم: 1/ 150، كتاب الإيمان، باب «الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات» .

(2/538)


أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)

السّادسة «1» ، وروي: السّابعة «2» .
58 بُكِيًّا «3» : جمع «باك» ، ك «شاهد» ، و «شهود» «4» ، ويجوز مصدرا بمعنى البكاء «5» .
59 أَضاعُوا الصَّلاةَ: صلّوها في غير وقتها «6» .
يَلْقَوْنَ غَيًّا: خيبة وشرا «7» ، أو جزاء الغيّ على حذف المضاف «8» .
__________
(1) أخرجه الطبري في تفسيره: (16/ 96، 97) عن ابن عباس، والضحاك.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 529 عن ابن عباس رضي الله عنهما، والضحاك أيضا.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 518، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس، والضحاك.
(2) أورده ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 241، وقال: «حكاه أبو سليمان الدمشقي» .
(3) من قوله تعالى: إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا [آية: 58] .
(4) عن معاني القرآن للزجاج: 3/ 335.
وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 8، وتفسير الطبري: 16/ 98، وتفسير الماوردي:
2/ 530. [.....]
(5) رده الزجاج في معانيه: 3/ 335 قائلا: «ومن قال: بُكِيًّا هاهنا مصدر فقد أخطأ لأن سُجَّداً جمع ساجد، وبُكِيًّا عطف عليه، ويقال: بكى بكاء وبكيا» اه.
وانظر القول الذي أورده المؤلف- رحمه الله- في إعراب القرآن للنحاس: 3/ 21، ومشكل إعراب القرآن لمكي: 2/ 456، والبيان لابن الأنباري: 2/ 128، والبحر المحيط: 6/ 200.
(6) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 16/ 98 عن القاسم بن مخيمرة.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 530 عن ابن مسعود، وعمر بن عبد العزيز.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 5/ 526، ونسب إخراجه إلى عبد بن حميد عن ابن مسعود رضي الله عنه.
كما عزا إخراجه إلى ابن أبي حاتم، والخطيب في «المتفق والمفترق» عن عمر بن عبد العزيز.
(7) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 16/ 101 عن ابن زيد.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 531، وابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 246 عن ابن زيد أيضا.
(8) ذكره الزجاج في معانيه: 3/ 336. وأورده ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 246 عن الزجاج.

(2/539)


جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (63) وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65) وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69)

61 مَأْتِيًّا: مفعولا من الإتيان «1» .
62 إِلَّا سَلاماً: اسم جامع للخير.
بُكْرَةً وَعَشِيًّا: مقدار ما بين الغداة والعشي على التمثيل بعادة الدنيا.
64 وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ: استبطأ جبريل- عليه السلام- فقال:
«ما يمنعك أن تزورنا أكثر» «2» .
ما بَيْنَ أَيْدِينا: من أمر الآخرة وَما خَلْفَنا: ما مضى من أمر الدنيا.
وَما بَيْنَ ذلِكَ: من الحال إلى يوم القيامة.
68 جِثِيًّا: باركين على الركب، وأصلها: «جثووا» فوقعت الواو طرفا قبلها ضمّة «3» .
69 أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا: أي: ننزع الأعتى فالأعتى.
وأَيُّهُمْ رفع على الحكاية «4» ، أي: الذي يقال أيّهم أشد. وعند
__________
(1) ذكره الزجاج في معانيه: 3/ 336، وقال: «لأن كل ما وصل إليك فقد وصلت إليه، وكل ما أتاك فقد أتيته، يقال: وصلت إلى خبر فلان ووصل إليّ خبر فلان، وأتيت خبر فلان وأتاني خبر فلان، فهذا على معنى: أتيت خبر فلان» .
(2) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: 5/ 237، كتاب التفسير، باب قوله تعالى: وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ.
وانظر تفسير الطبري: 16/ 103، وأسباب النزول للواحدي: 347، وتفسير ابن كثير:
5/ 243.
(3) أصلها جثوو (جثوّ) ثم قلبت ياء فصارت «جثويا» ثم اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون في كلمة فقلبت الواو الأولى ياء وأدغمت الياء في الياء فصارت «جثيّا» ، وقلبت ضمة الثاء كسرة فصارت «جثيا» ثم أتبعت حركة الثاء فقلبت كسرة فقالوا: «جثيا» ، فحركة الجيم اتباعا لحركة الثاء، وحركة الثاء لمجانسة الياء بعدها.
وينظر إعراب القرآن للنحاس: 3/ 23، والبيان لابن الأنباري: 2/ 130.
(4) هذا قول الخليل كما في الكتاب لسيبويه: 2/ 399.
واختاره الزجاج في معانيه: 3/ 329.

(2/540)


وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74)

سيبويه «1» هو مبنيّ بتقدير: الذي هو أشدّ، فلما حذف «هو» واطّرد الحذف صار كبعض الاسم فبني.
71 وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها: ورود حضور ومرور «2» . وقال رجل من الصّحابة- لآخر: أيقنت بالورود؟ قال: نعم، قال: وأيقنت بالصّدر؟ قال:
لا، قال: ففيم الضحك؟ ففيم التثاقل «3» ؟!.
73 نَدِيًّا: مجلسا «4» ، ندوت القوم أندوهم: جمعتهم فندوا:
اجتمعوا «5» .
74 وَرِءْياً: مهموزا «6» على وزن «رعي» اسم المرئيّ، رأيته رؤية ورأيا، والمصدر رئي كالرّعي والرّعي، أي: أحسن متاعا ومنظرا «7» .
__________
(1) الكتاب: 2/ 398.
(2) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: 16/ 110 عن قتادة.
ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 256 عن عبيد بن عمير.
(3) نقل ابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 255 عن الحسن البصري أنه قال: «قال رجل لأخيه:
يا أخي أتاك إنك وارد النار؟ قال: نعم، قال: فهل أتاك أنك خارج منها؟ قال: لا، قال:
ففيم الضحك؟!» .
وأورد نحوه القرطبي في التذكرة: 404 عن الحسن رحمه الله تعالى.
قال القرطبي رحمه الله: «وقد أشفق كثير ممن تحقق الورود، والجهل بالصدر. كان أبو ميسرة إذا أوى إلى فراشه يقول: ليت أمي لم تلدني. فتقول له امرأته: يا أبا ميسرة إنّ الله قد أحسن إليك وهداك إلى الإسلام، قال: أجل، ولكن الله قد بين لنا أنّا واردو النار ولم يبين لنا أنا صادرون» .
(4) معاني القرآن للفراء: 2/ 171، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 10، وغريب القرآن لليزيدي: 241.
(5) اللسان: 15/ 317 (ندى) .
(6) قراءة عاصم، وابن كثير، وأبي عمرو، وحمزة، والكسائي.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 411، وحجة القراءات: 446، والتبصرة لمكي: 256. [.....]
(7) معاني القرآن للفراء: 2/ 71، وغريب القرآن لليزيدي: 241، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 275.

(2/541)


قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (75) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77)

[60/ ب] وأمّا/ الرّيّ «1» - مشدّدا- فمن ريّ الشّباب وأنواع النعمة.
75 فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا: فليدعه في ضلالته وليمله في غيّه، واللّفظ أمر والمعنى خبر «2» .
76 وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ: الطاعات التي تسلم من الإحباط وتبقى لصاحبها.
وَخَيْرٌ مَرَدًّا: مرجعا يردّ إليه.
77 أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا: العاص بن وائل السّهمي «3» .
__________
(1) وهي قراءة نافع، وابن عامر.
(2) عن معاني القرآن للزجاج: 3/ 343.
ونص كلامه هناك: «هذا لفظ أمر في معنى الخبر، وتأويله أن الله- عز وجل- جعل جزاء ضلالته أن يتركه فيها، ويمده فيها، كما قال جل وعز: مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ [الأعراف: 186] إلّا أن لفظ الأمر يؤكد معنى الخبر، كأن لفظ الأمر يريد به المتكلم نفسه إلزاما، كأنه يقول: أفعل ذلك وآمر نفسي به، فإذا قال القائل: من رآني فلأكرمه، فهو ألزم من قوله: أكرمه، كأنه قال: من زارني فأنا آمر نفسي بإكرامه وألزمها ذلك» اه.
وانظر تفسير الطبري: 16/ 119، وتفسير البغوي: 3/ 207، والمحرر الوجيز: 9/ 522، وتفسير القرطبي: 11/ 144.
(3) ورد ذلك في صحيح البخاري وصحيح مسلم من رواية أخرجاها عن خبات بن الأرت رضي الله عنه قال: «كنت قينا في الجاهلية، وكان لي دين على العاص بن وائل. قال:
فأتاه يتقاضاه، فقال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم. فقال: «والله لا أكفر حتى يميتك الله ثم تبعث. قال: فذرني حتى أموت ثم أبعث فسوف أوتي مالا وولدا فأقضيك. فنزلت هذه الآية: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً اه.
اللفظ للبخاري في صحيحه: 5/ 238، كتاب التفسير، باب قوله تعالى: كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا.
وهو في صحيح مسلم: 4/ 2153 كتاب «صفات المنافقين وأحكامهم» ، باب «سؤال اليهود النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الروح» .
وانظر تفسير الطبري: 16/ 120، وأسباب النزول للواحدي: 349، والتعريف والإعلام:
111.

(2/542)


أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82) أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86)

78 عَهْداً: أي: عهد بعمل صالح قدّمه «1» .
لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً: أي: إذا بعثت.
79 سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ: نحفظه عليه.
80 وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ: نجعل المال والولد لغيره ونسلبه ذلك.
و «الولد» «2» : جمع كأسد ووثن.
83 أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ: خلّيناهم وإيّاهم «3» .
تَؤُزُّهُمْ أَزًّا: تزعجهم إزعاجا «4» .
84 نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا: أي: أعمالهم للجزاء وأنفاسهم للفناء.
85 وَفْداً: ركبانا مكرّمين.
86 وِرْداً: عطاشا «5» . من ورود الإبل.
__________
(1) ذكره الطبري في تفسيره: 16/ 122، ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 536 عن قتادة، وكذا البغوي في تفسيره: 3/ 208، وابن الجوزي في زاد المسير: 5/ 361.
(2) على قراءة «ولد» بضم الواو، وهي لحمزة والكسائي كما في السبعة لابن مجاهد: 412، والتبصرة لمكي: 257، والتيسير للداني: 150.
وانظر توجيه المؤلف لهذه القراءة في الكشف لمكي: 2/ 92، والبحر المحيط: 6/ 213.
(3) ذكره الزجاج في معانيه: 3/ 345، وذكر وجها آخر وقال: «وهو المختار أنهم أرسلوا عليهم وقيضوا لهم بكفرهم كما قال عز وجل: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف: 35] ... ومعنى الإرسال هاهنا التسليط، يقال: قد أرسلت فلانا على فلان: إذا سلّطته عليه، كما قال: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ، فأعلم الله عز وجل: أن من اتبعه هو مسلط عليه» اه.
وانظر المحرر الوجيز: 9/ 533.
(4) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 16/ 125 عن قتادة.
وانظر هذا المعنى في معاني القرآن للفراء: 2/ 172، ومعاني الزجاج: 3/ 345، وتفسير القرطبي: 11/ 150.
(5) بلغة قريش كما في كتاب لغات القبائل: 189 عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
وأخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (16/ 127، 128) عن ابن عباس، وأبي هريرة، والحسن، وقتادة، وسفيان.

(2/543)


لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)

89 إِدًّا: منكرا عظيما «1» .
90 هَدًّا: هدما بشدة صوت «2» .
96 وُدًّا: محبة في قلوب النّاس «3» .
97 لُدًّا: ذوي جدل بالباطل.
98 رِكْزاً: صوتا خفيا «4» .
95 فَرْداً: لا أنصار له ولا أعوان كلّ امرئ مشغول بنفسه.
__________
(1) تفسير الطبري: 16/ 129، ومعاني الزجاج: 3/ 346، والمفردات للراغب: 14.
(2) تفسير الطبري: 16/ 130، والمفردات: 537.
(3) نص هذا القول في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 276.
وأخرج نحوه الطبري في تفسيره: 16/ 132 عن ابن عباس، ومجاهد.
(4) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 14، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 276، وتفسير الطبري: 16/ 134، ومعاني الزجاج: 3/ 347، والمفردات: 202.

(2/544)